الكتاب: إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع المؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845هـ) المحقق: محمد عبد الحميد النميسي الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999 م عدد الأجزاء: 15   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- إمتاع الأسماع المقريزي الكتاب: إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع المؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845هـ) المحقق: محمد عبد الحميد النميسي الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999 م عدد الأجزاء: 15   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ـ[إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع]ـ المؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845هـ) المحقق: محمد عبد الحميد النميسي الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999 م عدد الأجزاء: 15 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الكتاب: إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع المؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845هـ) المحقق: محمد عبد الحميد النميسي الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999 م عدد الأجزاء: 15 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] [ المجلد الأول ] [ مقدمة المحقق ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الفتح: 29] . صدق اللَّه العظيم الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 1 الإهداء إلى صاحب الخلق العظيم.. والخلق القويم.. إلي سيدنا ومولانا محمد، الفاتح لما أغلق.. والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق.. والهادي إلى صراط مستقيم.. وعلي آله وصحبه حقّ قدره ومقداره العظيم. أهدي هذا الجهد المتواضع من عنايتي بسيرته العطرة، راجيا أن أنال به الشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر، آملا أن ألقاه علي الحوض- إن كنت أهلا لذلك- وحتى ذلك الحين، له مني صلاة وسلاما دائمين إلي يوم الدين، في كل نفس، ولمحة، وطرفة عين، كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 2 دعاء «لا أحوجك اللَّه إلي اقتضاء ثمن معروف أسديته، ولا ألجأك إلي قبض عوض عن جميل أوليته، ولا جعل يدك السفلي لمن كانت عليه هي العليا. وأعاذك من عز مفقود، وعيش مجهود. وأحياك ما كانت الحياة أجمل لك، وتوفاك إذا كانت الوفاة أصلح لك، بعد عمر مديد، وسموّ بعيد، وختم بالحسنى عملك، وبلغك في الأولى أملك، وسدد فيها مضطربك، وأحسن في الأخرى منقلبك، إنه سميع قريب، جواد مجيب» . التقي المقريزيّ، (السلوك في معرفة دول الملوك) : 1/ 1. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 3 تقديم * بقلم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد جميل غازي [إن الحمد للَّه نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا وأن محمدا عبد اللَّه ورسوله] . أما بعد: - فهذا كتاب من كتب التراث الإسلامي، عهد إلي بمراجعة تحقيقه، تمهيدا لإخراجه للدارسين والباحثين من أبناء هذه الأمة، والمنتفعين بعلمها وثقافتها، وهو واحد من الكتب التي منيت بما مني بها كثير من تراثنا الفكري والحضاريّ من الإهمال والضياع والتشويه. - إنه كتاب: إمتاع الأسماع بما للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأبناء والأحوال والحفدة والمتاع. لمؤلفه: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبي العباس الحسيني. العبيدي، تقي الدين المقريزي، رحمه اللَّه. إنني أعلم- ويعلم مؤرخو الفكر البشري، وراصدو خطو الحركة الثقافية الإنسانية علي أرض اللَّه- ما لهذا التراث الإسلامي من ثراء، وقوة، وجدية، وقدرة علي الإعطاء، والإثراء، والزيادة. وإنني أعلم- أيضا- مدى ما يعانيه هذا التراث المجيد من ضياع وإهمال، علي الرغم من كثرة المؤسسات القائمة علي نشره وإذاعته هذه المؤسسات التي يعمل كثير منها بدافع الكسب المادي قبل كل شيء، وفوق أي اعتبار- ولا يهمها أن يخرج الكتاب علي الناس موثقا أو غير موثق، محققا الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 4 أو غير محقق، بريئا من التحريف، أو يعتريه التحريف، في كل صفحاته وفقراته. لقد عانى التراث العربيّ من هذه المؤسسات الكثيرة، وما زال يعاني، وكم كنا نود أن تقوم هيئة عليا لوضع برنامج لأولويات نشر التراث، يكون ملزما لجميع الناشرين، بحيث لا يخرج الكتاب الواحد في عدة طبعات في آن واحد!! في الوقت الّذي لا تري النور ألوف من المخطوطات!! وبحيث لا يخرج الكتاب علي الناس محرفا، غير مقروء قراءة صحيحة، تلك مهمة هيئة عليا، ننتظر أن تقوم، إن صلحت النيات، وقويت الرغبة في الخير، وأريد لهذه الأمة أن تسلك مسالك الصلاح والإصلاح. وهذا الكتاب الّذي بين أيدينا، وأحد من آثار المقريزي العلمية، وجزء من تراثه الكبير. والمقريزي مؤخر، أديب، فقيه، رواية، له أثر كبير في نفسي، ونفوس الكثيرين من دراسيه وعارفي فضله. ولقد وقفت وتعرفت علي كثير من أعماله التاريخية، والأدبية، والدينية، رأيته عالما جليلا، تأثر بمن سبقوه، وأثر فيمن جاءوا بعده، وكان لتأثره وتأثيره أثر كبير في إنتاجه الثقافي الّذي أربى علي مائتي مجلد!! إن المقريزي علم من الأعلام الذين ينبغي أن نعني بدراستهم، ونهتم بتراثهم وآرائهم، وقد آلمني- أثناء دراستي للرجل، ولحياته- أن أجد كتب التراجم قد هجرت الرجل هجرا غير جميل، فلم تشر إليه إلا إشارات عابرة لا تكفي في تكوين فكرة عن الرجل، أو إلقاء ضوء علي حياته! الأمر الّذي يجعل الدارسين لحياة الرجل، والكاتبين لترجمته، يجدون عناء شديدا فيما يقصدون إليه، ويريدون له، فإنّهم ينقبون فيما كتبه الرجل، لا فيما كتب عنه، فما كتبه كثير، وما كتب عنه قليل، بل دون القليل!. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 5 إن المقريزي معلم من معالم الكتابة التاريخية الإسلامية، له آراؤه الصائبة، ورؤيته الواضحة، ومنهجه البين، وشخصيته المتميزة، وتراثه، كان، وسيظل مثابة تهوي إليها عقول الدارسين، والباحثين، ورواد المعرفة، مع أن الّذي طبع منه ونشر قليل وضئيل، إذا قيس بما لم يطبع ولم ينشر. ولذا، فإن من حق المقريزي علينا- نحن الذين درسناه، وعرفناه، واستفدنا من علمه- أن نعني بتراثه، نشرا، وإخراجا، حتى يكون متاحا، وميسرا للعلماء وطلاب العلم، حيثما كانوا من ارض اللَّه. وقبل أن ارفع القلم عن هذه المقدمة القصيرة، أتمهل لأنوه بالمجهود المشكور الّذي قام به الأخ المحقق: الأستاذ الشيخ/ محمد عبد الحميد النميسي، لقد عكف علي هذا الكتاب الكبير، المترامي الأطراف، في السيرة، والخصائص، والشمائل، دارسا لفصوله، محققا لأصوله، شارحا لغريبه، مناقشا لآرائه مخرجا لنقوله، وقد أحسن فيما قصد إليه، فجزاه اللَّه عن العلم وأهله خير الجزاء. وإنني إذ أنهي هذه المقدمة، أرجو أن أكون قد وفقت، فيما إليه قصدت والحمد للَّه الّذي بحمده تتم الصالحات. ويا رب العالمين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين. دكتور محمد جميل غازي رئيس المركز الإسلامي العام لدعاة التوحيد والسنة بمصر وكبير الباحثين بالمجلس الأعلى للثقافة [سابقا] الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 6 ترجمة المقريزي [ (1) ] اسمه: هو أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم تقي الدين المقريزي، [بفتح الميم نسبة إلي مقريز- محلة من بعلبكّ] البعلي ثم المصري الفقيه المؤرخ الشافعيّ.   [ (1) ] مصادر ترجمة المقريزي: - (هدية العارفين للبغدادي) : 5/ 127. - (السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي) : 1/ 22- 23، 3/ 52 وما بعدها. - (الدر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر) : 2/ 291- دار الجيل- بيروت. - (إنباء الغمر لابن حجر) : 9/ 171- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- القاهرة. - (دراسات عن المقريزي) ، د. محمد مصطفى زيادة، د. جمال الدين الشيال، في آخرين، هيئة الكتاب- القاهرة. - (المقريزي مؤرخا) : د. محمد كمال الدين عز الدين علي، رقم (6) من سلسلة المؤرخين، عالم الكتب- القاهرة. - (أربعة مؤرخين، وأربعة مؤلفات من دولة الممالك الجراكسة) : د. محمد كمال الدين عز علي رقم (53) من سلسلة تاريخ المصرين- هيئة الكتاب- القاهرة. - (الحسبة في مصر الإسلامية من الفتح العربيّ إلي نهاية العصر المملوكي) : د. سهام مصطفى أبو زيد- هيئة الكتاب القاهرة. - (البذل والبرطلة زمن سلاطين المماليك) : أحمد عبد الرزاق أحمد، دراسة عن الرشوة- هيئة الكتاب- القاهرة. - (المقريزي وكتابه درر العقود الفريدة- في تراجم الأعيان المفيدة) : دراسة وتحقيق د. محمد كمال الدين عز الدين علي- عالم الكتب- القاهرة. - (ضوء الساري في معرفة خبر تميم الداريّ) للمقريزي: المقدمة، تحقيق وتعليق د. محمد أحمد عاشور. - (معرفة ما يجب لآل البيت النبوي للمقريزي) : المقدمة، تحقيق وتعليق د. محمد أحمد عاشور، هو والّذي قبله، طبع دار الاعتصام- القاهرة. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 7 مولده: ولد سنة 766 هـ (1364 م) بحارة برجوان، بقسم الجمالية، بمحافظة القاهرة، بمصر. نشأته: نشأ المقريزي في أسرة معروفة بالاشتغال بالعلم في دمشق وبعلبكّ والقاهرة. وعبر عشرين سنة- هي سنوات طفولته ومراهقته وشبابه- شهد المقريزي حوادث ذلك العصر الآفل من نافذته الفكرية المصرية البعيدة عن شئون الدولة المملوكية وأمرائها الذين جعلوا من السلاطين الأطفال وأشباه الأطفال وقتذاك، ستارا رقيقا شفافا ساذجا يعملون من ورائه لتحقيق مطامعهم. ثقافته: وفي وسط تلك الحوادث الصاخبة المتقلبة، عكف الشاب أحمد المقريزي على الدراسة التقليدية لأبناء طبقته، وهي دراسة علوم الدين وحفظ القرآن ومعرفة النحو ودراسة الفقه والتفسير، والحديث، وبعض العلوم الأخرى مثلي التاريخ، وتقويم البلدان، والأدب، والحساب. مصادر ثقافته: ترجع مصادر ثقافة المقريزي إلي: 1- أنه كان يملك مكتبة كبيرة ضخمة تضم العديد من الكتب في مختلف أنواع العلم والمعرفة المتداولة في عصره، والدليل واضح في الكثرة الكثيرة من المراجع التي أشارت في مؤلفاته إلي أنه رجع إليها وأخذ عنها. 2- أنه ولى وظائف كثيرة مختلفة، مكنته من التعرف علي دولاب العمل وكيف يدار، وعلي مختلف النظم الإدارية والمالية، وعلي أحوال الشعب الاجتماعية والاقتصادية. 3- اشتغاله بعلمي الحديث والتاريخ، وهما علمان يعتمدان أصلا علي الجرح والتعديل، والنقد والتحليل، والتثبت من كل قول، أو رواية أو حقيقة علمية. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 8 شخصية المقريزي: أودع المقريزي في صفحة العنوان من كتاب [السلوك لمعرفة دول الملوك] ، شيئا من صفاته الشخصية، حيث يقول بعد كتابة اسم الكتاب واسمه هو، وكأنما يخاطب نفسه: [لا أحوجك اللَّه إلي اقتضاء ثمن معروف أسديته، ولا ألجأك إلي قبض عوض عن جميل أوليته، ولا جعل يدك السفلي لمن كانت عليه هي العليا، وأعاذك من عز مفقود، وعيش مجهود، وأحياك ما كانت الحياة أجمل لك، وتوفاك إذا كانت الوفاة أصلح لك، بعد عمر مديد، وسمو بعيد، وختم بالحسنى عملك، وبلغك في الأولى أملك، وسدد فيها مضطربك، وأحسن في الأخرى منقلبك، إنه سميع قريب، جواد منيب] . الوظائف التي تولاها المقريزي: التحق المقريزي بالخدمة الحكومية، بعد أن غدا بحكم طبقته وتعليمه من [أهل العلم والمعرفة] وهي التسمية المخصصة لهذه الطبقة تمييزا لها عن طبقة [أهل السيف] وهم المماليك وحدهم، دون غيرهم من سكان البلاد المصرية والشامية جميعا. وأول عهد المقريزي بالخدم الحكومية كأبيه من قبله: [ديوان الإنشاء بالقلعة] ، وهو الديوان الّذي يقابله في العصر الحاضر [وزارة الخارجية] ، فعمل المقريزي الشاب سنة 1388 م موقعا- أي كاتبا- وهي وظيفة لا يبلغها وقتذاك سوى أصحاب الموهبة والمعرفة والتفوق في اللغة والأدب والتاريخ. ثم تعين المقريزي نائبا من نواب الحكم- أي قاضيا- عند قاضي قضاة الشافعية بسبب ما اشتهر عنه من الحماسة للمذهب الشافعيّ منذ أيام دراسته، وتحوله عن مذهب الحنفية الّذي نشأ فيه، ثم صار المقريزي إمام الجامع الحاكم الفاطمي، وهي وظيفة في ذلك العصر. وتولى المقريزي بعد ذلك وظيفة مدرس للحديث بالمدرسة المؤيدية، وهي وظيفة يقابلها في المصطلح الجامعي في العصر الحاضر [أستاذ ذو كرسي] . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 9 - وربما كان تعين أحمد المقريزي في تلك الوظيفة التعليمية بتوصية خاصة من أستاذه [عبد الرحمن بن خلدون] لدى صديقه [السلطان برقوق] . ثم انتقل المقريزي من التدريس إلي الحسبة حين عينه [السلطان برقوق] سنة 1398 م محتسبا للقاهرة والوجه البحري، فانتقل بذلك من دائرة الإدارة والاختلاط بمختلف طبقات المجتمع، ذلك أن وظيفة المحتسب التي يقابلها في الوقت الحاضر عدة وظائف وزارية شملت وقت ذاك النظر في الأسعار الجارية، وأحوال النقود، وضبط الموازين والمكاييل والمقاييس، ومراقبة الآداب العامة ونظافة الشوارع، وتنظيم حركة المرور، مع الإشراف علي المدارس والمدرسين والطلاب، والعناية بالمساجد والحمامات والوكالات، فضلا عن مراقبة أصحاب الصناعات الفنية من الأطباء، والصيادلة، والمعلمين [أي المهندسين المعماريين] . ويضاف إلي هذه الواجبات الكثيرة الداخلة في اختصاص المحتسب أحوال الباعة الجائلين، والمتعيشين، والشحاذين، والمتعطلين الذين كانوا خطرا دائما علي الأمن. ويتضح من ضخامة هذه الوظيفة ومسئوليتها أن أحمد بن علي المقريزي الّذي تعين عليها بأمر [السلطان برقوق] ، لا بدّ أنه اشتهر وقتذاك بالكفاية والدقة في الإدارة والأمانة في تطبيق الأحكام الشرعية. غير أنه لم يلبث أن تنحى عن هذه الوظيفة مرتين في عامين متتالين، إذ ضاق بمسئوليتها التي شغلت وقته ليلا ونهارا، وصرفته عن القراءة، وتطلبت منه الجلوس في دكة المحتسب -[بوابة المتولي الحالية]- للفصل في شكاوى السوق والسوقة، وتوقيع عقوبات علي المخالفين، وإصدار الأوامر إلي العرفاء والأعوان والنقباء، مع العلم بأن وظيفة [محتسب القاهرة] شملت الوجه البحري كله. مؤلفات المقريزي: ترك المقريزي- رحمه اللَّه- مؤلفات عديدة، في مجال التاريخ، والأنساب، والعقائد، والفقه، والأدب، والعلوم البحتة، زادت علي الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 10 نحو مائتي مجلدة كبار في مكتبات العالم، أو المثبت عنواناته لدى من ترجم له، أو اعتني بالفهرسة العامة للمؤلفات العربية، ويمكن إجمال مؤلفاته علي النحو التالي: 1- (اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء) : أرخ فيه المقريزي للدولة الفاطمية منذ قيامها في المغرب العربيّ، وحتى سقوطها في مصر، مترجما لخلفائها، مشيرا من خلال ترجماتهم إلي الحوادث الواقعة في زمانهم، وقد انتظمتها عدة حوليات متتابعة، مقدما لترجماتهم بالحديث عن أولاد علي بن أبي طالب وأعقابهم، مع تحقيق نسب الخلفاء الفاطميين، والتعريف بنشأة دولتهم في المغرب العربيّ، ومذيلا عليها بالتعريف برسوم دولتهم في مصر، وما عابه الفقهاء والمؤرخون عليهم، فضلا عما صار إليه أمر أهليهم وذويهم، بعد سقوط دولتهم في مصر. نشره بالقاهرة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، فيما بين سنتي (1967) ، (1973) ، في ثلاثة أجزاء بتحقيق الدكتور جمال الدين الشيال، والدكتور محمد حلمي عبد الهادي. 2- (أخبار قبط مصر) : وهو في تاريخ الأقباط، مستخرج من كتاب (المواعظ والاعتبار) . نشره هماكر بأمستردام سنة (1824) ، ونشره وستنفيلد بغوطا سنة (1845) . 3- (الإخبار عن الأعذار) : عالج المقريزي من خلاله موضوعا تاريخيا اجتماعيا، يدور حول ما يقام من ولائم في البناء [الزواج] ، والختان. ذكره السخاوي في (الضوء اللامع) : 2/ 22. 4- (إزالة التعب والعناء في معرفة الحال في الغناء) : ذكره ابن تغري بردي في (المنهل الصافي) : 1/ 398، السخاوي في (الضوء اللامع) : 2/ 23 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 11 * منه نسخة في دار الكتب [فهرس الخديوية] : 7/ 564، ونسحة بالمكتبة الوطنية بباريس. 5- (الإشارة والإيماء في حل لغز الماء) : وهو رسالة لطيفة الحجم، كتبها المقريزي يوم الثلاثاء، لأربع عشر ليلة خلت من المحرم سنة (823 هـ، 1420 م) علي سبيل التسلية، مستعرضا من خلالها معارفه الأدبية، واللغوية، والبلاغية، والفقهية، والعلمية البحتة، وهي تدور حول حل [تفسير] لغز الماء. لكن يعيب هذا المؤلف ما تخلل مادته من التسليم ببعض الخرافات ومستغربات الحدوث، مع احتوائه علي بعض المعاني المستغلقة، بعيدة المرمى، تحتاج إلى إيضاح. * توجد منه عدة نسخ خطية، في مسودتين، تحتفظ بهما مكتبة جامعة القاهرة، تحت رقمي (22075) و (26247) ضمن مجموع رسائل المقريزي- رحمه اللَّه- ومنه نسخة في دار الكتب المصرية [فهرس الدار] : 3/ 12، ونسخة في مكتبة نور العثمانية في استامبول برقم (4937/ 015) . 6- (الإشارة والإعلام ببناء الكعبة البيت الحرام) : أو تاريخ بناء الكعبة* ذكره المقريزيّ- رحمه اللَّه- في (الذهب المسبوك) : 26. منه نسخة خطية في دار الكتب الظاهرية بدمشق، وهي بخط المؤلف برقم (4805) ، وليدن برقم (943) . 7- (إغاثة الأمة بكشف الغمة) : وهي رسالة لطيفة الحجم، فرغ المقريزيّ- رحمه اللَّه- من تأليفها في المحرم سنة (808 هـ، 1405 م) كما ذكره هو في (إغاثة الأمة) : 43، 86، علي أثر المجاعات والكوارث الاقتصادية، التي لحقت بمصر فيما بين عامين (796 هـ) ، (808 هـ) عارضا من خلالها لما حل بمصر من غلاء، وما ترتيب عليه من مجاعات أو كوارث مجيحة فيما قبل نشوء الإسلام وبعده، حتى سنة ثمان وثمانمائة للهجرة، محصيا منها ستا وعشرين حادثة، خصّ مصر الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 12 الإسلامية منها عشرين، وردت علي سبيل التمثيل لا الحصر وقد أشير من خلالها إلي أن فيها ما هو أشدّ وأنكى من المحن المعاصرة، معللا لهذه المحن بأسباب طبيعية، كقصور جري النيل في مصر، وعدم نزول المطر في الشام، والعراق، والحجاز، وما يصيب الغلال من الآفات وسمائم الرياح. وأخرى غير طبيعية، ترجع إلى سوء تدبير ولاة الأمور، وتتحصر في أمور ثلاثة، هي: 1- ولاية الخطط السلطانية والمناصب الدينية بالرشاء. 2- غلاء إيجار الأطيان الزراعية علي مبلغ ما تغله الأرض من محصول. 3- رواج الفلوس النحاسية. وفي هذا العامل الأخير يكمن لب المشكلة وحلها في رأي المقريزيّ- رحمه اللَّه- ولذا صرف جل اهتمامه إليه، مستطردا منه إلي ثلاثة موضوعات، هي: 1- النقد الإسلامي، وتطور سك العملة، وأثره في النظام النقدي في مصر. 2- نشأة الفلوس المضروبة من النحاس الأحمر في مصر، وتراجع الدراهم المضروبة من الذهب لعدم ضربها، وسبكها حليا. 3- أسعار النقد [ذهبا وفضة] ، وبعض السلع الرئيسية من المحاصيل الزراعية. لكن شاب هذه الرسالة- كذلك- تسليم المقريزيّ- رحمه اللَّه- من خلال مادتها بكثير مما جاء في مصادره من المبالغات، أو مستغربات الحدوث، في مصر والشام. ومن ذلك إشارته إلي نطق ثور جبة عسال- قرية من قرى دمشق بالشام-. منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية [فهرس الدار] : 5/ 36، ونسخة خطية في مكتبة نور العثمانية برقم (4937/ 1) . نشره في القاهرة لجنة التأليف والترجمة والنشر، ط 2، 1957 م، بتحقيق الدكتور محمد مصطفى زيادة، والدكتور جمال الدين الشيال. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 13 8- (الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام) : هو رسالة لطيفة الحجم، كتبها المقريزي- رحمه اللَّه- أثناء مجاورته في مكة سنة تسع وثلاثين وثمانمائة (1435- 1436 م) ، مرتبا لها علي مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة قصيرة جدا، اقتصر فيها علي الصلاة والتسليم. * منه نسخ خطية في: مكتبة جامعة ليدن برقم (992) ، (993) ، مكتبة نور العثمانية برقم (4937/ 11) ، دار الكتب المصرية برقم (500) [فهرس الدار] : (5/ 38) مكتبة باريس، نسخة تاريخها (841 هـ) . وظهرت لهذا الكتاب طبعتان: نشره رينك، ليدن، سنة (1790 م) ، نشر في القاهرة سنة (1313 هـ) . 9- (إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنباء والأموال والحفدة والمتاع) : وهو مؤلف مطول في سيرة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، جمع مادته من مصادر رئيسية ومتعددة، محررا فيه الخلاف حول كثير من الوقائع، مع العناية بتحقيق الكثير من المسائل الفقهية المتصلة بحوادث السيرة، حدّث به المقريزيّ في مكة، أثناء مجاورته فيها سنتي (834 هـ) (1431 م) ، (839 هـ) (1436 م) . توجد منه نسخ خطية محتفظ بها في مكتبة كوبريللي- تركيا برقم (1004) ، كتبت في شوال سنة (839 هـ 1561 م) ، كوبريللي زاده محمد باشا كتابخانه سند محفوظ، صحيفة (66) وهي في جزء واحد ضخم، تقع في ستة أجزاء ضخمة، ضمت (919) ورقة، مقاسها 27* 40 سم، ومسطرتها نحو 35 سطرا، وعنها مصورتي: دار الكتب المصرية في القاهرة، برقم (886) تاريخ، ومعهد إحياء المخطوطات العربية في القاهرة، برقم (63) تاريخ، لكن عدد صفحاتها كما هو تحت يدي (1839) صفحة نسخة بمكتبة غوطا برقم (1830) ، وهي في ستة أجزاء، وهذه النسخة قد اعتمدناها في التحقيق، وهي ناقصة، وقد أنكر أمناء مكتبة غوطا أن تكون في ستة أجزاء، نسخة في مكتبة ليدن، برقم (871) ، وهي نسخة صغيرة ناقصة جدا، كما توجد نسخة أخرى في خزانة عموجة حسين باشا في الآستانة، برقم (354) طبع الجزء الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 14 الأول منه بتحقيق الأستاذ محمود محمد شاكر، القاهرة (1941) ، علي نفقة السيدة قوت القلوب الدمر داشية. ثم طبع نفس الجزء مصورا علي الأوفست في دولة قطر بإشراف الشيخ عبد اللَّه الأنصاري. ثم طبع الجزء الأول مرة أخرى بتحقيقنا، نشرته دار الأنصار بالقاهرة (1981) ، ثم أعيد نشر الكتاب كاملا بالمقدمة والفهارس في سبعة عشر مجلدا، نشرته دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، (1998) . 10- (الأوزان والأكيال الشرعية) : وهي رسالة في الموازين والمكاييل، منها نسخة خطية في: مكتبة ليدن، برقم (1014) ، دار الكتب المصرية، [فهرس الخديوية] : (5/ 186) . * نشرها تيكس، روستوك بألمانيا سنة (1797 م) ، (1800 م) . 11- (البيان المفيد في الفرق بين التوحيد والتلحيد) : منه نسختان خطيتان في ليدن، [فهرس أمين المدني] برقم 188، وهي بخط المؤلف، دار الكتب المصرية، [فهرس الخديوية] : 7/ 565، لكن جاء في فهرس المخطوطات المصورة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة، أن هذه المخطوطة تصنيف أحد علماء المائة الثامنة الهجرية، وأن المقريزي- رحمه اللَّه- ناسخها فقط، (فهرس المخطوطات المصورة) : 1/ 119، عمود 2. 12- (البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب) : هي رسالة لطيفة الحجم، كتبها المقريزي- رحمه اللَّه- سنة (841 هـ 1437 م) مشيرا من خلالها إلي القبائل العربية التي دخلت مصر مع الفتح العربيّ، وأماكن وجودها في عصره، مقررا أن العرب الذين شهدوا فتح مصر قد أبادهم الدهر، وجهلت أكثر أعقابهم، وقد بقيت من العرب بقايا بأرض مصر حضرت لديه ست عشرة قبيلة، وهي ثعلبة، وجرم، وسنيس، وجذام وبني هلال، وبلى وجهينة، وقريش، وكنانة والأنصار، وعوف، وفزارة، ولواته، ولخم، وحرام، وبني سليم، غير مرتب لها الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 15 علي حروف المعجم، ولا علي أصول الأنساب: [قحطانية وعدنانية] ، أو بحسب منازلهم في مصر، فأتت أشبه شيء بمذكرات كتبت علي عجل، وعلي غير نظام واضح. * منه نسخة خطية في: دار الكتب المصرية [فهرس الدار] : 5/ 64، مكتبة جامعة كمبرج، برقم (157) ، مكتبة نور العثمانية، برقم (4937/ 10) ، مكتبة ليدن، برقم (975) ، المكتبة الوطنية في باريس، برقم (1725) ، مكتبة فينة برقم (910) . ظهرت لهذا الكتاب طبعتان: نشره وستنفلد، غوطا سنة (1847 م) ، نشر في القاهرة سنة (1334 هـ) ، ثم أعاد نشره محققا الدكتور عبد الحميد عابدين، القاهرة، عالم الكتب، ط 1 سنة 1961، مع دراسة عن تاريخ العروبة في وادي النيل. 12- (التاريخ الكبير المقفى في تاريخ أهل مصر والواردين عليها) : هو معجم تأريخي ضخم، أتي في ست عشرة مجلدة، ترجم المقريزي- رحمه اللَّه- فيه لمشاهير أهل مصر، فيما قبل الإسلام وبعده حتى وقته، علي اختلاف طبقاتهم وأجناسهم، ممن استقروا فيها، أو تحولوا عنها إلي غيرها من البلدان [ميتا محنطا] أو [رأسا مقطوعة] ، حيث يقول [لما دخل المعز لدين اللَّه أبو تميم معد إلي القاهرة، كان معه توابيت آبائه: المنصور إسماعيل- هذا- والقائم أبي القاسم محمد، والمهدي عبيد اللَّه، فدفنهم بتربة القصر من القاهرة، فلذلك ذكرته في كتابي هذا] . (المقفى) : كما ترجم لخلف بن جبير، أحد ثوار المغرب، وقد قتل في المغرب، وطيف برأسه في القيروان، ثم حملت إلي مصر فطيف بها في القاهرة. (المقفى) ، أشار المقريزي- رحمه اللَّه- إلى هذا الكتاب في (إمتاع الأسماع) : 12/ 266 بتحقيقنا. * منه نسخة خطية في مكتبة باريس، برقم (2144) ، بخط المؤلف- رحمه اللَّه- ميونخ برقم (957) ، ليدن، بأرقام (1032) ، (1847) ، (1851) ، تم نشره بتحقيق محمد اليعلاوي، بيروت، الغرب الإسلامي، ط 1، سنة 1987. 13- (تاريخ بناء الكعبة) : الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 16 منه نسخة خطية في: دار الكتب الظاهرية في دمشق، وهي بخط المؤلف، ونسخة في مكتبة ليدن، برقم (943) ، نسخة بالظاهرية في دمشق، برقم (4805) . 14- (تجريد التوحيد المفيد) : هو مؤلف لطيف الحجم، يدور موضوعة حول علم التوحيد، أجمل المقريزي- رحمه اللَّه- الإشارة إليه في مقدمته بقوله وبعد، فهذا كتاب جم الفوائد، بديع الفرائد، ينتفع به من أراد اللَّه والدار الآخرة، سميته : تجريد التوحيد المفيد، واللَّه أسأل العون علي العمل بمنه وكرمه. وهذا المؤلف علي وجازته لم يأت مؤرخنا فيه بموضوع ديني تقليدي، وإنما أحاط فيه إلي جانب ذلك بالتعريف بكثير من الفرق الإسلامية، ذاكرا من خلالها مذاهبها وأدلتها، مناقشا لها. * منه نسخة خطية في مكتبة جامعة القاهرة، برقم (26247/ 11) ، مكتبة البلدية بالإسكندرية، برقم (99/ 6) فنون، ومكتبة نور عثمانية، برقم (5937/ 02) ، مكتبة باريس برقم 012، مكتبة جامعة برنستن [مجموعة كاريت] برقم (01496) ، مكتبة ليدن [هوتسما] ، برقم (993) . وقد طبع هذا الكتاب في القاهرة سنة (1343 هـ) ، ثم طبع في المطبعة المنيرية بالقاهرة، سنة (1373 هـ) بتحقيق طه الزيني. 15- (التذكرة) : هو مؤلف في التاريخ- كما يوهم ملخصه- أشار إليه ابن تغري بردي في (المنهل الصافي) : 1/ 398، غلي أنه كمل منه ثمانون مجلدا. 16- (تراجم ملوك المغرب) : احتوى علي بعض ترجمات ملوك المغرب العربيّ، وقد يكون مذكرات جمعها المقريزي- رحمه اللَّه- من المصادر للانتفاع بها في بعض مؤلفاته، مقدمة تحقيق (اتعاظ الحنفاء) : 1/ 14، بتحقيق الدكتور جمال الدين الشيال. فيه أخبار أبي حمو، وأخلافه من ملوك تلمسان. 17- (تلقيح العقول والآراء، في تنقيح، أخبار الجلة الوزراء) : الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 17 ذكره المقريزي- رحمه اللَّه- في (الخطط) : 1/ 443، 2/ 223. 18- (جني الأزهار من الروض المعصار) : منه نسخة خطية في مكتبة برلين، برقم (6049) ، مكتبة فينه، برقم (1266) ، دار الكتب المصرية، [فهرس الدار] : 6/ 25، مكتبة باريس، نسخة تاريخها (841 هـ) . 19- (حصول الإنعام والمير، في سؤال خاتمة الخير) : هي رسالة لطيفة الحجم، يدور موضوعها حول سؤال العبد ربه- تعالى- أن يختم له ولأخيه المؤمن بخير، مستلهما ذلك من قول يوسف- عليه السلام- مناجيا ربه: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف: 101] . 20- (الخبر عن البشر) : هو مؤلف ضخم، جعله المقريزي- رحمه اللَّه- مدخلا لكتاب (إمتاع الأسماع) ، مؤرخا من خلاله للخليفة حتى ظهور الإسلام، هادفا من وراء ذلك إلي التعريف بقبائل العرب، وتمييزها من سائر الأجناس، ليعرف لها حقها من المحبة والإعظام، والتجلة والإكرام لكونه صلّى اللَّه عليه وسلّم هاشميا، قرشيا، عربيا. قال عنه المقريزي- رحمه اللَّه-: ثم لما رأيت فضل اللَّه علي- بما علمني وفهمني- عظيما، ومنته وطوله- بما رزقني من كثرة الأشراف علي مقالات الخليقة- جسيما، جعلته كتابا مستقلا، لاتساعه وكثرة فوائده، وشرف أوضاعه، وسميته : (الخبر عن البشر) : ورقة 4 أ، مخطوطة تونس. وترجع أهمية هذا الكتاب- كذلك- إلى احتوائه- فضلا عن ذلك- علي مادة رئيسية، تكشف عن مفهوم المقريزي- رحمه اللَّه- لموضوع ((علم التاريخ)) ، وأقسامه، وإقراره بفوائده، وتحمسه للدفاع عنه. ومنه/ نسخة خطية في ليدن، برقم 01080، ونسخة في مكتبة أياصوفيا في الآستانة، تقع في ستة أجزاء متسلسلة، أرقام (3362) حتى (3341) ، وتشمل الأجزاء 1، 4، 5، 6 [غير متسلسلة] . (دفتر كتب خانة أياصوفيا) : ص 202، (دفتر فاتح كتبخانه سي) : ص 248. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 18 21- (خلاصة التبر في كتاب السر) : أشار إليه المقريزي- رحمه اللَّه- في (الخطط) : 2/ 63. 22- (درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة) : هو معجم في ترجمات أعيان عصر المقريزي- رحمه اللَّه- أشار في مقدمته إلي دافعه لتأليفه، قائلا وبعد، فإنّي ما ناهزت من سنى العمر الخمسين، حتى فقدت معظم الأصحاب والأقربين، فاشتد حزني لفقدهم، وتنغص عيشي من بعدهم، فعزيت النفس عن لقائهم بتذكارهم، وعوضتها عن مشاهدتهم باستماع أخبارهم، وأمليت ما حضرني من أنبائهم في هذا الكتاب وسميته (درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة) . * له نسخة في مكتبة غوطا، المجلد الأول منها بخط المؤلف- رحمه اللَّه-، ونسخة في الموصل، لدى الدكتور محمود الجليلي، في جزأين، تاريخهما (878 هـ) وعن هذه النسخة الأخيرة تم نشر (300) ترجمة- حيث يحتوي الكتاب علي [556] ترجمة- بعالم الكتب- بيروت سنة (1412 هـ 1992 م) ، بتحقيق الدكتور محمد كمال الدين عز الدين علي، بعد تصديره بدراسة وافية عن المؤلف والكتاب بشكل موسوعي يستحق التقدير. 23- (الدرر المضيئة في تاريخ الدولة الإسلامية) : منه نسخة خطية في كمبرج، برقم (365) ، أشار إليه السخاوي في (الضوء اللامع) : 2/ 23. 24- (الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك) : رسالة لطيفة الحجم يدور موضوعها حول التأريخ لمن حج من الخلفاء والملوك في خلافته أو ملكه، فرغ المقريزي- رحمه اللَّه- من تصنيفها في ذي القعدة سنة (841 هـ 1438 م) ، مرتبا لها علي مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة: الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 19 - أما المقدمة، فقد أشار فيها إلي تسميته للكتاب، مهديا إياه إلي شخصية كبيرة في عصره، عزمت علي الحج، لم يفصح عن اسمها. - وأما الفصول، فقد أجمل في أولها الإشارة إلي [حجة الوداع] ، لكونه صلّى اللَّه عليه وسلّم هو الّذي بين للناس معالم دينهم، مشيرا من خلال ذلك إلي بعض شعائر الحج والعمرة، كالقران، والتمتع، والهدي. وجعل ثانيها من حج من الخلفاء في خلافته، مترجما من خلاله بترجمات قصيرة لثلاثة عشر خليفة، مؤرخا لحجهم. وجعل ثالثها للترجمة لثلاثة عشر ملكا أو سلطانا ممن حج في ملكه أو سلطنته، منذ انقسمت الخلافة الإسلامية إلي دويلات يحكمها ملوك، وحتى عهد الأشرف شعبان- أحد سلاطين المماليك- مع التأريخ لحجهم. - وأما الخاتمة، فقد أتت مقتضبة للغاية، تبين عن الفراغ من كتابته، وانتهاء مادته، علي النحو التالي: " ... واللَّه- سبحانه- هو أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى اللَّه علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم- والحمد للَّه رب العالمين) . * منه له نسخة خطية في: مكتبة الاسكوريال [في أسبانيا] ، برقم (1771) ، مكتبة كمبرج، برقم (442) ، (443) ، مكتبة نور عثمانية، برقم (6/ 4937) . 26- (رسالة في حرص النفوس علي الذكر) : رسالة لطيفة الحجم، أنشأها المقريزي- رحمه اللَّه- هادفا من خلالها إلي الترغيب في عمل الخير، مقدما لموضوعه بقوله: ".. وبعد فهذه مقالة لطيفة، وتحفة سنية شريفة، في حرص النفوس الفاضلة علي بقاء الذكر، أسأل اللَّه- تعالى- أن يجعل لنا ثناء حسنا في الصالحين، وأن يحبونا بالزلفى إلي يوم الدين بمنه وكرمه) . متبعا ذلك بموضوع الكتاب، وقد أشار من خلال مادته إلي أن البقاء من أعظم وأحسن صفات اللَّه- تعالى- في حين ليس للعبد من نفسه إلا العدم، والفاضل هو الّذي يحرص علي بقاء ذكره دائما، علي النحو الوارد في القرآن الكريم الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 20 علي لسان إبراهيم- عليه السلام- وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء: 84] . * منه نسخة خطية في: خزانة ولي الدين في الآستانة، ضمن مجموع خطي يشمل خمس عشرة رسالة كلها للمقريزي- رحمه اللَّه- برقم (3195) راجع دفتر كتابخانه. ولي الدين، صحيفة (195) ، مكتبة جامعة القاهرة برقم (11/ 26247) . وقد نشره في القاهرة الخانجي سنة (1955) بتحقيق الدكتور جمال الدين الشيال. * منه نسخة خطية في خزانة ولي الدين في الآستانة، وقد جاء في (تاريخ آداب اللغة العربية) لجورجي زيدان: 3/ 187، أن اسم هذا المخطوط: (مقالة لطيفة في حرص النفوس الفاضلة علي بقاء الذكر) ، وأنه محفوظ في المتحف البريطاني في لندن. 27- (السلوك في معرفة دول الملوك) : منه نسخة خطية في: دار الكتب المصرية [فهرس الدار] : 5/ 129، المكتبة الظاهرية بدمشق، مجلد رقم (7304) ، مكتبة كوبريللي برقم (1137) ، مكتبة بني جامع [ضمن المكتبة السليمانية في استامبول] ، برقم (887) ، مكتبة باتنا في الهند، برقم 1/ 166 (2223) ، مكتبة غوطا، برقم (1620) ، (1621) ، مكتبة باريس، برقم (1726) ، (1728) ، مكتبة الفاتيكان، (5/ 725) ، مكتبة جستربتي في دبلن، [فيها المجلد الثامن منه] برقم (4102) ، مكتبة المتحف البريطاني، الذيل: (480) . طبع هذا الكتاب بكماله في القاهرة في أربعة أجزاء علي النحو التالي: - الجزء الأول في ثلاثة أقسام، بتحقيق محمد زيادة (1934- 1939) . - الجزء الثاني في ثلاثة أقسام، بتحقيق محمد زيادة (1941- 1958) . - الجزء الثالث في ثلاثة أقسام، بتحقيق سعيد عاشور (1970- 1972) . - الجزء الرابع في ثلاثة أقسام، بتحقيق سعيد عاشور (1972- 1973) . 28- (شارع النجاة) : الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 21 أشار السخاوي في (الضوء اللامع) : 2/ 23، إلي أنه يشتمل علي جميع ما اختلفت فيه البشر من أصول ديانتهم وفروعها، مع أدلتها، وتوجيه الحق منها، ذكره المقريزي- رحمه اللَّه- في (الذهب المسبوك) ، 5، 7. 29- (شذور العقود في ذكر النقود) : رسالة لطيفة الحجم، انقسمت إلي مقدمة وخاتمة، فيما بينها ثلاثة فصول. - أما المقدمة فقد أشار فيها إلى موضوع الكتاب: «نبذة لطيفة في أمور النقود الإسلامية» . وأنه أنشأه تلبية [للأمر العالي] الّذي يرجح أن يكون شخصية كبيرة في بلاط المؤيد [شيخ المحمودي] . - وأما الفصل الأول فقد جعله للحديث عن [النقود القديمة] ، التي كانت علي وجه الدهر، وجعل الفصل الثاني للتعريف ب [النقود الإسلامية]- نشأتها وتطورها- وجعل الفصل الثالث للحديث عن [النقود المصرية] ، وهو في هذه الفصول الثلاثة يشير إلى أنواع النقود، وأوزانها، وأعيرتها، وزيوفها، وما حدث فيها من التغيير والتبديل، علي اختلاف عصورها. * منه نسخة خطية في: مكتبة نور العثمانية، برقم (4937) ، مكتبة برلين، برقم (6024) ، مكتبة ليدن، برقم (1012) ، (1013) ، مكتبة كمبرج، برقم (475) ، مكتبة الأسكوريال، برقم (1771) . وقد ظهرت لهذا الكتاب طبعات مختلفة: - نشرها تيكسن في روستك (1797 م) . - نشرها أحمد فارس الشديقان، مطبعة الجوائب استامبول، (1298 هـ) ، ضمن ثلاث رسائل. - نشرها ماير، الإسكندرية (1933) . - نشرها محمد آل بحر العلوم، النجف (1938) ثم توالت طبعات لهذا الكتاب في النجف، فكانت الخامسة سنة (1967) . - نشرها الأب أنستاس ماري الكرملي، ضمن كتابه (النقود العربية وعلم النميات، القاهرة (1939 م) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 22 30- (ضوء الساري في معرفة خبر تميم الداريّ) : رسالة لطيفة الحجم، يدور موضوعها حول صحابي جليل، هو [تميم ابن أوس الداريّ]- رحمه اللَّه- وكان نصرانيا، جاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورأى الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وأسلم، وروي الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه حديث [الجساسة والمسيخ الدجال] ، فانفرد هو من دون الصحابة بذلك، وكانت روايته صلّى اللَّه عليه وسلّم من باب رواية [الفاضل عن المفضول، والمتبوع عن تابعه] ، وقد استعرض المقريزي- رحمه اللَّه- من خلال مادتها الحديث عن أنساب الناس وأنساب العرب، وقدوم وفد الداريين علي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإسلام تميم، وتحديثه- عليه السلام- عنه، وإقطاعه إياه قريتي [جبرون وعينون] ، ولم يكن فتحهما حدث بعد!! وما كان من أحوال تميم في الجاهلية والإسلام، معددا لمآثره، مؤرخا لوفاته بسنة أربعين للهجرة، مناقشا من خلال تلك الرسالة [قضية الهبة] ، مناقشة فقهية قضائية، مختتما لها بالتعريف بما آل إليه مصير [حبرون وعينون] حتى وقته. * له نسخة خطية في خزانة ولي الدين بالآستانة. تم طبع هذا المخطوط تحت اسم (ضوء الساري في خبر تميم الداريّ) ، بتحقيق الأستاذ محمد أحمد عاشور، في دار الاعتصام بالقاهرة وبيروت، سنة (1392 هـ) ، اعتمادا علي نسختين خطيتين: الأولى منقولة من الخزانة الوليدية في الآستانة- لعلها نفس خزانة ولي الدين آنفة الذكر- ويدل علي ذلك الرقم الّذي بينه المحقق، فهو نفس رقم المجموع الّذي منه (ضوء الساري) ، والأخرى منقولة عن المكتبة الأهلية في باريس. 31- (الطرفة الغريبة في أخبار وادي حضرموت العجيبة) : رسالة لطيفة الحجم، استفاد المقريزي- رحمه اللَّه- مادتها في مكة، أثناء مجاورته فيها سنة (839 هـ 1436 م) من بعض القادمين عليه من أهل حضرموت، ابتدأها بمقدمة موجزة، أشار فيها إلي ذلك قائلا: الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 23 «وبعد، فهذه جملة من اخبار وادي حضرموت، علقتها بمكة- شرفها اللَّه تعالى- أيام مجاورتي بها في عام [تسعة وثلاثين وثمانمائة] ، حدثني بها ثقات من قدم مكة من أهل حضرموت» . ثم أتبعها بوصف جغرافي موجز لبلاد حضرموت، وما تردد في بعض المصادر من الاختلاف في نسب [حضرموت] ، وما شهرت به هذه البلاد من مزروعات أو حيوان [كالماشية والإبل] ، مذيلا عليها بطائفة كبيرة من الروايات الشفهية، المتضمنة الكثير من الخرافات أو مستغربات الحدوث، مما وثق مؤرخنا به، كنحو قوله: «وفي جبال ظفار قوم يقال لهم القمر، أهل بادية، وقد جرت العادة في ظفار أنها تمطر ثلاثة أشهر متوالية ليلا ونهارا، مطرا غزيرا جدا فإذا أراد أحد أن يسافر في مدة المطر إلي جهة من الجهات، طلب واحدا من القمر، ودفع له مالا ليدفع عنه المطر، ثم سار معه والمطر نازل، فيصير عن يمينه وشماله ولا يصيبه هو ولا أحماله منه قطرة واحدة، حتى يبلغ حيث يريد. له نسخة خطية في مكتبة جستربتي- برقم (4118/ 02) ، مكتبة نور العثمانية، برقم (4937/ 4) ، مكتبة ليدن، برقم (810) ، مكتبة كمبرج، برقم (654) ، (655) ، معهد المخطوطات العربية في الكويت، برقم (776/ 02) ، المصورة عن مخطوطة (شستربتي) ، ومخطوطة ولي الدين في مصورتها المحتفظ بها لدى جامعة القاهرة، برقم (26247) ، وقد نشرها [نوسكوى] مع ترجمة لاتينية في بون سنة (1866) . 32- (عجائب تيمور) : 33- (عقد جواهر الأسفاط في أخبار مدينة الفسطاط) : أشار إليه المقريزي- رحمه اللَّه- في صدر كتابه (اتعاظ الحنفاء) : 1/ 4 بقوله: «ضمنته ما وقفت عليه، وأرشدني اللَّه- سبحانه- إليه من أحوال مدينة الفسطاط، منذ افتتح أرض مصر أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وصارت دار إسلام، إلي أن قدمت جيوش الإمام المعز لدين اللَّه أبي تميم معد من بلاد المغرب، مع عبده وقائده وكاتبه، أبي الحسين جوهر القائد الصقلي، في سنة الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 24 ثمان وخمسين وثلاثمائة، ونزلت في شمالي الفسطاط بالمناخ، وأسس مدينة القاهرة، وحل بها» ، كما ذكره أيضا في (السلوك) : 1/ 28. وقد اشتمل هذا المؤلف علي فترة من تاريخ مصر الإسلامية، امتدت فيما بين الفتحين الإسلامي والفاطمي لها. 34- (قرض سيرة المؤيد لابن ناهض) : ذكره السخاوي في (الضوء اللامع) : 2/ 23. 35- (ما شاهده وسمعه مما لم ينقل في كتاب) : يبدو أنه احتوى علي كثير من النوادر التاريخية وغير التاريخية، مما عايشه المقريزي- رحمه اللَّه- أو أخبر به، علي النحو المدرك من قول السخاوي: « ... ومن أعجب ما فيه أنه كان في رمضان سنة (إحدى وتسعين وسبعمائة) مارا بين القصرين، فسمع العوام يتحدثون أن الظاهر برقوق خرج من سجنه بالكرك، واجتمع عليه الناس. قال: فضبطت ذلك اليوم فكان كذلك. (الضوء اللامع) : 2/ 25- 24. 36- (مجمع الفرائد ومنبع الفوائد) : ذكره السخاوي، مشيرا إلي أنه يشتمل علمي على العقل والنقل، المحتوي علي فني الجد والهزل، بلغت مجلداته نحو المائة، بينما أشار ابن تغري بردي إلي أنه كمل منه نحو ثمانين مجلدا كالتذكرة. (الضوء اللامع) : 2/ 23، (المنهل الصافي) : 1/ 398. 37- (مختصر الكامل في معرفة الضعفاء والمتروكين من الرواة لابن عدي) : * منه نسخة خطية بخط المقريزي- رحمه اللَّه- مؤلف هذا المختصر، كتبها سنة (759 هـ) ، وهي في مكتبة مراد ملا باستامبول، برقم (569) ، وعنها مصورة معهد إحياء المخطوطات العربية في القاهرة، برقم (456) تاريخ. أشار إليه المقريزي- رحمه اللَّه- في (إمتاع الأسماع) : 11/ 311 بتحقيقنا. 38- (معرفة ما يجب لآل البيت النبوي من الحق علي من عداهم) : الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 25 رسالة لطيفة الحجم، يدور موضوعها حول ما يجب لآل البيت النبوي علي المسلمين من حبهم وإجلالهم، ونصرتهم ومودتهم، فرغ المقريزي- رحمه اللَّه- من تأليفها في ذي القعدة سنة (841 هـ 1438 م) مرتبا لها علي مقدمة، أشار فيها إلي دافعه إلي تأليفها قائلا: « ... وبعد فإنّي لما رأيت أكثر الناس في حق آل البيت مقصرين، وعما لهم من الحق معرضين، ولمقدارهم مضيعين، وبمكانتهم من اللَّه- تعالى- جاهلين، أحببت أن أقيد في ذلك نبذة تدل علي عظم مقدارهم، وترشد المتقي للَّه- تعالى- علي جليل أقدارهم ليقف عند حده، ويصدق بما وعدهم اللَّه ومن به عليهم من صادق وعده» . تتبعها فصول خمسة، شارحة من خلال أقوال أئمة اللغة والتفسير لخمس آيات قرآنية، مع ما أتصل بها من الأحاديث النبويّة، عالج موضوعة من خلالها، وهي قوله تعالى: - إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب: 33] . - وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور: 21] . - وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً [الكهف: 82] . - جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [الرعد: 23] . - قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [الشورى: 23] . مختتما لهذه الرسالة بعدد من الرؤى والحكايات الشفهية- التي أمده بها شيوخه ورفقته- وتدور كلها حول الحث علي حب آل البيت النبوي وتعظيمهم. * منه نسخة خطية في فينه، برقم (890) . طبع في دار الاعتصام، ط 2 سنة 1973 م بالقاهرة وبيروت بتحقيق محمد أحمد عاشور. 39- (المقاصد السنية في معرفة الأجسام المعدنية) : مؤلف علمي بحت يبحث في المعادن، أشار المقريزي- رحمه اللَّه- الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 26 من خلاله إلي كروية الأرض، وحركتها، وإحاطة الماء باليابسة من سائر جهاتها، والأجسام المتولدة عليها، وتكويناتها، وصفاتها، وأمكنة وجودها، والقيمة العلمية والمادية والطبية لها. ومنه نسخة خطية في مكتبة نور عثمانية، برقم (4937/ 9) ، ومكتبة باريس، نسخة تاريخها (842 هـ) ، مكتبة كمبرج، برقم (1082) ، مكتبة جامعة القاهرة، برقم (26247/ 10) . 40- (منتخب التذكرة في التاريخ) : مؤلف في التاريخ الإسلامي العام، اقتصر فيه المقريزي- رحمه اللَّه- علي ذكر العرب والفرس، دون غيرهم من الأمم المطيفة بهم في أطراف الأرض، اختصره من مؤلف أبسط منه سماه (التذكرة) ، فكان ما أودعه في هذا المؤلف اللب منه. * منه نسخة خطية في: دار الكتب المصرية، (فهرس الدار) : (5/ 368) ، مكتبة باريس برقم (1514) عرب، ونسخة أخرى بدار الكتب المصرية، برقم (1658) ، تاريخ عن مخطوطة مكتبة باريس ذات الرقم (1514) عرب، وتقع في نحو 166 ورقة لطيفة الحجم، مزدوجة الصفحات، باستثناء أولها وآخرها، مسطرتها نحو أربعة عشر سطرا. 41- (المنتقى من أخبار مصر لابن ميسر) : يضم الفترة فيما بين سنتي (439 هـ 1047 م) ، (553 هـ 1159 م) ، انتقاه المقريزي- رحمه اللَّه- في ربيع الأول للآثار الشرقية سنة (814 هـ 1411 م) . * طبع في القاهرة- المعهد الفرنسي للآثار الشرقية سنة (1981) بتحقيق أيمن فؤاد سيد. 42- (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) وتعرف بخطط المقريزي: منها نسخة خطية في: دار الكتب المصرية، (فهرس الخديوية) : (1/ 162) ، المكتبة العمومية بدمشق، الأرقام (3437) ، (5696) ، (5697) ، (7004) ، مكتبة أياصوفيا باستامبول، الأرقام (3471) ، (3484) ، مكتبة الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 27 طوب قبو سراي باستامبول، الأرقام (2947) ، (2954) ، مكتبة محمد الفاتح باستامبول برقم (4495) ، (4499) ،.. وغير ذلك. * طبع في مجلدين، بولاق (1270 هـ) ، وقد أعادت مكتبة المثنى ببغداد طبعه بالأوفست، طبع في أربعة أجزاء، مطبعة النيل- القاهرة (1324- 1326 هـ) ، طبعت منه خمسة أجزاء بتحقيق المستشرق الآثاري فييت، القاهرة (1911- 1927) ولم تتم. وظهرت لهذا الكتاب طبعات جزئية، نذكر منها: - أخبار قبط مصر، وقد سبقت الإشارة إليه. - (القول الإبريزي للعلامة المقريزي) ، نشره مينا إسكندر، وهو يتضمن تاريخ الأقباط وأحوالهم- نقلا عن (خطط المقريزي) . 43- (نبذ تاريخية) : ليس مؤلفا مستقلا- علي ما يبدو- ولكنه ملتقطات مما جمعه المقريزي- رحمه اللَّه- من المصادر، ليضمنه بعض مؤلفاته. منه نسخة خطية بمكتبة بلدية الإسكندرية برقم (2125 د/ 259) ، تقع في (52) ورقة مقاسها نحو (13* 16 سم) ، وعنها مصورة معهد إحياء المخطوطات العربية في القاهرة برقم (845) تاريخ. 44- (نحل عبر النحل) : رسالة لطيفة الحجم، يدور موضوعها حول النحل، وما يتخلف منه من عسل وشمع، مستلهما منه العبرة والعظة لبني الإنسان، وقد رتبت علي مقدمة وعشرة فصول وخاتمة. أما المقدمة فقد أشار فيها إلي موضوع الكتاب قائلا: (( ... وبعد، فهذا قول وجيز في ذكر النحل، وما أودع فيه البارئ- جلت قدرته- من غرائب الحكمة وعجائب الصنع، ليعتبر أولو الأبصار، ويتذكر أرباب الاعتبار)) وأما الفصول- فقد اتصلت بعلوم: الحيوان، واللغة، والتفسير، والحديث، والفقه، والطب، والبيطرة، والنبات، والاقتصاد، والتاريخ، والأدب، فيجمل المقريزي- رحمه اللَّه- فيها الحديث عن النحل من الناحية الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 28 الحيوانية، ذاكرا أسماءه، وألوانه، وأحجامه، وصفاته، وخلاياه، وآفاته، وعلاجها، وعسله، وأنواعه وأصنافه- وجامعه، [مشتاره] وآلاته التي يستعين بها في جمعه، وما يرعاه النحل من أزهار وأنوار، وما ينتجه من شمع، مفصحا عن مركزه الاقتصادي في مصر الإسلامية، وما ورد في النحل والعسل من الآيات القرآنية، والأحاديث النبويّة، وأقوال الحكماء، والفقهاء والمفسرين، وما اتصل بالشمع من الحوادث التاريخية، سواء بالاستصباح [الإضاءة] به لدى الخلفاء، والسلاطين، والفقهاء، أو باستخدامه في القصور، والمواكب السلطانية، وحفلات العرس والزواج، أو بالختم به على تركات الموتى من أولاد الخلفاء، مختتما بذلك بما أنشئ في [الشمع] من أشعار وأما الخاتمة فقد أشار فيها إلى انتهاء مادة الكتاب باكتماله، قائلا: (( ... تمت بحمد اللَّه وعونه وحسن توفيقه، وصلى اللَّه علي سيدنا محمد، وعلي آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا دائما إلي يوم الدين، سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. منه نسخة خطية في: مكتبة نور عثمانية برقم (4937/ 03) ، مكتبة كمبرج، برقم (664) ، (923) ، مكتبة جستربتي في دبلن، برقم (4118/ 02) ، وقد طبع في القاهرة، مكتبة الخانجي، سنة (1946) بتحقيق د. جمال الدين الشيال. 45- (النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم) : رسالة لطيفة الحجم، يدور موضوعها حول استئثار بني أمية وبني هاشم بالخلافة من دون [علي بن أبي طالب] وبنيه، أشار المقريزي- رحمه اللَّه- من خلالها إلى ما كان من منافرة ومنافسة بين بني أمية وبني هاشم قبل الإسلام وبعده. * منه نسخة خطية في: دار الكتب المصرية، (فهرس الدار) 5/ 385، المكتبة الظاهرية بدمشق، برقم (3731) ، مكتبة نور عثمانية، برقم (4937) ، ومكتبة ستر اسبورج، مكتبة ليدن، برقم (885) ، مكتبة فينة، برقم (886) وقد طبع هذا الكتاب مرتين: الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 29 الأولى في ليدن، نشره فوس، سنة (1888) ، والثانية في القاهرة سنة (1927) ثم طبع عدة طبعات آخرها بدار المعارف- القاهرة- سنة (1988) بتحقيق الدكتور حسن مؤنس. وقد أشار إليه المقريزي- رحمه اللَّه- في (إمتاع الأسماع) : بتحقيقنا 12/ 355. 46- (النحل وما فيه من غرائب الحكمة) : منه نسخة خطية في مكتبة جامعة كمبرج، راجع (تاريخ آداب اللغة العربية) جورجي زيدان، 3/ 178، فقرة 12. 47- (نهاية الجمع لأخبار القراءات السبع) : أشار إليه المقريزي- رحمه اللَّه- في (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا: 12/ 32 ولم أقف له علي مصدر آخر يشير إلي نسخ منه مخطوطة أو مطبوعة. من هذا العرض الموجز لمجهودات المقريزي- رحمه اللَّه- في الكتابة التاريخية، نجد أنه قد ألح من خلالها علي التوكيد علي ثلاث صفات امتاز بها، وهي: [مصريته] و [عروبته] و [إسلامه] . أما مصريته، فتبدو في تحمسه للتأريخ لمصر في أطوارها المختلفة، فيما قبل الإسلام وبعده، حيث أنشأ فيها مؤلفا مجملا، لتاريخها، وخططها، وعمرانها- منذ القدم وحتى وفاته- وهو: (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) ، ثم عمد إلي تفصيل أكثر، أجمل فيه بالتأريخ لمصر الإسلامية، منذ الفتح الإسلامي لها وإلي قبيل وفاته، في عدة مؤلفات متتابعة، وهي: (عقد جواهر الأسفاط) و (اتعاظ الحنفاء) و (السلوك) و (المقفى) وأما عروبته، فقد كانت دافعا قويا لديه إلي إنشاء عدة مؤلفات، منها (الخبر عن البشر) و (البيان والإعراب) و (تراجم ملوك المغرب) و (الطرفة الغريبة) . وأما إسلامه، فيتبدى- فضلا عن العاطفة الدينية الجياشة، المبثوثة في سائر مؤلفاته- في (إمتاع الأسماع) ، وقد جعله تاريخا مجملا للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 30 وسيرته، و (النزاع والتخاصم) وهو مبحث في الخلافة، و (التذكرة) و (منتخبها) و (الدرر المضيئة) و (الإمام) . وقد جعل من هذه المؤلفات تاريخا عاما للدولة الإسلامية في مختلف أطوارها وأمصارها. بل إن أكثر رسائله ومؤلفاته الموجزة، المفردة بالتأليف في موضوع بعينه، تنزع إلي أي من هذه الصفات الثلاث. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 31 (ب) التعريف بكتاب إمتاع الأسماع الأصول الخطية للكتاب: لقد بذلت ما وسعني من جهد- بعد توفيق اللَّه تعالى- للحصول على أكبر قدر من الأصول الخطية لكتاب (إمتاع الأسماع) ، وقد تيسر لي- بفضل اللَّه تعالى- أن وجدت نسختين خطيتين بالإضافة إلي الجزء المطبوع. فأما النسخة الأولى فقد رمزنا إليها بحرف (خ) والنسخة الثانية رمزنا إليها بحرف (ج) ، والجزء المطبوع رمزنا إليه بحرف (ط) ، وفيما يلي وصف موجز لكل من هذه الأصول: أولا: النسخة (خ) : هذه النسخة محفوظة بتركيا، ورقمها 1004، وهي مما وقفه الوزير أبو العباس أحمد بن الوزير أبي عبد اللَّه محمد بن عثمان، وقد حصلنا علي صورة منها مسجلة علي الميكروفيلم من معهد المخطوطات التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إحدى منظمات جامعة الدول العربية، وعلي صفحة العنوان من هذه النسخة يوجد بعض التقريرات والملاحظات، يمكن الوقوف عليها بمناظرة صور نماذج المخطوطات في الصفحات المقبلة بعد قليل. وصف النسخة (خ) : تقع هذه النسخة في 1839 ورقة، قام المصور بتصويرها في تسعة أجزاء علي النحو التالي: الجزء الأول: ويبدأ من الورقة الأولى، إلي الورقة رقم 215 وهو من أول الكتاب إلي قوله: (فصل في ذكر شمائل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم) . الجزء الثاني: من الورقة 216 إلي الورقة 440، وأوله: (فصل في حسن عهده صلّى اللَّه عليه وسلّم) إلى قوله: (وأن اللَّه تجلى لموسى في سيناء) . الجزء الثالث: الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 32 من الورقة رقم 441 إلي الورقة رقم 651، ويبدأ بقوله عن اليهود: (وهذه نبذة من غضب اللَّه عليهم) ، إلي قوله: (كمل الجزء الثاني [ (1) ] من كتاب إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع) . الجزء الرابع: من الورقة رقم 652 إلى الورقة رقم 864، ويبدأ بعد البسملة بقوله: «أعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة بنين: القاسم وعبد اللَّه وإبراهيم» ، إلى قوله «وخرج البخاري في المناقب الحديث بمعناه، وذكر نحوا منه في باب هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» . الجزء الخامس: من الورقة رقم 865 إلي الورقة رقم 1059، ويبدأ بقوله: «فصل في ذكر غزوات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» إلى قوله: «فصل في ذكر من أقام عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حد الزنا» . الجزء السادس: من الورقة رقم 1060 إلي الورقة رقم 1260، ويبدأ بقوله: «ثم جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وهم- جلوس ثم جلس فقال: استغفر اللَّه لماعز بن مالك» ، إلى قوله: «وأوتي من البيان مثله، أي أذن له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبين ما في الكتاب، يعم ويخص، يزيد عليه ويشرح ما في الكتاب، فيكون في وجوب العمل به ولزوم قبوله كالظاهر المتلو من القرآن» . الجزء السابع: من الورقة 1261 إلي الورقة رقم 1460، ويبدأ بقوله: «وقوله: يوشك رجل شبعان علي أريكته- الحديث- يحذر بهذا القول من مخالفة السنن التي سنها مما ليس في القرآن له ذكر» ، إلى قوله: «فقلت: لا والّذي بعثك   [ (1) ] سيزول هذا اللبس عند الكلام علي عدد أجزاء الكتاب. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 33 بالحق، أضع سيفي علي عاتقي ثم أضرب به حتى ألقاك أو ألحق بك، قال: أو لا أدلك علي خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني» . الجزء الثامن: من الورقة رقم 1461 إلي الورقة 1660 ويبدأ بقوله: «فخرج البخاري من حديث شعيب عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية» إلي قوله: «من يستعفف يعفه اللَّه، ومن يستغن يغنه اللَّه، فرجعت وقلت: لا أسأله فلانا أكثر قومي مالا، واللَّه تعالى أعلم» . الجزء التاسع: من الورقة رقم 1661 إلي الورقة 1839 ويبدأ بقوله: «وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم وابصة الأسدي بما جاء يسأله عنه قبل أن يسأله» ، إلى قوله: «وتم هذا الكتاب البديع المثال، البعيد المنال، البعيد المقال، بتمام هذا الجزء السادس وهو المسمى بإمتاع الأسماع بما للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع» . وتحتوي كل ورقة من ورقات هذه النسخة علي خمسة وثلاثين سطرا، بكل سطر منها حوالي تسعة عشر كلمة تقريبا، وهي مكتوبة بخط واضح نسبيا، كما أن أوائل الفصول أو رءوس الموضوعات مكتوبة بخط الثلث بحجم أكبر بحيث يشغل السطر منها قدر ما يشغله الثلاثة أسطر من تفاصيل الموضوع أو الخبر. ومن الملاحظات الهامة عن هذه النسخة: تسهيل الهمزات في الناحية الإملائية، مثل «الملايكة وحينئذ» بدلا من «الملائكة وحينئذ» هذا بالإضافة إلي كتابة أسماء الأعلام بخط أكبر من الخط الآخر، كما أن الآيات القرآنية مكتوبة برواية ورش عن نافع ويتضح ذلك في الآيات التي يظهر لاختلافها عن رواية حفص أثر في الرسم، مثل: فتثبتوا بدلا من فَتَبَيَّنُوا* [الحجرات: 6] وفي قوله تعالى فلا يخاف عقباها بدلا من وَلا يَخافُ عُقْباها [الشمس: 15] . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 34 ثانيا: النسخة (ج) وهذه النسخة مصورة عن النسخة المحفوظة بمكتبة غوطا برقم 440، وهي مكتوبة بخط أصغر من الخط الّذي كتبت به النسخة (خ) ، وتحتوى الورقة منها على تسعة عشر سطرا بكل سطر منها حوالي سبعة عشر كلمة تقريبا، ويبدو أن هذه النشخة مقولة عن النسخة (خ) ، غير أن الناسخ كتب أوائل الفصول ورءوس الموضوعات وأسماء الأعلام بخطر كبير وبمداد أحمد، بدليل أنه لم يظهر في التصوير الفوتوغرافي، وقد قمنا باستكمالها من النسخة (خ) . وتبدأ هذه النسخة (بفصل في موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم) ، وتنتهي بقوله: (كان صفوان بن المعطل بن ربيعة بن خزاعيّ بن محارب بن مرة بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم الذكوانيّ أبو عمرو، على ساقة العسكر يلتقط من متاع المسلمين حتى يأتيهم به) . وعدد ورقات هذه النسخة 225 الورقة الأولى منها تقابل في النسخة (خ) الورقة رقم 718، والأخيرة منها تلقى مع نهاية الورقة رقم 943 من النسخة (خ) . ثالثا: الجزء المطبوع: هذا الجزء عبارة عن (551) صفحة من القطع الكبير، يقابل في النسخة الخطية (خ) : من الصفحة الأولى وحتى السطر الثاني والعشرين من صفحة (179) وقد رمزنا إليه بالحرف (ط) ، أي أنه أقل من تسع الكتاب الأصلي، وقد تم طبع هذا الجزء عام 1941 م، بدار التأليف- القاهرة، علي نفقة السيدة قوت القلوب الدمر داشية، بتحقيق الأستاذ المرحوم محمود محمد شاكر. ولم أهمل هذا الجهد الّذي قام به فضيلته، فلم يفتني الاستئناس بالجزء المطبوع، علي الرغم مما به من ملاحظات نوهت عنها في مكانها. هذا بالإضافة إلي أنه اكتفى بنهاية السيرة النبويّة، واتخذ من وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نهاية للجزء الأول دون مراعاة التقسيم الأصلي للكتاب، سواء أجزاء الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 35 المؤلف، أو أجزاء تصوير المخطوطة، كما بيناه عند كلامنا عن [عدد أجزاء الكتاب] . عدد أجزاء الكتاب: يقول (حاجي خليفة) في (كشف الظنون) ج 1 ص 166 عن كتاب إمتاع الأسماع «وهو كتاب نفيس في ست مجلدات حدث به في مكة» ، وذلك ما نقله الناسخ علي صفحة العنوان من النسخة (خ) . وقد لاحظنا من خلال الجزء المطبوع أن الصفحة من المخطوطة يتم طبعها في ثلاث صفحات من القطع الكبير، فلو قمنا بطبع الكتاب في ست مجلدات فإن المجلد الواحد قد يتجاوز الألف صفحة، وهذا أمر غير مقبول عمليا. اسم الكتاب والمؤلف: ظهر كتاب إمتاع الأسماع في كثير من كتب التصانيف والمؤلفات بأكثر من اسم، فضلا عن أن النسخة الخطية (ج) قد أثارت إشكالا علي صفحة العنوان منها حيث يقول ناسخها: «هذا كتاب إمتاع الأسماع للشيخ تقي الدين المقريزي» ويقول في زاوية أخرى من الصفحة ذاتها: «نقل العلقميّ أن كتاب الإمتاع لأبي حيان التوحيدي» ، وبخط آخر «ونقل الدميري أيضا أن الإمتاع لأبي حيان» ، وفي موضع آخر من ذات الصفحة: «لكن نقل الشمس الشامي في (سيرته) أن (الإمتاع) للمقريزي» . ودفعا لهذا الإشكال فإننا نذكر ما أورده صاحب كشف الظنون بصفحة 166، 167 عن المؤلفات المشابهة أو المقاربة في الاسم لكتاب الإمتاع للمقريزي، وهي: 1- (إمتاع الأسماع والأبصار) - لأبي العباس أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني الشافعيّ المتوفى سنة 923 هـ. 2- (إمتاع الأسماع فيما للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من الحفدة والمتاع) - للشيخ تقي الدين أحمد بن علي المقريزي المؤرخ المتوفى سنة 845 هـ، «وهو كتاب نفيس في ستة مجلدات حدث به في مكة» . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 36 3- (الإمتاع والمؤانسة) - للشيخ أبي حيان علي بن محمد التوحيدي المتوفى 380 هـ. 4- (الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع) - للحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ. 5- الامتاع في أحكام السماع- لكمال الدين أبي الفضل جعفر بن تغلب الأدفوي الشافعيّ المتوفى سنة 749 هـ. هذا بالإضافة إلي ما ذكره البغدادي في الجزء الأول من (هدية العارفين) ضمن مؤلفات المقريزي ص 127 باسم: (إمتاع الأسماع فيما للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من الحفدة والأتباع) . والعمدة في تسمية هذا الكتاب، ما ذكره المقريزي نفسه في الصفحة الأولى والأخيرة من النسخة الخطية الكاملة للكتاب حيث يقول: «فقد سميته إمتاع الأسماع بما للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع» . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 37 منهج المقريزيّ في جمع مادة كتاب إمتاع الأسماع اعتمد المقريزيّ في جمع مادة كتاب إمتاع الأسماع على النقول من المصادر الصحيحة بدء من الكتب الستة الصحيحة، وكتاب المستدرك للحاكم النيسابورىّ، ومسند الإمام أحمد، وموطأ الإمام مالك، واعتمد في تسجيل الدلائل والمعجزات على كتاب دلائل النبوة للبيهقي، ودلائل النبوة لأبي نعيم، فضلا عن مؤلفاته التي أشار إليها في (إمتاع الأسماع) ، وقام بحسم وشرح المسائل الفقهية العارضة في ثنايا الكتاب على مذهب الإمام الشافعيّ- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وكان رحمه اللَّه- حريصا على التدرج في تدوين صحة الخبر أو الأثر مبتدئا بالأخبار والآثار ذات الأسانيد العالية ثم ينتقل إلى ما دونها من درجات الصحة حيث يقول في بعض عناوين الفصول: [إن صح الخبر] أو [إن ثبتت الرواية] هذا بالنسبة للمتن. وأما بالنسية لسلسلة الرواة فإنه يدلي بدلوه جرحا أو تعديلا لرواة الحديث أو الأثر بقوله: [قال مؤلفه] ، وذلك بموضوعية شديدة وانحياز إلى الحق وقد ساعده على ذلك ثقافته الشمولية، وفكره الموسوعيّ في علم الحديث ورجاله، كما بينا ذلك في [الوظائف التي تولاها المقريزي] ، فضلا على مؤلفاته الجمة التي أشرنا إليها آنفا. رحمه اللَّه رحمة واسعة وجزاه عن السيرة النبويّة خير الجزاء. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 38 منهج التحقيق 1- قمت بمقابلة النسخ المخطوطة والجزء المطبوع، مع اختيار النسخة (خ) كأم، معالجا لما وجدته من تصحيف أو تحريف أو سقط، مع تصويب النص. 2- قمت بتخريج الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة، وعزو الأقوال الواردة إلى أصحابها ما استطعت إلى ذلك سبيلا. 3- قمت بشرح الألفاظ اللغوية الغامضة مبينا معناها تسهيلا للقارئ الكريم على استيعاب المعنى، مع مراجعة المراجع التي أشار إليها المقريزي في فقرات كتابه. 4- وضعت بعض العناوين الجانبية للموضوعات التي لم يرد لها عنوان في الأصل مع مراجعة النصوص على مظانها من كتب المغازي والسير والتواريخ. 5- عقبت على بعض المواضع بالقدر الّذي تدعو إلى الضرورة بما تقتضيه الأمانة العلمية، وتجنبت الإكثار من ذلك خشية التدخل في مسار الكتاب، والخروج به عن أهدافه من كثرة النقد والتزيد. وبعد فإنني أقدم هذا الجهد المتواضع في خدمة السيرة النبويّة للقارئ الكريم، فله غنمه، وعليّ غرمه، فإن كان هناك توفيق فمن اللَّه تبارك وتعالى وإن تكن الأخرى فمن نفسي. رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ صدق اللَّه العظيم حدائق الزيتون- القاهرة في ليلة القدر 1419 هـ محمد عبد الحميد النميسي الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 39 مقدمة المؤلف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وصلى اللَّه على نبينا محمد الّذي منّ به على عباده المؤمنين، إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، وأرسله بالشرع العام، إلى جميع الأنام ليكون رحمة للعالمين، ونجاة لمن اتبعه من خزي الدنيا وليكون في الآخرة من الفائزين، فبلّغ صلّى اللَّه عليه وسلّم الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وأعد لجهاد أعداء اللَّه تعالى الأسلحة والعتاد، وارتبط في سبيل اللَّه عز وجل المسوّمة الجياد، لمحاربة من حادّ اللَّه ورسوله بنفسه تارة، وندب لهم آونة من صحابته من رضيه لذلك واختاره، حتى ظهر أمر اللَّه وهم كارهون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد للَّه رب العالمين. اللَّهمّ صل عليه من نبي كان يأكل الطيبات من الطعام، وينكح المبرءات من العيوب والآثام، ويستخدم الموالي من الأرقاء والأحرار، ويصرفهم في مهنته ومهماته الجليلات الأقدار، ويركب البغلة الراتعة ويلبس الحبرة والقباء [ (1) ] ، ويمشي منتعلا وحافيا من مسجده إلى نحو قباء [ (2) ] ، ويدخر لأهله مما أفاء اللَّه عليه أقوات سنة كاملة، ويجعلها تحت أيديهم محرزة حاصلة، ويؤثر بقوته وثوبه أهل الحاجة والمساكين، ثقة منه بخير الرازقين، اللَّهمّ وابعثه مقاما محمودا يغبطه الأولون والآخرون، وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومتبعيه إلى يوم الدين يا رب العالمين. وبعد، فغير جميل بمن تصدر للتدريس والإفتاء، وجلس للحكم بين الناس وفصل القضاء، أن يجهل من أحوال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونسبه وجميل سيرته ورفيع منصبه، وما كان له من الأمور الذاتية والعرضية ما لا غنى [ (3) ] لمن صدقه وآمن به عن معرفته، ولا بد لكل من اتسم بالعلم من درايته، فقد أدركنا وعاصرنا وصحبنا ورأينا كثيرا منهم [وهم] [ (4) ] عن هذا النبأ العظيم معرضون، ولهذا النوع الشريف من العلم تاركون، وبه جاهلون، فجمعت في هذا المختصر من أحوال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جملة أرجو أن تكون إن شاء اللَّه كافية، ولمن وفقه- سبحانه- من   [ (1) ] الحبرة: برد يمان، مخطط. والقباء: ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص ويتمنطق عليه. [ (2) ] قباء: هي قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة. (معجم البلدان، ج 4 ص 342) [ (3) ] في (خ) غنا.. بالألف. [ (4) ] زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 داء الجهل شافية، التقط كتابا جامعا وبابا من أمهات العلم مجموعا، كان له غنمه، وعلى مؤلفه غرمه، وكان له نفعه، [يحده] [ (1) ] ، مع تعرضه لمطاعن البغاة ولأغراض المنافسين، ومع عرضه عقله الكدود [ (2) ] على العقول الفارغة، ومعانيه على الجهابذة [ (3) ] وتحكيمه فيه المتأولين والحسدة، ومع ذلك فقد سميته «إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع» صلّى اللَّه عليه وسلّم، واللَّه أسأل التوفيق لديمة [ (4) ] العمل بالسنة، ومرافقة الذين أنعم اللَّه عليهم في بحبوحة الجنة، بمنه وكرمه.   [ (1) ] هكذا بالأصل، والأولى حذفها ليستقيم السياق، أو لعلها (يجده) بالجيم المعجمة وقد أصابها تصحيف. [ (2) ] الكدود: الرجل لا ينال خيره إلا بعسر. (المعجم الوسيط ج 2 ص 779) . [ (3) ] الجهابذة: جمع جهباذ، وهو النقّاد الخبير بغوامض الأمور (المرجع السابق ج 1 ص 141) . [ (4) ] الدّيمة: المطر يطول زمانه في سكون (المرجع السابق ج 1 ص 305) ، في حديث عائشة، وسئلت عن عمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعبادته فقالت: كان عمله ديمة (النهاية لابن الأثير ج 2 ص 147) ، (البخاري في الصوم، باب هل يخص شيئا من الأيام) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 أسماؤه وكناه وألقابه هو سيد ولد آدم أبو القاسم، وأبو إبراهيم، وأبو قثم [ (1) ] ، وأبو الأرامل: (محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم) [ (2) ] وأحمد، والماحي [ (3) ] ، والحاشر [ (4) ] ، والعاقب [ (5) ] ، والمقفي، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملاحم [ (6) ] . نسب أبيه ابن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر. (وهو قريش على الصحيح) [ (7) ] ، ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان [ (8) ] ، النبي المصطفى، والرسول المجتبى، خيرة رب العالمين، وخاتم النبيين، وإمام المتقين، وسيد المرسلين، صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (9) ] .   [ (1) ] القثم: بمعنى الإعطاء، يقال للرجل الجموع للخير قثوم وقثم (تلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزي ص 9) . [ (2) ] بياض في (خ) . [ (3) ] وأما الماحي فإن اللَّه محا به سيئات من اتبعه (ابن سعد ج 1 ص 105) . [ (4) ] فأما حاشر فبعث مع الساعة نذيرا لكم بين يدي عذاب شديد (المرجع السابق) . [ (5) ] وأما العاقب فإنه عقب الأنبياء. (المرجع السابق) . [ (6) ] يعني نبي القتال، وهو كقوله الآخر: «بعثت بالسيف» ، والملحمة: الحرب وموضع القتال، جمع ملاحم (النهاية لابن الأثير ج 4 ص 240) ، وسيأتي فصل خاص بأسمائه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (7) ] وإلى فهر جماع قريش، وما كان فوق فهر فليس يقال له قرشيّ، يقال له كنانيّ (ابن سعد ج 1 ص 55) . [ (8) ] وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم بغير شك، غير أن أهل النسب يختلفون في الأسماء ما بين عدنان وإسماعيل، وربما جرى منهم في أكثر الأسماء تصحيف أو اختلاف (تلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزي ص 8) . [ (9) ] ورد أن نسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنه: «محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ومناف أعظم أصنامهم، وبه سمّي عبد مناف، واسمه المعتق بن قصيّ، وهو مجمّع، واسمه زيد بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدّ بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن حمل بن قيدار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 نسب أمه أم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ابن مرة بن كعب [ (1) ] ، حملت به في شعب أبي طالب [ (2) ] (وقيل عند الجمرة الكبرى، وقيل الوسطى) في ليلة رجب ليلة الجمعة [ (3) ] ، وقيل حملت به في أيام التشريق. مولده صلّى اللَّه عليه وسلّم ولد محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة في دار عرفت بدار ابن يوسف، من شعب بني هاشم، يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، وقيل لليلتين خلتا منه، وقيل ولد في ثالثة، وقيل في عاشرة، وقيل في ثامنة، وقيل ولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من رمضان حين طلع الفجر، وقد شذّ بذلك الزبير بن بكار، إلا أنه موافق لقوله: إن أمه صلّى اللَّه عليه وسلّم حملت به أيام التشريق، فيكون حملها مدة تسعة أشهر على   [ () ] ابن إسماعيل بن إبراهيم بن آزر، وهو تاريح بن ناحور بن أسرع بن أرغوي بن والغ بن شالخ بن أركشد بن سام بن نوح بن لمك بن المتوشلح بن أخنوخ، وهو إدريس النبي، ابن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث، وهو هبة اللَّه بن آدم المصطفى عليه السلام وعلى جميع الأنبياء. فهذا نسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد اختلف في أسماء الرجال من فوق عدنان، فزاد بعضهم، ونقص، وقدّموا، وأخّروا، واللَّه أعلم بالصحيح» . (التعريف في الأنساب والتنويه لذوي الأحساب) ص 36. [ (1) ] ابن لؤيّ بن غالب بن فهر، وهو يومئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا. وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا (ابن هشام ج 1 ص 292) . [ (2) ] ويزعمون فيما يتحدث الناس واللَّه أعلم أن آمنة بنت وهب أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت تحدث أنها أتيت حين حملت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، ثم سميه محمدا. ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى من أرض الشام. (ابن هشام ج 1 ص 293) . ومن طريق محمد بن عمر عن علي بن زيد عن عبد اللَّه بن وهب بن زمعة عن أبيه عن عمته قالت: كنا نسمع أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما حملت به أمه آمنة بنت وهب كانت تقول: ما شعرت بأني حملت به ولا وجدت له ثقلا كما يجد النساء إلا أني أنكرت رفع حيضتي. وربما كانت تقول: وأتاني آت وأنا بين النائم واليقظان فقال: هل شعرت أنك حملت؟ فكأني أقول: ما أدري! فقال: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ونبيّها. (عيون الأثر ج 1 ص 25) . [ (3) ] «وذلك يوم الاثنين» (ابن سعد ج 1 ص 98) ، (صفة الصفوة ج 1 ص 23) ، (عيون الأثر ج 1 ص 25) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 العادة الغالبة. وذلك عام الفيل، وقيل بعد قدوم الفيل مكة بخمسين يوما، وقيل بشهر، وقيل بأربعين يوما، وقيل قدوم الفيل للنصف من المحرم قبل مولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشهرين إلا أياما، وقيل ولد بعد الفيل بثمانية وخمسين يوما، وقيل بعده بعشر سنين، وقيل بعده بثلاثين عاما، وقيل قبل الفيل بخمس عشرة سنة، وقيل قبله بأربعين عاما، وقيل ولد يوم الفيل، وقيل ولد سنة ثلاث وعشرين للفيل، وقيل في صفر، وقيل يوم عاشوراء، وقيل في ربيع الآخر [ (1) ] . والراجح أنه ولد عام الفيل في الثانية والأربعين من ملك كسرى أنوشروان ابن قباذ بن نيروز بن يزدجرد بن بهرام جور بن يزدجرد الخشن بن بهرام بن سابور ابن سابور ذي الأكتاف. وكان على الحيرة يوم ولد صلّى اللَّه عليه وسلّم عمرو بن المنذر بن امرئ القيس وهو عمرو ابن هند، وذلك قبل ولاية النعمان بن المنذر المعروف بأبي قابوس على الحيرة بنحو من سبع عشرة، وهي سنة إحدى وثمانين وثمانمائة لغلبة الإسكندر بن فيلبس المجدوني على دارا، وهي سنة ألف وثلاثمائة وستة عشرة لابتداء ملك نصر، ووافق يوم مولده العشرين من نيسان، وولد بالغفر [ (2) ] من المنازل وهو مولد الأنبياء، ويقال كان طالعة برج الأسد والقمر فيه. صفة مولده صلّى اللَّه عليه وسلّم وتركوا عليه جفنة كبيرة فانفلقت عنه فلقتين، فكان ذلك من مبادئ أمارات النبوة في نفسه الكريمة، ويقال ولد مختونا، مسرورا [ (3) ] مقبوضة أصابع يده،   [ (1) ] اتفقوا على أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول عام الفيل. واختلفوا فيما مضى من ذلك الشهر لولادته على أربعة أقوال: أحدها: أنه ولد لليلتين خلتا منه، والثاني: لثمان خلون منه، والثالث: لعشر خلون منه، والرابع: لاثنتي عشرة خلت منه. (صفة الصفوة ج 1 ص 24) . [ (2) ] الغفر: منزل للقمر ثلاثة أنجم صغار في برج السنبلة، وهي المنزل الخامس عشر من منازل القمر (المعجم الوسيط ج 2 ص 656) . قال تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. (آية 39/ يس) . [ (3) ] وقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ولد مختونا مسرورا، وروي في ذلك حديث لا يصح، ذكره أبو الفرج بن الجوزي في «الموضوعات» وليس فيه حديث ثابت، وليس هذا من خواصه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن كثيرا من الناس يولد مختونا. القول الثاني: أنه ختن صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم شقّ قلبه الملائكة عند ظئرة حليمة. القول الثالث: أن جدّه عبد المطلب ختنه يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا. (زاد المعاد ج 1 ص 80) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 مشيرا بالسبابة كالمسبح بها، فأعجب ذلك جده عبد المطلب وقال: «ليكون لابني هذا شأن» . وقيل: إن جده ختنه يوم سابعه، وقيل: ختنه جبريل عليه السلام، وختم حين وضع الخاتم. مدة حمله صلّى اللَّه عليه وسلّم وكانت مدة الحمل به تسعة أشهر، وقيل: عشرة، وقيل: ثمانية، وقيل: سبعة، وقيل: ستة. وعقّ [ (1) ] عنه بكبش يوم سابعه، وسماه محمدا [ (2) ] .   [ () ] ومعنى مختونا: أي مقطوع الختان، ومسرورا أي مقطوع السّرّة من بطن أمه (البداية والنهاية ج 2 ص 324) . [ (1) ] عقّ عن ولده: ذبح ذبيحة يوم سبوعه (المعجم الوسيط ج 2 ص 616) . [ (2) ] فأخذه عبد المطلب فأدخله الكعبة وقام عندها يدعو اللَّه ويشكر ما أعطاه، وروي أنه قال يومئذ: الحمد للَّه الّذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه باللَّه ذي الأركان حتى أراه بالغ البنيان ... أعيذه من شر ذي شنئان من حاسد مضطرب العيان (ابن سعد ج 1 ص 103) ، (صفة الصفوة ج 1 ص 26) وفي رواية أخرى: الحمد للَّه الّذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه باللَّه ذي الأركان حين يكون بلغة الفتيان ... حتى أراه بالغ البنيان أعيذه من كل ذي شنئان ... من حاسد مضطرب العنان ذي همة ليس له عينان ... حتى أراه دافع السان أنت الّذي سميت في القرآن ... في كتب ثابتة المثاني أحمد مكتوب على البيان (البداية والنهاية ج 2 ص 324) ، (الروض الأنف ج 1 ص 184) ، (ابن هشام ج 1 ص 296) . وفي هامش البداية والنهاية «حتى أرى منه رفيع الشان» والأردان: جمع ردن: والرّدن: مقدم كم القميص أو أسفله. وطيب الأردان: كناية عن العفّة والنّقاء. والشنآن: البغضاء (هامش ص 26 من ج 1 صفة الصفوة) ، (لسان العرب ج 1 ص 102) مادة: شنأ. قال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (آية 2/ المائدة) ، وقال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا (آية 8/ المائدة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 موت أبيه ومات عبد اللَّه بن عبد المطلب- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حمل في بطن أمه- بالمدينة، وقيل: بالأبواء بين مكة والمدينة، والأول هو المشهور، وقيل: مات بعد ولادته بثمانية وعشرين يوما، وقيل: بسبعة أشهر، وقيل: بسنة، وقيل: بسنتين، وقيل: بشهرين، والأول أثبت. رضاعه وإخوته في رضاعه أرضعته أمه صلّى اللَّه عليه وسلّم سبعة أيام [ (1) ] ، ثم أرضعته «ثويبة» [ (2) ] مولاة «أبي لهب»   [ (1) ] في (خ) أيام أمه، والصواب ما أثبتناه. [ (2) ] قال عروة: «وثويبة مولاة لأبي لهب، وكان أبو لهب أعتقها، فأرضعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما مات أبو لهب، أريه بعض أهله بشرّ حيبة، قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم غير أني سقيت هذه بعتاقتي ثويبة» . ذكرها ابن مندة في الصحابة، وقال: اختلف في إسلامها، وقال أبو نعيم: لا نعلم أحدا ذكر إسلامها غيره، والّذي في السير أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يكرمها، وكانت تدخل عليه بعد ما تزوج خديجة، رضي اللَّه عنها، وكان يرسل إليها الصلة من المدينة، إلى أن كان بعد فتح خيبر، ماتت، ومات ابنها مسروح. قوله: «وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» ظاهره أن عتقه لها كان قبل إرضاعها، والّذي في السير يخالفه، وهو أن أبا لهب أعتقها قبل الهجرة، وذلك بعد الإرضاع بدهر طويل. وحكى السهيليّ أيضا أن عتقها كان قبل الإرضاع. قوله: «أريه» بضم الهمزة وكسر الراء وفتح التحتانية، على البناء للمجهول. قوله: «بعض أهله» بالرفع على أنه النائب عن الفاعل. وذكر السهيليّ أن العباس قال: لما مات أبو لهب، رأيته في منامي بعد حول في شرّ حال فقال: ما لقيت بعدكم راحة، إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين، قال: وذلك أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولد يوم الاثنين، وكانت بشّرت أبا لهب بمولده فأعتقها. قوله: «بشرّ حيبة» بكسر المهملة، وسكون التحتانية، بعدها موحّدة، أي سوء حال. وقال ابن فارس: أصلها الحوبة وهي المسكنة والحاجة، فالياء في حيبة، منقلبة عن واو لانكسار ما قبلها. ووقع في «شرح السنة للبغوي» بفتح الحاء، ووقع عند «المستملي» بفتح الخاء المعجمة، أي في حالة خائبة من كل خير، وقال «ابن الجوزي» : هو تصحيف. وقال «القرطبي» : يروى بالمعجمة، ووجدته في نسخة معتمدة بكسر المهملة، وهو المعروف. وحكي في المشارق عن رواية «المستملي» بالجيم، ولا أظنه إلا تصحيفا، وهو تصحيف كما قال. قوله: «ماذا لقيت؟» أي بعد الموت، قوله: «لم ألق بعدكم غير أني» ، كذا في الأصول بحذف المفعول، وفي رواية الإسماعيلي: «لم ألق بعدكم رخاء» ، وعند عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري: «لم ألق بعدكم راحة» ، قال ابن بطال: سقط المفعول من رواية البخاري، ولا يستقيم الكلام إلا به. قوله: «غير أني سقيت في هذه» كذا في الأصول بالحذف أيضا، ووقع في رواية عبد الرزاق المذكورة، وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه، وفي رواية الإسماعيلي المذكورة، وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع. وللبيهقي في الدلائل من طريق كذا مثله بلفظ «يعني النقرة» ، وهي ذلك إشارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 بلبن ابنها «مسروح» أياما قلائل [ (1) ] وكانت أرضعت قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عمه «حمزة بن عبد المطلب» [ (2) ] ، وأرضعت بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «أبا سلمة بن عبد   [ () ] إلى حقارة ما سقي من ماء. قوله: «بعتاقتي» بفتح العين، وفي رواية عبد الرزاق «بعتقي» وهو أوجه، والوجه الأولى أن يقول: «بإعتاقي» لأن المراد التخليص من الرق. وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة، ولكنه مخالف لظاهر القرآن، قال تعالى: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (آية 23/ الفرقان) ، وأجيب: أولا: بأن الخبر مرسل، أرسله عروة، ولم يذكر من حدّثه به، وعلى تقدير أن يكون موصولا، فالذي في الخبر رؤيا منام، فلا حجة فيه، ولعلّ الّذي رآها لم يك إذ ذاك أسلم، فلا يحتج به. وثانيا: على تقدير القبول، فيحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مخصوصا من ذلك، بدليل قصة أبي طالب كما تقدم، أنه خفف عنه، فنقل من الغمرات إلى الضّحضاح. وقال البيهقي: ما ورد من بطلان الخبر للكفار، فمعناه أنهم لا يكون لهم التخلص من النار، ولا دخول الجنة، ويجوز أن يخفف عنهم من العذاب الّذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم، سوى الكفر بما عملوه من الخيرات. وأما القاضي عياض فقال: انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم، ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب، وإن كان بعضهم أشد عذابا من بعض. قلت: وهذا لا يرد الاحتمال الّذي ذكره البيهقي، فإن جميع ما ورد من ذلك فيما يتعلق بذنب الكفر، وأما ذنب غير الكفر، فما المانع تخفيفه؟. وقال القرطبي: هذا التخفيف خاص بهذا، وبمن ورد النص فيه. وقال ابن المنير في الحاشية: هنا قضيتان: إحداهما محال، وهي اعتبار طاعة الكافر مع كفره، لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح، وهذا مفقود من الكافر. والثانية: إثابة الكافر على بعض الأعمال، تفضلا من اللَّه تعالى، وهذا لا يحيله العقل، فإذا تقرر ذلك لم يكن عتق أبي لهب لثويبة قربة معتبرة، ويجوز أن يتفضل اللَّه عليه بما شاء، كما تفضل على أبي طالب، والمتبع في ذلك التوقيف نفيا وإثباتا. قلت: وتتمّة هذا أن يقع التفضل المذكور إكراما لمن وقع من الكافر من البرّ له ونحو ذلك. واللَّه أعلم. (فتح الباري ج 9 ص 173، 174- كتاب النكاح- باب: وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) . [ (1) ] في (خ) «دلائل» وكتب تحتها بخط آخر «قلائل» . [ (2) ] هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، الإمام البطل الضرغام، أسد اللَّه أبو عمارة، وأبو يعلي القرشي الهاشمي، المكّي، ثم المدنيّ، البدريّ، الشهيد، عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخوه من الرضاعة. قال ابن إسحاق: لما أسلم حمزة علمت قريش أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد عزّ وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه. (ابن هشام) 2/ 129، (ابن الأثير) في أسد الغابة 2/ 52، (الهيثمي) 9/ 267 ونسبه للطبرانيّ وقال: مرسل ورواته ثقات، وأخرجه (الحاكم) 3/ 193. قال أبو إسحاق: عن حارثة بن مضرّب، عن علي قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ناد حمزة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الأسد» [ (1) ] ، ثم بعد رضاعه من «ثويبة» أرضعته «أم كبشة» [ (2) ] ، حليمة بنت أبي ذؤيب عبد اللَّه بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قصية ابن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن السعدية» بلبن زوجها الحارث [ (3) ] بن عبد العزى السعدي، وأرضعت معه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن عمه «أبا سفيان [ (4) ] بن الحارث بن عبد   [ () ] فقلت: من هو صاحب الجمل الأحمر؟ فقال حمزة: هو عتبة بن ربيعة، فبارز يومئذ حمزة عتبة فقتله. (ابن سعد) 3/ 8 الطبقة الأولى على السابقة في الإسلام ممن شهد بدرا، وأخرجه (الحاكم) مطوّلا 3/ 194 وصححه، وهو كما قال. ولكن الذهبي قال: لم يخرجا لحارثة، وقد وهّاه ابن المديني، وقد أخطأ رحمه اللَّه في نقله توهية حارثة بن مضرب عن ابن المديني، فإنه لم يثبت عنه، وحارثة وثّقه أحمد، وابن معين، وابن حبان، وروى حديثة أصحاب السّنن، والبخاري في الأدب المفرد. [ (1) ] هو أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، السيد الكبير، أخو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة، وابن عمته برّة بنت عبد المطلب، وأحد السابقين الأولين، هاجر إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، ومات بعدها بأشهر، وله أولاد صحابة، كعمر وزينب، ولما انقضت عدة زوجته أم سلمة، تزوج بها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وروت عن زوجها أبي سلمة القول عند المصيبة وكانت تقول: من خير من أبي سلمة، وما ظنّت أن اللَّه يخلفها في مصابها به بنظيره، فلما فتح عليها بسيد البشر، اغتبطت أيما اغتباط. مات كهلا في سنة ثلاث من الهجرة، رضي اللَّه عنه. (مسند أحمد) 4/ 27، (ابن سعد) 3/ 239، (الجرح والتعديل) 5/ 107، (حلية الأولياء) 2/ 3، (تهذيب الأسماء واللغات) 2/ 240 رقم 360، (تهذيب التهذيب) 5/ 251 رقم 487، (الإصابة) 4/ 152 رقم 4786. [ (2) ] هي حليمة بنت عبد اللَّه بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قصية بن سعد بن بكر ابن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر، (تهذيب الأسماء واللغات) 2/ 239 رقم 729. [ (3) ] هو الحارث بن عبد العزّى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصيّة بن سعد بن بكر، يكنى أبا ذؤيب. (المرجع السابق) . [ (4) ] هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشميّ، أخو نوفل وربيعة، تلقى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الطريق قبل أن يدخل مكة مسلما، فانزعج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأعرض عنه، لأنه بدت منه أمور في أذية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فتذلل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى رقّ له، ثم حسن إسلامه، ولزم هو والعباس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم حنين إذ فرّ الناس، وأخذ بلجام البغلة، وثبت معه. وكان أخا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة، أرضعتهما حليمة، سمّاه هشام بن الكلبي، والزبير: «مغيرة» ، وقالت طائفة: اسمه كنيته، وإنما المغيرة أخوهم. وقيل: كان الذين يشبّهون بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، جعفر، والحسن بن علي، وقثم بن العباس، وأبو سفيان بن الحارث [و قد روى عنه ولده عبد الملك، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «يا بني هاشم إياكم والصدقة، لا تعملوا عليها فإنّها لا تصلح لكم، وإنما هي أوساخ الناس» (أبو نعيم عن عبد اللَّه بن المغيرة الهاشمي، عن أبيه، وأكثر من عرف من الصحابة) . (كنز العمال) 16534] ، وعبد اللَّه بن المغيرة من أهل مصر، يروي عن الثوري، روى عنه المقدام بن داود الرعينيّ، يغرب وينفرد. قال ابن حبان في: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 المطلب» أياما بلبن ابنها عبد اللَّه، ثم فطمته صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد سنتين. وكان حمزة بن عبد المطلب مسترضعا في بني سعد بن بكر فأرضعت أمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما وهو عند أمه حليمة، وكان حمزة رضيع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من وجهين، من جهة ثويبة ومن جهة السعدية، وكانت ابنتها الشيماء تحضنه معها. وكان أخوه من الرضاعة عبد اللَّه بن الحارث، وهو الّذي شرب مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأنيسة بنت الحارث، والشيماء وهي حذافة [ (1) ] بنت الحارث [ (2) ] . مدة رضاعه فأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم عند حليمة في بني سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان نحوا من أربع سنين [ (3) ] . شق صدره وشق فؤاده المقدس هناك ومليء حكمة وإيمانا بعد أن أخرج حظّ الشيطان منه،   [ () ] (الثقات ج 8 ص 344) ، وقال العقيلي: يحدث بما لا أصل له، وقال ابن يونس: منكر الحديث (لسان الميزان ج 3 ص 448) . وكان أبو سفيان من الشعراء، وفيه يقول حسان بن ثابت رضي اللَّه عنه: ألا أبلغ أبا سفيان عني ... مغلغلة، فقد برح الخفاء هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند اللَّه في ذاك الجزاء والبيتان من قصيدة طويلة لحسان بن ثابت، قالها يوم فتح مكة، مطلعها: عفت ذات الأصابع فالجواء ... إلى عذراء منزلها خلاء وتبلغ هذه القصيدة ثلاثين بيتا، والجواء وذات الأصابع موضعان بالشام، وعذراء على بريد من دمشق، قتل بها حجر بن عدي وأصحابه، والمغلغلة: الرسالة المكتوبة. (ديوان حسان بن ثابت) ص 71، (ابن هشام) ج 5 ص 85، (ابن سعد) ج 4 ص 49، (الاستيعاب) ج 4 ص 1673 رقم 3002، (الإصابة) ج 7 ص 179 رقم 10022. [ (1) ] في ابن هشام «خذامة بكسر الخاء المنقوطة» ج 1 ص 298. [ (2) ] (زاد المعاد) 1/ 83. [ (3) ] ذكر ابن الجوزي أن حليمة أعادته إلى أمه بعد سنتين وشهرين (صفة الصفوة ج 1 ص 63) وقال ابن قتيبة: (لبث فيهم خمس سنين) (المعارف ص 132) (انظر تلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزي ص 13) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وروى البخاري [ (1) ] في الصحيح: شق صدره صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة المعراج، وقد استشكله أبو محمد بن حزم [ (2) ] . ويقال: إن جبريل عليه السلام ختنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما طهر قلبه الشريف. ثم ردته حليمة بعد شق فؤاده إلى أمة آمنة وهو ابن خمس سنين وشهر، وقيل: ابن أربع سنين، وقيل: سنتين وشهر. خروج آمنة وموتها ثم خرجت به آمنة إلى المدينة تزور أخواله بها فماتت بالأبواء [ (3) ] وهي راجعة إلى مكة، وله صلّى اللَّه عليه وسلّم ست سنين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، وقيل: وعمره أربع سنين، وقيل: ثمانية أعوام، والأول أثبت [ (4) ] . كفالة جده فكفله بعد آمنة جده عبد المطلب بن هاشم وكان يرى من نشوئه ما يسره فيدنيه، حتى كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يدخل عليه إذا خلا وإذا نام وجلس على فراشه، فإذا أراد بنو عبد المطلب منعه قال عبد المطلب: دعوا ابني، فإنه يؤنس ملكا [ (5) ] .   [ (1) ] حديث شق الصدر: (البخاري) ج 2 ص 327 في باب الإسراء- (مسلم) ج 2 ص 216 في باب الإسراء- (سنن الدارميّ) ج 1 ص 8- (مسند أحمد) ج 3 ص 121، ص 149، ص 288- (المستدرك للحاكم) ج 2 ص 616 وصححه الذهبي في تلخيص المستدرك. [ (2) ] هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن سفيان بن يزيد الفارسيّ، مولى زيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، القرشيّ، الأندلسيّ، الإمام العلامة، المحقق، المدقق، يكنى أبا محمد، ويعرف بابن حزم، ولد بعد صلاة الصبح في آخر يوم من شهر رمضان سنة ثلاث وثمانية وثلاثمائة (383 هـ) بقرطبة بالأندلس، وتوفي بقريته، وهي من غرب الأندلس، على خليج البحر الأعظم، في شهر جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وأربعمائة (457 هـ) (الإحكام في أصول الأحكام) لابن حزم/ المقدمة. [ (3) ] الأبواء: بالفتح ثم السكون وواو وألف ممدودة، قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. (معجم البلدان ج 1 ص 101، 102) . الأبواء: في الشمال عن الجحفة على ثمان فراسخ (تقويم البلدان ص 81) . [ (4) ] ماتت أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وله ست سنين وقيل: أربع (تهذيب الأسماء واللغات ج 1 ص 24) وذكر ابن هشام: أنها توفيت وله صلّى اللَّه عليه وسلّم ست سنين (ابن هشام ج 1 ص 305) وقيل: توفيت أمه وهو ابن أربع سنين (تلقيح فهوم أهل الأثر ص 13) . [ (5) ] نص ابن سعد: «دعوا ابني إنه ليؤنس ملكا» (ابن سعد ج 1 ص 118) وفي ابن هشام: «دعوا ابني، فو اللَّه إن له لشأنا» (ابن هشام ج 1 ص 306) و (ابن كثير ج 2 ص 282) (البداية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 رمده ورمد عليه السلام في سنة سبع من مولده فخرج به عبد المطلب إلى راهب فعالجه وأعطاه ما يعالج به وبشّر بنبوته [ (1) ] . حضانة أم أيمن وموت جده وكفالة عمه وحضنته بعد أمه أم أيمن بركة الحبشية مولاة أبيه، حتى مات عبد المطلب وله صلّى اللَّه عليه وسلّم من العمر ثماني سنين، وقد أوصى به إلى ابنه أبي طالب [ (2) ] لأنه كان أخا عبد اللَّه لأمه، فكفله عمه أبو طالب بن عبد المطلب وحاطه أتم حياطة. حليته وخلقه في صغره وكان بنو أبي طالب يصبحون غمصا رمصا [ (3) ] ويصبح صلّى اللَّه عليه وسلّم صقيلا دهينا [ (4) ] ، وكان أبو طالب يقرب إلى الصبيان تصبيحهم أول البكرة فيجلسون وينهبون، ويكف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده لا ينهب معهم، فلما رأى ذلك أبو طالب عزل له طعامه على حدة. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يصبح في أكثر أيامه فيأتي زمزم فيشرب منه شربة، فربما عرض عليه الغداء فيقول: لا أريده، أنا شبعان. مخرجه الأول إلى الشام وخرج به إلى الشام في تجارة وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة   [ () ] والنهاية) «دعوا ابني إنه يؤسس ملكا» . [ (1) ] ذكر صاحب (تاريخ الخميس) ج 1 ص 239 في وقائع السنة السابعة من مولده صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ومن وقائع هذه السنة ما روي أنه أصاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رمد شديد فعولج بمكة فلم يغن عنه، فقيل لعبد المطلب: إن في ناحية عكاظ راهبا يعالج الأعين فركب إليه فناداه وديره مغلق فكان لا يجيبه، فتزلزل به ديره حتى خاف أن يسقط عليه فخرج مبادرا، وقال: يا عبد المطلب، إن هذا الغلام نبي هذه الأمة ولو لم أخرج إليك لخرّ ديري، وارجع به واحفظوه لا يغتاله بعض أهل الكتاب ثم عالج» . [ (2) ] في (خ) «المطلب» والصحيح ما أثبتناه. فأبو طالب أخو عبد اللَّه لأبيه وأمه، راجع: (المعارف لابن قتيبة) ص 118. [ (3) ] الغمص: ما سال من العين من رمص (المعجم الوسيط ج 2 ص 662) . الرّمص: وسخ أبيض جامد يجتمع في موق العين (المرجع السابق ج 1 ص 327) . [ (4) ] في ابن سعد «رمصا شعثا» ، «دهينا كحيلا» (ج 1 ص 120) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 أيام، وقيل ابن تسع سنين فبلغ به بصرى [ (1) ] ، وذلك فيما يقال لعشر خلون من ربيع الأول سنة ثلاث عشر للفيل. فرأى أبو طالب ومن معه من آيات نبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم ما زاده في الوصاة به والحرص عليه: من تظليل الغمام له، وميل الشجرة بظلها عليه. خبر بحيرا الراهب وبشر به بحيرا الراهب (واسمه سرجس من عبد القيس) ، وأمر أبا طالب أن يرجع به لئلا تراه اليهود فيرمونه بسوء، فكانت هذه أول بشرى بنبوته، وهو لصغره غير واع إليها ولا متأهب لها، وقيل: خرج مع عمه وله تسع سنين، والأول أثبت [ (2) ] . أول أمره مع خديجة في التجارة وكان حكيم بن حزام [ (3) ] قد رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بسوق حباشة، واشترى منه بزّا من بز [ (4) ] تهامة [ (5) ] وقدم مكة. فذلك حين أرسلت خديجة إلى رسول اللَّه   [ (1) ] بصرى: بالشام من أعمال دمشق. (معجم البلدان ج 1 ص 522) . وذكر ابن الجوزي أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم نزل تيماء، وهي واحة في شمالي جزيرة العرب (صفة الصفوة ج 1 ص 33) . [ (2) ] أورد هذا الخبر بتمامه: ابن الجوزي في (صفوة الصفوة ج 1 ص 33- 35) - ابن هشام (السيرة النبويّة ج 1 ص 319- 322) - الطبري (التاريخ ج 2 ص 277- 279) - ابن كثير (البداية والنهاية ج 2 ص 345- 349) - ابن سيد الناس (عيون الأثر ج 1 ص 40- 43) . [ (3) ] حكيم بن حزام بن خويلد، وهو ابن أخي خديجة، أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وغزا حنينا والطائف، وكان من أشراف قريش، وعقلائها، ونبلائها، وكان الزبير ابن عمه، قال البخاري في «التاريخ» : عاش ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام. قال الذهبي: لم يعش في الإسلام إلا بضعا وأربعين سنة، باع دار الندوة من معاوية بمائة ألف، فقال له ابن الزبير: بعت مكرمة قريش، فقال: ذهبت المكارم يا ابن أخي إلا التقوى، إني اشتريت بها دارا في الجنة، أشهدكم أني قد جعلتها للَّه. مات سنة أربع وخمسين، بلغ عدد مسندة (40) حديثا، له في الصحيحين أربعة أحاديث متفق عليها. (مسند أحمد ج 4 ص 401- 403) ، (المعارف: 311) ، (الجرح والتعديل: 3/ 202) ، (المستدرك: 3/ 482- 485) ، (تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 166) ، (تهذيب التهذيب: 2/ 447) ، (شذرات الذهب: 1/ 60) . [ (4) ] البزّ: نوع من الثياب والسلاح. (المعجم الوسيط ج 1 ص 54) . [ (5) ] تهامة بالكسر، قال أبو المنذر: تهامة تساير البحر، منها مكة، قال: والحجاز ما حجز بين تهامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 صلّى اللَّه عليه وسلّم تدعوه أن يخرج في تجارة إلى سوق حباشة [ (1) ] . وبعثت معه غلامها ميسرة، فخرجا فابتاعا بزا من بز الجند [ (2) ] وغيره مما فيها من التجارة، ورجعا إلى مكة فربحا ربحا حسنا، ويقال إن أبا طالب كلم خديجة حتى وكلت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بتجارتها. مشاركته السائب في التجارة وكان يشارك السائب بن أبي السائب صيفي بن عابد [ (3) ] بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، فلما كان يوم الفتح جاءه فقال عليه السلام: (مرحبا بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري) ومعنى يداري: يشاحن ويخاصم صاحبه. رعيه الغنم وكان بعد ذلك يرعى غنما لأهل مكة على قراريط، قيل: كل شاة بقيراط، وقيل: قراريط موضع، ولم يرد بذلك القراريط من الفضة [ (4) ] . مشهده حرب الفجار [ (5) ] وشهد حرب الفجار الأيام سائرها إلا يوم نخلة، وكان يناول عمه- الزبير   [ () ] والعروض. قال الأصمعي: وإنما سمي الحجاز حجازا لأنه حجز بين تهامة ونجد. (معجم البلدان ج 2 ص 74) . [ (1) ] حباشة: بالضم والشين المعجمة، سوق من أسواق العرب في الجاهلية، ذكره في حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: لما استوى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبلغ أشدّه وليس له مال كثير استأجرته خديجة إلى سوق حباشة. [ (2) ] الجند: بالتحريك، قال أبو سنان اليماني: « ... وأعمال اليمن في الإسلام مقسومة على ثلاثة ولاة: فوال على الجند ومخاليفها، وهو أعظمها، ووال على صنعاء ومخاليفها، وهو أوسطها، ووال على حضرموت ومخاليفها، وهو أدناها» . (معجم البلدان ج 2 ص 196) . [ (3) ] هكذا في (خ) ، وفي ابن هشام: قال ابن إسحاق: «السائب بن أبي السائب بن عابد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم» (ابن هشام ج 3 ص 268) . [ (4) ] روى البخاري في كتاب (الإجارة) : باب رعي الغنم على قراريط: «عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما بعث اللَّه نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» . (صحيح البخاري ج 1 ص 32) وذكره ابن ماجة بلفظ آخر، (صحيح سنن ابن ماجة للألباني ج 2 ص 727 باب الصناعات حديث رقم 2149) . [ (5) ] الفجار بكسر الفاء، «وإنما سمّي يوم الفجار بما استحل فيه هذان الحيان- كنانة وعسقلان- من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 بن عبد المطلب- النبل، وكان عمره صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ عشرين سنة [ (1) ] ، وقيل: أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة [ (2) ] . مخرجه الثاني إلى الشام في تجارة خديجة ثم أجر نفسه من خديجة- بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب [ابن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر] [ (3) ]- سفرتين بقلوصين [ (4) ] . وخرج ثانيا إلى الشام في تجارة ومعه غلامها ميسرة- لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة خمس وعشرين من الفيل- وقد بلغ خمسا وعشرين سنة- حتى أتى بصرى فرآه نسطور الراهب وبشر بنبوته ميسرة. ورأى ميسرة من شأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما بهره فأخبر سيدته خديجة بما شاهد وبكلام الراهب [ (5) ] ، فرغبت خديجة رضي اللَّه عنها إليه أن يتزوجها لما رجت في ذلك من الخير. زواجه بخديجة فتزوج بخديجة بعد ذلك بشهرين وخمسة وعشرين يوما في عقب صفر [و] سنّه ست وعشرين، (وقيل: كانت [ (6) ] سنّه إحدى وعشرين سنة وقيل: ثلاثين، وقال ابن جريج: وله سبع وثلاثون سنة، وقال البرقي: سبع وعشرون سنة قد راهق الثلاثين، ولها من العمر أربعون سنة وعمره خمس وعشرون سنة، وقيل: ثلاث وعشرون، والأول أثبت [ (7) ] ) على اثنتي عشرة أوقية ونش [ (8) ] ، وقيل:   [ () ] المحارم بينهم» . (البداية والنهاية ج 2 ص 353) ويقول السهيليّ: «والفجار بكسر الفاء بمعنى المفاجرة كالقتال والمقاتلة، وذلك أنه كان قتالا في الشهر الحرام، ففجروا فيه جميعا، فسمي: الفجار (الروض الأنف ج 1 ص 209) ، (أيام العرب في الجاهلية: ص 322- 337) . [ (1) ] ابن كثير في (البداية والنهاية ج 2 ص 353) . [ (2) ] ابن هشام في (السيرة ج 1 ص 324) . [ (3) ] تكملة النسب من ابن هشام. [ (4) ] القلوص «من الإبل» الفتية المجتمعة الخلق، وذلك حين تركب إلى التاسعة من عمرها، ثم هي ناقة» (المعجم الوسيط ج 2 ص 755) . [ (5) ] الخبر بتمامه في (ابن سعد) ج 1 ص 156. [ (6) ] في (خ) «كان» ، والصحيح ما أثبتناه لأن السن مؤنثة. [ (7) ] في ابن هشام «خمسا وعشرين سنة» (ج 2 ص 5) ونحوه في (عيون الأثر ج 1 ص 47) . [ (8) ] الأوقية جزء من اثني عشر جزءا من الرطل المصري (المعجم الوسيط ج 1 ص 33) الأوقية أربعون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 عشرون بكرة [ (1) ] . وكان الّذي سفر بينهما نفيسة بنت منية أخت يعلي بن منية، وقيل: بل سفر بينهما ميسرة، وقيل: بل مولاة مولّدة. وكان الّذي زوّج خديجة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عمها عمرو بن أسد بن عبد العزى وقال: محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب يخطب خديجة ابنة خويلد! هذا الفحل لا يقدح أنفه [ (2) ] . وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، فيما يحسب حماد: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكر خديجة وكان أبوها يرغب عن أن يزوجه، فصنعت طعاما وشرابا ودعت أباها ونفرا من قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا، فقالت خديجة: إن محمد بن عبد اللَّه يخطبني فزوّجني إياه، فزوجها، فخلّقته [ (3) ] وألبسته، وكذلك كانوا يفعلون بالآباء، فلما سري عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه حلة فقال: ما شأني؟ ما هذا؟! قالت: زوجتني محمد بن عبد اللَّه، فقال: أنا أزوج يتيم أبي طالب! لا لعمري، فقالت خديجة: ألا تستحي! تريد أن تسفه نفسك عند قريش، تخبر الناس أنك كنت سكران. فلم تزل به حتى رضي. وقد ردّ هذا القول بأن أباها توفي قبل الفجار [ (4) ] . شهوده حلف الفضول [ (5) ] وشهد صلّى اللَّه عليه وسلّم حلف الفضول مع عمومته في دار عبد اللَّه بن جدعان بن عمرو   [ () ] درهما، والنش نصف أوقية، أو عشرون درهما (لسان العرب ج 6 ص 353) . [ (1) ] البكر: الفتى من الإبل، والأنثى بكرة، وفي المثل: «جاءوا على بكرة أبيهم» أي جميعا (المعجم الوسيط ج 1 ص 67) ، (جمهرة الأمثال ج 1 ص 316) . [ (2) ] في الروض الأنف «هو الفحل الّذي لا يقدع أنفه» ج 1 ص 212. وهذا المثل يضرب للشريف لا يردّ عن مصاهرة ومواصلة. والقدح: الكف (مجمع الأمثال للميداني ج 2 ص 395) المثل رقم 4552. [ (3) ] خلّقه: ملّسه وسوّاه. وأتم خلقه وطيبه بالخلوق. (المعجم الوسيط ج 1 ص 252) . [ (4) ] «المحفوظ عند أهل العلم أن أباها خويلد بن أسد مات قبل الفجار، وأن عمها عمرو بن أسد زوّجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، (ابن سعد ج 1 ص 133) وذكر نحوه ابن كثير في (البداية والنهاية ج 2 ص 361) والسهيليّ في (الروض الأنف ج 1 ص 213) ، والطبري في (التاريخ ج 2 ص 282) . [ (5) ] كان حلف الفضول بعد الفجار، وذلك أن حرب الفجار كانت في شعبان، وكان حلف الفضول في ذي القعدة قبل المبعث بعشرين سنة، وذكر ابن قتيبة: «والفضول جمع فضل وهي أسماء الذين تحالفوا وهم الفضيل بن شراعة، والفضل بن وداعة، والفضل بن قضاعة، وكانوا قد تعاهدوا باللَّه ليكونن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 ابن كعب [ (1) ] بن تميم بن مرة. تحكيمه في أمر الحجر الأسود وكان اللَّه تعالى قد صانه وحماه من صغره، وطهّره وبرّأه من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خلق جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوا من طهارته وصدق حديثه وأمانته، بحيث أنه لما بنيت الكعبة بعد هدم قريش لها في سنة خمس وثلاثين، وقيل: سنة خمس وعشرين من عمره صلّى اللَّه عليه وسلّم وذلك قبل المبعث بخمس عشرة سنة وبعد الفجار بخمس عشرة سنة- ووصلوا إلى موضع الحجر الأسود، اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه، [فأرادت [ (2) ]] كل قبيلة رفعه إلى موضعه، واستعدوا للقتال وتحالفوا على الموت، ومكثوا على ذلك أربع ليال. فأشار عليهم أبو أمية [ (3) ] حذيفة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم- وهو أسنّ قريش يومئذ- أن يجعلوا بينهم حكما أول من يدخل من باب المسجد، فكان أول من دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين قد رضينا به، وأخبروه الخبر، فقال: [هلموا [ (4) ]] لي ثوبا، فأتي بثوب- يقال إنه كساء أبيض من متاع الشام كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم- فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه بيده ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم أرفعوه جميعا، ففعلوا حتى بلغوا به موضعه فوضعه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده ثم بني عليه. ويقال: كان الثوب الّذي وضع فيه الحجر للوليد بن المغيرة. أول ما بدئ به من النبوة ولما أراد اللَّه رحمة العباد، وكرامته صلّى اللَّه عليه وسلّم بإرساله إلى العالمين، كان أوّلا يرى   [ () ] يدا واحدة مع المظلوم على الظالم» (ابن هشام ج 1 ص 264، 265 بتصرف) . [ (1) ] ابن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ (تمام النسب من ابن هشام ج 1 ص 264) . [ (2) ] في (خ) فأراد. [ (3) ] في ابن هشام «أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه ... » ج 2 ص 19. [ (4) ] كذا في (خ) وصحتها (هلمّ) ، وهي كلمة دعاء، أي تعال، وهي من أسماء الأفعال، تلزم لفظا واحدا في كل حالاتها عند الحجازيين: [للواحد والاثنين والجماعة والذكر والأنثى] (المعجم الوسيط ج 2 ص 992، 993) والنصّ في (ابن هشام ج 2 ص 19) : «هلمّ إليّ» والآية 150 الأنعام: قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ، 18 الأحزاب: وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا، وانظر أيضا (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي) ج 5 ص 341. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ويعاين من آثار فضل اللَّه أشياء: فشق في صغره بطنه واستخرج ما في قلبه من الغل والدنس، فكان يعاين الأمر معاينة ثم كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه فقال: السلام عليك يا رسول اللَّه. فكان يلتفت يمينا ويسارا فلا يرى أحدا [ (1) ] . وكانت الأمم تتحدث بمبعثه وتخبر علماء كل أمة قومها بذلك. ثم كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح [ (2) ] . فكان أول شيء رآه من النبوة في المنام بطنه طهّر وغسل ثم أعيد كما كان. تحنثه بحراء وبدء الوحي وحبّب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء كما كان يفعل ذلك متعبدو [ (3) ] ذلك الزمان، فيقيم فيه الليالي ذوات العدد، ثم يرجع إلى أهله فيتزود لمثلها يتحنث [ (4) ] بحراء ومعه خديجة، فيقال: إنه أول ما رأى جبريل عليه السلام بأجياد [ (5) ] فصرخ به: يا محمد يا محمد. بعثته ثم فجأة [ (6) ] الحق وهو بغار حراء [ (7) ] يوم الاثنين لثمان عشرة خلت من رمضان   [ (1) ] أخرج الترمذي نحوه في صحيح سنن الترمذي للألباني ج 3 ص 192 حديث رقم 3885 وقال في آخره: «صحيح» . [ (2) ] المرجع السابق حديث رقم 3893، وقال في آخره: «حسن صحيح» . [ (3) ] في (خ) «متعبدوا» بألف بعد الواو، والمعروف عند أهل اللغة أن جمع المذكر السالم تحذف منه ألف واو الجماعة إذا أضيف. [ (4) ] تحنّث: تعبد، وفعل ما يخرج به الحنث، والحنث: الذنب (المعجم الوسيط ج 1 ص 201) (وهذه اللفظة في (خ) : يتجنب» ) . [ (5) ] قال أبو القاسم الخوارزمي: أجياد موضع بمكة يلي الصفا، وهو أحد جبال مكة غربيّ المسجد الحرام. وقال الأصمعي: هو الموضع الّذي كانت به الخيل التي سخرها اللَّه لإسماعيل عليه السلام (معجم البلدان ج 1 ص 130) . [ (6) ] قوله: «فجأه الحق وهو بغار حراء» أي جاءه بغتة على غير موعد كما قال تعالى: وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ آية 86/ القصص، (البداية والنهاية ج 3 ص 6) ، وفي (ط) «فجئه» والتصويب من (المعجم الوسيط) : «فجأه الأمر فجأ، وفجأة، وفجاءة: بغته (ج 2 ص 674) . [ (7) ] وحراء: يقصر ويمد، ويمنع ويصرف، وهو جبل بأعلى مكة على ثلاثة أميال منها عن يسار المار إلى منى، له قلة مشرقة على الكعبة منحنية، والغار في تلك الحنية. (معجم البلدان ج 2 ص 269) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وقيل: لأربع وعشرين ليلة مضت منه، وله من العمر أربعون سنة. وهذا مروي عن عبد اللَّه بن عباس [ (1) ] ، ...   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن عباس، حبر الأمّة وفقيه العصر، وإمام التفسير، ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: العباس ابن عبد المطلب شيبة بن هاشم، واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب ابن لؤيّ بن غالب بن فهر القرشيّ الهاشميّ المكيّ الأمير رضي اللَّه عنه. مولده بشعب بني هاشم، قبل عام الهجرة بثلاث سنين. صحب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم نحوا من ثلاثين شهرا، وحدّث عنه بجملة صالحة، وعن عمر، وعليّ، ومعاذ، ووالده، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي سفيان صخر بن حرب، وأبي ذر، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وخلق. وقرأ على أبيّ، وزيد. قرأ عليه مجاهد، وسعيد بن جبير، وطائفة. روى عنه ابنه عليّ، وابن أخيه عبد اللَّه بن معبد، ومواليه، عكرمة، ومقسم، وكريب، وأنس بن مالك، وطاووس، وخلق سواهم. وكان وسيما جميلا، مديد القامة، مهيبا، كامل العقل، ذكيّ النفس، من رجال الكمال. انتقل ابن عباس مع أبويه إلى دار الهجرة سنة الفتح، وقد أسلم قبل ذلك، فإنه صحّ عنه أنه قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان، وأمي من النساء. عن عكرمة، عن ابن عباس قال: مسح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسي، ودعا لي بالحكمة. قال الزبير بن بكّار: توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولابن عباس ثلاث عشرة سنة. قال أبو سعيد بن يونس: غزا ابن عباس إفريقية مع ابن أبي سرح، وروى من أهل مصر خمسة عشر نفسا. قال ابن عباس: «ضمني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى صدره وقال: اللَّهمّ علّمه الحكمة» ، والحكمة: الإصابة في غير النبوة، وفي لفظ: «علّمه الكتاب» ، وهو يؤيد من فسّر الحكمة هنا بالقرآن. واختلف في المراد بالحكمة هنا، فقيل: الإصابة في القول، وقيل: الفهم عن اللَّه، وقيل: ما يشهد العقل بصحته، وقيل: نور يفرق بين الإلهام والوسواس، وقيل: سرعة الجواب بالصواب، وقيل غير ذلك. وكان ابن عباس من أعلم الناس بتفسير القرآن. وروى أبو زرعة الدمشقيّ في تاريخه، عن ابن عمر قال: «هو أعلم الناس بما أنزل اللَّه على محمد» . وقال مجاهد: ما رأيت أحدا قطّ مثل ابن عبّاس، لقد مات يوم مات وإنه لحبر هذه الأمة. ومسندة ألف وستمائة وستون حديثا، وله من ذلك في الصحيحين خمسة وسبعون. وتفرّد البخاري له بمائة وعشرين حديثا، وتفرّد مسلم بتسعة أحاديث. توفّي ابن عباس سنة ثمان أو سبع وستين، وعاش إحدى وسبعين سنة. * سير أعلام النبلاء: 3/ 331- 359، التاريخ الكبير: 5/ 3، التاريخ الصغير: 1/ 26، الجرح والتعديل: 5/ 116، المستدرك: 3/ 533، حلية الأولياء: 1/ 314، جمهرة أنساب العرب: 19، 20، تاريخ بغداد: 1/ 173، جامع الأصول: 9/ 63، تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 274، وفيات الأعيان: 3/ 62- 64، خلاصة تذهيب الكمال: 2/ 69، تاريخ الصحابة: 148، 149، أسماء الصحابة الرواة: 40، فتح الباري: ج 7 ص 125، 126 باب ذكر ابن عباس رضي اللَّه عنهما، حديث رقم 3756. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وجبير بن مطعم [ (1) ] ، وقباث بن أشيم [ (2) ] ، ...   [ (1) ] هو جبر بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصيّ. شيخ قريش في زمانه، أبو محمد، ويقال: أبو عديّ القرشيّ النوفليّ، ابن عم النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم. من الطلقاء الذين حسن إسلامهم. وقد قدم المدينة في فداء الأسارى من قومه، وكان موصوفا بالحلم ونبل الرأي كأبيه. وكان أبوه هو الّذي قام في نقض صحيفة القطيعة، وكان يحنو على أهل الشّعب، ويصلهم في السر، ولذلك يقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيا، ثم كلمني في هؤلاء النّتنى لتركتهم له» . وهو الّذي أجار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين رجع من الطائف حتى طاف بعمرة، ثم كان جبير شريفا مطاعا، وله رواية أحاديث. ووفد على معاوية في أيامه. توفي جبير بن مطعم سنة ثمان وخمسين على خلاف في ذلك. * سير أعلام النبلاء: 3/ 95- 99، التاريخ الكبير: 2/ 223، المعارف: 485، الجرح والتعديل: 2/ 512، جمهرة أنساب العرب: 116، تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 146، مرآة الجنان: 1/ 127، خلاصة تذهيب الكمال: 1/ 161، شذرات الذهب: 1/ 64، صحيح البخاري، كتاب الخمس، باب ما منّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأسارى من غير أن يخمس، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير، عن أبيه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم ابن عديّ حيا، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له» حديث رقم 3139 (فتح الباري ج 6 ص 298، 299) . وهو في (مسند الحميدي) رقم 558، وفي (صحيح سنن أبي داود) للألباني رقم 2338 ج 2 ص 12. [ (2) ] هو قباث بن أشيم بن عامر بن الملوح بن يعمر وهو الشدّاخ بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، شهد بدرا مع المشركين، وكان له فيها ذكر، ثم أسلم بعد ذلك، وشهد مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعض المشاهد، وكان على مجنّبة أبي عبيدة بن الجراح يوم اليرموك، ونزل الشام بعد ذلك. روى عنه عامر بن زياد الليثي، وأبو الحويرث، فرواية عامر عنه مرفوعة في فضل صلاة الجماعة، أخبرنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقيّ قال: حدثنا محمد بن شعيب قال: أخبرني أبو خالد الرّحبيّ، يعني ثور بن يزيد، عن ابن سيف الكلاعي عن عبد الرحمن بن زياد عن قباث بن أشيم الليثي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «صلاة رجلين يؤمّ أحدهما صاحبه أزكى عند اللَّه من صلاة ثمانية تترى، وصلاة أربعة يؤمهم أحدهم أزكى عند اللَّه من صلاة مائة تترى، قال ابن شعيب: فقلت لأبي خالد: ما تترى؟ قال: متفرقين. وأما أبو الحويرث فإنه قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الكناني ثم الليثي: يا قباث أنت أكبر أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكبر مني وأنا أسنّ منه، ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عام الفيل، ووقفت بي أمي على روث الفيل محيلا أعقله، وتنبأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رأس أربعين من الفيل» . قال البخاري وابن أبي حاتم: قباث بن أشيم له صحبة. وأخرج أبو نعيم في (الدلائل) قصة إسلامه بعد الخندق مطولة، وفيها علم من أعلام النبوة. وحديث: «صلاة رجلين..» : أخرجه البخاري في التاريخ الكبير. وحديث أبي الحويرث، فأورده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وعطاء [ (1) ] ، وسعيد بن المسيب [ (2) ] ، ...   [ () ] البيهقي في (الدلائل) ، والترمذي في باب ما جاء في ميلاد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال عنه الألباني في ضعيف سنن الترمذي: «ضعيف الإسناد» ، هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق. * ضعيف سنن الترمذي: 484، سنن الترمذي: 5/ 550، جامع الأصول: 11/ 216، 217، الدلائل للبيهقي: 1/ 79، 2/ 131، الدلائل لأبي نعيم: 1/ 143، طبقات ابن سعد: 7/ 411، تاريخ الصحابة: 216، الاستيعاب: 3/ 1303، المؤتلف والمختلف: 4/ 1922، التاريخ الكبير: 7/ 192، الجرح والتعديل: 7/ 143، الإصابة: 5/ 407، 408. [ (1) ] هو عطاء بن يسار الهلاليّ أبو محمد المدنيّ القاصّ، مولى ميمونة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو أخو سليمان، وعبد الملك، وعبد اللَّه بن يسار. روى عن معاذ بن جبل، وفي سماعه منه نظر، وعن أبي ذر، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن الحكم السلمي، وأبي أيوب، وأبي قتادة، وأبي واقد الليثي، وأبي هريرة، وزيد بن خالد الجهنيّ، وعبد اللَّه بن عمرو، وعبد اللَّه بن عباس، وأبي رافع مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعائشة، وعامر بن سعد بن أبي وقاص وهو من أقرانه، وجماعة. روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وهو من أقرانه، ومحمد بن عمر بن عطاء، ومحمد بن عمرو بن حلحلة، وهلال بن علي، وزيد بن أسلم، وشريك بن أبي نمر، ومحمد بن أبي حرملة، وعمرو ابن دينار، ومحمد بن إبراهيم التيميّ، ويزيد بن عبد اللَّه بن قسيط، وحبيب بن أبي ثابت، وصفوان بن سليم، وعبد اللَّه بن محمد بن عقيل، وآخرون. قال البخاريّ وابن سعد: سمع من ابن مسعود. وقال أبو حاتم: لم يسمع منه. وقال ابن معين، وأبو زرعة، والنسائي: ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث. روى الواقدي: أنه مات سنة ثلاث أو أربع ومائة، وقال غيره: سنه (94) ، وقال ابن سعد: وهو أشبه، وقال عمرو بن علي وغيره: مات سنة (103) ، وهو ابن (84) سنة، جزم بذلك ابن يونس في تاريخ مصر، وذكره ابن حبّان في (الثقات) وقال: قدم الشام، فكان أهل الشام يكنونه بأبي عبد اللَّه، وقدم مصر، فكان أهلها يكنونه بأبي يسار، وكان صاحب قصص، وعبادة، وفضل، كان مولده سنة (19) ، ومات سنة (103) ، وكان موته بالإسكندرية. * العقد الفريد: 7/ 353، المعارف: 459، طبقات الحفاظ: 41، 42، الثقات: 5/ 199، سير أعلام النبلاء: 4/ 448، 449، الجرح والتعديل: 6/ 338، التاريخ الكبير: 6/ 461، تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 335، تهذيب التهذيب: 7/ 194، خلاصة تهذيب الكمال: 2/ 232، شذرات الذهب: 1/ 125، مرآة الجنان: 1/ 214. [ (2) ] هو سعيد بن المسيّب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة، الإمام العلم، أبو محمد القرشيّ المخزوميّ، عالم أهل المدينة، وسيّد التابعين في زمانه. ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي اللَّه عنه، وقيل: لأربع مضين منها بالمدينة. رأى عمر، وسمع عثمان، وعليا، وزيد بن ثابت، وأبا موسى، وسعدا، وعائشة، وأبا هريرة، وابن عباس، ومحمد بن مسلمة، وأم سلمة، وخلقا سواهم. وقيل: إنه سمع من عمر. وروى عن أبيّ بن كعب مرسلا، وسعد بن عبادة كذلك، وأبي ذرّ وأبي الدرداء كذلك، وبلال كذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23   [ () ] وروايته عن عليّ، وسعد وعثمان، وأبي موسى، وعائشة، وأم شريك، وابن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس، وحكيم بن حزام، وعبد اللَّه بن عمرو، وأبيه المسيّب، وأبي سعيد، في «الصحيحين» . وروايته عن حسان بن ثابت، وصفوان بن أمية، ومعمر بن عبد اللَّه، ومعاوية، وأم سلمة، في «صحيح مسلم» . وروايته عن جبير بن مطعم، وجابر، وغيرهما في «صحيح البخاري» . وروايته عن عمر، في «السنن الأربعة» . وروى أيضا عن زيد بن ثابت، وسراقة بن مالك، وصهيب، والضحاك بن سفيان، وعبد الرحمن ابن عثمان التّيميّ، وروايته عن عتّاب بن أسيد في «السنن الأربعة» ، وهو مرسل. وأرسل عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعن أبي بكر الصديق، وكان زوج بنت أبي هريرة، وأعلم الناس بحديثه. قال الحافظ الذهبيّ: وكان ممّن برّز في العلم والعمل، وقع لنا جملة من عالي حديثه. أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق القرافي، أنبأنا الفتح بن عبد اللَّه الكاتب، أنبأنا محمد بن عمر الشافعيّ، ومحمد بن أحمد الطرائفي، ومحمد بن علي بن الداية، قالوا: أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد ابن المسلمة، أنبأنا عبيد اللَّه بن عبد الرحمن الزّهريّ سنة ثمانين وثلاث مائة، أنبأنا جعفر بن محمد الفريابيّ، حدثنا إبراهيم بن الحجّاج السّامي، حدثنا حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صام وإن صلى، وزعم أنّه مسلم: من إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» . هذا صحيح عال، فيه دليل على أن هذه الخصال من كبار الذنوب، أخرجه مسلم في الإيمان، باب خصال المنافق من كبار الذنوب. أخرجه مسلم برقم (59) ، (110) في كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، وهذا الحديث مما عدّه جماعة من العلماء مشكلا، من حيث إن هذه الخصال توجد في المسلم المصدق الّذي ليس فيه شك، وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقا بقلبه ولسانه، وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر، ولا هو منافق يخلد في النار، فإن إخوة يوسف صلّى اللَّه عليه وسلّم جمعوا هذه الخصال، وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كله، وهذا الحديث ليس فيه بحمد اللَّه تعالى إشكال، ولكن اختلف العلماء في معناه، فالذي قاله المحققون والأكثرون، وهو الصحيح المختار، أن معناه: أن هذه الخصال نفاق، وصاحبها شبيه المنافقين في هذه الخصال، ومتخلّق بأخلاقهم، فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في هذه الخصال، ويكون نفاقه في حق من حدّثه، ووعده، وائتمنه من الناس، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر، ولم يرد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار. وعن عبد العزيز بن المختار، عن عليّ بن زيد، حدثني سعيد بن المسيّب بن حزن، أن جدّه حزنا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: «ما اسمك؟ قال: حزن، قال: بل أنت سهل» قال: يا رسول اللَّه، اسم سمّاني به أبواي وعرفت به في الناس، فسكت عنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال سعيد: فما زلنا تعرف الحزونة فينا أهل البيت. والحزن: ما غلظ من الأرض، وهو ضد السهل، واستعمل في الخلق، يقال: فلان حزون، أي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24   [ () ] في خلقه غلظة وقساوة. هذا حديث مرسل، ومراسيل سعيد محتجّ بها، لكن عليّ بن زيد ليس بالحجة، وأما الحديث فمروي بإسناد صحيح، متصل، ولفظه: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: «ما اسمك؟ قال: حزن، قال: أنت سهل» ، فقال: لا أغيّر اسما سمّانيه أبي. قال سعيد: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد. أخرجه البخاري في الأدب، باب اسم الحزن، قال ابن بطال: فيه أن الأمر بتحسين الأسماء، وبتغيير الاسم إلى أحسن منه ليس على الوجوب. وقال ابن التين: معنى قول ابن المسيب: «فما زالت فينا الحزونة» ، يريد امتناع التسهيل فيما يريدونه. وقال الداوديّ: يريد الصعوبة في أخلاقهم، فقد ذكر أهل النسب أن في ولده سوء خلق معروف فيهم لا يكاد ينعدم منهم، إلا أن سعيدا أفضى به ذلك إلى الغضب في اللَّه. قال أحمد بن حنبل، وغير واحد: مرسلات سعيد بن المسيّب صحاح. وقال قتادة، ومكحول، والزهري، وآخرون، واللفظ لقتادة: ما رأيت أعلم من سعيد بن المسيّب. وقال عليّ بن المديني: لا أعلم في التابعين أحدا أوسع علما من ابن المسيّب، هو عندي أجلّ التابعين. عبد الرحمن بن حرملة: سمعت ابن المسيّب يقول حججت أربعين حجّة. قال يحيى بن سعيد الأنصاري: كان سعيد يكثر أن يقول في مجلسه: اللَّهمّ سلّم سلّم. معن: سمعت مالكا يقول: قال سعيد بن المسيّب: إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد. أبو إسحاق الشيبانيّ: عن بكير بن الأخنس، عن سعيد بن المسيّب، قال: سمعت عمر على المنبر وهو يقول: لا أجد أحدا جامع فلم يغتسل، أنزل أو لم ينزل، إلا عاقبته. رجاله ثقات. وفيه حجّة لم يقول إن سعيدا رأى عمر وسمع منه، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) حديثا وقع له بإسناد صحيح لا مطعن فيه، فيه تصريح سعيد بسماعه من عمر. قال الواقدي: حدثنا عبد اللَّه بن جعفر، وغيره من أصحابنا، قالوا: استعمل ابن الزّبير جابر ابن الأسود بن عوف الزّهريّ على المدينة، فدعا الناس إلى البيعة لابن الزبير، فقال سعيد بن المسيّب: لا، حتى يجتمع الناس، فضربه ستين سوطا، فبلغ ذلك ابن الزبير، فكتب إلى جابر يلومه ويقول: ما لنا ولسعيد، دعه. وكان جابر بن الزبير قد تزوج الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة، فلما ضرب سعيد بن المسيب صاح به سعيد والسياط تأخذه: واللَّه ما ربّعت على كتاب اللَّه، وإنّك تزوجت الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة، وما هي إلا ليال فاصنع ما بدا لك، فسوف يأتيك ما تكره. فما مكث إلا يسيرا حتى قتل ابن الزّبير. عن أبي عيسى الخراساني: عن ابن المسيّب، قال: لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم، لكيلا تحبط أعمالكم. أنبأنا أبو نعيم، حدثنا القطيعيّ، حدثنا عبد اللَّه بن أحمد، حدثنا الحسن بن عبد العزيز، قال: كتب إلى ضمرة بن ربيعة عن إبراهيم بن عبد اللَّه الكناني، أن سعيد بن المسيّب زوّج ابنته بدرهمين. قال الواقديّ: كان سعيد بن المسيّب من أعبر الناس للرؤيا، أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر الصديق، وأخذته أسماء عن أبيها، ثم ساق الواقديّ عدة منامات، منها: حدثنا عبد اللَّه بن جعفر، عن عبيد اللَّه بن عبد الرحمن بن السائب، قال رجل لابن المسيّب: إنه رأى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وأنس بن مالك [ (1) ] ، وهو صحيح عند أهل السير والعلم بالأثر.   [ () ] كأنه يخوض النار، قال: لا تموت حتى تركب البحر، وتموت قتيلا. فركب البحر، وأشفى على التهلكة، وقتل يوم قديد. (وقديد موضع بين مكة والمدينة، فيه كانت الوقعة سنة (130) بين أهل المدينة وبين أبي حمزه الخارجي، فقتل منهم مقتلة عظيمة) . العطّاف: عن ابن حرملة، قال: قال سعيد: لا تقولوا مصيحف، ولا مسيجد، ما كان للَّه فهو عظيم حسن جميل. الواقديّ: أنبأنا طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيّب، عن أبيه: قال سعيد بن المسيّب: قلة العيال أحد اليسارين. وفي لفظ آخر: أحد اليسارين. مالك: عن يحيى بن سعيد قال: سئل سعيد بن المسيّب عن آية، فقال سعيد: لا أقول في القرآن شيئا. قال الذهبي: ولهذا قلّ ما نقل عنه في التفسير. معاوية بن صالح: عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب قال: أوصيت أهلي بثلاث: أن لا يتبعني راجز ولا نار، وأن يعجلوا بي، فإن يكن لي عند اللَّه خير فهو خير مما عندكم. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن قيس الزيّات، عن زرعة بن عبد الرحمن، قال: قال سعيد بن المسيب: يا زرعة إني أشهدك على ابني محمد لا يؤذننّ بي أحدا، حسبي أربعة يحملونني إلى ربي. مات سعيد بن المسيّب بالمدينة وهو بن خمس وسبعين سنة سنة أربع وتسعين وكان يقال لهذه السنة: سنة الفقهاء، لكثرة من مات منهم فيها. * طبقات ابن سعد: 5/ 119- 143، التاريخ الكبير: 3/ 510- 511، المعارف: 437، الجرح والتعديل: 4/ 59- 61، حلية الأولياء: 2/ 161- 175، تهذيب الأسماء واللغات: 219- 221 ، وفيات الأعيان: 2/ 375- 378، تهذيب التهذيب: 4/ 74- 77، طبقات الحفاظ: 25، خلاصة تذهيب الكمال: 1/ 390- 391، سير أعلام النبلاء: 4/ 217- 246 ، شذرات الذهب: 1/ 102، صفة الصفوة: 2/ 57- 58، البداية والنهاية: 9/ 117- 119، مرآة الجنان: 1/ 185- 187، معجم البلدان: 4/ 355، تاريخ الطبري: 7/ 393، لسان العرب: 13/ 117 (مادة حزن) ، مسلم بشرح النووي: 2/ 406- 408 كتاب الإيمان باب خصال المنافق، فتح الباري 10/ 702 باب (107) اسم الحزن حديث رقم (9610) . [ (1) ] هو أنس بن مالك بن النّضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، الإمام، المفتي، المقرئ، المحدّث، راوية الإسلام، أبو حمزة الأنصاريّ، الخزرجيّ، النّجاريّ، المدنيّ، خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقرابته من النساء، وتلميذه، وتبعه، وآخر أصحابه موتا. روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم علما جمّا، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاذ، وأسيد بن الحضير، وأبي طلحة، وأمه أم سليم بن ملحان، وخالته أم حرام، وزوجها عبادة بن الصامت، وأبي ذرّ، ومالك بن صعصعة، وأبي هريرة، وفاطمة النبويّة، وعدة. وروى عنه خلق عظيم، منهم: الحسن، وابن سيرين، والشّعبيّ، وخلق كثير، وبقي أصحابه الثقات إلى ما بعد الخمسين ومائة. وكان أنس يقول: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وأنا ابن عشر سنين، ومات وأنا ابن عشرين، وكنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26   [ () ] أمّهاتي يحثثنني على خدمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فصحب أنس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتمّ الصحبة، ولازمة أكمل الملازمة منذ هاجر، وإلى أن مات، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة. لم يعدّه أصحاب المغازي في البدريين لكونه حضرها صبيا، ما قاتل، بلى بقي في رحال الجيش، فهذا وجه الجمع. قال أبو هريرة: ما رأيت أحدا أشبه بصلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ابن أم سليم، يعني أنسا. وقال أنس ابن سيرين: كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر والسّفر. مسندة ألفان ومائتان وستة وثمانون، اتّفق له البخاري ومسلم على مائة وثمانين حديثا، وانفرد البخاري بثمانين حديثا. ومسلم بتسعين، وروى له الأربعة، وجملة مرويّاته (2286) حديثا. قال أنس رضي اللَّه عنه: خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين، فما ضربني، ولا سبّني، ولا عبس في وجهي، رواه الترمذي بأطول من هذا. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ أكثر ماله وولده، قال أنس: واللَّه إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي يتعادون على نحو من مائة اليوم، قال بعضهم: بلغ مائة وثلاث سنين. ذكر صلاح الدين الصّفديّ في (الوافي) ، أن عليّ بن زيد بن جدعان قال: كنت في دار الإمارة والحجّاج يعرض الناس أيام ابن الأشعث، فدخل أنس بن مالك، فلمّا دنا من الحجّاج قال الحجّاج: يا خبثه! جوّال في الفتن، مرّة مع عليّ بن أبي طالب، ومرة مع ابن الزّبير، ومرة مع ابن الأشعث، واللَّه لأستأصلنّك كما تستأصل الصمغة، ولأجرّدنّك كما يجرّد الضّبّ! فقال له أنس: من يعني الأمير، أصلحه اللَّه؟ قال: إيّاك أعني، أصمّ اللَّه سمعك! فاسترجع أنس وشغل عنه، فخرج أنس وتبعته وقلت: ما منعك أن تجيبه؟ فقال: واللَّه لولا أني ذكرت كثرة ولدي، وخشيته عليهم، لأسمعته في مقامي هذا ما لا يستحسن لأحد من بعدي. وكتب إلى عبد الملك: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لعبد الملك أمير المؤمنين من أنس بن مالك خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وصاحبه. أما بعد، فإن الحجاج قال لي هجرا من القول وأسمعني نكرا، ولم أكن لما قال أهلا، إنه قال لي كذا وكذا، وإني أقسمت. بخدمتي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين كوامل: لولا صبية صغار ما باليت أيّة قتلة قتلت، وو الله، لو أن اليهود والنصارى أدركوا رجلا خدم نبيهم لأكرموه! فخذ لي على يده، وأعني عليه، والسلام. فلما قرأ عبد الملك الكتاب استشاط غضبا، وكتب إلى الحجاج: أما بعد، فإنك عبد من ثقيف، طمحت بك الأمور، فعلوت فيها وطغيت، حتى عدوت قدرك، وتجاوزت طورك، يا ابن المستفرمة بعجم الزّبيب، لأغمزنك غمز الليث، ولأخبطنّك خبطة، ولأركضنك ركضة تودّ معها لو أنك رجعت في مخرجك من وجار أمك. أما تذكر حال آبائك ومكاسبهم بالطائف، وحفرهم الأبار بأيديهم، ونقلهم الحجارة على ظهورهم؟ أم نسيت أجدادك في اللؤم والدناءة وخساسة الأصل، وقد بلغ أمير المؤمنين ما كان منك إلى أبي حمزة أنس بن مالك خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القريب، وصاحبه في المشهد والمغيب، جرأة منك على اللَّه ورسوله، وأمير المؤمنين والمسلمين، وإقداما على أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فعليك لعنة اللَّه من عبد أخفش العينين، أصكّ الرجلين، ممسوح الجاعرتين، لقد هممت أن أبعث إليك من يسحبك ظهرا لبطن حتى يأتي بك أبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27   [ () ] حمزة، فيحكم فيك بما يراه. ولو علم أمير المؤمنين أنك اجترمت إليه جرما، أو انتهكت له عرضا غير ما كتب إليه، لفعل ذلك بك. فإذا قرأت كتابي هذا، فكن له أطوع من نعله، واعرف حقّه، وأكرمه وأهله، ولا تقصرنّ في شيء من حوائجه، فو اللَّه لو أن اليهود رأت رجلا خدم العزير، أو النّصارى رأت رجلا خدم المسيح، لوقّروه وعظّموه، فتبا لك، لقد اجترأت ونسيت العهد، وإياك أن يبلغني عنك خلاف ذلك، فأبعث إليك من يضربك بطنا لظهر، ويهتك سترك، ويشمت بك عدوك، والقه في منزله متنصّلا إليه ليكتب إليّ برضاه عنك! ولِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وكتب عبد الملك إلى أنس: لأبي حمزة أنس بن مالك، خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، من عبد الملك، سلام عليك، أما بعد، فإنّي قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت في أمر الحجاج، وإني واللَّه ما سلطته عليك ولا على أمثالك. وقد كتبت إليه ما يبلغك، فإن عاد لمثلها فعرّفني حتى أحلّ به عقوبتي، وأذلّه بسطوتي، والسلام عليك. ثم أرسل إلى إسماعيل بن عبد اللَّه بن أبي المهاجر، ودفع إليه الكتابين، وقال: اذهب إلى أنس والحجاج، وابدأ بأنس، وقل له: أمير المؤمنين يسلم عليك ويقول لك: قد كتبت إلى عبد بني ثقيف كتابا إذا قرأه كان أطوع لك من أمتك، واستعرض حوائجه، فركب إسماعيل البريد، فلما دفع الكتاب إلى الحجاج، جعل يقرأه ويتمعّر وجهه، ويرشح عرقا، ويقول: يغفر اللَّه لأمير المؤمنين! ثم قال: نمضي إلى أنس، فقال له: على رسلك، ثم مضي إلى أنس وقال له: يا أبا حمزة، قد فعل أمير المؤمنين معك ما فعل، وهو يقرأ عليك السلام، ويستعرض حوائجك. فبكى أنس وقال: جزاه اللَّه خيرا، كان أعرف بحقي، وأبرّ بي من الحجاج. قال: وقد عزم الحجاج على المجيء إليك، فإن رأيت أن تتفضل عليه فأنت أولى بالتفضل. فقام أنس ودخل إلى الحجاج إليه واعتنقه وأجلسه على سريره، وقال: يا أبا حمزة، عجلت عليّ بالملامة، وأغضبت أمير المؤمنين، وأخذ يعتذر إليه ويقول: قد علمت شعب أهل العراق، وما كان من ابنك مع ابن الجارود، ومن خروجك مع ابن الأشعث، فأردت أن يعلموا أني أسرع اليهم بالعقوبة إذ قلت لمثلك ما قلت. فقال أنس: ما شكوت حتى بلغ مني الجهد، زعمت أننا الأشرار، واللَّه سمّانا الأنصار، وزعمت أننا أهل النفاق، ونحن الذين تبوّأنا الدار والإيمان، واللَّه يحكم بيننا وبينك، وما وكلتك إلى أمير المؤمنين إلا حيث لم يكن لي به قوة، ولا آوي إلى ركن شديد. ودعا لعبد الملك وقال: إن رأيت خيرا حمدت، وإن رأيت شرّا صبرت، وباللَّه استعنت. وكتب الحجاج إلى عبد الملك: أما بعد، فأصلح اللَّه أمير المؤمنين وأبقاه، ولا أعدمناه، وصلني الكتاب يذكر فيه شتمي وتعييري بما كان قبل نزول النعمة بي من أمير المؤمنين، ويذكر استطالتي على أنس، جرأة مني على أمير المؤمنين، وغرّة مني بمعرفة سطواته ونقماته، وأمير المؤمنين أعزّه اللَّه في قرابته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحقّ من أقالني عثرتي، وعفا عن جريمتي، ولم يعجّل عقوبتي، ورأيه العالي في تفريج كربتي، وتسكين روعتي، أقاله اللَّه العثرات: قد رأى إسماعيل بن أبي المهاجر خضوعي لأنس، وإعظامي إيّاه .... واعتذر إليه اعتذارا كثيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وقيل: بعث وله من العمر ثلاث وأربعون سنة، وقيل: أربعون ويوم [ (1) ] ، وقيل: وعشرة أيام وقيل: وشهرين [ (2) ] ، وقال ابن شهاب: بعث على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة، فكان بين مبعثه وبين الفيل سبعون سنة. قال إبراهيم بن المنذر: هذا وهم لا يشك فيه أحد من علمائنا، وذلك أن   [ () ] ولما قدم الحجاج العراق أرسل إلى أنس فقال: يا أبا حمزة، إنك قد صحبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورأيت من عمله وسيرته ومنهاجه، فهذا خاتمي، فليكن في يدك، فأرى برأيك، ولا أعمل شيئا إلا بأمرك. فقال له أنس: أنا شيخ كبير، قد ضعفت ورققت، وليس في اليوم ذاك. فقال: قد علمت، لفلان وفلان، فأبالي أنا؟ فانظر إن كان في بنيك ممّن تثق بدينه وأمانته وعقله! قال ما في بنيّ من أثق لك به! وكثر الكلام بينهما. وقال الحجاج يوما من جملة كلام: لقد عبت فما تركت شيئا، ولولا خدمتك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكتاب أمير المؤمنين لكان لي ولك شأن من الشأن، فقال أنس: هيهات! إني لما خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم علمني كلمات لا يضرّني معهنّ عتوّ جبّار، فقال له الحجاج: يا عمّاه لو علمتنيهنّ! فقال أنس: لست لذلك بأهل، فدسّ إليه الحجاج ابنه محمدا، ومعه مائتي ألف درهم، ومات الحجاج قبل أن يظفر بالكلمات. وقال أنس: دفنت من صلبي مائة ولد، وإنّ نخلي ليثمر في السنة مرتين، وعشت حتى استحييت من أهلي وأنا أرجو الرابعة- المغفرة- لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: اللَّهمّ أكثر ماله، وولده، وأطل عمره، واغفر له ذنبه، وبارك له فيما أعطيته. وقال ابن سعد: كان يصلي حتى تتفطّر رجلاه دما، وكان مجاب الدعوة، يدعو فينزل الغيث، وكان إذا أراد أن يختم القرآن جمع أهله وعياله وولده، فيختم بحضرتهم. بلغ مائة وثلاث سنين، وتوفّي على الصحيح سنة ثلاث وتسعين للهجرة. * مرآة الجنان: 1/ 182، البداية والنهاية: ص 131 من الفهارس (فهرس الوفيات) ، تهذيب التهذيب: 1/ 329- 331، الإصابة: 1/ 126- 129، خلاصة تذهيب الكمال: 1/ 105، شذرات الذهب: 1/ 100- 101، الثقات: 3/ 4، أسماء الصحابة الرواة: 39، تلقيح الفهوم: 363، تاريخ الصحابة: 28- 29، صفة الصفوة: 1/ 361- 362، الإعلام بوفيات الأعلام: 51، الوافي بالوفيات: 9/ 411- 416، سير أعلام النبلاء: 3/ 395- 406 ، طبقات ابن سعد: 7/ 17- 26، التاريخ الكبير: 2/ 27، التاريخ الصغير: 1/ 209، المعارف: 308، الجرح والتعديل: 2/ 286، المستدرك: 3/ 573، الاستيعاب: 1/ 109- 111 ، جامع الأصول: 9/ 88، تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 127. [ (1) ] في (خ) «ويوما» والرفع أصح للعطف على نائب الفاعل. [ (2) ] في ابن هشام: نقلا عن ابن إسحاق «أربعين سنة» ج 1 ص 216 وفي (البداية والنهاية) «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل القرآن، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل، فنزل القرآن على لسانه، (ج 3 ص 4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولد عام الفيل لا يختلفون في ذلك، ونبّئ على رأس أربعين من الفيل، وذلك على رأس مائة وخمسين سنة من عام حجة الغدر [ (1) ] ولستّ عشرة سنة من ملك أبرويز، ويقال: بل لعشرين سنة مضت من ملك كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان، وعلى الحيرة إياس بن قبيصة الطائي عاملا للفرس على العرب ومعه النخيرجان [ (2) ] الفارسيّ على رأس سنتين وأربعة أشهر من ملكهما، وعلى اليمن يومئذ باذان [ (3) ] أبو مهران. أول ما نزّل من القرآن فعلم صلّى اللَّه عليه وسلّم من حينئذ أن اللَّه بعثه نبيا، وذلك أن جبريل عليه السلام أتاه بغار حراء فقال له: اقرأ، قال: لست بقارئ، فغته [ (4) ] حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله، فقال: اقرأ، قال: لست بقارئ، فعل ذلك به ثلاث مرات ثم قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ [ (5) ] فرجع بها صلّى اللَّه عليه وسلّم ترجف بوادره، فأخبر بذلك خديجة رضي اللَّه عنها وقال: قد خشيت على عقلي، فثبتته وقالت: أبشر! كلا واللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل [ (6) ] وتعين على نوائب الدهر- في أوصاف أخر جميلة عددتها من أخلاقه- تصديقا منها له وإعانة على الحق، فهي أول صدّيق له صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقيل: أول ما أنزل عليه من القرآن: البسملة وفاتحة الكتاب [ (7) ] وقيل: هي مدنية. وقيل: لما فجأه الحق وأتاه جبريل قال له: يا محمد، أنت يا رسول   [ (1) ] كذا في (خ) ولم يرد لها ذكر في المراجع المعتمدة. [ (2) ] في (خ) «الحرجان» . [ (3) ] في (خ) «ساذام» وهو خطأ والصواب «باذان، أو باذام» (ط) ص 13 «هامش» . [ (4) ] في المعجم الوسيط «فأخذني جبريل فغتني حتى بلغ مني الجهد» : أي ضغطني ضغطا شديدا (ج 2 ص 644) . [ (5) ] الآيات من (1- 5) من سورة العلق وهي أول ما نزل من القرآن على الإطلاق. [ (6) ] الكلّ: تقول: «وكلّ فلان عن الأمر إذا ثقل عليه فلم ينبعث فيه» (التفسير الكبير للفخر الرازيّ ج 20 ص 86) . [ (7) ] ذكر الطبري في تفسيره « ... عن عطاء بن يسار، قال: أول سورة نزلت من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ج 30 ص 252. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 اللَّه [ (1) ] . وقيل: أول ما أتى جبريل النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة السبت وليلة الأحد، ثم ظهر له برسالة اللَّه يوم الاثنين لسبع عشر خلت من رمضان، فعلمه الوضوء والصلاة، وعلمه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. فترة الوحي والتحقيق أن جبريل عليه السلام لما جاءه بغار حراء وأقرأه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ورجع إلى خديجة، مكث ما شاء اللَّه أن يمكث لا يرى شيئا وفتر عنه [ (2) ] الوحي، فاغتم لذلك وذهب مرارا ليتردى من رءوس الجبال شوقا منه إلى ما عاين أول مرة من حلاوة مشاهدة وحي اللَّه إليه. فقيل: إن فترة الوحي كانت قريبا من سنتين، وقيل: كانت سنتين ونصفا، وفي تفسير عبد اللَّه بن عباس كانت أربعين يوما، وفي كتاب معاني القرآن للزجاج كانت خمسة عشر يوما، وفي تفسير مقاتل ثلاثة أيام، ورجّحه بعضهم وقال: ولعل هذا هو الأشبه بحاله عند ربه [ (3) ] . تتابع الوحي وبدء الدعوة ثم تبدي له الملك بين السماء والأرض على كرسيّ، وثبته وبشره أنه رسول اللَّه حقا، فلما رآه فرق منه، وذهب إلى خديجة رضي اللَّه عنها فقال: «زمّلوني ... دثّروني ... » ، فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ [ (4) ] فكانت الحالة الأولى بغار حراء حالة نبوة وإيحاء، ثم أمره اللَّه تعالى في هذه الآية أن ينذر قومه ويدعوهم إلى اللَّه عزّ وجلّ. فشمّر صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ساق الاجتهاد، وقام في طاعة اللَّه أتم قيام، يدعو إلى اللَّه تعالى الصغير والكبير،   [ (1) ] هكذا في (خ) ولعلها «أنت رسول اللَّه» . [ (2) ] في (خ) «عن عنه» والصحيح ما أثبتناه. [ (3) ] في (تنوير المقياس من تفسير ابن عباس) ص 513: «حبس اللَّه عنه الوحي خمس عشرة ليلة لتركه الاستثناء، فقال المشركون: ودّعه ربه وقلاه» وفي (البداية والنهاية) ج 3 ص 17 «وقد قال بعضهم: كانت مدة الفترة قريبا من سنتين أو سنتين ونصفا» . وفي تفسير الطبري ج 3 ص 232: «لما نزل عليه القرآن أبطأ عنه جبريل أياما فعير بذلك، فقال المشركون: ودّعه ربه وقلاه. فأنزل اللَّه: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3/ الضحى) [ (4) ] 1- 4/ المدثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 والحر والعبد، والرجال والنساء، والأسود والأحمر، فكان فيما قاله عروة بن الزبير، ومحمد بن شهاب، ومحمد بن إسحاق: من حين أتت النبوّة وأنزل عليه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [ (1) ] إلى أن كلّفه اللَّه الدعوة، وأمره بإظهارها فيما أنزل عليه من قوله: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [ (2) ] وقوله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (3) ] ، وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ [ (4) ]- ثلاث سنين، لا يظهر الدعوة إلا للمختصين به، منهم خديجة وعلى وزيد وأبو بكر رضي اللَّه عنهم، فدعا ثلاث سنين مستخفيا، وقيل: دعا مستخفيا أربع سنين ثم أعلن الدعاء وصدع بالأمر. إسلام خديجة ويقال: إن اللَّه ابتعثه نبيا في يوم الاثنين لثمان مضين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل، وقد مضى من مولده صلّى اللَّه عليه وسلّم أربعون سنة ويوم. ويقال: علّمه جبريل عليه السلام الوضوء والصلاة في يوم الثلاثاء وأقرأه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (1) ] فأتى خديجة رضي اللَّه عنها فأخبرها بما أكرمه اللَّه، وعلمها الوضوء والصلاة فصلت معه، فكانت أول خلق صلى معه. إسلام أبي بكر ثم استجاب له عباد اللَّه من كل قبيلة، فكان حائز قصب السبق: «أبو بكر عبد اللَّه بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب [ (5) ] بن غالب القرشي التيمي رضي اللَّه عنه» فآزره في دين اللَّه وصدقه فيما جاء به، ودعا معه إلى اللَّه على بصيرة، فاستجاب لأبي بكر رضي اللَّه عنه جماعة منهم:.   [ (1) ] 1- 5/ العلق. [ (2) ] 94/ الحجر. [ (3) ] 214/ الشعراء. [ (4) ] 89/ الحجر. [ (5) ] ابن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة (المعارف) ص 167. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 أوائل المسلمين «عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي [ (1) ] القرشي الأموي» ، و «طلحة بن عبيد اللَّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة [ (2) ] القرشي التيمي» و «سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب [ (3) ] بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، و «الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي [ (4) ] الأسدي» ، و «عبد الرحمن ابن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث [ (5) ] بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري» : فجاءهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى استجابوا له بالإسلام وصلّوا، فصار المسلمون ثمانية نفر، أول من أسلم وصلى للَّه تعالى. إسلام علي وزيد الحب ّ وأما «علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي» ، فلم يشرك باللَّه قط، وذلك أن اللَّه تعالى أراد به الخير فجعله في كفالة ابن عمه سيد المرسلين محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (6) ] ، فعند ما أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوحي، وأخبر خديجة رضي اللَّه عنها وصدقت، كانت هي وعلي بن أبي طالب، و «زيد بن حارثة بن شراحيل ابن عبد العزى بن امرئ القيس [ (7) ] بن عامر بن عبد ودّ بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة الكلبي» حب رسول   [ (1) ] ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب (السهيليّ) ج 1 ص 288. [ (2) ] ابن مرة بن كعب بن لؤيّ (السهيليّ) ج 1 ص 289. [ (3) ] في بعض كتب السيرة: ابن «وهب» بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ. الزيادة من (السهيليّ) ج 1 ص 288. [ (4) ] ابن قصي بن كلاب بن مرة بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة (المعارف) ص 219. [ (5) ] هكذا في (خ) وفي (المعارف) ابن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. ص 235. [ (6) ] في (خ) بعد قوله و «سلم» كلمة «الوحي» وهي زيادة من الناسخ اقتضى السياق حذفها. [ (7) ] ابن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ودّ بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف ابن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة الكلبي (الإصابة) ج 1 ص 45 في ترجمة أسامة بن زيد. إمتاع الأسماع ج 1- م 2 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- يصلون معه. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يخرج إلى الكعبة أول النهار فيصلي صلاة الضحى، وكانت صلاة لا تنكرها [ (1) ] قريش. وكان إذا صلى في سائر اليوم بعد ذلك قعد علي أو زيد رضي اللَّه عنهما يرصدانه. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إذا جاء وقت العصر تفرقوا في الشعاب فرادى ومثنى، وكانوا يصلون الضحى والعصر، ثم نزلت الصلوات الخمس، وكانت الصلاة ركعتين ركعتين قبل الهجرة. فلم يحتج عليّ رضي اللَّه عنه أن يدعى، ولا كان مشركا حتى يوحّد فيقال أسلم، بل كان- عند ما أوحى اللَّه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- عمره ثماني سنين، وقيل: سبع سنين، وقيل: إحدى عشر سنة. وكان مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في منزله بين أهله كأحد أولاده يتبعه في جميع أحواله. وكان أبو بكر رضي اللَّه عنه أول من أسلم ممن له أهليّة الذبّ عن رسول اللَّه والحماية والمناصرة. هذا هو التحقيق في المسألة لمن أنصف وترك الهوى من الفريقين، وقد قال عمر مولى غفرة [ (2) ] : سئل محمد بن كعب [القرظي] [ (3) ] عن أول من أسلم، على بن أبي طالب أو أبو بكر؟ فقال: سبحان اللَّه! عليّ أولهما إسلاما، وإنما اشتبه على الناس لأن عليا أول ما أسلم كان يخفي إسلامه من أبي طالب، وأسلم أبو بكر فأظهر إسلامه، فكان أبو بكر أول من أظهر إسلامه، وكان علي أولهما إسلاما، فاشتبه على الناس- وكذلك أسلمت خديجة وزيد بن حارثة [ (4) ] . إسلام ورقة بن نوفل ثم أسلم القسّ ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وصدّق بما وجد من الوحي، وتمنى أن لو كان جذعا [ (5) ] ، وذلك أول ما نزل الوحي.   [ (1) ] في (خ) لا ينكرها. [ (2) ] في (تهذيب التهذيب) : عمر بن عبد اللَّه المدني مولى غفرة ج 7 ص 471 ترجمة رقم 783، وفي (خ) «عفرة» . [ (3) ] محمد بن كعب بن سليم بن أسد القرظي، زيادة من (تهذيب التهذيب) ج 9 ص 420 ترجمة رقم 689. [ (4) ] راجع (الروض الأنف) ج 1 ص 284، 285 باب أول من أسلم، ونشأة علي بن أبي طالب. [ (5) ] الجذع من الرجال: الشاب الحدث. (المعجم الوسيط) ج 1 ص 113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 إسلام الأرقم ودخل من شرح اللَّه صدره للإسلام على بصيرة فأسلم الأرقم بن أبي الأرقم عبد مناف [ (1) ] بن أسد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم سابع سبعة [ (2) ] ، وقيل: بعد عشرة [ (3) ] وفي داره كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مستخفيا من قريش، وكانت على الصفا، فأسلم فيها جماعة كثيرة. إيذاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكانت قريش لما بلغهم ما أكرم اللَّه به رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم من النبوة راعهم ذلك وكبر عليهم، ولم ينكروا عليه شيئا من أمره حتى عاب آلهتهم وسفّه أحلامهم، وذمّ آباءهم وأخبر أنهم في النار، فأبغضوه عند ذلك وعادوه، وتعرضوا لمن آمن به. فأخذهم سفهاء أهل مكة بالأذى والعقوبة، وصان اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بعمه أبي طالب، لأنه كان شريفا في قومه مطاعا فيهم، نبيلا بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما يعلمون من محبته له، وكان من حكمة اللَّه تعالى بقاء أبي طالب على دين قومه لما في ذلك من المصلحة. إيذاء المسلمين هذا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو إلى اللَّه ليلا ونهارا وسرا وجهارا، لا يصده عن ذلك صادّ، ولا يرده عنه رادّ، ولا يأخذه في اللَّه لومة لائم. واشتد أذى المشركين على من آمن، وفتنوا جماعة منهم، حتى إنهم كانوا يضربونهم ويلقونهم في الحرّ، ويضعون الصخرة العظيمة على صدر أحدهم في الحر، وكان أحدهم إذا أطلق لا يستطيع أن يجلس لشدة الألم. ويقولون لأحدهم وهو يعذب في اللَّه: اللات إلهك من دون اللَّه؟ فيقول مكرها: نعم!، وحتى إن الجعل ليمرّ فيقولون: وهذا إلهك من دون اللَّه؟ فيقول: نعم!. ومرّ الخبيث أبو جهل: «عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن   [ (1) ] في (خ) عبد مناة، والتصويب من (الإصابة) ج 1 ص 43. [ (2) ] ذكره الحاكم في (المستدرك) ج 3 ص 52. [ (3) ] (الإصابة) ج 1 ص 40 ترجمة رقم 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مخزوم بن يقظة بن مرة» بسميّة «أم عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين العبسيّ» وهي تعذب في اللَّه هي وزوجها ياسر بن عامر، وابنها عمار بن ياسر فطعنها بحربة في فرجها فقتلها [ (1) ] . الذين أعتقهم أبو بكر من الموالي المعذبين وكان أبو بكر رضي اللَّه عنه إذا مر بأحد الموالي وهو يعذب في اللَّه اشتراه من مواليه وأعتقه للَّه، فمن هؤلاء: بلال وأمه حمامة [ (2) ] ، وعامر بن فهيرة، وأم عبس، ويقال: أم عبيس فتاة بني تيم بن مرة، (وهي أم عبيس بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف) ، وزنيرة (زنّيرة بكسر الزاي وتشديد النون مع كسرها على وزن فعّيلة، وقيل: بفتح الزاي وسكون النون ثم باء موحدة مفتوحة) ، وسمية بنت خبّاط [ (3) ] (بباء موحدة، قاله ابن ماكولا) ، والنهدية وابنتها، وجارية لبني عدي كان عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يعذبها على الإسلام قبل أن يسلم. حتى قال له أبوه أبو قحافة: يا بني أراك تعتق رقابا ضعافا، فلو أعتقت قوما جلدا يمنعونك! فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: إني أريد ما أريد [ (4) ] فقال: نزلت فيه: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى [ (5) ] إلى آخر السورة. همّ قريش بقتله عند البيت هذا وقد اشتد مكر قريش برسول اللَّه وهموا بقتله، فعرضوا على قومه ديته حتى يقتلوه، فحماه اللَّه برهطه من ذلك، فهموا أن يقتلوه في الزحمة [ (6) ] بقول   [ (1) ] ذكر ابن الجوزي أنها «أول شهيدة في الإسلام» (صفة الصفوة) ج 2 ص 60. [ (2) ] في (خ) «حامة» والصحيح ما أثبتناه من (ابن هشام بشرح السهيليّ) ج 2 ص 67. [ (3) ] في (خ) «خباءة» وهو خطأ. [ (4) ] في ابن هشام «أريد ما أريد للَّه عز وجل» ج 2 ص 161. [ (5) ] الآيتان 17- 18 من سورة الليل. [ (6) ] كان يوم الزحمة قبل الهجرة بقليل، يقول ابن سيد الناس في كتاب (عيون الأثر) ج 1 ص 177 باب ذكر يوم الزحمة نقلا عن ابن إسحاق «ولما رأت قريش أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد كانت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا أنهم قد نزلوا دارا وأصابوا منعة فحزروا خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم فاجتمعوا له في دار الندوة وهي دار قصي بن كلاب ... » . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قبائل قريش كلها، وأحاطوا به وهو يطوف بالبيت ويصلى، حتى كادت أيديهم أن تخبط به أو تلتقي عليه، فصاح أبو بكر: أتقتلون رجلا أن يقول ربى اللَّه وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟ فقال: دعهم يا أبا بكر، فو الّذي نفسي بيده، إني بعثت إليهم بالذبح، فتفرجوا عنه. فكانت فتنة شديدة وزلزال شديد، فمن المسلمين من عصمه اللَّه ومنهم من افتتن. أول من جهر بالقرآن ومن رجع عن الإسلام ويقال: أول من جهر بالقرآن عبد اللَّه بن مسعود فضرب. ورجع عن الإسلام خمسة وهم: أبو قيس بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والعاص بن منبه بن الحجاج، والحارث بن زمعة بن الأسود، والوليد بن الوليد بن المغيرة. الهجرة الأولى إلى الحبشة فلما اشتد البلاء أذن اللَّه لهم في الهجرة إلى الحبشة، فكان أول من خرج من مكة فارا بدينه إلى الحبشة: عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتبعه الناس. فخرج أحد عشر رجلا وأربع نسوة متسللين حتى انتهوا إلى الشعيبة [ (1) ] ، منهم الراكب والماشي، فوفّق لهم ساعة جاءوا سفينتين للتجار حملوهم فيهما إلى أرض الحبشة بنصف دينار. وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر حيث ركبوا فلم يدركوا منهم أحدا، وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه: عن قبيصة بن ذؤيب أن أبا سلمة ابن عمة رسول اللَّه أول من هاجر بظعينته [ (2) ] إلى أرض الحبشة. وقيل: أول من هاجر إلى أرض الحبشة أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك، وذلك في رجب سنة خمس من المبعث، وهي السنة الثانية من إظهار الدعوة، فأقاموا شعبان وشهر رمضان وبلغهم أن قريشا أسلمت، فعاد منهم قوم وتخلف منهم قوم. فلما قدم الذين قدموا إلى مكة بلغهم   [ (1) ] الشعيبة: مرفأ السفن من ساحل بحر الحجاز وهو كان مرفأ مكة ومرسى سفنها قبل جدة. (معجم البلدان ج 3 ص 351) . [ (2) ] الظعينة: الراحلة يرتحل عليها. والهودج. والزوجة (المعجم الوسيط ج 2 ص 576) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 أن إسلام أهل مكة كان باطلا، فدخلوا مكة في شوال سنة خمس من النبوة، وما منهم من أحد إلا بجوار أو مستخفيا. وأقام المسلمون بمكة وهم في بلاء، فخرج جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وجماعات- بلغ عددهم بمن خرج أولا اثنين وثلاثين- فآواهم أصحمة النجاشي ملك الحبشة وأكرمهم. بعثة قريش لإرجاع المسلمين من الحبشة فلما علمت قريش بذلك بعثت في أثرهم عبد اللَّه بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، وعمرو بن العاص، بهدايا وتحف إلى النجاشي ليردهم عليهم فأبى ذلك، فشفعوا إليه بقواده فلم يجبهم إلى ما طلبوا فوشوا إليه أن هؤلاء يقولون في عيسى عليه السلام قولا عظيما: يقولون إنه عبد. فأحضر المسلمين إلى مجلسه وزعيمهم جعفر فقال: ما تقولون في عيسى؟ فتلا عليه جعفر سورة كهيعص [ (1) ] فلما فرغ أخذ النجاشيّ عودا من الأرض وقال: ما زاد هذا على ما في الإنجيل ولا هذا العود، ثم قال: اذهبوا فأنتم شيوم [ (2) ] بأرضي من سبّكم غرّم، وقال لعمرو وعبد اللَّه: لو أعطيتموني دبرا من ذهب (يعني جبلا من ذهب) ما سلمتهم إليكما. ثم أمر فردت عليهما هداياهما ورجعا بشرّ خيبة [ (3) ] .   [ (1) ] أول سورة مريم عليها السلام. [ (2) ] شيوم: كلمة حبشية معناها آمنون. [ (3) ] وقد أورد الحافظ أبو نعيم الأصبهاني هذا الخبر مفصلا في (دلائل النبوة) ج 1 ص 243 حديث رقم (193) ، حيث قال: حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا محمد بن عمر بن خالد الحراني قال: حدثنا أبي قال: حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزّبير في خروج جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة، قال: فبعثت قريش في آثارهم عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي، وعمرو بن العاص السّهميّ، وأمروهما أن يسرعا السّير حتى يسبقاهم إلى النجاشيّ، ففعلا، فقدما على النجاشيّ فدخلا عليه، فقالا له: إن هذا الرجل الّذي بين أظهرنا، وأفسد فينا، تناولك ليفسد عليك دينك، وملكك وأهل سلطانك، ونحن لك ناصحون، وأنت لنا عيبة صدق، تأتي إلى عشيرتنا بالمعروف، ويأمن تاجرنا عندك فبعثنا قومنا إليك لننذرك فساد ملكك، وهؤلاء نفر من أصحاب الرجل الّذي خرج فينا، ونخبرك بما نعرف من خلافهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38   [ () ] الحق، أنهم لا يشهدون أن عيسى بن مريم إلها، ولا يسجدون لك إذا دخلوا عليك، فادفعهم إلينا فلنكفيكهم. فلما قدم جعفر وأصحابه، وهم على ذلك من الحديث، وعمرو وعمارة عند النّجاشيّ، وجعفر وأصحابه على ذلك الحال، قال: فلما رأوا أن الرجلين قد سبقا ودخلا، صاح جعفر على الباب يستأذن حزب اللَّه، فسمعها النجاشيّ، فأذن لهم، فلما دخلوا وعمرو وعمارة عند النجاشيّ، قال: أيّكم صاح عند الباب؟ فقال جعفر: أنا هو، فأمره فعاد لها. فلما دخلوا وسلّموا تسليم أهل الإيمان، ولم يسجدوا له، فقال عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد: ألم نبين لك خبر القوم، فلما سمع النجاشيّ ذلك أقبل عليهم، فقال: أخبروني أيها الرّهط ما جاء بكم؟ وما شأنكم؟ ولم أتيتموني ولستم بتجار ولا سؤّال؟ وما نبيكم الّذي خرج؟ وأخبروني ما لكم؟ لم لا تحيّوني كما يحييني من أتاني من أهل بلدكم؟ وأخبروني ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقام جعفر بن أبي طالب- وكان خطيب القوم- فقال: إنما كلامي ثلاث كلمات، إن صدقت فصدقني، وإن كذبت فكذّبني، فأمر أحدا من هذين الرجلين فليتكلم ولينصت الآخر، قال عمرو: أنا أتكلم، قال النجاشيّ: أنت يا جعفر فتكلم قبله. فقال جعفر: إنما كلامي ثلاث كلمات، سل هذا الرجل أعبيد نحن أبقنا من أربابنا؟ فقال النجاشيّ: أعبيد هم يا عمرو؟ قال عمرو: بل أحرار كرام، قال جعفر: سل هذا الرجل هل أهرقنا دما بغير حقّه؟ فادفعنا إلى أهل الدم. فقال: هل أهرقوا دما بغير حقه؟ فقال: ولا قطرة واحدة من دم. ثم قال جعفر: سل هذا الرجل أخذنا أموال الناس بالباطل؟ فعندنا قضاء؟ فقال النجاشيّ: يا عمرو، إن كان على هؤلاء قنطار من ذهب فهو عليّ. فقال عمرو: ولا قيراط، فقال النجاشي: ما تطالبونهم به؟ قال عمرو: فكنا نحن وهم على دين واحد، وأمر واحد، فتركوه ولزمناه. فقال النجاشيّ: ما هذا الّذي كنتم عليه فتركتموه وتبعتم غيره؟ فقال جعفر: أما الّذي كنا عليه فدين الشيطان، وأمر الشيطان، نكفر باللَّه ونعبد الحجارة، وأما الّذي نحن عليه فدين اللَّه عزّ وجلّ، نخبرك أن اللَّه بعث إلينا رسولا كما بعث إلى الذين من قبلنا، فأتانا بالصدق والبر، ونهانا عن عبادة الأوثان، فصدّقناه وآمنا به واتبعناه، فلما فعلنا ذلك عادانا قومنا، وأرادوا قتل النبي الصادق، وردّنا في عبادة الأوثان، ففررنا إليك بديننا ودمائنا، ولو أقرّنا قومنا لاستقررنا، فذلك خبرنا. وأما شأن التحية: فقد حيّيناك بتحية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، والّذي يحييّ به بعضنا بعضا، أخبرنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن تحية أهل الجنة السلام فحييناك بالسلام، وأما السجود، فمعاذ اللَّه أن نسجد إلا للَّه، وأن نعدلك به. وأما في شأن عيسى ابن مريم: فإن اللَّه عزّ وجلّ أنزل في كتابه على نبينا، أنه رسول قد خلت من قبله الرسل، ولدته الصديقة العذراء البتول الحصان، وهو روح اللَّه وكلمته ألقاها إلى مريم، وهذا شأن عيسى ابن مريم. فلما سمع النجاشيّ قول جعفر أخذ بيده عودا، ثم قال لمن حوله: صدق هؤلاء النفر، وصدق نبيّهم، واللَّه ما يزيد عيسى ابن مريم على ما يقول هذا الرجل ولا وزن هذا العود، فقال لهم النجاشيّ: امكثوا فإنكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وقد ذكر محمد بن إسحاق فيمن هاجر إلى الحبشة أبا موسى الأشعري، وأنكر ذلك الواقدي وغيره. وهذا ظاهر لا يخفى على من دون ابن إسحاق، فإن أبا موسى إنما هاجر من اليمن إلى الحبشة إلى عند جعفر، كما ثبت في الصحيح وغيره. وقد قيل إن قريشا بعثت عمرو بن العاص وعبد اللَّه بن أبي ربيعة بعد وقعة بدر، فلما   [ () ] سيوم- والسيوم: الآمنون- قد منعكم اللَّه، وأمر لهم بما يصلحهم. فقال النجاشيّ: أيّكم أدرس للكتاب الّذي أنزل على نبيكم؟ قالوا، جعفر، فقرأ عليهم سورة مريم (عليها السلام) ، فلما سمعها عرف أنه الحق، وقال النجاشيّ: زدنا من هذا الكلام الطيب، ثم قرأ عليه سورة أخرى، فلما سمعها عرف الحق، وقال: صدقتم وصدق نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنتم واللَّه صدّيقون، امكثوا على اسم اللَّه وبركته، آمنين ممنوعين، وألقى عليهم المحبّة من النجاشيّ. فلما رأى ذلك عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص سقط في أيديهما، وألقى اللَّه بين عمرو وعمارة العداوة في مسيرهما قبل أن يقدما على النجاشيّ ليدركا حاجتهما التي خرجا لها من طلب المسلمين، فلما أخطأهما ذلك، رجعا بشرّ ما كانا عليه من العداوة وسوء ذات البين، فمكر عمرو بعمارة، فقال: يا عمارة، إنك رجل جميل وسيم، فأت امرأة النجاشيّ فتحدّث عندها إذا خرج زوجها، تصيبها فتعيننا على النجاشيّ، فإنك ترى ما وقعنا فيه من أمرنا، لعلنا نهلك هؤلاء الرهط. فلما رأى ذلك عمارة انطلق حتى أتى امرأة النجاشيّ، فجلس إليها يحدثها، وخالف عمرو بن العاص إلى النجاشيّ فقال: إني لم أكن أخونك في شيء علمته إذ أطلعت عليه، وإن صاحبي الّذي رأيت لا يتمالك عن الزنا إذا هو قدر عليه، وإنه قد خالف إلى امرأتك، فأرسل النجاشيّ إلى امرأته، فإذا هو عندها، فلما رأى ذلك أمر به فنفخ في إحليله سحر، ثم ألقى في جزيرة البحر فعاد وحشيا مع الوحش، يرد ويصدر معها زمانا، حتى ذكر لعشيرته، فركب أخوه، فانطلق معه بنفر من قومه، فرصدوه حتى إذا ورد أوثقوه فوضعوه في سفينة ليخرجوا به، فلما فعلوا به ذلك مات، وأقبل عمرو إلى مكة قد أهلك اللَّه صاحبه، ومنع حاجته. هذا الحديث مرسل، وفيه ابن لهيعة وهو صدوق، ولكنه خلط بعد احتراق كتبه، ولكن أورده الهيثمي في (مجمع الزوائد) 6/ 27 بسياقة أخرى فيها تقديم وتأخير وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، غير ابن إسحاق، وقد صرّح بالسماع، وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) 1/ 115، و (السيرة) 2/ 179- 180. وفي هذا الحديث من الفقه: الخروج عن الوطن وإن كان الوطن مكة على فضلها، إذا كان الخروج فرارا بالدين، وإن لم يكن إسلام، فإن الأحباش كانوا نصارى يعبدون المسيح ولا يقولون: هو عبد اللَّه، وقد تبين ذلك في الحديث. وسمّوا بهذه مهاجرين، وهم أصحاب الهجرتين الذين أثنى اللَّه عليهم بالسبق، فقال: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وجاء في التفسير: أنهم الذين صلوا القبلتين، وهاجروا الهجرتين. وقد قيل أيضا: هم الذين شهدوا بيعة الرضوان، فانظرا كيف أثنى اللَّه عليهم بهذه الهجرة، وهم قد خرجوا من بيت اللَّه الحرام إلى دار كفر لما كان فعلهم ذلك احتياطا على دينهم، ورجاء أن يخلي بينهم وبين عبادة ربهم، يذكرونه آمنين مطمئنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببعث قريش عمرا وابن أبي [ (1) ] ربيعة، بعث عمرو بن أمية الضمريّ وكتب معه إلى النجاشي، فقرأ كتابه ثم دعا جعفر بن أبي طالب، فقرأ عليهم سورة مريم، فآمنوا. هذا قول سعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير. وقال أبو الأسود عن عروة: إن بعثتهم عمرو بن العاص كانت عند خروج المهاجرين إلى الحبشة، وكان بين خروج المهاجرين إلى الحبشة وبين وقعة بدر خمس سنين وأشهر. وقيل: كانت بعثتهم عمرو بن العاص مرتين، مرة مع عمارة بن الوليد [ (2) ] ومرة مع عبد اللَّه بن أبي ربيعة بن المغيرة، قاله أبو نعيم الحافظ. أعداء رسول اللَّه من قريش هذا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقيم بمكة يدعو إلى اللَّه، وكفار قريش تظهر حسده وتبدي صفحتها في عداوته وأذاه، وتخاصم وتجادل وتردّ من أراد الإسلام عنه. وكان أشد قريش عداوة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جيرانه، وهم: أبو جهل بن هشام بن المغيرة، وعمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب، والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة وهو ابن خال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، والحارث بن قيس ابن عدي بن سعد بن سهم السهمي، والوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وأميّة وأبىّ ابنا خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤيّ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والعاص بن وائل بن هاشم [ (3) ] ابن سعيد بن سهم السّهمي والد عمرو بن العاص، والنّضر بن الحارث بن علقمة ابن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار، ومنبّه ونبيه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة ابن سعيد [ (4) ] بن سهم بن عمرو بن هصيص، وزهير بن أبي أمية حذيفة بن المغيرة، وهو ابن عمة [ (5) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، والعاص بن سعيد العاص بن أمية، وعدّى بن   [ (1) ] في (خ) «ابن ربيعة» . [ (2) ] في (ط) «بين الوليد» وهو خطأ. [ (3) ] في (خ) «هشام» وهي رواية ابن إسحاق، وأوردها ابن حجر في (الإصابة) «هاشم» في ترجمة عمرو بن العاص رقم 5877. [ (4) ] في (خ) «وسعد» . [ (5) ] عاتكة بنت عبد المطلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الحمراء الخزاعيّ، وأبو البختري العاص بن هشام بن (الحارث) [ (1) ] بن أسد بن عبد العزى، وعقبة بن أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزّى، وابن الأصداء [ (2) ] الهذلي، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وشيبة بن ربيعة بن عبد شمس ابن عبد مناف، (وطعيمة بن عديّ) [ (3) ] أخو مطعم بن عديّ، والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف [ (4) ] ، والحارث بن مالك (وقيل: عمرو، وهو ابن الطّلاطلة، وهي أمه) [ (5) ] ابن عمرو بن الحارث (وهو غبشان) بن عبد عمر بن بوىّ بن ملكان [ (6) ] ، وركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب [ (7) ] ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي. وكان الذين تنتهي إليهم عداوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبو جهل، وأبو لهب، وعقبة بن أبي (معيط) [ (8) ] . وكان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب [ (9) ] ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، ذوي عداوة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، لكنهم لم يكونوا يفعلون كما فعل هؤلاء، فلما أسلم حمزة بن عبد المطلب، عرفت قريش أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد عزّ، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.   [ (1) ] ما بين القوسين زيادة من ابن هشام ج 2 ص 5 «أبو البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد» . وفي ابن سعد ج 1 ص 210 «أبو البختري بن هاشم» وفي (خ) «أبو البختري العاص بن هشام» . [ (2) ] هكذا في ابن سعد ج 3 ص 9 «ابن الأصداء الهذلي» وفي المرجع السابق ج 1 ص 201 «ابن الأصدى الهذلي» . وهو الّذي نطحته الأروى. [ (3) ] زيادة من (ط) وهو من أصحاب يوم الزحمة. [ (4) ] في (خ) العبارة من قوله «أخو عدي ... إلى عبد مناف» تكرار من الناسخ. [ (5) ] في (خ) : «وقيل عمرو بن الطلاطلة بن عمرو» والصواب ما أثبتناه. [ (6) ] وفي ابن سعد ج 6 ص 228 «اسمه الحارث بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر» . [ (7) ] في (خ) «ابن عبد المطلب» . [ (8) ] سقط في (خ) وصوابه من ابن سعد ج 1 ص 165، 201، 202، 211، 228، ج 2 ص 13، 23 وغير ذلك. [ (9) ] ابن عم النبي وأخوه من الرضاعة، وفي طبقات ابن سعد ج 1 ص 271 (أبو سفيان بن حرب) . وذكر ابن سيد الناس في «عيون الأثر» ج 1 ص 110 «وكان المجاهرون بالظلم لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولكل من آمن به من بني هاشم: عمه أبا لهب وابن عمه أبا سفيان بن الحارث، ومن بني عبد شمس: عتبة وشيبة ابنا ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأبا سفيان بن حرب وابنه حنظلة ... » . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 إسلام عمر بن الخطاب وأسلم عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رباح بن عبد اللَّه بن قرط ابن رزاح بن عديّ بن كعب القرشي العدوي رضي اللَّه عنه، ويقال: إنه أسلم بعد تسعة وأربعين رجلا وثلاث وعشرين امرأة، وقيل: أسلم بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة، وقيل: أسلم بعد خمسة وأربعين رجلا وإحدى وعشرين امرأة، وقيل: أسلم بعد ثلاثة وثلاثين رجلا، وكان إسلامه بعد هجرة الحبشة، وكان المسلمون لا يقدرون يصلون عند الكعبة. عزّ الإسلام بعمر وحمزة فلما أسلم عمر رضي اللَّه عنه قاتل قريشا حتى صلى عندها، وصلى معه المسلمون، وقد قووا بإسلامه وإسلام حمزة رضي اللَّه عنهما، وجهروا بالقرآن ولم يكونوا قبل ذلك يقدرون أن يجهروا به، ففشا الإسلام وكثر المسلمون. أمر الصحيفة وبلغ أهل مكة فعل النجاشي بالقادمين عليه وإكرامهم، فساء ذلك قريشا وائتمروا في أن يكتبوا بينهم كتابا يتعاقدون فيه ألا يناكحوا بني هاشم وبني المطلب ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكتبوا بذلك صحيفة وختموا عليها ثلاثة خواتيم، وعلقوها في سقف الكعبة. وقيل: بل كانت عند أمّ الجلاس مخرّبة [ (1) ] الحنظلية خالة أبي جهل، ذكره ابن سعد [ (2) ] ، وعند ابن عقبة: كانت عند هشام بن عبد العزى. فيقال: كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هشام عبد مناف، ويقال: النّضر بن الحارث، ويقال: بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ، فدعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فشلت يده.   [ (1) ] في (خ) «محرمة» وهو خطأ والتصويب من (ابن سعد) . [ (2) ] (الطبقات الكبرى) ج 1 ص 209. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 انحياز بني هاشم وبني المطلب إلى شعب أبي طالب وانحازت بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم ليلة هلال المحرم سنة سبع من النبوة- إلا أبا لهب وولده. فإنّهم ظاهروا قريشا على بني هاشم- فصاروا في شعب أبي طالب محصورين مضيقا عليهم أشد التضييق نحوا من ثلاث سنين، وقد قطعوا عنهم الميرة [ (1) ] والمادة فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم حتى بلغهم الجهد، وكان حكيم بن حزام [ (2) ] بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي تأتيه العير تحمل الحنطة من الشام فيقبلها [ (3) ] الشّعب ثم يضرب أعجازها فتدخل عليهم فيأخذون ما عليها من الحنطة. الهجرة الثانية إلى الحبشة ثم هاجر المسلمون ثانيا إلى أرض الحبشة وعدتهم ثلاثة وثمانون رجلا- إن كان عمار بن ياسر فيهم-[ (4) ] وثماني عشرة امرأة. نقض الصحيفة ثم سعى في نقض الصحيفة أقوام من قريش. وكان أحسنهم في ذلك بلاء هشام ابن عمرو (بن ربيعة) [ (5) ] بن الحارث بن حبيّب بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ، مشى في ذلك إلى زهير بن أبي أمية، وإلى مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وإلى أبي البحتري بن هشام، وإلى زمعة بن الأسود بن المطلب ابن أسد، وكان سهل بن بيضاء [ (6) ] الفهري هو الّذي مشى إليهم حتى اجتمعوا   [ (1) ] الميرة: ما يجلب من الطعام. [ (2) ] ابن أخي خديجة رضي اللَّه عنها. [ (3) ] أي يجعل وجوهها قبالة الشعب لتسلكه. [ (4) ] ذكر ابن عبد البر في (الاستيعاب) : «أنه هاجر إلى أرض الحبشة وصلى القبلتين وهو من المهاجرين الأولين» ج 8 ص 226. [ (5) ] في (الإصابة) «ابن ربيعة بن الحارث بن حنيّف» ج 10 ص 250 وفي (خ) ، (ط) (ابن حبيّب) . [ (6) ] ذكره ابن حجر في (الإصابة) برقم 3513 ج 4 ص 269 وابن عبد البر في الاستيعاب برقم 1080 ج 4 ص 270. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 عليه، واتّعدوا [ (1) ] خطم الحجون [ (2) ] بأعلى مكة، وتعاهدوا هناك على القيام في نقض الصحيفة، وما زالوا حتى شقوها، فإذا الأرضة قد أكلتها إلا ما كان من «باسمك اللَّهمّ» . وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أخبر عمه أبا طالب بأن اللَّه قد أرسل على الصحيفة الأرضة فأكلت جميع ما فيها إلا ذكر اللَّه تعالى. وعن موسى بن عقبة عن الزّهري أن النبي قال لعمه: إن الأرضة لم تترك اسما للَّه إلا لحسته، وبقي فيها ما كان من (جور) [ (3) ] أو ظلم أو قطيعة رحم. فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن معه من الشعب كان له من العمر تسع وأربعون سنة، وكان خروجهم في السنة العاشرة، وقيل: مكثوا في الشعب سنتين، ويقال: إن رجوع من كان مهاجرا بالحبشة إلى مكة كان بعد الخروج من الشعب. موت خديجة وأبي طالب (عام الحزن) ومات عقيب ذلك أبو طالب وخديجة، فمات أبو طالب أوّل ذي القعدة، وقيل: في نصف شوال، ولرسول اللَّه من العمر تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما، وماتت خديجة رضي اللَّه عنها قبله بخمسة وثلاثين يوما، وقيل: كان بينهما خمسة وخمسون يوما، وقيل: ثلاثة أيام، وقيل: كان موتهما بعد الخروج من الشّعب بثمانية أشهر وأحد وعشرين يوما، فعظمت المصيبة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بموتهما وسمّاه «عام الحزن» وقال: ما نالت قريش مني شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب، لأنه لم يكن في عشيرته وأعمامه- حاميا له ولا ذابا عنه- (غير أبي طالب) [ (4) ] . خروجه إلى الطائف فخرج ومعه زيد بن حارثة إلى الطائف في شوال سنة عشر من النبوة يلتمس من ثقيف النصر لأنهم كانوا أخواله، فكلّم سادتهم، وهم: عبد ياليل ومسعود   [ (1) ] في (خ) (وأبعدوا) ، (اتعدوا) : تواعدوا. [ (2) ] الحجون: جبل بأعلى مكة عنده أهلها، وقال السكري: مكان من البيت على ميل ونصف. (معجم البلدان) ج 2 ص 225. [ (3) ] مكان هذه الكلمة بياض بالأصل (خ) وما أثبتناه يتمم المعنى. [ (4) ] زيادة يتم بها المعنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وحبيب بنو عمر بن عمير، ودعاهم إلى نصره والقيام معه على من خالفه. فردّوا عليه ردا قبيحا، وأغروا به سفاءهم، فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى إن رجلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لتدميان، وزيد يقيه بنفسه حتى لقد شجّ في رأسه شجاجا، فرجع عنهم يريد مكة، حتى إذا كان بنخلة [ (1) ] قام يصلي من جوف الليل. إسلام النفر من جنّ نصيبين فمر به من جن نصيبين اليمن سبعة نفر فاستمعوا إليه (وهو يقرأ القرآن ثم ولّوا- بعد فراغه من صلاته) [ (2) ]- إلى قومهم منذرين، قد آمنوا فأجابوا. إقامته بنخلة وأقام بخلة أياما، فقال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم مكة وهم أخرجوك؟ فقال: يا زيد، إن اللَّه جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن اللَّه ناصر دينه ومظهر نبيه. ويقال: كان إيمان الجن برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وله من العمر خمسون سنة وثلاثة أشهر، وذكر ابن إسحاق أن إسلام الجن قبل الهجرة بثلاث سنين. عودته إلى مكة في جوار المطعم بن عدي ّ ويقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما عاد من الطائف وانتهى إلى حراء بعث رجلا من خزاعة إلى المطعم بن عدي ليجيره حتى يبلغ رسالة ربه فأجاره. إسلام الطفيل الدوسيّ ذي النور ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة فأقام بها وجعل يدعو إلى اللَّه، فأسلم (الطفيل) [ (3) ] بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم [ (4) ] بن فهم الدوسيّ، ودعا له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يجعل اللَّه له آية، فجعل اللَّه له في وجهه   [ (1) ] واد بمكة (معجم البلدان ج 5 ص 277) . [ (2) ] في (خ) «فاستمعوا إليه بعد فراغه من صلواتهم إلى قومهم» والصواب ما أثبتناه، راجع (تفسير الطبري) ج 26 ص 30 (عند تفسير سورة الأحقاف الآية 29) . [ (3) ] بياض بالأصل (خ) . [ (4) ] في (خ) «سالم» والتصويب من (الاستيعاب) رقم 1274 ج 5 ص 220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 نورا، فقال: يا رسول اللَّه، أخشى أن يقولوا هذا مثلة، فدعا له فصار النور في سوطه، فهو المعروف بذي النور. إسلام بيوت من دوس ودعا الطفيل قومه دوسا إلى اللَّه، فأسلم بعضهم، وأقام في بلاده حتى قدم على) [ (1) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد فتح خيبر في نحو ثمانين بيتا. الإسراء والمعراج وفرض الصلوات (ثم أسري) [ (2) ] برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بجسده- على الصحيح من قول صحابة- من المسجد الحرام إلى بيت المقدس راكبا البراق صحبة جبريل عليه سلام، فنزل ثم (أمّ) [ (3) ] بالأنبياء عليهم السلام ببيت المقدس فصلى بهم. ثم عرج تلك الليلة من هناك إلى السموات السبع ورأى بها الأنبياء على منازلهم، ثم عرج إلى سدرة المنتهى ورأى جبريل عليه السلام على الصورة التي خلقه اللَّه بها، وفرضت) [ (4) ] عليه الصلوات الخمس تلك الليلة. وكان الإسراء في قول محمد بن شهاب الزّهري قبل الهجرة بثلاث سنين، قيل: بسنة واحدة، وقيل: وله من العمر إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر، قيل: كان الإسراء بين بيعتي الأنصار في العقبة، وقيل: كان بعد المبعث بخمسة عشر شهرا، وقال الحربي: كان ليلة سبعة وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة. وعورض من قال: إنه كان قبل الهجرة بسنة، بأن خديجة صلت معه بلا خلاف، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، والصلاة إنما فرضت ليلة الإسراء، وأجيب بأن صلاة خديجة كانت غير المكتوبة، بدليل حديث مسلم [ (5) ] أنه صلى ببيت المقدس ركعتين قبل أن يعرج إلى السماء، فتبين أن الصلاة كانت مشروعة   [ (1) ] زيادة يقتضيها التصويب. انظر ابن هشام ج 2 ص 24. [ (2) ] بياض في (خ) والتكملة من (ط) . [ (3) ] بياض في (خ) ، وما أثبتناه من (ط) ، وانظر (ابن هشام) ج 2 ص 33 «رواية الحسن لحديث الإسراء» . [ (4) ] بياض في (خ) وانظر (ابن هشام) ج 2 ص 39 و (مسلم بشرح النووي) ج 2 ص 238. [ (5) ] (صحيح مسلم بشرح النووي) ج 2 ص 209 باب الإسراء وفرض الصلوات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 في الجملة، كما كان قيام الليل واجبا قبل الإسراء بلا خلاف، وفي رواية عن الزهري: كان بعد المبعث. ومما يقوي قول الحربي أنه عين الليلة من الشهر من السنة، فإذا تعارض خبران أحدهما فصّل القصة والآخر أجملها، ترجحت رواية من فصّل بأنه أوعى لها. وقال ابن إسحاق: أسري برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل، ويقال كان ليلة السبت لسبع عشر خلت من رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم نائم في بيته ظهرا. وقيل: كان ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة من شعب أبي طالب، وكانت سنّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين الإسراء اثنتين وخمسين سنة [ (1) ] . وقيل- وقد حكي عن حذيفة وعائشة ومعاوية رضي اللَّه عنهم-: إن الإسراء كان بروحه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: كان بجسده إلى بيت المقدس، ومن هناك إلى السموات بروحه. وقيل: أسري به وهو نائم في الحجر، وقيل: كان في بيت أم هانئ بنت أبي طالب، وفرضت الصلوات الخمس ركعتين ركعتين، وإنما كانت قبل الإسراء صلاة بالعشي، ثم صارت صلاة بالغداة وصلاة بالعشي ركعتين ركعتين. فلم يرع برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس من صبيحة ليلة الإسراء فصلى به الظهر، ولهذا سميت الأولى، ثم صلى بقية الخمس في أوقاتها فصارت بعد الإسراء خمسا ركعتين ركعتين حتى أتمت أربعا بعد الهجرة إلى المدينة بشهر. وقد اختلف أهل العلم: هل رأى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه ليلة الإسراء أم لا؟ فلما أصبح صلّى اللَّه عليه وسلّم في قومه بمكة أخبرهم بما أراه اللَّه عز وجل من آياته، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم إياه واستضراؤهم عليه، وارتدّ جماعة ممن كان أسلم وسألوه أمارة، فأخبرهم بقدوم عير يوم الأربعاء، فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى كادت الشمس أن تغرب، فدعا اللَّه فحبس الشمس حتى قدموا كما وصف، قال ابن إسحاق: ولم تحبس الشمس إلا له ذلك اليوم وليوشع بن نون.   [ (1) ] ذكر ابن الجوزي في (صفة الصفوة) ج 1 ص 108: «فلما أتت له إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر أسري به» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 عرض نفسه على القبائل (ثم عرض) [ (1) ] نفسه على القبائل أيام الموسم ودعاهم إلى الإسلام، وهم: بنو عامر، وغسّان، وبنو فزارة، وبنو مرّة، وبنو حنيفة، وبنو سليم، وبنو عبس، وبنو نصر، وثعلبة بن عكابة، وكندة، وكلب، وبنو الحارث بن كعب، وبنو عذرة، وقيس بن الخطيم [ (2) ] ، وأبو الحيسر أنس بن أبي رافع [ (3) ] . وقد اقتص الواقدي أخبار هذه القبائل قبيلة قبيلة، ويقال: إنه صلّى اللَّه عليه وسلّم بدأ بكندة فدعاهم إلى الإسلام، ثم أتى كلبا، ثم بني حنيفة، ثم بني عامر، وجعل يقول: من رجل يحملني إلى قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربي، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي؟ هذا، وعمه أبو لهب وراءه يقول للناس: لا تسمعوا منه فإنه كذّاب! وكان أحياء العرب يتحامونه لما يسمعون من قريش فيه: إنه كاذب، إنه ساحر، إنه كاهن، إنه شاعر!! أكاذيب يقترفونه بها حسدا من عند أنفسهم وبغيا، فيصغي إليهم من لا تمييز له من أحياء العرب. وأما الألباء فإنّهم إذا سمعوا كلامه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتفهّموه شهدوا بأن ما يقوله حقّ وصدق، وأن قومه يفترون عليه الكذب، فيسلمون. أول أمر الأنصار وكان مما صنع اللَّه للأنصار- وهم الأوس والخزرج- أنهم كانوا يسمعون من حلفائهم بني قريظة والنّضير- يهود المدينة- أن نبيا مبعوث في هذا الزمان، ويتوعّدون الأوس والخزرج به إذا حاربوا فيقولون: إنا سنقتلكم معه قتل عاد وإرم. وكانت الأنصار- وهم الأوس والخزرج- تحج البيت فيمن يحجه من العرب، فلما رأوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو الناس إلى اللَّه رأوا أمارات الصدق عليه لائحة، فقالوا: واللَّه هذا الّذي توعّدكم يهود به فلا تسبقنكم إليه.   [ (1) ] بياض في (خ) ، والتكملة من ابن هشام ج 2 ص 50. [ (2) ] في (خ) : الحطيم، والتصويب من ابن سعد ج 8 ص 150. [ (3) ] في ابن هشام ج 2 ص 54: «أبو الحيسر أنس بن رافع» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 سويد بن الصامت وكان سويد بن الصامت [ (1) ] بن خالد بن عطية بن حبيب بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأوسي، وهو ابن خالة عبد المطلب بن هاشم: أمه ليلى بنت عمرو من بني عديّ بن النجار، وهي خالة عبد المطلب بن هاشم، قد قدم مكة فدعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقرأ عليه القرآن، فلم يبعد منه ولم يجب، ثم قدم إلى المدينة فقتل في بعض حروبهم يوم بعاث [ (2) ] . إسلام إياس بن معاذ ثم قدم أبو الحيسر أنس، وقيل: بشر بن رافع «مكة» في فتية من قومه بني عبد الأشهل يطلبون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، فأتاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعاهم إلى الإسلام، فقال منهم إياس بن معاذ- وكان شابا حدثا-: يا قوم واللَّه خير مما جئنا له، فضرب أبو الحيسر وجهه وانتهره فسكت. وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وانصرف القوم إلى المدينة ولم يتمّ لهم حلف، فمات إياس مسلما فيما يقال [ (3) ] . أصحاب العقبة الأولى ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لقي عند العقبة من منى في الموسم ستة نفر، كلهم من الخزرج، وهم يحلقون رءوسهم، فجلس إليهم فدعاهم إلى اللَّه وقرأ عليهم القرآن، فقال بعضهم لبعض: إنه النبي الّذي توعدكم [ (4) ] به يهود فلا تسبقنّكم إليه، فاستجابوا للَّه ولرسوله وآمنوا وصدّقوا، وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة بن   [ (1) ] في ابن هشام ج 2 ص 52 «ابن صامت» . وفي الإصابة ج 5 ص 41 «ابن الصامت» وهو لم يعدّ من الصحابة لأنه لم يلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مؤمنا. [ (2) ] في (خ) «بغاث» وهو تصحيف، ويوم بعاث: بين الأوس والخزرج في الجاهلية (ابن سعد) ج 1 ص 219، (أيام العرب في الجاهلية) : ص 73- 84. [ (3) ] في (الاستيعاب) ج 1 ص 235: «فأخبرني من حضر عند موته أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل للَّه ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات، فما كانوا يشكون أنه مات مسلما، و (ابن هشام) ج 2 ص 54. [ (4) ] في (خ) «يوعدكم» وما أثبتناه من (ابن هشام) ج 2 ص 55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وعوف بن الحارث بن رفاعة ابن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم (ويقال له: عوف بن عفراء) ، ورافع ابن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق، وقطبة بن عامر بن حديدة (ويقال: قطبة بن عمرو بن حديدة) بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن الخزرج، وعقبة بن عامر بن نابي [ (1) ] بن حرام، وجابر بن عبد اللَّه رياب [ (2) ] بن النعمان بن سنان بن عبيد بن عديّ بن غنم بن كعب بن سلمة، فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا مبادرة إلى الخير. إسلام الأنصار ثم رجعوا إلى قومهم بالمدينة فذكروا لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ودعوهم إلى الإسلام، ففشا فيهم، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. أمر العقبة الثانية فلما كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر- منهم تسعة من الخزرج، وهم: أسعد بن زرارة، وعوف بن عفراء، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر، ومعاذ بن الحارث بن رفاعة (أخو عوف بن عفراء) ، وذكوان بن عبد القيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق، وعبادة بن الصامت ابن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، ويزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة (ويقال: يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة من بني فران (بن بلي) [ (3) ] ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة وكنيته أبو عبد الرحمن- وثلاثة من الأوس، وهم: أبو الهيثم مالك بن التيهان بن مالك بن عبيد بن عمرو بن عبد الأعلم (وكان يقال   [ (1) ] في (خ) : «ابن ثابي» والتصويب من (ط) وفي ابن هشام: «عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام» ج 2 ص 57. [ (2) ] في (خ) «رباب» وفي (ط) «رئاب» وما أثبتناه من (الاستيعاب) ج 2 ص 108. [ (3) ] في (خ) ما بين القوسين «من بني» وفي (ط) «بن بليّ» وما أثبتناه من (الاستيعاب) ج 11 ص 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 لأبي الهيثم: ذو السيفين من أجل أنه كان يتقلد بسيفين في الحرب) ، وعويم بن ساعدة بن عائش بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف ابن عمرو بن عوف، والبراء بن معرور [ (1) ] بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد ابن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة- فأسلموا. بيعة العقبة الثانية وقد كان معه صلّى اللَّه عليه وسلّم حينئذ أبو بكر وعلي رضي اللَّه عنهما، فبايعوه عند العقبة على الإسلام كبيعة النساء [ (2) ] ، وذلك قبل أن يؤمر بالقتال فبعث معهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدريّ [ (3) ] ، ويقال: وعبد اللَّه بن أم مكتوم، ليعلّما من أسلم القرآن ويدعوا [ (4) ] إلى اللَّه. إسلام بني عبد الأشهل فنزلا بالمدينة على أبي أمامة أسعد بن زرارة فخرج بهما إلى دار بني ظفر، واجتمع عليهما رجال ممن أسلم، فأتاهم أسيد بن حضير الكتائب بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، وسعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس ابن زيد بن عبد الأشهل، وهما سيّدا بني عبد الأشهل. فدعاهما مصعب إلى الإسلام فهداهما اللَّه وأسلما، ودعيا قومهما إلى اللَّه، فما أمسى في دار عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وقد أسلموا- إلا الأصيرم عمرو بن ثابت بن وقش- فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد. أول المهاجرين بالمدينة ويقال: أول من قدم من المهاجرين المدينة مصعب بن عمير، ثم أتى بعده عمرو   [ (1) ] في (خ) «بن معر» وما أثبتناه من (ابن هشام) ج 2 ص 61. [ (2) ] بيعة النساء في الآية 12 من سورة الممتحنة. [ (3) ] في (خ) «العبديّ» وفي (الإصابة) ج 9 ص 208 ترجمة رقم 7996 «ابن قصي بن كلاب العبدري» نسبة إلى عبد الدار. [ (4) ] في (خ) «ليعلمان، ويدعوان» وهو خطأ من الناسخ، وما أثبتناه حق اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ابن أم مكتوم [ (1) ] . ولم يزل مصعب بن عمير يدعو إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها عدّة مسلمون- إلا بني أمية بن زيد (وخطمة) ووائل وواقف، فإنّهم تأخر إسلامهم. أول من جمّع بالمسلمين وكان مصعب يؤمّ بمن أسلم، وجمع بهم يوما وهم أربعون نفسا في هزم حرة نقيع الخضمات [ (2) ] ، وبهذا جزم أبو محمد بن حزم. وعند ابن إسحاق: أن أول من جمع بهم أسعد بن زرارة، ثم عاد إلى مكة وأخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمن أسلم، فسرّه ذلك. بيعة العقبة الأخيرة ثم كانت بيعة العقبة ثانيا وقد وافى الموسم خلق من الأنصار ما بين مشرك ومسلم، وزعيمهم البراء بن معرور. فتسلل منهم جماعة مستخفين لا يشعر بهم أحد، واجتمعوا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذي الحجة وواعدوه أوسط أيام التشريق بالعقبة وهم ثلاثة وسبعون [ (3) ] رجلا وامرأتان هما: أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو [ (4) ] وأسماء بنت عمر بن عدي بن نابي. وجاءهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه عمه العباس، وهو على دين قومه، وأبو بكر وعليّ رضي اللَّه عنهما، فأوقف العباس عليا على فم الشّعب عينا له، وأوقف أبا بكر على فم الطريق الآخر عينا له، وتكلم العباس أولا يتوثق لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [فقال: يا معشر الخزرج، إن محمدا منا حيث علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، وهو في عز ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز   [ (1) ] عبد اللَّه بن أم مكتوم، وعمرو بن أم مكتوم: اسمان لشخص واحد، يقول ابن حجر في «الإصابة» ج 7 ص 83 «وقال ابن سعد: أهل المدينة يقولون: اسمه عبد اللَّه، وأهل العراق يقولون: اسمه عمرو، واتفقوا على نسبه» . [ (2) ] في (خ) «بقيع الخضمات» ، والتصويب من (ابن هشام) ج 2 ص 58. [ (3) ] «وقال ابن إسحاق: إنما شهدها سبعون رجلا وامرأتان» (تلقيح فهوم أهل الأثر) ص 423. [ (4) ] في المرجع السابق «أم أبان نسيبة بنت كعب» وفي (خ) «نسيبة بنت عمرو بن كعب» ، وفي (ابن هشام) ج 2 ص 63 «أم عمارة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده. قالت الأنصار: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول اللَّه فخذ لنفسك ولربك ما أحببت. فتكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتلا] [ (1) ] القرآن ورغبهم في الإسلام، وشرط عليهم أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم. فأخذ البراء بن معرور بيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: والّذي بعثك لنمنعك مما نمنع منه أزرنا [ (2) ] ، فبايعنا يا رسول اللَّه، فنحن واللَّه أهل الحرب. فاعترض الكلام أبو الهيثم بن تيهان فقال: يا رسول اللَّه إننا بيننا وبنى الناس حبالا وإنا قاطعوها، فهل عسيت [ (3) ] إن أظهرك اللَّه أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: أنتم مني وأنا منكم، أسالم من سالمتم، وأحارب من حاربتم، في كلام آخر. وتكلم العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم ابن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، فأحسن ما شاء في شد العقد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: ابسط يدك. فبايعوه. أول من بايع وكان أوّلهم مبايعة أبو أمامة أسعد بن زرارة، وقيل: أو الهيثم بن التّيهان، وقيل: البراء بن معرور، وقيل: إن العباس بن عبد المطلب هو الّذي كان يأخذ عليهم البيعة. وكانت بيعتهم على أن يمنعوه صلّى اللَّه عليه وسلّم مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأزرهم [ (4) ] . أمر النقباء الاثني عشر وأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم اثنى عشر نقيبا هم: أسعد بن زرارة، وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغرّ [ (5) ] ، (وعبد اللَّه بن رواحة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة   [ (1) ] هذه التكملة ساقطة من (خ) وأكملناها من ابن هشام ج 2 ص 63. [ (2) ] الأزر: جمع إزار وهو الثوب، كناية عن النساء كالفراش، وقد تكون كناية عن الأنفس. [ (3) ] يريدون بها الشك، ورجاء أن لا يكون ذلك. [ (4) ] الأزر هنا: كناية عن الأنفس. [ (5) ] في (خ) «الأعز» والتصويب من (ابن هشام) ج 2 ص 65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ابن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج) [ (1) ] ورافع بن مالك بن العجلان، والبراء بن معرور، وعبد اللَّه بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة [ (2) ] (وهو والد جابر بن عبد اللَّه وقد أسلم ليلتئذ) ، وسعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي سلمة (ويقال ابن أبي حزيمة) بن ثعلبة ابن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج، والمنذر بن عمرو بن خنيس ابن حارثة بن لوازن بن عبد ودّ بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب ابن الخزرج، وعبادة بن الصامت، فهؤلاء تسعة من الخزرج. ومن الأوس ثلاثة: أسيد بن الحضير، وسعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط [ (3) ] ابن كعب بن حارثة بن غنم بن السّلم [ (4) ] بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس، ورفاعة بن عبد المنذر بن زنير [ (5) ] بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف ابن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس (وهو أبو لبابة، وقيل اسمه مبشر [ (6) ] بن عبد المنذر) ، ويقال: بل الثالث من الأوس: أبو الهيثم مالك بن التّيهان [ (7) ] ، وكانت هذه البيعة على حرب الأحمر والأسود [ (8) ] ، فلما تمت بيعتهم استأذنوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يميلوا على أهل منى بأسيافهم، فقال: لم نؤمر بذلك. فرجعوا وعادوا إلى المدينة. بدء الهجرة إلى المدينة واشتد الأذى على من بمكة من المسلمين فأذن لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الهجرة   [ (1) ] زيادة من المرجع السابق لتمام العدد وهو ساقط من (خ) . [ (2) ] في (خ) «سليمة» ، والتصويب من المرجع السابق. [ (3) ] في (خ) «ابن الحارث» والتصويب من المرجع السابق. [ (4) ] في (خ) «ابن أسلم» والتصويب من المرجع السابق. [ (5) ] في (خ) «زنيرا، وفي (ط) «زنبر» وفي المرجع السابق «زنير» وفي (الإصابة) ج 3 ص 282 يقول ابن حجر في الترجمة رقم 1952: «رفاعة بن زنبر بزاي ونون وموّحدة وزن جعفر. ذكره ابن ماكولا. وقال: له صحبة. واستدركه ابن الأثير، وأنا أظن أنه رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر» . ويقول في ج 3 ص 284 في الترجمة رقم 1958 «رفاعة بن عبد المنذر.. أحد ما قيل في اسم لبابة» . [ (6) ] في (خ) «بشر» ، وفي (ط) «مبشر» . [ (7) ] يقول ابن سعد في (الطبقات) ج 1 ص 220: «ومن الأوس رجلان: أو الهيثم بن التّيّهان من بليّ حليف في بني عبد الأشهل، ومن بني عمرو بن عوف عويم بن ساعدة» . [ (8) ] في المرجع السابق: «فأسلموا وبايعوا على بيعة النساء» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 إلى المدينة، فبادروا إلى ذلك وتجهزوا إلى المدينة في خفاء [ (1) ] وستر وتسللوا، (فيقال: إنه كان بين أولهم وآخرهم أكثر من سنة) وجعلوا يترافدون [ (2) ] بالمال والظهر ويترافقون. وكان من هاجر من قريش وحلفائهم (يستودع دوره وماله) [ (3) ] رجلا من قومه، فمنهم من حفظ من أودعه، ومنهم من باع، فممن حفظ وديعته [ (4) ] هشام بن الحارث بن حبيب، فمدحه حسان. أوّل من هاجر بعد العقبة الأخيرة وخرج أول الناس أبو سلمة عبد اللَّه بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (5) ] ، ومعه امرأته أم سلمة [ (6) ] هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، فاحتبست دونه ومنعت من اللحاق به، ثم هاجرت بعد سنة، وقيل: بل هاجر أبو سلمة رضي اللَّه عنه قبل العقبة الأخيرة. وقيل: أول من هاجر مصعب بن عمير [ (7) ] ثم هاجر عمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وبلال، ثم هاجر عمر بن الخطاب في عشرين راكبا، ثم تلاحق المسلمون بالمدينة يخرجون من مكة أرسالا [ (8) ] حتى لم يبق بمكة إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما- أقاما بأمره لهما- وإلا من اعتقله المشركون كرها. ائتمار قريش به صلّى اللَّه عليه وسلّم وخروجه واستخلافه عليا فحذرت قريش خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واشتوروا بدار الندوة، وكانوا خمسة عشر رجلا، وقيل: كانوا مائة رجل، أيحسبوه في الحديد ويغلقوا عليه بابا؟ أو يخرجوه من مكة؟ أو يقتلوه؟ ثم اتفقوا على قتله. ويسمى اليوم الّذي اجتمعوا   [ (1) ] في (خ) «خفي» . [ (2) ] يترافدون: يتعاونون، والظّهر: ما يركب. [ (3) ] ما بين القوسين زيادة يتم بها المعنى، وفي (خ) مكان هذه الزيادة «درره» . [ (4) ] في (خ) «وداعته» . [ (5) ] «واسمه عبد اللَّه» (ابن هشام) ج 2 ص 80. [ (6) ] ثم هي بعد ذلك أم المؤمنين زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (7) ] ذكره ابن الجوزي في (تلقيح فهوم أهل الأثر) ص 467. [ (8) ] جمع رسل بفتحتين، أي يتبع بعضهم بعضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 فيه يوم الزحمة [ (1) ] ، فأعلمه اللَّه بذلك. فلما كان العتمة اجتمعوا على باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه. فلما رآهم صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر عليا بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أن ينام على فراشه ويتشح [ (2) ] ببرده الحضرميّ الأخضر، وأن يؤدي ما عنده من الودائع والأمانات ونحو ذلك. فقام عليّ مقامه عليه السلام وغطي ببرد أخضر، فكان أول من شرى نفسه [ (3) ] وفيه نزلت: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [ (4) ] وخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخذ حفنة من تراب وجعله على رءوسهم وهو يتلو الآيات من: يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [ (5) ] إلى قوله: فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [ (5) ] . فطمس اللَّه تعالى أبصارهم فلم يروه، وانصرف. وهم ينظرون عليا فيقولون: إن محمدا لنائم، حتى أصبحوا، فقام علي من الفراش [ (6) ] ، فعرفوه. وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [ (7) ] ، وسأل أولئك الرهط عليا رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: لا أدري، أمرتموه بالخروج فخرج، فضربوه وأخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعة ثم (دخلوا عليه) [ (8) ] فأدى أمانة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. هجرة الرسول وأبي بكر ولما خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى أبا بكر فأعلمه أنه يريد الهجرة. وقد جاء أنه أتى أبا بكر بالهاجرة [ (9) ] وأمره أن يخرج من عنده، وأعلمه أن اللَّه قد أذن له في الخروج، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: الصحبة يا رسول اللَّه؟ قال: الصحبة. فبكى من   [ (1) ] راجع (عيون الأثر) ج 1 ص 177. [ (2) ] كذا في (خ) والصواب: «يتسجى» أي يتغطى. [ (3) ] في (خ) «بنفسه» ، وشرى نفسه أي باعها. [ (4) ] الآية 207/ البقرة. [ (5) ] الآيات من 1- 9/ يس. [ (6) ] في (خ) عن الفرس. [ (7) ] الآية 30/ الأنفال [ (8) ] كذا في (خ) ولعلها «ثم خلوا عنه» . [ (9) ] الهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحر (المعجم الوسيط) ج 2 ص 973. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الفرح. فاستأجر عبد اللَّه بن أريقط الليثي من بني الدّئل من بني عبد بن عديّ، ليدلهما على الطريق. وخرجا من خوخة [ (1) ] في بيت أبي بكر، ومضيا إلى غار بجبل ثور، فلم يصعدا الغار حتى قطرت قدما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دما، لم يتعود الحفية ولا الرعية ولا الشقوة [ (2) ] ، وعادت قدما أبي بكر كأنهما صفوان. وعمّى اللَّه على قريش خبرها فلم يدروا أين ذهبوا. وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يريح [ (3) ] عليهما غنمه، وكانت أسماء ابنة أبي بكر رضي اللَّه عنها تحمل لهما الزاد إلى الغار، وكان عبد اللَّه بن أبي بكر يتسمع لهما ما يقال عنهما بمكة ثم يأتيهما بذلك. وجاءت قريش في طلبهما إلى ثور وما حوله، ومرّوا على باب الغار وحاذت أقدامهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبا بكر رضي اللَّه عنه، وقد نسج العنكبوت وعششت حمامتان على باب الغار، وذلك تأويل قوله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها [ (4) ] . وبكى أبو بكر رضي اللَّه عنه وقال: يا رسول اللَّه، لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لرآنا. فقال له: يا أبا بكر ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما؟. وعمّى اللَّه على قريش، وقد قفا [ (5) ] كرز بن علقمة بن هلال بن جريبة [ (6) ] بن عبد نهم [ (7) ] بن حليل بن حبشيّة أثر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى انتهى إلى الغار، فرأى عليه نسج العنكبوت، فقال: ها هنا انقطع الأثر، فلم يهتدوا إليهما، ورجعوا فنادوا بأعلى مكة وأسفلها: من قتل محمدا وأبا بكر فله مائة من الإبل. ويقال: جعلوا لمن جاء بأحدهما أو قتله ديته، فلما مضت ثلاث لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر وهما في الغار أتاهما دليلهما، وقد سكن الطلب عنهما ومعهما بعيرهما، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدهما من أبي بكر رضي اللَّه عنه بالثمن، وقد   [ (1) ] باب صغير كالنافذة. [ (2) ] الحفية: المشي بغير نعل، والرّعية: أرض فيها حجارة ناتئة (المعجم الوسيط) ج 1 ص 356. [ (3) ] يريح الإبل والغنم: يردها من العشي إلى مراحلها حيث تأوي ليلا. [ (4) ] الآية 40/ التوبة. [ (5) ] قفا الأثر: تتبعه. [ (6) ] في (خ) «حرينة» . [ (7) ] في (خ) «فهم» والتصويب من (ط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 كان أبو بكر قد أعدّهما قبل ذلك، وأعد جهازه وجهاز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منتظرا متى يأذن اللَّه لرسوله في الخروج، وعلف ناقتيه أربعة أشهر، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجدعاء. وروي في حديث مرسل أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: مكثت مع صاحبي في الغار بضعة عشر يوما، ما لنا طعام إلا البرير (يعني الأراك) ، وخرجا من الغار سحر ليلة الاثنين لأربع خلون من ربيع الأول، وقيل: أول يوم منه، وقيل: كانت هجرته في صفر، وسنه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاث وخمسون سنة على الصحيح، وقيل: خمس وخمسون، وقيل: خمسون، ومعهما سفرة أتت بها أسماء ابنة أبي بكر. وكان خروجه من الغار في الصبح، فصلى عليه السلام بأصحابه جماعة، فكان صلّى اللَّه عليه وسلّم أول من (جمع بالمسلمين في صلاة الفجر) [ (1) ] وساروا وقد أردف أبو بكر رضي اللَّه عنه عامر بن فهيرة، وسار عبد اللَّه بن أريقط أمامهما على راحلته حتى قالوا يوم الثلاثاء بقديد، وذلك بعد العقبة بشهرين وليال. وقال الحاكم [ (2) ] : بثلاثة أشهر أو قريبا منها، وقال الليث: حدثني عقيل عن ابن شهاب [ (3) ] أنه قال: كان بين ليلة العقبة وبين مهاجرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أشهر أو قريب منها. كانت بيعة الأنصار رسول اللَّه ليلة العقبة في ذي الحجة، وكان عمره لما هاجر ثلاث وخمسون سنة. خبر سراقة ولما مروا بحيّ مدلج بصر بهم سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو ابن تيم بن مدلج [ (4) ] ، فركب جواده ليأخذهم، حتى إذا قرب من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] بياض في (خ) وما أثبتناه من (ط) . [ (2) ] المستدرك للحاكم ج 2 ص 625. [ (3) ] هو: ابن شهاب الزهري: عالم الحجاز والشام، مات سنة (123 هـ) (ط) ص 41. [ (4) ] في الإصابة ج 4 ص 127: ابن مدلج، بن مرة، بن عبد مناة بن كنانة الكناني المدلجي: أسلم يوم الفتح، ومات في خلافة عثمان سنة أربع وعشرين وهو القائل مخاطبا لأبي جهل: أبا حكم واللَّه لو كنت شاهدا ... لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه علمت ولم تشكك بأن محمدا ... رسول ببرهان فمن ذا يقاومه وذكر السهيليّ في الروض الأنف ج 2 ص 233 وابن كثير في البداية والنهاية ج 3 ص 228 البيتين السابقين بالزيادة الآتية بعدهما: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وسمع قراءته ساخت يدا فرسه في الأرض إلى بطنها، وكانت أرضا صلبه، وثار من تحتها مثل الدخان، فقال: ادع لي يا محمد ليخلصني اللَّه، ولك علي أن أراد عنك الطلب فدعا له، فتخلص فعاد يتبعهم، فدعا عليه الثانية، فساخت قوائم فرسه أشد من الأول. فقال: يا محمد، قد علمت أن هذا من دعائك عليّ، فادع لي ولك عهد اللَّه أن أردّ عنك الطلب، فدعا له فخلص، وقرب من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا رسول اللَّه خذ سهما من كنانتي فإن إبلي بمكان كذا فخذ منها ما أحببت. فقال: لا حاجة لي في إبلك. فلما أراد أن يعود عنه قال: كيف بك يا سراقة إذا سوّرت بسواري كسرى! قال: كسرى بن هرمز! قال: نعم. وسأل سراقة أن يكتب له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا، فكتب له أبو بكر رضي اللَّه عنه، ويقال: بل كتب له عامر بن فهيرة، في أديم [ (1) ] ورجع يقول للناس: قد كفيتم ما هاهنا، ويرد عنهم الطلب. إسلام بريدة وقومه ولقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بريدة بن الحصيب الأسلمي في ركب من قومه فيما بين مكة والمدينة وهم يريدون موقع سحابة [ (2) ] فأسلموا بعد ما دعاهم إليه، واعتذروا بقلة اللبن معهم وقالوا: مواشينا شصص، أي جافّة [ (3) ] وجاءوه [ (4) ] بلبن فشربه وأبو بكر، ودعا لهم بالبركة.   [ () ] عليك فكف القوم عني فإنني ... أخال لنا يوما ستبدي معالمه بأمر تود النصر فيه فإنّهم ... وإن جميع الناس طرا مسالمه وفي رواية أخرى: عليك بكف القوم عنه فإنني ... أرى أمره يوما ستبدو معالمه بأمر يود الناس فيه بأسرهم ... بأن جميع الناس طرا يسالمه وقد قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ قال: فلما أتى عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه: دعا سراقة فألبسه، فقال سراقة: الحمد للَّه الّذي سلبهما كسرى بن هرمز (من الإصابة بتصرف) . ونسبه في (خ) «ابن عمرو بن مالك بن تيم» والصواب ما أثبتناه من الإصابة. [ (1) ] الأديم: الجلد المدبوغ يكتب فيه. [ (2) ] في (خ) «لحاية» . [ (3) ] في (خ) «حانة» . [ (4) ] في (خ) «وجاءه أبو بكر بلبن» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 خبر أم معبد ولقي أيضا أوس بن حجر الأسلمي، فحمله صلّى اللَّه عليه وسلّم على جمل وبعث معه غلاما له يقال مسعود (بن هنيدة) [ (1) ] ليؤديه إلى المدينة. ومرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخيمتي أم معبد عاتكة بنت خالد بن خليف [ (2) ] بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية بن كعب بن عمرو وهو أبو خزاعة، فقال [ (3) ] عندها. وأراها اللَّه تعالى من آيات نبوته في الشاة- وحلبها لبنا كثيرا وهي حائل [ (4) ] في سنة مجدبة- ما بهر عقلها. ويقال: إنها ذبحت لهم شاة وطبختها فأكلوا منها، وسفّرتهم منها بما وسعته سفرتهم [ (5) ] وبقي عندها أكثر لحمها. وقالت أم معبد: لقد بقيت الشاة التي مسح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضرعها إلى عام الرمادة- وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة- وكنا نحلبها صبوحا [ (6) ] وغبوقا، وما في الأرض قليل ولا كثير [ (7) ] .   [ (1) ] زيادة من (ابن هشام) ج 2 ص 98. [ (2) ] في (خ) «خفيف» ، وذكر ابن حجر في ترجمة أخيها «حبيش» رقم 1603 ج 2 ص 210 «ابن خالد بن سعد منقذ بن ربيعة» . [ (3) ] من القيلولة، وهي النوم نصف النهار. [ (4) ] في (خ) «حافل» وهو خطأ، والحائل التي لم تحمل سنتين فجفّ لبنها. [ (5) ] السّفرة: طعام يصنع للمسافر وما يحمل فيه هذا الطعام (المعجم الوسيط) ج 1 ص 433. [ (6) ] الصّبوح: شراب الصباح (المعجم الوسيط) ج 1 ص 505. والغبوق: ما يشرب بالعشي وما يحلب بالعشي (المرجع السابق) ج 2 ص 643. [ (7) ] وذكر أبو نعيم في (دلائل النبوّة) ج 2 ص 337، حديث رقم 238: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا على بن عبد العزيز، وحدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن محمد بن عقبة الشيبانيّ، ومحمد بن موسى الحلواني، وحدثنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق السراج قال: حدثنا مكرم بن محرز الكعبي الخزاعي، قال: حدثني أبي محرز بن مهدي، عن هشام عن أبيه هشام، عن جده حبيش بن خالد صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين خرج من مكة، خرج منها مهاجرا هو وأبو بكر، ومولى أبي بكر عامر ابن فهيرة، ودليلهم الليثي عبد اللَّه بن أريقط، فمروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها لحما وتمرا ليشتروا منها، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين، فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلّفها الجهد عن الغنم، قال: بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك، قال: أفتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: بأبي أنت وأمي، نعم، إن رأيت بها حلبا فاحلبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61   [ () ] فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمسح ضرعها بيده، وسمى اللَّه عزّ وجلّ، ودعا لها في شاتها، فتفاجّت عليه، ودرّت، واجترّت، فدعا بإناء يريض الرّهط، فحلب فيها ثجا، حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، وسقي أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم أراضوا. ثم حلب ثانيا بعد بدء، حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها وبايعها، ثم ارتحلوا عنها، فقال: ما لبثت إذ جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزلا، مخّهنّ قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال: من أين لك هذا؟ والشاة عازب حائل، ولا حلوبة في البيت، قالت: لا واللَّه، إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا، فقال: صفيه لي يا أمّ معبد، قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره عطف، وفي صوته صهل، وفي عنقه سطح، وفي لحيته كثافة، أزجّ أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصل لا نذر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم تحدّرن، ربعة، لا بائن من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، هو انظر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا معتد. قال أبو معبد: هو واللَّه صاحب قريش الّذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا. فأصبح صوت بمكة عاليا، يسمعون ولا يدرون من صاحبه: جزى اللَّه ربّ الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلا بالهدى واهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد فيال قصيّ ما زوى اللَّه عنهم ... به من فعال لا تجازي وسؤدد ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلّبت ... عليه صريحا صرة الشاة مزبد فغادرها رهنا لديها لحالب ... يردد في مصدر ثم مورد فلما سمع حسّان بن ثابت الأنصاري الهاتف، شبّ يجاوب الهاتف وهو يقول: لقد خاب قوم زال عنهم نبيّهم ... وقدّس من يسري إليه ويغتدي ترحّل عن قوم فضلّت عقولهم ... وحلّ على قوم بنور مجدد هداهم بعد الضلالة ربّهم ... فأرشدهم، ومن يتبع الحق يرشد وهل يستوي ضلّال قوم تسفّهوا ... عمايتهم، هاد به كل مهتدي وقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلّت عليهم بأسعد نبي يرى ما يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب اللَّه في كلّ مسجد وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد ليهن أبا بكر سعادة جدّه ... بصحبته، من يسعد اللَّه يسعد ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد والأبيات باختلاف يسير في (ديوان حسان) ص 376- 377. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62   [ () ] قال أبو أحمد بن بشر بن محمد: حدثنا عبد بن وهب قال: بلغني أن أم معبد هاجرت وأسلمت ولحقت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورواه أبو أمية محمد بن إبراهيم بن بشر بن محمد مثله: شرح غريب هذا الحديث: البرزة من النساء: الجلدة، تظهر للناس ويجلس إليها القوم. مرملين مسنتين: المرمل: الّذي قد نفد زاده، والمسنتين: هم الذين أصابتهم السّنة، وهي المجاعة. قال أبو عبيد: إذا قال: يال فلان: فذلك في الاستغاثة بالفتح، ويال المسلمين، وإذا أراد التعجب والنداء قال: يال فلان بالكسرة. كسر الخيمة: هو مؤخرها، وفيه لغتان: كسر وكسر، وقال بعضهم: الكسر هو في مقدمة الخيمة. فتفاجّت عليه: فرّجت رجليها كما تفعل التي تحلب. بريض الرهط: أي ينهنههم مما يجتريهم لكثرته إذا شربوه. فحلب فيها ثجّا: يعني سيلا، وكذلك كل سيل، ومنه قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد سئل عن الحج فقال: العجّ والثّجّ، فالعجّ: رفع الصوت بالتلبية، والثجّ سيل دماء الهدي. أراضوا: أصل هذا في صبّ اللبن على اللبن، والمعنى: شرب لبن صبّ على لبن. غادره عندها: تركه. يسوق أعنزا تساوكن هزلا: التّساوك المشي الضعيف. والشاة عازب: يعني قد عزبن عن البيت فخرجن إلى المرعى: الحيّل: التي ليست بحوامل، جمع حائل. ظاهر الوضاءة: يعني الجمال، والوضيء: الجميل. والمتبلّج الوجه: الّذي فيه إضاءة ونور. لم تعبه ثجلة: معناه عظم البطن، تقول: فليس هو كذلك. لم تزر به صعلة: تريد صغر الرأس، يقال: رجل صعل. وسيم قسيم: كلاهما هو الجمال. في عينيه دعج: هو سواد الحدقة، يقال: رجل أدعج وامرأة دعجاء. في أشفاره عطف: وكذلك كل مستطيل مسترسل. في صوته صهل: وهو شبيه بالبحح، وليس بالشديد منه، ولكنه حسن، وبذلك توصف الظباء. في عنقه سطع: هو الطول، يقال منه: رجل أسطع وامرأة سطعاء، وهذا مما يمدح به الناس. والأزجّ: هو المقوس الحاجبين، وأما الأقرن: فهو الّذي التقى حاجباه بين عينيه. منطقه لا نزر ولا هذر: فالنزر: القليل، والهذر: الكثير، تقول قصد بين ذلك. لا تقتحمه عين من قصر: تقول: لا تزدريه فتنبذه، ولكن تقبله وتهابه. محفود محشود: فالمحفود: المخدوم، قال تعالى: بَنِينَ وَحَفَدَةً، ومحشود: هو الّذي قد حشده أصحابه، وحفّوا حوله، وأطافوا به صلّى اللَّه عليه وسلّم. وهذا الحديث أخرجه الحاكم في (المستدرك) 3/ 9، من طرق كلها عن حزام بن هشام بسنده وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ثم ذكر ما يستدل به على صحته وصدق رواته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 مقدمه إلى المدينة وكان المهاجرون قد استبطئوا قدوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبلغ الأنصار مخرجه من مكة وقصده إياهم، وكانوا كل يوم يخرجون إلى الحرة ينتظرونه فإذا اشتد الحر عليهم رجعوا، فلما كان يوم الاثنين- الثاني عشر من ربيع الأول على رأس ثلاث عشرة سنة من المبعث- وافى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة حين اشتد الضّحاء [ (1) ] ، ونزل إلى جانب الحرة وقد عاد المهاجرون والأنصار بعد ما انتظروه على عادتهم. فكان بين المبعث إلى أول يوم من المحرم الّذي كانت الهجرة بعده اثنتا عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يوما، وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من أول عام الفيل. وقيل: قدم صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول، وقيل: خرج من الغار يوم الاثنين أول يوم من ربيع الأول ودخل المدينة يوم الجمعة لثنتى عشرة منه حين اشتد الضحاء، وقيل: دخل لهلال ربيع الأول، وقيل: يوم الاثنين لليلتين خلتا منه، وقال ابن شهاب للنصف منه، وذلك سنة أربع وخمسين من عام الفيل، وهو اليوم العشرون من أيلول سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة للإسكندر الأكبر (وهو الرابع من تير ماه) [ (2) ] . عمره يوم بعثته وهجرته وقيل: أقام صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة بعد المبعث عشر سنين، منها خمس سنين يخفي ما جاء به، وخمس سنين يعلن بالدعاء إلى اللَّه تعالى. وقيل: بعث وله خمس وأربعون سنة فأقام بمكة عشرا وبالمدينة ثمانيا، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وهذا قول شاذ. ولم يختلفوا أنه بعث على رأس أربعين سنة من عمره، وأنه أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين، وإنما اختلفوا في إقامته بمكة بعد ما أوحي إليه، وأصح ذلك ما رواه سعيد بن جبير، وعكرمة، وعمرو بن دينار، وأبو جمرة نصر بن عمران الضبعي، عن ابن عباس أنه قال: مكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاث عشرة سنة [ (3) ] ، ووافق ذلك ما رواه على بن الحسين عن أبيه عن عليّ مثل ذلك، فإن أصح ما قيل: أنه توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.   [ (1) ] الضحاء: يرتفع النهار ويشتد وقد الشمس. [ (2) ] كذا في (خ) ولم أجدها فيما عندي من مراجع. [ (3) ] تاريخ الطبري ج 2 ص 387. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 أول من رآه من أهل المدينة وكان أول من بصر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل من يهود كان على سطح أطم [ (1) ] له فنادى بأعلى صوته: يا بني قيلة [ (2) ] ، هذا جدكم الّذي تنتظرون، فخرج الأنصار بالمهاجرين في سلاحهم، فلقوه وهو مع أبي بكر في ظل نخلة، وحيّوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بتحية النبوة وقالوا: اركبا آمنين، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] وأبو بكر رضي اللَّه عنه وحفوا حولهما بالسلاح، فقيل في المدينة: جاء نبيّ اللَّه فاستشرفوا [ (4) ] نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظرون إليه، وأقبل يسير حتى نزل على أبي القيس (كلثوم) بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك ابن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري، وقيل: بل نزل على سعد بن خيثمة، والأول أثبت. فجاء المسلمون يسلمون عليه وأكثرهم لم يره بعد، فكان بعضهم يظنه أبا بكر. حتى قام أبو بكر رضي اللَّه عنه حين اشتد الحر يظلل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بثوب، فتحقق الناس حينئذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. إقامته بقباء وأقام في بني عمرو بن عوف الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ثم خرج يوم الجمعة، ويقال: بل أقام (بقباء) [ (5) ] في بني عمرو بن عوف ثلاثا وعشرين ليلة، ويقال: بل أقام بقباء أربع عشرة ليلة، ويقال: خمسا، ويقال: أربعا، ويقال: ثلاثا فيما ذكر الدولابي. إسلام عبد اللَّه بن سلام ومخيريق وأسس حينئذ مسجد قباء، وأتاه عبد اللَّه بن سلام فأسلم (ثم أسلم) [ (6) ]   [ (1) ] الأطم: الحصن أو البيت المرتفع. [ (2) ] بنو قيلة: هم الأنصار، وقيلة: جدة لهم. [ (3) ] في (خ) «فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بتحية النبوة وأبو بكر» وهو خطأ من الناسخ. [ (4) ] الاستشراف: الخروج للقاء. [ (5) ] بياض في (خ) . [ (6) ] زيادة للسياق. إمتاع الأسماع ج 1- م 3 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 مخيريق اليهودي [ (1) ] . خبر ناقة رسول اللَّه وركب بأمر اللَّه تعالى وسار على ناقته والناس معه عن يمينه وشماله قد حشدوا ولبسوا السلاح، وذلك ارتفاع النهار من يوم الجمعة، فجعل كلما مر بقوم من الأنصار قالوا: هلم يا رسول اللَّه إلى القوة والمنفعة والثروة، فيقول لهم خيرا، ويقول: دعوها فإنّها مأمورة، وفي رواية: إنها مأمورة خلوا سبيلها فلما أتى مسجد بني سالم جمّع بمن كان معه من المسلمين، وهم إذ ذاك مائة، وقيل: كانوا أربعين، وخطبهم، وهي أول جمعة أقامها صلّى اللَّه عليه وسلّم في الإسلام. أول خطبة للرسول بالمدينة وكانت أول خطبة خطبها أنه قام فيهم فحمد اللَّه، وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس، فقدموا لأنفسكم، تعلمن واللَّه ليصعقنّ [ (2) ] أحدكم ثم ليدعنّ غنمه ليس لها راع، ثم ليقولنّ له ربه- ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه: ألم يأتك رسولي فبلغك؟ وآتيتك مالا وأفضلت عليك؟ فما قدمت لنفسك؟ فلينظرنّ [ (3) ] يمينا وشمالا فلا يرى شيئا، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشقة من تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. والسلام على رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته. منزله على أبي أيوب الأنصاري ثم ركب ناقته فلم تزل سائرة به، وقد أرخى زمامها، حتى جاءت دار بني   [ (1) ] في (عيون الأثر) ج 1 ص 208: «قال ابن إسحاق: وكان حبرا عالما غنيا كثير الأموال، وكان يعرف صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بصفته وما يجد من علمه» . وفي المرجع السابق: «وقال الواقدي: كان مخيريق أحد بني النضير، حبرا عالما فآمن برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعل ماله له وهو سبعة حوائط» أي بساتين. [ (2) ] يعني يخر ميتا أو كالميت. [ (3) ] في (خ) فلينظر. والتصويب من (ابن هشام) ج 2 ص 105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 النجار- موضع مسجده الآن- فبركت ثم نهضت وسارت قليلا ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول. وقيل: إن جبّار بن صخر من بني سلمة- وكان من صالحي المسلمين- جعل ينخسها لتقوم منافسة لبني النجار أن ينزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عندهم فلم تقم، فنزل صلّى اللَّه عليه وسلّم عنها، وحمل أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف [ (1) ] بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري رحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى منزله، وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكانت عنده. أول ما أهدي إليه وأول هدية أتته قصعة مثرودة خبزا وسمنا ولبنا جاءه بها زيد بن ثابت من عند أمه، فأكل وأصحابه. ثم جاءت قصعة سعد بن عبادة وفيها عراق [ (2) ] لحم. فأقام في بيت أبي أيوب سبعة أشهر، وما كانت تخطئه جفنة سعد بن عبادة وجفنة أسعد ابن زرارة كل ليلة، وجعل بنو النجار يتناوبون حمل الطعام إليه [ (3) ] مقامه في منزل أبي أيوب، وبعثت إليه أم زيد بن ثابت بثردة مروّاة سمنا ولبنا، ونزل أسامة بن زيد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في دار أبي أيوب. مسجده وحجره واشترى صلّى اللَّه عليه وسلّم موضع مسجده وكان مربدا [ (4) ] لسهل وسهيل ابني عمرو- وكانا يتيمين في حجر أسعد بن زرارة- بعشرة دنانير، وفي الصحيح أن بني النجار بذلوه للَّه تعالى، فبناه مسجده المعروف الآن بالمدينة. وبنى الحجر لأزواجه بجانب المسجد وجعلها تسعا: بعضها مبني بحجارة قد رصّت، وسقفها من جريد مطين بطين، ولكل بيت حجرة، وكانت حجرته صلّى اللَّه عليه وسلّم أكسية من شعر مربوطة في خشب من عرعر [ (5) ] .   [ (1) ] في (خ) : «عبد مناف» ، وما أثبتناه من (ط) . [ (2) ] العراق: عظام عليها لحوم رقيقة طيبة. [ (3) ] في (خ) عليه. [ (4) ] كل مكان أو فناء تحبس فيه الإبل يسمى (مربدا) . [ (5) ] العرعر: جنس أشجار وجنبات من الصنوبريات (المعجم الوسيط) ج 2 ص 595. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 منزل أبي بكر ونزل أبو بكر رضي اللَّه عنه بالسّنح على خبيب بن إساف (ويقال: يساف) ابن عتبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج (بن الأوس) [ (1) ] الأنصاري، وقيل: على خارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغرّ. مقدم عليّ ومنزله وقدم علي رضي اللَّه عنه من مكة للنصف من ربيع الأول ورسول اللَّه بقباء لم يرم [ (2) ] بعد وقدم معه صهيب. وذلك بعد ما أدى عليّ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الودائع التي كانت عنده، وبعد ما كان يسير الليل ويمكن النهار حتى تفطرت [ (3) ] قدماه، فاعتنقه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، وتفل في يديه وأمرّهما على قدميه فلم يشتكهما بعد ذلك حتى قتل رضي اللَّه عنه. ونزل على كلثوم بن الهدم، وقيل: على امرأة، والراجح أنه نزل مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. منزل عثمان ونزل عثمان بن عفان برقية ابنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في منزل سعد بن خيثمة، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يأتيهم هنالك. بعثة زيد بن حارثة إلى مكة وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة، ودفع إليهما بعيرين وخمسمائة درهم أخذها من أبي بكر يشتريان بها ما يحتاجان إليه. وبعث أبو بكر معهما عبد اللَّه بن أريقط الديليّ ببعيرين أو ثلاثة، وكتب إلى عبد اللَّه بن أبي بكر أن يحمل أهله: أم رومان، وعائشة، وأسماء. فاشترى زيد   [ (1) ] زيادة للإيضاح لأنه من الأوس لا من الخزرج. [ (2) ] من رام يريم: برح وفارق، وأكثر ما يستعمل منفيا. [ (3) ] تشققت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 بالخمسمائة ثلاثة أبعرة بقديد [ (1) ] ، وقدم مكة فإذا طلحة بن عبيد اللَّه يريد الهجرة، فقدما المدينة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بابنتيه: فاطمة، وأم كلثوم، وبزوجته سودة بنت زمعة، وبأسامة بن زيد، وأمه أم أيمن رضي اللَّه عنهم. وكانت رقية ابنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد (هاجر) [ (2) ] بها عثمان رضي اللَّه عنها قبل ذلك. وحبس أبو العاصي زوجته زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرج مع زيد وأبي رافع عبد اللَّه بن أبي بكر بعيال أبي بكر رضي اللَّه عنه. موادعة يهود ووادع [ (3) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بالمدينة من يهود، وكتب بذلك كتابا، وأسلم حبرهم عبد اللَّه بن سلام بن الحارث، وكفر عامتهم وهم ثلاث فرق: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة. المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وآخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين المهاجرين والأنصار- وقد أتت لهجرته ثمانية أشهر- فكانوا يتوارثون بهذا الإخاء في ابتداء الإسلام إرثا مقدّما على القرابة. وكان الذين آخى بينهم تسعين رجلا: خمسة وأربعين من المهاجرين، وخمسة وأربعين من الأنصار، ويقال: خمسين من هؤلاء وخمسين من هؤلاء، ويقال: إنه لم يبق من المهاجرين أحد إلا آخى بينه وبين أنصاريّ. وقال ابن الجوزي: «وقد أحصيت جملة من آخى النبي بينهم، فكانوا مائة وستة وثمانين رجلا» ذكرهم في كتاب التلقيح [ (4) ] ، وكانت المؤاخاة بعد مقدمه بخمسة أشهر، وقيل: بثمانية أشهر. نسخ توارث المؤاخاة وفرض الزكاة ثم نسخ التوارث بالمؤاخاة بعد بدر. ونزل تمام الصلاة أربعا بعد شهر من مقدم   [ (1) ] قديد: موضع قرب مكة (معجم البلدان) ج 4 ص 313. [ (2) ] مطموسة في (خ) . [ (3) ] في (خ) : «وأودع» . [ (4) ] في (خ) : «النقيج» ، واسمه «تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير» ، أو «تلقيح فهوم أهل الآثار في مختصر التاريخ والأخبار» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، فتمت صلاة المقيم أربعا بعد ما كانت ركعتين، وأقرت صلاة المسافر ركعتين، وفرضت الزكاة أيضا- رفقا بالمهاجرين رضي اللَّه عنهم- في هذا التاريخ، كما ذكره أبو محمد بن حزم، وقال بعضهم: إنه أعياه فرض الزكاة متى كان. تحوله من بيت أبي أيوب إلى حجره وتحول صلّى اللَّه عليه وسلّم من منزل أبي أيوب رضي اللَّه عنه إلى حجره لما فرغت، بعد إقامته عنده سبعة أشهر، وخط لأصحابه في كل أرض ليس لأحد، وفيما وهبت له الأنصار من خططها، وأقام قوم من المسلمين- لم يمكنهم البناء- بقباء على من [ (1) ] نزلوا عنده. زواجه عائشة وبنى بعائشة رضي اللَّه عنها بعد مقدمه بتسعة أشهر، وقيل: بثمانية أشهر، وقيل: بثمانية عشر شهرا في يوم الأربعاء من شوال، وقيل: في ذي القعدة، بالسنح في بيت أبي (بكر) [ (2) ] . الأذان للصلوات وتمام الصلاة وأري عبد اللَّه بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه (الأذان للصلوات) [ (2) ] ، وقيل: كان ذلك في السنة الثانية. وبعد شهر من مقدمه المدينة زيد في صلاة الحضر لاثنتي عشرة خلت من ربيع، قال الدولابي: يوم الثلاثاء، وقال السهيليّ: بعد الهجرة بعام أو نحوه. فرض القتال ولما استقر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة بين أظهر الأنصار رضي اللَّه عنهم وتكفلوا بنصره ومنعه من الأسود والأحمر، رمتهم العرب قاطبة عن قوس واحدة وتعرضوا لهم من كل جانب.   [ (1) ] في (خ) «ما» . [ (2) ] ساقطة من (خ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وكان اللَّه عز وجل قد أذن للمسلمين في الجهاد بقوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [ (1) ] ، فلما صاروا إلى المدينة، وكانت لهم شوكة وعضد، كتب اللَّه عليهم الجهاد بقوله سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [ (2) ] . أول لواء عقد بعد فرض القتال وكان أول لواء عقده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- على رأس سبعة أشهر من مقدمه إلى المدينة- لعمه حمزة بن عبد المطلب على ثلاثين راكبا، شطرين: خمسة عشر من المهاجرين، وخمسة عشر من الأنصار، إلى ساحل البحر من ناحية العيص [ (3) ] (وقيل: لم يبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدا من الأنصار حتى غزا بنفسه إلى بدر، وذلك أنه ظن أنهم لن ينصروه إلا في الدار، وهو الثّبت) [ (4) ] . سرية حمزة إلى سيف البحر فبلغوا سيف البحر يعترضون عيرا لقريش قد جاءت من الشام تريد مكة، فيها أبو جهل في ثلاثمائة راكب. فالتقوا واصطفوا للقتال، فمشى بينهم مجدي بن عمر (الجهنيّ) [ (5) ] حتى انصرف الفريقان بغير قتال، وعاد حمزة رضي اللَّه عنه بمن معه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبروه بما حجز بينهم مجديّ، وأنهم رأوا منه نصفة [ (6) ] . (وقدم رهط مجدي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فكساهم وذكر مجدي بن عمرو فقال: إنه- ما علمت- ميمون النقيبة مبارك الأمر، أو قال: رشيد الأمر) . وكان لواء حمزة أبيض، يحمله أبو مرثد كنّاز [ (7) ] بن حصين، ويقال ابن حصن بن يربوع بن عمرو بن يربوع بن خرشة بن سعد بن طريف الغنوي.   [ (1) ] الآية 39/ الحج. [ (2) ] الآية 216/ البقرة، وفي (خ) ، إلى قوله تعالى: «خَيْرٌ لَكُمْ» . [ (3) ] موضع في بلاد بني سليم به ماء ويقال له ذنبان العيص (معجم البلدان) ج 4 ص 173. [ (4) ] الثّبت: الصحيح. [ (5) ] زيادة للإيضاح من (ط) . [ (6) ] إنصافا. [ (7) ] في (خ) (كعاد) وفي (ط) (كناز) وفي (تلقيح الفهوم) ص 48 «وحامله أبو مرثد كدّاز بن الحصين الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 سرية عبيدة بن الحارث إلى بطن رابغ ثم عقد لواء أبيض لعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف [ (1) ] وبعثه، وهو أسفل ثنية المرة [ (2) ] ، على رأس ثمانية أشهر في شوال، فحمل اللواء مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، فخرج في ستين راكبا من قريش كلهم من المهاجرين، فلقى مكرز بن حفص، وقيل: عكرمة بن أبي جهل، وقيل: أبا سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف على ماء يقال له أحياء من بطن رابغ، وأبو سفيان في مائتين. أول من رمى في الإسلام بسهم وكان أول من رمى في الإسلام بسهم سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه [ (3) ] : نثر كنانته وتقدم أمام أصحابه وقد ترسوا عنه فرمى بما في كنانته، وكان فيها عشرون سهما، ما منها سهم إلا ويجرح إنسانا أو دابة، ولم يكن بينهم يومئذ إلا هذا، لم يسلّوا سيفا. ثم انصرف كل منهما، وفر يومئذ من الكفار إلى المسلمين: المقداد ابن الأسود الكندي، وعتبة بن غزوان. وقيل: إن لواء عبيدة [ (4) ] هذا هو أول لواء عقده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار [ثم عقد] [ (5) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم لواء لسعد بن أبي وقاص إلى الخرار [ (6) ] حمله أبو معبد المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد البهراني [ (7) ] [وهو المقداد بن الأسود، نسبة إلى الأسود بن عبد يغوث بن وهب   [ (1) ] في (خ) «عبد مناف» مكررة مرتين وهو خطأ من الناسخ. [ (2) ] «الثنية في الأصل كل عقبة في الجبل مسلوكة» وثنية المرة بأسفلها ماء الحجاز (معجم البلدان) ج 2 ص 85. [ (3) ] (تلقيح الفهوم) ص 465. [ (4) ] في (خ) «أبي عبيدة» . [ (5) ] بياض في (خ) . [ (6) ] في (خ) «الخرا» ، وفي (معجم البلدان) ج 2 ص 350: «الخرّار: موضع بالحجاز يقال: هو قرب الجحفة، وقيل: واد من أودية المدينة، وقيل: ماء بالمدينة، وقيل: موضع بخيبر» . [ (7) ] نسبة إلى البهراء من غير قياس (هامش ط) ص 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ابن عبد مناف لأنه كان تبناه] فخرج في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر في عشرين أو أحد وعشرين رجلا من المهاجرين على أقدامهم، وقيل: بل كانوا ثمانية، فكانوا يكمنون النهار ويسيرون الليل حتى صبحوا صبح خمس الخرار [ (1) ] من الجحفة قريبا من خم، يريدون عير قريش ففاتتهم. وقد جعل الواقدي هذه السرايا جميعها في السنة الأولى من الهجرة، وجعلها محمد بن إسحاق في السنة الثانية، وجعل غزوة ودان بعد سرية سعد بن أبي وقاص. غزوة رسول اللَّه: ودان- الأبواء ثم غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ودان] [ (2) ] وهو جبل بين مكة والمدينة، بينه وبين الأبواء ستة أميال، فخرج في صفر على رأس أحد عشر شهرا يعترض عيرا لقريش، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه، فبلغ الأبواء، فلم يلق كيدا، فوادع بني ضمرة [بن بكر] [ (3) ] بن عبد مناة بن كنانة مع سيدهم مخشي [ (4) ] بن عمرو- على ألا يكثروا عليه ولا يعينوا عليه أحدا، وكتب بينه وبينهم [ (5) ] كتابا ورجع، فكانت غيبيته خمس عشرة ليلة. ويقال لهذه أيضا: غزاة الأبواء، وهي أول غزاة غزاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنفسه. وكان لواء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذه الغزاة أبيض يحمله حمزة رضي اللَّه عنه. زواج علي فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي صفر هذا زوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن عمه علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه بابنته فاطمة عليها السلام. غزوة بواط ثم كانت غزوة بواط من ناحية رضوى في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر   [ (1) ] في (خ) «الخزار» وخم: واد بين مكة والمدينة عند الجحفة. (معجم البلدان) ج 2 ص 389. [ (2) ] بياض في (خ) . [ (3) ] زيادة من (ابن هشام) ج 2 ص 170. [ (4) ] في (خ) «مجدي» والتصويب من المرجع السابق. [ (5) ] في (خ) «وبينه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 شهرا [من مهاجره] [ (1) ] ، فخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم يعترض عيرا لقريش فيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش، وألفان وخمسمائة بعير. وخرج معه صلّى اللَّه عليه وسلّم مائتان من أصحابه وحمل لواءه سعد بن أبي وقاص، واستخلف على المدينة سعد بن معاذ، وقيل: السائب بن عثمان بن مظعون، ورجع ولم يلق كيدا. غزوة سفوان، وهي بدر الأولى ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا [من مهاجره] [ (2) ] في طلب كرز بن جابر الفهري- وقد أغار على سرح المدينة، وكان يرعى بالجماء ونواحيها- حتى بلغ واديا يقال له سفوان من ناحية بدر ولم يدركه، وهي بدر الأولى. وكان يحمل اللواء علي رضي اللَّه عنه، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة، ويقال: كانت سفوان بعد العشيرة بنحو عشر ليال. غزوة العشيرة [ثم غزا غزوة] [ (2) ] العشيرة [ (3) ] في جمادى الآخرة، ويقال جمادى الأولى على رأس ستة عشر شهرا [من مهاجره] [ (4) ] خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم يعترض عيرا لقريش حين أبدأت [ (5) ] إلى الشام، ومعه خمسون ومائة رجل، ويقال: خرج معه مائتا رجل، يتعقبون ثلاثين بعيرا، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وحمل اللواء حمزة. وكان قد جاءه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر بفصول [ (6) ] العير من مكة تريد الشام، قد جمعت قريش أموالها في تلك العير. فبلغ صلّى اللَّه عليه وسلّم ذا العشيرة [ (7) ] ببطن ينبع، فأقام بقية الشهر   [ (1) ] ساقطة من (خ) والتصويب من (تلقيح الفهوم) ص 49. [ (2) ] بياض في (خ) . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (المغازي) ج 1 ص 12 «ذي العشيرة» ، وفي (التلقيح) ص 50 «ذات العشيرة» «ويقال بالسين» . وفي «ابن هشام» : ج 2 ص 176 «ويقال فيها أيضا العسيرة والعسيراء، وفي البخاري أن قتادة سئل عنها فقال: «العشير» . والعشيرة «من ناحية ينبع بين مكة والمدينة» معجم البلدان ج 4 ص 127. [ (4) ] زيادة للإيضاح. [ (5) ] في (خ) «أبدت» والصواب «أبدأت» بمعنى خرجت من أرض غيرها. [ (6) ] الفصول: مصدر فصل بمعنى خرج، قال تعالى: وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ 94/ يوسف. [ (7) ] في (خ) «العشراء» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وليالي مما بعده، وصالح بني مدلج وحلفاءهم بني ضمرة، ورجع ولم يلق كيدا. وهذه هي العير التي خرج في طلبها صلّى اللَّه عليه وسلّم لما عادت وكانت وقعة بدر. تكنية علي بن أبي طالب أبا تراب وفي هذه السفرة كنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أبا تراب، في قول بعضهم، وقد مر به نائما تسفي عليه الريح التراب فقال: قم يا أبا تراب، ألا أخبرك بأشقى الناس أجمعين: عاقر الناقة، والّذي يضربك على هذا فيخضب هذه! [يعني على رأسك فيخضب لحيتك بدمك] وفي صحيح البخاري: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجده في المسجد نائما وقد ترب جنبه فجعل يمسح [ (1) ] التراب عن جنبه ويقول: قم أبا تراب [ (2) ] . سرية عبد اللَّه بن جحش إلى نخلة ثم كانت سرية أميرها عبد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة ابن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي إلى بطن نخلة [وهو بستان ابن عامر الّذي يقرب مكة] [ (3) ] في رجب على رأس سبعة عشر شهرا، دعاه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين صلى العشاء فقال: واف مع الصبح معك سلاحك أبعثك وجها، قال: فوافيت الصبح وعليّ سيفي وقوسي وجعبتي ومعي درقتي، فصلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس الصبح ثم انصرف، فيجدني قد سبقت واقفا عند بابه، وأجد نفرا من قريش، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبي بن كعب فدخل عليه فأمره فكتب كتابا [ (4) ] ، ثم دعاني فأعطاني صحيفة من أديم خولاني [ (5) ] فقال: قد استعملتك على هؤلاء النفر،   [ (1) ] في (خ) «تحت» . [ (2) ] «قال ابن إسحاق: وقد حدثني بعض أهل العلم: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما سمى عليا أبا تراب: أنه كان إذا عتب على فاطمة في شيء لم يكلمها ولم يقل لها شيء تكرهه، إلا أنه يأخذ ترابا فيضعه على رأسه» (ابن هشام) ج 2 ص 178. [ (3) ] (معجم البلدان) ج 5 ص 278. [ (4) ] (المغازي) ج 1 ص 13 «فأمره صلّى اللَّه عليه وسلّم وكتب كتابا» . [ (5) ] «خولان: من مخاليف اليمن» ، «وقرية قرب دمشق» ، فلعل الأديم منسوب إلى أحدهما (معجم البلدان) ج 2 ص 407. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 فامض، حتى إذا سرت ليلتين فانشر كتابي ثم امض لما أنت فيه [ (1) ] ، قلت: يا رسول اللَّه أي ناحية؟ قال: اسلك النجدية تؤم [ (2) ] ركبة [ (3) ] فانطلق عبد اللَّه في ثمانية- وقيل: اثنى عشر من المهاجرين- كل اثنين يتعاقبان بعيرا، حتى إذا كان ببئر ابن ضميرة نشر الكتاب فإذا فيه: سر حتى تأتي بطن نخلة على اسم اللَّه وبركاته، ولا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك، وامض لأمري فيمن تبعك حتى تأتي بطن نخلة على اسم اللَّه وبركاته: فترصد بها عير قريش. فلما قرأه عليهم قالوا أجمعين: نحن سامعون مطيعون للَّه ولرسوله ولك، فسر على بركة اللَّه. فسار حتى جاء نخلة فوجد عيرا لقريش فيها عمرو بن الحضرميّ خارجا نحو العراق، والحكم بن كيسان المخزومي، وعثمان بن عبد اللَّه بن المغيرة المخزومي، ونوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة المخزومي، فهابهم أصحاب العير، وأنكروا أمرهم، فحلق عكاشة ابن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي [حلقه عامر بن ربيعة] ثم وافى ليطمئن القوم. فقال المشركون: لا بأس! قوم عمّار [ (4) ] ، فأمنوا وقيدوا ركابهم وسرحوها، وتشاور المسلمون في أمرهم- وكان آخر يوم من رجب ويقال أول يوم من شعبان [ (5) ] فقالوا: إن تأخرتم عن هذا اليوم دخلوا الحرم [ (6) ] فامتنعوا، وإن أصبتموهم ففي الشهر الحرام. فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا وقاتلوهم. فرمى واقد [ (7) ] بن عبد اللَّه [بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد ابن مناة بن تميم التميمي اليربوعي الحنظليّ] عمرو بن الحضرميّ فقتله. وشد القوم عليهم، فأسروا عثمان بن عبد اللَّه بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وحكم ابن كيسان- وكان الّذي أسر الحكم بن كيسان المقداد بن عمرو، فدعاه رسول اللَّه إلى الإسلام فأسلم وقتل ببئر معونة شهيدا. وأعجزهم نوفل بن عبد اللَّه بن   [ (1) ] (المغازي) ج 1 ص 13 «ثم امض لما فيه» . [ (2) ] تؤم: تقصد. [ (3) ] في (خ) «ركيه» وفي المغازي «ركية، وركبة» بين مكة والطائف «معجم البلدان» ج 3 ص 63. [ (4) ] عمّار: معتمرون يريدون أداء العمرة. [ (5) ] في (الكامل) ج 2 ص 114 «آخر يوم من رجب» وفي (المغازي) ج 1 ص 14 «وكان آخر يوم من رجب ويقال: آخر يوم من شعبان» وفي (ابن سعد) ج 2 ص 10 «وشكوا في ذلك اليوم أهو من الشهر الحرام أم لا؟» وفي (ابن هشام) ج 2 ص 179 «وذلك في آخر يوم من رجب» . [ (6) ] أي الأشهر الحرم. [ (7) ] في (خ) «وافد» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 المغيرة- واستاقوا العير- وكانت محملة خمرا وأدما وزبيبا- حتى قدموا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام. فأوقف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم العير فلم يأخذ منها شيئا، وحبس الأسيرين، وقال لأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، فسقط [ (1) ] في أيديهم وظنوا أنهم قد هلكوا. وبعثت قريش إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فداء أصحابهم فقال: لن نفديهما حتى يقدم صاحبانا، يعني سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب [ (2) ] بن زيد بن مالك بن الحارث بن عوف [بن الحارث] بن مازن المازني، وكانا زميلين، فضلّ ببجران [ (3) ] (وهي ناحية معدن بني [ (4) ] سليم) بعيرهما، فأقاما يومين يبغيانه فلم يشهدا نخلة. ثم قدما المدينة ففادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حينئذ الأسيرين بأربعين أوقية لكل واحد، وكان عبد اللَّه بن جحش قد قسم في رجوعه من نخلة أربعة أخماس ما غنم بين أصحابه، وعزل الخمس لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. أول خمس وأول غنيمة وأول قتيل وأول أسير فكان أول خمس خمّس في الإسلام، وأول غنيمة، وأول قتيل وأول أسير كان في الإسلام ويقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقف غنائم أهل نخلة حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم أهل بدر، وأعطى كل قوم حقهم [ (5) ] . وفي هذه الغزاة نزل قول اللَّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [ (6) ] .   [ (1) ] «سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ» : ندموا على ما فعلوا «انظر الآية 149/ الأعراف» . [ (2) ] في (خ) «لسيب» . [ (3) ] في (خ) «بحران» . [ (4) ] في (خ) «ابن سليم» . [ (5) ] (ابن سعد) ج 2 ص 11. [ (6) ] الآية 217/ البقرة، وفي (خ) إلى قوله تعالى: قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ويقال ودى [ (1) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عمرو بن الحضرميّ، والصحيح أنه لم يده. أول من سمي أمير المؤمنين في الإسلام وفي هذه السرية سمي عبد اللَّه بن جحش أمير المؤمنين. وذكر أبو بكر بن شيبة في مصنفه: حدثنا أبو أمامة، عن مجالد، عن زياد ابن علاقة [ (2) ] عن سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه قال: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة جاءت جهينة فقالت: إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا حتى نأمنك [ (3) ] وتأمنّا، فأوثق لهم ولم يسلموا [ (4) ] فبعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رجب- ولا نكون مائة- وأمرنا أن نغير على حي من كنانة إلى جنب جهينة. قال: فأغرنا عليهم، وكانوا كثيرا فلجأنا إلى جهينة [فمنعونا] [ (5) ] وقالوا: لم تقاتلوا في الشهر الحرام، فقال بعضنا لبعض: ما ترون؟ فقالوا: نأتي رسول اللَّه فنخبره، وقال بعضنا: لا بل نقيم هاهنا، وقلت أنا، في أناس معي: لا بل نأتي عير قريش هذه فنصيبها [ (6) ] ، فانطلقنا إلى العير-[وكان الفيء إذ ذاك- من أخذ شيئا فهو له- فانطلقنا إلى العير] [ (7) ] وانطلق أصحابنا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبروه الخبر، فقام غضبان محمرا وجهه فقال: أذهبتم [ (8) ] من عندي جميعا وجئتم متفرقين! إنما أهلك من كان قبلكم الفرقة. لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم، أصبركم على الجوع والعطش. فبعث علينا عبد اللَّه بن جحش الأسدي فكان أول أمير [أمر] [ (9) ] في الإسلام. أول ما نسخ من الشريعة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وفي شعبان على رأس ستة عشر شهرا، وقيل: على رأس سبعة عشر   [ (1) ] وديه: أعطى ديته لوليه (المعجم الوسيط) ج 2 ص 1022. [ (2) ] حديث زياد عن سعد بن أبي وقاص حديث مرسل لأنه لم يدرك سعدا، وقد مات سنة 135 وقد قارب المائة. (هامش ط) ص 58. [ (3) ] في (المسند) ج 1 ص 178 «حتى نأتيك» . [ (4) ] المرجع السابق «فأسلموا» . [ (5) ] زيادة من المرجع السابق. [ (6) ] المرجع السابق «فتقتطعها» . [ (7) ] زيادة للإيضاح من المرجع السابق. [ (8) ] في (خ) «ذهبتم» والتصويب من (المسند) . [ (9) ] زيادة من المرجع السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 شهرا [ (1) ] ، حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، فكان أول شيء نسخ من الشريعة القبلة [ (2) ] ، وأول من صلى إليها أبو سعيد رافع، ويقال: الحارث، ويقال: أوس بن المعلى بن نفيع بن المعلى بن لوذان بن خالد بن زيد بن ثعلبة الزرقيّ الأنصاري وصاحب له [ (3) ] . ثم صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس الظهر إليها يومئذ. ويقال حولت القبلة في يوم الاثنين النصف من رجب بعد زوال الشمس، قبل قتال بدر بشهرين، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسجد بني سلمة [ (4) ] ، وقد صلى بأصحابه من صلاة الظهر ركعتين، فتحول في صلاته واستقل الميزاب من الكعبة، وحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال، فسمي المسجد «مسجد القبلتين» . ويقال: صرفت في الظهر من يوم الثلاثاء للنصف من شعبان سنة اثنتين في منزل البراء بن معرور، وقيل: صرفت في صلاة الصبح. فرض صيام رمضان وزكاة الفطر وفي شعبان هذا فرض صوم رمضان وزكاة الفطر قبل العيد بيومين، وقال ابن سعد: قبل فرض زكاة الأموال، وقيل: إن الزكاة فرضت فيها، وقيل: قبل الهجرة. وكان المسلمون يصومون عاشوراء، فلما فرض رمضان لم يؤمروا بصيام عاشوراء ولم ينهوا عنه. غزوة بدر الكبرى وفي شهر رمضان هذا كانت غزوة بدر، وهي الوقعة العظيمة التي فرق اللَّه   [ (1) ] القول الأول ذكره الطبري بسنده عن سعيد بن المسيب، والقول الثاني ذكره أيضا بسنده عن البراء. راجع (تفسير الطبري) ج 2 ص 3، و (تفسير القرطبي) ص 532، 533 (ط. الشعب) وذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) ج 3 ص 252 «في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا» . [ (2) ] راجع (تفسير القرطبي) ص 534. [ (3) ] ذكر ابن سيد الناس في (عيون الأثر) ج 1 ص 238 أن «عباد بن نهيك بن إساف الشاعر بن عدي ابن زيد بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو النبيت بن مالك الأوس» «هو الّذي صلى مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلتين في الظهر ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة يوم صرفت القبلة، ثم أتى قومه بني حارثة وهم ركوع في صلاة العصر فأخبرهم بتحويل القبلة فاستداروا إلى الكعبة. [ (4) ] في (خ) «بني سليمة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 تعالى فيها بين الحق والباطل، وأعز الإسلام ودمغ الكفر وأهله. ما فيها من دلائل النبوة وجمعت الآيات الكثيرة والبراهين الشهيرة: بتحقيق اللَّه ما وعدهم من إحدى الطائفتين، وما أخبرهم به من ميلهم إلى العير دون الجيش، ومجيء المطر عند الالتقاء، وكان للمسلمين نعمة وقوة، وعلى الكفار بلاء ونقمة، وإمداد اللَّه المؤمنين بجند من السماء حتى سمعوا أصواتهم حين قالوا: أقدم حيزوم، ورأوا الرءوس ساقطة من الكواهل من غير قطع ولا ضرب، وأثر السياط في أبي جهل وغيره، ورمى الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم المشركين بالحصى والتراب حتى عمّت رميته الجمع، وتقليل اللَّه المشركين في عيون المسلمين ليزيل عنهم الخوف ويشجعهم على القتال، وإشارة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مصارع المشركين بقوله: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، فرأى المسلمون ذلك على ما أشار إليه وذكره، وقوله عليه الصلاة والسلام لعقبة بن أبي معيط: إن وجدتك خارج جبال مكة قتلتك صبرا [ (1) ] فحقق اللَّه ذلك، وإخباره عمه العباس بما استودع أم الفضل من الذهب، فزالت عن العباس رضي اللَّه عنه الشبهة في صدقه وحقيقة نبوته، فازداد بصيرة ويقينا في أمره صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتحقيق اللَّه للمؤمنين [من الأسرى] [ (2) ] وعده إذ يقول: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ [ (3) ] ، فأعطى العباس بدل عشرين أوقية- عشرين غلاما تجروا بماله، وإطلاع اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم على ائتمار عمير ابن وهب وصفوان بن أمية بمكة على قتله عليه السلام فعصمه اللَّه من ذلك، وجعله سببا لإسلام عمير بن وهب وعوده إلى مكة داعيا للإسلام ... إلى غير هذا من الآيات والمعجزات التي أعطاها اللَّه تعالى لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأراها من معه من المؤمنين فزادتهم بصيرة ويقينا، ورد عين قتادة بعد ما سالت على حدقته، وقيل: كان ذلك في وقعة أحد. فكانت غزوة بدر أكرم المشاهد. أول الخروج إلى بدر وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تحين انصراف العير التي خرج من أجلها إلى   [ (1) ] قتله صبرا: حبسه حتى مات (المعجم الوسيط) ج 1 ص 506. [ (2) ] زيادة من (ط) . [ (3) ] من الآية 70/ الأنفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 العشيرة وإقبالها من الشام، ندب أصحابه للخروج إلى العير وأمر من كان ظهره [ (1) ] حاضرا بالنهوض، ولم يحتفل لها احتفالا كبيرا، وكان قد بعث طلحة بن عبيد اللَّه ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة القرشي التيمي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد اللَّه بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤيّ القرشي العدوي قبل خروجه من المدينة بعشر ليال يتحسسان [ (2) ] خبر العير فبلغا التجبار [ (3) ] من أرض الحوراء [ (4) ] فنزلا على كشد [ (5) ] الجهنيّ فأجارهما وأنزلهما وكتم [ (6) ] عليهما حتى مرت العير، ثم خرج بهما يخفرهما حتى أوردهما ذا المروة، فقدما المدينة ليخبرا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبر العدو فوجداه قد خرج. وكان قد ندب المسلمين وخرج بمن معه يوم السبت الثاني عشر من رمضان بعد تسعة عشر شهرا من مهاجره، [وقيل: خرج لثمان خلون من رمضان وذلك بعد ما وجه طلحة بن عبد اللَّه وسعيد بن زيد بعشر ليال] فخرج معه المهاجرون وخرجت الأنصار ولم يكن غزا بأحد منهم قبل ذلك. فنزل بالبقع [ويقال لها بئر أبي عنبة، وهي على ميل من المدينة] ، والتقيا على أربع مراحل من المدينة، وهي بيوت السقيا، يوم الأحد لثنتي عشرة خلت من رمضان. عرض المقاتلة وردّ الصغار فضرب عسكره هناك وعرض المقاتلة [ (7) ] ، فرد عبد اللَّه بن عمرو، وأسامة بن   [ (1) ] الظهر: ما يركب. [ (2) ] في (خ) «يتحسسان» . وفي (تاريخ الطبري) ج 2 ص 433 «يتجسسان» ، وفي (المغازي) ج 1 ص 19 والتحسس بالحاء: أن تتسمع الأخبار بنفسك، والتجسس بالجيم: هو أن تفحص عنها بغيرك، وفي الحديث: «لا تجسسوا ولا تحسسوا» (ابن هشام) ج 2 هامش ص 182. [ (3) ] كذا في (ط) وفي (ابن سعد) ج 2 ص 11. [ (4) ] الحوراء: مرفأ سفن مصر إلى المدينة، وفي قول الأصمعي: ماء لبني نبهان من طيِّئ قرب ماء يقال له القلب لبني ربيعة من بني نمير (معجم البلدان) ج 2 ص 316 وفي (المغازي) «بالنخبار» ج 1 ص 19. [ (5) ] في (خ) «كشد» بالشين والدال (والمغازي) ج 1 ص 19 وفي الإصابة ج ص 287 «كسد» بالسين المهملة ترجمة رقم 7398. [ (6) ] في (خ) «وكتمه» . [ (7) ] في (خ) «المقابلة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 زيد، ورافع بن خديج بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم الأنصاري الخزرجي [ (1) ] ، والبراء بن عازب بن حارث بن عدي بن جشم بن مجدعة [ (2) ] بن حارثة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري [الأوسي] [ (3) ] الحارثي، وأسيد بن حضير ابن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي، وزيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك الأغرّ الأنصاري الخزرجي، وزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري النجاري، ولم يجزهم. وعرض عمير بن أبي وقاص فاستصغره فقال: ارجع، فبكى، فأجازه. فقتل ببدر وهو ابن ست عشرة سنة. وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يستقوا من بئر السقيا وشرب من مائها، وصلى عند بيوت السقيا. دعاؤه لأهل المدينة وتحريم حرمها ودعا يومئذ لأهل المدينة فقال: اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك دعاك لأهل مكة، وإني محمد عبدك ونبيك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم [ (4) ] وثمارهم، اللَّهمّ وحبب إلينا المدينة، واجعل ما بها من الوباء بخم [ (5) ] ، اللَّهمّ إني حرمت ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم خليلك مكة. عيونه وخروج المسلمين إلى المشركين وقدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عدي بن أبي الزغباء سنان بن سبيع بن ثعلبة بن ربيعة الجهنيّ، وبسبس بن عمرو بن ثعلبة بن خرشة بن عمرو بن سعد بن ذبيان   [ (1) ] رافع هذا «أوسيّ» «وليس خزرجيّ» ، وترجمته رقم 1802 في الإصابة ج 3 ص 36 كما يلي: «رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسيّ الحارثي» . [ (2) ] قال في (الإصابة) «ولم يذكر ابن الكلبي في نسبه مجدعة وهو أصوب» ج 1 ص 234 ترجمة رقم 615. [ (3) ] زيادة للإيضاح. [ (4) ] الصاع والمدّ من المكاييل. [ (5) ] خمّ: على ميلين من الجحفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الذبيانيّ [الجهنيّ] [ (1) ] من بيوت السقيا. واستخلف على المدينة وعلى الصلاة عبد اللَّه بن أم مكتوم، وراح عشية الأحد من بيوت السقيا، وخرج المسلمون معه وهم ثلاثمائة وخمسة، ويقال كانت قريش ستة وثمانين رجلا، والأنصار مائتين وسبعة وعشرين رجلا. وقيل: كانت قريش ثلاثة وسبعين رجلا، والأنصار أربعين ومائتي رجل، وتخلف عنه ثمانية ضرب لهم بسهامهم وأجورهم. هذا الحديث رواه محمد بن حرب، حدثنا الليث بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عمرو بن سليم الزرقيّ، عن عاصم بن عمرو، عن علي ابن أبي طالب رضي اللَّه عنه، قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كنا بالسقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ائتوني بوضوء، فلما توضأ قام فاستقبل القبلة ثم كبر ثم قال: اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك دعا لأهل مكة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعو لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم مثل ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين. قلة الظّهر يوم بدر ودعاؤه للمقاتلة وكانت الإبل سبعين بعيرا، فكانوا يتعاقبون الإبل- الاثنين والثلاثة والأربعة- فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعلي بن أبي طالب، ومرثد بن أبي مرثد، ويقال: زيد بن حارثة مكان مرثد [ (2) ] ، يتعاقبون بعيرا واحدا. وحمل سعد بن عبادة على عشرين جملا، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم حين فصل [ (3) ] من بيوت السّقيا: «اللَّهمّ إنهم حفاة فاحملهم، وعراة فاكسهم، وجياع فأشبعهم، وعالة [ (4) ] فأغنهم من فضلك، فما رجع أحد منهم يريد أن يركب إلا وجد ظهرا، للرجل البعير والبعيران، واكتسى من كان عاريا، وأصابوا طعاما من أزوادهم [ (5) ] ، وأصابوا فداء الأسرى فاغتنى به كل عائل.   [ (1) ] كذا في (المغازي) ج 1 ص 24. [ (2) ] كذا في (المغازي) ج 1 ص 24. [ (3) ] فصل: رحل. [ (4) ] العالة: جمع عائل وهو الفقير. [ (5) ] الأزواد: جمع زاد وهو الطعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 تعبئة الجيش وعدّه واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المشاة وهم في السّاقة [ (1) ] قيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول، وأمره حين فصل من السقيا أن يعدّ المسلمين، فوقف لهم عند بئر أبي عنبة فعدهم ثم أخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقدّم أمامه عينين له إلى المشركين يأتيانه بخبر عدوه، وهما بسبس بن عمرو، وعدي بن أبي الزغباء- وهما من جهينة حليفان للأنصار- فانتهيا إلى ماء بدر فعلما الخبر، ورجعا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وسلك من السقيا بطن العقيق حتى نزل تحت شجرة بالبطحاء، فقام أبو بكر رضي اللَّه عنه فبنى مسجدا فصلى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأصبح يوم الاثنين ببطن ملل. وقال لسعد بن أبي وقاص، وهو بتربان: يا سعد، انظر إلى الظبي ففوّق له بسهم [ (2) ] ، وقام صلّى اللَّه عليه وسلّم فوضع ذقنه بين منكبي سعد وأذنيه، ثم قال: ارم! اللَّهمّ سدد رميته. فما أخطأ سهم سعد عن نحر الظبي، فتبسم صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخرج سعد يعدو فأخذه وبه رمق فذكاه [ (3) ] وحمله حتى نزل قريبا، فأمر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقسم بين أصحابه [ (4) ] . أفراس المسلمين ببدر وكان معهم فرسان، فرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي، وفرس للمقداد بن عمرو ابن ثعلبة البهراني، ويقال: فرس للزبير، ولم [يكن معهم] [ (5) ] إلا فرسان، ولا خلاف أن المقداد له فرس يقال له «سبحة» ، ويقال لفرس مرثد «السّيل» ولحقت قريش بالشام في عيرها [ (6) ] .   [ (1) ] الساقة: مؤخرة الجيش (المعجم الوسيط) ج 1 ص 464. [ (2) ] في (المغازي) ج 1 ص 26 «فأفوّق له بسهم» ، واستغربه محقق (ط) . [ (3) ] الذكاة: الذبح أو النحر (المعجم الوسيط) ج 1 ص 314. [ (4) ] الخبر بتمامه في (المغازي) ج 1 ص 26، 27، وقد قال محقق (ط) أنه لم يجد هذا الخبر فيما بين يديه من كتب. [ (5) ] زيادة للبيان، ونصّ الواقدي: «ولم يكن إلا فرسان» (المغازي) ج 1 ص 27. [ (6) ] قال (ابن هشام) ج 2 ص 224: «وحدثني بعض أهل العلم أنه كان مع المسلمين يوم بدر من الخيل فرس مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وكان يقال له السّيل، وفرس المقداد بن عمرو البهراني، وكان يقال له بعزجة، ويقال: سبحة، وفرس الزبير بن العوام وكان يقال له اليعسوب» ، «ومع المشركين مائة فرس» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 عير قريش وما فيها وكانت العير ألف بعير فيها أموال عظام، ولم يبق بمكة قرشي ولا قرشية له مثقال فصاعدا إلا بعثت به في العير، فيقال: إن فيها لخمسين ألف دينار، ويقال: أقل. فأدركهم رجل من جذام بالزرقاء من ناحية معان [ (1) ]- وهم منحدرون إلى مكة- فأخبرهم أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم قد كان عرض لعيرهم في بدأتهم، وأنه تركه مقيما ينتظر رجعتهم وقد حالف عليهم أهل الطريق ووادعهم. خوف أصحاب العير وإرسالهم إلى مكة يستنجدون فخرجوا خائفين الرّصد، وبعثوا ضمضم بن عمرو حين فصلوا من الشام- وكانوا قد مروا به وهو بالساحل معه بكران فاستأجروه بعشرين مثقالا- وأمره أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية أن يخبر قريشا أن محمدا قد عرض لعيرهم، وأمره أن يجدّع [ (2) ] بعيره إذا دخل مكة، ويحول رحلة [ (2) ] ، ويشق قميصه من قبله ودبره [ (2) ] ، ويصيح: الغوث الغوث، ويقال: بعثوه من تبوك. وكان في العير ثلاثون رجلا من قريش فيهم عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل فلم يرع أهل مكة إلا وضمضم يقول: يا معشر قريش، يا آل لؤيّ بن غالب، اللطيمة [ (3) ] ، قد عرض لها محمد في أصحابه، الغوث الغوث، واللَّه ما أرى أن تدركوها. وقد جدّع أذني بعيره، وشق قميصه، وحوّل رحله. تأهب قريش لنجدة العير فلم تملك قريش من أمرها شيئا حتى نفروا على الصعب والذلول، وتجهزوا في ثلاثة أيام، ويقال في يومين، وأعان قويّهم ضعيفهم. وقام سهيل بن عمرو، وزمعة بن الأسود، وطعيمة بن عدي، وحنظلة بن أبي سفيان، وعمرو بن أبي سفيان، يحضون الناس، فقال سهيل: يا آل غالب، أتاركون أنتم محمدا   [ (1) ] الزرقاء: موضع بالشام بناحية معان، ... وهي أرض شبيب التبعي الحميري، (معجم البلدان) ج 3 ص 137. [ (2) ] أي يقطع أذنيه إنذارا بالشّر، وهذا كله من عاداتهم في الإنذار بالشّر. [ (3) ] اللطيمة: عير تحمل المسك والبز وغيرهما للتجارة (المعجم الوسيط) ج 2 ص 827 وفي (البداية والنهاية) ج 3 ص 258 «اللطيمة اللطيمة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 والصباة [ (1) ] من أهل يثرب يأخذون عيراتكم وأموالكم؟ من أراد مالا فهذا مال، ومن أراد قوة فهذه قوة. فمدحه أمية بن [أبي] [ (2) ] الصلت بأبيات، ومشى نوفل ابن معاوية الديليّ إلى أهل القوة من قريش فكلمهم في بذل النفقة والحملان لمن خرج، فقال عبد اللَّه بن أبي ربيعة: هذه خمسمائة دينار فضعها حيث رأيت. وأخذ من حويطب بن عبد العزى مائتي دينار وثلاثمائة دينار قوّى بها في السلاح والظهر، وحمل طعيمة بن عدي على عشرين بعيرا وقواهم وخلفهم في أهله بمعونة، وكان لا يتخلف أحد من قريش إلا بعث مكانه بعيثا، ومشوا إلى أبي لهب فأبي أن يخرج أو يبعث أحدا، ويقال: إنه بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة- وكان له عليه دين- فقال اخرج، وديني لك، فخرج عنه [ (3) ] . [وكان الدين أربعة آلاف درهم] [ (4) ] . استقسامهم بالأزلام وكراهية الخروج إلى بدر واستقسم أميّة بن خلف وعتبة وشيبة عند هبل بالآمر والناهي من الأزلام فخرج القدح [ (5) ] الناهي عن الخروج. وأجمعوا [ (6) ] المقام حتى أزعجهم أبو جهل، واستقسم زمعة بن الأسود فخرج الناهي، وكذلك خرج لعمير بن وهب، وخرج حكيم ابن حزام وهو كاره لمسيره، وقد خرج له القدح الناهي، فلما نزلوا مرّ الظهران [ (7) ] نحر أبو جهل جزرا [ (8) ] ، فكانت جزور منها بها حياة فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه من دمها. وأخذ عدّاس [ (9) ] يخذل شيبة وعتبة ابني ربيعة   [ (1) ] جمع «صاب» غير مهموز، كقاضي وقضاة، فقد كانت قريش تسمّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصابيء، والمسلمين الصباة. [ (2) ] زيادة للبيان والتصويب. [ (3) ] (المغازي) ج 1 ص 33. [ (4) ] زيادة من تاريخ الطبري ج 2 ص 430 «بتصرف» . [ (5) ] القدح: قطعة من الخشب كانت تستعمل في الميسر، الاستقسام هو إطاعة ما يخرج في هذه القداح من أمر أو نهي. (المعجم الوسيط) ج 2 ص 717 بتصرف. [ (6) ] في (خ) «أجمعوا» وفي المغازي «فأجمعوا» ج 1 ص 33، وأجمعوا: عزموا. [ (7) ] في (خ) «من الظهران» ومرّ الظهران: موضع على مرحلة من مكة (معجم البلدان) ج 5 ص 104. [ (8) ] جزر: جمع جزور، وهي الناقة المنحورة. [ (9) ] هو غلام نصراني كان لعتبة وشيبة ابنا ربيعة. والتخذيل: تثبيط الناصر عن النّصرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 عن الخروج، والعاصي بن منبّه بن الحجاج. وأبى أمية بن خلف أن يخرج فأتاه عقبة ابن أبي معيط وأبو جهل فعنّفاه، فقال: ابتاعوا لي أفضل بعير في الوادي، فابتاعوا له جملا بثلاثمائة درهم من نعم بني قشير فغنمه المسلمون [ (1) ] . وما كان أحد منهم أكره للخروج من الحارث بن عامر. رؤيا ضمضم وعاتكة بنت عبد المطلب ورأى ضمضم بن عمرو أن وادي مكة يسيل دما من أسفله وأعلاه، ورأت عاتكة بنت عبد المطلب رؤياها التي ذكرت في ترجمتها [ (2) ] . فكره أهل الرأي المسير   [ (1) ] «فصار في سهم خبيب بن إساف» (المغازي) ج 1 ص 36. [ (2) ] هي عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم، عمّة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، كانت زوج أبي أمية بن المغيرة والد أم سلمة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورزقت منه عبد اللَّه وقريبة، وغيرهما. قال أبو عمر: اختلف في إسلامها، والأكثر يأبون ذلك، وفي ترجمة أروى: ذكرها العقيلي في الصحابة، وكذلك ذكر عاتكة. وأما ابن إسحاق فذكر أنه لم يسلم من عماته صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا صفية. وذكرها ابن فتحون في ذيل الاستيعاب، واستدل على إسلامها بشعر لها تمدح فيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتصفه بالنّبوّة. وقال الدارقطنيّ في كتاب الإخوة: لها شعر تذكر فيه تصديقها، ولا رواية لها. وقال ابن مندة- بعد ذكرها في الصحابة: روت عنها أم كلثوم بنت عقبة، ثم ساق من طريق محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن ابن عوف، عن أم كلثوم بنت عقبة، عن عاتكة بنت عبد المطلب، قصة المنام الّذي رأته في وقعة بدر. وذكر الزبير بن بكار أنها شقيقة أبي طالب وعبد اللَّه. وقال ابن سعد أسلمت عاتكة بمكة، وهاجرت إلى المدينة، وهي صاحبة الرؤيا المشهورة في قصة بدر. قال ابن إسحاق: فأخبرني من لا أتهم، عن عكرمة، عن ابن عباس، ويزيد بن رومان، عن عروة ابن الزبير، قالا: وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب، قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال، رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخي، واللَّه لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني، وتخوفت أن يدخل على قومك منه شرّ ومصيبة، فأكتم عني ما أحدّثك به، فقال لها: وما رأيت؟ قالت: رأيت راكبا أقبل على بعير له، وحتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه. فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة، صرخ بمثلها: ألا انفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث: ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها، فأقبلت تهوي، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضّت، فما بقي بيت من بيوت مكة، ولا دار إلا دخلتها منه فلقة. قال العباس: واللَّه إن هذه لرؤيا، وأنت فاكتميها، ولا تذكريها لأحد، ثم خرج العباس، فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة- وكان صديقا له- فذكرها له، واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ومشى بعضهم إلى بعض، فكان من أبطئهم عن ذلك الحارث بن عامر، وأمية ابن خلف وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وحكيم بن حزام، وأبو البختري، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه، حتى بكتهم أبو جهل بالجبن، وأعانه عقبة بن أبي معيط، والنّضر بن الحارث بن كلدة، فأجمعوا المسير. خروج قريش والمطعمون في طريقهم وخرجت قريش بالقيان والدّفاف يغنين في كل منهل وينحرون الجزر وهم تسعمائة وخمسون مقاتلا. وكان المطعمون: أبو جهل، نحر عشرا- وأمية بن خلف، نحر تسعا- وسهيل بن عمرو بن عبد شمس أخو بني عامر بن لؤيّ، نحر عشرا- وشيبة بن ربيعة، نحر عشرا- ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، نحرا عشرا- والعباس بن عبد المطلب، نحر عشرا- وأبو البختري العاص بن هشام بن الحارث ابن أسد، نحر عشرا. وذكر موسى بن عقبة أن أول من نحر لقريش أبو جهل بن هشام بمرّ الظهران، عشر جزائر- ثم نحر لهم صفوان بن أمية بعسفان تسع جزائر- ثم نحر لهم سهيل بن عمرو بقديد، عشر جزائر- ومضوا من قديد إلى مناة من البحر [ (1) ] فظلوا فيها وأقاموا يوما، فنحر لهم شيبة بن ربيعة تسع جزائر- ثم أصبحوا بالجحفة فنحر لهم عتبة بن ربيعة عشر جزائر- ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم قيس بن قيس [ (2) ] تسع جزائر- ثم نحر عباس بن عبد المطلب   [ () ] ففشا الحديث بمكة حتى تحدثت به قريش في أنديتها. شرح غريب هذا الحديث: مثل به بعيره: قام به. يا لغدر: بضم الغين والدال، جمع غدور، تحريضا لهم، أي إن تخلفتم فأنتم غدر لقومكم، وفتحت لام الاستغاثة، لأن المنادي قد وقع موقع الاسم المضمر، ولذلك بني، فلما دخلت عليه لام الاستغاثة- وهي لام الجرّ فتحت كما تفتح لام الجرّ إذا دخلت على المضمرات. أبي قبيس: اسم جبل، سمّي باسم رجل هلك فيه من جرهم، اسمه: قبيس بن شالخ. ارفضّت: تفتّتت. (الإصابة ج 8 ص 13 ترجمة رقم 11451، (الاستيعاب) ج 4 ص 11778، (ابن هشام) ج 3 ص 153- 154. [ (1) ] مناة: صخرة كانوا يعظمونها ويعبدونها. [ (2) ] أخو سليم بن قيس (ذكره ابن سعد) ج 3 ص 489. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 عشر جزائر- ثم نحر لهم الحارث بن عامر بن نوفل تسعا- ثم نحر لهم أبو البختريّ على ماء بدر عشر جزائر- ونحر مقيس السهمي على ماء بدر تسعا- ثم شغلتهم [ (1) ] الحرب فأكلوا من أزوادهم [ (2) ] . عدة أفراسهم وإبلهم وقادوا مائة فرس عليها مائة دارع سوى دروع في المشاة، وكانت إبلهم سبعمائة بعير، وهم كما ذكر اللَّه تعالى عنهم بقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [ (3) ] وأقبلوا في تجمل عظيم وحنق زائد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه لما يريدون من أخذ عيرهم، وقد أصابوا من قبل عمرو بن الحضرميّ والعير التي كانت معه. وصول عير قريش إلى بدر وأقبل أبو سفيان بالعير ومعها سبعون رجلا منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص، فكانت عيرهم ألف بعير تحمل المال، وقد خافوا خوفا شديدا حين دنوا من المدينة واستبطئوا ضمضم بن عمرو والنفير [ (4) ] ، فلما كانت الليلة التي يصبحون فيها على ماء بدر، جعلت العير تقبل بوجوهها إلى ماء بدر- وكانوا باتوا [ (5) ] من وراء بدر آخر ليلتهم وهم على أن يصبّحوا بدرا إن لم يعترض لهم- فما انقادت لهم العير حتى ضربوها بالعقل [ (6) ] ، وهي ترجع الحنين تزاور [ (7) ] إلى ماء بدر- وما   [ (1) ] في (خ) «شغلهم» . [ (2) ] ذكره ابن قتيبة في (المعارف) ص 145 «أسماء المطعمين من قريش في غزوة بدر: العباس بن عبد المطلب، وعتبة بن ربيعة، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عديّ، وأبو البختري ابن هشام، وحكيم بن حزام، والنضر بن الحارث بن كلدة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، فنزل فيهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ (من الآية 36/ الأنفال) . [ (3) ] آية 47/ الأنفال، وفي (خ) وَرِئاءَ النَّاسِ الآية. [ (4) ] النفير: القوم ينفرون للقتال. (المعجم الوسيط) ج 2 ص 940. [ (5) ] في (خ) «بتوا» . [ (6) ] في (خ) «العفل» والتصويب من (المغازي) ج 1 ص 40 والعقل: جمع عقال، وهو الرباط الّذي تربط به قوائم الدابة. [ (7) ] في (خ) «تزاودا» ولعل الصواب ما أثبتناه. وتزاور: أي تميل بأعناقها وتعدل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 بها إلى الماء حاجة، لقد شربت بالأمس- وجعل أهل العير يقولون: هذا شيء ما صنعته معنا منذ خرجنا، وغشيتهم تلك الليلة الظلمة حتى ما يبصر أحد منهم شيئا. فأصبح أبو سفيان ببدر قد تقدم العير وهو خائف من الرصد، فضرب وجه عيره فساحل بها [ (1) ] ، وترك بدرا يسارا وانطلق سريعا، وأقبلت قريش من مكة ينزلون كل منهل، يطعمون الطعام من أتاهم وينحرون الجزر. وهمّ عتبة وشيبة أن يرجعا ثم مضيا وقد عنفهما أبو جهل. رؤيا جهيم بن الصلت فلما كانوا بالجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف في منامه رجلا أقبل على فرس معه [ (2) ] بعير حتى وقف عليه فقال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وزمعة بن الأسود، وأمية بن خلف، وأبو البختري، وأبو الحكم، ونوفل بن خويلد، في رجال سماهم. وأسر سهيل بن عمرو، وفرّ الحارث بن هشام، وقائل يقول: واللَّه إني لأظنكم [ (3) ] إلى مصارعكم، ثم رآه كأنه ضرب في لبّة [ (4) ] بعيره فأرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه بعض دمه. فشاعت هذه الرؤيا في العسكر، فقال أبو جهل: هذا نبيّ آخر من بني المطلب: سيعلم غدا من المقتول، نحن أو محمدا وأصحابه. نجاة عير قريش وإصرار النفير على البقاء ببدر وأتاهم قيس بن امرئ القيس من أبي سفيان يأمرهم بالرجوع، ويخبرهم أن قد نجت عيرهم: فلا تجزروا [ (5) ] أنفسكم أهل يثرب، فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك، إنما خرجتم لتمنعوا العير وأموالكم، وقد نجاها اللَّه. فعالج قريشا فأبت الرجوع وردوا القيان من الجحفة. وقال أبو جهل: لا واللَّه لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم   [ () ] قال تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ من الآية 17/ الكهف. أي تميل. [ (1) ] أي قصد بها الساحل. [ (2) ] في (ط) «ومعه» . [ (3) ] في (خ) «لا أظنكم» . [ (4) ] اللبة من عنق البعير فوق صدره ومنها يذبح. [ (5) ] أي لا تجعلوا أنفسكم ذبائح لأهل مكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 ثلاثا، ننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونشرب الخمر، وتعزف القيان علينا، فلن تزال العرب تهابنا أبدا. وعاد قيس إلى أبي سفيان وقد بلغ الهدّة [ (1) ]- على تسعة أميال من عقبة عسفان- فأخبره بمضي قريش، فقال: وا قوماه!! هذا عمل عمرو ابن هشام [يعني أبا جهل] [ (2) ] ، كره أن يرجع لأنه ترأس على الناس فبغى، والبغي منقصة وشؤم، إن أصاب محمد النفير ذللنا. رجوع الأخنس ببني زهرة عن بدر ورجع الأخنس بن شريق [واسمه أبي بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج ابن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة] ببني زهرة من الأبواء [ (3) ]- وكانوا نحو المائة وقيل ثلاثمائة- فلم يشهد بدرا أحد من بني زهرة إلا رجلان هما عمّا مسلم ابن شهاب بن عبد اللَّه [ (4) ] وقتلا كافرين، ويقال: إن الأخنس بن شريق خلا بأبي جهل لما تراءى الجمعان فقال: أترى محمدا يكذب؟ فقال أبو جهل: كيف يكذب على اللَّه وقد كنا نسميه الأمين لأنه ما كذب قط! ولكن إذا كانت في عبد مناف السقاية والرفادة والمشورة، ثم تكون فيهم النبوة، فأي شيء بقي لنا؟ فحينئذ انخنس الأخنس ببني زهرة [ (5) ] ورجعت بنو عدي قبل ذلك من مرّ الظهران. الهاتف بمكة بنصر المسلمين وذكر قاسم بن ثابت في كتاب الدلائل أن قريشا حين توجهت إلى بدر مرّ هاتف من الجن على مكة في اليوم الّذي أوقع بهم المسلمون وهو ينشد بأنفذ صوت ولا يرى شخصه [ (6) ] :   [ (1) ] الهدّة بالتشديد: موضع بين مكة والطائف (معجم البلدان) ج 5 ص 395. [ (2) ] زيادة للإيضاح. [ (3) ] كذا في (خ) والصواب أنهم رجعوا من الجحفة. راجع (تاريخ الطبري) ج 2 ص 438 و (ابن سعد) ج 2 ص 14، ولم يذكر من الأبواء إلا (الواقدي في المغازي) ج 1 ص 45. [ (4) ] يقول ابن قتيبة في (المعارف) ص 153: «وكان قوم من زهرة» قد خرجوا، فقام «الأخنس بن شريق الثقفي» فيهم- وكان حليفا لهم- فأشار عليهم بالرجوع، فرجعوا ولم يشهد بدرا منهم أحد» . [ (5) ] في (خ) «بني زهرة» وانخنس: تأخر مستخفيا فرجع. [ (6) ] هذه الأبيات في (المغازي للواقدي) ج 1 ص 119 على هذا النحو: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 أزار الحنفيون بدرا وقيعة ... سينقض منها ركن كسرى وقيصرا أبادت رجالا من لؤيّ وأبرزت ... خرائد يضربن الترائب حسّرا فيا ويح من أمسى عدو محمد ... لقد جار عن قصد الهدى وتحيرا فقال قائلهم: من الحنفيون؟ فقال: هم محمد وأصحابه، يزعمون أنهم على دين إبراهيم الحنيف، ثم لم يلبثوا أن جاءهم الخبر اليقين. خبر الأعرابي بعرق الظّبية وأصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صبيحة أربع عشرة بعرق الظبية [ (1) ] فجاء من تهامة أعرابي فسئل عن أبي سفيان فقال: ما لي به علم، فقالوا له: تعال سلّم على رسول اللَّه، قال: وفيكم رسول اللَّه؟ قالوا: نعم، قال: فأيكم هو؟ قالوا: هذا، قال: أنت رسول اللَّه؟ قال: نعم، قال: فما في بطن ناقتي هذه إن كنت صادقا؟ فقال سلمة بن سلامة بن وقش: نكحتها فهي حبلى منك، فكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقالته وأعرض عنه. ثم سار صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أتى الروحاء ليلة الأربعاء للنصف من رمضان، فصلى عند بئر الروحاء، ولما رفع رأسه من الركعة الأخيرة من وتره لعن الكفرة. دعاؤه على أبي جهل وزمعة وقال: اللَّهمّ لا تفلتن أبا جهل فرعون هذه الأمة، اللَّهمّ لا تفلتن زمعة بن الأسود، اللَّهمّ وأسخن عين أبي زمعة بزمعة، اللَّهمّ وأعم بصر أبي زمعة، اللَّهمّ لا تفلتن سهيلا، اللَّهمّ أنج سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين.   [ () ] أزار الحنفيون بدرا مصيبة ... سينقض منها ركن كسرا وقيصرا أرنت له صمّ الجبال وأفزعت ... قبائل ما بين الوتير وخيبرا أجازت جبال الأخشبين وجرّدت ... حرائر يضربن الترائب حسّرا الوتير: موضع في ديار خزاعة (معجم ما استعجم) ص 836. [ (1) ] عرق الظّبية: بين مكة والمدينة (معجم البلدان) ج 4 ص 108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 خروجه وأمره بالإفطار من الصوم واستعمل صلّى اللَّه عليه وسلّم على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر ورده من الروحاء، وقدم خبيب بن يساف [ (1) ] بالروحاء مسلما. وخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم فصام يوما أو يومين ثم نادى مناديه: يا معشر العصاة إني مفطر فأفطروا، وذلك أنه قد قال لهم قبل ذلك: أفطروا فلم يفعلوا. خبر العير الّذي برك وكان رفاعة وخلّاد ابنا رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الأنصاريان، وعبيد بن زيد بن عامر بن العجلان بن عمرو يتعاقبون بعيرا، حتى إذا كانوا بالروحاء برك بعيرهم وأعيا، فمر بهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه برك علينا بكرنا، فدعا بماء فتمضمض وتوضأ في إناء ثم قال: افتحا فاه، ففعلا، ثم صبه في فيه [ (2) ] ، ثم على رأسه وعنقه، ثم على حاركه وسنامه، ثم على عجزه، ثم على ذنبه، ثم قال: اركبا، ومضى، فلحقاه وإن بكرهم لينفر [ (3) ] بهم، حتى إذا كانوا بالمصلى راجعين من بدر برك عليهم فنحره خلاد، فقسم لحمه وتصدق به. المشورة قبل بدر ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان دوين بدر أتاه الخبر بمسير قريش، فاستشار الناس، فقام أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن، ثم قال: يا رسول اللَّه، إنها واللَّه قريش وعزها، واللَّه ما ذلت منذ عزت، واللَّه ما آمنت منذ كفرت، واللَّه لا تسلم عزها أبدا ولتقاتلنك، فاتهب [ (4) ] لذلك أهبته، وأعدّ لذلك عدته، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول اللَّه، امض لأمر اللَّه فنحن معك، واللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها:   [ (1) ] «يساف» و «إساف» . [ (2) ] في فيه: في فمه. [ (3) ] في (خ) «ليغفر بهم» . [ (4) ] كذا في (المغازي) ج 1 ص 48 وفي (ط) «فأتهب» . وقد أغفلت غالبية كتب السيرة مقالة عمر هذه ولم يزيدوا على قوله: «ثم قام عمر فقال فأحسن» إلا الواقدي في (المغازي) كما أثبتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [ (1) ] ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما [ (2) ] مقاتلون، والّذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد [ (3) ] لسرنا، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيرا، ودعا له بخير. مشورة الأنصار ثم قال أشيروا عليّ أيها الناس، وإنما يريد الأنصار، وكان يظنهم لا ينصرونه إلا في الدار، لأنهم شرطوا له أن يمنعوه [ (4) ] مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم، فقام [ (5) ] سعد بن معاذ رضي اللَّه عنه فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول اللَّه تريدنا! قال: أجل، قال: إنك عسى أن تكون قد خرجت عن أمر قد أوحي إليك [في غيره] [ (6) ] فإنا قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق فأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامض يا نبي اللَّه لما أردت، فو الّذي بعثك بالحق لو استعرضت (بنا) [ (7) ] هذا البحر (فخضته) [ (7) ] لخضناه معك ما بقي منا رجل، وصل من شئت واقطع من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت، والّذي نفسي بيده ما سلكت هذا الطريق قط وما لي بها من علم، وما نكره أن نلقى عدونا، إنا لصبر عند الحرب، صدق [ (8) ] عند اللقاء، لعل اللَّه يريك منا بعض ما تقر به عيناك. وفي رواية [ (9) ] أن سعد بن معاذ قال: إنا قد خلفنا من قومنا قوما ما نحن بأشد حبا لك منهم، ولا أطوع لك منهم، لهم رغبة في الجهاد ونية، ولو ظنوا يا رسول اللَّه أنك ملاق عدوا ما تخلفوا، ولكن إنما ظنوا أنها العير، نبني لك عريشا فتكون فيه ونعد عندك [ (10) ] رواحلك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا اللَّه وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن تكن الأخرى جلست على رواحلك فلحقت من وراءنا. فقال له   [ (1) ] اقتباس من الآية 24/ المائدة. [ (2) ] في (خ) «معكم» . [ (3) ] برك الغماد: موضع وراء مكة بخمس ليال، وقيل: بلد باليمن (معجم البلدان) ج 1 ص 399 وفي (الروض الأنف) ج 3 ص 45 «أنها مدينة بالحبشة» . [ (4) ] في (خ) «يمنعوها» . [ (5) ] في (خ) «فقال» . [ (6) ] كذا في (خ) وفي (المغازي) ج 1 ص 48 وقال محقق (ط) إنه لم يعرف صوابه!!. [ (7) ] زيادة من (ابن هشام) و (الواقدي) . [ (8) ] جمع صدق: وهو الثابت عند اللقاء. [ (9) ] هي رواية الواقدي، قال: «فحدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد» . [ (10) ] كذا في (خ) و (ط) و (ابن هشام) ، وفي (المغازي) : «ونعدّ لك رواحلك» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خيرا، وقال: أو يقضي اللَّه خيرا من ذلك يا سعد!. دلالته على مصارع المشركين يوم بدر فلما فرغ سعد من المشورة قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سيروا على بركة اللَّه، فإن اللَّه قد وعدني إحدى الطائفتين، واللَّه لكأنّي انظر إلى مصارع القوم، ثم أراهم مصارعهم يومئذ: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، فما عدا كل رجل مصرعه، فعلم القوم أنهم يلاقون القتال وأن العير تفلت، ورجوا النصر لقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. عقد الألوية ومن يومئذ عقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الألوية وهي ثلاثة: لواء يحمله مصعب بن عمير، ورايتان سوداوان [ (1) ] : إحداهما مع عليّ، والأخرى مع رجل من الأنصار، وأظهر السلاح، وكان خرج من المدينة على غير لواء معقود، وسار من الروحاء. وتعجل ومعه قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر [ (2) ] بن الخزرج ابن عمرو بن مالك بن الأوس الظفري، ويقال: بل كان معه معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أديّ بن سعد بن على ابن أسد بن ساردة بن يزيد [ (3) ] بن جشم بن الخزرج الأنصاري، وقيل: بل كان معه عبد اللَّه بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن   [ (1) ] في (خ) «سوداوتان» ، وأمر الأولوية هنا على خلاف ما في كتب السيرة، ففي (المغازي) ج 1 ص 58: «كان لواء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ الأعظم- لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير، ولواء الخزرج من الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ» ، ونحوه في (تلقيح فهوم أهل الأثر) ص 51 وفي (ابن هشام) ج 2 ص 186 «قال ابن إسحاق: ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. قال ابن هشام: وكان أبيض. قال ابن إسحاق: وكان أمام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رايتان سوداوان، إحداهما مع علي بن أبي طالب، يقال لها: العقاب، والأخرى مع بعض الأنصار» . وفي (تلقيح الفهوم) ص 51: «وعقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ الألوية، وكان لواء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أعظم، ولواء المهاجرين مع مصعب بن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ» . [ (2) ] في (خ) «كعب» وهو خطأ والتصويب من (الإصابة) ج 8 ص 138 ترجمة قتادة بن النعمان برقم 707. [ (3) ] في (خ) «زيد» وما أثبتناه من (الاستيعاب) ج 10 ص 104 ترجمة رقم 2416. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ابن النجار المازني. خبر سفيان الضمري ّ فلقي سفيان الضمريّ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من الرجل؟ فقال: بل من أنتم؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأخبرنا ونخبرك، قال: وذاك بذاك؟ قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم. قال: فسلوا عما شئتم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أخبرنا عن قريش، فقال: بلغني أنهم خرجوا يوم كذا وكذا من مكة، فإن كان الّذي أخبرني صادقا فإنّهم بجنب هذا الوادي. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأخبرنا عن محمد وأصحابه، قال: خبرت أنهم خرجوا من يثرب يوم كذا وكذا، فإن كان الّذي أخبرني صادقا فإنّهم بجانب هذا الوادي، قال الضمريّ: فمن أنتم؟ قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: نحن من ماء، وأشار بيده نحو العراق، فقال (الضمريّ) [ (1) ] من ماء العراق؟ ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أصحابه، ولا يعلم واحد من الفريقين بمنزل صاحبه، بينهم قوز [ (2) ] من رمل، ومضى فلقيه بسبس وعدي بن أبي الزغباء فأخبراه خبر العير. خبر العيون وسقاء قريش ونزل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أدنى بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان، فبعث عليا والزبير وسعد بن أبي وقاص وبسبس بن عمرو رضي اللَّه عنهم يتحسسون [ (3) ] على الماء، وأشار لهم إلى ظريب [ (4) ] وقال أرجو أن تجدوا الخبر عند هذا القليب الّذي يلي الظرب [ (4) ] فوجدوا على تلك القليب [ (5) ] روايا [ (6) ] قريش فيها سقاؤهم، فأفلت عامتهم وفيهم عجير، فجاء قريشا فقال: يا آل غالب، هذا ابن أبي كبشة وأصحابه قد أخذوا سقّاءكم، فماء العسكر وكرهوا ذلك، والسماء تمطر   [ (1) ] زيادة للإيضاح وهذه الرواية مطابقة لرواية الواقدي في (المغازي) ج 1 ص 50 خلاف ما أثبته محقق (ط) . [ (2) ] القوز: الكثيب العالي من الرمل (المعجم الوسيط) ج 2 ص 766. [ (3) ] في (خ) «يتجسسون» بالجيم. [ (4) ] ظريب: تصغير ظرب: ككتف، ما نتأ من الحجارة وحدّ طرفه، أو الجبل المنبسط أو الصغير (ترتيب القاموس) ج 3 ص 120. [ (5) ] القليب: البئر القديمة لا يعلم حافر لها. [ (6) ] الروايا من الإبل: حوامل الماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 عليهم، وأخذ تلك الليلة [أبو] [ (1) ] يسار غلام عبيدة بن سعيد بن العاص، وأسلم غلام منبه بن الحجاج، وأبو رافع غلام أمية بن خلف، فأتى بهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يصلي فقالوا: (نحن) [ (2) ] سقّاء قريش بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهم فضربوهم، فقالوا: نحن لأبي سفيان، ونحن في العير، فأمسكوا عنهم. فسلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إن صدقوكم ضربتموهم، وإن كذبوكم تركتموهم، ثم أقبل عليهم يسألهم، فأخبره أن قريشا خلف هذا الكثيب. عدة المشركين يوم بدر وأنهم ينحرون يوما عشرا ويوما تسعا، واعلموه بمن خرج من مكة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: القوم بين الألف والتسعمائة، وقال: هذه مكة قد ألقت [إليكم] [ (3) ] أفلاذ كبدها. المشورة في منزل الحرب واستشار أصحابه في المنزل، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن (حرام بن) [ (4) ] كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري: انطلق بنا إلى أدنى ماء (إلى) [ (5) ] القوم فإنّي عالم بها وبقلبها [ (6) ] ، بها قليب قد عرفت عذوبة مائه، وماء كثير لا ينزح [ (7) ] ، ثم نبني عليها حوضا ونقذف فيه الآنية فنشرب ونقاتل ونغوّر [ (8) ] ما سواها من القلب. فقال: يا حباب، أشرت بالرأي، ونهض بمن معه فنزل على القليب ببدر، وبات تلك الليلة يصلي إلى جذم [ (9) ] شجرة هناك- وكانت ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان- وفعل ما أشار به الحباب.   [ (1) ] زيادة من (ابن هشام) ج 2 ص 189. [ (2) ] زيادة للإيضاح. [ (3) ] زيادة لا بد منها. [ (4) ] زيادة من نسبه. [ (5) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 15. [ (6) ] القلب: جمع قليب. [ (7) ] لا ينزح: لا ينفذ وفي (ابن سعد) «قد عرفت عذوبة مائه لا ينزح» ج 2 ص 15 وما أثبتناه من (خ) و (ط) وهي رواية الواقدي في (المغازي) ج 1 ص 53. [ (8) ] نغوّر: نفسد، في (ابن سعد) ج 2 ص 15 «نعوّر» ، وفي (المغازي) ج 1 ص 53 «نغوّر» ، وفي (ط) «نعوّر» . [ (9) ] جذم الشجرة: ما يبقى من جذعها بعد أن يقطع أعلاه. إمتاع الأسماع ج 1- م 4 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 المطر يوم بدر وبعث اللَّه السماء، فأصاب المسلمين ما لبّد الأرض ولم يمنع من السير، وأصاب قريشا من ذلك ما لم يقدروا أن يرتحلوا منه، وإنما بينهم قوز من رمل [ (1) ] ، وكان مجيء المطر نعمة وقوة للمؤمنين، وبلاء ونقمة على المشركين. النّعاس الّذي أصاب المسلمين وأصاب المسلمين تلك الليلة نعاس ألقي عليهم فناموا حتى إن أحدهم [تكون] [ (2) ] ذقنه بين ثدييه وما يشعر حتى يقع على جنبه، واحتلم رفاعة بن رافع ابن مالك حتى اغتسل آخر الليل. وبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم عمار بن ياسر وعبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنهما فأطافا بالقوم، ثم رجعا فأخبراه أن القوم مذعورين، وأن السماء تسحّ عليهم [ (3) ] . بناء عريش رسول اللَّه وبني لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- لما نزل القليب- عريش من جريد. وقام سعد ابن معاذ على بابه متوشح السيف. ومشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على موضع الوقعة، وعرض على أصحابه مصارع رءوس الكفر من قريش مصرعا مصرعا، يقول: هذا مصرع فلان، و [هذا] [ (4) ] مصرع فلان، فما عدا واحد منهم مضجعه الّذي حدّ له الرسول. وعدّل صلّى اللَّه عليه وسلّم الصفوف، ورجع إلى العريش فدخل صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر رضي اللَّه عنه، وأصبح ببدر يوم الجمعة السابع عشر، وقيل: الثامن عشر من رمضان قبل أن تنزل قريش، فطلعت قريش وهو يصفهم، وقد أترعوا حوضا. ودفع رايته إلى مصعب بن عمير فتقدم حيث أمره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يضعها، ووقف صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر إلى الصفوف فاستقبل المغرب وجعل الشمس خلفه، وأقبل المشركون فاستقبلوا الشمس، فنزل صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعدوة [ (5) ] الشامية، ونزلوا بالعدوة اليمانية. فجاء   [ (1) ] القوز: الكثيب العالي من الرمل (المعجم الوسيط) ج 2 ص 766. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] السّحّ: الصّب والسيلان من فوق (ترتيب القاموس) ج 2 ص 527. [ (4) ] زيادة للسياق. [ (5) ] العدوة: شاطئ الوادي وجانبه الصلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 رجل فقال: يا رسول اللَّه إني أرى أن تعلو الوادي، فإنّي أرى ريحا قد هاجت من أعلى الوادي، وإني أراها بعثت بنصرك. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد صففت صفوفي ووضعت رايتي، فلا أغير ذلك. ثم دعا ربه تعالى فنزل عليه: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (1) ] يعني بعضهم على إثر بعض. خبر سواد بن غزية ولما عدل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصفوف تقدم سواد بن غزية أمام الصف، فدفع النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في بطنه فقال: استو يا سواد، فقال: أوجعتني والّذي بعثك بالحق أقدني [ (2) ] ، فكشف صلّى اللَّه عليه وسلّم عن بطنه وقال: استقد، فاعتنقه وقبّله. فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: حضر من أمر اللَّه ما قد ترى، وخشيت القتل، فأردت أن أكون آخر عهدي [ (3) ] بك [أن يمس جلدي جلدك] [ (4) ] وأن أعتنقك، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يسوّى الصفوف وكأنما يقوم بها القداح [ (5) ] . الريح التي بعثت والملائكة وجاءت ريح شديدة، ثم هبت ريح أشد منها، ثم هبت ريح ثالثة أشد منهما: فكانت الأولى جبريل عليه السلام في ألف مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، والثانية ميكائيل عليه السلام في ألف عن ميمنته، والثالثة إسرافيل في ألف عن ميسرته. ويقال: جاء جبريل في ألف من الملائكة في صور الرجال، وكان في خمسمائة من الملائكة في الميمنة، وميكائيل في خمسمائة من الميسرة، ووراءهم مدد من الملائكة لم يقاتلوا، وهم الآلاف المذكورون في سورة آل عمران [ (6) ] ، وكان إسرافيل وسط الصف لا يقاتل كما يقاتل غيره من الملائكة. وكان الرجل يرى الملك على صورة رجل يعرفه،   [ (1) ] الآية 9/ الأنفال. [ (2) ] أقدني: أعطني القود، وهو القصاص. [ (3) ] في (خ) «عهد» وما أثبتناه من (المغازي) ج 3 ص 271. [ (4) ] في (تاريخ الطبري) ج 2 ص 447 «فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك» ونحوه في (البداية والنهاية) ج 3 ص 271. [ (5) ] القداح: جمع قدح. [ (6) ] الآيات من 123 إلى 127 آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وهو يثبته ويقول له: ما هم بشيء، فكر عليهم [ (1) ] ، وهذا معنى قوله تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ [ (2) ] ، وفي مثل هذا قال حسان رضي اللَّه عنه: ميكال معك وجبرئيل كلاهما ... مدد لنصرك من عزيز قادر [ (3) ] ألوية بدر ويقال كان على الميمنة أبو بكر رضي اللَّه عنه، والثابت أنه لم يكن على الميمنة والميسرة أحد، وكان لواء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأعظم- لواء المهاجرين- مع مصعب ابن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ. ومع قريش ثلاثة ألوية: لواء مع أبي عزيز (بن عمير) [ (4) ] ، ولواء مع النضر بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبي طلحة. خطبته يوم بدر وخطب صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإنّي أحثكم على ما حثكم اللَّه عليه، وأنهاكم عما نهاكم عنه، فإن اللَّه عظيم شأنه، يأمر بالحق ويحب الصدق، ويعطي على الخير أهله، على منازلهم عنده، به يذكرون وبه يتفاضلون، وإنكم قد أصبحتم بمنزل الحق لا يقبل اللَّه فيه من أحد إلا ما ابتغي به وجهه، وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرج اللَّه به الهمّ، وينجي به من الغمّ، وتدركون النجاة في الآخرة، فيكم نبي اللَّه يحذركم ويأمركم، فاستحيوا اليوم أن يطلع اللَّه عز وجل على شيء من أمركم يمقتكم عليه، فإن اللَّه يقول: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [ (5) ] . انظروا الّذي أمركم به من كتابه، وأراكم من آياته، وأعزكم [به] [ (6) ] بعد ذلة، فاستمسكوا به يرض به ربكم عنكم، وابلوا   [ (1) ] الكرّ: الإقدام على العدوّ. [ (2) ] في (خ) إلى قوله تعالى: الرُّعْبَ والآية 12/ الأنفال. [ (3) ] في (خ) جبريل، ولم يرد ذكر هذا البيت في الأشعار التي قيلت في غزوة بدر ولا في كتب السيرة ولا في ديوان حسان بن ثابت ولا في كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة عند ترجمته لحسان بن ثابت. [ (4) ] زيادة للإيضاح. [ (5) ] من الآية 10/ غافر. [ (6) ] زيادة للإيضاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ربكم في هذه المواطن أمرا تستوجبوا وعدكم به من رحمته ومغفرته، فإن وعده حق وقوله صدق وعقابه شديد. وإنما أنا وأنتم باللَّه الحي القيوم، إليه ألجأنا ظهورنا، وبه اعتصمنا، وعليه توكلنا، وإليه المصير، يغفر اللَّه لي وللمسلمين. دعاؤه على قريش ولما رأى صلّى اللَّه عليه وسلّم قريشا تصوب من الوادي- وكان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرس له يتبعه ابنه، فاستجال بفرسه يريد أن يتبوأ للقوم منزلا- قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إنك أنزلت عليّ الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين، وأنت لا تخلف الميعاد، اللَّهمّ هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك [ (1) ] وتكذب رسولك، اللَّهمّ فنصرك الّذي وعدتني، اللَّهمّ أحنهم الغداة [ (2) ] . بعثة عمر إلى قريش يعرض عليهم الرجوع ولما نزل القوم بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إليهم يقول: ارجعوا، فإنه إن يلي هذا الأمر مني غيركم، أحب إلي من أن تلوه مني، [وأن] [ (3) ] أليه من غيركم أحب [إليّ] من [أن] [ (3) ] أليه منكم، فقال حكيم بن حزام: قد عرض نصفا فاقبلوه، واللَّه لا تنصرون عليه بعد ما عرض من النصف [ (4) ] ، فقال أبو جهل: واللَّه لا نرجع بعد أن أمكننا اللَّه منهم، [ولا نطلب أثرا بعد عين، ولا يعترض لعيرنا بعد هذا أبدا] [ (5) ] . النفر الذين شربوا من الحوض وأقبل نفر من قريش حتى وردوا الحوض- منهم حكيم بن حزام- فأراد المسلمون طردهم فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوهم، فوردوا الماء فشربوا، فما شرب منهم أحد إلا قتل، إلا ما كان من حكيم بن حزام نجا [ (6) ] .   [ (1) ] حاده: خالفه وعصاه ونازعه. [ (2) ] أحنهم: من أحانه اللَّه: أهلكه. [ (3) ] زيادات يقتضيها السياق. [ (4) ] النّصف: الإنصاف وإعطاء الحق. [ (5) ] زيادة من (المغازي) ج 1 ص 61. [ (6) ] في (تاريخ الطبري) ج 2 ص 441 «نجا على فرس يقال له الوجيه، وأسلم بعد ذلك فحسن إسلامه، فكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والّذي نجاني يوم بدر» وفي (ابن هشام) ج 2 ص 93: «لا والّذي نجاني من يوم بدر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 بعثة عمير بن وهب لحرز المسلمين وما قاله لقريش وبعثت قريش عمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حذافة بن الجمحيّ ليحرز [ (1) ] المسلمين، فلما لم ير لهم مددا ولا كمينا، رجع فقال: القوم ثلاثمائة إن زادوا [زادوا] [ (2) ] قليلا، معهم سبعون بعيرا وفرسان، ثم قال: يا معشر قريش! البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليست لهم منعة ولا ملجأ [ (3) ] إلا سيوفهم، ألا ترون خرسا لا يتكلمون، يتلمظون تلمظ [ (4) ] الأفاعي، واللَّه ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل منكم رجلا، فإذا أصابوا منكم مثل عددهم فما خير في العيش بعد ذلك فروا رأيكم. فبعثوا أبا سلمة الجشمي، فأطاف على المسلمين بفرسه، ثم رجع فقال: واللَّه ما رأيت جلدا ولا عدادا ولا حلقة ولا كراعا، ولكني رأيت قوما لا يريدون أن يؤوبوا إلى أهليهم، قوما مستميتين ليست لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، زرق [ (5) ] العيون كأنها [ (6) ] الحصى تحت الحجف [ (7) ] ، فروا رأيكم. حكيم بن حزام يؤامر قريشا على الرجوع فمشى حكيم بن حزام في الناس ليرجعوا فوافقه عتبة بن ربيعة، وأبي أبو جهل وهبّ [ (8) ] إلى عامر الحضرميّ أخي المقتول بنخلة، وحثه على أخذه بأثر أخيه، فقام ثم حثا على استه التراب بعد ما اكتشف وصرخ: وا عمراه! فأفسد على الناس الرأي الّذي رآه عتبة ودعاهم إليه. بدء القتال يوم بدر وأول من قتل ثم حرّش بين الناس، وحمل فناوش المسلمين وشبت الحرب. فخرج إليه مهجع   [ (1) ] في (خ) «ليجوز» ، ويحرز: بقدر العدد بالتخمين. [ (2) ] زيادة من (ط) ورواية (الواقدي) بغير هذه الزيادة. [ (3) ] في (خ) مطموسة، وما أثبتناه من (ابن سعد) ج 2 ص 16 (والمغازي) ج 1 ص 63. [ (4) ] التلمظ: تحريك اللسان في الفم بعد الأكل والتمطق بالشفتين. [ (5) ] في (خ) «زرق زرق» تكرار من الناسخ. [ (6) ] في (خ) «كأنهم» . [ (7) ] الحجف: جمع حجفة، وهي جلود يطارق بعضها ببعض حتى تغلظ فتكون درقة كالدرع. [ (8) ] في (خ) «ووهب» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 مولى عمر [بن الخطاب] [ (1) ] فقتله عامر، فكان مهجع أول من استشهد يوم بدر، وكان أول قتيل قتل من الأنصار حارثة بن سراقة قتله حبّان بن العرقة، ويقال: عمير بن الحمام قتله خالد بن الأعلم العقيلي. مناشدة رسول اللَّه ربه وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في العريش وأصحابه على صفوفهم، فاضطجع فغشيه نوم غلبه- وكان قد قال: لا تقاتلوا حتى أوذنكم، وإن كثبوكم [ (2) ] فارموهم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم - فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه قد دنا القوم، وقد نالوا منا، فاستيقظ صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو رافع يديه يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول: اللَّهمّ إن تظهر على هذه العصابة يظهر الشرك ولا يقم لك دين، وأبو بكر يقول: واللَّه لينصرنك اللَّه وليبيضن وجهك. وقال عبد اللَّه بن رواحة: يا رسول اللَّه، إني أشير عليك- ورسول اللَّه أعظم وأعلم باللَّه من أن يشار عليه- إن اللَّه أجلّ وأعظم من أن ينشد وعده. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا ابن رواحة، ألا أنشد اللَّه وعده، إن اللَّه لا يخلف الميعاد. ولم يذكر ابن إسحاق ولا الواقدي أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاتل، وخرّج الفريابي، نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما كان يوم بدر وحضر الناس، أمّنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما كان منا أحد أقرب إلى المشركين منه، وكان أشد الناس بأسا [ (3) ] . الأسود بن عبد الأسد: مقتله عند الحوض فلما تزاحف الناس قال الأسود بن عبد الأسد [ (4) ] المخزومي- حين دنا من الحوض-: أعاهد اللَّه لأشربن من حوضهم أو لأهدمنّه، أو لأموتنّ دونه، فشدّ حتى دنا منه، فاستقبله حمزة بن عبد المطلب فضربه فأطنّ [ (5) ] قدمه، فزحف الأسود حتى وقع في الحوض فهدمه برجله الصحيحة وشرب منه، وحمزة يتبعه   [ (1) ] زيادة للإيضاح. [ (2) ] كثب وأكثب: إذا دنا من القوم وقاربهم. [ (3) ] (مسند أحمد) ج 1 ص 126. [ (4) ] في (خ) «الأسدي» . [ (5) ] أي ضربه ضربة سريعة بالسيف قطعت رجله، ويسمع للضربة طنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فضربه في الحوض فقتله، فدنا بعضهم من بعض وخرج عتبة، وشيبة والوليد، ودعوا إلى المبارزة. المبارزة وخروج الأنصار وكراهية رسول اللَّه ذلك ودعوته للمهاجرين فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار فتيان وهم: معاذ ومعوّذ وعوف بنو عفراء، ويقال ثالثهم عبد اللَّه بن رواحة [ (1) ] فاستحيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكره أن يكون أول قتال- لقي فيه المسلمون المشركين- في الأنصار، وأحب أن تكون الشوكة [ (2) ] ببني عمه وقومه، فأمرهم فرجعوا إلى مصافهم، وقال لهم خيرا. ثم نادى منادي المشركين: يا محمد، أخرج لنا [ (3) ] الأكفاء من قومنا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا بني هاشم، قوموا فقاتلوا بحقكم الّذي بعث به نبيكم، إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور اللَّه. فقام علي، وحمزة، وعبيدة بن الحارث بن المطلب، فمشوا إليهم [ (4) ] . وكان علي رضي اللَّه عنه معلما بصوفة بيضاء، فقال عتبة لابنه: قم يا وليد، فقام فقتله علي، ثم قام عتبة فقتله حمزة، ثم قام شيبة فقام إليه عبيدة فضربه شيبة فقطع ساقه، فكرّ حمزة وعلي فقتلا شيبة واحتملا عبيدة إلى الصف [ (5) ] فنزلت فيهما [ (6) ] هذه الآية: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُ   [ (1) ] وهي رواية (الواقدي) ج 1 ص 68 إلا أنه استدرك ذلك بقوله: «والثبت عندنا أنهم بنو عفراء» . وفي (تاريخ الطبري) ج 2 ص 445 أن ثالثهم ابن رواحة. [ (2) ] في (المغازي) ج 1 ص 68 «لبني» . [ (3) ] في (خ) ، (المغازي) «لنا» وفي (ط) «إلينا» . [ (4) ] في (ابن سعد) «فمشوا إليه» ج 2 ص 17 وفي (المغازي) «فمشوا إليهم» ج 1 ص 58. [ (5) ] «فلما أتوا به النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ألست شهيدا يا رسول اللَّه؟ قال: بلى، قال: لو رآني أبو طالب لعلم إننا أحق منه بقوله: ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل» (الكامل لابن الأثير) ج 1 ص 125. وفي (المغازي) ج 1 ص 70: «كذبتم وبيت اللَّه نخلي محمدا ... ولما نطاعن دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل وفي (ابن هشام) «كذبتم وبيت اللَّه نبزي محمدا» أي لا يبزي والمعنى لا يقهر. [ (6) ] في (المغازي) ج 1 ص 70 «ونزلت هذه الآية» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ [ (1) ] . استفتاح أبي جهل واستفتح أبو جهل يومئذ فقال: اللَّهمّ أقطعنا للرحم، وأتانا بما لا يعلم، فأحنه الغداة. فأنزل اللَّه تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [ (2) ] . وقال يومئذ: ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سنّي لمثل هذا ولدتني أمي [ (3) ] إبليس يذمر المشركين ثم نكوصه على عقبيه وتصور إبليس في صورة سراقة (بن مالك) [ (4) ] ، بن جعشم (المدلجي) [ (4) ] يذمر المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم من الناس، فلما أبصر عدوّ اللَّه الملائكة نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون [ (5) ] فتشبث به الحارث بن هشام وهو يرى أنه سراقة، فضرب في صدر الحارث، فسقط، وانطلق إبليس لا يرى حتى وقع في البحر، [ورفع يديه وقال: يا رب، موعدك الّذي وعدتني] [ (6) ] .   [ (1) ] الآية 19/ الحج وفي (خ) إلى قوله تعالى فِي رَبِّهِمْ. [ (2) ] الآية 19/ الأنفال وفي (خ) إلى قوله تعالى: [ «الفتح» ، «الآية» ] . [ (3) ] في (البداية والنهاية) ج 3 ص 283 «ما تنقم الحرب الشموس مني» . وفي (ابن هشام) ج 2 ص 200 «ما تنقم الحرب العوان مني» . والحرب العوان جمع عون: الحرب الشديدة التي قوتل فيها مرة بعد أخرى، والبازل من الإبل الّذي خرج سنه فهو في ذلك يصل لذروة مرحلة الشباب. [ (4) ] زيادة من نسبه. [ (5) ] وذلك معنى الآية 48/ الأنفال، وهي قوله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ .... [ (6) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 شعار المسلمين في القتال وإعلامهم وأقبل أبو جهل يحض المشركين على القتال بكلام كثير [ (1) ] وجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم شعار المهاجرين «يا بني عبد الرحمن» وشعار الخزرج «يا بني عبد اللَّه» والأوس «يا بني عبيد اللَّه» . ويقال: كان شعار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يا منصور أمت» [ (2) ] وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن الملائكة قد سوّمت فسوّموا [ (3) ] ، فأعلموا بالصوف في مغافرهم وقلانسهم، وكان أربعة يعلمون في الزحوف [ (4) ] ، فكان حمزة معلما بريشة نعامة، وعلي معلما بريشة نعامة «وعليّ معلما بصوفة بيضاء، والزبير معلما بعصابة صفراء- وكان يحدّث أن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بلق عليها عمائم صفر- وكان أبو دجانة معلما بعصابة حمراء. خبر قتال الملائكة يوم بدر وقال سهيل بن عمرو: ولقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض معلمين، يقتلون ويأسرون، وقال أبو أسيد الساعدي [بعد أن ذهب بصره] [ (5) ] ، لو كنت معكم الآن ببدر [ومعي بصري] [ (5) ] لأريتكم الشّعب الّذي خرجت منه الملائكة. وكان [ (6) ] ابن عباس يحدّث عن رجل من بني غفار حدثه، قال: أقبلت أنا وابن عم لي يوم بدر حتى أصعدنا في [ (7) ] جبل ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة [ (8) ] ، فننتهب مع من ينتهب، فبينا نحن في الجبل إذ رأيت سحابة دنت منا «فسمعت فيها حمحمة الخيل وقعقعة الحديد، وسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم. فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات، وأما   [ (1) ] من هذا الكلام الكثير: «لا يغرنكم خذلان سراقة بن جعشم إياكم فإنما كان على ميعاد من محمد وأصحابه، سيعلم إذا رجعنا إلى مديد ما نصنع بقومه» من (المغازي) ج 1 ص 71. [ (2) ] في (ابن هشام) ج 2 ص 201 «أحد أحد» . [ (3) ] أي اتخذوا سيما وهي العلامة، قال تعالى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ من الآية 29/ الفتح. [ (4) ] في (خ) «الرجوف» . والزحوف: جمع زحف وهو لقاء العدو، والقلانس: جمع قلنسوة، وهي مما يلبس في الرأس. [ (5) ] زيادات للإيضاح. [ (6) ] في (خ) «فكان» . وما أثبتناه من (ط) و (ابن هشام) . [ (7) ] الخبر في (المغازي) ج 1 ص 76. [ (8) ] الدّبرة: الهزيمة. وفي (المغازي) ج 1 ص 76 «الدائرة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 أنا فكدت أهلك، فتماسكت واتبعت البصر حيث تذهب السحابة، فجاءت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، ثم رجعت وليس فيها شيء مما كنت أسمع. وقال أبو رهم الغفاريّ عن ابن عم له: بينا أنا وابن عم لي على ماء بدر- فلما رأينا قلة من مع محمد وكثرة قريش- قلنا: إذا التقت الفئتان عمدنا إلى معسكر محمد وأصحابه، فانطلقنا نحو المجنّبة اليسرى من أصحابه ونحن نقول: هؤلاء ربع قريش. فبينما نحن نمشي في الميسرة إذ جاءت سحابة فغشيتنا، فرفعنا أبصارنا إليها، فسمعنا أصوات الرجال والسلاح، وسمعنا رجلا يقول لفرسه: أقدم حيزوم، وسمعناهم يقولون: رويدا تتامّ أخراكم. فنزلوا على ميمنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم جاءت أخرى مثل [ذلك] [ (1) ] فكانت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنظرنا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه فإذا هم الضّعف على قريش فمات ابن عمي، وأما أنا فتماسكت وأخبرت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وحسن إسلامه. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما رئي الشيطان يوما [هو] [ (2) ] فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة- وما ذلك إلا لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز اللَّه عن الذنوب العظام- إلا ما رئي يوم بدر، وقيل: ما رأى يوم بدر، قال: أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة. وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: هذا جبريل يسوق الريح كأنه دحية الكلبي، إني نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدّبور. وقال عبد الرحمن بن عوف: رأيت يوم بدر رجلين، عن يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدهما، وعن يساره أحدهما، يقاتلان أشد القتال، ثم يليهما ثالث من خلفه، ثم ربعهما رابع أمامه. وعن صهيب: ما أدري كم يد مقطوعة أو ضربة جائفة [ (3) ] لم يدم كلمهما [ (4) ]- يوم بدر- قد رأيتها. وعن أبي بردة بن نيار قال: جئت يوم بدر بثلاثة رءوس فوضعتهم بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللَّه، أما رأسان فقتلتهما، وأما الثالث فإنّي رأيت رجلا أبيض طويلا ضربه فتدهدى [ (5) ] أمامه فأخذت رأسه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ذاك فلان من الملائكة. وكان ابن عباس يقول: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر. وعن ابن عباس: كان الملك يتصور في صورة من   [ (1) ] في (المغازي) ج 1 ص 77 «تلك» . [ (2) ] زيادة من (المغازي) ج 1 ص 77. [ (3) ] الجائفة: التي تبلغ الجوف. [ (4) ] الكلم: الجرح. [ (5) ] تدهدي: تدحرج (النهاية) ج 2 ص 143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 يعرفون من الناس يثبتونهم فيقول: إني قد دنوت منهم فسمعتهم يقولون: لو حملوا علينا ما ثبتنا، ليسوا بشيء. وذاك قول اللَّه تبارك وتعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [ (1) ] . وعن حكيم بن حزام: لقد رأيتنا يوم بدر وقد وقع بوادي خلص [ (2) ] بجاد [ (3) ] من السماء قد سد الأفق، فإذا الوادي يسيل نملا، فوقع في نفسي أن هذا شيء من السماء أيّد به محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما كانت إلا الهزيمة، وهي الملائكة. نهي الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم عن قتل بني هاشم ورجال من قريش ونهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ عن قتل بني هاشم، فقال: من لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله. ونهى عن قتل العباس بن عبد المطلب، ونادى مناديه: من أسر أمّ حكيم بنت حزام فليخل سبيلها فإن رسول اللَّه قد أمنها. وكان قد أسرها رجل من الأنصار وكتفها بذؤابتها [ (4) ] فلما سمع المنادي خلى سبيلها. ونهى أيضا عن قتل أبي البختري فقتله أبو داود المازني، ويقال: قتله المجدّر بن ذياد [ (5) ] . ونهى عن قتل الحارث بن عامر بن نوفل، فقتله خبيب بن يساف ولا يعرفه. ونهى عن قتل زمعة بن الأسود، فقتله ثابت بن الجذع [ (6) ] ولا يعرفه. دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم رميه المشركين بالحصى ولما التحم القتال كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رافعا يديه يسأل اللَّه النصر وما وعده. وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذ من الحصا كفا فرماهم بها وقال: شاهت الوجوه، اللَّهمّ ارعب قلوبهم، وزلزل أقدامهم. فانهزم أعداء اللَّه لا يلوون على شيء، وألقوا دروعهم، والمسلمون يقتلون ويأسرون، وما بقي منهم أحد إلا امتلأ وجهه وعيناه، ما يدري أين يتوجه، والملائكة يقتلونهم، وذلك قوله تعالى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ   [ (1) ] آية 12/ الأنفال. [ (2) ] وادي بين مكة والمدينة فيه قرى ونخل (معجم البلدان) ج 2 ص 382. [ (3) ] البجاد: كساء مخطط (المعجم الوسيط) ج 1 ص 38. [ (4) ] الذؤابة: الضفيرة من الشعر. [ (5) ] في (خ) «زياد» وما أثبتناه من (المغازي) ج 1 ص 80. [ (6) ] في (خ) «الجزع» وما أثبتناه من (المغازي) ج 1 ص 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ (1) ] . أسر عقبة بن أبي معيط وقتله وجمح بعقبة بن أبي معيط فرسه، فأخذه عبد اللَّه بن سلمة العجلانيّ. فأمر النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فضرب عنقه صبرا، وصدق اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في قوله لعقبة: إن وجدتك خارج جبال مكة قتلتك صبرا . أسر أمية بن خلف وبينا عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه يجمع أدراعا بعد أن ولّى الناس إذا أمية بن خلف وابنه عليّ، فأخذ يسوقهما أمامه إذ بصر به بلال فنادى يا معشر الأنصار، أمية بن خلف رأس الكفر، لا نجوت إن نجوت. فأقبلوا حتى طرح أمية على ظهره، فقطع الحباب بن المنذر أرنبة أنفه، وضربه خبيب بن يساف حتى قتله، وقتل عمار بن ياسر عليّ بن أمية بن خلف. وقتل الزبير بن العوام عبيدة ابن سعيد بن العاص، وقتل أبو دجانة عاصم بن أبي عوف بن ضبيرة [ (2) ] السهمي، وقتل عليّ رضي اللَّه عنه عبد اللَّه بن المنذر بن أبي رفاعة، وحرملة بن عمرو وهو يراهما أبا جهل. وقتل حمزة رضي اللَّه عنه أبا قيس بن الفاكه بن المغيرة وهو يراهما أبا جهل، [وكان أبو جهل في مثل الحرجة (وهو الشجر الملتف) والمشركون يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه] . قتل أبي جهل فصمد معاذ بن الجموح إلى أبي جهل، وأبو جهل يرتجز: ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سنّي لمثل هذا ولدتني أمّي   [ (1) ] الآية 17/ الأنفال، وفي (خ) إلى قوله تعالى: رَمى *. [ (2) ] ويقال: ابن صبيرة، بالصاد المهملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 فضربه فطرح رجله من الساق، فأقبل عليه عكرمة بن أبي جهل فضربه على عاتقه فطرح يده من العاتق، وبقيت الجلدة، فوضع/ معاذ عليها رجله وتمطى (بها) [ (1) ] عليها حتى قطعها. وضربه مع معاذ معوّذ وعوف ابنا عفراء، فنفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معاذا سيف أبي جهل ودرعه. ولما وضعت الحرب أوزارها أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يلتمس أبو جهل فوجده عبد اللَّه بن مسعود في آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وضربه فقطع رأسه وأتى به بسلبة النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فسرّ به وقال: اللَّهمّ قد أنجزت ما وعدتني فتمم علي نعمتك. ويقال إن معاذا ومعوّذا ابني عفراء أثبتا أبا جهل، وضرب ابن مسعود عنقه في آخر رمق، وقد رأي في كتفيه آثار السياط. فوقف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على مصرع ابني عفراء فقال: يرحم اللَّه ابني عفراء، فإنّهما قد شركا في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر، فقيل: يا رسول اللَّه، ومن قتله معهما؟ قال: الملائكة، ودافة [ (2) ] ابن مسعود. وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اكفني نوفل بن خويلد، فأسره جبار ابن صخر، ولقيه علي فقتله، فقال عليه السلام: الحمد للَّه الّذي أجاب دعوتي فيه. وقتل علي أيضا العاص بن سعيد. وانقطع سيف عكاشة بن محصن فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عودا فإذا هو سيف أبيض طويل، فقاتل به حتى هزم اللَّه المشركين، فلم يزل عنده حتى هلك. وانكسر سيف سلمة بن أسلم بن حريش فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب [ (3) ] فقال: اضرب به، فإذا سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم خيبر. فرق المسلمين وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تصافوا للقتال: من قتل قتيلا فله كذا، ومن أسر أسيرا فله كذا، فلما انهزم [المشركون] [ (4) ] كان الناس ثلاث فرق: فرقة قامت عند   [ (1) ] زيادة يتم بها المعنى. [ (2) ] دافه: أجهز عليه وحرّر قتله، (لسان العرب) ج 9 ص 103 مادة: دأف. [ (3) ] العراجين: جمع عرجون، وهي شماريخ النخل، وابن طاب: ضرب من النخل بالمدينة (هامش ط) ص 92. [ (4) ] زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 خيمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر معه فيها، وفرقة أغارت على النهب تنهب، وفرقة طلبت العدو فأسروا وغنموا. اختلاف المسلمين في الغنائم، وما نزل من القرآن في ذلك وكان سعد بن معاذ ممن أقام على خيمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [فقال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] : ما منعنا أن نطلب العدو زهادة في الأجر ولا جبن [ (2) ] عن العدو، ولكن خفنا أن يرى [ (3) ] موضعك فتميل عليك خيل من خيل المشركين ورجال من رجالهم، وقد أقام عند خيمتك وجوه من المهاجرين والأنصار ولم يشذّ أحد منهم، والناس كثير، ومتى تعط هؤلاء لا يبقى لأصحابك شيء، والأسرى والقتلى كثير، والغنيمة قليلة. فاختلفوا، فأنزل اللَّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [ (4) ] فرجع الناس وليس لهم من الغنيمة شيء، ثم أنزل اللَّه تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [ (5) ] فقسمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ويقال: لما اختلفوا في غنائم بدر أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بها أن [ (6) ] تردّ في القسمة، فلم يبق منها شيء إلا ردّ، فظن أهل الشجاعة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخصهم بها دون أهل الضعف، [ (7) ] ثم أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم أن تقسم بينهم على سواء فقال سعد: يا رسول اللَّه، أتعطي فارس القوم الّذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثكلتك أمك، وهل تنصرون إلا بضعفائكم؟ ونادى مناديه: من قتل قتيلا فله سلبه، وأمر بما وجد في العسكر وما أخذوا بغير قتال فقسمه بينهم، ويقال: أمر أن تردّ الأسرى والأسلاب وما أخذوا في المغنم، ثم أقرع بينهم، في الأسرى وقسم الأسلاب التي ينفل [ (8) ] الرجل نفسه في المبارزة، وما أخذوه من العسكر قسمه بينهم. والثبت من هذا: أن كل ما جعله لهم فإنه سلّمه لهم، وما لم يجعل قسمه بينهم.   [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق. [ (2) ] في (خ) «جنبا» ولعلها «زهادة في الأجر ولا جبنا» . [ (3) ] أي يخلو ممن يحرسه. [ (4) ] أول سورة الأنفال. [ (5) ] الآية 41/ الأنفال. [ (6) ] في (خ) «بأن» . [ (7) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 100. [ (8) ] في (الواقدي) «نفّل» وفي (خ) «لفتل» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 جمع الغنائم وقدرها وقسمتها وجمعت الغنائم واستعمل عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن كعب بن عمرو المازنيّ وقسمها بسير [ (1) ] ، وقيل: بل استعمل عليها خبّاب بن الأرتّ، وكان فيها إبل ومتاع وأنطاع [ (2) ] وثياب، وكانت السّهمان على ثلاثمائة وسبعة عشر سهما، والرجال ثلاثمائة وثلاثة عشر، والخيل فرسان لهم أربعة أسهم، وثمانية نفر لم يحضروا ضرب لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم بسهامهم وأجورهم: ثلاثة من المهاجرين وهم: عثمان بن عفان- خلّفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ابنته رقية فماتت يوم قدم زيد بن حارثة- وطلحة ابن عبيد اللَّه وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بعثهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتحسسان العير تلقاء [ (3) ] الحوراء، ومن الأنصار أبو لبابة بن عبد المنذر خلفه على المدينة، وعاصم بن عديّ، خلّفه على قباء وأهل العالية، والحارث بن حاطب أمره بأمر في بني عمرو بن عوف، وخوّات بن جبير كسر بالروحاء [ (4) ] ، والحارث بن الصّمّة كسر بالروحاء. وروي أن سعد بن عبادة ضرب له بسهمه [ (5) ] وأجره، وضرب لسعد بن مالك الساعدي بسهمه وأجره، وضرب لرجل من الأنصار، ولرجل آخر، وهؤلاء الأربعة لم يجمع عليهم [ (6) ] ، وضرب أيضا لأربعة عشر رجلا قتلوا ببدر. وكانت الإبل التي أصابوا مائة بعير وخمسين بعيرا، وكان معهم أدم كثير [ (7) ] حملوه للتجارة فغنمه المسلمون، وأصابوا قطيفة حمراء [ (8) ] وكانت الخيل التي غنمت عشرة أفراس، وأصابوا سلاحا وظهرا وجمل أبي جهل فصار للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يزل   [ (1) ] سير: بفتح أوله وثانيه: كثيب بين المدينة وبدر (معجم البلدان) ج 3 ص 296. [ (2) ] جمع نطع: بساط من الجلد (المعجم الوسيط) ج 2 ص 930. [ (3) ] في (المغازي) ج 1 ص 101 «بلغا الحوراء» «وراء ذي المروة بينها وبينها ليلتان على الساحل، وبين ذي المروة والمدينة ثمانية برد أو أكثر قليلا» . [ (4) ] الروحاء، «من عمل الفرع على نحو من أربعين يوما» (معجم البلدان) ج 3 ص 76. [ (5) ] (المغازي) ج 1 ص 101: «و قال صلّى اللَّه عليه وسلّم حين فرغ من القتال ببدر: لئن لم يكن شهدها سعد بن عبادة، لقد كان فيها راغبا» . [ (6) ] في المرجع السابق: «وهؤلاء الأربعة ليس بمجتمع عليهم كاجتماعهم على الثمانية» . [ (7) ] الطعام خلطة بالإدام (المعجم الوسيط) ج 1 ص 10. [ (8) ] في (المغازي) ج 1 ص 102 «فقال بعضهم: ما لنا لا نرى القطيفة؟ ما نرى رسول اللَّه إلا أخذها. فأنزل اللَّه عز وجلّ: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ إلى آخر الآية 16/ آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 عنده يضرب في إبله ويغزو [ (1) ] عليه حتى ساقه في هدي [ (2) ] الحديبيّة. وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صفيّ [ (3) ] من الغنيمة قبل أن يقسم منها شيء، فتنفّل سيفه ذا الفقار وكان لمنبّه بن الحجاج. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم قد غزا إلى بدر بسيف وهبه له سعد بن عبادة يقال له العضب، ودرعه ذات الفضول وأحذى [ (4) ] مماليك حضروا بدرا ولم يسهم لهم، وهم ثلاثة: غلام لحاطب بن أبي بلتعة، وغلام لعبد الرحمن بن عوف، وغلام لسعد بن معاذ، ويقال: شهد بدرا من الموالي عشرون رجلا. واستعمل صلّى اللَّه عليه وسلّم شقران غلامه على الأسرى فأحذوه من كل أسير، ما لو كان حرا ما أصابه في المقسم. أسر سهيل بن عمرو وفراره ثم يأسره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأسر سهيل بن عمرو ففرّ بالروحاء من مالك بن الدخشم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من وجده فليقتله، فوجده النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يقتله، وأمر فربطت يداه إلى عنقه ثم قرنه إلى راحلته فلم يركب خطوة حتى قدم المدينة. وأسر أبو بردة بن نيار رجلا يقال له معبد بن وهب من بني سعد بن ليث [ (5) ] ، فلقيه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قبل أن يتفرق الناس فقال: أترون يا عمر أنكم قد غلبتم!! كلا واللات والعزى. فقال عمر: عباد اللَّه المسلمين!! أتتكلم وأنت أسير في أيدينا! ثم أخذه من أبي بردة فضرب عنقه، ويقال: إن أبا بردة قتله. أمر الأسرى يوم بدر ولما أتي بالأسرى كره ذلك سعد بن معاذ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا   [ (1) ] في (خ) «يغزا» . [ (2) ] الهدي: ما أهدي إلى بيت اللَّه الحرام لينحر. [ (3) ] الصفيّ: ما يصطفيه الرئيس من الغنيمة قبل قسمتها (المعجم الوسيط) ج 1 ص 518. [ (4) ] في (خ) «واحدا» وأحذاه: أعطاه (المعجم الوسيط) ج 1 ص 163. [ (5) ] كذا في (خ) وفي (المغازي) ج 1 ص 105 (وما أثبتناه) ، وفي (ابن هشام) ج 2 ص 256 «قال ابن إسحاق: ومعبد بن وهب، حليف لهم من بني كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 عمرو، كأنه شقّ عليك الأسرى أن يؤسروا؟ فقال: نعم يا رسول اللَّه، كانت أول وقعة التقينا فيها والمشركون، فأحببت أن يذلهم اللَّه، وأن نثخن فيهم القتل. قتل النضر بن الحارث وأسر المقداد بن الأسود النضر بن الحارث، فعرض على رسول اللَّه بالأثيل [ (1) ] ، وقد سار من بدر فقتله علي رضي اللَّه عنه بالسيف صبرا. وأسر عمرو ابن أبي سفيان بن حرب، فقيل لأبي سفيان: ألا تفدي عمرا! فقال: حنظلة قتل وأفتدي [ (2) ] عمرا، فأصاب بمالي وولدي؟ لا أفعل، ولكن أنتظر حتى أصيب منهم رجلا فأفديه. أسر المشركين سعد بن النعمان فأصاب سعد بن النعمان [بن زيد] [ (3) ] بن أكّال أحد بني عمرو بن عوف جاء معتمرا، فلما قضى عمرته صدر- وكان معه المنذر بن عمرو- فطلبهما [ (4) ] أبو سفيان فأدرك سعدا فأسره وفاته المنذر. ففي ذلك يقول ضرار بن الخطاب: تداركت سعدا عنوة فأسرته ... وكان شفاء لو تداركت منذرا وقال في ذلك أبو سفيان: أرهط ابن أكّال أجيبوا دعاءه ... تفاقدتم، لا تسلموا السيد الكهلا فإن بني عمرو بن عوف أذلة ... لئن لم يفكّوا عن أسيرهم الكبلا [ (5) ] ففادوه سعدا بابنه عمرو.   [ (1) ] الأثيل: موضع قرب المدينة، وهناك عين ماء لجعفر بن أبي طالب بين بدر ووادي الصفراء (معجم البلدان) ج 1 ص 94. [ (2) ] في (خ) «وأقتديه» . [ (3) ] زيادة من نسبه. [ (4) ] في (خ) «فطلبهم» . [ (5) ] هذان البيتان في (ابن هشام) ج 2 ص 213 وفي (ابن الأثير) ج 2 ص 133 هكذا: أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه ... تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا فإن بني عمرو لئام أذلة ... لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 مقالة عمر في سهيل بن عمرو ولما أسر سهيل بن عمرو قال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، انزع ثنيته يدلع [ (1) ] لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أمثّل به فيمثّل اللَّه بي وإن كنت نبيا، ولعله يقوم مقاما لا تكرهه، فقام سهيل بن عمرو حين جاءه وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخطبة أبي بكر رضي اللَّه عنه بمكة كأنه كان سمعها، فقال عمر رضي اللَّه عنه حين بلغه كلام سهيل: أشهد أنك رسول اللَّه! يريد قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لعله يقوم مقاما لا تكرهه. تخيير رسول اللَّه في أمر الأسرى وكان علي رضي اللَّه عنه يقول: أتى جبريل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر فخيره في الأسرى أن تضرب أعناقهم أو يؤخذ منهم الفداء. ويستشهد منهم في قابل عدتهم، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه [ (2) ] فقال ما أعلمه جبريل، فقالوا: بل نأخذ الفدية نستعين بها ويستشهد منا فيدخل الجنة. فقبل منهم الفداء وقتل منهم عدتهم بأحد. ولما حبس الأسرى بعثوا إلى أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما ليكلما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في أمرهم، فأخذ أبو بكر يكلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيهم، ويليّن أن يمنّ عليهم أو يفاديهم، وأخذ عمر يحث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ضرب أعناقهم، فقبل صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم الفداء وأمّن أبا عزّة عمرو بن عبد اللَّه بن عثمان [ (3) ] الجمحيّ الشاعر وأعتقه بعد ما أعطى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ألا يقاتله ولا يكثّر عليه أبدا. طرح قتلى بدر في القلب وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالقلب فعوّرت [ (4) ] وطرحت القتلى فيها إلا أمية بن خلف فإنه كان مسمّنا فانتفخ، ولما أرادوا أن يلقوه تزايل [لحمه فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اتركوه] [ (5) ] .   [ (1) ] دلع اللسان دلوعا: خرج من الفم واسترخى (المعجم الوسيط) ج 1 ص 293. [ (2) ] في (ط) «وأصحابه» . [ (3) ] في (خ) «عمر بن عبد اللَّه بن عمير» . وفي (المغازي) ج 1 ص 110 «أبا عزّة عمرو بن عبد اللَّه بن عمير الجمحيّ» . [ (4) ] في المرجع السابق «أن نغور» . [ (5) ] زيادة من المرجع السابق، وتزايل: تفكك لحمه وتفرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 موقف رسول اللَّه على قتلى بدر وما قاله ثم وقف عليهم فناداهم: يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، يا أبا جهل بن هشام، هل وجدتم ما وعدكم [ (1) ] ربكم حقا فإنّي قد وجدت ما وعدني ربي حقا؟ بئس القوم كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس! قالوا [ (2) ] : يا رسول اللَّه تنادي قوما قد ماتوا! قال: قد علموا أن ما وعدهم ربّهم حق. وقال السدّي عن مقسم عن ابن عباس: وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على قتلى بدر فقال: جزاكم للَّه عني من عصابة شرا، فقد خوّنتموني [ (3) ] أمينا وكذبتموني صادقا. ثم التفت إلى أبي جهل فقال: هذا أعتى على اللَّه من فرعون، إن فرعون لما أيقن [ (4) ] بالهلكة وحّد اللَّه، وإن هذا لما أيقن بالهلكة دعا باللات والعزّى. وكان انهزام القوم حين زالت الشمس، فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببدر وأمر عبد اللَّه بن كعب ببعض الغنائم وحملها، وندب نفرا من أصحابه أن يعينوه، ثم صلى العصر وراح فمرّ بالأثيّل [ (5) ] قبل غروب الشمس فنزل وبات به. وكان ذكوان بن عبد قيس [ (6) ] يحرس المسلمين تلك الليلة حتى كان آخر الليل ارتحل. فلما كان بعرق الظّبية أمر عاصم بن ثابت ابن أبي الأقلح فضرب عنق عقبة بن أبي معيط، ويقال: بل أمر عليّ بن أبي طالب فضرب عنقه، والأول أشهر. قسمة الغنائم ولما نزل بسير وهو شعب بالصّفراء قسم الغنائم بين أصحابه، وتنفلّ سيفه ذا الفقار وكان لمنبّه بن الحجّاج فكان صفيّه، وأخذ سهمه مع المسلمين وفيه جمل أبي جهل. وكان مهريا [ (7) ] ، فكان يغزو عليه ويضرب في لقاحه.   [ (1) ] في (خ) «ما وعد» . [ (2) ] في (خ) «قال» ، وما أثبتناه من (المغازي) ج 1 ص 112. [ (3) ] في (خ) «خرنتموني» وما أثبتناه من (ط) . [ (4) ] في (خ) «لمالها» . [ (5) ] يقول (الواقدي) ج 1 ص 117: «الأثيل واد طوله ثلاثة أميال وبينه وبين بدر ميلان، فكأنه بات على أربعة أميال من بدر» . [ (6) ] في (خ) «ذكوان بن قيس» والتصويب من المرجع السابق. [ (7) ] نسبة إلى مهرة بن حيوان، وهم قبيلة عظيمة تنسب إليها الإبل (هامش ط) ص 98. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وبالصفراء مات عبيدة بن الحارث رضي اللَّه عنه. واستقبل طلحة وسعيد بن زيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بتربان [ (1) ] [فيما بين ملل والسيالة] وهو منحدر من بدر يريد المدينة. بشرى أهل المدينة بنصر رسول اللَّه وقدم زيد بن حارثة وعبد اللَّه بن رواحة من الأثيل إلى المدينة فجاء يوم الأحد شدّ [ (2) ] الضحى فنادى عبد اللَّه: يا معشر الأنصار، أبشروا بسلامة رسول اللَّه وقتل المشركين وأسرهم، ثم اتّبع دور الأنصار فبشرهم. وقدم زيد بن حارثة على ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القصواء يبشر أهل المدينة فلم يصدق المنافقون ذلك وشنّعوا، وقدم شقران بالأسرى وهم في الأصل سبعون. وتلقى الناس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرّوحاء يهنئونه بفتح اللَّه، فقدم المدينة صلّى اللَّه عليه وسلّم مؤيدا مظفّرا منصورا قد أعلى اللَّه كلمته ومكّن له وأعزّ نصره، ودخلها من ثنية الوداع في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من رمضان فتلقاه الولائد بالدفوف وهنّ يقلن: طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا للَّه داع إسلام المنافقين فأذلّ اللَّه بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين واليهود، فلم يبق بالمدينة يهودي ولا منافق إلا خضع عنقه. وأسلم حينئذ بشر كثير من أهل المدينة، ومن ثم دخل عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول [ (3) ] وجماعته من المنافقين في دين الإسلام تقيّة [ (4) ] . نوح قريش على قتلاها وناحت قريش على قتلاها بمكة شهرا، وجزّ النساء شعورهن، وجعل صفوان   [ (1) ] في (خ) «بغرثا» . [ (2) ] شد الضحى: حين يرتفع قبل الزوال. [ (3) ] في (خ) «أبي بن سلول» ، وهو خطأ والصواب ما أثبتناه لأن سلول جدته. [ (4) ] في (خ) «مقيد» ، والتقية: إظهار الصلح والاتفاق وإضمار الخلاف والمعاندة حذرا أو جبنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ابن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح لعمير بن وهب بن خلف بن وهب الجمحيّ- وهو المضرّب- إن قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتحمل بدينه ويقوم بعياله، وحمله على بعير وجهّزه. خبر عمير بن وهب ومقدمه المدينة لقتل رسول اللَّه ثم إسلامه وعودته إلى مكة فقدم عمير المدينة ودخل المسجد متقلدا سيفه يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأدخله عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما أقدمك يا عمير؟ قال: قدمت في أسير عندكم تقاربونا فيه، قال: فما بال السيف؟ قال: قبحها اللَّه من سيوف، وهل أغنت من شيء؟ إنما أنسيته [ (1) ] حين نزلت وهو في رقبتي. فقال: اصدق، ما أقدمك؟ قال: ما قدمت إلا في أسيري، قال: فما شرطت لصفوان ابن أمية في الحجر؟ ففزع عمير، قال: ماذا شرطت له؟ قال: تحملت له بقتلي على أن يقضي دينك ويعول عيالك، واللَّه حائل بينك وبين ذلك. قال عمير: أشهد أنك رسول اللَّه وأنك صادق. وأسلم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: علموا أخاكم القرآن وأطلقوا له أسيره، فعاد عمير إلى مكة يدعو الناس إلى الإسلام، فأسلم معه بشر كثير. مقدم جبير بن مطعم في فداء أسرى قريش وقد جبير بن مطعم في فداء الأسرى، وقدم أربعة عشر من قريش، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فداء الرجل أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى ألفين إلى ألف [درهم] [ (2) ] ، ومنهم من منّ عليه لأنه لا مال له. خبر زينب بنت رسول اللَّه في فداء زوجها وبعثت زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في فداء زوجها أبي العاص بن الربيع بقلادة لها كانت لخديجة رضي اللَّه عنها من جزع ظفار [ (3) ]- مع أخيه عمرو بن الربيع،   [ (1) ] في (خ) و (المغازي) «نسيته» . [ (2) ] زيادة للإيضاح. [ (3) ] الجزع: خرز فيه بياض وسواد. وظفار: بلدة باليمن. وذكر (الواقدي) ج 1 ص 130 أن هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 فرقّ لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا إليها متاعها فعلتم، قالوا: نعم، فأطلقوا أبا العاص وردّوا القلادة إلى زينب. وأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أبي العاص أن يخلي سبيل زينب فوعده ذلك. وكان الّذي أسره عبد اللَّه بن جبير بن النعمان أخو خوّات بن جبير، وفكّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن السائب بن عبيد، وعبيد بن عمرو بن علقمة بغير فدية، وقد أسرهما سلمة بن أسلم بن حريش الأشهلي لأنه لا مال لهما، ولم يقدم لهما أحد. أسرى قريش وفداؤهم بتعليم الغلمان الكتابة وكان في الأسرى من يكتب، ولم يكن في الأنصار من يحسن الكتابة، وكان منهم من لا مال له، فيقبل منه أن يعلم عشرة من الغلمان الكتابة ويخلي سبيله. فيومئذ تعلّم زيد بن ثابت الكتابة في جماعة من غلمان الأنصار. خرّج [ (1) ] الإمام أحمد من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول اللَّه [ (2) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، قال: فجاء غلام يبكي إلى أبيه [ (3) ] فقال ما شأنك؟ قال ضربني معلمي، قال: الخبيث!! يطلب بذحل [ (4) ] بدر، واللَّه لا تأتيه أبدا. وقال عامر الشعبي: كان فداء الأسرى [من] [ (5) ] أهل بدر أربعين أوقية، فمن لم يكن عنده علم عشرة من المسلمين، فكان زيد بن ثابت [ممن] [ (5) ] علّم. عدة من استشهد يوم بدر واستشهد يوم بدر من المسلمين أربعة عشر: ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، وقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون، وقيل: أربعة وسبعون أحصي   [ () ] القلادة كانت خديجة بنت خويلد أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى بها، فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القلادة عرفها ورقّ لها، وذكر خديجة ورحم عليها. [ (1) ] (المسند) ج 1 ص 247. [ (2) ] في (خ) «النبي» ، وهذا نصّ المسند. [ (3) ] في (خ) «قال» . [ (4) ] في (خ) «يدخل» ، والذحل: الثأر أو العداوة والحقد (المعجم الوسيط) ج 1 ص 309. [ (5) ] زيادة للسياق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 منهم تسعة وأربعون أسيرا [ (1) ] . قتل عصماء بنت مروان وكانت عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد تحت يزيد بن زيد بن حصن الخطميّ، وكانت تؤذي رسول اللَّه وتعيب الإسلام وتحرض على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقالت شعرا [ (2) ] ، فنذر عمير بن عدي بن خرشة بن أمية بن عامر بن خطمة [واسمه عبد اللَّه بن جشم بن مالك بن الأوس] الخطميّ لئن ردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بدر إلى المدينة ليقتلنها. فلما رجع صلّى اللَّه عليه وسلّم من بدر جاءها عمير ليلا حتى دخل عليها في بيتها [وحولها نفر من ولدها نيام، منهم من ترضعه في صدرها، فجسها بيده- وكان ضرير البصر- ونحّى الصبي عنها] [ (3) ] ووضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها، وأتى فصلى الصبح مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. فلما انصرف نظر إليه وقال: أقتلت ابنة مروان؟ قال: نعم يا رسول اللَّه [قال: نصرت اللَّه ورسوله يا عمير، فقال: هل عليّ شيء من شأنها يا رسول اللَّه؟ فقال] [ (4) ] لا ينتطح فيها عنزان. فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال لأصحابه: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر اللَّه ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي، فقال عمر ابن الخطاب رضي اللَّه عنه: انظروا إلى هذا الأعمى الّذي تشرّى [ (5) ] في طاعة اللَّه فقال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] : لا تقل الأعمى ولكنه البصير. فلما رجع عمير وجد بينها في جماعة يدفنونها فقالوا: يا عمير، أنت قتلتها؟ قال: نعم، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون، فو الّذي نفسي بيده لو قلتم جميعا ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم. فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة، فمدح حسان عمير   [ (1) ] ذكر ابن قتيبة في (المعارف) ص 155: «وعدة من قتل من المشركين يوم بدر خمسون رجلا وأسر أربعة وأربعين رجلا» . [ (2) ] ذكر (الواقدي) هذا الشعر في (المغازي) ج 1 ص 172: فباست بني مالك والنّبيت ... وعوف وباست بني الخزرج أطعتم أتاويّ من غيركم ... فلا من مراد ولا مذحج ترجونه بعد قتل الرّءوس ... كما يرتجى مرق المنضج والأتاوي: الغريب- ومراء ومذحج: قبيلتان من قبائل اليمن. [ (3) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 28. [ (4) ] زيادة من (المغازي) ج 1 ص 173. [ (5) ] تشرّى: إذا شرى (أي باع) نفسه في سبيل اللَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 ابن عدي [ (1) ] ، وكان قتل عصماء لخمس بقين من رمضان فرجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من بدر على رأس تسعة عشر شهرا. فرض زكاة الفطر وقام رسول اللَّه قبل يوم الفطر بيومين خطيبا فعلّم الناس زكاة الفطر، وخرج إلى المصلى يوم الفطر فصلى بالناس صلاة الفطر والعنزة [ (2) ] بين يديه، وهي أول صلاة صلاها في يوم العيد. قتل أبي عفك اليهودي ثم كان قتل أبي عفك اليهودي في شوال على رأس عشرين شهرا، وكان شيخا من بني عمرو بن عوف قد بلغ عشرين ومائة سنة [ (3) ] ، وكان يحرّض على عداوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يدخل في الإسلام، وقال شعرا [ (4) ] ، فنذر سالم بن عمير بن ثابت ابن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف الأنصاري أحد   [ (1) ] هذه هي الأبيات من (الواقدي) ج 1 ص 174: بني وائل وبني واقف ... وخطمة دون بني الخزرج متى ما دعت أختكم ويحها ... بعولتها والمنايا تجي فهزّت فتى ماجدا عرقه ... كريم المداخل والمخرج فضرّجها من نجيع الدماء ... قبيل الصباح ولم يحرج فأوردك اللَّه برد الجنان ... جذلان في نعمة المولج ونجيع الدماء: ما كان إلى السواد أو دم الجوف. [ (2) ] العنزة: عصا قصيرة في سنان ولها زج في أسفلها، وهذه العنزة كانت تحمل بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكانت للزبير بن العوام قدم بها من الحبشة فأخذها منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم (هامش ط) ص 103. [ (3) ] في (خ) «سنة سنة» تكرار. [ (4) ] ذكره (الواقدي) ج 1 ص 175 وهو: قد عشت حينا وما إن أرى ... من الناس دارا ولا مجمعا أجمّ عقولا وآتي إلي ... منيب سراعا إذا ما دعا فسلّبهم أمرهم راكب ... حراما حلالا لشتى معا فلو كان بالملك صدّقتكم ... وبالنصر تابعتم تبّعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 البكاءين [ (1) ] من بني النجار ليقتلنّه أو يموت دونه، وطلب له غرة [ (2) ] ، حتى كانت ليلة صائفة- ونام (أبو عفك) [ (3) ] بالفناء في بني عمرو بن عوف- فأقبل [ (4) ] سالم فوضع السيف على كبده فقتله. غزوة بني قينقاع وإجلاؤهم ثم كان إجلاء بني قينقاع [ (5) ]- أحد طوائف اليهود بالمدينة- في شوال بعد بدر، وقيل: في صفر سنة ثلاث، وجعلها محمد بن إسحاق بعد غزوة «قرارة الكدر» . وكان سببها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما قدم المدينة مهاجرا وادعته يهود كلها، وكتب بينه وبينهم كتابا، وألحق كل قوم بحلفائهم، وجعل بينه وبينهم أمانا، وشرط عليهم شروطا منها: ألا يظاهروا عليه عدوا. فلما قدم من بدر بغت يهود، وقطعت ما كان بينها وبين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من العهد، فجمعهم [بسوق بني قينقاع] [ (6) ] وقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يوقع اللَّه بكم مثل وقعة قريش، فو اللَّه إنكم لتعلمون أني رسول اللَّه، فقالوا: يا محمد لا يغرنك من لقيت، إنك قهرت قوما أغمارا [ (7) ] وإنا واللَّه أصحاب الحرب، ولئن قاتلتنا لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا. سبب إجلائهم فبينما هم على ما هم عليه- من إظهار العداوة ونبذ العهد- جاءت امرأة رجل من الأنصار إلى سوق بني قينقاع فجلست عند صائغ في حليّ لها، فجاء أحد بني قينقاع فحل درعها من ورائها بشوكة وهي لا تشعر، فلما قامت بدت عورتها فضحكوا منها، فاتبعه رجل من المسلمين فقتله، فاجتمع عليه بنو قينقاع وقتلوه، ونبذوا العهد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وحاربوا، وتحصنوا في حصنهم. فأنزل اللَّه تعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ [ (8) ] فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا أخاف [ (9) ] بني قينقاع فسار إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم السبت   [ (1) ] البكاءون: هم السبعة الذين نزل فيهم قوله تعالى: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ الآية 92/ التوبة. [ (2) ] في (خ) «عزة» . [ (3) ] زيادة للإيضاح. [ (4) ] في (خ) «أقبل» . [ (5) ] في (خ) «قينقا» . [ (6) ] زيادة للإيضاح. [ (7) ] أغمار: جمع غمر، وهو الجاهل الّذي لا تجربة عنده. [ (8) ] الآية 58/ الأنفال. [ (9) ] في (خ) «أخافه من» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 النصف من شوال بعد بدر ببضع وعشرين يوما، وهم سبعمائة مقاتل: منهم ثلاثمائة متدرّعون بدروع الحديد، ولم يكن لهم حصون ولا معاقل، وإنما كانوا تجارا وصاغة، وهم حلفاء لعبد اللَّه بن أبيّ بن سلول، وكانوا أشجع يهود فكانوا أول من غدر من اليهود، فحاصرهم خمس عشرة ليلة حتى نزلوا على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمر بهم فربطوا، واستعمل على رباطهم وكتافهم المنذر بن قدامة السّلمي من بني غنم بن السّلم بن مالك بن الأوس، ثم خلّى عنهم بشفاعة عبد اللَّه بن أبي بن سلول، وأمرهم أن يجلوا من المدينة، فأجلاهم محمد بن مسلمة الأنصاريّ، وقيل: عبادة بن الصامت، وقبض أموالهم، وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من سلاحهم ثلاث قسيّ [ (1) ] وهي الكتوم والروحاء والبيضاء، وأخذ درعين: الصّغديّة وفضة، وثلاثة أسياف وثلاثة أرماح. ووجدوا في منازلهم سلاحا كثيرا وآلة الصياغة، وخمّس [ (2) ] ما أصاب منهم، وقسم ما بقي على أصحابه. وخرجوا بعد ثلاث فلحقوا بأذرعات [ (3) ] بنسائهم وذراريهم، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى هلكوا، وقال الحاكم: هذه وبني النضير واحدة وربما اشتبها على من [ (4) ] لا يتأمل. واستخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة بني قينقاع على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، وكان أبيض، ولم تكن الرايات يومئذ. غزوة السّويق ثم كانت غزوة السّويق، خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحد الخامس من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا في مائتين من المهاجرين والأنصار، واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، فغاب [ (5) ] خمسة أيام. وذلك أن المشركين لما رجعوا إلى مكة من بدر حرّم أبو سفيان صخر بن حرب الدّهن حتى يثأر من محمد وأصحابه بمن أصيب من قومه، فخرج في مائتي راكب، وقيل: في أربعين راكبا، فجاءوا بني النضير- في طرف المدينة- ليلا، ودخلوا على سلّام بن مشكم فسقى   [ (1) ] جمع قوس. [ (2) ] أخذ خمس الغنيمة. [ (3) ] أذرعات: بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمان (معجم البلدان) ج 1 ص 130. [ (4) ] في (خ) «اشتبها ولا يتأمل» . [ (5) ] في (خ) «ففات» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 أبا سفيان خمرا وأخبره من أخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخرج [أبو سفيان] [ (1) ] سحرا، فوجد رجلا من الأنصار في حرث فقتله وأجيره- وهذا الأنصاري هو معبد بن عمرو- وحرّق بيتين بالعريض، وحرق حرثا لهم وذهب. فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمن معه في أثره، وجعل أبو سفيان وأصحابه يلقون جرب السويق [ (2) ]- وهي عامة أزوادهم- يتخففون منها لسرعة سيرهم خوفا من الطلب، فجعل المسلمون يأخذونها. فسمّيت غزوة السويق لهذا. أول عيد ضحى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة. وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة الأضحى بالمصلى، وضحى بشاة، وقيل: بشاتين، وضحّى معه ذوو اليسار. قال جابر ضحينا في بني سلمة سبع عشرة أضحية، وهو أول عيد ضحى فيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. كتاب المعاقل والديات وكتب صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذه السنة المعاقل [ (3) ] والديات، وكانت معلّقة بسيفه. زواج فاطمة بنت رسول اللَّه وغزوة قرارة الكدر ويقال: فيها بنى عليّ بفاطمة رضي اللَّه عنهما، على رأس اثنتين وعشرين شهرا ثم كانت غزوة قرارة الكدر، ويقال: قرقرة بني سليم وغطفان، خرج إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للنصف من محرم على رأس ثلاثة وعشرين شهرا، هذا قول محمد بن عمر الواقدي [ (4) ] ، وقال ابن إسحاق: كانت في شوال سنة اثنين. وقال [ (5) ] ابن حزم: لم يقم منصرفة من بدر بالمدينة إلا سبعة أيام، ثم خرج يريد بني سليم وحمل لواءه عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، واستخلف على المدينة عبد اللَّه بن أم مكتوم. وذلك أنه بلغه أن بقرارة الكدر جمعا من غطفان وسليم، فأخذ عليهم الطريق فلم   [ (1) ] زيادة للإيضاح. [ (2) ] الجرب: جمع جراب، وهو وعاء يكون فيه الزاد، والسّويق: طعام يتخذ من الحنطة والشعير. [ (3) ] المعاقل والديات: ما شرع اللَّه من العوض في الجنايات وغيرها. [ (4) ] في (المغازي) ج 1 ص 182. [ (5) ] في (خ) «ويقال» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 يجد في المجال أحدا، فأرسل في أعلى الوادي نفرا من أصحابه واستقبلهم في بطن الوادي فوجد رعاء [ (1) ] فيها غلام يقال له يسار، فسألهم، فأخبره يسار أن الناس ارتفعوا إلى المياه، فانصرف وقد ظفر بالنّعم [ (2) ] يريد المدينة، فأدركه يسار وهو يصلي الصبح فصلى وراءه، وطابت به أنفس المسلمين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقبله وأعتقه. وقدم المدينة، وقد غاب خمس عشرة ليلة، وأخذ خمس النعم- وكانت خمسمائة- وقسم باقيها، وقيل: بل أصاب كل رجل منهم سبعة أبعرة، وكانوا مائتي رجل، وكان قسمها بصرار على ثلاثة أميال من المدينة. سرية قتل كعب بن الأشرف ثم كان قتل كعب بن الأشرف اليهودي لأربع عشرة من شهر ربيع الأول على رأس خمسة عشر شهرا [ (3) ] وذلك أنه كان من بني نبهان بن طيِّئ حليفا لبني قريظة، وأمه من بني النضير، وكان عدوّا للَّه ولرسوله يهجو النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، ويحرّض عليهم كفار قريش في شعره، ثم خرج إلى مكة بعد بدر فجعل يرثي [قتلى بدر ويحرّض] [ (4) ] قريشا، وعاد إلى المدينة. سبب قتله فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اكفني ابن الأشرف بما شئت- في إعلانه الشرّ وقوله الأشعار- وقال: من لي بابن الأشرف فقد آذاني. فقال محمد بن مسلمة: أنا به يا رسول اللَّه، وأنا أقتله، قال: فافعل. وأمره بمشاورة سعد بن معاذ، فاجتمع محمد بن مسلمة ونفر من الأوس منهم عباد بن بشر بن وقش بن رغبة بن زعورا ابن عبد الأشهل، وأبو نائلة سلكان بن سلامة والحارث بن أوس [بن معاذ، وأبو عبس بن جبر أحد بني حارثة] [ (5) ] فقالوا: يا رسول اللَّه، نحن نقتله فأذن لنا فلنقل، قال: قولوا [ (6) ] . فأتاه أبو نائلة وهو في نادي قومه- وكان هو ومحمد بن   [ (1) ] جمع راع. [ (2) ] في (خ) «بنعم» . [ (3) ] كذا بالأصل والصواب من (المغازي) ج 1 ص 184 ومن (ابن سعد) ج 2 ص 31 «خمسة وعشرين شهرا من مهاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (4) ] زيادة للإيضاح. [ (5) ] زيادة من (ابن هشام) ج 3 ص 10. [ (6) ] قال يقول: كناية عن بعض الكذب في الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 مسلمة أخويه من الرضاعة- فتحدثا وتناشدا الأشعار حتى قام القوم، فقال له: كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب، ورمتنا عن قوس واحدة، وتقطعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس، وضاع العيال، فقال كعب: قد كنت أحدثك بهذا أن الأمر سيصير إليه، قال أبو نائلة: ومعي رجال من أصحابي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بها فنبتاع منك طعاما وتمرا، ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة، واكتم عنا ما حدثتك من ذكر محمد، قال: لا أذكر منه حرفا، لكن اصدقني، ما الّذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتنحي عنه، قال: سررتني، فماذا ترهنونني! قال الحلقة [ (1) ] ، فرضي. وقام أبو نائلة من عنده على ميعاد. فأتى أصحابه فأجمعوا أن يأتوه إذا أمسى لميعاده، وأخبروا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمشى معهم ووجههم من البقيع [ (2) ] ، وقال: امضوا على بركة اللَّه وعونه، وذلك بعد أن صلوا العشاء في ليلة مقمرة مثل النهار، فأتوا ابن الأشرف فهتف به أبو نائلة- وكان حديث عهد بعرس [ (3) ]- فوثب ونزل من حصنه إليهم، فجعلوا يتحادثون ساعة، ثم مشوا قبل شرج العجوز [ (4) ] ليتحادثوا بقية ليلتهم، فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب وقال: ما أطيب عطرك هذا!! ثم مشى ساعة وعاد لمثلها وأخذ بقرون [ (5) ] رأسه فضربه الجماعة بأسيافهم، ووضع محمد بن مسلمة مغولا [ (6) ] معه في سرة كعب حتى انتهى إلى عانته، فصاح صيحة أسمعت جميع آطام اليهود، فأشعلوا نيرانهم. واحتز الجماعة رأس كعب واحتملوه وأتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وقد قام يصلي ليلته بالبقيع- فلما بلغوه كبروا فكبّر صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم قال: أفلحت الوجوه، فقالوا: ووجهك يا رسول اللَّه. ورموا برأس كعب بين يديه، فحمد اللَّه على قتله، وتفل على جرح الحارث بن أوس، وكان قد جرح ببعض سيوف أصحابه فبرأ من وقته. وأصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف فقال: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه، فخافت اليهود فلم يطلع عظيم من عظمائهم ولم ينطقوا،   [ (1) ] الحلقة: السلاح عامة والدروع خاصة. [ (2) ] بقيع الغرقد بالمدينة. [ (3) ] يعني ابن الأشرف. [ (4) ] شرج العجوز: موضع قرب المدينة. (معجم البلدان) ج 3 ص 334. [ (5) ] ضفائر رأسه. [ (6) ] سيف دقيق قصير ماض يكون في جرف سوط يشده القاتل على وسطه ليغتال به الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 (وخافوا أن يبيّتوا كما بيت ابن الأشرف) [ (1) ] . مقتل ابن سنينة وكان ابن سنينة من يهود بني حارثة حليفا لحويصّة بن مسعود [قد أسلم] [ (2) ] ، فعدا [أخوه] [ (3) ] محيّصة [بن مسعود] [ (4) ] على ابن سنينة فقتله، فجعل أخوه حويّصة يضربه ويقول: أي عدو اللَّه أقتلته!! أما واللَّه لربّ شحم في بطنك من ماله، فقال محيصة: [فقلت [ (5) ]] واللَّه لو أمرني بقتلك الّذي أمرني بقتله لقتلتك [قال: أو اللَّه لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني؟ قال: نعم، واللَّه لو أمرني بضرب عنقك لضربتها، قال: واللَّه إن دينا بلغ بك هذا لعجب، فأسلم حويّصة] [ (6) ] . فجاءت يهود إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يشكون ذلك [ (7) ] ، فقال: إنه لو فر كما فرّ غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل، ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر، ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان السيف. ودعاهم أن يكتب [بينه و] [ (8) ] بينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه، فكتبوا بينهم وبينه كتابا. وحذرت يهود وخافت وذلت من يوم قتل ابن الأشرف. غزوة ذي أمر بنجد ثم كانت غزوة ذي أمر [ (9) ] بنجد، خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم الخميس   [ (1) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 190. [ (2) ] زيادة من المرجع السابق. [ (3) ] زيادة للإيضاح. [ (4) ] زيادة للإيضاح. [ (5) ] زيادة من ابن هشام ج 3 ص 13. [ (6) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 191، 192 وزاد: «فأسلم حويصة يومئذ، فقال محيّصة- وهي ثبت، لم أر أحدا يدفعها- يقول: يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله ... لطبقت ذفراه بأبيض قاضب حسام كلون الملح أخلص صقله ... متى ما تصوبه فليس بكاذب وما سرّني أنّي قتلتك طائعا ... ولو أن لي ما بين بصرى ومأرب «والذفرى: عظم ناتئ خلف الأذن» . [ (7) ] يعني في قتل ابن الأشرف، وفي (خ) «يشكو» . [ (8) ] زيادة للسياق. [ (9) ] في (خ) «ذي أمو» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الثامن عشر من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا في قول الواقدي [ (1) ] ، وذكر ابن إسحاق أنها كانت في المحرم سنة ثلاث، ومعه أربعمائة وخمسون، فيهم عدّة أفراس. واستخلف على المدينة عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه. وذلك أنه بلغه أن جمعا- من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، وبني محارب بن خصفة بن قيس- بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطرافه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجمعهم دعثور بن الحارث من بني محارب. فأصاب (رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم) [ (2) ] رجلا منهم بذي القصة يقال له جبار من بني ثعلبة فأسلم، وسار معهم يدلهم على عورات القوم حتى أهبطهم من كثيب، فهربت الأعراب فوق الجبال، فنزل صلّى اللَّه عليه وسلّم ذي أمر، فأصابهم مطر كثير، فذهب صلّى اللَّه عليه وسلّم لحاجته فأصابه المطر فبلّ ثوبه فنزعه ونشره على شجرة ليجف واضطجع تحتها والأعراب تنظر إليه. خبر دعثور الّذي أراد قتل رسول اللَّه فبادر دعثور وأقبل مشتملا على السيف حتى قام على رأس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسيف مشهورا وقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم؟ قال: اللَّه. ودفع جبريل عليه السلام في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقام به على رأسه فقال: من يمنعك مني؟ فقال: لا أحد، وأسلم، وحلف لا يكثّر عليه جمعا أبدا ثم أدبر، فأعطاه سيفه. فأتى قومه ودعاهم إلى الإسلام، وفيه نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [ (3) ] . وعاد صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة فكانت غيبته أحد عشرة ليلة. زواج أم كلثوم بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي ربيع الأول هذا تزوج عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه بأم كلثوم بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ودخل بها في جمادى الآخرة، رضي اللَّه عنها.   [ (1) ] (المغازي) ج 1 ص 193 (وتلقيح الفهوم) ص 54 وذكر (الطبري) في تاريخه ج 2 ص 487 «وهي غزوة ذي أمر، فأقام بنجد صفرا كلّه أو قريبا من ذلك» ذكر هذا في أحداث السنة الثالثة من الهجرة. [ (2) ] زيادة للإيضاح. [ (3) ] الآية 11/ المائدة، وفي (خ) «عنكم الآية» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 غزوة بني سليم بالفرع ثم كانت غزوة بني سليم ببحران [ (1) ] من ناحية الفرع، خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم في السادس من جمادى الأولى على رأس سبعة وعشرين شهرا في ثلاثمائة رجل، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، ولم يظهر وجها، فأغذ [ (2) ] السير، حتى إذا كان دون بحران [ (1) ] بليلة لقي رجلا من بني سليم فأخبره أن القوم افترقوا، فحبسه مع رجل وسار حتى ورد بحران [ (1) ] وليس بها أحد، فأقام أياما ورجع ولم يلق كيدا، وأرسل [ (3) ] الرجل. فكانت غيبته عشر ليالي [ (4) ] . سرية زيد بن حارثة إلى القردة ثم كانت سرية زيد بن حارثة إلى القردة [ (5) ]- وهي أول سرية خرج زيد (ابن حارثة) [ (6) ] فيها أميرا، سار لهلال جمادى الآخرة على رأس سبعة وعشرين شهرا- يريد صفوان بن أمية وقد نكب [ (7) ] عن الطريق- وسلك على جهة العراق يريد الشام بتجارة فيها أموال لقريش، خوفا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعترضها. فقدم نعيم بن مسعود الأشجعي على كنانة بن أبي الحقيق في بني النضير فشرب معه، ومعهم سليط بن النعمان [ (8) ] يشرب، ولم تكن الخمر قد حرّمت، فذكر نعيم خروج صفوان في عيره وما معهم من الأموال، فخرج (سليط) [ (9) ] من ساعته وأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأرسل زيد بن حارثة في مائة راكب فأصابوا العير وأفلت أعيان القوم. فقدموا بالعير فخمسها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبلغ الخمس عشرين ألف   [ (1) ] في (خ) «نجران» في كل المواضع. [ (2) ] في (خ) «أغد» وأغذّ السير: أسرع. [ (3) ] أرسله: أطلقه. [ (4) ] كذا في (خ) وفي (الواقدي) ليال ج 1 ص 197. [ (5) ] القردة: بالتحريك، ماء أسفل مياه الثلبوت بنجد في الرّمّة لبني نعامة (معجم البلدان) ج 4 ص 333. [ (6) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 197، ومن (الطبري) ج 2 ص 492. [ (7) ] نكب: عدل. [ (8) ] زعم محقق (ط) أنه لم يجد «سليط بن النعمان» هذا في الصحابة، وأنه لم يجد الخبر!! ونقول: هذا الخبر بتمامه في: (المغازي للواقدي) ج 1 ص 198- 199، و (البداية والنهاية لابن كثير) ج 4 ص 4- 5. [ (9) ] زيادة للإيضاح. إمتاع الأسماع ج 1 م 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 درهم، وقسم ما بقي على أهل السرية، وكان فيمن أسر فرات بن حيان [ (1) ] فأسلم. زواج حفصة أم المؤمنين وفي شعبان من هذه السنة تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنهما، وقال أبو عبيد: سنة اثنتين، ويقال: بعد أحد. زواجه زينب أم المساكين وتزوج زينب أم المساكين في رمضان قبل أحد بشهر، وفي نصف رمضان ولد الحسن بن على رضي اللَّه عنهما. غزوة أحد ثم كانت غزوة أحد يوم السبت لسبع خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرا [ (3) ] ، وقيل: كانت لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال، وقيل: كانت للنصف منه، وعن مالك بن أنس: كانت بعد بدر بسنة، وعنه أيضا كانت على أحد وثلاثين شهرا من الهجرة، وهي وقعة امتحن اللَّه عز وجل فيها عباده المؤمنين واختبرهم، وميز فيها المؤمنين والمنافقين. ما فيها من دلائل النبوة وكان فيها من دلائل النبوة: تحقيق قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لأمية بن خلف: بل أنا أقتلك، فقتله، وردّ عين قتادة إلى موضعها بعد سقوطها، غسل الملائكة لحنظلة وظهور ذلك للأنصار، فرأوا الماء يقطر من رأسه رفعا للجنابة التي كانت عليه، وما اعتراهم من النعاس مع قرب العدو منهم وذلك خلاف عادة من انهزم من عدوه،   [ (1) ] [و قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم حنين حين أعطى المؤلفة قلوبهم: «إن من الناس ناسا نكلهم إلى إيمانهم منهم الفرات بن حيان» ] (المعارف) ص 324. [ (2) ] ذكره (الطبري) في التاريخ ج 2 ص 499 في أحداث السنة الثالثة. [ (3) ] في رواية (الواقدي) ج 2 ص 199 (والطبري) في التاريخ ج 2 ص 499، وابن سعد في (الطبقات) ج 2 ص 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 واستخلف صلّى اللَّه عليه وسلّم على المدينة ابن أم مكتوم. سبب قتال أحد وذلك أنه لما عاد المشركون من بدر إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سفيان بن حرب من الشام موقوفة في دار الندوة- وكذلك كانوا يصنعون- لم يحركها ولا فرّقها فطابت أنفس أشرافهم أن يجهزوا منها جيشا كثيفا لقتال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وباعوها. وكانت ألف بعير، والمال خمسون ألف دينار، وكانوا يربحون في الدينار دينارا، فأخرجوا منها أرباحهم، فنزل فيهم قول اللَّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [ (1) ] . بعثة قريش تستنفر العرب وبعثوا- عمرو بن العاص وهبيرة بن أبي وهب، وابن الزّبعرى، وأبا عزّة عمرو بن عبد اللَّه الجمحيّ الّذي منّ عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر- إلى العرب يستنفرونها، فألبوا العرب وجمعوها. خروج قريش من مكة وخرجوا من مكة ومعهم الظّعن [ (2) ]- وهن خمس عشرة امرأة- وخرج نساء مكة ومعهن الدفوف يبكين قتلى بدر وينحن عليهم. وحشدت بنو كنانة، وعقدوا ثلاثة ألوية، وخرجوا من مكة لخمس مضين من شوال في ثلاثة آلاف [رجل فيهم سبعمائة دارع، ومعهم مائتا فرس] [ (3) ] وثلاثة آلاف بعير وخمس عشرة امرأة. كتاب العباس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكتب العباس بن عبد المطلب كتابا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع رجل من بني   [ (1) ] الآية 36/ الأنفال، وفي (خ) «ثم يغلبون الآية» . [ (2) ] جمع ظعينة، وهي المرأة تكون في هودجها. [ (3) ] ما بين القوسين في (خ) «ومائتي فرس وسبعمائة دارع» ، وقد أثبتناه بعد إعادة السياق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 غفار يخبره بذلك، فقدم عليه وهو بقباء فقرأه عليه أبيّ بن كعب واستكتم أبيا [ (1) ] . ونزل [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] على سعد بن الربيع فأخبره بكتاب العباس فقال: واللَّه إني لأرجو أن يكون في ذلك خير [ (3) ] . وقد أرجفت اليهود والمنافقون وشاع الخبر. وقدم عمرو بن سالم الخزاعي في نفر وقد فارقوا قريشا من ذي طوى، فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر وانصرفوا. خبر أبي عامر الفاسق وكان أبو عامر الفاسق قد خرج في خمسين رجلا [من الأوس] [ (4) ] إلى مكة وحرّض قريشا وسار معها وهو يعدها أن قومه يؤازرونهم- واسم أبي عامر هذا عبد عمرو [ (5) ] بن صيفيّ الراهب، وكان رأس الأوس في الجاهلية، وكان مترهبا، فلما جاء الإسلام خذل فلم يدخل فيه، وجاهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعداوة فدعا عليه، فخرج من المدينة إلى مكة، وهمّت قريش وهي بالأبواء أن تنبش قبر آمنة أم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم كفهم اللَّه عنه. بث العيون وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- أنسا ومؤنسا ابني فضالة ليلة الخميس عينين، فاعترضا لقريش بالعقيق [ (6) ] ، وعادا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبراه. ونزل المشركون ظاهر المدينة يوم الأربعاء فرعت إبلهم آثار الحرث والزرع يوم الخميس ويوم الجمعة حتى لم يتركوا خضراء. وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحباب بن المنذر بن الجموح فنظر إليهم وعاد وقد حرز عددهم وما معهم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تذكروا من شأنهم حرفا، حسبنا اللَّه ونعم الوكيل، اللَّهمّ بك أجول وبك أصول. المناوشة قبل أحد وخرج سلمة بن سلامة بن وقش يوم الجمعة فلقى عشرة أفراس طليعة فراشقهم   [ (1) ] في (خ) «ابنا» . [ (2) ] زيادة للإيضاح. [ (3) ] في (خ) «خيرا» . [ (4) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 205. [ (5) ] في (خ) «عمرو بن صيني» . [ (6) ] «والعرب تقول لكل مسيل ماء شقّه السيل في الأرض فأنهره ووسعه، عقيق وفي بلاد العرب أربعة أعقّة وهي أودية عادية شقّتها السيول» ، والمراد في هذا الخبر هو: عقيق بناحية المدينة، (معجم البلدان) ج 4 ص 138- 139. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 بالنّبل والحجارة حتى انكشفوا عنه، وعدا إلى قومه بني عبد الأشهل فأخبرهم ما لقي، وباتت وجوه الأوس والخزرج ليلة الجمعة لست مضين من شوال عليهم السلاح في المسجد بباب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خوفا من بيات [ (1) ] المشركين، وحرست المدينة حتى أصبحوا. رؤيا رسول اللَّه وخطبته ورأى صلّى اللَّه عليه وسلّم رؤيا، فلما أصبح يوم الجمعة واجتمع الناس خطب على المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إني رأيت في منامي رؤيا، رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت كأن سيفي ذا الفقار انقصم [ (2) ] من عند ظبته [ (3) ] ، ورأيت بقرا تذبح، ورأيت كأني مردف كبشا. فقال الناس: يا رسول اللَّه، فما أولتها؟ قال: أما الدرع الحصينة فالمدينة، فامكثوا فيها، وأما انقصام سيفي من عند ظبته فمصيبة في نفسي، وأما البقر المذبح فقتلى في أصحابي، وأما أني مردف كبشا فكبش الكتيبة نقتله إن شاء اللَّه. وفي رواية: وأما انقصام سيفي فقتل رجل من أهل بيتي. وقال: أشيروا عليّ. اختلاف المسلمين في الخروج إلى العدو ورأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ألا يخرج من المدينة فواقفه عبد اللَّه بن أبيّ والأكابر من الصحابة مهاجرهم وأنصارهم، وقال عليه السلام: امكثوا في المدينة واجعلوا النساء والذراري في الآطام، فإن دخل علينا قاتلناهم في الأزقة- فنحن أعلم بها منهم- ورموا من فوق الصياصي والآطام [ (4) ] . وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن، فقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدرا وطلبوا الشهادة وأحبوا لقاء العدو: اخرج بنا إلى عدونا، وقال حمزة وسعد بن عبادة، والنعمان بن مالك ابن ثعلبة، في طائفة من الأنصار: إنا نخشى يا رسول اللَّه أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم، فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت يوم بدر   [ (1) ] البيات: أن يوقعوا بالناس ليلا. [ (2) ] انقصم: تكسر. [ (3) ] الظبة: حد السيف من قبل ذبابه وطرفه. [ (4) ] الصياصي: جمع صيصية وهي الحصن. (المعجم الوسيط) ج 1 ص 531 والآطام: جمع أطم وهو البيت المرتفع (المرجع السابق) ج 1 ص 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 في ثلاثمائة رجل فظفّرك اللَّه عليهم، ونحن اليوم بشر كثير، قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعو اللَّه به، فساقه اللَّه إلينا في ساحتنا. كراهية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للخروج ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما يرى من إلحاحهم كاره، وقد لبسوا السلاح. وقال حمزة: والّذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم [ (1) ] بسيفي خارجا من المدينة، وكان يوم الجمعة صائما ويوم السبت صائما. وتكلم مالك ابن سنان والد أبي سعيد الخدريّ، والنعمان بن مالك بن ثعلبة، وإياس بن أوس ابن عتيك، في معنى الخروج للقتال. فلما أبوا إلا ذلك صلى [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجمعة بالناس وقد وعظهم وأمرهم بالجد والجهاد، وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا، ففرح الناس بالشخوص [ (3) ] إلى عدوهم، وكره ذلك المخرج كثير. ثم صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العصر بالناس وقد حشدوا، وحضر أهل العوالي [ (4) ] ورفعوا النساء في الآطام: ودخل صلّى اللَّه عليه وسلّم بيته ومعه أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما فعمماه ولبساه. وقد صف الناس له ما بين حجرته إلى منبره. خبر ندامة المسلمين على استكراههم الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم للخروج فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقالا للناس: قلتم لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قلتم واستكرهتموه على الخروج، والأمر ينزل عليه من السماء، فردوا الأمر إليه فما أمركم فافعلوه، وما رأيتم فيه له هوى أو رأي فأطيعوه، فبينا هم على ذلك إذ خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد لبس لأمته [ (5) ] ، ولبس الدرع فأظهرها وحزم وسطها بمنطقة (من أدم) [ (6) ] من حمائل سيف، واعتم وتقلد السيف، فقال الذين يلحون: يا رسول اللَّه، ما كان لنا أن نخالفك، فاصنع ما بدا لك، فقال: قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم اللَّه بينه وبين أعدائه، انظروا ما أمرتكم به فاتبعوه، امضوا على اسم اللَّه فلكم   [ (1) ] جالد بالسيف: ضرب بسرعة كأنه يجلد بسوط. [ (2) ] في (خ) «صلى اللَّه» . [ (3) ] الشخوص: الخروج. [ (4) ] العوالي: ضيعة بينها وبين المدينة أربعة ليال (معجم البلدان) ج 4 ص 166. [ (5) ] اللأمة: أداة الحرب ولباسها. [ (6) ] ما بين القوسين كان في (خ) بعد قوله: «حمائل سيف» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 النصر ما صبرتم. ووجد مالك بن عمرو النّجّاري [ (1) ]- وقيل بل هو محرز بن عامر بن مالك ابن عدي بن عامر بن غنم بن عدي النجار، وهو قول ابن الكلبي- قد مات، ووضعوه عند موضع الجنائز فصلّى عليه. الألوية يوم أحد ثم دعا بثلاثة أرماح فعقد ثلاثة ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى حباب بن المنذر بن الجموح- ويقال إلى سعد بن عبادة- ودفع لواء المهاجرين إلى على بن أبي طالب، ويقال: إلى مصعب بن عمير [ (2) ] رضي اللَّه عنهم. ثم ركب فرسه وتقلد القوس وأخذ قباءه [ (3) ] بيده. والمسلمون عليهم السلاح فيهم مائة دارع، وخرج السعدان أمامه يعدوان- سعد بن عبادة وسعد بن معاذ- والناس عن يمينه وشماله، حتى انتهى إلى رأس الثنية. كتيبة عبد اللَّه بن أبي وحلفاؤه من يهود [حتى إذا كان بالشيخين التفت فنظر إلى] [ (4) ] كتيبة خشناء لها زجل [ (5) ] فقال: ما هذه؟ فقالوا: هؤلاء حلفاء عبد اللَّه بن أبي بن سلول من يهود، فقال: لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك، ومضى فعسكر بالشيخين [ (6) ]- وهما أطمان-، والمشركون بحيث يرونه، فاستعدوا لحربه، وهمّ بنو سلمة وبنو حارثة ألا يخرجوا إلى أحد ثم خرجا. خيل المسلمين وكان المسلمون ألفا فيهم مائة دارع، وفرسان: أحدهما لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] وهو قول (الواقدي) ج 1 ص 214. [ (2) ] في (خ) «عمرو» . [ (3) ] في (المغازي) ج 1 ص 215 «وأخذ قناة بيده» . [ (4) ] في (خ) مكان ما بين القوسين «رأى» وما أثبتناه من (ابن سعد) ج 2 ص 99. [ (5) ] زجل: صوت وجلبة. [ (6) ] موضع سمّي كذلك لأن شيخا وشيخة كانا يجلسان عليه يتناجيان هناك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 والآخر لأبي بردة بن نيار. عرض الغلمان وردّهم عن القتال وعرض عليه غلمان: عبد اللَّه بن عمر، وزيد بن ثابت، وأسامة بن زيد، والنعمان بن بشير، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب (وعمرو بن حزم) [ (1) ] ، وأسيد بن ظهير، وعرابة بن أوس، وأبو سعيد الخدريّ، (وسعد بن حبتة الأنصاري) [ (2) ] ، وسمرة بن جندب، ورافع بن خديج، فردّهم، ثم أجاز رافع بن خديج لأنه رام، فقال سمرة بن جندب لزوج أمه مري بن سنان: أجاز رسول اللَّه رافع بن خديج وردّني وأنا أصرعه، فأعلم بذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: تصارعا، فصرع سمرة رافعا فأجازه، ونزل عبد اللَّه بن أبيّ ناحية. الحرس والأدلاء فلما فرغ العرض وغابت الشمس، أذّن بلال بالمغرب، فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصحابه، ثم أذّن بالعشاء فصلى بهم، واستعمل على الحرس محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطوفون بالعسكر. وقال حين صلى العشاء: من يحفظنا الليلة؟ فقام ذكوان بن عبد قيس فلبس درعه وأخذ درقته، فكان يطيف بالعسكر ليلته، ويقال: بل كان يحرس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يفارقه. ونام صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى [ (3) ] كان السحر قال: أين الأدلاء؟ من رجل يدلنا على الطريق [و] [ (4) ] يخرجنا على القوم من كثب؟ فقام أبو حثمة الحارثي، ويقال: أوس بن قيظي، ويقال: محيصة، وأبو حثمة أثبت- فقال: أنا يا رسول اللَّه.   [ (1) ] زيادة من (ابن هشام) ج 3 ص 18. [ (2) ] أغفله (الواقدي) و (ابن هشام) ، وذكر ابن سيد الناس في (عيون الأثر) ج 2 ص 6 «وسعد ابن حبته- بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح التاء المثناة من فوق تاء التأنيث- جد أبي يوسف الفقيه وهو سعد بن بحير- بفتح الحاء الموحدة وكسر الحاء المهملة وسكون الياء- ابن معاوية حليف بني عمرو بن عوف» وذكره ابن عبد البر في (الاستيعاب) ج 4 ص 36 ترجمة رقم 923. [ (3) ] في (الواقدي) ج 1 ص 217 «فلما كان في السحر» ، وفي (ابن هشام) «حتى إذا كان السحر» . [ (4) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 نبوءة رسول اللَّه بسل السيوف فخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم فركب فرسه فسلك به في بني حارثة، فذبّ فرس أبي بردة بن نيار بذنبه فأصاب كلّاب [ (1) ] سيفه فسل سيفه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا صاحب السيف، شم شيفك، فإنّي إخال السيوف ستسلّ فيكثر سلها [ (2) ] . ولبس من الشيخين درعا واحدة حتى انتهى إلى أحد، فلبس درعا أخرى ومغفرا وبيضة فوق المغفر، ولما نهض صلّى اللَّه عليه وسلّم من الشيخين زحف المشركون على تعبئة، وقد رأس فيهم أبو سفيان صخر بن حرب لعدم أكابرهم الذين قتلوا ببدر، ووافى عليه السلام أحدا وقد حانت الصلاة وهو يرى المشركين، فأذن بلال وأقام، وصلى عليه السلام بأصحابه الصبح صفوفا. انخزال ابن أبي ورجوعه وانخزل [ (3) ] ابن أبيّ في كتيبة وهو يقول: أيعصيني ويطيع الولدان؟ حتى عاد إلى المدينة ومعه ثلاثمائة، فبقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سبعمائة، وذكر له قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من يهود فأبي [ (4) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك ومن أن يستعين بمشرك. تعبئة جيش المسلمين وصفّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه وجعل الرماة خمسين رجلا، عليهم عبد اللَّه ابن جبير، [ويقال: بل جعل عليهم سعد بن أبي وقاص، وابن جبير أثبت] [ (5) ] ، وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام، وعلى الأخرى المنذر بن عمرو   [ (1) ] كلّاب السيف: المسمار أو الحلقة التي تكون في قائم السيف وتكون فيها علاقته. [ (2) ] هذه رواية (الواقدي) ج 1 ص 218، وأما رواية (الطبري) ج 2 ص 506 فهي كما نقلها عن (ابن إسحاق) : «فذبّ فرس بذنبه، فأصاب كلاب سيف، فاستلّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وكان يحب الفأل ولا يعتاف- لصاحب السيف: شم سيفك، فإنّي أرى السيوف ستسلّ اليوم» . ورواية (ابن الأثير) في (الكامل) ج 2 ص 151: «وذبّ فرس بذنبه فأصاب كلّاب سيف صاحبه، فاستله، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سيوفكم، فإنّي أرى السيوف ستسلّ اليوم» . [ (3) ] انخزل: انقطع ثم انفرد ثم تراجع (هامش ط) وفي (المغازي) «ارتحل» . [ (4) ] تقول: «أبى ذلك» ، «أبى من ذلك» متعديا بنفسه أو بحرف جر. [ (5) ] ما بين القوسين في (خ) بعد قوله «الغنوي» وهذا حق موضعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الغنوي [ (1) ] ، وجعل أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة. تعبئة المشركين يوم أحد وأقبل المشركون: على ميمنتهم خالد بن الوليد، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل، ولهم مجنّبتان مائتا فارس، وعلى الخيل صفوان بن أمية، ويقال: عمرو ابن العاص، وعلى رماتهم- وكانوا مائة- عبد اللَّه بن أبي [ (2) ] ربيعة. ودفعوا لواءهم إلى طلحة بن أبي طلحة: واسمه عبد اللَّه بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار ابن قصيّ. تسوية صفوف المسلمين ومشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رجليه يسوي الصفوف حتى كأنما يقوّم بها القداح، إن رأى صدرا خارجا قال: تأخر. فلما استوت دفع اللواء إلى مصعب ابن عمير فتقدم به بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. خطبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد ثم قام فخطب الناس فقال: يا أيها الناس: أوصيكم بما أوصاني اللَّه في كتابه من العمل بطاعته والتناهي عن محارمه. ثم إنكم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الّذي عليه ثم وطّن نفسه له على الصبر واليقين والجدّ والنشاط، فإن جهاد العدو شديد كريه [ (3) ] ، قليل من يصبر عليه إلا من عزم اللَّه له رشده، فإن اللَّه مع من أطاعه، وإن الشيطان مع من عصاه، فافتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد، والتمسوا بذلك ما وعدكم اللَّه. وعليكم بالذي أمركم به، فإنّي حريص على رشدكم، وإن الاختلاف والتنازع والتثبط من أمر العجز والضعف مما لا يحب اللَّه ولا يعطي عليه النصر ولا الظفر. يا أيها الناس: حدد في صدري [ (4) ] أن من كان على حرام فرّق اللَّه بينه وبينه ورغب له عنه غفر اللَّه له ذنبه، ومن صلى عليّ صلى اللَّه عليه وملائكته عشرا،   [ (1) ] لعله المنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة، ذكره صاحب (الإصابة) ترجمة رقم 8219 ج 9 ص 285، ولم أجده في ما عندي من كتب السيرة أو الرجال باسم «الغنوي» . [ (2) ] في (خ) «ابن ربيعة» والتصويب من (المغازي) ج 1 ص 220. [ (3) ] في نسخة من (المغازي) : «شديد كربه» . [ (4) ] حدد: أي قد امتنع بي ولزمني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ومن أحسن من مسلم أو كافر وقع أجره على اللَّه في عاجل دنياه أو آجل آخرته، ومن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا، ومن استغنى عنها [ (1) ] استغنى اللَّه عنه، واللَّه غني حميد. ما أعلم من عمل يقربكم إلى اللَّه إلا وقد أمرتكم به، ولا أعلم من عمل يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه، وإنه قد نفث في روعي الروح الأمين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها، لا ينقص منه شيء وإن أبطأ عنها، فاتقوا اللَّه ربكم، وأجملوا في طلب الرزق، ولا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية ربكم، فإنه لا يقدر ما عنده إلا بطاعته. قد بين لكم الحلال والحرام، غير أن بينهما شبها [ (2) ] من الأمر لا يعلمها كثير من الناس إلا من عصم اللَّه، فمن تركها حفظ عرضه ودينه، ومن وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى أو شك أن يقع فيه، وليس ملك إلا وله حمى، ألا وإن حمى اللَّه محارمه. والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى [ (3) ] تداعى إليه سائر الجسد [ (4) ] ، والسلام عليكم. أول من أنشب الحرب وأول من أنشب الحرب أبو عامر. طلع في خمسين من قومه مع عبيد قريش فنادى: يا للأوس، أنا أبو عامر، فقالوا: لا مرحبا بك ولا أهلا يا فاسق! فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر! فتراموا بالحجارة ساعة حتى ولّى. ودعا طلحة ابن أبي طلحة إلى البراز فبرز له علي رضي اللَّه عنه فقتله، فكبر المسلمون وسرّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتله: فإنه هو كبش الكتيبة. نساء المشركين وغناؤهم وكانت نساء المشركين- قبل التقاء الجمعين- أمام صفوفهم يضربن بالأكبار والدّفاف والغرابيل، ثم يرجعن فيكن في مؤخر الصف، فإذا دنا القوم بعضهم من بعض تأخر النساء وقمن خلف الصفوف: فجعلن كلما ولّى رجل حرضنه وذكرنه   [ (1) ] في (خ) «استغنى عن اللَّه» وما أثبتناه من (المغازي) ج 1 ص 222. [ (2) ] في (خ) «شبهات» وما أثبتناه من (المغازي) ج 1 ص 222. [ (3) ] في (خ) «إذا اشتكى» مكررة. [ (4) ] في (ط) «جسده» . وما أثبتناه من (المغازي) ج 1 ص 222. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 قتلاهم ببدر، ويقلن: نحن بنات طارق ... نمشي على النّمارق [ (1) ] إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق فراق غير وامق وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سمع قولهن قال: اللَّهمّ إني بك أجول وأصول، وفيك أقاتل، حسبي اللَّه ونعم الوكيل، ويقال: إن هندا قامت في النسوة يضربن بالدفوف وتقول: ويها بني عبد الدار ... ويها حماة الأديار ضربا بكل بتار وتقول: نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق [إلى آخره.. النمارق، جمع نمرقة بضم النون والراء، وربما كسرت النون، حكاه يعقوب: وهي الوسائد، وقد تسمى الطنفسة التي فوق الرحل نمرقة، ويقال في قولها: «نحن بنات طارق» : إنما أرادت بنات الأمر الواضح المضيء كإضاءة النجم، وذلك من قوله تعالى: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ] . خبر قزمان وكان قزمان [ (2) ] يعرف بالشجاعة وقد تأخر، فعيرته نساء بني ظفر فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يسوي الصفوف حتى انتهى إلى الصف الأول، فكان أول من رمى من المسلمين بسهم، فجعل يرسل نبلا كأنها الرماح، ويكت كتيت [ (3) ]   [ (1) ] في (عيون الأثر) ج 2 ص 9 «ونفرش النمارق» وفي (تاريخ الطبري) ج 2 ص 510 «ونبسط النمارق» . والنمارق: جمع نمرقة، وهي الوسادة الصغيرة، قال تعالى: وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ آية 15/ الغاشية وأضاف ابن الأثير في (الكامل) ج 1 ص 153: «إيها بني عبد الدار ... إيها حماة الديار ضربا بكل بتار [ (2) ] يقول الواقدي في (المغازي) ج 1 ص 223: «وكان قزمان من المنافقين، وكان قد تخلف عن أحد، فلما أصبح عيّره نساء بني ظفر ... إلخ» . [ (3) ] كتّ يكتّ كتيتا: دفع من صدره صوتا شديدا يكون من شدة الغيظ. وفي اللغة: كتّت القدر كتيتا: صوّتت عند ابتداء غليانها (المعجم الوسيط) ج 2 ص 775. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 الجمل، ثم فعل بالسيف الأفاعيل حتى قتل سبعة، وأصابته جراحة فوقع، فناداه قتادة بن النعمان، أبا الغيداق، هنيئا لك الشهادة! فقال: إني واللَّه ما قاتلت يا أبا عمرو على دين، ما قاتلت إلى على الحفاظ [ (1) ] أن تسير إلينا قريش حتى تطأ سعفنا [ (2) ] ، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه. فذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أهل النار، إن اللَّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. خبر الرماة يوم أحد وتقدم صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الرماة فقال: احموا لنا ظهورنا، فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا، والزموا مكانكم لا تبرحوا منه، وإذا رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا ولا تدافعوا عنا، اللَّهمّ إني أشهدك عليهم. وأرشقوا خيلهم بالنبل، فإن الخيل لا تقدم [ (3) ] على النبل. وكان الرماة تحمي ظهور المسلمين، ويرشقون خيل المشركين بالنبل فلا تقع إلا في فرس أو رجل فتولي الخيل هوارب. وشدّ المسلمون على كتائب المشركين فجعلوا يضربون حتى اختلت صفوفهم. حملة لواء المشركين ومصارعهم [وحمل لواءهم بعد طلحة ابنه أبو شيبة عثمان بن طلحة] [ (4) ] فحمل عليه حمزة فقتله، فحمله أخوه أبو سعد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فقتله. فحمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فقتله. فحمله الحارث بن طلحة فرماه عاصم فقتله. فنذرت أمهم سلافة بنت سعد بن الشّهيد- وكانت مع نساء المشركين- أن تشرب في قحف رأس عاصم الخمر، وجعلت لمن جاء به مائة من الإبل. ثم تداول حمل لوائهم عدّة، وكلهم يقتلون، وقال   [ (1) ] الحفاظ: الذب عن المحارم والمنع عند الحروب (المعجم الوسيط) ج 1 ص 185 وفي (ابن هشام) ج 3 ص 34 «فو اللَّه ما قاتلت إلا عن أحساب قومي ولولا ذلك ما قاتلت» . [ (2) ] سعف النخيل، كناية عن الزرع والأرض. [ (3) ] في (خ) «لا تقوم» . والتصويب من (الواقدي) ج 1 ص 225. [ (4) ] كذا في (خ) وهو خطأ، وصوابه في (المغازي) ج 1 ص 226: «ثم حمل لواءهم بعد طلحة عثمان بن أبي طلحة، أبو شيبة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الزبير بن بكار: حدثني أبو الحسن الأثرم، عن أبي عبيدة، قال: كان لواء المشركين يوم أحد مع طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار فقتله عليّ ابن أبي طالب رضي اللَّه عنه. وفي ذلك يقول الحجاج بن علاط السّلميّ ثم البهزي [بزاي] [ (1) ] : للَّه أيّ مذبّب عن حرمة ... أعني ابن فاطمة المعمّ المخولا جادت يداك لهم بعاجل طعنة ... فتركت طلحة للجبين مجدّلا وشددت شدّة باسل فكشفتهم ... بالجرّ إذ يهوون أخول أخولا وعللت سيفك بالدماء ولم تكن ... لتردّه حران [ (2) ] حتى ينهلا قال: ثم أخذ اللواء بعد طلحة أخوه أبو سعد بن أبي طلحة فقتله سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه، ثم أخذ اللواء أخوهما عثمان بن أبي طلحة وهو أبو شيبة، فقتله حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، ثم أخذ اللواء مسافر بن طلحة بن أبي طلحة، فقتله عاصم [بن ثابت] [ (3) ] بن أبي الأقلح، رماه فلما أحسّ بالموت دفع اللواء إلى أخيه الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة فرماه أيضا عاصم [بن ثابت [ (2) ]] ابن أبي الأقلح، فلما أحس الموت دفع اللواء إلى أخيه كلاب بن طلحة فقتله قزمان عديد [ (4) ] بني ظفر من الأنصار، ثم أخذ اللواء الحارث بن أبي طلحة فقتله قزمان،   [ (1) ] ترجمته في (الإصابة) ج 2 ص 214- 216 برقم 1618. [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «لتردّه في الغمد حتى ينهلا» وهذه الأبيات في ابن هشام ج 3 ص 79 على هذا النحو: للَّه أي مذبب عن حرمة ... أعني ابن فاطمة المعم المخولا سبقت يداك له بعاجل طعنة ... تركت طليحة للجبين مجدلا وشدت شدة باسل فكشفتهم ... بالجر إذ يهون أخول أخولا - المذبب: الحامي. - الحرمة: ما يجب على الإنسان أن يدافع عنه. - ابن فاطمة: الإمام علي. - المعم المخول: كريم الأعمام والأخوال. - الجر: أصل الجبل. - أخول أخولا: واحدا بعد واحد. [ (3) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 227. [ (4) ] يقال فلان عديد بني فلان: أي يعد فيهم وليس منهم صليبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فأخذ اللواء ارطأة بن شرحبيل [ (1) ] بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار فقتله مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار صاحب لواء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قتل مصعب بن عمير. ثم أخذ لواء المشركين أبو يزيد بن عمير بن هاشم ابن عبد مناف بن عبد الدار فقتله قزمان أيضا. ثم أخذ اللواء القاسط بن شريح [ (2) ] ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار فقتله قزمان أيضا. فذلك عشرة، وقيل: سبعة من صليبتهم مشركون قتلوا يوم أحد. ثم أخذ اللواء «صؤاب» غلام لهم حبشي، فقالوا له: [لا] [ (3) ] نؤتينّ من قبلك، فقطعت يمينه فأخذ اللواء بشماله، فقطعت فالتزم القناة، وقال [ (4) ] : قضيت ما عليّ؟ قالوا: نعم، فرماه قزمان فقتله. ووقع اللواء فتفرق المشركون، فأخذت اللواء عمرة بنت علقمة الحارثية، [قال الكلبي: عمرة بنت الحارث بن الأسود بن عبد اللَّه بن عامر بن عوف بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة] فأقامته، فتراجع المشركون فقال حسان ابن ثابت رضي اللَّه عنه، يعير بني مخزوم بالفرار، ويذكر صبر بني عبد الدار: صلي البأس منهم إذ فررتم ... عصبة من بني قصي صميم عمرة تحمل اللواء وطارت ... في رعاع من القنا مخزوم لم تطق حمله الزعانف منهم ... إنما يحمل اللواء النجوم وقال في صؤاب [ (5) ] :   [ (1) ] كذا في (ابن سعد) ج 2 ص 41، و (الواقدي) ج 1 ص 228. وفي (ابن هشام) ج 3 ص 62 «أرطاة عبد شرحبيل» . [ (2) ] في (خ) «القاسط ثم شرحبيل» والتصويب من (ابن هشام) ج 3 ص 62. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] في (المغازي) ج 1 ص 228 «وقال: يا بني عبد الدار، هل أعذرت؟» . [ (5) ] هذه الأبيات في ديوان حسان بن ثابت ص 372 هكذا: فخرتم باللواء وشر فخر ... لواء حين ردّ إلى صؤاب جعلتم فخركم فيه لعبد ... من الأم من يطا عفر التراب حسبتهم والسفيه أخو ظنون ... وذلك ليس من أمر الصواب بأن لقاءنا إذ حان يوم ... بمكة بيعكم حمر العياب أقر العين إن عصبت يداه ... وما إن تعصبان على خضاب ورواها أيضا (الطبري) ج 2 ص 513- 514 (وابن هشام) ج 3 ص 27، باختلاف يسير وقال: آخرها بيتا يروى لأبي خراش الهذلي وأنشدنيه له خلف الأحمر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 فخرتم باللواء وشرّ فخر ... لواء حين ردّ إلى صؤاب جعلتم فخركم فيه لعبد ... لألأم من مشى فوق التراب وقال في إقامة الحارثية اللواء، وفي سياق الأحابيش معهم [ (1) ] : إذا عضل [ (2) ] سيقت إلينا كأنهم ... جداية شرك معلمات الحواجب أقمنا لهم ضربا مبيرا منكلا ... وحزناهم بالطعن من كل جانب ولولا لواء الحارثية أصبحوا ... يباعون في الأسواق بيع الجلائب [ (3) ] وقال أبو عبيدة فيما سمع من علي: أقمنا لكم ضربا طلخفا [ (4) ] منكّلا ... وحزناكم بالطعن من كل جانب عصيان الرماة ودولة الحرب على المسلمين وما ظفر اللَّه نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم في موطن قط ما ظفره وأصحابه يوم أحد حتى عصوا الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وتنازعوا في الأمر. لقد قتل أصحاب اللواء، وانكشف المشركون منهزمين لا يلوون، ونساؤهم يدعون بالويل بعد ضرب الدفاف والفرح، ولكن المسلمين أتوا من قبل الرماة، فإن المشركين لما انهزموا وتبعهم المسلمون: يضعون السلاح فيهم حيث شاءوا، ووقعوا ينتهبون عسكرهم، قال بعض الرماة لبعض: لم [ (5) ] تقيمون هاهنا في غير شيء؟ قد هزم اللَّه العدوّ وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم! فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم. فقال بعضهم: ألم تعلموا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لكم: احموا ظهورنا، ولا تبرحوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن غنمنا فلا تشركونا، احموا ظهورنا. فقال   [ () ] أقر العين أن عصبت يداها ... وما إن تعصبان على خضاب في أبيات له، يعني امرأته، في غير حديث أحد. [ (1) ] انظر الديوان ص 172. [ (2) ] عضل: اسم قبيلة. والجداية: الصغير من ولد الظبي. شرك: موضع. انظر (ابن هشام) ج 3 هامش ص 28. [ (3) ] الجلائب: ما يجلب إلى الأسواق ليباع فيها (المرجع السابق) . [ (4) ] كذا في (خ) و (ط) ولعلها «طلحفا» بالحاء المهملة. والطلحف: الشديد (ترتيب القاموس) ج 3 ص 86. [ (5) ] في (خ) «لا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الآخرون: لم يرد رسول اللَّه هذا. وانطلقوا، فلم يبق منهم مع أميرهم عبد اللَّه ابن جبير إلا دون العشرة، وذهبوا إلى عسكر المشركين ينتهبون، وكانت الريح أول النهار صبا فصارت دبورا، وبينا المسلمون قد شغلوا بالنهب والغنائم، إذ دخلت الخيول تنادي فرسانها بشعارهم: يا للعزى [يا لهبل] [ (1) ] ، ووضعوا في المسلمين السيوف وهم آمنون، وكل منهم في يده أو حضنه شيء قد أخذه، فقتلوا فيهم قتلا ذريعا، وتفرق المسلمون في كل وجه، وتركوا ما انتهبوا، وخلوا من أسروا، وكرّ خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل في الخيل إلى موضع الرماة، فرماهم عبد اللَّه بن جبير بمن معه حتى قتل، فجردوه ومثل به أقبح المثل [ (2) ] ، وكانت الرماح قد شرعت في بطنه حتى خرقت ما بين سرته إلى خاصرته إلى عانته وخرجت حشوته [ (3) ] . وجرح عامة من كان معه، وانتقضت صفوف المسلمين. قولهم إن محمدا قتل، وانتقاض صفوف المسلمين ونادى إبليس عند جبل عينين [ (4) ]- وقد تصور في صورة جعال بن سراقة-: إن محمدا قد قتل: ثلاث صرخات، فما كانت دولة أسرع من دولة المشركين [ (5) ] . اختلاط الأمر على المسلمين، فيقتل بعضهم بعضا واختلط المسلمون وصاروا يقتلون، ويضرب بعضهم بعضا، ما يشعرون من العجلة والدّهش، وجرح أسيد بن حضير جرحين ضربه أحدهما أبو بردة [بن نيار] [ (6) ] وما يدري، وضرب أبو زعنة [ (7) ] أبا بردة ضربتين وما يشعر والتقت أسياف المسلمين على اليمان [حسيل بن جابر] وهم لا يعرفونه حين اختلطوا، وحذيفة يقول: أبي، أبي!! حتى قتل. فقال حذيفة: يغفر اللَّه لكم وهو أرحم   [ (1) ] في (خ) «إذ دخلت الخيول بالهبل تنادي فرسانها بشعارهم يا للعزى» . [ (2) ] المثلة: التنكيل والعقوبة (المعجم الوسيط) ج 2 ص 854. [ (3) ] الحشوة: جميع ما في البطن عدا الشحم (المرجع السابق) ج 1 ص 177. [ (4) ] أحد جبال أحد، ويقال ليوم أحد: «يوم عينين» . [ (5) ] الدّولة: الغلبة (المعجم الوسيط) ج 1 ص 304. [ (6) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 232. [ (7) ] في (خ) «أبو رعنة» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 1 ص 233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الراحمين. فزادته عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيرا، وأمر رسول اللَّه بديته أن تخرج، فتصدق حذيفة بن اليمان بديته على المسلمين. ويقال: إن الّذي أصابه عتبة بن مسعود. وأقبل الحباب بن المنذر بن الجموح يصيح: يا آل سلمة!، فأقبلوا إليه عنقا [ (1) ] واحدة: لبيك داعي اللَّه!! فيضرب يومئذ جبّار بن صخر في رأسه وما يدري، حتى أظهروا الشعار بينهم [ (2) ] فجعلوا يصيحون: أمت أمت! فكف بعضهم عن بعض، وقتل مصعب بن عمير وبيده اللواء، فقتله ابن قميئة واسمه عمرو، وقيل: عبد اللَّه. تفرق المسلمون ثم البشرى بسلامة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتفرق المسلمون في كل وجه، وأصعدوا في الجبل لما نادى الشيطان: قتل محمد! فكان أول من بشرهم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سالما كعب بن مالك، فجعل يصيح ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يشير إليه بإصبعه على فيه: أن اسكت. ودعا بلأمة كعب- وكانت صفراء أو بعضها- فلبسها ونزع لأمته فلبسها كعب. وقاتل كعب حتى جرح سبعة عشر جرحا لشدة قتاله. وصار أبو سفيان بن حرب يقول: يا معشر قريش أيكم قتل محمدا؟ فقال ابن قميئة: أنا قتلته! قال: نسوّرك [ (3) ] كما تفعل الأعاجم بأبطالها [ (4) ] . وجعل يطوف بأبي عامر الفاسق في المعرك، هل يرى محمدا؟ وتصفح القتلى فقال: ما نرى مصرع محمد، كذب ابن قميئة. ولقي خالد ابن الوليد فقال: هل تبين عندك قتل محمد؟ قال: رأيته قبل في نفر من أصحابه مصعدين في الجبل. قال [أبو سفيان] [ (5) ] هذا حق، كذب ابن قميئة، زعم أنه قتله.   [ (1) ] العنق: الجماعة من الناس، يقال جاء الناس عنقا عنقا. (المعجم الوسيط) ج 2 ص 632. [ (2) ] في (خ) «منهم» ، والتصويب من (الواقدي) ج 1 ص 234. [ (3) ] نسوّرك: نلبسك السّوار (المعجم الوسيط) ج 1 ص 462. [ (4) ] في (خ) «ببطلانها» . والتصويب من (المغازي) ج 1 ص 236. [ (5) ] زيادة للإيضاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 نداء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين إليه وجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وقد انكشف الناس إلى الجبل وهم لا يلوون عليه- يقول: إليّ يا فلان، إلي يا فلان، أنا رسول اللَّه! فما عرّج واحد عليه. هذا، والنبل يأتيه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كل ناحية وهو في وسطها واللَّه يصرفها عنه. وعبد اللَّه بن شهاب الزهريّ يقول: دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا! ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن جنبه ما معه أحد. ثم جاوزه عبد للَّه بن شهاب فلقي صفوان بن أمية [ (1) ] فقال له: ترحت [ (2) ] ! ألم يمكنك أن تضرب محمدا فتقطع هذه الشأفة [ (3) ] ، فقد أمكنك اللَّه منه؟ قال: وهل رأيته؟ قال: نعم! إنه إلى جنبك، قال: واللَّه ما رأيته! أحلف [ (4) ] أنه منا ممنوع، خرجنا أربعة تعاهدنا على قتله فلم نخلص إلى ذلك. أمر المسلمين بعد الهزيمة وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما انكشف المسلمون لم يبق معه إلا نفير [ (5) ] ، فأحدق به أصحابه من المهاجرين والأنصار، وانطلقوا به إلى الشعب وما للمسلمين لواء قائم ولا فئة ولا جمع، وإن كتائب المشركين لتحوشهم [ (6) ] مقبلة ومدبرة في الوادي يلتقون ويفترقون: ما يرون أحدا من الناس يردهم، ثم رجعوا نحو معسكرهم واشتوروا [ (7) ] في المدينة وفي طلب المسلمين، فبينا هم على ما هم فيه إذ طلع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أصحابه: فكأنهم لم يصبهم شيء حين رأوه سالما. ما نال المشركون من المسلمين وكان ابن قميئة- لما قتل مصعب بن عمير وسقط اللواء من يده- ابتدره رجلان من بني عبد الدار: سويبط بن حرملة وأبو الروم فأخذه أبو الروم فلم يزل في يده حتى دخل به المدينة حين انصرف المسلمون. ويقال: بل دفعه رسول اللَّه   [ (1) ] في (خ) «صفوان بن أمية بن شهاب» وما أثبتناه من (المغازي) ج 1 ص 238. [ (2) ] ترحت: في (خ) «قرحت» ، والصواب ما أثبتناه، وهو دعاء من التّرح، وهو الحزن. [ (3) ] الشأفة: قرحة تخشن فتستأصل بالكي (المعجم الوسيط) ج 1 ص 469. [ (4) ] في (المغازي) «أحلف باللَّه» ج 1 ص 238. [ (5) ] تصغير نفر. [ (6) ] يأخذونهم من حواليهم من كل جانب. [ (7) ] في (الواقدي) ج 1 ص 238: «نحو معسكرهم، وتآمروا في المدينة وفي طلبنا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه. واقتتل الفريقان على الاختلاط من الصفوف، ونادى المشركون بشعارهم [يا للعزى، يا آل هبل] [ (1) ] فأوجعوا في المسلمين قتلا ذريعا، ونالوا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما نالوا. ولم يزل صلّى اللَّه عليه وسلّم شبرا واحدا بل وقف في وجه العدو، وأصحابه تثوب إليه مرة منهم طائفة، وتتفرق عنه مرة، وهو يرمي عن قوسه أو بحجر حتى تحاجزوا. من ثبت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسلمين في أحد وثبت معه خمسة عشر رجلا [ (2) ] : سبعة من المهاجرين هم: أبو بكر، وعمر، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد اللَّه، وأبو عبيدة بن الجراح، والزبير بن العوام، ومن الأنصار سبعة: الحباب بن المنذر، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف، وأسيد بن حضير، وسعد بن معاذ. ويقال: ثبت سعد بن عبادة، ومحمد بن مسلمة: فيجعلونهما مكان أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ. المبايعون على الموت وبايعه يومئذ على الموت ثمانية: ثلاثة من المهاجرين هم: علي، والزبير، وطلحة، وخمسة من الأنصار هم: أبو دجانة، والحارث بن الصمة، وحباب بن المنذر، وعاصم بن ثابت، وسهل بن حنيف، فلم يقتل منهم أحد يومئذ، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعوهم في أخراهم [حتى انتهى من انتهى منهم إلى قريب من دون المهراس] [ (3) ] ويقال: ثبت بين يديه يومئذ ثلاثون رجلا كلهم يقول: وجهي دون وجهك، ونفسي دون نفسك، وعليك السلام غير مودّع [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة من المرجع السابق. [ (2) ] كذا في (خ) و (ط) ، ورواية (ابن سعد) ج 2 ص 42، و (الواقدي) ج 1 ص 240 «أربعة عشر رجلا، سبعة من المهاجرين وسبعة من الأنصار» . [ (3) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 240، والمهراس: ماء بجبل أحد (انظر المرجع السابق) . [ (4) ] غير مودّع: غير متروك، إشارة إلى قوله تعالى: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى آية 3/ الضحى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 خبر المدافعين عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما لحمه القتال [ (1) ] وخلص إليه، ذبّ عنه مصعب ابن عمير، وأبو دجانة حتى كثرت به الجراحة، فجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: من رجل يشري [ (2) ] نفسه؟ فوثب فتية من الأنصار خمسة، منهم عمارة بن زيادة بن السكن فقاتل حتى أثبت وفاءت [ (3) ] فئة من المسلمين فقاتلوا حتى أجهضوا أعداء اللَّه. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لعمارة بن زياد: أدن منّي، إليّ إليّ! حتى وسّده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قدمه- وبه أربعة عشر جرحا- حتى مات. وجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ يذمّر [ (4) ] الناس ويحضهم على القتال. وكان رجال من المشركين قد أذلقوا [ (5) ] المسلمين بالرّمي، منهم حبان بن العرقة وأبو أسامة الجشمي، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لسعد بن أبي وقاص: إرم فداك أبي وأمي. خبر حبان بن العرقة وأم أيمن ورمى حبان بن العرقة بسهم فأصاب ذيل أم أيمن- وقد جاءت تسقي الجرحى- فانكشف عنها فاستغرب [ (6) ] في الضحك، فشق ذلك على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدفع إلى سعد بن أبي وقاص سهما لا نصل له فقال: إرم، فوقع السهم في نحر حبّان فوقع مستلقيا وبدت عورته، فضحك صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه، ثم قال: استقاد [ (7) ] لها سعد! أجاب اللَّه دعوتك وسدد رميتك. وكان مالك بن زهير [ (8) ]- أخو أبي سلمة [ (9) ] الجشمي- هو وحبان بن العرقة قد أكثرا [ (10) ] في المسلمين القتل بالنبل، فرمى سعد بن أبي وقاص مالكا أصاب السهم عينه حتى خرج من قفاه فقتله، ورمى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ عن قوسه حتى صارت شظايا فأخذها قتادة بن النعمان فلم تزل عنده.   [ (1) ] كذا في (المغازي) ج 1 ص 240. [ (2) ] أي يبيع نفسه للموت. [ (3) ] رجعت. [ (4) ] يحرض. [ (5) ] في (خ) «أولقو» ، وأذلق: أسرع في الرمي وأضعفوا (المعجم الوسيط) ج 1 ص 314. [ (6) ] في (خ) «استغرت» . [ (7) ] أي انتصف. [ (8) ] في (خ) «أخا» . [ (9) ] كذا في (خ) ، (ط) وفي (الواقدي) «أبي أسامة» ج 1 ص 241. [ (10) ] في (خ) «أكثروا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 خبر عين قتادة وأصيبت عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذها وردها فعادت كما كانت، ولم تضرب عليه بعدها. وكان يقول بعد ما أسنّ: هي أقوى عينيّ! وكانت أحسنهما. مباشرته صلّى اللَّه عليه وسلّم القتال وباشر صلّى اللَّه عليه وسلّم القتال ورمى بالنبل حتى فنيت نبله، وتكسرت سية [ (1) ] قوسه. وقبل ذلك ما انقطع وتره وبقيت في يده قطعة تكون شبرا في سية القوس، فأخذ القوس عكاشة بن محصن ليوتر [ (2) ] له فقال: يا رسول اللَّه، لا يبلغ الوتر، فقال مدّه يبلغ! قال عكاشة: فو الّذي بعثه بالحق، لمددته حتى بلغ وطويت منه ليتين أو ثلاثا على سية القوس، ثم أخذ صلّى اللَّه عليه وسلّم قوسه فما زال يرام القوم- وأبو طلحة يستره مترسا عنه- حتى تحطمت القوس. خبر أبي طلحة وكان أبو طلحة قد نثر كنانته- وفيها خمسون سهما- بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- وكان راميا وكان صيّتا [ (3) ]- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صوت أبي طلحة في الجيش خير من أربعين رجلا، فلم يزل يرم بها ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خلفه بين رأسه ومنكبه ينظر إلى مواقع النّبل حتى فنيت نبله وهو يقول: نحري دون نحرك جعلني اللَّه فداك. فإن كان صلّى اللَّه عليه وسلّم ليأخذ العود من الأرض فيقول: ارم أبا طلحة! فيرمي بها سهما جيدا. سبب تسميته أبا رهم المنحور ورمى يومئذ أبو رهم الغفاريّ بسهم فوقع في نحره، فبصق عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبرأ، وسمّي بعد ذلك المنحور.   [ (1) ] سية القوس: طرفه. [ (2) ] يوتر للقوس: يشدّ وترها. [ (3) ] رفيع الصوت جهيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 المتعاهدون من قريش على قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان أربعة من قريش قد تعاهدوا وتعاقدوا على قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعرفهم المشركون بذلك، وهم: عبد اللَّه بن شهاب، وعتبة بن أبي وقاص، وعمرو بن قميئة، وأبي بن خلف [وزاد بعضهم [ (1) ] وعبد اللَّه بن حميد بن زهير بن الحارث ابن أسد بن عبد العزى بن قصي] . خبر ما أصاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الجراحة يوم أحد ورمى عتبة يومئذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأربعة أحجار فكسر رباعيته، أشظى [ (2) ] باطنها اليمنى السفلى، وشج في وجنتيه حتى غاب حلق المغفر [ (3) ] في وجنته، وأصيبت ركبتاه: جحشتا [ (4) ] ، وكانت حفر حفرها أبو عامر كالخنادق يكيد بها المسلمين، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقفا على بعضها ولا يشعر به. والثبت أن الّذي رمى وجنته صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن قميئة، والّذي رمى شفته وأصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص. وأقبل ابن قميئة- وهو يقول: دلوني على محمد، فو الّذي يحلف به [ (5) ] لئن رأيته لأقتلنه- فعلاه بالسيف، ورماه عتبة بن أبي وقاص مع تجليل [ (6) ] السيف- وكان عليه درعان. فوقع صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحفرة التي أمامه على جنبه فجحشت ركبتاه، ولم يصنع سيف ابن قميئة شيئا إلا وهن الضربة بثقل السيف فقد وقع لها صلّى اللَّه عليه وسلّم وانتهض، وطلحة يحمله من ورائه، وعليّ آخذ بيده حتى استوى قائما. ويقال: الّذي شج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جبهته ابن شهاب، والّذي أشظي رباعيته وأدمى شفتيه عتبة ابن أبي وقاص، والّذي دمّى وجنتيه حتى غاب الحلق في وجنته ابن قميئة وسال الدم من شجته التي [ (7) ] في جبهته حتى أخضل الدم لحيته صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان سالم مولى أبي حذيفة رضي اللَّه عنه يغسل الدم من وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول:   [ (1) ] ذكره ابن الأثير في (الكامل) ج 2 ص 154- 155. [ (2) ] الرباعية: إحدى الأسنان الأربعة التي في مقدم الفم من أعلى وأسفل، وأشظى: كسرت فصارت لها شظية. [ (3) ] من أدوات الحرب لوقاية العنق والعاتقين. [ (4) ] جحشت الركبة: أصيب إصابة كالخدش أو أشد. [ (5) ] كناية عن اللات والعزى، وهو من أيمان الشرك. [ (6) ] في (خ) «تحليل» وجلل السيف: إذا علّاه. [ (7) ] في (خ) «الّذي» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم؟ وهو يدعوهم إلى اللَّه عز وجل، فأنزل اللَّه تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ [ (1) ] وقال: اشتد غضب اللَّه [ (2) ] على قوم دمّوا فا [ (3) ] رسول اللَّه، اشتد غضب اللَّه على قوم دمّوا وجه رسول اللَّه، اشتد غضب اللَّه على رجل قتله رسول اللَّه، وقال: اللَّهمّ لا يحولنّ الحول على أحد منهم! فما حال الحول على أحد ممن رماه أو جرحه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فمات عتبة، وقتل ابن قميئة في المعركة. ويقال بل رمي بسهم فأصاب مصعب ابن عمير رضي اللَّه عنه قتله، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما له أقمأه اللَّه؟ فعمد إلى شاة يحتلبها فنطحته بقرنها وهو معتقلها فقتلته فوجد ميتا بين الجبال. وكان عدو اللَّه قد رجع إلى قومه فأخبرهم أنه قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وهو رجل من بني الأدرم [ (4) ] من بني فهر] وأقبل عبد اللَّه بن حميد بن زهير- حين رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على تلك الحال- يركض فرسه مقنعا في الحديد يقول: أنا ابن زهير! دلوني على محمد، فو اللَّه لأقتلنه أو لأموتن دونه. فقال له أبو دجانة: هلم إلى من يقي نفس محمد بنفسه. وضرب فرسه عرقبها [ (5) ] ثم علاه بالسيف فقتله، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر إليه ويقول: اللَّهمّ ارض عن أبي خرشة كما أنا عنه راض، وكان أبو دجانة قد ترّس عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم بظهره، ونبل يقع فيه وهو لا يتحرك، رضي اللَّه عنه. نزع الحلق من وجنته صلّى اللَّه عليه وسلّم ولما أصاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما أصاب أقبل أبو بكر رضي اللَّه عنه يسعى، فوافاه طلحة بن عبيد اللَّه، وبدر [ (6) ] أبو عبيدة بن الجراح فأخذ بثنيته حلقة المغفر فنزعها وسقط على ظهره وسقطت ثنيته، ثم أخذ الحلقة الأخرى [فكان أبو عبيدة في الناس أثرم [ (7) ]] ويقال: إن الّذي نزع الحلقتين من وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عقبة ابن وهب بن كلدة، ويقال: أبو اليسر، وأثبت ذلك: عقبة بن وهب، فيما ذكره الواقدي [ (8) ] . وقال غيره: الصحيح أن أبا عبيدة بن الجراح وعقبة بن وهب   [ (1) ] الآية 128/ آل عمران، وفي (خ) «عليهم الآية» . [ (2) ] في (خ) «غضب علي» . [ (3) ] أي فم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (4) ] هم بني تيم الأدرم. [ (5) ] أي قطع عرقوبها. [ (6) ] بدر: أسرع. [ (7) ] في (خ) «وكان أثرم» وما أثبتناه من (المغازي) ج 1 ص 247، والثرم هو سقوط الثنية أو انكسار السن من أصلها (ترتيب القاموس) ج 1 ص 402. [ (8) ] المغازي ج 1 ص 247. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 عالجاها حتى طارت ثنيتا أبي عبيدة في معالجته لهما، فكان أحسن أهتم خلق. ولما نزعتا جعل الدم يسيل، فجعل مالك بن سنان [وهو والد أبي سعيد الخدريّ] يملج الدم بفيه ثم ازدرده [ (1) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أحب أن ينظر إلى من خالط دمه دمي فلينظر إلى مالك بن سنان. وقيل له: تشرب الدم؟ فقال نعم! أشرب دم رسول اللَّه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من مسّ دمه دمي لم تصبه النار. مسح فاطمة الدم عن وجهه صلّى اللَّه عليه وسلّم وخرجت فاطمة عليها السلام في نساء، فلما رأت الّذي بوجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعتنقته وجعلت تمسح الدم عن وجهه، وذهب علي رضي اللَّه عنه يأتي بماء وقال لفاطمة: أمسكي هذا السيف غير ذميم فأتى بماء في مجنه [ (2) ] فأراد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يشرب منه- وكان قد عطش- فلم يستطع، ووجد ريحا من الماء كرهها فقال: هذا ماء آجن [ (3) ] ، فمضمض منه فاه للدم الّذي فيه، وغسلت فاطمة عن أبيها الدم، ورأى صلّى اللَّه عليه وسلّم سيف علي مختضبا فقال: إن كنت أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف، وسيف أبي دجانة غير مذموم. النساء يحملن الطعام ويسقين الجرحى وخرج محمد بن مسلمة يطلب مع النساء ماء- وكن قد جئن أربع عشرة امرأة منهن فاطمة عليها السلام، يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى، ويداوينهم [ (4) ] . ومنهن أم سليم بنت ملحان، وعائشة أم المؤمنين رضي اللَّه عنها على ظهورهما القرب، ومنهن حمنة بنت جحش وكانت تسقي العطشى وتداوي الجرحى، ومنهن أم أيمن تسقي الجرحى- فلم يجد محمد بن مسلمة عند النساء ماء. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد عطش عطشا شديدا، فذهب محمد إلى قناة حتى استفى من حسي [ (5) ] ، فأتى بماء عذب فشرب منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعا له   [ (1) ] ملج: امتصّ ورضع، ازدرد: ابتلع، تقول ملج الصبي أمه إذا رضعها (النهاية) ج 4 ص 353. [ (2) ] المجن: الترس. [ (3) ] الماء الآجن: الماء المتغير الطعم واللون (النهاية) ج 1 ص 26. [ (4) ] في (خ) : و «يداويهن» . [ (5) ] الحسي: حفيرة قريبة من القعر، قيل إنه لا يكون إلا في أرض أسفلها حجارة وفوقها رمل، فإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 بخير. وجعل الدم لا ينقطع، وجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لن ينالوا منا مثلها حتى تستلموا الركن. دواء جرح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما رأت فاطمة الدم لا يرقأ [ (1) ]- وهي تغسله وعلي يصب الماء عليها بالمجنّ، أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا، ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم، ويقال: داوته بصوفة محترقة. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد يداوي الجرح في وجهه بعظم بال حتى يذهب أثره. ومكث يجد وهن ضربة ابن قميئة على عاتقه شهرا أو أكثر من شهر. قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبي بن خلف وأقبل يومئذ أبي بن خلف يركض فرسه حتى [إذا] [ (2) ] دنا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعترض له ناس من المسلمين ليقتلوه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: استأخروا عنه! وقام وحربته في يده فرماه بها بين سابغة [ (3) ] البيضة والدرع فطعنه [ (4) ] هناك، فوقع عن فرسه وكسر ضلع من أضلاعه، فاحتملوه فمات- لما ولوا [قافلين] [ (5) ]- بالطريق، وفيه نزلت: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ (6) ] وكان أبيّ بن خلف قدم المدينة في فداء ابنه وقد أسر يوم بدر، فقال: يا محمد! إن عندي فرسا أجلها فرقا [ (7) ] من ذرة كل يوم أقتلك عليها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا أقتلك عليها إن شاء اللَّه. ويقال: قال ذلك بمكة فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمته بالمدينة فقال: أنا أقتله عليها إن شاء اللَّه. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم في القتال لا يلتفت وراءه، فكان يقول لأصحابه: إني أخشى أن يأتي أبيّ بن خلف من خلفي فإذا رأيتموه فآذوني، فإذا بأبيّ يركض على فرسه، وقد رأى رسول اللَّه فعرفه، فجعل يصيح بأعلى صوته:   [ () ] أمطرت نشفها الرمل فإذا انتهى إلى الحجارة أمسكته (النهاية) ج 1 ص 387. [ (1) ] في (خ) «يرقى» . [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] السابغ والسابغة والتسبغة: ما توصل به من حلق الدروع فتستر العنق. (المعجم الوسيط) ج 1 ص 414. [ (4) ] في (خ) فقطعه. [ (5) ] زيادة للإيضاح. [ (6) ] الآية 17/ الأنفال. [ (7) ] أجلها: أي أعلفها. (النهاية) ج 1 ص 289، والفرق: مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع، (ترتيب القاموس) ج 3 ص 479. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 يا محمد، لا نجوت إن نجوت! فقال القوم: يا رسول اللَّه! ما كنت صانعا حين يغشاك، فقد جاءك! وإن شئت عطف عليه بعضنا. فأبى صلّى اللَّه عليه وسلّم، ودنا أبيّ، فتناول صلّى اللَّه عليه وسلّم الحربة من الحارث بن الصمة، [ويقال: من الزبير بن العوام] ، ثم انتفض [بأصحابه] [ (1) ] كما ينتفض البعير، فتطاير عنه أصحابه- ولم يكن أحد يشبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ جد الجد- ثم أخذ الحربة فطعنه بها في عنقه وهو على فرسه، فجعل يخور كما يخور الثور، ويقول له أصحابه: أبا عامر! واللَّه ما بك بأس، ولو كان هذا الّذي بك بعين أحدنا ما ضره! فيقول: لا واللات والعزى، ولو كان هذا الّذي بي بأهل [ذي] [ (1) ] المجاز لماتوا أجمعون! أليس قال: لأقتلنك؟ فاحتملوه، وشغلهم ذلك عن طلب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولحق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعظم أصحابه في الشعب. وقال عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنه: مات أبيّ بن خلف ببطن رابغ، فإنّي لأسير ببطن رابغ- بعد هويّ [ (2) ] من الليل- إذا نار تأجج لي فهبتها، فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجذبها يصيح: العطش! وإذا رجل يقول: لا تسقه، فإن هذا قتيل رسول اللَّه، هذا أبيّ بن خلف. فقلت: ألا سحقا [ (3) ] ويقال: مات بسرف [ (4) ] ويقال: لما تناول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الحربة من الزبير حمل أبيّ على رسول اللَّه ليضربه، فاستقبله مصعب بن عمير يحول بنفسه دون رسول اللَّه، فضرب مصعب وجه أبيّ، وأبصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجة بين سابغة البيضة والدروع فطعنه هناك، فوقع وهو يخور. قتل عثمان بن عبد اللَّه المخزومي وأقبل عثمان بن عبد اللَّه بن المغيرة المخزومي على فرس أبلق يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعليه لأمة [ (5) ] كاملة- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم موجه إلى الشّعب- وهو يصيح: لا نجوت إن نجوت! فوقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعثر بعثمان فرسه في تلك   [ (1) ] زيادة للإيضاح والسياق. [ (2) ] الهوى: الساعة من الليل (المعجم الوسيط) ج 2 ص 1002. ورابغ موضع بين المدينة، والجحفة (معجم ما استعجم) ج 1 ص 625. [ (3) ] سحقا: بعد أشد البعد وسحق اللَّه فلانا أي أبعده، (المعجم الوسيط) ج 1 ص 420. [ (4) ] موضع على ستة أميال من مكة (معجم البلدان) ج 3 ص 212. [ (5) ] اللأمة: أدوات الحرب كلها من رمح وبيضة ومغفر وسيف ودرع (المعجم الوسيط) ج 3 ص 810. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الحفرة فيقع، ويخرج الفرس عائرا [ (1) ] فأخذه المسلمون فعقروه. ومشى الحارث بن الصمة إليه فاضطربا ساعة بسيفهما، ثم ضربه الحارث على رجله فبرك، ودفف عليه وأخذ درعه ومغفره وسيفه- ولم يسمع بأحد [ (2) ] سلب يومئذ غيره- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الحمد للَّه الّذي أحانه [ (3) ] . وكان عبد اللَّه بن جحش أسره ببطن نخلة، فافتدى من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعاد إلى مكة حتى قدم فقتله اللَّه بأحد. ذبح عبيد بن حاجز [ويرى مصرعه] [ (4) ] عبيد بن حاجز العامري [فأقبل] يعدو فضرب الحارث ابن الصمة فجرحه على عاتقه، فاحتمله أصحابه. ووثب أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري إلى عبيد فناوشه ساعة ثم ذبحه بالسيف ذبحا، ولحق برسول اللَّه [ (5) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم. سهل بن حنيف ينضح بالنبل عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان سهل بن حنيف ينضح بالنبل عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال عليه السلام: نبلو سهلا فإنه سهل. ونظر صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبي الدرداء رضي اللَّه عنه والناس منهزمون فقال: نعم الفارس عويمر غير أفّة [ (6) ] . ويقال: لم يشهد أبو الدرداء أحدا. ولقي أبو أسيرة بن الحارث بن علقمة رجلا فاختلفا ضربات [ (7) ] حتى قتله أبو أسيرة، فأقبل خالد بن الوليد على فرس أدهم أغر فطعن أبا أسيرة من خلفه: خرج الرمح من صدره فمات. قتال طلحة بن عبيد اللَّه وقاتل طلحة بن عبيد اللَّه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتالا شديدا- حين انهزم عنه أصحابه وكرّ المشركون فأحدقوا به من كل ناحية- وصار يذب بالسيف من بين   [ (1) ] عار الفرس: انفلت فذهب على وجهه (هامش (ط) ص 141) . [ (2) ] في (خ) «بأخذ» . [ (3) ] أحانه: أهلكه. [ (4) ] زيادة للسياق من (الواقدي) ج 1 ص 253. [ (5) ] في (خ) «رسول اللَّه» . [ (6) ] أغير آفة: غير جبان (المعجم الوسيط) ج 1 ص 21. [ (7) ] في (خ) «في ضرباته» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 يديه ومن ورائه وعن يمينه وعن شماله: يدور حوله يترس بنفسه حول رسول اللَّه، وإن السيوف لتغشاه، والنبل من كل ناحية، وإن هو إلا جنة بنفسه لرسول اللَّه حتى انكشفوا، فجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لطلحة: قد أوجب [ (1) ] . وكان طلحة أعظم الناس غناء عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ. ورمى مالك بن زهير الجشمي بسهم يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاتقى طلحة بيده عن وجهه المقدس فأصاب خنصره فشل خنصره. وقال حين رماه: حس [ (2) ] ! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو قال بسم اللَّه لدخل الجنة والناس ينظرون! من أحب أن ينظر إلى رجل يمشى في الدنيا وهو من أهل الجنة فلينظر إلى طلحة بن عبيد اللَّه، طلحة ممن قضى نحبه. ولما جال المسلمون تلك الجولة ثم تراجعوا، أقبل رجل من بني عامر بن لؤيّ- يقال له: شيبة بن مالك المضرّب- يصيح: دلوني على محمد! فضرب طلحة عرقوب فرسه فاكتسعت [ (3) ] به، ثم طعن حدقته وقتله. وأصيب يومئذ طلحة في رأسه: ضربه رجل من المشركين ضربة وهو مقبل وأخرى وهو معرض عنه، فنزف الدم حتى غشي عليه، فنضح أبو بكر رضي اللَّه عنه الماء في وجهه حتى أفاق، فقال: ما فعل رسول اللَّه؟ قال: خيرا، هو أرسلني إليك. قال: الحمد للَّه كل مصيبة بعده جلل [ (4) ] . قتال علي والحباب بن المنذر وكان علي بن أبي طالب يذب عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ناحية، وأبو دجانة مالك بن خرشة بن لوذان بن عبد ودّ بن ثعلبة الأنصاري يذب من ناحية، وسعد ابن أبي وقاص يذب طائفة. وانفرد علي بفرقة فيها عكرمة بن أبي جهل، فدخل وسطهم بالسيف- فضرب به وقد اشتملوا عليه- حتى أفضى إلى آخرهم، ثم   [ (1) ] قد أوجب لنفسه الجنة. [ (2) ] حسّ: كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضّه وأحرقه غفلة كالجمرة والضربة ونحوهما (النهاية) ج 1 ص 385. [ (3) ] في (خ) «فانعكست» ، وهي رواية الواقدي في (المغازي) ج 1 ص 255 ومعناها: سقطت من ناحية مؤخرها، ورمت به إلى الأرض. [ (4) ] جلل: هينة قليلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 كرّ فيهم ثانيا حتى رجع من حيث جاء. وكان الحباب بن المنذر الجموح يحوش المشركين كما تحاش الغنم، واشتملوا عليه حتى قيل قد قتل، ثم برز والسيف في يده وافترقوا عنه، وجعل يحمل على فرقة منهم وإنهم ليهربون [ (1) ] منه. وكان يومئذ معلما بعصابة خضراء في مغفره. خبر عبد الرحمن بن أبي بكر وكان مشركا وطلع يومئذ عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فقال: من يبارز؟ وارتجز فقال: لم يبق إلا شكة ويعبوب ... وصارم يقتل ضلّال الشيب [ (2) ] وفي رواية: «وناشي يشرب أرحام الشيب» فنهض إليه أبو بكر رضي اللَّه عنه وهو يقول: أنا ذلك الأشيب! ثم ارتجزه فقال: لم يبق إلا حسبي وديني ... وصارم تقضي به يميني فقال له عبد الرحمن: لولا أنك أبي لم أنصرف. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي بكر رضي اللَّه عنه: شم شيفك، وارجع مكانك، ومتعنا بنفسك. خبر شماس بن عثمان كان شماس بن عثمان بن الشريد المخزومي لا يرمي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ببصره] [ (3) ] يمينا ولا شمالا إلا رآه في ذلك الوجه يذب بسيفه، حتى غشي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فترس بنفسه دونه حتى قتل رحمه اللَّه، فذلك قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما وجدت لشماس شبها إلا الجنة [ (4) ] .   [ (1) ] في (خ) «ليهزموك» ، وما أثبتناه من (المغازي) ج 1 ص 257. [ (2) ] ذكر الواقدي هذا الخبر بغير الشعر، وذكره (ابن هشام) ج 2 ص 203 ضمن أخبار غزوة بدر، والبيت في (ابن هشام) هكذا: لم يبق غير شكة ويعبوب ... وصار يقتل ضلال الشيب وفي (خ) «إلا صارم» . والشكة: السلاح. واليعبوب: الفرس الكثير الجري. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] الجنة: كل ما وقى من سلاح وغيره (المعجم الوسيط) ج 1 ص 147. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 أول من أقبل بعد الهزيمة وكان أول من أقبل من المسلمين بعد التولية قيس بن محرث، [ويقال: قيس ابن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة] مع طائفة من الأنصار، فصادفوا المشركين فدخلوا في حومتهم، فما أفلت منهم رجل حتى قتلوا، ولقد ضاربهم قيس حتى قتل نفرا فما قتلوه إلا بالرماح: نظموه، ووجد به أربع عشرة ضربة قد جافته [ (1) ] وعشر ضربات في بطنه. خبر الداعين إلى القتال وكان عباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم ابن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، وخارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك ابن امرئ القيس بن مالك الأغر، وأوس بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان يرفعون أصواتهم، فيقول عباس: يا معشر المسلمين! اللَّه ونبيكم! هذا الّذي أصابكم بمعصية نبيكم، فيوعدكم النصر فما [ (2) ] صبرتم. ثم نزع مغفرة وخلع درعه وقال لخارجة بن زيد: هل لك فيهما؟ قال: لا، أنا أريد الّذي تريد. فخالطوا القوم جميعا، وعباس يقول: ما عذرنا عند ربنا إن أصيب رسول اللَّه ومنا عين تطرف؟ فيقول خارجة: لا عذر لنا عند ربنا ولا حجة، فقتل سفيان بن عبد شمس السلمي عباسا، وأخذت [ (3) ] خارجة الرماح، فجرح بضعة عشر جرحا، وأجهز عليه صفوان بن أمية. وقتل [ (4) ] أوس بن أرقم رضي اللَّه عنهم. خبر أبي دجانة وخبر السيف وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ قالوا: وما حقه؟ قال: يضرب به العدو. فقال عمر رضي اللَّه عنه: أنا يا رسول اللَّه، فأعرض عنه. ثم عرضه بذلك الشرط، فقام الزبير رضي اللَّه عنه، فقال: أنا، فأعرض عنه حتى وجدا [ (5) ] في أنفسهما. ثم عرضه الثالثة، فقال ذو المشهرة أبو دجانة:   [ (1) ] جافته: أصابت جوفه (المرجع السابق) ج 1 ص 147. [ (2) ] في (خ) «ما» . [ (3) ] في (خ) «وأخذ» . [ (4) ] في (خ) «وقيل» . [ (5) ] وجدا: غضبا (المعجم الوسيط) ج 2 ص 1013. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 أنا يا رسول اللَّه آخذه بحقه. فدفعه إليه، فصدق به حين لقي العدو، فأعطى السيف حقه، فما قاتل أحد أفضل من قتاله. لقد كان يضرب به حتى إذا كلّ عليه شحذه على الحجارة، ثم يضرب به العدو حتى رده كأنه منجل، وكان حين أعطاه السيف لبس مشهرة فأعلم بها، وكان قومه يعلمون- لما بلوا منه- أنه إذا لبس تلك المشهرة لم يبق في نفسه غاية. فخرج يمشي بين الصفين واختال في مشيته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين رآه: إن هذه لمشية يبغضها اللَّه إلا في مثل هذا الموطن، ويقال: كان يعلم رأسه بعصابة حمراء. خبر رشيد الفارسي ّ ولقي رشيد الفارسيّ مولى بني معاوية [ (1) ] رجلا من المشركين قد ضرب سعدا مولى حاطب جزله [ (2) ] باثنتين، فضربه على عاتقه فقتله، فاعترض له أخوه يعدو [ (3) ] فقتله، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحسنت يا أبا عبد اللَّه وكنّاه يومئذ ولا ولد له. خبر عمرو بن ثابت وكان عمرو [ (4) ] بن ثابت بن وقش بن زغبة بن عبد الأشهل الأنصاري شاكا في الإسلام حتى كان يوم أحد فأسلم وقاتل حتى أثبت فوجد وهو بآخر رمق فقالوا: ما جاء بك؟ قال: الإسلام! آمنت باللَّه ورسوله، ثم أخذت سيفي وحضرت، فرزقني اللَّه الشهادة. ومات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه لمن أهل الجنة. خبر مخيريق وكان مخيريق من أحبار يهود، فقال يوم السبت: يا معشر يهود! واللَّه إنكم لتعلمون أن محمدا لنبي، وأن نصره عليكم لحق! ثم أخذ سلاحه وحضر أحدا   [ (1) ] في (خ) «بني معوفة» وما أثبتناه من (المغازي) ج 1 ص 261. [ (2) ] في (المغازي) «ضربة جزلة» ج 1 ص 261. وجزله جزلا: أي قطعه (المعجم الوسيط) ج 1 ص 121. [ (3) ] في (المغازي) ج 1 ص 261 «وأقبل يعدو كأنه كلب» . [ (4) ] في (خ) «عمر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتل. وقال حين خرج: إن أحببت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراد: فهي عامة صدقات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مخيريق خير يهود. خبر عمرو بن الجموح وولده وما كان من أمر امرأته وخرج عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة وهو أعرج، وهو يقول: اللَّهمّ لا تردني إلى أهلي!! فقتل شهيدا، واستشهد ابنه خلاد بن عمرو، وعبد اللَّه بن عمرو بن حرام [بن ثعلبة بن حرام الأنصاري الخزرجي] [ (1) ] ، أبو جابر بن عبد اللَّه، فحملتهم هند بنت عمرو بن حرام- زوجة عمرو بن الجموح- على بعير لها تريد بهم المدينة، فلقيتها عائشة رضي اللَّه عنها- وقد خرجت في نسوة تستروح الخبر، ولم يضرب الحجاب يومئذ- فقالت لها: عندك الخبر، فما وراءك؟ قالت: أما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصالح، وكل مصيبة بعده جلل، واتخذ اللَّه من المؤمنين شهداء، وردّ اللَّه الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، وكفى اللَّه المؤمنين القتال، وكان اللَّه قويا عزيزا. قالت عائشة: من هؤلاء؟ قالت: أخي وابن أخي خلاد وزوجي عمرو بن الجموح، قالت: فأين تذهبين بهم؟ قالت: إلى المدينة أقبرهم فيها، ثم قالت: حل [ (2) ] ، تزجر بعيرها فبرك، فقالت عائشة: لما عليه [ (3) ] ، قالت: ما ذاك به، لربما حمل ما يحمل البعيران، ولكني أراه لغير ذلك. وزجرته فقام [ (4) ] فوجهته راجعة إلى أحد فأسرع، فرجعت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته بذلك فقال: فإن الجمل مأمور، هل قال شيئا [ (5) ] ؟ قالت [ (6) ] إن عمرا لما وجّهه إلى أحد قال: اللَّهمّ لا تردني إلى أهلي خزيان [ (7) ] وارزقني الشهادة! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فلذلك الجمل لا يمضي، إن منكم   [ (1) ] زيادة من نسبه. [ (2) ] كلمة لزجر الإبل (ترتيب القاموس) ج 1 ص 698. [ (3) ] أي برك للذي عليه من الحمل. [ (4) ] في (خ) بعد قولها: «فقام» ، و «برك» ولا معنى لها. ومناسبتها في رواية (الواقدي) «فقام، فلما وجهت به إلى المدينة برك» ج 1 ص 265. [ (5) ] الضمير في قوله: «قال» عائد على الشهيد. [ (6) ] في (خ) «قال» . [ (7) ] في (خ) «خربا» ، وفي (الواقدي) ج 1 ص 266 «خريا» ولعل الصواب ما أثبتناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 يا معشر الأنصار من لو أقسم على اللَّه لأبره: منهم عمرو بن الجموح. يا هند! ما زالت الملائكة مظلمة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينظرون أين يدفن. ثم مكث صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى قبرهم. ثم قال يا هند! قد ترافقوا في الجنة، عمرو بن الجموح، وابنك خلاد، وأخوك عبد اللَّه، قالت: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه أن يجعلني معهم [ (1) ] . أول قتيل من المسلمين يوم أحد وقال جابر بن عبد اللَّه: كان أبي أول قتيل قتل من المسلمين يوم أحد، قتله سفيان بن عبد شمس أبو أبي الأعور السلميّ، فصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل الهزيمة. خبر أم عمارة وقتالها يوم أحد وكانت أم عمارة [نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف [ (2) ] بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار] امرأة غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول [بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار] [ (3) ]-: قد شهدت أحدا هي وزوجها وابنها، ومعها شنّ [ (4) ] لتسقي الجرحى. فقاتلت وأبلت بلاء حسنا يومئذ- وهي حاجزة ثوبها على وسطها- حتى جرحت اثنى عشر جرحا، بين طعنة برمح أو ضربة بسيف. وذلك أنها كانت بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هي وابناها عبد اللَّه وحبيب ابنا زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن مبذول، وزوجها غزية بن عمرو- يذبون عنه، فلما انهزم المسلمون جعلت تباشر القتال وتذب عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسيف، وترمي بالقوس. ولما أقبل ابن قميئة- لعنه اللَّه- يريد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت فيمن اعترض له، فضربها على عاتقها ضربة صار لها فيما بعد ذلك غور أجوف، وضربته هي ضربات. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لمقام نسيبة بنت   [ (1) ] في المرجع السابق «عسى أن يجعلني معهم» . [ (2) ] في (خ) مكان «عوف» «خنساء» وهو خطأ في نسبها. وما أثبتناه من (الإصابة) ترجمة 1240 ج 13 ص 257. [ (3) ] زيادة من (الاستيعاب) ج 3 ص 259 ترجمتها رقم (3590) . [ (4) ] يقال: شنّ الماء على الشراب، وشنت العين الدمع (المعجم الوسيط) ج 1 ص 496. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان، وقال: ما التفتّ يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني. وقال لابنها عبد اللَّه بن زيد: بارك اللَّه عليكم من أهل بيت، مقام أمك خير من مقام فلان وفلان، ومقام ربيبك [يعني زوج أمه] خير من مقام فلان وفلان، ومقامك خير من مقام فلان وفلان، رحمكم اللَّه أهل بيت، قالت أم عمارة: ادع اللَّه أن نرافقك في الجنة، قال: اللَّهمّ [ (1) ] اجعلهم رفقائي في الجنة، قالت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا. خبر حنظلة «غسيل الملائكة» وخرج حنظلة بن أبي عامر [بن عمرو بن صيفي بن مالك بن أمية [ (2) ] بن ضبيعة بن زيد بن [ (3) ] عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس] هو حنظلة الغسيل- إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يسوي الصفوف بأحد، فلما انكشف المشركون ضرب فرس أبي سفيان بن حرب فوقع [على [ (4) ]] الأرض وصاح، وحنظلة يريد ذبحه، فأدركه الأسود بن شعوب [ (5) ] فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه، ومشى حنظلة إليه في الرمح وقد أثبته ثم ضربه الثانية فقتله، ونجا أبو سفيان. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني رأيت الملائكة تغسّل حنظلة بن [أبي] [ (6) ] عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة. قال أبو أسيد الساعدي: فذهبنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء. فلما أخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك أرسل إلى امرأته فسألها، فأخبرته أنه خرج وهو جنب. خبر هند بنت عتبة وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف- زوجة أبي سفيان بن حرب- أول من مثل بقتلى المسلمين، وأمرت نساء المشركين أن   [ (1) ] في (خ) مكان «اللَّهمّ» ما نصه: «أبو مالك بن الأوس اجعلهم» والصواب: ما أثبتناه، وانظر (المغازي) ج 1 ص 273. [ (2) ] في (خ) «أمه» . [ (3) ] في (خ) «زيد بن مالك بن عوف» وهو خطأ، والتصويب من (ط) . [ (4) ] في (خ) «فوقع الأرض» . [ (5) ] كذا في (خ) وفي (الواقدي) ج 1 ص 273، ولكن في (ابن هشام) ج 3 ص 60 «شداد ابن الأسود بن شعوب الليثي» . وفي (الكامل) ج 2 ص 158. بنحوه [ (6) ] في (خ) «بن عامر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 يمثلن بهم، فجدّعن الأنوف والآذان، فمثلن بالجميع إلا حنظلة الغسيل. أول من دخل المدينة بعد الهزيمة ولما صاح إبليس: إن محمدا قد قتل. تفرق الناس، فمنهم من ورد المدينة، فكان أول من دخلها بهذا الخبر أبو عبادة سعد بن عثمان بن خلدة بن مخلد بن عامر ابن زريق الأنصاري، ثم ورد بعده رجال. فجعل النساء يقلن: عن رسول اللَّه تفرّون. وجعل ابن أم مكتوم يقول: عن رسول اللَّه تفرون!! وحثت أم أيمن في وجوه بعضهم التراب وتقول: هاك المغزل، اغزل به، وهلمّ سيفك!! وقيل: إن المسلمين لم يعدوا الجبل- وكانوا في سفحه- لم يجاوزوه [ (1) ] . وأقبل [أبو] [ (2) ] أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة وهو يقول: يوم بيوم بدر. وقتل رجلا من المسلمين فضربه علي رضي اللَّه عنه فقتله. وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: أنا ابن العواتك [ (3) ] . وقال أيضا: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب خبر أنس بن النّضر ومر أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم ابن عدي بن النجار- وهو عم أنس بن مالك- بنفر من المسلمين قعود فقال: ما يقعدكم؟ قالوا: قتل رسول اللَّه! قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه! ثم جالد بسيفه حتى قتل رضي اللَّه عنه، فوجد به سبعون ضربة، وما عرف حتى عرفته أخته.   [ (1) ] في (خ) «لم يجاوزه» . [ (2) ] في (خ) ، وفي (الواقدي) ج 1 ص 279 «أمية» وما أثبتناه من (ابن هشام) ج 3 ص. [ (3) ] العواتك: جمع عاتكة: وهي التي تكثر من الطيب حتى تحمّر بشرتها. (المعجم الوسيط) ج 2 ص 583، وقال ابن الأثير في (النهاية) ج 3 ص 180: «والعواتك: ثلاث نسوة كن من أمهات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إحداهن: عاتكة بنت هلال بن فالج بن ذكوان، وهي أم عبد مناف بن قصي. والثانية: عاتكة بنت مرّة بن هلال بن فالج بن ذكوان، وهي أم هاشم بن عبد مناف. والثالثة: عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال، وهي أم وهب أبي آمنة أم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. فالأولى من العواتك عمة الثانية، والثانية عمة الثالثة. وبنو سليم تفخر بهذه الولادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 خبر خارجة بن زيد ومرّ مالك بن الدّخشم على خارجة بن زيد أبي زهير وهو قاعد، في حشوته ثلاثة عشر جرحا، كلها قد خلصت إلى مقتل فقال: أما علمت أن محمدا قد قتل! فقال خارجة: فإن [ (1) ] كان محمد قد قتل فإن اللَّه حي لا يموت، لقد بلّغ [محمد] [ (2) ] ، فقاتل عن دينك. ومرّ على سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير الأنصاري أحد النقباء- وبه اثنا عشر جرحا كلها خلص إلى مقتل- فقال: علمت أن محمدا قد قتل!! فقال سعد: أشهد أن محمدا قد بلغ رسالة ربه، فقاتل عن دينك فإن اللَّه حي لا يموت، وقال منافق: إن رسول اللَّه قد قتل فارجعوا إلى قومكم فإنّهم داخلوا البيوت. خبر ثابت بن الدحداحة وأصحابه: آخر من قتل يوم أحد وأقبل ثابت بن الدّحداحة [ (3) ] (ويقال: ابن الدحداح) بن نعيم بن غنم بن إياس بن بكير والمسلمون أوزاع [ (4) ] قد سقط في أيديهم فصاح: يا معشر الأنصار!! إليّ إليّ، أنا ثابت بن الدحداحة، إن كان محمد قد قتل فإن اللَّه حي لا يموت، فقاتلوا عن دينكم فإن اللَّه مظهركم وناصركم. فنهض إليه نفر من الأنصار فحمل بهم على كتيبة فيها: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، فحمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فقتله وقتل من كان معه من الأنصار رضي اللَّه عنهم، فيقال: إن هؤلاء آخر من قتل من المسلمين. ووصل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الشّعب مع أصحابه فلم يكن هناك قتال. خبر وحشي ومقتل حمزة وكان وحشي عبدا لابنة الحارث [ (5) ] بن عامر بن نوفل، ويقال: لجبير بن   [ (1) ] في (خ) «وإن» وما أثبتناه رواية (الواقدي) ج 1 ص 280 وهو أجود. [ (2) ] زيادة للإيضاح. [ (3) ] في (خ) «الدحداجة» و «الدحداج» . [ (4) ] الأوزاع: الجماعات والضروب المتفرقون (المعجم الوسيط) ج 2 ص 1029. [ (5) ] في (خ) «الحرب» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 1 ص 285. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 مطعم، فقالت له ابنة الحارث: إن أبي قتل يوم بدر، فإن قتلت أحد الثلاثة فأنت حر: إن قتلت محمدا، أو حمزة، أو عليا، فإنّي لا أرى في القوم كفؤا لأبي غيرهم. فكمن لحمزة رضي اللَّه عنه إلى صخرة، وقد اعترض له سباع بن عبد العزى (واسم عبد العزى عمرو بن نضلة بن غبشان بن سليم) - وهو ابن أم أنمار- فاحتمله ورمى به وبرك عليه فشحطه شحط [ (1) ] الشاة. ثم قام حتى بلغ المسيل فزلت رجله عن جرف، فهز وحشي حربته وضرب بها خاصرة حمزة خرجت من مثانته فلحق بربه. فأتاه وحشي فشق بطنه وأخرج كبده فجاء بها إلى هند بنت عتبة فقال لها: ماذا لي إن قتلت قاتل أبيك؟ قالت: سلبي [ (2) ] ! فقال: هذه كبد حمزة! فمضغتها ثم لفظتها، ونزعت ثيابها وحليها فأعطتها وحشيا، ووعدته إذا جاء مكة أن تعطيه عشرة دنانير، وقامت معه حتى أراها مصرع حمزة فقطعت مذاكيره، وجدّعت أنفه وقطعت أذنيه، ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين [ (3) ] حتى قدمت بذلك مكة وكبده معها. وفي المسند للإمام أحمد قال: فنظروا فإذا حمزة قد بقرت بطنه، وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكلت منها شيئا؟ قالوا: لا، قال: ما كان اللَّه ليدخل من حمزة النار. وفي رواية ابن سعد [ (4) ] : إن اللَّه قد حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئا أبدا. ويروى أن هندا لما أخرجت كبد حمزة لاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها، ثم علت على صخرة مشرفة فصاحت بأعلى صوتها بما قالت من الشعر حين ظفروا بما أصابوا من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فهجاها حسان بن ثابت لما بلغه ذلك من قولها [ (5) ] .   [ (1) ] شحط القتيل في الدم: اضطرب (المعجم الوسيط) ج 1 ص 474. [ (2) ] السلب: كل ما مع القتيل من سلاح وثياب ودابة، والمراد هنا كل ما تملك من الحلي والذهب وغيره. (المعجم الوسيط) ج 1 ص 441. [ (3) ] المسكة وجمعها المسك: السوار تجعله المرأة في يديها. والمعضدة والمعضد: الدملج يكون كالسوار، تجعله على عضدها بين الكتف والمرفق. والخدمة وجمعها الخدم: الخلخال تجعله في رجلها. هامش (ط) ص 153. [ (4) ] (الطبقات الكبرى) ج 3 ص 13. [ (5) ] قالت: نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات سعر ما كان عن عتبة لي من صبر ... ولا أخي وعمه وبكري شفيت نفسي وقضيت نذري ... شفيت وحشي غليل صدري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 موقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على مقتل حمزة وجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما فعل عمي؟ ويكرر ذلك، فخرج الحارث ابن الصمة فأبطأ، فخرج علي رضي اللَّه عنه فوجد حمزة رضي اللَّه عنه مقتولا، فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج يمشي حتى وقف عليه فقال: ما وقفت موقفا أغيظ إليّ من هذا! فطلعت صفية بنت عبد المطلب [ (1) ] رضي اللَّه عنها فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: [يا زبير] [ (2) ] أغن عني أمك. هذا وحمزة يحفر له فقال: إن في الناس تكشفا. فقالت: ما أنا بفاعلة حتى أرى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما رأته قالت: يا رسول اللَّه، أين ابن أمي حمزة؟ قال: هو في الناس، قالت: لا أرجع حتى انظر إليه. فجعل الزبير يجلسها حتى دفن حمزة رضي اللَّه عنه. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لولا أن يحزن نساءنا لتركناه للعافية [ (3) ] حتى يحشر يوم القيامة من بطون السباع وحواصل الطير. بكاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على حمزة ويقال: لما أصيب حمزة رضي اللَّه عنه جاءت صفية بنت عبد المطلب تطلبه فحالت بينها وبينه الأنصار، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوها، فجلست عنده،   [ () ] فشكر وحشي عليّ عمري ... حتى ترم أعظمي في قبري فأجابتها هند بنت أثاثة بن عباد بن عبد المطلب فقالت: خزيت في بدر وبعد بدر ... يا بنت وقاع عظيم الكفر صبحك اللَّه غداة الفجر ... بالهاشميّين الطوال الزهر بكل قطاع حسام يفري ... حمزة ليثي وعليّ صقري إذا رام شيب وأبوك غدري ... فخضبا منه ضواحي النّحر وندرك السوء فشرّ نذر (عيون الأثر) ج 1 ص 18. فقال حسان: أشرت لكاع وكان عادتها ... لؤما إذا أشرت مع الكفر (ابن هشام) ج 3 ص 36- 37. [ (1) ] أخت حمزة، وعمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأم الزبير بن العوام. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] العافية: طلاب الرزق من الدواب والطير (المعجم الوسيط) ج 2 ص 612. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 فجعلت إذا بكت بكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإذا نشجت نشج [ (1) ] . وكانت فاطمة عليها السلام تبكي ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلما بكت يبكي، وقال: لن أصاب بمثلك أبدا. ثم قال: أبشرا! أتاني جبريل وأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة بن عبد المطلب أسد اللَّه وأسد رسوله. المثلة بحمزة ورأى صلّى اللَّه عليه وسلّم به مثلا شديدا فأحزنه ذلك المثل، ثم قال: لئن فرت بقريش لأمثلن بثلاثين منهم، فنزلت هذه الآية: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [ (2) ] [فعفا رسول اللَّه] فلم يمثل بأحد [ (3) ] ، وجعل أبو قتادة الأنصاري يريد أن ينال من قريش، لما رأى من غم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قتل حمزة وما مثل به، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يشير إليه أن اجلس- وكان قائما- فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: احتسبتك عند اللَّه، ثم قال: يا أبا قتادة: إن قريشا أهل أمانة، من بغاهم العواثر كبه [ (4) ] اللَّه لفيه، وعسى إن طالت بك مدة أن تحقر عملك مع أعمالهم وفعالك مع فعالهم، لولا أن تبطر [ (5) ] قريش لأخبرتها بما لها عند اللَّه، فقال أبو قتادة: واللَّه يا رسول اللَّه ما غضبت إلا للَّه ولرسوله حين نالوا منه ما نالوا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: صدقت، بئس القوم كانوا لنبيهم. مقتل عبد اللَّه بن جحش وخبره وقال عبد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر [ (6) ] بن صبرة بن مرة بن كبير [ (6) ] ابن غنم بن دودان [ (6) ] بن أسد بن خذيمة الأسدي: يا رسول اللَّه! إن هؤلاء القوم قد نزلوا حيث ترى، وقد سألت اللَّه فقلت: اللَّهمّ إني أقسم عليك نلقى العدو غدا فيقتلونني ويبقرونني ويمثلون بي، فألقاك مقتولا قد صنع هذا بي، فتقول: فيم [ (6) ] صنع بك هذا؟ فأقول: فيك. وأنا أسألك أخرى: أن تلي تركتي من   [ (1) ] نشج نشيجا: تردد البكاء في صدره من غير انتحاب (المرجع السابق) ص 921. [ (2) ] الآية 126/ النحل. [ (3) ] هذه رواية (الواقدي) ج 1 ص 290. [ (4) ] في (خ) «أكبه» . [ (5) ] البطر: تقول بطر فلان النعمة: استخفّها فكفرها. [ (6) ] في (خ) «رباب بن نعمان» ، «ابن كثير» ، «داود» ، «قيم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 بعدي. فقال: نعم. فخرج حتى قتل ومثل به. ودفن هو وحمزة [ (1) ] رضي اللَّه عنه في قبر واحد. وولي تركته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاشترى لابنه [ (2) ] مالا بخيبر، فأقبلت أخته حمنة بنت جحش. فقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا حمن! احتسبي، قالت: من يا رسول اللَّه؟ قال: خالك حمزة، قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، غفر اللَّه له ورحمه، هنيئا له الشهادة! ثم قال لها: احتسبي، قالت: من يا رسول اللَّه؟ قال: أخوك، قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، غفر اللَّه له ورحمه، هنيئا له الشهادة، ثم قال لها: احتسبي، قالت: من يا رسول اللَّه؟ قال: مصعب بن عمير، قالت وا حزناه!! وفي رواية أنها قالت: وا عقراه!! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن للزوج من المرأة مكانا ما هو لأحد! ثم قال لها: لم قلت هذا؟ قالت: يا رسول اللَّه، ذكرت يتم بنيه فراعني. فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لولده أن يحسن عليهم الخلف، فتزوجت طلحة فولدت له محمد بن طلحة، فكان أوصل الناس لولدها. وكانت حمنة خرجت يومئذ إلى أحد مع النساء يسقين الماء. طلوع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أصحابه في الشّعب وطلع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أصحابه في الشّعب بين سعد بن عبادة وسعد بن معاذ يتكفأ في الدرع [وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مشى يتكفأ تكفؤا] [ (3) ]- وقد بدن وظاهر بين درعين- وكان يتوكأ على طلحة بن عبيد اللَّه، فما صلى الظهر يومئذ بأصحابه إلا جالسا. وقد حمله طلحة رضي اللَّه عنه- حين انتهى إلى الصخرة- حتى ارتفع عليها. ثم مضى إلى أصحابه ومعه النفر الذين ثبتوا معه، فلما رأوهم ولوا في الشعب ظنا أنهم من المشركين، حتى جعل أبو دجانة يليح إليهم بعمامة حمراء على رأسه فعرفوه، فرجعوا أو بعضهم. وكانوا الذين ثبتوا معه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وطلعوا وهو بينهم إلى الشعب- أربعة عشر: سبعة من المهاجرين وسبعة من الأنصار. سرور المسلمين بسلامة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسروا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى كأنهم لم تصبهم في أنفسهم مصيبة، وبينا هم   [ (1) ] حمزة: خال عبد اللَّه بن جحش. [ (2) ] في (المغازي) «لأمه» ج 1 ص 291. [ (3) ] زيادة للبيان، وهي صفة مشية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وذلك أنه كان «إذا مشى كأنما ينحط من صبب» راجع (صفة الصفوة لابن الجوزي) ج 1 ص 156 صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وص 213 من هذا الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 على ذلك ردّ المشركون فإذا هم فوقهم، وإذا كتائبهم قد أقبلت، فندبهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحضهم على القتال، فعدوا إليهم فانكشفوا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ (1) ] . وأبو سفيان في سفح الجبل فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليس لهم أن يعلونا فانكشفوا [ (2) ] . خبر النّعاس وألقى اللَّه النعاس على من مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهم سلّم [ (3) ] لمن أرادهم، لما بهم من الحزن فناموا ثم هبوا من نومهم كأن لم تصبهم قبل ذلك نكبة. وقال معتب ابن قشير، ويقال: بشير بن مليل بن زيد بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك ابن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا! فأنزل اللَّه تعالى: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ [إلى آخر الآيات] [ (4) ] قال أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم [ (5) ] بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري: لقد رأيتني يومئذ- في أربعة عشر رجلا من قومي- إلى جنب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد أصابنا النعاس أمنة، فما منهم إلا رجل يغط غطيطا حتى إن الجحف [ (6) ] لتناطح. ولقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده وما يشعر به حتى أخذه بعد ما تثلم: وإن المشركين لتحتنا. وقال أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد بن مناة بن عدي ابن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري: ألقي علينا النعاس، فكنت أنعس حتى سقط سيفي من يدي. وكان النعاس لم يصب أهل النفاق والشك يومئذ، فكل [ (7) ] منافق يتكلم بما في نفسه، وإنما أصاب النعاس أهل اليقين والإيمان.   [ (1) ] في (خ) «الرسل الآية» 144/ آل عمران. [ (2) ] في (خ) «ما انكشفوا» ، وما أثبتناه رواية (الواقدي) ج 1 ص 295. [ (3) ] السّلم: الاستسلام والتسليم، والأسر من غير حرب (المعجم الوسيط) ج 1 ص 446. [ (4) ] الآيات من 153- 155/ آل عمران. [ (5) ] في (خ) «ابن غزيه» وهو خطأ، ونسبه في (الإصابة) هكذا: «كعب بن عمرو بن عباد بن سواد بن عنم الأنصاري أبو اليسر» راجع (الإصابة) ترجمة رقم 7416 ج 8 ص 301. [ (6) ] الجحف: تقول: جحف فلان مع فلان جحفا: مال. [ (7) ] في (خ) «وكل» وما أثبتناه من (المغازي) ج 1 ص 296. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 خبر أبي سفيان ومقالته وردّ عمر ولما تحاجزوا أراد أبو سفيان بن حرب الانصراف، وأقبل على فرس حتى أشرف على المسلمين في عرض الجبل فنادى بأعلى صوته: أعل هبل! ثم صاح: أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ يوم بيوم بدر، ألا إن الأيام دول، وإن الحرب سجال، وحنظلة بحنظلة [ (1) ] ، فقال عمر رضي اللَّه عنه: أجيبه يا رسول اللَّه؟ فقال: بلى، فأجبه! فقال أبو سفيان: أعل هبل! فقال عمر: اللَّه أعلى وأجل! فقال أبو سفيان: إنها قد أنعمت فعال [ (2) ] عنها، ثم قال: أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر رضي اللَّه عنه: هذا رسول اللَّه، وهذا أبو بكر، وهذا عمر. فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، ألا إن الأيام دول وإن الحرب سجال. فقال عمر: لا سواء! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، قال أبو سفيان: إنكم لتقولون ذلك، لقد خبنا إذا وخسرنا! لنا العزى ولا عزى لكم! فقال عمر: اللَّه مولانا ولا مولى لكم! قال أبو سفيان: إنها قد أنعمت يا ابن الخطاب فعال [ (2) ] عنها قم إليّ يا ابن الخطاب أكلمك، فقام عمر، فقال أبو سفيان: أنشدك بدينك، هل قتلنا محمدا؟ قال عمر: اللَّهمّ لا، وإنه ليسمع كلامك الآن، قال أنت عندي أصدق من ابن قميئة، ثم قال أبو سفيان ورفع صوته: إنكم واجدون في قتلاكم عنتا ومثلا، إلا أن ذلك لم يكن عن رأي سراتنا، أدركته حمية الجاهلية فقال: أما إذ [ (3) ] كان ذاك فلم نكرهه ثم نادى: ألا إن موعدكم بدر [ (4) ] الصفراء على رأس الحول، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قل نعم! فقال عمر رضي اللَّه عنه: نعم. انصراف المشركين ومخافة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مباغتة المدينة فانصرف أبو سفيان إلى أصحابه وأخذوا في الرحيل، فأشفق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والمسلمون من أن يغير المشركون على المدينة فتهلك الذراري والنساء، فبعث سعد   [ (1) ] يريد حنظلة ولده، وحنظلة غسيل الملائكة. [ (2) ] في (خ) «فقال» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 1 ص 297 وعال عنها: تجاف عنها ولا تذكرها بسوء، يعني آلهتهم. (النهاية) ج 3 ص 294. [ (3) ] في (خ) «إذا» . [ (4) ] كذا في (خ) و (الواقدي) ج 1 ص 197. أما في (ط) «بدرا الصفراء» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ابن أبي وقاص لينظر: إن ركبوا الإبل وجنبوا الخيل فهو الظعن، وإن ركبوا الخيل وجنبوا الإبل فهي الغارة. ثم قال عليه السلام: والّذي نفسي بيده لئن ساروا إليه لأسيرن إليهم ثم لأناجزنهم، فذهب سعد يسعى إلى العقيق فإذا هم قد ركبوا الإبل وجنبوا الخيل، بعد ما تشاوروا نهب المدينة فأشار عليهم صفوان بن أمية ألا يفعلوا فإنّهم لا يدرون ما يغشاهم، فعاد فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قدوم أبي سفيان مكة وقدم أبو سفيان مكة فلم يصل إلى بيته حتى أتى هبل فقال: قد أنعمت ونصرتني وشفيت نفسي من محمد وأصحابه، وحلق رأسه. أول من قدم إلى مكة بخبر أحد فكان أول من قدم مكة بخبر أحد وانكشاف المشركين عبد اللَّه بن [أبي] [ (1) ] أمية بن المغيرة فكره أن يأتيهم بهزيمة أهلهم، فقدم الطائف وأخبر أن أصحاب محمد قد ظفروا وانهزمنا. ثم قدم وحشيّ مكة فأخبرهم بمصاب المسلمين وقد سار أربعا على راحلته، ووقف على الثنية التي تطل الحجون فنادى: يا معشر قريش! أبشروا، قد قتلنا أصحاب محمد مقتلة لم يقتل مثلها في زحف قط، وجرحنا محمد فأثبتناه بالجراح، وقتل حمزة. فسرّوا بذلك. قتلى المسلمين وقتلى المشركين وقتل من المسلمين بأحد أربعة وسبعون [ (2) ] : أربعة من قريش وسائرهم من الأنصار، ويقال: خمسة من قريش. وقتل من المشركين أربعة وعشرون، وأسر من المشركين أبو عزة عمرو [ (3) ] بن عبد اللَّه بن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح، ولم يؤسر منهم غيره فقال: يا محمد، منّ عليّ! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، لا ترجع إلى مكة تمسح عارضيك تقول: خدعت [وفي رواية سحرت] محمدا مرتين، ثم أمر به عاصم بن ثابت فضرب عنقه، ويقال:   [ (1) ] في (خ) «بن أمية» . [ (2) ] رواية (الواقدي) ج 1 ص 330 «سبعون» . [ (3) ] في (خ) «عمر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 إن المشركين لما انصرفوا بحمراء الأسد في أول الليل ساعة، ثم حلوا وتركوا أبا عزّة نائما مكانه حتى ارتفع النهار، ولحقه المسلمون وهو مستنبه يتلدد، وكان الّذي أخذه عاصم بن ثابت، فأمره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فضرب عنقه. صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على شهداء أحد ولما انصرف المشركون أقبل المسلمون على أمواتهم، فكان حمزة رضي اللَّه عنه فيمن أتي به أولا، فصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: رأيت الملائكة تغسله، لأن حمزة كان جنبا ذلك اليوم. ولم يغسّل صلّى اللَّه عليه وسلّم الشهداء، وقال: لفوهم بدمائهم وجراحهم، فإنه ليس أحد يجرح في سبيل اللَّه إلا جاء يوم القيامة جرحه لونه لون الدم وريحه ريح مسك، ثم قال: ضعوهم، أنا الشهيد على هؤلاء يوم القيامة. فكان حمزة أول من كبّر عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم جمع إليه الشهداء. فكان كلما أتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى عليه وعلى الشهداء، حتى صلى عليه سبعين مرة، ويقال: كان يؤتى بتسعة وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم ثم ترفع التسعة وحمزة مكانه، ويؤتى بتسعة آخرين فيوضعون إلى جنب حمزة فيصلي عليهم حتى فعل ذلك سبع مرات. ويقال: كبّر عليهم تسعا وسبعا وخمسا. وقيل: لم يصلّ عليهم. أخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث جابر وأنس وابن عباس رضي اللَّه عنهم: وهو مذهب مالك، والليث بن سعد والشافعيّ، وأحمد، وداود [ (2) ] : ألا يصلى على المقتول في المعركة. وقال فقهاء الكوفة والبصرة والشام: يصلى عليهم.   [ (1) ] في سنن أبي داود ج 3 ص 498 حديث رقم 3135: «حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، ... أن أنس بن مالك حدثهم أن شهداء أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم ولم يصلّ عليهم» وفي تعليق ابن القيم على أبي داود: «وقد ورد في الصلاة على قتلى أحد من المسلمين عدة أحاديث: منها ما أخرجه الشيخان عن عقبة بن عامر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج يوما يصلي أهل أحد صلاته على الميت، ومنها حديث أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صلى على حمزة، ومنها حديث أبي مالك الغفاريّ قال: كان قتلى أحد يؤتى منهم بتسعة عاشرهم حمزة، فيصلي عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم يحملون، ثم يؤتى بتسعة، وحمزة مكانه، حتى صلى عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وفي (عون المعبود) ج 8 ص 311. قال الحافظ: والخلاف في الصلاة على قتيل الكفار مشهور، قال الترمذي: قال بعضهم: يصلى على الشهيد وهو قول الكوفيين وإسحاق، وقال بعضهم لا يصلى عليه، وهو قول المدنيين والشافعيّ وأحمد. والحديث سكت عنه المنذري» . [ (2) ] صاحب مذهب مستقل، وأتباعه يعرفون بالظاهرية توفى ببغداد سنة 270 هـ[هامش (ط) ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 خبر دفن القتلى ودفن حمزة وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم للمسلمين، احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر. وقدموا أكثرهم قرآنا، فكانوا يقدمون أكثرهم قرآنا في القبر، ولما واروا حمزة رضي اللَّه عنه أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببردة تمدّ عليه وهو في القبر، فجعلت البردة إذا خمّروا [ (1) ] رأسه بدت قدماه، وإذا خمّروا رجليه ينكشف وجهه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: غطوا وجهه، وجعل على رجليه الحرمل [ (2) ] . فبكى المسلمون وقالوا: يا رسول اللَّه! عم رسول اللَّه لا نجد له ثوبا؟ فقال: تفتح الأرياف والأمصار فيخرج إليها الناس ثم يبعثون إلى أهليهم، إنكم بأرض حجاز [ (3) ] جردية [الجردية التي ليس بها شيء من الأشجار] [ (4) ] والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. والّذي نفسي بيده لا يصبر أحد على لوائها وشدتها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة. مصعب بن عمير ومر صلّى اللَّه عليه وسلّم على مصعب بن عمير وهو مقتول في بردة [ (5) ] فقال: لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرق حلة منك ولا أحن لمّة منك، ثم أنت شعث الرأس في بردة. ثم أمر به فقبر. وكان كثير من الناس حملوا موتاهم إلى المدينة فدفنوهم، فنادى منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ردّوا القتلى إلى مضاجعهم. فلم يردّ أحد إلا رجل واحد أدركه المنادي ولم يدفن، وهو شماس بن عثمان المخزوميّ. موقف المسلمين للثناء على اللَّه ولما فرغ صلّى اللَّه عليه وسلّم من دفن أصحابه ركب فرسه وخرج، والمسلمون حوله: عامتهم جرحى، ولا مثل لبني [ (6) ] سلمة وبني عبد الأشهل ومعه أربع عشرة امرأة،   [ (1) ] خمروا: غطّوا. [ (2) ] الحرمل: نبات صحراوي. [ (3) ] الحجاز: سمّى بذلك لأنه يحتجز بالجبال، (معجم البلدان) ج 2 ص 218. [ (4) ] هذه الزيادة من نص (الراقدي) ج 1 ص 311. [ (5) ] البردة: كساء مخطط يلحف به. (المعجم الوسيط) ج 1 ص 48. [ (6) ] في (خ) «ولا مثل نبي» ، وما أثبتاه عبارة (الواقدي) ج 1 ص 314. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 فلما كانوا بأصل الحرة قال: اصطفوا فنثني على اللَّه، فاصطف الرجال صفين خلفهم النساء ثم دعا فقال: اللَّهمّ لك الحمد كله، اللَّهمّ لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت، ولا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت، ولا مقرب لما باعدت ولا مباعد لما قربت. اللَّهمّ إني أسألك النعيم المقيم الّذي لا يحول ولا يزول، اللَّهمّ إني أسألك الأمن يوم الخوف، والغنى يوم الفاقة، عائذا بك اللَّهمّ من شر ما أعطيتنا وشرّ ما منعت منا. اللَّهمّ توفنا مسلمين. اللَّهمّ حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللَّهمّ عذب كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسولك ويصدون عن سبيلك، اللَّهمّ أنزل عليهم رجسك وعذابك إله الحق. آمين. دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة وأقبل حتى طلع على بني عبد الأشهل وهم يبكون على قتلاهم فقال: لكن حمزة لا بواكي له: فخرج الناس ينظرون إلى سلامته، فقالت أم عامر الأشهلية: كل مصيبة بعدك جلل [ (1) ] وجاءت أم سعد بن معاذ [وهي كبشة بنت رافع بن معاوية] [ (2) ] بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر، [وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج] [ (2) ] تعدو نحو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد وقف على فرسه، وسعد ابن معاذ آخذ بعنان الفرس، فقال سعد: يا رسول اللَّه: أمي، فقال: مرحبا بها، فدنت حتى تأملت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقالت: أما إذ رأيتك سالما فقد أشوت المصيبة [ (3) ] . فعزاها صلّى اللَّه عليه وسلّم بعمرو بن معاذ ابنها ثم قال: يا أم سعد: أبشري وبشّري أهليهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا- وهم اثنى عشر رجلا- وقد شفعوا في أهليهم، قالت: رضينا برسول اللَّه، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟ ثم قالت: ادع يا رسول اللَّه لمن خلفوا. قال: اللَّهمّ اذهب حزن قلوبهم، وأجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلفوا. ثم قال: خلّ أبا عمرو الدابة. فخلى سعد الفرس، فتبعه الناس فقال: يا أبا عمرو، إن الجراح في أهل دارك فاشية، وليس منهم مجروح   [ (1) ] جلل: هيّنة، قال ابن هشام: الجلل يكون من القليل ومن الكثير وهو هاهنا من القليل. [ (2) ] زيادة من النسب. [ (3) ] أشوت المصيبة: قلت، والشوية: القليل من الكثير (المعجم الوسيط) ج 1 ص 502. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 إلا يأتي يوم القيامة جرحه كأغزر ما كان: اللون لون الدم والريح ريح المسك، فمن كان مجروحا فليقرّ في داره وليداو جرحه، ولا يبلغ معي بيتي، عزمة مني. فنادى فيهم سعد، عزمة من رسول اللَّه ألا يتبع رسول اللَّه جريح من بني عبد الأشهل، فتخلف كل مجروح. فباتوا يوقدون النيران ويداوون الجراح، وإن فيهم لثلاثين جريحا، ومضى سعد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى جاء بيته فما نزل عن فرسه إلا حملا، واتكأ على سعد بن عبادة وسعد بن معاذ حتى دخل بيته، فلما أذّن بلال بصلاة المغرب خرج على مثل تلك الحال يتوكأ على السعدين فصلى ثم عاد إلى بيته. خبر البكاء على حمزة ومضى سعد بن معاذ إلى نسائه فساقهن حتى لم تبق امرأة إلا جاء بها إلى بيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبكين حمزة رضي اللَّه عنه بين المغرب والعشاء، والناس في المسجد يوقدون النيران يتكمدون [ (1) ] بها من الجراح. وأذّن بلال رضي اللَّه عنه حين غاب الشفق فلم يخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجلس بلال عند بابه حتى ذهب ثلث الليل، ثم ناداه الصلاة يا رسول اللَّه، فهب صلّى اللَّه عليه وسلّم من نومه وخرج، فإذا هو أخف في مشيته منه حين دخل، وسمع البكاء فقال: ما هذا؟ فقيل: نساء الأنصار يبكين على حمزة. فقال: رضي اللَّه عنكن وعن أولادكن، وأمر أن ترد النساء إلى منازلهن، فرجعن بعد ليل مع رجالهن. وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العشاء ثم رجع إلى بيته، وقد صفّ له الرجال ما بين بيته إلى مصلّاه يمشي وحده حتى دخل، وباتت وجوه الأوس والخزرج على بابه يحرسونه فرقا [ (2) ] من قريش أن تكر، ويقال: إن معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه جاء بنساء بني سلمة، وجاء عبد اللَّه بن رواحة رضي اللَّه عنه بنساء بلحارث [بن الخزرج] [ (3) ] فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أردت هذا! ونهاهن الغد عن النوح أشد النهي. شماتة المنافقين وجعل عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول والمنافقون يشمتون معه ويسرّون بما أصاب   [ (1) ] الكمادة: خرقة تسخّن وتوضع على الورم أو موضع الوجع (المرجع السابق) ج 2 ص 798. [ (2) ] فرقا: خوفا. [ (3) ] زيادة للإيضاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 المسلمين، ويظهرون أقبح القول: فيقول ابن أبيّ لابنه عبد اللَّه- وهو جريح قد بات يكوي الجراحة بالنار- ما كان خروج معه إلى هذا الوجه برأي! عصاني محمد وأطاع الولدان، واللَّه لكأنّي كنت انظر إلى هذا. فقال ابنه: الّذي صنع اللَّه لرسوله [ (1) ] وللمسلمين خير. ما قالت اليهود والمنافقون شماتة بقتلى أحد وأظهرت اليهود القول السيء فقالوا: ما محمد إلا طالب ملك، ما أصيب هكذا نبي قط! أصيب في بدنه، وأصيب في أصحابه! وجعل المنافقون يخذّلون عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه ويأمرونهم بالتفرق عنه، ويقولون: لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل. وسمع عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه ذلك في أماكن، فمشى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستأذنه في قتل من سمع ذلك منه من يهود والمنافقين. فقال عليه السلام: يا عمر، إن اللَّه مظهر دينه ومعزّ نبيه، ولليهود ذمة فلا أقتلهم، قال: فهؤلاء المنافقون! قال: أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه؟ قال: بلى يا رسول اللَّه! وإنما يفعلون ذلك تعوذا من السيف، فقد بان لنا أمرهم، وأبدى اللَّه أضغانهم عن هذه النكبة! فقال: نهيت عن قتل من قال لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه يا ابن الخطاب، إن قريشا لن ينالوا منا مثل هذا اليوم حتى نستلم الركن. ما نزل من القرآن في غزوة أحد ونزل في غزوة أحد من قوله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ من سورة آل عمران إلى آخرها [ (2) ] ، وكان قد نزل قبل أن يخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى حد قوله تعالى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [ (3) ] . فلم يصبروا وانكشفوا، فلم يمدّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بملك واحد يوم أحد.   [ (1) ] في (خ) «ولرسوله» . [ (2) ] قال ابن هشام: ستون آية. [ (3) ] في (خ) تبدأ الآيات بقوله تعالى: إني ممدكم بثلاثة آلاف ... وهكذا نص (الواقدي) ج 1 ص 320، وما أثبتناه أجود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 خبر معاوية بن المغيرة وكان هو الّذي مثّل بحمزة وكان معاوية بن المغيرة بن أبي العاص قد انهزم ومضى على وجهه ونام قريبا من المدينة، فلما أصبح دخلها، وأتى عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، فلما رآه قال: ويحك أهلكتني وأهلكت نفسك، وأدخله بيته. ثم سأل فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأجله ثلاثا فإن وجد بعدهن قتل. فجهزه عثمان. وخرج بعد ثلاث فأدركه زيد بن حارثة وعمار بن ياسر بالجماء [ (1) ] فرمياه حتى قتلاه، وكان هو الّذي مثّل بحمزة رضي اللَّه عنه. غزوة حمراء الأسد ثم كانت غزوة حمراء الأسد [ (2) ] يوم الأحد صبيحة أحد. وذلك أن عبد اللَّه ابن عمرو بن عوف المزني [ (3) ] أو في باب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الأحد، وبلال على الباب بعد ما أذّن وهو ينتظر خروج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما خرج أخبره المزني أنه أقبل من أهله حتى كان بملل إذا قريش قد نزلوا، فسمع أبا سفيان وأصحابه يشتورون [ (4) ] ليرجعوا حتى يستأصلوا من بقي، وصفوان يأبى ذلك عليهم. فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا بكر وعمر رضي اللَّه عنهما وذكر لهما ذلك، فقالا: أطلب العدو يا رسول اللَّه، ولا يقتحمون على الذرية، فلما صلى الصبح يوم الأحد- ومعه وجوه الأوس والخزرج، وقد باتوا في المسجد على بابه- أمر بلالا فنادى: إن رسول اللَّه يأمركم بطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس. خروج جرحى أحد للغزو فخرج سعد بن معاذ إلى داره يأمر قومه بالمسير وكلها جريح فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمركم أن تطلبوا عدوكم. فقال أسيد بن حضير- وبه سبع جراحات   [ (1) ] الجماء: جبل بالمدينة، على ثلاثة أميال من ناحية العقيق إلى الجرف. [ (2) ] حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة، إليه انتهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد في طلب المشركين. (معجم البلدان) ج 2 ص 301. [ (3) ] هذه رواية (الواقدي) في (المغازي) ج 2 ص 334 وقد ذكر (ابن هشام) ج 3 ص 44، و (الكامل) ج 2 ص 164 و (الطبري) ج 2 ص 534، ذكروا خلاف ذلك في أمر بدء هذه الغزوة. [ (4) ] هذه اللفظة عامية، وقد أكثر (المقريزي) من استعمالها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 يريد أن يداويها- سمعا وطاعة للَّه ولرسوله، وأخذ سلاحه ولم يعرّج على دواء، ولحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وجاء سعد بن عبادة قومه، وجاء أبو قتادة إلى طائفة فبادروا جميعا. وخرج من بني سلمة أربعون جريحا- بالطفيل بن النعمان ثلاثة عشر جرحا [ (1) ] ، وبخراش بن الصمة عشر جراحات- حتى وافوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال لما رآهم: اللَّهمّ ارحم بني سلمة. اللواء ودفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لواءه إلى أبي بكر، وقيل: لعليّ رضي اللَّه عنهما، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأقام على حرسه عبّاد بن بشر. خبر عبد اللَّه ورافع ابني سهل وكان عبد اللَّه ورافع ابنا سهل بن رافع بن عدي بن زيد بن أمية بن زيد الأنصاريان، رجعا من أحد وبهما جراح كثيرة فخرجا يزحفان، فضعف رافع فحمله عبد اللَّه على ظهره عقبة ومشى عقبة [ (2) ] . فدعا لهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أتياه وقال: إن طالت بكم مدة كانت لكم مراكب من خيل وبغال وإبل، وليس ذلك بخير لكم، ولم يخرج أحد لم يشهد أحدا سوى جابر بن عبد اللَّه، واستأذنه رجال لم يخرجوا أحدا فلم يأذن لهم. خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولما اجتمع الناس ركع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ركعتين في المسجد ودعا بفرسه على باب المسجد- وعليه الدرع والمغفر- فركب، وإذا بطلحة رضي اللَّه عنه، فقال: يا طلحة، سلاحك. فأسرع ولبس سلاحه- وبه تسع جراحات- وأقبل فقال له صلّى اللَّه عليه وسلّم: أين ترى القوم الآن؟ قال: هم بالسّيالة. قال: ذلك ظننت، أما إنهم- يا طلحة- لن ينالوا منا مثل أمس حتى يفتح اللَّه مكة علينا.   [ (1) ] في (خ) «جريحا» . [ (2) ] العقبة: المرة بعد المرة، ونصّ (الواقدي) ج 1 ص 335- 336: «فكان عبد اللَّه يحمله على ظهره عقبة ويمشي الآخر عقبة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الطلائع وبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم هم: سليط [ (1) ] ونعمان ابنا سفيان بن خالد بن عوف بن دارم وآخر [من أسلم من بني عوير، لم يسمّ لنا] [ (2) ] فقتلوا، ومضى صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد. وكان عامة زادهم التمر. وحمّل سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه ثلاثين بعيرا حتى وافت الحمراء، وساق جزرا لينحر، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمر في النهار فيجمع الحطب، فإذا أمسوا أمر أن توقد النيران، فيوقد كل رجل نارا، فقد أوقدوا خمسمائة نار حتى رئيت من مكان بعيد. وذهب ذكر معسكر المسلمين ونيرانهم في كل وجه، فكان ذلك مما كبت اللَّه به عدوهم. خبر معبد الخزاعي وانصراف المشركين ولقي معبد بن أبي معبد الخزاعي -[وهو يومئذ مشرك، وكانت خزاعة سلما للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (3) ]- رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا محمد، لقد عز علينا ما أصابك في نفسك وما أصاب أصحابك، ولوددنا أن اللَّه أعلى كعبك، وأن المصيبة كانت بغيرك، ثم مضى، فوجد أبا سفيان وقريشا بالروحاء وهم مجمعون على الرجوع: فأخبرهم أن محمدا وقومه وأصحابه قد تركهم يتحرقون عليهم [ (4) ] مثل النيران، وأنهم في طلبهم، فانصرفوا سراعا خائفين من الطلب لهم. وبعث أبو سفيان مع نفر من عبد القيس مرّ بهم يريدون المدينة أن يعلموا [ (5) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنهم أجمعوا الرجعة إليه، فلما بلغوه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك قال: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل. فنزل في ذلك قوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [ (6) ] ، وقوله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [ (7) ] . وبعث معبد الخزاعي رجلا فأخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بانصراف أبي   [ (1) ] في (خ) «سليكا» . [ (2) ] زيادة في المرجع السابق ص 337. [ (3) ] زيادة للبيان من (الواقدي) ج 1 ص 338. [ (4) ] في (خ) «عليكم» وهو نص (الواقدي) . [ (5) ] في (خ) «وهو يعلم» . [ (6) ] في (خ) «فاخشوهم الآية» وهي الآية 173/ آل عمران. [ (7) ] في (خ) «القرح الآية» . وهي الآية 172/ آل عمران، وفي رواية (الواقدي) ج 1 ص 340 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 سفيان ومن معه خائفين، فانصرف صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة بعد ثلاث. سرية أبي سلمة بن عبد الأسد إلى قطن ثم كانت سرية أبي سليمة بن عبد الأسد إلى قطن: وهو جبل بناحية فيد به ماء لبني أسد بن خزيمة بنجد، وذلك في المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا: دعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لهلال المحرم واستعمله على خمسين ومائة رجل، وعقد له لواء، وأمره أن يرد أرض [ (1) ] بني أسد، وأن يغير عليهم قبل أن تلاقي عليه جموعهم، وأوصاه ومن معه بتقوى اللَّه، فسار. وكان الّذي هيّج هذا أن رجلا من طيِّئ- يقال له الوليد بن زهير بن طريف- قدم المدينة، وأخبر أن طليحة وسلمة ابني [ (2) ] خويلد تركهما قد سارا- في قومهما ومن أطاعهما- لحرب رسول اللَّه، فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك، بعث أبا سلمة. وخرج الطائي معه دليلا ونكّب بهم عن الطريق، وسار بهم ليلا ونهارا حتى انتهوا بعد أربع إلى قطن، فوجدوا سرحا فأخذوه وثلاثة رعاء مماليك، ونذر بهم [ (3) ] القوم فتفرقوا في كل وجه، وورد أبو سلمة الماء وقد تفرقوا عنه، فبعث في طلب النّعم والشاء فأصابوا منها ولم يلقوا أحدا، فانحدروا إلى المدينة. وأعطى أبو سلمة الطائيّ الّذي دلهم رضاه من المغنم، ثم أخرج صفيا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبدا، ثم أخرج الخمس، وقسم ما بقي بين أصحابه فأقبلوا بها إلى المدينة. ويقال: كان بين المسلمين وبين القوم قتال قتل فيه رجل من المشركين، واستشهد مسعود بن عروة. غزوة بئر معونة ثم كانت غزوة بئر معونة- وهي ماء لبني عامر بن صعصعة [ (4) ] ، وقيل: قرب حرة بني سليم- في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا. وسببها أن عامر ابن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة- أبا براء ملاعب، الأسنّة قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهدى له فرسين وراحلتين، فقال: لا أقبل   [ () ] وردت الآيتان بالترتيب الطبيعي لهما. [ (1) ] في (خ) «أن برد الأرض» . [ (2) ] في (خ) «بنى» . [ (3) ] نذر بالشيء نذرا: علمه فحذره (المعجم الوسيط) ج 1 ص 912. [ (4) ] راجع (معجم البلدان) ج 1 ص 302. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 هدية مشرك، وردهما، وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، وقال: يا محمد، إني أرى أمرك هذا حسنا شريفا، وقومي خلفي، فلو أنك بعثت نفرا من أصحابك معي لرجوت أن يجيبوا دعوتك ويتبعوا أمرك، فإن هم اتبعوك فما أعزى أمرك! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني أخاف عليهم أهل نجد. فقال عامر: لا تخف عليهم، أنا لهم جار أن يعرض لهم أحد من أهل نجد. خبر القراء وخروجهم إلى بئر معونة وكان من الأنصار سبعون رجلا شببة، يسمون القراء، كانوا إذا أمسوا أتوا ناحية المدينة فتدارسوا وصلّوا، حتى إذا كان وجاء الصبح [ (1) ] استعذبوا من الماء وحطبوا من الحطب فجاءوا به إلى حجر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكان أهلوهم يظنون أنهم في المسجد، وأهل المسجد يظنون أنهم في أهليهم، فبعثهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأمرّ عليهم المنذر بن عمرو بن حنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ودّ بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي: أحد النقباء، وكتب معه كتابا. فساروا ودليلهم المطّلب من بني سليم، حتى [إذا] [ (2) ] كانوا ببئر معونة وهو ماء من مياه بني سليم- عسكروا بها وسرّحوا ظهرهم، وبعثوا في سرحهم الحارث بن الصّمة بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر، وهو مبذول، ابن مالك بن النجار، وعمرو بن أمية بن خويلد بن عبد اللَّه بن إياس بن عبيد ابن ناشرة بن كعب بن جدي بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة [جدي بضم الجيم وفتح الدال] الضمريّ، وقدّموا حرام بن ملحان، وهو مالك بن خالد بن زيد ابن حرام بن جندب [ (3) ] بن عامر بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري بكتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عامر بن الطفيل في رجال من بني عامر، فلم يقرءوا الكتاب. خبر عامر بن الطفيل ومقتل القراء ووثب عامر بن الطفيل على حرام فقتله، واستصرخ بني عامر فأبوا- وكان أبو براء بناحية نجد- فاستصرخ قبائل من سليم- عصية ورعلا [ (4) ]- فنفروا معه   [ (1) ] أول النهار قبيل الفجر. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] في (خ) «جنيدب» . [ (4) ] في (خ) «ورعل» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 حتى وجدوا القراء فقاتلوهم، فقتلوا رضي اللَّه عنهم إلا المنذر بن عمرو فإنّهم أمّنوه إن شاء، فأبى أن يقبل أمانهم حتى يأتي مقتل حرام، فلما أتى مصرعه قاتلهم حتى قتل، وأقبل الحارث [بن الصمة] [ (1) ] وعمرو بن أمية بالسرح والخيل واقفة، فقاتلهم الحارث حتى قتل بعد ما قتل منهم عدة. وأعتق عامر بن الطفيل عمرو ابن أمية عن أمّه وجزّ ناصيته. وكان ممن قتل يومئذ عامر بن فهيرة: طعنه جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ابن كلاب الكلابيّ بالرمح ثم انتزعه، فذهب بعامر في السماء حتى غاب عنه وهو يقول: فزت واللَّه! فأسلم جبار لما رأى من أمر عامر. دعاء رسول اللَّه على أصحاب الغدر ولما بلغ رسول اللَّه خبر بئر معونة «جاء معها في ليلة واحدة مصاب [خبيب ابن عدي] [ (2) ] ومرثد بن أبي مرثد وبعث محمد بن مسلمة، فجعل يقول: هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارها. ودعا على قتلتهم بعد الركعة من الصبح في صبح تلك الليلة التي جاء الخبر فيها. فلما قال: سمع اللَّه لمن حمده، قال: اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ عليك ببني لحيان وزغب ورعل وذكوان، وعصيّة فإنّهم عصوا اللَّه ورسوله، اللَّهمّ عليك ببني لحيان وعضل والقارة، اللَّهمّ أنج الوليد ابن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين. غفار غفر اللَّه لها، وأسلم سالمها اللَّه. ثم سجد. فقال ذلك خمس عشرة ليلة، ويقال: أربعين يوما، حتى نزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ [ (3) ] . حزن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على القراء وما نزل فيهم من القرآن ولم يجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على قتلى ما وجد على قتلى بئر معونة، وأنزل اللَّه فيهم قرآنا نسخ بعد ما قرئ مدة «بلغوا قومنا [عنا] [ (4) ] أنا لقينا ربنا فرضي عنا   [ (1) ] زيادة للبيان. [ (2) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 53، و (الواقدي) ج 1 ص 349. [ (3) ] الآية 128/ آل عمران، وفي (خ) «شيء الآية» . [ (4) ] ما بين القوسين زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 53، وبدون هذه الزيادة رواها (الواقدي) ج 1 ص 350. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 ورضينا عنه» . هدية أبي براء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأقبل أبو براء فبعث ابن أخيه لبيد بن ربيعة بفرس هدية لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرده وقال: لا أقبل هدية مشرك، قال: فإنه قد بعث يستشفيك من وجع به [وكانت به الدبيلة] [ (1) ] فتناول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مدرة من الأرض فتفل فيها ثم ناوله وقال: دفها [ (2) ] بماء ثم اسقها إياه. ففعل فبرأ. ويقال: بعث إليه بعكة [ (3) ] عسل فلم يزل يلعقها حتى برأ، وشق على أبي براء ما فعل عامر بن الطفيل. مقتل المشركين وقدم عمرو بن أمية على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ما لقي بصدور قناة [ (4) ] رجلين من بني كلاب قد قدما على رسول اللَّه فكساهما وأمنهما، فقتلهما للذي أصابت بنو عامر من القراء. فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بئس ما صنعت! قتلت رجلين قد كان لهما مني أمان وجوار! لأدينهما. وأخرج ديتهما دية حرّين مسلمين، فبعث بها وبسلبهما إلى عامر بن الطفيل. غزوة الرجيع (سرية مرثد بن أبي مرثد) ثم كانت غزوة الرجيع: وهو ماء لهذيل بين مكة وعسفان بناحية الحجاز، وذلك في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا. وذلك أن بني لحيان جعلت فرائض لعضل والقارة [رحم من بني الهون بن خزيمة بن مدركة إخوة بني أسد بن خزيمة] على أن يقدموا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيكلموه أن يخرج إليهم نفرا يدعونهم إلى الإسلام ليقتلوا من قتل سفيان بن نبيح الهذلي [ (5) ] ، ويبيعوا سائرهم على قريش بمكة، فقدم   [ (1) ] الدّبيلة على وزن جهبنة: داء في الجوف (ترتيب القاموس) ج 2 ص 149. [ (2) ] داف الدواء: خلطه وأذابه بالماء هامش (ط) ص 173. [ (3) ] العكّة: وعاء من جلود مستدير يختص بالسمن والعسل، وهو بالسمن أخصّ (النهاية) ج 3 ص 284. [ (4) ] في (خ) «بصدر قناء» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 1 ص 351، (وابن سعد) ج 2 ص 53، وقناة: واد بالمدينة، وأحد أوديتها الثلاثة (معجم البلدان) ج 4 ص 401. [ (5) ] هذا هو سبب سرية عبد اللَّه بن أنيس، وهي لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجره صلّى اللَّه عليه وسلّم (انظر ص 256) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 سبعة نفر من عضل والقارة مقرّين بالإسلام، فقالوا: يا رسول اللَّه، إن فينا إسلاما فاشيا، فابعث معنا نفرا من أصحابك يقرئونا القرآن ويفقهونا في الإسلام. خروج مرثد وأصحابه إليهم ومقتلهم فبعث معهم ستة وقيل عشرة، وهو الأصح كما وقع في كتاب الجامع الصحيح للبخاريّ رحمه اللَّه، وأمرّ عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي [ويقال: عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح] فخرجوا حتى إذا كانوا بماء لهذيل- يقال له الرجيع، قريب من الهدّة- لقيهم [ (1) ] مائة في أيديهم السيوف فقاموا ليقاتلوهم، فقالوا: ما نريد قتالكم، ولا نريد إلا أن نصيب منكم من أهل مكة ثمنا، ولكم عهد اللَّه وميثاقه لا نقتلكم، فاستأسر خبيب بن عدي الأنصاري، وزيد بن الدّثنّة بن معاوية بن عبيد بن عامر بن بياضة الأنصاريّ البياضيّ وعبد اللَّه بن طارق بن عمرو بن مالك البلويّ، وأبيّ أبو سليمان عاصم بن ثابت، ومرثد، وخالد بن أبي البكير، ومعتّب ابن عبيد: أن يقبلوا جوارهم. خبر عاصم بن ثابت حمى الدّبر ورماهم عاصم حتى فنيت نبله، ثم طاعنهم حتى كسر رمحه، ثم كسر غمد سيفه، وقاتل حتى قتل. فبعث عليه الدبر [ (2) ] فحمته، فلم يدن منه أحد إلا لدغت وجهه، ثم بعث اللَّه في الليل سيلا فاحتمله فذهب به فلم يقدروا عليه. وذلك أنه كان قد نذر ألا يمسّ مشركا ولا يمسّه مشرك. وكانوا يريدون أن يجزوا رأسه ليذهبوا به: إلى سلافة بنت سعد بن الشّهيد لتشرب في قفة قحفة [ (3) ] الخمر، فإنّها نذرت إن أمكنها اللَّه منه أن تفعل ذلك من أجل أنه قتل لها ابنين في يوم واحد. خبر الأسرى يوم الرجيع وقتلوا [ (4) ] معتّبا، وخرجوا بخبيب بن عدي بن مالك بن عامر بن مالك بن   [ (1) ] في (خ) «فلقيهم» . [ (2) ] الدبر: جماعة من النحل والزّنابير (المعجم الوسيط) ج 1 ص 269. [ (3) ] القحفة: ما انفلق من الجمجمة (المرجع السابق) ج 2 ص 716. [ (4) ] في (خ) «وقتل» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 مجدعة بن جحجبي بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وعبد اللَّه بن طارق، وزيد بن الدّثنّة، وهم موثقون بأوتار قسيّهم، فنزع عبد اللَّه بن طارق يده من رباطه وأخذ سيفه، فقتلوه رجما بالحجارة وقبروه بمرّ الظهران. خبر خبيب بن عدي بمكة وقدموا مكة بخبيب وزيد فابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب بثمانين مثقالا ذهبا، ويقال: بخمسين فريضة [ (1) ] ويقال: اشترته ابنة [ (2) ] الحارث بن عامر بن نوفل بمائة من الإبل. [وكان حجير بن أبي إهاب قد ابتاع خبيب بن عدي لزوج أخته عقبة ابن الحارث بن عامر بن نوفل، ليقتله بأبيه: قتل يوم بدر] [ (3) ] واشترى زيدا صفوان بن أمية بخمسين فريضة ليقتله بأبيه. ويقال: أنه شرك فيه أناس من قريش. وحبس حجير خبيبا- لأنه كان في ذي القعدة وهو شهر حرام- فأقام محبوسا في بيت ماويّة [ (4) ] ، مولاة بني عبد مناف، وحبس زيد عند نسطاس مولى صفوان ابن أمية، ويقال: عند قوم من بني جمح، فرأت ماوية خبيبا وهو يأكل عنبا من قطف مثل رأس الرجل في يده، وما في الأرض يومئذ حبة عنب، فعلمت أنه رزق رزقه اللَّه، فأسلمت بعد ذلك، وكان يجهر بالقرآن فيسمعه النساء فيبكين، فلما أعلمته ماوية- بعد انسلاخ الأشهر الحرم- بقتله، ما اكترث لذلك، وطلب حديدة فأتته بموسي مع ابنها أبي حسين [ (5) ] ، مولى بني الحارث بن عامر بن نوفل ابن عبد مناف بن قصي فقال له ممازحا له: وأبيك إنك لجريء! أما خشيت أمّك   [ (1) ] الفريضة: ما فرض في السائمة من الصدقة، ثم اتسع فيه حتى سمى البعير فريضة غير الزكاة، (ترتيب القاموس) ج 3 ص 473 و (النهاية) ج 3 ص 432. [ (2) ] في (خ) «اشتراه ابنه الحارث» ، وما أثبتناه من (الواقدي) ج 1 ص 257. [ (3) ] ما بين القوسين من (الواقدي) ج 1 ص 357 ومكانه في (خ) فهو هكذا، وكان خبيب قد قتله عقبة ابن الحارث بن عامر بن نوفل فأرادوا قتله به» وهذا خطأ كله وفي (ابن سعد) و (الواقدي) أنه اشتراه «لابن أخته» وهذا خطأ أيضا، بدليل ما قاله ابن حجر في (الإصابة) ج 7 ص 20 ترجمة رقم 5585 «مات عقبة بن الحارث في خلافة ابن الزبير» . [ (4) ] في (الواقدي) «في بيت امرأة يقال لها ماويّة» وهو أجود. [ (5) ] في (خ) «أبي الحسن بن الحارث» «وهو خطأ» هكذا قال محقق (ط) ، وفي (ابن هشام) ج 3 ص 96. «قال ابن هشام: ويقال إن الغلام ابنها» . وفي (ابن الأثير) ج 2 ص 167 «ندب صبي لها ... » راجع (صحيح البخاري) ج 7 ص 382، 383. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 غدري حين بعثت معك بحديدة، وأنتم تريدون قتلي؟ فقالت ماوية: يا خبيب، إنما أمنتك بأمان اللَّه، فقال: ما كنت لأقتله! ثم أخرجوه في الحديد إلى التنعيم [ (1) ] ومعه النساء والصبيان والعبيد وجماعة من أهل مكة ومعه زيد بن الدّثنّة. مقتل خبيب فصلى خبيب ركعتين أتمهما من غير أن يطول فيهما- وكان أول من سن الركعتين عند القتل [ (2) ]- ثم قال: اللَّهمّ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا. ثم أوثقوه رباطا وقالوا: ارجع عن الإسلام ونخلي سبيلك. فقال: لا إله إلا اللَّه! واللَّه ما أحب أني رجعت عن الإسلام وأنّ لي ما في الأرض جميعا! قالوا: أفتحب أن محمدا في مكانك وأنت جالس في بيتك؟ فقال: واللَّه ما أحب أن يشاك محمد شوكة وأنا جالس في بيتي. فجعلوا يقولون: يا خبيب ارجع! قال: لا أرجع أبدا. قالوا: أما واللات والعزى لئن لم تفعل لنقتلنك! قال: إن قتلي في اللَّه لقليل [ (3) ] ، فجعلوا وجهه من حيث جاء، فقال: ما صرفكم وجهي عن القبلة؟ ثم قال: اللَّهمّ إني لا أريد إلا وجه عدو، اللَّهمّ ليس هاهنا أحد يبلغ رسولك عني السلام فبلغه أنت عني السلام، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وهو جالس مع أصحابه وقد أخذته غمية [ (4) ]-: وعليه السلام ورحمة اللَّه، ثم قال: هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام. ثم أحضروا أبناء من قتل ببدر- وهم أربعون غلاما- فأعطوا كل غلام رمحا فطعنوه برماحهم، فاضطرب على الخشبة، وقد رفعوه إليها. وانفلت فصار [ (5) ] وجهه إلى الكعبة فقال: الحمد للَّه [ (6) ] فطعنه أبو سروعة- واسمه عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصيّ- حتى أخرجها من ظهره، فمكث ساعة يوحّد ويشهد أن محمدا رسول اللَّه ثم مات رضي اللَّه عنه، وتولى قتل زيد نسطاس، وقد روي أن غزوة الرجيع كانت قبل   [ (1) ] التنعيم: موضع بمكة في الحلّ، وهو بين مكة وسرف على فرسخين من مكة وقيل أربعة (معجم البلدان) ج 2 ص 49. [ (2) ] وكذلك فعلهما حجر ابن الأدبر حين قتله معاوية وقد صلى هاتين الركعتين أيضا زيد بن حارثة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتفصيل الخبرين في (الروض الأنف) ج 3 ص 325. [ (3) ] في (خ) «لقتل» . [ (4) ] الغميية: كالغشية. [ (5) ] في (خ) «وصار» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 1 ص 361. [ (6) ] وفي المرجع السابق: «الحمد للَّه الّذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضى لنفسه ولنبيه وللمؤمنين» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 بئر معونة. غزوة بني النضير ثم كانت غزوة بني النضير في ربيع الأول على رأس سبعة وثلاثين شهرا من مهاجر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويقال: كانت في جمادى الأولى [ (1) ] سنة أربع، وروى عقيل ابن خالد وغيره عن ابن شهاب قال: كانت غزوة بني النضير بعد بدر بستة أشهر. سببها، وغدر اليهود برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سببها أن عمرو بن أمية الضمريّ لما قتل الرجلين من بني عامر خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بني النضير يستعين في ديتهما- لأن بني النضير كانوا حلفاء بني عامر، وكان ذلك يوم السبت- فصلى في مسجد قباء ومعه رهط من المسلمين. ثم جاء بني النضير ومعه دون العشرة من أصحابه [ (2) ] فيجدهم في ناديهم، فجلس يكلمهم أن يعينوه في الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية، فقالوا: نفعل، اجلس حتى نطعمك، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستند إلى بيت، فخلا بعضهم إلى بعض، وأشار عليهم حيي بن أخطب أن يطرحوا عليه حجارة من فوق البيت الّذي هو تحته فيقتلوه، فانتدب لذلك عمرو بن جحاش ليطرح عليه صخرة، وهيأ الصخرة ليرسلها على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأشرف بها، فجاء الوحي بما همّوا به، فنهض صلّى اللَّه عليه وسلّم سريعا كأنه يريد حاجة ومضى إلى المدينة. فلما أبطأ لحق به أصحابه- وقد بعث في طلب [ (3) ] محمد بن مسلمة- فأخبرهم بما همت به يهود، وجاء محمد بن مسلمة فقال: اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم: [إن رسول اللَّه أرسلني إليكم] [ (4) ] أن اخرجوا من بلده، فإنكم قد نقضتم العهد بما هممتم به من الغدر، وقد أجّلتهم عشرا، فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه. أمر إجلاء بني النضير فأخذوا يتجهزون في أيام، ثم بعث حيي بن أخطب مع أخيه جدي [ (5) ] بن   [ (1) ] في (خ) «الأول» . [ (2) ] في (خ) «وأصحابه» . [ (3) ] في (خ) «طلبه» . [ (4) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 366. [ (5) ] في (خ) «حدى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 أخطب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لا نخرج، فليصنع ما بدا له. وقد غره عبد اللَّه بن أبي بأن أرسل إليه سويدا وداعسا بأن يقيم بنو النضير ولا يخرجوا: فإن معي من قومي وغيرهم [من العرب] [ (1) ] ألفين، يدخلون معكم فيموتون من آخرهم دونكم. فلما بلّغ جدي رسالة أخيه حييّ كبّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن معه وقال: حاربت يهود. ونادى مناديه بالمسير إلى بني النضير. مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم وحصارهم وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه فصلى العصر بفضاء بني النضير وقد قاموا على جدر [ (2) ] حصونهم ومعهم النبل والحجارة، ولم يأتهم ابن أبيّ واعتزلتهم [ (3) ] قريظة فلم تعنهم بسلاح ولا رجال، وجعلوا يرمون يومهم بالنبل والحجارة حتى أمسوا، فلما صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العشاء- وقد تتام أصحابه- رجع إلى بيته في عشرة من أصحابه، وعليه الدرع والمغفر وهو على فرس. واستعمل عليا رضي اللَّه عنه على العسكر، ويقال: بل استعمل أبا بكر رضي اللَّه عنه. وبات المسلمون محاصريهم يكبرون حتى أصبحوا. وأذن بلال رضي اللَّه عنه بالمدينة، فغدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه الذين كانوا معه فصلى بالناس في فضاء بني خطمة، واستعمل على المدينة ابن أمّ مكتوم. قتال بني النضير وحملت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبة أدم أرسل بها سعد بن عبادة، فضربها بلال ودخلها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرمى عزوك- من اليهود- فبلغ نبله القبة، فحولت حيث لا يصلها النّبل. ولزم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الدّرع وظل محاصرهم ست ليال من ربيع الأول. وحينئذ حرّمت الخمر، على ما ذكره أبو محمد بن حزم. وفقد عليّ رضي اللَّه عنه في بعض الليالي فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه في بعض شأنكم! فعن قليل جاء برأس عزوك: وقد كمن له حتى خرج في نفر من اليهود يطلب غرّة من المسلمين، وكان شجاعا راميا، فشدّ عليه عليّ رضي اللَّه عنه فقتله، وفرّ اليهود، فبعث معه   [ (1) ] زيادة من (الواقدي) ج 1 ص 366. [ (2) ] في (خ) «جذر» . [ (3) ] في (خ) «اعتزلهم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا دجانة وسهل بن حنيف، في عشرة فأدركوا اليهود الذين فروا من علي رضي اللَّه عنه فقتلوهم، وأتوا برءوسهم فطرحت في بعض البئار [ (1) ] . وكان سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه يحمل التمر إلى المسلمين. تحريق نخلهم وشرط إجلائهم وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنخل فقطعت وحرّقت، واستعمل على ذلك أبا ليلى المازني وعبد اللَّه بن سلام فشق على يهود قطع النّخل، وبعث حيي بن أخطب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأنه يخرج ومن معه. فقال عليه السلام: لا أقبله اليوم، ولكن اخرجوا منها ولكم [دماؤكم و] [ (2) ] ما حملت الإبل إلا الحلقة [ (3) ] ، فلم يقبل حييّ، وحالفت عليه طائفة ممن معه وأسلّم منهم يامين بن عمير بن كعب [ابن عمّ عمرو ابن جحاش] [ (4) ] وأبو سعد بن وهب ونزلا فأحرزا أموالهما، ثم نزلت يهود على أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة، وجعل يامين لرجل من قيس عشرة دنانير. ويقال: خمسة أوسق من تمر حتى قتل عمرو بن جحاش غيلة، فسرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتله. كيف كان جلاؤهم وأقام على حصار يهود خمسة عشر يوما حتى أجلاهم وولي إخراجهم محمد ابن مسلمة. وكانوا في حصارهم يخربون بيوتهم [بأيديهم] [ (5) ] مما يليهم، والمسلمون يخربون مما يليهم ويحرّقون، حتى وقع الصلح، جعلوا يحملون الخشب ويحملون النساء والذرية، وشقوا سوق المدينة والنساء في الهوادج عليهنّ الحرير والديباج وحلي الذهب والمعصفرات وهن يضربن بالدفوف ويزمرن بالمزامير تجلدا- وكبارهم يومئذ حييّ بن أخطب، وسلّام بن أبي الحقيق- وقد صف لهم الناس وهم يمرون، فكانوا على ستمائة بعير، فنزل أكثرهم بخيبر فدانت لهم، وذهبت طائفة منهم إلى الشام، فكان ممن صار منهم إلى خيبر أكابرهم كحيي بن أخطب، وسلام ابن أبي الحقيق، وحزن المنافقون لخروجهم أشد الحزن.   [ (1) ] في (خ) «البيار» والبئار: جمع بئر. [ (2) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 58. [ (3) ] الحلقة: السلاح كله. [ (4) ] في (خ) «كعب بن عمرو بن جحاش» ، وهو خطأ، وما أثبتناه من سياق ترجمته في (الإصابة) ج 10 ص 333 برقم 9112. [ (5) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 أموال بني النضير وقبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأموال والحلقة: فوجد خمسين درعا وخمسين بيضة [ (1) ] ، وثلاثمائة سيف وأربعين سيفا. وقال عمر رضي اللَّه عنه: ألا تخمّس ما أصبت. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أجعل شيئا جعله اللَّه لي دون المؤمنين- بقوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ [ (2) ] كهيئة ما وقع فيه السهمان للمسلمين. وكانت بنو النضير من صفايا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعلها حبسا لنوائبه، وكان ينفق على أهله منها: كانت خالصة له، فأعطى من أعطى منها، وحبس ما حبس، وكان يزرع تحت النخل، وكان يدخل منها قوت أهله سنة من الشعير والتمر لأزواجه وبني المطلب [ (3) ] ، وما فضل جعله في الكراع والسلاح. واستعمل على أموال بني النضير أبا رافع مولاه، وكانت صدقاته منها ومن أموال مخيريق. المهاجرون والأنصار وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تحول من بني عمرو بن عوف إلى المدينة تحول المهاجرون فتنافست فيهم الأنصار أن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم السهمان، فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار إلا بقرعة، فكان المهاجرون في دور الأنصار وأموالهم. خبر قسمة أموال بني النضير على المهاجرين دون الأنصار فلما غنم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بني النضير بعث ثابت بن قيس بن شمّاس فدعا الأنصار كلها- الأوس والخزرج- فحمد اللَّه وأثنى عليه، وذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين، وإنزالهم إياهم في منازلهم، وأثرتهم على أنفسهم، ثم قال: إن أحببت قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء اللَّه عليّ من بني النضير، وكان   [ (1) ] البيضة، من أدوات الحرب. [ (2) ] آية 7/ الحشر، وفي (خ) « ... القرى، الآية» . [ (3) ] في (خ) «بنى عبد المطلب» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم. فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ: يا رسول اللَّه، بل تقسمه للمهاجرين، ويكونون في دورنا كما كانوا. ونادت الأنصار: رضينا وسلمنا يا رسول اللَّه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار. وقسم ما أفاء اللَّه عليه على المهاجرين دون الأنصار إلا رجلين كانا محتاجين: سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث بن عمرو بن خناس (ويقال خنساء) بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري، وأبو دجانة سماك بن خرشة بن لوذان بن عبد ودّ بن ثعلبة الأنصاري. وأعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق، وكان سيفا له ذكر. ووسّع صلّى اللَّه عليه وسلّم في الناس من أموال بني النضير، وأنزل اللَّه تعالى في بني النضير «سورة الحشر» . وفي جمادى الأولى [ (1) ] مات عبد اللَّه بن عثمان عن رقية. زواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأم سلمة وفي شوال من هذه السنة تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأم سلمة رضي اللَّه عنها. غزوة بدر الموعد ثم كانت غزوة بدر الموعد لهلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهرا. وسببها أن أبا سفيان بن حرب لما أراد أن ينصرف يوم أحد نادى: موعد بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي فيه فنقتتل. فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه- وقد أمره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم-: نعم، إن شاء اللَّه. سوق بدر الصفراء وكراهية أبي سفيان الخروج إلى الموعد وكانت بدر [ (2) ] الصفراء مجمعا للعرب في سوق يقام لهلال ذي القعدة إلى ثمان   [ (1) ] في (خ) «الأول» . [ (2) ] «وبدر الموعد، وبدر القتال، وبدر الأولى، والثانية: كلها موضع واحد» (معجم البلدان) ج 1 ص 358. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 منه، فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وأحبّ ألا يوافي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الموعد، وكان يظهر أنه يريد الغزو في جمع كثيف، فيبلغ أهل المدينة عنه أنه يجمع الجموع ويسير في العرب، فتأهب المسلمون له. رسالة أبي سفيان نعيم بن مسعود لتخذيل المسلمين وقدم [ (1) ] نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فأخبر أبا سفيان [ (2) ] وقريشا بتهيؤ المسلمين لحربهم. وكان عاما [ (3) ] جدبا، أعلمه أبو سفيان بأنه كاره للخروج إلى لقاء المسلمين، واعتل بجدب الأرض. وجعل له عشرين فريضة توضع تحت يد سهيل بن عمرو، على أن يخذل المسلمين عن المسير لموعده وحمله على بعير. فقدم المدينة وأرجف بكثرة جموع أبي سفيان حتى رعّب [ (4) ] المسلمين، وهو يطوف فيهم حتى قذف الرعب في قلوب المسلمين ولم تبق لهم نية في الخروج. واستبشر المنافقون واليهود وقالوا: محمد لا يغلب! - من هذا الجمع- فبلغ ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى خشي ألا يخرج معه أحد. وجاءه أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما- وقد سمعا ما سمعا- وقالا: يا رسول اللَّه، إن اللَّه مظهر دينه ومعزّ نبيه، وقد وعدنا القوم موعدا، ولا نحب أن نتخلف فيرون أن هذا جبن، فسر لموعدهم، فو اللَّه إن في ذلك لخيرة. فسرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ثم قال: والّذي نفسي بيده لأخرجنّ وإن لم يخرج معي أحد. فبصّر اللَّه المسلمين وأذهب ما كان رعبهم الشيطان، وخرجوا بتجارات لهم إلى بدر فربحت ربحا كثيرا. خروج المسلمين إلى بدر واستخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المدينة عبد اللَّه بن رواحة، وسار في ألف وخمسمائة، فيهم عشرة أفراس، وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة، وقام السّوق صبيحة الهلال فأقاموا ثمانية أيام والسوق قائمة. وخرج أبو سفيان من مكة في ألفين معهم خمسون فرسا ثم رجعوا من مجنة [ (5) ] ، [وذلك أن أبا سفيان بدا له الرجوع فقال: يا معشر قريش، ارجعوا   [ (1) ] في (خ) «وقد» . [ (2) ] في (خ) «أخبر أبا سفيان» مكررة. [ (3) ] في (خ) «عامة» . [ (4) ] رعب: خوّف. [ (5) ] مجنّة: موضع على أميال يسيرة من مكة بناحية مر الظهران واسم سوق للعرب (معجم البلدان) ج 5 ص 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فإنه لا يصلحنا إلا عام خصيب غيداق نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، فإنّي راجع فارجعوا. فرجع الناس، فسمّاهم أهل مكة: «جيش السويق» . يقولون: إنما خرجتم تشربون السويق] [ (1) ] . خبر مجدي بن عمرو، وبني ضمرة وقام مجدي بن عمرو من بني ضمرة [- ويقال: مخشيّ بن عمرو-] والناس مجتمعون في سوقهم، والمسلمون أكثر ذلك الموسم فقال: يا محمد لقد أخبرنا أنه لم يبق منكم أحد، فما أعلمكم إلا أهل الموسم!. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أخرجنا إلا موعد أبي سفيان وقتال عدونا، وإن شئت مع ذلك نبذنا إليك وإلى قومك العهد ثم جالدناكم [ (2) ] قبل أن نبرح منزلنا هذا. فقال الضمريّ: بل نكف أيدينا عنكم ونتمسك بحلفك. معبد الخزاعي ينذر أهل مكة وانطلق [ (3) ] معبد بن أبي معبد الخزاعي سريعا- بعد انقضاء الموسم [ (4) ]- إلى مكة، وأخبر بكثرة المسلمين وأنهم أهل ذلك الموسم وأنهم ألفان، وأخبرهم بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للضمري. فأخذوا في الكيد والنفقة لقتال [ (5) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، واستجلبوا من حولهم من العرب وجمعوا الأموال، وضربوا البعث على أهل مكة فلم يترك أحد منهم إلا أن يأتي بمال، ولم يقبل من أحد أقل من أوقية لغزو الخندق. وأنزل اللَّه تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [ (6) ] يعني نعيم بن مسعود. وعاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة فكانت غيبته عنها ست عشرة ليلة. وذكر   [ (1) ] هذه زيادة من (المغازي) ج 1 ص 388 ومن (ابن هشام) ج 3 ص 123 وغيرهما من كتب السيرة، وفي (خ) بعد قوله «مجنة» ، «ويقال مخشى بأنه عام جدب وقام مجدي بن عمرو من بني ضمرة والناس مجتمعون» . [ (2) ] في (خ) «جالدناكم» والمجالدة: المضاربة بالسيف. [ (3) ] في (خ) «فانطلق» وهذه أجود. [ (4) ] في (خ) «المسوم» . [ (5) ] في (خ) «فأخذوا للكيد والنفقة للقتال ... » وما أثبتناه من (الواقدي) ج 1 ص 389. [ (6) ] آية 113/ آل عمران، وفي (خ) إلى قوله «فاخشوهم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 أبو محمد بن حزم أن بدر الموعد بعد ذات الرقاع [ (1) ] . سرية عبد اللَّه بن عتيك لقتل أبي رافع اليهودي، وسبب ذلك ثم كانت سرية عبد اللَّه بن عتيك إلى أبي رافع سلّام بن أبي الحقيق حتى قتل سحر ليلة الاثنين لأربع خلون من ذي الحجة على رأس ستة وأربعين شهرا، وقيل: كان قتله في جمادى الأولى سنة ثلاث. وكان سبب ذلك أن أبا رافع كان قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب، وجعل لهم الجعل العظيم لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- فإنه كانت له رياسة قريظة بعد يوم بعاث [ (2) ]- فبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه ابن عتيك بن الحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن زيد بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري [ (3) ]- وكانت أمه بخيبر يهودية أرضعته- وبعث معه أربعة هم: عبد اللَّه بن أنيس، وأبو قتادة، والأسود بن الخزاعي، ومسعود بن سنان، وأمرهم بقتله، ونهى عن قتل النساء والولدان، فانتهوا إلى خيبر ونزلوا على أم عبد اللَّه [ابن عتيك] [ (4) ] ليلا- وقد تلقتهم بتمر وخبز- فكمنوا [ (5) ] حتى هدأت الرّجل، واستفتحوا على أبي رافع. فقالت امرأته: ما شأنكم؟ فقال لها عبد اللَّه بن عتيك- وكان يرطن باليهودية-: جئت أبا رافع بهدية. ففتحت له فدخل بمن معه- وأبو رافع نائم- فعلوه بأسيافهم وقد صاحت المرأة، واتكأ عبد اللَّه بن أنيس بسيفه على بطنه حتى بلغ الفراش، وهلك. فنزولا، ونسي أبو قتادة الأنصاري قوسه فرجع فأخذها، [فوقع من الدرجة] [ (6) ] فانكفت رجله فاحتملوه. وقام الصّائح وأتت يهود، فخرج منهم أبو   [ (1) ] وكذلك أوردها (ابن هشام) بعد ذات الرقاع وأيضا (الطبري) في التاريخ و (ابن الأثير) في الكامل و (ابن كثير) في البداية والنهاية. [ (2) ] في (خ) «بغاث» . [ (3) ] هذا نسبه إلى الأوس، ولا شك أنه من الخزرج، يقول (ابن عبد البر) في (الاستيعاب) ج 6 ص 297: «لأن الرهط الّذي قتلوا ابن أبي الحقيق خزرجيون، والذين قتلوا كعب بن الأشرف أوسيون، كذا قال ابن إسحاق وغيره، ولم يختلفوا في ذلك» . [ (4) ] زيادة للإيضاح. [ (5) ] في (خ) «فأكمنوا» . [ (6) ] زيادة للبيان: وقد اختلف فيمن وقع من الدرجة، يقول (ابن هشام) ج 3 ص 102. «وكان عبد اللَّه بن عتيك رجلا شيء البصر قال: فوقع من الدرجة ... إلخ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 ذؤيب [ (1) ] الحارث في آثار القوم ومعه جمع، فنجاهم اللَّه منهم. وقد كمنوا يومين حتى سكن الطلب، ثم أقبلوا إلى المدينة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر، فقال: أفلحت الوجوه! فقالوا: أفلح وجهك يا رسول اللَّه! قال: أقتلتموه؟ قالوا: نعم، كلنا يدّعي قتله. وأروه أسيافهم فقال: هذا قتله، هذا أثر الطعام في سيف عبد اللَّه ابن أنيس. فكانت غيبتهم عشرة أيام. ويقال: كانت هذه السرية في رمضان سنة ست [ (2) ] . تعليم زيد بن ثابت كتابة اليهود وفي هذه السنة الرابعة أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد ابن لوذان بن عمرو بن عوف بن غنم بن مالك النجار الأنصاريّ رضي اللَّه عنه أن يتعلم كتاب يهود، وقال: لا آمن أن يبدلوا كتابي. وولد الحسين بن علي رضي اللَّه عنهما- في قول بعضهم- لليال خلون من شعبان. غزوة ذات الرقاع ثم كانت غزوة ذات الرقاع: وسمّيت بذلك لأنها كانت عند جبل فيه بقع حمر وبيض وسود كأنها رقاع، وقيل: سميت بذلك لأنها رقعوا راياتهم، ويقال أيضا: ذات الرقاع شجرة بذلك الموقع يقال لها ذات الرقاع. وأصح الأقوال ما رواه البخاري من طريق أبي موسى قال: خرجنا مع النبي [ (3) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزاة [ (4) ]- ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه- فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، وكنا [ (5) ] نلفّ على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا   [ (1) ] كذا في (خ) وفي (الواقدي) ج 1 ص 393، «الحارث أبو زينب» . وهو الصواب. [ (2) ] ذكر المؤلف سرية عبد اللَّه بن عتيك لقتل أبي رافع سلّام بن أبي الحقيق، وجعلها في ذي الحجة على رأس ستة وأربعين شهرا- أي في السنة الرابعة من الهجرة- وهذا التاريخ من رواية موسى بن عقبة. ومقتل سلّام بن أبي الحقيق كان بعد غزوة الأحزاب، وغزوة الأحزاب عند موسى بن عقبة، وعند ابن حزم كانت سنة أربع، فهذا تاريخ صحيح عند ابن عقبة يجعل الغزوة والسرية في سنة أربع على الترتيب، ولكن المقريزي أخذ تاريخ السرية من موسى بن عقبة وصححه وأعتمده فجعله في سنة أربع، ثم جعل غزوة الأحزاب في سنة خمس، ولا أدري لم فصل هذا الفصل بينهما وصحح واحدة- وهي السرية- من تاريخ موسى بن عقبة، وردّ الغزاة إلى سنة خمس من رواية غيره؟. [ (3) ] في (خ) «مع رسول اللَّه» ، وما أثبتناه من رواية البخاري ج 3 ص 35. [ (4) ] في (خ) «غزوة» . [ (5) ] في (خ) «فكنا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 نعصب من الخرق على أرجلنا [ (1) ] . ما فيها من دلائل النبوة وفي هذه الغزاة ظهر من أعلام النبوة: ظهور بركة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم في أكل أصحابه من ثلاث بيضات حتى شبعوا ولم تنقص، وسبق جمل جابر بعد تخلفه، وبرء الصبي مما كان به، وقصة الأشاءتين [ (2) ] ، وقصة غورث [بن الحارث] [ (3) ] وقصة الجمل لما برك يشكو. الخروج إلى الغزوة وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة السبت لعشر خلون من المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرا، وقدم صرار [ (4) ] يوم الأحد لخمس بقين منه، وغاب خمس عشرة ليلة. وسببها أن [قادما- قدم يجلب له] [ (5) ] من نجد إلى المدينة- أخبر أن بني أنمار بن بغيض، وبني سعد بن ثعلبة بن ذبيان بن بغيض، قد جمعوا لحرب المسلمين، فخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم في أربعمائة، وقيل: في سبعمائة، وقيل: ثمانمائة، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، وبثّ السرايا في طريقه فلم يروا أحدا، ثم قدم محالّهم وقد ذهبوا إلى رءوس الجبال وأطلّوا على المسلمين، فخاف الفريقان بعضهم من بعض. صلاة الخوف وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة الخوف، فكان أوّل ما صلاها يومئذ، وقد خاف أن يغيروا عليه وهم في الصلاة، فاستقبل القبلة وطائفة خلفه وطائفة مواجهة للعدو، فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وسجدتين ثم ثبت قائما فصلوا خلفه ركعتين وسجدتين ثم سلموا، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة وسجدتين،   [ (1) ] وتتمه رواية البخاري: «وحدث أبو موسى بهذا، ثم كره ذاك، قال: ما كنت أصنع بأن أذكره، كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه. [ (2) ] في (خ) «الأشاتين» وأشاء النخل: صفاره، أو عامته، أشاءة (ترتيب القاموس) ج 1 ص 151. [ (3) ] زيادة للبيان. [ (4) ] صرار: موضع على ثلاثة أميال من المدينة على طريق المدينة (معجم البلدان) ج 3 ص 398. [ (5) ] في (خ) «قدما قادما مجلب» ، والجلب: ما يجلب ليباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 والطائفة الأولى مقبلة على العدو، فلما صلى بهم ركعة ثبت جالسا حتى أتموا لأنفسهم ركعة وسجدتين ثم سلّم. هكذا ذكر ابن إسحاق والواقدي وغيرهما من أهل السّير، وهو مشكل. تحقيق القول في صلاة الخوف متى كانت فإنه قد جاء في رواية الشافعيّ وأحمد والنّسائيّ عن أبي سعيد: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حبسه المشركون يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جمعا، وذلك قبل نزول صلاة الخوف. قالوا: وإنما نزلت صلاة الخوف بعسفان، كما رواه أبو عيّاش الزّرقيّ قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعسفان فصلى بنا الظهر، وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد، فقالوا: لقد أصبنا منهم غفلة، ثم قالوا: إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم. فنزلت- يعني صلاة الخوف- بين الظهر والعصر، فصلى بنا العصر ففرقنا فرقتين، وذكر الحديث. أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي [ (1) ] . وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نازلا بين ضجنان [ (2) ] وعسفان محاصر المشركين، فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاة هي أهم إليهم من أبنائهم وأبكارهم، أجمعوا أمركم ثم ميلوا عليهم ميلة واحدة. فجاء جبريل عليه السلام فأمره أن يقسم أصحابه نصفين، وذكر الحديث. رواه النّسائيّ [ (1) ] والترمذي [ (3) ] وقال: حسن صحيح. وقد علم بلا خلاف أن غزوة عسفان كانت بعد الخندق فاقتضى هذا أن ذات الرقاع بعدها بل بعد خيبر. ويؤيد هذا أن أبا موسى الأشعري وأبا هريرة رضي اللَّه عنهما شهداها: أما أبو موسى الأشعري فإنه قدم بعد خيبر، وقد جاء في الصحيحين عنه: أنه شهد غزوة ذات الرقاع، وأنهم كانوا يلفّون على أرجلهم الخرق لما نقبت، فسميت بذلك، وأما أبو هريرة، فعن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة: هل صليت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة الخوف؟ قال: نعم، قال: متى؟ قال: عام غزوة   [ (1) ] (مسند الإمام أحمد) ج 4 ص 59، 60. (أبو داود) ج 2 ص 28 حديث رقم 1236. (عون المعبود) ج 4 ص 104 حديث رقم 1224. (سنن النسائي) ج 3 ص 167. [ (2) ] ضجنان: «جبيل على بريد من مكة ... ، وقال الواقدي: ضجنان ومكة خمسة وعشرون ميلا» (معجم البلدان) ج 3 ص 453 وفي (خ) «صحنان» . وعسفان: على مرحلتين من مكة على طريق المدينة (المرجع السابق) ج 4 ص 122. [ (3) ] (سنن الترمذي) ج 2 ص 39 باب 393 حديث رقم 561. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 نجد، وذكر صفة من صفات صلاة الخوف. أخرجه [ (1) ] الإمام أحمد وأبو داود والنسائي. وإنما جاء أبو هريرة مسلما أيام خيبر. وكذلك قال عبد اللَّه بن عمر، قال: غزوت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل نجد، فذكر صلاة الخوف. وإجازة [ (2) ] عبد اللَّه في القتال كانت عام الخندق. وقد قال البخاري: إن ذات الرقاع بعد خيبر، واستشهد بقصة [ (3) ] أبي موسى وإسلام أبي هريرة. وقال ابن إسحاق: إنها كانت في جمادى الأولى بعد غزوة بني النضير بشهرين، وقد قال بعض من أرّخ: إن غزوة ذات الرقاع أكثر من مرة، فواحدة كانت قبل الخندق، وأخرى بعدها. وقد قيل: إن قصة جمل جابر وبيعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت في غزوة ذات الرقاع. وفي ذلك نظر، لأنه جاء أن ذلك كان في غزوة تبوك. وبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم جعال بن سراقة بشيرا إلى المدينة بسلامته وسلامة المسلمين. خبر الربيئة: عباد بن بشر وعمار بن ياسر وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أصاب في محالهم نسوة منهن جارية وضيئة كان زوجها يحبها، فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم راجعا إلى المدينة حلف زوجها ليطلبن محمدا، ولا يرجع إلى قومه حتى يصيب محمدا، أو يهريق فيهم دما، أو يتخلص صاحبته. فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيرة في عشية ذات ريح فنزل في شعب فقال: من رجل يكلأنا [ (4) ] الليلة؟ فقام عمار بن ياسر وعباد بن بشر فقالا: نحن يا رسول اللَّه نكلؤك: وجعلت الريح لا تسكن، وجلسا على فم الشّعب. فقال أحدهما لصاحبه: أي الليل [ (5) ] أحب إليك [أن أكفيكه، أوله أم آخره] [ (6) ] ؟ قال: [بل] [ (7) ] اكفني   [ (1) ] في (خ) «أرجه» . [ (2) ] في (خ) «وإجارة» . [ (3) ] في (خ) «بقضية» . [ (4) ] يكلأنا: يرعانا، وفي التنزيل: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ (المعجم الوسيط) ج 2 ص 793. [ (5) ] في (خ) «الليلة» . [ (6) ] ما بين الأقواس لفظ مضطرب في (خ) والتصويب من (ابن هشام) ج 3 ص 122 ونحوه مع اختلاف يسير في (الواقدي) ج 1 ص 397. [ (7) ] زيادة للسياق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 أوله. فنام عمار بن ياسر وقام عباد بن بشر يصلي، وأقبل عدو اللَّه يطلب غرّة وقد سكنت الريح. فلما رأى سواده من قريب قال: يعلم اللَّه إن هذا لربيئة القوم: ففوّق له سهما فوضعه فيه، فانتزعه [فوضعه] [ (1) ] ، ثم رماه بآخر فوضعه فيه، فانتزعه فوضعه، ثم رماه الثالث فوضعه فيه. فلما غلبه الدم ركع وسجد، ثم قال لصاحبه: اجلس فقد أتيت: فجلس عمار، فلما رأى الأعرابي أن عمارا قد قام علم أنهم قد نذروا به. فقال عمار: أي أخي؟ ما منعك أن توقظني في أول سهم رمى به؟ قال: كنت في سورة أقرأها- وهي سورة الكهف- فكرهت أن أقطعها حتى أفرغ منها. ولولا إني خشيت أن أضيع ثغرا أمرني به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما انصرفت ولو أتى على نفسي. ويقال: بل هو عمارة بن حزم، وأثبتهما عباد بن بشر. خبر فرخ الطائر وجاء رجل بفرخ طائر، فأقبل أبواه، أو أحدهما حتى طرح نفسه في يد الّذي أخذ فرخه، فعجب الناس من ذلك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتعجبون من هذا الطائر؟ أخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة لفرخه! واللَّه لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه. خبر صاحب الثوب الخلق ورأى صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا وعليه ثوب منخرق فقال: أما له غير هذا؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، إن له ثوبين جديدين في العيبة [ (2) ] ، فقال له: خذ ثوبيك. فأخذ ثوبيه فلبسهما ثم أدبر فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أليس هذا أحسن؟ ما له ضرب اللَّه عنقه! فسمع ذلك الرجل، فقال: في سبيل اللَّه يا رسول اللَّه! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: في سبيل اللَّه. فضربت عنقه بعد ذلك في سبيل اللَّه.   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] العيبة: وعاء من خوص ونحوه. (المعجم الوسيط) ج 2 ص 639. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 خبر البيضات وجاءه علبة [ (1) ] بن زيد الحارثي بثلاث بيضات وجدها في مفحص [ (2) ] نعام، فأمر جابر بن عبد اللَّه بعملها، فوثب فعملها وأتى بها في قصعة، فأكل صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه منه بغير خبز، والبيض في القصعة كما هو، وقد أكل منه عامتهم. خبر غورث وقيل: إن حديث غورث بن الحارث كان في هذه الغزاة [ (3) ] ، وقيل: كان في غزوة ذات الرقاع التي بعد الخندق- لما أخرجا في الصحيحين [ (4) ] عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: أقبلنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كنا بذات الرقاع، قال: كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فجاء رجل من المشركين- وسيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معلّق بشجرة- فأخذ سيف نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] فاخترطه [ (6) ] ، فقال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتخافني؟ قال: لا. قال: فمن يمنعك مني؟ قال: اللَّه يمنعني منك [ (7) ] ! قال: فتهدده أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأغمد السيف وعلّقه. قال: فنودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين. قال: فكانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أربع ركعات وللقوم ركعتان. واللفظ لمسلم. تحريم الخمر قال البلاذريّ: وفي سنة أربع من الهجرة حرّمت الخمر. غزوة دومة الجندل ثم كانت غزوة دومة الجندل. خرج إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخامس والعشرين   [ (1) ] في (خ) «غلبة» والتصويب من (الواقدي) ج 1 ص 319. [ (2) ] المفحص: ما تفحصه النعام والقطا من الأرض لتتخذ منه مجثما للبيض والفرخ. [ (3) ] في (خ) «وقيل كان في هذه الغزوة» مكررة. [ (4) ] صحيح البخاري: ج 3 ص 36، صحيح مسلم: ج 6 ص 129. [ (5) ] في (خ) «فأخذ السيف» وهذا نص مسلم. [ (6) ] اخترط السيف: استله (ترتيب القاموس) ج 2 ص 39. [ (7) ] في (خ) «قال اللَّه» نص مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 من ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهرا في ألف من المسلمين، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ. سبب غزوة دومة الجندل وسببها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أراد أن يدنو إلى أدنى الشّأم، وقيل له: إنها طرف من أفواه الشأم فلو دنوت لها كان ذلك مما يفزع قيصر، وذكر له أن بدومة الجندل جمعا كثيرا من [الضافطة] [ (1) ] ، وأنهم يظلمون من مرّ بهم، ويريدون أن يدنوا [ (2) ] من المدينة. فندب الناس وسار مغذّا [ (3) ] للسير، ونكّب عن طريقهم، فكان يسير الليل [ (4) ] ويكمن النهار، ومعه دليل من بني عذرة يقال له: مذكور. فلما كان بينه وبين دومة الجندل يوم أو ليلة، هجم على ماشيتهم [ورعاتهم فأصاب منها ما أصاب] [ (5) ] ، وفرّ باقيهم، فتفرق أهل دومة لما بلغهم الخبر، ونزل صلّى اللَّه عليه وسلّم بساحتهم فلم يجد بها أحدا، فأقام أياما وبث سراياه، فعادت بإبل ولم يلق أحدا، وعاد إلى المدينة في العشرين من ربيع الآخر. ووادع في طريقه عيينة بن حصن الفزاري. زواجه بأم سلمة ثم بزينب بنت جحش ونزول آية الحجاب وفي ليال بقين من شوال تزوج أم سلمة، وقيل: تزوجها سنة اثنين بعد بدر، وقيل: قبل بدر. وفي ذي القعدة من هذه السنة تزوج ابنة عمته زينب بنت جحش. وقيل: تزوجها سنة ثلاث، ويقال: سنة خمس، وقيل: تزوجها سنة ثلاث مع زينب أم المساكين. ونزلت آية الحجاب. وفي هذه السنة أمر زيد بن ثابت بتعلم كتاب اليهود، وفيها رجم اليهودي واليهودية، وفي جمادى الآخرة خسف القمر وصلى صلاة الخسوف. وزلزلت [ (6) ] المدينة. وسابق بين الخيل، وقيل: في سنة ست،   [ (1) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 62، والضافطة من الناس، من يجلب الميرة والمتاع إلى المدن. [ (2) ] في (خ) «يدلو» . [ (3) ] في (خ) «مفدا» . [ (4) ] في (خ) «بالليل» . [ (5) ] في (خ) مكان ما بين القوسين «فأصاب منها» والتتمة من (ابن سعد) ج 2 ص 62. [ (6) ] في (خ) «زلزل» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وجعل بينها سبقا ومحللا. غزوة المريسيع «بني المصطلق» ثم كانت غزوة المريسيع، ويقال: غزوة بني المصطلق وهم بنو جذيمة بن كعب ابن خزاعة، فجذيمة هو المصطلق. والمريسيع ماء لخزاعة بينه وبين الفرع نحو من يوم، وبين الفرع والمدينة ثمانية برد [ (1) ] . وكانت في سنة ست من الهجرة، وقيل: سنة خمس. خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة، وقال ابن هشام: استعمل أبا ذر، ويقال: نميلة بن عبد اللَّه الليثي، [ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه] [ (2) ] ، وقيل: إلى عمار بن ياسر، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة. سببها وسببها أن الحارث بن أبي ضرار بن حبيب [بن الحارث بن عائد [ (3) ]] بن مالك بن جذيمة [بن سعد] [ (3) ] بن كعب بن خزاعة سيد بني المصطلق، جمع لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قومه ومن العرب [جمعا] [ (4) ] كبيرا، فتهيّئوا [ (5) ] ليسيروا إليه، وكانوا ينزلون ناحية الفرع، فبلغ خبرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبعث بريدة بن الحصيب بن عبد اللَّه بن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح بن عدي بن سهم ابن مازن بن الحارث بن سلامان بن سلّم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر الأسلمي- يعلم علم ذلك، فأتاه بخبرهم. فندب الناس وأخبرهم خبر عدوّهم، فأسرعوا الخروج، وقادوا ثلاثين فرسا منها: عشرة للمهاجرين، وعشرون للأنصار، ولرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسان هما: لزاز والظّرب. وخرج كثير من المنافقين ليصيبوا من عرض الدنيا ولقرب السفر عليهم.   [ (1) ] يرد: جمع يريد، والبريد، فرسخان أو اثنا عشر ميلا (ترتيب القاموس) ج 1 ص 244. والميل أربعة آلاف ذراع، والفرسخ: ثلاثة أميال (تقويم البلدان) ص 15. [ (2) ] ما بين القوسين مكرر في (خ) . [ (3) ] زيادة من النسب. [ (4) ] زيادة للسياق. [ (5) ] في (خ) «فتيانوا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 إسلام رجل من عبد القيس فلقي صلّى اللَّه عليه وسلّم في طريقه رجلا في طريقه من عبد القيس فأسلم، وسأل: أي الأعمال أحب إلى اللَّه؟ فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة في أول وقتها. فكان بعد ذلك لا يؤخر الصلاة إلى الوقت الآخر. فأصاب عينا من المشركين فضرب عنقه بعد أن عرض عليه الإسلام فأبي. الانتهاء إلى المريسيع ولقاء العدو وانتهى صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المريسيع [وهو ماء لخزاعة من ناحية قديد إلى الساحل] وقد بلغ القوم مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقتله عينهم، فتفرق عن الحارث من كان قد اجتمع إليه من أفناء [ (1) ] العرب، وضرب له صلّى اللَّه عليه وسلّم قبة من أدم، وكان معه من نسائه عائشة وأم سلمة رضي اللَّه عنهما. فصف أصحابه وقد تهيأ الحارث للحرب، ونادى عمر ابن الخطاب رضي اللَّه عنه في الناس: قولوا لا إله إلا اللَّه تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم. فأبوا ورموا بالنبل، فرمى المسلمون ساعة بالنبل ثم حملوا على المشركين حملة رجل واحد، فما أفلت منهم إنسان، وقتل منهم عشرة وأسر سائرهم، وسبيت النساء والذرية، وغنمت الإبل والشاء، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد يقال له: هشام بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت وهو يرى أنه من العدوّ [ (2) ] ، فقتله خطأ. شعار المسلمين وكان شعارهم: يا منصور أمت أمت. وقيل: بل أغار عليهم صلّى اللَّه عليه وسلّم وهم غارّون ونعمهم تسقي على الماء. والحديث الأول أثبت. وكان من خبر الرجل الّذي قتل: أنه خرج هشام بن صبابة في طلب العدو، فرجع في ريح شديدة فوجد رجلا [من رهط عبادة بن الصامت يقال له أوس] فقلته وهو يظنه مشركا، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن تخرج ديته، [ويقال: قتله رجل من بني عمرو بن عوف] فقدم أخوه مقيس بن صبابة من مكة مسلما فيما يظهر يطلب دية أخيه، فأمر له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالدّية فقبضها، ثم عدا على قاتل أخيه   [ (1) ] أخلاط من قبائل مختلفة. [ (2) ] في (خ) «العدد» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 فقتله، ثم ارتدّ ولحق بقريش وقال شعرا، فأهدر صلّى اللَّه عليه وسلّم دمه، حتى قتله نميلة [ابن عبد اللَّه الليثي] [ (1) ] يوم الفتح. الأسرى والغنائم وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأسرى فكتّفوا، واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب، وأمر بما وجد في رحالهم من متاع وسلاح فجمع، وسيقت النّعم والشاء، واستعمل عليها شقران: مولاه. واستعمل على المقسم- مقسم الخمس وسهمان المسلمين- محمية ابن جزء [ (2) ] بن عبد يغوث بن عويج بن عمرو بن زبيد الأصغر الزبيدي، فأخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخمس من جميع المغنم فكان يليه محمية بن جزء [ (2) ] ، وكان يجمع إليه الأخماس. وكانت الصدقات على حدتها، أهل الفيء بمعزل عن الصدقة، [وأهل الصدقة] [ (3) ] بمعزل عن الفيء. فكان يعطي من الصدقة اليتيم والمسكين والضعيف، فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفيء وأخرج من الصدقة ووجب عليه الجهاد، فإن كره الجهاد وأباه لم يعط من الصدقة شيئا، وخلى بينه وبين أن يكتسب لنفسه. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يمنع سائلا: فأتاه رجلان يسألانه من الخمس فقال [ (4) ] : إن شئتما أعطيتكما منه، ولا حظّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. قسمة الغنائم وفرّق السبي فصار في أيدي الرجال، وقسم المتاع والنعم والشاء، وعدلت الجزور بعشر من الغنم، وبيعت رثة المتاع فيمن يزيد، وأسهم للفرس سهمان ولصاحبه سهما، وللراجل سهما، وكانت الإبل ألفي بعير وخمسة آلاف شاة، وكان السّبي مائتي أهل بيت. خبر جويرية بنت الحارث وزواج رسول اللَّه بها، وبركتها على أهلها وصارت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس بن شماس   [ (1) ] زيادة البيان. [ (2) ] في (خ) «جز» . [ (3) ] في (خ) «بمعزل عن الصدقة بمعزل عن الفيء» . [ (4) ] في (خ) «وقال» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 أو ابن له، فكاتبها على تسع أواق من ذهب، فبينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الماء إذ دخلت عليه تسأله في كتابتها وقالت: يا رسول اللَّه، إني امرأة مسلمة وتشهدت وانتسبت، وأخبرته بما جرى لها واستعانته في كتابتها، فقال: أو خير من ذلك، أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك! قالت: نعم. فطلبها من ثابت فقال: هي لك يا رسول اللَّه. فأدى ما عليها وأعتقها وتزوجها، وخرج الخبر إلى الناس وقد اقتسموا رجال بني المصطلق وملكوهم ووطئوا نساءهم، فقالوا: أصهار النبي! فأعتقوا ما بأيديهم من ذلك السبي. وكانت جويرية رضي اللَّه عنها عظيمة البركة على قومها. فداء أسرى بني المصطلق ويقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق، ويقال: جعل صداقها عتق أربعين من قومها، وقيل: كان السبي: منهم من منّ عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير فداء، ومنهم من افتدى، وذلك بعد ما صار السبي في أيدي الرجال، فافتديت المرأة والذرية بست فرائض، وكانوا قدموا المدينة ببعض السبي، فقدم عليهم أهلوهم فافتدوهم، فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها، قال الواقدي: وهذا الثبت. وقيل: إن الحارث افتدى ابنته جويرية من ثابت بن قيس بما افتدى به امرأة من السبي ثم خطبها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبيها فأنكحها: وكان اسمها برّة، فسماها [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم جويرية [ (2) ] . قال الواقدي: وأثبت هذا عندنا حديث عائشة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قضى عنها كتابتها وأعتقها وتزوجها. خبر العزل وسئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذه الغزوة عن العزل فقال: ما عليكم أن لا تفعلوا؟ ما من نسمة كائنة يوم القيامة إلا وهي كائنة. فقال رجل من اليهود لأبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه، وقد خرج بجارية يبيعها في السوق: لعلك تريد بيعها وفي بطنها منك سخلة [ (3) ] ؟ فقال: كلا، إني كنت أعزل عنها. فقال: تلك الموءودة الصغري! فلما أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك قال: كذبت يهود.   [ (1) ] في (خ) «فسما» . [ (2) ] في (خ) «جويرة» . [ (3) ] السخلة: وليدة الغنم، والمراد هنا كناية عن الحمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 خبر جهجاه وسنان على الماء وبينا المسلمون على ماء المريسيع إذ أقبل سنان بن وبر الجهنيّ- وقيل: هو سنان بن تيم اللَّه، وهو من جهينة بن سود بن أسلم- حليف الأنصار- ومعه فتيان من بني سالم يستقون. [وعلى] [ (1) ] الماء جمع من المهاجرين والأنصار. فأدلى دلوه، وأدلى جهجاه بن مسعود بن سعد بن حرام الغفاريّ- أجير عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه- دلوه. تنازعهما واختلاف المهاجرين والأنصار فالتبست دلو سنان ودلو جهجاه وتنازعا، فضرب جهجاه سنانا فسال الدم، فنادى: يا للخزرج! وثارت الرجال، فهرب جهجاه وجعل ينادى في العسكر: يا لقريش! يا لكنانة! فأقبلت قريش وأقبلت الأوس والخزرج، وشهروا السلاح حتى كادت تكون فتنة عظيمة، فقام رجال في الصلح فترك سنان حقه. تحريض عبد اللَّه بن أبيّ وما كان من مقالته في ذلك وكان عبد اللَّه بن أبيّ جالسا في عشرة من المنافقين فغضب وقال: واللَّه ما رأيت كاليوم مذلة! واللَّه إن كنت لكارها لوجهي هذا، ولكن قد غلبوني. قد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلدنا، وأنكروا منتنا، واللَّه ما صرنا وجلابيب [ (2) ] قريش هذه إلا كما قال القائل: «سمّن كلبك يأكلك» ، واللَّه لقد ظننت أني سأموت قبل أن أسمع هاتفا يهتف بما هتف به جهجاه وأنا حاضر لا يكون لذلك مني غير [ (3) ] ، واللَّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ. ثم أقبل على من حضر من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم! أحللتموهم بلادكم، ونزلوا منازلكم، وآسيتموهم [ (4) ] في أموالكم حتى استغنوا. أما واللَّه لو أمسكتم [عنهم ما] [ (5) ] بأيديكم لتحولوا [ (6) ] إلى غير بلادكم، ثم لم ترضوا ما فعلتم حتى جعلتم   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] كان يحلو للمنافقين تسمية المهاجرين بجلابيب قريش كناية عن فقرهم. [ (3) ] في (خ) «لا يكون ذلك متى غير» ، يريد لا يكون متى لهذا العدوان دفع أو تغيير أو قصاص. [ (4) ] من المساواة. [ (5) ] زيادة للبيان. [ (6) ] في (خ) «لعلوا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 أنفسكم- أغراضا [ (1) ] للمنايا فقتلتم دونهم [ (1) ] ، فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا. إبلاغ زيد بن أرقم رسول اللَّه مقالة عبد اللَّه بن أبيّ وكان زيد بن أرقم حاضرا- وهو غلام لم يبلغ أو قد بلغ- فحدّث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك، وعنده نفر من المهاجرين والأنصار، فتغير وجهه ثم قال: يا غلام، لعلك غضبت عليه؟ قال: لا واللَّه، لقد سمعت منه. قال: لعله أخطأ سمعك! قال: لا يا نبي اللَّه. قال: فلعله شبه عليك؟ قال: لا واللَّه لقد سمعت منه يا رسول اللَّه. وشاع في العسكر ما قاله ابن أبيّ، حتى ما كان للناس حديث إلا هو. وأنّب جماعة من الأنصار زيد بن أرقم، فقال- في جملة كلام-: وإني لأرجو أن ينزل اللَّه على نبيه، حتى تعلموا أني كاذب أم غيري. وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! مر عباد بن بشر فليأتك برأسه. فكره ذلك وقال: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. وبلغ الخبر ابن أبيّ، فحلف باللَّه ما قال من ذلك شيئا، ثم مشى [ (2) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحلف باللَّه ما قال. رحيل رسول اللَّه بعد مقالة المنافقين وأسرع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك السير، ورحل في ساعة لم يكن يرتحل فيها. فأقبل عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه حتى جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في فيء شجرة عنده غليم أسيود يغمز ظهره [ (3) ] فقال: يا رسول اللَّه! كأنك تشتكي ظهرك! فقال: تقحّمت بي الناقة [ (4) ] الليلة. فقال عمر: يا رسول اللَّه، ائذن لي أن أضرب عنق ابن أبيّ في مقالته. فقال: لا يتحدث الناس أن محمدا قتل أصحابه. طلوع رسول اللَّه على العسكر ومقالة سعد بن عبادة ويقال: لم يشعر أهل العسكر إلا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد طلع على راحلته وكانوا في حر شديد، وكان لا يروح حتى يبرد، إلا أنه لما جاءه ابن أبيّ رحل في تلك   [ (1) ] في (خ) «أعراضا» ، «دونه» . [ (2) ] في (خ) «مشى مشى» مكررة. [ (3) ] الغمز باليد: النخس، وبالعين والجفن والحاجب: الإشارة، وبالرجل: السعي بالشر، والغمازة: الجارية الحسنة الغمز للأعضاء (ترتيب القاموس) ج 3 ص 417. [ (4) ] تقحمت الدابة براكبها: شردت به، وربما طوّحت به في وهده (المعجم الوسيط) ج 2 ص 717. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 الساعة، فكان أوّل من لقيه سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه، ويقال: أسيد بن حضير. فقال: خرجت يا رسول اللَّه في ساعة ما كنت تروح فيها! قال: أو لم يبلغك ما قال صاحبكم ابن أبيّ، زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعزّ منها الأذلّ؟ قال: فأنت يا رسول اللَّه تخرجه إن شئت، فهو الأذل وأنت الأعز، يا رسول اللَّه! ارفق به، فو اللَّه لقد جاء اللَّه بك وإن قومه لينظمون له الخرز، ما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي ليتوجوه، فما يرى إلا قد سلبته ملكه. تصديق اللَّه خبر زيد بن أرقم وبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسير من يومه ذلك- وزيد بن أرقم يعارضه براحلته يريد وجهه، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستحث راحلته فهو مغذّ في المسير- إذ نزل عليه الوحي فسرّي [ (1) ] عنه، فأخذ بأذن زيد بن أرقم حتى ارتفع عن مقعده عن راحلته وهو يقول: وفت [ (2) ] أذنك يا غلام وصدّق اللَّه حديثك! ونزل في ابن أبيّ: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ [ (3) ] وكان عبادة بن الصامت قبل ذلك قال لابن أبيّ: ايت رسول اللَّه يستغفر لك، فلوى رأسه معرضا، فقال له عبادة: واللَّه لينزلنّ في ليّ رأسك قرآن يصلّى به. ومرّ عبادة بن الصامت بابن أبيّ- عشية راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المريسيع، وقد نزل فيه القرآن- فلم يسلّم عليه، ثم مرّ أوس بن خوليّ فلم يسلّم عليه، فقال: إن هذا الأمر قد تمالأتما عليه. فرجعا إليه فأنّباه [ (4) ] وبكّتاه بما صنع، وبما نزل القرآن إكذابا لحديثه. فقال: لا أعود أبدا. حديث عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي عن أبيه وخبره وجاء ابنه عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبيّ فقال: يا رسول اللَّه، إن كنت تريد أن تقتل [ (5) ] أبي فيما بلغك عنه فمرني به، فو اللَّه لأحملن إليك رأسه قبل أن تقوم   [ (1) ] سرّى عنه: كشف عنه. [ (2) ] وفت أذنه: ظهر صدقه في أخباره عما سمع، وأوفى اللَّه بأذنه: أظهر صدقه في إخباره عما سمعت أذنه (المعجم الوسيط) ج 2 ص 1047. [ (3) ] سورة المنافقون كلها. [ (4) ] في (خ) «فأنبأه» . [ (5) ] في (خ) «يقتل» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 2 ص 421. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 من مجلسك هذا. واللَّه لقد علمت الخزرج ما كان فيها [ (1) ] رجل أبرّ بوالده [ (1) ] مني، وإني لأخشى- يا رسول اللَّه- أن تأمر غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن انظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله فأدخل النار، وعفوك أفضل، ومنّك أعظم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أردت قتله، وما أمرت به، ولنحسنن صحبته ما كان بين أظهرنا. فقال: يا رسول اللَّه! إن أبي كانت هذه البحيرة قد استقوا [ (2) ] عليه ليتوجوه، فجاء اللَّه بك فوضعه ورفعنا بك، ومعه قوم يطيفون به [ (3) ] يذكرونه أمورا قد غلب اللَّه عليها. وقال عبد اللَّه في ذلك شعرا. سير رسول اللَّه ولما خرجوا من المريسيع قبل الزوال لم ينخ [ (4) ] أحد إلا لحاجة أو لصلاة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستحث راحلته بالسوط في تراقيها [ (5) ] حتى أصبحوا، ومدّوا يومهم حتى انتصف النهار، ثم راحوا مردين [ (6) ] ، فنزل من الغد ماء يقال له: بقعاء. الريح التي أنذرت بموت كهف المنافقين رفاعة بن التابوت فأخذتهم ريح شديدة- اشتدت إلى أن زالت الشمس ثم سكنت آخر النهار- حتى أشفقوا منها، وسألوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنها، وخافوا أن يكون عيينة بن حصن خالف إلى المدينة، وقالوا: لم تهج هذه الريح إلا من حدث. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليس عليكم بأس منها، فما بالمدينة من نقب [ (7) ] إلا عليه ملك يحرسه، وما كان ليدخلها   [ (1) ] في (خ) «ما كان فيها ما كان رجل» ، «بوالدي» . [ (2) ] البحيرة: تصغير بحرة وهي الأرض والبلدة، استقوا: أجمعوا أمرهم. [ (3) ] أطافوا به: أحاطوا به. [ (4) ] في (خ) «ينح» . [ (5) ] في (خ) «مراقيها» والتراقي جمع ترقوه، وهو عظم يصل بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين، وفي التنزيل كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ 26، 27/ القيامة. [ (6) ] رد الفرس: رديا، ورديانا: رجم الأرض بحوافره، في سيره وعدوه (المعجم الوسيط) ج 1 ص 340. [ (7) ] النقب: الطريق إلى الجبل (ترتيب القاموس) ج 4 ص 421. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 عدو حتى تأتوها، ولكنه مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة: فلذلك عصفت الريح. وكان موته للمنافقين غيظا شديدا، وهو رفاعة بن زيد بن التابوت [ (1) ] [أحد بني قينقاع، وكان عظيما من عظماء يهود، وكهفا للمنافقين] [ (2) ] ، مات ذلك اليوم. وكانت هذه الريح أيضا بالمدينة حين دفن عدو اللَّه فسكنت. جزع المنافقين لموته وقال عبادة بن الصامت يومئذ لابن أبيّ: أبا حباب! مات خليلك. قال: أي أخلائي؟ قال: من موته فتح للإسلام وأهله! رفاعة بن زيد [ (1) ] بن التابوت، قال: يا ويلاه! كان واللَّه وكان وكان، وجعل يذكر. فقال له عبادة: اعتصمت واللَّه بالذّنب الأبتر! قال: من خبّرك يا أبا الوليد بموته؟ قال: رسول اللَّه أخبرنا الساعة أنه مات هذه الساعة، فأسقط في يديه وانصرف كئيبا حزينا. فلما دخلوا المدينة وجدوا عدو اللَّه مات في تلك الساعة. خبر ناقة رسول اللَّه التي فقدت، ومقالة المنافق وفقدت ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- القصواء- من بين الإبل وهي سارحة، فتطلبها المسلمون في كل وجه، فقال زيد بن اللصيت [القينقاعي] [ (3) ] وكان منافقا: أفلا يخبره اللَّه بمكان ناقته! فأنكر القوم ذلك عليه، وأسمعوه كل مكروه، وهموا به، فهرب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متعوذا به وقد جاءه الوحي بما قال، فقال- والمنافق يسمع-: إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول اللَّه وقال: ألا يخبره اللَّه بمكانها؟ فلعمري أن محمدا ليخبر بأعظم من شأن الناقة! ولا يعلم الغيب إلا اللَّه، وإن اللَّه قد أخبرني بمكانها، وأنها في هذا الشعب: مقابلكم، قد تعلق زمامها بشجرة، فاعمدوا عمدها. فذهبوا فأتوا بها من حيث قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.   [ (1) ] في (خ) «زيد بن رفاعة بن النابوت» وهي رواية الواقدي ج 2 ص 423، وفي (الطبري) ج 2 ص 607 «رفاعة بن زيد بن النابوت» ، وفي (عيون الأثر) ج 2 ص 94 «رفاعة بن زيد بن التابوت» . [ (2) ] زيادة من المراجع السابقة. [ (3) ] زيادة من نسبه، وفي (خ) اللصيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 حماية النقيع لخيل المسلمين ولما مرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنقيع [ (1) ] رأى سعة وكلأ وغدرا [ (2) ] كثيرة، فأمر حاطب بن أبي بلتعة أن يحفر به بئرا، وأمر بالنقيع أن يحمى، واستعمل عليه بلال ابن الحارث المزني، قال: وكم أحمي منه يا رسول اللَّه؟ قال: أقم رجلا صيتا- إذا طلع الفجر- على هذا الجبل فحيث انتهى صوته، فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها. قال: يا رسول اللَّه، أفرأيت ما كان من سوائم [ (3) ] المسلمين؟ فقال: لا يدخلها. قال: أرأيت المرأة والرجل الضعيف يكون له الماشية اليسيرة وهو يضعف عن التحول؟ قال: دعه يرعى. وسبّق صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ بين الخيل والإبل، فسبقت القصواء الإبل وعليها بلال، وسبق فرسه الظرب وعليه أبو أسيد الساعديّ. بدء حديث الإفك وكان حديث الإفك [ (4) ] ، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نزل منزلا ليس معه ماء، وسقط عقد عائشة رضي اللَّه عنها من عنقها، فأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس حتى أصبحوا، وضجر [ (5) ] الناس وقالوا: حبستنا عائشة. فضاق بذلك أبو بكر رضي اللَّه عنه وعاتب عائشة عتابا شديدا. نزول آية التيمم ونزلت آية التيمم فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كان من قبلكم لا يصلون إلا في بيعهم وكنائسهم، وجعلت لي الأرض طهورا حيثما أدركتني الصلاة. ونزلت آية التيمم عند طلوع الفجر، فمسح المسلمون أيديهم بالأرض، ثم مسحوا أيديهم إلى   [ (1) ] النقيع: من أودية الحجاز يدفع سيله إلى المدينة يسلكه العرب إلى مكة منه، وه نقيع الخضمات (معجم البلدان) ج 5 ص 301. [ (2) ] غدر: جمع غدير، وهو القطعة من الماء يغادرها السيل (المعجم الوسيط) ج 2 ص 645. [ (3) ] السوائم: جمع سائمة، وهي الإبل الراعية. [ (4) ] الإفك: أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء، وقيل هو البهتان وهو الأمر الّذي لا تشعر به حتى يفاجأك، وأصله الكذب بكونه إفكا لأن المعروف من حال عائشة خلاف ذلك (التفسير الكبير للفخر الرازيّ) ج 23 ص 172. [ (5) ] في (خ) «ضحى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 المناكب ظهرا وبطنا. وكانوا يجمعون مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الصلاتين في سفره. مسابقة رسول اللَّه عائشة ثم صاروا ونزلوا حوضا دمثا [ (1) ] طيبا ذا أراك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عائشة! هل لك في السباق؟ قالت: نعم! فتحزّمت ثيابها، وفعل ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم استبقا، فسبق صلّى اللَّه عليه وسلّم عائشة رضي اللَّه عنها، فقال: هذه بتلك السبقة التي كنت سبقتني. وكان جاء إلى منزل أبي بكر رضي اللَّه عنه، ومع عائشة شيء فقال: هلميه! فأبت وسعت، وسعى في أثرها، فسبقته. خرّج أبو داود من حديث هشام بن عروة عن أبيه، وعن أبي سلمة عن عائشة أنها كانت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، فقال: هذه بتلك السبقة [ (2) ] . وخرجه أبو حبان به ولفظه: سابقني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسبقته فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسبقني، فقال: هذه بتلك. وكانت هذه الغزوة قبل أن يضرب الحجاب. تخلف عائشة ومجيء صفوان وحديث الإفك وكان يرحل بعير عائشة رضي اللَّه عنها أبو مويهبة [ (3) ] ورجل آخر، وكانت تقعد في هودج [ (4) ] ، فحمل الهودج وهو يظنها فيه- لخفة النساء يومئذ من قلة أكلهن- وساروا وقد ذهبت عائشة لحاجتها وتجاوزت العسكر، وفي عنقها عقد من جزع ظفار [ (5) ] فانسل من عنقها ولا تدري به، فرجعت تلتمسه حتى وجدته، ثم عادت وليس في العسكر أحد، فاضطجعت ونامت، فجاء صفوان بن المعطل ابن ربيضة [ (6) ] بن خزاعيّ بن محارب بن مرّة بن فالج [ (6) ] بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة   [ (1) ] دمث المكان وغيره: سهل ولان (ترتيب القاموس) ج 2 ص 209. [ (2) ] سنن أبي داود ج 3 ص 65 الحديث رقم 2578. [ (3) ] في (خ) «مويهية» وفي (الواقدي) ج 2 ص 427 «موهبة» وما أثبتناه من (ط) . [ (4) ] الهودج: مركب للنساء، (ترتيب القاموس) ج 4 ص 543. [ (5) ] ظفار: مدينة باليمن قرب صنعاء وهي التي ينسب إليها الجذع الظفاري (أي الخرز) (معجم البلدان) ج 4 ص 60 وفي (خ) «أظفار» . [ (6) ] في (خ) «فاتح» ، في (ط) «ربيضة» . ونسبه في (الاستيعاب) ج 5 ص 142 ترجمة رقم 1223: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ابن سليم السلمي ثم الذّكواني أبو عمرو- وكان في السّاقة [ (1) ]- فاسترجع لما رآها، فاستيقظت وخمرت [ (2) ] وجهها بملحفتها. فلم يكلمها، وأناخ بعيره وولى عنها حتى ركبت، وقاد بها حتى أتى العسكر. فقال أصحاب الإفك- وكبيرهم عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول- ما قالوا، حتى بلغ ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتغير لعائشة وهي لا تشعر، حتى أعلمتها أم مسطح ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ابن قصي، وكانت أمها خالة أبي بكر رضي اللَّه عنه. فأتت أبويها لتستيقن الخبر، فوجدت عندهما العلم بما قاله أهل الإفك. فبكت ليلتها حتى أصبحت. استشارة رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم اللَّه أصحابه في فراق عائشة واستشار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليا وأسامة في فراق عائشة. فقال أسامة: هذا الباطل والكذب، ولا نعلم إلا خيرا. وقال عليّ: لم يضيق اللَّه عليك، والنساء كثير، وقد أحلّ اللَّه لك وأطاب، فطلقها وأنكح غيرها. وخلا صلّى اللَّه عليه وسلّم ببريرة وسألها فقالت: هي أطيب من طيب الذهب، واللَّه ما أعلم عليها إلا خيرا، واللَّه يا رسول اللَّه لئن كانت على غير ذلك ليخبرنك اللَّه بذلك، ألا إنها جارية ترقد عن العجين حتى تأتي الشاة فتأكل عجينها. وسأل زينب بنت جحش فقالت: حاشى سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا، واللَّه ما أكلمها، وإني لمهاجرتها، وما كنت أقول إلا الحق. وسأل أم أيمن فقالت: حاشى سمعي وبصري أن أكون علمت أو ظننت بها قط إلا خيرا. خطبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في أمر الإفك واختلاف الأوس والخزرج ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: من يعذرني ممن يؤذيني في أهلي؟ ويقولون لرجل، واللَّه ما علمت على ذلك الرجل إلا خيرا، وما كان يدخل بيتا من بيوتي إلا معي، ويقولون عليه غير الحق! فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أعذرك   [ () ] «صفوان بن المعطل بن ربيعة بن خزاعيّ بن محارب بن مرّة بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم السّلمى ثم الذكوانيّ، يكنى أبا عمرو» . [ (1) ] الساقة: مؤخرة الجيش (المعجم الوسيط) ج 1 ص 464. [ (2) ] خمّرت: غطت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 منه يا رسول اللَّه، إن يك من الأوس آتيك برأسه، وإن يك من إخواننا الخزرج فمرنا بأمرك يمضي لك. فقام سعد بن عبادة- وقد غضب منه- فقال: كذبت لعمر اللَّه، لا تقتله ولا تقدر [ (1) ] على قتله. فقال أسيد بن حضير: كذبت، واللَّه ليقتلنه وأنفك راغم. وكادت تكون فتنة، فأشار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده إلى الأوس والخزرج أن اسكتوا، ونزل عن المنبر، فهدّأهم وخفضهم حتى انصرفوا. دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على عائشة وحديثهما ودخل على عائشة- وقد مكث شهرا قبل ذلك لا يوحى إليه في شأنها- فتشهد ثم قال: أما بعد يا عائشة، فإنه بلغني كذا وكذا، فإن كنت بريئة يبرئك اللَّه، وإن كنت ألممت بشيء مما يقول الناس فاستغفري اللَّه عز وجل، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى اللَّه تاب اللَّه عليه. فقالت لأبيها: أجب عني رسول اللَّه. قال: واللَّه ما أدري ما أقول وما أجيب به عنك! فقالت لأمها: أجيبي عني. فقالت: واللَّه ما أدري ما أجيب به. فقالت: إني واللَّه قد علمت أنكم سمعتم بهذا الحديث، فوقع في أنفسكم فصدقتم به! فلئن قلت لكم إني بريئة [ (2) ] لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر يعلم اللَّه أني منه بريئة لتصدقنني، وإني واللَّه ما أجد لي مثلا إلا أبا يوسف إذ يقول: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ [ (3) ] ، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: ما أعلم أهل بيت من العرب دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر، واللَّه ما قيل لنا هذا في الجاهلية حيث لا نعبد [ (4) ] اللَّه، فيقال لنا في الإسلام! وأقبل عليها مغضبا فبكت. نزول القرآن ببراءة عائشة فغشي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما كان يغشاه وسجى [ (5) ] بثوبه، وجمعت وسادة من أدم تحت رأسه، ثم كشف عن وجهه وهو يضحك ويمسح جبينه وقال: يا عائشة، إن اللَّه قد أنزل براءتك. فأنزل اللَّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي   [ (1) ] في (خ) «يقتله ولا يقدر» . [ (2) ] في (خ) «برية» . [ (3) ] آية 18/ يوسف. [ (4) ] في (خ) «لا يعبد» . [ (5) ] سجى: غطى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ [ (1) ] فخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الناس مسرورا، فصعد المنبر وتلا على الناس ما نزل عليه في براءة عائشة رضي اللَّه عنها. ويقال: كان نزول براءة عائشة رضي اللَّه عنها بعد قدومهم المدينة بسبع وثلاثين ليلة. أصحاب الإفك وكان الذين خاضوا في الإفك مع ابن أبيّ: مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش. فضربهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحد. قال الواقدي: وقيل: لم يضربهم [ (2) ] ، وهو أثبت. إصلاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الأوس والخزرج ومكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أياما، ثم أخذ بيد سعد بن معاذ في نفر حتى دخل على سعد بن عبادة ومن معه، فتحدثوا ساعة، وقرب لهم سعد بن عبادة طعاما فأصابوا منه وانصرفوا. فمكث أياما، ثم أخذ بيد سعد بن عبادة ونفر معه، فانطلق به حتى دخل منزل سعد بن معاذ، فتحدثوا ساعة، وقرب لهم سعد بن معاذ طعاما، فأصابوا [منه] [ (3) ] ، ثم خرجوا، فذهب من أنفسهم ما كانا تقاولا من ذلك القول.   [ (1) ] آية 11/ النور وفي (خ) إلى قوله: «عُصْبَةٌ مِنْكُمْ» . [ (2) ] «قال الماوردي وغيره: اختلفوا هل حدّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحاب الإفك، على قولين: أحدهما أنه لم يحد أحدا من أصحاب الإفك لأن الحدود إنما تقام بإقرار أو بينة، ولم يتعبده اللَّه أن يقيمها بإخباره عنها، كما لم يتعبده بقتل المنافقين، وقد أخبره بكفرهم» . «قلت: وهذا فاسد مخالف لنص القرآن، فإن اللَّه عز وجل يقول: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ أي على صدق قولهم فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً. «والقول الثاني: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حد أهل الإفك: عبد اللَّه بن أبي ومسطح بن أثاثه، وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، وفي ذلك قال شاعر من المسلمين: لقد ذاق حسان الّذي كان أهله ... وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح وابن سلول ذاق في الحد خزيه ... كما خاض في إفك من القول يفصح «قلت: المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أن الّذي حدّ حسان ومسطح وحمنة ولم يسمع بحد عبد اللَّه بن أبيّ» راجع (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي) ص 4592. [ (3) ] زيادة للسياق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 مقالة عبد اللَّه بن أبيّ في جعيل بن سراقة وكان عبد اللَّه بن أبي بن سلول [وسلول أمه، وإنما هو أبيّ بن مالك بن الحارث ابن عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن عمرو بن الخزرج] لما قال- وذكر جعيل ابن سراقة الغفاريّ. ويقال: الضمريّ، وجهجاه بن مسعود، ويقال: ابن سعيد ابن حرام بن غفار الغفاريّ، وكانا من فقراء المهاجرين- قال: ومثل هذين يكثّرا على قومي، وقد أنزلنا محمدا في ذروة كنانة وعزها؟ واللَّه لقد كان جعيل يرضى أن يسكت فلا يتكلم، فصار اليوم يتكلم!. مقالته في صفوان ثم كان من كلامه- في صفوان بن المعطل بن ربيعة بن الخزاعي بن محارب ابن مرة بن فالج [ (1) ] بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة [ (1) ] بن سليم السلميّ- ما كان، ورميه بالإفك. قال حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عديّ بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري رضي اللَّه عنه: أمسى الجلابيب قد عزّوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد [ (2) ] وفي أبيات أخر. خبر صفوان بن المعطل في ضرب حسان بن ثابت فجاء صفوان بن المعطل- بعد ما قدموا المدينة- إلى جعيل بن سراقة فقال: انطلق بنا نضرب حسان، فو اللَّه ما أراد غيرك وغيري، ولنحن أقرب إلى رسول اللَّه منه، فأبي جعيل أن يذهب إلا بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وخرج صفوان مصلتا بالسيف، حتى ضرب حسان بن ثابت في نادي قومه. فوثب الأنصار فأوثقوه رباطا، وولي ذلك منه ثابت بن قيس بن شماس [بن زهير] [ (3) ] بن مالك بن   [ (1) ] في (خ) «فألح» ، «بهنة» ، وسبق تصويب نسبه من الاستيعاب تحت رقم 1223. [ (2) ] وفي (ديوان حسان) ص 160: «أمسى الخلابيس قد عزّوا وقد كثروا» . [ (3) ] زيادة من نسبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 امرئ القيس بن مالك الأغر الأنصاري- فمرّ به عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان ابن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري [ (1) ] فخلّى عنه. وجاء به وبحسان إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال حسان: يا رسول اللَّه شهر علي السيف في نادي قومي، ثم ضربني لأن أموت ولا أراني إلا ميتا من جراحاتي! فقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] لصفوان: ولم ضربته وحملت السلاح عليه؟ وتغيظ صلّى اللَّه عليه وسلّم. فقال: يا رسول اللَّه، آذاني وهجاني وسفه عليّ [ (2) ] وحسدني على الإسلام! فقال لحسان: أسفهت على قوم أسلموا؟. حبس صفوان وما كان من أمر سعد في إطلاقه ثم قال: احبسوا صفوان، فإن مات حسان فاقتلوه به. فخرجوا بصفوان، وبلغ ذلك سعد بن عبادة، فأقبل على قومه من الخزرج فقال: عمدتم إلى رجل من قوم رسول اللَّه تؤذونه، وتهجونه بالشعر، وتشتمونه، فغضب لما قيل له، ثم أسرتموه أقبح الأسر ورسول اللَّه بين أظهركم؟ قالوا: فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمرنا بحبسه وقال: إن مات صاحبكم فاقتلوه. قال سعد: واللَّه إن أحب الأمرين إلى رسول اللَّه العفو، ولكن رسول اللَّه قد قضى لكم بالحق، وإن رسول اللَّه ليحب أن يترك صفوان، واللَّه لا أبرح حتى يطلق. فقال حسان: ما كان لي من حق فهو لك. وأتى قومه، فغضب قيس بن سعد [بن عبادة] [ (3) ] وقال: عجبا لكم! ما رأيت كاليوم! إن حسان قد ترك حقه وتأبون أنتم؟ ما ظننت أحدا من الخزرج يردّ أبا ثابت في أمر يهواه: فاستحيا القوم وأطلقوا صفوان من الوثاق، فذهب به سعد إلى بيته فكساه حلة، ثم خرج به إلى المسجد ليصلي فيه، فرآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: صفوان؟ قالوا: نعم يا رسول اللَّه! قال: من كساه؟ قالوا: سعد ابن عبادة. قال: كساه اللَّه من ثياب الجنة. عفو حسان عن حقه قبل صفوان ثم كلّم حسان حتى أقبل في قومه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا رسول اللَّه،   [ (1) ] في (خ) «كرر الناسخ من قوله «فمر به عمارة ... » إلى قوله «بن النجار الأنصاري» ، و (خ) بعده «وجاء به وثابت» وفي (الواقدي) «ثم جاء به وبثابت» ج 2 ص 436. [ (2) ] من السفاهة. [ (3) ] زيادة للإيضاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 كل حق لي قبل صفوان بن معطل فهو لك. قال: أحسنت وقبلت ذلك. وأعطى حسان أرضا براحا [ (1) ] وهي بيرحا، وسيرين أخت مارية. وأعطاه سعد بن عبادة حائطا كان يجدّ [ (2) ] مالا كثيرا، عوضا بما عفا من حقه. ويروى أن حسان- لما حبس صفوان- أرسل إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا حسان أحسن فيما أصابك. فقال: هو لك يا رسول اللَّه! فأعطاه بيرحا [ (3) ] وسيرين [ (4) ] عوضا. خبر عبد اللَّه بن رواحة، وطروق أهله ليلا حتى رابه ما رابه وكان جابر بن عبد اللَّه رفيق عبد اللَّه بن رواحة في غزوة المريسيع، فأقبلا حتى انتهيا إلى وادي العقيق في وسط الليل، والناس معرّسون، فتقدم ابن رواحة إلى المدينة فطرق أهله، فإذا مع امرأته إنسان طويل. فظن أنه رجل، وندم على تقدّمه، واقتحم البيت رافعا سيفه يريد أن يضربهما، ثم فكر وادكر، فغمز امرأته برجله فاستيقظت وصاحت، فقال: أنا عبد اللَّه، فمن هذا؟ قالت: هي رحيلة [ (5) ] سمعنا بقدومكم [ (6) ] فدعوتها تمشّطني فباتت عندي. فبات وأصبح. فخرج يلقى [ (7) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو سائر بين أبي بكر الصديق، وبشير بن سعد بن ثعلبة ابن خلاس بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري رضي اللَّه عنهما، فالتفت صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بشير فقال: يا أبا النعمان، إن وجه عبد اللَّه ليخبرك أنه كره طروق أهله. فلما انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خبرك   [ (1) ] في (خ) «أرض أبرحا» . [ (2) ] جد النخل: قطع ثمره (المعجم الوسيط) ج 1 ص 109. [ (3) ] في (خ) «براحا» . [ (4) ] أخت مارية القبطية أم إبراهيم ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي (المغازي) ج 2 ص 438 وما بعدها. وحدثني سعيد بن أبي زيد الأنصاري قال: حدثني من سمع أبا عبيدة بن عبد اللَّه بن زمعة الأسدي يخبر أنه سمع حمزة بن عبد اللَّه بن عمر أنه سمع عائشة رضي اللَّه عنها تقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: حسان حجاز بين المؤمنين والمنافقين، لا يحبه منافق ولا يبغضه مؤمن . وقال حسان يمدح عائشة رضي اللَّه عنها: حصان رزان لا تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل فإن كان ما قد جاء عنى قلته ... فلا رفعت سوطي إليّ أناملي والغرثى: الجائعة، والغوافل: جمع غافلة والمعنى أنها كافة عن أعراض الناس. (ديوان حسان بن ثابت) ص 228 باختلاف يسير. [ (5) ] اسم امرأة كانت معها. [ (6) ] في (خ) «نقدمكم» . [ (7) ] في (خ) «تلقى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 يا ابن رواحة!. النهي عن طروق النساء ليلا فأخبره، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تطرقوا النساء ليلا. فكان ذلك أول ما نهى عنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكان قدومه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المريسيع إلى المدينة لهلال رمضان، فغاب شهرا إلا ليلتين. الخلاف في تاريخ غزوة بني المصطلق تنبيه: قد اختلف في غزوة المريسيع. فذهب الواقديّ- كما تقدم- إلى أنها كانت في شعبان سنة خمس، وقال ابن إسحاق: في شعبان من السنة السادسة، وصححه جماعة. وفيه إشكال، فإنه وقع في الصحيحين وغيرهما أن المقاول لسعد ابن عبادة سعد بن معاذ، كما تقدم عند خطبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بسبب أهل الإفك. ولا يختلف أحد في أن سعد بن معاذ مات إثر قريظة، وقد كان عقب الخندق، وهي في سنة خمس على الصحيح، ثم حديث الإفك لا يشك أحد من علماء الآثار أنه في غزوة بني المصطلق هذه، وهي غزوة المريسيع، وقد اختلف الناس في الجواب عن هذا. فقال موسى بن عقبة- فيما حكاه البخاري عنه [ (1) ]- إن غزوة المريسيع كانت في سنة أربع، وهذا خلاف الجمهور. ثم في الحديث ما ينفي ما قال، لأنها قالت: «وذلك بعد ما نزل الحجاب» . ولا خلاف أن الحجاب نزل صبيحة دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بزينب بنت جحش، وقد سأل صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب عن شأن عائشة في ذلك فقالت: «أحمي سمعي وبصري» قالت عائشة: «وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» . وقد ذكر علماء الأخبار أن تزويجه صلّى اللَّه عليه وسلّم بزينب كان في ذي القعدة سنة خمس، فبطل ما قال موسى بن عقبة، ولم ينحل الإشكال. وقال ابن إسحاق: إن المريسيع كانت في سنة ست، وذكر فيها حديث الإفك، إلا أنه قال عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه [بن عتبة] [ (2) ] ، عن عائشة، فذكر الحديث- قال: فقام أسيد بن الحضير فقال: «أنا أعذرك منه» ،   [ (1) ] صحيح البخاري ج 3 ص 37. [ (2) ] زيادة للبيان من (ابن هشام) ج 3 ص 187. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 ولم يذكر سعد بن معاذ. قال الحافظ أبو محمد علي بن [ (1) ] أحمد بن سعيد بن حزم: وفي مرجع الناس من غزوة بني المصطلق قال أهل الإفك ما قالوا، وأنزل اللَّه تعالى في ذلك من براءة عائشة رضي اللَّه عنها ما أنزل. وقد روينا من طرق صحاح أن سعد بن معاذ كانت له في شيء من ذلك مراجعة مع سعد بن عبادة. وهذا عندنا وهم [ (2) ] ، لأن سعد ابن معاذ مات إثر فتح بني قريظة بلا شك، وفتح بني قريظة في آخر ذي القعدة من السنة الرابعة من الهجرة، وغزوة بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة- بعد سنة وثمانية أشهر من موته، وكانت المقاولة بين الرجلين المذكورين بعد الرجوع من غزوة بني المصطلق بأزيد من خمسين ليلة. وذكر ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، وغيره: أن المقاول لسعد بن عبادة إنما كان أسيد بن الحضير، وهذا هو الصحيح، والوهم لم يعر [ (3) ] منه أحد من بني آدم. واللَّه أعلم. غزوة الخندق ثم كانت غزوة الخندق: وتسمى الأحزاب. وهي الغزاة التي ابتلى اللَّه سبحانه فيها عباده المؤمنين وزلزلهم، وثبت الإيمان في قلوب أوليائه، وأظهر ما كان يبطنه أهل النفاق وفضحهم وقرّعهم. ثم أنزل تعالى نصره ونصر عبده، وهزم الأحزاب، وأعز جنده، ورد الكفرة بغيظهم، ووقى المؤمنين شر كيدهم، وحرم عليهم شرعا وقدرا أن يغزو المؤمنين بعدها، بل جعلهم المغلوبين، وجعل حزبه هم الغالبين بمنّه وفضله. بدؤها وكان من خبرها: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عسكر يوم الثلاثاء لثمان مضت من ذي القعدة سنة خمس، وقيل: كانت في شوال منها، وقال موسى بن عقبة: كانت في سنة أربع، وصححه ابن حزم. وقال ابن إسحاق في شوّال سنة خمس، وذكرها   [ (1) ] في (خ) «باب» . [ (2) ] الوهم بالتحرك: الغلط. [ (3) ] في (خ) «يصر» والمعنى: لم يخل ولم يبرأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 البخاري قبل غزوة ذات الرقاع [ (1) ] . واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم. سببها وسبب ذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أجلى بني النضير ساروا إلى خيبر، وبها من يهود قوم أهل عدد وجلد، وليست لهم من البيوت والأحساب ما لبني النضير فخرج [سلام ابن أبي الحقيق، و] [ (2) ] حيي بن أخطب، وكنانة بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي من الأوس، وأبو عامر الراهب [ (3) ] . في بضعة عشر رجلا إلى مكة يدعون قريشا وأتباعها إلى حرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فقالوا لقريش: نحن معكم حتى نستأصل محمدا، جئنا لنحالفكم على عداوته وقتاله. فنشطت قريش لذلك، وتذكروا أحقادهم ببدر، فقال أبو سفيان: مرحبا وأهلا: أحبّ الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد. تعاهد بطون قريش عند الكعبة على قتال المسلمين وأخرج خمسين رجلا من بطون قريش كلها وتحالفوا وتعاقدوا- وقد ألصقوا أكبادهم [ (4) ] بالكعبة، وهم بينها وبين أستارها-: ألا يخذل بعضهم بعضا، ولتكونن كلمتهم واحدة على محمد ما بقي منهم رجل. ثم قال أبو سفيان: يا معشر يهود، أنتم أهل الكتاب الأول والعلم، أخبرونا عما أصبحنا [نختلف] فيه [ (5) ] نحن ومحمد، أديننا خير أم دين محمد؟ فنحن عمار البيت، وننحر الكوم ونسقي الحجيج، ونعبد الأصنام!.   [ (1) ] صحيح البخاري ج 3 ص 30. [ (2) ] زيادة من (ابن هشام) ج 3 ص 127، وهذا الّذي عليه أكثر الرواة، ولكن المقريزي قدّم مقتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق على غزوة الأحزاب فعلى هذا التقديم ليس يصحّ أن يذكر سلام بن أبي الحقيق في عداد أصحاب الأحزاب، لأن مقتله عند المقريزي في سنة أربع، وكانت الغزوة في سنة خمس، راجع (زاد المعاد) ج 3 ص 270. [ (3) ] كذا في (خ) ، ومكانه في (ابن هشام) ج 3 ص 127 «أبو عمار الوائلي» . [ (4) ] في (خ) «أكابدهم» وهذه عادتهم في إعظام اليمين. [ (5) ] في (خ) «أخبرونا عما أصبحنا فيه ومحمد» وهو نص (الواقدي) ج 2 ص 442، وما أثبتناه أجود، وهو نص (ابن هشام) ج 3 ص 127 وما بين القوسين زيادة منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 خبر اليهود في نصرة المشركين فقالت يهود: اللَّهمّ أنتم أولى بالحق منه، إنكم لتعظمون هذا البيت، وتقومون على السقاية، وتنحرون البدن، وتعبدون ما كان عليه آباؤكم، فأنتم أولى بالحق منه. فأنزل اللَّه تعالى في ذلك [ (1) ] : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا. الخروج إلى القتال واتعدوا لوقت وقتوه، وخرجت يهود إلى غطفان، وجعلت لهم ثمر خيبر سنة إن هم نصروهم. وتجهزت قريش، وسيرت تدعو العرب إلى نصرها، وألبوا [ (2) ] أحابيشهم [ (3) ] ومن تبعهم. الأحزاب ومنازلهم وأتت يهود بني سليم فوعدوهم السير معهم، ولم يكن أحد أسرع إلى ذلك من عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جرية [ (4) ] بن لوذان بن فزارة ابن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان [ويقال له ابن اللقيطة: يعني لا تعرف له أم] [ (5) ] الفزاريّ. وخرجت قريش ومن تبعها من أحابيشها في أربعة آلاف، وعقدوا اللواء في   [ (1) ] الآية 51/ النساء، والآيات التي نزلت في شأنهم من أول الآية 51 إلى آخر الآية 55/ النساء. راجع أسباب النزول للواحدي ص 114، 115. [ (2) ] في (خ) «واللبوا» . [ (3) ] نسبة إلى حبشىّ، وهو جبل بأسفل مكة بنعمان الأراك، يقال به سميت أحابيش قريش، وذلك أن بني المصطلق وبني الهون بن خزيمة اجتمعوا عنده وحالفوا قريشا وتحالفوا باللَّه: إنا ليد واحدة على غيرنا ما سجا ليل ووضح نهار، وما رسا حبشي مكانه (معجم البلدان) ج 2 ص 247. [ (4) ] في (خ) «جوثة» . [ (5) ] كذا في (خ) وهو خطأ، وصوابه: من هامش (ط) ص 218. «أن اللقيطة هي أم حصن بن حذيفة بن بدر وإخوانه وهم خمسة، واسمها «نضيرة بنت عصيم بن مروان بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عديّ بن فزارة» ، يقال في خبر تلقيبها باللقيطة أخبار، أجودها أن حذيفة بن بدر التقطها في جوار قد أضربهن السنة الجدب، فضمها إليه، ثم أعجبته فخطبها إلى أبيها فتزوجها» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 دار الندوة، وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وكان معهم ألف بعير وخمسمائة بعير. ولاقتهم سليم بمر الظهران في سبعمائة، يقودهم سفيان بن عبد شمس [حليف حرب بن أمية وهو] [ (1) ] أبو أبي الأعور السّلمي الّذي كان مع معاوية بن أبي سفيان بصفين. وكان أبو سفيان بن حرب قائد جيش قريش. وخرجت بنو أسد وقائدها طليحة بن خويلد الأسدي. وخرجت بنو فزارة في ألف يقودهم عيينة بن حصن. وخرجت أشجع في أربعمائة يقودهم مسعود بن رحيلة بن عائذ بن مالك بن حبيب بن نبيح بن ثعلبة بن قنفذ ابن خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع بن ريث [ (2) ] بن غطفان بن سعد بن قيس ابن عيلان [ (3) ] [وقال ابن إسحاق: هو مسعر بن رحيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة [ (4) ] بن عبد اللَّه بن هلال بن خلادة بن أشجع] . وخرجت بنو مرّة في أربعمائة يقودهم الحارث [بن عوف] [ (5) ] بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ ابن مرة بن عوف [بن سعد] [ (5) ] بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان،: وقيل: لم يحضر بنو مرّة. وكانوا جميعا عشرة آلاف، [وأقبلت قريش في أحابيشها ومن تبعها من بني كنانة] [ (6) ] حتى نزلت وادي العقيق، ونزلت غطفان بجانب أحد ومعها ثلاثمائة فرس فسرحت قريش ركابها في عضاة [ (7) ] وادي العقيق، ولم تجد لخيلها هناك شيئا إلا ما حملت من علفها، وهو الذرة، وسرّحت غطفان إبلها إلى الغابة في أثلها وطرفائها [ (8) ] . وكان الناس قد حصدوا زرعهم قبل ذلك بشهر، وأدخلوا حصادهم وأتبانهم. وكادت خيل غطفان وإبلها تهلك من الهزال، وكانت المدينة إذ ذاك جديبة.   [ (1) ] زيادة البيان من (ابن سعد) ج 2 ص 66. [ (2) ] في (خ) «أيث» . [ (3) ] في (خ) «غيلان» . [ (4) ] في (خ) (سمحة) والتصويب من (ابن هشام) ج 3 ص 128. [ (5) ] زيادة من نسبه. [ (6) ] زيادة للسياق (ابن هشام) ج 3 ص 131 بتصرف. [ (7) ] العضاة: كل شجر له شوك. (المعجم الوسيط) ج 3 ص 128. [ (8) ] الأثل: شجر من الفصيلة الطرفاوية طويل مستقيم يعمّر جيد الخشب كثير الأغصان (المعجم الوسيط) ج 1 ص 6. والطرفاء: جنس من النبات منه أشجار وجنبات من الفصيلة الطرفاوية ومنه الأثل (المرجع السابق) ج 2 ص 555. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 مشورة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين بلغه خبر خروج الأحزاب وإشارة سلمان بحفر الخندق وكانت خزاعة عند ما خرجت من مكة: أتى ركبهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- في أربع ليال- حتى أخبروه، فندب الناس وأخبرهم خبر عدوهم، وشاورهم: أيبرز من المدينة، أم يكون فيها ويخندق عليها، أم يكون قريبا والجبل وراءهم؟ فاختلفوا. وكان سلمان الفارسيّ يرى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يهم بالمقام بالمدينة- ويريد [ (1) ] أن يتركهم حتى يردوا ثم يحاربهم على المدينة وفي طرقها- فأشار بالخندق فأعجبهم ذلك، وذكروا يوم أحد، فأحبوا الثبات في المدينة. وأمرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالجد، ووعدهم النصر إن هم صبروا واتقوا، وأمرهم بالطاعة. خبر حفر الخندق وركب فرسا له- ومعه عدة من المهاجرين والأنصار- فارتاد موضعا ينزله، وجعل سلعا [ (2) ] خلف ظهره وعمل في [حفر] [ (3) ] الخندق لينشطهم، وندب الناس وخبّرهم بدنو عدوهم، وعيّن حفر الخندق في المراد [ (4) ] وعسكر بهم إلى سفح سلع، فتبادر المسلمون في العمل، وقد استعاروا من بني قريظة آلة كثيرة- من مساحي وكرازين ومكاتل [ (5) ]-، للحفر في الخندق. ووكل صلّى اللَّه عليه وسلّم بكل جانب من الخندق قوما يحفرونه. وكان الشباب ينقلون التراب، ويخرج المهاجرون والأنصار في نقل التراب وعلى رءوسهم المكاتل، ويرجعون بها بعد إلقاء التراب منها وقد ملئوها حجارة من جبل سلع: وهي أعظم سلاحهم، يرمون بها. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحمل التراب في المكاتل والقوم يرتجزون [ (6) ] ، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: هذا الجمال لا جمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر   [ (1) ] هذا الحرف في (خ) يقرأ ما بين «يريد» ، «يدبر» والأقرب للمعنى ما أثبتناه. [ (2) ] سلع جبل قرب المدينة (معجم البلدان) ج 3 ص 236. [ (3) ] زيادة للإيضاح. [ (4) ] في (خ) «المزاد» . [ (5) ] المساحي والكرازين والمكاتل: المجارف والفؤوس والقفف. [ (6) ] ترتجزون: يترنمون بالرّجز من أوزان الشعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 أخبار المسلمين يوم حفر الخندق وجعل المسلمون إذا رأوا من الرجل فتورا ضحكوا منه، وتنافس الناس في سلمان الفارسيّ، فقال المهاجرون: سلمان منا- وكان قويا عارفا يحفر الخنادق- وقالت الأنصار: هو منا ونحن آخرته [ (1) ] . فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: سلمان منا أهل البيت. ولقد كان يعمل عمل عشرة رجال حتى عانة [ (2) ] قيس بن أبي صعصعة فلبط به [ (3) ] فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: مروه فليتوضّأ وليغتسل به، ويكفأ الإناء خلفه، ففعل فكأنما حلّ من عقال. وجعل لسلمان خمس أذرع طولا وخمسا في الأرض ففرغها وحده وهو يقول: اللَّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة. وحفر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحمل التراب على ظهره. وفي حديث سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي: أنه عليه السلام حين ضرب في الخندق قال: بسم اللَّه وبه هدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا حبذا ربا وحبذا دينا [ (4) ] وكان بنو سلمة في ناحية يحفرون ويرتجزون، فعزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على كعب ابن مالك ألا يقول شيئا، وعزم على حسان بن ثابت، وقال: لا يغضب أحد مما قاله صاحبه، لا يريد بذلك سوءا، إلا ما قال كعب وحسان فإنّهما يجدان ذلك [ (5) ] .   [ (1) ] في (خ) «إخوته» ، وآخرته: آخر من نزل بهم بعد طوافه البلاد. [ (2) ] عانة: أصابه بالعين من الحسد (المعجم الوسيط) ج 2 ص 641. [ (3) ] لبط به: سقط على الأرض من قيام (المرجع السابق) ص 813. [ (4) ] قال محقق (2) : «هذا كلام لم أجده فيما بين يدي من أصول الكتب، ولا أدري ما هو» ونقول: روى ابن كثير في (البداية والنهاية) ج 4 ص 96، ص 97 ما نصه: «وقال البيهقي في الدلائل: أخبرنا على بن أحمد بن عبدان (بسنده) عن أبي عثمان عن سلمان أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضرب في الخندق وقال: بسم اللَّه وبه هدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا يا حبذا ربا وحبذا دينا قال: وهذا حديث غريب من هذا الوجه. [ (5) ] قال محقق (ط) : «هذا خبر ناقص مضطرب، ولم أعرف أصله ولا كيف ساقه» ونقول: روى (الواقدي) في (المغازي) ج 2 ص 447 ما نصه: «حدثني أيوب بن النعمان عن أبيه عن جده، عن كعب بن مالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 تغيير اسم جعيل وتسميته عمرا وكان جعيل بن سراقة رجلا صالحا «وكان ذميما قبيحا، وكان يعمل في الخندق، فغير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمه يومئذ وسماه عمرا، وجعل المسلمون يرتجزون ويقولون: سماه من بعد جعيل عمرا ... وكان للبائس يوما ظهرا سبب النهي عن أن يروّع المسلم أو يؤخذ سلاحه وكان زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاريّ فيمن ينقل التراب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما إنه نعم الغلام!. وغلبته عيناه فنام في الخندق- وكان القرّ شديدا- فأخذ عمارة بن حزم سلاحه وهو لا يشعر، فلما قام فزع. فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا رقاد! نمت حتى ذهب سلاحك! ثم قال: من له علم بسلاح هذا الغلام؟ فقال عمارة: يا رسول اللَّه، هو عندي. فقال: فرده عليه. ونهى أن يروع المسلم، و [لا] [ (1) ] يؤخذ متاعه [جادا ولا] [ (1) ] لاعبا. ولم يتأخر عن العمل في الخندق أحد من المسلمين، وكان أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما ينقلان التراب في ثيابهما من العجلة، إذ [ (2) ] لم يجدا مكاتل- لعجلة المسلمين- وكانا لا يتفرقان في عمل ولا مسير ولا منزل. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هو يعمل في الخندق: اللَّهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا   [ () ] قال: جعلنا يوم الخندق نرتجز ونحفر، وكنا- بني سلمة- ناحية فعزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليّ ألا أقول شيئا فقلت: هل عزم على غيري؟ قالوا: حسان بن ثابت قال: فعرفت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما نهانا لوحدنا له وقلته على غيرنا، فما تكلمت بحرف حتى فرغنا من الخندق. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: لا يغضب أحد مما قال صاحبه، لا يريد بذلك سوءا، إلا ما قال كعب وحسّان، فإنّهما يجدان ذلك» . والظاهر لنا أن المقريزي قد اختصر رواية الواقدي اختصارا أخلّ بمعناها، واللَّه تعالى أعلم. [ (1) ] زيادة للسياق من (الإصابة) ج 4 ص 42 عند ترجمة زيد بن ثابت رقم 2874، ونص (الواقدي) ج 2 ص 448: «ونهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يروّع المسلم أو يؤخذ متاعه لاعبا جادا» والقرّ: البرد. قال في (النهاية) ج 1 ص 245: «أي لا يأخذ على سبيل الهزل ثم يحبسه، فيصير ذلك جدا» . [ (2) ] في (خ) «إذا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 [فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا] [ (1) ] [إن الأولى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا] [ (1) ] يردد ذلك. خبر نبوءته صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الفتوح يوم حفر الخندق وضرب بالكرزين فصادف حجرا فصل [ (2) ] الحجر، فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقيل: ممّ تضحك يا رسول اللَّه؟ قال: أضحك من قوم يؤتى بهم من المشرق في الكبول [ (3) ] ، يساقون إلى الجنة وهم كارهون. وضرب عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه بالمعول فصادف حجرا صلدا، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منه المعول فضرب ضربة فذهبت أوّلها برقة إلى اليمن، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة إلى الشام، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة نحو المشرق، وكسر الحجر عند الثالثة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني رأيت في الأولى قصور اليمن، ثم رأيت في الثانية قصور الشام، ورأيت في الثالثة قصر كسرى الأبيض بالمدائن. وجعل يصفه لسلمان فقال: صدقت! والّذي بعثك بالحق إن هذه لصفته! وأشهد أنك رسول اللَّه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذه فتوح يفتحها اللَّه عليكم بعدي، يا سلمان لتفتحن الشام ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته، وتظهرون على الشأم ولا ينازعكم أحد، ولتفتحن اليمن، ولتفتحن هذا المشرق ويهرب كسرى فلا يكون كسرى بعده. ولما كمل الخندق صارت المدينة كالحصن، ورفع المسلمون النساء والصبيان في الآطام. البركة في طعام جابر ورأى جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحفر، ورآه خميصا [ (4) ] ، فأتى امرأته فأخبرها ما رأى من خمص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: واللَّه ما عندنا شيء إلا هذه الشاة ومدّ من شعير، قال: فاطحني وأصلحي. فطبخوا بعضها، وشووا   [ (1) ] زيادة من (البخاري) ج 3 ص 32. [ (2) ] صلّ الحجر: صوّت صوتا ذا رنين (المعجم الوسيط) ج 1 ص 520. [ (3) ] الكبول: جمع كبل: وهو القيد من أي شيء كان، (المرجع السابق) ج 2 ص 774. [ (4) ] يقال: خمص الجوع فلانا: أضعفه وأدخل بطنه في جوفه فهو خميص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 بعضها، وخبزوا الشعير، ثم أتى جابر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! قد صنعت لك طعاما، فأت أنت ومن أحببت من أصحابك. فشبّك صلّى اللَّه عليه وسلّم أصابعه بين أصابع جابر ثم قال: أجيبوا جابرا يدعوكم. فأقبلوا معه، فقال جابر في نفسه: واللَّه إنها الفضيحة!. وأتى المرأة فأخبرها فقالت: أنت دعوتهم أو هو؟ فقال: بل هو دعاهم! قالت: دعهم فهو أعلم. وأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمر أصحابه، وكانوا فرقا: عشرة عشرة. ثم قال لجابر: اغرفوا وغطوا البرمة، وأخرجوا من التنور الخبز ثم غطوه. ففعلوا وجعلوا يغرفون ويغطون البرمة ثم يفتحونها فما يرونها [ (1) ] نقصت شيئا، ويخرجون الخبز من التنور ويغطونه فما يرونه ينقص شيئا، فأكلوا حتى شبعوا، وأكل جابر وأهله [ (2) ] . عرض الغلمان وإجازتهم وعرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغلمان وهو يحفر الخندق، فأجاز من أجاز وردّ من ردّ. فكان ممن أجاز: [عبد اللَّه] [ (2) ] بن عمر [بن الخطاب] [ (3) ] ، وزيد بن ثابت، والبراء ابن عازب، وما منهم إلا ابن خمس عشرة سنة. وكان الغلمان الذين لم يبلغوا يعملون معه ثم أمرهم [ (4) ] فرجعوا إلى أهليهم. عدة المسلمين يوم الخندق وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف، وزعم ابن إسحاق أنه إنما كان في سبعمائة، وهذا غلط. وقال ابن حزم: وخرج رسول اللَّه- يعني في الخندق- في ثلاثة آلاف، وقد قيل: في تسعمائة فقط، وهو الصحيح الّذي لا شك فيه، والأول وهم [ (5) ] . اجتهاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في العمل يوم الخندق ومن شدة اجتهاده صلّى اللَّه عليه وسلّم في العمل: كان يضرب مرة بالمعول ومرة بالمسحاة يغرف بها التراب، ومرة يحمل التراب في المكتل، وبلغ يوما منه التعب مبلغا فجلس، ثم اتكأ   [ (1) ] في (خ) «يروها» . [ (2) ] راجع (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) ج 8 ص 302 باب معجزته صلّى اللَّه عليه وسلّم في الطعام وبركته فيه. [ (3) ] زيادة للإيضاح. [ (4) ] في (خ) «أمر بهم» . [ (5) ] يقول ابن القيم في (زاد المعاد) ج 3 ص 271: «وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ثلاثة آلاف من المسلمين، فتحصن بالجبل من خلفه، وبالخندق أمامهم» وقال ذلك أيضا (الطبري) ج 2 ص 570. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 على حجر بشقه الأيسر فنام، فقام أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما على رأسه يمنعان الناس من أن يمروا به فينبّهوه، ثم فزع ووثب فقال: أفلا أفزعتموني! وأخذ الكرزين يضرب به وهو يقول: اللَّهمّ إن العيش عيش الآخرة، فاغفر للأنصار [ (1) ] والمهاجرة، اللَّهمّ العن عضلا والقارة، فهم كلفوني أنقل الحجارة [ (2) ] . وفرغ حفر الخندق في ستة أيام. مواقف المسلمين وعسكر فجعل سلعا خلف ظهره والخندق أمامه. ودفع لواء المهاجرين إلى زيد ابن حارثة، ولواء الأنصار إلى سعد بن عبادة. وضرب له قبة من أدم. وعاقب بين ثلاث من نسائه، وكانت عائشة أياما، ثم أم سلمة، ثم زينب بنت جحش، وبقية نسائه في الآطام. خبر حيي بن أخطب وأبي سفيان وكان حيي بن أخطب يقول- لأبي سفيان بن حرب ولقريش في مسيره معهم-: إن قومي قريظة معكم، وهم أهل حلقة وافرة، وهم سبعمائة مقاتل وخمسون مقاتلا. فلما دنوا قال له أبو سفيان: ائت قومك حتى ينقضوا العهد الّذي بينهم وبين محمد. عهد بني قريظة فأتى بني قريظة- وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قدم المدينة صالح قريظة والنضير ومن معهم من يهود ألا يكونوا معه ولا عليه، ويقال: صالحهم على أن ينصروه ممن دهمه [ (3) ] ، ويقيموا على معاقلهم [ (4) ] الأولى التي بين الأوس والخزرج- فأتى   [ (1) ] في (خ) «لي الأنصار» . [ (2) ] يقول محقق (ط) : هكذا روى! وقد روى الثقات، ولم يذكر هذا الكلام من قوله: «اللَّهمّ العن ... إلخ» ، وهو كلام هالك ليس بشيء. ونقول: قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ العن عضلا والقارة، فهم كلفوني أنقل الحجارة) » ذكره (ابن حجر) في (فتح الباري) ج 7 ص 394 هكذا: والعن عضلا والقارة ... هم كلفونا نقل الحجارة وذكره أيضا في (المطالب العالية) ج 4 ص 228 برقم 4332. [ (3) ] في (خ) «دهمه منهم» وهي رواية (الواقدي) ج 2 ص 454 وما أثبتناه من (ط) . [ (4) ] معاقلهم الأولى: أي الديات التي كانت في الجاهلية، أو على مراتب آبائهم (ترتيب القاموس) ج 3 ص 287. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 كعب بن أسد، وكان صاحب عقد بني قريظة وعهدها [ (1) ] ، فكرهت قريظة دخول حيي بن أخطب إلى دارهم، فإنه يحب الرئاسة والشرف عليهم، وكان يشبّه بأبي جهل في قريش [ (2) ] . فلقيه عزّال [ (3) ] بن سموأل أول الناس، فقال له حيي: قد جئتك بما تستريح به من محمد، هذه قريش قد دخلت وادي العقيق، وغطفان بالزغابة! فقال عزال [ (3) ] : جئتنا واللَّه بذل الدهر! فقال: لا تقل هذا! ثم أتى كعب بن أسد فقال له: إنك امرؤ مشئوم، وقد شأمت [ (4) ] قومك حتى أهلكتهم، فارجع عنا! فما زال به حيي حتى لان له ونقض العهد، وشقوا الكتاب الّذي كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم (بينه و) [ (5) ] بينهم، واستدعى رؤساؤهم- وهم: الزبير ابن باطا، ونبّاش بن قيس، وعزال بن سموأل، وعقبة بن زيد، وكعب ابن زيد- وأعلمهم بما فعل من نقض العهد، فلحمه [ (6) ] الأمر لما أراد اللَّه بهم من هلاكهم. نقض بني قريظة العهد ومجاهرتهم بالعداوة فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قبته، - والمسلمون على خندقهم يتناوبونه، معهم بضع وثلاثون فرسا، والفرسان يطوفون على الخندق- إذ جاء عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فقال: يا رسول اللَّه، بلغني أن بني قريظة قد نقضت العهد وحاربت. فاشتد ذلك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل. بعثة الزبير بن العوام لاستطلاع خبر بني قريظة وتسميته (حواريّ رسول اللَّه) وبعث الزبير بن العوام رضي اللَّه عنه إليهم لينظر. فعاد بأنهم يصلحون حصونهم، ويدرّبون [ (7) ] طرقهم وقد جمعوا ماشيتهم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن لكل نبي   [ (1) ] في (خ) في هذا المكان «حي بن أخظب» وهو تكرار لا معنى له. [ (2) ] في (خ) كان يشبه في قريش بأبي جهل، وفي (الواقدي) ج 2 ص 455 «وله في قريش شبه أبو جهل ابن هشام» وما أثبتناه من (ط) . [ (3) ] في (خ) «غزال» [ (4) ] في (خ) «شوم، وقد شمت» [ (5) ] زيادة لا بدّ منها. [ (6) ] في (خ) (لجمة) ولحمة الأمر: أحكمه (المعجم الوسيط) ج 2 ص 819. [ (7) ] قد تكون من «الدّربة» وهي الجرأة على الأمر أو من «الدّرب» وهو باب السكة الواسع (ترتيب القاموس ج 2 ص 163، 164. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 حواريا، وإن حواري [ (1) ] الزبير. ثم بعث سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسيد ابن حضير لينظروا ما بلغه عن بني قريظة، وأوصاهم- إن كان حقا- أن يلحنوا له [أي يلغزوا] لئلا [ (2) ] يفت ذلك في عضد المسلمين ويورث وهنا، فوجدوهم مجاهرين بالعداوة والغدر، فتسابوا، ونال اليهود- عليهم لعائن [ (3) ] اللَّه- من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسبهم سعد بن معاذ وانصرفوا عنهم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما وراءكم؟ قالوا: عضل والقارة! [يعنون غدرهم بأصحاب الرجيع] . فكبّر صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: أبشروا بنصر اللَّه وعونه. رعب المسلمين يوم الأحزاب وانتهى الخبر إلى المسلمين، فاشتدّ الخوف وعظم البلاء، ونجم النفاق وفشل الناس: وكانوا كما قال اللَّه تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً [ (4) ] . مقالة المنافقين وتكلم قوم بكلام قبيح، فقال معتّب بن قشير [ (5) ] (ويقال له: ابن بشر، ويقال له: ابن بشير) بن حليل (ويقال: ابن مليل) بن زيد بن [ (6) ] العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري: يعدنا محمد (أن نأكل) [ (7) ] كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب لحاجته! ما وعدنا اللَّه ورسوله إلا غرورا!.   [ (1) ] في (خ) «حوارييّ» . [ (2) ] في (خ) «لئن لا» . [ (3) ] لعله يقصد جهنم لعنة، وفي (المعجم الوسيط) ج 2 ص 829: 879 أنها تجمع على لعان، ولعنات. [ (4) ] آية 10- 11 الأحزاب، وفي (خ) إلى قوله تعالى «الحناجر» . [ (5) ] في (خ) «قريش» والتصويب من (الواقدي) ج 2 ص 459. [ (6) ] في (خ) بعد قوله «ابن مليل» ما نصه: «مجد الأزعر العطاف» وهو خطأ، فإن مليلا هذا هو أخو الأزعر، وكلاهما زيد بن العطاف. [ (7) ] هذه رواية (ابن هشام) ج 2 ص 123 وفي (خ) بدون هذه الزيادة وهي رواية (الواقدي) ص 549. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 من أخبار يهود يوم الأحزاب وهمت بنو قريظة أن يغيروا على المدينة ليلا، وبعث حيي بن أخطب إلى قريش أن يأتيه منهم ألف رجل ومن غطفان ألف، فيغيروا بهم، فجاء الخبر بذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعظم البلاء. وبعث سلمة بن أسلم بن حريش بن عدي بن مجدعة ابن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري- في مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير، ومعهم خيل المسلمين، وكانوا يبيتون بالخندق خائفين، فإذا أصبحوا أمنوا. وكان الخوف على الذراري بالمدينة من بني قريظة أشد من الخوف من قريش وغطفان إلا أن اللَّه ردّ بني قريظة عن المدينة بأنها كانت تحرس. وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خوات ابن جبير بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري لينظر غرة لبني قريظة فكمن [ (1) ] لهم، فحمله رجل منهم وقد أخذه النوم، فأمكنه اللَّه من الرجل وقتله ولحق بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره. وخرج نباش بن قيس في عشرة من اليهود يريد المدينة، ففطن بهم نفر من أصحاب سلمة ابن أسلم فرموهم حتى هزموهم، ومر سلمة فيمن معه فأطاف بحصون يهود فخافوه، وظنوا أنه البيات. بنو حارثة الذين قالوا إن بيوتنا عورة وبعث بنو حارثة بأوس بن قيظي بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة الأنصاري إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقولون: إن بيوتنا عورة، وليس في دار من دور الأنصار مثل دارنا، ليس بيننا وبين غطفان أحد يردّهم عنّا، فأذن لنا فلنرجع إلى دورنا فنمنع ذرارينا ونساءنا. فأذن لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم. فبلغ سعد بن معاذ ذلك فقال: يا رسول اللَّه! لا تأذن لهم؟ إنا واللَّه ما أصابنا وإياهم شدّة قطّ إلا صنعوا هكذا. فردهم. وقال ابن الكلبي: وأبو مليل [ (2) ] بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة شهد بدرا، وهو الّذي قال: «بيوتنا عورة» يوم الخندق. وقال ابن عبد البر:   [ (1) ] في (خ) «فأكمن» . [ (2) ] في (خ) «وابن مليل» والتصويب من (الإصابة) ج 12 ص 3 ترجمة رقم 1077 حيث يقول: «وأنا أخشى أن يكون هو الّذي بعده، وقع فيه تصحيف وتحريف وجوّز ابن فتحون أن يكون هو الّذي بعده» «والّذي بعده» هو: أبو مليل الأزعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 أبو مليل سليك بن الأعزّ [ (1) ] . حراسة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلمة يخافها من الخندق وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يختلف إلى ثلمة في الخندق يحرسها [ (2) ] «فإذا آذاه البرد دخل قبته فأدفأته عائشة رضي اللَّه عنها في حضنها، فإذا دفيء خرج إلى تلك الثلمة يحرسها ويقول: ما أخشى على الناس إلا منها، فبينا هو ليلة في حضن عائشة قد دفيء وهو يقول: ليت رجلا صالحا يحرسني الليلة، فجاء سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: عليك بهذه الثلمة فاحرسها، ونام، وقام صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلته في قبته يصلي، ثم خرج فقال: هذه خيل المشركين تطيف بالخندق! ثم نادى: يا عباد ابن بشر، قال: لبيك! قال: معك أحد؟ قال: نعم، أنا في نفر حول قبتك. فبعثه يطيف بالخندق، وأعلمه بخيل تطيف بهم. ثم قال: اللَّهمّ ادفع عنا شرّهم وانصرنا عليهم، واغلبهم لا يغلبهم غيرك. نوبة المشركين عند الخندق وكان المشركون يتناوبون بينهم: فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوما، ويغدو خالد بن الوليد يوما، ويغدو عمرو بن العاص يوما، ويغدو هبيرة بن أبي وهب يوما، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوما، ويغدو ضرار بن الخطاب الفهري يوما، فلا يزالون يجيلون خيلهم، ويتفرقون مرة ويجتمعون مرة أخرى، ويناوشون المسلمين، ويقدمون رماتهم فيرمون، وإذا أبو سفيان في خيل يطيفون بمضيق من الخندق، فرماهم المسلمون حتى رجعوا. طلب المشركين مضيقا من الخندق وردهم وكان عباد بن بشر ألزم الناس لقبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحرسها. وكان أسيد بن حضير يحرس في جماعة، فإذا عمرو بن العاص في نحو المائة يريدون العبور من الخندق، فرماهم حتى ولوا، وكان المسلمون يتناوبون الحراسة، وكانوا في قرّ شديد وجوع. وكان عمرو بن العاص وخالد بن الوليد كثيرا ما يطلبان غرة، ومضيقا   [ (1) ] (الاستيعاب) (لابن عبد البر) ج 12 ص 154 ترجمة رقم 3186 «ابن الأغر» . [ (2) ] الثلمة: الموضع الّذي قد انثلم أي انشق (المعجم الوسيط) ج 1 ص 99. في (خ) «ويحرسها» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 من الخندق يقتحمانه، فكانت للمسلمين معهما وقائع في تلك الليالي. شعار المهاجرين وكان شعار المهاجرين: يا خيل اللَّه. وجاء في بعض الليالي عمرو بن عبد [بن أبي القيس] [ (1) ] في خيل المشركين، ومعه مسعود بن رخيلة [ (2) ] بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد اللَّه بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان في خيل غطفان، فرماهم المسلمون. ولبس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم درعه ومغفره، وركب فرسه وخرج، فصرفهم اللَّه وقد كثرت فيهم الجراحة، فرجع صلّى اللَّه عليه وسلّم ونام، وإذا بضرار بن الخطاب وعيينة بن حصن في عدة فركب عليه السلام بسلاحه ثانيا، فرماهم المسلمون حتى ولوا وفيهم جراحات كثيرة. الخوف يوم الخندق وشدة البلاء قالت أم سلمة رضي اللَّه عنها: شهدت معه مشاهد- فيها قتال وخوف- المريسيع وخيبر، وكنا بالحديبية، وفي الفتح، وحنين- لم يكن من ذلك أتعب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا أخوف عندنا من الخندق. وذلك أن المسلمين كانوا في مثل الحرجة، وأن قريظة لا نأمنها على الذراري: فالمدينة تحرس حتى الصباح، نسمع تكبير المسلمين فيها حتى يصبحوا خوفا، حتى ردهم اللَّه بغيظهم لم ينالوا خيرا [ (3) ] . وقال محمد بن مسلمة وغيره: كان ليلنا بالخندق نهارا، وكان المشركون يتناوبون بينهم، فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوما، ويغدو خالد بن الوليد يوما، ويغدو عمرو بن العاص يوما، ويغدو هبيرة بن أبي وهب [ (4) ] يوما، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوما، ويغدو ضرار بن الخطاب يوما، حتى عظم البلاء وخاف الناس خوفا شديدا. رماة المشركين وكان معهم رماة يقدمونهم إذا غدوا، متفرقين أو مجتمعين بين أيديهم، وهم:   [ (1) ] في (خ) (وخيله) [ (2) ] وفي (المغازي) ج 2 ص 467 (مسعود بن رخية) . [ (3) ] في (خ) (لن) [ (4) ] في (خ) (ابن أبي لهب) وهو خطأ محض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 حبّان بن العرقة وأبو أسامة الجشمي في آخرين، فتناوشوا بالنبل ساعة، وهم جميعا في وجه واحد وجاه قبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورسول اللَّه قائم بسلاحه على فرسه. إصابة سعد بن معاذ وهي الإصابة التي قتلته فرمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ بسهم فأصاب أكحله [ (1) ] وقال: خذها وأنا ابن العرقة! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: عرّق اللَّه وجهه في النار، ويقال: بل رماه أبو أسامة الجشمي. اقتحام المشركين مضيقا من الخندق وقتالهم وردهم ثم أجمع رؤساء المشركين أن يغدو جميعا، وجاءوا يريدون مضيقا يقحمون خيلهم إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أتوا مكانا ضيقا أغفله المسلمون فلم تدخله خيولهم. وعبره عكرمة بن أبي جهل، ونوفل بن عبد اللَّه المخزومي، وضرار بن الخطاب [هو ضرار بن الخطاب بن مرداس بن كبير بن عمرو آكل السّقب بن حبيب بن عمرو ابن شيبان بن محارب [ (2) ] بن فهر بن مالك الفهري، أسلم يوم الفتح] ، وهبيرة بن أبي وهب، وعمرو بن عبد- وقام سائرهم وراء الخندق، فدعا عمرو بن عبد إلى البراز- وكان قد بلغ تسعين سنة، وحرم الدهن حتى يثأر بمحمد وأصحابه- فأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليا رضي اللَّه عنه سيفه وعمّمه وقال: اللَّهمّ أعنه عليه! فخرج له وهو راجل [ (3) ] وعمرو فارسا، فسخر به عمرو، ودنا منه عليّ، فلم يكن بأسرع من أن قتله علي، فولى أصحابه الأدبار. وسقط نوفل بن عبد اللَّه عن فرسه في الخندق، فرمي بالحجارة حتى قتل. ومرّ عمر بن الخطاب والزبير في إثر القوم فناوشوهم ساعة، وسقطت درع هبيرة بن أبي وهب، فأخذها الزبير رضي اللَّه عنه.   [ (1) ] الأكحل: وريد في وسط الذراع (المعجم الوسيط) ج 3 ص 778، وقال سعد رضي اللَّه عنه حينئذ لبّث قليلا يشهد الهيجا حمل ... لا بأس بالموت إذا حان الأجل راجع: (عيون الأثر) ج 2 ص 2، (ابن هشام) ج 3 ص 136، وفي (الواقدي) ج 2 ص 469 (.. ما أحسن الموت إذا حان الأجل) ، وحمل: وهو حمل بن سعدانة بن حارثة الكلبي. [ (2) ] في (خ) (مجار) . [ (3) ] راجل: على رجليه، بغير فرس أو دابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 تعبئة المسلمين ثم وافى المشركون سحرا، وعبأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه، فقاتلوا يومهم إلى هويّ من الليل: وما يقدر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا أحد من المسلمين أن يزولوا من موضعهم. تخلف المسلمين عن الصلاة يوم الخندق وما قدر صلّى اللَّه عليه وسلّم على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء، فجعل أصحابه يقولون: يا رسول اللَّه، ما صلينا! فيقول: ولا أنا ما صليت! حتى كشف اللَّه المشركين، ورجع كل من الفريقين إلى منزله. وأقام أسيد بن حضير في مائتين على شفير الخندق، فكرت خيل للمشركين يطلبون غرة- وعليها خالد بن الوليد- فناوشهم ساعة، فزرق وحشيّ الطفيل بن النعمان [وقيل: الطفيل بن مالك بن النعمان] [ (1) ] بن خنساء الأنصاري بمزراقه [ (2) ] فقتله كما قتل حمزة رضي اللَّه عنه بأحد. إقامة الصلاة التي شغلوا عنها فلما صار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى موضع قبته أمر بلالا فأذن وأقام للظهر، وأقام بعد لكل صلاة إقامة، فصلى كل صلاة كأحسن ما كان يصليها في وقتها، وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف، وذلك قوله تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ* فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [ (3) ] . وقال يومئذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شغلنا المشركون عن صلاة الوسطى: صلاة   [ (1) ] قال في (الإستيعاب) ج 5 ص 231 ترجمة رقم 1275 «الطفيل بن مالك بن النعمان بن خنساء. وقيل: الطفيل بن النعمان ابن خنساء الأنصاري السلمي، من بني سلمة، شهد العقبة، وشهد بدرا، وأحد، وجرح بأحد ثلاثة عشر جرحا، وعاش حتى شهد الخندق وقتل يوم الخندق شهيدا، قتله وحشي ابن حرب» «وذكر موسى بن عقبة في البدريين: الطفيل بن النعمان بن الخنساء، والطفيل بن مالك بن خنساء، رجلين» . [ (2) ] المزراق: الرمح القصير (المعجم الوسيط) ج 1 ص 392. [ (3) ] الآيتان 238، 239/ البقرة، وفي (خ) «قبل أن تنزل صلاة الخوف فرجالا أو ركبانا ... » . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 العصر، ملأ اللَّه أجوافهم وقبورهم نارا. وفي حديث جابر: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما شغل يومئذ عن صلاة العصر. وفي حديث أبي سعيد وعبد اللَّه بن مسعود: أنه شغل يومئذ عن أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وفي مرسل سعيد بن المسيّب: أنه شغل عن الظهر والعصر. فاحتمل أن يكون كله صحيحا، لأنهم حوصروا في الخندق وشغلوا بالأحزاب أياما. ومثل حديث جابر في ذلك حديث علي رضي اللَّه عنه: «وهو حديث ثابت من طرق عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس، ملأ اللَّه قلوبهم وبطونهم- أو بيوتهم- نارا. طلب المشركين جيفة نوفل بن عبد اللَّه وأرسلت بنو مخزوم يطلبون جيفة نوفل بن عبد اللَّه: يشترونها، وأعطوا فيها عشرة آلاف درهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما هي جيفة حمار! وكره ثمنه، فخلّى بينهم وبينه. وفي رواية: أن أبا سفيان بعث بديته مائة من الإبل، فأبى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: خذوه، فإنه خبيث الدية خبيث الجثة. اقتتال الطليعتين من المسلمين وخرجت طليعتان من المسلمين ليلا فالتقيا- ولا يشعر بعضهم ببعض، ولا يظنون إلا أنهم العدو- فكانت بينهم جراحة وقتل، ثم نادوا بشعار الإسلام: «حم لا ينصرون» ، فكف بعضهم عن بعض، وجاءوا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: جراحكم في سبيل اللَّه، ومن قتل منكم فإنه شهيد. فكانوا بعد ذلك إذا دنا المسلمون بعضهم من بعض نادوا بشعارهم. خبر الفتى الّذي ذهب إلى أهله وكان رجال يستأذنون أن يطلعوا إلى أهليهم، فيقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني أخاف عليكم من قريظة. فإذا ألحوا يقول: من ذهب منكم فليأخذ سلاحه. وكان فتى حديث عهد بعرس، فأخذ سلاحه وذهب، فإذا امرأته قائمة بين البابين، فهيأ لها الرمح ليطعنها فقالت: اكفف حتى ترى ما في بيتك! فإذا بحية على فراشه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 فركز فيها رمحه فاضطربت، وخر الفتى ميتا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- لما أخبر بذلك-: إن بالمدينة جنّا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام [ (1) ] ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان. جوع المسلمين وخبر البركة في الطعام وكان المسلمون قد أصابهم مجاعة شديدة، وكان أهلوهم يبعثون إليهم بما قدروا عليه، فأرسلت عمرة ابنة رواحة ابنتها بجفنة تمر عجوة في ثوبها إلى زوجها بشير ابن سعد بن ثعلبة الأنصاري، وإلى أخيها عبد اللَّه بن رواحة- فوجدت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا في أصحابه فقال: تعالي يا بنية! ما هذا معك؟ فأخبرته، فأخذه في كفيه ونثره على ثوب بسط له، وقال لجعال بن سراقة: اصرخ، يا أهل الخندق أن هلم إلى الغداء: فاجتمعوا عليه يأكلون منه حتى صدر أهل الخندق وإنه ليفيض من أطراف الثوب. وأرسلت أم متعب [ (2) ] الأشهلية [ (3) ] بقبعة فيها حيس [ (4) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في قبته مع أم سلمة، فأكلت حاجتها، ثم خرج بالقعبة فنادى مناديه: هلم إلى عشائه! فأكل أهل الخندق حتى نهلوا وهي كما هي. موادعة عيينة بن حصن ثم نقض ذلك وأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه محصورين بضع عشرة ليلة حتى اشتد الكرب، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إني أنشدك عهدك ووعدك، اللَّهمّ إنك إن تشأ لا تعبد. وأرسل إلى عيينة بن حصن، والحارث بن عوف- وهما رئيسا غطفان- أن يجعل لهما ثلث تمر المدينة ويرجعان بمن معهما، فطلبا نصف التمر، فأبى عليهما إلا الثلث، فرضيا. وجاءا في عشرة من قومهما حتى تقارب الأمر، وأحضرت الصحيفة والدواة ليكتب عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه الصلح- وعباد بن بشر قائم على   [ (1) ] راجع: (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي) ج 1 ص 268- 272 حيث ذكر هذا الخبر بتمامه. [ (2) ] كذا في (خ) ، (ط) ، وفي (الواقدي) «أم عامر الأشهلية» . [ (3) ] قال محقق (ط) «لم أجد لها ترجمة ولا خبرا» . والخبر بسنده وتمامه في (الاستيعاب) ج 3 ص 247 برقم 3576 وترجمتها في (الإصابة) ج 3 ص 243 برقم 1368، والخبر بسنده وتمامه في (المغازي) ج 2 ص 476، 477. [ (4) ] القعبة: حقة مطبقة للسويق (ترتيب القاموس) ج 3 ص 654. والحيس: تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا ثم يندر من نواه وربما يجعل فيه سويق (المرجع السابق) ج 1 ص 479. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقنع في الحديد-، فأقبل أسيد بن حضير، وعيينة مادّ رجليه، فقال له: يا عين الهجرس [ (1) ] ، اقبض رجليك، أتمد رجليك بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ واللَّه لولا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأنفذت حضنيك بالرمح! ثم قال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليك، إن كان أمرا من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فو اللَّه لا نعطيهم إلا السيف، متى طمعتم بهذا منا؟ فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهما خفية، فقالا [ (2) ] : إن كان هذا أمرا من السماء فامض له، وإن كان أمرا لم تؤمر فيه ولك فيه هوى فسمع وطاعة، وإن كان إنما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة فقلت أرضيهم ولا أقاتلهم. فقالا: يا رسول اللَّه، واللَّه إن كانوا ليأكلون العلهز [ (3) ] في الجاهلية من الجهد، ما طمعوا بهذا منا قط: أن يأخذوا ثمرة إلا بشراء أو قرى! فحين أتانا اللَّه بك وأكرمنا بك، وهدانا بك، نعطي الدنية! لا نعطيهم أبدا إلا السيف. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: شق الكتاب. فشقه سعد، فقام عيينة والحارث، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ارجعوا، بيننا السيف: رافعا صوته. خبر نعيم بن مسعود الأشجعي في تخذيل الأحزاب وكان نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة الأشجعي صديقا لبني قريظة، وقدم مع قومه من الأحزاب حين أجدب الجناب [ (4) ] وهلك الخف والكراع [ (5) ] ، فقذف اللَّه في قلبه الإسلام. فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلا فأسلم، فأمره أن يخذّل الناس: وأذن له أن يقول [ (6) ] . فتوجه إلى بني قريظة، وأشار عليهم ألا يقاتلوا مع قريش وغطفان حتى يأخذوا منهم رهنا من أشرافهم فقبلوا رأيه، واستكتمهم مجيئه إليهم. ثم جاء إلى أبي سفيان في رجال قريش، وأعلمهم أن قريظة قد ندمت على ما كان منها، وأنهم راسلوا محمدا بأنهم يأخذون [ (7) ] من أشراف قريش وغطفان   [ (1) ] الهجرس: القرد والثعلب، أو ولده، والدب، ويقال: فلان هجرس: لئيم (المعجم الوسيط) ج 2 ص 973. [ (2) ] في (خ) (فقال) . [ (3) ] العلهز: طعام من الدم والوبر كان يتخذ في المجاعة، ونبات ينبت في بلاد بني سليم. (ترتيب القاموس) ج 3 ص 303، 304. [ (4) ] في (خ) (أحدب الحباب) وما أثبتناه من (المغازي) ج 2 ص 480. [ (5) ] كناية عن هلاك الأفعال. [ (6) ] أي يقول ما يشاء في الحيلة والخدعة. [ (7) ] في (خ) (يأخذوا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 سبعين رجلا يسلمونهم [ (1) ] إليه ليضرب أعناقهم، حتى يرد بني النضير إلى ديارهم، ويكونون معه حتى يردوا قريشا عنه، وأشار عليهم ألا يجيبوا قريظة إلى إعطاء الرهن، وسألهم كتمان أمره ثم جاء إلى غطفان وأعلمهم عن بني قريظة بما أعلم به قريشا عنهم، وحذرهم أن يدفعوا إليهم رهنا، فأرسلت يهود عزال [ (2) ] ابن سموأل إلى قريش بأن الثواء قال طال ولم يصنعوا شيئا، والرأي أن يتواعدوا على يوم تزحف فيه قريش وغطفان وهم، ولكنهم لا يخرجون لذلك معهم حتى يرسلوا إليهم برهائن من أشرافهم، فإنّهم يخافون: إن أصابكم ما تكرهون رجعتم وتركتمونا. فلم يرجعوا إليهم بجواب. وجاء نعيم إلى بني قريظة وقال لهم: إني عند أبي سفيان وقد جاءه رسولكم يطلب منه الرّهان فلم يرد عليه شيئا، فلما ولى رسولكم قال: لو طلبوا مني عناقا [ (3) ] ما رهنتها! فلا تقاتلوا معه حتى تأخذوا الرهن، فإنكم إن لم تقاتلوا محمدا- وانصرف أبو سفيان- تكونوا على موادعتكم الأولى. فلما كانت ليلة السبت بعث أبو سفيان بعكرمة بن أبي جهل إلى بني قريظة أن يخرجوا غدا ليناجزوا محمدا جميعا، فقالوا: إن غدا السبت، لا نقاتل فيه ولا نعمل عملا، وإنا مع ذلك لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهانا من رجالكم لئلا تبرحوا، فإنا نخشى إن أصابتكم الحرب أن تشمّروا إلى بلادكم وتدعونا إلى محمد، ولا طاقة لنا به. فتحققت قريش صدق ما قال لهم نعيم: وأرسلت غطفان إلى بني قريظة بمسعود بن رخيلة في رجال بمثل ما راسلهم أبو سفيان، فأجابوهم بمثل [ (4) ] ما أجابوا به عكرمة، فتحققت غطفان وبنو قريظة ما قاله نعيم، ويئس كل منهم من الآخر واختلف أمرهم. اختلاف الأحزاب وأخذ أبو سفيان ومن معه يلومون حيي بن أخطب، فأتى بني قريظة فلم يجد منهم موافقة له، وأبوا أن يقاتلوا مع قريش حتى يأخذوا سبعين رجلا من قريش   [ (1) ] في (خ) (يسلموهم) . [ (2) ] في (خ) (غزال) . [ (3) ] العناق: الأنثى من أولاد المعيز والغنم من حين الولادة إلى تمام الحول (المعجم الوسيط) ج 2 ص 632. [ (4) ] في (خ) (ماما) مكررة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وغطفان رهانا عندهم. دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأحزاب وهبوب الريح عليهم وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد دعا على الأحزاب فقال: اللَّهمّ منزّل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللَّهمّ اهزمهم. وكان دعاؤه عليهم يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، فاستجيب له بين الظهر والعصر يوم الأربعاء، فعرف السرور في وجهه، فلما كان ليلة السبت، بعث اللَّه الريح على الأحزاب حتى ما يكاد أحدهم يهتدي لموضع رحله، ولا يقرّ لهم قدر ولا بناء. وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي إلى أن ذهب ثلث الليل. وكذلك فعل ليلة قتل كعب بن الأشرف. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا حزبه الأمر أكثر من الصلاة. خبر الريح وتفرق الأحزاب ورجوعهم وبعث حذيفة بن اليمان رضي اللَّه عنه لينظر ما فعل القوم وما يقولون. فدخل عسكرهم في ليلة شديدة البرد فإذا هم مصطلون على نار لهم والريح لا تقر لهم قدرا ولا بناء، وهم يشتورون [ (1) ] في الرحيل حتى ارتحلوا. وأقام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد في مائتي فارس جريدة [ (2) ] . ثم ذهب حذيفة إلى غطفان فوجدهم قد ارتحلوا، فأخبرهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك. فلما كان السحر لحق عمرو وخالد بقريش، ولحقت كل قبيلة بمحلتها [ (3) ] . مدة حصار الخندق فكانت مدة حصار الخندق خمسة عشر يوما، وقيل: عشرين يوما، وقيل: قريبا من شهر. وأصبح صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد رحيل الأحزاب، فأذن للمسلمين في الانصراف، فلحقوا بمنازلهم. كتاب أبي سفيان إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ورد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكتب أبو سفيان إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا فيه: «باسمك اللَّهمّ. فإنّي أحلف   [ (1) ] هذه اللفظة عامية، واللغة فيها (يتشاورون) . [ (2) ] جريدة: خيل لا رجّالة فيها (المعجم الوسيط) ج 1 ص 116. [ (3) ] المحلة: منزل القوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 باللات والعزى، لقد سرت إليك في جمعنا وإنا نريد ألا نعود [ (1) ] أبدا حتى نستأصلكم [ (2) ] ، فرأيتك قد كرهت لقاءنا، وجعلت مضايق وخنادق، فليت شعري من علّمك هذا؟ فإن نرجع عنك فلكم منا يوم كيوم أحد» وبعث به مع أبي أسامة الجشميّ، فقرأه أبيّ بن كعب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قبته، وكتب إليه: «من محمد رسول اللَّه إلى أبي سفيان بن حرب. أما بعد، فقديما غرك باللَّه الغرور. أما ما ذكرت- أنك سرت إلينا في جمعكم، وأنك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا- فذلك أمر يحول اللَّه بينك وبينه، ويجعل لنا العاقبة حتى لا تذكر اللات والعزى. وأما قولك: من علمك الّذي صنعنا من الخندق؟ فإن اللَّه ألهمني لما أراد من غيظك وغيظ أصحابك، وليأتينّ عليك يوم تدافعني بالراح، وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وإساف ونائلة وهبل، حتى أذكرك ذلك. ويقال: كان في كتاب أبي سفيان: «ولقد علمت أني لقيت أصحابك ناجيا [ (3) ] وأنا في عير لقريش فما خص أصحابك منا شعره، ورضوا منا بمدافعتنا بالراح، ثم أقبلت في عير قريش حتى لقيت قومي- فلم تلقنا- فأوقعت بقومي ولم أشهدها من وقعة، ثم غزوتكم في عقر داركم، فقتلت وحرقت [يعني غزوة السويق] . ثم غزوتك في جمعنا يوم أحد، فكانت وقعتنا فيكم مثل وقعتكم بنا ببدر. ثم سرنا إليكم في جمعنا ومن تألب إلينا يوم الخندق، فلزمتم الصياصي وخندقتم الخنادق» . ما نزل من القرآن في شأن الخندق وأنزل اللَّه تعالى- في شأن الخندق يذكر نعمته وكفايته عدوهم، بعد سوء الظن منهم، ومقالة من تكلم بالنفاق- قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً [ (4) ] .   [ (1) ] في (خ) «ألا نعود إليك» وهي رواية (الواقدي) ج 2 ص 492 وما أثبتناها من (ط) . [ (2) ] في (خ) «نستأصلهم» وفي (الواقدي «نستأصلك» ) . [ (3) ] في (خ) (باسا) . [ (4) ] الآيات من 1 إلى 27/ الأحزاب، «لم تروها، الآيات» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 ذكر من قتل من المسلمين وقتل من المسلمين يومئذ ستة نفر، ثلاثة من بني الأشهل هم: سعد بن معاذ، وأنس بن أوس بن عتيك بن عمرو، وعبد اللَّه بن سهل، واثنان من بني جشم ابن الخزرج ثم من بني سلمة هما: الطفيل بن النعمان، وثعلبة بن عتمة [ (1) ] ، وواحد من بني النجار ثم من بني دينار [هو] [ (2) ] : كعب بن زيد، أصابه سهم غرب [ (3) ] فقتله. من قتل من الكفار وقتل من المشركين ثلاثة نفرهم [ (4) ] : منبّه بن عثمان بن عبيد بن السبّاق بن عبد الدار أصابه سهم فمات منه بمكة، ونوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة بن مخزوم، وعمرو بن عبد ودّ قتله علي رضي اللَّه عنه. ولم تغز كفار قريش المسلمين بعد الخندق. غزوة بني قريظة ثم كانت غزوة بني قريظة: خرج إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأربعاء لسبع خلون من ذي الحجة سنة خمس، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وحصرها خمسا وعشرين ليلة، وقيل: خمسة عشر يوما، وقيل: شهرا. سببها وسبب ذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما رجع من الخندق دخل بيت عائشة رضي اللَّه عنها [ (5) ] فاغتسل ودعا بالمجمرة ليتخبر، وقد صلى الظهر، فأتاه جبريل عليه السلام وقت الظهر- على بغلة عليها رحالة، عليها قطيفة، وعلى ثناياه النقع- فوقف عند موضع الجنائز فنادى: عذيرك [ (6) ] من محارب. فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] في (خ) «غنمة» وهي رواية (الواقدي) ، وفي (ابن هشام) ج 3 ص 155 «ابن غنيمة) [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] قال ابن هشام: سهم غرب، بإضافة وغير إضافة، وهو الّذي لا يعرف من أين جاء ولا من أين رمى به ويقول (الواقدي) ج 2 ص 496 في شأن كعب بن زيد. وقتله ضرار بن الخطاب» . [ (4) ] هكذا في (ابن هشام) ج 3 ص 155، وفي (الواقدي) ج 2 ص 496 «عثمان بن منبه» . [ (5) ] في (خ) «عنه» . [ (6) ] أي هات من ينصرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 فزعا، فقال: ألا أراك وضعت اللأمة ولم تضعها الملائكة بعد؟ لقد طردناهم إلى حمراء الأسد، إن اللَّه يأمرك أن تسير إلى بني قريظة، فإنّي عامد إليهم فمزلزل بهم حصونهم. [ويقال: جاءه على فرس أبلق] [ (1) ] . الخروج إلى قريظة فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليا رضي اللَّه عنه فدفع إليه لواءه، وكان اللواء على حاله لم يحل من مرجعه من الخندق، وبعث بلالا رضي اللَّه عنه فأذن في الناس: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمركم ألا تصلوا العصر إلا في بني قريظة. وعن قتادة قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ مناديا، يا خيل اللَّه اركبي. ولبس الدرع والمغفر والبيضة، وأخذ قناة بيده، وتقلد الترس، وركب فرسه. وحف به أصحابه وقد لبسوا السلاح وركبوا الخيل وكانت ستة وثلاثين فرسا، وكانت له صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أفراس معه. وقيل: خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو راكب على حمار عري [ (2) ] . وسار فمر بنفر من بني النجار قد صفوا وعليهم السلاح، فقال: هل مر بكم أحد؟ قالوا: نعم! دحية الكلبي، مر على بغلة عليها رحالة، عليها قطيفة من إستبرق، فأمرنا بلبس السلاح، فأخذنا سلاحنا وصففنا، وقال لنا: هذا رسول اللَّه يطلع عليكم الآن! فقال: ذلك جبريل. وصول علي إلى حصن بني قريظة وسفاهة يهود وانتهى إلى بني قريظة، وقد سبق عليّ في نفر من المهاجرين والأنصار، وغرز الراية عند أصل الحصن، فاستقبلهم يهود يشتمون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأزواجه، فسكت المسلمون وقالوا: السيف بيننا وبينكم. فلما رأى عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجع إليه، وأمر أبا قتادة الأنصاري أن يلزم اللواء. مسيره صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم وما قاله وسار صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى يهود، وقال يومئذ: الحرب خدعة. وتقدمه أسيد بن حضير فقال: يا أعداء اللَّه! لا نبرح حصنكم حتى تموتوا جوعا، إنما أنتم بمنزلة ثعلب   [ (1) ] ذكره (الواقدي) ج 2 ص 497. [ (2) ] عرى: لا سرج عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 في جحر. قالوا: يا ابن الحضير، نحن مواليك دون الخزرج! وخاروا. فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا إلّ [ (1) ] . ودنا صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم وقد ترس عنه أصحابه. فقال: يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطواغيت! أتشتموني؟ فجعلوا يحلفون: ما فعلنا! ويقولون: يا أبا القاسم ما كنت جهولا!. تقدم الرماة وبدء المراماة وتقدمت الرماة من المسلمين، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لسعد بن أبي وقاص: يا سعد، تقدم فارمهم. فرماهم والمسلمون ساعة، ويهود تراميهم، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقف على فرسه فيمن معه. ثم انصرفوا إلى منازلهم، وباتوا وقد بعث إليهم سعد بن عبادة بأحمال تمر فأكلوا، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يأكل منه: نعم الطعام التمر. واجتمع المسلمون عنده عشاء، ومنهم من صلى ومنهم من لم يصلّ حتى جاء بني قريظة، فما عاب على أحد من الفريقين. تعبئة المسلمين حول الحصن ثم غدا سحرا وقدّم الرماة وعبأ أصحابه، فأحاطوا بحصون يهود وراموهم بالنّبل والحجارة وهم يرمون من حصونهم حتى أمسوا، فباتوا حول الحصون. مفاوضة يهود للصلح فنزل نبّاش بن قيس وكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: على أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النضير: له الأموال والحلقة، ويحقن دماءهم، ويخرجون من المدينة بالنساء والذراري، ولهم ما حملت الإبل إلا الحلقة. فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا أن ينزلوا عن حكمه، وعاد نبّاش إليهم بذلك. مشورة كعب بن أسد اليهودي فأشار عليهم كعب بن أسد بأن يدخلوا في الإسلام، وذكرهم بما عندهم من العلم بنبوته، فلم يقبلوا رأيه. فأشار عليهم أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم ثم يخرجوا   [ (1) ] الإل: العهد والقرابة قال تعالى لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً 8/ التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 فيقاتلوا حتى يقتلوا أو يظفروا، فأبوا ذلك. فأشار عليهم أن يخرجوا ليلة السبت والمسلمون آمنون فيبيتونهم فقالوا: لا نحل السبت. واختلفوا وندموا على ما صنعوا. ذكر من أسلم من يهود بني قريظة ونزل منهم [ثعلبة بن سعيه، وأسيد بن سعيه] [ (1) ] ، وأسد بن عبيد، وأسلموا. وأمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم، ونزل عمرو بن سعدى، [وكان أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: لا أغدر بمحمد أبدا. فبات في مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب] [ (2) ] فلم يدر أين هو! وقيل: [إنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأصبحت رمته ملقاة ولا يدرى أين ذهب!] [ (3) ] . خبر أبي لبابة في مشورة اليهود فلما اشتد عليهم الحصار طلبوا أبا لبابة بن عبد المنذر، فدخل عليهم فقالوا له: ما ترى؟ إن محمدا أبى إلا أن ننزل عن حكمه! قال: فانزلوا. وأومأ إلى حلقه، وهو الذبح. ثم نزل- والناس ينتظرونه- وقد ندم على ما كان منه. فمر على وجهه حتى ارتبط في المسجد إلى سارية، وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما صنع وذهابه، فقال: دعوه حتى يحدث اللَّه فيه ما يشاء، ولو جاءني استغفرت له، وأما إذ [ (4) ] لم يأتني وذهب فدعوه. فكان كذلك خمس عشرة ليلة، - وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد استعمله على القتال، وأنزل فيه: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (5) ] .   [ (1) ] في (خ) «ثعلبة بن أسيد ابنا سعيد» وهو خطأ، وصوبه من (الواقدي) ج 2 ص 503 هكذا: «ثعلبة وأسيد ابنا سعية، وأسد بن عبيد عمهم» : وفي (ابن هشام) ج 3 ص 144 «قال ابن إسحاق: ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد ابن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هدل، ليسوا من بني قريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك. هم بنو عم القوم» . [ (2) ] في (خ) ونزل عمرو بن سعدي فلم يدري أين هو، وسياقه مضطرب فاستوفيناه من (المرجع السابق) ذات الجزء والصفحة. [ (3) ] في (خ) «وقيل وجدت رمته» وتمام السياق من المرجع السابق. ج 3 ص 144- 145. [ (4) ] في (خ) «إذا» . [ (5) ] 102/ التوبة، وفي (خ) « ... يتوب عليهم، الآية» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 ويقال نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ (1) ] . ويقال نزلت فيه: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [ (2) ] . والأول أثبت. نزول بني قريظة على حكم رسول اللَّه وكتافهم وما وجد عندهم ثم نزلت يهود على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأمر بأسراهم فكتفوا رباطا- وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة- ونحّوا ناحية، وأخرج النساء والذرية من الحصون فكانوا ناحية، واستعمل عليهم عبد اللَّه بن سلام. وجمعت أمتعتهم وما وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث والثياب، فوجد فيها ألف وخمسمائة سيف، وثلاثمائة درع، وألفا رمح، وألف وخمسمائة ترس وجحفة، وأثاث كبير وآنية كثيرة، وخمر وجرار سكر، فهريق ذلك كله ولم يخمس. ووجد من الجمال النواضح عدة، ومن الماشية شيء كثير، فجمع ذلك كله. طلب الأوس حلفاءهم بني قريظة وطلب الأوس من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يهب لهم بني قريظة فإنّهم حلفاؤهم، كما وهب لابن أبيّ [بني] [ (3) ] قينقاع حلفاءه. تحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة فقال: أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟ قالوا: بلى! قال: فذلك إلى سعد بن معاذ. وسعد يومئذ في المسجد في خيمة رفيدة، ويقال: كعيبة [ (4) ] بنت سعد بن سعد بن كعب بن عبد الأسلمية، وكانت تداوي الجرحى، وتلم الشعث، وتقوم على الضائع الّذي لا أحد له، وكان لها خيمة في المسجد، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل سعد بن معاذ فيها منذ جرح. فخرجت   [ (1) ] 27/ الأنفال وفي (خ) « ... والرسول، الآية» . [ (2) ] 41/ المائدة وفي (خ) « ... بأفواههم، الآية. [ (3) ] زيادة للإيضاح. [ (4) ] في (خ) «كفيتة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 الأوس فحملوه على حمار. وجعلوا وهم حوله يقولون له: يا أبا عمرو! إن رسول اللَّه قد ولاك أمر مواليك لتحسن فيهم فأحسن، فقد رأيت ابن أبي وما صنع من حلفائه، وأكثروا في هذا وشبهه، وهو لا يتكلم، ثم قال: قد آن لسعد ألا تأخذه في اللَّه لومة لائم. فقال الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاري: وا قوماه! وقال غيره منهم نحو ذلك. ثم رجع إلى الأوس فنعى لهم قريظة. فلما جاء سعد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والناس حوله قال: قوموا إلى سيدكم! فقاموا له على أرجلهم صفين يحييه كل منهم. [ويقال: إنما عني صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله: «قوموا لسيدكم» الأنصار دون قريش] . وقالت الأوس الذين حضروا: يا أبا عمرو! إن رسول اللَّه قد ولّاك فأحسن فيهم، واذكر بلاءهم عندك. فقال سعد: أترضون بحكمي لبني قريظة؟ قالوا: نعم، فأخذ عليهم عهد اللَّه وميثاقه أن الحكم ما حكم، ثم قال: فإنّي أحكم فيهم أن يقتل من جرت عليه المواسي، وتسبى النساء والذرية، وتقسم الأموال. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد حكمت بحكم اللَّه من فوق سبع أرقعة [ (1) ] . خبر بني قريظة بعد حكم سعد وما جرى في قتلهم فأمر بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد، والنساء والذرية إلى دار ابنة الحارث، وقد اختلف في اسمها، فقيل: كيّسة بنت الحارث بن كريز بن [ربيعة] [ (2) ] بن حبيب بن عبد شمس، وكانت تحت مسيلمة الكذاب، ثم خلف عليها عبد اللَّه بن عامر بن كريز، وأمر بأحمال التمر فنثرت على بني قريظة، فباتوا يكدمونها كدم الحمر [ (3) ] . وأمر بالسلاح والأثاث والمتاع والثياب فحمل، وبالإبل والغنم فتركت [ (4) ] هناك ترعى الشجر، ثم غدا صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة في يوم الخميس السابع من ذي الحجة والأسرى معه، وأتى إلى السوق، فأمر بخدود فخدت [ (5) ] ،   [ (1) ] والأرقعة السموات. [ (2) ] زيادة من نسب عبد اللَّه بن عامر بن كريز. [ (3) ] الكدم: أثر العضّ (المعجم الوسيط) ج 2 ص 78 والحمر: جمع حمار. [ (4) ] في (خ) «فبركت» . [ (5) ] الخدود: جمع خد: كالأخدود وهو الحفرة (المعجم الوسيط) ج 1 ص) 220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وحفر فيها هو وأصحابه، وجلس ومعه علية أصحابه، ودعا [ (1) ] برجال بني قريظة فكانوا يخرجون أرسالا تضرب أعناقهم. مقالة حيي بن أخطب عند قتله ولما جيء بعدو اللَّه حيي بن أخطب [بن سعيه بن ثعلبة بن عبيد بن كعب ابن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن ناخوم من بني إسرائيل من سبط لاوي ابن يعقوب، ثم من ولد هارون بن عمران أخي موسى صلى اللَّه عليه] [ (2) ] ، قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألم يمكّن اللَّه منك يا عدو اللَّه؟ فقال: بلى! واللَّه ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد التمست العزّ في مظانّه، وأبى اللَّه إلا أن يمكّنك مني، قلقلت كلّ مقلقل، ولكنه من يخذل اللَّه يخذل. ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس! لا بأس بأمر اللَّه، قدر وكتاب، ملحمة كتبت على بني إسرائيل! فأمر فضربت عنقه. أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالإحسان إلى الأسرى ثم أتى بعزّال [ (3) ] بن سموأل، ونباش بن قيس، فضربت أعناقهما، وقد جابذ [ (4) ] نباش الّذي جاء به، حتى قاتله ودق أنفه فأرعفه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم للذي جاء به: لم صنعت به هذا؟ أما كان السيف كفاية! ثم قال: أحسنوا إسارهم، وقيّلوهم واسقوهم، لا تجمعوا عليهم حر الشمس وحرّ السلاح. وكان يوما صائفا، فقيّلوهم وسقوهم وأطعموهم، فلما أبردوا راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتل من بقي منهم. إسلام رفاعة بن سموأل وسألت أم المنذر سلمى بنت قيس بن عمرو بن عبيد بن مالك بن عدي   [ (1) ] في (خ) «دعي» . [ (2) ] في (خ) في مكان ما بين القوسين في نسب حي بنت أخطب: «بنرية بن عمرو بن الحارث بن وائل بن راشدة بن جزيلة بن نجم بن أشرس بن سهيت بن السكون وفيه خلط كثير، وما أثبتناه من (الاستيعاب) ج 13 ص 62 ترجمة صفية بنت حي رقم 3405 وانظر أيضا ترجمتها في (الإصابة) ج 13 ص 14 رقم 647. [ (3) ] في (خ) «يغزل» . [ (4) ] جابذ: من الجبذ وهو الجذب. وليس مقلوبة، بل لغة صحيحة (ترتيب القاموس) ج 2 ص 517. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 ابن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رفعة بن سموأل فقال: هو لك؟ فأسلم. كراهة بعض الأوس قتل قريظة، ثم تفريق الأسرى في الأوس وجاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر فقالا: يا رسول اللَّه، إن الأوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم. فقال سعد بن معاذ: ما كرهه من الأوس أحد فيه خير، فمن كرهه فلا أرضاه اللَّه. فقام أسيد بن حضير فقال: يا رسول اللَّه، لا تبقينّ دار من دور الأوس إلا فرقتهم فيها. ففرقهم في دور الأنصار فقتلوهم. وضرب رسول اللَّه عنق كعب بن أسد بين يديه. قتل بنانة اليهودية وسببه وأمر ببنانة امرأة الحكم القرظي- وهي من السبي- فقتلت، لأنها ألقت من حصن الزبير بن باطا رحّي [ (1) ] بإشارة زوجها على نفر من المسلمين كانوا يستظلون في فيئه، فشدخت رأس خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة ابن امرئ القيس بن مالك الأغر، فمات. قتل كل من أنبت، وبكاء نساء يهود وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل كل من أنبت منهم، وترك من لم ينبت، وتمادى القتل فيهم إلى الليل فقتلوا على شعل السعف، ثم ردّ عليهم التراب في الخنادق. وكان من شك فيه منهم أن يكون بلغ، نظر إلى مؤتزره: فإن كان أنبت قتل، وإلا ترك في السبي. وكانوا ستمائة، [وقيل: ما بين الستمائة إلى السبعمائة. وقيل: كانوا سبعمائة وخمسين] ، ولما قتلوا صاحت نساءهم وشقّت جيوبها، ونشرت شعورها، وضربت خدودها، وملأت المدينة.   [ (1) ] في (خ) بعد قوله «باطا» باقي الخير لم يظهر في التصوير الميكروفيلمي، وتمامه من (الواقدي) ج 2 ص 517. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 خبر الزبير بن باطا وسأل ثابت بن قيس بن شماس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الزبير بن باطا فقال: هو لك. فلم يرض بالحياة وطلب أن يلحقوه بأحبته، فضرب الزبير بن العوام عنقه. وطلب ثابت بن قيس أهله وولده فردّوا إليه إلى الحلقة، فكانوا مع آل ثابت بن قيس. إسلام ريحانة بنت زيد وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ريحانة بنت زيد لنفسه صفيا وعزلها حتى تسلم، فما زال بها [ثعلبة بن سعية] [ (1) ] حتى أسلمت، فبعثها إلى بيت أم المنذر سلمى بنت قيس حتى حاضت ثم طهرت. فجاءها وخيّرها: أيعتقها ويتزوجها أو تكون في ملكه يطؤها بالملك؟ فاختارت أن تكون في ملكه، وقيل: أعتقها وتزوجها. بيع المتاع وقسمة الفيء وأمر بالمتاع فبيع في من يزيد، وبيع السبي، وقسمت النخل أسهما، وكانت الخيل ستا وثلاثين فرسا، فأسهم: للفرس سهمان، ولصاحبه سهم، وللراجل سهم. وقاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أفراس فلم يضرب إلا سهما واحدا. وأسهم لخلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو، وقد قتل تحت الحصن: طرحت عليه رحى، فشدخته شدخا شديدا. وأسهم لأبي سنان بن محصن [واسمه وهب بن عبد اللَّه، ويقال: عبد اللَّه بن وهب، ويقال: عامر، ولا يصحّ، ويقال: اسمه وهب بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وعلى هذا فهو أخو عكاشة بن محصن، وهو أصح ما قيل فيه. وبات ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحاصرهم، وكان يقاتل مع المسلمين. وكان المسلمون ثلاثة [ (2) ] آلاف، فكانت سهمان الخيل والرجال على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهما: للفرس سهمان ولصاحبه سهم. وأسهم يومئذ على الأموال فجزئت خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها للَّه، فخرجت السهمان، وكذلك الرثّة [ (3) ] والإبل والغنم والسبي،   [ (1) ] في (خ) «ابن سعد» . [ (2) ] في (خ) «ثلاثة، ثلاثة» مكررة. [ (3) ] الرّثّة: رديء المتاع (المعجم الوسيط) ج 1 ص 328. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 ثم فضّ أربعة أسهم على الناس. ترك فيء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للنساء وأخذ [ (1) ] فيء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النساء اللاتي حضرت القتال ولم يسهم لهن، وهن: صفية بنت عبد المطلب، وأم عمارة، وأم سليط، وأم العلاء الأنصارية، والسميراء بنت قيس الأنصارية، وأم سعد بن معاذ، وهي: كبشة بنت رافع بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج. أمر السبي ولما بيعت السبايا والذرية بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بطائفة إلى الشام مع سعد بن عبادة [ (2) ] ، يبيعهم ويشتري بهم سلاحا وخيلا. واشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنهما طائفة. فكان يوجد عند العجائز المال ولا يوجد عند الشّواب، فربح عثمان مالا كثيرا لأنه صار في سهم العجائز. ويقال: لما قسم صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل الشواب على حدة، والعجائز على حدة، وخيّر عبد الرحمن وعثمان فأخذ عثمان العجائز. واشترى أبو الشحم اليهودي امرأتين- مع كل واحدة ثلاثة أطفال- بخمسين ومائة دينار، وجعل يقول: ألستم على دين يهود؟ فتقول المرأتان: لا نفارق دين قومنا حتى نموت عليه، وهن يبكين. وكان السبي ألفا من النساء والصبيان، فأخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسه قبل بيع المغنم، فجزأ السبي خمسة أجزاء: فأخذ خمسا، فكان يعتق منه ويهب منه، ويخدم منه من أراد، وكذلك صنع بما أصاب من رثتهم: قسمت قبل أن تباع. وكذلك النخل عزل خمسة، وكل ذلك يسهم عليه خمسة أجزاء ويكتب في سهم منها [للَّه] [ (3) ] ، ثم يخرج السهم، فحيث طار سهمه أخذه ولم يتخير. وصار الخمس إلى محمية بن جزء الزّبيدي، وهو الّذي قسم المغنم بين المسلمين.   [ (1) ] كذا في (خ) ، و (ط) ، وفي (الواقدي) ج 2 ص 522 «وأخذى» . [ (2) ] كذا في (خ) وفي (الواقدي) ج 2 ص 523، وفي باقي كتب السيرة: «سعد بن زيد الأشهلي» . [ (3) ] غير بينة في (خ) ، وأثبتناها من (الواقدي) ج 2 ص 523. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 النهي عن التفريق بين النساء والولد حتى يبلغوا ونهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يفرّق في القسم والبيع بين النساء والذرية، وقال: لا يفرّق بين الأم وولدها حتى يبلغوا، فقيل: يا رسول اللَّه! وما بلوغهم؟ قال: تحيض الجارية ويحتلم الغلام. وكان يفرق يومئذ بين الأختين إذا بلغتا، وبين الأم وابنتها إذا بلغت. وكانت الأم وولدها الصغار تباع من المشركين من العرب، ومن يهود المدينة وتيماء وخيبر، يخرجون بهم. وإذا كان الولد صغيرا ليس معه أم لم يبع من المشركين ولا من يهود إلا من المسلمين. فكانت أموال بني قريظة أول فيء وقع فيه السهمان والخمس. موت سعد بن معاذ، وبكاء أمه، وحزن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على سعد ثم دفنه ولما حكم سعد بن معاذ رضي اللَّه عنه في بني قريظة، رجع إلى خيمة رفيدة بنت سعد الأسلمية- وكان قد كوى جرحه بالنار فانتفخت يده، وسال الدم فحمّه أخرى فانتفخت يده، فسأل اللَّه أن يبقيه حتى يقاتل بني قريظة- فانفجر جرحه ومات بعد ما عاده النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فحمل إلى منزله. وغسّله الحارث بن أوس ابن معاذ، وأسيد بن حضير، وسلمة بن سلامة بن وقش بحضرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأم سعد تبكي وتقول: [ويل أم سعد سعدا ... صرامة وحدّا وسؤددا ومجدا ... وفارسا معدّا سدّ به مسدّا ... يقدها ما قدّا] [ (1) ] فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كل البواكي يكذبن إلا أم سعد. ثم كفّن في ثلاثة أثواب وحمل في سرير. فحمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [جنازته] [ (2) ] وهو بين عمودي سريره حتى رفع من داره إلى أن خرج، ومشى أمام جنازته، ثم صلى عليه ونزل في قبره أربعة نفر: الحارث بن أوس بن معاذ، وأسيد بن حضير، وأبو نائلة،   [ (1) ] وردت هذه الندبة بروايات كثيرة في كتب السيرة، وما أثبتناه هو أجودها. [ (2) ] الجنازة: سرير الميت أو الميت نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وسلمة بن سلامة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقف على قدميه على قبره. ولما وضع في لحده تغير وجهه وسبح ثلاثا، فسبح المسلمون ثلاثا حتى ارتج البقيع [ (1) ] ، ثم كبر ثلاثا وكبر أصحابه حتى ارتج البقيع، فسئل عن ذلك فقال: تضايق على صاحبكم قبره، وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد، ثم فرّج اللَّه عنه. وجاءت أم سعد تنظر إليه في اللحد وقالت: احتسبك عند اللَّه. وعزّاها [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على قبره. وجلس ناحية والمسلمون يردون تراب القبر حتى سوّي ورشّ الماء عليه، ثم وقف صلّى اللَّه عليه وسلّم فدعا، ثم انصرف. بلوغ خبر قريظة إلى يهود بني النضير وسار حسيل بن نويرة الأشجعي يومين حتى قدم خيبر، فأعلم سلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، ويهود بني النضير، ويهود خيبر بأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد قتل مقاتلة قريظة صبرا بالسيف، وسبي النساء والذرية، فقال سلام بن مشكم- وكانت له رئاسة بني النضير بعد يوم بعاث [ (3) ]-: هذا كله عمل حيي بن أخطب، لا قامت يهودية بالحجاز أبدا! وصاح نساؤهن وأقمن المآتم، وفزعت اليهود إلى سلام ليروا رأيه. فأشار عليهم يسيروا معه، ويهود تيماء وفدك ووادي القرى- ولا يجلبوا معهم أحدا من العرب- حتى يغزوا محمدا في عقر داره، فوافقوا على ذلك. زواجه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب بنت جحش وفي هذه السنة الخامسة تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب بنت جحش، في قول طائفة. فرض الحج وفيها فرض الحج، وقيل: سنة ست، وقيل: سنة سبع، وقيل: سنة ثمان، وقيل غير ذلك.   [ (1) ] البقيع: بقيع الغرقد، وهو مدافن أهل المدينة. [ (2) ] في (خ) «وعزها» . [ (3) ] في (خ) «يغاث» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 سرية عبد اللَّه بن أنيس إلى سفيان ابن خالد بن نبيح الهزلي ثم كانت سرية عبد اللَّه بن أنيس بن أسعد [ (1) ] بن حرام بن حبيب بن مالك ابن غنم بن كعب بن تيم بن نفاثة بن إياس [ (2) ] بن يربوع بن البرك بن وبرة [ويعرف بالجهني وليس بجهني، ولكنه من وبر قضاعة وجهينة أيضا من قضاعة] [ (3) ]- إلى سفيان بن خالد بن نبيح الهزلي، ثم اللحياني. خروجه إليه وسببه خرج إليه يوم الاثنين لخمس خلون من المحرّم على رأس أربعة وخمسين شهرا [ (4) ] ، فغاب اثنتي عشرة ليلة وقدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم. وقد بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن سفيان بن خالد بن نبيح الهزلي ثم اللحياني نزل عرنة وما حولها في ناس فجمع لحربه، وضوى إليه بشر كثير من أفناء العرب. فبعث عبد اللَّه بن أنيس وحده ليقتله، وقال له: انتسب إلى خزاعة. صفة ابن نبيح (فقال عبد اللَّه بن أنيس: يا رسول اللَّه، انعته لي حتى أعرفه) [ (5) ] ، قال: إذا رأيته هبته، وفرقت منه، وذكرت الشيطان، وآية (ما بينك وبينه) [ (6) ] أن تجد له قشعريرة إذا رأيته، وأذن له أن يقول ما بدا له، وكان أنيس [ (7) ] لا يهاب   [ (1) ] في (خ) «ابن إسحاق» . [ (2) ] في (خ) «أنيس» . [ (3) ] ما بين القوسين في (خ) بعد قوله «الهذلي ثم اللحياني» وهذا هو حق مكانه. [ (4) ] وهي رواية (الواقدي) في ج 2 ص 531، وذكر في (تلقيح الفهوم) ص 56، «خرج من المدينة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذكره أيضا (ابن سعد) ج 2 ص 50 وهو الصواب. [ (5) ] زيادة للسياق من (الواقدي) ج 2 ص 532 و (ابن سعد) ج 2 ص 51. [ (6) ] في (خ) «وآية ذلك تجد» وفي (الواقدي) ج 2 ص 532: «آية بينك وبينه» وما أثبتناه من (ط) فهو أدلّ على السياق. [ (7) ] كذا في (خ) وفي (الواقدي) ج 2 ص 532 و (ابن سعد) ج 2 ص 51 «وكنت لا أهاب الركال» ولعلها في (خ) «وكان ابن أنيس» وكلمة «ابن» ساقطة من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الرجال. فأخذ سيفه وخرج، حتى (إذا) [ (1) ] كان ببطن عرنة لقي سفيان يمشي: ووراءه الأحابيش، فهابه، وعرفه بالنّعت الّذي نعت له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد دخل وقت العصر، فصلى وهو يمشي يومئ إيماء برأسه، فلما دنا منه قال: من الرجل؟ قال: رجل من خزاعة، سمعت لجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك. ومشى معه يحادثه وينشده، وقال: عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث، فارق الآباء وسفه أحلامهم! فقال سفيان: لم يلق محمد أحدا يشبهني! حتى انتهى إلى خبائه وتفرّق عنه أصحابه. فقال: هلمّ يا أخا خزاعة. قتل سفيان بن خالد فدنا منه وجلس عنده حتى نام الناس، فقتله وأخذ رأسه واختفى في غار، والخيل تطلبه في كل وجه، ثم سار الليل وتوارى في النهار إلى أن قدم المدينة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المسجد فقال: أفلح الوجه! قال: أفلح وجهك يا رسول اللَّه! ووضع الرأس بين يديه، وأخبره الخبر، فدفع إليه عصا وقال: تخصّر [ (2) ] بهذه في الجنة، فإن المتخصّرين [ (2) ] في الجنة قليل، وكانت عنده حتى أدرجت في أكفانه بعد موته. غزوة القرطاء ثم كانت غزوة القرطاء من بني بكر [ (3) ] بن كلاب، بناحية ضريّة بالبكرات، وبين ضرية والمدينة سبع ليال. خرج فيها محمد بن مسلمة لعشر خلون من المحرم، فغاب تسع عشرة ليلة، وقدم لليلة بقيت من المحرم. وكان في ثلاثين رجلا، فسار الليل وكمن [ (4) ] النهار [حتى إذا] [ (5) ] كان بالشّربّة [ (6) ] لقي ظعنا من محارب، فأغار عليهم. وقتل نفرا منهم وفرّ سائرهم، واستاق نعما وشاء، ومضى. وقدّم عباد ابن بشر عينا لينظر بني بكر بن كلاب. فلما أتاه بخبرهم شنّ الغارة عليهم، وقتل منهم عشرة، واستاق النّعم، والشاء، وقدم المدينة، وهي خمسون ومائة بعير،   [ (1) ] زيادة السياق. [ (2) ] اختصر فلان: أمسك المخصرة واختصر بها: اعتمد عليها. والمخصرة: ما يتوكأ عليها كالعصا ونحوها. (المعجم الوسيط) ج 1 ص 237. [ (3) ] في (خ) «من بني أبي بكر» [ (4) ] في (خ) «وأكمن» [ (5) ] زيادة للسياق. [ (6) ] الشربّة: قال الأصمعي: الشّربّة وادي الرمة يقع بين عدنة والشربة (معجم البلدان) ج 3 ص 333 وضرّبة: قرية في طريق مكة من البصرة من نجد (المرجع السابق) ج 3 ص 457 وهي في (خ) «الشرية» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وثلاثة آلاف شاة، فخمّس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقسم ما بقي، فعدّل الجزور بعشر من الغنم. غزوة بني لحيان ثم كانت غزوة بني لحيان بن هذيل بن مدركة، بناحية عسفان [ (1) ] . خرج فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لهلال ربيع الأول سنة ست في مائتي رجل، ومعهم عشرون فرسا، يريد بني لحيان ليأخذ بثأر أصحاب الرجيع، فعسكر من ناحية الجزف في أول نهاره، وأظهر أنه يريد الشأم، ثم راح مبردا حتى انتهى إلى حيث كان مصاب عاصم بن ثابت وأصحابه بين أمج وعسفان ببطن عران [ (2) ] ، وبينها وبين عسفان خمسة أميال. وقد هرب بنو لحيان، فأقام يوما أو يومين وبث السرايا فلم يقدر على أحد. فأتى عسفان في مائتي راكب من أصحابه، ثم بعث فارسين حتى بلغا كراع الغميم ثم كرّا. وقال الواقدي [ (3) ] : بعث أبا بكر رضي اللَّه عنه في عشرة فوارس فبلغ كراع الغميم ورجع. ولم يلق أحدا. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا يبلغ قريشا فيذعرهم، ويخافون أن نكون نريدهم. وكان خبيب بن عديّ يومئذ في أيديهم، فخافوا أن يكون قد جاء ليخلّصه. وعاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، وقد غاب أربع عشرة ليلة وكان يخلفه على المدينة ابن أم مكتوم. دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال في منصرفه إلى المدينة: آئبون تائبون عابدون، لربنا حامدون. اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة على الأهل، اللَّهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال. اللَّهمّ بلغنا بلاغا صالحا يبلغ إلى خير، مغفرة منك ورضوانا، وهذا أوّل ما قال هذا الدعاء [ (4) ] . وصحّح جماعة أن غزوة بني لحيان هذه كانت بعد قريظة بستة أشهر، وأنها كانت في جمادى الأولى. وصحح ابن حزم أنها في الخامسة.   [ (1) ] قال السكري: عسفان على مرحلتين من مكة على طريق المدينة المنورة والجحفة على ثلاث مراحل، غزا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بني لحيان بعسفان وقد مضى لهجرته خمس سنين وشهران وأحد عشر يوما (معجم البلدان) ج 4 ص 122. [ (2) ] في (خ) «غشران» . [ (3) ] في (المغازي) ج 2 ص 536. [ (4) ] ذكره النووي في (الأذكار) ص 198، 103، وابن سيد الناس في (عيون الأثر) ج 3 ص 83 وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 غزوة الغابة وكانت غزوة الغابة. ويقال: غزاة ذي قرة [ويقال: قرد بضمتين] ، وهو ماء على بريد من المدينة، في ربيع الأول. وقال ابن عبد البر [ (1) ] : كانت بعد لحيان بليال. وقال البخاري: كانت قبل خيبر بثلاثة أيام [ (2) ] ، وفي مسلم نحوه [ (3) ] ، وفيه نظر لإجماع أهل السّير على خلافه [ (4) ] . سببها وسببها: أن لقاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وكانت عشرين لقحة [ (5) ] : منها ما أصاب في ذات الرقاع: ومنها ما قدم به محمد بن مسلمة من نجد- وكانت ترعى البيضاء فقربوها إلى الغابة، وكان الراعي يؤوب بلبنها كل ليلة عند المغرب. فاستأذن أبو ذر جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار الغفاريّ، رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخروج إلى لقاحه، فقال: إني أخاف عليك من هذه الضاحية أن تغير [ (6) ] عليك، ونحن لا نأمن عيينة بن حصن وذويه. وهو في طرف من أطرافهم، فلما ألح عليه أبو ذر رضي اللَّه عنه قال: لكأنّي بك قد قتل ابنك وأخذت امرأتك، وجئت تتوكأ على عصاك. ليلة السرح فلما كانت ليلة السرح، جعلت سبحة فرس المقداد بن عمرو لا تقرّ ضربا   [ (1) ] في (خ) «أبو عبيد البر» . [ (2) ] (صحيح البخاري) ج 3 ص 48، فتح الباري ج 7 ص 460. [ (3) ] (شرح صحيح مسلم للنووي) ج 12 ص 173 وما بعدها. [ (4) ] يقول (ابن جرير الطبري) : «وأما الرواية عن سلمة بن الأكوع بهذه الغزوة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد مقدمة المدينة، منصرفا من مكة عام الحديبيّة، فإن كان ذلك صحيحا، فينبغي أن يكون ما روى عن سلمة بن الأكوع إما في ذي الحجة من سنة ست من الهجرة، وإما في أول سنة سبع، وذلك أن انصراف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة إلى المدينة عام الحديبيّة كان في ذي الحجة من سنة ست من الهجرة، وبين الوقت الّذي وقّته ابن إسحاق لغزوة ذي قرد والوقت الّذي روى عن سلمة بن الأكوع قريب من ستة أشهر» (تاريخ الطبري) ج 2 ص 596. [ (5) ] اللقحة: الناقة الحلوب الغزيرة اللبن (المعجم الوسيط) ج 2 ص 834. [ (6) ] في (خ) «نغيره» والتصويب في (الواقدي) ج 2 ص 538. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 بيديها وصهيلا، فيقول أبو معبد: واللَّه إن لها لشأنا! فينظر آريّها [ (1) ] فإذا هو مملوء علفا. فيقول: عطشى! فيعرض الماء عليها فلا تريده، فلما طلع الفجر أسرجها ولبس سلاحه وخرج، حتى صلى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصبح فلم ير شيئا. ودخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بيته، ورجع المقداد إلى بيته، وفرسه لا تقرّ، فوضع سرجه وسلاحه واضطجع. فأتاه آت فقال: إن الخيل قد صبّح بها [ (2) ] !. غارة ابن عيينة على السرح وكانت لقاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد روّحت وعطّنت وحلبت عتمتها [ (3) ] ، وأحدق عبد الرحمن بن عيينة بن حصن في أربعين فارسا من بني عبد اللَّه بن غطفان، [وذكر ابن الكلبي أن الّذي أغار على سرح المدينة عبد اللَّه بن عيينة بن حصن] . وهم نيام. فأشرف لهم ابن أبي ذرّ فقتلوه وساقوا اللقاح. فجاء أبو ذر إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره فتبسّم. خبر سلمة بن الأكوع وكان سلمة بن عمرو [بن] [ (4) ] الأكوع-[واسمه سنان] [ (4) ] بن عبد اللَّه ابن قشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن أسلم بن أفصى الأسلمي قد غدا إلى الغابة للقاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [بفرس لطلحة بن عبد اللَّه] [ (5) ] لأن يبلّغه [ (6) ] لبنها، فلقي غلام عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه- وكان في إبله فأخطئوا مكانها، فأخبره أن لقاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أغار عليها ابن عيينة في أربعين فارسا. وأنهم رأوا إمدادا بعد ذلك أمدّ به ابن عيينة، فرجع سلمة إلى المدينة وصرخ على ثنية الوداع بأعلى صوته! يا صباحاه! ثلاثا، ويقال نادى: الفزع الفزع! ثلاثا.   [ (1) ] الآرىّ: محبس الدابة ومربطها ومعلفها (المعجم الوسيط) ج 1 ص 14. [ (2) ] صبّح بها: أغير عليها صباحا (المعجم الوسيط) ج 1 ص 505. [ (3) ] روّحت: ردت إلى مكان مبيتها وعطنت: سعيت ورجعت إلى مأواها، والعتمة: ثلث الليل الأول، وهو ووقت حليبها، فسمّي اللبن باسم وقت حلبة. [ (4) ] زيادة لا بد منها. [ (5) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 82. [ (6) ] هذه الكلمة في (ط) «لبلبنه» وما أثبتناه من (خ) وهي في (الواقدي) ج 2 ص 539 على لسان سلمة ابن الأكوع: «لأن أبلّغه لبنها» ، ومع ذلك يقول محقق (ط) : «ولم أجد الكلمة في خبر من أخبار سلمة بن الأكوع» وللحق: فإن رسم هذه الكلمة في (خ) «يبلعنه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 ووقف على فرسه حتى طلع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحديد مقنّعا، فوقف واقفا. [و قيل: ركب فرسا عريا لأبي طلحة يقال له مندوب، فلما انصرف قال: إن وجدناه لبحرا ] [ (1) ] . نداء الفزع ليلة السرح [ونودي يا خيل اللَّه اركبي! وكان أول ما نودي بها] [ (2) ] ، فكان [ (3) ] أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو وعليه السلاح شاهرا سيفه. فعقد له لواء على رمحه وقال: امض حتى تلحقك الخيول، إنا على أثرك. فخرج حتى أدرك أخريات العدو، فظفر له بفرس. وأدرك مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر الفزاريّ فتطاعنا برمحيهما، ثم فرّ مسعدة. فنصب مقداد اللواء، ولحقه أبو قتادة- معلما بعمامة صفراء على فرس له- فتسايرا ساعة، فاستحث أبو قتادة فرسه حتى غاب، وقد أدرك مسعدة فقتله. وخرج سلمة بن الأكوع على رجليه يعدو، يسبق الخيل، حتى لحق العدو فرماهم بالنبل والخيل تكر عليه وهو يقول: خذها وأنا ابن الأكوع ... اليوم يوم الرّضّع [حتى انتهى إلى ذي قرد وقد استنفذ منهم جميع اللقاح وثلاثين بردة، قال سلمة:. وصول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ذي قرد فلحقنا] [ (4) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والخيول عشاء، وكانوا ثمانية أفراس، وكان   [ (1) ] ما بين القوسين زيادة في (خ) ولعلها خطأ من الناسخ وحذفها أولى، لأن خبر أبي طلحة ليس في هذه الغزوة. [ (2) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 80 و (زاد المعاد) ج 3 ص 278. [ (3) ] في (خ) «وكان» والصواب ما أثبتناه من: (تاريخ الطبري) ج 2 ص 601، (زاد المعاد) ج 2 ص 278، (المغازي) ج 2 ص 539. [ (4) ] ما بين القوسين زيادة من: (زاد المعاد) ج 3 ص 278، وسياقه مضطرب في (خ) فبعد قوله: «اليوم يوم الرضع» ما يأتي: «حتى لحقهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والخيول عشاء، وكانوا ثمانية أفراس، وكان المقداد أمير الفرسان حتى لحقهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذي قرد» راجع (ابن سعد) ج 2 ص 81. و (الواقدي) ج 2 ص 541. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 المقداد أمير الفرسان [وقيل: بن أميرهم سعد بن زيد الأشهلي] [ (1) ] . فقال سلمة: يا رسول اللَّه! إن القوم عطاش، وليس لهم ماء دون أحساء كذا وكذا، فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما بين أيديهم من السرح، وأخذت بأعناق القوم! فقال: ملكت فأسجح [ (2) ] ! ثم قال: [إنهم الآن] [ (3) ] ليقرون [ (4) ] في غطفان. وذهب الصريخ إلى بني عمرو بن عوف فجاءت الأمداد، فلم تزل الخيل تأتي، والرجال على أقدامهم، و [على] [ (5) ] الإبل، والقوم يعتقبون البعير والحمار، حتى انتهوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذي قرد، فاستنقذوا عشر لقاح- منها جمل أبي جهل- وأفلت القوم بعشر [ (6) ] . ذكر القتلى وكانت راية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العقاب يحملها سعد، وكان قد أدرك محرز، نضلة بن عبد اللَّه بن مرّة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة- القوم بهيفا [ (7) ] ، فطاعنهم ساعة [ (8) ] بالرمح فقتله مسعدة بن حكمة. وأقبل عباد بن بشر   [ (1) ] في (خ) «مسعدة بن زيد» والصواب ما أثبتناه من (ابن سعد) ج 2 ص 81. و (الواقدي) ج 2 ص 541، يقول (ابن سعد) والثابت عندنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمّر على هذه السرية سعد بن زيد الأشهلي، ولكن الناس نسبوها إلى المقداد لقول حسان بن ثابت: سرّ أولاد اللقيطة أننا ... سلم غداة فوارس المقداد راجع (ديوان حسان) ص 326. [ (2) ] الإسجاح: حسن العفو، أي ملكت الأمر على فأحسن العفو عني، وأصله السهولة والرّفق، وهو مثل يضرب لذلك: (مجمع الأمثال للميداني) ج 1 ص 460، ج 2 ص 248 مثل رقم 1629. [ (3) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 84 (وزاد المعاد) ج 3 ص 279. [ (4) ] من القرى، وهو ما يقدم للضيف. [ (5) ] زيادة من (ط) ورواية (الواقدي) ج 2 ص 542، (وزاد المعاد) ج 3 ص 279 بدون هذه الزيادة. [ (6) ] يقول (ابن القيم) في (زاد المعاد) ج 3 ص 279: «قلت: وهذا غلط بين، والّذي في الصحيحين: أنهم استنفذوا اللقاح كلها» ولفظ مسلم في صحيحه ج 12 ص 179 (بشرح النووي) «حتى ما خلق اللَّه من بعير من ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا خلّفته وراء ظهري، وخلّوا بيني وبينه» . [ (7) ] في (خ) و (المغازي) «بهيقا» وهو خطأ قد صححه محقق (المغازي) وصوابه: «بهبفا» وهيفا: موضع على ميل من بئر المطلب (وفاء ألوفا) ج 2 ص 387، وقد ذكر محقق (ط) في (المستدرك) أن هذا الموضع لم يذكره أحد من أصحاب كتب البلدان. [ (8) ] في (خ) «ساعد» هكذا مشكولة وهو خطأ، وما أثبتناه من (المغازي) ج 2 ص 548. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 على أوبار بن عمرو بن أوبار [ (1) ] وقاتله، فقتله عباد، وقيل: بل قتله عكاشة بن محصن. دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي قتادة ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي قتادة لما أدركه فقال: اللَّهمّ بارك له في شعره، وبشره. وقال: أفلح وجهك! فقال: ووجهك يا رسول اللَّه! ثم قال: قتلت مسعدة؟ قال: نعم! قال: ما هذا بوجهك؟ قال: سهم رميت به يا رسول اللَّه! قال: فادن مني! فدنا منه فبصق عليه فما ضرب عليه قطّ ولا قاح [ (2) ] فمات أبو قتادة، وهو ابن سبعين سنة، وكأنه ابن خمس عشرة [ (3) ] سنة، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ فرس مسعدة وسلاحه وقال: بارك اللَّه لك فيه. أصحاب الخيل واستعمل صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ على الخيل سعد بن زيد الأشهليّ وقدّمه أمامه، فلحق القوم وناوشهم ساعة: هو والمقداد بن عمرو، ومعاذ بن ماعص، وأبو قتادة، وسلمة بن الأكوع، فحمل سعد على حبيب بن عيينة بن حصن فقتله وأخذ فرسه، وقيل: قتل حبيب بن عيينة المقداد. وكان شعار المسلمين يومئذ: أمت أمت. صلاة الخوف وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ صلاة الخوف: فقام إلى القبلة وصفّ طائفة خلفه، وطائفة مواجهة العدو، فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وسجدتين ثم انصرفوا. وقاموا مقام أصحابهم، وأقبل الآخرون فصلى بهم ركعة وسجدتين وسلّم، فكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعة.   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (خ) «آنار» وفي المغازي ج 1 ص 543 «أونار» . [ (2) ] كذا في (خ) وفي (المغازي) ج 2 ص 545 والقيح: المدة لا يخالطها دم، قاح الجرح يقيح (ترتيب القاموس) ج 3 ص 721 وفي (ط) «فاح» بالفاء، وقد ذكر محقق (ط) أن هذا صوابها. [ (3) ] في (خ) «خمسة عشر سنة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 تاريخ الغزوة وكانت غزاة ابن عيينة ليلة الأربعاء لثلاث خلون من ربيع الأول سنة ست. فخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأربعاء، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأقام بذي قرد يوما وليلة. وقسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها، وكانوا خمسمائة، ويقال: كانوا سبعمائة. حراسة المدينة وإمداد سعد بن عبادة المسلمين وأقام سعد بن عبادة- في ثلاثمائة من قومه- يحرسون المدينة خمس ليال حتى رجع صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الاثنين. وأمدّ المسلمين سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه بأحمال تمر، وبعشر جزائر بذي قرد: وبعث بذلك مع ابنه قيس بن سعد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا قيس! بعثك أبوك فارسا، وقرى المجاهدين، وحرس المدينة من العدو! اللَّهمّ ارحم سعدا وآل سعد! ثم قال: نعم المرء سعد بن عبادة! فقالت الأنصار: يا رسول اللَّه، هو بيننا وسيدنا وابن سيدنا. كانوا يطعمون في المحل [ (1) ] ، ويحملون الكل [ (2) ] ، ويقرون الضيف، ويعطون في النائبة، ويحملون عن العشيرة [ (3) ] . فقال: خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا في الدين. الرجوع إلى المدينة وخبر امرأة أبي ذر ورجع صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة ليلة الاثنين وقد غاب عنها خمس ليال. فأقبلت امرأة أبي ذر على ناقته القصواء. - وكانت في السرح- فدخلت عليه فأخبرته من أخبار الناس، ثم قالت: يا رسول اللَّه! إني نذرت إن نجاني اللَّه عليها أن أنحرها فآكل من كبدها وسنامها! فتبسم وقال: بئس ما جزيتها! أن حملك اللَّه عليها ونجاك [بها] [ (4) ] ثم تنحرينها! إنه لا نذر في معصية اللَّه ولا فيما لا تملكين، إنما هي ناقة من إبلي، فارجعي إلى أهلك على بركة اللَّه.   [ (1) ] المحل: محل المكان: أجدب (المعجم الوسيط) ج 2 ص 756. [ (2) ] الكلّ: الفقير المعدم. [ (3) ] من الحمالة: وهي الدية والغرامة. [ (4) ] زيادة من ابن هشام ج 3 ص 179، وفي (خ) (والمغازي) بدونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 خبر الهدية وقيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذه لقحتك السمراء على بابك، فخرج مستبشرا، فإذا رأسها بيد ابن أخي عيينة بن حصن، فلما نظر عرفها، فقال: أيم بك [ (1) ] ؟ فقال: يا رسول اللَّه! أهديت إليك هذه اللقحة، فتبسم وقبضها منه، وأمر له بثلاثة أواقي فضة، فتسخط، فصلى عليه السلام الظهر وصعد المنبر فحمد اللَّه، ثم قال: إن الرجل أهدى لي الناقة من إبلي، أعرفها كما أعرف بعض أهلي ثم أثيبه عليها، فيظل يتسخط عليّ! ولقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قريشي أو أنصاري. وفي رواية [ (2) ] : أو ثقفي أو دوسي. بعض تاريخ الغزوة ووقع في صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع في هذه القصة قال: فرجعنا إلى المدينة فلم نلبث إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر. وذهب قوم إلى غزوة المريسيع كانت في شعبان، بعد غزوة الغابة هذه [ (3) ] . يا خيل اللَّه اركبي وفي غزوة الغابة نودي عند ما جاء الفزع: يا خيل اللَّه اركبي: ولم يكن يقال قبلها. سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر ثم كانت سرية عكاشة بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم ابن دودان بن أسد بن خزيمة- الأسدي- إلى الغمر: وهو ماء لبني أسد على ليلتين من قيد [ (4) ] في ربيع الأول سنة ست. فخرج في أربعين رجلا يغذ السير، فنذر به القوم فهربوا، وانتهى إلى علياء بلادهم فلم يلق أحدا. وبث سراياه فظفروا   [ (1) ] يريد: أي شيء بك؟ [ (2) ] عن أبي هريرة، ذكرها (الواقدي) ج 2 ص 549. [ (3) ] يقول (ابن القيم) في (زاد المعاد) ج 3 ص 279: «وهذه الغزوة كانت بعد الحديبيّة، وقد وهم فيها جماعة من أهل المغازي والسّير، فذكروا أنها قبل الحديبيّة» . [ (4) ] قيد: بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة (معجم البلدان) ج 4 ص 282. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 بنعم فاستاقوا مائتي بعير وعادوا. سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة ثم كانت سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة- موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرين ميلا- يريد بني ثعلبة وبني عوال من ثعلبة [ (1) ] : وهم مائة رجل، في ربيع الأول، فسار في عشرة حتى وردوا ليلا وناموا، فأحاط بهم المائة رجل من بني ثعلبة ففزعوا، وراموهم ساعة بالنبل، ثم حملت الأعراب بالرماح عليهم فقتلوهم، وسقط محمد بن مسلمة جريحا، فحمل بعد ذلك إلى المدينة. سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة ثم كانت سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في شهر ربيع الآخر سنة ست. خرج في ليلة السبت ومعه أربعون رجلا، فغاب ليلتين، وكانت بلاد بني ثعلبة وأنمار قد أجدبت، فتتبع بنو محارب وثعلبة وأنمار سحابة وقعت بالمراض إلى تغلمين، [والمراض على ستة وثلاثين ميلا من المدينة] ، وأجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة ببطن هيفاء [ (2) ] : [موضع على سبعة أميال من المدينة] . فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا عبيدة رضي اللَّه عنه بمن معه بعد ما صلوا صلاة المغرب: فمشوا ليلهم حتى وافوا ذا القصة مع عماية الصبح [ (3) ] ، فأغاروا على القوم فأعجزوهم هربا، وأخذوا رجلا، واستاقوا نعما، ووجدوا رثة من متاع، وعادوا، فخمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغنيمة، وقسم باقيها. وأسلم الرجل وترك لحاله. سرية زيد بن حارثة إلى العيص وكانت سرية زيد بن حارثة رضي اللَّه عنه إلى العيص: على أربع ليال من المدينة، في جمادى الأولى منها، ومعه سبعون ومائة راكب، ليأخذوا عيرا لقريش قد أخذت طريق العراق. ودليلها فرات بن حيان العجليّ. فظفر بها زيد، وأسر أبا العاص بن الربيع، والمغيرة بن معاوية بن أبي العاص، ووجد فضة كثيرة لصفوان   [ (1) ] في (خ) «تغلب» [ (2) ] في (خ) «هيفا» [ (3) ] عماية الصبح: بقية الظلمة في آخر الليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 ابن أمية. وقدم المدينة، فأجازت زينب [بنت رسول اللَّه] [ (1) ] عليها السلام زوجها أبا العاص. إسلام أبي العاص زوج زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت: ورد عليه كل ما أخذ من المال. فعاد إلى مكة وأدى إلى كل ذي حقّ حقه، وأسلم. ثم قدم المدينة مهاجرا، فرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه زينب بذلك النكاح. إفلات المغيرة بن معاوية من أسر عائشة رضي اللَّه عنها وأفلت المغيرة بن معاوية فتوجه إلى مكة، فأخذه خوات بن جبير أسيرا- وكان في سبعة نفر مع سعد بن أبي وقاص- فدخلوا به المدينة بعد العصر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعائشة رضي اللَّه عنها: احتفظي عليك بهذا الأسير، وخرج. فلهت عائشة مع امرأة بالحديث، فخرج وما شعرت به. خبر دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على عائشة رضي اللَّه عنها فدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يره وسألها، فقالت: غفلت عنه، وكان هاهنا آنفا! فقال: قطع اللَّه يدك. وخرج فصاح بالناس، فخرجوا في طلبه حتى أخذوه وأتوا به. فدخل صلّى اللَّه عليه وسلّم على عائشة وهي تقلّب يدها فقال: مالك؟ قالت: انظر كيف تقطع يدي! قد دعوت عليّ بدعوتك! فاستقبل صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلة ورفع يديه ثم قال: اللَّهمّ إنما أنا بشر أغضب وآسف كما يغضب البشر، فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه فاجعلها له رحمة [ (2) ] . سرية زيد بن حارثة إلى الطرف وكانت سرية زيد بن حارثة إلى الطّرف- ماء على ستة وثلاثين ميلا من المدينة، بناحية نخل من طريق العراق- في جمادى الآخرة منها، ومعه خمسة عشر   [ (1) ] زيادة للإيضاح. [ (2) ] راجع ج 2 من هذا الكتاب باب «وأما اشتراطه على ربه أن يجعل سبه لم سب من أمته أجرا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 رجلا يريد بني ثعلبة، فأصاب لهم نعما وشاء. وقدم من غير قتال بعشرين بعيرا، ثم غاب أربع ليال. سرية زيد بن حارثة إلى حسمي وسببها وكانت سرية زيد أيضا إلى حسمي وراء وادي القرى، في جمادى الآخرة هذا. وسببها أن دحية الكلبي أقبل من عند قيصر ملك الروم بجائزة وكسوة، فلقيه بحسمي الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد في جمع من جذام، فأخذوا ما معه. ودخل المدينة بسمل [ (1) ] ثوب، [ويقال: بل نفر إليه النعمان بن أبي جعال في نفر من بني الضّبيب فخلص له متاعه بعد حرب] . فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيدا على خمسمائة رجل ومعه دحية، فكان يسير ليلا ويكمن نهارا، حتى هجم مع الصبح على الهنيد وابنه فقتلهما، واستاق ألف بعير وخمسة آلاف شاة، ومائة ما بين امرأة وصبيّ. فأدركه بنو الضّبيب- وقد كانوا أسلموا وقرءوا من القرآن- وحدّثوه أن يرد عليهم ما أخذ. ثم قدم زيد بن رفاعة الجذامي في نفر من قومه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، فذكر له ما صنع زيد بن حارثة، ورضوا بأخذ ما أصاب لهم من الأهل والمال، وأغضوا عمّن قتل. فبعث معهم علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه ومعه سيفه أمارة- ليردّ عليهم زيد ما أخذ منهم- فردّ جميع ذلك بعد ما فرّقه فيمن معه، وقد وطئوا النساء. سرية عبد الرحمن بن عوف إلى كلب بدومة الجندل يدعوهم إلى الإسلام وكانت سرية عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه إلى كلب بدومة الجندل في شعبان منها [ (2) ] ، ليدعوا كلبا إلى الإسلام، ومعه سبعمائة رجل. فأقعده بين يديه، ونقض عمامته بيده الكريمة، صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم عمّمه بعمامة سوداء وأرخى بين كتيفيه منها، ثم قال: هكذا فاعتم يا ابن عوف! ثم قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أغد باسم اللَّه وفي سبيل اللَّه. فقاتل من كفر باللَّه. لا تغلّ ولا تغدر ولا تقتل وليدا.   [ (1) ] ثوب سمل: بال خلق. [ (2) ] من سنة ست. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 الخمس المهلكات ثم بسط يده فقال: يا أيها الناس! اتقوا خمسا قبل أن تحلّ بكم: ما نقض [ (1) ] مكيال قوم إلا أخذهم اللَّه بالسنين [ (2) ] ونقص من الثمرات لعلّهم يرجعون، وما نكث قوم عهدهم إلا سلّط اللَّه عليهم عدوهم، وما منع قوم الزكاة إلا أمسك اللَّه عنهم قطر السماء: ولولا البهائم لم يسقوا، وما ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط اللَّه عليهم الطاعون، وما حكم قوم بغير آي القرآن إلا ألبسهم شيعا [ (3) ] وأذاق بعضهم بأس بعض. إسلام الأصبغ ملك كلب، وزواج عبد الرحمن ابن عوف تماضر ابنته فسار عبد الرحمن بن عوف حتى قدم دومة الجندل، ودعا أهلها ثلاثة أيام إلى الإسلام وهم يأبون إلا محاربته. ثم أسلم الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن حصن ابن ضمضم الكلبي: وكان نصرانيا وهو رأس القوم، فكتب عبد الرحمن بن عوف بذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع رافع بن مكيث، وأنه أراد أن يتزوج فيهم، فكتب إليه أن تزوج تماضر ابنة الأصبغ، فتزوجها، فهي أول كلبية تزوجها قرشيّ، فولدت له أبا سلمة، [العقية] [ (4) ] . [وهي أخت النعمان بن المنذر لأمّه] . وأقبل بعد ما فرض الجزية على من أقام على دينه. سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر ثم كانت سرية علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه إلى بني سعد بن بكر [ (5) ]   [ (1) ] كذا في (خ) و (ط) وفي (الواقدي) ج 2 ص 561 «ما يقضى» . [ (2) ] السنين جمع سنة، وهي القحط والجدب. [ (3) ] أي مختلفين المتباعدين، إشارة إلى قوله تعالى: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ من الآية 65/ الأنعام. [ (4) ] هكذا رسم هذه الكلمة في (خ) والسياق مستقيم بدونها وحذفها أولى. [ (5) ] في (خ) «بني عبد اللَّه سعد بن بكر» والّذي أثبتناه من: (الواقدي) ج 2 ص 562، و (ابن سعد) ج 2 ص 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وكانوا بفدك [ (1) ] في شعبان منها، ومعه مائة رجل. وقد أجمعوا [يعني بني سعد ابن بكر] [ (2) ] على أن يمدوا يهود خيبر. فسار ليلا وكمن نهارا، حتى [إذا] [ (2) ] انتهى إلى ماء بين خيبر وفدك يقال له: الهمج، وجد عينا لبني سعد قد بعثوه إلى خيبر- لتجعل لهم يهود من ثمرها كما جعلوا لغيرهم، حتى يقدموا عليهم- فدلهم على القوم بعد ما أمّنوه. فسار عليّ حتى أغار على نعمهم وضمّها، وفرّت رعاتها فأنذرت القوم. وقد تجمّعوا مائتي رجل، وعليهم وبر بن عليم [ (3) ] ، فتفرقوا. وانتهى عليّ بمن معه فلم ير منهم أحدا، وساق النّعم: وهي خمسمائة بعير وألفا شاة، فعزل الخمس وصفىّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لقوحا تدعى (الحفذة) [ (4) ] ، ثم قسم ما بقي، وقدم المدينة. سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة [ (5) ] ، وسببها ثم كانت سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن بدر الفزارية، بناحية وادي القرى: على سبع ليال من المدينة، في رمضان سنة ست، وسببها أن زيدا خرج في تجارة إلى الشام، [ومعه بضائع لأصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (6) ] ، فخرج عليه- دوين وادي القرى- ناس من بني بدر من فزارة فضربوه، ومن معه حتى ظنوا أنهم قتلوه، وأخذوا ما كان معه، ثم تحامل حتى قدم المدينة. فبعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سرية إلى بني فزارة، فكان يكمن نهاره ويسير ليله، ونذرت بهم بنو بدر فاستعدّوا، فلما كان زيد ومن معه على مسيرة ليلة أخطأ بهم دليلهم الطريق، حتى صبحوا القوم فأحاطوا بهم، فقتل سلمة بن الأكوع رجلا منهم، وأخذ [سلمة بن] [ (7) ] سلامة بن وقش، [ويقال: بل سلمة بن الأكوع، واسم   [ (1) ] فدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة. (معجم البلدان) ج 4 ص 238. [ (2) ] زيادة للبيان والإيضاح. [ (3) ] في (خ) «وبرب عليم» والتصويب من: (ابن سعد) ج 2 ص 90 و (الواقدي) ج 2 ص 562. [ (4) ] كذا في (خ) ، و (ابن سعد) ج 2 ص 90 وفي (الواقدي) ج 2 ص 563: «الجفدة» مضبوطة. [ (5) ] قال (الميداني) في (مجمع الأمثال) ج 2 ص 323: قال الأصمعي: هي امرأة فزارية، وكانت تحت مالك بن حذيفة بن بدر وكان يعلّق في بيتها خمسون سيفا لخمسين فارسا كلهم محرم» ذكره تعليقا على المثل رقم 164 وهو: «أمنع من أمّ قرفة» وفي (جمهرة الأمثال) (لأبي هلال العسكري) : رقم 1244 «أعزّ من أم قرفة» ج 2 ص 66. [ (6) ] زيادة للبيان والإيضاح من (ابن سعد) ج 2 ص 90. [ (7) ] زيادة لا بد منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الأكوع سنان] ، جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر وأمّها أمّ قرفة: فاطمة بنت ربيعة بن بدر، وغنموا. ثم قدموا المدينة، فقرع زيد بن حارثة الباب، فقام إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يجرّ ثوبه عريانا حتى اعتنقه وقبّله، وساءله، فأخبره بما ظفّره اللَّه. وقتل في هذه السرية عبد اللَّه بن مسعدة، وقيس بن النعمان بن مسعدة بن حكمة بن مالك [بن حذيفة] [ (1) ] بن بدر، أحد بني قرفة. وأم قرفة قتلها قيس ابن المحسر [اليعمري] [ (2) ] قتلا عنيفا: ربط بين رجليها حبلا، ثم ربطها بين بعيرين [ثم زجرهما فذهبا فقطعاها] [ (3) ] وهي عجوز كبيرة. فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برأسها فدير به في المدينة ليعلم قتلها، ويصدق قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قوله لقريش: «أرأيتم إن قتلت أمّ قرفة؟ فيقولون: أيكون ذلك؟» وكان زوجها مالك بن حذيفة ابن بدر. وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من سلمة بن الأكوع ابنة أم قرفة، فوهبها لحزن ابن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وهي مشركة وهو مشرك، فولدت له عبد الرحمن بن حزن، وكانت جميلة. سرية عبد اللَّه بن رواحة إلى أسير بن زارم اليهودي بخيبر ثم كانت سرية أميرها عبد اللَّه بن رواحة إلى أسير بن زارم [ (4) ] بخيبر، وكان من يهود، في شوال سنة ست. وكان قد بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل ذلك في رمضان في ثلاثة نفر ينظر إلى خيبر وما تكلم به يهود، فوعى ذلك وعاد بعد إقامة ثلاثة أيام، فقدم لليال بقين منه، فأخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما ندبه إليه. خبر أسير بن زارم وكان أسير قد تأمّر على يهود بعد أبي رافع، فقام فيهم يريد حرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسار في غطفان فجمعها ليسير إلى المدينة، فقدم بخبره خارجة بن حثيل   [ (1) ] زيادة من النسب. [ (2) ] في (ابن هشام) ج 4 ص 195: «قيس بن المسحر اليعمري» وفي (الواقدي) ج 2 ص 565 «قيس بن المحسّر» . [ (3) ] زيادة لتمام المعنى من المرجع السابق ومن (الطبراني) ج 2 ص 642، 643. [ (4) ] وفي بعض كتب السيرة «رازم» وفي (ابن هشام) «اليسير بن رازم» ج 4 ص 196. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الأشجعي [ (1) ] . فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس، فانتدب له ثلاثون رجلا، واستعمل عليهم عبد اللَّه بن رواحة رضي اللَّه عنه. فقدموا خيبر، وبعثوا إلى أسير فأمّنهم حتى يأتوه [ (2) ] ، فيما جاءوا فيه، فأتوه وقالوا له: إن رسول اللَّه قد بعثنا إليك أن تخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك. فطمع في ذلك، وخرج في ثلاثين من يهود، ثم ندم في أثناء الطريق حتى عرف ذلك منه. غدرة لليهودي وهمّ بعبد اللَّه بن أنيس- وكان فيمن خرج مع ابن رواحة- ففطن عبد اللَّه بغدره وبادر ليقتله، فشجّه أسير ثم قتل. ومالوا على أصحابه فقتلوهم كلهم، إلا رجلا واحدا فرّ منهم، ولم يصب أحد من المسلمين. وقدموا المدينة- وقد خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتحسب أخبارهم- فحدثوه الحديث، فقال: نجاكم اللَّه من القوم الظالمين- ونفث في شجة عبد اللَّه بن أنيس فلم تفح [ (3) ] بعد ذلك ولم تؤذه، وكان العظم قد نقّل. ومسح على وجهه ودعا له، وقطع له قطعة من عصاه فقال: أمسك هذه علامة بيني وبينك يوم القيامة أعرفك بها، فإنك تأتي يوم القيامة متخصّرا. فجعلت معه في قبره تلي جلده، ويروى أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان قد قال له: يا عبد اللَّه! لا أرى أسير بن زارم! أي اقتله. سرية كرز بن جابر ثم كانت سرية كرز بن جابر بن حسل بن لاحب بن حبيب بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر بن مالك القرشيّ الفهريّ- لما أغير على لقاح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذي الجدر- في شوال سنة ست- وهي على ستة أميال من المدينة، وذلك أن نفرا من عرينة ثمانية قدموا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [فأسلموا، واستوبئوا المدينة. وطحلوا، فأمر بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ]] إلى لقاحه- وكان سرح المسلمين بذي الجدر ناحية   [ (1) ] في (الواقدي) «ابن حسيل» وفي (خ) ، (ط) «حثيل» . ويقول محقق (ط) عن «خارجة» «ولا رأيت أحدا. [ (2) ] في (خ) «حتى يأتونه» . [ (3) ] كذا في (ط) وفي (خ) ، (الواقدي) «تقح» بالقاف. [ (4) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 93 واستوبئوا: استوخموا (ترتيب القاموس) ج 4 ص 554 وطحل الماء: فسد وأنتن (المرجع السابق) ج 3 ص 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 قباء قريبا من عير ترعى هناك- فكانوا فيها حتى [ (1) ] صحوا وسمنوا- وكانوا استأذنوه أن يشربوا من ألبانها وأبوالها فأذن لهم- فغدوا على اللقاح فاستاقوها، فيدركهم يسار مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه نفر فقاتلهم، فأخذوه فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، وانطلقوا بالسرح. فأقبلت امرأة من بني عمرو بن عوف على حمار لها حتى تمرّ بيسار فتجده تحت شجرة، فلما رأته وما به رجعت إلى قومها فأخبرتهم، فخرجوا نحو يسار حتى جاءوا به إلى قباء ميتا. فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في إثرهم عشرين فارسا، واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري، فخرجوا في طلبهم حتى أدركهم الليل فباتوا بالحرّة، وأصبحوا لا يدرون أين يسلكون، فإذا هم بامرأة تحمل كتف بعير فأخذوها، فقالوا: ما هذا معك؟ قالت: مررت بقوم قد نحروا بعيرا فأعطوني هذا. ودلتهم على موضعهم فأتوهم. فأحاطوا بهم وأسروهم جميعهم. عقاب الأسرى وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة- وقد خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الغابة [ (2) ]- فأتوه بهم. فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمل [ (3) ] أعينهم، وصلبوا بالزّغابة. النهي عن المثلة فنزلت هذه الآية: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ [ (4) ] فلم تسمل بعد ذلك عين، ولا بعث صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك بعثا إلا نهاهم عن المثلة. وروى جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده: لم يقطع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لسانا قط، ولم يسمل عينا ولم يزد على قطع اليد والرجل.   [ (1) ] في (خ) «حتى إذا» ، وحذف «إذا» أولى للسياق. [ (2) ] في (خ) «بالغابة» . [ (3) ] سمل العين: فقأها (ترتيب القاموس) ج 2 ص 617. [ (4) ] في (خ) «فسادا، الآية» ، والآية 33/ المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 اللقاح ولما ظفر المسلمون باللقاح خلّفوا عليها سلمة بن الأكوع ومعه أبو رهم الغفاريّ. وكانت خمسة عشرة لقحة غزارا. فلما أقبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الزّغابة إذا اللقاح على باب المسجد تحان [ (1) ] ، فلما نظر إليها تفقد منها لقحة يقال لها الحنّاء، وقد نحرها القوم، فردها إلى ذي الجدر فكانت هناك، وكان لبنها يروح به سلمة ابن الأكوع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كل ليلة وطب [ (2) ] لبن. عمرة الحديبيّة ثم كانت عمرة الحديبيّة [على مقربة مكة] [ (3) ] . وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى في النوم أنه دخل البيت وحلق رأسه، وأخذ مفتاح البيت، وعرّف مع المعرّفين [ (4) ] ، فاستنفر أصحابه إلى العمرة، فأسرعوا وتهيأوا للخروج. إسلام بسر بن سفيان وشراؤه الهدي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقدم عليه بسر بن سفيان بن عمرو بن عويمر الخزاعيّ في ليال من شوال مسلما، فقال له: يا بسر! لا تبرح حتى تخرج معنا، فإنا إن شاء اللَّه معتمرون. فأقام وابتاع بدنا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكان يبعث بها إلى ذي الجدر حتى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، وسلمها إلى ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم بن عمرو بن واثلة بن سهم [ (5) ] بن مازن بن سلامان بن أسلم بن أفصى الأسلمي ليقدمها إلى ذي الحليفة. سلاح المسلمين وهديهم وخرج المسلمون لا يشكون في الفتح- للرؤيا المذكورة-، وليس معهم   [ (1) ] هذه الكلمة غير منقوطة في (خ) ولعلها «تحان» تفاعل من الحنين، وتحانّ القوم: اشتقاق بعضهم إلى بعض (المعجم الوسيط) ج 1 ص 203. [ (2) ] الوطب: «سقاء اللبن» وهو جلد الجذع فما فوقه (المرجع السابق) ج 2 ص 1041. [ (3) ] ما بين القوسين في (خ) كان بعد قوله «وطب اللبن» ، وهذا حق مكانه. والحديبيّة في الحل وبعضها في الحرم، وعند مالك بن أنس أنها جميعها في الحرم. (معجم البلدان) ج 2 ص 229، 230. [ (4) ] عرّف: وقف بعرفة في الحج. [ (5) ] في (خ) «وائلة بن تيم» وما أثبتناه من (ط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 سلاح إلا السيوف في القرب. وساق قوم الهدي [ (1) ] : منهم أبو بكر، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اللَّه، وسعد بن عبادة، رضوان اللَّه عليهم. كلام عمر في أمر السلاح وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: أتخشى يا رسول اللَّه علينا من أبي سفيان ابن حرب وأصحابه ولم تأخذ للحرب عدتها؟ فقال: ما أدري، ولست أحب أحمل السلاح معتمرا. وقال سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه: لو حملنا يا رسول اللَّه السلاح معنا، فإن رأينا من القوم ريبا كنا معدين لهم! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لست أحمل السلاح، إنما خرجت معتمرا. يوم الخروج واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم. وخرج من المدينة يوم الاثنين لهلال ذي القعدة. هذا هو الصحيح، وإليه ذهب الزهري، وقتادة، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، والواقدي [ (2) ] ، واختلف فيه على عروة بن الزبير، فعنه: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الحديبيّة في رمضان، وكانت الحديبيّة في شوال [ (3) ] . وعنه أنها كانت في ذي القعدة من سنة ست. بدء الجهاز للعمرة قال الواقدي: فاغتسل في بيته، ولبس ثوبين من نسج صحار [ (4) ] ، وركب راحلته القصواء من عند بابه، وخرج المسلمون. فصلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بالبدن فجلّلت [ (5) ] ، ثم أشعر [ (6) ] منها عدة- وهي موجهات إلى القبلة- في   [ (1) ] الهدى: ما يهدى إلى الحرم من النعم. (المعجم الوسيط) ج 2 ص 978. [ (2) ] في (المغازي) ج 2 ص 573. [ (3) ] قال ابن القيم في (زاد المعاد) ج 3 ص 285، 287: «وقال هشام بن عروة، عن أبيه: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الحديبيّة في رمضان، وكانت في شوال، وهذا وهم، وإنما كانت غزاة الفتح في رمضان» . [ (4) ] صحار: قرية باليمن ينسب الثوب إليها (النهاية) ج 2 ص 12. [ (5) ] من الجلل: وهو البسط أو الأكسية التي تلبسها فتصان به (ترتيب القاموس) ج 1 ص 518. [ (6) ] أشعر البدنة: أعلمها، وهو أن يشق جلدها، أو يطعنها حتى يظهر الدم (ترتيب القاموس) ج 2 ص 720. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الشق الأيمن. إشعار الهدي وتقليده ثم أمر ناجية بن جندب بإشعار ما بقي، وقلد [ (1) ] نعلا نعلا، وهي سبعون بدنة: منها جمل أبي جهل الّذي غنمه يوم بدر. وأشعر المسلمون بدنهم، وقلدوا النعال في رقابها. وبعث بسر بن سفيان عينا له، وقدم عباد بن بشر طليعة في عشرين فرسا، ويقال: أميرهم سعد بن زيد الأشهلي. إحرام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذي الحليفة ثم صلى ركعتين وركب من باب المسجد بذي الحليفة [ (2) ] ، فلما انبعثت به راحلته مستقبلة القبلة أحرم فلبى: «لبيك اللَّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» . وأحرم عامة الناس بإحرامه. عدد المسلمين وسلك طريق البيداء [ (3) ] ، وخرج معه من المسلمين ألف وستمائة، ويقال: ألف وأربعمائة، ويقال: ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون رجلا، ويقال: ألف وثلاثمائة [ (4) ] . عدد النساء وأربع نسوة: أم سلمة أم المؤمنين، وأم عمارة، وأم منيع- أسماء بنت عمرو ابن عدي [بن سنان بن نابي] [ (5) ] بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصارية، وأم عامر الأشهلية، وقال بعضهم: كانوا سبعمائة. قال ابن حزم:   [ (1) ] قلّدتها قلادة: جعلتها في عنقها، ومنه تقليد البدنة شيئا بعلم به أنها هدى. (ترتيب القاموس) ج 3 ص 674. [ (2) ] في (خ) «بالحديبية» . [ (3) ] البيداء: اسم لأرض ملساء بين مكة والمدينة وهي إلى مكة أقرب. (معجم البلدان) ج 1 ص 523. [ (4) ] راجع: (فتح الباري) ج 7 ص 443 الحديث رقم 4153، 4154، 4155. و (الجامع لأحكام القرآن) للقرطبي ص 6094 و (تفسير الطبري) ج 26 ص 87 و (زاد المعاد) ج 3 ص 287. [ (5) ] في (خ) مكان ما بين القوسين «بين أبي بن عمرو، وهو خطأ، وما أثبتناه من (ط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وهذا وهم شديد البتة، قال: والصحيح بلا شك ما بين ألف وثلاثمائة إلى ألف وخمسمائة. مقالة بني بكر ومزينة وجهينة ومر فيما بين مكة والمدينة بالأعراب بني بكر ومزينة وجهينة فاستنفرهم، فتشاغلوا بأبنائهم وأموالهم، وقالوا فيما بينهم: أيريد محمد أن يغزو بنا [ (1) ] إلى قوم معدّ في الكراع والسلاح؟ وإنما محمد وأصحابه أكلة جزور [ (2) ] ! لن يرجع محمد وأصحابه من سفرهم هذا أبدا! قوم لا سلاح معهم ولا عدد!. هدية بني نهد ثم قدم ناجية بن جندب مع الهدي في فتيان من أسلم، ومعهم هدي للمسلمين. ولقي بالروحاء طائفة من بني نهد، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبعثوا إليه بلبن من نعمهم فقال: لا أقبل هدية من مشرك. رد هدية المشركين وردّه، فابتاعه المسلمون منهم. وابتاعوا ثلاثة أضب [ (3) ] فأكل منها قوم أجلّة. وسأل المحرمون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنها فقال: كلوا، فكلّ صيد البر لكم حلال في الإحرام تأكلونه إلا ما صدتم أو صيد لكم. الصيد في الحرم ورأى أبو قتادة بالأبواء حمارا وحشيا- وكان محلا [ (4) ] فحمل عليه فقتله، فأكل منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وجاءه يومئذ الصّعب بن جثامة بن قيس الليثيّ بحمار وحشيّ أهداه له فردّه، وقال: إنا لم نرده إلا أنا حرم.   [ (1) ] في (خ) «أريد محمدا يغزوننا» ، وما أثبتناه من (الواقدي) ج 2 ص 574. [ (2) ] كناية عن قلة العدد، فإن أكلة الجزور عادة لا يتجاوزون العشرة. [ (3) ] أضب: جمع ضب، وهو حيوان من جنس الزواحف تأكل الأعراب لحمه (المعجم الوسيط) ج 1 ص 532. [ (4) ] محلّ: غير محرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 هدية إيماء بن رحضة وأهدي له إيماء بن رحضة بن خربة الغفاريّ مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا: بعث بهما مع ابنه خفاف بن إيماء ففرق ذلك وقال: بارك اللَّه فيكم. وأهدي له من ودان لياء [وهو حب أبيض كالحمص] وعتر [ (1) ] وضغابيس [ (2) ] ، فجعل يأكل الضغابيس والعتر وأعجبه، وأدخل منه على أمّ سلمة. خبر كعب الّذي آذاه القمل وهو محرم ورأى بالأبواء كعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن عبيد بن الحارث البلوي ورأسه يتهافت قملا وهو محرم، فقال: هل تؤذيك هوامّك يا كعب؟ قال: نعم يا رسول اللَّه! قال: فاحلق رأسك. وفيه نزلت: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [ (3) ] ، فأمره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستين مسكينا: لكل مسكين مدّين، أي ذلك فعل أجزأه. ويقال: إن كعب بن عجرة أهدي بقرة قلدها وأشعرها. ما عطب من الهدي وعطب [ (4) ] من ناجية بن جندب بعير من الهدي، فجاء بالأبواء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخبره، فقال: أنحرها [ (5) ] ، وأصبغ قلائدها في دمها، ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك منها، وخلّ بين الناس وبينها. نزول الجحفة ولما نزل الجحفة لم يجد بها ماء، فبعث رجلا في الروايا إلى الخرّار، فرجع   [ (1) ] العتر: نبت أو شجر صغار فإذا طال وقطع خرج منه شبه اللبن (النهاية) ج 3 ص 177 و (ترتيب القاموس) ج 3 ص 146. [ (2) ] الضغابيس: صغار القثّاء، جمع ضغبوس (المرجع السابق) ص 78. [ (3) ] آية 196/ البقرة، وفي (خ) «وفيه نزلت، ففدية ... » . [ (4) ] عطب البعير والفرس: انكسر (ترتيب القاموس) ج 3 ص 250. [ (5) ] الضمير هنا عائد على البدنة وهي البعير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 بها وقال: يا رسول اللَّه! ما أستطيع أن أمضي رعبا! فبعث رجلا آخر بالروايا، فرجع وذكر كما ذكر الأول: فبعث آخر وخرج السقاء معه، فاستقوا وأتوا بالماء. ثم أمر بشجرة يقم [ (1) ] ما تحتها. خطبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وخطب الناس فقال: إني كائن لكم فرطا [ (2) ] ، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم [ (3) ] تضلوا: كتاب اللَّه وسنة نبيه. بلاغ خبر المسلمين إلى أهل مكة وخروجهم إليهم وبلغ أهل مكة خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فراعهم ذلك، وتشاوروا. ثم قدّموا عكرمة بن أبي جهل- ويقال: خالد بن الوليد- على مائتي فارس إلى كراع الغميم، واستنفروا من أطاعهم من الأحابيش، وأجلبت ثقيف معهم: ووضعوا العيون على الجبال، وهم عشرة رجال يوحي بعضهم إلى بعض بالصوت: فعل محمد كذا كذا، حتى ينتهي ذلك إلى قريش ببلدح [ (4) ] . وخرجوا إلى بلدح وضربوا بها القباب والأبنية، ومعهم النساء والصبيان، فعسكروا هناك، وقد أجمعوا على منع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من دخول مكة ومحاربته. إجماع قريش على منع المسلمين من دخول مكة، ومشورة المسلمين ورجع بسر بن سفيان من مكة وقد علم خبر القوم، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من وراء عسفان وأخبره الخبر. واستشار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] الناس: هل يمضي لوجهته ويقاتل من صدّه عن البيت أو يخالف الذين استنفروا إلى أهليهم فيصيبهم؟   [ (1) ] وفي حديث فاطمة «أنها قمّمت البيت حتى اغبرّت» أي كنسته، والقمامة: الكناسة. (النهاية) ج 4 ص 110. [ (2) ] فرط: سبق، وأكثر ما يستعمل في السبق إلى الماء (المعجم الوسيط) ج 2 ص 673. [ (3) ] في (خ) «لن» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 2 ص 577. [ (4) ] بلدح: واد قبل مكة من جهة المغرب (معجم البلدان) ج 1 ص 480. [ (5) ] زيادة للبيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 فأشار أبو بكر رضي اللَّه عنه أن يمضوا لوجوههم، ويقاتلوا من صدهم. وقال المقداد بن عمرو: يا رسول اللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون» ولكن: «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما [ (1) ] مقاتلون» . واللَّه يا رسول اللَّه! لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك ما بقي منا رجل. وقال أسيد بن الحضير: يا رسول اللَّه! نرى أن نصمد لما خرجنا له، فمن صدنا قاتلناه. فقال: إنا لم نخرج لقتال أحد، إنما خرجنا عمارا. بديل بن ورقاء وخبر قريش ولقيه بديل بن ورقاء بن عبد العزى بن ربيعة بن جرى بن عامر بن مازن ابن عدي بن عمرو بن ربيعة [وهو الحي] [ (2) ] الخزاعي- في نفر من خزاعة، منهم الحليس بن علقمة الحارثي، من بني الحارث بن عبد مناة، فقال: يا محمد! لقد اغتررت بقتال قومك حلائب [ (3) ] العرب، واللَّه ما أرى معك أحدا له وجه، مع أني أراكم قوما لا سلاح معكم! فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: عضضت ببظر اللات! فقال بديل: أما واللَّه لولا يد لك عندي لأجبتك، فو اللَّه ما أتهم أنا ولا قومي ألا أكون أحب أن يظهر محمد. إني رأيت قريشا مقاتلتك عن ذراريها وأموالها، قد خرجوا إلى بلدح فاضطربوا [ (4) ] الأبنية، معهم العوذ المطافيل [ (5) ] ، وترافدوا على الطعام [ (6) ] يطعمون الخزير [ (7) ] من جاءهم، يتقوون به على حربك، فر رأيك [ (8) ] . وكانت قريش قد ترافدوا وجمعوا أموالا يطعمون بها من ضوى إليهم من الأحابيش. وكان يطعم في أربعة أمكنة: في دار الندوة لجماعتهم، وكان صفوان ابن أمية، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وحويطب بن عبد العزى، كل منهم يطعم في داره.   [ (1) ] في (خ) «معكم» . [ (2) ] في (خ) «عمروا بن ربيعة» . [ (3) ] استحلب القوم: اجتمعوا للنّصرة (المعجم الوسيط) ج 1 ص 191. [ (4) ] اضطرب البناء: أقامه. [ (5) ] العوذ: جمع عائذ، وهي الناقة حديثة عهد بالنتاج (المعجم الوسيط) ج 2 ص 635، المطافيل: جمع مطفل وهي ذات الطفل من الإنسان والحيوان (المرجع السابق) ص 560. [ (6) ] ترافدوا: تعاونوا (المرجع السابق) ج 1 ص 359. [ (7) ] الخزير: لحم يقطع قطعا صغارا ثم يطبخ بماء كثير وملح، فإذا اكتمل نضجه ذرّ عليه الدقيق وعصد به، ثم أدم بإدام ماء (المرجع السابق) ص 231. [ (8) ] ر: فعل الأمر من «رأى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 دنو خالد بن الوليد في المشركين للقاء المسلمين ودنا خالد بن الوليد في خيله حتى نظر إلى المسلمين، فصفّ خيله فيما بينهم وبين القبلة، فقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عباد بن بشر في خيله، فقام بإزائه وصف أصحابه. وحانت صلاة الظهر، فأذن بلال وأقام، فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصحابه مستقبل القبلة وهم خلفه، يركع بهم ويسجد. ثم قاموا، فكانوا على ما كانوا عليه من التعبئة. فقال خالد بن الوليد: قد كانوا على غرة، لو كنّا حملنا عليهم أصبنا منهم! ولكن تأتي الساعة صلاة هي أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم!. صلاة الخوف فنزل جبريل عليه السلام بين الظهر والعصر بهذه الآية: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً [ (1) ] فحانت العصر، فأذن بلال وأقام، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مواجها للقبلة والعدو أمامه فكبر وكبّر الصفان جميعا، ثم ركع فركع الصفان جميعا، ثم سجد فسجد الصف الّذي يليه، وقام الآخرون يحرسونه. فلما قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم السجود بالصف الأول، قام وقاموا معه، وسجد الصف المؤخر السجدتين، ثم استأخر الصفّ الّذي يلونه، وتقدم الصف المؤخر فكانوا يلون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقاموا جميعا. ثم ركع صلّى اللَّه عليه وسلّم فركع الصفان جميعا ثم سجد وسجد الصف الّذي يلونه، وقام الصف المؤخر يحرسونه مقبلين على العدو. فلما رفع رأسه من السجدتين، سجد الصف المؤخر السجدتين اللتين بقيتا عليهم، واستوى صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا فتشهد ثم سلّم.   [ (1) ] الآية 102/ النساء، وفي (خ) « ... فلتقم الآية» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 الخلاف في أول صلاة الخوف وكان ابن عباس رضي اللَّه عنه يقول: هذه أول صلاة صلاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخوف. وقال سفيان بن سعيد، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي عياش الزرقيّ: أنه كان- يعني ابن عباس- مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ، فذكر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صلى هكذا. وذكر أبو عيّاش أنها أول ما صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة الخوف- يعني ابن عباس: وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أول صلاة الخوف في غزوة ذات الرّقاع، ثم صلاها بعد بعسفان، بينهما أربع سنين. قال الواقدي [ (1) ] : وهذا أثبت عندنا. مسير المسلمين إلى ثنية ذات الحنظل وحيرة الدليل فلما أمسى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: تيامنوا في هذا العصل [ (2) ] ، فإن عيون قريش بمرّ الظهران أو بضجنان، فأيكم يعرف ثنية ذات الحنظل؟ فقال بريدة بن الحصيب: أنا يا رسول اللَّه! فقال: اسلك أمامنا. فأخذ بريدة في العصل، قبل جبال سراوع قبل المغرب، فسار قليلا [ (3) ] وحار. فنزل حمزة بن عمرو الأسلمي فسار بهم قليلا، ثم لم يدر أين يتوجه. فسار بهم عمرو بن [عبد] [ (4) ] نهم الأسلمي حتى بلغها. خبر الثنية وأن من جازها غفر له فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده، ما مثل هذه الثنية إلا مثل الباب الّذي قال اللَّه لبني إسرائيل: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ [ (5) ] ثم قال: لا يجوز هذه الثنية أحد إلا غفر له. فجعل الناس يسرعون.   [ (1) ] (المغازي) ج 2 ص 583. [ (2) ] في (خ) «تنامنوا» والعصل: الاعوجاج في صلابة، والمراد هنا الرمل الملتوى. (الترتيب القاموس) ج 3 ص 240، (النهاية) ج 3 ص 248. [ (3) ] في (خ) «ليلا» والتصويب من (الواقدي) ج 2 ص 583. [ (4) ] زيادة من (المرجع السابق) ص 584، ونهم: اسم صنم. [ (5) ] آية 58/ البقرة، والحطة: طلب المغفرة (المعجم الوسيط) ج 1 ص 182. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 طعام المسلمين فلما نزل من الثنية قال: من كان معه ثقل [أي دقيق] فليصطنع [ (1) ] . فقال أبو سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه: وأيّنا معه ثقل؟ إنما كان عامة زادنا التمر. فقالوا: يا رسول اللَّه! إنا نخاف من قريش أن ترانا! فقال: إنهم لن يروكم، إن اللَّه سيعينكم [ (2) ] عليهم. فأوقدوا النيران، واصطنع من أراد أن يصطنع: فلقد أوقدوا خمسمائة نار. الغفران، وخبر الرجل المحروم من غفران اللَّه فلما أصبحوا صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصبح ثم قال: والّذي نفسي بيده، لقد غفر اللَّه للركب أجمعين، إلا رويكبا واحدا على جمل أحمر التفت عليه رحال [ (3) ] القوم: ليس منهم. فطلب في العسكر فإذا به ناحية، وهو من بني ضمرة من أهل سيف البحر [ (4) ] ، قد أوى إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال له سعيد- وقد قيل له ما قال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم-: ويحك! اذهب إلى رسول اللَّه يستغفر لك! فقال: بعيري أهمّ إليّ من أن يستغفر. وكان قد أضلّ بعيره. فقال سعيد: تحول عني، لا حياك اللَّه! فانطلق يطلب بعيره، فبينا هو في جبال سراوع [ (5) ] إذ زلقت نعله فتردى فمات وأكلته السباع. أهل اليمن وقال يومئذ: أتاكم أهل اليمن كأنهم قطع الحساب، هم خير من على الأرض. الدنو من الحديبيّة، وخبر راحلة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسار حتى [ (6) ] دنا من الحديبيّة- وهي طرف الحرم، على تسعة أميال من   [ (1) ] من الصنيع، وهو الطعام في سبيل اللَّه. [ (2) ] (الواقدي) ج 2 ص 585. [ (3) ] في (خ) رجال. [ (4) ] سيف البحر: ساحله. [ (5) ] علم مرتجل لاسم موضع (معجم البلدان) ج 3 ص 204 [ (6) ] في (خ) ، (الواقدي) و «سار فلما» وفي (ط) و (ابن سعد) «وسار حتى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 مكة، فوقعت يد راحلته صلّى اللَّه عليه وسلّم على ثنية تهبط على غائط [ (1) ] ، فبركت، فقال المسلمون: حل حل [يزجرونها]- فأبت أن تنبعث، فقالوا: خلأت القصواء [ (2) ] ! فقال: إنها ما خلأت، ولا هو لها بعادة، ولكن حبسها حابس الفيل، أما واللَّه لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم حرمة اللَّه إلا أعطيتهم إياها. ثم زجروها فقامت، فولى راجعا حتى نزل بالناس على ثمد من ثماد [ (3) ] الحديبيّة [ظنون] قليل الماء. خبر جيشان الماء من الثمد واشتكى الناس قلة الماء، فانتزع سهما من كنانته فأمر به فغرز في الثمد، فجاشت لهم بالرواء حتى صدروا عنه بعطن، وإنهم ليغترفون بآنيتهم جلوسا على شفير البئر. وكان الّذي نزل بالسهم ناجية بن جندب، وقيل: ناجية بن الأعجم، وقيل: خالد بن عبادة [ (4) ] الغفاريّ، وقيل: البراء بن عازب. مقالة المنافقين في دليل النبوة وكان على الماء نفر من المنافقين، الجدّ بن قيس، وأوس [بن خوليّ] [ (5) ] ، وعبد اللَّه بن أبي، فقال أوس بن خولي: ويحك يا أبا الحباب! أما آن لك أن تبصر ما أنت عليه! أبعد هذا شيء؟ فقال: إني قد رأيت مثل هذا. فقال أوس: قبحك اللَّه وقبح رأيك! فأقبل ابن أبي [ (6) ] يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أي أبا الحباب! أين رأيت مثل ما رأيت اليوم؟ فقال: ما رأيت مثله قط! قال: فلم قلت ما قلت؟ فقال عبد اللَّه بن أبي: أستغفر اللَّه. فقال ابنه: يا رسول اللَّه! استغفر له! فاستغفر له.   [ (1) ] الغائط: من الغوط، وهو المطمئن الواسع من الأرض (ترتيب القاموس) ج 3 ص 428. [ (2) ] خلأت الناقة خلئا: حرنت: (المعجم الوسيط) ج 1 ص 248. [ (3) ] الثّمد: مكان اجتماع الماء، ثمد الماء: قلّ (المرجع السابق) ص 100. [ (4) ] في (خ) «عبادة» . [ (5) ] ظاهر العبارة يوهم أن أوس بن خولي من المنافقين، وهو ليس منهم، وما بين القوسين زيادة للبيان. [ (6) ] في (خ) «فأقبل أبي» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 المطر والصلاة في الرحال ومطر المسلمون بالحديبية مرارا وكثرت المياه، ومطروا مطرا ما ابتلت منه أسفل النعال، فنودي: إن الصلاة في الرّحال. وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصبح في الحديبيّة في إثر سماء [ (1) ] كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا اللَّه ورسوله أعلم. الأنواء قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مطرنا برحمة اللَّه وبرزق اللَّه وبفضل اللَّه فهو مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنجم كذا فهو مؤمن بالكواكب كافر بي [ (2) ] . وكان ابن أبي قال: هذا نوء الخريف، مطرنا بالشّعرى. الهدايا وأهدى عمرو بن سالم وبسر بن سفيان الخزاعيان بالحديبية إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غنما وجزورا، وأهدى عمرو بن سالم لسعد بن عبادة جزرا، وكان صديقا له. فجاء سعد بالغنم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأخبره أن عمرا أهداها له فقال: وعمرو قد أهدى إلينا ما ترى فبارك اللَّه في عمرو! ثم أمر بالجزر [ (3) ] تنحر وتقسم في أصحابه، وفرق الغنم فيهم من أخراها. فدخل على أم سلمة بعضها، وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم للذي جاء بالهدية بكسوة. خبر بديل بن ورقاء مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولما اطمأن بالحديبية، جاءه بديل بن ورقاء وركب من خزاعة- وهم عيبة [ (4) ] نصح رسول اللَّه بتهامة، منهم المسلم ومنهم الموادع، لا يخفون عليه بتهامة   [ (1) ] السماء: من أسماء المطر. [ (2) ] في (خ) «أصبح من عبادي مؤمنا وكافرا» وما أثبتناه هو رواية (البخاري) ج 3 ص 42 وفي (المغازي) باب غزوة الحديبيّة، وأحمد في (المسند) ج 4 ص 117 و (أبو داود) ج 4 ص 227 حديث رقم 3906، (النسائي) ج 3 ص 164، باب كراهية الاستمطار بالكوكب. [ (3) ] في (خ) «الجزور» . [ (4) ] المعنى: أن بيننا صدورا سليمة في المحافظة على العهد الّذي عقدناه بيننا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 شيئا- فسلموا، ثم قال بديل: جئناك من عند قومك كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ، وقد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم، معهم العوذ المطافيل -[النساء [ (1) ] والصبيان]- يقسمون باللَّه لا يخلون بينك وبين البيت حتى تبيد خضراؤهم [ (2) ] . فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لم نأت لقتال أحد، إنما جئنا لنطوف بهذا البيت، فمن صدنا عنه قاتلناه. وقريش قوم قد أضرت بهم الحرب ونهكتهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة يأمنون فيها، ويخلون فيما بيننا وبين الناس- والناس أكثر منهم-، فإن ظهر أمري على الناس كانوا بين أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس، أو يقاتلوا وقد جمّوا [ (3) ] . واللَّه لأجهدن على أمري هذا إلى أن تنفرد سالفتي [ (4) ] أو ينفذ اللَّه أمره! فعاد بديل وركبه إلى قريش، وقد تواصوا ألا يسألوا بديلا عما جاء فيه. فلما رأى أنهم لا يستخبرونه قال: إنا جئنا من عند محمد. أتحبون أن نخبركم؟ فقال عكرمة بن أبي جهل، والحكم بن أبي العاص: لا، واللَّه ما لنا حاجة بأن تخبرونا عنه، ولكن أخبره عنا: أنه لا يدخلها علينا عامه هذا حتى لا يبقى منا رجل. سماع المشركين مقالة بديل فأشار عليهم عروة بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد ابن عوف بن ثقيف [واسمه قسي] [ (5) ] بن منبه بن بكر بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان- أن يسمعوا كلام بديل، فإن أعجبهم قبلوه، وإلا تركوه، فقال صفوان بن أمية، والحارث بن هشام: أخبرنا بالذي رأيتم والّذي سمعتم. فأخبروه بمقالة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عروة بن مسعود: فإن بديلا قد جاءكم بخطة رشد، لا يردها أحد إلا أخذ شرا منها، فاقبلوها منه، وابعثوني حتى آتيكم بمصداقها، وأكون لكم عينا. بعثة قريش عروة بن مسعود إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبعثوه. فقال: يا محمد! إني تركت قومك على أعداد [ (6) ] مياه الحديبيّة قد   [ (1) ] في (خ) «والنساء» . [ (2) ] الياؤهم: دهماؤهم وجماعتهم. [ (3) ] جمّوا: استراحوا. [ (4) ] السالفة: ناحية مقدم العنق «كناية عن الموت» (ترتيب القاموس) ج 2 ص 598. [ (5) ] في (خ) «قيس» . [ (6) ] الأعداد: جمع عدّ وهو: الماء الجاري الّذي له مادة لا تنقطع كماء العين (ترتيب القاموس) ج 3 ص 169. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 استنفروا لك، وهم يقسمون باللَّه لا يخلون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم، وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين: إما أن تجتاح قومك- فلم نسمع برجل اجتاح أصله قبلك- أو بين أن يخذلك من نرى معك، فإنّي لا أرى معك إلا أوباشا [ (1) ] من الناس لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم، فغضب أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه وقال: امصص ببظر اللات! أنحن نخذله؟ فقال: أما واللَّه لولا يد لك عندي لأجبتك! وطفق عروة يمس لحية رسول اللَّه وهو يكلمه، والمغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك قائم على رأسه بالسيف، فقرع يد عروة [وهو عمه] وقال: اكفف يدك عن مس لحية رسول اللَّه قبل ألا تصل إليك، فلما فرغ عروة من كلامه، ورد عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما قال لبديل بن ورقاء، عاد إلى قريش فقال: يا قوم، قد وفدت على كسرى وهرقل والنجاشي، وإني واللَّه ما رأيت ملكا قط أطوع فيمن هو بين ظهرانيه من محمد في أصحابه، واللَّه ما يشدون [ (2) ] إليه النظر، وما يرفعون عنده الصوت، وما يكفيه إلا أن يشير إلى امرئ فيفعل، وما يتنخّم وما يبصق إلا وقعت في يدي رجل منهم يمسح بها جلده، وما يتوضأ من وضوء إلا ازدحموا عليه أيهم يظفر منه بشيء. وقد حزرت القوم، واعلموا أنكم إن أردتم السيف بذلوه لكم، وقد رأيت قوما لا يبالون ما يصنع بهم إذا منعوا صاحبهم، واللَّه لقد رأيت نسيّات [ (3) ] معه، إن كنّ ليسلمنه أبدا على حال، فروا رأيكم. وقد عرض عليكم خطة، فمادوه [ (4) ] يا قوم. أقبلوا ما عرض فإنّي لكم ناصح، مع أني أخاف ألا تنصروا عليه. رجل أتى هذا البيت معظّما له مع الهدي ينحره وينصرف! فقالوا: لا تكلم بهذا يا أبا يعفور! لو غيرك تكلم بهذا! ولكن نرده في عامنا هذا ويرجع إلى قابل. بعثة مكرز بن حفص إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم جاء مكرز بن حفص بن الأخيف بن علقمة بن عبد الحارث بن الحارث ابن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ بن غالب بن فهر- فلما طلع قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا رجل غادر (وفي رواية: هذا رجل فاجر) وجاء،   [ (1) ] الأوباش والأوشاب بمعنى، وهم الأخلاط من الناس وغيرهم. [ (2) ] أي يحدون إليه النظر. [ (3) ] تصغير نسوة، للتقليل والتعظيم. [ (4) ] أي اجعلوا بينكم وبينه مدة هدنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 فكلمه بنحو مما كلم به أصحابه، وعاد بذلك إلى قريش. بعثة الحليس سيد الأحابيش فبعثوا الحليس بن علقمة بن عمرو بن الأوقح بن عامر بن عوف بن الحارث ابن عبد مناة بن كنانة الحارثي الكناني سيد الأحابيش ورأسهم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا من قوم يعظّمون الهدي، (وفي رواية يتألهون) [ (1) ] ، ابعثوا الهدي في وجهه، فبعثوه، فلما رأى الهدي يسيل في الوادي-: عليه القلائد، قد أكل أوباره (من طول الحبس عن محله [ (2) ] ) ، يرجّع الحنين، واستقبله القوم في وجهه يلبون، وقد أقاموا نصف شهر فتفلوا وشعثوا [ (3) ]- رجع، ولم يصل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إعظاما لما رأى. وقال لقريش: إني قد رأيت ما لا يحل صده! رأيت الهدي في قلائده قد أكل أوباره معكوفا [ (4) ] عن محله، والرجال قد تفلوا وقملوا أن يطوفوا بهذا البيت! أما واللَّه ما على هذا حالفناكم ولا عاقدناكم: على أن تصدوا عن بيت اللَّه من جاء له معظما لحرمته مؤديا لحقه، والهدي معكوفا أن يبلغ محله! والّذي نفسي بيده، لتخلن بينه وبين ما جاء به، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد! قالوا: كل ما رأيت مكيدة من محمد وأصحابه، فاكفف عنا حتى نأخذ لأنفسنا بعض ما نرضى به. وفي رواية الزبير بن (بكار) [ (5) ] أنه لما رجع قال: يا قوم! الهدي! البدن! القلائد! الدماء! فقالت قريش: ما نعجب منك، ولكن نعجب منا إذ أرسلناك، إنما أنت أعرابي جلف. بعثة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خراش بن أمية إلى قريش وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى قريش خراش بن أمية بن الفضل الكعبي الخزاعي- على جمل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقال له الثعلب- ليبلغ أشرافهم أنه إنما جاء معتمرا. فعقر الجمل عكرمة بن أبي جهل، وأرادوا قتله، فمنعه من هناك من قومه، فرجع. فأراد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبعث عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فخاف على نفسه وأشار بعثمان رضي اللَّه عنه.   [ (1) ] يتعبدون. [ (2) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 96. [ (3) ] التفل: ترك التطيب، والشعث، تلبد الشعر من الطول. [ (4) ] معكوفا: محبوسا. [ (5) ] ما بين القوسين بياض في (خ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 بعثة عثمان بن عفان فبعثه ليخبرهم: إنا لم نأت [ (1) ] لقتال أحد، وإنما جئنا زوارا لهذا البيت معظمين لحرمته، ومعنا الهدي ننحره وننصرف. فأبوا على عثمان أن يدخل عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ورحب به أبان بن سعيد بن العاص وأجاره، وحمله من بلدح [ (2) ] إلى مكة وهو يقول: أقبل وأدبر ولا تخف أحدا، بنو سعيد أعزّة الحرم! فبلغ عثمان من بمكة ما جاء فيه، فقالوا جميعا: لا يدخل محمد علينا أبدا. حراسة المسلمين وأسر بعض المشركين وكان يتناوب حراسة المسلمين بالحديبية ثلاثة: أوس بن خولي، وعباد بن بشر، ومحمد بن مسلمة. فبعثت قريش مكرز بن حفص على خمسين رجلا ليصيبوا من المسلمين غرة، فظفر بهم محمد بن مسلمة، وجاء بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- بعد إقامة عثمان بمكة ثلاثا- أنه قتل، وقتل معه عشرة رجال مسلمون قد دخلوا مكة بإذن رسول اللَّه ليروا أهليهم. وبلغ قريشا حبس أصحابهم، فجاء جمع منهم ورموا بالنبل والحجارة، فرماهم المسلمون، وأسروا منهم اثني عشر فارسا. وقتل من المسلمين زنيم، وقد اطلع الثنية من الحديبيّة، فرماه المشركون فقتلوه. بدء الصلح فبعثت قريش سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤيّ بن غالب بن فهر [ (3) ] ، وحويطب بن عبد العزّى، ومكرز بن حفص (ليصالحوه) [ (4) ] . تحرك المسلمين إلى منازل بني مازن بعد خبر مقتل عثمان، والبيعة وأمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منازل بني مازن بن النجار، وقد نزلت في ناحية من   [ (1) ] في (خ) «إناه لم يأن» . [ (2) ] بلدح: واد قبل مكة من جهة المغرب (معجم البلدان) ج 1 ص 480. [ (3) ] في (خ) «فهم» . [ (4) ] زيادة من (ط) ، ورواية (للواقدي) ج 2 ص 602 بدون هذه الزيادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 الحديبيّة جميعا، فجلس في رحالهم. وقد بلغه قتل عثمان رضي اللَّه عنه، ثم قال: إن اللَّه أمرني بالبيعة. فأقبل الناس يبايعونه حتى تداكوا، فما بقي لهم متاع إلا وطئوه، ثم لبسوا السلاح، وهو معهم قليل. وقامت أم عمارة إلى عمود كانت تستظل به فأخذته بيدها وشدّت سكينا في وسطها. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبايع الناس، وعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه آخذ بيده، فبايعهم على ألا يفروا، وقيل بايعهم على الموت. ويقال: أول من بايع سنان بن أبي سنان وهب بن محصن فقال: يا رسول اللَّه، أبايعك على ما في نفسك. فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبايع الناس على بيعة سنان، فبايعوه (إلا) [ (1) ] الجد بن قيس اختبأ تحت بطن بعير. بعثة سهيل بن عمرو إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلح والأسرى فلما جاء سهيل بن عمرو، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سهّل أمرهم! فقال سهيل: يا محمد! إن هذا الّذي كان من حبس أصحابك، وما كان من قتال من قاتلك- لم يكن من رأي ذوي رأينا، بل كنا له كارهين حين بلغنا ولم نعلم به- وكان من سفهائنا. فابعث إلينا بأصحابنا الذين أسرت أول مرة والذين أسرت آخر مرة. قال: إني غير مرسلهم حتى ترسلوا [ (2) ] أصحابي. قال: أنصفتنا. فبعث سهيل ومن معه إلى قريش بالشّتيم بن عبد مناف التيمي فبعثوا بمن كان عندهم، وهم: عثمان وعشرة من المهاجرين، وأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابهم الذين أسروا. البيعة تحت الشجرة وخوف المشركين وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يبايع الناس تحت شجرة خضراء، وقد نادى عمر رضي اللَّه عنه: إن روح القدس نزل على الرسول وأمر بالبيعة، فاخرجوا على اسم اللَّه فبايعوا. فلما رأى سهيل بن عمرو ومن معه، ورأت عيون قريش سرعة الناس إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب، اشتد رعبهم وخوفهم، وأسرعوا إلى القضية [ (3) ] . ولما جاء عثمان رضي اللَّه عنه بايع تحت الشجرة. وقد كان قبل ذلك- حين بايع الناس- قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن عثمان ذهب في حاجة اللَّه وحاجة رسوله، فأنا أبايع له، فضرب بيمينه شماله.   [ (1) ] زيادة لا بد منها للسياق. [ (2) ] في (خ) «ترسل» . [ (3) ] القضية: حكم الصلح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 بعثة قريش إلى عبد اللَّه بن أبيّ وبعثت قريش إلى عبد اللَّه بن أبي بن سلول: إن أحببت أن تدخل فتطوف بالبيت فافعل، فقال له ابنه: يا أبت! أذكرك اللَّه أن تفضحنا في كل موطن! تطوف ولم يطف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم! فأبى حينئذ وقال: لا أطوف حتى يطوف رسول اللَّه. فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلامه، فسرّ به. رجوع سهيل إلى قريش وعودتهم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ورجع سهيل وحويطب ومكرز فأخبروا قريشا بما رأوا من سرعة المسلمين إلى التنعيم [ (1) ] فأشار أهل الرأي بالصلح على أن يرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويعود من قابل فيقيم ثلاثا، فلما أجمعوا على ذلك أعادوا سهيلا وصاحبيه ليقروا هذا. فلما رآه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أراد القوم الصلح. وكلم رسول اللَّه، فأطالا الكلام وتراجعا، وارتفعت الأصوات، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ جالسا متربعا، وعباد بن بشر، وسلمة ابن أسلم بن حريش مقنّعان بالحديد قائمان على رأسه. فلما رفع سهيل صوته قالا: اخفض صوتك عند رسول اللَّه! وسهيل بارك على ركبتيه [ (2) ] ، رافع صوته، والمسلمون عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جلوس. خبر الصلح وغضب عمر بن الخطاب فلما اصطلحوا ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر رضي اللَّه عنه فقال: يا رسول اللَّه! ألسنا بالمسلمين؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بلى! فقال: فعلام [ (3) ] نعطي الدنية في ديننا؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا عبد اللَّه ورسوله ولن أخالف أمره، ولن يضيعني. فذهب عمر إلى أبي بكر رضي اللَّه عنهما فقال: يا أبا بكر! ألسنا بالمسلمين؟ قال: بلى! قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ فقال: الزم غرزه [ (4) ] ! فإنّي أشهد أنه رسول اللَّه، وأن الحق ما أمر به، ولن يخالف أمر اللَّه، ولن يضيعه اللَّه. ولقي عمر رضي اللَّه عنه من القضية أمرا كبيرا، وجعل يردّد على رسول   [ (1) ] التنعيم: موضع بمكة في الحل، وهو بين مكة وسرف (معجم البلدان) ج 2 ص 49. [ (2) ] في (خ) «ركبته» . [ (3) ] في (خ) «فعلى ما» . [ (4) ] كناية عن لزوم الاتباع وعدم المخالفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الكلام، وهو يقول: أنا رسوله ولن يضيعني! ويردد ذلك أبو عبيدة ابن الجراح رضي اللَّه عنه: ألا تسمع يا ابن الخطاب رسول اللَّه يقول ما يقول! تعوذ باللَّه من الشيطان واتهم رأيك!. فجعل يتعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم حينا. كراهية المسلمين الصلح وكان المسلمون يكرهون الصلح، لأنهم خرجوا ولا يشكون في الفتح لرؤيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه حلق رأسه، وأنه دخل البيت فأخذ مفتاح الكعبة وعرّف مع المعرفين، فلما رأوا الصلح داخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون. فجعل اللَّه عاقبة القضية خيرا- فأسلم في الهدنة أكثر ممن كان أسلم- من يوم دعا رسول اللَّه إلى يوم الحديبيّة-، وما كان في الإسلام فتح أعظم من الحديبيّة، فإن الحرب كانت قد حجزت بين الناس. فلما كانت الهدنة وضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس بعضهم بعضا، ودخل في تلك الهدنة صناديد قريش الذين كانوا يقومون بالشرك، وما يحدث عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وأشباههما، وفشا الإسلام في جميع نواحي العرب. وكانت الهدنة إلى أن نقضوا العهد اثنين وعشرين شهرا. خبر أبي جندل بن سهيل بن عمرو وبينما الناس قد اصطلحوا والكتاب لم يكتب، أقبل أبو جندل بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ بن غالب القرشي العامري- وقد أفلت يرسف في القيد متوشح السيف خلال أسفل مكة، فخرج من أسفلها حتى أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يكاتب أباه سهيلا، وكان سهيل قد أوثقه في الحديد وسجنه، فخرج من سجن سهيل، واجتنب الطريق وركب الجبال حتى هبط بالحديبية. ففرح المسلمون به وتلقوه حين هبط من الجبل فسلموا عليه وآووه، فرفع سهيل رأسه فإذا بابنه أبي جندل، فقام إليه فضرب وجهه بغصن شوك وأخذ بتلبينه [ (1) ] . فصاح أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين! أأرد إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ فزاد المسلمين ذلك شرا إلى ما بهم، وجعلوا يبكون لكلام أبي جندل. فقال حويطب بن عبد العزى لمكرز بن حفص: ما رأيت قوما قط أشد حبا لمن دخل معهم من أصحاب محمد لمحمد وبعضهم لبعض! أما إني   [ (1) ] في (خ) «بلبته» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 أقول لك: لا نأخذ من محمد نصفا [ (1) ] أبدا بعد هذا اليوم حتى يدخلها عنوة [ (2) ] ! فقال مكرز: وأنا أرى ذلك. رد أبي جندل إلى أسر المشركين وقال سهيل بن عمرو: هذا أول ما قاضيتك عليه، ردّه! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لم نقض الكتاب بعد! فقال سهيل: واللَّه لا أكاتبك على شيء حتى ترده إليّ. فرده عليه، وكلمه أن يتركه، فأبى سهيل وضرب وجهه بغصن من شوك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هبه لي أو أجره من العذاب! فقال: واللَّه لا أفعل. فقال مكرز وحويطب: يا محمد، نحن نجيره لك. فأدخلاه فسطاطا فأجاراه، فكف عنه أبوه. ثم رفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صوته فقال: يا أبا جندل: اصبر واحتسب، فإن اللَّه جاعل لك ولمن معك فرجا ومخرجا. إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، وأعطيناهم على ذلك عهدا، وإنا لا نغدر. عودة عمر إلى مقالته وعاد عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! ألست برسول اللَّه؟ قال: بلى! قال: ألسنا على الحق؟ قال: بلى! قال: أليس عدونا على الباطل؟ قال: بلى! قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ فقال: إني رسول اللَّه، ولن أعصيه ولن يضيعني. فانطلق إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقال له مثل ذلك، فأجابه بنحو ما أجاب به رسول اللَّه، ثم قال: ودع عنك ما ترى يا عمر. فوثب إلى أبي جندل يمشي إلى جنبه، وسهيل يدفعه، وعمر يقول: اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب! وإنما هو رجل، ومعه [ (3) ] السيف يحرضه على قتل أبيه. وجعل يقول: يا أبا جندل! إن الرجل يقتل أباه في اللَّه! واللَّه لو أدركنا آباءنا لقتلناهم في اللَّه، فرجل برجل. فقال له أبو جندل: مالك لا تقتله أنت؟ قال عمر: نهاني رسول اللَّه عن قتله وقتل غيره. قال أبو جندل: ما أنت أحق بطاعة رسول اللَّه مني.   [ (1) ] النّصف: الإنصاف. [ (2) ] العنوة: القهر والإذلال. [ (3) ] في (خ) «ومعك» والتصويب من ابن هشام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 مقالة المسلمين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلح وقال عمر ورجال معه: يا رسول اللَّه! ألم تكن حدثتنا أنك تدخل المسجد الحرام، وتأخذ مفتاح الكعبة، وتعرّف مع المعرّفين؟ وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحن! فقال: قلت لكم في سفركم هذا؟ قال عمر: لا. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما إنكم ستدخلونه، وآخذ مفتاح الكعبة، وأحلّق رأسي ورءوسكم ببطن مكة، وأعرّف مع المعرفين، ثم أقبل على عمر رضي اللَّه عنه وقال: أنسيتم يوم أحد، إذ تصعدون ولا تلوون على أحد، وأنا أدعوكم في أخراكم؟ أنسيتم يوم الأحزاب، إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر؟ أنسيتم يوم كذا؟ أنسيتم يوم كذا؟ والمسلمون يقولون: صدق اللَّه ورسوله، يا نبي اللَّه! ما فكرنا فيما فكرت فيه، ولأنت أعلم باللَّه وبأمره منا. فلما دخل صلّى اللَّه عليه وسلّم عام القضية [ (1) ] وحلق رأسه قال: هذا الّذي وعدتكم. فلما كان يوم الفتح، أخذ المفتاح وقال: ادعوا إليّ عمر بن الخطاب! فقال: هذا الّذي قلت لكم. فلما كان في حجة الوداع وقف بعرفة فقال: أي عمر! هذا الّذي قلت لكم. قال: أي رسول اللَّه! ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح الحديبيّة. فتح الحديبيّة وخبر أبي بكر وكان أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه يقول: ما كان فتح أعظم في الإسلام من فتح الحديبيّة، ولكن الناس يومئذ قصر رأيهم عما كان بين محمد وربه، والعباد يعجلون، واللَّه لا يعجل كعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد. لقد نظرت إلى سهيل بن عمرو في حجة الوداع قائما عند النحر يقرّب إلى رسول اللَّه بدنة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينحرها بيده! ودعا الحلاق فحلق رأسه، فأنظر إلى سهيل يلقط من شعره، وأراه يضعه على عينيه! وأذكر إباءه أن يقرّ يوم الحديبيّة بأن يكتب بسم اللَّه الرحمن الرحيم! وإباءه أن يكتب أن محمدا رسول اللَّه! فحمدت اللَّه الّذي هداه للإسلام. فصلوات اللَّه وبركاته على نبيّ الرحمة الّذي هدانا به، وأنقذنا به من الهلكة.   [ (1) ] في عمرة القضية: وسيأتي ذكرها بعد غزوة وادي القرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 كتاب الصلح فلما حضرت الدواة والصحيفة- بعد طول الكلام والمراجعة- دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوس بن خولي يكتب، فقال سهيل: لا يكتب إلا ابن عمك علي، أو عثمان بن عفان، فأمر عليا فكتب، فقال: اكتب بسم اللَّه الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا أعرف الرحمن، اكتب ما نكتب، باسمك اللَّهمّ. فضاق المسلمون من ذلك، وقالوا: هو الرحمن، واللَّه ما نكتب إلا الرحمن. قال سهيل: إذا لا أقاضيه على شيء. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اكتب، باسمك اللَّهمّ. هذا ما اصطلح عليه محمد رسول اللَّه. فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول اللَّه ما خالفتك واتبعتك، أفترغب عن اسمك واسم أبيك، محمد بن عبد اللَّه؟ فضجّ المسلمون منها ضجّة هي أشد من الأولى حتى ارتفعت الأصوات، وقام رجال يقولون: لا نكتب إلا محمد رسول اللَّه! وأخذ أسيد بن حضير وسعد بن عبادة رضي اللَّه عنهما بيد الكاتب فأمسكاها وقالا: لا تكتب إلا محمد رسول اللَّه، وإلا فالسيف بيننا، علام نعطي هذه الدّنية في ديننا؟ فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخفّضهم ويومئ إليهم بيده: اسكتوا. وجعل حويطب يتعجب مما يصنعون، ويقول لمكرز: ما رأيت قوما أحوط لدينهم من هؤلاء! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا محمد بن عبد اللَّه، فاكتب. فكتب. نص كتاب الصلح «باسمك اللَّهمّ، هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد اللَّه وسهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلال ولا إغلال [ (1) ] ، وأنّ بيننا عيبة مكفوفة. وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل، وأنه من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل، وأنه من أتى محمدا منهم بغير إذن وليه رده محمد إليه. وأنه من أتى قريشا من أصحاب محمد لم يردوه، وأن محمدا يرجع عنا عامه هذا بأصحابه، ويدخل علينا من قابل في أصحابه فيقيم بها ثلاثا، لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر: السيوف في القرب» .   [ (1) ] الإسلال والإغلال: السرقة والخيانة. والعيبة: سبق شرحها ص 285 تعليق رقم (4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 شهود الكتاب شهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح، ومحمد بن مسلمة، وحويطب بن عبد العزّى، ومكرز بن حفص بن عبد الأخيف، وكتب عليّ صدر الكتاب. نسخة كتاب الصلح ودخول خزاعة في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبني بكر في عهد قريش فقال سهيل: يكون عندي: وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل عندي! ثم كتب له نسخة، وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الكتاب الأول، وأخذ سهيل نسخته. ووثب من هناك من خزاعة فقالوا: نحن ندخل في عهد محمد وعقده، ونحن على من وراءنا من قومنا. ووثبت بنو بكر فقالوا: ندخل مع قريش في عهدها وعقدها، ونحن على من وراءنا من قومنا. فقال حويطب لسهيل: بادأنا أخوالك بالعداوة، وقد كانوا يستترون منا، قد دخلوا في عقد محمد وعهده! وقال سهيل: ما هم إلا كغيرهم، هؤلاء أقاربنا ولحمتنا [ (1) ] قد دخلوا مع محمد، قوم اختاروا لأنفسهم أمرا فما نصنع بهم؟ قال حويطب: نصنع بهم أن ننصر عليهم حلفاءنا بني بكر! قال سهيل: إياك أن تسمع هذا منك بكر، فإنّهم أهل شؤم، فتقعوا بخزاعة، فيغضب محمد لحلفائه، فينتقض العهد بيننا وبينه. مدة الهدنة وقال عبد اللَّه بن نافع، عن عاصم بن عمر، عن عبد اللَّه بن دينار [ (2) ] ، عن ابن عمر قال: كانت الهدنة بين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وبين أهل مكة بالحديبية أربع سنين، خرّجه الحاكم وصححه، وفي كتاب عمر [ (3) ] بن شيبة في أخبار مكة: كانت   [ (1) ] في (الواقدي) «ولحمنا» ج 2 ص 612. [ (2) ] في (خ) «ابن دنبه» وما أثبتناه من (ط) . [ (3) ] في (خ) «ابن أبي شيبة» وصوابه: عمر بن شيبة، يزيد بن عبيدة بن رابطة النميري، أبو زيد البصري، ثم البغدادي، الأديب، الأخباري، الشهير بابن شيبة، ولد سنة 173 هـ وتوفي بسر من رأى سنة 262 هـ (هدية العارفين ج 5 ص 78) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 سنتين. خبر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين بالنحر والحلق والإحلال فلما فرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الكتاب، وانطلق سهيل وأصحابه، قال: قوموا فانحروا واحلقوا وحلوا. فلم يجبه أحد إلى ذلك. فرددها ثلاث مرات، فلم يفعلوا. فدخل على أم سلمة رضي اللَّه عنها وهو شديد الغضب، فاضطجع، فقالت: مالك يا رسول اللَّه؟ مرارا، وهو لا يجيبها، ثم قال: عجبا يا أم سلمة، إني قلت للناس انحروا واحلقوا وحلوا مرارا، فلم يجبني أحد من الناس إلى ذلك، وهم يسمعون كلامي، وينظرون في وجهي. فقالت: يا رسول اللَّه، انطلق أنت إلى هديك فانحره، فإنّهم سيقتدون بك، فاضطبع [ (1) ] بثوبه وخرج، فأخذ الحربة ويمم هديه، وأهوى بالحربة إلى البدنة رافعا صوته: بسم اللَّه واللَّه أكبر. ونحر. نحر الهدي فتواثب المسلمون إلى الهدي وازدحموا عليه ينحرونه، حتى كاد بعضهم يقع على بعض، وأشرك صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أصحابه في الهدي، فنحر البدنة عن سبعة، وكان الهدي سبعين بدنة، وقيل: مائة. وكان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية، عرض له المشركون فردّوا وجوه البدن، فنحر رسول اللَّه بدنه حيث حبسوه، [وهي الحديبيّة] . وشرد جمل أبي جهل من الهدي وهو يرعى- وقد قلد وأشعر، وكان نجيبا مهريا- فمرّ من الحديبيّة حتى انتهى إلى دار أبي جهل بمكة. وخرج في إثره عمرو بن غنمة [ (2) ] بن عدي بن نابي السلميّ الأنصاري، فأبى سفهاء مكة أن يعطوه حتى أمرهم سهيل بن عمرو بدفعه إليه، فدفعوا فيه مائة ناقة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لولا أننا سميناه في الهدي فعلنا. ونحره عن سبعة. ونحر طلحة بن عبيد اللَّه وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان بدنات ساقوها. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مضطربا [ (3) ] في الحل، وإنما يصلى في الحرم. وحضره من يسأل من لحوم البدن معترا [ (4) ] ، فأعطاهم من لحومها وجلودها. وأكل المسلمون من هديهم وأطعموا المساكين، وبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم من الهدي بعشرين بدنة لتنحر عند المروة   [ (1) ] اضطبع بثوبه: أدخله من تحت إبطه الأيمن فغطى به الأيسر. [ (2) ] في (خ) «غنمه» . [ (3) ] نازلا في بناء بناه. [ (4) ] فقيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 مع رجل من أسلم، فنحرها عند المروة وفرّق لحمها. دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للمحلقين والمقصرين فلما فرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من نحر البدن، دخل قبة له من أدم حمراء، فيها الحلاق فحلّق رأسه، ثم أخرج رأسه من قبته وهو يقول: رحم اللَّه المحلقين! قيل: يا رسول اللَّه والمقصرين! قال: رحم اللَّه المحلقين! ثلاثا، ثم قال: والمقصرين. ورمى بشعره على شجرة كانت بجنبه من سمرة خضراء، فجعل الناس يأخذون الشعر من فوق الشجرة فيتحاصون فيه [ (1) ] . وأخذت أم عمارة طاقات من شعر، فكانت تغسلها للمريض وتسقيه حتى يبرأ، وحلّق ناس وقصّر آخرون. وكان الّذي حلقه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] خراش بن أمية بن الفضل الكعبي، فلما حلقوا بالحديبية ونحروا، بعث اللَّه تعالى ريحا عاصفة فاحتملت أشعارهم فألقتها في الحرم. خبر أم كلثوم بنت عقبة وخرجت يومئذ أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي عاتق [لم تتزوج] فقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هجرتها ولم يردّها إلى المشركين [ (3) ] ، وقدمت المدينة، فتزوجها زيد بن حارثة. إقامة المسلمين بالحديبية، وما أصابهم من الجوع وأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحديبية بضعة عشر يوما، ويقال: عشرين يوما، ثم انصرف. فلما نزل عسفان أرمل [ (4) ] المسلمون من الزاد، وشكوا أنهم قد بلغوا [ (5) ] من الجوع، وسألوا أن ينحروا من إبلهم، فأذن لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك، فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! لا تفعل، فإن يك في الناس بقية ظهر يكن أمثل، ولكن ادعهم بأزوادهم، ثم ادع لهم فيها اللَّه. فأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأنطاع فبسطت، ثم   [ (1) ] يأخذ كل منهم حصته. [ (2) ] زيادة للبيان. [ (3) ] يقول ابن القيم في (زاد المعاد) ج 3 ص 308 في الكلام عن الفوائد الفقهية المستفادة من صلح الحديبيّة: «ومنها جواز صلح الكفار على ردّ من جاء منهم إلى المسلمين وألا يرد من ذهب من المسلمين إليهم، هذا في غير النساء، وأما النساء فلا يجوز ردهن إلى الكفار، وهذا موضع النسخ خاصة في هذا العقد بنص القرآن، ولا سبيل إلى دعوى النسخ في غيره بغير موجب» . [ (4) ] أرمل المسافر: نفد زاده. [ (5) ] بلغوا: أدركتهم المشقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 نادى مناديه: من كان عنده بقية زاد فلينثره على الأنطاع. فكان منهم من يأتي بالتمرة الواحدة وأكثرهم لا يأتي بشيء، ويؤتى بالكف من الدقيق والكف من السّويق، وذلك كله قليل. فلما اجتمعت أزوادهم وانقطعت موادهم مشى صلّى اللَّه عليه وسلّم إليها فدعا فيها بالبركة، ثم قال: قربوا بأوعيتكم. فجاءوا بأوعيتهم، فكان الرجل يأخذ ما شاء من الزاد حتى إنّ أحدهم ليأخذ ما لا يجد له محملا. المطر ثم أذّن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرحيل، فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا وهم صائفون، فنزل ونزلوا معه فشربوا من ماء السماء، وقام صلّى اللَّه عليه وسلّم فخطبهم. فجاء ثلاثة نفر، فجلس اثنان وذهب واحد معرضا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا أخبركم خبر الثلاثة؟ قالوا: بلى، يا رسول اللَّه! قال: أما واحد فاستحيا فاستحيا اللَّه منه، وأما الآخر فتاب فتاب اللَّه عليه، وأما الثالث فأعرض فأعرض اللَّه عنه. سؤال عمر وسكوت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن جوابه، ونزول سورة الفتح وبينا عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يسير مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال: ثكلتك أمك يا عمر! بدرت [ (1) ] رسول اللَّه ثلاثا، كل ذلك لا يجيبك! وحرك بعيره حتى تقدم الناس، وخشي أن يكون نزل فيه قرآن، فأخذه ما قرب وما بعد: لمراجعته بالحديبية وكراهته القضية. وبينا هو يسير مهموما متقدما على الناس، إذ منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينادي: يا عمر بن الخطاب! فوقع في نفسه ما اللَّه به أعلم، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلم، فردّ عليه السلام وهو مسرور ثم قال: أنزلت عليّ سورة هي أحب مما طلعت عليه الشمس. فإذا هو يقرأ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [ (2) ] ، فأنزل اللَّه في ذلك سورة الفتح، فركض الناس وهم يقولون: أنزل على رسول اللَّه! حتى توافوا عنده وهو يقرؤها. ويقال: لما نزل جبريل عليه   [ (1) ] في (خ) «نذرت» وأيضا في (الواقدي) ج 2 ص 617، وفي (ط) بدرت: بمعنى عجلت إليه. [ (2) ] أول سورة الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 السلام قال: نهنئك [ (1) ] يا رسول اللَّه! فلما هنأه جبريل هنأه المسلمون. وكان نزول سورة الفتح بكراع الغميم، ويقال [ (2) ] : نزلت بضجنان. وعن قتادة عن أنس رضي اللَّه عنهم: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، قال: خيبر. وقال غيره: الحديبيّة، منحره وحلقه. وقيل: نزلت سورة الفتح منصرفه من خيبر. خبر فرار أبي بصير من أسر المشركين ولما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة من الحديبيّة، في ذي الحجة جاء أبو بصير عتبة بن أسيد [وقيل: عبيد بن أسيد] بن جارية بن أسيد بن عبد اللَّه بن [أبي] [ (3) ] سلمة بن عبد اللَّه بن غيرة بن عوف بن قسي [وهو ثقيف] حليف بني زهرة- مسلما، قد انفلت من قومه، وسار على قدميه سبعا [ (4) ] . كتاب قريش في أمر أبي بصير وكتب الأخنس بن شريق، وأزهر بن عوف الزهري إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا مع خنيس بن جابر من بني عامر، واستأجراه ببكرين لبون، وحملاه على بعير، وخرج معه مولى يقال له: كوثر، وفي كتابهما ذكر الصلح، وأن يرد عليهم أبا بصير. فقدما بعد أبي بصير بثلاثة أيام، فقرأ أبيّ بن كعب الكتاب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإذا فيه: «قد عرفت ما شارطناك عليه- وأشهدنا بيننا وبينك- من ردّ من قدم عليك من أصحابنا، فابعث إلينا بصاحبنا» . رد أبي بصير إلى المشركين فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا بصير أن يرجع معهم ودفعه إليهما، فقال: يا رسول اللَّه! تردني إلى المشركين يفتنوني في ديني! فقال: يا أبا بصير، إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر. وإن اللَّه جعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا. فقال: يا رسول اللَّه! تردني إلى المشركين، قال: انطلق يا أبا بصير، فإن اللَّه سيجعل لك مخرجا. ودفعه إلى العامري وصاحبه. فخرج   [ (1) ] في (الواقدي) «يهنيك» . [ (2) ] وهي رواية (الواقدي) ج 2 ص 618. [ (3) ] زيادة من نسبه. [ (4) ] في (الواقدي) «سعيا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 معهما، وجعل المسلمون يسرّون إلى أبي بصير، يا أبا بصير، أبشر! فإن اللَّه جاعل لك مخرجا، والرجل يكون خيرا من ألف رجل، فافعل وافعل: يأمرونه بالذين معه فانتهيا به عند صلاة الظهر إلى ذي الحليفة. فصلى أبو بصير في مسجدها ركعتين صلاة المسافر. ومعه زاد له من تمر يحمله، ثم أكل منه ودعا العامريّ وصاحبه ليأكلا معه، فقدما سفرة فيها كسر وأكلوا جميعا. قتله العامري وقد علق العامري سيفه في الجدار، وتحادثوا، فقال أبو بصير: يا أخا بني عامر! ما اسمك؟ قال: خنيس. قال: ابن من؟ قال: ابن جابر. قال: يا أبا جابر، أصارم سيفك هذا؟ قال: نعم! قال: ناولينه انظر إليه إن شئت. فناوله، فأخذ أبو بصير بقائم السيف- والعامري ممسك بالجفن- فعلاه به حتى برد. وخرج كوثر هاربا يعدو نحو المدينة، وأبو بصير في أثره فأعجزه، حتى سبقه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورسول اللَّه جالس في أصحابه بعد العصر، إذ طلع كوثر يعدو، فقال: هذا رجل قد رأى ذعرا! وأقبل حتى وقف فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويحك! مالك؟ قال: قتل صاحبكم صاحبي، وأفلتّ منه ولم أكد!. مرجع أبي بصير إلى المدينة وأقبل أبو بصير فأناخ بعير العامري بباب المسجد، ودخل متوشحا سيفه، فقال: يا رسول اللَّه! وفت ذمتك، وأدى اللَّه عنك، وقد أسلمتني بيد العدو، وقد امتنعت بديني من أن أفتن، ويعبث بي أو أكذب بالحق. فقال عليه السلام: ويل أمه محشّ حرب [ (1) ] لو كان معه رجال! وقدم سلب العامري ورحله وسيفه ليخمسه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إني إذا خمسته رأوا [ (2) ] أني لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه، ولكن شأنك بسلب صاحبك. ثم قال: لكوثر: ترجع به إلى أصحابك؟ فقال: يا محمد! ما لي به قوة ولا يدان! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي بصير: اذهب حيث شئت.   [ (1) ] يقال حش الحرب إذا أسعرها وهيجها. [ (2) ] أي قريش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 خروج أبي بصير إلى العيص فخرج حتى أتى العيص، فنزل منه ناحية على ساحل البحر على طريق عير قريش إلى الشأم، وعند ما خرج لم يكن معه إلا كف تمر فأكله ثلاثة أيام، وأصاب حيتانا قد ألقاها البحر بالساحل فأكلها، وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبره. فتسللوا إليه. وكان عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه هو الّذي كتب إليهم بقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي بصير: ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال، وأخبرهم أنه بالساحل. فاجتمع عند أبي بصير قريب من سبعين مسلما، فكانوا بالعيص. وضيقوا على قريش، فلا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه، ولا تمر عليهم عير إلا اقتطعوها، ومر بهم ركب يريدون الشأم، معهم ثمانون بعيرا، فأخذوا ذلك، وأصاب كل رجل منهم قيمة ثلاثين دينارا، وكانوا قد أمروا عليهم أبا بصير، فكان يصلى بهم ويقرئهم ويجمعهم، وهم له سامعون مطيعون، فغاظ قريشا صنيع أبي بصير وشق عليهم، وكتبوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسألونه بأرحامهم إلا أدخل أبا بصير إليه ومن معه: فلا حاجة لنا بهم. فكتب صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبي بصير أن يقدم بأصحابه معه، فجاءه الكتاب وهو يموت، فجعل يقرأه، ومات وهو في يده فدفنوه. وأقبل أصحابه إلى المدينة وهم سبعون فيهم الوليد بن الوليد بن المغيرة، فمات بعقب قدومه فبكته أم سلمة رضي اللَّه عنها. هجرة أم كلثوم بنت عقبة إلى المدينة وكانت أم كلثوم بنت عقبة [ (1) ] بن أبي معيط قد أسلمت بمكة، فكانت تخرج إلى بادية أهلها [لها بها أهل] ، فتقيم أياما بناحية التنعيم ثم ترجع. حتى أجمعت على المسير مهاجرة، فخرجت كأنها تريد البادية على عادتها، فوجدت رجلا من خزاعة فأعلمته بإسلامها، فأركبها بعيره حتى أقدمها المدينة بعد ثماني ليال، فدخلت على أم سلمة رضي اللَّه عنها، وأعلمتها أنها جاءت مهاجرة، وتخوفت أن يردها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أم سلمة أعلمته، فرحب بأم كلثوم وسهّل، فذكرت له هجرتها، وأنها تخاف أن يردها.   [ (1) ] في (خ) «عتبة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 ما نزل فيها من القرآن فأنزل اللَّه فيها آية الممتحنة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا، ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ (1) ] . طلب قريش رد أم كلثوم فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرد من جاءه من الرجال، ولا يرد من جاءه من النساء، وقدم أخواها من غد قدومها- الوليد وعمارة ابنا عقبة بن أبي معيط- فقالا: يا محمد! ف [ (2) ] لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه. فقال: قد نقض ذلك. فانصرفا إلى مكة فأخبرا قريشا، فلم يبعثوا أحدا، ورضوا بأن تحبس النساء. فرار أميمة بنت بشر وهجرتها إلى المدينة ويقال: إن أميمة بنت بشر الأنصارية، ثم من بني عمرو بن عوف، كانت تحت حسان بن الدحداح [ (3) ] [أو ابن الدحداحة] وهو يومئذ مشرك، ففرت من زوجها بمكة وأتت [ (4) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تريد الإسلام، فهم أن يردها إلى زوجها، حتى أنزل اللَّه تعالى: فَامْتَحِنُوهُنَّ [ (5) ] . ثم زوجها رسول اللَّه سهل بن حنيف، فولدت له عبد اللَّه بن سهل. طلاق الكوافر وأنزل اللَّه تعالى: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (5) ] فطلق عمر بن الخطاب امرأتين هما: قريبة بنت أبي أمية، [بن المغيرة] [ (6) ] ، فتزوجها معاوية بن أبي   [ (1) ] الآية 1/ الممتحنة، وفي (خ) « ... فامتحنوهن، الآية» . [ (2) ] ف: فعل الأمر من أوفى. [ (3) ] في (خ) هكذا: «كانت ثابت بن الدحاح» والصواب «كانت تحت» حيث أن ثابت بن الدحاح رضي اللَّه عنه قد استشهد بأحد (ابن سيد الناس) ج 2 ص 29. [ (4) ] في (خ) «أنت» . [ (5) ] من الآية 10/ الممتحنة. [ (6) ] في (خ) «قريبة بنت أمية» وما بين القوسين زيادة من (ط) ، وفي (الواقدي) «زينب بنت أمية» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 سفيان، والأخرى أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيّب بن ربيعة بن أصرم ابن حبيش بن حرام بن حبيشة بن سلول بن كعب الخزاعية، فتزوجها أبو جهم ابن حذيفة. وطلق عياض بن غنم الفهري أم الحكم بنت أبي سفيان بن حرب. فتزوجها عبد اللَّه بن عثمان الثقفي فولدت له عبد الرحمن ابن أم الحكم، وكلهم يومئذ مشرك. ولم يعلم أن امرأة من المسلمين لحقت بالمشركين. بعثة الرسل إلى الملوك وفي هذه السنة السادسة، بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رسله إلى الملوك بكتبه، فأرسل حاطب بن أبي بلتعة [عمرو، وقيل: راشد] بن معاذ اللخمي إلى المقوقس بمصر. * أرسل شجاع بن وهب [ويقال: ابن أبي وهب] بن ربيعة بن أسد ابن صهيب بن مالك بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسديّ إلى الحارث ابن أبي شمر الغسّانّي. * وأرسل دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج [ (1) ] [وهو زيد مناة] بن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف بن غدرة ابن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب الكلبي، إلى قيصر ملك الروم. * وأرسل سليط بن عمر بن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل ابن عامر بن لؤيّ القرشي العامري، إلى هوذة بن علي الحنفي، وإلى ثمامة بن أنال [وهما] [ (2) ] رئيسا اليمامة. * وبعث عبد اللَّه بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، إلى كسرى ملك فارس. * وأرسل عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد اللَّه بن إياس بن عبيد بن ناشرة [ (3) ] ابن كعب الضمريّ، إلى النجاشي ملك الحبشة. * وأرسل العلاء بن الحضرميّ [اسمه عبد اللَّه] بن عباد [وقيل: عبد اللَّه بن عمار، وقيل: عبد اللَّه بن ضمار، وقيل: عبد اللَّه بن عبيدة بن ضمار] بن مالك   [ (1) ] في (خ) «الخزرج» . [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] في (خ) «عتيك بن باشرة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وقيل: العلاء بن عبد اللَّه بن عمار بن أكبر بن ربيعة بن مالك بن أكبر بن عويف ابن مالك بن الخزرج بن أبي بن الصّدف، إلى المنذر بن ساوي ملك البحرين. وقيل: إن إرساله كان سنة ثمان. ردود الملوك * فأما المقوقس، فإنه قبل كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأهدى إليه أربع جواري، منهن مارية [القبطية] . * وأما قيصر [واسمه هرقل] ، فإنه قبل أيضا الكتاب واعترف بالنّبوّة، ثم خاف من قومه فأمسك. * وأما الحارث بن أبي سمر الغسّاني، فإنه لما أتاه الكتاب قال: أنا سائر إليه [يعني محاربا] . فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد بلغه ذلك عنه: باد ملكه. * وأما النجاشي فإنه آمن برسول اللَّه واتبعه، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، وأرسل ابنه في ستين من الحبشة فغرقوا في البحر. وبعث إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يزوجه بأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب- وكانت مهاجرة بالحبشة مع زوجها عبيد اللَّه بن جحش فتنصّر هناك- فزوجه إياها، وقام بصداقها: أربعمائة دينار من عنده. * وأما كسرى أبرويز هرمز، فإنه مزق الكتاب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مزق اللَّه ملكه، فسلط عليه ابنه شيرويه فقتله. * وأما هوذة بن عليّ، فبعث وفدا بأن يجعل له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأمر بعده حتى يسلم، وإلا قصده وحاربه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اكفنيه! فمات بعد قليل. * وأما المنذر بن ساوي، فإنه أسلم وأسلم أهل البحرين. سحر لبيد بن الأعصم لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي محرم سنة سبع سحر لبيد بن الأعصم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على مال جعله له من بقي بالمدينة من اليهود والمنافقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 غزوة خيبر وكانت غزوة خيبر في صفر سنة سبع، وبينها وبين المدينة ثمانية برد، مشى ثلاثة أيام. وقيل: سميت بخيبر بن قانية بن هلال بن مهلهل بن عبيل بن عوض ابن إرم بن سام بن نوح [ (1) ] : وكان عثمان بن عفان مصرّها. أول الخروج إلى خيبر ويقال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لهلال ربيع الأول. ونقل عن الإمام مالك أن خيبر كانت في سنة ست. وإليه ذهب أبو محمد بن حزم، والجمهور على أنها كانت في سنة سبع، وأمر أصحابه بالتهيّؤ للغزو، واستنفر من حوله يغزون معه. وجاءه المخلفون عنه في غزوة الحديبيّة ليخرجوا معه رجاء الغنيمة، فقال: لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد، وأما الغنيمة فلا. وبعث مناديا فنادى: لا يخرجن معنا إلا راغب في الجهاد. واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ، وقيل: أبا ذر، وقيل: نميلة بن عبد اللَّه الليثي. ما كانت تفعله يهود قبل غزو المسلمين وكان يهود خيبر لا يظنون أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يغزوهم، لمنعتهم وحصونهم وسلاحهم وعددهم، كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ثم يقولون: محمد يغزونا!! هيهات هيهات [ (2) ] ! فعمى اللَّه عليهم، فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى نزل بساحتهم ليلا. دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أشرف خيبر ولما أشرف على خيبر قال لأصحابه: قفوا، ثم قال قولوا: اللَّهمّ ربّ السموات السبع وما أظلت، وربّ الأرضين السبع وما أقلت، [ورب الشياطين وما أضللن] [ (1) ] ، ورب الرياح وما ذرت، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها [وشر أهلها] [ (3) ] وشر ما فيها! ثم قال:   [ (1) ] (معجم البلدان) ج 2 ص 409، 410. [ (2) ] اسم فعل ماض بمعنى «بعد» . [ (3) ] زيادة في بعض كتب السيرة، وفي (خ) و (الواقدي) ج 2 ص 642 بدون هذه الزيادة، وذكره الإمام النووي في (الأذكار) ص 201 (باب ما يقول إذا رأى قرية يريد دخولها أو لا يريد) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 ادخلوا على بركة اللَّه. وعرّس بمنزله ساعة. خبر يهود وغزو المسلمين وكانت يهود يقومون كل ليلة قبل الفجر، ويصفون الكتائب، وخرج كنانة ابن أبي الحقيق في أربعة عشر رجلا إلى غطفان، يدعوهم إلى نصرهم ولهم نصف ثم خيبر سنة. فلما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بساحتهم، لم يتحركوا تلك الليلة، ولم يصح لهم ديك، حتى طلعت الشمس، فأصبحوا وأفئدتهم تخفق، وفتحوا حصونهم، [وغدوا إلى أعمالهم] [ (1) ] ، معهم المساحي والكرازين والمكاتل، فلما نظروا المسلمين قالوا: محمد والخميس [ (2) ] !! وولوا هاربين إلى حصونهم، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: اللَّه أكبر! خربت خيبر! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين. قتال أهل النطاة وقاتل يومه ذلك إلى الليل أهل النّطاة [ (3) ] ، فلما أمسى تحول بالناس إلى الرجيع [ (4) ] . وكان يغدو [ (5) ] بالمسلمين على راياتهم. وكان شعارهم: يا منصور أمت. وأمر بقطع نخلهم، فوقع المسلمون في قطعها حتى قطعوا أربعمائة عذق [ (6) ] ، ثم نادى بالنهي عن قطعها. ويروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما نزل خيبر أخذته الشّقيّقة [ (7) ] ، فلم يخرج إلى الناس.   [ (1) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 106. [ (2) ] «يعنون بالخميس الجيش» المرجع السابق. [ (3) ] حصن من حصون خيبر التي ذكرها (ابن سعد) ج 2 ص 106 «وهي: حصن الصعب بن معاذ، وحصن ناعم، وحصن قامة الزبير والشقّ، وبه حصون منها حصن أبي وحصن النزار، وحصون الكتيبة منها القموص والوطيح وسلالم، وهو حصن بني أبي الحقيق» . [ (4) ] الرجيع: «هو الموضع الّذي غدرت فيه عضل والقارة بالسبعة نفر الذين بعثهم اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهذا غير ذلك، وذكر ابن إسحاق في غزاة خيبر أنه عليه السلام حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر فبنى له فيها مسجد ثم على الصهباء ثم أقبل حتى نزل بواد يقال له الرجيع ... وهذا غير الأول لأن ذلك قرب الطائف وخيبر من ناحية الشام خمسة أيام عن المدينة، فيكون بين الرجيعين أكثر من خمسة عشر يوما» (معجم البلدان) ج 3 ص 29. [ (5) ] في (خ) «يغذو» . [ (6) ] العذق: النخلة بحملها (ترتيب القاموس) ج 3 ص 179. [ (7) ] الشقيقة: وجع يأخذ نصف الرأس والوجه (ترتيب القاموس) ج 2 ص 739، (زاد المعاد) ج 4 ص 87 فصل هديه صلّى اللَّه عليه وسلّم في علاج الصداع والشقيقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 مقتل محمود بن مسلمة قال الواقدي: وجلس محمود بن مسلمة الأنصاري تحت حصن ناعم يتبع فيئة [ (1) ] ، وقد قاتل يومئذ، وكان يوما صائفا [ (2) ] ، فدلّى عليه مرحب [اليهودي] [ (3) ] رحى فهشمت البيضة، وسقطت جلدة جبينه على وجهه، وندرت عينه [ (4) ] ، فأتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرد الجلدة كما كانت، وعصبها بثوب، وتحوّل إلى الرجيع خشية على أصحابه من البيات. فكان مقامه بالرجيع سبعة أيام، يغدو كل يوم للقتال، ويستخلف على العسكر عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه ويقاتل أهل النطاة يومه [ (5) ] ، فإذا أمسى رجع إلى الرجيع، ومن جرح يحمل إلى العسكر ليداوى. فجرح أول يوم خمسون من المسلمين. اليهودي المستأمن ونادى يهودي من أهل النطاة بعد ليل: أنا آمن وأبلغكم؟ فقالوا: نعم! فدخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدله على عورة يهود. فدعا أصحابه وحضّهم على الجهاد. فغدوا عليهم، فظفرهم اللَّه بهم، فلم يك في النطاة شيء من الذرية، فلما انتهوا إلى الشق وجدوا فيه ذرية، فدفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليهودي زوجته. حراسة المسلمين وفتح النطاة وكانت الحراسة نوبا بين المسلمين، حتى فتح اللَّه حصن النطاة، فوجد فيها منجنيق، فنصب على حصن النزار [ (6) ] ، ففتحه اللَّه، ونازل المسلمون حصن ناعم في النطاة، فنهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن القتال حتى يأذن لهم. فعمد رجل من أشجع فحمل على يهود فقتله مرحب، فنادى منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تحل الجنة لعاص. ثم أمر الناس بالقتال. وكان ليهود عبد حبشي اسمه يسار، في ملك عامر اليهودي، يرعى له غنما، فأقبل بالغنم حتى أسلم، ورد الغنم لصاحبها، وقاتل حتى قتل شهيدا.   [ (1) ] في (خ) «فئة» والفيء: الظل. [ (2) ] الصائف: شديد الحر. [ (3) ] زيادة للإيضاح. [ (4) ] ندر الشيء ندورا: سقط من جوف شيء، أو من بين أشياء تظهر (ترتيب القاموس) ج 4 ص 347. [ (5) ] في (خ) «قومه» . [ (6) ] في (خ) «البراز» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 الألوية، وأول راية في الإسلام وفرق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الرايات، ولم تكن راية قبل خيبر، إنما كانت الألوية، فكانت راية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سوداء تدعى العقاب: من برد لعائشة رضي اللَّه عنها، ولواؤه أبيض، ورفع راية إلى علي، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد ابن عبادة رضي اللَّه عنهم. مدد عيينة بن حصن ليهود وكان عيينة بن حصن قد أقبل مددا ليهود بغطفان في أربعة آلاف، فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليه أن يرجع وله نصف ثمر خيبر، فأبى أن يتخلى عن حلفائه، فبعث اللَّه على غطفان الرعب، فخرجوا على الصعب والذلول [ (1) ] ، فذل عند ذلك عدو اللَّه كنانة بن أبي الحقيق، وأيقن بالهلكة. حصن ناعم ورجوع المسلمين وجثم [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الحصون، وألحّ على حصن ناعم بالرمي، ويهود تقاتل. ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على فرس يقال له الظرب، وعليه درعان ومغفر وبيضة، وفي يده قناة وترس. وقد دفع لواءه إلى رجل من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا. فحث صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين على الجهاد، وسالت كتائب يهود: أمامهم الحارث أبو زينب يهذ [ (3) ] الناس هذا. فساقهم صاحب راية الأنصار حتى انتهوا إلى الحصن فدخلوه، وخرج أسير يقدم يهود، فكشف الأنصار حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في موقفه، فاشتد ذلك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمسى مهموما [ (4) ] . [وخرج مع ذلك سعد بن عبادة] ، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين الراية غدا رجلا يحبه اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه على يديه ليس بفرّار، أبشر يا محمد بن مسلمة! غدا- إن شاء اللَّه تعالى- يقتل قاتل أخيك، وتولّي عادية يهود.   [ (1) ] كناية عن شدة الرعب. [ (2) ] جثم: لزم مكانه. [ (3) ] في (خ) «بهذا» ، والهذّ: الإسراع. [ (4) ] في (الواقدي) ج 2 ص 653 بعد قوله «مهموما» «وقد كان سعد بن عبادة رجع مجروحا» فيستقيم بذلك السياق إذا قيل بعدها عبارة: [وخرج مع ذلك سعد بن عبادة] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 بعثة علي لفتح حصن ناعم فلما أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسل إلى علي رضي اللَّه عنه- وهو أرمد- فقال [علي] [ (1) ] : ما أبصر سهلا ولا جبلا! فذهب إليه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: افتح عينيك! ففتحهما، فتفل فيهما، فما رمد بعدها. مقتل أبي زينب اليهودي ثم دفع إليه اللواء، ودعا له ومن معه بالنصر. وكان أول من خرج إليه الحارث أبو زينب- أخو مرحب- فانكشف المسلمون وثبت علي، فاضطربا ضربات فقتله عليّ، وانهزم اليهود إلى حصنهم. خبر مرحب اليهودي ومقتله ثم خرج مرحب فحمل على عليّ وضربه، فاتقاه بالتّرس، فأطن ترس علي رضي اللَّه عنه، فتناول بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه، فلم يزل في يده حتى فتح اللَّه عليه الحصن، وبعث رجلا يبشر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بفتح حصن مرحب. ويقال: إن باب الحصن جرّب بعد ذلك، فلم يحمله أربعون رجلا. وروي- من وجه ضعيف عن جابر: ثم اجتمع عليه سبعون رجلا، فكان جهدهم أن أعادوا الباب. وعن أبي رافع: فلقد رأيتني في نفر مع سبعة- أنا ثامنهم- نجهد أن نقلب ذلك الباب فما استطعنا أن نقلبه. وزعم بعضهم: أن حمل عليّ باب خيبر لا أصل له، وإنما يروى عن رعاع الناس. وليس كذلك، فقد أخرجه ابن إسحاق في سيرته عن أبي رافع، وأن سبعة لم يقلبوه. وأخرجه الحاكم من طرق منها: عن أبي علي الحافظ: حدثنا الهيثم بن خلف الدوري، حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري [نسيب] [ (2) ] السّدّي، حدثنا المطلب بن زياد، حدثنا الليث بن أبي سليم، حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن حسين، عن جابر: أن عليا حمل الباب يوم خيبر، وأنه جرّب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا.   [ (1) ] زيادة للبيان. [ (2) ] زيادة من نسبه (تهذيب التهذيب) ج 1 ص 325. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 خبر مرحب وأسير وياسر ومقتلهم ويقال: إن مرحبا برز كالفحل الصئول يدعو للبراز، فخرج إليه محمد بن مسلمة فتجاولا ساعة، وضرب محمد مرحبا فقطع رجليه وسقط، فمر به عليّ رضي اللَّه عنه فضرب عنقه وأخذ سلبه، فأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سلبه محمد بن مسلمة. وبرز أسير، فخرج له محمد بن مسلمة فقتله محمد، ثم برز ياسر، وكان من أشدائهم، فقال: قد علمت خيبر أني ياسر ... شاكي السلاح بطل مغاور إذا الليوث أقبلت تبادر ... وأحجمت من صولتي المخاطر [ (1) ] إن حماي فيه موت حاضر فقتله الزبير رضي اللَّه عنه وهو يقول: قد علمت خيبر أني زبّار ... قرم لقوم غير نكس فرّار وابن حماة المجد وابن الأخيار ... ياسر! لا يغررك جمع الكفار فجمعهم مثل السراب الجرار [ (2) ] (وفي رواية: «فإنّهم مثل السراب الموّار» ) فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبشروا! قد ترحبت خيبر وتيسرت. وبرز عامر فقتله عليّ وأخذ سلاحه. البشرى بقتل قاتل محمود بن مسلمة ولما قتل مرحب بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعيل بن سراقة الغفاريّ يبشر محمود ابن مسلمة: أن اللَّه قد أنزل فرائض البنات، وأن محمد بن مسلمة قد قتل قاتله، فسر بذلك، ومات في اليوم الّذي قتل فيه مرحب، بعد ثلاث من سقوط الرحى عليه. فتح حصن الصعب بن معاذ بعد الجوع والجهد وكان الناس قد أقاموا على حصن النطاة عشرة أيام لا يفتح، وجهدهم الجوع،   [ (1) ] في (الطبري) ج 3 ص 11 «وأحجمت عن صوتي المغاور» . [ (2) ] في (خ) «فإنّهم مثل الشراب الجار» وما أثبتناه من (الطبري) ج 3 ص 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 فبعثوا أسماء بن حارثة بن هند بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو بن عامر ابن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نشكو الجوع والضعف، فادع اللَّه لنا! فقال: اللَّهمّ افتح عليهم أعظم حصن فيه، أكثره طعاما وأكثره ودكا. ودفع اللواء إلى الحباب بن المنذر بن الجموح، وندب الناس. فما رجعوا حتى فتح اللَّه عليهم حصن الصعب. خبر أبي اليسر في إطعام المسلمين فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من رجل يطعمنا من هذه الغنم؟ فقال أبو اليسر كعب ابن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة: أنا يا رسول اللَّه! وخرج يسعى مثل الظبي، فقال عليه السلام: اللَّهمّ متعنا به! فأدرك الغنم وقد دخل أولها الحصن، فأخذ شاتين من آخرها واحتضنهما، ثم أقبل عدوا، فأمر بهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذبحتا [ (1) ] وقسمتا، فما بقي أحد من أهل العسكر المحاصرين الحصن إلا أكل منها، وكانوا عددا [ (2) ] كثيرا. نحر الحمر الإنسية وتحريم لحمها وخرج من الحصن عشرون حمارا أو ثلاثون، فأخذها المسلمون وانتحروها، وطبخوا لحومها، فمر بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهم على تلك الحال، فسأل، فأخبر خبرها، وأمر فنودي: إن رسول اللَّه نهاكم عن لحوم [الحمر] [ (3) ] الإنسية فأكفئوا القدور. النهي عن متعة النساء وكل ذي ناب ومخلب [نهاكم] [ (4) ] عن متعة النساء [ (5) ] ، وعن كل ذي ناب ومخلب. وذبح المسلمون فرسين قبل فتح حصن الصعب فأكلوا.   [ (1) ] في (خ) «قد لحقا» . [ (2) ] في (خ) «عدادا» . [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] زيادة للسياق. [ (5) ] يقول (ابن القيم) في (زاد المعاد) ج 3 ص 343 وما بعدها: «ولم تحرم المتعة يوم خيبر وإنما كان تحريمها عام الفتح هذا هو الصواب» . «وقال الشافعيّ: لا أعلم شيئا حرّم، ثم أبيح، ثم حرّم إلا المتعة، قالوا: نسخت مرتين، وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: لم تحرم إلا عام الفتح» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 مقتل عامر بن سنان الأنصاري وقتل عامر بن سنان الأنصاري- عمّ سلمة [ (1) ] بن عمرو بن الأكوع [وسنان هو الأكوع]- وقد لقي يهوديا فبدره بضربة، فاتقى عامر بدرقته، فنبا سيف اليهودي عنه، وضرب عامر رجل اليهودي فقطعها، ورجع السيف عليه، فنزف فمات. فقال أسيد بن حضير: حبط عمله. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذب من قال ذلك، إن له لأجرين، إنه جاهد [ (2) ] مجاهد، وإنه ليعوم في الجنة عوم الدعموص [ (3) ] . خبر حصن الصعب ولما أقام المسلمون على حصن الصعب يومين، عدا بهم الحباب بن المنذر في اليوم الثالث ومعه الراية، فقاتلهم أشد قتال. وبكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتراموا بالنبل، وقد ترس المسلمون على رسول اللَّه. ثم حملت اليهود حملة منكرة، فانكشف المسلمون حتى انتهوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو واقف قد نزل عن فرسه، ومدعم [ (4) ] يمسك الفرس، وثبت الحباب برايته يراميهم على فرسه. فندب رسول اللَّه الناس وحضهم على الجهاد فأقبلوا حتى زحف بهم الحباب، واشتد الأمر، فانهزمت يهود وأغلقوا الحصن عليهم، ورموا من أعلى جدره بالحجارة رميا كثيرا فتباعد عنه المسلمون ثم كروا. فخرجت يهود وقاتلوا أشد قتال، فقتل ثلاثة من المسلمين، ثم هزمهم اللَّه تعالى. غنائم حصن الصعب واقتحم المسلمون الحصن يقتلون ويأسرون. فوجدوا فيه من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك كثيرا [ (5) ] فنادى منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلوا   [ (1) ] في (خ) «مسلمة» . [ (2) ] الجاهد: الجاد في أمره. [ (3) ] الدعموص: دويبة أو دودة تكون في الغدران إذا نشّت (ترتيب القاموس) ج 2 ص 187. والغدران: جمع غدير. [ (4) ] مدعم: اسم عبد اسود. [ (5) ] في (خ) «كبيرا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 واعلفوا ولا تحتملوا [يعنى لا تخرجوا به إلى بلادكم ] . فأخذوا من ذلك الحصن طعامهم، وعلف دوابهم، ولم يمنع أحد من شيء، ولم يخمس. ووجدوا بزّا في عشرين عكما [ (1) ] محزمة من متاع المين [ (2) ] ، ووجدوا خوابي سكر [ (3) ] ، فأمر بالسكر فكسر خوابيه. ووجدوا آنية من نحاس وفخار كانت يهود تأكل فيها وتشرب، فقال عليه السلام: اغسلوها واطبخوا، وكلوا فيها واشربوا. وأخرجوا منها غنما وبقرا وحمرا، وآلة الحرب، ومنجنيقا، ودبابات وعدة، وخمسمائة قطيفة، وعشرة أحمال خشب [ (4) ] فأحرق، وشرب الخمر رجل من المسلمين يقال له: «عبد اللَّه الحمار» [ (5) ] ، فخفقه رسول اللَّه بنعليه، وأمر من حضروه فخفقوه [ (6) ] بنعالهم. ولعنه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: فإنه يحب اللَّه ورسوله! ثم راح عبد اللَّه كأنه أحدهم، فجلس معهم. فتح قلعة الزبير وتحولت يهود إلى قلعة [ (7) ] الزبير، فزحف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم وحصرهم- وكانوا في حصن منيع- مدة ثلاثة أيام حتى فتحه، وكان آخر حصون النطاة. فتح حصون الشق ثم أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأنفال والعسكر أن يحول من الرجيع إلى مكانه الأول بالشّق، وبه عدة حصون، فنازلها حتى فتحها. ووجد في حصن منها صفية بنت حيي وابنة عمها، ونسيّات معها وذراري، يبلغ عدة الجميع زيادة على ألفين. مصالحة كنانة بن أبي الحقيق على أهل الكتيبة وصالح كنانة بن أبي الحقيق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [على] [ (8) ] أهل الكتيبة فأمن   [ (1) ] العكم: من قوله: عكم المتاع يعكمه، شده بثوب (ترتيب القاموس) ج 2 ص 664. [ (2) ] في (خ) «اليمين» . [ (3) ] خوابي: جمع خابية وهي كالدق، والسّكر: كل ما يسكر. [ (4) ] في (خ) ، (ط) «كشوب» وهو خطأ من الناسخ، وما أثبتناه من (الواقدي) ج 2 ص 664. [ (5) ] كذا في (خ) ، (ط) وفي المرجع السابق «عبد اللَّه الحمّار» . [ (6) ] في (خ) «فخفوهم» . [ (7) ] في (خ) «قطعة» . [ (8) ] زيادة للسياق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الرجال والذرية، ودفعوا إليه الأموال من الذهب والفضة والحلقة والثياب إلا ثوبا على إنسان، بعد ما حصرهم أربعة عشر يوما. وقال مالك، عن ابن شهاب: والكتيبة أكثرها عنوة، وفيها صلح. وقال ابن وهب: قلت لمالك: وما الكتيبة؟ قال: من أرض خيبر، وهي أربعون ألف عذق. فوجد خمسمائة قوس عربية، ومائة درع، وأربعمائة سيف، وألف رمح. ما كتبه ابن أبي الحقيق من أموال يهود وما كان فيه من الغنائم وسأل [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] كنانة بن أبي الحقيق عن الأموال- وكان قد قال صلّى اللَّه عليه وسلّم حين صالحه برئت منكم ذمة اللَّه وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا- فقال كنانة: يا أبا القاسم! أنفقناه في حربنا فلم يبق منه شيء! وأكد الأيمان، فقال رسول اللَّه: برئت منكم ذمة اللَّه وذمة رسوله إن كان عندكم؟ قال: نعم! ثم قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: وكل ما أخذت من أموالكم، وأصبت من دمائكم، فهو حل لي ولا ذمة لكم؟ قال: نعم! وأشهد عليه عدة من المسلمين ومن يهود. فدله سعية [ (2) ] ابن سلام بن أبي الحقيق على خربة، فبعث عليه السلام الزبير في نفر مع سعية [ (2) ] حتى حفر، فإذا كنز في مسك [ (3) ] جمل، فيه حلي. فأتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمر الزبير أن يعذب كنانة حتى يستخرج كل ما عنده، فعذبه حتى جاءه بمال، ثم دفعه إلى محمد بن مسلمة فقتله بأخيه محمود، وعذب ابن أبي الحقيق الآخر، ثم دفع إلى ولاة بشر بن البراء فقتل به، وقيل ضرب عنقه، واستحل صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك أموالهما، وسبي ذراريهما. ووجد في المسك: أسورة الذهب، ودمالج الذهب، وخلاخل الذهب، وأقرطة ذهب، ونظم من جوهر وزمرّد، وخواتم ذهب، وفتخ بجزع ظفار مجزع [ (4) ] بالذهب. [وذكر] [ (5) ] .   [ (1) ] زيادة للبيان. [ (2) ] كذا في (ط) ، وفي (خ) و (الواقدي) ج 2 ص 672 «ثعلبة» . [ (3) ] مسك الدابة: جلدها بعد السلخ. [ (4) ] في (خ) «وفتح بجرع ظفار مجرع» ، والفتح. الدبلة، وجزع الظفار: سبق شرحه في حديث الإفك. [ (5) ] كذا في (خ) ، والسياق مستقيم بدونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 صفية بنت حيي: إسلامها، وزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بها وكانت صفية بنت حيي تحت كنانة بن أبي الحقيق، فسباها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبعث بها مع بلال إلى رحله، فمر بها وبابنة عمها على القتلى، فصاحت ابنة عمها صياحا شديدا، فكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما صنع بلال وقال: ذهبت منك الرحمة؟ تمر بجارية حديثة السن على القتلى!! فقال: يا رسول اللَّه! ما ظننت أنك تكره ذلك، وأحببت أن ترى مصارع قومها! فدفع ابنة عم صفية إلى دحية الكلبي، وأعتق صفية وتزوجها، وجعل عتقها صداقها. خبر الشاة المسمومة التي أكل منها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقتلت بشر بن البراء ثم إن زينب ابنة الحارث اليهودية أخت مرحب [ (1) ] ، ذبحت عنزا لها وطبختها وسمتها، فلما صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المغرب وانصرف إلى منزله، وجد زينب عند رحله، فقدمت له الشاة هدية. فأمر بها فوضعت بين يديه، وتقدم هو وأصحابه إليها ليأكلوا، فتناول الذراع، وتناول بشر بن البراء عظما، وانتهس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ازدرد، وقال: كفّوا أيديكم، فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة! فقال بشر بن البراء: واللَّه يا رسول اللَّه، وجدت ذلك من أكلتي [ (2) ] التي أكلت، فما منعني أن ألفظها إلا كراهية أنغّص عليك طعامك. فلم يرم [ (3) ] بشر من مكانه حتى تغير ثم مات. ودعا رسول اللَّه زينب وقال: سممت الذراع؟ قالت: من أخبرك؟ قال: الذراع! قالت: نعم! قال: وما حملك على ذلك؟ قالت: قتلت أبي وعمي وزوجي، ونلت من قومي ما نلت، فقلت: إن كان نبيا فستخبره الشاة، وإن كان ملكا استرحنا منه! فقيل: أمر بها فقتلت ثم صلبت [ (4) ] ، كما رواه أبو داود. وقيل: عفا عنها [ (5) ] .   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي سنن أبي داود ج 4 ص 648، ويرى بعض الرواة أن «زينب بنت الحارث» هذه هي ابنة أخي مرحب اليهودي، راجع (مجمع الزوائد) ج 6 ص 153. [ (2) ] أكلتي: لقمتي. [ (3) ] لم يرم: لم يفارق مكانه. [ (4) ] (مجمع الزوائد) ج 8 ص 296. [ (5) ] (سنن أبي داود) ج 4 ص 647 وما بعدها، (باب من سقى رجلا سما أو أطعمه فمات، أيقاد منه؟) الأحاديث أرقام: 5408، 5409، 5410، 5411، 5412، 5413، 5414 وقال الخطابي في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 الاختلاف في قتل صاحبة الشاة المسمومة وقد اختلفت [ (1) ] الآثار في قتلها [ (2) ] : ففي صحيح مسلم أنه لم يقتلها، وهو مروي عن أبي هريرة وجابر، وفي أبي داود أنه قتلها. وعن ابن عباس: دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور، وكان أكل منها فمات بها، فقتلوها. وقال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول اللَّه قتلها. وكان نفر ثلاثة قد وضعوا أيديهم في الطعام ولم يصيبوا منه شيئا، فأمرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاحتجموا أوساط رءوسهم. احتجام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من سم الشاة واحتجم صلّى اللَّه عليه وسلّم تحت كتفه اليسرى، وقيل: على كاهله، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة. وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم في مرض موته: ما زالت أكلة خيبر يصيبني منها عداد [ (3) ] ، حتى كان هذا أوان أن تقطع أبهري [ (4) ] . ويقال: الّذي مات مسموما من الشاة بشر بن البراء، وبشر أثبت. مغانم خيبر واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على مغانم خيبر فروة بن عمرو بن وذفة [ (5) ] بن عبيد ابن عامر بن بياضة البياضي الأنصاري، فلم يخمس الطعام والأدم والعلف، بل أخذ   [ () ] (معالم السنن) ج 4 ص 649 «وفي الحديث دليل على إباحة أكل طعام أهل الكتاب، وجواز مبايعتهم ومعاملتهم، مع إمكان أن يكون في أموالهم الربا ونحوه من الشبهة» . [ (1) ] في (خ) «اختلف» . [ (2) ] وفي (الشفا) للقاضي عياض ج 1 ص 268، 269: « ... قال: فأمر بها فقتلت، وقد روى هذا الحديث أنس، وفيه قالت: أردت قتلك فقال: ما كان اللَّه ليسلطك على ذلك، فقالوا: نقتلها، قال: لا. وكذلك روى عن أبي هريرة من رواية غير وهب، قال: فما عرض لها، ورواه أيضا جابر بن عبد اللَّه، وفيه: أخبرني به هذه الذراع، قال: ولم يعاقبها، وفي رواية ابن إسحاق وقال فيه: فتجاوز عنها، وقال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتل اليهودية التي سمته، وقد ذكرنا اختلاف الروايات في ذلك عن أبي هريرة وأنس وجابر، وفي رواية ابن عباس رضي اللَّه عنه أنه دفعها لأولياء بشر بن البراء فقتلوها» . [ (3) ] العداد: اهتياج وجع اللديغ بعد سنة (ترتيب القاموس) ج 3 ص 170. [ (4) ] الأبهر: وريد العنق (المرجع السابق) ج 1 ص 231. [ (5) ] في (خ) «ودفة بن عميل» والصواب ما أثبتناه من كتب السيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 الناس منه حاجتهم. وكان من احتاج إلى سلاح يقاتل به أخذه من صاحب المغنم ثم رده [ (1) ] إليه. فلما اجتمعت المغانم كلها جزأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها للَّه، وسائر السهمان أغفال. وكان أول سهم خرج سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، لم يتخير في الأخماس. ثم أمر ببيع الأخماس الأربعة فيمن يزيد، فباعها فروة ابن عمرو، ودعا فيها صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبركة فقال: اللَّهمّ ألق عليها النّفاق! - فتداك الناس عليها حتى نفق في يومين، وكان يظن أنهم لا يتخلصون منه حينا لكثرته. فأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خمسه ما أراد اللَّه: فأعطى أهله، وأعطى رجالا من بني عبد المطلب ونساء، وأعطى اليتيم والسائل. وجمعت مصاحف فيها التوراة، ثم ردّت على يهود. الغلول من الغنائم ونادى منادي رسول اللَّه: أدّوا الخياط والمخيط [ (2) ] ، فإن الغلول عار وشنار، ونار يوم القيامة! فعصب فروة رأسه بعصابة ليستظل بها من الشمس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: عصابة من نار عصبت بها رأسك! فطرحها. وسأل رجل أن يعطى من الفيء شيئا فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يحل من الفيء خيط ولا مخيط لأحد، ولا معطي. وسأله رجل عقالا فقال: حتى تقسم الغنائم ثم أعطيك عقالا، وقتل [ (3) ] كركرة يومئذ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه الآن ليحرق في النار على شملة غلها. وتوفي رجل من أشجع فلم يصلّ عليه، وقال: إن صاحبكم غلّ في سبيل اللَّه: فوجد في متاعه خرز [ (4) ] لا يساوي درهمين. واشترى الناس يومئذ تبرأ بذهب جزافا [ (5) ] ، فنهى [ (6) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ذلك. ووجد رجل في خربة مائتي درهم، فأخذ منها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخمس ودفعها إليه.   [ (1) ] في (خ) «ردوه» . [ (2) ] الخياط والمخيط: الخيط والإبرة، (راجع مسند الحميدي) ج 2 ص 396 حديث رقم 894. [ (3) ] في (خ) «وقيل» . [ (4) ] في (خ) «حزو» وما أثبتناه من (المغازي) ج 2 ص 681. [ (5) ] في (خ) «وأسرى الناس يومئذ يذهب جزافا» وما أثبتناه من المرجع السابق ج 2 ص 682. [ (6) ] في (خ) «فانتهى» وفي (ط) «فهي» وفي (المغازي) «فلهى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 النهي عن أشياء وسمع [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] يومئذ يقول: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره [ (2) ] ، ولا يبع شيئا من المغنم حتى يعلم. ولا يركب دابة من المغنم حتى إذا أدبرها [ (3) ] ردّها. ولا يلبس ثوبا من المغنم حتى إذا أخلقه ردّه، ولا يأت [ (4) ] امرأة من السبي حتى تستبرأ بحيضة، وإن كانت حبلى حتى تضع الحمل. ومرّ على امرأة مجح [ (5) ] فقال: لمن هذه؟ فقيل: لفلان. فقال: لعله يطؤها؟ قالوا: نعم! قال: كيف بولدها؟ يرثه وليس بابنه، ويسترقه، وهو يغذو [ (6) ] في سمعه وبصره! لقد هممت أن ألعنه لعنة تتبعه في قبره. قدوم أصحاب السفينتين وقدم أهل السفينتين من عند النجاشي بعد أن فتحت خيبر، فيهم جعفر بن أبي طالب وأبو موسى عبد اللَّه بن قيس الأشعري، في جماعة من [ (7) ] الأشعريين يزيدون على سبعين. وذكر ابن سعد عن الواقدي بسنده [ (8) ] : أنهم لما سمعوا خبر هجرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، رجع ثلاثة وثلاثون رجلا وثماني نسوة، فمات منهم رجلان بمكة، وحبس بمكة سبعة نفر. وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا. فلما كان شهر ربيع الأول سنة سبع من الهجرة، كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام مع عمرو بن أمية الضمريّ، فأسلم. وكتب إليه أيضا أن يزوجه أم حبيبة [بنت أبي سفيان] [ (9) ]- وكانت فيمن هاجر إلى الحبشة- فزوجه إياها. وكتب إليه أيضا أن يبعث بمن بقي عنده من أصحابه   [ (1) ] زيادة للبيان. [ (2) ] الماء: المنى، وزرع غيره، الحمل الّذي من غيره. [ (3) ] في (الواقدي) «براها» وأدبر الدابة: أنقل عليها الحمل. والدبرة: فرحة الدابة (ترتيب القاموس) ج 2 ص 146. [ (4) ] في (خ) «ولا يأتي» . [ (5) ] في (خ) «نجح» والمجح: الحامل المقرب التي دنا ولدها (النهاية) ج 1 ص 240. [ (6) ] في (المغازي) «يعدو» ج 2 ص 683، وفي (ط) «يغزو» ، وفي سنن الدارميّ ج 2 ص 227 باب النهي عن وطء الحبالي: «عن أبي الدرداء أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى امرأة مجحة يعنى حبلى ... فقال لعله قد ألمّ بها قالوا نعم، قال لقد هممت أن العنة لعنة تدخل معه قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟ وكيف يستخدمه وهو لا يحل له؟» . [ (7) ] في (خ) «في» . [ (8) ] (المغازي) ج 2 ص 683. [ (9) ] زيادة للبيان من (ط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ويحملهم، فحملهم في سفينتين مع عمرو بن أمية، فأرسلوا بساحل بولا وهو الجار [ (1) ] . ثم ساروا حتى قدموا المدينة، فوجدوا [ (2) ] رسول اللَّه بخيبر فأتوه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أدري بأيهما أنا أسر؟ قدوم جعفر، أو فتح خيبر!! ثم ضمّه وقبل بين عينيه. إشراك القادمين في غنائم خيبر وهمّ المسلمون أن يدخلوا جعفرا ومن قدم معه في سهمانهم ففعلوا، وقدم الدوسيون، فيهم أبو هريرة والطفيل بن عمرو وأصحابهم، ونفر من الأشعريين، فكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه [ (3) ] فيهم أن يشركوهم في الغنيمة، فقالوا: نعم، يا رسول اللَّه. الخمس وقسمته وكان الخمس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كل مغنم غنمه المسلمون، شهده أو غاب عنه. وكان لا يقسم لغائب في مغنم لم يشهده، إلا أنه في بدر ضرب لثمانية لم يشهدوا، وكانت خيبر لأهل الحديبيّة من شهدها أو غاب عنها. قال اللَّه سبحانه: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ [ (4) ]- يعني خيبر، وقد تخلف عنها رجال، ومات رجلان وأسهم صلّى اللَّه عليه وسلّم لمن تخلف منهم ومن مات، وأسهم لمن شهد خيبر ولم يشهد الحديبيّة، وأسهم لرسل كانوا يختلفون إلى أهل فدك، وأسهم لثلاثة مرضى لم يحضروا القتال، وأسهم للذين استشهدوا. وقيل: كانت خيبر لأهل الحديبيّة، لم يشهدها غيرهم، ولم يسهم فيها لغيرهم، والأول أثبت. وأسهم لعشرة من يهود المدينة- غزّاهم إلى خيبر- كسهمان المسلمين، ويقال: أحذاهم [ (5) ] ولم يسهم لهم، وأعطى مماليك كانوا معه ولم يسهم.   [ (1) ] الجار: «مدينة على ساحل بحر القلزم، بينها وبين المدينة يوم وليلة ... » وهي فرضة ترفأ إليها السفن من أرض الحبشة ومصر وعدن والصين وسائر بلاد الهند (معجم البلدان) ج 2 ص 92، 93. [ (2) ] في (خ) «فواجدوا» . [ (3) ] في (خ) «وأصحابه» . [ (4) ] الآية 20/ الفتح. [ (5) ] في (خ) «أحداهم» وأحذى: منح ووهب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 من شهد خيبر من النساء وشهد خيبر عشرون امرأة، منهن: أم المؤمنين أم سلمة، وصفية بنت عبد المطلب، وأم أيمن، وسلمى امرأة أبي رافع مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وامرأة عاصم بن عدي، [وولدت بخيبر سهلة بنت عاصم] ، وأم عمارة نسيبة بنت كعب، وأم منيع وهي أم شباث، وكعيبة بنت سعد الأسلمية، وأم مطاوع الأسلمية، وأم سليم بنت ملحان، وأم الضحاك بنت مسعود الحارثية، وهند بنت عمرو بن حرام، وأم العلاء الأنصارية، وأم عامر الأشهلية، وأم عطية الأنصارية، وأم سليط، وأمية بنت قيس الغفارية، فرضخ لهن [ (1) ] من الفيء ولم يسهم لهن. وولدت امرأة عبد اللَّه بن أنيس فأحذاها ومن ولدته. خبر أفراس المؤمنين وسهمانها وقاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في خيبر ثلاثة أفراس: لزار، والظّرب، والسكب. وقاد المسلمون مائتي فرس، وقيل: ثلاثمائة، والأول أثبت. فأسهم لمن له فرسان خمسة أسهم: أربعة لفرسيه وسهما له [ (2) ] ، ولم يسهم لأكثر من فرسين لرجل واحد. ويقال: إنه لم يسهم إلا لفرس واحد، وهذا أثبت. ويقال: إنه عرّب العربيّ وهجّن الهجين [ (3) ] يوم خيبر، فأسهم للعربي دون الهجين. وقيل: لم يكن في عهده عليه السلام هجين، إنما كانت العراب [ (4) ] حتى كان زمن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه وفتحت الأمصار، ولم يسمع أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضرب لما كان معه من الخيل لنفسه إلا لفرس واحد، فكان له صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أسهم: لفرسه سهمان وله سهم. إحصاء الناس بخيبر وولي إحصاء الناس بخيبر زيد بن ثابت، فقسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بينهم الغنائم:   [ (1) ] رضخ له: أعطاه عطاء يسيرا. [ (2) ] في (سنن الدارميّ) ج 2 ص 325، 326: «عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهمين» . [ (3) ] الهجين من الخيل: ما كانت أمه غير عربية، وهو عيب يعاب به. [ (4) ] العراب: من الخيل الأصيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وهم ألف وأربعمائة، والخيل مائتا فرس. وكانت السهمان التي في النطاة والشق على ثمانية عشر سهما. وكان من كان فارسا له في ذلك ثلاثة أسهم فوضى لم تحد ولم تقسم، إنما لها رءوس مسمون، لكل مائة رأس يقسم على أصحابه ما خرج من غلتها. مساقاة اليهود على زرع خيبر ولما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر، ساقى [ (1) ] يهود على الشطر من الثمر والزرع، وكان يزرع تحت النخل، وكان يبعث عبد اللَّه بن رواحة يخرص [ (2) ] عليهم النخل، ويقول إذا خرص، إن شئتم [فلكم] [ (3) ] ، وتضمنون نصف ما خرصت، وإن شئتم فلنا، ونضمن لكم ما خرصت. وخرص عليهم أربعين ألف وسق [ (4) ] . فلما قتل ابن رواحة بمؤتة «خرص عليهم أبو الهيثم بن التّيهان، وقيل: جبار بن صخر، وقيل: فروة بن عمرو. شكوى اليهود من المسلمين وإنصافهم وجعل المسلمون يقعون [ (5) ] في حرثهم وبقلهم بعد المساقاة، فشكت يهود ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنادى عبد الرحمن بن عوف: الصلاة جامعة، ولا يدخل الجنة إلا مسلم، فاجتمع المسلمون، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: إن يهود شكوا إليّ أنكم وقعتم في حظائرهم، وقد أمناهم على دمائهم،   [ (1) ] المساقاة: «ما كان في النخل والكرم وجميع الشجر الّذي يثمر بجزء معلوم من الثمرة للأجير، وإليه ذهب الجمهور، وخصها الشافعيّ في قوله الجديد بالنخل والكرم، وخصها داود بالنخل، وقال مالك تجوز في الزرع والشجر، ولا تجوز في البقول عند الجمع» . (نيل الأوطار للشوكاني) ج 6 ص 8. [ (2) ] الخرص: الحرز (ترتيب القاموس) ج 2 ص 37، وحكى الترمذي عن بعض أهل العلم أن تفسيره: أن الثمار إذا أدركت من الرطب والعنب مما تجب فيه الزكاة، بعث الإمام خارصا ينظر، فيقول: يخرج من هذا كذا وكذا زبيبا، وكذا تمرا فيحصيه، وينظر مبلغ العشر فيه فيثبته عليهم ويخلي بينهم وبين الثمار، فإذا جاء وقت الجذاذ، أخذ منهم العشر، وهو قول مالك والشافعيّ وأحمد وإسحاق. [ (3) ] زيادة للسياق، وفي (الواقدي) ج 2 ص 691: (إن شئتم فلكم وتضمنون نصف ما خرصت، وإن شئتم فلنا ونضمن لكم ما خرصت) . [ (4) ] الوسق: ستون صاعا أو حمل بعير (ترتيب القاموس) ج 4 ص 611. [ (5) ] وقع في الحرث: ترك دوابه ترعى فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وعلى أموالهم التي في أيديهم في أراضيهم، وعاملناهم [ (1) ] وإنه لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها. فكان [ (2) ] المسلمون لا يأخذون من بقولهم شيئا إلا بثمن. خبر الكتيبة وأنها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالصة وقيل: إن الكتيبة كانت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خالصة، لأنهم لم يوجفوا عليها [ (3) ] ، وقيل: هي خمسه من خيبر. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يطعم من الكتيبة من أطعم، وينفق على أهله منها، وكانت تخرص ثمانية آلاف وسق تمرا، فليهود نصفها: أربعة آلاف. وكان يزرع فيها الشعير، فيحصد منه ثلاثة آلاف صاع، لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نصفه، وليهود نصفه. وربما اجتمع منها ألف صاع نوى [ (4) ] ، هي أيضا بينهما نصفين. فأطعم من الكتيبة كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا تمرا، وعشرين وسقا شعيرا، وللعباس بن عبد المطلب مائتي وسق، ولفاطمة وعلي عليهما السلام ثلاثمائة وسق شعيرا وتمرا، ولأسامة بن زيد مائة وخمسين وسقا شعيرا وتمرا، وأطعم آخرين. وقسم بين ذوي [ (5) ] القربى بخيبر: بين بني هاشم وبني عبد المطلب فقط. شهداء خيبر واستشهد بخيبر خمسة عشر رجلا: أربعة من المهاجرين، والبقية من الأنصار. فقيل: صلى عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: لم يصل عليهم. وقتل من يهود ثلاثة وتسعون رجلا، وأعطى صلّى اللَّه عليه وسلّم جبل [ (6) ] بن جوال الثعلبي كل داجن بخيبر، وقيل: إنما أعطاه كل داجن [ (7) ] في النطاة، ولم يعطه من الكتيبة ولا من الشق شيئا. ما نهي عنه في خيبر وفي غزاة خيبر نهى صلّى اللَّه عليه وسلّم: عن أكل الحمار الأهلي [ (8) ] ، وعن أكل كل ذي   [ (1) ] المعاملة: المساقاة في كلام فقهاء العراق. [ (2) ] في (خ) «وكان» . [ (3) ] وجف: ضرب من سير الخيل والإبل (ترتيب القاموس) ج 4 ص 578. [ (4) ] نوى: جمع نواة. [ (5) ] في (خ) «وقسم بينهم ذي القربى» . [ (6) ] في (خ) جبلة. [ (7) ] الداجن: الحمام والشاة وغيرها ألفت البيوت (ترتيب القاموس) ج 2 ص 152. [ (8) ] (سنن أبي داود) ج 4 ص 164 حديث رقم 3811. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ناب من السباع [ (1) ] ، وأن توطأ الحبالى حتى يضعن، وعن أن تباع السهام حتى تقسم [ (2) ] ، وأن تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها [ (3) ] . ولعن يومئذ الواصلة والموصلة [ (4) ] ، والواشمة والموشومة [ (4) ] ، والخامشة وجهها [ (5) ] ، والشاقة جيبها [ (6) ] ، وحرم لحوم البغال وكل ذي مخلب من الطيور، وحرم المجثّمة [ (7) ] والخليسة [ (8) ] ، والنّهبة [ (9) ] ، ونهى عن قتل النساء. بلوغ خبر خيبر إلى أهل مكة وقدم عباس بن مرداس السلمي مكة، فخبّر أن محمدا سار إلى خيبر، وأنه لا يفلت. فقال صفوان بن أمية: أنا معك يا عباس. وضوى معه نفر، وقال حويطب بن عبد العزّى: إن محمدا سيظهر [ (10) ] . ووافقه جماعة، فتخاطر [ (11) ] مائة بعير. فلما جاء الخبر بظهور [ (10) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذ حويطب وحيّزه [ (12) ] الرهن. وكان الّذي جاءهم بذلك علاط السّلمي [بن ثويرة بن حنثر بن هلال بن عبيد ابن ظفر بن سعد بن عمرو بن تيم بن بهز] [ (13) ] بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم ابن منصور، وقد أسلم بخيبر. [وكان قد استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يأتي مكة،   [ (1) ] (المرجع السابق) ج 4 ص 159، 160 حديث رقم 3802، 3805. [ (2) ] (سنن الدارميّ) ج 2 ص 226، 227. [ (3) ] (سنن أبي داود) ج 3 ص 669 حديث رقم 3373. [ (4) ] (سنن أبي داود) ج 4 ص 396 باب صلة الشعر حديث رقم 4168 «لعن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة» وأخرجه البخاري في اللباس باب تحريم فعل الواصلة، والترمذي في اللباس حديث 1814 باب ما جاء في مواصلة الشعر، وسنن النسائي ص 145 في الواصلة والمستوصلة، ص 147 في المتوشمات. [ (5) ] خمش وجهه: خدشه ولطمه وضربه (ترتيب القاموس) ج 2 ص 109. [ (6) ] (سنن النسائي) ج 4 ص 2، 21 باب ضرب الخدود، وشق الجيوب. [ (7) ] المجثمة: هي كل حيوان ينصب ويرمى ليقتل، إلا أنها تكثر في الطير والأرانب وأشباه ذلك مما يجثم في الأرض: أي يلزمها ويلتصق بها. (النهاية) ج 1 ص 239. [ (8) ] في (خ) «الخلسة» والخليسة: وهي ما يستخلص من السبع فيموت قبل أن يذكى، من خلست الشيء واختلسته إذا سلبته، وهي فعيلة بمعنى مفعولة (النهاية) ج 2 ص 61. [ (9) ] النّهبة: ما ينهب من الشيء. [ (10) ] من الظهور: وهو النصر والغلبة. [ (11) ] تخاطرا: تراهنا. [ (12) ] في (خ) «وجيزة» والحيزة: الناحية. [ (13) ] في (خ) بعد «السلمي» ما نصه: «بن عمرو بن زهير بن امرئ القيس ... » وصواب النسب ما بين القوسين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وكان له بها مال وأهل، وتخوّف إن علمت قريش بإسلامه أن يذهبوا بماله، فأذن له رسول اللَّه أن يأتي مكة] [ (1) ] ليجمع ماله. مصالحة أهل فدك وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أقبل أهل خيبر، بعث محيّصة بن مسعود بن كعب ابن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري إلى فدك، يدعوهم إلى الإسلام، فبعثوا معه بنفر منهم، حتى صالحهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أن يخلّوا بينه وبين الأموال، وأن لهم نصف الأرض: وصارت [ (2) ] فدك خالصة لرسول اللَّه أبدا، أخذها بغير إيجاف خيل ولا ركاب. إعراسه بصفية بنت حيي وانصرف صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر يريد وادي [ (3) ] القرى، فلما كان بالصهباء أعرس بصفية بنت [ (4) ] حيي مساء، وأو لم عليها [ (5) ] بالحيس والسّويق والتمر [ (6) ] . وبات أبو أيوب الأنصاري رضي اللَّه عنه قريبا من قبته، آخذا بقائم السيف حتى أصبح، وهو يحرسه صلّى اللَّه عليه وسلّم. غزوة وادي القرى فلما انتهى إلى وادي القرى- وقد ضوى إليها [ (7) ] ناس من العرب- استقبله اليهود بالرّمي، فقلت مدعم [ (8) ] ، - وهو يحط رحل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- بسهم، فعبأ عليه السلام أصحابه وصفّهم للقتال، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عبّاد بن بشر. ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرزوا فقتل منهم أحد عشر رجلا. وبات عليهم وغدا لقتالهم،   [ (1) ] ما بين القوسين سقط في (خ) وقد استوفيناه من كتب السيرة. [ (2) ] في (خ) «وضارب» . [ (3) ] في (خ) «وأخرى» . [ (4) ] في (خ) «بن حيي» . [ (5) ] أولم: من الوليمة. [ (6) ] الحيس: طعام العرب، والسويق: يتخذ من الحنطة والشعير. [ (7) ] ضوى إليه ضيّا وضويا، وانضوى إليه، إذا أوى إليه (الفائق للزمخشري) ج 2 ص 350. [ (8) ] مدعم: غلام لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 فأعطوا بأيديهم [ (1) ] ، فأخذها عنوة، وغنم ما فيها فقسمه، وعامل يهود على النخل. مصالحة يهود تيماء فطلب يهود تيماء الصلح فصولحوا على الجزية، وأقاموا على أموالهم. وانصرف صلّى اللَّه عليه وسلّم من وادي القرى- وقد أقام أربعة أيام- يريد المدينة، فلما قرب منها نزل وعرّس. النوم عن صلاة الصبح فنام ومن معه عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فأذن بلال، وركعوا ركعتي الفجر، ثم صلى بهم حتى إن أحدهم ليسلت [ (2) ] العرق عن جبينه من حرّ الشّمس، فلما سلم قال: كانت أنفسنا بيد اللَّه، فلو شاء قبضها، وكان أولى بها، فلما ردّها إلينا صلينا، ثم أقبل على بلال- وكان قد قال قبل أن ينام: ألا رجل صالح حافظ لعينيه يحفظ لنا صلاة الصبح؟ فقال بلال: أنا! ثم نام معهم، غلبته عيناه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] : مه [ (4) ] يا بلال؟ فقال: بأبي وأمي، قبض نفسي الّذي قبض نفسك! فتبسم صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] . وقد قيل: إن ذلك كان مرجعه صلّى اللَّه عليه وسلّم من   [ (1) ] أعطى بيده: سلم من غير قتال. [ (2) ] سلت: مسح (ترتيب القاموس) ج 2 ص 590. [ (3) ] زيادة للإيضاح. [ (4) ] مه: كلمة استفهام بمعنى ماذا. [ (5) ] (المغازي للواقدي) ج 2 ص 212، (باب النوم عن الصلاة حديث رقم 24، 25، (سنن أبي داود) حديث رقم 435، 436 باب من نام عن الصلاة أو نسيها وقال الخطابي في (معالم السنن) ج 1 ص 302: (وفي الحديث من الفقه أنهم لم يصلوا في مكانهم ذلك عند ما استيقظوا حتى اقتادوا رواحلهم ثم توضئوا ثم أقام بلال وصلى بهم. وقد اختلف الناس في معنى ذلك وتأويله فقال بعضهم: إنما فعل ذلك لترتفع الشمس قال تكون صلاتهم في الوقت المنهي عن الصلاة فيه، وذلك أول ما تبزغ الشمس قالوا: والفوائت لا تقضى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وعلى هذا مذهب أصحاب الرأي. وقال مالك والأوزاعي والشافعيّ وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: نقضي الفوائت في كل وقت نهى عن الصلاة فيه أو لم ينه عنها، وإنما نهى عن الصلاة في تلك الأوقات إذا كانت تطوعا وابتداء من قبل الاختيار دون الواجبات، فإنّها تقضى الفوائت فيها إذا ذكرت أي في وقت كان) . وانظر أيضا (سنن النسائي) ج 1 ص 298، (سنن ابن ماجة) حديث رقم 697. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 حنين. والأول قول محمد بن شهاب عن سعيد بن المسيّب، وهو أعلم الناس بالسّير والمغازي، وكذلك سعيد بن المسيّب، ولا يقاس بهما المخالف لهما في ذلك: وروي عن قتادة أن ذلك كان في جيش الأمراء، وهذا وهم، وجيش الأمراء كان في غزوة مؤتة، ولم يشهدها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وعن عطاء بن يسار أنها كانت في غزوة تبوك، وهذا لا يصح [ (1) ] ، لأن الآثار الصحاح على خلاف قوله مسندة ثابتة، وقوله مرسل. جبل أحد واتخاذ المنبر وحنين الجذع ولما نظر إلى أحد قال: هذا جبل يحبنا ونحبه [ (2) ] ! اللَّهمّ إني حرّمت ما بين لابتي المدينة [ (3) ] . ونهى أن يطرق الرجل أهله ليلا بعد صلاة العشاء [ (4) ] ولما قدم المدينة اتخذ المنبر، وله درجتان والمستراح، وخطب عليه فحنّ الجذع [ (5) ] الّذي كان   [ (1) ] يقول ابن القيم في (زاد المعاد) ج 3 ص 357: «لكن قد اضطربت الرواة في هذه القصة، فقال عبد الرحمن بن مهدي عن شعبه، عن جامع: إن الحارس فيها كان ابن مسعود، وقيل: إن الحارس كان بلالا، واضطربت الرواية في تاريخها، فقال المعتمر بن سليمان عن شعبة عنه: إنها كانت في غزوة تبوك، وقال غيره عنه: أنها كانت في مرجعهم من الحديبيّة، فدلّ على وهم وقع فيها، ورواية الزهري عن سعيد سالمة من ذلك، وباللَّه التوفيق» . ويقول أيضا في ص 358 من المرجع السابق: فصل في فقه هذه القصة (باختصار) : - أن من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يستيقظ أو يذكرها. - أن السنن والرواتب تقضى كما تقضى الفرائض- أن الفائتة يؤذن لها ويقام- قضاء الفائتة جماعة. - قضاؤها على الفور لقوله «فليصلها إذا ذكرها» - وفيها تنبيه على اجتناب الصلاة في أمكنة الشيطان. [ (2) ] (مجمع الزوائد) ج 6 ص 155، رواه أحمد، وعقبة، ذكره ابن أبي حاتم وقال: روى عنه عبد العزيز ولم يخرجه، قلت: وروى عن الزهري عند أحمد، وفيه رجاله رجال الصحيح، وانظر أيضا (موطأ مالك) حديث رقم 1610. [ (3) ] اللابة: الأرض الواسعة، والمدينة ما بين لابتين، (المرجع السابق) حديث رقم 1602. [ (4) ] (سنن الترمذي) ج 4 ص 166 حديث رقم 2855 «وفي الباب عن أنس وابن عمر وابن عباس. هذا حديث حسن صحيح، وقد روى من غير وجه عن جابر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد روى عن ابن عباس «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نهاهم أن يطرقوا النساء ليلا، قال: فطرق رجلان بعد نهي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوجد واحد منهما مع امرأته رجلا» . وفي (المغازي) ج 2 ص 712، 713: «عن أم عمارة قالت سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول وهو بالجرف: لا تطرقوا النساء بعد صلاة العشاء. قالت: فذهب رجل من الحي فطرق أهله فوجد ما يكره فخلّى عن سبيله ولم يهجه، وضن بزوجته أن يفارقها وكان له منها أولاد وكان يحبها، فعصى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ورأى ما يكره. [ (5) ] (الشفا للقاضي عياض) ج 1 ص 257، 258 و (دلائل النبوة لأبي نعيم) ج 2 ص 142، 143 و (المطالب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 يستند إليه إذا خطب. رد زينب إلى أبي العاص وفي جمادى الأولى من سنة سبع، ردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع. سرية عمر بن الخطاب إلى تربة ثم كانت سرية عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى تربة، في شعبان سنة سبع. بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ثلاثين رجلا إلى عجر هوازن بتربة، وهي بناحية العبلاء، على أربع ليال من مكة، طريق صنعاء ونجران، فخرج ومعه دليل من بني هلال، فكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار، حتى أتوا محالهم وقد فرّوا، فلم يلقوا أحدا وعادوا إلى المدينة. سرية أبي بكر إلى بني كلاب ثم كانت سرية أبي بكر الصّديق رضي اللَّه عنه إلى بني كلاب بنجد بناحية ضرية، في شعبان هذا، فبيت ناسا من هوازن، وقتل منهم. سرية بشير بن سعد إلى بني مرة بفدك وسرية بشير بن سعد إلى فدك، فيه أيضا. ومعه ثلاثون رجلا ليوقع بني مرّة، فاستاق نعما وشاء وانحدر إلى المدينة، فأدركوه ليلا، وراموهم بالنّبل حتى فنيت نبل المسلمين، وأحيط بهم وأصيبوا. واستاق المريّون نعمهم وشاءهم، فتحامل بشير ابن سعد حتى انتهى إلى فدك، فأقام عند يهوديّ حتى اندملت جراحة، وعاد إلى المدينة.   [ () ] العالية لابن حجر) ج 4 ص 3 حديث رقم 3822 باب علامات النبوة و (سنن ابن ماجة) ج 1 ص 454، باب ما جاء في بدء شأن المنبر حديث رقم 1414، 1415. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 سرية الزبير بن العوام ثم سرية غالب ابن عبد اللَّه إلى بني مرة أيضا فهيأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الزبير بن العوام، وبعثه إلى مصاب القوم، ومعه مائتا رجل، وعقد له لواء. ثم بعث غالب بن عبد اللَّه [الليثي] [ (1) ] على مائتي رجل في صفر سنة ثمان، ومعه أسامة بن زيد وعلبة بن زيد الحارثي، فسار حتى دنا منهم، فبعث الطلائع عليها علبة بن زيد، فأعلموه خبرهم، ثم وافاهم، وحض من معه على الجهاد، وأوصاهم بالتقوى، وحمل بهم على القوم، فقاتلوا ساعة ثم حووا الماشية والنساء وقد قتلوا الرجال. قتل أسامة الرجل الّذي قال: لا إله إلا اللَّه ومرّ أسامة بن زيد في إثر رجل منهم يقال له: نهيك بن مرداس، حتى دنا منه، فقال: لا إله إلا اللَّه! فقتله، ثم ندم، وأقبل إلى جماعته، فقال له غالب ابن عبد اللَّه: بئس واللَّه ما فعلت! تقتل امرأ يقول: لا إله إلا اللَّه! وساق النّعم والشّاء والسّبي فكانت سهامهم عشرة أبعرة لكل رجل، أو عدلها من الغنم: كل جزور بعشرة. وقدموا المدينة، فحدّث زيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخبره، فقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] : قتلته يا أسامة، وقد قال: لا إله إلا اللَّه؟ فجعل [أسامة] يقول: إنما قالها تعوّذا من القتل! فقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] : أفلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب؟ فقال أسامة: لا أقتل أحدا يقول لا إله إلا اللَّه أبدا [ (2) ] . سرية غالب بن عبد اللَّه إلى الميفعة ثم كانت سرية غالب بن عبد اللَّه بن مسعر الليثي أيضا- في رمضان منها إلى الميفعة، ليوقع ببني عوال وبني عبد بن ثعلبة، في مائة وثلاثين رجلا، ومعه يسار مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاستاقوا نعما وشاء، وقتلوا من أشرف لهم، على ماء يقال له الميفعة بناحية نجد، بعده من المدينة ثمانية برد، وعادوا بالغنيمة.   [ (1) ] زيادة للبيان. [ (2) ] ذكر ابن سعد في (الطبقات الكبرى) ج 2 ص 119 أن هذا الخير في سرية غالب بن عبد اللَّه الليثي إلى الميفعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار ثم كانت سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار في سنة سبع. وذلك أن حسيل ابن نويرة الأشجعي أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن جمعا من غطفان بالجناب، قد واعدوا عيينة بن حصن أن يزحفوا إلى أطراف المدينة. فذكر ذلك لأبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، فأشارا بإرسال بشير بن سعد، فعقد له لواء، وبعث معه ثلاثمائة رجل. وكان حسيل دليلهم، حتى أتوا إلى يمن وجبار وهي نحو الجناب، والجناب يعارض سلاح وخيبر ووادي القرى، فنزلوا بسلاح، ثم دنوا من القوم فأصابوا نعما كثيرا ملئوا منه أيديهم، وتفرق الرعاء فأنذروا أصحابهم، فمروا على وجوههم، فلم يلق بشير أحدا، وعاد بالنّعم، فوجدوا عينا لعيينة فقتله، ثم لقي جمع عيينة فأوقع بهم وهم لا يشعرون، فناوشهم فانهزموا، وأسر منهم رجلا أو رجلين، وقدما المدينة فأسلما وتركا لحالهما. عمرة القضية ثم كانت عمرة القضية، وتسمى عمرة القضاء، وغزوة القضاء، وعمرة الصّلح، ويقال لها: عمرة القصاص، قال الغريابيّ: أخبرنا [ (1) ] ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ [ (2) ] قال: فحزنت قريش لردها [ (3) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الحديبيّة محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام، فأدخله اللَّه مكة من العام القابل فقضى عمرته، وأقصّه [ (4) ] ما حيل بينه وبين يوم الحديبيّة. أول الجمع للعمرة وذلك أن ذا القعدة لما أهلّ في سنة سبع، أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وألا يتخلف أحد ممن شهد الحديبيّة، فلم يتخلف من أهلها أحد هو حي، وخرج سوى أهل الحديبيّة رجال عمّار. وكان المسلمون في عمرة القضية ألفين. وقال جماعة من العرب: واللَّه يا رسول اللَّه ما لنا زاد، وما من   [ (1) ] في (خ) «نا» وهي اختصار «أخبرنا» ، كما أن «ثنا» اختصار «حدثنا» . [ (2) ] الآية 194/ البقرة. [ (3) ] في (خ) «بردها» . [ (4) ] أعطاه القصاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 أحد يطعمنا. فأمر المسلمين أن ينفقوا في سبيل اللَّه، وأن يتصدقوا، وألا يكفّوا أيديهم فيهلكوا [ (1) ] . فقالوا: يا رسول اللَّه! بم نتصدق وأحدنا لا يجد شيئا؟ فقال: بما كان، ولو بشق تمرة، ولو بمشقص [ (2) ] يحمل به أحدكم في سبيل اللَّه. فأنزل اللَّه تعالى في ذلك: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [ (3) ] يعني: ترك النفقة في سبيل اللَّه. الهدي ومسير المسلمين وساق عليه السلام ستين بدنة، وجعل عليها ناجية بن جندب الأسلميّ ليسير أمامه يطلب الرعي في الشجر، ومعه أربعة فتيان من أسلم. وكان أبو رهم كلثوم ابن حصين الغفاريّ ممن يسوقها ويركبها. وقلد صلّى اللَّه عليه وسلّم هديه بيده وحمل السلاح فيها البيض والدّروع، وقاد مائة فرس عليها محمد بن مسلمة، وقدّم الخيل والسلاح، واستخلف على المدينة أبا ذرّ الغفاريّ، وأحرم من باب المسجد، لأنه سلك طريق الفرع [ (4) ] ، ولولا ذلك لأهلّ من البيداء، وسار يلبّي والمسلمون معه يلبون، فلما انتهى محمد بن مسلمة بالخيل إلى مرّ الظهران [ (5) ] ، وجد بها نفرا من قريش، فسألوه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يصبّح هذا المنزل إن شاء اللَّه. بلوغ الخبر إلى قريش ورأوا سلاحا كثيرا مع بشير بن سعد، فأسرعوا إلى مكة وأخبروا قريشا ففزعوا، وقالوا: واللَّه ما أحدثنا حدثا، ففيم يغزونا: محمد؟ ولما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرّ [ (6) ] الظهران قدم السلاح إلى بطن يأجج [ (7) ] ، وترك معه مائتين من أصحابه، عليهم أوس بن خوليّ. وخرج مكرز بن حفص في نفر حتى لقوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببطن يأجج [ (7) ] ، فقالوا: يا محمد! واللَّه ما عرفت صغيرا ولا كبيرا بالغدر! تدخل بالسلاح الحرم! وقد شرطت ألا تدخل إلا بسلاح المسافر، السيوف في القرب؟ فقال: إني لا أدخل عليهم السلاح. فعاد [مكرز] [ (8) ] إلى مكة، فخرجت قريش إلى رءوس الجبال، وقالوا: لا ننظر إليه ولا إلى أصحابه.   [ (1) ] في (خ) «فهلكوا» . [ (2) ] المشقص: السهم العريض. [ (3) ] 195/ البقرة. [ (4) ] في (خ) «الفروع» . [ (5) ] في (خ) «من الظهران» . [ (6) ] في (خ) «من الظهران» . [ (7) ] في (خ) «ياحج» . [ (8) ] زيادة للإيضاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة وحبس الهدي بذي طوى، ودخل عليه السلام مكة من الثنيّة [ (1) ] التي تطلع على الحجون، وقد ركب القصواء، وأصحابه حوله متوشحو السيوف يلبّون، وعبد اللَّه بن رواحة آخذ بزمام راحلته، فلم يزل عليه السلام يلبي حتى استلم الركن. وقيل: لم يقطع التلبية حتى جاء عروش مكة. طواف المسلمين بالكعبة وتحدثت قريش أن المسلمين في جهد، ووقفت منهم جماعات عند دار الندوة، فاضطبع [ (2) ] عليه السلام بردائه، وأخرج عضده اليمنى، ثم قال: رحم اللَّه امرأ أراهم اليوم قوة! فلما انتهى إلى البيت- وهو على راحلته، وابن رواحة آخذ بزمامها، وقد صف له المسلمون- دنا من الركن فاستلمه بمحجنه [ (3) ] وهو مضطبع بثوبه، وهرول هو والمسلمون في الثلاثة الأشواط الأول، وكان ابن رواحة يرتجز [ (4) ] في طوافه، وهو آخذ بزمام الناقة، فقال عليه السلام: إيها [ (5) ] يا بن رواحة! قل: لا إله إلا اللَّه وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده! فقالها الناس. فلما قضى طوافه خرج [ (6) ] إلى الصفا فسعى على راحلته، والمسلمون يسترونه من أهل مكة أن يرميه أحد منهم أو يصيبه بشيء. نحر الهدي عند المروة ووقف عند فراغه قريبا من المروة- وقد وقف الهدي عندها- فقال: هذا المنحر، وكل فجاج مكة منحر. ونحر عند المروة. وكان قد اعتمر معه قوم لم يشهدوا الحديبيّة فلم ينحروا، وشركه في الهدي من شهد الحديبيّة، فمن وجد بدنة من الإبل نحرها، ومن لم يجد بدنة رخّص له في البقرة، وكان قد قدم رجل ببقر فاشتراه الناس منه. وحلق عليه السلام عند المروة، حلقه معمر بن عبد اللَّه   [ (1) ] في (خ) «البنية» . [ (2) ] الاضطباع: هو أن يدخل الطائف بالبيت رداءه من تحت إبطه الأيمن ويغطى به الأيسر من جهتي صدره وظهره. [ (3) ] المحجن: عصا معقّفة الرأس. [ (4) ] ارتجز: ترنم بالرّجز من الشعر. [ (5) ] إيه طلب الاستزادة من الكلام إيها: طلب السكوت. [ (6) ] في (خ) «وخرج» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 العدويّ. دخول رسول اللَّه الكعبة ثم دخل البيت، ولم يزل فيه حتى أذن بلال بالظهر فوق ظهر الكعبة، فقال عكرمة بن أبي جهل: لقد أكرم اللَّه أبا الحكم! لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول!! وقال صفوان بن أميّة: الحمد للَّه الّذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا! وقال خالد ابن أسيد: الحمد للَّه الّذي أمات أبي ولم يشهد هذا اليوم، حين يقوم ابن أم بلال ينهق فوق الكعبة!! وغطى سهيل بن عمرو ورجال معه وجوههم حين سمعوا. وقيل: لم يدخل عليه السلام الكعبة، بل أرسل إليهم فأبوا، وقالوا: لم يكن في شرطك! فأمر بلالا فأذّن فوق الكعبة مرّة ولم يعد بعد، وهو الثبت. زواجه صلّى اللَّه عليه وسلّم ميمونة رضي اللَّه عنها وخطب ميمونة، فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، فتزوجها وهو محرم، وقيل: تزوجها لما أحل. وكلم عليّ بن أبي طالب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عمارة بنت حمزة- وكانت مع أمها سلمى بنت عميس بمكة- فقال: علام نترك بنت عمنا يتيمة بين ظهراني المشركين! فخرج بها، حتى إذا دنوا من المدينة، أراد زيد ابن حارثة- وكان وصيّ حمزة وأخاه إخوة المهاجرين- أن يأخذها من عليّ، وقال: أنا أحق بها، ابنة أخي! فقال جعفر بن أبي طالب: الخالة والدة، وأنا أحق بها لمكان خالتها عندي، أسماء بنت عميس [ (1) ] . فقال عليّ رضوان اللَّه عليه: ألا أراكم في ابنة عمي، وأنا أخرجتها [ (2) ] من بين أظهر المشركين، وليس لكم إليها نسب دوني، وأنا أحق بها منكم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحكم بينكم: أما أنت يا زيد فمولى اللَّه ورسوله، وأما أنت يا عليّ فأخي وصاحبي، وأما أنت يا جعفر فتشبه خلقي وخلقي، وأنت يا جعفر أولى بها، تحتك [ (3) ] خالتها، ولا تنكح المرأة على خالتها ولا عمتها. فقضى بها لجعفر، فقام جعفر فحجل حول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما هذا يا جعفر؟ قال: يا رسول اللَّه، كان النجاشيّ إذا أرضى أحدا قام فحجل حوله. فقال علي رضي اللَّه عنه: تزوجها يا رسول اللَّه! قال: هي ابنة أخي من   [ (1) ] في (خ) «عميش» . [ (2) ] في (خ) «أخرجها» . [ (3) ] في (خ) «تحبك» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 الرضاعة. طلب قريش خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة ولما كان عند الظهر يوم الرابع، أتى سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- في مجلس الأنصار، وهو يتحدث مع سعد بن عبادة- فقال: قد انقضى أجلك، فاخرج عنا. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] : وما عليكم لو تركتموني فأعرست [ (2) ] بين أظهركم، وصنعت طعاما؟ فقالا: لا حاجة لنا في طعامك، اخرج عنا، ننشدك [ (3) ] اللَّه والعهد الّذي بيننا وبينك إلا خرجت من أرضنا! فهذه الثلاث قد مضت! فغضب سعد بن عبادة وقال لسهيل [بن عمرو] [ (4) ] كذبت لا أم لك! ليست بأرضك ولا أرض أبيك، واللَّه لا يبرح منها إلا طائعا راضيا! فتبسم صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم قال: يا سعد، لا تؤذ قوما زارونا في رحالنا. فأسكت الرجلان [ (4) ] عن سعد. وروي أنهم بعثوا عليا إلى النبي عليه السلام ليخرج عن بلدهم. الرحيل والبناء بميمونة وأمر عليه السلام أبا رافع بالرحيل، وقال: لا يمسينّ بها أحد من المسلمين. وركب حتى نزل سرف، وخلّف أبا رافع ليحمل إليه ميمونة حين يمسى، فخرج بها مساء، ولقي عنتا [ (5) ] من سفهاء المشركين. فبنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على ميمونة بسرف. منزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم ينزل بمكة بيتا، وإنما ضربت له قبة من أدم بالأبطح، وكان هناك حتى سار منها. وبعث بمائتي رجل ممن طافوا بالبيت إلى بطن يأجج [ (6) ] ، فأقاموا عند السلاح حتى أتى الآخرون فقضوا نسكهم، وقدم المدينة في ذي الحجة.   [ (1) ] زيادة للإيضاح. [ (2) ] بزواج ميمونة رضي اللَّه عنها. [ (3) ] ننشدك اللَّه: نستحلفك باللَّه. [ (4) ] أسكت الرجل: سكت سكوتا طويلا على غضب. [ (5) ] في (خ) «عينا» . [ (6) ] في (خ) «ياجح» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم وكانت سرية ابن أبي العوجاء السّلمي إلى بني سليم، في ذي الحجة سنة سبع. بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في خمسين رجلا إلى بني سليم، وقد أنذروا به فجمعوا [ (1) ] له، فقاتلوا حتى قتل عامة أصحاب ابن أبي العوجاء، وأثخنوه بالجراح، ثم تحامل إلى المدينة فقدمها أول يوم من صفر. إسلام عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن أبي طلحة وفي صفر سنة ثمان، خرج عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ القرشي السهمي من مكة- بعد مرجعه من الحبشة- يريد المدينة، فهاجر، فوجد في طريقه خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر [ (2) ] بن مخزوم القرشي المخزوميّ، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة عبد اللَّه بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدريّ، وقد قصدا قصده، فقدموا المدينة، ودخلوا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فبايعه خالد أولا، ثم بايعه عثمان، ثم عمرو على الإسلام، فقال عليه السلام: إن الإسلام يجب [ (3) ] ما كان قبله، والهجرة تجب ما كان قبلها. سرية غالب بن عبد اللَّه إلى الكديد وفي صفر هذا كانت سرية غالب بن عبد اللَّه بن [مسعر بن جعفر بن] [ (4) ] كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكير [ (5) ] بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان الكنانيّ ثم الليثي- إلى الكديد لغير على بني الملوح من بني ليث، في ربيع الأول منها. فخرج في بضعة عشر رجلا حتى [إذا] [ (6) ] كان بقديد لقي الحارث بن مالك بن قيس بن عوذ [ (7) ] بن جابر بن عبد مناف بن شجع بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة   [ (1) ] في (خ) «وجمعوا له» . [ (2) ] في (خ) «عمرو» . [ (3) ] يمحو ما كان قبله من المعاصي والذنوب. [ (4) ] هكذا سياق النسب. [ (5) ] في (خ) «بكر» . [ (6) ] زيادة للسياق. [ (7) ] في (خ) «عوف» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 ابن كنانة، [وكان يقال لمالك بن قيس: ابن البرصاء] فأخذه فشده وثاقا، [البرصاء هي أم قيس بن عوذ [ (1) ] ، واسمها: ريطة بنت ربيعة بن رباح بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر] ، وخلف عليه سويد بن صخر. وأتى الكديد عند غروب الشمس، فكمن في ناحية الوادي، وبعث جندب بن مكيث الجهنيّ ربيئة، فأتى تلا مشرفا على الحاضر [ (2) ] فعلاه وانبطح، فخرج رجل من خباء فقال [لامرأته] [ (3) ] : إني أرى على هذا التل سوادا ما رأيته عليه [أول يومي هذا] [ (3) ] . ورماه بسهم ثم آخر، فما أخطأه، وثبت مكانه، فقال: لو كان زائلة [ (4) ] لقد تحرك بعد! لقد خالطه سهماي!! ثم دخل خباءه. وراحت ماشية الحي من إبلهم وأغنامهم، فحلبوا وعطنوا، حتى إذا اطمأنوا شن المسلمون عليهم الغارة، فقتلوا المقاتلة، وسبوا/ الذرية، واستاقوا النعم والشاء. وكان شعارهم: أمت أمت. ثم انحدروا بها نحو المدينة، واحتملوا ابن البرصاء معهم، فجاء القوم بما لا قبل لهم به، وبينهم وبين الوادي، فجاء اللَّه بالسيل حتى ملأ جنبتيه [ (5) ] ، ولم يستطع أحد أن يجوزه، فوقف المشركون ينظرون إليهم، حتى فاتوهم ولا يقدرون على طلبهم، إلى أن قدموا المدينة. فبعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مائتي رجل إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد، وذلك في صفر سنة ثمان كما تقدم. سرية كعب بن عمير إلى ذات أطلاح ثم كانت سرية كعب بن عمير الغفاريّ إلى ذات أطلاح من أرض الشأم، وراء وادي القرى، في خمسة عشر رجلا، فقاتلهم حتى قتلوا، وأفلت منهم رجل جريح، فتحامل حتى أتى المدينة فشقّ ذلك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. سرية شجاع بن وهب إلى السي ّ وكانت سرية شجاع بن وهب [الأسدي] [ (6) ] إلى السّيّ- وهو ماء من   [ (1) ] في (خ) «عوف» . [ (2) ] الحاضر: الحي الّذي يسكنه القوم. [ (3) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 124. [ (4) ] في (خ) «ذابلا» وفي رواية المسند ج 3 ص 468 «لو كان دابة» وفي (ابن سعد) «ربيئة» وكلها بمعنى. [ (5) ] جنبة الوادي: ناحيته وشاطئه. [ (6) ] زيادة للبيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 ذات عرق إلى وجرة، على ثلاث مراحل من مكة إلى البصرة، وخمس من المدينة- يريد بني عامر بناحية ركبة في ربيع الأول أيضا، على أربعة وعشرين رجلا. فخرج حتى أغار على القوم وهم غارّون فأصابوا نعما وشاء، وقدموا المدينة. وكانت سهمانهم خمسة عشر بعيرا كلّ رجل، وعدلوا البعير بعشرة من الغنم. وغابوا خمس عشرة ليلة، وقدموا بسبايا، فيهن جارية وضيئة. فقدم وفدهم مسلمين، فردوهنّ إليهم، واختارت الجارية الوضيئة شجاع بن وهب، وكان قد أخذها بثمن، فأقامت عنده حتى قتل باليمامة. سرية قطبة بن عامر إلى خثعم بتبالة ثم بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قطبة بن عامر بن حديدة في عشرين رجلا إلى حيّ ابن خثعم بناحية تبالة. فخرجوا على عشرة أبعرة يعتقبونها، فوجد رجلا فسأله فلم يجبه عن القوم، وجعل يصيح بالحاضر، فضرب عنقه، وشنّ الغارة ليلا فقاتله القوم قتالا شديدا حتى أتى قطبة عليهم، وساق النّعم والشاء والنساء حتى قدم المدينة. فكانت سهامهم أربعة أبعرة لكل رجل أو عدلها: عشرة من الغنم عن كل بعير. غزوة مؤتة ثم كانت غزوة مؤتة من عمل البلقاء بالشأم دون دمشق، [وهي بضم أوله، وإسكان ثانيه، بعده تاء معجمة باثنتين من فوقها] ، كانت في جمادى الأولى. سببها وسبب ذلك أن الحارث بن عمير الأزديّ لما نزل مؤتة بكتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى صاحب بصرى، أخذه شرحبيل بن عمرو الغسّاني وضرب عنقه. فاشتد ذلك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وندب الناس فأسرعوا، وعسكروا بالجرف، ولم يبن لهم الأمر [ (1) ] .   [ (1) ] في (خ) «الأمراء» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 الأمراء يوم مؤتة فلما صلى الظهر جلس في أصحابه وقال: زيد بن حارثة أمير الناس، فإن قتل زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد اللَّه بن رواحة، فإن أصيب عبد اللَّه بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا فيجعلوه [ (1) ] عليهم. وعقد لواء أبيض ودفعه إلى زيد بن حارثة، فودّع الناس الأمراء، وخرج معهم إلى مؤتة ثلاثة آلاف. وجعل المسلمون ينادون: دفع اللَّه عنكم وردكم صالحين غانمين. وداع جيش مؤتة ووصية الأمراء وشيّعهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ثنية الوداع، ثم وقف وهم حوله، وقال: أوصيكم بتقوى اللَّه، وبمن معكم من المسلمين خيرا. اغزوا بسم اللَّه في سبيل اللَّه، فقاتلوا من كفر باللَّه، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث، فأيتهن ما أجابوك إليها، فاقبل منهم واكفف عنهم: ادعهم إلى الدخول في الإسلام، فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، وإن دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم اللَّه، ولا يكون لهم في الفيء، ولا في الغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم، فإن أبوا فاستعن باللَّه وقاتلهم. وإن أنت حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك أن تستنزلهم على حكم اللَّه فلا تستنزلهم على حكم اللَّه، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم اللَّه فيهم أم لا؟ وإن حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك على أن تجعل لهم ذمة اللَّه وذمة رسوله، فلا تجعل لهم ذمة اللَّه وذمة رسوله، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا [ (2) ] ذمتكم وذمة آبائكم خير لكم من أن تخفروا ذمة اللَّه وذمة رسوله. وستجدون رجالا في الصوامع معتزلين للناس، فلا تتعرضوا لهم، وستجدون   [ (1) ] في (خ) «فليجعلوه» . [ (2) ] أخفر الذمة: نقضها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 آخرين في رءوسهم مفاحص [ (1) ] فافتعلوها بالسيوف. لا تقتلن امرأة ولا صغيرا ضرعا [ (2) ] ولا كبيرا فانيا، ولا تغرقن نخلا، ولا تقلعن شجرا، ولا تهدموا بيتا. من خبر عبد اللَّه بن رواحة وقال عبد اللَّه بن رواحة: يا رسول اللَّه! مرني بشيء أحفظه عنك. قال: إنك قادم غدا بلدا، السجود فيه قليل فأكثر السجود. قال: زدني يا رسول اللَّه. قال: اذكر للَّه، فإنه عون لك على ما تطلب [ (3) ] . فقام من عنده، حتى إذا مضى ذاهبا رجع. فقال: يا رسول اللَّه، إن اللَّه وتر يحبّ الوتر! فقال: يا ابن رواحة، ما عجزت فلا تعجزنّ إن أسأت عشرا أن تحسن واحدة. فقال: لا أسألك عن شيء بعدها. بلوغ المسلمين إلى مصرع الحارث بن عمير ومضى المسلمون، وقد أمرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ينتهوا إلى مقتل الحارث ابن عمير، وسمع العدو بمسيرهم، فجمعوا لهم. فقام فيهم رجل من الأزد يقال له: شرحبيل [بن عمرو الغساني] [ (4) ] ، وقدّم [ (5) ] الطلائع أمامه، وبعث أخاه سدوس بن عمرو في خمسين فلقوا المسلمين في وادي القرى فقاتلوه وقتلوه. ونزلوا معان [من أرض الشأم] [ (6) ] ، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من البلقاء، في مائة ألف من الرّوم ومعه بهراء ووائل وبكر ولخم وجذام مائة ألف، عليهم رجل من بليّ، يقال له: مالك. أول القتال يوم مؤتة، وخوف المسلمين ثم إقدامهم فأقاموا ليلتين، وأرادوا أن يكتبوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالخبر ليردهم أو يزيدهم رجالا، فشجعهم عبد اللَّه بن رواحة وقال: واللَّه ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد، ولا بكثرة سلاح، ولا بكثرة خيول، إلا بهذا الدين الّذي أكرمنا اللَّه به! انطلقوا،   [ (1) ] المفاحص: جمع مفحص، وهو مجثم القطا، والمعنى أن الشيطان قد استوطن في رءوس هؤلاء. [ (2) ] الّذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه. [ (3) ] كذا في (ط) وفي (خ) «تطالب» . [ (4) ] زيادة للإيضاح من (ط) . [ (5) ] في (خ) «أو قدم» . [ (6) ] زيادة للبيان من (ط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 واللَّه لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا فرسان، ويوم أحد فرس واحد! فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور عليهم، فذلك ما وعدنا اللَّه ووعد نبيّنا، وليس لوعده خلف، وإما الشهادة، فلنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان! فشجع الناس ومضوا إلى مؤتة. فرأوا المشركين ومعهم ما لا قبل لهم به من العدد والسلاح والكراع، والديباج والحرير والذهب. قال أبو هريرة: وقد شهدت ذلك فبرق بصري [ (1) ] فقال لي ثابت بن أقرم [ (2) ] : يا أبا هريرة! مالك، كأنك ترى جموعا كثيرة! قلت: نعم! قال: لم تشهدنا ببدر! إنا لم ننصر بالكثرة. مقتل زيد بن حارثة وقاتل الأمراء يومئذ على أرجلهم: فأخذ اللواء زيد بن حارثة، فقاتل وقاتل الناس معه، والمسلمون على صفوفهم، وعلى الميمنة قطبة بن قتادة السّدوسيّ وعلى الميسرة عباية [ (3) ] بن مالك، فقتل زيد طعنا بالرماح. مقتل جعفر بن أبي طالب ثم أخذه جعفر فنزل على فرسه فعرقبها، ثم قاتل حتى قتل، ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين، فوقع أحد نصفيه في كرم، فوجد في نصفه بضع وثلاثون جرحا. وقيل: وجد- مما قبل يديه [ (4) ] فيما بين منكبيه- اثنتان وسبعون [ (5) ] ضربة بسيف أو طعنة برمح، ووجد به طعنة قد أنفذته. مقتل عبد اللَّه بن رواحة ثم أخذ اللواء بعده عبد اللَّه بن رواحة، فقاتل حتى قتل. سقوط لواء المسلمين وسقط اللواء، فاختلط المسلمون والمشركون، وانهزم المسلمون أسوأ هزيمة، وقتلوا، واتّبعهم المشركون. فجعل قطبة بن عامر يصيح: يا قوم، يقتل الرجل مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرا! فما يثوب [ (6) ] إليه أحد. ثم تراجعوا، فأخذ اللواء   [ (1) ] كناية عن الفزع والحيرة. [ (2) ] في (خ) «بن أقوم» . [ (3) ] في (خ) «عياية» . [ (4) ] في (خ) «مما قبل من يديه» . [ (5) ] في (خ) «اثنتين وسبعين» . [ (6) ] يثوب: يرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 ثابت بن أقرم، وصاح يا للأنصار!! فأتاه الناس من كل وجه وهم قليل، وهو يقول: إليّ أيها الناس. أخذ اللواء لخالد بن الوليد فلما نظر إلى خالد بن الوليد قال: خذ اللواء يا أبا سليمان! فقال: لا آخذه، أنت أحق به، أنت رجل لك سنّ [ (1) ] ، وقد شهدت بدرا. قال ثابت: خذه أيها الرجل! فو اللَّه ما أخذته إلا لك! فأخذه خالد فحمله ساعة، وجعل المشركون يحملون عليه، فثبت حتى تكركر [ (2) ] المشركون، وحمل بأصحابه ففض جمعا من جمعهم، ثم دهمه منهم بشر كثير [ (3) ] ، فانخاش [ (4) ] بالمسلمين فانكشفوا راجعين. وقد قيل: إن ابن رواحة قتل مساء، فبات خالد فلما أصبح غدا، وقد جعل مقدّمته ساقة وساقته مقدّمة، وميمنته ميسرة وميسرته ميمنة، [فأنكر المشركون] [ (5) ] ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيأتهم، فقالوا: قد جاءهم مدد! ورعبوا، فانكشفوا منهزمين، فقتلوا منهم مقتلة لم يقتلها قوم. والأول أثبت: أن خالدا انهزم بالناس فعيّروا بالفرار، وتشاءم الناس به [ (6) ] . مرجع المسلمين إلى المدينة فلما سمع أهل المدينة بقدومهم تلقوهم، وجعلوا يحثون في وجوههم التراب، ويقولون: يا فرّار!! أفررتم في سبيل اللَّه؟ فيقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليسوا بفرار، ولكنهم كرّار إن شاء اللَّه. خبر المنهزمين وما لقوا من الناس فانصرفوا إلى بيوتهم فلزموها، فإنّهم كانوا إذا خرجوا صاحوا بهم: يا فرّار! أفررتم في سبيل اللَّه؟ وكان الرجل يدق عليهم فيأبون يفتحون له لئلا يقول [ (7) ] : ألا تقدمت مع أصحابك فقتلت؟ حتى جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرسل إليهم رجلا   [ (1) ] في (خ) «شن» . [ (2) ] تكركر: ارتد ورجع. [ (3) ] في (خ) «كبير» . [ (4) ] انحاش: جمعهم ثم انصرف بهم. [ (5) ] في (خ) ما بين القوسين «فأنكروا» ، وهي رواية (الواقدي) ج 2 ص 764، وما أثبتناه من (ط) . [ (6) ] أي بخالد. [ (7) ] في (خ) «تقول» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 رجلا، يقول: أنتم الكرّار في سبيل اللَّه! وكان بين أبي هريرة وابن عم له كلام، إلا فراركم يوم مؤتة! فما دري ما يقول له. إخبار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أهل القتال يوم مؤتة وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- لما التقى الناس بمؤتة- جلس على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشأم، فهو ينظر إلى معتركهم فقال:. زيد بن حارثة أخذ الراية زيد بن حارثة، فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة وكرّه إليه الموت فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين، تحبّب إليّ الدنيا! فمضى قدما حتى استشهد: فصلى عليه وقال: استغفروا له! وقد دخل الجنة وهو يسعى. جعفر بن أبي طالب ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فمناه الحياة وكره إليه الموت، فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا! ثم مضى قدما حتى استشهد [ (1) ] . فصلى عليه ودعا له. ثم قال: استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل الجنة، فهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة. عبد اللَّه بن رواحة ثم أخذ الراية بعده عبد اللَّه بن رواحة فاستشهد، ثم دخل الجنة معترضا. فشقّ ذلك على الأنصار، فقال: أصابته الجراح. قيل: يا رسول اللَّه ما إعراضه؟ قال: لما أصابته الجراح نكل [ (2) ] ، فعاتب نفسه فشجع، فاستشهد فدخل الجنة، فسرّي عن قومه. سلمة بن الأكوع وقال يومئذ: خير الفرسان أبو قتادة، وخير الرّجال [ (3) ] سلمة بن الأكوع.   [ (1) ] في (خ) «فاستشهدوا» . [ (2) ] نكل: تخاذل. [ (3) ] الرجال: جمع راجل، وهو الّذي لا فرس له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 ولما أخذ خالد الراية قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: الآن حمي الوطيس [ (1) ] . دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أهل جعفر بن أبي طالب ودخل صلّى اللَّه عليه وسلّم على أسماء بنت عميس [ (2) ] امرأة جعفر بن أبي طالب فقال: يا أسماء أين بنو جعفر؟ فجاءت بهم إليه، فضمهم إليه وشمهم، ثم ذرفت عيناه فبكى، فقالت: أي رسول اللَّه لعلّه بلغك عن جعفر شيء؟ فقال: نعم، قتل اليوم! فقامت تصيح، واجتمع إليها النساء فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يا أسماء لا تقولي هجرا [ (3) ] ، ولا تضربي صدرا. وخرج حتى دخل على ابنته فاطمة عليها السلام وهو يقول: وا عماه! وقال [ (4) ] . على مثل جعفر فلتبك [ (5) ] الباكية! ثم قال: اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم. وقد روي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما نعى لأسماء جعفرا، مسح على رأس عبد اللَّه بن جعفر، وعيناه تهراقان الدموع حتى لحيته تقطر [ (6) ] ، ثم قال: اللَّهمّ إن جعفرا قد قدّم إليّ أحسن الثواب، فاخلفه [ (7) ] في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته! ثم قال: يا أسماء، ألا أبشّرك؟ قالت: بأبي أنت وأمي! قال: فإن اللَّه جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة! قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه! فأعلم الناس ذلك. خطبته في أمر جعفر فقام، وأخذ بيد عبد اللَّه بن جعفر، يمسح بيديه رأس عبد اللَّه حتى رقي المنبر، وأجلس عبد اللَّه أمامه على الدرجة السفلى، والحزن يعرف عليه، فتكلم وقال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمه. ألا إن جعفرا قد استشهد، وقد جعل اللَّه له جناحين يطير بهما في الجنة، ثم نزل، ودخل بيته وأمر بطعام يصنع لآل جعفر، وأرسل إلى أخي عبد اللَّه بن جعفر فتغديا عنده: شعيرا طحنته سلمى خادمه، ثم نسفته [ (8) ] ، ثم أنضجته. وأدمته بزيت، وجعلت عليه فلفلا. وأقاما ثلاثة أيام في   [ (1) ] كناية عن شدة الحرب واحتدامها. [ (2) ] في (خ) «عميش» . [ (3) ] الهجر: الإفحاش. [ (4) ] في (خ) «فقال» . [ (5) ] في (خ) «فتبكي» . [ (6) ] في (خ) «حتى تقطر لحيته» وهي رواية (الواقدي) ج 2 ص 767 وما أثبتناه من (ط) . [ (7) ] خلف اللَّه عليك: دعاء لمن هلك له ما لا يعتاض وأخلف اللَّه عليك: دعاء لمن هلك له ما يتعتاض عنه. [ (8) ] نسفته: أذهبت نسافته وقشره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 بيته، يدوران معه في بيوت نسائه. غنائم مؤتة وغنم المسلمون بعض أمتعة بمؤتة، وجاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخاتم، فقال: قتلت صاحبه يومئذ، فنفّله إياه. وقتل خزيمة بن ثابت يومئذ رجلا، وعليه بيضة فيها ياقوتة، فأخذها وأتى بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنفّله إياها، فباعها بمائة دينار. واستشهد بمؤتة ثمانية نفر. غزوة ذات السلاسل ثم كانت غزوة ذات السلاسل. [ويقال السّلسل] [ (1) ] ، وهو ماء وراء وادي القرى من المدينة، [بينه وبين المدينة] [ (1) ] عشرة أيام. وسببها أن جمعا من بليّ وقضاعة تجمعوا ليدنوا من أطراف المدينة، فعقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعمرو بن العاص لواء أبيض، وجعل معه راية سوداء، وبعثه في جمادى الآخرة سنة ثمان على ثلاثمائة من سراة [ (2) ] المهاجرين والأنصار، وأمره أن يستعين بمن مر به من بلاد بلي وعذرة وبلقين. وذلك أن عمروا كان ذا رحم فيهم: كانت أم العاص بن وائل بلوية، فأراد عليه السلام يتألفهم بعمرو. فسار يكمن النهار ويسير الليل- وكان معه ثلاثون فرسا- حتى دنا منهم. فنزل على ماء بأرض جذام [ (3) ] يقال له السلاسل. وكان شتاء، فجمع أصحابه ليصطلوا فمنعهم، فشق ذلك عليهم، حتى كلمه بعض المهاجرين بغلظة، فقال عمرو: قد أمرت أن تسمع لي وتطيع! قال: أفعل. المدد واختلاف عمرو وأبي عبيدة على الإمارة وبعث رافع بن مكيث الجهنيّ يخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن للقوم جمعا كثيرا ويستمده، فبعث أبا عبيدة بن الجراح وعقد له لواء. وبعث معه سراة المهاجرين كأبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، وعدة من الأنصار. فسار في مائتين، وأمره أن يكونا جميعا ولا يختلفا، فلما لحق بعمرو، وأراد أن يؤم الناس ويتقدم عمرا، فقال له عمرو: إنما قدمت مددا لي، وليس لك أن تؤمني، وأنا الأمير! فقال   [ (1) ] زيادة للسياق من (ط) . [ (2) ] سراة القوم: أشرافهم وسادتهم. [ (3) ] في (خ) «خدام» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 المهاجرون: كلا! بل أنت أمير أصحابك، وهو أمير أصحابه. فقال: لا! أنتم مدد لنا. فقال أبو عبيدة- وكان حسن الخلق- انظرن يا عمرو! تعلمنّ أن آخر ما عهد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن قال: إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا، وإنك واللَّه إن عصيتني لأطيعنك! فكان عمرو يصلي بالناس. وسار- وقد صار في خمسمائة- حتى وطئ بلاد بلي ودوّخها، وكلما انتهى إلى موضع، بلغه أنه قد كان به جمع فلما سمعوا به تفرقوا. حتى انتهى إلى أقصى بلاد بلى وعذرة وبلقين، ولقي في آخر ذلك جمعا، فقاتلهم ساعة وهزمهم. وأقام أياما يبث سراياه، فيؤتى بالشاء والنّعم فينحرون ويذبحون، ولم يكن في ذلك أكثر من هذا، ولم تكن غنائم تقسم. خبر صاحب الجزور وخرج عوف بن مالك الأشجعي يوما في العسكر، فمر بقوم [ (1) ] قد عجزوا عن نحر جزورهم وعملها، فقال: أتعطوني عليها وأقسمها بينكم؟ فجعلوا له شعيرا منها، فنحرها، وجزأها بينهم، وأخذ جزءه وأتى به إلى أصحابه، فطبخوه وأكلوه، فلما فرغوا، قال أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما. من أين لك هذا اللحم؟ فأخبرهما، فقالا: واللَّه ما أحسنت حين أطعمتنا هذا! ثم قاما يتقيئان، وفعل ذلك الجيش. وقال أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما لعوف: تعجلت أخرى! ثم أتى أبا عبيدة رضي اللَّه عنه فقال له مثل ذلك. صلاة عمرو بالناس بغير غسل واحتلم عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه في ليلة باردة كأشد ما يكون من البرد فقال لأصحابه: ما ترون؟ قد واللَّه احتلمت، وإن اغتسلت مت! فدعا بماء فتوضأ وغسل فرجه وتيمّم، ثم قام فصلى بهم. وبعث عوف بن مالك بريدا [ (2) ] ، فقدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلم عليه، فقال: عوف بن مالك؟ قال: عوف بن مالك يا رسول اللَّه! قال: صاحب الجزور! قال: نعم! قال: أخبرني! فأخبره بمسيرهم، وما كان بين أبي عبيدة وبين عمرو، ومطاوعة أبي عبيدة! ثم أخبره أن   [ (1) ] في (خ) «فمن يقوم» . [ (2) ] البريد: الرسول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 عمرا صلى وهو جنب ومعه الماء، لم يزد على أن غسل وجهه بماء وتيمم، فلما قدم عمرو وسأله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن صلاته قال: والّذي بعثك بالحق لو اغتسلت لمت، ولم أجد قط برد مثله، وقد قال اللَّه: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً [ (1) ] ، فضحك صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يقل شيئا. سرية الخبط ثم كانت سرية الخبط [ (2) ] أميرها أبو عبيدة بن الجراح، [وقيل: عبد اللَّه بن عامر بن الجراح] [ (3) ] ، والصحيح: عامر بن عبد اللَّه بن الجرّاح بن هلال بن أهيب ابن ضبّة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشيّ الفهريّ. بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- في رجب على ثلاثمائة إلى حي من جهينة، بالقبليّة مما يلي ساحل البحر، على خمس ليال من المدينة. فأصابهم جوع شديد، جمعوا زادهم حتى إن كانوا ليقتسمون [ (4) ] التّمرة، ولم يكن معهم حمولة [ (5) ] ، إنما كانوا على أقدامهم، وأباعر يحملون عليها زادهم، فأكلوا الخبط، حتى ما كادوا [ (6) ] أن تكون بهم حركة إليه، فابتاع قيس بن سعد بن عبادة خمس جزائر، كل جزور بوسقين من تمر: يقوم بها إذا رجع، ونحرها- كلّ يوم جزورا- للقوم، مدّة ثلاثة أيام، حتى وجدوا حوتا يقال له العنبر قد ألقاه البحر، فأكلوا منه اثنتي عشرة ليلة، ثم أمر أبو عبيدة بضلع من أضلاعه فنصبت، ومرّ تحتها راحلة برحلها فلم تصبها، وكان يجلس في مأق [ (7) ] عين الحوت الجماعة من الناس. سرية أبي قتادة إلى الخضرة ثم كان سرية أبي قتادة بن ربعيّ الأنصاري إلى خضرة، وهي أرض محارب   [ (1) ] الآية 29/ النساء. [ (2) ] الخبط: ورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن بدقيق أو غيره، (ترتيب القاموس) ج 2 ص 9. [ (3) ] ما بين القوسين مكرر في (خ) . [ (4) ] في (خ) «ليقتسموا» . [ (5) ] الحمولة: ما يحتمل عليه الناس من الدواب، وهنا كناية عن عدم وجود الزاد أو الميرة يحملونها على دواب. [ (6) ] في (خ) «حتى ما كاد أن يكون» . [ (7) ] في (خ) «مبق» . والمأق: طرف العين مما يلي الأنف (ترتيب القاموس) ج 4 ص 197. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 بنجد [ (1) ] ، أميرها أبو قتادة الأنصاريّ، [بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] في شعبان منها- في خمسة عشر رجلا إلى غطفان نحو نجد. فساروا ليلا وكمنوا نهارا، حتى أتوا ناحيتهم، فهجموا على حاضر منهم [ (3) ] عظيم، وجرّدوا سيوفهم وكبروا، فقتلوا رجالا، واستاقوا النّعم وحملوا النساء، حتى قدموا بمائتي بعير، وألف شاة وسبي كثير، فعزلوا من ذلك الخمس. وقد غابوا خمس عشرة ليلة، وكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا، أو عدلها عن البعير عشرة من الغنم. سرية أبي قتادة إلى بطن إضم ثم كانت سرية أبي قتادة بن ربعيّ الأنصاري إلى بطن إضم- وهي فيما بين خشب وذي المروة، على ثلاثة برد من المدينة- في رمضان، على ثمانية أنفس. وذلك حين همّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغزوة الفتح، ليظنّ ظان أنه عليه السلام توجه إلى تلك الناحية، ولأن تذهب بذلك الأخبار. قتل المسلم فلقيهم عامر بن الأضبط الأشجعيّ، فسلّم عليهم بتحية الإسلام، فبدر إليه محلّم بن جثّامة الليثي فقتله، وأخذ بعيره وسلبه، ثم لحقوا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد علموا مسيره فأدركوه بالسّقيا ولم يلقوا جمعا. ما نزل فيه من القرآن وفيهم نزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ، كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا، إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً [ (4) ] .   [ (1) ] في (خ) «ثم كانت خضرة أرض محارب سرية أبي قتادة بنجد» . [ (2) ] زيادة لسياق الكلام من (ط) . [ (3) ] في (خ) «على حاضرتهم عظيم» . [ (4) ] الآية 94/ النساء، وفي (خ) « ... الحياة الدنيا، الآية» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الاختلاف في سبب نزول الآية وقال ابن عبد البرّ، والاختلاف في المراد بهذه الآية كثير مضطرب جدا، قيل: نزلت في المقداد، وقيل: نزلت في أسامة بن زيد، وقيل: في محلّم بن جثامة. وقال ابن عباس: نزلت في سريّة، ولم يسمّ أحدا. وقيل: نزلت في غالب الليثي من بني ليث، يقال له: فليت، كان على السّريّة، وقيل: نزلت في أبي الدّرداء. وهذا اضطراب شديد جدا [ (1) ] . غزوة الفتح وسببها ثم كانت غزوة الفتح. وسببها أن أنس بن زنيم الدّيليّ هجا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسمعه غلام من خزاعة فضربه فشجّه، فثار الشّرّ بين بني بكر [حلف قريش] ، وبين خزاعة [حلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] . فلما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبيّة -[وقال ابن إسحاق: فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة عشر أو الثمانية عشر شهرا]- كلمت بنو نفاثة من بني الدّيل أشراف قريش أن يعينوها بالرجال والسلاح على خزاعة، فأمدوهم بذلك. وخرج إليهم صفوان بن أمية ومكرز بن حفص بن الأخيف [ (2) ] ، وحويطب بن عبد العزّى، وشيبة بن عثمان وسهيل بن عمرو، وأجلبوا معهم أرقّاءهم فبيّتوا- مع بني بكر ورأسهم نوفل بن معاوية الدّؤليّ- خزاعة ليلا وهم آمنون [ (3) ] ، فقتلوا منهم ثلاثة وعشرين رجلا، وذلك على ماء يقال له الوتير قريب من مكة، وعامتهم نساء وصبيان وضعفة الرّجال، حتى أدخلوهم دار بديل بن ورقاء، وقيل: حتى انتهوا بهم إلى أنصاب الحرم [ (4) ] . ندم قريش على نقض العهد وندمت قريش، وعرفوا أن هذا الّذي صنعوا نقض [ (5) ] للمدة والعهد الّذي بينهم وبين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وجاء الحارث بن هشام وجماعة إلى صفوان بن أمية   [ (1) ] راجع أسباب النزول للواحدي ص 127- 130. [ (2) ] في (خ) «الأحيف» . [ (3) ] ذكر (ابن سعد) ج 2 ص 134 أنهم خرجوا «متنكرين متنقبين» . [ (4) ] أنصاب الحرم: حدوده التي تفصل بين الحل والحرام. [ (5) ] في (خ) «نقضا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 ومن كان معه فلاموهم، وقالوا لأبي سفيان بن حرب: هذا أمر لا بد له من أن يصلح، فاتفقوا على مسيره إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليزيد في الهدنة، ويجدّد العهد، فخرج لذلك وقد سار عمرو بن سالم بن حصيرة بن سالم الخزاعيّ في أربعين راكبا من خزاعة، حتى دخل المسجد ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس في أصحابه، فقام ينشد شعرا، وأخبره الخبر واستصرخه، فقام صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يجرّ ثوبه ويقول: لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر منه نفسي!. قدوم أبي سفيان إلى المدينة وقدم أبو سفيان فقال: يا محمد! إني كنت غائبا في صلح الحديبيّة، فاشدد العهد وزدنا في المدّة. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولذلك قدمت يا أبا سفيان؟ قال: نعم! قال: هل كان قبلكم حدث؟ قال: معاذ اللَّه! قال: فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبيّة، لا نغيّر ولا نبدّل. خبر أبي سفيان في دار أم المؤمنين ابنته ثم قام أبو سفيان فدخل على ابنته أم حبيبة [ (1) ] رضي اللَّه عنها، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طوته دونه وقالت: أنت امرؤ نجس مشرك!! فقال: يا بنية! لقد أصابك بعدي شرّ! قالت: هداني اللَّه للإسلام، وأنت يا أبت سيّد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك دخولك للإسلام؟ وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر. قال: يا عجباه!! وهذا منك أيضا! أأترك ما كان يعبد آبائي، وأتبع دين محمد!؟. مناشدة أبي سفيان لكبار أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم خرج فلقي أبا بكر رضي اللَّه عنه فكلمه، وقال: نكلّم محمدا، أو تجير [ (2) ] أنت بين الناس! فقال: جواري في جوار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم لقي عمر رضي اللَّه عنه، فكلمه بمثل ما كلم به أبا بكر فقال [عمر] [ (3) ] : واللَّه لو وجدت الذّرّ [ (4) ]   [ (1) ] أم المؤمنين. [ (2) ] في (خ) «ونجير» . [ (3) ] زيادة للبيان من (ط) . [ (4) ] النمل الصغير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 تقاتلكم لأعنتها عليكم! فقال [أبو سفيان] [ (1) ] : جزيت من ذي رحم شرا، ثم دخل على عثمان رضي اللَّه عنه فقال: إنه ليس في القوم أحد أقرب بي رحما منك! فزد في الهدنة وجدّد العهد، فإن صاحبك لن يردّه عليك أبدا! قال: جواري من جوار رسول اللَّه! فدخل على فاطمة وكلمها في أن تجير بين الناس، فقالت: إنما أنا امرأة! قال: مري أحد ابنيك يجير بين الناس! قالت: إنما هما صبيّان! وليس مثلهما يجير. مناشدته عليا ومشورة علي فأتى علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه فقال: يا أبا الحسن! أجر بين الناس أو تكلم محمدا يزيد في المدة! فقال: ويحك يا أبا سفيان! إن رسول اللَّه قد عزم أن لا يفعل، وليس أحد يستطيع أن يكلمه في شيء يكرهه. قال: فما الرأي؟ يسّرني [ (2) ] لأمري، فإنه قد ضاق عليّ، فمرني بأمر ترى أنه نافعي. قال: واللَّه ما أجد لك شيئا أمثل من أن تقوم فتجير بين الناس، فإنك سيّد كنانة. قال: ترى ذلك مغنيا عنّي شيئا؟ قال: لا أظن ذلك واللَّه، ولكني لا أجد لك غيره. فقام أبو سفيان بين ظهري الناس فصاح: ألا إني قد أجرت بين الناس، ولا أظنّ محمدا يخفرني! ثم دخل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا محمد! ما أظنّ أن تردّ جواري! فقال: أنت تقول ذلك يا أبا سفيان!! ثم جاء [أبو سفيان] [ (3) ] لسعد بن عبادة فقال: يا أبا ثابت! قد عرفت الّذي كان بيني وبينك! وأني كنت لك في قومنا جارا، وكنت لي بيثرب مثل ذلك، وأنت سيد هذه البحرة [ (4) ] ، فأجر بين الناس وزد في المدة. فقال: يا أبا سفيان! جواري في جوار رسول اللَّه! ما يجير أحد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ويقال: خرج أبو سفيان على أنه قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنت تقول ذلك يا أبا سفيان!! ويقال: لما صاح لم يقرب النبيّ عليه السلام وركب راحلته وانطلق إلى مكة.   [ (1) ] زيادة للبيان من (ط) . [ (2) ] في (خ) «بشرني» . [ (3) ] زيادة للبيان. [ (4) ] البحرة: البلدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 مرجع أبي سفيان إلى مكة وما قيل له وكانت قد طالت غيبته، واتّهمته قريش أنه قد أسلم. فلما دخل على هند ليلا قالت: لقد حبست حتى اتهمك قومك! فإن كنت مع طول الإقامة جئتهم بنجح، فأنت الرّجل! ثم دنا منها فجلس منها مجلس الرجل من امرأته، فجعلت تقول: ما صنعت؟ فأخبرها الخبر وقال: لم أجد إلّا ما قال لي علي! فضربت برجليها في صدره، وقالت: قبّحت من رسول قوم! وأصبح فحلق رأسه عند إساف ونائلة [ (1) ] ، وذبح لهما ومسح بالدم رءوسهما، وقال: لا أفارق عبادتكما حتى أموت على ما مات عليه أبي. وقالت له قريش: ما وراءك؟ هل جئتنا بكتاب من محمد، أو زيادة في مدّة أمانا من أن يغزونا؟ فقال: واللَّه لقد أبى عليّ، ولقد كلمت أصحابه عليه فما قدرت على شيء منهم، إلا أنهم يرموني بكلمة واحدة. إلّا أن عليا قد قال- لما ضاقت بي الأمور-: أنت سيد كنانة، فأجر بين الناس!! فناديت بالجوار، ثم دخلت على محمد فقلت: إني قد أجرت الناس، وما أظنّ أن تردّ جواري! فقال: أنت تقول ذلك يا أبا سفيان!! لم يزدني على ذلك. قالوا: ما زاد على أن تلعّب بك تلعّبا!! قال: واللَّه ما وجدت غير ذلك. جهاز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للفتح ولمّا ولّى أبو سفيان راجعا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعائشة رضي اللَّه عنها: جهّزينا وأخفي أمرك. وقال عليه السلام: اللَّهمّ خذ من قريش الأخبار والعيون حتى نأتيهم [ (2) ] بغتة، [وفي رواية: اللَّهمّ خذ على أبصارهم فلا يروني إلا بغتة، ولا يسمعون بي إلا فجأة] . وأخذ صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأنقاب [ (3) ] ، وكان عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يطوف عليها ويقول: لا تدعوا أحدا يمرّ بكم تنكرونه إلا رددتموه. وكانت الأنقاب مسلمة، إلا من سلك إلى مكة فإنه يتحفّظ به ويساءل عنه.   [ (1) ] إساف ونائلة من أصنام المشركين. [ (2) ] في (خ) «تأتيهم» . [ (3) ] الأنقاب: جمع نقب وهو الطريق بين الجبلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 خبر أبي بكر ودخل أبو بكر رضي اللَّه عنه على عائشة رضي اللَّه عنها وهي تجهّز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، تعمل قمحا سويقا ودقيقا، فقال: يا عائشة، أهمّ رسول اللَّه يغزو؟ قالت: ما أدري! قال: إن كان همّ بسفر فآذنينا [ (1) ] نتهيأ له. قالت: ما أدري! لعله يريد بني سليم، لعله يريد ثقيفا! لعله يريد هوازن! فاستعجمت عليه [ (2) ] حتى دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: يا رسول اللَّه، أردت سفرا؟ قال: نعم. قال: أفأتجهّز؟ قال: نعم، قال: فأين تريد يا رسول اللَّه؟ قال: قريشا، وأخف ذلك يا أبا بكر! وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس بالجهاز، وطوى عنهم [ (3) ] الوجه الّذي يريد، وقال أبو بكر: يا رسول اللَّه! أو ليس بيننا وبينهم مدة؟ قال: إنهم غدروا ونقضوا العهد، فأنا غازيهم، واطو ما ذكرت لك! فظان يظن أنه يريد الشأم، وظان يظن ثقيفا، وظان يظنّ هوازن. خبر حاطب بن أبي بلتعة ورسالته إلى قريش فلما أجمع صلّى اللَّه عليه وسلّم المسير إلى قريش وعلم بذلك الناس، كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش، يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أمرهم. وكان كتابه إلى ثلاثة نفر: صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، فيقول فيه: «إن رسول اللَّه قد أذّن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد بكتابي إليكم» . وأعطى الكتاب إلى امرأة من مزينة من أهل العرج -[يقال لها كنود، ويقال لها سارة مولاة عمرو بن صيفي بن هاشم ابن عبد مناف]- وجعل لها دينارا [وقيل: عشرة دنانير] ، على أن تبلّغه قريشا، وقال: أخفيه ما استطعت، ولا تمرّي على الطريق فإن عليه حرسا [ (4) ] . فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها، وسلكت على غير نقب، حتى لقيت الطريق بالعقيق. وأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث عليا والزّبير رضي   [ (1) ] آذنينا: أعلمينا وأخبرينا. [ (2) ] استعجمت عليه: لم تعطه جوابا بيّنا. [ (3) ] وى عنهم: أخفى عنهم. [ (4) ] في (خ) «محرسا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 اللَّه عنهما فقال: أدركا امرأة من مزينة، قد كتب معها حاطب كتابا يحذر قريشا. فخرجا، فأدركاها، فاستنزلاها، والتمساه [ (1) ] في رحلها فلم يجدا [ (2) ] شيئا. فقالا لها: إنا نحلف باللَّه ما كذب رسول اللَّه ولا كذبنا، ولتخرجنّ هذا الكتاب! أو لنكشفنّك! فلما رأت منهما الجد قالت: أعرضا عنّي! فأعرضا عنها، فحلّت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب. فجاءا به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدعا حاطبا فقال: ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسول اللَّه! واللَّه إني لمؤمن باللَّه ورسوله، ما غيّرت ولا بدّلت، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم أهل وولد، فصانعتهم. فقال عمر رضي اللَّه عنه: قاتلك اللَّه! ترى رسول اللَّه يأخذ بالأنقاب، وتكتب إلى قريش تحذرهم!! دعني يا رسول اللَّه أضرب عنقه فإنه قد نافق. فقال: وما يدريك يا عمر؟ لعل اللَّه اطّلع يوم بدر على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم [ (3) ] ، وأنزل اللَّه في حاطب: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [ (4) ] . ومضت سارّة إلى مكة، وكانت مغنّية، فأقبلت تتغنى بهجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد ارتدت عن الإسلام. دعوة المسلمين من القبائل فلما أبان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغزو، أرسل إلى أهل البادية وإلى من حوله من   [ (1) ] في (خ) «والتماساه» . [ (2) ] في (خ) «فلم يجد» . [ (3) ] أخرجه أبو داود ج 3 ص 108، 109، 110، باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلما، حديث رقم 2650، أخرجه (البخاري) في المغازي، باب فضل من شهد بدرا، وفي التفسير، تفسير سورة الممتحنة، وفي الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا و (مسلم) في فضائل أهل بدر، و (الترمذي) في التفسير، تفسير سورة الممتحنة، و (الدارميّ) في الرّقاق، و (أحمد) في (المسند) من حديث على بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، وانظر أيضا (معالم السنن) للخطابي ج 3 ص 110. [ (4) ] أول سورة الممتحنة، وفي (خ) « ... تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ،» الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 المسلمين يقول: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليحضر رمضان بالمدينة. وبعث رسلا في كل ناحية حتى قدموا. فقدمت أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وأشجع، المدينة، وأتت بنو سليم بقديد، وعسكر ببئر أبي عنبة، وعقد الألوية والرايات. عدة المسلمين وكان المهاجرون سبعمائة، ومعهم ثلاثمائة فرس، وكانت الأنصار أربعة آلاف، ومعهم خمسمائة فرس، وكانت مزينة ألفا، فيها مائة فرس ومائة درع، وكانت أسلم أربعمائة، فيها ثلاثون فرسا، وكانت جهينة ثمانمائة، معها خمسون فرسا، وكانت بنو كعب بن عمرو خمسمائة. ويقال: لم يعقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الألوية والرايات حتى انتهى إلى قديد. الخروج إلى الفتح وخرج يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان بعد العصر. وروى أبو خليفة الفضل بن الحباب من حديث شعبة بن قتادة عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: خرجنا مع رسول اللَّه حين فتح مكة لسبع عشرة أو تسع عشرة بقين من رمضان. الحديث. ورواه سعيد [ (1) ] بن أبي عروبة، عن قتادة بإسناده، فقال فيه: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لثنتي عشرة. وقال هشام عن قتادة فيه بإسناده: لثمان عشرة. وعن عطية بن قيس، عن قزعة [ (2) ] ، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: آذننا [ (3) ] رسول اللَّه بالرحيل عام الفتح لليلتين خلتا من رمضان. الحديث. مسير المسلمين وخرج المسلمون وقادوا الخيول، وامتطوا الإبل، وكانوا عشرة آلاف رجل، وقال الحاكم: اثنا عشر ألفا. وقدّم صلّى اللَّه عليه وسلّم أمامه الزبير بن العوام رضي اللَّه عنه في   [ (1) ] في (خ) «سعد» . [ (2) ] هو «قزعة بن يحى» أبو الغاوية البصري. [ (3) ] في (خ) «آذنا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 مائتين، فلما كان بالبيداء قال: إني لأرى [ (1) ] السحاب يستهلّ بنصر بني كعب. ولما خرج من المدينة نادى مناديه: من أحبّ أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر. وصام هو، حتى [إذا] [ (2) ] كان بالعرج صبّ على رأسه ووجهه الماء من العطش، فلما كان بالكديد- بين الظهر والعصر أخذ إناء من ماء في يده حتى رآه المسلمون، ثم أفطر تلك الساعة، ويقال: كان فطره يومئذ بعد العصر. وبلغه أن قوما صاموا، فقال: أولئك العصاة! وقال بمرّ الظهران: إنكم مصبّحو [ (3) ] عدوّكم. والفطر أقوى لكم. منزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعرج فلما نزل العرج- والناس لا يدرون أين يتوجه [ (4) ] ! أإلى قريش، أو إلى هوازن، أو إلى ثقيف؟ وأحبّوا أن يعلموا أتى [ (5) ]- كعب بن مالك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وقد جلس في أصحابه، وهو يتحدث- ليعلم ذلك، فأنشده شعرا، فتبسّم ولم يزد على ذلك. فلما نزل بقديد قيل: هل لك يا رسول اللَّه في بيض النساء وأدم الإبل؟ فقال: إن اللَّه حرّمهم عليّ بصلة الرحم، ووكزهم في لبّات الإبل. [وفي رواية: [إن] [ (6) ] اللَّه حرّمهم عليّ ببر الوالدين ووكزهم في لبّات الإبل.] [ (7) ] . وجاء عيينة بن حصن بالعرج وسار [ (8) ] وكان الأقرع بن حابس قد وافى بالسّقيا في عشرة من قومه. فلما عقد صلّى اللَّه عليه وسلّم الألوية بقديد ندم عيينة ألّا يكون قدم بقومه. خبر الكلبة ونظر عليه السلام بعد مسيره من العرج إلى كلبة تهرّ [ (9) ] على أولادها، وهنّ   [ (1) ] في (خ) «لا أرى» ، وفي (المغازي) ج 2 ص 801 «لأرى السحاب تستهل» . واستهل السحاب أشرق قبل أول مطر. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] في (خ) «مصبحوا» بإثبات الألف بعد واو الجماعة. [ (4) ] في (خ) «توجه» . [ (5) ] في (خ) «فأتى» وفي رواية (الواقدي) ج 2 ص 802: «قال كعب بن مالك: آتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأعلم لكم علم وجهه» . [ (6) ] زيادة للسياق من (ط) ج [ (7) ] قال ابن الأثير في (النهاية) : لبّات: جمع لبّة، وهي الهزمة التي فوق الصدر وفيها تنحر الإبل، (النهاية) ج 4 ص 223، وهنا كناية عن الكرم وصلة الرحم، فلذلك استحقوا العفو. [ (8) ] وذلك بعد إسلامه، ففي (الواقدي) ج 2 ص 804 «فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ مكة بين الأقرع وعيينة» . [ (9) ] تهر: تنبح وتكشر عن أنيابها دفاعا عن أولادها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 حولها يرضعنها، فأمر جعيل بن سراقة يقوم حذاءها، لا يعرض لها أحد من الجيش ولا لأولادها. الطلائع وقدم من العرج جريدة من خيل [ (1) ] طليعة، فأتوا بعين من هوازن، فسأله عنهم فقال: تركتهم ببقعاء قد جمعوا الجموع، وأجلبوا العرب، وبعثوا إلى جرش [ (2) ] في عمل الدبابات [ (3) ] والمنجنيق، وهم سائرون إلى هوازن فيكونوا جميعا. فقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (4) ] : وإلى من جعلوا أمرهم؟ قال: إلى مالك بن عوف. قال: وكل هوازن قد أجاب؟ قال: أبطأ من بني عامر كعب وكلاب. وقد مررت بمكة فرأيتهم ساخطين لما جاء به أبو سفيان، وهم خائفون. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل، ما أراه إلا صدقني! وأمر خالد بن الوليد فحبسه حتى دخل مكة وفتحها فأسلم، ثم خرج مع المسلمين إلى هوازن فقتل بأوطاس. [وأوطاس واد في ديار هوازن، وفيه كانت وقعة حنين] . إسلام أبي سفيان وقدم بالأبواء أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يريد الإسلام، بعد ما عادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشرين سنة وهجاه، ولم يتخلف عن قتاله. فلما طلع صلّى اللَّه عليه وسلّم في موكبه، وقف تلقاء وجهه، فأعرض عنه، فتحرك إلى ناحيته، فأعرض عنه مرارا، وأعرض عنه الناس وتجهموا له، فجلس على باب منزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلازمة حتى فتح مكة، وهو لا يكلمه ولا أحد من المسلمين. فلما كان يوم هوازن، ثبت فيمن ثبت مع رسول اللَّه، وأخذ العباس رضي اللَّه عنه بلجام بغلته، وأخذ أبو سفيان بالجانب [ (5) ] الآخر، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: من هذا؟ فقال العباس:   [ (1) ] في (خ) «من خيل جديدة» . والجريدة: الطائفة من الفرسان لا رجّالة فيها (ترتيب القاموس) ج 2 ص 127. [ (2) ] جرش: مدينة شرقي جبل السواد من أرض البلقاء وحوران من عمل دمشق (معجم البلدان) ج 2 ص 127. [ (3) ] الدبابات: في عهدهم آلة تتخذ من جلود وخشب يدخل فيها الرجال، ثم يقربونها من الحصن المحاصر والرجال في جوفها لينقبوه، وسميت بذلك لأنها تدب دبيبا. [ (4) ] زيادة للبيان. [ (5) ] في (خ) «بالجناب» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 يا رسول اللَّه! أخوك وابن عمك أبو سفيان بن الحارث [ (1) ] ! فارض عنه، أي رسول اللَّه! قال: قد فعلت، فغفر اللَّه له كلّ عداوة عاداها. فقبّل أبو سفيان رجله في الركاب. فالتفت عليه السلام إليه، فقال: أخي لعمري! ويقال: إنه جاء هو وعبد اللَّه بن أبي أمية- أخو أم سلمة- إلى نيق العقاب [ (2) ] فطردهما، فشفعت فيهما أم سلمة، وأبلغته عنهما ما رقّقه عليهما، فقبلهما. العباس بن عبد المطلب ومخرمة بن نوفل وقدم العباس بن عبد المطلب ومخرمة بن نوفل، بالسقيا. وقيل: بل قدم العبّاس بذي الحليفة- وقيل: بالجحفة- فأسلم، وبعث ثقله [ (3) ] ومضى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأقام معه، ولم يخرج من عنده حتى راح عليه السلام. وكان ينزل معه في كل منزل حتى دخل مكة. رؤيا أبي بكر ورأى أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه- في الليلة التي أصبح فيها بالجحفة- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما دنوا من مكة، خرجت عليهم كلبة تهرّ، فلما دنوا منها استلقت على ظهرها، فإذا أطباؤها تشخب لبنا [ (4) ] . فذكرها أبو بكر. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ذهب كلبهم [ (5) ] ، وأقبل درّهم [ (6) ] . هم سائلوكم بأرحامكم! وأنتم لاقون بعضهم، فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه.   [ (1) ] ذكرنا في أول الكتاب أنه أخوه من الرضاعة من قبل حليمة السعدية [ (2) ] في (خ) ، (ط) «فيق العقاب» وهو خطأ وصوابه «نيق العقاب» وهي: (موقع بين مكة والمدينة قرب الجحفة، لقي به أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد اللَّه بن أبي أمية بن المغيرة مهاجر بن أبي أمية وهو يريد مكة عام الفتح) (معجم البلدان) ج 5 ص 333. [ (3) ] الثقل: متاع المسافر وحشمه (ترتيب القاموس) ج 1 ص 412. [ (4) ] الأطباء: جمع طبي، والطّبي: بالكسر والضم: حلمات الضرع التي من خف وظلف وحافر. [ (5) ] الكلب: صياح من عضه الكلب الكلب، وجنون الكلاب المعترى من أكل لحم الإنسان، وشبه جنونها المعترى للإنسان من عضها. (ترتيب القاموس) ج 4 ص 70 والمقصود هنا: كناية عن عداء قريش لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (6) ] الدّرّ: اللبن يسيل من الثدي، وهذا كناية عن إدبار شرهم وإقبال خيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 منزل المسلمين بقديد فلما نزل عليه السلام قديدا لقيته سليم- وهم تسعمائة على الخيول جميعا، مع كل رجل رمحه وسلاحه، ويقال: إنهم ألف- فجعلهم مقدمته مع خالد بن الوليد رضي اللَّه عنه واجتمع المسلمون بمرّ الظهران، ولم يبلغ قريشا حرف واحد من مسيرهم، فأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين أن يوقدوا النيران، فأوقدوا عشرة آلاف نار، وأمر بالأجراس أن تقطع من أعناق الإبل ليالي فتح مكة، وفي غزوة بدر. بعثة قريش أبا سفيان يتجسس وبعثت قريش أبا سفيان يتجسس الأخبار، وإن لقي محمدا يأخذ لهم منه جوارا، فإن رأى رقّة من أصحابه آذنه بالحرب، فخرج ومعه حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، فرأوا الأبنية والعسكر والنيران بمرّ الظهران، وسمعوا صهيل الخيل ورغاء الإبل، فأفزعهم ذلك فزعا شديدا وقالوا: هؤلاء بنو كعب جاشتها الحرب [ (1) ] ! فقال بديل: هؤلاء أكثر من بني كعب! قالوا: فتنجّعت [ (2) ] هوازن على أرضنا! واللَّه ما نعرف هذا، إن هذا العسكر مثل حاجّ الناس! وكان على الحرس تلك الليلة عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه. خبر العباس وقدومه بأبي سفيان وصاحبيه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد ركب العباس رضي اللَّه عنه دلدل [ (3) ] ، على أن يصيب رسولا إلى قريش يخبرهم: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم داخل عليهم في عشرة آلاف. فسمع صوت أبي سفيان، فقال: أبا حنظلة! فقال: يا لبيك! أبا الفضل؟ قال: نعم! قال: فما وراءك؟ قال: هذا رسول اللَّه في عشرة آلاف من المسلمين، فأسلم، ثكلتك أمك وعشيرتك، وأقبل على حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء فقال: أسلما، فإنّي لكما جار حتى تنتهوا إلى رسول اللَّه، فإنّي أخشى أن تقطعوا دون النبي! قالوا: فنحن معك.   [ (1) ] جاشتها الحرب: هاجتها كما تجيش النار القدر فيغلي بها. [ (2) ] من الانتجاع، وهو طلب الكلإ أيام الربيع. [ (3) ] اسم بغلة كانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 ويروى أن أبا سفيان وحكيما وبديلا لما طلعوا مر [الظهران] [ (1) ] عشاء، ورأوا النيران والفساطيط والعسكر راعهم ذلك، فبينا هم كذلك لم يشعروا حتى أخذهم نفر- كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثهم عيونا له- بخطم [ (2) ] أبعرتهم، وأتوا بهم العسكر، فلقيهم عند ذلك العباس فأجارهم. دخولهم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأتى بهم العباس ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! أبو سفيان، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، قد أجرتهم، وهم يدخلون عليك! فقال: أدخلهم. فدخلوا عليه، فمكثوا عنده عامة الليل ليستخبرهم، ودعاهم إلى الإسلام، فأسلم حكيم وبديل. وقال أبو سفيان: أشهد أنّ لا إله إلا اللَّه. فقال رسول اللَّه: وأني رسول اللَّه. قال: واللَّه يا محمد، إن في النفس من هذا لشيئا بعد، فارجها [ (3) ] . ثم قال للعباس: قد أجرناهم، اذهب بهم إلى منزلك. فذهب بهم. خبر أبي سفيان بعد سماع الأذان فلما أذّن الصبح، أذّن العسكر كلهم، ففزع أبو سفيان من أذانهم وقال: ما يصنعون؟ أمروا فيّ بشيء؟ قال: لا! ولكنهم قاموا إلى الصلاة! قال أبو سفيان: كم يصلون في اليوم والليلة؟ قال: يصلون خمس صلوات. قال: كثير واللَّه! فلما رآهم أبو سفيان يبتدرون وضوء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: ما رأيت يا أبا الفضل ملكا كهذا! لا ملك [ (4) ] كسرى ولا ملك بني الأصفر! فقال العباس: ويحك آمن! قال: أدخلني عليه. فأدخله، فقال: يا محمد! استنصرت إلهي واستنصرت إلهك، فلا واللَّه ما لقيتك من مرّة إلا ظفّرت عليّ، فلو كان إلهي حقا وإلهك مبطلا لقد غلبتك! وشهد أن محمدا رسول اللَّه.   [ (1) ] زيادة للبيان، وفي (خ) «مدعشا» . [ (2) ] خطم: جمع خطام، وهو الحبل الّذي يقاد به البعير. [ (3) ] من الإرجاء وهو التأخير، وقد سهلت الهمزة. [ (4) ] في (خ) «إلا ملك كسرى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 مقالة أبي سفيان وحكيم بن حزام ثم قال أبو سفيان وحكيم: يا محمد! جئت بأوباش الناس- من نعرف ومن لا نعرف [ (1) ]- إلى عشيرتك وأصلك! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنتم أظلم وأفجر، غدرتم عهد الحديبيّة، وظاهرتم على بني كعب بالإثم والعدوان في حرم اللَّه وأمنه. فقال أبو سفيان وحكيم بن [ (2) ] حزام: يا رسول اللَّه! لو كنت جعلت حدّك [ (3) ] ومكيدتك بهوازن، فهم أبعد رحما وأشدّ لك عداوة! فقال: إني لأرجو [ (4) ] من ربّي أن يجمع ذلك لي كله: فتح مكة وإعزاز الإسلام بها، وهوازن، وأن يغنّمني اللَّه أموالهم وذراريهم، فإنّي راغب إلى اللَّه في ذلك. وقيل: إن أبا سفيان ركب خلف العباس، ورجع حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء. خبر عمر بن الخطاب حين رأى أبا سفيان فلما مرّ العباس بعمر بن الخطاب، ورأى أبا سفيان قال: أبا سفيان! عدوّ اللَّه! الحمد للَّه الّذي أمكن منك بلا عهد ولا عقد. ثم خرج نحو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يشتدّ، فركض العباس البغلة حتى اجتمعوا على باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخلوا. فقال عمر: يا رسول اللَّه! هذا أبو سفيان عدوّ اللَّه، قد أمكن اللَّه منه بلا عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه. فقال العباس: إني قد أجرته! ثم التزم [ (5) ] رسول اللَّه، فقال: واللَّه لا يناجيه الليلة أحد دوني. فلما أكثر عمر في أبي سفيان قال العباس: مهلا يا عمر! وتلاحيا [ (6) ] . فقال النبي عليه السلام للعباس: اذهب به فقد أجرته، فليبت عندك حتى تغدو علينا إذا أصبحت. فغدا به. فقال له رسول اللَّه: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك [ (7) ] أن تعلم أن لا إله إلا اللَّه؟ قال: بأبي أنت! ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! قد كان يقع في نفسي أن لو كان مع اللَّه إله [ (8) ] لقد أغنى عنّي شيئا بعد. قال: يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني   [ (1) ] في (خ) «من تعرف ومن لا تعرف» . [ (2) ] في (خ) «فقال أبو سفيان يا رسول اللَّه وحكيم بن حزام» . [ (3) ] الحدّ: الشّدة، وهي في (خ) «جدك» . [ (4) ] في (خ) «لأرجو» . [ (5) ] التزمه: اعتنقه. [ (6) ] تلاحيا: تنازعا. [ (7) ] ألم يأن: ألم يحن. [ (8) ] في (خ) «إلاه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 رسول اللَّه؟ [قال] [ (1) ] : بأبي أنت وأمي! ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! أمّا هذه فو اللَّه إنّ في النفس منها لشيئا بعد، فقال العباس: ويحك! اشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه قبل واللَّه أن تقتل! فشهد شهادة الحق. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن فقال العباس: يا رسول اللَّه! إنك قد عرفت أبا سفيان وحبّه الشّرف والفخر، اجعل له شيئا. قال: نعم! من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق [عليه] [ (1) ] داره فهو آمن. وأمر ألا يجهز على جريح، ولا يتّبع مدبر. ويروى أن أبا سفيان وحكيما قالا: يا رسول اللَّه! ادع الناس إلى الأمان! أرأيت إن اعتزلت قريش وكفت أيديها، آمنون هم؟ قال: نعم! من كفّ يده وأغلق [عليه] [ (1) ] بابه فهو آمن. قالوا: فابعثنا نؤذّن فيهم بذلك. قال: انطلقوا، فمن دخل دارك يا أبا سفيان فهو آمن، ودارك يا حكيم، و [ومن] [ (1) ] كفّ يده فهو آمن. رد أبي سفيان بعد فراقه فلما توجهوا قال للعباس: إني لا آمن أبا سفيان أن يرجع عن إسلامه ويكفر، فاردده حتى يفقه ويرى جنود اللَّه معك. فأدركه عباس فحبسه، فقال: أغدرا يا بني هاشم؟ قال: ستعلم أنّا لسنا بغدر [ (2) ] ، ولكن لي إليك حاجة، فأصبح حتى تنظر إلى جنود اللَّه، وإلى ما أعدّ للمشركين. فحبسه بالمضيق- دون الأراك إلى مكة- حتى أصبحوا. وقيل: بل قال عليه السلام للعباس بعد ما خرج أبو سفيان: احبسه بمضيق الوادي حتى تمر به جنود اللَّه فيراها. فعدل به العباس في مضيق الوادي، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مناديا فنادى: لتصبح كلّ قبيلة قد ارتحلت ووقفت مع صاحبها عند رايته، وتظهر كل ما معها من العدّة.   [ (1) ] زيادة في السياق. [ (2) ] غدر: جمع غدور، وهو الغادر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 تعبئة المسلمين ومرورهم على أبي سفيان فأصبح الناس على ظهر [ (1) ] ، وعبأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه، فجعل أبا عبيدة ابن الجراح [ (2) ] على المقدّمة،   [ (1) ] على استعداد للسفر. [ (2) ] هو عامر بن عبد اللَّه بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبّة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النّضر ابن كنانة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان القرشيّ الفهريّ المكّي. أحد السابقين الأولين، عزم الصديق على توليته الخلافة، وأشار به يوم السقيفة، لكمال أهليته عند أبي بكر. يجتمع في النسب هو والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فهر، شهد له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالجنة، وسماه أمين الأمة، ومناقبه شهيرة جمة، وغزا غزوات مشهورة، له في صحيح مسلم حديث واحد، وله في جامع أبي عيسى حديث، وله في مسند بقيّ خمسة عشر حديثا. وقد شهد أبو عبيدة بدرا، فقتل يومئذ أباه، وأبلى يوم أحد بلاء حسنا، ونزع الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ضربة أصابته، فانقلعت بهما ثنيتاه، حتى قيل: ما رئي هتم قط أحسن من هتم أبي عبيدة، وكان أبو عبيدة معدودا فيمن جمع القرآن العظيم. وكان موصوفا بحسن الخلق، وبالحلم الزائد والتواضع. ولما فرغ الصديق من حرب أهل الردّة، وحرب مسيلمة الكذاب، جهّز أمراء الأجناد لفتح الشام، فبعث أبا عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، فتمّت وقعة أجنادين بقرب الرملة، ونصر اللَّه المؤمنين، فجاءت البشرى، والصّدّيق في مرض الموت. ثم كانت وقعة فحل، ووقعة مرج الصّفر، وكان قد سيّر أبو بكر خالدا لغزو العراق، ثم بعث إليه لينجد من بالشام، فقطع المفاوز على بريّة السماوة، فأمّره الصديق على الأمراء كلهم، وحاصروا دمشق، وتوفّي أبو بكر، فبادر عمر بعزل خالد، واستعمل على الكل أبا عبيدة، فجاءه التقليد، فكتمه مدة، وكل هذا من دينه ولينه وحلمه، فكان فتح دمشق على يده، فعند ذلك أظهر التقليد، ليعقد الصلح للروم، ففتحوا له باب الجابية صلحا، وإذا بخالد قد افتتح البلد عنوة من الباب الشرقيّ، فأمضى لهم أبو عبيدة الصلح. وعن المغيرة، أن أبا عبيدة صالحهم على أنصاف كنائسهم ومنازلهم، ثم كان أبو عبيدة رأس الإسلام يوم وقعة اليرموك، التي استأصل اللَّه فيها جيوش الروم، وقتل منهم خلق عظيم. وتوفي أبو عبيدة رضي اللَّه عنه في سنة ثمان عشرة، وله ثمان وخمسون سنة. * (مسند أحمد) : 1/ 195- 196، (طبقات ابن سعد) : 3/ 1/ 409، (التاريخ الكبير) : 6/ 444، (التاريخ الصغير) : 1/ 40، (المعارف) : 247- 248، (تاريخ الطبري) : 3/ 202 (الجرح والتعديل) : 6/ 635، (المستدرك) : 3/ 262- 268، (حلية الأولياء) : 1/ 100- 102 ، (الاستيعاب) : 4/ 1710، (صفة الصفوة) : 1/ 192، (جامع الأصول) : 9/ 20- 21، (الكامل في التاريخ) 2/ 259، (تاريخ الإسلام) : 2/ 138، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وخالد بن الوليد [ (1) ] على الميمنة، والزبير بن العوام [ (2) ]   [ () ] (تهذيب التهذيب) : 5/ 630، (الإصابة) 3/ 586- 590، (تاريخ الخميس) : 2/ 244، (كنزل العمال) : 13/ 214- 219، (فتح الباري) : 7/ 116- 117، (صحيح سنن ابن ماجة) : 1/ 29، (سير أعلام النبلاء) 1/ 5- 23، (الزهد للإمام أحمد) : 176، (زاد المعاد) : 3/ 197، 204، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 259، (التاريخ الصغير) : 1/ 40. [ (1) ] هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب، سيف اللَّه تعالى، وفارس الإسلام، ليث المشاهد، السيد الإمام الكبير، وقائد المجاهدين، أبو سليمان القرشيّ المخزوميّ المكّي، وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث. هاجر مسلما في صفر سنة ثمان، ثم سار غازيا فشهد غزوة مؤتة، واستشهد أمراء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الثلاثة: مولاه زيد، وابن عمه جعفر ذو الجناحين، وابن رواحة، وبقي الجيش بلا أمير، فتأمّر عليهم في الحال خالد، وأخذ الراية، وحمل على العدوّ، فكان النصر، وسمّاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سيف اللَّه، فقال: إن خالدا سيف سله اللَّه على المشركين، وشهد الفتح، وحنينا، وتأمّر في أيام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، واحتسب أدراعه ولأمته في سبيل اللَّه، وحارب أهل الردّة، ومسيلمة، وغزا العراق، واستظهر، ثم اخترق البرّية السماوية، بحيث أنه قطع المفازة من حدّ العراق إلى أول الشام في خمس ليال، في عسكر معه، وشهد حروب الشام، ولم يبق في جسده قيد شبر إلا وعليه طابع الشهداء. ومناقبه غزيرة، أمّره الصديق على سائر أمراء الأجناد، وحاصر دمشق، فافتتحها هو وأبو عبيدة رضي اللَّه عنهما. له في الصحيحين حديثان، وفي مسند بقيّ واحد وسبعون، توفي بحمص سنة إحدى وعشرين. وذكر محمد بن سلام قال: لم تبق امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمّتها على قبر خالد ابن الوليد، يقول: حلقت رأسها. * (مسند أحمد) : 4/ 88، (ابن هشام) : 4/ 237- 239، (طبقات ابن سعد) : 4/ 252 (التاريخ الصغير) : 1/ 23، 40، (المعارف) : 267، (الجرح والتعديل) : 3/ 356، (الاستيعاب) : 2/ 427- 431، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 182- 174، (تهذيب التهذيب) : 3/ 142، (الإصابة) : 2/ 251- 256، (كنز العمال) : 13/ 366- 375 . [ (2) ] هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤيّ ابن غالب، حواريّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد السّتّة أهل الشورى، وأول من سلّ سيفه في سبيل اللَّه، أبو عبد اللَّه رضي اللَّه عنه. أسلم وهو حدث، له ستة عشرة سنة روي أحاديث يسيرة، اتّفقا له على حديثين، وانفرد له البخاري بأربعة أحاديث، ومسلم بحديث. وعن عمر بن مصعب بن الزبير قال: قاتل الزبير مع نبي اللَّه، وله سبع عشرة سنة، وقال هشام بن عروة عن أبيه، قال: كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزل جبريل على سيماء الزبير. وهو ممن هاجر إلى الحبشة، فيما نقله موسى بن عقبة، وابن إسحاق، ولم يطول الإقامة بها. عن علي بن زيد: أخبرني من رأى الزبير، وفي صدره أمثال العيون من الطعن والرّمي، وعن عروة قال: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف، إحداهن في عاتقه، إن كنت لأدخل أصابعي فيها، ضرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 على الميسرة، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم في القلب، وقدم بين يديه الكتائب فمرّت القبائل على قادتها، والكتائب على راياتها. فقدم خالد بن الوليد في بني سليم [ (1) ]- وهم ألف   [ () ] ثنتين يوم بدر، وواحدة في اليرموك. عن ابن عباس أنه قال للزبير يوم الجمل: يا ابن صفية! هذه عائشة تملّك الملك طلحة، وأنت علام تقاتل قريبك عليا؟ فرجع الزبير، فلقيه ابن جرموز فقتله. قال البخاري وغيره: قتل في رجب سنة ست وثلاثين. * (مسند أحمد) : 1/ 164- 167، (طبقات ابن سعد) : 3/ 70- 80، (التاريخ الكبير) : 3/ 409، (التاريخ الصغير) : 1/ 75، (المعارف) : 219- 227، (الجرح والتعديل) : 3/ 578، (المستدرك) : 3/ 359- 368، (حلية الأولياء) : 1/ 89، (الاستيعاب) : 2/ 510، (صفة الصفوة) : 1/ 180- 183، (جامع الأصول) : 9/ 5- 10 ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 194- 196، (تهذيب التهذيب) : 3/ 318، (الإصابة) : 2/ 553- 558، (تاريخ الخميس) : 1/ 172، (كنز العمال) : 13/ 204- 212 ، (تاريخ الإسلام) : 2/ 138، 184، 314، 333، 382، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 41، (المعارف) : 219- 220، (الزهد للإمام أحمد) : 137. [ (1) ] هم بنو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، ولد سليم بن منصور: بهثة، فولد بهثة بن سليم: الحارث، وثعلبة، بطن صغير، وامرؤ القيس، وعوف، وكان كاهنا، وثعلبة، ومعاوية. (جمهرة أنساب العرب) : 261. - وبهثة بطن من قيس عيلان، وهو الّذي ينسب إليه بنو سليم، وهم بنو بهثة بن سليم بن منصور ابن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر، منهم عمرو بن عبسة السّلمي، وهو بهثّي، وكذلك العرباض بن سارية وغيرهما، وبنو بهثة بن حرب بن وهب بن بليّ بن أحمس بن ضبيعة، وفي العرب بنو بهثة جماعة. (اللباب في تهذيب الأنساب) : 1/ 191، (معجم قبائل العرب) : 1/ 109. - وروي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «أنا ابن العواتك من سليم» والعواتك من جداته صلّى اللَّه عليه وسلّم تسع كل تسمى عاتكة، وهن: عاتكة بنت هلال بن فالج بن ذكوان أم عبد مناف، وعاتكة بنت مرة بنت هلال بن فالج أم هاشم، وعاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال أم وهب أبي آمنة، وبقية التسع من غير بني سليم. وعاتكة: اسم منقول من الصفات، يقال امرأة عاتكة، وهي المصفّرة بالزعفران والطيب، والعاتك: الكريم والخالص من الألوان، والعواتك من الصحابيات هن: عاتكة بنت أسيد، وبنت خالد، وبنت زيد بن عمرو، وبنت عبد المطلب، وبنت عوف، وبنت نعيم، وبنت الوليد. (ترتيب القاموس المحيط) : 3/ 150- 151. وحديث «أنا ابن العواتك» ، ذكره الألباني في (الصحيحة) : 1569، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وقال الذهبي، كابن عساكر في التاريخ: اختلف على هيثم فيه، وهو هيثم بن بشير السّلميّ، أبو معاوية الواسطي الحافظ، أحد الأعلام، سمع الزهري، وحصين بن عبد الرحمن. وعنه يحيى القطان، وأحمد، ويعقوب الدّورقيّ، وخلق كثير. مولده سنة أربع ومائة، وسمع من الزهريّ، وابن عمر أيام الحجّ، وكان مدلسا، وهو ليّن في الزهري. (ميزان الاعتدال) : 4/ 306، ت 9250. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 يحمل لواءهم عباس بن مرداس [ (1) ] ،   [ () ] هيثم بن بشير الواسطي، أحد الأئمة، متفق على توثيقه، إلا أنه كان مشهورا بالتدليس وروايته عن الزهري خاصة لينة عندهم، فأما التدليس، فقد ذكر جماعة من الحفاظ أن البخاري كان لا يخرّج عنه إلا ما صرّح فيه بالتحديث، واعتبرت أنا هذا في حديثه، فوجدته كذلك، إما أن يكون قد صرّح به في نفس الإسناد، أو صرّح به من وجه آخر، وأما روايته عن الزهريّ فليس في الصحيحين منها شيء، واحتجّ به الأئمة كلهم. واللَّه أعلم. (هدي الساري) : 626. هشيم، حجة يدلّس، وهو لين في روايته عن الزهري. (المغني في الضعفاء) : 2/ 712، ت 6765. [ (1) ] هو عباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن حييّ بن الحارث ابن بهثة بن سليم السّلمي، يكنى أبا الفضل، وقيل أبا الهيثم. أسلم قبل فتح مكة بيسير، وكان مرداس أبوه شريكا ومصافيا لحرب بني أمية، ويزعم بعض أهل الأخبار أن الجن قتلتهما جميعا، وذكروا أن ثلاثة نفر ذهبوا على وجوههم، فهاموا ولم يوجدوا، ولم يسمع لهم بأثر: طالب بن أبي طالب، وسنان ابن حارثة، ومرداس بن أبي عامر، أبو عباس بن مرداس. وكان عباس بن مرداس من المؤلفة قلوبهم وممن حسن إسلامهم، ولما أعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المؤلفة قلوبهم من سبي حنين «الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن» مائة مائة من الإبل، ونقص طائفة من المائة، منهم عباس بن مرداس، جعل عباس بن مرداس يقول، إذا لم يبلغ به من العطاء ما بلغ به من العطاء ما بلغ بالأقرع بن حابس وعيينة بن حصن: أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع فما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع وقد كنت في القوم ذا تدرأ ... فلم أعط شيئا ولم أمنع فصالا أفائل أعطيتها ... عديد قوائمها الأربع وكانت نهابا تلافيتها ... بكرّي على المهر في الأجرع وإيقاظي القوم أن يرقدوا ... إذا هجع الناس لم أهجع فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اذهبوا فاقطعوا عني لسانه، فأعطوه حتى رضي، وكان شاعرا محسنا مشهورا، وله في يوم حنين أشعار حسان، وهو القائل: يا خاتم النّباء إنك مرسل ... بالحق كل هدى السبيل هداكا إن الإله بني عليك محبة ... في خلقه، ومحمدا سمّاكا وكان عباس بن مرداس ممن حرّم الخمر في الجاهلية. وكان ممن حرّم الخمر في الجاهلية أيضا: أبو بكر الصديق، وعثمان بن مظعون، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وقيس بن عاصم، وحرمها قبل هؤلاء: عبد المطلب بن هاشم، وعبد اللَّه بن جدعان، وشيبة بن ربيعة، وورقة بن نوفل، والوليد ابن المغيرة، وعامر بن الظرب، ويقال: هو أول من حرّمها في الجاهلية على نفسه، ويقال: بل عفيف ابن معديكرب العبديّ، كان عباس بن مرداس ينزل بالبادية بناحية البصرة، روي عنه ابنه كنانة ابن عباس. * (تهذيب التهذيب) : 5/ 114، (طبقات ابن سعد) : 1/ 273، 307، 308، 2/ 53، 4/ 271، 346، 5/ 516، (الإصابة) : 3/ 633- 634، (الاستيعاب) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وخفاف بن ندبة [ (1) ]- فقال أبو سفيان [ (2) ] : من هؤلاء؟ قال العباس [ (3) ] : خالد بن الوليد، فلما حاذى خالد العباس وأبا سفيان،   [ () ] 2/ 817- 820، (ابن هشام) : 5/ 91- 92، (المعارف) : 336- 342، (زاد المعاد) : 3/ 473، 476. (الشعر والشعراء) : 184. [ (1) ] هو خفاف بن ندبة «بالحركات الثلاث» ابن عمير بن عمر بن الشريد السّلمي، «ندبة أمه، وأبوه عمير» . يكنى أبا خرشة، أو خراشة، وهو ابن عم خنساء، وصخر، ومعاوية، وخفاف هذا شاعر مشهور بالشعر، وكان أسود حالكا. قال أبو عبيدة: هو أحد أغربة العرب. قال الأصمعي: شهد خفاف حنينا. وقال غيره: شهد مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتح مكة، ومعه لواء بني سليم، وشهد حنينا والطائف. وقال أبو عبيدة: حدثني أبو بلال سهم بن العباس بن مرادس السلمي قال: غزا معاوية بن عمرو بن الشريد أخو خنساء مرّة وفزارة ومعه خفاف بن ندبة، فاعتوره هاشم وزيد ابنا حرملة المرّيّان، فاستطرد له أحدهما، ثم وقف وشدّ عليه الآخر فقتله، فلما تنادوا قتل معاوية. قال خفاف، قتلني اللَّه إن رمت حتى أثأر به، فشدّ على مالك بن حمار سيد بني شمخ بن فزارة فقتله، وقال: فإن تك خيلي قد أصيب صميمها ... فعمدا على عيني تيمّمت مالكا وقفت له علوي وقد خان صحبتي ... لأبني مجدا أو لأثأر هالكا أقول له والرمح يأطر متنه ... تأمّل خفافا إنني أنا ذلكا قال أبو عمر: له حديث واحد لا أعلم غيره، رواه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فقلت: يا رسول اللَّه، أين تأمرني أن أنزل، أعلى قرشىّ؟ أم أنصاريّ؟ أم أسلم؟ أم غفار؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يا خفاف، ابتغ الرفيق قبل الطريق، فإن عرض لك أمر نصرك، وإن احتجت إليه رفدك» . هذا الحديث عند الخطيب في الجامع، من طريق عبد للَّه بن محمد اليماني، عن أبيه عن جده قال: قال خفاف بن ندبة: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا خفاف ابتغ الرفيق قبل الطريق» وكلها ضعيفة. * (المعارف) : 325، 597، (تاريخ الطبري) : 3/ 265، 427، (طبقات ابن سعد) : 3/ 604، 4/ 275، (الشعر والشعراء) : 212، (الإصابة) : 2/ 236- 237، (الاستيعاب) : 2/ 450- 451، (إتحاف السادة المتقين) : 7/ 452، (كنز العمال) : 17539. [ (2) ] راجع ترجمته ص (11) من هذا الجزء. [ (3) ] هو العبّاس، عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قيل: إنه أسلم قبل الهجرة، وكتم إسلامه، وخرج مع قومه إلى بدر، فأسر يومئذ، فادّعى أنه مسلم، فاللَّه تعالى أعلم، وليس هو في عداد الطلقاء، فإنه كان قدم إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل الفتح، ألا تراه أجار أبا سفيان بن حرب؟ وله عدة أحاديث، منها خمسة وثلاثون في مسند بقيّ، وفي البخاري ومسلم حديث، وفي البخاري حديث، وفي مسلم ثلاثة أحاديث، وقدم الشام مع عمر. قال الكلبي: كان العباس شريفا مهيبا، عاقلا جميلا، أبيض بضا، له ضفيرتان، معتدل القامة، ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين. بل كان من أطول الرجال، وأحسنهم صورة، وأبهاهم وأجهرهم صوتا، مع الحلم الوافر والسؤدد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 كبر بمن معه ثلاثا ومضوا. ثم مرّ على إثره الزبير بن العوام: في خمسمائة ومعه راية سوداء، فلما حاذاهما كبّر ثلاثا وكبر أصحابه، فقال [أبو سفيان] : من هذا؟ قال [العباس] : الزبير بن العوام. قال: ابن أختك؟ قال: نعم! ومرّت بنو غفار [ (1) ] في ثلاثمائة يحمل رايتهم أبو ذرّ الغفاريّ [ (2) ] [ويقال: إيماء   [ () ] روي مغيرة عن أبي رزين، قال: قيل للعباس: أنت أكبر أو النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: هو أكبر مني وأنا ولدت قبله، وكان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطي في النوائب. وثبت أن العباس كان يوم حنين، وقت الهزيمة، آخذا بلجام بغلة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وثبت معه حتى نزل النصر. وثبت من حديث أنس: أن عمرا استسقى فقال: اللَّهمّ إنا كنا قحطنا على عهد نبيك توسّلنا به، وإنا نستسقي إليك بعم نبيّك العباس. قال الضحاك بن عثمان الحزامي: كان يكون للعباس الحاجة إلى غلمانه وهم بالغابة، فيقف على سلع، وذلك في آخر الليل فيناديهم، فيسمعهم، والغابة نحو من تسعة أميال. كان تامّ الشكل، جهوريّ الصوت جدا، وهو الّذي أمره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يهتف يوم حنين: يا أصحاب الشجرة. كانت وفاته في سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، وله ست وثمانون سنة، ولم يبلغ أحد هذه السّن من أولاده، ولا أولادهم، ولا ذريته الخلفاء، وقبره بالبقيع. * (مسند أحمد) : 1/ 206، (طبقات ابن سعد) : 4/ 5- 33، (التاريخ الكبير) : 7/ 2، (المعارف) : 118، 137، 156، 589، 592، (الجرح والتعديل) : 6/ 210، (المستدرك) : 3/ 321- 334، (تهذيب التهذيب) : 5/ 214- 215، (الاستيعاب) : 2/ 810/ 817، (صفة الصفوة) : 1/ 262- 264، (الإصابة) : 3/ 631- 632 (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/ 35، (كنز العمال) : 3/ 502. [ (1) ] غفار بن مليل: بطن من كنانة من العدنانية، وهم بنو غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناف ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة (عمرو) بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، كانوا حول مكة، ومن مياههم: بدر، ومن أوديتم ودّان. وقد قاتلوا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة حنين، وعددهم ألف، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الأنصار، ومزينة، وجهينة، وغفار، وأشجع، ومن كان من بني عبد اللَّه، مواليّ دون الناس، واللَّه ورسوله مولاهم. وولد مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد منافة بن كنانة: غفار بطن ضخم، ونعيلة. منهم: الحكم ابن عمرو بن مجدع بن حذيم بن الحارث بن نعيلة بن مليل، له صحبة ورواية ولي خراسان، وأبو سريحة حذيفة بن أمية بن أسيد بن الأحوص بن واقعة بن حرام بن غفار، له صحبة ورواية، وأبو ذر الصاحب. (معجم قبائل العرب) : 3/ 890، (جمهرة أنساب العرب) : 186، (ترتيب القاموس المحيط) : 3/ 406، (معجم البلدان) : 5/ 420، (اللباب في تهذيب الأنساب) : 2/ 387. [ (2) ] هو جندب بن جنادة الغفاريّ، وقيل: جندب بن سكن. وقيل: برير بن جنادة، وقيل: برير ابن عبد اللَّه، ونبّأني الدمياطيّ: أنه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار- أخي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 ابن رحضة] [ (1) ] ، فلما حاذوهما كبروا ثلاثا، فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال   [ () ] ثعلبة- ابني مليل بن ضمرة، أخي ليث والدّيل، أولاد بكر، أخي مرة، والد مدلج بن مرة، ابني عبد مناة بن كنانة. أحد السابقين الأولين، من نجباء أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم. قيل: كان خامس خمسة في الإسلام. ثم إنه ردّ إلى بلاد قومه، فأقام بها بأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم له بذلك، فلما أن هاجر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، هاجر إليه أبو ذرّ رضي اللَّه عنه، ولازمه، وجاهد معه، وكان يفتي في خلافة أبي بكر، وعمر وعثمان، وكان رأسا في الزهد، والصدق، والعلم، والعمل، قوّالا بالحق، لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، على حدّة فيه، وقد شهد فتح بيت المقدس مع عمر، رضي اللَّه عنهما. وقد قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي ذر- مع قوّة أبي ذرّ في بدنه وشجاعته-: «يا أبا ذرّ، إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمّرنّ على اثنين، ولا تولّينّ مال يتيم» . فهذا محمول على ضعف الرأي، فإنه لو ولي مال يتيم لأنفقه كلّه في سبيل الخير، ولترك اليتيم فقيرا، فإنه كان لا يستجيز ادخار النقدين، والّذي يتأمّر على الناس، يريد أن يكون فيه حلم ومداراة، وأبو ذر رضي اللَّه عنه كانت فيه حدّة فنصحه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وله مائتا حديث وأحد وثمانون حديثا، اتّفقا منها على اثنى عشر حديثا، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بتسعة عشر. قال الواقدي كان حامل راية غفار يوم حنين أبو ذر. قال الفلّاس والعيصم بن عديّ وغيرهما: مات سن اثنتين وثلاثين، ويقال: مات في ذي الحجة. * (الزهد للإمام أحمد) : 139، (مسند أحمد) : 5/ 144، (طبقات ابن سعد) : 4/ 219- 237 ، (التاريخ الكبير) : 2/ 212، (المعارف) : 2/ 67، 152، 195، 252، 253، (تاريخ الطبري) : 4/ 283، (المستدرك) : 3/ 337- 346، (حلية الأولياء) : 1/ 156- 170، (الاستيعاب) : 1/ 252- 456، 4/ 1652- 1656، (جامع الأصول) : 9/ 50- 59، (تاريخ الإسلام) : 2/ 165- 170، (تهذيب التهذيب) 12/ 98- 99، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 173 (كنز العمال) : 13/ 311، (شذرات الذهب) : 1/ 24، 56، 63، (الإصابة) : 1/ 506، 7/ 125- 130، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 46- 78. [ (1) ] هو إيماء بن رحضة بن خرّبة بن خفاف بن حارثة بن غفار، قديم الإسلام، قال ابن المديني: له صحبة. قال: وقد روي حنظلة الأسلمي عن خفاف بن إيماء بن رحضة حديث القنوت، وقال بعضهم: عن إيماء بن رحضة. وروي مسلم في صحيحه، قصة إسلام أبي ذر، من طريق عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذرّ، وفيها: فجئنا قومنا فأسلم نصفهم قبل أن يقدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة الغفاريّ. ولكن ذكر الإمام أحمد في هذا الحديث الاختلاف على رواية سليمان بن المغيرة، هل هو خفاف بن إيماء أو أبوه إيماء ابن رحضة؟ وعلى هذا فيمكن أن يكون إسلام خفاف تقدم على إسلام أبيه. وذكر الزبير بن بكار من حديث حكيم بن حزام، أن إيماء بن رحضة حضر بدرا مع المشركين، فيكون إسلامه بعد ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 العباس: بنو غفار. فقال: ما لي ولبني غفار!! ثم مضت أسلم [ (1) ] في أربعمائة فيها لواءان يحمل أحدهما بريدة بن الحصيب [ (2) ] ، والآخر ناجية بن الأعجم [ (3) ] .   [ () ] وقال ابن سعد: كان قد سكن غيقة من ناحية السّقيا، ويأوى إلى المدينة، وقال أبو عمر في الاستيعاب: أسلم قريبا من الحديبيّة، وكانوا مرّوا عليه ببدر وهو مشرك، ولابنه خفاف صحبة، وكانا ينزلان غيقة من بلاد بني غفار، ويأتون المدينة كثيرا، ولابنه خفاف رواية عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. * (الإصابة) : 1/ 169، (الاستيعاب) : 1/ 135، (طبقات ابن سعد) : 4/ 221، (مسلم بشرح النووي) : 16/ 31. [ (1) ] أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، منهم أبو فراس ربيعة بن كعب الأسلمي، له صحبة، أبو برزة الأسلمي وغيرهما. (اللباب في تهذيب الأنساب) : 1/ 58. ولد أسلم بن أفصى: سلامان بن أسلم، بطن، وهوازن بن أسلم، بطن، منهم: مالك والنعمان ابنا خلف بن عوف بن دارم بن عدّ بن وائلة بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم، كانا طليعتين للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد، قتلا فدفنا في قبر واحد، وبريدة بن الخصيب الأسلمي. (جمهرة أنساب العرب) : 240. [ (2) ] هو بريدة بن الحصيب بن عبد اللَّه بن الحارث بن الأعرج بن سعد. أبو عبد اللَّه، وقيل أبو سهل، وأبو ساسان، وأبو الحصيب، الأسلمي. قيل إنه أسلم عام الهجرة، إذ مرّ به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مهاجرا، وشهد غزوة خيبر، والفتح، وكان معه اللواء، واستعمله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على صدقة قومه. وكان يحمل لواء الأمير أسامة حين غزا أرض البلقاء، إثر وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. له جملة أحاديث، نحو مائة وخمسين حديثا، نزل مرو، ونشر العلم بها، وسكن البصرة مدة، ثم غزا خراسان زمن عثمان، وكان بريدة من أمراء عمر بن الخطاب في نوبة سرغ. وقال ابن سعد: مات بريدة سنة ثلاث وستين. * (مسند أحمد) : 5/ 346، (طبقات ابن سعد) : 4/ 241- 243، 7/ 365، (التاريخ الكبير) : 2/ 141، (المعارف) : 300، (الجرح والتعديل) : 2/ 424، (الإصابة) : 1/ 286- 287، (الاستيعاب) : 1/ 185- 186، (شذرات الذهب) : 1/ 70، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 469- 471. [ (3) ] هو ناجية بن الأعجم الأسلمي، شهد الحديبيّة مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني الهيثم بن واقد عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه قال: حدثني أربعة عشر رجلا من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أن ناجية بن الأعجم هو الّذي نزل بالسهم في البئر بالحديبية فجاشت بالرواء حتى صدورا بعطن. قال: وقال محمد بن عمر: ويقال الّذي نزل بالسهم ناجية بن جندب، ويقال: البراء بن عازب، ويقال: عباد بن خالد الغفاريّ، والأول أثبت أنه ناجية بن الأعجم، وعقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم فتح مكة لأسلم لواءين، فحمل أحدهما ناجية بن الأعجم، والآخر بريدة بن الحصيب. ومات ناجية بن الأعجم بالمدينة، في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان، وليس له عقب. * (طبقات ابن سعد) : 4/ 314- 315، (مغازي الواقدي) : 587، 588، 800، 819، (الإصابة) : 4/ 314- 315. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 فلما حاذوهما كبّروا، فقال: من هؤلاء؟ قال: أسلم. قال ما لي ولأسلم! ما كان بيننا وبينهم ترة [ (1) ] قط. قال العباس: هم قوم مسلمون دخلوا في الإسلام ثم مرّت بنو كعب بن عمرو [ (2) ] في خمسمائة، يحمل لواءهم بسر بن سفيان [ (3) ] . قال من هؤلاء؟ قال: بنو كعب بن عمرو. فلما حاذوه كبروا ثلاثا. ثم مرت مزينة [ (4) ]   [ (1) ] التّرة: الثأر، كناية عن هوانهم. [ (2) ] هم بنو كعب بن عمرو مزيقياء، ولد كعب بن عمرو مزيقياء: ثعلبة، وامرؤ القيس قاتل الجوع، وجبلة، ومالك. منهم النّمس، وهو يزيد ابن الأسود بن معدّ بن شراحبيل بن الأرقم بن الأسود ابن ثعلبة بن كعب، دخل مع جبلة إلى الروم، ثم رجع مسلما، ولولده بالشام عدد وشرف، ورجع معه جماعة من غسّان مسلمين. ومنهم: فروة بن المنذر، قاتل مع ابن الزبير، والسّموأل بن حيّا بن عاديا بن رفاعة بن الحارث ابن ثعلبة بن كعب بن عمرو مزيقياء، وكان يهوديا، وهو الّذي يضرب به المثل في الوفاء، وهو صاحب تيماء، وولده شريح بن السموأل، ولولده هنالك عدد، ومدحه الأعشى، وكانوا ملوك تيماء. والكعبيّ: نسبة إلى سبعة رجال، ذكرهم ابن الأثير في تهذيبه لأنساب السمعاني فليراجع هناك. * (جمهرة أنساب العرب) : 372، (اللباب في تهذيب الأنساب) : 3/ 101- 102، (الاشتقاق) : 436. [ (3) ] هو بسر بن سفيان بن عمرو بن عويمر بن صرمة بن عبد اللَّه بن عمير بن حبيشة بن سلول الخزاعيّ، قال ابن الكلبي: كتب إليه النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان شريفا. وقال أبو عمر: أسلم سنة ستّ، وجرى ذكره في حديث الحديبيّة وغيره. قال الإمام أحمد في مسندة: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم قالا: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عام الحديبيّة يريد زيارة البيت لا يريد قتالا، وساق معه الهدي سبعين بدنة، حتى إذا كان بعسفان لقيه بسر بن سفيان الكعبي، فقال: يا رسول اللَّه، هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجت معها العوذ المطافيل، .... فذكر الحديث مطوّلا. وله يقول عبد اللَّه بن الزّبعرى في قصة طلب آل مخزوم بدم الوليد بن الوليد بن المغيرة من خزاعة. ألا بلّغا بسر بن سفيان أنّه ... يبلّغها عني الخبير المفرّد فذكر القصيدة، قال: فأخذ بسر بيد ابنه فقال: يا معشر قريش، هذا ابني رهين لكم بالدية، فأخذه خالد بن الوليد، فأطعمه وكساه حلّة وطيّبه، وقال: انطلق إلى أبيك، فحمل بسر بن سفيان إليهم دية الولد. وفرّد الرجل: إذا تفقه وخلا بمراعاة الأمر والنهي، وقد جاء في الخبر: طوبى للمفردين. * (الإصابة) : 1/ 292، (طبقات ابن سعد) : 2/ 95، 160، 4/ 294، (الاستيعاب) : 1/ 166، (مغازي الواقدي) : 592، 943، (مسند أحمد) : 4/ 323، (لسان العرب) : 3/ 332 مادة «فرد» . [ (4) ] نسبوا إلى مزينة بنت كلب بن وبرة، أم عثمان وأوس، وهم قبيلة كبيرة، منها عبد اللَّه بن مغفّل المزني، له صحبة ومعقل، والنعمان وسويد بنو مقرن المزني، لهم صحبة، وأبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني المصري صاحب الشافعيّ، وأما أحمد بن إبراهيم بن العيزار المزني، فإنه نسبة إلى قرية مزنة، وهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 في ألف- فيها ثلاثة ألوية ومائة فرس، يحمل ألويتها: النعمان بن مقرّن [ (1) ] ، وبلال بن الحارث [ (2) ] ، وعبد اللَّه بن عمر [ (3) ]- فلما حاذوه كبّروا، فقال: من   [ () ] من قرى سمرقند وتحرك النسبة إليها. * (اللباب في تهذيب الأنساب) : 3/ 205، (جمهرة أنساب العرب) : 201، (معجم البلدان) : 1/ 614، مراصد الاطلاع: 1/ 236، (معجم ما استعجم) : 1/ 287، الاشتقاق: 180. [ (1) ] هو النعمان بن مقرّن أبو حكيم، وقيل: أبو عمرو المزنيّ الأمير، صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان إليه لواء قومه يوم فتح مكة، ثم كان أمير الجيش الذين افتتحوا نهاوند، فاستشهد يومئذ، وكان مجاب الدعوة، فنعاه عمر على المنبر إلى المسلمين، وبكى. حدّث عنه ابنه معاوية، ومعقل بن يسار، ومسلم بن الهيضم، وجبير بن حية الثقفيّ، وكان مقتله في سنة إحدى وعشرين، يوم جمعة، رضي اللَّه عنه. * (مسند أحمد) : 5/ 444، (الإصابة) : 6/ 449، (الاستيعاب) : 4/ 1505، (تهذيب التهذيب) : 10/ 407، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 196، (التاريخ الكبير) : 8/ 75 (المستدرك) : 3/ 292- 295، (شذرات الذهب) : 1/ 32، (المعارف) : 75، 183، 299، (طبقات ابن سعد) : 6/ 18، (الجرح والتعديل) : 8/ 444، (سير أعلام النبلاء) : 356- 358. [ (2) ] هو بلال بن الحارث بن عصم بن سعيد بن قرّة بن خلاوة- بالخاء المعجمة المفتوحة- ابن ثعلبة ابن ثور، أبو عبد الرحمن المزني، من أهل المدينة، أقطعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم العقيق. وفد على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في وفد مزينة سنة خمس من الهجرة، وسكن موضعا يعرف بالأشعر وراء المدينة، ثم تحول إلى البصرة، وكان صاحب لواء مزينة يوم الفتح. ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من المهاجرين، توفي سنة ستين في خلافة معاوية رحمه اللَّه، وهو ابن ثمانين سنة. وابنه حسّان بن بلال، أول من أحدث الإرجاء بالبصرة. * (شذرات الذهب) : 1/ 65، (الاستيعاب) : 1/ 183، (الإصابة) : 1/ 326، (تهذيب التهذيب) : 1/ 440، (طبقات ابن سعد) : 1/ 272، 291، 339، (حلية الأولياء) : 8/ 187، (المعارف) : 298، (مغازي الواقدي) : 276، 425، 426، 571، 799، 800، 820، 896، 1014، 1029. [ (3) ] هو عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب ابن لؤيّ بن غالب، الإمام القدوة شيخ الإسلام، أبو عبد الرحمن القرشيّ العدويّ المكيّ، ثم المدنيّ. أسلم وهو صغير، ثم هاجر مع أبيه قبل أن يحتلم، واستصغر يوم أحد، فأول غزواته الخندق، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وأمه وأم المؤمنين حفصة، زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون الجمحيّ. روي علما كثيرا نافعا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعن أبيه، وأبي بكر، وعثمان، وعليّ، وبلال، وصهيب، وعامر بن ربيعة، وزيد بن ثابت، وزيد عمّه (زيد بن الخطاب) ، وسعد، وابن مسعود، وعثمان ابن طلحة، وأسلم، وحفصة أخته، وعائشة، وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 هؤلاء؟ قال: مزينة. قال: ما لي ولمزينة! جاءتني تقعقع من شواهقها [ (1) ] ! ثم مرّت جهينة [ (2) ] في ثمانمائة-   [ () ] روي عنه الحسن البصريّ وطاووس، وابن شهاب الزّهريّ، وأمم سواهم. قدم الشام والعراق، والبصرة وفارس غازيا، وقال ابن يونس: شهد ابن عمر فتح مصر، واختط بها، وروي عنه أكثر من أربعين نفسا من أهلها. قال ابن مسعود: إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد اللَّه بن عمر، وعن عائشة رضي اللَّه عنها: ما رأيت أحدا ألزم للأمر الأول من ابن عمر. قال مالك: كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت، عبد اللَّه بن عمر، مكث ستين سنة يفتي الناس. عن مالك، بلغه أن ابن عمر قال: لو اجتمعت عليّ الأمّة إلا رجلين ما قاتلتهما، ولابن عمر في مسند بقيّ ألفان وستمائة وثلاثون حديثا بالمكرر، واتفقا له على مائة وثمانية وستين حديثا، وانفرد له البخاري بأحد وثمانين حديثا، ومسلم بأحد وثلاثين. قال ضمرة بن ربيعة: مات ابن عمر سنة ثلاث وسبعين. وقال مالك: بلغ ابن عمر سبعا وثمانين سنة. * (طبقات ابن سعد) : 2/ 373، 4/ 188، (الزهد للإمام أحمد) : 237، (التاريخ الصغير) : 1/ 154، (حلية الأولياء) : 1/ 292- 314، (المعارف) : 37، 135، 162، 184- 185، 186، 187، 188، 189، 190، 200، 274، 364، 401، 452، 453، 460، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 278، 281، (وفيات الأعيان) : 3/ 28- 31 ، (جمهرة أنساب العرب) : 152، (المستدرك) : 3/ 556، 557، (جامع الأصول) : 9/ 64، (تاريخ بغداد) : 1/ 171- 173، (الجرح والتعديل) : 5/ 107، (مرآة الجنان) : 1/ 154، (البداية والنهاية) : 9/ 7- 9، (الإصابة) : 4/ 181- 188، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/ 81، (شذرات الذهب) : 1/ 81، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 203- 239 . [ (1) ] القعقاع: من إذا مشى سمع لمفاصل رجليه تقعقع. (ترتيب القاموس) : 3/ 660، والشواهق: جمع شاهق، وهي الجبال العالية، وكانت مزينة من أصحاب الجبال، وكني أبو سفيان بذلك عن أنهم أجلاف غلاظ. [ (2) ] جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم، ولد جهينة بن زيد: قيس، ومودوعة. فولد قيس ابن جهينة: غطفان وغيّان، وفد بنو غيّان على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال لهم: أنتم بنو رشدان، وكان واديهم يسمى غوى، فسمّي رشدا. وينسب إليها خلق كثير من الصحابة التابعين ومن بعدهم. قال ابن الأثير في (اللباب) : هكذا قال السمعاني جهينة، واسمه زيد، وليس كذلك، وإنما جهينة هو ابن زيد، وأسلم بضم اللام. وجهينة أيضا قرية من قرى الموصل، منها تاج الإسلام أبو عبد اللَّه الحسين بن نصر بن محمد ابن خميس الموصلي الجهنيّ، الفقيه المحدث المشهور. * (اللباب في تهذيب الأنساب) : 1/ 317- 318، (جمهرة أنساب العرب) : 444. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 معها أربعة ألوية يحملها أبو روعة معبد بن خالد [ (1) ] ، وسويد بن صخر [ (2) ] ، ورافع بن مكيث [ (3) ]   [ (1) ] هو معبد بن خالد الجهنيّ، يكنى أبو روعة، أو أبو زرعة. ذكره الواقدي في الصحابة، وقال: أسلم معبد بن خالد قديما، وهو أحد الأربعة لذين حملوا ألوية جهينة يوم الفتح، ومات سنة اثنتين وسبعين، وهو ابن بضع وثمانين، وكان يلزم البادية. وقال أبو أحمد في كتاب الكنى في الراء: أبو روعة هو معبد بن خالد الجهنيّ، له صحبة، كان يلزم البادية، ذكره الواقدي، وقال عنه: توفي سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن ثمانين سنة. وكذلك قال ابن أبي حاتم سواء في الكنية والسّن والوفاة، وقالا: له صحبة، وزاد ابن أبي حاتم: وروي عن أبي بكر وعمر. وقال ابن أبي حاتم: هو غير معبد بن خالد الّذي هو عندهم أول من تكلم بالقدر بالبصرة. وقال: لا يعرف معبد الجهنيّ ابن من هو؟ وليس ابن خالد، وقال غيره: هو نفسه. * (مغازي الواقدي) : 571، 800، 820، 896، 940، 1038، (المعارف) : 122، 441، 484، 547، 625، (الاستيعاب) : 3/ 1426، (الإصابة) : 6/ 364- 365، (تاريخ الصحابة) : 238، (شذرات الذهب) : 1/ 78، (طبقات ابن سعد) : 3/ 25، 7/ 364. [ (2) ] هو سويد بن صخر الجهنيّ الأنصاري، ذكر الطبري أنه كان أحد الأربعة الذين يحملون ألوية جهينة، وشهد الحديبيّة، وذكره الواقدي في جملة العشرين الذين خرجوا إلى العرنيين في سرية غالب بن عبد اللَّه الليثي، وهو والد عقبة بن سويد، له صحبة، وذكره ابن حبّان في الثقات، والبخاري في تاريخه الكبير. * (مغازي الواقدي) : 571، 751، 800، 820، 896، (التاريخ الكبير للبخاريّ) : 4/ 141، (الجرح والتعديل) : 4/ 232، (الثقات) : 3/ 178، (الإصابة) : 3/ 226، (تاريخ الصحابة) : 125 ت 592. [ (3) ] هو رافع بن مكيث بن عمرو بن جراد بن يربوع بن طحيل بن عديّ بن الرّبعة بن رشدان بن قيس ابن جهينة، أسلم وشهد الحديبيّة مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وبايع تحت الشجرة بيعة الرضوان، وكان مع زيد بن حارثة في السرية التي وجّهه فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى حسمى، وأ كانت في جمادى الآخرة سنة ست، وبعثه زيد بن حارثة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشيرا على ناقة من إبل القوم، فأخذها منه عليّ ابن أبي طالب في الطريق، فردّها على القوم، وذلك حين بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليردّ عليهم ما أخذ منهم، لأنهم قد كانوا قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلموا، وكتب لهم كتابا. وكان رافع بن مكيث أيضا مع كرز بن جابر الفهريّ حين بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذي الجدر، وكان مع عبد الرحمن بن سريته إلى دومة الجندل، وبعثه بكتابه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشيرا بما فتح اللَّه عليه. ورافع بن مكيث أحد الأربعة الذين حملوا ألوية جهينة الأربعة، التي عقدها لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يوم فتح مكة، وبعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على صدقات جهينة يصدّقهم، وكانت له دار بالمدينة، ولجهينة مسجد بالمدينة. * (طبقات ابن سعد) : 2/ 88، 131، 160، (الجرح والتعديل) : 3/ 480، (التاريخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وعبد اللَّه بن بدر [ (1) ]- فلما حاذوهما كبّروا ثلاثا. ثم مرت كنانة [ (2) ] : [بنو ليث [ (3) ] ، وضمرة، وسعد ابن بكر] [ (4) ] في مائتين، يحمل لواءهم أبو واقد الليثي [ (5) ] ، فلما حاذوهما كبروا   [ () ] الكبير) : 3/ 302، (تهذيب التهذيب) : 3/ 201، (الإصابة) : 2/ 445، (تاريخ الصحابة) : 98، (الاستيعاب) : 2/ 485. [ (1) ] هو عبد اللَّه بن بدر بن زيد بن معاوية بن حسّان بن أسعد بن وديعة بن مبذول بن عديّ بن غنم ابن الرّبعة بن رشدان بن قيس بن جهينة، وكان اسمه عبد العزّى، فلما أسلم غيّر اسمه، فسمّي عبد اللَّه، وأبوه بدر بن زيد الّذي ذكره العباس بن مرداس في شعره. وكان عبد اللَّه بن بدر مع كرز بن جابر الفهريّ، حين بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، سرية إلى العرنيّين الذين أغاروا على لقاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذي الجدر، وهو أحد الأربعة الذين حملوا ألوية جهينة التي عقدها لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم فتح مكة، ونزل عبد اللَّه بن بدر المدينة، وله بها دار، وكان ينزل أيضا البادية بالقبليّة جبال جهينة، وقد روي عن أبي بكر. ومات رضي اللَّه عنه في خلافة معاوية ابن أبي سفيان. * (تاريخ الصحابة) : 161 ت 790، (طبقات ابن سعد) : 1/ 333، 4/ 346، 347، 5/ 556، (التاريخ الكبير) : 3/ 23، (تاريخ الطبري) : 7/ 415، 451، (مغازي الواقدي) : 571، 800، 820، (الثقات) : 3/ 239، (الاستيعاب) : 3/ 871- 872، (الإصابة) : 4/ 19- 20، (الشعر والشعراء) : 184. [ (2) ] ، (3) ، (4) كنانة: بطن من عذرة بن زيد اللات، كان له من الولد عبد اللَّه بطن، وعوف وهم العنطوان بطن. وأما كنانة كلب: فهو كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة ابن ثور بن كلب. وكنانة قريش: هو كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وهو والد النضر جد قريش. ففي قول إن ولد النضر يقال لهم قريش، وفي قول يقال ذلك لولد فهر بن مالك ابن النضر. وإذا قيل في النسب كنانيّ، فهم ولد كنانة بن خزيمة غير النضر، مثل ليث، والديل، وضمرة بني عبد مناة بن كنانة، فيقال كناني ليثي. * (اللباب في تهذيب الأنساب) : 3/ 111- 112، (سبائك الذهب) : 106. وبنو سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان، وهم أظآر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، عندهم استرضع عليه السلام. * جمهرة أنساب العرب: 265. [ (5) ] هو أبو واقد الليثي، مختلف في اسمه، قيل: الحارث بن مالك، وقيل: ابن عوف، وقيل: عوف ابن الحارث بن أسيد بن جابر بن عبد مناة بن شجع بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن علي ابن كنانة. كان حليف بني سعد، قال البخاري، وابن حبان، والباوردي، وأبو أحمد الحاكم: شهد بدرا. وقال أبو عمر: قيل شهد بدرا، ولا يثبت. وقال ابن سعد: أسلم قديما، وكان يحمل لواء بني ليث، وضمرة، وسعد بن بكر يوم الفتح، وحنين، وفي غزوة تبوك يستنفر بني ليث، وكان خرج إلى مكة فجاور بها سنة فمات وقال في موضع آخر: دفن في مقبرة المهاجرين. روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعن أبي بكر، وعن عمر، وأسماء بنت أبي بكر. وروى عنه ابناه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 ثلاثا. فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال: بنو بكر. قال: أهل شؤم! هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم، أما واللَّه ما شوورت [ (1) ] فيه ولا علمته، ولقد كنت له كارها حيث بلغني، ولكنه أمر حمّ [ (2) ] ! قال العباس: قد خار اللَّه لك [ (3) ] في غزو محمد لكم. ودخلتم في الإسلام كافة. ومرّت بنو ليث [ (4) ]- وهم مائتان وخمسون يحمل لواءهم الصعب بن جثامة [ (5) ]- فلما حاذوهما كبروا ثلاثا فقال   [ () ] عبد الملك، وواقد، وأبو سعيد الخدريّ، وعطاء بن يسار، وعروة، وآخرون. وأما شهوده بدرا فهذا محل خلاف بين الأئمة. * (حلية الأولياء) : 8/ 359، (مسند أحمد) : 5/ 217، (التاريخ الكبير) : 2/ 58، (الجرح والتعديل) : 3/ 82، (المستدرك) : 7/ 531، (الاستيعاب) : 4/ 1774، (تهذيب التهذيب) : 12/ 270- 271، (الإصابة) : 7/ 55- 456، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 252 (شذرات الذهب) : 1/ 76، (تاريخ الصحابة) : 68- 69، (مغازي الواقدي) : 453، 820، 890، 896، 990، (طبقات ابن سعد) : 5/ 173، 175، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 574- 576. [ (1) ] شوورت: من المشاورة، وفي (خ) : «شووت» . [ (2) ] حمّ الأمر: قضي وأنفد، وفي (خ) : «جم» . [ (3) ] خار اللَّه لك: اختار لك خير الأمرين. [ (4) ] انظر التعليق رقم: (29) ، (30) ، (31) . [ (5) ] هو الصعب بن جثّامة بن قيس بن ربيعة بن عبد اللَّه بن يعمر الليثي، حليف قريش. واسم جثّامة يزيد، أمه أخت أبي سفيان بن حرب، واسمها فاختة. وقيل زينب. وكان ينزل ودّان. مات في آخر خلافة أبي بكر، أو في أول خلافة عمر، قال ابن حبان، ويقال: مات في خلافة عثمان، والأول أثبت. وشهد فتح إصطخر، فقد روي ابن السكن من طريق صفوان بن عمرو، حدثني راشد بن سعد قال: لما فتحت إصطخر نادى مناد: ألا إنّ الدّجال قد خرج، فلقيهم الصعب بن جثّامة قال: لقد سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره. قال ابن السكن: إسناده صالح. قال الحافظ ابن حجر: فيه إرسال، وهو يردّ على من قال: إنه مات في خلافة أبي بكر. وقال ابن مندة: كان الصعب ممن شهد فتح فارس. وقال يعقوب بن سفيان: أخطأ من قال: إن الصعب بن جثّامة مات في خلافة أبي بكر خطأ بينا، فقد روي ابن إسحاق عن عمر بن عبد اللَّه، أنه حدّثه عن عروة، قال: لما ركب أهل العراق في الوليد بن عقبة كانوا خمسة، منهم: الصعب بن جثّامة، وللصعب أحاديث في الصحيح من رواية ابن عباس عنه. وأخرج أبو بكر بن لال في كتاب المتحابين، من طريق جعفر بن سليمان، عن ثابت قال: آخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين عوف بن مالك والصعب بن جثّامة، رضي اللَّه تعالى عنهما. * (تاريخ الصحابة) : 137، (الإصابة) : 3/ 426- 427، (الاستيعاب) : 2/ 739، (الثقات) : 3/ 195، (تهذيب التهذيب) : 4/ 369، (مغازي الواقدي) : 556، 820، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال: بنو ليث. ثم مرّت أشجع [ (1) ]- وهما ثلاثمائة معهم لواءان يحملهما معقل بن سنان [ (2) ] ، ونعيم بن مسعود [ (3) ]- فقال أبو سفيان:   [ () ] 1096، (جمهرة أنساب العرب) : 181، (التاريخ الكبير) : 4/ 322، (الجرح والتعديل) : 4/ 450، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 249، (الكامل في التاريخ) : 2/ 449، (تاريخ الإسلام) : 3/ 76- 77. [ (1) ] هم بنو أشجع بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان. منهم معقل بن سنان بن مظاهر بن عركيّ ابن فتيان بن سبيع بن أشجع بن ريث. * (لسان العرب) : 8/ 175، (جمهرة أنساب العرب) : 249- 250، (اللباب) : 1/ 64، (سبائك الذهب) : 270. [ (2) ] هو معقل بن سنان الأشجعي، له صحبة ورواية، حمل لواء أشجع يوم الفتح، وهو راوي قصة «بروع» ، وكان من كبار أهل الحرة، أسر فذبح صبرا يوم الحرّة، وله نيف وسبعون سنة، قتل في سنة ثلاث وستين. أخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي، في النكاح: باب إباحة التزوج بغير صداق، والترمذي في الرضاع: باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها، وابن ماجة في النكاح، من طريق الشعبي عن مسروق، عن عبد اللَّه، في رجل تزوج امرأة، فمات عنها، ولم يدخل بها، ولم يفرض لها الصداق، فقال: لها الصداق كاملا، وعليها العدة، ولها الميراث، فقال معقل بن سنان: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قضى في بروع بنت واشق. وإسناده صحيح، وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، ووافقه الذهبي. * (مسند أحمد) : 3/ 474، (طبقات ابن سعد) : 4/ 282- 283، (التاريخ الكبير) : 7/ 391، (المعارف) : 298، (الجرح والتعديل) : 8/ 284، (تهذيب التهذيب) : 10/ 210 (الإصابة) : 6/ 181- 183، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 45، (شذرات الذهب) : 1/ 71، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 576- 577، (تاريخ الصحابة) : 239. [ (3) ] هو نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيس بن ثعلبة بن قنفذ بن خلادة بن سبيع بن بكر بن أشجع بن ريث ابن غطفان، الغطفانيّ، الأشجعيّ، الصحابيّ، أبو سلمة، أسلم في وقعة الخندق، وهو الّذي أوقع الخلف بين قريظة وغطفان وقريش يوم الخندق، وخذل بعضهم عن بعض، وأرسل اللَّه تعالى عليهم ريحا وجنودا لم يروها. وقيل: إنه الّذي نزلت فيه: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ يعني نعيم بن مسعود وحده، كني عنه وحده بالناس في قول طائفة من أهل التفسير. قال بعض أهل المعاني: إنما قيل ذلك، لأن كلّ واحد من الناس يقوم مقام الآخر في مثل ذلك وقد قيل في تأويل الآية غير ذلك. سكن نعيم بن مسعود المدينة، ومات في خلافة، عثمان، يوم الجمل مع عليّ، رضي اللَّه عنهم. * (تهذيب التهذيب) : 10/ 415- 416، (الثقات) : 3/ 415، (رجال أنزل اللَّه فيهم قرآنا) : 1/ 106- 107، 4/ 197، 198، 199، (تاريخ الصحابة) : 250، (الاستيعاب) : 1508، 1509، (الإصابة) : 6/ 461، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 131، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 98. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 [من هؤلاء؟ قال: بنو أشجع. قال] [ (1) ] : هؤلاء كانوا أشدّ العرب على محمد! فال العباس: أدخل اللَّه قلوبهم الإسلام، فهذا من فضل اللَّه. كتيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما طلعت كتيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخضراء، طلع سواد وغبرة من سنابك الخيل، ومرّ الناس حتى مرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ناقته القصواء بين أبي بكر [ (2) ]   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] هو عبد اللَّه بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤيّ، وفي «مرّة» يلتقي نسبه مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. واسم أمه: أم الخير، سلمي بنت صخر بن عامر، ماتت مسلمة. وفي تسميته بعتيق ثلاثة أقوال: أحدهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نظر إليه فقال: هذا عتيق من النار. والثاني أنه اسم سمّته به أمه. الثالث: أنه سمّي به لجمال وجهه. وكان رضي اللَّه عنه أبيض نحيفا، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب شيبة بالحناء والكتم. وكان أول من آمن من الرجال. وعن عائشة قالت: ما أسلم أحد من المهاجرين إلا أبو بكر. وجاء أنه اتّجر إلى بصري غير مرة، وأنه أنفق أمواله على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي سبيل اللَّه. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه، ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدا يكافيه اللَّه بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قطّ ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإنّ صاحبكم خليل اللَّه» . قال حسان بن ثابت، وابن عباس، وأسماء بنت أبي بكر، وإبراهيم النّخعيّ: أول من أسلم أبو بكر. وكان له من الولد: عبد اللَّه، وأسماء ذات النطاقين وأمّهما قتيلة. وعبد الرحمن وعائشة، أمهما أم رومان. ومحمد، أمه أسماء بنت عميس. وأم كلثوم، أمها حبيبة بنت خارجة بن زيد، وكان أبو بكر لما هاجر إلى المدينة نزل على «خارجة» فتزوج ابنته. فأما عبد اللَّه: فإنه شهد الطائف. وأما أسماء: فتزوجها الزبير فولدت له عدّة ثم طلقها، فكانت مع ابنها عبد اللَّه إلى أن قتل، وعاشت مائة سنة، وأما عبد الرحمن: فشهد يوم بدر مع المشركين ثم أسلم. وأما محمد: فكان من نساك قريش، إلا أنه أعان على عثمان يوم الدار، ثم ولّاه علي ابن أبي طالب مصر، فقتله هناك صاحب معاوية. وأما أم كلثوم: فتزوجها طلحة بن عبيد اللَّه رضي اللَّه عنه. عن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاء الصريخ إلى أبي بكر، فقيل له: أدرك صاحبك، فخرج من عندنا وإنّ له غدائر، فدخل المسجد وهو يقول: ويلكم أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ (28/ غافر) قال: فلهوا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأقبلوا إلى أبي بكر، فرجع إلينا أبو بكر، فجعل لا يمسّ شيئا من غدائره إلا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام. (الغدائر) : الضفائر. ذكر أهل العلم بالتواريخ والسّير، أن أبا بكر شهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بدرا وجميع المشاهد، ولم يفته منها مشهد، وثبت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد حين انهزم الناس، ودفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377   [ () ] إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رايته العظمى يوم تبوك، وأنه كان يملك يوم أسلم أربعين ألف درهم، فكان يعتق منها ويقوي المسلمين، وهو أول من جمع القرآن، وتنزّه عن شرب المسكر في الجاهلية والإسلام، وهو أول من قاء تحرجا من الشبهات. وذكر محمد بن إسحاق أنه أسلم على يده من العشرة خمسة: عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اللَّه، والزبير، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنهم. عن أبي سعيد قال: خطب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: «إن اللَّه عزّ وجلّ خيّر عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عنده» . فبكى أبو بكر رحمة اللَّه عليه، فعجبنا من بكائه أن أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من عبد خيّر، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا به. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي عزّ وجلّ لاتخذت أبا بكر، لكن أخوّة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر. أخرجاه في الصحيحين، البخاري في باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر» ، ومسلم في باب من فضائل أبي بكر الصديق. وعن الحسن قال: قال عليّ عليه السلام: لما قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قد قدّم أبا بكر في الصلاة، فرضينا لدنيانا من رضي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لديننا، فقدمنا أبا بكر. وقالت عائشة: لما استخلف أبو بكر ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت المال وقال: قد كنت أتّجر فيه وألتمس به، فلما وليتهم شغلوني. وأخرج ابن سعد نحوه من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: لما ولي أبو بكر قال: قد علم قومي أن حرفتى لم تكن لتعجز عن مؤنة أهلي وقد شغلت بأمر المسلمين، وسأحترف للمسلمين في مالهم، وسيأكل آل أبي بكر من هذا المال. وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما ولي أبو بكر خطب الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: «أما بعد أيها الناس، قد وليت أمركم ولست بخيركم، ولكن قد نزل القرآن، وسنّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم السّنن فعلمنا، اعلموا أن أكيس الكيس التقوى، وأن أحمق الحمق الفجور، إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق، أيها الناس، إنما أنا متّبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني. وعن عائشة قالت: لما مرض أبو بكر مرضه الّذي مات فيه قال: انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة، فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي، فنظرنا فإذا عبد نوبيّ (نسبة إلى بلاد النوبة جنوبيّ مصر) كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح (بعير يستقي عليه) كان يسقي بستانا له، فبعثنا بهما إلى عمر. قالت: فأخبرني جدي أن عمر بكى وقال: رحمة اللَّه على أبي بكر، لقد أتعب من بعده تعبا شديدا. روي أبو بكر رضي اللَّه عنه مائة حديث واثنين وأربعين حديثا. وتوفي أبو بكر ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء، لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين، وأوصي أن تغسّله أسماء زوجته، فغسّلته، وأن يدفن إلى جنب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصلى عليه عمر بين القبر والمنبر، ونزل في حفرته ابنه عبد الرحمن، وعمر، وعثمان، وطلحة بن عبيد اللَّه. رحمه اللَّه ورضي عنه، وحشرنا في زمرته، وأماتنا على سنته ومحبته. * (طبقات ابن سعد) : 3/ 169- 213، (تاريخ الطبري) : 2/ 314، (المعارف) : 167- 178 ، (تاريخ الإسلام) : 3/ 105- 122، (صفة الصفوة) : 1/ 123- 139، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 وأسيد بن حضير [ (1) ]- وهو يحدثهما-، ومعه المهاجرون [ (2) ] والأنصار، - فيها الرايات والألوية، مع كل بطن من بطون الأنصار راية ولواء- في الحديد لا يرى   [ () ] (معجم البلدان) : 5/ 356- 357، (لسان العرب) : 2/ 619 (مادة نضح) ، 5/ 11 (مادة غدر) ، (مسلم بشرح النووي) : 15/ 158 كتاب (44) باب (1) حديث رقم (2) ، (صحيح سنن الترمذي) : 3/ 200 باب (52/ 33) حديث رقم (2894) ، (صحيح ابن ماجة) : 1/ 22 باب (11) حديث رقم (77) ، (السلسلة الصحيحة) : حديث رقم (278) ، (شذرات الذهب) : 1/ 24، (تاريخ الخلفاء) : 21- 85، (العقد الفريد) : 3/ 90- 91، 176، (تلقيح الفهوم) : 104- 106، (أسماء الصحابة الرواة) : 57. [ (1) ] هو أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن نافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، الإمام أبو يحيى، وقيل: أبو عتيك الأنصاريّ، الأوسي، الأشهليّ، أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة. أسلم قديما، وما شهد بدرا، وقال ابن عبد ربه: شهد بدرا، وكان أبوه شريفا مطاعا، يدعى حضير الكتائب، وكان رئيس الأوس يوم بعاث، فقتل يومئذ قبل عام الهجرة بستّ سنين، وكان أسيد يعد من عقلاء الأشراف وذوي الرأي. قال محمد بن سعد: آخى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بينه وبين زيد بن حارثة، وله رواية أحاديث روت عنه عائشة، وكعب بن مالك، وعبد الرحمن بن أبي ليلي. ولم يلحقه. وذكر الواقدي أنه قدم الجابية مع عمر، وكان مقدما على ربع الأنصار، وأنه ممن أسلم على يد مصعب بن عمير، هو وسعد بن معاذ. قال أبو هريرة: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أسيد بن حضير» أخرجه الترمذي، وإسناده جيد، وروي أن أسيدا كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن. وقال ابن إسحاق: حدثنا يحيى بن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه عن عائشة قالت: ثلاث من الأنصار لم يكن أحد منهم يلحق في الفضل، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد ابن حضير، وعباد بن بشر. مات رضي اللَّه عنه في شعبان سنة عشرين، وصلى عليه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، ودفن بالبقيع. * (تاريخ الصحابة) : 30، (العقد الفريد) : 3/ 327، (أسماء الصحابة الرواة) : 129، (صحيح سنن الترمذي للألباني) : 3/ 228، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 340- 343، (الثقات) : 3/ 6- 7، (الإصابة) : 1/ 83- 84، (الاستيعاب) : 1/ 92- 94، (طبقات ابن سعد) : 3/ 603- 607، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 98، (الوافي بالوفيات) : 9/ 258، (تهذيب التهذيب) : 1/ 303- 304، (الجرح والتعديل) : 2/ 310، (صفة الصفوة) : 1/ 259- 261، (التاريخ الكبير) : 2/ 47، (البداية والنهاية) : 7/ 116، (مسند أحمد) : 4/ 226، (التاريخ الصغير) : 1/ 46، (شذرات الذهب) : 1/ 31، (تاريخ الإسلام) : 2/ 294، 295، 297، 304، 490، (كنز العمال) : 13/ 277- 281، (مرآة الجنان) : 1/ 76، (تلقيح الفهوم) : 162. [ (2) ] في (خ) : «المهاجرين» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 منهم إلى الحدق، ولعمر بن الخطاب [ (1) ]   [ (1) ] هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤيّ، أمير المؤمنين، أبو حفص، القرشيّ، العدويّ، الفاروق، أسلم في السنة السادسة من النبوة، وله سبع وعشرون سنة. أمّه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة، المخزومية، وقيل: حنتمة بنت هشام، أخت أبي جهل. ولد عمر رضي اللَّه عنه بعد الفيل بثلاث عشرة سنة. وقيل: ولد بعد الفجار الأعظم بأربع سنين، قبل المبعث النبوي بثلاثين سنة، وقيل: غير ذلك. وكان من أشراف قريش، وإليه كانت السفارة في الجاهلية، فكانت قريش إذا وقعت الحرب بينهم- أو بينهم وبين غيرهم- بعثوه سفيرا: أي رسولا، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر، بعثوه منافرا أو مفاخرا. أسلم قديما بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة، وقيل: بعد تسعة وثلاثين رجلا وثلاث وعشرين امرأة، وقيل: غير ذلك، فما هو إلا أن أسلم، فظهر الإسلام بمكة، وفرح به المسلمون. وهو أحد السابقين الأولين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأحد كبار علماء الصحابة وزهّادهم. روي له عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثا. روي عنه عثمان بن عفان، وعلي، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود، وأبو ذر الغفاريّ، وعمرو بن عبسة، وابنه عبد اللَّه، وابن عباس، وابن الزبير، وأنس، وأبو هريرة وعمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعري، والبراء بن عازب، وأبو سعيد الخدريّ، وآخرون. أخرج الترمذي عن ابن عمر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «اللَّهمّ أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل بن هشام» . وأخرج الحاكم عن ابن عباس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «اللَّهمّ أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة» . وأخرج أحمد عن عمر قال: خرجت أتعرض لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أتعجب من تأليف القرآن، فقلت: واللَّه هذا شاعر كما قالت قريش، فقرأ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (الحاقة: 40- 41) فوقع في قلبي الإسلام كل موقع، وقصة إسلامه معروفة، نمسك عن ذكرها لطولها واشتهارها. وقيل لأبي بكر في مرضه: ماذا تقول لربك وقد وليت عمر؟ قال: أقول له: وليت عليهم خيرهم. أخرجه ابن سعد. وأخرج الشيخان عن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول اللَّه لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (البقرة/ 125) ، وقلت: يا رسول اللَّه، يدخل على نسائك البر والفاجر، فلو أمرتهن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الغيرة، فقلت: عسى ربه إن طلقهن أن يبدله أزوجا خيرا منكن، فنزلت كذلك. قال أبو عبد اللَّه الشيبانيّ في (فضائل الإمامين) : وافق عمر ربه في أحد وعشرين موضعا، فذكرها، وقد أمسكنا عن ذكرها خشية الإطالة. وأخرج البيهقي وأبو نعيم- كلاهما في دلائل النبوة- عن نافع عن ابن عمر، قال: وجّه عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380   [ () ] جيشا، ورأس عليهم رجلا يدعى سارية، فبينما عمر يخطب، جعل ينادي: يا سارية الجبل، ثلاثا، ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا، فبينا نحن كذلك إذا سمعت صوتا ينادي: يا سارية الجبل، ثلاثا، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل، فهزمهم اللَّه! قيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك، وذلك الجبل الّذي كان سارية عنده وفد من أرض العجم. قال ابن حجر في الإصابة: إسناده حسن. وقال خزيمة بن ثابت: كان عمر إذا استعمل عاملا كتب له، واشترط عليه أن لا يركب برذونا، ولا يأكل نقيا، ولا يلبس رقيقا، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات، فإن فعل فقد حلّت عليه العقوبة. ولي الخلافة بعهد من أبي بكر في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، قال الزهري: استخلف عمر يوم توفي أبو بكر، يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة. أخرجه الحاكم، فقام بالأمر أتمّ قيام وكثرت الفتوح في أيامه. وقال أبو رافع: كان أبو لؤلؤة مولى المغيرة يصنع الأرحاء (جمع رحى) ، وكان المغيرة يستغلّه كل يوم أربعة دراهم، فلقى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة قد أثقل عليّ فكلّمه، فقال: أحسن إلى مولاك- ومن نية عمر أن يكلم المغيرة فيه- فغضب وقال: يسع الناس كلّهم عدله غيري، وأضمر قتله، واتخذ خنجرا، وشحذه وسمّه، وكان عمر يقول: «أقيموا صفوفكم» قبل أن يكبّر، فجاء فقام حذاءه في الصف، وضربه في كتفه وفي خاصرته فسقط عمر، وطعن ثلاثة عشر رجلا معه، فمات منهم ستة. وحمل عمر إلى أهله، وكادت الشمس تطلع، فصلى عبد الرحمن بن عوف بالناس بأقصر سورتين (الكوثر والنصر) . وأتي عمر بنبيذ فشربه، فخرج من جرحه، فلم يتبين، فسقوه لبنا، فخرج من جرحه، فقالوا: لا بأس عليك، فقال-: إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت، فجعل الناس يثنون عليه ويقولون: كنت وكنت، فقال: أما واللَّه وددت أني خرجت منها كفافا لا عليّ ولا لي، وأن صحبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سلمت لي. وأثنى عليه ابن عباس فقال: لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من هول المطلع، وقد جعلتها شورى في عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد. وأمر صهيبا أن يصلى بالناس. أخرجه الحاكم. وقال ابن عباس: كان أبو لؤلؤة مجوسيا. وقال عمرو بن ميمون: قال عمر: الحمد للَّه الّذي لم يجعل منيّتي بيد رجل يدّعي الإسلام، ثم قال لابنه: يا عبد اللَّه، انظر ما عليّ من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوها، فقال: إن وفى مال آل عمر فأدّه من أموالهم، وإلا فاسأل في بني عدي، فإن لم تف أموالهم فاسأل في قريش. اذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل: يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه، فذهب إليها فقالت: كنت أريده- تعني المكان- لنفسي، ولأوثرنّه اليوم على نفسي، فأتي عبد اللَّه فقال: قد أذنت، فحمد اللَّه تعالى، وقيل له: أوصي يا أمير المؤمنين واستخلف، قال: ما أرى أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو عنهم راض، فسمي الستة. وأما أوّليات عمر رضي اللَّه عنه: * فهو أول من سمي أمير المؤمنين. * وأول من كتب التاريخ من الهجرة. * وأول من اتخذ بيت المال. * وأول من سنّ قيام شهر رمضان في جماعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 فيها زجل [ (1) ] ، وعليه الحديد، وهو يزعها [ (2) ] فقال أبو سفيان: لقد أمر أمر بني عدّي [ (3) ] بعد قلة وذلة! فقال العباس: إن اللَّه يرفع ما يشاء، وإن عمر ممن رفعه الإسلام. مقالة سعد بن عبادة لأبي سفيان وكان في الكتيبة ألف دارع: وسعد بن عبادة يحمل راية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمام الكتيبة، فنادى: يا أبا سفيان! اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلّ الحرمة، اليوم أذلّ اللَّه قريشا! فنادى أبو سفيان- عند ما حاذاه النبي عليه السلام- يا رسول اللَّه، أمرت بقتل قومك؟ زعم سعد ومن معه كذا- وذكر ما قاله سعد- وإني أنشدك اللَّه في قومك! فأنت أبرّ الناس، وأرحم الناس وأوصل الناس!!.   [ () ] * وأول من عسّ بالليل. * وأول من عاقب على الهجاء. * وأول من ضرب في الخمر ثمانين. * وأول من حرّم المتعة. * وأول من نهي عن بيع أمهات الأولاد. * وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات. * وأول من اتخذ الديوان. * وأول من فتح الفتوح ومسح السواد. * وأول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة إلى المدينة. * وأول من احتبس صدقة في الإسلام. * وأول من أعال الفرائض. * وأول من أخذ زكاة الخيل. * وأول من قال: أطال اللَّه بقاءك. * وأول من قال: أيّدك اللَّه (قالها لعليّ) . * وهو أول من اتخذ الدّرّة، ولقد قيل بعده: لدرّة عمر أهيب من سيفكم. * وهو أول من استقضى القضاة في الأمصار. * وهو أول من مصّر الأمصار: الكوفة، والبصرة، والجزيرة، والشام، ومصر. أصيب عمر رضي اللَّه عنه يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة، ودفن يوم الأحد مستهلّ المحرم الحرام، وله ثلاث وستون سنة، وقيل-: ستون، ورجحه الواقديّ، وصلى عليه صهيب في المسجد. وفي تهذيب المزني: كان نقش خاتم عمر «كفى بالموت واعظا يا عمر» وأخرج الطبرانيّ عن طارق ابن شهاب قال: قالت أم أيمن يوم قتل عمر: اليوم وهي الإسلام. وأخرج عبد الرحمن بن يسار قال: شهدت موت عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، فانكسفت الشمس يومئذ. رجاله ثقات. * (تاريخ الخلفاء) : 86- 117، (الإصابة) : 4/ 588- 591 (ترجمة رقم 5740) ، (حلية الأولياء) : 1/ 38- 55، (الاستيعاب) : 3/ 1144- 1159 (ترجمة رقم 1878) ، (جمهرة أنساب العرب) : 150- 156، (المستدرك) : 3/ 86- 101، (صفة الصفوة) : 1/ 139- 153، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 3- 14، (مرآة الجنان) : 1/ 78- 82 ، (شذرات الذهب) : 1/ 33- 34، (تاريخ الإسلام) : 2/ 253- 284. [ (1) ] زجل: جلبة وصوت. [ (2) ] يكفها عن التفرق والانتشار. [ (3) ] أمر أمره: ارتفع شأنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 عزل سعد راية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان: يا رسول اللَّه! ما نأمن من سعد أن تكون منه في قريش صولة. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا سفيان! اليوم يوم الرحمة [ (1) ] ، اليوم أعزّ اللَّه فيه قريشا! وأرسل إلى سعد فعزله، وجعل اللواء إلى قيس بن سعد، فأبى سعد أن يسلم اللواء إلا بأمارة، فأرسل صلّى اللَّه عليه وسلّم بعمامته، فدفع اللواء إلى ابنه قيس. ويقال: دخل سعد بلوائه حتى غرزه بالحجون. ويقال إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر عليا فأخذ الراية، فذهب علي بها حتى دخل بها مكة فغرزها عن الركن، وقيل: بل أمر الزبير بن العوام فأخذ اللواء [ (2) ] وصححه جماعة. مقالة أبي سفيان حين رأى ما رأى وقال أبو سفيان: ما رأيت مثل هذه الكتيبة قط، ولا خبّرنيه مخبر! ما لأحد به طاقة ولا يدان! لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما! فقال له العباس: يا أبا سفيان! ليس بملك ولكنه نبوّة. قال: فنعر [ (3) ] ! قال فانج ويحك فأدرك قومك قبل أن يدخل عليهم. خروج أبي سفيان إلى مكة وما كان منه فخرج أبو سفيان فتقدم الناس كلهم حتى دخل مكة من كداء وهو يقول: من أغلق بابه فهو آمن! حتى انتهى إلى هند بنت عتبة فأخذت برأسه فقالت: ما وراءك؟ قال: هذا محمد في عشرة آلاف عليهم الحديد. وقد جعل لي: من دخل داري فهو آمن! قالت: قبحك اللَّه رسول قوم! وجعل يصرخ بمكة! يا معشر قريش! ويحكم! إنه قد جاء ما لا قبل لكم به! هذا محمد في عشرة آلاف عليهم الحديد فأسلموا تسلموا! قالوا! قبحك اللَّه وافد قوم! وجعلت هند تقول: اقتلوا وافدكم هذا، قبحك اللَّه وافد قوم! فيقول! ويلكم! لا تغرنكم هذه من أنفسكم! رأيت ما لم تروا [ (4) ] رأيت الرجال والكراع والسلاح، فما لأحد [ (5) ]   [ (1) ] في (الواقدي) ج 2 ص 822 «اليوم يوم المرحمة» . [ (2) ] راجع (زاد المعاد) ج 3 ص 404. [ (3) ] نعر: صوّت صوتا شديدا من خيشومه. [ (4) ] في (خ) «ما لا تروا» . [ (5) ] في (خ) «مال أحد» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 بهذا طاقة! خبر العباس في مكة وذكر عمر بن شبّة [ (1) ] : أن العباس ركب بغلة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مر [الظهران] [ (2) ] ليدعو أهل مكة فقدمها وقال: يا أهل مكة أسلموا تسلموا. قد استبطنتم بأشهب بازل [ (3) ] ، وأعلمهم بمسير الزبير من أعلى مكة، ومجيء خالد ابن الوليد من أسفلها لقتالهم، ثم قال: من ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. موقف المسلمين وانتهى المسلمون إلى ذي طوى، فوقفوا ينظرون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى تلاحق الناس، وقد كان صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو دعوا إلى القتال، واجتمع إليهم- من قريش وغيرهم- جماعة عليهم السلاح، يحلفون باللَّه لا يدخلها محمد عنوة أبدا. دخول رسول اللَّه مكة وأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في كتيبته الخضراء- على ناقته القصواء، معتجرا بشقّة برد حبرة، [وفي رواية: وهو معتجر بشقة برد أسود] ، وعليه عمامة سوداء، ورايته سوداء، ولواؤه أسود- حتى وقف بذي طوى وتوسط الناس، وإن عثنونه [ (4) ] ليمسّ واسطة الرّحل أو يقرب منه، تواضعا للَّه تعالى حين رأى ما رأى من فتح اللَّه وكثرة المسلمين، ثم قال: العيش عيش الآخرة.   [ (1) ] في (خ) «عمرو بن شيبة» . [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] استيطان الوادي: دخول بطنه، الأشهب الأبيض: الجيش، والبازل: البعير الّذي أتم السنة الثامنة، وهي تمام قوته، والمعني أنّكم رميتم بهذا الجيش الصعب الّذي لا طاقة لكم به. [ (4) ] العثنون: اللحية، أو ما فضل منها بعد العارضين، أو ما نبت على الذقن وتحته سفلا، أو هو طولها. (ترتيب القاموس) ج 3 ص 165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 مداخل المسلمين إلى مكة وأمر الزبير بن العوام أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأن ينصب رايته بالحجون، وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من اللّيط: وهي كداء من أسفل مكة. [ويقال: بعث الزبير بن العوام من أعلى مكة، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل من كداء] . ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أذخر. النهى عن القتال ونهى عن القتال. ويقال: بل أمرهم بقتال من قتالهم، فتراموا بشيء من النبل. فظهر عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأمن الناس إلا خزاعة عن [ (1) ] بني بكر. وذكر جماعة أنه لم يؤمّنهم. وقيل: أمر بقتل ستة نفر، وأربع نسوة: عكرمة بن أبي جهل، وهبّار بن الأسود، وعبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح، ومقيس بن صبابة الليثي، والحويرث بن نقيذ [ (2) ] بن بجير بن عبد قصيّ، وهلال بن عبد اللَّه بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كبير بن تيّم بن غالب بن فهر [ (3) ] ، فتيم هو الأدرم [ (4) ] [وعبد بن عبد مناف هو خطل بن خطل الأدرميّ] . وهند بنت عتبة بن ربيعة، وسارة مولاة عمرو بن هشام، وقينتين لابن خطل: قرينا وقريبة، ويقال فرتنا وأرنبة. قتال خالد بن الوليد فكل الجنود دخل فلم يلق جمعا، إلا خالد بن الوليد، فإنه وجد جمعا من قريش وأحابيشها: فيهم صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، فمنعوه الدخول، وشهروا السلاح، ورموا بالنبل، وقالوا: لا تدخلها عنوة أبدا. فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم، فقتل منهم أربعة وعشرين رجلا من قريش، وأربعة من هذيل، [وقيل: بل قتل من المشركين ثلاثة عشر رجلا] ،   [ (1) ] في (خ) «غير» . [ (2) ] في (خ) «نفيد» ، وبعد هذا في (خ) «وابن بجير» والصواب حذف واو العطف. [ (3) ] في (خ) «فهم» . [ (4) ] في (خ) بعد قوله: «هو الأدرم» ما نصه (عبد اللَّه بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كبير بن تيم بن غالب بن فهم) وهو تكرار من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وانهزموا أقبح هزيمة. وقتل من المسلمين ثلاثة. خبر راعش المشرك وكان راعش [ (1) ] ، أحد بني صاهلة الهذليّ، [وقيل: حماس [ (2) ] بن قيس بن خالد أحد بني بكر] ، يعدّ سلاحا، فقالت له امرأته: لم تعدّ ما أرى؟ قال: لمحمد وأصحابه! فقالت له: ما أرى أن يقوم لمحمد وأصحابه شيء! فقال: واللَّه إني لأرجو أن أخدمك بعضهم، ثم قال [ (3) ] : إن تقدموا اليوم فما بي علة ... هذا سلاح كامل وألّة [ (4) ] وذو غرارين سريع السّله [ (5) ] هزيمة المشركين ثم شهد الخندمة مع صفوان وعكرمة وسهيل، فهزمهم خالد بن الوليد، فمرّ حماس [ (6) ] منهزما حتى دخل بيته، وقال لامرأته: أغلقي عليّ بابي! فقالت: فأين ما كنت تقول؟ فقال [ (7) ] : إنك إن شهدت يوم الخندمة ... إذ فرّ صفوان وفر عكرمة واستقبلتنا بالسيوف المسلمة ... يقطعن كل ساعد وجمجمة ضربا فلا تسمع إلا غمغمه ... لهم نهيت خلفنا وهمهمه   [ (1) ] في (ابن هشام) ج 4 ص 37 (الرعاش الهذلي) . [ (2) ] المرجع السابق ص 38، (البداية والنهاية) : ج 4 ص 339. [ (3) ] في المرجع السابق: «إن يقبلوا اليوم فما لي علّة» . [ (4) ] الألّة: الحربة ذات السنان الطويلة. [ (5) ] غرارين: حدّين. [ (6) ] في (خ) «خماس» . [ (7) ] هذه الأبيات في (ابن هشام ج 4 ص 38، وفي (البداية والنهاية) ج 4 ص 339، 340: إنك لو شهدت يوم الخندمة ... إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمة وأبو يزيد قائم كالمؤتمة ... واستبقلتهم بالسيوف المسلمة يقطعن كل ساعد وجمجمة ... ضربا فلا يسمع إلا غمغمة لهم نهيت خلفنا وهمهمة ... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة وفي (الواقدي) : ج 2 ص 827، 828: وأنت لو شهدتنا بالخندمة ... إذا فرّ صفوان وفرّ عكرمة وأبو يزيد كالعجوز المؤتمة ... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة وضربتنا بالسيوف المسلمة ... لهم زئير خلفنا وغمغمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 لم تنطقي في اللوم [ (1) ] أدنى كلمه التأمين واتبعهم المسلمون، وأبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام يصيحان: يا معشر قريش! علام تقتلون أنفسكم؟ من دخل داره فهو آمن. ومن وضع السلاح فهو آمن! فاقتحم الناس الدور وأغلقوا عليهم الأبواب، وطرحوا السلاح في الطّرق، فأخذها المسلمون، ويروي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عقد لأبي رويحة عبد اللَّه بن عبد الرحمن- أحد الفزع بن شهران بن عفرس بن خلف بن أفل [وهو خثعم]- لواء وأمره أن ينادي: من دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن. قتال خالد بن الوليد ولما ظهر [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ثنية أذاخر، نظر إلى البارقة [ (3) ] فقال: «ما هذه البارقة؟ ألم أنه عن القتال؟» فقيل: يا رسول اللَّه، خالد بن الوليد قوتل، ولو لم يقاتل ما قاتل! فقال: «قضاء اللَّه خير» . ابن خطل وأقبل ابن خطل من أعلى مكة في الحديد على فرس بيده قناة، وبنات سعيد ابن العاص قد نشرن رءوسهن ويضربن بخمرهن [ (4) ] وجوه الخيل، فقال لهن: أما واللَّه لا يدخلها محمد حتى ترين ضربا كأفواه المزاد [ (5) ] ! فلما انتهى إلى الخندمة،   [ () ] ومن معاني هذه الأبيات: النهيت والهمهمة، أصوات الأبطال في الحرب. الزئير: صوت الأسد. أبو يزيد: هو سهيل بن عمرو. المؤتمة: المرأة التي قتل زوجها فبقي لها أيتام. [ (1) ] في (خ) «في اليوم» . [ (2) ] ظهر: ارتفع عليها. [ (3) ] البارقة: بريق السلاح ولمعانه. [ (4) ] الخمر: جمع خمار: وهو غطاء الرأس عند المرأة. [ (5) ] المزاد: جمع مزادة، هي كقربة للماء، المعنى أنه يريد ضربا يتفجر منه الدم كما يتفجر الماء من المزاد إذا أرسل فوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 ورأى خيل المسلمين وقتالهم، دخله رعب حتى ما يستمسك من الرّعدة، فانتهى إلى الكعبة فنزل، وطرح سلاحه، ودخل بين أستارها. فأخذ رجل من بني كعب درعه ومغفره وبيضته وسيفه وفرسه، ولحق بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحجون. دخول الزبير مكة وأقبل الزبير بمن معه حتى انتهوا إلى الحجون، فغرز به الراية. ولم يقتل من المسلمين إلا رجلان [ (1) ] أخطئا الطريق، هما: كرز بن جابر الفهريّ، وخالد الأشعري الخزاعيّ. منزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة ولما أشرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أذاخر فنظر بيوت مكة، وقف فحمد اللَّه وأثنى عليه، ونظر إلى موضع قبّته فقال: هذا منزلنا يا جابر، حيث تقاسمت علينا قريش في كفرها! وكان أبو رافع قد ضرب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحجون قبة من أدم، فأقبل حتى انتهى إلى القبة في يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان، وقيل لثلاث عشرة [ (2) ] مضت من رمضان. فمضى الزّبير بن العوام برايته حتى ركزها عند قبّة رسول اللَّه، وكان معه أم سلمة وميمونة رضي اللَّه عنهما. وقيل: يا رسول اللَّه، ألا تنزل منزلك من الشّعب؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل منزلا؟ وكان عقيل بن أبي طالب قد باع منزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومنزل إخوته، والرجال والنساء بمكة فقيل: يا رسول اللَّه، فانزل في بعض بيوت مكة في غير منازلك، فقال: لا أدخل البيوت. فلم يزل مضطربا [ (3) ] بالحجون لم يدخل بيتا، وكان يأتي المسجد من الحجون لكل صلاة. خبر إجارة أم هانئ عبد اللَّه بن أبي ربيعة والحارث بن هشام وكانت أم هانئ بنت أبي طالب تحت [ (4) ] هبيرة بن أبي وهب المخزوميّ، فدخل   [ (1) ] في (خ) «إلا رجلين» وهو خطأ، وما أثبتناه حق اللغة. [ (2) ] في (خ) جملة «وقيل لثلاث عشرة» مكررة. [ (3) ] مضطربا: ضاربا قبته. [ (4) ] في (خ) «تحب» ، والتصويب من (المغازي) ج 2 ص 829. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 عليها حموان لها- عبد اللَّه بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر [ (1) ] ابن مخزوم المخزومي، والحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر [ (1) ] ابن مخزوم- يستجيران بها فأجارتهما. فدخل عليها أخوها على بن أبي طالب يريد قتلهما، وقال: تجيرين المشركين؟ فحالت دونهما وقالت: واللَّه لتبدأنّ بي قبلهما! فخرج ولم يكد، فأغلقت عليهما بيتا، وذهبت إلى خباء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبطحاء، فشكت إلى فاطمة عليها السلام عليا فلم تشكها، وقالت لها: لم تجيرين المشركين؟ وإذا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه [ (2) ] رهجة الغبار [ (3) ] ، فقال: مرحبا بفاختة أم هانئ، فقالت: ماذا لقيت من ابن أمّي علي! ما كدت أنفلت منه! أجرت حموين لي من المشركين، فتفلّت عليهم ليقتلهما، فقال: ما كان ذلك له! قد أمنّا من أمّنت، وأجرنا من أجرت. ثم أمر فاطمة عليها السلام فسكبت له ماء فاغتسل، وصلى ثماني ركعات في ثوب واحد ملتحفا به، وذلك ضحى. ورجعت أم هانئ فأخبرتهما، فأقاما عندها يومين ثم مضيا. وأتى آت فقال: يا رسول اللَّه: الحارث ابن هشام وابن أبي ربيعة جالسان في ناديهما في الملاء المزعفر [ (4) ] ! فقال: لا سبيل إليهما فقد أمّناهما. تجهّز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للطواف بالبيت ومكث صلّى اللَّه عليه وسلّم في منزله ساعة من نهار، واغتسل وضفر رأسه ضفائر أربع، [وقيل: بل اغتسل في بيت أم هانئ بمكة] ، وصلى ثماني ركعات وذلك ضحى، وذلك في الصحيحين [ (5) ] ، وزاد أبو داود: سلّم من كلّ ركعتين ثم لبس السلاح ومغفرا من حديد، وقد صف له الناس، وركب القصواء ومرّ وأبو بكر رضي اللَّه عنه إلى جنبه يحادثه، وعبد اللَّه بن أم مكتوم بين يديه من بين الصفا والمروة وهو يقول: يا حبذا مكة من وادي ... [أرض] بها أهلي وعوّادي [ (6) ]   [ (1) ] في (خ) «عمرو» . [ (2) ] في (خ) «عليها» . [ (3) ] رهجة الغبار: آثار الغبار. [ (4) ] الملاء جمع ملاءة: وهي للربطة (ترتيب القاموس ج 4 ص 274 والمزعفر: الأسد الورد والفالوذ (المرجع السابق) ج 2 ص 453. [ (5) ] صحيح البخاري ج 3 ص 62. [ (6) ] ما بين الأقواس زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 141. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 [أرض] بها أمشي بلا هادي ... [أرض] بها ترسخ أوتادي [ (1) ] حتى انتهى إلى الكعبة: فتقدم على راحلته فاستلم الركن بمحجته وكبّر، فكبّر المسلمون لتكبيره حتى ارتجت مكة تكبيرا. فأشار إليهم أن اسكتوا! والمشركون فوق الجبال ينظرون. الأصنام التي حول الكعبة ثم طاف، ومحمد بن مسلمة [ (2) ] آخذ بزمامها، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مرصصة بالرّصاص- وهبل أعظمها وهو وجاه الكعبة على بابها، وإساف ونائلة حيث ينحرون ويذبحون- فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلما مرّ بصنم منها يشير بقضيب في يده ويقول: «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» . فيقع الصنم لوجهه. فطاف سبعا يستلم الركن بمحجنه في كل طواف. فعطش صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ]- وكان يوما صائفا- فاستسقى [ (4) ] فأتى بقدح من شراب زبيب، فلما أدناه من فيه وجد له ريحا شديدة فردّه. ودعا بماء من زمزم فصبّه عليه حتى فاض من جوانبه، وشرب منه، ثم ناوله الّذي عن يمينه. فلما فرغ من [سبعة] [ (5) ] نزل عن راحلته، وجاء معمر بن عبد اللَّه بن نضلة فأخرج راحلته. وانتهى رسول اللَّه إلى المقام- وهو يؤمئذ لاصق بالكعبة، والدّرع والمغفر عليه، وعمامة لها طرف بين كتفيه- فصلى ركعتين، ثم انصرف إلى زمزم فاطّلع فيها وقال: لولا أن يغلب بنو عبد المطلب لنزعت منها دلوا! فنزع له العباس بن عبد المطلب دلوا فشرب منه. ويقال: الّذي نزع الدلو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ولم يسع بين الصفا والمروة لأنه لم يكن يومئذ معتمرا. كسر هبل وأمر بهبل فكسّر وهو واقف عليه، فقال الزبير بن العوّام لأبي سفيان ابن حرب: يا أبا سفيان! قد كسر هبل! أما إنك قد كنت منه يوم أحد في غرور،   [ (1) ] في (خ) «ترنح» . [ (2) ] في (خ) «سلمة» . [ (3) ] ما بين القوسين في (خ) بعد قوله «صائفا» وهذا موضعه. [ (4) ] استسقى: طلب أن يسقى. [ (5) ] سبعة: الطواف سبعة أشواط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 حين تزعم أنه قد أنعم! فقال: دع عنك هذا يا ابن العوام، فقد أرى لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان. خبر زمزم ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجلس ناحية من [ (1) ] المسجد والناس حوله، فأتى بدلو من زمزم فغسل منها وجهه، فما يقع منه قطرة إلا في يد إنسان: إن كانت قدر ما يحسوها حساها، وإلا تمسح بها. والمشركون ينظرون، فقالوا: ما رأينا ملكا قطّ أعظم من اليوم. ولا قوما أحمق من القوم يتصل به. إسلام قريش والبيعة وجاءته قريش فأسلموا طوعا وكرها وقالوا: يا رسول اللَّه اصنع بنا صنع أخ كريم. فقال: أنتم الطلقاء! وقال مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. ثم اجتمعوا لمبايعته، فجلس على الصفا، وجلس عمر بن الخطاب أسفل مجلسه يأخذ على الناس، فبايعوا على السمع والطاعة للَّه ولرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما استطاعوا، فقال: لا هجرة بعد الفتح. غسل الكعبة وتجرد الرجال [ (2) ] من الأزر، ثم أخذوا الدّلو فغسلوا ظهر الكعبة وبطنها حتى انبعج [ (3) ] الوادي من الماء، فلم يدعوا فيه صورة ولا أثرا من آثار المشركين إلا محوه. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم لما جلس ناحية من المسجد، توضأ بسجل [ (4) ] من زمزم قريبا من المقام، والمسلمون يبادرون وضوءه يصبونه على وجوههم والمشركين يتعجبون ويقولون: ما رأينا ملكا قط بلغ هذا ولا شبيها به! مفتاح الكعبة ثم أرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة ليأتيه بمفتاح الكعبة فمنعته أمه، حتى جاء   [ (1) ] في (خ) «من من» مكررة. [ (2) ] في (خ) «في» . [ (3) ] في (خ) «إن بعج» . [ (4) ] السّجل: الدلو الكبيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، فدفعته إلى ابنها فأتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فلما تناولته قال العباس: يا رسول اللَّه، اجمع لنا السقايا والحجابة. فقال عليه السلام: «أعطيكم ما ترزءون فيه ولا أعطيكم ما ترزءون به» [ (1) ] . وقيل بل جاء عثمان ابن طلحة بالمفتاح إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما بلغ رأس الثنية. محو الصور وقيل: بعث صلّى اللَّه عليه وسلّم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه من البطحاء- ومعه عثمان ابن طلحة- ليفتح البيت، ولا يدع صورة إلا محاها، [ولا تمثالا] [ (2) ] ، فترك عمر صورة إبراهيم عليه السلام حتى محاها عليه السلام. دخوله الكعبة ودخل صلّى اللَّه عليه وسلّم الكعبة- ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة- فمكث فيها وصلى ركعتين، ثم خرج والمفتاح في يده، ووقف على الباب خالد بن الوليد يذبّ الناس عنه حتى خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوقف على باب البيت وأخذ بعضادتيه [ (3) ] ، وأشرف على الناس وفي يده المفتاح، ثم جعله في كمّه، وقال- وقد جلس الناس-: خطبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على باب البيت الحمد للَّه الّذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده: [يا معشر قريش] [ (4) ] : ماذا تقولون؟ وماذا تظنون؟ قالوا: نقول خيرا ونظن خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت. فقال: فإنّي أقول كما قال أخي يوسف: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. ألا إن كل ربا في الجاهلية أو دم، أو مال، أو مأثرة فهو تحت قدمي هاتين   [ (1) ] يقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أعطيكم ما يصيب الناس به من خير أموالكم، ولا أعطيكم ما تصيبون به من خير الناس. [ (2) ] (المغازي) ج 2 ص 834. [ (3) ] عضادتا الباب: الخشبتان المنصوبتان عن يمين الداخل منه وشماله. [ (4) ] زيادة للبيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 إلا سدانة البيت وسقايا الحاج. ألا وفي قتيل العصا والسوط الخطأ شبه العمد، والدّية مغلظة مائة ناقة، منها أربعون في بطونها أولادها. إن اللَّه قد أذهب نخوة الجاهلية وتكثرها بآبائها، كلكم لآدم وآدم من تراب، وأكرمكم عند اللَّه أتقاكم. ألا إن اللَّه حرم مكّة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام بحرام اللَّه، لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحلّ لأحد كائن بعدي، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من النهار [ (1) ] ، ألا لا ينفر صيدها، ولا يعضد عضاهها [ (2) ] ، ولا تحلّ لقطتها إلا لمنشد [ (3) ] ، ولا يختلى خلاها [ (4) ] ، فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول اللَّه، فإنه لا بد منه للقبور وطهور البيوت! فسكت ساعة ثم قال: إلا الإذخر فإنه حلال. ولا وصية لوارث: وإن الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولا يحل لامرأة تعطى من مالها إلا بإذن زوجها. والمسلم أخو المسلم، والمسلمون إخوة، والمسلمون يد واحدة على من سواهم، يتكافئون دماءهم، يرد عليهم أقصاهم، ويعقد عليهم أدناهم، ومشدهم على مضعفهم [ (5) ] ومسيّرهم [ (6) ] على قاعدهم، ولا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده، ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين ولا جلب ولا جنب [ (7) ] . ولا تؤخذ صدقات المسلمين إلا في بيوتهم وأفنيتهم. ولا تنكح المرأة على   [ (1) ] على معنى دخوله إياها من غير إحرام لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخلها وعليه عمامة سوداء، وقيل إنما أحلت له في تلك الساعة إراقة الدم دون الصيد وقطع الشجر وسائر ما حرم على الناس منه (معالم السنن للخطابي) ج 2 ص 518، 519. [ (2) ] العضاة: شجر عظام له شوك. [ (3) ] المنشد: المعرّف الّذي يعرّف الضالة واللّقطة. [ (4) ] أي لا ينزع حشيشها من بقول الربيع ما دام رطبا راجع (سنن أبي داود) : ج 2 ص 518، 519، 520، 521 باب تحريم حرم مكة الأحاديث أرقام 2017، 2018. [ (5) ] المشدّ: ذو الدواب الشديدة. والمضعف: ذو الدواب الضعيفة. [ (6) ] في (خ) «متسيرهم» ، والمسير الّذي خرج من بلده للغزو، والقاعد الّذي لم يخرج له. [ (7) ] الجلب والجنب: هو أن يرسل في الحلبة فيجتمع له جماعة تصيح به ليرد عن وجهه، أو هو أن لا تجلب الصدقة إلى المياه والأمصار، ولكن يتصدق بها في مراعيها، أو أن ينزل العامل موضعا ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها، أو أن يتبع الرّجل فرسه فيركض خلفه ويزجره ويجلب عليه. (ترتيب القاموس) ج 1 ص 509. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 عمتها وخالتها [ (1) ] . والبينة على من ادّعى، واليمين على من أنكر. ولا تسافر امرأة مسيرة ثلاث إلا مع ذي محرم [ (2) ] . ولا صلاة بعد العصر ولا بعد الصبح. وأنهاكم عن صيام يومين [ (3) ] : يوم الأضحى ويوم الفطر، وعن لبستين: لا يحتب أحدكم في ثوب واحد يفضي بعورته إلى السماء، ولا يشتمل الصّماء [ (4) ] : ولا إخالكم إلا وقد عرفتموها. رد المفتاح إلى عثمان بن طلحة ثم نزل ومعه المفتاح، فتنحى ناحية من المسجد فقال: ادعوا إليّ عثمان ابن طلحة، فدعي. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له يوما بمكة وهو يدعوه إلى الإسلام، ومع عثمان المفتاح، فقال: لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت! فقال له عثمان: لقد هلكت إذن قريش وذلت! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل عمرت وعزت يومئذ! فأقبل عثمان، فقال عليه السّلام: خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة، ولا ينزعها منكم إلا ظالم! يا عثمان! إن اللَّه استأمنكم على بيته، فكلوا بالمعروف. فلما ولي عثمان ناداه عليه السلام فرجع إليه، فقال له: ألم يكن الّذي قلت لك؟ فذكر عثمان قوله له بمكة، فقال: بلى أشهد أنك رسول اللَّه. فقال: قم على الباب، وكل بالمعروف. ودفع عليه السلام السقايا إلى العباس رضي اللَّه عنه. معاتبة خالد بن الوليد من أجل قتاله وقال لخالد بن الوليد رضي اللَّه عنه: لم قاتلت وقد نهيت عن القتال؟ فقال:   [ (1) ] (سنن ابن ماجة) ج 1 ص 621 حديث رقم 1929، 1930، 1931، (سنن أبي داود) ج 2 ص 553 حديث رقم 2065. [ (2) ] (سنن أبي داود) ج 2 ص 348 حديث رقم 1727. [ (3) ] (سنن أبي داود) ج 2 ص 802 حديث رقم 2416. [ (4) ] اشتمال الصماء: (في النهاية) : هو أن يتجلل بثوبه ولا يرف منه جانبا، وأما قيل لها «صماء» لأنه يسد على يديه ورجليه المنافذ كلها. كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع. والفقهاء يقولون: هو أن يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه، فتنكشف عورته. وعن الاحتباء: (في النهاية) : هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليهما. وإنما نهي عنه لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك، أو زال الثوب، فتبدو عورته. راجع (سنن ابن ماجة) ج 2 ص 1179 الأحاديث رقم 3559، 3560، 3561 باب ما نهي عنه من «اللباس» و (سنن أبي داود) ج 4 ص 342 حديث رقم 4081. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 هم يا رسول اللَّه بدءونا بالقتال، ورشقونا بالنّبل، ووضعوا فينا السلاح، وقد كففت ما استطعت، ودعوتهم إلى الإسلام وأن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فأبوه، حتى إذا لم أجد بدا قاتلتهم، فظفرنا اللَّه عليهم وهربوا في كل وجه يا رسول اللَّه! فقال: فكف عن الطلب. قال: قد فعلت يا رسول اللَّه. قال: قضاء اللَّه خير. النهي عن القتال إلا خزاعة عن بني بكر ثم قال: يا معشر المسلمين! كفّوا السلاح، إلا خزاعة عن بني بكر إلى صلاة العصر، فخبّطوهم ساعة. وهي الساعة التي أحلّت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم تحلّ لأحد قبله. وقيل: خبّطوهم إلى نصف النهار وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى أن يقتل من خزاعة أحد. وبعث تميم بن أسد الخزاعي فجدّد أنصاب الحرم. ودخل جنيدب بن الأدلغ [الهذليّ] [ (1) ] مكة يرتاد وينظر- والناس آمنون- فرآه جندب بن الأعجم [ (2) ] الأسلمي. فقال: جنيدب بن الأدلغ! قاتل أحمر [بأسا] [ (3) ] ! فقال: نعم فخرج جندب [بن الأعجم] يستجيش عليه حيّه، فلقي خراش بن أمية الكعبيّ فأخبره. فاشتمل خراش على السيف ثم أقبل إليه- والناس حوله وهو يحدثهم- فحمل عليه فقتله، ويقال إنه قتله بالمزدلفة. خطبته صلّى اللَّه عليه وسلّم لما كثر القتل بين خزاعة وبني بكر فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتله، قام خطيبا- الغد من يوم الفتح بعد الظهر- فقال: يا أيها الناس، إن اللَّه حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض، ويوم خلق الشمس والقمر، ووضع هذين الجبلين، فهي حرام إلى يوم القيامة لا يحل لمؤمن يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يسفك فيها دما. ولا يعضد فيها شجرا، لم تحلّ لأحد كان قبلي، ولا تحلّ لأحد [يكون] [ (4) ] بعدي، ولم تحلّ لي إلا ساعة من نهار، ثم رجعت حرمتها بالأمس، فليبلغ شاهدكم غائبكم، فإن قال قائل: قد قاتل فيها رسول اللَّه! فقولوا: إن اللَّه قد أحلها لرسوله ولم يحلها لكم يا معشر خزاعة!   [ (1) ] زيادة للبيان من (ط) . [ (2) ] في (خ) «الأعجر» . [ (3) ] زيادة من (الواقدي) ج 2 ص 843، (ابن هشام) ج 4 ص 42. [ (4) ] زيادة من (ابن هشام) ج 4 ص 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 ارفعوا أيديكم عن القتل، فقد واللَّه كثر إن نفع [ (1) ] . وقد قتلتم هذا القتيل، واللَّه لأدينّه! فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بالخيار: إن شاءوا فدم قتيلهم، وإن شاءوا فعقله [ (2) ] . ويروي أنه قام خطيبا فقال: إنّ أعدى الناس على اللَّه: من قتل في الحرم، ومن قتل غير قاتله، ومن قتل بذحول الجاهلية [ (3) ] . ويقال: إن قتل خراش لجنيدب كان بعد ما نهى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن القتل، وإنه عليه السلام قال: لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلت خراشا بالهذلىّ: ثم أمر خزاعة يخرجون ديته، فأخرجوها مائة من الإبل، فكان أول قتيل وداه [ (4) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الإسلام. أذان بلال على ظهر الكعبة ومقالة قريش وجاءت الظّهر، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بلالا أن يؤذن فوق ظهر الكعبة، وكانت قريش فوق رءوس الجبال وقد فرّ وجوههم وتغيبوا خوفا أن يقتلوا. فلما أذّن بلال ورفع صوته كأشدّ ما يكون وقال: أشهد أن محمدا رسول اللَّه- قالت جويرية بنت أبي جهل: قد لعمري رفع لك ذكرك! أما الصلاة فسنصلّي، واللَّه لا نحب من قتل الأحبة أبدا، ولقد كان جاء أبي الّذي جاء محمدا من النبوة فردّها، وكره خلافة قومه. وقال خالد بن الأسيد: الحمد للَّه الّذي أكرم أبي فلم يسمع هذا اليوم! وقال الحارث بن هشام: وا ثكلاه! ليتني متّ قبل هذا اليوم قبل أن أسمع بلالا ينهق فوق الكعبة! وقال الحكم بن أبي العاص: هذا واللَّه الحدث العظيم. أن يصبح عبد بني جمح على بنيّة [ (5) ] أبي طلحة! وقال سهيل بن عمرو: إن كان هذا سخطا للَّه فسيغيره، وإن كان للَّه رضي فسيقرّه. وقال أبو سفيان بن حرب أما أنا فلا أقول شيئا، لو قلت شيئا لأخبرته هذه الحصباء! فأتى جبريل عليه السلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره خبرهم.   [ (1) ] في (خ) «كبر أن يقع» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 2 ص 844 و (ابن هشام) ج 4 ص 42 وهو هناك «كثر [القتل] إن نقع» . [ (2) ] في (خ) «ففعله» ، والعقل: دية القتيل. [ (3) ] ذحول: جمع ذحل، وهو الثأر والعداوة. [ (4) ] وداه: دفع ديته. [ (5) ] البنية: البيت المبني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 أمية بن أبي عبيدة أتاه يعلي بن أميّة بأبيه. فقال: يا رسول اللَّه، بايع أبي على الهجرة، فقال: لا! بل أبايعه على الجهاد فقد انقضت الهجرة. سهيل بن عمرو وكان سهيل بن عمرو أغلق عليه [بابه] [ (1) ] ، وبعث إلى ابنه عبد اللَّه ابن سهيل أن يأخذ له أمانا، فأمّنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال. من لقي سهيل بن عمرو، فلا يشد النظر إليه فلعمري إن سهيلا له عقل وشرف، وما مثل سهيل جهل الإسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه [ (2) ] أنه لم يكن له بنافع، فخرج عبد اللَّه إلى أبيه فأخبره، فقال سهيل: كان واللَّه برا صغيرا وكبيرا! فخرج وشهد حنينا، وأسلم بالجعرّانة. هبيرة بن أبي وهب وابن الزبعري وهرب هبيرة بن أبي وهب زوج أم هانئ بنت أبي طالب- هو وعبد اللَّه ابن الزّبعرى بن قيس بن عديّ بن سعيد بن سهم القرشيّ السّهمي- إلى نجران. فبعث حسان بن ثابت بشعر إلى ابن الزبعري فجاء. ولما نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليه قال: هذا ابن الزبعري ومعه وجه فيه نور الإسلام! فأسلم. ومات هبيرة بنجران مشركا. حويطب بن عبد العزى وهرب حويطب بن عبد العزّي بن أبي القيس بن عبد ود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤيّ القرشي العامري! فأمّنه أبو ذر رضي اللَّه عنه ومشى معه، وجمع بينه وبين عياله. إسلام نساء من قريش وأسلمت هند بنت عتبة، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام: امرأة عكرمة   [ (1) ] زيادة للبيان. [ (2) ] أوضع الأمر: اشتد فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 ابن أبي جهل، والبغوم بنت المعذّل [ (1) ] : امرأة صفوان بن أمية ، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وهند بنت منبّه بن الحجاج: أم عبد اللَّه بن عمرو بن العاص في عشر نسوة من قريش. بيعة النساء وخبر هند بنت عتبة فأتين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأبطح- وعنده زوجتاه وفاطمة ابنته، في نساء من نساء بني عبد المطلب، فبايعنه، ولم تمسّ يده يد امرأة. وقيل-: وضع على يده ثوبا ثم مسحن على يده. وقيل: أدخل يده في قدح فيه ماء، ثم دفعه إليهن فأدخلن أيديهنّ فيه. وقيل: بل كانت بيعة النساء عقيب بيعة الرجال عند الصّفا. ورئيت [ (2) ] فيهن هند وهي متنكّرة لأجل صنيعها بحمزة- وكان زوجها أبو سفيان حاضرا- فعرفها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إنك لهند! فقالت: أنا هند، فاعف عما سلف. فبايعهن عمر رضي اللَّه عنه واستغفر لهن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. إسلام عكرمة بن أبي جهل وطلبت أم حكيم أمانا لعكرمة وقد هرب إلى اليمن فأمّنه. فخرجت إليه حتى قدم. فلما دنا من مكة قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا، فلا تسبوا أباه، فإنّ سبّ الميت يؤذي الحىّ ولا يبلغ إليه! فلما رآه وثب إليه فرحا، فوقف- ومعه امرأته منتقبة- فقال: يا محمد، إنّ هذه أخبرتني أنك أمنتنى! فقال: صدقت، فأنت آمن! فأسلم. صفوان بن أمية وهرب صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح القرشيّ الجمحيّ. فأخذ له عمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حذافة أمانا، وخرج في أثره حتى رجع، وشهد هوازن كافرا، وأسلم بالجعرّانة. عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح وكان عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح ممن أهدر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دمه يوم الفتح،   [ (1) ] في (خ) «المعزل» . [ (2) ] في (خ) «رأت» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 فأتى به عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، وسأله أن يهبه له، فوهب له جرمه. وأسلم. الحويرث بن نقيذ وأهدر صلّى اللَّه عليه وسلّم دم الحويرث بن نقيذ [ (1) ] بن بجير بن عبد قصي، فضرب عليّ رضي اللَّه عنه عنقه، وكان مؤذيا للَّه ولرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم. هبار بن الأسود وأهدر دم هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي ابن الأسدي القرشيّ، فأسلم. ابن خطل وأخرج أبو برزة الأسلميّ عبد اللَّه بن خطل- وهو متعلق بأستار الكعبة- فضرب عنقه بين الركن والمقام. [ويقال: قتله سعيد بن حريث المخزوميّ، ويقال: عمّار بن ياسر، وقيل: نضلة بن عبد اللَّه بن الحارث بن حيال بن ربيعة [ (2) ] بن دعبل ابن أنس بن خزيمة بن حديدة بن مازن بن الحارث [ (3) ] بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو مزيقياء [ (4) ] ويقال: شريك بن عبدة العجلاني [ (5) ] [وأثبته أبو برزة] . وفيه نزلت لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ وفي المستدرك للحاكم، عن السائب بن يزيد قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخرج عبد اللَّه بن خطل من بين أستار الكعبة فقتله صبرا [ (6) ] ، ثم قال: لا يقتل أحد من قريش بعد هذا صبرا.   [ (1) ] في (خ) «نفيد» . [ (2) ] في (خ) «ربيع» . [ (3) ] في (خ) «الحرب» . [ (4) ] كذا في (ط) ، (خ) ، ونسبه في (الاستيعاب) ج 10 ص 295 هكذا: «نضلة بن عبيد بن الحارث، أبو برزة الأسلمي. غلبت عليه كنيته، واختلف في اسمه، فقيل: نضلة ابن عبيد بن الحارث، وقيل: نضلة بن عبد اللَّه بن الحارث، وقيل: عبد اللَّه بن نضلة، وقيل: سلمة بن عبيد» ، «وروي عن أبي برزة أنه قال: أنا قتلت ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة» . [ (5) ] «وهو شريك بن السحماء» . [ (6) ] قتل صبرا في غير حرب ولا معركة ولا خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 سارة وقتلت سارة مولاة عمرو بن هشام [ (1) ] ، وهي التي حملت كتاب حاطب بن أبي بلتعة. قتلها علي رضي اللَّه عنه. ويقال غيره. أرنب وقتلت أرنب [أو قيربة] وأسلمت فرتنى. مقيس بن صبابة وقتل مقيس بن صبابة نميلة بن عبد اللَّه الليثي. وقيل رآه المسلمون بين الصفا والمروة فقتلوه بأسيافهم. مقالة أبي سفيان في القتلى ولما قتل النفر الذين أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتلهم، سمع النّوح عليهم. وجاء أبو سفيان بن حرب فقال: فداك أبي وأمي! البقية في قومك! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تقتل قريش صبرا بعد اليوم [يعني على كفر] وفي رواية: لا تغزي قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة. [يعني على كفر] . الأمر بقتل وحشي وأمر عليه السلام بقتل وحشي، ففرّ إلى الطائف حتى قدم في وفدهم فأسلم: فقال له عليه السلام: غيّب عني وجهك! فكان إذا رأى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم توارى [ (2) ] عنه. سلف رسول اللَّه من بعض قريش واستسلف صلّى اللَّه عليه وسلّم من عبد اللَّه بن أبي ربيعة أربعين ألف درهم فأعطاه، فردّها عليه من غنائم هوازن، وقال: إنما جزاء السّلف الحمد والأداء. وقال بارك اللَّه لك في مالك وولدك؟ واستقرض من صفوان بن أمية خمسين ألف درهم فأقرضه. واستقرض من حويطب بن عبد العزى أربعين ألف درهم. فكانت ثلاثين ومائة ألف قسمها بين أهل الضّعف، فأصاب الرجل خمسين درهما وأقلّ وأكثر. وبعث من ذلك إلى بني جذيمة.   [ (1) ] في (خ) «هاشم» . [ (2) ] في (خ) «تورى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 [ المجلد الثاني ] [ تتمة غزوة الفتح ] بسم اللَّه الرحمن الرّحيم هدية الخمر وأهدي له يومئذ راوية خمر فقال: إن اللَّه حرّمها! فسارّ الرجل غلامه: اذهب بها إلى الحزورة [ (1) ] فبعها. فقال: بم أمرته؟ قال: ببيعها! فقال: إن الّذي حرّم شربها حرّم بيعها! ففرّغت بالبطحاء. ونهي يومئذ عن ثمن الخمر. وثمن الخنزير، وثمن الميتة، وثمن الأصنام، وحلوان الكاهن. تحريم شحوم الميتة وقيل له يومئذ: ما ترى في شحوم الميتة يدهن به السّقاء؟ فقال قاتل اللَّه يهودا! حرّم عليهم الشحوم فباعوها، فأكلوها ثمنها. وحرّم متعة النساء يومئذ، وقال يومئذ- وهو بالحزورة-: واللَّه إنك لخير أرض اللَّه إليّ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت [ (2) ] . العفو عن بعض أهل مكة وهبط ثمانون من أهل مكة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من جبل التّنعيم عند صلاة الفجر، فأخذهم سلما [ (3) ] فعفا عنهم، ونزل فيهم: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً [ (4) ] .   [ (1) ] كانت الحزورة سوق مكة، وقد دخلت في المسجد لما زيد فيه، وفي الحديث: وقف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحزورة وقال: يا بطحاء مكة ما أطيبك من بلدة وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني ما سكنت غيرك (معجم البلدان) ج 2 ص 255. [ (2) ] لفظ الحديث في التعليق السابق، وفي (خ) «أخرجت» . [ (3) ] مستسلمين بغير حرب. [ (4) ] الآية 24/ الفتح، وفي (خ) إلى قوله تعالى أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 حد شارب الخمر وأتي بشارب فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضرب بالسوط وبالنّعل وبالعصا، وحثا عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم التراب. إسلام جبر وجاء جبر غلام بني عبد الدار- وقد كان يكتم إسلامه- فأعطاه ثمنه، فاشتري نفسه فعتق. نذر رجل الصلاة في بيت المقدس وقال رجل يومئذ: إني نذرت أن أصلي في بيت المقدس إن فتح اللَّه عليك مكة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم، والّذي نفسي بيده! لصلاة ها هنا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من البلدان. نذر ميمونة أم المؤمنين وقالت ميمونة أم المؤمنين رضي اللَّه عنها: يا رسول اللَّه، إني جعلت على نفسي- إن فتح اللَّه عليك مكة- أن أصلي في بيت المقدس! فقال: لا تقدرين على ذلك، ولكن ابعثي بزيت يستصبح [ (1) ] لك فيه به، فكأنك أتيته [ (2) ] . وكانت ميمونة تبعث إلى بيت المقدس كل سنة بمال ليشترى به زيت يستصبح به في بيت المقدس، حتى ماتت فأوصت بذلك. نساء قريش وجمالهن وجلس عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه في مجلس فيه جماعة- منهم سعد ابن عبادة رضي اللَّه عنه- فمرّت نسوة من قريش فقال سعد: قد كان يذكر لنا من نساء قريش حسن وجمال [ (3) ] ، ما رأيناهنّ كذلك! فغضب عبد الرحمن ابن عوف حتى كاد أن يقع بسعد وأغلظ له [ (4) ] ، ففرّ منه سعد حتى أتى رسول   [ (1) ] الاستصباح: الاستسراج، أي إشعال السراج به. [ (2) ] في (خ) «أنيتيه» . [ (3) ] في (خ) «حسنا وجمالا» . [ (4) ] في (خ) «وأغلظ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه، ماذا لقيت من عبد الرحمن؟ فقال: وما له؟ فأخبره بما كان، فغضب صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى كان وجهه ليتوقد [ (1) ] ، ثم قال: رأيتهنّ وقد أصبن بآبائهن وأبنائهنّ وإخوانهنّ وأزواجهن! خير نساء ركبن الإبل نساء قريش! أحناه على ولد، وأبذله لزوج بما ملكت يد. هدية هند بنت عتبة بعد إسلامها وأهدت هند بنت عتبة بعد إسلامها هدية لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وهو بالأبطح- مع مولاة لها، جديين [ (2) ] مرضوفين وقدّا [ (3) ] ، فانتهت الجارية إلي خيمته، فسلمت واستأذنت فأذن لها فدخلت ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أم سلمة وميمونة ونساء بني عبد المطلب، فقالت: إن مولاتي أرسلت إليك بهذه الهدية، وهي معتذرة إليك، وتقول: إن غنمنا اليوم قليلة الوالدة، فقال: بارك اللَّه لكم في غنمكم، وأكثر والدتها! فسرّت هند لما أخبرتها مولاتها بذلك، ورأوا من كثرة غنمهم ووالدتها ما لم يكن من قبل ولا قريبا. وكانت هند تقول: هذا بدعاء رسول اللَّه وبركته. إحدى نساء بني سعد وخبر وفاة حليمة السعدية وأتته صلّى اللَّه عليه وسلّم إحدى نساء بني سعد بن بكر- إمّا خالة أو عمة- بنحي [ (4) ] مملوء سمنا وجراب أقط [ (5) ]- وهو بالأبطح- فعرفها، ودعاها إلى الإسلام فأسلمت، وأخبرته بوفاة حليمة [ (6) ] فذرفت عيناه، وقالت: أخواك وأختاك محتاجون! فأمر لها بكسوة وجمل ومائتي درهم، فقالت: نعم واللَّه المكفول كنت صغيرا، ونعم المرء كنت كبيرا، عظيم البركة. السرايا وهدم الأصنام وبثّ صلّى اللَّه عليه وسلّم سراياه وأمرهم أن يغيروا على من لم يسلم. فخرج هشام بن العاص   [ (1) ] توقد: تلألأ. [ (2) ] في (خ) «جد بين» . [ (3) ] المرضوف: المشوي، والقد: سقاء صغير متخذ من جلد السّخلة يكون فيه لبن. [ (4) ] النحى: زق من الجلد يكون فيه السمن خاصة. [ (5) ] الأقط: يتخذ من ألبان الإبل. [ (6) ] حليمة السعدية، ظئره وحاضنته صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 في مائتين قبل يلملم. وخرج خالد بن سعيد بن العاص في ثلاثمائة قبل عرنة وبعث خالد بن الوليد إلى العزّى في ثلاثين فارسا فهدمها لخمس [ (1) ] بقين من رمضان، وكانت بنخلة. وبعث الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم ابن فهم [ (2) ] الدّوسي إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة فحرّقه بالنار، وبعث سعد بن زيد الأشهليّ إلى مناة بالمشلّل [ (3) ] فهدمه. وبعث عمرو بن العاص إلى صنم هذيل سواع فهدمه. ونادى منادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كان يؤمن باللَّه وبرسوله فلا يدعنّ في بيته صنما إلا كسره أو حرّقه، وثمنه حرام. فجعل المسلمون يكسرون الأصنام، ولم يكن رجل من قريش بمكة إلا وفي بيته صنم: إذا دخل مسحه وإذ خرج مسحه: تبركا به. وكان عكرمة بن أبي جهل لما أسلم لم يسمع بصنم في بيت إلا مشى إليه حتى يكسره. وجعلت هند بنت عتبة تضرب صنما في بيتها بالقدوم فلذة فلذة [ (4) ] وهي تقول: كنا منك في غرور!! مدة المقام بمكة وأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة- على ما في صحيح البخاريّ- خمس عشرة ليلة. [وفي رواية تسع عشرة، وفي أبي داود تسع عشرة، وفي الترمذي ثماني عشرة، وقيل عشرا، وقيل بضع عشرة، وقيل: عشرين ليلة] يصلي ركعتين، ويأمر أهل مكة أن يتموا، كما رواه النسائي. وأفطر بقية شهر رمضان. بعثة خالد بن الوليد إلى بني جذيمة وقتلهم، وكانوا مسلمين ولما رجع خالد بن الوليد من هدم العزّى، بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بني جذيمة ابن عامر بن عمرو بن مناة بن كنانة يدعوهم إلى الإسلام فخرج أول شوّال في ثلاثمائة وخمسين إلى أسفل مكة وانتهى إليهم، فقالوا: نحن مسلمون! فقال خالد: استأسروا! فكتف بعضهم بعضا، ودفع خالد إلى كل رجل من أصحابه رجلا أو رجلين، فباتوا في وثاق إلى السّحر. فنادى خالد: من كان معه أسير فليدافّه [ (5) ] .   [ (1) ] في (خ) «بخمس» . [ (2) ] في (خ) «سالم بن فهر» ، وما أثبتناه من (الإصابة) ج 5 ص 223 ترجمة رقم 4247. [ (3) ] جبل يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر (معجم البلدان) ج 5 ص 136. [ (4) ] الفلذة: القطعة. [ (5) ] فليدافه: فليجهز عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 فقتل بنو سليم من كان في أيديهم، وكانوا قريبا من ثلاثين رجلا. وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أسراهم وقالوا: اذهبوا حيث شئتم! فغضب خالد على من أرسل أسيره. فقال له أبو أسيد السّاعديّ: اتّق اللَّه يا خالد! ما كنا لنقتل قوما مسلمين! قال: وما يدريك؟ قال: تسمع إقرارهم بالإسلام، وهذه المساجد بساحتهم! فلما قدم خالد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عاب [ (1) ] عبد الرحمن بن عوف عليه ما صنع، فتلاحيا، وأعانه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه وأعرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه وقال له- وقد بلغه ما صنع بعبد الرحمن بن عوف-: يا خالد! ذروا لي أصحابي! متى ينكأ أنف المرء يبجع [ (2) ] ! لو كان أحد ذهبا تنفقه قيراطا قيراطا في سبيل اللَّه لم تدرك غدوة أو روحة من غدوات أو روحات عبد الرحمن بن عوف! ورفع صلّى اللَّه عليه وسلّم يديه حتى رئي بياض إبطيه، وهو يقول: اللَّهمّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد!! بعثة عليّ بالديات إلى بني جذيمة وبعث عليا رضي اللَّه عنه إلى بني جذيمة بمال فودى لهم ما أصاب خالد، ودفع إليهم مالهم، فبقيت لهم بقية مال، فبعث عليّ أبا رافع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليستزيده فزاده مالا، فودى لهم كلّ ما أصاب [خالد] ، حتى إنه ليدي لهم ميلغة [ (3) ] الكلب وبقي مع عليّ شيء من المال. فقال: هذه البقية من هذا المال لكم عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مما أصاب خالد، مما لا يعلمه ولا تعلمونه. فأعطاهم ذلك وعاد فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بما صنع فقال: أصبت! ما أمرت خالدا بالقتال، إنما أمرته بالدعاء! ثم أقبل على خالد رضي اللَّه عنه وقال: لا تسبوا خالدا ابن الوليد، فإنما هو سيف من سيوف اللَّه سله على المشركين. فتح مكة وقد اختلف في فتح مكة، فقال الأوزاعيّ ومالك وأبو حنيفة: إنّها فتحت عنوة ثم أمّن أهلها. وقال مجاهد والشافعيّ: فتحت صلحا بأمان عقده. وقيل:   [ (1) ] في (خ) «غاب» . [ (2) ] كذا في (ط) ، وفي (خ) «متى يتكأ أنف المرء وينكا» ولم أجد هذا المثل في (مجمع الأمثال للميداني) ولا في جمهرة الأمثال للعسكريّ) ، ولا في كتاب (الأمثال في الحديث النبوي) لأبي الشيخ الأصبهاني. ونكأ القرحة: نشرها. [ (3) ] في (خ) «مبلغة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 فتح أسفلها عنوة وأعلاها صلحا [ (1) ] . وروي أنه يوم فتح مكة حام حمام الحرم [ (2) ] فأظلته صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدعا لها بالبركة. وكان يحبّ الحمام. غزوة حنين «هوازن» ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزوة حنين: وذلك واد- ويقال ماء- بينه وبين مكة ثلاث ليال في قرب الطائف. سمّي بحنين بن قانية بن مهلائيل من جرهم، وقيل: حنين بن ماثقة بن مهلان بن مهليل بن عبيل بن عوص بن إرم ابن سام [ (3) ] بن نوح. جموع هوازن وثقيف وذلك أن أشراف هوازن وثقيف حشدوا، وقد جعلوا أمرهم إلى مالك ابن عوف بن سعيد بن ربيعة بن يربوع بن واثلة [ (4) ] بن دعمان بن نصر بن معاوية ابن بكر بن هوازن النصريّ، وهو ابن ثلاثين سنة. وأقبلت ثقيف ونصر وجشم، وكان في ثقيف سيّدان [ (5) ] لهم هما: قارب بن عبد اللَّه بن الأسود بن مسعود الثقفيّ، وذو الخمار سبيع بن الحارث، [ويقال: الأحمر بن الحارث] ، واجتمع إليهم من بني هلال بن عامر نحو المائة، ولم يحضرهم أحد من كعب ولا كلاب   [ (1) ] يقول ابن القيم في (زاد المعاد) ج 3 ص 429 في الإشارة إلى ما في الغزوة من الفقه واللطائف، «وفيها البيان الصريح بأن مكة فتحت عنوة كما ذهب إليه جمهور أهل العلم، ولا يعرف في ذلك خلاف إلا عن الشافعيّ وأحمد في أحد قوليه» ثم قال: «قال أصحاب الصلح: لو فتحت عنوة لقسمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الغانمين كما قسم خيبر» ، «ولو فتحت عنوة لملك الغانمون رباعها ودورها» ، «قال أرباب العنوة: لو كان قد صالحهم لم يكن لأمانه المقيد بدخول كل واحد داره، وإغلاق بابه، وإلقاء سلاحه فائدة» . «وأيضا فلو كان فتحها صلحا، لم يقل: إن اللَّه قد أحلها لي ساعة من نهار، فإنّها إذا فتحت صلحا كانت باقية على حرمتها» . [ (2) ] في (خ) «الحرر» . [ (3) ] في (خ) «سلام» . [ (4) ] في (خ) «واثله» . [ (5) ] في (خ) «سيديان» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 [من هوازن] [ (1) ] وحضر دريد بن الصّمّة بن [الحارث بن] [ (2) ] بكر بن علقمة ابن خزاعة بن غزيّة [ (3) ] بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن في بني جشم، وهو ابن ستين ومائة سنة لا شيء فيه، إلا أنهم يتيمنون برأيه ومعرفته بالحرب ودربته [ (4) ] . منزل هوازن وجاءوا جميعا بأموالهم ونسائهم وأبنائهم يريدون حرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى نزلوا بأوطاس، فقال دريد: بأيّ واد أنتم: قالوا: بأوطاس فقال: مجال الخيل! لا حزن ضرس، ولا سهل دهس [ (5) ] . ثم قال لمالك بن عوف: ما لي أسمع بكاء الصغير، ورغاء البعير، ونهاق الحمير، ويعار الشاة؟ قال مالك: يا أبا قرّه! إني سقت مع الناس أموالهم وذراريهم، وأردت أن أجعل خلف كلّ رجل منهم أهله وماله يقاتل عنه، فأنقض به دريد، ثم قال: رويعي ضأن واللَّه! وهل يردّ المنهزم شيء؟ وقال: هذا يوم لم أشهده [ (6) ] ، ولم أغب عنه! وقال: يا ليتني فيها جذع [ (7) ] ... أخب فيها وأضع [ (8) ] أقود وطفاء الزّمع [ (9) ] ... كأنها شاة صدع [ (10) ] [قوله: «أنقض به دريد» يريد أنه نقر بلسانه في فيه كما يزجر الشاة أو الحمار. وقوله: «رويعي [ (11) ] ضأن» ، يستجهله] . خروج رسول اللَّه إلى حنين فغدا صلّى اللَّه عليه وسلّم يريدهم يوم السبت لست خلون من شوال، وقيل قدم مكة لثماني   [ (1) ] زيادة للبيان. [ (2) ] زيادة من نسبه من (ط) [ (3) ] في (خ) «عربة» . [ (4) ] في (خ) «ذريته» . [ (5) ] الحزن: الغليظ من الأرض. الضرس: الغليظ الخشن. الدهس: اللين الوطء من الأرض. [ (6) ] في (خ) «أشهد» . [ (7) ] جذع: صغير السن، وفي (خ) «جزع» . [ (8) ] الخب والوضع: ضربان من العدو والوضع أشد. [ (9) ] في (خ) «الرمع» ، والوطفاء: الغزيرة الشعر. والزمع جمع زمعة: وهي شعرة مدلاة خلف الرسغ. [ (10) ] الصدع: الوعل الحديث السن. [ (11) ] رويعي: تصغير «راع» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 عشرة ليلة من شهر رمضان سنة ثمان، وأقام بها اثنتي عشرة ليلة، ثم أصبح غداة الفطر غاديا إلى حنين. وخرج معه أهل مكة- لم يتأخر منهم كبير أحد- ركبانا ومشاة، حتى خرج معه النساء يمشين: على غير دين نظارا ينظرون ويرجون الغنائم، ولا يكرهون الدّولة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. واستعمل على مكة عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس القرشيّ الأمويّ- وله نحو عشرين سنة-، وجعل معه معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عديّ بن كعب بن عمرو بن أديّ ابن سعيد بن علي بن أسد بن ساردة [ (1) ] بن زيد بن جشم بن الخزرج الأنصاريّ الخزرجي، يعلمهم السّنن والفقه. وخرج معه اثنا عشر ألف رجل: عشرة آلاف من المدينة وألفان من أهل مكة، وهم الطلقاء. إعجاب المسلمين بكثرتهم يوم حنين فقال رجل من بني بكر: لو لقينا بني شيبان ما بالينا، ولا يغلبنا اليوم أحد من قلة! فأنزل اللَّه تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [ (2) ] . عارية السلاح واستعار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صفوان بن أمية مائة درع، وقيل أربعمائة درع، بأداتها، وخرج [صفوان] [ (3) ] وهو مشرك مع المسلمين. خبر ذات الأنواط فمرّوا بشجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط- كانت العرب من قريش وغيرها يأتونها كل سنة يعلقون عليها أسلحتهم، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما- فقالوا: يا رسول اللَّه: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط: فقال: اللَّه أكبر! قلتم- والّذي نفسي بيده- كما قال قوم موسي:   [ (1) ] في (خ) «ماردة» . [ (2) ] الآية 25/ التوبة، وفي (خ) « ..... كثرتكم الآي» . [ (3) ] زيادة للبيان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [ (1) ] ، إنها السّنن، سنن من كان قبلكم [وفي رواية: لتركبن سنن من قبلكم] [ (2) ] . خبر الرجل الّذي أراد قتل رسول اللَّه ونزل رسول اللَّه تحت شجرة دوين أوطاس، وعلق بها سيفه وقوسه، فجاء رجل وهو نائم فسلّ السيف، وقام على رأسه ففزع به [ (3) ] وهو يقول: يا محمد! من يمنعك منّي اليوم؟ فقال: اللَّه! فأتى أبو بردة بن نيار يريد أن يقتل الرجل، فمنعه النبي عليه السلام من قتله وقال: يا أبا بردة، إن اللَّه مانعي وحافظي حتى يظهر دينه على الدّين كلّه. وانتهى صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال. عيون هوازن ورعب المشركين فبعث مالك بن عوف ثلاثة رجال متفرقين في العسكر [يأتونه بخبر أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (4) ] ، فرجعوا وقد تفرقت أوصالهم [من الرعب] [ (4) ] ، وقالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، فو اللَّه ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى! وقالوا: ما نقاتل أهل الأرض إنما نقاتل إلا أهل السماء! وإن أطعتنا رجعت بقومك. فسبّهم وحبسهم. ثم بعث آخر فعاد إليه بمثل ما قال الثلاثة، فلم ينته. وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن حدرد مرثد بن أبي مرثد الغنويّ تلك الليلة على فرسه وهو يحرس المسلمين. خروج غير المسلمين إلى حنين وكان قد خرج رجال من مكة على غير دين، ينظرون على من تكون الدائرة، فيصيبون من الغنائم، منهم أبو سفيان بن حرب [ (5) ] ، ومنهم معاوية بن أبي سفيان- خرج ومعه الأزلام [ (6) ] في كنانته، وكان يسير في أثر العسكر، كلّما مرّ بترس   [ (1) ] الآية 138/ الأعراف. [ (2) ] سنن الطريق: نهجه ووجهه. [ (3) ] فزع به: أنبهه. [ (4) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2 ص 150. [ (5) ] كذا في (خ) و (الواقدي) ج 3 ص 895، وهو غريب، فمن الثابت أن أبا سفيان بن حرب أسلم ليلة الفتح، ومعاوية أسلم يوم الفتح، والحارث بن هشام أسلم يوم الفتح أيضا. [ (6) ] الأزلام: سهام كانوا يستقسمون بها في الجاهلية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 ساقط أو رمح أو متاع حمله، حتى أوقر جمله [ (1) ]-، وصفوان بن أمية، ومعه حكيم بن حزام، وحويطب بن عبد العزّى، وسهيل بن عمرو، والحارث ابن هشام [ (2) ] ، وعبد اللَّه بن أبي ربيعة، فلما كانت الحرب وقفوا خلف الناس. تعبئة المسلمين وعبّأ مالك بن عوف أصحابه في الليل بوادي حنين، وعبأ له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في السّحر، ووضع الألوية والرايات في أهلها. فحمل رايات المهاجرين: عليّ وسعد بن أبي وقّاص، وعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنهم، وحمل رايات الأنصار الحباب بن المنذر، وقيل كان لواء الخزرج الأكبر مع سعد بن عبادة، ولواء الأوس مع أسيد بن حضير. وفي كل بطن لواء أو راية. وكانت رايات المهاجرين سودا وألويتهم بيضاء، ورايات الأنصار خضرا وحمرا، وكانت في قبائل العرب رايات، وبقيت سليم كما هي في مقدمة الخيل، وعليهم خالد بن الوليد. المسير إلى القتال وانحدر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصحابه في وادي حنين. وهو على تعبئته وقد ركب بغلته البيضاء دلدل، ولبس درعين والمغفر والبيضة، وحضّ على القتال، وبشر بالفتح إن صدقوا وصبروا. انهزام المسلمين فاستقبلتهم هوازن في غبش الصّبح [ (3) ] بكثرة لم يروا مثلها قط، وحملوا على المسلمين حملة واحدة، فانكشف أول الخيل خيل [بني] [ (4) ] سليم مولّية، فولوا وتبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس منهزمين ما يلوون على شيء.   [ (1) ] أوقر الجمل: أثقل حمله. [ (2) ] كذا في (خ) و (الواقدي) ج 3 ص 895، وهو غريب، فمن الثابت أن أبا سفيان بن حرب أسلم ليلة الفتح، ومعاوية أسلم يوم الفتح، والحارث بن هشام أسلم يوم الفتح أيضا. [ (3) ] غبش الصبح: الظلمة يخالطها البياض في بقية الليل. [ (4) ] زيادة للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 انهزام المشركين بغير قتال فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمينا وشمالا- والناس منهزمون حتى بلغوا مكة، فلم يرجع آخرهم إلا والأسارى بين يدي النبي عليه السلام- وهو يقول: يا أنصار اللَّه وأنصار رسول اللَّه؟ أنا عبد اللَّه ورسوله!! ثم تقدّم بحربته أمام الناس، وانهزم المشركون، وما ضرب أحد من المسلمين بسيف ولا طعن برمح. ورجع صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى العسكر، وأمر أن يقتل كلّ من قدر عليه من المشركين، وقد ولت هوازن، وثاب من انهزم من المسلمين. الذين ثبتوا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الهزيمة ولم يثبت معه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقت الهزيمة إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وقد أخذ [ (1) ] بثغر البلغة، والعباس وقد أخذ بحكمتها [ (2) ] ، وهو يركضها إلى وجه العدوّ، وينوّه باسمه فيقول: أنا النبيّ لا كذب ... أنا ابن عبد المطّلب دعوة المنهزمين وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم يا عباس! اصرخ: يا معشر الأنصار! يا أصحاب السّمرة [ (3) ] ! فنادى بذلك- وكان رجلا صيّتا [ (4) ]-، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنّت إلى أولادها يقولون يا لبّيك ... يا لبيك! فأشرف صلّى اللَّه عليه وسلّم كالمتطاول في ركابيه، فنظر إلى قتالهم وقال: الآن حمي الوطيس! ثم أخذ بيده من الحصا فرماهم به وهو يقول: شاهت الوجوه، حم لا ينصرون! ثم قال: انهزموا وربّ الكعبة! فما زال أمرهم مدبرا وانهزموا: فانحاز صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات اليمين، وهو على بغلته قد جرّد سيفه.   [ (1) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ، وأثبتناها من (الواقدي) ج 2 ص 898 ومعناها: السير في مؤخر السرع (ترتيب القاموس) . [ (2) ] الحكمة: ما أحاط بحنكي الفرس من لجامه وفيها العذران (ترتيب القاموس) . [ (3) ] السّمرة: قال في (النهاية) الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان عام الحديبيّة. [ (4) ] صيّتا: عالي الصوت رفيعه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 عدد من ثبت معه وثبت معه [ (1) ] سوى من ذكرنا: عليّ، والفضل بن عباس، وربيعة ابن الحارث [بن عبد المطلب] [ (2) ] ، وأيمن بن عبيد الخزرجي، وأسامه بن زيد، وأبو بكر وعمر، رضي اللَّه عنهم. وقيل لما انكشف الناس عنه قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لحارثة بن النّعمان الأنصاري: كم ترى الناس الذين ثبتوا؟ فحرزهم مائة، وهذه المائة هي التي كرّت بعد الفرار، فاستقبلوا هوازن واجتلدوهم [ (3) ] وإياهم وكان دعاؤه يومئذ- حين انكشف الناس عنه، فلم يبق إلا في المائة الصابرة-: اللَّهمّ لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان [ (4) ] ! ويقال إن المائة الصابرة يومئذ: ثلاثة وثلاثون من المهاجرين، وسبعة وستون من الأنصار، وكان عليّ، وأبو دجانة، وعثمان بن عفان، وأيمن بن عبيد رضي اللَّه عنهم يقاتلون بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. خبر على وقتاله يوم حنين قال الحارث بن نوفل: فحدّثني الفضل بن العباس قال: التفت العباس يومئذ وقد أقشع [ (5) ] الناس عن بكرة أبيهم- فلم ير عليا فيمن ثبت، فقال: شوهة وبوهة [ (6) ] ! أوفي مثل هذه [ (7) ] الحال يرغب ابن أبي طالب بنفسه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ وهو صاحبه فيما هو صاحبه!! [يعني المواطن المشهورة له] فقلت: بعض قولك لابن أخيك! أما تراه في الرّهج؟ قال: أشعره [ (8) ] لي يا بنيّ. قلت ذو كذا، ذو كذا، ذو البردة. قال: فما تلك البرقة؟ قلت: سيفه يرفل [ (9) ] به بين   [ (1) ] في (خ) «وما معه» . [ (2) ] زيادة للبيان من (ط) . [ (3) ] اجتلدوا: ضربوا بالسيف. [ (4) ] في (الواقدي) ج 2 ص 901 بعد قوله «المستعان» «قال له جبريل: لقد لقنت الكلمات التي لقن اللَّه موسى يوم فلق البحر أمامه وفرعون خلفه» ومعنى لقن: فهم. [ (5) ] أقشع الناس: تفرقوا. [ (6) ] في (خ) «شوهة بوهة» وهذا يقال في الدعاء والذم، كذا في (ط) ولم أجد المثل في مجمع الأمثال ولا في جمهرة الأمثال. [ (7) ] في (خ) ، (ط) «هذا» وما أثبتناه حق اللغة. [ (8) ] الرهج: غبار الحرب وأشعره لي: أذكر لي شعاره الّذي يعرف به بين رفقته [ (9) ] يرفل: يتبختر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 الأقران [ (1) ] . فقال برّ ابن برّ؟ فداه عم وخال! قال: فضرب عليّ يومئذ أربعين مبارزا كلهم يقده حتى يقدّ أنفه وذكره. قال: وكانت ضرباته منكرة. قتال أم عمارة وصواحباتها وكانت أم عمارة في يدها سيف صارم، وأم سليم معها خنجر قد حزمته على وسطها وهي يومئذ حامل بعبد اللَّه بن أبي طلحة، وأم سليط، وأم الحارث- حين انهزم الناس- يقاتلن: وأم عمارة تصيح بالأنصار: أيّة عادة هذه! ما لكم وللفرار! وشدّت على رجل من هوازن فقتلته وأخذت سيفه. موقف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قائم مصلت السيف بيده، وقد طرح غمده ينادي: يا أصحاب سورة البقرة! فكرّ المسلمون، وجعلوا يقولون: يا بني عبد الرحمن! يا بني عبد اللَّه! يا بني عبيد اللَّه! يا خيل اللَّه- وكان صلى اللَّه عليه وسلّم قد سمّي خيله خيل اللَّه-[وكان شعار [ (2) ] المهاجرين بني عبد الرحمن، وشعار الأوس بني عبيد اللَّه، وشعار الخزرج بني عبد اللَّه] . فكرّت الأنصار، ووقفت هوازن حملة ناقة [ (3) ] ، ثم كانت هزيمتهم أقبح هزيمة، والمسلمون يقتلون ويأسرون. تحريض أم سليم وأم سليم بنت ملحان تقول: يا رسول اللَّه! ما رأيت هؤلاء الذين أسلموا وفرّوا عنك وخذلوك! لا تعف عنهم إذا أمكنك اللَّه منهم، تقتلهم كما تقتل هؤلاء المشركين! فقال: يا أم سليم! قد كفى اللَّه، عافية اللَّه أوسع. النهي عن قتل الذرية وحنق المسلمون على المشركين فقتلوهم حتى شرعوا [ (4) ] في قتل الذّرية. فلما بلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى بلغ الذّرّيّة!   [ (1) ] الأقران: النظائر والأكفاء. [ (2) ] في (خ) «وجعل شعار» . [ (3) ] في (خ) «حملت» ، والمعني: وقفوا مقدار ما تحمل الناقة رحلها. [ (4) ] في (خ) «أشرعوا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 ألا لا تقتل الذرية، فقال أسيد بن الحضير: يا رسول اللَّه! أليس إنما هم أولاد المشركين؟! فقال: أوليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، وأبواها يهوّدانها أو ينصّرانها [ (1) ] !. خبر النمل وقال جبير بن مطعم: لما تراءينا نحن والقوم، رأينا سوادا لم نر مثله قط كثرة، وإنما ذلك السواد نعم فحملوا النساء عليه. فأقبل مثل الظّلّة السوداء من السماء، حتى أظلت علينا وعليهم وسدّت الأرض. فنظرت فإذا وادي حنين يسيل بالنمل، نمل أسود مبثوث. لم أشكّ أنه نصر أيدنا اللَّه به، فهزمهم اللَّه. وحدّث شيوخ من الأنصار قالوا: رأينا كالبجد [ (2) ] السود هوت من السماء ركاما فنظرنا فإذا نمل مبثوث، فإن كنا لننفضه عن ثيابنا، فكان نصرا أيّدنا اللَّه به. نصر الملائكة وكانت سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمرا [ (3) ] قد أرخوها بين أكتافهم، وكان الرعب الّذي قذف اللَّه في قلوب المشركين يومئذ كوقع الحصاة في الطّست: له طنين، فيجدون في أجوافهم مثل ذلك. ولم رمي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بذلك الكفّ من الحصا، لم يبق أحد من المشركين إلا وهو يشكو القذى في عينه. ويجدون في صدورهم خفقانا كوقع الحصا في الطّساس [ (4) ] : ما يهدأ ذلك عنهم. ورأوا رجالا بيضا على خيل بلق، عليهم عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم، وهم بين السماء والأرض: كتائب، فما كانوا يستطيعون أن يتأمّلوهم من الرعب منهم. القتلى في ثقيف استحرّ القتل من ثقيف [في] [ (5) ] بني مالك، فقتل منهم قريب من مائة رجل تحت رايتهم، وقتل ذو الخمار، وهربت ثقيف.   [ (1) ] أي يحملانها على شريعة يهودية أو نصرانية. [ (2) ] البجد: جمع بجاد: وهو كساء مخطط من أكسية الأعراب. [ (3) ] في (خ) «حمر» . [ (4) ] الطساس: جمع طست. [ (5) ] زيادة للسياق من (ابن هشام) ج 4 ص 69. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 إسلام شيبة بن عثمان وكان شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، قد تعاهد هو وصفوان بن أميّة يومئذ إن رأيا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم دبرة أن يكون عليه، وهما خلفه. قال شيبة: فأدخل اللَّه الإيمان قلوبنا. ولقد هممت بقتله، فأقبل شيء حتى يغشى فؤادي، فلم أطق ذلك، وعلمت أنه قد منع مني وفي رواية: غشيتني ظلمة حتى لا أبصر، فعرفت أنه ممتنع مني، وأيقنت بالإسلام. وفي رواية: أنّ شيبة قال: لما رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم غزا مكة فظفر بها وخرج إلى هوازن، قلت: أخرج لعلي أدرك ثأري! وذكرت قتل أبي يوم أحد [قتله حمزة] ، وعمي [قتله عليّ] ، فلما انهزم أصحابه جئته عن يمينه، فإذا العباس قائم علي درع بيضاء كالفضة، فقلت: عمّه! لن يخذله! فلما جئته عن يساره، فإذا بأبي سفيان بن الحارث، فقلت: ابن عمّه! ولن يخذله [ (1) ] ! فجئته من خلفه، فلم يبق [ (2) ] إلا أسوّره بالسيف [ (3) ] ، إذ رفع لي- فيما بيني وبينه- شواظ [ (4) ] من النار كأنه برق، وخفت أن يمحشني [ (5) ] ، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى، فالتفت إليّ وقال: يا شيب! أدن مني! فوضع يده على صدري وقال: اللَّهمّ أذهب عنه الشيطان! فرفعت رأسي إليه وهو أحبّ إليّ من سمعي وبصري وقلبي، ثم قال: يا شيب! قاتل الكفّار! فتقدّمت بين يديه أحبّ واللَّه أقيه بنفسي وبكلّ شيء. فلما انهزمت هوازن، رجع إلى منزله ودخلت عليه، فقال: الحمد للَّه الّذي أراد بك خيرا مما أردت. ثم حدثني بما هممت به. خبر المنافقين ولما كانت هزيمة المسلمين، تكلم قوم بما في نفوسهم من الضّغن والغشّ، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر؟ فقال [أبو مقيت ابن سليم] [ (6) ] : أما واللَّه لولا أني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ينهي عن قتلك لقتلتك!   [ (1) ] في (خ) «أن يخذله» . [ (2) ] في (خ) «أبق» . [ (3) ] تسوّره: علاه، أي يعلوه فيأخذه بالسيف. [ (4) ] في (خ) «شوظ» . [ (5) ] يمشخني: يحرق الجلد حتى يبدو العظم. [ (6) ] كذا في (خ) ، (ط) ، وفي (الواقدي) ج 3 ص 910 «يقول رجل من أسلم يقال له أبو مقيت ... إلخ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وقال كلدة بن حنبل- أخو صفوان لأمه- ألا بطل سحر محمد اليوم! فقال له صفوان: اسكت فضّ اللَّه فاك! لأن يربّني ربّ من قريش أحبّ إليّ من أن يربّني ربّ من هوازن! وقال سهيل بن عمرو: [واللَّه] [ (1) ] لا يجتبرها [ (2) ] محمد وأصحابه [أبدا] [ (1) ] ! فقال له عكرمة [بن أبي جهل] [ (1) ] : إنّ هذا ليس بقول! إنما الأمر بيد اللَّه، وليس إلى محمد الأمر شيء! إن أديل [ (3) ] عليه اليوم فإن له العاقبة [ (4) ] غدا. فقال له سهيل: واللَّه إن عهدك بخلافه لحديث! قال: يا أبا يزيد، إنا كنا واللَّه نوضع في غير شيء وعقولنا عقولنا [ (5) ] نعبد حجرا لا ينفع ولا يضرّ!! النهي عن قتل النساء والمماليك ومرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بامرأة مقتولة: قتلها خالد بن الوليد، فبعث إليه: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ينهاك أن تقتل امرأة أو عسيفا [ (6) ] . خبر بني سليم ولما هزم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هوازن، وأتبعهم المسلمون يقتلونهم، نادت بنو سليم: ارفعوا عن بني أمكم القتل! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ عليك ببني بمكة! أمّا في قومي فوضعوا السّلاح وضعا، وأمّا عن قومهم فرفعوا رفعا، [وبكمة بنت مرّ أم سليم، وهي أخت تميم بن مرّ] . خبر بجاد السعدي وأمر عليه السلام بطلب القوم، وقال: إن قدرتم على بجاد فلا يفلتنّ منكم! وكان [بجاد] [ (7) ] من بني سعد [بن بكر بن هوازن] [ (7) ] وقد قطّع رجلا مسلما وحرّقه بالنار، فأخذته الخيل، وضموه إلى الشيماء بنت الحارث بن عبد العزّى- أخت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة- وأتوا بهما فرحّب بالشيماء وأجلسها على   [ (1) ] زيادة للبيان. [ (2) ] يجتبرها: يصلحها. [ (3) ] أديل: من الدولة بمعنى النصر. [ (4) ] في (خ) «العافية» . [ (5) ] كذا في (الواقدي) ج 3 ص 911، وفي بعض كتب السيرة «وعقولا ذاهبة» . [ (6) ] العسيف: «الأجير» . [ (7) ] زيادة للبيان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 ردائه، وأعطاها- بعد ما أسلمت- ثلاثة أعبد وجارية، فاستوهبته بجادا فوهبه لها. هزيمة هوازن وقتل دريد بن الصمة ومرّت هوازن في هزيمتها إلى الطائف، وإلى أوطاس، وإلى نخلة. فسارت الخيل تريد من أتى نخلة. أدرك الربيع بن ربيعة بن رفيع بن أهبان [ (1) ] بن ثعلبة بن ضبيعة بن يربوع بن سمّال بن عوف بن مريء القيس بن بهثة بن سليم السّلمي -[وكان يقال له «ابن الدّغنّة» ، وهي أمه فغلبت على اسمه] [ (2) ]- دريد بن الصّمة فقتله. أبو عامر الأشعري وتوجّه أبو عامر الأشعريّ- أخو أبي موسى [الأشعريّ] [ (2) ]- إلى أوطاس، ومعه لواء في عدّة من المسلمين، وقد عسكر المشركون، فقاتلهم وقتل منهم تسعة ثم أصيب، فاستخلف أخاه أبا موسى ففتح اللَّه عليه. ولحق مالك بن عوف بالطائف. الغنائم والسبي وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالغنائم فجمعت. ونادى مناديه: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يغلّ! وأصاب المسلمون سبايا، فكانوا يكرهون أن يقعوا عليهنّ ولهنّ أزواج، فسألوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن ذلك فأنزل اللَّه وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً [ (3) ] وقال صلى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: لا توطأ حامل من السبي حتى تضع حملها، ولا غير ذات حمل حتى تحيض. وسألوه عن العزل [ (4) ] ، فقال: ليس من كل الماء   [ (1) ] في (خ) «أهان» . [ (2) ] زيادة للبيان من (ط) . [ (3) ] الآية 24/ النساء، وفي (خ) « ... أيمانكم، الآية» . [ (4) ] (سنن ابن ماجة) ج 1 ص 620 (باب العزل) حديث رقم 1926، 1927، 1928، و (سنن أبي داود) ج 2 ص 622 وما بعدها (باب ما جاء في العزل) ، حديث رقم 2170، 2171، 2172، 2173. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 يكون الولد، وإذا أراد اللَّه أن يخلق شيئا لم يمنعه شيء. دية عامر بن الأضبط وقام عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعيّ- وقد قتله محلّم بن جثّامة بن قيس الليثي في سرية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى إضم- بعد ما حيّا بتحية الإسلام- فدافع عنه الأقرع بن حابس، فأشار النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالدية فقبلوها. شارب الخمر أتي يومئذ بشارب، فأمر عليه السلام من عنده [ (1) ] فضربوه بما كان في أيديهم، وحثا عليه التراب. الشهداء والسبي وجميع من استشهد [ (2) ] بحنين أربعة [ (3) ] . وفي هذه الغزاة قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من قتل قتيلا فله سلبه. وكان أبو طلحة قد قتل عشرين رجلا فأعطاه سلبهم. وذكر الزبير بن بكّار:   [ () ] وقال الخطابي في (معالم السنن) ج 2 ص 624 عند التعليق على الحديث رقم 2172: «وأخرجه البخاري في النكاح باب العزل رقم 97 (7/ 42) ومسلم في النكاح باب حكم العزل حديث رقم 1438 والنسائي في النكاح باب العزل (6/ 107) ، والعزل: أن يعزل الرجل الماء عن النساء حذر الحمل. [ (1) ] في (خ) «بن عبدة» . [ (2) ] في (خ) «ما استشهد» . [ (3) ] وهؤلاء هم: 1- من قريش ثم من بني هاشم: أيمن بن عبيد. 2- من بني أسد بن عبد العزى: يزيد بن زمعة. 3- ومن الأنصار: سراقة بن الحارث بن عدي. 4- ومن الأشعريين: أبو عامر الأشعري. (ابن هشام) ج 4 ص 76. وفي (الواقدي) ج 3 ص 22: رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بدلا من يزيد بن زمعة. وقال محقق (الواقدي) أنه أثبته عن ابن حزم في (جوامع السيرة) ص 244 (تعليق رقم (1) ص 922 (من الواقدي) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سبى يوم حنين ستة آلاف- بين غلام وامرأة- فجعل عليهم أبا سفيان بن حرب. ومات رجل من أشجع أيام حنين، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: صلّوا على صاحبكم فإنه قد غلّ. فنظروا. فإذا في برديه خرز لا يساوي درهمين. غزوة الطائف ثم كانت غزوة الطائف. وذلك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما فتح حنينا، بعث الطفيل ابن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سالم بن فهم الدّوسيّ إلى ذي الكفّين- صنم عمرو بن حمه- يهدمه، وأمره أن يستمدّ قومه ويوافيه بالطائف، وقال له: أفش السلام، وأبذل الطعام- واستحي من اللَّه كما يستحي الرجل ذو الهيئة من أهله [ (1) ] ، إذا أسأت فأحسن، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ [ (2) ] . فخرج إلى قومه فهدم ذا الكفين، وجعل يحشو النّار في وجهه ويحرقه ويقول: يا ذا الكفين لست من عبّاكا ... ميلادنا أقدم من ميلادكا أنا حششت [ (3) ] النار في فؤادكا ووافى معه بأربعمائة، بعد ما قدم عليه السلام الطائف بأربعة أيام، ومعه دبّابة، ومنجنيق. ويقال: بل اتخذ المنجنيق سلمان الفارسيّ، وقدم بالدبّابة خالد بن سعيد ابن العاص من جرش [ (4) ] . وكان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حسك من خشب [ (5) ] يطيف بعسكره.   [ (1) ] كذا في (خ) ، (ط) وفي (الواقدي) ج 3 ص 922 «كما يستحي الرجل ذو الهيئة من أهله» وذو الهيئة: ذو الوقار. [ (2) ] نص الآية 114/ هود كالآتي: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ. [ (3) ] في (الواقدي) ج 3 ص 923 «حشوت النار في فؤادكا» . وحش النار: جمع إليها ما تفرق من الحط. [ (4) ] في (خ) «بن جرش» وجرش اسم مدينة سبق شرحها اسمها راجع (معجم البلدان) ج 2 ص 127. [ (5) ] الحسك: نبات تعلق ثمرته بصوف الغنم، ورقه كورق الرّجلة وأدق، وعند ورقه شوك ملزز صلب ذو ثلاث شعب، وله ثمر شربه يفتت حصى الكليتين والمثانة. وكذا شرب عصير ورقه جيد للباءة، وعسر البول ونهش الأفاعي، ورشه في المنزل يقتل البراغيث، ويعمل في مثال شوكه أداة للحرب من حديد أو قصب. فيلقى حول العسكر ويسمى باسمه. (ترتيب القاموس ج 1 ص 641. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 بعثة خالد بن الوليد على المقدمة وقدّم صلى اللَّه عليه وسلّم خالد على مقدّمته، وبعث بالسبي والغنائم إلى الجعرّانة مع بديل ابن ورقاء الخزاعيّ، وسار إلى الطائف وقد رمّوا حصنهم، ودخل فيه من انهزم من أوطاس، واستعدوا للحرب وأتي صلى اللَّه عليه وسلّم- في طريقه بليّة [ (1) ]- برجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل، فضرب أولياؤه عنقه، وكان أوّل دم أقيد [ (2) ] به في الإسلام، وحرّق بليّة [ (3) ] قصر مالك بن عوف. منزل المسلمين بالطائف ثم نزل قريبا من حصن الطائف وعسكر به، فرموا بنبل كثير أصيب به جماعة من المسلمين بجراحة، فحوّل عليه السلام أصحابه، وعسكر حيث لا يصيبهم رمي أهل الطائف، وثار المسلمون إلى الحصن، فقتل يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب ابن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ القرشيّ الأسدي، فظفر أخوه يعقوب بن زمعة بهذيل بن أبي الصّلت، [أخي أميّة بن الصلت] . وقال: هذا قاتل أخي! فضرب عنقه، وأقام صلى اللَّه عليه وسلّم على حصار الطائف ثمانية عشر يوما، وقيل تسعة عشر يوما، وصحح ابن حزم إقامته عليه السلام بضع عشرة ليلة وفي الصحاح عن أنس بن مالك قال: فحاصرناهم أربعين يوما. يعني ثقيفا. مصلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فكان في إقامته يصلّي ركعتين بين قبّتين قد ضربتا لزوجتيه أمّ سلمة وزينب رضي اللَّه عنهما. فلما أسلمت ثقيف، بني أمية بن عمرو بن وهب بن معتّب ابن مالك [ (4) ] على مصلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مسجدا، وكان فيه سارية-[فيما   [ (1) ] ليّة: من نواحي الطائف مرّ به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين انصرافه من حنين يريد الطائف (معجم البلدان) ج 5 ص 30. [ (2) ] من القود: وهو القصاص. [ (3) ] في (خ) «وحرق عليه» . [ (4) ] كذا في (خ) ، (ط) ، واسمه محل خلاف عند أهل السير، ففي (الواقدي) ج 3 ص 927 «أمية ابن عمرو بن وهب» وفي (ابن هشام) ج 4 ص 94: «عمرو بن أمية بن وهب» وفي (الطبري) ج 3 ص 84 «أبو أمية بن عمرو بن وهب» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 يزعمون] [ (1) ]- لا تطلع الشمس عليها [يوما] [ (1) ] من الدهر إلا يسمع لها نقيض أكثر من عشر مرار، وكانوا يرون أن ذلك تسبيح [ (2) ] . محاصرة حصن الطائف ونصب صلى اللَّه عليه وسلّم المنجنيق على حصن الطائف، وقد أشار به سلمان الفارسيّ رضي اللَّه عنه، وقد عمله بيده، وقيل: قدم به يزيد بن زمعة ومعه دبابتان [ (3) ] ، وقيل: قدم به الطّفيل بن عمرو: وقيل: قدم به وبدبابتين خالد بن سعيد من جرش [ (4) ] ونثر صلى اللَّه عليه وسلّم الحسك حول الحصن، ودخل المسلمون تحت الدبابتين، ثم زحفوا [ (5) ] بها إلى جدار الحصن ليحفروه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك [ (6) ] الحديد محماة بالنار فحرقت الدبابتين- وكانت من جلود البقر- فأصيب من المسلمين جماعة، وخرج من بقي من تحتها فقتلوا بالنبل. فأمر عليه السلام بقطع أعنابهم وتحريقها، فقطعها المسلمون قطعا ذريعا. فنادى سفيان بن عبد اللَّه الثّقفي: يا محمد! لم تقطع أموالنا؟ إما أن تأخذها إن ظهرت علينا، وإما أن تدعها [للَّه] [ (7) ] وللرحم كما زعمت! فقال عليه السلام: للَّه وللرّحم! وكفّ عنها. النازلون من حصن الطائف ونادى منادى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أيّما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر [ (8) ] ! فخرج بضعة عشر رجلا: أبو بكرة، والمنبعث، والأزرق [أبو عقبة الأزرق] ، ووردان، ويحنّس النّبّال، وإبراهيم بن جابر، ويسار، ونافع، وأبو السائب [ (9) ] ، ومرزوق، فأعتقهم صلى اللَّه عليه وسلّم، ودفع كلّ رجل منهم إلى رجل من   [ (1) ] زيادة من الطبري ج 3 ص 84 وابن هشام ج 4 ص 94. [ (2) ] في (خ) «تسبيحا» . [ (3) ] في (خ) «دبابتين» . [ (4) ] في (خ) «بن جرش» . [ (5) ] في (خ) «رجفوا» . [ (6) ] السكة: الحديدة التي يحرث بها الأرض. [ (7) ] زيادة للسياق. [ (8) ] يقول ابن كثير في (البداية والنهاية) ج 4 ص 347: [هذا الحديث تفرد به أحمد ومداره على الحجاج ابن أرطاة وهو ضعيف، ولكن ذهب الإمام أحمد إلى هذا، فعنده أن كل عبد جاء من دار الحرب إلى دار السلام عتق حكما شرعيا مطلقا عاما، وقال آخرون: إنما كان هذا شرطا لا حكما عاما، ولو صح هذا الحديث لكان التشريع العام أظهر كما في قوله عليه السلام: «من قتل قتيلا فله سلبه» ] . [ (9) ] كذا في (ط) وفي (خ) «ونافع أبو السائب» وهي رواية (الواقدي) ج 3 ص 931. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 المسلمين يمونه ويحمله، وأمرهم أن يقرؤهم القرآن ويعلموهم السنن، فشق ذلك على أهل الطائف. خير هيت وماتع وكان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مولى لخالته فاختة بنت عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم، يقال له «ماتع» وآخر يقال «هيت» . وكان «ماتع» [ (1) ] ، يدخل بيوته ويرى أنه لا يفطن لشيء من أمر النساء ولا إربة له، فسمعه وهو يقول لخالد ابن الوليد، [ويقال لعبد اللَّه بن أبي أمية [ (2) ] بن المغيرة] : إن افتتح رسول اللَّه الطائف غدا فلا تفلتنّ منك بادية بنت غيلان! فإنّها تقبل بأربع وتدبر بثمان، وإذا جلست تثنت، وإذا تكلّمت تغنّت وإذا اضطجعت تمنّت، وبين رجليها مثل الإناء المكفأ، مع ثغر كأنه الأقحوان [ (3) ] ، فقال عليه السلام: ألا أرى هذا الخبيث يفطن لما أسمع!! لا يدخلنّ على أحد من نسائكم! وغرّبهما إلى الحمى، فتشكيا الحاجة [ (4) ] ، فأذن لهما أن ينزلا كل جمعة يسألان ثم يرجعان إلى مكانهما. فلما توفّي عليه السلام ودخلا مع الناس، أخرجهما أبو بكر رضي اللَّه عنه، فلما توفّي [دخلا مع الناس، أخرجهما عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه. فلما توفّي] [ (5) ] دخلا مع الناس.   [ (1) ] يقول (ابن حجر) في (فتح الباري ج 9 ص 334،: «وحكى أبو موسى المديني في كون ماتع لقب هيت أو العكس أو أنهما اثنان خلافا، وجزم الواقدي بالتعدد فإنه قال: كان هيت مولى عبد اللَّه ابن أبي أمية، وكان ماتع مولى فاختة» : [ (2) ] في (خ) «عبد اللَّه بن أمية» . [ (3) ] «قال الخطابي: يريد أن لها في بطنها أربع عكن فإذا أقبلت رئيت مواضع بارزة متكسر بعضها على بعض، وإذا أدبرت كانت أطراف هذه العكن الأربع عند منقطع جنبيها ثمانية، وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء، وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة» . (المرجع السابق) ص 335. والعكنة: ما انطوى وثني من لحم البطن (ترتيب القاموس ج 3 ص 288) . والثّغر: الفم والأسنان. والأقحوان: نبت زهره أصفر أو أبيض، ورقه مؤلل كأسنان المنشار، وكثر في الأدب العربيّ تشبيه الأسنان بالأبيض المؤلل منه. (المعجم الوسيط) ج 1 ص 22. [ (4) ] في (خ) «فشكبا» . [ (5) ] ما بين القوسين زيادة للسياق من (الواقدي) ج 3 ص 934 بمعناه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 خبر خولة بنت حكيم وقالت خولة بنت حكيم بن أمية بن الأوقص السّلميّة امرأة عثمان بن مظعون: يا رسول اللَّه، أعطني- إن فتح اللَّه عليك [الطائف] [ (1) ]- حلّى الفارعة بنت الخزاعي [ (2) ] أو بادية بنت غيلان. فقال لها: وإن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خوله! فذكرت ذلك لعمر رضي اللَّه عنه فقال: يا رسول اللَّه! ما حديث حدثتني خولة بنت أنك قلته [ (3) ] ! قال: ولم يؤذن لك فيهم؟ قال: لا! قال أفلا أؤذّن في الناس [ (4) ] بالرحيل؟ قال: بلى. أذان عمر بالرحيل عن الطائف فأذّن عمر بالرحيل، فشقّ على المسلمين رحيلهم بغير فتح. ورحلوا، فأمرهم عليه السلام أن يقولوا: لا إله إلا اللَّه وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده فلما استقلوا المسير قال: قولوا آئبون إن شاء اللَّه تائبون عابدون لربنا حامدون [ (5) ] . وقيل له لما ظعن: يا رسول اللَّه: أدع اللَّه على ثقيف! فقال: اللَّهمّ أهد ثقيفا وأت بهم! وكان من استشهد بالطائف أحد عشر رجلا [ (6) ] . خبر أبي رهم وسار صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الجعرانة. فبينا هو يسير- وأبو رهم الغفاريّ إلى جنبه على ناقة له، وفي رجليه نعلان غليظتان- إذ زحمت ناقته ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فوقع حرف نعله على ساق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأوجعه فقال: أوجعتني! [أخّر رجلك! وقرع رجله بالسّوط، وقال أبو رهم: فأخذني ما تقدم من أمري وما تأخر،   [ (1) ] زيادة للسياق من (ط) . [ (2) ] كذا في (خ) ، و (ط) ، و (الواقدي) ج 3 ص 935 وفي ابن هشام ج 4 ص 95 «الفارعة بنت عقيل» . [ (3) ] كذا في (ط) ، وفي (خ) «حديث خولة ما حدثني ... » وفي «الواقدي) ج 3 ص 935 «حدثت خولة ما حدثني أنك قلته» . وفي (ابن هشام) ج 4 ص 95. «ما حديث حدثتنيه خويلة زعمت أنك قلته؟ قال: قد قلته» . [ (4) ] في (خ) «للناس» . [ (5) ] (الأذكار للنووي ص 203، باب ما يقول إذا رجع من سفره. [ (6) ] وفي (ابن سعد) ج 2 ص 158 «اثنى عشر رجلا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 وخشيت أن ينزل فيّ قرآن لعظيم ما صنعت، فلما أصبحنا بالجعرّانة، خرجت أرعي الظّهر- وما هو يومي- فرقا أن يأتي للنّبيّ عليه السلام رسول يطلبني! فلما روّحت الركاب سألت. فقالوا طلبك النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: إحداهنّ واللَّه [ (1) ] ! فجئته وأنا أترقّب. فقال: إنك [أوجعتني] [ (2) ] برجلك فقرعتك بالسّوط، فخذ هذه الغنم عوضا من [ (3) ] ضربتي [قال أبو رهم: فرضاه عنّي كان أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها] [ (4) ] . وحادثة عبد اللَّه بن أبي حدرد [ (5) ] الأسلميّ في مسيره، فلصقت ناقته بناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأصاب رجله، فقال: أخِّ [ (6) ] !! أوجعتني! ودفع رجل عبد اللَّه بمحجن في يده، فلما نزل دعاه وقال له: أوجعتك بمحجني البارحة! خذ هذه القطعة من الغنم. فأخذها فوجدها ثمانين شاة ضائنة [ (7) ] . ولما أراد أن يركب من قرن [ (8) ] راحلته، وطئ له على يدها أبو روعة الجهنيّ، ثم ناوله الزمام بعد ما ركب، فخلّف عليه السلام الناقة بالسوط، فأصاب أبا روعة فالتفت إليه وقال: أصابك السوط؟ قال: نعم، بأبي وأمي: فلمّا نزل الجعرانة صاح: أين أبو روعة! قال: ها أنا ذا! قال خذ هذه الغنم بالذي أصابك من السّوط أمس. فوجدها عشرين ومائة. خبر سراقة بن مالك بن جعشم ولقيه سراقة بن مالك بن جعشم وهو منحدر إلى الجعرانة، فجعل الكتاب الّذي كتبه أبو بكر رضي اللَّه عنه بين إصبعيه ونادى: أنا سراقة، وهذا كتابي! فقال عليه السلام: هذا يوم وفاء وبرّ، فأدنوه منه، فأسلم وساق إليه الصّدقة.   [ (1) ] إحدى الدواهي التي كان يتوقعها. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] في (خ) (عن) وما أثبتناه من (المغازي) ج 3 ص 939. [ (4) ] زيادة يتم بها الخبر من المرجع السابق. [ (5) ] في (خ) (جدرد) ، والتصويب من المرجع السابق. [ (6) ] كذا في (خ) ، (ط) ، وفي (المغازي) أخِّ. [ (7) ] الضأن من الغنم: ذو الصوف والأنثى ضائنة. [ (8) ] قرن: قال القاضي عياض: «قرن المنازل، وهو قرن الثعالب بسكون الراء: ميقات أهل نجد تلقاء مكة على يوم وليلة» . (معجم البلدان) ج 4 ص 332. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 وسأله عن الضالة من الإبل تغشى حياضه، وقد ملأها لإبله، فهل له من أجر إن سقاها؟ فقال عليه السلام: نعم! في كل ذات كبد حرّى [ (1) ] أجرا. هدية رجل من أسلم واعترض له رجل من أسلم معه غنم فقال يا رسول اللَّه! هذه هدية قد أهديتها لك! - وكان قد أسلم وساق صدقته إلى بريدة بن الحصيب لما خرج مصدّقا- فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: نحن على ظهر كما ترى، فالحقنا بالجعرانة، فخرج يعدو عراض ناقة [ (2) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يقول. يا رسول اللَّه! تدركني الصلاة وأنا في عطن الإبل [ (3) ] ، أفأصلّى فيه؟ قال: لا! قال: فتدركني وأن في مراح الغنم [ (4) ] ، أفأصلي فيه؟ قال: نعم! قال: يا رسول اللَّه! ربما تباعد بنا الماء ومع الرجل زوجته، فيدنو منها؟ قال: نعم! ويتيمم. قال: يا رسول اللَّه! وتكون فينا الحائض؟ قال: تتيمم! فلحقه عليه السلام بالجعرانة فأعطاه مائة شاة. سؤال الأعراب وجعل الأعراب في طريقه يسألونه [أن يقسم عليهم فيئهم من الإبل والغنم] [ (4) ] ، وكثّروا عليه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فنزعته [ (5) ] ، فوقف وهو يقول: أعطوني ردائي! لو كان عدد هذا العضاة نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذّابا. منزله بالجعرانة وانتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس خلون من ذي القعدة، والسّبي والغنائم بها محبوسة، وقد اتخذ السّبي حظائر يستظلون بها من الشمس، وكانوا ستة آلاف،   [ (1) ] أي في كل روح من الحيوان أجر. [ (2) ] في (خ) (يعدو إعراض ناقته رسول اللَّه) ، وما أثبتناه من (الواقدي) ج 3 ص 942، ومعناه كما في النهاية: أي يسير حذاءه معارضا له. [ (3) ] العطن: مبرك الإبل. المراح: الموضع الّذي تروح الماشية إليه ليلا لتبيت فيه. [ (4) ] زيادة للبيان. [ (5) ] في (الواقدي) «فنزعته عن مثل شقة القمر» ج 3 ص 942. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 والإبل أربعة وعشرين ألف بعير- فيها اثنا عشر ألف ناقة- والغنم أربعين ألفا، وقيل أكثر. فأمر بسر [ (1) ] بن سفيان الخزاعي يقدم مكة فيشتري للسبي ثيابا يكسوهن، وكساهم كلهم. واستأذنّا صلى اللَّه عليه وسلّم بالسّبي، وأقام يتربّص أن يقدم وفدهم وكان قد فرّق منه وهو بحنين، فأعطى عبد الرحمن بن عوف امرأة. وأعطى صفوان ابن أميّة، وعليا، وعثمان، وعمر، وجبير بن مطعم، وطلحة بن عبيد اللَّه، وسعد ابن أبي وقاص، وأبا عبيدة بن الجرّاح، والزبير بن العوام رضي اللَّه عنهم. عطاء المؤلفة قلوبهم فلما رجع إلى الجعرّانة بدأ بالأموال فقسمها، فأعطى المؤلفة قلوبهم أوّل الناس، وكان مما غنم أربعة آلاف أوقية فضة. عطاء أبي سفيان فجاء أبو سفيان بن حرب والفضّة بين يديه، فقال: يا رسول اللَّه! أصبحت أكثر قريش مالا! فتبسّم عليه السلام، فقال أبو سفيان: أعطني من هذا يا رسول اللَّه، قال: يا بلال، زن لأبي سفيان أربعين أوقية، وأعطوه مائة من الإبل. قال: ابني يزيد! قال: زنوا ليزيد أربعين أوقية، وأعطوه مائة من الإبل. قال: ابني معاوية يا رسول اللَّه! قال: زن له يا بلال أربعين أوقية وأعطه مائة من الإبل. قال أبو سفيان: إنك لكريم فداك أبي وأمّي! واللَّه لقد حاربتك فنعم المحارب كنت! ثم سالمتك فنعم المسالم أنت. عطاء حكيم بن حزام وسأل حكيم بن حزام يومئذ من الإبل فأعطاه، ثم سأل مائة فأعطاه، ثم قال [صلى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] : يا حكيم بن حزام إن هذا المال خضرة حلوة. فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس [ (3) ] لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا [ (4) ] خير من اليد السّفلى [ (5) ] ، وابدأ بمن تعول [ (6) ] . فأخذ   [ (1) ] في (خ) «بشر» وما أثبتناه من كتب السيرة. [ (2) ] زيادة للإيضاح. [ (3) ] إشراف النفس: تطلعها إلى المال بحرص وطمع. [ (4) ] اليد العليا: يد المعطي. [ (5) ] اليد السفلى: يد السائل. [ (6) ] أي بمن تجب عليك نفقتهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 حكيم المائة الأولى ثم ترك ما عداها. عطاء النضير بن الحارث وأعطى النضير بن الحارث بن [علقمة] [ (1) ] بن كلدة- أخا النضر ابن الحارث- مائة، وأعطى أسيد بن جارية [ (2) ]- حليف بني زهرة- مائة من الإبل، وأعطى العلاء بن جارية خمسين بعيرا، وأعطى الحارث بن هشام مائة من الإبل، وسعيد بن يربوع خمسين بعيرا، وصفوان بن أميّة مائة بعير. عطاء صفوان بن أمية وفي صحيح مسلم عن الزّهريّ أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطى يومئذ صفوان بن أمية ثلاثمائة من الإبل. ويقال إنه طاف مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يتصفّح الغنائم إذ مرّ بشعب مما أفاء اللَّه عليه، فيه غنم وإبل ورعاؤها مملوء، فأعجب صفوان وجعل ينظر إليه، فقال: أعجبك يا أبا وهب هذا الشّعب؟ قال: نعم! قال: هو لك وما هو فيه! فقال: أشهد ما طابت بهذا نفس أحد قطّ إلا نبي، وأشهد أنك رسول اللَّه. عطاء جماعة من المؤلفة قلوبهم وأعطى قيس بن عديّ مائة من الإبل، وأعطى عثمان بن وهب خمسين بعيرا، وأعطى سهيل بن عمرو مائة من الإبل، وأعطى حويطب بن عبد العزى مائة من الإبل، وأعطى هشام بن عمرو خمسين بعيرا، وأعطى الأقرع بن حابس التميميّ مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن الفزاري مائة من الإبل، وأعطى أبا عامر العبّاس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة [ (3) ] بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث [ابن يحيى بن الحارث] [ (4) ] بن بهثة بن سليم [بن منصور السّلميّ] [ (4) ] دون المائة، فعاتب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في شعر قاله، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اقطعوا عني لسانه! فأعطوه مائة، ويقال خمسين بعيرا، وأثبت القولين أن هذا العطاء كان من الخمس.   [ (1) ] زيادة من نسبه من (ط) . [ (2) ] في (خ) «بن حارثة» . [ (3) ] في (خ) «جارية» . [ (4) ] زيادة من نسبه من (ط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 منع جعيل بن سراقة من العطاء وقال يومئذ سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة، وتركت جعيل بن سراقة الضمريّ؟! فقال: أما والّذي نفسي بيده، لجعيل بن سراقة خير من طلاع [ (1) ] الأرض كلها مثل عيينة والأقرع، ولكني أتألفهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه. خبر ذي الخويصرة التميمي وجلس صلى اللَّه عليه وسلّم يومئذ، وفي ثوب بلال رضي اللَّه عنه فضة يقبّضها للناس على ما أراه اللَّه، فأتي ذو الخويصرة التميمي- (واسمه حرصوص) : فقال: اعدل يا رسول اللَّه! فقال: ويلك! فمن يعدل إذا لم أعدل، قال عمر رضي اللَّه عنه: ائذن لي أن أضرب عنقه! قال: دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم [ (2) ] ، وصيامه مع صيامهم [ (2) ] ويقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرّمية [ (3) ] : [ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافة [ (4) ] فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه [ (5) ]- وهو قدحه- فلا يوجد فيه شيء، ثم] ينظر إلى قذذه [ (6) ] فلا يوجد فيه شيء [ (7) ] قد سبق الفرث [ (8) ] والدّم. آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر [ (9) ] ويخرجون على حين فرقة من الناس [ (10) ] .   [ (1) ] في (خ) «طلائع» ، وطلاع الأرض: ملؤها. [ (2) ] في (خ) «صلاته مع صلاته» ، «وصيامه مع صيامه» . [ (3) ] مرق السهم من الرمية: نفذ فيها وخرج طرفه من الجانب الآخر، والرمية هي الطريدة التي يرميها الصائد. [ (4) ] الرصاف: قطعة تلوي فوق مدخل سنخ النصل في عود السهم. [ (5) ] النضي: هو من عود السهم. [ (6) ] قذذ السهم: جمع قذه، وهي الريش يكون على السهم. وفي (خ) «في قذذ» . [ (7) ] كذا في (ط) ، وفي (خ) «فلا يرى فيه شيئا» ورواية (الواقدي) ج 3 ص 948 «فلا يرى شيئا» . [ (8) ] الفرث: ما يكون في كرش الحيوان من طعامه. [ (9) ] تدردر: قال في (النهاية) : أي ترجرج، تجيء وتذهب. [ (10) ] راجع (المغازي للواقدي) ج 3 ص 948. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 مقالة رجل من المنافقين وقال معتب بن قشير العمريّ يومئذ، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يعطي تلك العطايا: إنها لعطايا ما يراد بها وجه اللَّه!! فأخبر عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بذلك فتغير لونه، ثم قال: يرحم اللَّه أخي موسى! قد أوذي بأكثر من هذا فصبر [ (1) ] . إحصاء الناس والغنائم وقسمتها ثم أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم زيد بن ثابت رضي اللَّه عنه بإحصاء الناس والغنائم ثم فضّها [ (2) ] على الناس. وكانت سهمانهم: لكل رجل أربع من الإبل وأربعون شاة. وإن كان فارسا أخذ اثنتي عشرة من الإبل أو عشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس واحد لم يسهم له. وفد هوازن وإسلامهم وقدم وفد هوازن: وهم أربعة عشر رجلا- رأسهم [ (3) ] أبو صرد زهير ابن صرد الجشمي السعديّ- قد أسلموا وأخبروا بإسلام من وراءهم من قومه فقال أبو صرد: يا رسول اللَّه، إنّا أصل وعشيرة [ (4) ] وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفي عليك، إنما في هذه الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، ولو أنّا ملحنا [ (5) ] للحارث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر. ثم نزل منا أحدهما بمثل الّذي نزلت به، رجونا عطفه وعائدته [ (6) ] ، وأنت خير المكفولين. [وفي رواية [ (7) ] أنه قال: إنما في هذه الحظائر أخواتك وعماتك وبنات عماتك وبنات خالاتك، وأبعدهن قريب منك يا رسول اللَّه! بأبي أنت وأمّي! حضنّك في حجورهنّ، وأرضعتك بثديهنّ وتوركنك على أوراكهن! وأنت خير المكفولين] .   [ (1) ] راجع (صحيح البخاري) ج 3 ص 70. [ (2) ] فضها: فرّقها. [ (3) ] في (خ) «وأسهم» . [ (4) ] كذا في (ط) ، وفي (خ) «أصلك وعشيرتك، وهي رواية (الواقدي) ج 3 ص 950. [ (5) ] ولو أنا ملحنا: قال في (النهاية) : «أي لو كنا أرضعنا لهما» . [ (6) ] العائدة: الفضل. [ (7) ] هي رواية (الواقدي) ج 3 ص 90. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 امنن علينا رسول اللَّه في كرم ... فإنك المرء نرجوه وندّخر امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملأه من محضها الدّرر امنن على نسوة إعتاقها [ (1) ] قدر ... ممزق شملها في دهرها غير أبقت لما الدّهر هتّافا على حزن ... على قلوبهم الغمّاء والغمر اللات [ (2) ] إذ كنت طفلا كنت ترضعها ... وإذ يزينك [ (3) ] ما تأتي وما تذر إلا تداركها نعماء تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختبر فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك إن العفو مشتهر يا خير من مرحت كمت الجياد به ... عند الهياج إذا ما استوقد الشّرر إنا نؤمّل عفوا منك تلبسه ... هذي البريّة إذ تعفو وتنتصر [ (4) ] فاعف عفا اللَّه عمّا أنت واهبه ... يوم القيامة إذ يهدي لك الظفر تجعلنا كمن شالت نعامته ... واستبق منا فإنا معشر زهر إنا لنشكر آلاء وإن قدمت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدّخر جواب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن أحسن الحديث أصدقه، وعندي ما ترون من المسلمين، فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ قالوا: يا رسول اللَّه! خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا [ (5) ] !! وما كنا نعدل بالأحساب شيئا، فردّ علينا أبناءنا ونسائنا. فقال: أمّا ما [كان] [ (6) ] لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وأسأل لكم الناس. فإذا [أنا] [ (7) ] صليت الظّهر بالناس [فقوموا] [ (7) ] فقولوا [ (8) ] : إنا نستشفع برسول اللَّه إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول اللَّه! فإنّي سأقول لكم. ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وسأطلب لكم إلى الناس.   [ (1) ] في (الواقدي) «قد عافها قدر» وذكرها (السهيليّ) كذا في (الروض الأنف) . [ (2) ] في (خ) «اللاتي» وفي الواقدي «اللائي» وكلها بمعنى. [ (3) ] في (خ) « «يريبك» وما أثبتناه من (السهيليّ) . [ (4) ] في (خ) «تنتصروا» . [ (5) ] كذا في (ط) وفي (خ) و (الواقدي) «وبين أموالنا» . [ (6) ] زيادة للسياق من (ط) . [ (7) ] زيادة للسياق من (ط) . [ (8) ] في (خ) « «فقالوا: وما أثبتناه من (ط) و (الواقدي) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 رضي المهاجرين والأنصار ورد غيرهم فلما صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الظهر بالناس، قاموا فتكلموا بما أمرهم به، فأجابهم بما تقدّم فقال المهاجرون: فما كان لنا فهو لرسول اللَّه! وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول اللَّه؟ وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا! وقال عيينة ابن حصن: أما أنا وفزارة فلا! وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا: فقالت بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول اللَّه! فقال عباس: وهّنتموني [ (1) ] . خطبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في أمر هوازن ثم قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في الناس خطيبا فقال: إن هؤلاء القوم جاءوا مسلمين، وقد كنت استأنيت بهم فخيرتهم بين النّساء [ (2) ] والأبناء والأموال، فلم يعدلوا بالنساء والأبناء، فمن كان عنده منهن شيء فطابت [ (3) ] نفسه أن يردّه فسبيل [ (4) ] ذلك، ومن أبي منكم ويمسّك بحقه فليرد عليهم، وليكن فرضا علينا ستّ فرائض من أول ما يفيء اللَّه علينا به! فقالوا: يا رسول اللَّه! رضينا وسلمنا! قال. فمروا عرفاءكم أن يرفعوا ذلك إلينا حتى نعلم فكان زيد بن ثابت على الأنصار يسألهم: هل سلموا ورضوا؟ فخبروه أنهم سلموا ورضوا، ولم يتخلف منهم رجل واحد وبعث عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى المهاجرين يسألهم. فلم يتخلف منهم أحد، وكان أبو رهم الغفاريّ يطوف على قبائل العرب. ثم جمعوا العرفاء واجتمع الأمناء الذين أرسلهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فاتفقوا على قول واحد: أنهم سلموا ورضوا. ودفع عند ذلك السّبي إليهم. وتمسكت بنو تميم مع الأقرع بن حابس بالسبي، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الفداء ست فرائض: ثلاث حقاق وثلاث جذاع [ (5) ] وقال يومئذ: لو كان ثابتا [ (6) ] على أحد من العرب ولاء أورق لثبت   [ (1) ] وهنتموني: أضعفتموني. [ (2) ] في (خ) «الشاء» ، وما أثبتناه من (الواقدي) ج 3 ص 952. [ (3) ] في (خ) «فطبت» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 3 ص 952. [ (4) ] كذا في (ط) ، وفي (خ) «فسبل» . وفي (الواقدي) «فليرسل» . [ (5) ] الحقاق: جمع حقه وهي الناقة التي استكملت السنة الثالثة في شبابها. والجذاع جمع جذعة، وهي التي استكملت الرابعة ودخلت في الخامسة. [ (6) ] في (خ) « «ثابت» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 اليوم، ولكن إنما هو إسار أو فدية: وجعل أبا حذيفة العدوي على مقاسم المغنم. سؤاله عن مالك بن عوف وقال للوفد [ (1) ] : ما فعل مالك بن عوف؟ قالوا: هرب فلحق بحصن الطائف مع ثقيف فقال: إنه إن يأت [ (2) ] مسلما رددت إليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل. وكان قد حبس أهل مالك بمكة عند [عمتهم أم عبد اللَّه بهمة [ (3) ] ابنة أبي أمية] [ (4) ] ، ووقف ماله فلم تجر فيه السهام. فلما بلغ ذلك مالكا [ (5) ] مر من ثقيف ليلا، وقدم الجعرانة وأسلم، وأخذ أهله وماله ومائة من الإبل. ويقال: بل قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو بمكة واستعمله على قومه، وعقد له لواء فقاتل أهل الشرك، وأغار على ثقيف وقاتلهم وقتل وغنم كثيرا. وبعث إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالخمس مما يغير عليه: فبعث مرة مائة بعير ومرة ألف شاة. مقالة الأنصار إذ منعوا العطاء ولما أعطى رسول اللَّه عطاياه وجد [ (6) ] الأنصار في أنفسهم- إذ لم يكن فيهم منها شيء- وكثرت القالة، فقال واحد: لقي رسول اللَّه قومه! أما حين القتال فنحن أصحابه! وأما حين القسم فقومه وعشيرته! ووددنا أنا نعلم ممن كان هذا؟ إن كان هذا من اللَّه صبرنا، وإن كان هذا من رأي رسول اللَّه استعتبناه، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فغضب غضبا شديدا. ودخل عليه سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه فقال له: ما يقول قومك؟ قال: وما يقولون يا رسول اللَّه؟! فذكر له ما بلغه وقال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ فقال يا رسول اللَّه؟! فذكر له ما بلغه وقال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ فقال يا رسول اللَّه، ما أن إلا كأحدهم وإنا لنحب أن نعلم من أين هذا؟ قال: فاجمع لي من كان ها هنا من الأنصار. فلما اجتمعوا، حمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال:   [ (1) ] في (خ) «للوقد» . [ (2) ] في (خ) «بات» [ (3) ] في (خ) «بهمت» . [ (4) ] يقول محقق (ط) : «ولم أجد أم عبد اللَّه هذه ولا خبرها» ، ونقول: «أم عبد اللَّه هذه وخبرها بتمامه في (المغازي للواقدي) ج 3 ص 955» . [ (5) ] في (خ) «مالك» . [ (6) ] وجد الأنصار في أنفسهم: غضب الأنصار في أنفسهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 خطبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يا معشر الأنصار! مقالة بلغتني عنكم؟ وجدة [ (1) ] وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضلّالا فهداكم اللَّه؟ وعالة فأغناكم اللَّه، وأعداء فألف اللَّه بين قلوبكم؟ قالوا: بلى! اللَّه ورسوله أمنّ وأفضل! قال: ألا تجيبوني؟ قالوا: وماذا نجيبك يا رسول اللَّه؟ قال: أما واللَّه لو شئتم قلتم فصدقتم: آتيتنا مكذّبا فصدّقناك! ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك! [وخائفا فأمّناك] [ (2) ] وجدتم في أنفسكم يا مشعر الأنصار في شيء من الدّنيا تألّفت به قوما أسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن تذهب الناس [إلى رحالهم] [ (2) ] بالشاء والبعير، وترجعون برسول اللَّه إلى رحالكم؟ والّذي نفسي بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك [ (3) ] الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار. أكتب لكم بالبحرين كتابا من بعدي تكون لكم خاصة دون الناس؟ قالوا: وما حاجتنا بعدك يا رسول اللَّه؟ قال: إمّا لا فسترون بعدي أثره، فاصبروا حتى تلقوا اللَّه ورسوله، فإن موعدكم الحوض، وهو كما بين صنعاء وعمان، وآنيته أكثر من عدد النجوم. اللَّهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار [ (4) ] !! فبكوا حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول اللَّه حظا وقسما. وانصرفوا [ (5) ] . مقامة بالجعرانة وأقام عليه السلام بالجعرّانة ثلاث عشرة ليلة. وخرج ليلة الأربعاء لثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة، وأحرم ولبّى حتى استلم الركن. وقيل: لما نظر إلى البيت قطع التلبية، وأناخ راحلته على باب بني شيبة، وطاف فرمل [ (6) ] في الأشواط الثلاثة. ولما أكمل طوافه سعى بين الصفا والمروة على راحلته، ثم حلق رأسه عند المروة حلقه أبو هند عند بني بياضة، وقيل حلقه خراش بن أمية. ولم يسق هديا. ثم عاد إلى الجعرّانة من ليلته، فكان كبائت بها.   [ (1) ] وجدة: من الموجدة وهي الغضب. [ (2) ] زيادة من كتب السيرة. [ (3) ] في (خ) «ولولا سلك» . [ (4) ] كذا في (ط) ، في (خ) ، و (الواقدي) ج 3 ص 958: (وأبناء أبناء الأنصار) . [ (5) ] راجع (صحيح البخاري) ج 3 ص 69، 70، 71. [ (6) ] رمل: هرول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 مسيره إلى المدينة وخرج يوم الخميس على سرف إلى مر الظهران، واستعمل على مكة عتّاب ابن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، وخلّف معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري يعلمان الناس القرآن والتفقه في الدين. وقال لعتاب: أتدري على من استعملتك؟ قال: اللَّه ورسوله أعلم! قال: استعملتك على أهل اللَّه، بلّغ عني أربعا: لا يصلح شرطان في بيع، ولا بيع وسلف، ولا بيع ما لم يضمن، ولا تأكل ربح ما ليس عندك [ (1) ] . خبر الفتح بالمدينة وكان أول من قدم المدينة بفتح حنين رجلان من بني عبد الأشهل، هما: الحارث بن أوس، ومعاذ بن أوس بن عبيد بن عامر [ (2) ] . وقدم صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة يوم الجمعة لثلاث بقين من ذي القعدة. بعثة عمرو بن العاص إلى ابني الجلندي وفي هذه السنة- وهي سنة ثمان- بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عمرو بن العاص إلى جيفر وعمرو ابني الجلندي بعمان مصدّقا، فأخذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم، وأخذ الجزية من المجوس، وهم كانوا أهل البلد. وقيل: كان ذلك في سنة سبع. وفيها تزوّج صلى اللَّه عليه وسلّم فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابية ثم فارقها. مولد إبراهيم عليه السلام فيها ولدت مارية إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في ذي الحجة، وفيها أقام عتاب ابن أسيد بالناس الحجّ، وحج الناس على ما كانت عادة العرب تحجّ، وحج ناس   [ (1) ] (سنن ابن ماجة) ج 2 كتاب التجارات، باب رقم 20 في النهي عن بيع ما ليس عندك وعن ربح ما لم يضمن، حديث رقم 2187، 2188، 2189، ص 737، 738، (المغازي) ج 3 ص 959، و (سنن النسائي) ج 7 ص 288 باب (بيع ما ليس عند البائع) . [ (2) ] لم أجد (معاذ بن أوس) هذا في (الإصابة) ولا في (الاستيعاب) ، وهكذا هو في (خ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 من المشركين على مدّتهم. فريضة الصدقات وبعثه المصدقين ثم كانت فريضة الصدقات وبعثه المصدّقين لهلال المحرم سنة تسع، فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بريدة بن الحصيب بن عبد اللَّه بن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح ابن عديّ بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة ابن عمرو بن عامر الأسلمي- إلى أسلم وغفار يصدّقهم. [ويقال: بل بعث كعب بن مالك الأنصاري ... وبعث عبّاد بن بشر الأشهلي إلى سليم ومزينة. وبعث عمرو بن العاص إلى فزارة. وبعث الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب الكلابي إلى بني كلاب، وبعث بسر [ (1) ] بن سفيان الكعبي إلى بني كعب. وبعث ابن اللّتبيّة الأزديّ إلى بني ذبيان. وبعث رجلا من بني سعد إلى هذيم على صدقاتهم. خبر بسر على صدقات بني كعب فحرج بسر [ (1) ] بن سفيان على صدقات بني كعب، [ويقال: إنما خرج ساعيا عليهم نعيم بن عبد اللَّه النّحّام العدويّ] ، فجاء وقد حلّ بنواحيهم من بني تميم: بنو عمرو بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم، وهم يشربون علي غدير لهم بذات الأشظاظ، [ويقال: على عسفان] ، ثم أمر بجمع مواشي خزاعة ليأخذ منها الصدقة، فحشرت عليه خزاعة الصدقة من كل ناحية، فاستكثرت ذلك بنو تميم، ومنعوا المصدّق وشهروا سيوفهم، ففرّ إلى المدينة، وأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بذلك. خبر خزاعة وأما خزاعة فإنّها أخرجت التميميين من محالها إلى بلادهم وندب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم الناس لحربهم، فانتدب [ (2) ] عيينة بن حصن الفزاري، فبعثه في خمسين فارسا ليس فهم مهاجر ولا أنصاريّ. فسار إلى العرج وخرج في آثارهم، حتى وجدهم قد عدلوا من السّقيا يؤمون أرض بني سليم، فلما رأوا الجمع ولوا، وأخذ منهم أحد عشر   [ (1) ] في (خ) «بشر» . [ (2) ] انتدب: أسرع وبادر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 رجلا وإحدى عشر امرأة وثلاثين صبيا، فجلبهم إلى المدينة فأمر صلى اللَّه عليه وسلّم بهم فحبسوا في دار رملة بنت الحارث. وفد بني تميم وقدم وفد بني تميم، وهو عشرة من رؤسائهم: عطارد بن حاجب بن زرارة في سبعين، والزّبرقان بن بدر بن امرئ القيس بن خلف [ (1) ] بن بهدلة بن عوف ابن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم البهدلي التيمي السعدي أبو عياش [ (2) ] . [وقيل أبو شذرة] ، وقيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منفر المنقريّ، وقيس ابن الحارث، ونعيم بن سعد، وعمرو بن الأهتم بن سنان بن خالد بن منفر، والأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، [والحتات ابن يزيد المجاشعيّ] [ (3) ] ، ورباح بن الحارث بن مجاشع، -[وكان رئيس الوفد: الأعور بن شامة العنبريّ] [ (4) ]- ودخلوا المسجد قبل الظّهر، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في بيت عائشة رضي اللَّه عنها، وقد أذّن بلال والناس ينتظرون الصلاة فنادوا: يا محمد! اخرج إلينا! وشهروا أصواتهم فخرج عليه السلام وقيل: إنما ناداه رجل واحد: يا محمد إنّ قدحي رين، وإن شتمي شين! وأقام بلال الصلاة، فتعلقوا به يكلّمونه، فوقف معهم مليا؟، ثم مضى فصلى بالناس الظهر: فلما انصرف إلى بيته ركع [ (5) ] ركعتين، ثم خرج فجلس. خطبة عطارد بن حاجب وقدّموا عطارد بن حاجب خطيبهم فقال: الحمد للَّه الّذي له الفضل علينا، والّذي جعلنا ملوكا، وأعطانا الأموال نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعزّ أهل المشرق وأكثرهم مالا وأكثرهم عددا. فمن مثلنا من الناس؟ ألسنا برءوس الناس وذوي [ (6) ] فضلهم؟ فمن يفاخر. فليعدد مثل ما عددنا. ولو شئنا لأكثرنا من الكلام، ولكنا نستحي من الإكثار فيما أعطانا اللَّه. أقول قولي هذا لأن نؤتي بقول   [ (1) ] في (خ) «خالد» . [ (2) ] في (خ) «أبو هياش» . [ (3) ] في (خ) ما بين القوسين ما نصه «وحباب» وما أثبتناه من كتب السيرة. [ (4) ] زيادة من (ط) . [ (5) ] في (خ) «فركع» . [ (6) ] في (خ) «وذي» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 هو أفضل من قولنا. جواب ثابت بن قيس فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لثابت بن قيس: قم فأجب خطيبهم. فقام- وكان من أجهر الناس صوتا- وما درى من ذلك بشيء، ولا هيّأ قبل ذلك ما يقول، فقال: الحمد للَّه الّذي السموات والأرض خلقه، قضي فيهنّ [ (1) ] أمره ووسع كلّ شيء علمه، فلم يكن شيء إلا من فضله، ثم كان ما قدّر أن جعلنا ملوكا، اصطفى لنا من خلقه رسولا، أكرمهم نسبا وأحسنهم زيا، وأصدقهم حديثا. أنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، وكان خيرته من عباده، فدعا إلى الإيمان فآمن المهاجرون من قومه وذوي رحمه [ (2) ] : أصبح الناس وجها، وأفضل الناس فعالا. ثم كنا أول الناس إجابة حين [ (3) ] دعا رسول اللَّه، فنحن أنصار اللَّه ورسوله، نقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه. فمن آمن باللَّه ورسوله منع منا ماله ودمه، ومن كفر باللَّه ورسوله جاهدناه في ذلك، وكان قبله علينا يسيرا، أقول قولي هذا واستغفر اللَّه [لي ولكم و] [ (4) ] للمؤمنين والمؤمنات. ثم جلس. شعر الزبرقان بن بدر وقالوا: يا رسول اللَّه ائذن لشاعرنا، فأذن له، فأقاموا الزّبرقان بن بدر فقال: نحن الكرام فلا حيّ يعادلنا [ (5) ] ... فينا الملوك وفينا تنصب البيع وكم قسرنا [ (6) ] من الأحياء كلّهم ... عند النّهاب وفضل الخير يتبع ونحن نطعمهم في القحط ما أكلوا ... من السّديف إذا لم يؤنس الفزع [ثم ترى النّاس تأتينا سراتهم ... من كلّ أرض هوبا ثم تصطنع] [ (7) ] وننحر الكوم عبطا في أرومتنا ... للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا [فلا ترانا إلى حيّ نفاخرهم ... إلا استقادوا، فكاد الرأس يقتطع   [ (1) ] في (خ) «فيهما» . [ (2) ] في (خ) «وذي رحمة» . [ (3) ] في (خ) «حنين» . [ (4) ] زيادة من (ابن كثير) وفي (خ) و (الواقدي) بدون هذه الزيادة. [ (5) ] في (خ) ، (الواقدي) «نحن الملوك فلا حي يقاربنا» وما أثبتناه من (تاريخ الطبري) ج 3 ص 116. [ (6) ] في (خ) «قرنا» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 3 ص 977. [ (7) ] زيادة من (تاريخ الطبري) ج 3 ص 117. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 فمن يقادرنا في ذاك نعرفه ... فيرجع القوم والأخبار تستمع] [ (1) ] إنا أبينا ولا يأبى لنا أحد [ (2) ] ... إنا كذلك عند الفخر [ (3) ] نرتفع تلك المكارم حزناها [ (4) ] مقارعة ... إذا الكرام على أمثالها اقترعوا شعر حسان وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يا حسان! أجبهم. فقال: إنّ الذّوائب من فهر وإخوتهم ... قد بينوا [ (5) ] سنة للناس تتبّع يرضى بها كلّ من كانت سريرته ... تقوى الإله وبالأمر الّذي شرعوا قوم إذا حاربوا ضروا عدوّهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا سجيّة تلك منهم غير محدثة ... إن الخلائق فاعلم شرها البدع لا يرقع الناس ما أوهت أكفّهم ... عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا ولا يضنون عن جار بفضلهم ... ولا ينالهم من مطمع طبع [ (6) ] إن كان في الناس سباقون بعدهم ... فكل سبق الأدنى سبقهم تبع أكرم بقوم رسول اللَّه شيعتهم ... إذا تفرقت الأهواء والشيع أعفّه ذكرت في الوحي عفتهم ... لا يطمعون ولا يرديهم طمع كأنهم في الوغى والموت مكتنع ... أسد ببيشة في أرساغها فدع [ (7) ] لا فخر إن هم أصابوا من عدوّهم ... وإن أصيبوا فلا خور ولا جزع [ (8) ] إذا نصبنا لحيّ [ (9) ] لم ندبّ لهم ... كما يدبّ إلى الوحشيّة الدّرع   [ (1) ] زيادة من (تاريخ الطبري) ج 3 ص 117. [ (2) ] في (خ) « «إذا أتتنا فلا يناما أحد» . [ (3) ] في (خ) «الفجر» . [ (4) ] في (خ) «خرناها» . [ (5) ] في (خ) «قد شرعوا» وما أثبتناه من (ديوان حسان) ص 238. [ (6) ] في (خ) « «طبعوا» وما أثبتناه من (الديوان) ص 238. وفي (ابن هشام وتاريخ الطبري) : لا يبخلون على جار بفضلهم ... ولا يمسهم من مطمع طبع [ (7) ] في (خ) «فرع» . [ (8) ] في (خ) «لا فرح إن أصابوا في عدوهم» وما أثبتناه من (الديوان) ص 239 ورواية (الواقدي) «لا يفخرون إذا نالوا عدوهم» ج 3 ص 978. [ (9) ] في (خ) «وإن أصبنا» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 3 ص 978. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 نسمو إلى الحرب نالتنا مخالبها ... إذا الزعانف من أظفارها خشعوا [ (1) ] خذ منهم ما أتوا عفوا إذا غضبوا ... ولا يكن همّك الأمر الّذي منعوا [ (2) ] فإن في حربهم فاترك عداوتهم ... سمّا غريضا عليه الصاب والسّلع أهدى لهم مدحه قلب يؤازره ... فيما أحبّ لسان حائك صنع فإنّهم أفضل [ (3) ] الأحياء كلهم ... إن جدّ بالناس جدّ لقول أو شمعوا [ (4) ] فسرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم والمسلمون بمقام ثابت وحسّان، وخلا الوفد فقالوا: إن هذا الرّجل مؤيد مصنوع له -[وفي رواية: إن هذا الرجل لمؤتّى له]- واللَّه لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، ولهو أحلم منا! فأسلموا، وكان الأقرع [بن حابس] [ (5) ] أسلم قبل ذلك. ما نزل من القرآن في وفد بني تميم وفيهم نزل قول اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ* إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (6) ] . رد أسرى بني تميم فرد عليهم صلى اللَّه عليه وسلّم الأسرى والسبي. ويقال: سألوه أن يحسن إليهم في سبيهم، فقال لسمرة بن عمرو: هذا يحكم بيننا وبينكم! فقالوا: عمه فينا وهو أفضل منه!   [ (1) ] في (خ) «من أطرافها خشع» وهي رواية الواقدي، وما أثبتناه من (الديوان) . [ (2) ] في (خ) «الّذي منه» والتصويب من (الديوان) . [ (3) ] في (خ) «فإن أفضل» وما أثبتناه من (الديوان) . [ (4) ] في (ط) «أو سمعوا» وصوابها «شمعوا» بالشين المعجمة وهي رواية (خ) ، (الواقدي) . ومعنى شمعوا: أي هزلوا، وأصل الشمع الطرب واللهو. [ (5) ] زيادة للإيضاح من (ط) . [ (6) ] الآيات 2- 5 من سورة الحجرات، وفي (خ) فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ... الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 فأبي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. فحكم سمرة أن يمنّ على الشطر ويفدوا الشطر، ففعل. رئيس وفد بني تميم كان رئيسهم الأعور بن بشامة العنبري، وكانت أخته صفية سبيت، فعرض النبيّ عليها نفسه فاختارت زوجها، فردها. وقام عمرو بن الأهتم يومئذ يهجو قيس ابن عاصم، وقد أجازهم النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم كما كان يجيز الوفود إذا قدموا عليه، وقال: هل بقي منكم من لم نجزه؟ فقالوا: غلام في الرّحل. فقال: أرسلوه نجزه! فقال قيس بن عاصم: إنه غلام لا شرف له! فقال: وإن كان، فإنه وافد وله حق!! فقال عمرو [ (1) ] شعرا يريد به قيسا. وكانت جوائزهم على يد بلال رضي اللَّه عنه: لكل واحد ثنتي عشر أوقية ونصف، ولغلام هو أصغرهم خمس أواقي. بعثة الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ثم كانت بعثة الوليد بن عقبة [بن أبي معيط] [ (2) ] إلى بني المصطلق ليأخذ صدقاتهم، فخرجوا يلقونه بالجزر والغنم فرحا به، فولّي راجعا إلى المدينة، وأخبر أنهم يلقونه بالسلاح ليحولوا بينه وبين الصدقة. فبلغهم ذلك عنه، فقدم وفدهم وقالوا: يا رسول! سل هل ناطقنا أو كلمنا؟ فنزلت فيه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ [ (3) ] ، فقرأها عليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقال: من تحبون أن أبعث إليكم؟ قالوا: عبّاد بن بشر، فخرج معهم يقرئهم القرآن ويعلمهم شرائع الإسلام، وقد قال له: خذ صدقات أموالهم، توقّ كرائم أموالهم. فأقام عندهم عشرا ثم انصرف راضيا. سرية قطبة بن عامر إلى خثعم وكانت سرية قطبة بن عامر إلى خثعم في صفر سن تسع، فخرج في عشرين رجلا معهم عشرة أبعرة يتعقبوها، [فأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم عليهم، فجعل يصيح بالحاضر ويحذرهم. فضربوا عنقه، ثم أمهلوا حتى نام الحاضر فشنّوا عليهم الغارة، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعا: وقتل قطبة   [ (1) ] في (خ) «عمر» . [ (2) ] زيادة للبيان من (ط) . [ (3) ] الآية 6/ الحجرات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 ابن عامر من قتل، وساقوا النعم والشاء والنساء إلى المدينة: وجاء سيل أتيّ [ (1) ] فحال بينهم وبينه، فما يجدون إليه سبيلا. وكانت سهمانهم أربعة أبعرة أربعة أبعرة، والبعير يعدل بعشر من الغنم بعد أن أخرج الخمس] [ (2) ] . سرية الضحاك بن سفيان إلى بني كلاب وكانت سرية الضحاك بن سفيان [ (3) ] بن عوف بن أبي بكر بن كلاب الكلابيّ إلى بني كلاب، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، فقاتلهم بمن معه وهزمهم [ (4) ] وذلك في ربيع الأوّل. كتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى بني حارثة بن عمرو وكتب صلى اللَّه عليه وسلّم إلى بني حارثة بن عمرو بن قريظ يدعوهم إلى الإسلام مع عبد اللَّه ابن عوسجة من غرينة [ (5) ] ، مستهلّ ربيع الأول، فأخذوا [ (6) ] الصحيفة فغسلوها ورقعوا بها دلوهم، وأبوا أن يجيبوا، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم- لما بلغه ما لهم ذلك-: ما لم؟ أذهب اللَّه عقولهم! فصاروا أهل رعدة وعجلة وكلام مختلط، وأهل سفه. وقدم وفد بليّ في ربيع الأول هذا، فنزلوا على رويفع [بن ثابت] [ (7) ] البلويّ. خبر رعية السحيمي قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبيد اللَّه بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الشّعبي: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كتب إلى رعية السّحيمي بكتاب، فأخذ الكتاب فرقع به دلوه. فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سرية فأخذوا أهله وماله، وأفلت رعية- على فرس له- عريانا ليس عليه شيء فأتى ابنته- وكانت   [ (1) ] السيل الأتي الّذي لا يدرى من أين أتي!! [ (2) ] ما بين القوسين زيادة لتمام الخبر من (ابن سعد) ج 2 ص 162. [ (3) ] في (خ) «إلى سفيان» . [ (4) ] في (خ) «وهربهم» . [ (5) ] في (خ) «بن عرينة» . [ (6) ] في (خ) «فأخذ» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 3 ص 982. [ (7) ] زياد للإيضاح من (ط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 متزوّجة في بني هلال، وكانوا أسلموا فأسلمت معهم، وكانوا دعوه إلى الإسلام [فأبى] [ (1) ]- وكان مجلس القوم بفناء بيتها، فأتى البيت من وراء ظهره. فلما رأته ابنته عريانا ألقت عليه ثوبا وقالت: مالك؟ قال كلّ الشرّ! ما ترك لي أهل ولا مال! أين بعلك؟ قالت: في الإبل! فأتاه فأخبره، فقال: خذ راحلتي برحلها، ونزودك من اللبن: قال: لا حاجة لي فيه، ولكن أعطني قعود [ (2) ] الرّاعي وإدواة من ماء [ (3) ] ، فإنّي أبادر محمدا لا يقسم أهلي ومالي! فانطلق وعليه ثوب: إذا غطى به رأسه خرجت استه، وإذا غطى استه خرج رأسه. فانطلق حتى دخل المدينة ليلا، فكان بحذاء [ (4) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. فلما صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الفجر، قال له: يا رسول اللَّه! أبسط يدك لأبايعك! فبسط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما ذهب رعية ليمسح عليها، قبضها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال له رعية: يا رسول اللَّه! أبسط يدك، قال: ومن أنت؟ قال رعية السحيميّ! قال: فأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعضده فرفعه [ (5) ] ثم قال: أيها الناس! هذا رعية السحيمي الّذي كتبت إليه فأخذ كتابي فرقع بها دلوه!! أسلم، ثم قال: يا رسول اللَّه! أهلي ومالي! فقال: أما مالك فقد قسم بين المسلمين، وأما أهلك فانظر من قدرت عليه منهم! قال [رعية] [ (6) ] ، فخرجت فإذا ابن لي قد عرف الراحلة، وإذا هو قائم عندها، فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقلت: هذا ابني! فأرسل معى بلالا فقال: انطلق معه فسله: أبوك هو؟ فإن قال نعم، فادفعه إليه، قال [رعية] [ (7) ] : فأتاه بلال فقال: أبوك هو؟ قال: نعم، فدفعه إليه. قال: فأتي بلال رضي اللَّه عنه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: واللَّه ما رأيت واحدا منه مستعبرا إلى صاحبه! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ذلك جفاء الأعراب! وقال أبو عمر بن عبد البر رعية السّحيميّ، [ويقال: الرّبعي، ويقال العرنيّ وهو الصواب. يروي أنه من سحيمة عرينة] كتب إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قطعة أدم،   [ (1) ] في (خ) بعد قوله «دعوه إلى الإسلام» ما نصه: «فأتي ابنته» ، وما أثبتناه من (ط) . [ (2) ] القعود في الإبل: ما يتخذه الراعي للركوب وحمل متاعه وزاده. [ (3) ] الإداوة: إناء صغير من جلد يتخذ للماء. [ (4) ] في (خ) «بجدار» . [ (5) ] في (خ) «فرفعها» . [ (6) ] زيادة للسياق والإيضاح من (ط) . [ (7) ] زيادة للبيان والإيضاح من (ط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 فرقع دلوه بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقالت له [ابنته] [ (1) ] ما أراك إلا ستصيبك قارعة! عمدت إلى كتاب سيد العرب فرقعت به [ (2) ] دلوك؟ [وكانت ابنته قد تزوجت في بني هلال وأسلمت] [ (3) ] ، وبعث إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خيلا. فأخذوا أهله وماله وولده [ونجا هو عريانا] [ (3) ] ، فأسلم. وقدم علي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أغير على أهلي ومالي وولدي! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أما المال فقد اقتسم، ولو أدركته قبل أن يقسم كنت أحق به! وأما الولد، فاذهب معه يا بلال، فإن عرفه [ (4) ] ولده فادفعه إليه، فذهب معه فأراه إياه، فقال لابنه، تعرفه؟ قال: نعم! فدفعه إليه. سرية علقمة بن مجزر إلى الشعيبة ثم كانت سرية علقمة بن مجزر المدلجي في ربيع الآخر- في ثلاثمائة رجل- إلى ساحل البحر بناحية مكة وقد تراءى أهل [ (5) ] الشعيبة ناسا من الحبشة في مراكب. [فانتهى علقمة وأصحابه إلى جزيرة في البحر، وقد خاض إليهم البحر] [ (6) ] ، ففروا منه، فرجع. واستأذنه بعض جيشه في الانصراف فأذن لهم. وأمّر عليهم عبد اللَّه ابن حذافة السّهميّ- وكانت فيه دعابة- فأمر أصحابه أن يتواثبوا في نار [ (7) ] لهم، فلما أرادوا ذلك قال: إنما كنت أضحك معكم! فلما ذكر ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أمركم بمعصية فلا تطيعوه. سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس صنم طيِّئ ثم كانت سرية علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه إلى الفلس- صنم طيِّئ- ليهدمه، في ربيع الآخر، في خمسين ومائة رجل من وجوه الأنصار، على مائة بعير وخمسين فرسا، حتى أغاروا على أحياء من العرب، وشنوا الغارة مع الفجر على   [ (1) ] زيادة من (الاستيعاب) ج 3 ص 303. [ (2) ] في (خ) «رقعت به» . [ (3) ] زيادة من (ط) نقلها عن (أسد الغابة) . [ (4) ] في (خ) «فإن عرف والده» هو فاسد المعنى. [ (5) ] في (خ) «يراما» وفي (ابن سعد ج 2 ص 163 «تراءاهم أهل جدّة» . [ (6) ] زيادة من (ط) لتمام المعنى. [ (7) ] في (خ) «على نار» وما أثبتناه حق السياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 محلة آل حاتم، فسبوا حتى ملئوا أيديهم من السّبي والنعم والشاء. وهدم عليّ رضي اللَّه عنه الفلس صنم طيِّئ وخرّب، ثم عاد. وكانت رايته سوداء، ولواؤه أبيض، ويحمل الراية سهل بن حنيف، واللواء جبّار بن صخر السّلمي، ودليله حريث من بني أسد. وكان فيمن سبي سفّانة بنت حاتم الجواد بن عبد اللَّه بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن أخزم بن أبي أخزم بن ربيعة بن نثل بن جرول بن عمرو بن الغوث بن طيِّئ، ومن [ (1) ] أسر أسلم، ووجد في بيت الفلس ثلاثة أسياف: رسوب والمخذم [ (2) ] واليماني وثلاثة أدراع. واستعمل على السبي أبا قتادة، وعلى الماشية والرّثّة [ (3) ] عبد اللَّه بن عتيك. وقسم السبي والغنائم إلا آل حاتم فإنه قدم بهم المدينة، وبالخمس مما غنموا، وبالأسياف الثلاثة صفيّا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. خبر سفانة بنت حاتم الطائي فنزلت [سفّانة بنت حاتم] [ (4) ] أخت عدي بدار رملة بنت الحارث. وكان عديّ بن حاتم قد فرّ- لما سمع بحركة عليّ رضي اللَّه عنه- إلى الشام، فكانت أخت عدي إذا مرّ النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم تقول: يا رسول اللَّه! صلى اللَّه عليك وسلّم! هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علينا منّ اللَّه عليك! فيسألها: من وافدك؟ فتقول: عدي ابن حاتم! فيقول: الفارّ من اللَّه ورسوله؟! حتى يئست. فلما كان اليوم الرابع مرّ [ (5) ] ، فأشار إليها عليّ رضي اللَّه عنه: قومي فكلميه؟ فكلمته فخلى عنها ووصلها أخاها عدي بن حاتم- وقد لحق بالشأم- فحسنت له أن يأتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقدم المدينة وأسلم، وله في إسلامه قصة. موت النجاشي وفي رجب سنة تسع نعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم النجاشيّ للمسلمين، وصلى عليه بمن معه في اليوم الّذي مات فيه، على بعد ما بين الحجاز وأرض الحبشة، فكان ذلك علما [ (6) ] من أعلام النبوة كبيرا [ (6) ] .   [ (1) ] في (خ) «وممن» . [ (2) ] في (خ) «والمحرم» . [ (3) ] الرثة: المتاع، وهي في (خ) «والورثة» . [ (4) ] زيادة للإيضاح من (ط) . [ (5) ] في (خ) «مر يتكلم» . [ (6) ] في (خ) «علم» ، «كبير» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 غزوة تبوك ثم كانت غزوة تبوك- وتسمي غزوة العسرة [ (1) ]- في غرة رجب، وسببها أن أخبار الشأم كانت بالمدينة عند المسلمين، لكثرة من يقدم من الأنباط بالدّرمك [ (2) ] والزيت، فذكروا أن الرّوم قد جمعت جموعا كثيرة [ (3) ] بالشأم، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأقبلت مع لخم وجذام [ (4) ] وغسّان وعاملة، وزحفوا، وقدموا مقدّماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص. ولم يكن ذلك، إنما ذلك شيء قيل لهم فقالوه. الخبر عن الغزو والبعثة إلى القبائل وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لا يغزو غزوة إلا ورّى بغيرها- لئلا تذهب الأخبار بأنه يريد كذا وكذا- حتى كانت غزوة تبوك فغزاها في حرّ شديد. واستقبل سفرا بعيدا، وعددا كثيرا، فجلى [ (5) ] للناس أمرهم ليتأهّبوا لذلك أهبته، وأخبرهم بالوجه الّذي يريد. وبعث إلى القبائل وإلى مكة يستنفرهم إلى عدوهم. فبعث بريدة ابن الحصيب وأمره أن يبلغ الفرع، وبعث أبا رهم الغفاريّ إلى قومه، وأبا واقد اللّيثيّ إلى قومه، وأبا جعدة الضّمريّ إلى قومه بالساحل، ورافع بن مكيث ابن جندب بن جنادة إلى جهينة، ونعيم بن مسعود إلى أشجع، وبديل بن ورقاء وعمرو بن سالم وبسر بن سفيان إلى بني كعب بن عمرو، والعباس بن مرداس إلى بني سليم. وحضّ على الجهاد ورغّب فيه. صدقات المسلمين للغزو وأمر بالصدقة فحملت صدقات كثيرة. وأول من حمل صدقته أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه، جاء بماله كله أربعة آلاف درهم، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. هل أبقيت شيئا؟ قال: اللَّه ورسوله! وجاء عمر رضي اللَّه عنه بنصف ماله، فقال   [ (1) ] في (خ) «العشرة» . [ (2) ] الدرمك: الدقيق الأبيض الجيد الخالص. [ (3) ] في (خ) «كبيرة» . [ (4) ] في (خ) «خدام» . [ (5) ] في (خ) «وحكى» ، وجلّي الأمر: أظهره وأبانه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هل أبقيت شيئا؟ قال: نعم، نصف مالي ما جئت به. وبلغ عمر ما جاء به أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال: ما استبقنا إلى خير إلا سبقني إليه. وحمل العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه مالا يقال إنه تسعون ألفا. وحمل طلحة ابن عبيد اللَّه مالا. وحمل عبد الرحمن بن عوف مائتي أوقية. وحمل سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة [ (1) ] مالا. وتصدق عاصم بن عديّ بتسعين وسقا [ (2) ] تمرا، وجهز عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه ثلث ذلك الجيش، فكان من أكثرهم نفقة، حتى كفي ثلث ذلك الجيش مؤنتهم، حتى إن كان ليقال: ما بقيت له حاجة!! فجاء بألف دينار ففرغها في حجر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فجعل يقلبها ويقول صلى اللَّه عليه وسلّم: ما ضرّ عثمان ما فعل بعد هذا اليوم! قالها مرارا. ورغب عليه السلام أهل الغني في الخير والمعروف، فتبادر المسلمون في ذلك، حتى إن الرجل ليأتي بالبعير إلى الرجل والرجلين ويقول: هذا البعير بينكما تعتقبانه، ويأتي الرجل بالنفقة فيعطيها بعض من يخرج. صدقات النساء وأتت النساء بكل ما قدرن عليه، فكن يلقين- في ثوب مبسوط بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم- المسك، والمعاضد والخلاخل، والأقرطة، والخواتيم، والخدمات [ (3) ] . وكان الناس في حر [ (4) ] شديد، وحين طابت الثمار، وأحبّت الظلال، والناس يحبون المقام ويكرهون الشخوص عنها. وأخذ صلى اللَّه عليه وسلّم الناس بالجد وعسكر بثنية الوداع، والناس كثير لا يجمعهم كتاب. خبر المخلفين وقال صلى اللَّه عليه وسلّم للجدّ بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عديّ ابن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري: أبا وهب! هل لك العام تخرج معنا لعلك تحتقب من بنات الأصفر [ (5) ] ! قال أو تأذن لي ولا تفتنّي؟ فو اللَّه لقد عرف قومي ما أحد أشدّ عجبا بالنساء منّي، وإني لأخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا   [ (1) ] في (خ) «بن سلمة» . [ (2) ] في (خ) «وستا» . [ (3) ] سبق شرح معاني هذه الألفاظ. [ (4) ] في (خ) «في عسر شديد» . [ (5) ] بنات الأصفر: بنات الروم الكاثوليك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 أصبر عنهنّ. فقال: قد أذنت لك! فجعل يثبط قومه ويقول: لا تنفروا في الحرّ. فنزل فيه قوله تعالى: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ* فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [ (1) ] . وقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [ (2) ] . البكاءون وجاء البكاءون- وهم سبعة: أبو ليلى المازنيّ، وسلمة بن صخر الزّرقيّ، وثعلبة بن غنمة السّلمي، وعلبة بن زيد الحارثي، والعرباض بن سارية السّلمي، وهرمي بن عمر المزني وسالم بن عمير. [وقيل: وإن فيهم عبد اللَّه بن المغفّل ومعقل ابن يسار. وقيل: البكاءون بنو مقرّن السّيمة، وهم من مزينة]- يستحملون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وكانوا أهل حاجة فقال: لا أجد ما أحملكم عليه فولّوا يبكون [ (3) ] فلقي اثنان منهم يامين بن عمير بن كعب [بن عمر بن عمرو بن جحاش النضري] [ (4) ] فقال: ما يبكيكما؟ قالا: جئنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه، وليس عندنا ما تتقوى [ (5) ] به على الخروج، ونحن نكره أن تفوتنا غزوة مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. فأعطاهما ناضحا له [ (6) ] فارتحلاه، وزوّد كلّ واحد صاعين من تمر. وحمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلين، وحمل عثمان ابن عفان منهم ثلاثة. النهي عن خروج أصحاب الضعف وقال صلى اللَّه عليه وسلّم: لا يخرجنّ معنا إلا مقو [ (7) ] . فخرج رجل على بكر صعب [ (8) ]   [ (1) ] الآيتين 81- 82 التوبة، وفي (خ) ... وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ، الآية. [ (2) ] الآية 49/ التوبة، وفي (خ) « ... ولا تفتنّي، الآية» . [ (3) ] خبر البكاءين في سورة التوبة، الآية 90 وما بعدها. [ (4) ] في (خ) «مكان ما بين القوسين «بن عمرو بن جحاش النضري» ، وما أثبتناه من (ط) . [ (5) ] في (خ) «تقوى» . [ (6) ] الناضح: البعير الّذي يحمل عليه الماء. [ (7) ] في (خ) «نقوى» ، يقال: رجل مقو: أي: ذو دابة قوية. [ (8) ] الصعب: الّذي لا ينقاد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 فصرعه بالسويداء، فقال الناس: الشهيد!! فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مناديا ينادي: لا يدخل الجنة إلا مؤمن -[وإلا نفس مؤمنة]- ، ولا يدخل الجنة عاص. المنافقون وجاء ناس من المنافقين يستأذنون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من غير علة فأذن لهم، وهم بضعة وثمانون رجلا. وجاء المعذرون [ (1) ] من الأعراب فاعتذروا وهم نفر من بني غفار فيهم خفاف بن إيماء بن رحضة، اثنان وثمانون رجلا فلم يعذرهم اللَّه، وجاء عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول بعسكره- معه حلفاؤه من اليهود والمنافقين- فضربه على ثنية الوداع. فكان يقال: ليس عسكر ابن أبيّ بأقل العسكرين. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يستخلف على العسكر أبا بكر رضي اللَّه عنه، فلما أجمع المسير استخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ، [وقيل محمد ابن مسلمة] . تخليف علي بن أبي طالب وخلف علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه علي أهله، فقال المنافقون: ما خلفه إلا استقلالا له! فأخذ سلاحه ولحق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالجرف وأخبره ما قالوا، فقال: كذبوا! إنما خلّفتك لما ورائي! فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبيّ بعدي، فرجع. الأمر بحمل النعال وسار عليه السلام وقال: استكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكبا ما دام منعلا. تخلف المنافقين فلما سار تخلف ابن أبيّ فيمن تخلف من المنافقين وقال: يغزو محمد بني   [ (1) ] المعذرون: الذين يعتذرون، ولا عذر لهم على الحقيقة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 الأصفر- مع جهد الحال والحر والبلد البعيد- إلى مالا قبل له به؟! يحسب محمد أن قتال بني الأصفر اللعب؟! ونافق بمن معه ممن هو على مثل رأيه، ثم قال: واللَّه لكأنّي انظر إلى أصحابه غدا مقرنين في الحبال. الألوية فلما رحل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من ثنيّة الوداع عقد الألوية والرايات. فدفع لواءه الأعظم إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه، ورايته العظمي إلى الزبير، وراية الأوس إلى أسيد بن الحضير، ولواء الخزرج إلى أبي دجانة، [ويقال: إلى الحباب بن المنذر ابن الجموح] ، وأمر كل بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء أو راية. خبر العبد المملوك فلقيه عبد لامرأة من بني ضمرة وهو متسلح، فقال: أقاتل معك يا رسول اللَّه؟ فقال: وما أنت؟ قال، مملوك لامرأة من بني ضمرة سيئة الملكة [ (1) ] فقال: ارجع إلى سيّدتك! لا تقتل معي فتدخل النار!! عدة المسلمين وسار معه ثلاثون ألفا، وعشرة آلاف فرس، واثنا عشر ألف بعير. وقال أبو زرعة: كانوا سبعين ألفا. وفي رواية: أربعين ألفا. تخلف نفر من المسلمين وتخلف نفر من المسلمين أبطأت بهم النية من غير شك ولا ارتياب، منهم: كعب بن مالك بن أبي كعب عمرو بن القين [ (2) ] بن كعب بن سواد بن غنم ابن كعب بن سلمة الأنصاريّ، وهلال بن أمية الواقفيّ، وأبو خيثمة عبد اللَّه ابن خيثمة السالميّ، ومرارة بن الربيع العمري، ثم إن أبا خيثمة أدرك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بتبوك.   [ (1) ] وفي الحديث: «لا يدخل الجنة سيّئ الملكة» أي الّذي يسيء صحبة مماليكه وعبيده. [ (2) ] في (خ) «القيس» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 وكان دليله عليه السلام علقمة بن الغفواء [ (1) ] الخزاعي. وجمع- من يوم نزل ذا خشب- بين الظهر والعصر في منزله: يؤخر الظهر حتى يبرد ويعجّل العصر، ثم يجمع بينهما. فكان ذلك فعله حتى رجع من تبوك. المتخلفون ولما مضى من ثنية الوداع، جعل يتخلف عنه قوم، فيقولون: يا رسول اللَّه! تخلف فلان! فيقول: دعوه! فإن يك فيه خير فيلحقه اللَّه بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم اللَّه منه. وخرج معه ناس من المنافقين كثير، لم يخرجوا إلا رجاء الغنيمة. خبر أبي ذر وأبطأ أبو ذر رضي اللَّه عنه من أجل بعيره: كان نضوا أعجف [ (2) ] ، ثم عجز فتركه وحمل متاعه على ظهره: وسار ماشيا في حر شديد وحده، حتى لحق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم نصف النهار وقد بلغ منه العطش، فقال له: مرحبا بأبي ذر! يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده! ما خلفك؟ فأخبره خبر بعيره، فقال: إن كنت لمن أعزّ أهلي عليّ تخلّفا! لقد غفر اللَّه لك بكلّ خطوة ذنبا إلى أن بلغتني. خبر أبي رهم وسايره أبو رهم- كلثوم بن الحصين الغفاريّ- ليلة فألقى عليه النّعاس، فزاحمت عليه راحلته راحلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم- ورجله في الغرز- فما استيقظ إلا بقوله: حسّ [ (3) ] ! فقال: يا رسول اللَّه، استغفر لي، فقال: سر! وجعل يسأله عمّن تخلّف من بني غفار ويخبره، فقال: ما منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل علي بعيره رجلا نشيطا في سبيل للَّه ممّن يخرج معنا، فيكون له مثل أجر الخارج! إن كان لمن أعزّ أهلي عليّ أن يتخلف عنّي: المهاجرون من قريش والأنصار وغفار وأسلم.   [ (1) ] في (خ) «الغفراء» . لم أجده فيمن اسمه علقمة وأثبتناه من المغازي ص 999. [ (2) ] النضو: الأعجف: الّذي أهزلته الأسفار وأذهب الجوع سمنه. [ (3) ] كلمة تقال للتوجع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 جهد المسلمين ومرّ على بعير قد تركه صاحبه من الضعف، فمرّ به مارّ فعلفه أياما ثم حمله وقد صلح، فخاصمه فيه صاحبه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من أحيا خفا أو كراعا بمهلكة من الأرض فهو له. وشكوا إليه صلى اللَّه عليه وسلّم ما بظهرهم من الجهد، فتحين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مضيقا سار الناس فيه وهو يقول: مرّوا باسم اللَّه، فجعل ينفح [ (1) ] بظهورهم وهو يقول: اللَّهمّ احمل عليها في سبيلك، فإنك تحمل على القوى والضعيف، والرطب واليابس، والبر والبحر! فلما بلغوا المدينة جعلت تنازعهم أزقتها بدعوته صلى اللَّه عليه وسلّم. وصلى يوما بأصحابه وعليه جبة صوف وقد أخذ بعنان فرسه، فبال الفرس فأصاب الجبة فلم يغسله. وقال: لا بأس بأبوالها ولعابها وعرقها. لكنّ يعارضه قوله: استنزهوا من البول، وهو أصحّ. مقالة المنافقين وكان رهط من المنافقين يسيرون، منهم: وديعة بن ثابت أخو بني عمرو ابن عوف، والجلاس بن سويد بن الصامت، ومخشّي بن حميّر من أشجع حليف بني سلمة وثعلبة بن حاطب، وقال ثعلبة: تحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم؟ واللَّه لكأنّي بكم غدا مقرنين في الحبال! وقال وديعة بن ثابت: ما لي أرى قراءنا [ (2) ] هؤلاء أرغبنا [بطونا] [ (3) ] ، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء؟ قال الجلاس بن سويد- زوج أم عمير [ (4) ]-: هؤلاء سادتنا وأشرافنا وأهل الفضل منا، واللَّه لئن كان محمد صادقا لنحن شرّ من الحمير! ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الصادق وأنت الكاذب! وقال مخشي بن حمير: واللَّه لو وددت أنّي أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة، وأننا ننفلت من أن ينزل فينا قرآن بمقالتكم! وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لعمار بن ياسر رضي اللَّه عنه: أدرك القوم فإنّهم قد   [ (1) ] في (خ) «ينفخ» ، ينفح: يدفع. [ (2) ] في (خ) «قرانا» . [ (3) ] هذه الكلمة غير بينة في (خ) وفي (الواقدي) ، «أو عينا بطونا» ج 3 ص 103. [ (4) ] عمير بن سعد الأنصاري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 اخترقوا [ (1) ] . فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى! قد قلتم كذا وكذا!! فذهب إليهم فقال لهم، فأتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يعتذرون إليه فقال وديعة بن ثابت- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على ناقته، وقد أخذ بحقبها [ (2) ]-: يا رسول اللَّه! إنما كنا نخوض ونلعب! فأنزل اللَّه فيه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ [ (3) ] . وقال مخشي بن حميّر: يا رسول اللَّه! قعد بي اسمي واسمي أبي! فكان الّذي عفي عنه في هذه الآية مخشي، فتسمى عبد الرحمن، وسأل اللَّه أن يقتله شهيدا لا يعلم بمكانه، فقتل يوم اليمامة فلم يوجد له أثر. وجاء الجلاس فحلف ما قال من ذلك شيئا. فأنزل اللَّه فيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [ (4) ] . وكان للجلاس دية في الجاهلية على بعض قومه- وكان محتاجا- فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة أخذها له فاستغنى بها. وادي القرى ومرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في وادي القرى على حديقة امرأة فقال: اخرصوها فجاء خرصها عشرة أوسق [ (5) ] فقال لها: احفظي ما خرج منها حتى نرجع إليك.   [ (1) ] في (خ) «احترقوا: بالحاء المهملة» والأجود بالخاء، من الاختراق، وهو الاختلاق الكذب، من ذلك قوله تعالى: وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ، راجع هامش (ط) ، وفي (زاد المعاد) ج 3 ص 936 «احترقوا» وأيضا في (تاريخ الطبري) ج 3 ص 108. [ (2) ] الحقب: حزام يشد به البعير. [ (3) ] الآيتان 65، 66/ التوبة، وفي (خ) ... نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، الآية. [ (4) ] الآية 74/ التوبة، وفي (خ) وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وقوله تعالى: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ، الآية. [ (5) ] الأوسق: جمع وسق، وهو حمل بعير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 نزول الحجر وهبوب الريح فلما أمسى بالحجر قال: إنها ستهبّ الليلة ريح شديدة، فلا يقومنّ منكم أحد إلا مع صاحبه، ومن كان له بعير فليوثق عقاله، فهاجت ريح شديدة ولم يقم أحد إلا مع صاحبه، إلا رجلين من بني ساعدة: خرج أحدهما لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعيره. فأما الّذي خرج لحاجته، فإنه خنق على مذهبه، وأما الّذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح فطرحته بجبل طيِّئ فأخبر عليه السلام خبرهما فقال: ألم أنهكم أن يخرج رجل إلا معه صاحب له؟ ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفى، وأما الآخر فإن طيِّئا قدمت به إلى المدينة. هدية بني عريض وأهدى له عليه السلام بنو عريض اليهودي هريسا فأكلها، وأطعمهم أربعين وسقا، فلم تزل جارية عليهم [ (1) ] . خبر بئر الحجر واستقى الناس من بئر الحجر [ (2) ] وعجنوا، فنادى منادى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تشربوا من مائها ولا توضئوا منه للصلاة، وما كان من عجين فاعلفوه الإبل، فجعل الناس يهريقون ما في أسقيتهم، وتحوّلوا إلى بئر صالح عليه السلام فارتووا منها. وقال يومئذ: لا تسألوا نبيكم الآيات! هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم آية، فكانت الناقة ترد عليهم من هذا الفجّ، تسقيهم من لبنها يوم وردها ما شربت من مائهم. فعقروها، فأوعدوا ثلاثا، وكان وعد اللَّه غير مكذوب، فأخذتهم الصيحة، وقال يومئذ: لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم فيصيبكم ما أصابهم. وجاء رجل بخاتم وجده في الحجر في بيوت المعذبين، فأعرض عنه واستتر بيده أن ينظر إليه، وقال: ألقه! فألقاه. وقال لأصحابه حين حاذاهم: إن هذا وادي القرى! فجعلوا يوضعون فيه   [ (1) ] في (خ) «فلم يزل حارثة عليهم، وفي (الواقدي) ج 3 ص 1006 «فهي جارية عليهم» . [ (2) ] الحجر: ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 ركابهم حتى خرجوا منه. وأوضع صلى اللَّه عليه وسلّم راحلته. قلة الماء ودعاء رسول اللَّه بالمطر وارتحل من وادي القرى فأصبح ولا ماء معهم، فشكوا ذلك إليه، فاستقبل القبلة ودعا- ولا يرى في السماء سحاب- فما برح يدعو حتى تألف السحاب من كل ناحية، فما رام مقامه حتى سحب عليهم السماء بالرواء. ثم كشف اللَّه السماء من ساعتها والأرض غدر [ (1) ] ، فسقى الناس وارتووا من آخرهم، فكبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وقال: أشهد أنّي رسول اللَّه! فقال عبد اللَّه بن أبي حدرد لأوس ابن قيظي-، [ويقال لزيد بن اللصيت القينقاعيّ]- وكان من المنافقين: ويحك!! بعد هذا شيء؟ فقال: سحابة مارة. خبر ناقة رسول اللَّه التي ضلّت ومقالة المنافق وارتحل عليه السلام فأصبح في منزل، فضلّت ناقته القصواء، فخرج المسلمون في طلبها، وكان زيد بن اللصيت أحد بني قينقاع، وكان يهوديا فأسلم فنافق، وكان فيه خبث اليهود وغشهم، وكان مظاهرا لأهل النفاق، وقد نزل في رحل عمارة بن حزم، وعمارة عند رسول اللَّه- فقال زيد: أليس محمد يزعم أنه نبيّ وهو يخبركم بأمر السماء، ولا يدري أين ناقته؟ وأنّي واللَّه لا أعلم إلا ما علمني اللَّه، وقد دلني عليها، وهي في الوادي في شعب كذا وكذا- لشعب به [ (2) ]- حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوا بها [ (3) ] . فذهبوا، فجاءوا وقد وجدها الحارث بن خزمة [ (4) ] الأشهلي، كما قال عليه السلام. فرجع عمارة بن حزم إلى رحلة فقال: العجب من شيء حدّثناه رسول اللَّه آنفا عن مقالة قائل أخبره اللَّه عنه كذا وكذا!! - للذي قال زيد- فقال أخوه عمرو بن حزم ولم يحضر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن زيدا هو قائل هذه المقالة قبل أن تطلع علينا! فأقبل عمارة بن حزم على زيد بن اللّصيت يجأه [ (5) ] في عنقه ويقول: إن في رحلي لداهية [ (6) ] وما أدري!! أخرج يا عدو اللَّه من رحلي! فقال زيد: لكأنّي لم أسلم إلا اليوم! قد كنت شاكّا   [ (1) ] في (خ) «غدرا» ، وغدر: جمع غدير وهو مستنقع الماء يغادره السيل. [ (2) ] في (خ) «لشغب إليه» . [ (3) ] في (خ) «حتى بانوا» . [ (4) ] في (خ) «حزمة» . [ (5) ] وجأ: لكز ووكز. [ (6) ] في (خ) «أراهية» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 في محمد، وقد أصبحت وأنا فيه ذو بصيرة، أشهد أنه رسول اللَّه! فقيل: إنه تاب، وقيل: لم يزل فسلا [ (1) ] حتى مات. نبوءة الفتوح وقال ليلة وهم يسيرون: إن اللَّه أعطاني الكنزين: فارس والروم، وأمدني بالملوك ملوك حمير: يجاهدون في سبيل اللَّه، ويأكلون فيء اللَّه [ (2) ] . تأخره صلى اللَّه عليه وسلّم عن صلاة الصبح ولما كان بين الحجر وتبوك ذهب لحاجته- وكان إذا ذهب أبعد-، فتبعه المغيرة بن شعبة بماء في إدواة بعد الفجر، فأسفر الناس بصلاتهم حتى خافوا الشمس، فقدّموا عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه فصلى بهم. فلما فرغ صلى اللَّه عليه وسلّم من حاجته، صبّ عليه المغيرة من الإداوة فغسل وجهه. ثم أراد أن يغسل ذراعيه فضاق كم الجبة- وكان عليه جبة رومية- فأخرج يديه من تحت الجبة فغسلهما ومسح خفيه. صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بصلاة عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه وانتهى إلى عبد الرحمن رضي اللَّه عنه وقد ركع بالناس ركعة، فسبح الناس حين رأوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى كادوا أن يفتنوا، فجعل عبد الرحمن يريد أن ينكص وراءه، فأشار إليه عليه السلام: أن أثبت! فصلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خلف عبد الرحمن ركعة، فلما جلس عبد الرحمن تواثب الناس، وقام صلى اللَّه عليه وسلّم للركعة الباقية ثم سلم بعد فراغه منها، وقال أحسنتم، إنه لم يتوفّ [ (3) ] نبي حتى يؤمه رجل صالح من أمته.   [ (1) ] الفسل: الرديء الّذي لا مروءة له. [ (2) ] في (خ) «في اللَّه» بغير همز، ونقله محقق (ط) بغير همز أيضا مما أدى إلى فساد المعنى، الأمر الّذي جعله يقول: «ولم أجد الخبر» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 3 ص 1011. [ (3) ] في (خ) «ولم يتوفى» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 خبر الأجير ورجل من العسكر وأتاه [ (1) ] يومئذ يعلى بن منية بأجير له قد نازع رجلا من العسكر فعضه الرجل، فانتزع الأجير يده من في [ (2) ] العاضّ فانتزع ثنيته، فلزمه المجروح وبلغ به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: يعمد أحدكم فيعضّ أخاه كما يعض الفحل! فأبطل صلى اللَّه عليه وسلّم ما أصاب من ثنيته. نهيه صلى اللَّه عليه وسلّم عن الشرب من عين تبوك حتى يقدم وقال: إنكم ستأتون غدا إن شاء اللَّه تعال عين تبوك: وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمسّ من مائها حتى آتي، فسبق رجلان من المنافقين إليها- والعين تبضّ بشيء [ (3) ] من ماء- فسألهما عليه السلام: هل مسستما من مائها شيئا؟ قالا: نعم! فسبّهما وقال لهما ما شاء اللَّه أن يقول. ثم غرفوا من العين بأيديهم قليلا حتى اجتمع في شيء ثم غسل فيه وجهه ويديه ثم أعاده فيها، فجاءت العين بماء كثير فاستسقى الناس. ثم قال [لمعاذ بن جبل] [ (4) ] : يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد مليء جنانا! وقال يوما في مسيره: من شهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له حرمه اللَّه على النار. خبر الحية التي سلمت عليه صلى اللَّه عليه وسلّم وعارض الناس في سيرهم حية ذكر من عظمها وخلقها شيء كثير، فأقبلت حتى واقفت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو على راحلته طويلا، والناس ينظرون إليها، ثم التوت حتى اعتزلت الطريق فقامت قائمة، فأقبل الناس حتى لحقوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال لهم: هل تدرون من هذا [ (5) ] ؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم! قال هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفدوا إلى يستمعون القرآن، فرأى عليه من [ (6) ] الحق- حين ألمّ رسول اللَّه ببلده- أن يسلم عليه، وها هو ذا يقرئكم السلام   [ (1) ] في (خ) «وأياه» . [ (2) ] من في: من فم. [ (3) ] بض الماء: إذ خرج قليلا قليلا. [ (4) ] زيادة للبيان من (ط) . [ (5) ] في (خ) «ما هذا» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 3 ص 1015. [ (6) ] في (خ) «من من» مكررة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 فسلّموا عليه! فقال الناس جميعا: وعليه السلام ورحمة اللَّه، فقال: أجيبوا عباد اللَّه من كانوا. رقاده صلى اللَّه عليه وسلّم عن صلاة الفجر ولما كان من تبوك على ليلة، رقد [ (1) ] صلى اللَّه عليه وسلّم فلم يستقيظ حتى كانت الشمس قيد رمح [ (2) ] ، فقال: يا بلال، ألم أقل لك اكلأنا الليلة [ (3) ] ؟ فقال: يا رسول اللَّه ذهب بي النوم، ذهب بي الّذي ذهب بك! فارتحل عليه السلام من ذلك المكان غير بعيد ثم صلى ركعتين قبل الفجر، ثم صلى الفجر، ثم سار يومه وليلته فأصبح بتبوك فجمع الناس ثم قال: خطبته صلى اللَّه عليه وسلّم بتبوك أيها الناس، أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب اللَّه، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنن محمد، وأشرف الحديث ذكر اللَّه، وأحسن القصص هذا القرآن، وخير الأمور عواقبها، وشر الأمور محدثاتها، وأحسن الهدي هدي الأنبياء، وأشرف القتل قتل الشهداء، وأعمى الضلالة الضلالة بعد الهدي، وخير الأعمال ما نفع، وخير الهدي ما أتّبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السّفلى، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى. وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامة يوم القيامة. ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا نزرا، ومنهم من لا يذكر اللَّه إلا هجرا. ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب. وخير الغني غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة اللَّه، وخير ما ألقى في القلب اليقين، والارتياب من الكفر. والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول من جمر جهنم، والسّكر كنّ من النار. والشّعر من إبليس، والخمر جماع الإثم، والنساء حبالة إبليس، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المال أكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقىّ من شقي في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضوع أربع أذرع والأمر إلى آخره، وملاك العمل خواتمه، وشر الرّؤيا رؤيا الكذب، وكلّ ما هو آت قريب. وسباب المؤمن فسوق،   [ (1) ] كذا في (ط) وفي (خ) ، (والواقدي) ج 3 ص 1015 «استوقد» . [ (2) ] أي قدر رمح في ارتفاعها. [ (3) ] اكلأنا: احفظنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 وقتل المؤمن كفر، وأكل لحمه من معصية اللَّه، وحرمة ماله كحرمة دمه. ومن يتألّ [ (1) ] على اللَّه يكذّبه، ومن يعف يعف اللَّه عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره اللَّه، ومن يصبر على الرّزية يعوّضه اللَّه. ومن يتتبع السّمعة يسمّع اللَّه به [ (2) ] . ومن يصبر يضاعف اللَّه له، ومن يعص اللَّه يعذّبه. اللَّهمّ اغفر لي ولأمتي. اللَّهمّ اغفر لي ولأمتي، أستغفر اللَّه لي ولكم. عظته صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يطوف بالناس وطاف على ناقته بالناس وهو يقول: يا أيها الناس، يد اللَّه فوق يد المعطي، ويد المعطي الوسطي ويد المعطى السفلي، أيها الناس، فتغنّوا ولو بحزم الحطب. اللَّهمّ هل بلغت! ثلاثا. فقال له رجل من بني عذرة- يقال له عدي-: يا رسول اللَّه، إن امرأتين لي اقتتلتا، فرميت فأصبت إحداهما في رميتي؟ [يعني ماتت] ، فقال له: تعقلها [ (3) ] ولا ترثها. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم في أهل اليمن وأهل المشرق ونظر بتبوك نحو اليمن، ورفع يديه يشير إلى أهلها وقال: الإيمان يمان! ونظر نحو المشرق، وأشار بيده وقال: إن الجفاء وغلظ القلوب في الفدّادين [ (4) ] أهل الوبر من المشرق حيث يطلع الشيطان قرنيه. خبر البركة في الطعام وجلس بتبوك في نفر من أصحابه هو سابعهم، فجاء رجل من بني سعد بن هذيم فسلم فقال: اجلس، فقال: يا رسول اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك   [ (1) ] أي يحكم عليه ويحلف كأن يقول: واللَّه ليدخلن اللَّه فلانا النار، ونحوه. [ (2) ] سمّع اللَّه به، فضحه وشهر به في أسماع الناس. [ (3) ] تعقلها: تدفعه ديتها. [ (4) ] الفدادون: أصحاب الإبل الكثيرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 رسول اللَّه! فقال: أفلح وجهك، ثم قال: يا بلال، أطعمنا! فبسط نطعا [ (1) ] ، ثم أخرج من حميت [ (2) ] له خرجات من تمر معجون بسمن وإقط، ثم قال عليه السلام: كلوا: فأكلوا حتى شبعوا، فقال الرجل: يا رسول اللَّه: إن كنت لآكل هذا وحدي! فقال: الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معى واحد. ثم جاء من الغد متحيّنا الغداء ليزداد في الإسلام يقينا، فإذا عشرة حوله عليه السلام فقال: هات أطعمنا يا بلال! فجعل يخرج من جراب تمرا بكفّه قبضة قبضة، فقال: أخرج ولا تخف من ذي العرش إقتارا! فجاء بالجراب فنثره فحرزه الرجل مدّين، فوضع صلّى اللَّه عليه وسلّم يده على التمر. ثم قال: كلوا باسم اللَّه! فأكل القوم وأكل الرجل- وكان صاحب تمر- حتى ما يجد [له] [ (3) ] مسلكا، وبقي على النّطع مثل الّذي جاء به بلال، كأنهم لم يأكلوا منه تمرة واحدة. ثم عاد الرجل من الغد، وعاد نفر. فكانوا عشرة أو يزيدون رجلا أو رجلين، فقال عليه السلام: يا بلال أطعمنا! فجاء بذلك الجراب بعينه فنثره، ووضع صلّى اللَّه عليه وسلّم يده عليه وقال: كلوا باسم اللَّه! فأكلوا حتى نهلوا [ (4) ] ، ثم رفع مثل الّذي صبّ. ففعل ذلك ثلاثة أيام. بعثة هرقل رجلا من غسان وكان هرقل ملك الروم بعث رجلا من غسان إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر إلى صفته، وإلى علامته، فوعى أشياء من حاله، وعاد إليه فذكر ذلك. فدعا هرقل الروم إلى التصديق به، فأبوا حتى خافهم على ملكه، وهو في موضعه لم يتحرك ولم يوجف [ (5) ] . وكان الّذي خبّر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- عن تعبئته أصحابه، ودنوّه إلى أدنى الشام- باطلا [ (6) ] ، لم يرد ذلك هرقل ولا همّ به.   [ (1) ] النطع: مفرش من الجلد. [ (2) ] الحميت: زق من الجلد لا شعر عليه يكون فيه السمن ونحوه. [ (3) ] زيادة للسياق من (الواقدي) ج 3 ص 1018. [ (4) ] كذا في (خ) ، و (الواقدي) ، وفي (ط) «حتى شبعوا» ، يقول محقق (ط) [ونهل لا يكون إلا للشراب يشربه الرجل حتى يروي، فهو كالشبع من الطعام] ونقول: النّهل من الطعام ما أكل، راجع (ترتيب القاموس) ج 4 ص 453. [ (5) ] في (خ) «يرجف» ، أوجف خيله: أسرع به السير. [ (6) ] في (خ) «باطل» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 المشورة في السّير إلى القتال وشاور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في التقدم، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه: إن كنت أمرت بالمسير فسر! فقال: لو أمرت ما استشرتكم فيه. قالوا: يا رسول اللَّه، إن للروم جموعا كثيرة، وليس بها أحد من أهل الإسلام، وقد دنوت منهم حيث ترى، وقد أفزعهم دنوّك، فلو رجعت هذه السنة حتى ترى، أو يحدث اللَّه لك في ذلك أمرا. هبوب الريح لموت المنافق وهاجت ريح شديدة بتبوك فقال عليه السلام: هذا لموت منافق عظيم النفاق، فلما قدموا المدينة وجدوا منافقا قد مات عظيم النفاق. وأتي بجبنة فقالوا: هذا طعام تصنعه فارس، وإنا نخشى أن يكون فيه ميتة، فقال: ضعوا فيه السكين واذكروا اسم اللَّه. النهي عن إخصاء الخيل وأهدى إليه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل من قضاعة فرسا، فأعطاه رجلا من الأنصار وأمر أن يربطه حياله، استئناسا بصهيله. فلم يزل كذلك حتى قدم عليه السلام المدينة ففقد صهيله، فسأل عنه صاحبه فقال: خصيته يا رسول اللَّه! فقال: مه! [ (1) ] فإن الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: وقام بتبوك إلى فرسه الظّرب فعلّق عليه شعيرة ومسح ظهره [ (2) ] بردائه. غزوة أكيدر بدومة الجندل ثم كانت غزوة أكيدر بدومة الجندل، بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالد بن الوليد   [ (1) ] مه: اسم فعل أمر بمعني «اكفف» . [ (2) ] في (خ) «مسح بظهره» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 من تبوك في أربعمائة وعشرين فارسا- إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل في رجب، وهي على ليال من المدينة، وكان أكيدر من كندة قد ملكهم، وكان نصرانيا. فقال خالد: يا رسول اللَّه: كيف لي به وهو وسط بلاد كلب، وإنما أنا في أناس يسير؟ فقال ستجده يصيد البقر فتأخذه! وقال: فلا تقتله وأت [ (1) ] به إليّ، فإن أبى فاقتلوه! فخرج خالد، حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، وفي ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له من الحرّ، ومعه امرأته- الرباب بنت أنيف بن عامر- وقينته تغنيه وقد شرب، فأقبلت البقر تحكّ بقرونها باب الحصن: فأشرفت امرأته فرأت البقر فقالت: من يترك هذا؟! قال: لا أحد!! قال أكيدر: واللَّه ما رأيت جاءتنا ليلا بقر غير تلك الليلة! ولقد كنت أضمّر لها الخيل- إذا أردت أخذها- شهرا أو أكثر، ثم أركب بالرجال وبالآلة. فنزل فأمر بفرسه فسرج، وأمر بخيل فأسرجت، وركب معه نفر من أهل بيته معه: أخوه حسان ومملوكان له. فخرجوا من حصنهم بمطاردهم [ (2) ] ، وخيل خالد تنتظرهم: لا يصهل منها فرس ولا يتحرك، فساعة فصل [ (3) ] أخذته الخيل. وقاتل حسّان حتى قتل عند باب الحصن: وهرب المملوكان ومن كان معهما. واستلب خالد بن الوليد حسّانا قباء ديباج مخوّصا بذهب، فبعث [به] [ (4) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع عمرو بن أميّة الضمريّ، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجّبون منه، فقال عليه السلام: تعجبون من هذا! والّذي نفسي بيده، لمناديل سعد بن معاذ في الجنّة أحسن من هذا!! وأسلم حريث [بن عبد الملك، أخو] [ (5) ] أكيدر، على ما في يده فسلم له. فتح الحصن وقال خالد لأكيدر: هل لك أن أجيرك من القتل حتى آتي رسول اللَّه على أن تفتح لي دومة؟ قال: نعم! فانطلق به في وثاق حتى أدناه من الحصن فنادى   [ (1) ] في (خ) «ولا نقيله وأنت» . [ (2) ] المطارد: جمع مطرد: وهو الرمح القصير. [ (3) ] فصل: خرج. [ (4) ] زيادة للسياق من (الواقدي) ج 3 ص 1026. [ (5) ] في (خ) «حريث أكيد» ، وهذه الزيادة للسياق من (ط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 أهله: افتحوا باب الحصن! فأرادوا ذلك، فأبى عليهم مضاد [ (1) ] أخوه، فقال أكيدر لخالد: تعلم واللَّه لا يفتحون لي ما رأوني في وثاقك، فحلّ عنى، ولك اللَّه والأمانة أن أفتح لك الحصن إن أنت صالحتنى عل أهله. قال: فإنّي أصالحك [ (2) ] فقال أكيدر إن شئت حكّمتك وإن شئت حكمتني. قال خالد: بل نقبل منك ما أعطيت. فصالحه على ألفى بعير. وثمانمائة رأس، وأربعمائة درع، وأربعمائة رمح- على أن ينطلق به وأخيه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيحكم فيهما حكمه. فخلّى سبيله ففتح الحصن، ودخله خالد أوثق مضادا أخا أكيدر، وأخذ ما صالح عليه من الإبل والرقيق والسلام. الرجوع بأكيدر إلى المدينة ثم خرج قافلا إلى المدينة ومعه أكيدر ومضاد، وعلى أكيدر صليب من ذهب، وعليه الديباج ظاهر، ومع خالد الخمس مما غنموا، وصفيّ خالص لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكانت السّهمان خمس فرائض لكلّ رجل معه سلاح ورماح. فلما قدم بأكيدر، صالحه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الجزية. وخلى سبيله وسبيل أخيه، وكتب لهم أمانا وختمه بظفره: لأنه لم يكن في يده خاتم. وأهدى [أكيدر] [ (3) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثوب حرير، فأعطاه عليا فقال. شقّقه خمرا [ (4) ] بين الفواطم [ (5) ] . كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأكيدر ونسخة الكتاب بعد البسملة: «هذا كتاب من محمد رسول اللَّه لأكيدر،   [ (1) ] في (ط) «مصاد» وفي (الواقدي) «مضاد» . [ (2) ] بعد هذه العبارة وضع محقق (ط) عبارة [أهل الحصن قال أكيدر] وقال في الهامش: «هذه الزيادة يوجبها للسياق، ولم أجد الخبر» ونقول: «الخبر بتمامه بدون أية زيادة، في (المغازي للواقدي) ج 3 ص 1027، 1028» . [ (3) ] زيادة للبيان من (ط) . [ (4) ] خمر: جمع خمار وهو غطاء رأس المرأة. [ (5) ] الفواطم: أراد بهن فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت حمزة. (النهاية) ج 3 ص 458 والحديث في (سنن ابن ماجة) ج 2 ص 11899- باب لبس الحرير والذهب للنساء حديث رقم 3596. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام. مع خالد بن الوليد في دومة الجندل وأكنافها: أن له [ (1) ] الضاحية من الضحل والبور والمعامي وأغفال الأرض والحلقة والسلاح والحافر والحصن، ولكم الضامنة من النخل والمعين من المعمور بعد الخمس، لا تعدل سارحتكم. ولا تعدّ فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات [ (2) ] ، ولا يؤخذ منكم إلا عشر الثبات [ (3) ] . تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها عليكم بذلك العهد والميثاق، ولكم بذلك الصّدق والوفاء، شهد اللَّه ومن حضر من المسلمين» . عودة أكيدر وعاد أكيدر إلى حصنه. وقيل: إنه أسلم ثم ارتد، فقتله خالد بن الوليد في الرّدّة. وقيل: لما منع في خلافة أبي بكر ما كان يؤديه إلى رسول اللَّه، أخرج من جزيرة العرب في دومة، فلحق بالجزيرة [ (4) ] ، وابتنى بها -[قرب عين التمر]- بناء سمّاه دومة. قدوم يوحنا بن رؤبة وأهل أيلة وخاف أهل أيلة [ (5) ] وتيماء، فقدم يوحنا بن رؤبة- ومعه أهل جرباء، وأذرح-، وعليه صليب من ذهب، وقد عقد ناصيته. فلما رأى النبيّ عليه   [ (1) ] في (خ) ، وفي (الأموال) ، وفي (مكاتيب الرسول) «ولنا» وما أثبتناه من (ط) والضمير في قوله «له» أي لخالد بن الوليد، وبذلك يستقيم المعنى، وانظر أيضا (معجم البلدان) ج 2 ص 488. معاني المفردات: الضاحي: البارز. الضحل: الماء القليل. البور: الأرض التي لم تستخرج. المعامي: الأرض المجهولة. الأغفال: التي لا آثار فيها. الحلقة: الدروع. الحافر: الخيل والبراذين والبغال والحمير. الحصن: دومة الجندل. الضامنة: النخل الّذي معهم في الحصن. المعين: الظاهر من الماء الدائم. لا تعدل سارحتكم: أي لا يصدقها المصدّق إلا في مراعيها. لا تعد فاردتكم: أي لا تضم الفاردة إلى غيرها ثم يصدق الجميع فيجمع بين متفرق الصدقة. والسارحة: الماشية التي تسرح في المراعي. والفاردة: الزائدة على فريضة الصدقات. [ (2) ] وفي (خ) «الثياب» ، وما أثبتناه من كتب السيرة. [ (3) ] في (خ) «الثياب» - والثبات: النخل القديم «هامش (ط) » . [ (4) ] الجزيرة: هي جزيرة أقور، بين دجلة والفرات، كذا في هامش (ط) ، وفي (معجم البلدان) ج 2 ص 488. «ولحق بالحيرة» وابتنى قرب عين التمر بناء وسماه دومة» . [ (5) ] في (خ) «واثلة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 السلام، كفّر [ (1) ] وأومأ برأسه. فأومأ إليه: [أن] [ (2) ] ارفع رأسك! وكساه بردا، وأنزله عند بلال. فصالحهم عليه السلام، وقطع عليهم الجزية، فوضع على أهل أيلة ثلاثمائة دينار، وكانوا ثلاثمائة رجل. وكتب لهم بعد البسملة: كتابه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأهل أيلة ويوحنا بن رؤبة «هذه [ (3) ] أمنة من اللَّه ومحمد النبي رسول اللَّه ليوحنا بن رؤبة وأهل أيلة: سفنهم وسيّارتهم [ (4) ] في البر والبحر، لهم ذمة اللَّه وذمة محمد النبي [ (5) ] ، ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن، وأهل البحر، فمن [ (6) ] أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس. وإنه لا يحلّ أن يمنعوا ماء يردونه، ولا طريقا يريدونه، من برّ أو بحر. هذا كتاب جهيم بن الصّلت، وشرحبيل بن حسنة، بإذن رسول اللَّه» . وقال الدولابيّ: أهدى أهل أيلة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم القلقاس فأكله وأعجبه، وقال: ما هذا؟ فقالوا: شحمة الأرض فقال: إن شحمة الأرض لطيّبة! كتابه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أهل جرباء وكتب لأهل جرباء: «هذا كتاب من محمد النبي رسول اللَّه لأهل جرباء [وأذرح] [ (7) ] : أنهم آمنون بأمان اللَّه وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، واللَّه كفيل [عليهم] [ (8) ] » . كتابه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أهل أذرح ونسخة كتاب أذرح [ (9) ] بعد البسملة:   [ (1) ] كفّر: طأطأ رأسه في خضوع وذلة. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] في (خ) «هذا» . [ (4) ] في (خ) «وسارتهم» . [ (5) ] في (خ) «رسول اللَّه» . [ (6) ] في (خ) «ومن» . [ (7) ] زيادة من كتب السيرة. [ (8) ] زيادة من (ابن سعد) . [ (9) ] في (خ) «أدرج» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 «من محمد النبي [رسول اللَّه] [ (1) ] لأهل أذرح: أنهم آمنون بأمان اللَّه وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، واللَّه كفيل عليهم بالنّصح والإحسان للمسلمين، ومن لجأ [إليهم] [ (2) ] من المسلمين من المخافة، والتعزير إذا خشوا على المسلمين وهم [ (3) ] آمنون حتى يحدث إليهم محمد قبل خروجه» [ (4) ] . كتابه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أهل مقنا وكتب لأهل مقنا: أنهم آمنون بأمان اللَّه وأمان محمد، وأن عليهم ربع غزوهم وربع ثمارهم. وكان عبيد بن ياسر بن نمير [ (5) ] . ورجل من جذام قد قدما بتبوك وأسلما، فأعطاهما ربع مقنا مما يخرج من البحر ومن الثمر من نخلها. وربع الغزل [ (6) ] وأعطى عبيد بن ياسر مائة ضفيرة [يعني حلة] [ (7) ] لأنه كان فارسا، والجذاميّ راجلا، ثم قدما مقنا وبها يهود. فكانت تقوم على فرسه، وأعطاها ستين ضفيرة من ضفائر فرسه وأهدي عبيد للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا عتيقا يقال له مراوح، وقال: إنه سابق! فأجرى عليه السلام الخيل بتبوك فسبق الفرس، ثم أعطاه المقداد بن عمرو. تحريم النهبة ومر عليه السلام بتبوك لحاجته، فرأى أناسا مجتمعين على بعير قد نحره رافع ابن مكيث الجهنيّ، وأخذ منه حاجته، وخلّى بين الناس وبينه، فأمر أن يردّ رافع ما أخذ الناس ثم قال: هذه نهبة لا تحلّ! قيل: يا رسول اللَّه! أن صاحبه أذن في أخذه! فقال وإن أذن في أخذه.   [ (1) ] كذا في (خ) وليس في كتب السيرة. [ (2) ] زيادة من (ابن سعد) . [ (3) ] في (خ) «فهم» . [ (4) ] قوله «وهم آمنون حتى يحدث محمد إليهم قبل خروجه، فكأنه جعل الخيار لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في نقض العهد أو تغيير بعض شرائطه إلى أن يخرج من تبوك لعدم الأمن من مكر اليهود وغوائلهم. (مكاتيب الرسول) ص 296. [ (5) ] في الإصابة: (عبيد بن يسر) . [ (6) ] في (خ) «المغزل» [ (7) ] كذا في (خ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 أفضل الصدقة وقال له رجل: أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: ظلّ خباء في سبيل اللَّه، أو خدمة خادم في سبيل اللَّه، أو طروقة فحل [ (1) ] في سبيل اللَّه. وقال بتبوك: اقطعوا قلائد الإبل من الأوتار. قيل: يا رسول اللَّه! فالخيل؟ قال: لا تقلدوها بالأوتار [ (2) ] . الحرس بتبوك وكان قد استعمل على حرسه بتبوك عبّاد بن بشر. وكان يطوف في أصحابه بالعسكر مدّة إقامته عليه السلام. فسمع صوت تكبير من ورائهم في ليلة، فإذا هو سلكان بن سلامة خرج في عشرة على خيولهم يحرسون الحرس. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: رحم اللَّه حرس الحرس في سبيل اللَّه، فلكم قيراط من الأجر على من حرستم من الناس جميعا أو دابة. وفد بني سعد هذيم وقدم من بني سعد هذيم قوم فقالوا: يا رسول اللَّه! إنا قدمنا عليك وتركنا أهلنا على بئر لنا قليل ماؤها وهذا القيظ، ونحن نخاف إن تفرّقنا أن نقتطع، لأن الإسلام لم يفش حولنا، فادع اللَّه لنا في مائنا، فإنا إن روينا به فلا قوم أعز منّا، لا يقربنا أحد مخالف لديننا. فقال: ابغوني حصيّات، فدفع إليه ثلاث حصيات فعركهنّ بيده، ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيّات إلى بئركم فاطرحوا واحدة واحدة وسمّوا اللَّه. فانصرفوا، ففعلوا ذلك فجاشت بئرهم بالرواء [ (3) ] ، ونفوا [ (4) ] من قاربهم من المشركين ووطئوهم. فما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من تبوك حتى أوطئوا من حولهم غلبة. ودانوا بالإسلام.   [ (1) ] طروقة فحل: هي الناقة التي بلغت من السن أن يضربها الفحل للنتاج. [ (2) ] كذا في (خ) ورواية (مسند أحمد) ج 344 «ولا تقلدوا الأوتار» بغير باء التعدية. [ (3) ] الرواء: الكثير. [ (4) ] في (خ) «ولعوا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 الصيد في تبوك واستأذنه رافع بن خديج في الصيد فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن ذهبت فاذهب في عدة من أصحابك، وكونوا على خيل، فإنكم متفرقون من العسكر. فانطلق في عشرة من الأنصار فيهم أبو قتادة- وكان صاحب طرد بالرّمح، وكان رافع راميا- وأتوا بخمسة أحمرة وظباء كثيرة. فأمر عليه السلام رافعا فجعل يعطى القبيلة بأسرها الحمار والظبي حتى فرّق ذلك، وصار لرسول اللَّه ظبي واحد، فطبخه، ودعا أضيافه فأكلوا. آية الطعام يوم تبوك وكان عرباض بن سارية يلزم باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحضر والسفر، فرجع ليلة من حاجته بتبوك- وقد تعشّى عليه السلام ومن معه من أضيافه، وهو يريد أن يدخل قبّته على أمّ سلمة- فلما رأى العرباض سأله عن غيبته فأخبره. ثم جاء جمال بن سراقة وعبد اللَّه بن مغفّل المزني- وهم ثلاثتهم جياع-، فطلب عليه السلام في بيته شيئا يأكله فلم يجده، فنادى بلالا: هل من عشاء لهؤلاء النفر؟ فقال: لا، والّذي بعثك بالحق، لقد نفضنا جربنا وحمتنا [ (1) ] ! قال: انظر، عسى أن تجد شيئا! فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا، فتقع التمرة والتمرتان حتى اجتمع سبع تمرات، فوضعها عليه السلام في صحفة وسمي اللَّه، ثم قال: كلوا باسم اللَّه! فأكلوا، وأحصى عرباض أربعا وخمسين تمرة أكلها يعدها ونواها في يده الأخرى، وأكل كلّ واحد من الآخرين خمسين تمرة، ورفعوا أيديهم، فإذا التمرات السبع [ (2) ] كما هي، فقال: يا بلال، أرفعها في جرابك، فإنه لا يأكل منها أحد حتى نهل شبعا! فبات الثلاثة حول قبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقام يتهجّد على عادته، فلما صلّى بالناس الصّبح جلس بفناء قبته وحوله عشرة من الفقراء، فقال: هل لكم في الغداء؟ فقال عرباض في نفسه: أي غداء؟ فدعا بلال بالتمر فوضع يده عليه في الصّحفة ثم قال: كلوا باسم اللَّه! فأكلوا حتى شبعوا، وإذا التمرات كما هي، فقال عليه السلام لولا أني أستحي من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد   [ (1) ] الجرب والحمت: أسماء أوعية من الجلد. [ (2) ] في (خ) «فإذا السبع الثمرات» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 المدينة من آخرنا! وأخذ التمرات فدفعها إلى غليّم، فولّي الغلام يلوكهنّ. موت ذي البجادين ومات بتبوك عبد اللَّه [بن عبد نهم المزني] [ (1) ] ذو البجادين [ (2) ] ، فنزل صلّى اللَّه عليه وسلّم قبره عشاء وهيأه لشقّه، وقد دلّاه أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما. ثم قال: اللَّهمّ إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه، فقال عبد اللَّه بن مسعود: ياليتني كنت صاحب هذا اللحد. مدة الإقامة بتبوك وأقام عليه السلام بتبوك عشرين ليلة- وقيل بضع عشر ليلة- يصلّى ركعتين. العسرة والجوع وآية النبوة فلما أجمع المسير أرمل الناس [ (3) ] إرمالا شديدا، فشخص على ذلك، حتى استأذنوه أن ينحروا ركابهم فأذن لهم. فلقيهم عمر رضي اللَّه عنه وهم على نحرها، فأمرهم أن يمسكوا، ودخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أذنت للناس في حمولتهم يأكلونها [ (4) ] ؟ فقال: شكوا إليّ ما بلغ منهم من الجوع فأذنت لهم، تنحر الرفقة البعير والبعيرين، ويتعاقبون فيما فضل من ظهر، هم قافلون إلى أهليهم! فقال: يا رسول اللَّه! لا تفعل، فإن يك في الناس فضل من ظهرهم يكن [ (5) ] خيرا، ولكن ادع بفضل أزوادهم، ثم اجمعها فادع اللَّه فيها بالبركة- كما فعلت في منصرفنا من الحديبيّة حيث أرملنا-، فإن اللَّه مستجيب لك. فنادى مناديه: من كان عنده فضل زاد فليأت به. وأمر بالأنطاع فبسطت، فجعل الرجل يأتي بالمدّ الدقيق والسويق أو التمر، أو القبضة من الدقيق والسويق والتمر [ (6) ] ، والكسر، فيوضع كلّ صنف على حدة، وكلّ ذلك قليل. فكان جميع ما جاءوا به من الدقيق والسويق   [ (1) ] زيادة للإيضاح من (ط) . [ (2) ] لقب عبد اللَّه بن نهم. [ (3) ] أرمل الناس: نفد زادهم. [ (4) ] الحمولة من الإبل. التي تحمل الأثقال. [ (5) ] في (خ) «يكون» . [ (6) ] في (خ) «والسمن» وما أثبتناه من (ط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 والتمر. ثلاثة أفرق حزرا [ (1) ] ثم توضّأ وصلّى ركعتين ودعا اللَّه، ونادى مناديه هلمّوا [ (2) ] إلى الطعام خذوا منه حاجتكم! فأقبل الناس فجعل كلّ من جاء بوعاء ملأه، فقال بعضهم: لقد طرحت يومئذ كسرة من خبز وقبضة من تمر، ولقد رأيت الأنطاع تفيض، وجئت بجرابين فملأت أحدهما سويقا والآخر خبزا، وأخذت في ثوبي دقيقا ما كفانا إلى المدينة. فجعل الناس يتزودون حتى نهلوا من آخرهم، حتى كان آخر ذلك أن أخذت الأنطاع ونثر ما عليها، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول وهو واقف: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني عبده ورسوله، وأشهد أنه لا يقولها أحد من حقيقة قلبه إلا وقاه اللَّه حرّ النار. خبر النهي عن الماء وخلاف المنافقين وأقبل قافلا حتى كان بين تبوك وواد يقال له وادي الناقة [ (3) ]- هو وادي المشقّق [ (4) ] ، وكان فيه وشل [ (5) ] يخرج منه في أسفله قدر ما يروي الراكبين والثلاثة- فقال: من سبقنا إلى ذلك الرمل [ (6) ] فلا يستقين منه شيئا حتى نأتي. فسبق إليه أربعة من المنافقين: معتب بن قشير والحارث بن يزيد الطائيّ حليف بني عمرو بن عوف [ (7) ] ، ووديعة بن ثابت، وزيد بن اللصيت، فقال عليه السلام: ألم أنهكم؟! ولعنهم ودعا عليهم ثم نزل فوضع يده في الوشل، ثم مسحه بإصبعه حتى اجتمع منه في كفّه ماء قليل، ثم نضحه به، ثم مسحه بيده، ثم دعا بما شاء اللَّه أن يدعو، فانخرق الماء [ (8) ] . قال معاذ بن جبل: والّذي نفسي بيده، لقد سمعت له من شدة انخراقه مثل الصواعق! فشرب الناس ما شاءوا، وسقوا ما شاءوا، ثم   [ (1) ] في (خ) «أفراق» والفرق: ستة عشر رطلا. [ (2) ] كذا في (خ) ، والأولى: «هلمّ» ، راجع (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) للفيروزآبادي ج 5 ص 431. [ (3) ] يقول محقق (ط) [لم أجد من سمي هذا الوادي «وادي الناقة» في غير هذا الكتاب] . ونقول: راجع الخبر بتمامه في (المغازي) [ج 3 ص 1039] . [ (4) ] في (خ) «القنق» . [ (5) ] الوشل: الجبل أو الصخرة يقطر منه الماء قليلا. [ (6) ] رواية (الواقدي) ص 1039 «إلى ذلك الوشل» . [ (7) ] يقول محقق (ط) : [لم أجد ذكر الحارث بن يزيد هذا] ونقول: [انظر المرجع السابق] . [ (8) ] انخرق الماء: اتسع واندفق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 قال عليه السلام: لئن بقيتم- أو من بقي منكم- لتسمعنّ بهذا الوادي وهو أخصب ممّا [ (1) ] بين يديه وما خلفه، فقال سلمة بن سلامة بن وقش لوديعة بن ثابت: ويلك [ (2) ] ! أبعد ما ترى شيء [ (3) ] ؟ أما تعتبر! فقال: قد كان يفعل مثل هذا قبل هذا. خبر أبي قتادة ثم سار عليه السلام. وعن أبي قتادة قال: بينما نحن في الجيش نسير مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلا- وهو قافل وأنا معه- إذ خفق خفقة [ (4) ] وهو على راحلته فمال على شقّه، فدنوت منه فدعمته [ (5) ] فانتبه، فقال: من هذا؟ قلت: أبو قتادة يا رسول اللَّه، خفت أن تسقط فدعمتك، فقال: حفظك اللَّه كما حفظت رسوله، ثم سار غير كبير ثم فعل مثلها، فأدعمه فانتبه، فقال: يا أبا قتادة، هل لك في التعريس [ (6) ] ؟ فقلت: ما شئت يا رسول اللَّه. التعريس، والنوم عن الصلاة فقال: انظر من خلفك؟ فنظرت فإذا رجلان أو ثلاثة، فقال: ادعهم، فقلت، أجيبوا رسول اللَّه! فجاءوا فعرّسنا، ونحن خمسة برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «ومعي إداوة فيها ماء: فنمنا فما انتبهنا إلا بحرّ الشمس، فقلت: إنا للَّه! فاتنا الصبح! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. لنغيظن الشيطان كما غاظنا! فتوضأ من ماء الإداوة ففضل فضلة، فقال: يا أبا قتادة، احتفظ بما في الإداوة والرّكوة [ (7) ] فإن لهما شأنا، ثم صلّى بنا الفجر بعد طلوع الشمس، فقرأ بالمائدة.   [ (1) ] في (خ) «مما» وهي رواية (الواقدي) . [ (2) ] في (خ) «وتلك» . [ (3) ] في (خ) «شيئا» . [ (4) ] خفق خفقة: نام نومة خفيفة فحرك رأسه من مسّ النوم. [ (5) ] دعمه: أسنده. [ (6) ] التعريس: الاستراحة في السفر مع النوم القليل. [ (7) ] الركوة: إناء صغير من جلد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 ظمأ الجيش بتبوك فلما انصرف من الصلاة قال: أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا. وذلك أنهما أرادا أن ينزلا بالجيش على الماء فأبوا ذلك عليهما [ (1) ] ، فنزلوا على غير ماء بفلاة [ (2) ] من الأرض. فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلحق الجيش عند زوال الشمس- ونحن معه-، وقد كادت تقطع أعناق الرجال والخيل والركاب عطشا. آيات النبوة في الماء بتبوك فدعا بالرّكوة فأفرغ ما في الإداوة فيها، فوضع أصابعه عليها فنبع الماء من بين أصابعه، وأقبل الناس فاستقوا، وفاض الماء حتى تروّوا وأرووا خيلهم وركابهم، وإن كان في العسكر اثنا عشر ألف بعير- ويقال خمسة عشر ألف بعير- والناس ثلاثون ألفا، والخيل عشرة آلاف فرس: وذلك قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي قتادة احتفظ بالركوة والإداوة. وكان في تبوك أربعة أشياء [ (3) ] : فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسير منحدرا إلى المدينة- وهو في قيظ شديد- عطش العسكر بعد المرّتين الأوليين عطشا شديدا، حتى لا يوجد للشّفة ماء قليل ولا كثير، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأرسل أسيد بن حضير- في يوم صائف وهو متلثم- فقال: عسى أن تجد لنا ماء! فخرج أسيد- وهو فيما بين الحجر وتبوك- فجعل يضرب في كل وجه، فيجد راوية من ماء مع امرأة من بلي، فكلّمها وخبّرها خبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: هذا الماء، فانطلق به، فدعا فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبركة، ثم قال: هلمّوا [ (4) ] أسقيتكم! فلم يبق معهم سقاء إلا ملئوه، ثم دعا بركابهم وخيولهم فسقوها حتى نهلت. ويقال إنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بما [ (5) ] جاء به أسيد فصبّه [ (6) ] في قعب عظيم من عساس [ (7) ] أهل البادية، فأدخل فيه يديه وغسل وجهه ويديه ورجليه، ثم صلّى ركعتين، ثم رفع يديه مدا،   [ (1) ] في (خ) «عليل عليهما» . [ (2) ] في (خ) «بقلادة» ، والفلاة: الأرض الواسعة التي لا ماء فيها ولا أنيس. [ (3) ] في (خ) «أشياء» وما أثبتناه من (ط) . [ (4) ] كذا في (خ) «والأولى «هلم» ، فبها نزل القرآن. [ (5) ] في (خ) «بماء» . [ (6) ] في (خ) «وصبه» . [ (7) ] العساس: جمع عسّ: وهو قدح ضخم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 ثم انصرف وإن القعب ليفور فقال للناس [ (1) ] زوّدوا، فاتسع الماء وانبسط للنّاس، حتى يصفّ عليه المائة والمائتان، فأرووا وإن القعب ليجيش بالرواء. ثم راح مبردا مترويا [ (2) ] من الماء. كيد المنافقين بإلقاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الثنية ولما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببعض الطريق مكر به أناس من المنافقين، وائتمروا أن يطرحوه من عقبة، فلما بلغ تلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه فأخبر خبرهم، فقال للناس [ (1) ] : اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي. وسلك صلّى اللَّه عليه وسلّم العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان يسوق خلفه، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسير في العقبة، إذ سمع حسّ القوم قد غشوه فغضب وأمر حذيفة أن يردّهم، فرجع إليهم فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأتي حذيفة فسار به. فلما خرج من العقبة ونزل الناس قال: يا حذيفة، هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول اللَّه، عرفت راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثمين فلم أعرفهم من أجل ظلمة الليل. التقاط ما سقط من المتاع وكانوا قد أنفروا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسقط بعض متاع رحله، فكان [ (3) ] حمزة ابن عمرو الأسلميّ يقول: فنور لي في أصابعي الخمس [ (4) ] ، فأضاءت حتى كنّا نجمع ما سقط، السّوط والحبل وأشباههما، حتى ما بقي من المتاع شيء إلا جمعناه. وكان [حمزة بن عمرو الأسلمي] [ (5) ] قد لحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعقبة. أمر المنافقين فلما أصبح [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (3) ] قال له أسيد بن الحضير: يا رسول اللَّه، ما منعك البارحة من سلوك الوادي، فقد كان أسهل؟ فقال: يا أبا يحي! أتدري   [ (1) ] في (خ) «فقال الناس» . [ (2) ] من الإبراد والرّيّ. [ (3) ] في (خ) «وكان» . [ (4) ] في (خ) «الخمسة» . [ (5) ] زيادة للبيان من (ط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 ما أراد البارحة المنافقون وما همّوا به؟ قالوا: نتبعه في العقبة، فإذا أظلم الليل عليه قطعوا أنساع [ (1) ] راحلتي ونخسوها حتى يطرحوني عن راحلتي؟ مشورة أسيد بن الحضير في قتل المنافقين فقال أسيد: يا رسول اللَّه، فقد اجتمع الناس ونزلوا، فمر كلّ بطن أن يقتل الرجل الّذي همّ بهذا، فيكون الرجل الّذي يقتله من عشيرته، وإن أحببت فنبّئني بهم، فو الّذي بعثك بالحق لا تبرح [ (2) ] حتى آتيك برءوسهم، وإن كانوا في النّبيت [ (3) ] كفيتهم، وأمرت سيد الخزرج فكفاك من ناحيته، فإن مثل هؤلاء لا يتركون يا رسول اللَّه! حتى متى نداهنم، وقد صاروا اليوم في القلة والذلة وضرب الإسلام بجرانه؟! فما تستبقي من هؤلاء؟ قال: يا أسيد إني أكره أن يقول الناس إن محمدا- لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين- وضع يده في قتل أصحابه! فقال: يا رسول اللَّه، وهؤلاء ليسوا بأصحاب! قال: أو ليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا اللَّه؟ قال: بلى، ولا شهادة لهم! قال: أوليس يظهرون أني رسول اللَّه؟ قال بلى، ولا شهادة لهم! قال: فقد نهيت عن قتل أولئك. عدة أهل العقبة أصحاب الكيد وكان أهل العقبة الذين أرادوا ما أرادوا- ثلاثا عشر رجلا، قد سمّاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحذيفة وعمّار. وقيل:. ربعة عشر، وقيل: خمسة عشر، وقيل: اثني عشر وهو الثّبت. وقال ابن قتيبة [ (4) ] إن الذين همّوا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن أبي [ابن سلول] ، وسعد بن أبي سرح: [وهو أبو الّذي كان يكتب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان «غفور   [ (1) ] الأنساع: قال في (النهاية) جمع نسعة، وهي سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره. [ (2) ] في (خ) «وإن أجبت والّذي بعثك بالحق فنبئني بهم فلا تبرح» وهي رواية (الواقدي) وما أثبتناه من (ط) . [ (3) ] النبيت: لقب عمرو بن مالك جد الأوس. [ (4) ] راجع كتاب (المعارف) لابن قتيبة بتحقيق الدكتور ثروت عكاشة. طبعة دار المعارف بمصر ص 343 باب [أسماء المنافقين الذين أرادوا أن يلقوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الثّنية في غزوة تبوك] ، وما بين الأقواس زيادات منه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 رحيم» ، و «عزيز حكيم» ] ، وأبو حاضر الأعرابيّ، والجلاس بن سويد [ابن الصامت] ، ومجمّع بن جارية [ (1) ] ، ومليح التّيمي: [وهو] الّذي سرق طيب الكعبة وارتد [عن الإسلام] وانطلق فلا يدري أين ذهب، وحصين بن نمير: [وهو الّذي أغار على تمر الصدقة فسرقه] ، وطعيمة بن أبيرق، ومرّة بن ربيع، [وكان أبو عامر رأسهم، وله بنوا مسجد الضرار، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة] [ (2) ] . واعترض عليه بأن ابن أبي لم يشهد تبوك، وأن أبا عامر فرّ عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل هذا. أصحاب مسجد الضرار وأقبل صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى نزل بذي أوان: - بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار-، وقد كان جاءه أصحاب مسجد الضرار [ (3) ] ، وهم خمسة: معتّب بن قشير، وثعلبة ابن حاطب، وخذام [ (4) ] بن خالد، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعبد اللَّه بن نبتل ابن الحارث، فقالوا: يا رسول اللَّه، إنّا رسل من خلفنا من أصحابنا، إنا قد بنينا مسجدا لذي القلة والحاجة والليلة المطيرة، والليلة الشاتية، ونحن نحب أن تأتينا فتصلّي فيه! وكان يتجهز إلى تبوك، فقال: إني على جناح سفر وحال شغل-[أو كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] ، لو قدمنا- إن شاء اللَّه- أتيناكم فصلينا بكم فيه. الوحي بخبر المسجد وإرصاده لأبي عامر الفاسق فلما نزل بذي أوان أتاه [ (6) ] خبر المسجد [ (7) ] وخبر أهله من السماء، وكانوا إنما بنوه [يريدون ببنائه السّوأى، ضرارا لمسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكفرا باللَّه، وتفريقا بين المؤمنين، وإرصادا لأبي عامر الفاسق] [ (8) ] ، قالوا بينهم: يأتينا أبو عامر فيتحدث عندنا فيه، فإنّه يقول: لا أستطيع أن آتي مسجد بني عمرو بن عوف،   [ (1) ] في (خ) «محمد بن جارية» ، وفي (ابن قتيبة) «مجمّع بن حارثة» . [ (2) ] في (خ) «مكان ما بين القوسين «وأبو عامر» . [ (3) ] ويسمى أيضا مسجد الشقاق. [ (4) ] في (خ) «خدام» . [ (5) ] زيادة من كتب السيرة. [ (6) ] في (خ) «أتاه أتاه» مكررة. [ (7) ] في (خ) «أتاه خبره» وما أثبتناه من (ط) أبين للسياق. [ (8) ] زيادة للسياق من (تفسير الطبري) عند الآية 107/ التوبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 إنما أصحاب محمد يلحظوننا بأبصارهم. يقول اللَّه تعالى: وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني أبا عامر. هدم المسجد وتحريقه فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عاصم بن عديّ العجلانيّ، ومالك بن الدّخشم السّالميّ، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه ثم حرّقاه فخرجا سريعين- على أقدامهما- حتى أتيا مسجد بني سالم [بن عوف، وهم رهط مالك ابن الدخشم] [ (1) ] ، فقال مالك لعاصم: انظرني [ (2) ] حتى أخرج [ (3) ] إليك بنار من أهلي فدخل إلى [ (4) ] أهله فأخذ سعفا من النخيل وأشعل فيه نارا، ثم خرجا يعدوان حتى انتهيا إليهم بين المغرب والعشاء وهم فيه، وإمامهم مجمّع بن جارية، فأحرقاه، - وثبت من بينهم زيد بن جارية بن عامر حتى احترقت أليته [ (5) ]-، وهدماه حتى وضعاه بالأرض. هجران أرض المسجد وشؤم أخشابه فلما قدم صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة عرض على عاصم بن عدي المسجد يتخذه دارا، فقال: ما كنت لأتخذ مسجدا قد نزل فيه ما نزل دارا! فأعطاه ثابت بن أقرم [ (6) ] وأخذ أبو لبابة بن عبد المنذر خشبا من مسجد الضّرار- كان قد أعانهم به، وكان غير مغموص عليه في النّفاق- فبني به منزلا له، فلم يولد له في ذلك البيت مولود، ولم يقف فيه حمام، ولم تحضن فيه دجاجة قط. عدة من بني مسجد الضرار وكان الذين بنوا مسجد الضرار اثني عشر [ (7) ] رجلا: جارية بن عامر بن   [ (1) ] زيادة من ابن هشام. [ (2) ] أنطرني: انتظرني. [ (3) ] في (خ) «حتى أخرج حتى أخرج» مكررة. [ (4) ] في (خ) «فدخل على أهله» و «إلى أهله» حق المعنى. [ (5) ] الألية: العجيزة. [ (6) ] في (خ) «أقدم» . [ (7) ] في (خ) «اثنا عشرة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 مجمّع [ (1) ] بن العطاف- وهو حمار الدار-، وابناه [ (2) ] مجمّع بن جارية، [ويزيد ابن جارية] [ (3) ] ، ووديعة بن ثابت، وعبد اللَّه بن نبتل [ (4) ] ونجاد بن عثمان، وأبو حبيبة بن الأزعر، ومعتّب بن قشير، وعباد بن حنيف وثعلبة بن حاطب من بني أمية بن زيد، وخزام بن خالد من بني أحد بني مرو بن عوف، بني أميّة بن زيد، وخزام [ (5) ] بن خالد من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف، [ويخرج من بني ضبيهة] [ (6) ] . من خبر المنافقين أصحاب المسجد وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: زمام خير من خزام، وسوط خير من نجاد: وكان عبد اللَّه بن نبتل يستمع حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم يأتي به المنافقين، فقال جبريل: يا محمد! إن رجلا من المنافقين يأتيك فيستمع حديثك، ثم يذهب به إلى المنافقين، فقال: أيهم [ (7) ] هو؟ قال: الرجل الأسود ذو الشعر الكثير، الأحمر العينين، كأنهما قدران من صفر، كبده كبد حمار وينظر بعين شيطان. ما نزل فيهم من القرآن وفيهم نزل قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [ (8) ] . وأرادوا ببنائه: أنهم كان يجتمعون في المسجد فيتناجون فيما بينهم، ويلتفت   [ (1) ] في (خ) «جارية بن عمرو بن العطاف» وما أثبتناه هو ما اتفقت عليه كتب التراجم والسير. [ (2) ] في (خ) «وابنه» ، والمثنى أولى. [ (3) ] زيادة من (ابن هشام) ج 4. [ (4) ] في (ابن هشام) ج 4 «ونبتل بن الحارث من ضبيعة» ولم يذكر «عبد اللَّه بن نبتل» . [ (5) ] في (خ) «خدام» . [ (6) ] زيادة من (ابن هشام) ج 4، وبها تتم عدة من بنى مسجد الضرار. [ (7) ] في (خ) «إنهم» . [ (8) ] الآيتان 107، 108/ التوبة وفي (خ) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً، إلى قوله تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 بعضهم إلى بعض، فيلحظهم المسلمون بأبصارهم، فشق ذلك عليهم، وأرادوا مسجدا يكونون فيه لا يغشاهم فيه إلا من يريدون ممن هو على قبل رأيهم. وكان أبو عامر يقول: لا أقدر أن أدخل مربدكم هذا [ (1) ] ! وذلك أنّ أصحاب محمد يلحظوني وينالون مني ما أكره. فقالوا: نحن نبني مسجدا تتحدّث فيه عندنا. المتخلفون عن تبوك [وقد كان تخلف عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رهط من المنافقين، وتخلف أولئك الرّهط الثلاثة المسلمين من غير شك ولا نفاق: كعب بن مالك الأنصاريّ السّلميّ، ومرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أميّة الواقفيّ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تكلمنّ أحدا من هؤلاء الثلاثة! فاعتزل المسلمون كلام أولئك النّفر الثلاثة] [ (2) ] . وأجمع كعب بن مالك أن يصدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. مقدمة إلى المدينة ودعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقدم صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة في رمضان، فقال: الحمد للَّه على ما رزقنا في سفرنا هذا من أجر وحسبة ومن بعدنا شركاؤنا فيه. فقالت عائشة رضي اللَّه عنها. أصابكم العسر [ (3) ] وشدّة السّفر، ومن بعدكم شركاؤكم فيه؟ فقال: إن بالمدينة لأقواما ما سرنا من مسير، ولا هبطنا واديا إلا كانوا معنا، حبسهم المرض، أو ليس اللَّه يقول في كتابه وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً [ (4) ] ؟ فحن غزاتهم وهم قعدتنا [ (5) ] ، والّذي نفسي بيده، لدعاؤهم أنفذ في عدونا من سلاحنا!!. دخول المسجد والنهي عن كلام المتخلفين ولما قدم بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فجاء المخلفون   [ (1) ] المربد: فناء وراء البيت، ربما حبست فيه الغنم فبناه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مسجدا، ولكن عدو اللَّه الفاسق كان يسمى المسجد باسم ما كان عليه أولا. [ (2) ] ما بين القوسين ساقط في (خ) وأثبتناه من (ابن هشام) ج 4 ص 129. [ (3) ] في (خ) «أصابكم السفر» وهي رواية (الواقدي) عن عائشة. انظر (المغازي) ج 3 ص 1056، وما أثبتناه من (ط) . [ (4) ] من الآية 122/ التوبة. [ (5) ] القعدة: جمع قاعد، وهو الّذي قعد عن الغزو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 فجعلوا يعتذرون إليه ويحلفون له، - وكانوا بضعة وثمانين رجلا-، فقبل منهم علانيتهم وأيمانهم. وقيل: بل خرج [ (1) ] عامّة المنافقين إليه بذي أوان، فقال: لا تكلموا أحدا ممن تخلف عنا، ولا تجالسوه حتى آذن لكم، فلم يكلموهم. المعذرون وقبول أعذارهم فلما قدم المدينة جاءه المعذرون يحلفون له، فأعرض عنهم وأعرض المؤمنون، حتى إن الرجل ليعرض عن أبيه وأخيه وعمه، فجعلوا يأتون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويعتذرون بالحمّى والأسقام، فيرحمهم ويقبل علانيتهم وأيمانهم، وحلفوا فصدّقهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى اللَّه. خبر كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين خلّفوا وجاء كعب بن مالك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس في المسجد، فلما سلّم عليه تبسّم تبسم المغضب ثم قال: تعال! فجاء حتى جلس بين يديه، فقال: ما خلفك؟ ألم تكن ابتعت ظهرك [ (2) ] ؟ فقال: بلى يا رسول اللَّه، واللَّه لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلا، ولكن واللَّه لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثا كاذبا لترضي عني، ليوشكنّ اللَّه أن يسخط عليّ، ولئن حدثتك اليوم حديثا صادقا تجد على [ (3) ] فيه، إنّي لأرجو عقبى اللَّه فيه. لا واللَّه ما كان لي عذر! واللَّه ما كنت أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك! فقال عليه السلام: أمّا أنت فقد صدقت! فقم حتى يقضى اللَّه فيك. فقام ومعه رجال من بني سلمة، فقالوا له: واللَّه ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا! ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت بما اعتذر به المخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول اللَّه لك. حتى كاد أن يرجع فيكذّب نفسه، فلقيه معاذ بن جبل وأبو قتادة [ (4) ] ، فقالا لي: لا تطع أصحابك وأقم على الصدق، فإن اللَّه سيجعل لك فرجا ومخرجا إن شاء اللَّه تعالى، فأما هؤلاء المعذرون، فإن كانوا صادقين   [ (1) ] في (خ) «بلخرج» . [ (2) ] الظهر: الركاب التي تحمل الأثقال. [ (3) ] تجد علي: تغضب علي. [ (4) ] في (خ) «وأبا قتادة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 فسيرى اللَّه ذلك ويعلم نبيه، وإن كانوا غير ذلك يذمهم أقبح الذم ويكذّب حديثهم فقال لهم: هل أتى هذا (أحد) [ (1) ] غيري؟ قالا: نعم! رجلان قالا مثل مقالتك، وقيل لهما مثل ما قيل لك! قال: من هما؟ قالا: مرارة بن ربيع العمري و هلال بن أمية الواقفيّ. النهي عن كلام الثلاثة وتمام أخبارهم ونهي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن كلام الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبهم الناس وتغيّروا لهم، حتى تنكّرت لهم أنفسهم، فلبثوا على ذلك خمسين ليلة. وقد قعد مرارة وهلال في بيوتهما، وكان كعب يخرج فيشهد الصلوات مع المسلمين ويطوف بالأسواق فلا يكلّمه أحد. ويأتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وهو في مجلسه بعد الصلوات- فيسلم عليه ويصلى قريبا منه يسارقه النظر وهو معرض عنه. وتسوّر يوما جدار حائط أبي قتادة- وهو ابن عمه وأحبّ الناس إليه- فسلم عليه فلم يردّ عليه السلام، فقال: يا أبا قتادة! أنشدك اللَّه! هل تعلمني أحبّ اللَّه ورسوله؟ فسكت، وكرر ذلك فقال في الثالثة: اللَّه ورسوله أعلم! ففاضت عيناه وانصرف: فلما مضت أربعون ليلة بعث إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وإلى هلال ابن أمية ومرارة بن ربيع- مع خزيمة بن ثابت يأمرهم أن يعتزلوا نساءهم، فقال كعب لأمرأته: ألحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي اللَّه في هذا الأمر ما هو قاض!! هلال بن أمية وبكي هلال بن أمية وامتنع عن الطعام وواصل اليومين والثلاثة ما يذوق طعاما، إلا أن يشرب الشّربة من الماء أو الضّيح [ (2) ] من اللبن، ويصلّى الليل ولم يخرج من بيته لأن أحدا لا يكلمه، حتى إن الولدان يهجرونه لطاعة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وجاءت امرأته فقالت: يا رسول اللَّه، إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع لا خادم له، وأنا أرفق به من غيري، فإن رأيت أن تدعني أخدمه فعلت! قال:   [ (1) ] زيادة من (ابن هشام) ج 4. [ (2) ] في (خ) «النصيح» ، والضيح: اللبن يصب عليه الماء حتى برق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 نعم، ولكن لا تدعيه يصل إليك، فقالت: يا رسول اللَّه، ما به من حركة إليّ! واللَّه ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. وإن لحيته لتقطر دموعا الليل والنهار ولقد ظهر البياض على عينيه حتى تخوّفت أن يذهب بصره. التوبة على الثلاثة وما نزل من القرآن فلما كملت خمسون ليلة- وهم كما قال اللَّه تعالي: حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ- أنزل اللَّه توبتهم بقوله تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [ (1) ] . فأعلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك عند الصّبح. فخرج أبو بكر رضي اللَّه عنه فأوفي على سلع [ (2) ] فصاح: قد تاب اللَّه على كعب بن مالك! يبشره. فأتاه حمزة بن عمرو فبشره، فنزع ثوبيه وكساهما إياه، ولا يملك غيرهما، واستعار ثوبين من أبي قتادة فلبسهما، ثم انطلق إلى رسول اللَّه والناس يهنئونه، وخرج أبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل إلى هلال يبشره فلما أخبره سجد ولقيه الناس يهنئونه، فما استطاع المشي- لما أصابه من الضعف والحزن والبكاء- حتى ركب حمارا. وبشّر مرارة بن ربيع بن سلكان بن سلامة بن وقش، فأقبل حتى توافدوا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. انخلاع كعب من ماله فقام طلحة بن عبيد اللَّه يتلقى كعب بن مالك. فلمّا سلّم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له- ووجهه يبرق من السرور-: أبشر بخير يوم مر عليك منذر ولدتك أمّك! فقال: أمن عندك يا رسول اللَّه أو من عند اللَّه؟ قال: من عند اللَّه، وتلا   [ (1) ] الآيات 117- 119/ التوبة، وفي (خ) «الأنصار» الآيات. [ (2) ] سلع: جبل بسوق المدينة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 عليه الآيات [ (1) ] فقال كعب: يا رسول اللَّه، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة! فقال: أمسك عليك [بعض] [ (2) ] مالك فهو خير لك. قال: فالثلثان؟ قال: لا، قال: فالنصف [ (3) ] ؟ قال: لا، قال: فالثلث [ (4) ] ؟ قال: نعم. ما نزل في المعذرين الكاذبين ونزل في الذين كذبوا قوله تعالى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [ (5) ] . توهم المسلمين انقطاع الجهاد وجعل المسلمون يبيعون أسلحتهم ويقولون. قد انقطع الجهاد! فجعل أهل القوى منهم يشتريها لفضل قوّته، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنهاهم عن ذلك وقال: لا تزال [ (6) ] عصابة من أمتي ظاهرين يجاهدون على الحق حتى يخرج الدجّال. ما نزل من القرآن في تبوك وأنزل اللَّه في غزوة تبوك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [ (7) ] : الآيات من سورة «براءة» [ (8) ] . وكشفت «براءة» منهم ما كان مستورا، وأبدت أضغانهم ونفاق من نافق منهم.   [ (1) ] أي الآيات 117- 119/ التوبة. [ (2) ] زيادة لا بد منها من (ابن هشام) ج 4. [ (3) ] في (خ) «بالنصف» . [ (4) ] في (خ) «بالثلث» . [ (5) ] الآيتان 95- 96/ التوبة، وفي (خ) . [ (6) ] في (خ) «لا تزل» . [ (7) ] الآية 38/ التوبة، وفي (خ) إلى قوله تعالى: إِلَى الْأَرْضِ. [ (8) ] براءة: اسم من أسماء سورة التوبة، وأكثرها نزل في تبوك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 وفد ثقيف وإسلام عروة بن معتب وفي شهر رمضان هذا قدم وفد ثقيف. وكان عروة بن مسعود بن معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد ابن عوف بن ثقيف الثّقفي- حين حاصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل الطائف- بجرش، ثم رجع بعد منصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقذف اللَّه في قلبه الإسلام. فقدم المدينة بعد رجوع أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما من الحج، فيما ذكر عروة بن الزبير وموسى بن عقبة وقيل: بل لحق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين مكة والمدينة فأسلم، وهو قول ابن إسحاق. دعاؤه ثقيف ثم إنه [ (1) ] أراد أن يرجع إلى ثقيف فيدعوهم إلى الإسلام، فقال له عليه السلام، إنهم إذا قاتلوك، قال: لأنا أحبّ إليهم من أبكار أولادهم! ثم استأذنه الثانية، ثم الثالثة، فقال: إن شئت فاخرج] [ (2) ] ، وعاد إلى الطائف عشاء، فدخل منزله ولم يأت الرّبة [ (3) ] ، فأنكر قومه ذلك، وأتوه منزله، فدعاهم إلى الإسلام فاتهموه وآذوه، وخرجوا يأتمرون ما يصنعون به. حتى إذا طلع الفجر أو في على غرفة فأذّن بالصلاة، فرماه وهب بن جابر- ويقال: أوس بن عوف من بني مالك- فأصاب أكحله فلم يرفأ دمه، ومات، فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتله قال: مثل عروة مثل صاحب ياسين [ (4) ] ، دعا قومه إلى اللَّه تعالى فقتلوه! ولحق ابنه أبو مليح وابن أخيه قارب بن الأسود برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلما، ونزلا على المغيرة بن شعبة. مشورة ثقيف عمرو بن أمية وكان عمرو بن أمية- أحد بني علاج- من أدهى العرب، وكان مهاجرا   [ (1) ] في (خ) «وإنه» . [ (2) ] ما بين القوسين زيادة من كتب السيرة. [ (3) ] الربة: صخرة تعبدها ثقيف بالطائف. [ (4) ] هو الّذي يقول اللَّه فيه وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، الآيات من 20- 30 سورة يس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 لعبد ياليل بن عمرو، فمشى إليه ظهرا حتى دخل داره. [ثم أرسل إليه: إن عمرو ابن أمية يقول لك: أخرج إليّ! فقال عبد ياليل للرسول: ويلك! أعمرو أرسلك إليّ! قال: نعم، وها هو ذا واقفا في دارك! فقال: إن هذا شيء ما كنت أظنّه، لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك!] [ (1) ] فخرج إليه، فدعاه إلى الدخول في الإسلام، [وقال له: إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة! إنه قد كان من أمر هذا الرجل ما قد رأيت، وقد أسلمت العرب كلها، وليست لكم بحربهم طاقة، فانظروا في أمركم!] [ (1) ] فقال [عبد ياليل] [ (1) ] : واللَّه قد رأيت ما رأيت، فائتمرت ثقيف فيمن يرسلونه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وفد ثقيف والأحلاف حتى أجمعوا على أن يبعثوا عبد ياليل بن عمرو بن عمير ورجلين [معه] [ (2) ] من الأحلاف، وثلاثة من بني مالك، فبعثوا عبد ياليل [ومعه] الحكم بن عمرو ابن وهب بن معتّب، وشرحبيل بن غيلان بن سلمة- وهما من الأحلاف رهط عروة بن مسعود-، وبعثوا من بني مالك: عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد ابن دهمان أخا بني يسار، وأوس بن عوف، ونمير بن خرشة بن ربيعة، ستة نفر، ويقال إن الوفد قد كانوا بضعة عشر رجلا فيهم: سفيان بن عبد اللَّه، والحكم ابن عمرو بن وهب. مقدم الوفد إلى المدينة فخرجوا- ورأسهم عبد ياليل- حتى قاربوا المدينة فإذا المغيرة بن شعبة يرعي في نوبته ركاب أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وكانت رعيتها نوبا على أصحابه- فسلّم عليهم وترك الرّكاب عندهم، وخرج يشتدّ يبشر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقدومهم، فبشره ثم عاد إليهم. فأتوا إلى المسجد فقال الناس: يا رسول اللَّه! يدخلون المسجد وهم مشركون! فقال: إن الأرض لا ينجسها شيء.   [ (1) ] زيادات من (ابن سعد) ، و (ابن هشام) . [ (2) ] زيادة للسياق من (ط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 ضيافة الوفد ثم أنزل المغيرة في داره، وأمر لهم عليه السلام بخيمات ثلاث من حرير فضربن في المسجد. فكانوا يستمعون القراءة بالليل وتهجّد الصحابة، وينظرون صفوفهم في الصلوات المكتوبات، ويرجعون إلى منزل المغيرة فيطعمون ويتوضءون. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يجري لهم الضيافة في دار المغيرة فكانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى يأكل منه خالد بن سعيد بن العاص، فإنه كان يمشي بينهم وبين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أسلموا. بعض اعتراضهم وكانوا يسمعون خطبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا يسمعونه يذكر نفسه فقالوا: يأمرنا نشهد أنه رسول اللَّه، ولا يشهد به في خطبته! فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قولهم قال: أنا أول من شهد أنّي رسول اللَّه، ثم قام فخطب، وشهد أنه رسول اللَّه في خطبته. إسلام عثمان بن أبي العاص فمكثوا أياما يغدون على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويخلفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم- وكان أصغرهم- فكانوا إذا رجعوا وناموا بالهاجرة، خرج فعمد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسأله عن الدين، فاستقرأه القرآن وأسلم سرا وفقه وقرأ من القرآن سورا. جدال الوفد في الزنا والربا والخمر هذا ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو الوفد إلى الإسلام، فقال له عبد ياليل: هل أنت مقاضينا [ (1) ] حتى نرجع إلى قومنا، فقال إن أنتم أقررتم بالإسلام قاضيتكم، وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم. فقال عبد ياليل: أرأيت الزنا! فإنا قوم عزّاب [ (2) ] لا بد لنا منه، ولا يصبر أحدنا على العزبة [ (3) ] ! قال: هو مما حرّم اللَّه، قال:   [ (1) ] قاضي مقاضاة: جعل بينه وبينه قضاء محكما. [ (2) ] في (خ) «عذاب» . [ (3) ] في (خ) «العدبة» ، والعزبة والعزوبة بمعنى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 أرأيت الربا! قال: الربا حرام! قال فإن أموالنا كلها ربا! قال: لكم رءوس أموالكم، قال: أفرأيت الخمر! فإنّها عصير أعنابنا ولا بد لنا منها! قال: فإن اللَّه حرّمها. فخلا بعضهم ببعض، وقال عبد ياليل: ويحكم! نرجع إلى قومنا بتحريم هذه الخصال!! لا تصبر ثقيف عن الخمر ولا عن الزنا أبدا. كتاب الصلح ومشى خالد بن سعيد بن العاص بينهم وبين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى كتبوا الكتاب- وكتبه خالد- وأسلموا، وتعلموا فرائض الإسلام وشرائعه، وصاموا بقية شهر رمضان. فأمّر عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عثمان بن أبي العاص، وهو أصغرهم، وقال له: اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا: وخرجوا إلى الطائف. هدم ربّة ثقيف وسار في إثرهم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدم الربة صنمهم، فدخل القوم الطائف، وكانت لهم مع قومهم أنباء حتى أسلموا. ودخل المغيرة في بضعة عشر رجلا فهدموا الرّبّة، وانتزع كسوتها وما فيها من طيب وذهب وفضة. فأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ممّا وجد فيه أبا مليح بن عروة، وقارب بن الأسود، وناسا: وجعل في سبيل اللَّه وفي السّلاح منها. ثم كتب لثقيف بعد البسملة: كتابه صلّى اللَّه عليه وسلّم لثقيف «من محمد النبي رسول اللَّه [ (1) ] ، [هذا كتاب من النبي رسول اللَّه] [ (2) ] ، إلى المؤمنين: إن عضاه وج وصيده لا يعضد [ (3) ] ، ومن وجد يفعل [شيئا] [ (4) ] من ذلك يجلد وتنزع ثيابه، فإن تعدى [ذلك] [ (4) ] فإنه يؤخذ فيبلغ [به] [ (4) ] النبيّ محمد، وإن [ (5) ] هذا أمر النبي محمد رسول اللَّه. وكتب خالد بن سعيد بأمر النبيّ   [ (1) ] في (خ) «ورسول اللَّه» ، وما أثبتناه نص (ابن هشام) ج 4. [ (2) ] هذا الكتاب، أعاد المؤلف صياغته من روايات مختلفة وكلها صحيحة إلا أنه نسي التنبيه على اختلاف الرواية. [ (3) ] في (خ) «عضاة» . [ (4) ] زيادات من (ابن هشام) ج 4. [ (5) ] في (خ) «فإن» وهذا نص (ابن هشام) ج 4. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 محمد بن عبد اللَّه، فلا يتعده أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول اللَّه. حمي وج ونهي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن قطع عضاه [ (1) ] وجّ وعن صيده، فكان الرجل يؤخذ بفعل ذلك، فتنزع ثيابه. واستعمل على حمى وجّ سعد بن أبي وقّاص رضي اللَّه عنه. إسلام كعب بن زهير وفي هذه السنة كان إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزنيّ من، مزينة بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر: وذلك أنه خرج هو وأخوه بجير إلى أبرق العراق، فتركه بجير في غنمه وقدم المدينة فأسلم، فقال كعب شعرا غضب منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهدر دمه. فكتب إليه بجير بعد عودة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الطائف، وقال له: النّجاء النّجاء!! وما أراك أن تفلت، ثم كتب إليه يدعوه إلى الإسلام فأسلم، وقدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وأنشده: «بانت سعاد فقلبي اليوم متبول» . .. القصيد. خبره وخبر البردة فكساه بردة كانت عليه. وقيل: أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتله لأنه كان يشبّب بأمّ هانئ بنت أبي طالب، وذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة منصرفا عن الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب، فذكر الحديث. وقيل: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأي زهيرا وله مائة سنة فقال: اللَّهمّ أعذني من شيطانه! فما لاك بيتا حتى مات. وقال ابن قتيبة [ (2) ] : أعطي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كعب بن زهير راحلة وبردا، فباع البرد من معاوية [ (3) ] بعشرين ألفا، فهو عند الخلفاء إلى اليوم.   [ (1) ] في (خ) «عضاة» . [ (2) ] في كتاب (الشعر والشعراء) ج 1 ص 162 طبعة ثالثة بتحقيق أحمد محمد شاكر سنة 1977. [ (3) ] في (خ) «معونة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 الوفود ولما أسلمت ثقيف ضربت إليه وفود العرب من كل وجه لمعرفتهم أنهم لا طاقة لهم بحرب رسول اللَّه ولا عداوته، فدخلوا في دين اللَّه أفواجا. وفد بني أسد: فقدم وفد بني أسد وقالوا: أتيناك قبل أن ترسل إلينا!! فأنزل اللَّه: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ (1) ] : كتب ملوك حمير: وقدمت كتب [ملوك] [ (2) ] حمير [ورسوله إليه بإسلامهم] [ (3) ] : الحارث بن عبد كلال [ونعيم بن عبد كلال] [ (2) ] ، والنعمان قيل ذي رعين، [ومعافر] [ (3) ] وهمدان، أقرّوا بالإسلام. وفد بهراء: وقدم وفد بهراء، فنزلوا على المقداد بن عمرو [البهرانيّ] [ (4) ] . وفود أخر: وقدم وفد بني البكاء، ووفد فزارة وفيهم خارجة بن حصين، ووفد ثعلبة، ووفد سعد بن بكر ووافدهم ضمام بن ثعلبة، ووفد الداريين من لخم وهم   [ (1) ] آية 17/ الحجرات، وفي (خ) ، أَنْ أَسْلَمُوا، الآية. [ (2) ] زيادة من ابن هشام. [ (3) ] زيادة من ابن هشام، وفي (خ) «وقدمت كتب حمير مع الحارث بن عبد كلال» وهذا خطأ، فإن كلا من الحارث والنعمان لم يفدا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بل هو الّذي كتب إليهما، وهذا هو نص كتابه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهما «بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من محمد النبي رسول اللَّه إلى الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين، وهمدان ومعافر، أما بعد ذلكم فإنّي أحمد إليكم اللَّه الّذي لا إله إلا هو، أما بعد فإنه قد وقع بنا رسولكم مقفلنا من أرض الروم فلقينا بالمدينة، فبلغ ما أرسلتم وخبر ما قبلتم وأنبأنا بإسلامكم، وقتلكم المشركين، وإن اللَّه قد هداكم بهدايته إن أصلحتهم وأطعتم اللَّه ورسوله، وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغانم خمس اللَّه وسهم نبيه وصفيه. (راجع مكاتيب الرسول) ص 187. (وتاريخ الطبري) ج 3 ص 120، 121. [ (4) ] زيادة للإيضاح من (ط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 عشرة [ (1) ] . موت عبد اللَّه بن أبيّ ومرض عبد اللَّه بن أبيّ في ليال من شوّال، ومات في ذي القعدة وكان مرضه عشرين يوما، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوده فيها، فلما دخل عليه وهو يجود بنفسه قال له: نهيتك عن حبّ يهود! فقال: قد أبغضهم أسعد بن زرارة، فما نفعه؟: ثم قال: يا رسول اللَّه، ليس بحين عتاب، هو الموت! فإن مت فاحضر غسلي، وأعطني قميصك أكفن فيه فأعطاه قميصه الأعلى- وكان عليه قميصان-، فقال: الّذي يلي جلدك! فنزع قميصه الّذي يلي جلده فأعطاه ثم قال صلّ عليّ واستغفر لي. حضور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويروي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جاء بعد موته إلى قبره، فأمر به فأخرج، فكشف عن وجهه، ونفث عليه من ريقه وأسنده إلى ركبتيه، وألبسه قميصه الّذي يلي جلده: قال الواقدي [ (2) ] : والأول أثبت أنه حضر غسله وكفّنه. الصلاة عليه واعتراض عمر في ذلك ثم حمل إلى موضع الجنائز، فتقدم صلّى اللَّه عليه وسلّم ليصلي عليه، فلما قام وثب إليه عمر ابن الخطاب رضي اللَّه عنه فقال: يا رسول اللَّه، تصلي على ابن أبي؟ فإنه قال يوم كذا وكذا [ (3) ] ، ويوم كذا وكذا، فعدّ عليه قوله: فتبسم وقال: أخّر عني يا عمر، فإنّي خيرت فاخترت، [وقد قيل لي: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ] [ (4) ] ولو [ (5) ] أعلم أني إن زدت [ (6) ] على السبعين غفر له زدت عليه!! فصلّى عليه وأطال الوقوف.   [ (1) ] في (خ) «ووفد الدواس من لخم وهم عشيرة» وما أثبتناه من (الطبري) ج 3 ص 122. [ (2) ] (المغازي) ج 3 ص 1057. [ (3) ] في (خ) «يوم كذا وكذا» وما أثبتناه من (الواقدي) . [ (4) ] من الآية 80/ التوبة، وما بين القوسين زيادة للسياق من (ابن هشام) ج 4. [ (5) ] في (ط) «فلو أعلم» وما أثبتناه من (خ) و (الواقدي) . [ (6) ] في (ط) «إن زدت» وفي (خ) و (الواقدي) «إذا زدت» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 ما نزل من القرآن في المنافقين ونزل قوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ* وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ* وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ* رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [ (1) ] فعرف عليه السلام في هذه الآية المنافقين فكان من مات منهم لم يصلّ عليه. دفن عبد اللَّه واجتماع المنافقين ثم حمل ابن أبيّ إلى قبره، وقد غلب عليه المنافقون كسعد بن حنيف، وزيد ابن الصليت وسلامة [ (2) ] بن الحمام [ (3) ] ونعمان بن أبي عامر [ (4) ] ، ورافع ابن حرملة [ (5) ] ، ومالك بن أبي نوفل [ (6) ] ، وداعس، وسويد، وهؤلاء أخابث المنافقين. وهم الذين كانوا يمرّضونه، وكان يقول: لا يليني غيرهم، ويقول لهم: أنتم واللَّه أحب إليّ من الماء على الظمأ! ويقولون: ليت إنا نفديك بالأنفس والأموال والأولاد! فلما وقعوا على حفرته- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقف يلحظهم- ازدحموا على النزول في حفرته، وارتفعت الأصوات، حتى أصيب أنف داعس وسال الدم، وكان يريد أن ينزل فنحّي، وجعل عبادة بن الصامت رضي اللَّه عنه يذبهم ويقول: اخفضوا أصواتكم عند رسول اللَّه، ونزل حفرته رجال من قومه أهل فضل وإسلام، وهم: ابنه [عبد اللَّه] [ (7) ] وسعد بن عبادة، وعبادة بن الصامت، وأوس ابن خولي حتى بنوا عليه. ودلاه عليهم [ (8) ] الصحابة وأكابر الأوس والخزرج، وهم قيام مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ودلاه عليه السلام بيديه إليهم، ثم قام على القبر حتى دفن،   [ (1) ] الآيات 84- 87/ التوبة، وفي (خ) «علي قبره الآيتان» . [ (2) ] يقول محقق (ط) «ولم أجد له خبرا ولا ذكرا» ، ونقول: «الخبر بتمامه في (المغازي للواقدي) ج 3 ص 1058، 1059 ومنه صوبنا بعض الأسماء والأنساب» . [ (3) ] في (ط) «سلالة» . [ (4) ] في (ط) «ونعمان بن أوفى بن عمرو» . [ (5) ] في (ط) «حريملة» . [ (6) ] في (ط) «قوقل» . [ (7) ] زيادة من (ط) . [ (8) ] في (خ) «عليه» وما أثبتناه من (ط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 وعزّى ابنه وانصرف. وحثا المنافقون عليه تراب قبره وهم يقولون: يا ليت أنا فديناك بالأنفس وكنا قبلك، وحثوا على رءوسهم التّراب. ابنته وحزنها ولم تتخلف امرأة من الأوس والخزرج حتى أتت ابنته جميلة بنت عبد اللَّه ابن أبي، وهي تقول: وا جبلاه! وا ركناه! وا أبتاه! وما ينهاها أحد ولا يعيب عليها. حج أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه ثم كانت حجة أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه سنة تسع [ (1) ] . وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- قبل أن ينزل عليه سورة براءة- قد عاهد ناسا من المشركين عهدا، فلبث بعد مرجعه من تبوك أربعة أشهر وحضر الحجّ، فكره أن يخرج ذلك العام حتى ينبذ [ (2) ] إلى كلّ من عهد إليه من المشركين عهده. حج المشركين وكانوا يحجون مع المسلمون، فإذا قال المسلمون «لبيك لا شريك لك» ، عارضهم المشركون بقولهم [لبيك] [ (3) ] «لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك» ، عالية أصواتهم ليغلّطوهم بذلك، ويطوف رجال منهم عراة، ليس على أحد منهم ثوب، يعظمون بذلك الحرمة [ (4) ] ، ويقول أحدهم: أطوف بالبيت كما ولدتني أمي ليس عليّ شيء من الدنيا خالطة الظلم. الخروج إلى الحج فكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يحج ذلك العام، فاستعمل أبا بكر على الحج، [وكتب له بنفس الحج، لأنه اشتكى أنه لا علم له بالقضاء] [ (5) ] . فخرج في   [ (1) ] في (خ) «سنة سبع» وهو خطأ. [ (2) ] نبذ العهد: نقضه. [ (3) ] زيادة للسياق من (ط) . [ (4) ] حرمة البيت الحرام. [ (5) ] كذا في (خ) ، وليس لهذه العبارة أو لمعناها نظير في كتب السيرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 ثلاثمائة رجل. وبعث معه بعشرين بدنة قلدها النعال وأشعرها بيده في الجانب الأيمن، واستعمل عليها ناجية بن جندب الأسلمي، وساق أبو بكر رضي اللَّه عنه خمس بدنات. وحج عامئذ عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه فأهدى بدنا. وأهلّ أبو بكر رضي عنه من ذي الحليفة، وسار حتى [إذا] [ (1) ] كان بالعرج في السّحر سمع رغاء القصواء، فإذا علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه عليها فقال: قد استعملك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الحج؟ قال: لا ولكن بعثني أقرأ براءة على الناس: فانبذ إلى كل ذي عهد عهده. وقيل أدركه عليّ رضي اللَّه عنهما بضجنان. صفة الحج وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عهد إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه أن يخالف المشركين: فيقف يوم عرفة بعرفة ولا يقف بجمع، ولا يدفع من عرفة حتى تغرب الشمس، ويدفع من جمع قبل طلوع الشمس فخرج حتى أتى مكة وهو مفرد بالحجّ، فخطب قبل التروية بيوم بعد الظهر، وطاف يوم التروية- حين زاغت الشمس- بالبيت سبعا، ثم ركب راحلته من باب بني شيبة! وصلّى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصبح بمنى، ولم يركب حتى طلعت الشمس على ثبير، فانتهى إلى نمرة، فنزل في قبة من شعر فقال فيها وركب راحلته لما زاغت الشمس فخطب ببطن عرفة، ثم أناخ فصلّى الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ثم ركب راحلته فوقف بالهضاب من عرفة، فلما أفطر الصائم دفع يسير العنق [ (2) ] حتى نزل بجمع- قريبا من النار التي على قزح [ (3) ] فلما طلع الفجر صلّى الفجر ثم وقف، فلما أسفر دفع. وجعل يقول في وقوفه: يا أيها الناس. أسفروا [ (4) ] ، ثم دفع قبل الشمس. وكان يسير العنق [ (2) ] حتى انتهى إلى محسّر فأوضع راحلته، فلما جاز وادي محسّر عاد إلى مسيره الأول حتى رمي الجمرة راكبا بسبع حصيّات، ثم رجع إلى المنحر فنحر ثم حلق.   [ (1) ] زيادة للبيان من (ط) . [ (2) ] العنق: ضرب من السير سريع. [ (3) ] قزح: هو القرن الّذي يقف الإمام عنده بالمزدلفة. [ (4) ] أسفر بالفجر: أطال الصلاة حتى يتبين الفجر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 قراءة براءة وقرأ علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه- يوم النحر عند الجمرة- براءة، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. خطبة أبي بكر وخطب أبو بكر رضي اللَّه عنه يوم النحر بعد الظهر على راحلته، وقام برمي الجمار ماشيا: ذاهبا وجائيا: فلما رمي يوم الصدر [ (1) ] وجاوز العقبة، ركب. ويقال: رمي يومئذ راكبا، وصلّى بالأبطح الظهر والعصر، وصلّى بمكة المغرب والعشاء، ثم خرج من ليلته قافلا إلى المدينة. سيرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل براءة [وكانت سيرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ]- قبل نزول براءة-: أن يقاتل من قاتله، ومن كفّ يده كف عنه، فنسخت براءة ذلك. وكان العرب إذا تحالف سيدهم أو رئيسهم مع آخر لم ينقض ذلك إلا الّذي يحالف أو أقرب الناس قرابة به. وكان عليّ رضي اللَّه عنه هو الّذي عاهد المشركين، فلذلك بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببراءة. ولما رجع المشركون من حجهم لام بعضهم بعضا وقالوا: ما تصنعون وقد أسلمت قريش؟! فأسلموا. وفود غسان وغامد ونجران ثم كانت سنة عشر. وفيها كان وفد غسّان [ (3) ] ووفد غامد في شهر رمضان. وقدم وفد نجران: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسل خالد بن الوليد إلى بني الحارث ابن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ثلاثا، فإن أجابوا أقام فيهم   [ (1) ] يوم الصدر: اليوم الرابع من أيام النحر. [ (2) ] هذه العبارة مكررة في (خ) . [ (3) ] في (خ) «غبشان» والتصويب من (الطبري) ج 3 ص 127. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وعلمهم شرائع الإسلام، وإن أبوا قاتلهم، فخرج إليهم في ربيع الأول سنة عشر، ودعاهم فأجابوا وأسلموا، وأقام فيهم، وكتب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلمه إسلامهم، ثم عاد ومعه وفدهم، فيهم: قيس بن الحصين بن زيد بن شداد ويقال له ابن ذي الغصّة [ (1) ] ، ويزيد بن عبد المدان، في آخرين، ثم عادوا في بقيّة شوال أو في ذي القعدة، وأمّر عليهم قيس بن الحصين. إسلامهم وكتاب النبي لهم وخرج إليهم عمرو بن حزم يعلمهم شرائع الإسلام ويأخذ صدقاتهم. وكتب له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا ليحملهم على ما فيه، وبين فيه الأحكام والزكوات ومقادير الديات ويقال: كان ذلك في شهر ربيع الآخر، وقيل في جمادى الأولى. فتوفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعمرو بن حزم على نجران. المباهلة وأرسل نصارى نجران العاقب والسّيّد في نفر، فأرادوا مباهلة [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج ومعه فاطمة وعليّ والحسن والحسين عليهم السلام، فلما رأوهم قالوا: هذه وجوه لو أقسمت على اللَّه أن يزيل الجبال لأزالها!! ولم يباهلوا، وصالحوه على ألفي حلة: ثمن كل حلة أربعون درهما، وجعل لهم عليه السلام ذمّة اللَّه وعهده على ألا يفتنوا عن دينهم، ولا يعشروا [ (3) ] ولا يحشروا [ (4) ] ، ولا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا [به] [ (5) ] . سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن ثم كانت سرية علي رضي اللَّه عنه في رمضان: بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن [حين] [ (6) ] تتام أصحابه، وعقد له لواء: أخذ عمامة فلفها مثنية مربعة وجعلها   [ (1) ] في (خ) القصة. [ (2) ] انظر آية المباهلة، وهي الآية رقم 16/ آل عمران، وأسباب النزول للواحدي ص 74. [ (3) ] في (خ) «يعاشروا» ، ومعنى لا يعشروا: لا يؤخذ عشر أموالهم في التجارات. [ (4) ] لا يحشروا: لا يندبون إلى المغازي. [ (5) ] زيادة من (ط) عن (فتوح البلدان) ص 71. [ (6) ] زيادة للسياق من (ط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 في رأس الرّمح، ثم دفعها إليه وقال: هاك هذا اللواء! وعممه عمامة ثلاثة أكوار، وجعل ذراعها بين يديه وشبرا من ورائه، ثم قال: هكذا العمّة [ (1) ] ! وصية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم له وقال له: امض ولا تلتفت! فقال على: يا رسول اللَّه، كيف أصنع؟ قال: إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك. فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منك قتيلا، فإن قتلوا منك قتيلا فلا تقاتلهم، تلوّمهم [ (2) ] حتى تريهم أناة. ثم تقول لهم: هل لكم أن تقولوا لا إله إلا اللَّه؟ فإن قالوا: نعم، فقل هل لكم إلى أن تصلوا؟ فإن قالوا: نعم، فقل لهم: هل لكم إلى أن تخرجوا من أموالكم صدقة تردّونها على فقرائكم؟ فإن قالوا: نعم، فلا تبغ منهم غير ذلك، واللَّه لأن يهدي اللَّه على يديك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت. الغنائم فخرج في ثلاثمائة فارس حتى انتهى إلى أرض مذحج ففرّق [ (3) ] أصحابه، فأتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك، فكانت أول خيل دخلت إلى تلك البلاد، فجعل على الغنائم بريدة بن الحصيب ثم لقي جمعا فدعاهم إلى الإسلام، فأبوا ورموا بالنّبل والحجارة ساعة، فصفّ أصحابه، ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السّلمي، وحمل عليه بمن معه، قتل منهم عشرين رجلا، فانهزموا فلم يتبعهم، ودعاهم إلى الإسلام فأجابوا. وبايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام وقالوا: نحن على من وراءنا، وهذه صدقاتنا فخذ منها حق اللَّه. قسمة الغنائم إلا الخمس وجمع على الغنائم وجزأها خمسة أجزاء. وأقرع عليها، وكتب في سهم منها، فخرج أوّل السهام سهم الخمس، ولم ينفل منه أحدا من الناس شيئا. وكان من قبله من الأمراء يعطون أصحابهم- الحاضر دون غيرهم- من   [ (1) ] العمة: هيئة الاعتمام، والعمامة: ما يعتمم به. [ (2) ] تلومهم: انتظرهم. [ (3) ] في (خ) «فعرق» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 الخمس، ثم يخبر بذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلا يردّه عليهم، فطلبوا ذلك من علي فأبى وقال: الخمس أحمله إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى فيه رأيه، وهذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوافي الموسم، ونلقاه به فيصنع ما أراه اللَّه فانصرف راجعا، وحمل الخمس، وساق معه ما كان ساق. وكان في الخمس ثياب من ثياب اليمن أحمال معكومة، ونعم مما غنموا، ونعم من صدقة أموالهم. ثم تعجل، وجعل أبا رافع على أصحابه وعلى الخمس، وكان عليّ ينهاهم عن ركوب إبل الصدقة. فسأل القوم أبا رافع أن يكسوهم ثيابا يحرمون فيها، فكساهم ثوبين. خبر أبي رافع في الإعطاء من الخمس فلما خرج علي يتلقاهم- وهم داخلون مكة ليقدم بهم- رأى عليهم الثياب فعرفها، فقال لأبي رافع: ما هذا! فأخبره، فقال: قد رأيت إبائي عليهم ذلك، ثم أعطيتهم وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلفت فتعطيهم؟! وجرّد بعضهم من ثوبيه. فلما قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شكوه، فدعاه [ (1) ] وقال. ما لأصحابك يشكونك؟ فقال: ما أشكيتهم: قسمت عليهم ما غنموا. وحبست الخمس حتى نقدم عليك وترى رأيك فيه، وقد كانت الأمراء يفعلون أمورا: ينفلون من أرادوا من الخمس، فأردت أن أحمله إليك لترى فيه رأيك! فسكت عليه السلام. قدوم علي في الحج وكان عليّ رضي اللَّه عنه قد كتب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما ظهر علي عدوّه- مع عبد اللَّه بن عمرو بن عوف المزنيّ- بما كان من لقاء القوم وإسلامهم، فأمر أن يوافيه في الموسم-، فعاد إليه عبد اللَّه. وقدم عليّ من اليمن فوجد فاطمة عليها السلام ممن حلّ ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها فقالت: أمرني بهذا أبي، فذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محرّشا عليها [ (2) ] ، مستفتيا في الّذي ذكرت، وأخبره، فقال: صدقت! ماذا قلت   [ (1) ] في (خ) «فدعاهم» . [ (2) ] التحريش: الإغراء والتهييج بذكر ما يوجب العتاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 حين فرضت الحج؟ قال: قلت اللَّهمّ إني أهلّ بما أهلّ به رسولك! قال: فإن معي فلا تحلّ، وكان الهدي الّذي جاء به عليّ رضي اللَّه عنه والّذي ساقه النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة مائة بدنة، فأشرك عليا في هديه [ (1) ] . وفد الأزد فيها قدم [ (2) ] وفد الأزد، ورأسهم صرد بن عبد اللَّه في بضعة عشر رجلا فأسلم، وأمّره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد المشركين فسار إلى مدينة جرش، فحصر خشعم نحو شهر، ثم رجع كأنه منهزم، فخرجوا إليه، فعطف عليهم فقتلهم أشد قتل. وكان أهل جرش قد بعثوا رجلين إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظران حاله، فأخبرهما بما كان من أمر صرد بن عبد اللَّه، فرجعا، فوجدا أصحابهما قد أصيبوا في تلك الساعة من ذلك اليوم الّذي ذكر صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها حالهم. فقدم، وفد جرش فأسلموا، وحمي لهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حول القرية للفرس والراحلة والمثيرة. والمثيرة: بقرة الحرث [ (3) ] [لأنها تثير الأرض] [ (4) ] . وفد مراد وقدم وفد مراد مع فروة بن مسيك بن الحارث بن سلمة بن الحارث بن كريب الغطيفي ثم المرادي [ (5) ] مفارقا لملوك كندة، فاستعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على مراد وزبيدة ومذحج كلّها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة. وقيل: كان إسلام فروة سنة تسع. وفد فروة الجذامي وقدم وفد فروة بن عمرو بن النّافرة الجذامي، عامل الروم على فلسطين وما حولها وعلى من يليه من العرب، وكان موضعه بميعان من أرض فلسطين، وكتب بإسلامه وأهدى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغلة بيضاء، فطلبه الروم وحبسوه ثم قتلوه.   [ (1) ] في (خ) «هدية» . [ (2) ] في (خ) «تقدم» . [ (3) ] في (خ) «والمثرة بقر الحارث» . [ (4) ] زيادة للبيان من (ط) . [ (5) ] راجع (عيون الأثر) ج 2 ص 239. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 وفد زبيد وقدم وفد زبيد مع عمرو [ (1) ] بن معديكرب بن عبد اللَّه بن عمر عصم [ (2) ] ابن عمرو بن زبيد، ثم عاد. وقيل: كان إسلامه سنة تسع. وفد عبد القيس وقدم وفد عبد القيس، وفيهم الجارود بن عمرو بن حنش [ (3) ] بن يعلي، وكان نصرانيا فأسلم، وأسلم من معه. وفد بني حنيفة وقدم وفد بني حنيفة، وفيهم مسيلمة الكذّاب بن ثمامة بن كبير بن حبيب ابن الحارث بن عبد الحارث بن عدي، فنزل دار ابنة الحارث الأنصاريّة، وعاد إلى اليمامة فتنبأ وادعى أنه شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النبوة، فاتبعه بنو حنيفة. وفد كندة وقدم وفد كندة- وهم ستون راكبا- مع الأشعث بن قيس بن معديكرب ابن معاوية بن جبلة [ (4) ] بن عديّ بن ربيعة بن معاوية [الأكرمين] [ (5) ] بن الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرنّع [واسمه عمرو] [ (5) ] ابن معاوية بن ثور بن عفير [وثور بن عفير هو كندة، لأنه كند أباه النعمة] [ (6) ] ابن عدي بن مرّة بن أرد بن زيد الكندي، فقال. نحن بنو آكل المرار. وأنت يا محمد ابن آكل المرار! فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفوا أمّنا ولا ننتفي من أبينا [ (7) ] . وفد محارب وقدم وفد محارب، ووفد الرّهاويين- وهم بطن من مذحج- ينسبون إلى   [ (1) ] في (خ) «عمر» . [ (2) ] في (خ) «حطم» . [ (3) ] في (خ) «خنش» . [ (4) ] في (خ) «حبله» . [ (5) ] زيادة من (ط) عن (أسد الغابة) . [ (6) ] زياد من (ط) عن (أسد الغابة) . [ (7) ] في (خ) «لا يقفوا أمنا، ولا نتبه من أبينا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 رهاء [بفتح الراء] بن منبّه بن حرب بن علة بن خالد بن مالك بن أدد بن زيد ابن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان: وفد عبس والصّدف وخولان وبني عامر بن صعصعة ووفد عبس، ووفد الصدف، ووفد خولان، وكانوا عشرة، ووفد بني عامر ابن صعصعة، فيهم عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، وجبّار بن سلمى بن مالك ابن جعفر، فأراد عامر الغدر برسول اللَّه [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له قومه. إن الناس قد أسلموا فأسلم! فقال: لا أتبع عقيب هذا الفتى! ثم قال لأربد: إذا قدمنا عليه فإنّي شاغله عنك فاعله بالسيف من خلفه، فلما قدموا جعل عامر يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يقول: يا محمد خالّني! قال: لا واللَّه حتى تؤمن باللَّه وحده. قال: يا محمد! خالني! وجعل يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وينتظر من أربد ما كان من أمره به، فجعل أربد لا يحير شيئا، فلما رأى عامر ما يصنع أربد، قال: يا محمد! خالّني! قال: لا، حتى تؤمن باللَّه وحده لا شريك له. فلما أبى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أما واللَّه] [ (2) ] لأملأنها عليك خيلا ورجلا! فلمّا ولّي قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اكفني عامرا! فلما خرجوا قال عامر لأربد. لم لا قتلته؟ قال: كلما هممت بقتله دخلت بيني وبينه حتى ما أرى غيرك، أفأضربك بالسيف؟ فأرسل اللَّه في طريقهم على عامر الطاعون، فقتله وهو في بيت امرأة سلوليّة حتى مات، وأرسل اللَّه على أربد صاعقة فأحرقته. وفد طيِّئ وقدم وفد طيِّئ: فيهم زيد الخيل بن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي فأسلم، وسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيد الخير، وقال: ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون الصّفة غيرك. وأقطع له أرضين في ناحيته، وأسلم قومه. كتاب مسيلمة الكذاب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكتب مسيلمة الكذاب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «من مسيلمة رسول اللَّه إلى   [ (1) ] في (خ) «يا رسول اللَّه» . [ (2) ] زيادة للسياق من (ط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 محمد رسول اللَّه، أما بعد، فإنّي قد أشركت معك في الأمر، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريشا قوم يعتدون» . كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليه فكتب إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد البسملة: «من محمد رسول اللَّه إلى مسيلمة الكذاب، أما بعد، فالسلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن الأرض للَّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» . وقدم بكتاب مسيلمة رجلان، فسألهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه فصدّقاه، فقال أما واللَّه لولا أن الرّسل لا تقتل لقتلتكما. وقيل: إن دعوى مسيلمة، والأسود العنسيّ، وطليحة النبوّة، إنما كانت بعد حجة الوداع. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قدم الوفود لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك. البعثة على الصدقات وفيها بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمراءه إلى الصدقات، فبعث المهاجر بن أبي أميّة ابن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشي إلى صنعاء، وبعث زياد بن لبيد ابن ثعلبة بن سنان بن عامر بن أمية بن بياضة الأنصاريّ البياضيّ إلى حضرموت، وبعث عديّ بن حاتم بن عبد اللَّه [ (1) ] بن سعد بن حشرج بن امرئ القيس ابن عدي (ابن أخزم بن أبي أخزم) [ (2) ] بن ربيعة بن جرول بن نعل بن عمرو ابن الغوّث بن طيِّئ بن أدد بن زيد بن كهلان الطائيّ على صدقة طيِّئ وأسد، وبعث مالك بن نويرة على صدقات حنظلة، وجعل الزّبرقان بن بدر بن امرئ القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمي، وقيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن الحارث (وهو مقاعس) ابن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم المنقريّ التميميّ على صدقات سعد ابن زيد مناة، وبعث العلاء بن الحضرميّ إلى البحرين.   [ (1) ] في (خ) «بن عبد اللَّه بن اللَّه» مكررة. [ (2) ] زيادة من نسبه من (ط) عن (أسد الغابة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 بعثة علي رضي اللَّه عنه إلى نجران وبعث عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه إلى نجران على صدقاتهم، فقدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجّه، وأحرم كإحرامه، وذكر بعضهم أن عليا رضي اللَّه عنه سار في هذه السنة إلى اليمن- بعد توجّه خالد بن الوليد إليها- فقرأ على أهل اليمن كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلمت كلها في يوم واحد فكتب بذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: السلام على همدان، وكرر ذلك ثلاثا، ثم تتابع [ (1) ] أهل اليمن على الإسلام، فلما كتب ذلك عليّ سجد صلّى اللَّه عليه وسلّم شكرا للَّه تعالى. وأنه بعثه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى نجران ليجمع صدقاتهم وجزيتهم، فلقيه عليه السلام بمكة في حجّة الوداع ولم يذكر الواقديّ في مغازيه بعثة عليّ رضي اللَّه عنه سوى إلى اليمن كما تقدم- في رمضان. حجة الوداع ثم كانت حجة الوداع، ويقال حجّة الإسلام، وحجّة البلاغ، وحجّة التمام، وقد أجمع صلّى اللَّه عليه وسلّم الخروج في ذي القعدة سنة عشر من مهاجره [ (2) ] ، وقد أسلمت جزيرة العرب ومن شاء اللَّه من أهل اليمن- فصلّى الظهر بذي الحليفة، وأذّن في الناس بالحجّ، فقدم المدينة بشر كثير يريدون أن يأتمّوا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويعملوا بعمله [ (3) ] . المسير وصفه إحرامه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسار من المدينة- متدهّنا [ (4) ] ومترجّلا [ (5) ] [متجردا في ثوبين صحاريّين: إزار ورداء، وذلك] [ (6) ] يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة-، ومعه أزواجه، وأهل بيته، وعامة المهاجرين والأنصار ومن شاء من قبائل العرب وأفناء [ (7) ] الناس. وقال ابن حزم: الصحيح أنه خرج لستّ بقين (من ذي القعدة) ، فصلّى   [ (1) ] في (خ) «تبايع» . [ (2) ] في (خ) «مهاجرة» . [ (3) ] في (خ) «ويعملون بعمله» . [ (4) ] متدهنا: بالطيب والزيت. [ (5) ] مترجلا: مسرحا شعره وممشطه. [ (6) ] ما بين القوسين زيادة من (ابن سعد) ج 2. [ (7) ] الأفناء: الأخلاط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 الظهر بذي الحليفة ركعتين، وأحرم عند صلاة الظهر من يومه ذلك. ويقال: انتهى إلى ذي الحليفة عند الظهر فبات لأن تجتمع إليه أصحابه و الهدي ، حتى أحرم عند الظهر من الغد في ثوبين صحاريين. إزار ورداء أبدلها بالتنعيم بثوبين من جنسهما. وقيل صلّى الظهر يوم الخميس لستّ بقين من ذي القعدة، ثم خرج فصلّى العصر بذي الحليفة، واجتمع إليه نساؤه وحجّ بهنّ جميعا في الهوادج. فلما انتهى إليه اجتماع إليه اجتماع أصحابه والهدي، دخل مسجد ذي الحليفة بعد أن صلّى الظهر فصلّى ركعتين، ثم خرج فدعا بالهدي فأشعره [ (1) ] في الجانب الأيمن بيده، ووجّهه إلى القبلة، وقلده نعلين نعلين [ (2) ] ثم ركب ناقته، فلما استوى بالبيداء أحرم. وقيل: أشعر هديه وقلده قبل أن يحرم. والقول- أنه لم يبت- أثبت. الهدي وساق مائة بدنة، ويقال: إنه أمر أن يشعر ما فضل من البدن ناجية بن جندب واستعمله على الهدي وكان مع ناجية بن جندب فتيان من أسلم، وكانوا يسوقونها سوقا، يتبعون بها الرّعي، وعليها الجلال [ (3) ] ، فقال ناجية بن جندب: يا رسول اللَّه، أرأيت ما عطب [ (4) ] منها كيف أصنع به؟ قال تنحره، وتلقي قلائده في دمه. ثم تضرب به صفحته اليمني [ (5) ] ، ثم لا تأكل منه ولا أحد من أهل رفقتك. وأمر من كان معه هدي أن يهلّ كما أهلّ، وسار، وبين يديه وخلفه وعن يمينه وعن شماله أمم لا يحصون كثرة: كلهم قد قدموا ليأتموا [ (6) ] به صلّى اللَّه عليه وسلّم. ويقال: كان معه تسعون ألفا، ويقال: مائة وأربعة عشر ألفا، ويقال: أكثر من ذلك. ومرّ صلّى اللَّه عليه وسلّم برجل يسوق بدنة، فقال: أركبها، ويلك! قال: إنها بدنة؟ قال: أركبها! وكان يأمر المشاة أن يركبوا على بدنه.   [ (1) ] أشعر البدنة: أعلمها بشق جلدها ليعرف أنها هدي. [ (2) ] قلد البدنة: علق في عنقها قلادة من نعل ونحوه ليعلم أنها هدي. [ (3) ] الجلال: جمع جل، وهو ما تلبسه البدن لتصان به. [ (4) ] عطب البعير: اعترته آفة تمنعه من السير. [ (5) ] الصفحة: الجانب. [ (6) ] في (خ) «ليابوا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 إحرام عائشة وطيّبته عائشة رضي اللَّه عنها لإحرامه بيدها، وأحرمت وتطيبت، فلما كانوا بالقاحة [ (1) ] سال من الصفرة على وجهها [ (2) ] ، فقال: ما أحسن لونك الآن يا شقيراء [ (3) ] . الصلاة وكان يصلّى بين مكة والمدينة ركعتين أمثالا لا يخالف إلا اللَّه. فلما قدم مكة صلّى بهم ركعتين ثم سلم وقال: أتمّوا صلاتكم يا أهل مكة فإنّا سفر. الإهلال بالعمرة والحج وقد اختلف فيما أهلّ به: فعن أبي طلحة، أنه قرن مع حجّته عمرة. وعن حفصة رضي اللَّه عنها قالت: قلت: يا رسول اللَّه، تأمر الناس أن يحلوا ولم تحلّ أنت من عمرتك؟ فقال: إني لبّدت رأسي، وقلدت هدي، فلا أحلّ حتى أنحر هديي. وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: أهلّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعمرة وساق الهدي. وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: أفرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحجّ: وقد صحّ أنه أتاه آت من ربّه في وادي العقيق، يأمره عن ربّه أن يقول في حجته: هذه حجّة في عمرة، ومعنى هذا أنّ اللَّه أمره بأن يقرن الحج مع العمرة. فأصبح فأخبر الناس بذلك، وطاف على نسائه بغسل واحد، ثم اغتسل وصلّى عند المسجد ركعتين، وأهل بحجة وعمرة معا روي ذلك عنه ستة عشر صحابيا، وعنهم ستة عشر تابعيا. منازل السير وأصبح صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحد بيلملم، ثم راح فتعشّى بشرف السّيالة [ (4) ] وصلّى   [ (1) ] القاحة أو الفاجة: مدينة على ثلاث مراحل من المدينة قبل السقيا بنحو ميل (معجم البلدان) ج 4 ص 290. [ (2) ] يريد صفر الطيب لما فيه من الزعفران. [ (3) ] في (خ) «شقير» ونص (ابن سعد) : «إن لونك الآن يا شقراء لحسن» . [ (4) ] شرف السيالة: موضع بين ملل والروحاء. (معجم البلدان) ج 3 ص 336. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 المغرب والعشاء، ثم صلّى الصّبح بعرق الظبية، بين الرّوحاء والسيالة، وهو دون الروحاء ثم نزل الروحاء فإذا بحمار عقير فقال: دعوه حتى يأتي صاحبه. فأهداه له صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمر به أبا بكر رضي اللَّه عنه فقسمه بين الصحابة. وقال: صيد البرّ لكم حلال إلا ما صدتم أو صيد لكم. ثم راح من الرّوحاء فصلّى العصر بالمنصرف، وصلّى المغرب والعشاء بالمتعشى وتعشى به، وصلّى الصبح بالأثاية، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج. خبر غلام أبي بكر الّذي أضل بعيره وكان أبو بكر رضي اللَّه عنه قال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة: إن عندي بعيرا نحمل عليه زادنا، فقال: فذاك إذا! فكانت زاملة [ (1) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر رضي اللَّه عنه واحدة. وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بزاد، دقيق وسويق، فجعل على بعير أبي بكر رضي اللَّه عنه. فكان غلامه يركب عليه عقبة [ (2) ] ، فلما كان بالأثاية عرّس الغلام وأناخ بعيره، فغلبته عيناه فقام البعير يجر خطامه آخذا في الشّعب، وقام الغلام فلزم الطريق- يظن أنه سلكها- وهو ينشده، فلا يسمع له بذكر. ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أبيات بالعرج، فجاء الغلام، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه أين بعيرك؟ قال: ضلّ منى! قال: ويحك! لو لم يكن إلا أنا لهان الأمر [ (3) ] ، ولكن رسول اللَّه وأهله! فلم ينشب [ (4) ] أن طلع به صفوان بن المعطل وكان على ساقة [ (5) ] الناس- فأناخه، وقال لأبي بكر رضي اللَّه عنه: انظر هل تفقد شيئا من متاعك؟ فنظر فقال ما نفقد شيئا إلا قعبا كنا نشرب به! فقال الغلام: هذا القعب معي! فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه أدى اللَّه عنك الأمانة!. رواية أخرى في خبر غلام أبي بكر وروي أنه عليه السلام لما نزل بالعرج جلس وأبو بكر إلى جنبه، وعائشة إلى جنبه الآخر وأسماء بجنب أبي بكر رضوان اللَّه عليهم، وأقبل الغلام فقال له   [ (1) ] الزاملة: البعير الّذي حمل عليه الزاد والمتاع. [ (2) ] العقبة: مقدار فرسخين. [ (3) ] في (خ) «لهان عن الأمر» . [ (4) ] لم ينشب: ونشبه الأمر، لزمه (ترتيب القاموس) ج 4 ص 370. [ (5) ] الساقة: المؤخرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 أبو بكر: أين بعيرك؟ قال: أضلني! فقام إليه فضربه ويقول: بعير واحد يضل عنك؟! فجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبسّم ويقول: ألا ترون هذا المحرم وما يصنع؟! ولم ينهه. طعام آل نضلة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وخبّر آل نضلة الأسلميون أن زاملة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضلت، فحملوا حفنة من حيس [ (1) ] ، فأقبلوا بها حتى وضعوها بين يديه، فقال: هلمّ يا أبا بكر! فقد جاءك اللَّه بغداء طيب! وجعل أبو بكر رضي اللَّه عنه يغتاظ على الغلام، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هوّن عليك! فإن الأمر ليس إليك ولا إلينا معك! فقد كان الغلام حريصا على ألا يضلّ بعيره. وهذا خلف مما كان معه. فأكل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهله وأبو بكر، وكلّ من كان يأكل مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى شبعوا. مجيء البعير، وبعير سعد بن عبادة ويجيء [ (2) ] سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه وابنه قيس بن سعد بزاملة حتى يجدان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقفا قد أتى اللَّه بزاملته، فقال سعد: يا رسول اللَّه! بلغنا أن زاملتك أضلت الغلام، وهذه زاملة مكانها. فقال: قد جاء اللَّه بزاملتنا، فارجعا بزاملتكما بارك اللَّه عليكما! أما يكفيك يا أبا ثابت ما تصنع بنا في ضيافتك منذ نزلنا المدينة؟ فقال سعد: يا رسول اللَّه! المنّة للَّه ولرسوله، واللَّه يا رسول اللَّه، للذي تأخذ من أموالنا أحب إلينا من الّذي تدع! قال صدقتم يا أبا ثابت! أبشر فقد أفلحت إن الأخلاف [ (3) ] بيد اللَّه، فمن شاء أن يمنحه خلفا صالحا منحه، ولقد منحك اللَّه خلفا صالحا، فقال سعد: الحمد للَّه، هو فعل ذلك. سيادة بيت سعد بن عبادة قال ثابت بن قيس بن شمّاس: يا رسول اللَّه: إن أهل بيت سعد في الجاهلية سادتنا، والمطعمون في المحل منّا [ (4) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الناس معادن:   [ (1) ] الحيس: الخلط، وتمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه وربما جعل في سويق. (ترتيب القاموس) ج 1 ص 749. [ (2) ] في (خ) «وجاء» ، والفعل المضارع أنسب لسياق العبارة. [ (3) ] الأخلاف: جمع خلف، وهو العوض. [ (4) ] المحل: الشدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، لهم ما أسلموا عليه [ (1) ] . احتجام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومسيره واحتجم صلّى اللَّه عليه وسلّم بلحى جمل [ (2) ]- وهو محرم- في وسط رأسه ونزل السقيا يوم الأربعاء وأصبح بالأبواء، فأهدى له الصّعب بن جثامة بن قيس الليثي عجز حمار يقطر دما، فرده وقال، أنا محرم. وأكل بالجحفة ثم راح منها، وكان يوم السبت بقديد. خبر المرأة وصغيرها ومرّ يومئذ بامرأة في محفتها [ (3) ] ، ومعه ابن لها صغير، فأخذت بعضده فقالت: يا رسول اللَّه، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر!! وكان يوم الأحد بعسفان. ثم راح. فلما كان بالغميم اعترض المشاة، فصفّوا صفوفا فشكوا إليه المشي، فقال استعينوا بالنّسلان [ (4) ] ، ففعلوا، فوجدوا لذلك.   [ (1) ] في (خ) «له ما أسلم عليه» ، يقول محقق (ط) وكما أحفظه أثبته، ولم أوفق للوقوف على مرجعه الآن» ونقول: «ذكره (السخاوي) في (المقاصد الحسنة) ص 441 حرف النون، حديث رقم 1238 وقال: «حديث الناس معادن كمعادن الذهب والفضة. العسكري من حديث قيس بن الربيع عن أبي حصين عثمان بن عاصم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة به مرفوعا، ولأبي هريرة في المرفوع حديث آخر لفظه: الناس معادن في الخير والشر خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، أخرجه الطيالسي وابن منيع والحارث وغيرهم كالبيهقي من حديث ابن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وأصله في الصحيح. وللديلمي عن ابن عباس مرفوعا: الناس معادن والعرق دساس» . وانظر أيضا: (كشف الخفاء ومزيل الالتباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس) ج 1 ص 414 حديث رقم 2793. [ (2) ] لحي جمل: هي عقب الجحفة على سبعة أميال من السقيا. راجع (سنن ابن ماجة) ج 1 ص 165 حديث رقم 490 وفيه « ... فقال جعفر بن عمرو بن أمية أشهد على أبي أنه شهد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه أكل طعاما مما غيرت النار، ثم صلّى ولم يتوضأ» . «وقال علي بن عبد اللَّه بن عباس: وأنا أشهد على أبي بمثل ذلك» . [ (3) ] المحفة: كالهودج إلا أنها لا تقبب. [ (4) ] النسلان: مشى سريع دون العدو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 راحة. وكان يوم الاثنين بمر الظهران، فلم يبرح حتى أمسى، وغربت الشمس بسرف، فلم يصلّ المغرب حتى دخل مكة. وكان الناس لا يذكرون إلا الحجّ، فلما كانوا بسرف أمر عليه السلام النّاس أن يحلّوا بعمرة إلا من ساق الهدي. دخول مكة وعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقوله ولما انتهى إلى الثنيتين بات بينهما- بين كداء وكدي- ثم أصبح فاغتسل، ودخلها نهار الاثنين الرابع من ذي الحجّة. وذكر الواقدي: أنه دخل مكة يوم الثلاثاء من كداء على راحلته القصواء إلى الأبطح، فدخل مكة من أعلاها حتى انتهى إلى باب بني شيبة، فلما رأى البيت رفع يديه، فوقع زمام راحلته فأخذه بشماله، ثم قال حين رأى البيت اللَّهمّ زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا، ولما دخل المسجد بدأ بالطواف قبل الصلاة. قال طاوس: وطاف راكبا على راحلته. فما انتهى إلى الركن استلمه وهو مضطبع بردائه، وقال: بسم اللَّه واللَّه أكبر. ثم رمل ثلاثة ثلاثة [ (1) ] من الحجر إلى الحجر. وكان يأمر من استلم الركن أن يقول: باسم اللَّه واللَّه أكبر، إيمانا باللَّه، وتصديقا بما جاء به محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال فيما بين الركن اليمانيّ والأسود: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ. ولم يستلم من الأركان إلا اليماني والأسود. ومشى أربعة [ (2) ] ثم انتهى خلف المقام فصلّى ركعتين، يقرأ فيهما: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ثم عاد إلى الركن فاستلمه. نهي عمر عن مزاحمة الطائف وقال لعمر رضي اللَّه عنه: إنك رجل قوي، إن وجدت الركن خاليا فاستلمه، وإلا فلا تزاحم عليه فتؤذي [الناس ممن يستلم الركن] [ (3) ] . وقال لعبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه: كيف صنعت بالركن يا أبا محمد [ (4) ] ؟ فقالت: استلمت وتركت، فقال: أصبت.   [ (1) ] رمل: أسرع في مشيته. [ (2) ] رمل ثلاثة، ومشى أربعة، تلك أشواط الطواف السبعة. [ (3) ] زيادة للبيان. [ (4) ] في (خ) «يا محمد» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 صفة سعيه بين الصفا والمروة ثم خرج إلى الصفا من باب بني مخزوم، وقال: أبدأ بما بدأ اللَّه به. وسعى على راحلته، لأنه قدم وهو شاك وقيل: سعى على بغلته، والمعروف على راحلته. فصعد على الصّفا فكبّر سبع تكبيرات وقال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، صدق اللَّه وعده، ونصره عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك. ونزل إلى المروة، فلما انصبت قدماه في الوادي رمل. وقال في المشي. أيها الناس! إن اللَّه كتب عليكم السعي فاسعوا، وسعى حتى انكشف إزاره عن فخذه. وقال في الوادي: ربّ اغفر وارحم، ثم أنت الأعزّ الأكرم، فلما انتهى إلى المروة فعل عليها مثل ما فعل على الصفا، فبدأ بالصفا وختم بالمروة. فسخ حج من لم يسق الهدي إلى عمره وأمر من لم يسق الهدي أن يفسخ حجه إلى عمرة، ويتحلل حلا تاما، ثم يهلّ بالحجّ [ (1) ] وقت خروجه إلى منى، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة. وقدم عليّ من اليمن، فقال له: بم أهللت؟ قال: بإهلال كإهلال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم. فقال: إني سقت الهدي وقرنت [ (2) ] . هكذا روي أبو داود بسند صحيح [ (3) ] . نزول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأبطح وكان قد اضطرب [ (4) ] بالأبطح، فقالت أم هانئ: يا رسول اللَّه، ألا ننزل في بيوت مكة؟ فأبي، ولم ينزل بالأبطح حتى خرج يوم التروية [ (5) ] ، ثم رجع من   [ (1) ] الإهلال لغة: أن يرفع المعتمر بالبيت الحرام صوته بالتلبية، ثم قالوا: أهل المحرم بحجة أو بعمرة: أحرم بها. [ (2) ] القران بين الحج والعمرة: ان يجمع بينهما بنية واحدة وتلبية واحدة، وإحرام واحد، وطواف واحد، وسعي واحد، فيقول: «لبيك بحجة وعمرة» وذلك الفعل هو القران: أي الجمع بين الحج والعمرة. [ (3) ] (سنن أبي داود) ج 2 ص 399 حديث رقم 1807، 1808 [باب 25 الرجل يهل بالحج ثم يجعلها عمرة] . [ (4) ] اضطرب بناء أو خيمة: إذا أقامه على أوتاد مضروبة في الأرض. [ (5) ] يوم التروية. اليوم الثامن من ذي الحجة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 منى فنزل بالأبطح حتى خرج إلى المدينة. ولم يدخل بيتا ولم يظله. دخوله الكعبة وصلاته بها ودخل الكعبة بعد ما خلع نعليه، فلما انتهى إلى بابها خلع نعليه. ودخل معه عثمان بن أبي طلحة، وبلال وأسامة بن زيد رضي اللَّه عنهم، فأغلقوا عليهم الباب طويلا ثم فتحوه، وصلّى فيه ركعتين بين الأسطوانتين المقدّمتين، وكان البيت على ستة أعمدة. وقيل: بل كبّر في نواحيه ولم يصلّ. وروي أنه دخل على عائشة رضي اللَّه عنها حزينا، فقالت: مالك يا رسول اللَّه؟ قال: فعلت اليوم أمر ليتني لم أك فعلته! دخلت البيت، فعسى الرجل من أمتى لا يقدر أن يدخله، فتكون في نفسه حزازة [ (1) ] ، وإنما أمرنا بالطواف ولم نؤمر بالدخول. وكسا البيت الحبرات [ (2) ] : وكانت الكعبة يومئذ ثمانية عشر ذراعا. مدة إقامته بمكة وأقام بمكة يوم الثلاثاء والأربعاء والخميس، وكان يوم التروية يوم الجمعة، فخطب قبل التروية بيوم بعد الظهر بمكة. وقام يوم التروية بين الرّكن والمقام، فوعظ الناس وقال: من استطاع أن يصلّى الظهر بمنى فليفعل. فصلّى في حجّته هذه صلاة أربعة أيام- وهو مقيم بمكة- حتى خرج إلى منى، وهو في كل ذلك يقصر [ (3) ] ولم تكن إقامته هذه إقامة، لأنها ليست له بدار إقامة، [وأنه لم ينو صلّى اللَّه عليه وسلّم أن] [ (4) ] يتخذها دار إقامة ولا وطن، وإنما كان مقامه بمكة إلى يوم التروية كمقام المسافر في حاجة يقضيها في سفره منصرفا إلى أهله، فهو مقام من لا نيّة له في الإقامة. فلم ينو صلّى اللَّه عليه وسلّم جعلها مقامه. بل نوى الخروج منها إلى منى يوم التروية عاملا في حجه حتى ينقضي وينصرف إلى المدينة.   [ (1) ] الحزازة: جمع القلب من غيظ ونحوه. (ترتيب القاموس) ج 1 ص 632 وفي (الواقدي) ج 3 ص 1100 «حرارة» وما أثبتناه من (ابن سعد) . [ (2) ] الحبرات: جمع حبرة. [ (3) ] يقصر أي في صلاته، فيصلي الصلاة الرباعية ركعتين ركعتين. [ (4) ] ما بين القوسين بياض في (خ) وما أثبتناه من (ط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 مسيره إلى منى وركب حين زاغت الشمس في يوم التروية بعد أن طاف بالبيت أسبوعا فصلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى، وكان بلال إلى جانب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى منى، وبيده عود عليه (ثوبا وشيء) [ (1) ] . يظله من الشمس. وقالت له عائشة: يا رسول اللَّه، ألا نبني لك كنيفا [ (2) ] ؟ فأبى، وقال: منى منزل من سبق! وقيل: بني بمنى ليلة الجمعة التاسع من ذي الحجة. مسيره إلى عرفة ثم أصبح فسار إلى عرفة. ولم يركب من منى حتى رأى الشمس قد طلعت فركب إلى عرفة، ونزل بنمرة، وقد ضرب له بها قبة من شعر. ويقال: إنما قال [ (3) ] إلى فيء صخرة، وميمونة رضي اللَّه عنها تتبع ظلها حتى راح عنها، وأزواجه في قباب- أو في قبّة- خزّ له فلما كان حين زاغت الشمس أمر براحلته القصواء فرحلت برحل رثّ وقطيفة لا تسوى أربعة دراهم، فلما توجّه قال: اللَّهمّ حجّة لا رياء فيها ولا سمعة! ثم أتى بطن الوادي- بطن عرفة [ (4) ]-، وكانت قريش لا تشكّ أنه لا يتجاوز المزدلفة يقف بها، فقال نوفل بن معاوية الديليّ- وهو يسير إلى جنبه-: يا رسول اللَّه! ظن قومك أنك تقف بجمع! فقال: لقد كنت أقف بعرفة قبل النبوة خلافا لهم، وكانت قريش كلها تقف بجمع [ (5) ] ، إلا أن شيبة بن ربيعة من بينهم فإنه كان يقف بعرفة. صلاته بعرفة وخطبته صلّى اللَّه عليه وسلّم وخطب صلّى اللَّه عليه وسلّم- حين زاغت الشمس- ببطن عرفة على ناقته، فلما كان آخر خطبته أذّن بلال، وسكت صلّى اللَّه عليه وسلّم من كلامه. فلما فرغ بلال من أذانه تكلم بكلمات، وأناخ راحلته، وأقام بلال، فصلّى-   [ (1) ] في (خ) «عليه شيء يظله» وما أثبتناه من (ابن سعد) ج 3 ص 177. [ (2) ] الكنيف: كل ما ستر من بناء أو حظيرة من الخشب يستظل بها من حر الشمس. [ (3) ] قال: من القيلولة وهي نوم الظهيرة. والفيء: ما كان شمسا فزال عنه ونسخه الظل. [ (4) ] بطن عرفة: وادي بحذاء عرفات. [ (5) ] جمع: هو مزدلفة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 عليه السلام- الظهر، ثم أقام فصلّى العصر: جمع بينهما بأذان وإقامتين ثم ركب وهو يشير بيده إلى الناس: ارتفعوا إلى عرفة، وكان من خطبته بعرفة قبل الصلاتين. خطبة عرفة أيها الناس: إني واللَّه ما أدري لعلي لا ألقاكم بمكاني هذا، بعد يومكم هذا، رحم اللَّه امرأ سمع مقالتي فوعاها، فربّ حامل فقه لا فقه له، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه! واعلموا أن أموالكم ودماءكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. واعلموا أن الصدور لا تغلّ على ثلاث [ (1) ] : إخلاص العمل للَّه، ومناصحة أهل الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم [ (2) ] . ألا إن كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، وأول دماء الجاهلية أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث [بن عبد المطلب] [ (3) ] -[كان مسترضعا في بني سعد [بن بكر] [ (3) ] فقتلته [ (4) ] هذيل]- ، وربا الجاهلية موضوع [ (5) ] كله وأول ربا أضعه ربا عبّاس بن عبد المطلب: اتقوا اللَّه في النساء، إنما أخذتموهن بأمانة اللَّه، واستحللتم فروجهنّ بكلمة اللَّه، وإنّ لكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكنّ أحدا تكرهونه، [وعليهنّ أن لا يأتين بفاحشة مبينة] [ (6) ] . فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح، [فإن انتهين] [ (6) ] ، فلهن [ (7) ] عليكم رزقهن وكسوتهنّ بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب اللَّه وأنتم مسئولون عنّي، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأديت ونصحت! ثم قال بإصبعه السبّابة يشير إلى السماء يرفعها ويكبّها ثلاثا: اللَّهمّ اشهد. المبلغ عنه بعرفة وكان الّذي يبلّغ عنه بعرفة [ (8) ] ربيعة بن أميّة بن خلف لكثرة الناس، فإنه   [ (1) ] من الإغلال وهو الخيانة، أو من الغل وهو الحقد. [ (2) ] أي تمنعهم وتحفظهم. [ (3) ] زيادات للبيان من (ط) . [ (4) ] في (خ) «نقتله» . [ (5) ] في (خ) «موضع» . [ (6) ] زيادات من كتب السيرة. [ (7) ] في (خ) «ولهن» . [ (8) ] في (خ) «عرفة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 شهد الخطبة نحو من أربعين ألفا. ذكر المناسك ووقف بالهضاب من عرفة وقال: كل عرفة موقف إلا بن عرنة، وكل مزدلفة موقف إلا [ (1) ] بطن محسّر، وكل منى منحر إلا خلف العقبة. وبعث إلى من هو بأقصى عرفة فقال: الزموا مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث إبراهيم عليه السلام. دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعرفة ومدّ يديه- وهو واقف بعرفة- ثم أقبل براحتيه على وجهه وقال: إن أفضل دعائي ودعاء من كان قبلي من الأنبياء: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير. الاختلاف في صيامه بعرفة واختلفوا في صيامه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: فقالت أم الفضل [ (2) ] أنا أعلم لكم علم ذلك، فأرسلت إليه بعس من لبن [ (3) ] ، فشرب وهو يخطب. ما نزل من القرآن بعرفة ووقف على راحلته حتى غربت الشمس يدعو! ونزل عليه وهو واقف بعرفة، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (4) ] . النفر من عرفة وكان أهل الجاهلية يدفعون [ (5) ] من عرفة إذا كانت الشمس على رءوس الجبال   [ (1) ] في (خ) «إلي» . [ (2) ] أم الفضل امرأة العباس بن عبد المطلب عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (3) ] العس: قدح يسع ثمانية أرطال. [ (4) ] من الآية 3/ المائدة، وفي (خ) دِينِكُمْ*، الآية. [ (5) ] يدفعون: ينطلقون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 كهيئة العمائم على رءوس الرجال، وظنت قريش أنه عليه السلام يدفع كذلك، فأخر دفعه حتى غربت الشمس. ثم سار عشيّة، وأردف أسامة بن زيد [ (1) ] من عرفة إلى مزدلفة. الإفاضة وذكر الزّبير بن بكار، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفاض [ (2) ] . عن يمينه أبو سفيان ابن حرب، وعن يساره الحارث بن هشام! وبين يديه يزيد ومعاوية ابنا أبي سفيان على فرسين، فكان يسير العنق [ (3) ] ، فإذا وجد فجوة نصّ [ (4) ] وقال: أيها الناس، على رسلكم [ (5) ] ، عليكم بالسكينة، ليكفّ قويكم عن ضعيفكم. النزول إلى المزدلفة ومال إلى الشّعب- وهو شعب الأذاخر، عن يسار الطريق بين المأزمين [ (6) ]- فبال، ولم يصلّ حتى نزل قريبا من الدار التي على قزح، وصلّى المغرب والعشاء بالمزدلفة [بأذان واحد لهما وبإقامتين، لكل صلاة منهما إقامة] [ (7) ] ، ولم يسبّح بينهما، ولا إثر واحدة منهما. فلما كان في السّحر أذن- لمن استأذن من أهل الضعف من الذرية والنساء- في التقدم من جمع قبل حطمة الناس [ (8) ] ، وحبس نساءه حتى دفعن بدفعه [ (9) ] حين أصبح. فرمي [ (10) ] الذين تقدّموا الجمرة قبل الفجر أو مع الفجر. الدفع من مزدلفة ولما برق الفجر، صلى عليه السلام الصبح، ثم ركب راحلته ووقف على قزح.   [ (1) ] أردفه: أركبه خلفه. [ (2) ] الإفاضة في الحج: اندفاع الناس بكثرة إلى منى منتشرين متفرقين بعد اجتماعهم في عرفة. [ (3) ] العنق: السير الهادي. [ (4) ] النص: السير السريع، والفجوة: الفسحة بين جماعة الناس. [ (5) ] الرّسل: اليسر وعدم العجلة. [ (6) ] المأزمان: بين المشعر الحرام وعرفة وبه المسجد الّذي يجمع فيه الحجيج بين صلاتي الظهر والعصر. [ (7) ] في (خ) «مكان ما بين القوسين «بإقامة إقامة» . [ (8) ] الحطمة: زحمة الناس. [ (9) ] في (خ) «بدفعة» . [ (10) ] في (خ) «فرأى» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 وكان أهل الجاهلية لا يدفعون من جمع حتى تطلع الشمس على ثبير، يقولون: «أشرق ثبير، كيما نغير» فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن قريشا خالفت عهد إبراهيم. فدفع قبل طلوع الشمس. موقفه بمنى وأردف الفضل بن العبّاس من مزدلفة إلى منى. وقال: هذا الموقف، وكل المزدلفة موقف. جمع الجمرات من مزدلفة وحمل حصى العقبة من المزدلفة، وأوضع في وادي محسّر ولم يقطع التلبية حتى رمي الجمرة، ورمي جمرة العقبة يوم النحر على ناقته [ (1) ] ، ولا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك [ (2) ] . نحر الهدي وتفريقه والأكل منه ولما انتهى إلى المنحر [ (3) ] قال: هذا المنحر، وكل منى منحر، وكلّ فجاج مكة طريق ومنحر، ثم نحر بيده ثلاثا وستين بدنة بالحربة، ثم أعطى رجلا فنحر ما بقي، ثم أمر من كلّ بدنة نحرها ببضعة [ (4) ] فجعل في قدر فطبخه، فأكل من لحمها وحسا من مرقها. وأمر عليا رضي اللَّه عنه أن يتصدق بجلال البدن وجلودها ولحومها، ولا يعطي منها في جزرها شيئا. التحليق ولما فرغ من نحر الهدي دعا الحلاق، وحضر المسلمون يطلبون شعره، فناول [ (5) ] الحلاق شقّ رأسه الأيمن، ثم أعطاه أبا طلحة الأنصاري [ثم ناوله الشّق الأيسر فحلقه. فأعطاه أبا طلحة، فقال اقسم بين الناس] [ (6) ] .   [ (1) ] في (خ) «باقية» . [ (2) ] إليك إليك: تنبيه يراد به الزجر، والمعنى أن الحج سمته الهدوء والرّفق. [ (3) ] في (خ) «النحر» . [ (4) ] البضعة: القطعة من اللحم. [ (5) ] في (خ) «أعطى الحلاق» ، وما أثبتناه من (ط) . وهي رواية الواقدي. [ (6) ] ما بين القوسين تتمة من (ط) عن السيرة الحلبية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 ناصية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لخالد بن الوليد، وحديث أبي بكر في أمر خالد وكلمه خالد بن الوليد في ناصيته حين حلق، فدفعها إليه، فكان يجعلها في مقدّم قلنسوته [ (1) ] . فلا يلقى جمعا إلا فضّه.. وكان أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه يقول: كنت انظر إلى خالد بن الوليد وما نلقى منه في أحد، وفي الخندق، وفي الحديبيّة، وفي كل موطن لاقانا، ثم نظرت إليه يوم النحر يقدّم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بدنة وهي تعتب في العقل [ (2) ] ، ثم نظرت إليه ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحلق رأسه وهو يقول: يا رسول اللَّه! ناصيتك! لا تؤثر عليّ بها أحدا [ (3) ] ! فداك أبي وأميّ! فأنظر إليه أخذ ناصية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان يضعها على عينيه وفيه. تفريق شعره صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الناس وفرق صلّى اللَّه عليه وسلّم شعره في النّاس. ولما حلق رأسه، أخذ من شاربه وعارضيه، وقلم أظافره، وأمر بشعره وأظفاره أن يدفنا. المحلقون والمقصرون وقصّر قوم وحلّق آخرون فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: رحم اللَّه المحلقين! ثلاثا، كلّ ذلك يقال: والمقصرين يا رسول اللَّه! فقال: والمقصرين في الرابعة. وأصاب الطيب بعد أن حلق، ولبس القميص. وجلس الناس، فما سئل يومئذ عن شيء قدّم أو أخر [ (4) ] إلا قال: افعله ولا حرج. النهي عن الصيام أيام منى وبعث عبد اللَّه بن حذافة السهمي- وقيل كعب بن مالك- ينادي في الناس بمنى: إن رسول اللَّه قال: إنها أيام أكل وشرب وذكر اللَّه. فانتهى المسلمون عن صيامهم، إلا محصر [ (5) ] أو متمتع بالعمرة إلى الحج. فإن الرخصة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يصوموا أيام منى.   [ (1) ] وفي (الواقدي) «كان يضعها على عينيه وفيه» . [ (2) ] أي تمشي على ثلاث. [ (3) ] في (خ) «أحد» . [ (4) ] أي مناسك الحج على مراتبها. [ (5) ] من الإحصار وهو الحبس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 الإفاضة يوم النحر إلى مكة وأفاض صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم النحر وأردف معاوية بن أبي سفيان من منى إلى مكة واختلف أين صلّى الظهر يومئذ؟ ويقال أفاض من نسائه مساء يوم النحر، وأمر أصحابه فأفاضوا بالنهار. الشرب من زمزم وأتى زمزم فأمر بدلو فنزع، فشرب منه وصبّ على رأسه وقال: لولا أن تغلبوا عليها يا ولد عبد المطلب لنزعت منها. ويقال: إنه نزع دلوا لنفسه. رمي الجمرات وكان يرمي الجمار حين تزيغ الشمس قبل الصلاة ماشيا- ذاهبا وراجعا- في اليومين، ورمي يوم الصدر حين زاغت الشمس قبل الصلاة، وكان إذا رمي الجمرتين علاهما، ويرمي جمرة العقبة من بطن الوادي وكان يقف عند الجمرة الأولى أكثر مما يقف عند الثانية، ولا يقف عند الثالثة، فإذا رماها انصرف. وكان إذا رمي الجمرتين وقف عندهما ورفع يديه، ولا يفعل ذلك في رمي العقبة، فإذا رماها انصرف. النهي عن المبيت بسوى منى ونهى أن يبيت أحد ليالي منى بسوى منى، ورخص للرعاء أن يبعدوا عن منى. ومن جاء منهم فرمي بالليل. رخص له في ذلك. وقال ارموا بمثل حصى الحذف. وكان أزواجه يرمين مع الليل. عدة الخطب في حجة الوداع وخطب في حجته ثلاث خطب: الأولى قبل التروية بيوم بعد الظهر بمكة، والثانية يوم عرفة بعرفة حين زاغت الشمس على راحلته قبل الصلاة، والثالثة يوم النحر بمنى بعد الظهر على راحلته القصواء، وقيل: بل خطب الثانية ثاني يوم النّحر. وقال المحبّ الطبري: دلت الأحاديث على أنّ الخطب في الحج خمس، خطبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 يوم السابع من ذي الحجّة وخطبة يوم عرفة، وخطبة يوم النحر، وخطبة القرّ [ (1) ] وخطبة يوم النفر الأول [ (2) ] ، قال الواقدي: فقال- يعنى في خطبة يوم النّحر بمنى-: خطبة يوم النحر بمنى أيها الناس، اسمعوا من قولي واعقلوه، فإنّي لا أدري: لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا! أيها الناس! أيّ شهر هذا؟ فسكتوا، فقال: هذا شهر حرام، وأي باد هذا؟ فسكتوا، فقال: بلد حرام، وأي [ (3) ] يوم هذا؟ فسكتوا، قال: يوم حرام، ثم قال: إن اللَّه قد حرّم دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرمة شهركم هذا، في بلدكم هذا، في يومكم هذا إلى أن تلقوا ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللَّهمّ اشهد، ثم قال: إنكم سوف تلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت؟ قال الناس: نعم، قال: اللَّهمّ اشهد، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، ألا وإنّ كلّ ربا في الجاهليّة موضوع، وإن كل دم في الجاهلية موضوع، [ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، قضى اللَّه أنه ربا، وإن ربا عبّاس بن عبد المطلب موضوع كله] [ (4) ] وأوّل دمائكم أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث -[كان مسترضعا في بني سعد بن ليث فقتلته هذيل]- ، ألا هل بلغت؟ قالوا: اللَّهمّ نعم، قال: اللَّهمّ اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، ألا إن كل مسلم محرم على كل مسلم، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا ما أعطي عن طيب نفس.   [ (1) ] يوم القر: الغد من يوم النحر. [ (2) ] أيام الحج: اليوم السادس من ذي الحجة: يوم الزينة. اليوم السابع من ذي الحجة: يوم التروية. اليوم الثامن من ذي الحجة: يوم منى. اليوم التاسع من ذي الحجة: يوم عرفة. اليوم العاشر من ذي الحجة: يوم الأضحى يوم الحج الأكبر. أيام التشريق: اليوم الحادي عشر من ذي الحجة يوم القر. اليوم الثاني عشر من ذي الحجة يوم النفر الأول. اليوم الثالث عشر من ذي الحجة يوم النفر الآخر. [ (3) ] في (خ) «أي» بغير واو قبلها، وهي رواية الواقدي. [ (4) ] ما بين القوسين تمام الخطبة من (ابن هشام) ج 4 ص 185. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 فقال عمرو بن يثربي: يا رسول اللَّه، أرأيت إن لقيت غنم ابن عمّي، أجتزر [ (1) ] منها شاة؟ فقال: إن لقيتها [نعجة] [ (2) ] تحمل شفرة [وأزنادا] [ (2) ] بحبت الجميش [ (3) ] فلا تهجها! ثم قال أيها الناس: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ [ (4) ] ، [ويحرموا ما أحلّ اللَّه] [ (5) ] ، ألا وإن الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض، إن عدة الشهور عند اللَّه اثنا [ (6) ] عشر شهرا في كتاب اللَّه منها أربعة حرم: ثلاثة متوالية: ذو القعدة وذو الحجّة، والمحرّم، ورجب الّذي يدعى شهر مضر: الّذي جاء بين جمادى الآخرة وشعبان، والشهر تسعة وعشرون وثلاثون «ألا هل بلّغت؟ فقال الناس: نعم، فقال: اللَّهمّ اشهد» . ثم قال: أيها الناس، إن للنساء عليكم حقا وإن لكم عليهنّ حقا: فعليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا ولا يدخلن بيوتكم أحدا تكرهونه إلا بإذنكم، فإن فعلن فإن اللَّه قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع [ (7) ] ، وأن تضربوهن ضربا غير مبرّح، فإن انتهين وأطعنكم فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وإنما النساء عندكم عوان [ (8) ] ، لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنما أخذتموهنّ بأمانة اللَّه، واستحللتم فروجهنّ بكلمة اللَّه، فاتقوا اللَّه في النساء واستوصوا بهن خيرا، ألا هل بلغت؟ قال الناس: نعم، قال: اللَّهمّ اشهد. أيها الناس، إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرونه [من أعمالكم] [ (9) ] . إن كلّ مسلم أخو المسلم، وإنما المسلمون إخوة، ولا يحل لامرئ مسلم دم أخيه ولا ماله إلا بطيب   [ (1) ] في (خ) «أجزر» ، وما أثبتناه من (مسند أحمد) ج 5 ص 113. [ (2) ] زيادات من كتب السيرة. [ (3) ] علم الصحراء بين مكة والمدينة (معجم البلدان) ج 2 ص 343. [ (4) ] من الآية 37/ التوبة، وفي (خ) إلى قوله تعالى لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ. [ (5) ] زيادة من (ابن هشام) ج 4. [ (6) ] في (خ) «اثنى عشر» . [ (7) ] في (خ) «بالمضاجع» . [ (8) ] العواني: جمع «عانية» وهي الأسيرة. [ (9) ] زيادة من (ابن هشام) ج 4، كان مكانها في (خ) «فقد رضي به» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 نفس منه، وإنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، وحسابهم على اللَّه، ولا تظلموا أنفسكم، ولا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. إني قد تركت فيكم ما لا تضلون به: كتاب اللَّه. ألا هل بلغت؟ قال الناس: نعم، قال: اللَّهمّ اشهد. يوم الصدر ثم انصرف إلى منزله، وصلّى الظهر والعصر يوم الصدر بالأبطح. قالت عائشة رضي اللَّه عنها: إنما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمحصب لأنه كان أسمح [ (1) ] لخروجه. خبر صفية وعائشة وذكر صفية بنت حييّ رضي اللَّه عنها، فقيل له: حاضت! فقال: أحابستنا هي؟ فقيل: يا رسول اللَّه، إنها قد. فاضت، قال: فلا إذن، فلما جاءت عائشة رضي اللَّه عنها من التنعيم وقضت عمرتها، أمر بالرحيل. ومرّ بالبيت فطاف به قبل الصبح. الرجوع إلى المدينة ومدة إقامة المهاجر بمكة ثم انصرف راجعا إلى المدينة. وقال إنما هي ثلاث يقيم بها [ (2) ] المهاجر بعد الصدر. وسأل سائل أن يقيم بمكة، فلم يرخص له أن يقيم إلا ثلاثة أيام، وقال: إنها ليست بدار مكث ولا إقامة. عيادة سعد بن أبي وقاص وجاء سعد بن أبي وقاص بعد حجه يعوده من وجع أصابه. فقال: يا رسول اللَّه، قد بلغ بي ما ترى من الوجع [ (3) ] ، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، فأتصدق بثلث [ (4) ] مالي؟ قال: لا! قال: فالشطر؟ قال: لا! [قال:   [ (1) ] أسمع لخروجه: أسهل لخروجه من مكة إلى المدينة. [ (2) ] أي بمكة. [ (3) ] بلغ به: أي بلغ به المرض كل مبلغ. [ (4) ] في (خ) «بثلث» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 فالثلث؟] [ (1) ] قال الثلث، والثلث كثير، إنك إن تترك [ (2) ] ورثتك أغنياء خير [ (3) ] من أن تتركهم عالة يتكففون [الناس] [ (4) ] ، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في امرأتك! فقال: يا رسول اللَّه، أخلف بعد أصحابي؟ فقال: إنك إن تخلف فتعمل صالحا تزدد خيرا ورفعة، ولعلك إن تخلف ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون. اللَّهمّ أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم. موت سعد بن خولة بمكة لكن البائس سعد بن خولة! يرثي له أن مات بمكة، [وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يكره لمن هاجر أن يرجع إليها، أو يقيم بها أكثر من انقضاء نسكه] [ (5) ] . وخلّف علي سعد بن أبي وقاص رجلا، وقال: إن مات سعد بمكة فلا تدفنه بها يكره [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (6) ] أن يموت الرجل في الأرض التي هاجر منها. وداع البيت الحرام ولما ودّع صلّى اللَّه عليه وسلّم البيت وكان في الشّوط السّابع، خلّف البيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من باب الحزورة [ (7) ] . وكان إذا قف من حجّ أو عمرة أو غزوة، فأوفى على ثنية أو فدفد كبّر ثلاثا ثم قال. لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. آئبون تائبون ساجدون عابدون، لربّنا حامدون، صدق اللَّه وعده، ونصره عبده، وهزم الأحزاب وحده [ (8) ] ، اللَّهمّ إنا نعوذ بك من وعثاء السّفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في   [ (1) ] زيادة من (ابن سعد) . [ (2) ] في (خ) «إنك أنت تترك» . [ (3) ] في (خ) «خيرا» . [ (4) ] زيادة من (ابن سعد) . [ (5) ] زيادة لتمام الخبر من (ابن سعد) . [ (6) ] زيادة للبيان. [ (7) ] كذا في (ط) ، وفي (خ) «خلف البيت» بمعنى الباب وهو كلام مضطرب، وفي (عيون الأثر) ج 2 ص 280 «ثم خرج من كدي أسفل مكة من الثنية السفلى» . [ (8) ] في (خ) «بعده» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 الأهل والمال، اللَّهمّ بلّغنا بلاغا صالحا يبلغ إلى خير، مغفرة منك ورضوانا. النزول بالمعرس والنهي عن طروق النساء ليلا ولما نزل بالمعرّس [ (1) ] ، نهي أن يطرقوا النساء ليلا، فطرق رجلان أهليهما، فكلاهما وجد ما يكره. وأناخ بالبطحاء، وكان إذا خرج إلى الحج سلك على الشجرة [ (2) ] ، وإذا رجع من مكة دخل المدينة من معرّس الأبطح، فكان في معرّسه في بطن الوادي، وكان فيه عامة الليل، فقيل له: إنك ببطحاء مباركة. إسلام جرير بن عبد اللَّه البجلي وفي هذه السنة- وهي العاشرة- قدم جرير بن عبد اللَّه جابر- وهو الشّليل [ (3) ]- بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عويف [ (4) ] بن خزيمة [ (5) ] ابن حرب بن علي [ (6) ] بن مالك بن سعد بن نذير [ (7) ] بن نسر [ (8) ]- وهو مالك- ابن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث البجليّ [ (9) ]- مسلما في شهر رمضان. إسلام فيروز وباذان بن منبه، ووفد النخع وفيها أسلم فيروز من الأبناء [ (10) ] ، وباذان، ووهب بن منبّه، باليمن. وللنصف من محرم سنة إحدى عشرة، قدم وفد النّخع- وهم مائتا رجل، فنزلوا دار رملة بنت الحارث بن عداء، وكان نصرانيا.   [ (1) ] المعرس: هو مسجد ذي الحليفة. [ (2) ] هي الشجرة التي ولدت عندها أسماء بنت محمد بن أبي بكر الصديق (رضي اللَّه عنه) . [ (3) ] في (خ) «جابر بن السليل» . [ (4) ] في الإصابة «عوف» . [ (5) ] في (خ) «خزيمة» . [ (6) ] في (خ) «عدي» . [ (7) ] في (خ) «زيد» [ (8) ] في (خ) «تس» . [ (9) ] البجلي: نسبة إلى «بجيلة» وهي أم ولد أنمار بن إراش وإليها ينسبون. [ (10) ] الأبناء: هم قوم من أبناء فارس باليمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 بعث أسامة بن زيد إلى أبني «غزو الروم» ثم كان بعث أسامة بن زيد إلى أهل أبني [ (1) ] بالشّرارة [ (2) ] ناحية بالبلقاء، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقام- بعد حجته- بالمدينة بقيّة ذي الحجة والمحرّم، وما زال يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وأصحابه رضي اللَّه عنهم، ووجد عليهم وجدا شديدا. فلما كان يوم الاثنين- لأربع بقين من صفر سنة إحدى عشر [من مهاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (3) ] ، أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالتّهيّؤ لغزو الرّوم، وأمرهم بالجدّ. أمر أسامة بالغزو وتأميره ثم دعا من الغد- يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر- أسامة بن زيد فقال: يا أسامة، سر على اسم اللَّه وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحا على أهل أبني [ (1) ] وحرّق عليهم! وأسرع السّير تسبق الخبر، فإن أظفرك اللَّه فأقلل اللبث [ (4) ] فيهم وخذ معك الأدلاء، وقدّم العيون أمامك والطلائع. ابتداء مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ووصيته لأسامة فلما كان يوم الأربعاء- لليلتين بقيتا من صفر- ابتدأ مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصدّع [ (5) ] وحمّ. وعقد يوم الخميس لأسامة لواء بيده. وقال: يا أسامة! أغز باسم اللَّه في سبيل اللَّه، فقاتلوا من كفر باللَّه [ (6) ] . اغزوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة، ولا تمنّوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللَّهمّ اكفناهم: واكفف بأسهم عنّا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصيحوا فعليكم بالسكينة والصّمت، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، وقولوا اللَّهمّ إنا عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تغلبهم أنت! واعلموا أن الجنة تحت البارقة [ (7) ] .   [ (1) ] في (خ) «أبناء» . [ (2) ] في (خ) «بالشراة» . [ (3) ] زيادة من (ابن سعد) ج 2. [ (4) ] في (خ) «الليث» . [ (5) ] صدع: (بالبناء للمجهول والتشديد) أصابه الصداع، وهو وجع الرأس. [ (6) ] في (ابن سعد) «فقاتل من كفر باللَّه» . [ (7) ] البارقة: السيوف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 خروج أسامة وجيشه فخرج أسامة فدفع لواءه إلى بريدة بن الحصيب، فخرج به إلى بيت أسامة، وعسكر بالجرف، وخرج الناس ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين [والأنصار] [ (1) ] إلا انتدب [ (2) ] في تلك الغزوة، كعمر بن الخطاب [ (3) ] ، وأبي عبيدة، وسعد بن أبي وقاص، وأبي الأعور سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل رضي اللَّه عنهم، في رجال آخرين، ومن الأنصار عدة مثل، قتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم ابن جريش. طعن رجال من المهاجرين في تأمير أسامة فقال رجال من المهاجرين- وكان أشدّهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة-: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأوّلين؟! فكثرت القالة، وسمع عمر رضي اللَّه عنه بعض ذلك فردّه على من تكلم، وأخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم به فغضب غضبا شديدا! وخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، ثم صعد المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: خطبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أمر أسامة رضي اللَّه عنه أما بعد أيها الناس، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟! واللَّه لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله! وأيم اللَّه. إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإنهما لمخيلان [ (4) ] لكل خير، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم. توديع الغزاة ثم نزل فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول. وجاء   [ (1) ] زيادة من (ابن سعد) . [ (2) ] انتدب: أسرع في النهوض إليها. [ (3) ] ذكر (ابن سعد) «أبا بكر الصديق» قبل «عمر بن الخطاب» . [ (4) ] كذا في (ط) ، و (الواقدي) ، وفي (خ) «لمجبلان» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودّعون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيهم عمر رضي اللَّه عنه. الأمر بإنفاذ بعث أسامة فقال: أنفذوا بعث أسامة. ودخلت أم أيمن رضي اللَّه عنها فقالت يا رسول اللَّه لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل، فإن أسامة إن خرج على حاله هذه لم ينتفع بنفسه، فقال أنفذوا بعث أسامة. دخول أسامة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعاؤه له فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد، ونزل أسامة يوم الأحد- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثقيل مغمور [ (1) ] ، وهو اليوم الّذي لدّوه فيه [ (2) ] ، - فدخل عليه وعيناه تهملان [ (3) ]- وعنده العباس، والنساء حوله- فطأطأ عليه أسامة فقبله، وهو [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (4) ] لا يتكلم، إلا أنه يرفع يده إلى السماء ثم يصبّها على أسامة، كأنه يدعو له. فرجع أسامة إلى معسكره. وغدا منه يوم الاثنين، فأصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مفيقا، وجاءه أسامة، فقال: أغد على بركة اللَّه، فودعه أسامة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مفيق. خروج أبي بكر إلى السنح ودخل أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال: يا رسول اللَّه، أصبحت مفيقا بحمد اللَّه واليوم يوم ابنة خارجة [ (5) ] فأذن [لي] [ (6) ] فأذن له، فذهب إلى السّنح [ (7) ] . خروج الجيش وركب أسامة إلى معسكره، وصاح في أصحابه: اللحوق بالعسكر، فانتهى إلى   [ (1) ] مغمور: مغمى عليه. [ (2) ] لدوه: أعطوه الدواء، واللدود: ما يصب بالسعط من الدواء في أحد شقي الفم (ترتيب القاموس) ج 4 ص 135. [ (3) ] تسيل دمعهما. [ (4) ] زيادة. [ (5) ] في (خ) «ابنه خارجة» ، وهي زوج أبي بكر الصديق والدة أم كلثوم بنت أبي بكر. [ (6) ] زيادة للسياق. [ (7) ] السنح: إحدى محال المدينة من أطرافها وكان بها منزل أبي بكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 معسكره فنزل، وأمر الناس بالرحيل وقد متع النهار. إبلاغ خبر وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لجيش أسامة فبينا هو يريد أن يركب من الجرف، أتاه رسول أمّه- أم أيمن- يخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يموت فأقبل إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح رضي اللَّه عنهما، فانتهوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يموت: فتوفي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول. يوم وفاته صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال السهيليّ: لا يصلح أن تكون وفاته يوم الاثنين إلا في ثاني الشهر، أو ثالث عشرة، أو رابع عشره، (أو خامس عشره) [ (1) ] . وذكر الكلبي وأبو مخنف أنه توفي في الثاني من ربيع [ (2) ] . وقد صححه ابن حزم وغيره. وقال الخوارزمي: توفي أول ربيع. رجوع الغزاة إلى المدينة ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة ابن الحصيب باللواء فغرزه معقودا عند باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما بويع أبو بكر رضي اللَّه عنه أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة، وألا يحمله أبدا حتى يغزوهم أسامة. أمر أبي بكر بتوجيه الغزو وقال [أبو بكر] لأسامة: أنفذ في وجهك الّذي وجهك فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخذ الناس بالخروج فعسكروا في موضعهم الأول، وخرج بريدة باللواء، ومشى أبو بكر رضي اللَّه عنه إلى أسامة في بيته فكلمه في أن يترك عمر رضي اللَّه عنه، ففعل وخرج فنادى مناديه: عزمة منى ألّا يتخلف عن أسامة من بعثه أحد ممن انتدب معه في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإنّي لن أوتي بأحد بطّأ عن الخروج إلا   [ (1) ] زيادة من (الروض الأنف) . [ (2) ] في (خ) «في ثامن ربيع» وما أثبتناه من (الروض الأنف) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 ألحقته به ماشيا. فلم يتخلّف عن البعث أحد. تشييع أبي بكر أسامة ثم خرج أبو بكر رضي اللَّه عنه يشيّع أسامة فركب من الجرف لهلال ربيع الآخر في ثلاثة آلاف فيهم ألف فرس وسار أبو بكر رضي اللَّه عنه إلى جنبه ساعة وقال: أستودع اللَّه دينك وخواتيم عملك، إني سمعت رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] يوصيك، فأنفذ لأمر رسول اللَّه، فأني لست آمرك ولا أنهاك عنه، إنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . غزو أسامة فحرج سريعا فوطئ بلادا هادئة لم يرجعوا عن الإسلام- جهينة وغيرها من قضاعة- حتى نزل وادي القرى، فقدّم عينا له من بني عذرة يدعى حريثا، فانتهى إلى أبنى [ (2) ] ، ثم عاد فلقى أسامة على ليلتين من أبني فأخبره أن الناس غارون ولا جموع لهم، وحثّه على سرعة السّير قبل اجتماعهم، فسار إلى أبني وعبأ أصحابه، ثم دفع عليهم الغارة فقتل وسبى، وحرّق بالنار منازلهم وحرثهم ونخلهم، ورحل مساء حتى قدم المدينة، وقد غاب خمسة وثلاثين يوما وقيل: قدم لشهرين وأيام. خبر وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونعيه إلى نفسه وكان من خبر وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن اللَّه تعالى أنذره بموته حين أنزل عليه: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [ (3) ] ، فقال نعيت إلى نفسي! فحج حجّة الوداع. عرض القرآن في رمضان وكان جبريل ينزل عليه في كل سنة مرّة، وفي شهر رمضان، فيعرض عليه القرآن مرة واحدة، وكان يعتكف العشر الأواخر [من رمضان] [ (4) ] . فلما كان في سنة موته، عرض عليه جبريل القرآن مرتين، فقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] : ما أظنّ أجلي   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] في (خ) «ابناه» . [ (3) ] أول سورة النصر [ (4) ] زيادة للبيان [ (5) ] زيادة للبيان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 إلا قد حضر! فاعتكف العشر الأواسط [ (1) ] والعشر الأواخر، وكان هذا نذيرا [ (2) ] بموته. الخروج إلى البقيع والاستغفار لأهله ثم أمر بالخروج إلى البقيع ليستغفر لأهله والشهداء ويصلى عليهم، وليكون توديعا للأموات قبل الأحياء فوثب من مضجعه في جوف الليل، فقالت عائشة رضي اللَّه عنها: أين؟ بأبي وأمي! أي رسول اللَّه! قال: أمرت أن استغفر لأهل البقيع. فخرج ومعه مولاه أبو موهبة- ويقال: أبو مويهبة، ويقال: أبو رافع- حتى جاء البقيع، فاستغفر لهم طويلا، ثم قال: ليهنئكم [ (3) ] ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضها، يتبع آخرها أوّلها، الآخرة شر من الأولى!! التخيير ثم قال: يا أبا مويهبة [ (4) ] ! إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة، فخيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة! فقال بأبي وأمي! فخذ خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة! فقال: يا أبا مويهبة! لقد اخترت لقاء ربّي والجنة. خبر شكوى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم انصرف، وذلك ليلة الأربعاء، فأصبح يوم الأربعاء محموما- لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشر- وهو في بيت زينب بنت جحش رضي اللَّه عنها واشتكى شكوى جديدة حتى قيل: هو مجنوب، يعني ذات الجنب [ (5) ] .   [ (1) ] في (خ) «الأوسط» . [ (2) ] في (خ) «نذير» . [ (3) ] في (خ) «لينهك» . [ (4) ] في (خ) «موهبة» . [ (5) ] ذات الجنب عند الأطباء نوعان: حقيقي وغير حقيقي، فالحقيقي: ورم حار يعرض في نواحي الجنب في الغشاء المستبطن للأضلاع. وغير الحقيقي: ألم يشبهه يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات، فتحدث وجعا قريبا من وجع ذات الجنب الحقيقي، إلا أن الوجع في هذا القسم محدود، وفي الحقيقي ناخس (زاد المعاد) ج 4 ص 8. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 مدة الشكوى واجتمع إليه نساؤه كلهن، فاشتكى ثلاثة عشر ليلة، وقيل أربعة عشر يوما، وقيل: اثنى عشر [ (1) ] ، بدئ صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت ميمونة رضي اللَّه عنها. صفة الشكوى وأخذته بحّة شديدة مع حمىّ موصّمة [ (2) ] مع صداع، وكان ينفث في علته شيئا يشبه نفث آكل الزبيب. ودخلت عليه أمّ بشر بن البراء بن معرور فقالت: يا رسول اللَّه! ما وجدت مثل هذه الحمّى التي عليك على أحد! فقال: إنا يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر، ما يقول الناس! قالت: يقولون يا رسول اللَّه: ذات الجنب! فقال: ما كان اللَّه ليسلّطها على رسوله، إنها همزة الشيطان. أكلة خيبر من الشاة المسمومة ولكنها من الأكلة التي أكلت أنا وابنك بخيبر من الشاة، وكان يصيبني منها عداد مرة بعد مرّة فكان هذا أوان انقطع أبهري؟ فمات صلّى اللَّه عليه وسلّم شهيدا. الخروج إلى الصلاة وكان إذا خفّ عنه ما يجد خرج فصلّى بالناس، وإذا وجد ثقلة قال: مروا الناس فليصلوا. خبر اللدود واشتد شكوه حتى غمر من شدّة الوجع، فاجتمع عنده أزواجه، وعمّه العبّاس، وأمّ الفضل بنت الحارث، وأسماء بنت عميس رضي اللَّه عنهم، فتشاوروا في لدّه [ (3) ] حين غمر- وهو مغمور- فلدوه، فوجدوا في جوفه حفلا [ (4) ] ، فلما   [ (1) ] في (خ) «اثنا عشر» . [ (2) ] في (خ) «معطمة» ، وما أثبتناه من (ط) ، ومعنى حمى موصمة: من قولك: وصمته الحمى توصيما فتوصم، آلمته فتألم (ترتيب القاموس ج 4 ص 621) [ (3) ] سبق شرح معناه. [ (4) ] كذا في (خ) ، و (ط) ولم أجد ذكر هذه الكلمة ولا معناها فيما عندي من كتب السيرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 أفاق قال من فعل هذا؟ هذا عمل نساء جئن من ها هنا! وأشار بيده إلى أرض الحبشة، وكانت أمّ سلمى وأسماء [بنت عميس] [ (1) ] رضي اللَّه عنهما لدّتاه، فقالوا: يا رسول اللَّه، خشينا أن يكون بك ذات الجنب، قال: فبم [ (2) ] لددتموني؟ قالوا: بالعود الهنديّ، وشيء من ورس، وقطرات من زيت فقال: واللَّه ما كان ليعذّبني بذلك الداء [ (3) ] . أمره ألا يبقى في البيت أحد إلا لد ّ ثم قال: عزمت عليكم لا يبقى في البيت أحد إلا لدّ، إلا عم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ]- فجعل بعضهن يلدّ بعضا، والتدت ميمونة وهي صائمة، لقسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. إقامته صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت ميمونة رضي اللَّه عنها وأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت ميمونة سبعة أيام، يبعث إلى نسائه أسماء بنت عميس يقول لهن: إن رسول اللَّه يشقّ عليه أن يدور عليكنّ، فحلّلنه. فكن يحللنه. ويروي أن فاطمة عليها السلام- بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- هي التي كانت تدور على نسائه وتقول ذلك. طوافه علي نسائه في شكواه ويروي أنه كان يحمل في ثوب يطاف به على نسائه، وذلك أن زينب بنت جحش كلمته في ذلك قال: فأنا أدور عليكنّ. فكن يحمل في ثوب يحمل بجوانبه الأربع، يحمله أبو رافع مولاه، وأبو مويهبة، وشقران وثوبان حتى يقسم لهن كما كان يقسم. فجعل يقول: أين أنا غدا؟ فيقولون: عند فلانة، فيقول: أين أنا بعد غد؟ فيقولون، عند فلانة! فعرف أزواجه أنه يريد عائشة رضي اللَّه عنها.   [ (1) ] زيادة للبيان من (ط) . [ (2) ] في (خ) «فيما» وما أثبتناه من كتب السيرة. [ (3) ] في (خ) «الدابر» وما أثبتناه من كتب السيرة. [ (4) ] يعني «العباس» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 هبة أمهات المؤمنين أيامهن لعائشة فقلن يا رسول اللَّه، قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة وروي أنه لما ثقل واشتد وجعه، استأذن أزواجه أن يمرّض في بيت عائشة، فأذن له، فخرج بين الفضل ابن العباس وعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما. تخط رجلاه في الأرض [ (1) ]- وذلك يوم الأربعاء الآخر [ (2) ]- حتى دخل بيت عائشة رضي اللَّه عنها، فأقام في بيتها حتى توفي. اشتداد الحمى وإراقة الماء عليه ولما اشتد وجعه بعد أن دخل بيتها. قال، أهريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن [ (3) ] ، لعلّي أعهد إلى الناس، فأجلسوه في مخضب [ (4) ] لحفصة رضي اللَّه عنها من صفر، ثم صبّوا عليه تلك القرب، ثم خرج إلى الناس فصلّى بهم وخطبهم: وكانت تلك القرب من بئر أبي أيوب الأنصاري رضي اللَّه عنه. خطبته قبل وفاته وخرج يوم السبت عاشر ربيع الأول- مشتملا قد طرح طرفي ثوبه على عاتقيه، عاصبا رسه بخرقة- فأحدق الناس به وهو على المنبر. فقال: والّذي نفسي بيده، إني لقائم على الحوض الساعة- ثم تشهّد واستغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد- ثم قال: ذكر التخيير إن عبدا من عباد اللَّه خيّر بين الدنيا وبين ما عند اللَّه فاختار ما عند اللَّه العبد! فبكى أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال: بأبي وأمي! نفديك بآبائنا وأمهاتنا، وبأنفسنا وأموالنا، فقال: على رسلك [يا أبا بكر] [ (5) ] سدّوا هذه الأبواب الشّوارع [ (6) ] إلى   [ (1) ] في (خ) «ورجلاه تحط الأرض، وما أثبتناه من (ابن سعد) ج 2 ص 232. [ (2) ] قوله: «بوم الأربعاء الآخر» أي التالي للأربعاء الأول الّذي بدئ فيه. [ (3) ] أريقوا، أهريقوا: صبوا: والأوكية جمع وكاء، وهو الخيط الّذي يشد به فم السقاء أو الوعاء. [ (4) ] في (خ) «محصب» ، والمخضب إناء واسع تغسل فيه الثياب. [ (5) ] زيادة للبيان من (ابن سعد) . [ (6) ] الشوارع: النافذة والمؤدية إلى المسجد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 المسجد إلا باب أبي بكر، فإنّ أمنّ [ (1) ] الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، فلو كنت متخذا في الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا. ولكن أخوة الإسلام ومودته. فقال عمر رضي اللَّه عنه: دعني يا رسول اللَّه افتح كوة: إليك حين تخرج إلى الصلاة، فقال: لا. أيها الناس، [وكان باب أبي بكر رضي اللَّه عنه في غربيّ المسجد] [ (2) ] . ثم ذكر أسامة بن زيد فقال، أنفذوا بعث أسامة- وكرر ذلك ثلاثا- فلعمري لئن قلتم في إمارة أبيه من قبله. وإنه واللَّه لخليق للأمارة، وأبوه من قبله، وإن كان لمن أحب الناس الناس إليّ. ويروي أنه قال أيضا- بعد [ذكر] [ (3) ] يا معشر المهاجرين! إنكم أصبحتم تزيدون وأصبحت الأنصار لا تزيد، هي على هيئتها التي هي عليها اليوم، وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها، ونعلي التي أطأ بها، وكرشي التي آكل فيها، فاحفظوني فيهم، فأكرموا كريمهم، وأقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن من مسيئهم، فقال رجل: يا رسول اللَّه! ما بال أبواب أمرت بها أن تفتح: وأبواب أمرت بها أن تغلق؟ قال: ما فتحتها ولا سددتها عن أمري!! خبر كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند موته واشتدّ به صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعه يوم الخميس، فقال: ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا! فتنازعوا فقال بعضهم: ما له؟ أهجر [ (4) ] ؟! استعيدوه! وقالت زينب بنت جحش وصواحبها: ائتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحاجته. فقال عمر رضي اللَّه عنه: قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللَّه، من لفلانة وفلانة؟ يعني مدائن الروم- فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليس بميت حتى يفتحها، ولو مات لا ننظره كما انتظرت بنو إسرائيل موسى!! فلما لغطوا عنده قال: دعوني! فما أنا فيه خير مما تسألوني، ثم أوصاهم بثلاث [ (5) ] : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو بما كنتم تروني أجيزهم. وأنفذوا جيش أسامة،   [ (1) ] أمنّ: أجود بماله وذات يده. [ (2) ] في (خ) سياق هذه العبارة مضطرب، وما أثبتناه من (ط) . [ (3) ] زيادة للسياق من (ط) . [ (4) ] هجر المريض أو النائم، إذا هذي ونكلم. [ (5) ] في (خ) «ما أوسهم» ، و «ثم» هي حق العبارة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 قوموا. خبر الكنيسة التي بالحبشة وتذكر [ (1) ] بعض نسائه كنيسة رأينها [ (2) ] في أرض الحبشة. فذكرت أمّ حبيبة بنت أبي سفيان وزينب بنت جحش [ (3) ] كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها مارية، وما فيها من التصاوير، فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه فقال. أولئك [قوم] [ (4) ] إذا مات الرجل الصالح منهم بنوا على قبره مسجدا ثم صوروا تلك الصور. أولئك شرار الخلق عند اللَّه! وطفق يلقي خميصة [ (5) ] على وجهه. فإذا اغتمّ بها ألقاها عن وجهه، ويقول: لعنة اللَّه علي اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد! [يحذّرهم مثل ما صنعوا] لا يبقين دينان بأرض العرب. مقالته في شكواه ولم يشك شكوى إلا سأل اللَّه العافية، حتى كان مرضه الّذي مات فيه، فإنه لم يكن يدعو بالشفاء، وطفق يقول: يا نفس مالك تلوذين كلّ ملاذ [ (6) ] ؟ التخيير بين الشفاء والغفران وأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول: إذا شئت شفيتك، وكفيتك، وإن شئت توفيتك وغفرت لك!! فقال: ذلك إلى ربي يصنع بي ما يشاء. مقالته في كرب الموت وكان لما نزل به، دعا بقدح من ماء، فجعل يمسح على وجهه ويقول: اللَّهمّ أعنّي على كرب الموت، وأخذته بحّة شديدة فجعل يقول: مع الرفيق الأعلى!   [ (1) ] في (خ) «وتذكر» . [ (2) ] في (خ) «رأسها» . [ (3) ] المعروف أن «أم سلمة» رضي اللَّه عنها هي التي هاجرت إلى الحبشة، ولم يذهب أحد من رواة السيرة إلى أن «زينب بنت جحش» رضي اللَّه عنها، هاجرت إلى الحبشة. [ (4) ] زيادة من (ابن سعد) . [ (5) ] الخميصة: كساء من الصوف أسود مربع له علمان. [ (6) ] الملاذ: الملجأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وقد شخص بصره [ (1) ] . وفاته في حجر عائشة وخبر الذهب وتوفي في حجر عائشة رضي اللَّه عنها وقد قال لها لما حضر [ (2) ]- وهو مستند إلى صدرها-: ما فعلت بالذّهب؟ فأتته بها وهي تسعة دنانير، فقال: أنفقيها!! ما ظنّ محمّد بربه لو لقي اللَّه وهي عنده؟! مسارة فاطمة ودعا صلّى اللَّه عليه وسلّم ابنته فاطمة عليه السلام، فسارّها فبكت، ثم دعاها فسارّها فضحكت، فسئلت عن ذلك بعد فقالت: دعاني أول مرّة فقال: إن القرآن كان يعرض علي في كل عام مرة، وعرض عليّ العام مرتين ولا أراني إلا ميتا في مرضي هذا! فبكيت. ثم دعاني فقال: أنت أسرع أهلي لحوقا بي! فضحكت. فماتت بعد وفاته بستّة أشهر. وقيل: أقل من ذلك. إمامة أبي بكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل موته وقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (3) ] : ما هلك نبيّ حتى يؤمّه رجل من أمته. فلما كان يوم الاثنين، صلّى أبو بكر رضي اللَّه عنه بالناس الصبح، فأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتوكأ على الفضل بن العباس وثوبان، ولم يبق امرأة ولا رجل إلا أصبح في المسجد! لوجعه عليه السلام، فخرج حتى جلس إلى جنب أبي بكر، فصلّى بصلاة أبي بكر، فلما قضي صلاته جلس- وعليه خميصة له- فقال: إنكم واللَّه لا تمسكون عليّ بشيء، إني لا أحلّ إلا ما أحل اللَّه في كتابه، ولا أحرّم إلا ما حرم اللَّه في كتابه! يا فاطمة بنت محمد! ويا صفيّة بنت عبد المطلب!! اعملا لما عند اللَّه، لا أملك لكما من اللَّه شيئا! وصلّى أبو بكر رضي اللَّه عنه بالناس- إلى أن توفّي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- سبع عشرة صلاة.   [ (1) ] شخص بصره: إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف. [ (2) ] حضر بالبناء للمجهول: إذا دنا منه الموت أو نزل به. [ (3) ] زيادة للبيان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 وفاته وتوفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضحى يوم الإثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجره- وقيل مستهله، وقيل ثانيه-، فبعث العبّاس رضي اللَّه عنه في طلب أبي عبيدة بن الجراح، وكان يشقّ: [يضرح] [ (1) ] وبعث في طلب أبي طلحة، وكان يلحد [ (2) ] ، وقال اللَّهمّ اختر لنبيك! فوجد أبو طلحة. حيث دفن وقال أبو بكر رضي اللَّه عنه- وقد اختلفوا أين يدفن-: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما مات نبي قط إلا دفن حيث يقبض. فخط له صلّى اللَّه عليه وسلّم حول الفراش، ثم حوّل بالفراش في ناحية البيت، وحفر أبو طلحة القبر، فانتهى به إلى أصل الجدار إلى القبلة، وجعل رأسه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما يلي بابه الّذي كان يخرج منه إلى الصلاة. ثم غسلوه من بئر عرس، وكان يشرب منها. جهاز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولما أخذوا في جهازه أمر العباس رضي اللَّه عنه فأغلق الباب، فنادت الأنصار نحن أخواله، ومكاننا من الإسلام مكاننا، وهو ابن أختنا!! ونادت قريش: نحن عصبته [ (3) ] ، فأدخل من الأنصار أوس بن خولي، وأحضروا الماء من بئر عرس، واحضروا سدرا وكافورا، فأرسل اللَّه عليهم النوم فما منهم رجل إلا واضعا لحيته على صدره وقائل يقول ما ندري من هو!: اغسلوا نبيكم وعليه قميصه! فغسّل في القميص. وغسّل الأولى بالماء القراح، والثانية بالماء والسدر والثالثة بالماء والكافور. الغسل وغسّله عليّ والفضل بن عباس- وكان الفضل رجلا أيّدا [ (4) ]-، وكان يقلّبه   [ (1) ] ضرح الضريح للميت: حفر له فشق في وسط القبر (وكان ذلك عمل أهل مكة لموتاهم) . [ (2) ] لحد اللحد للميت: حفر وشق في جانب القبر (وكان ذلك عمل أهل المدينة لموتاهم) . [ (3) ] عصب الرجل: أقاربه من جهة الأب. [ (4) ] الأيد: الشديد القوي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 شقران، ووقف العباس بالباب وقال: لم يمنعني أحضر غسله إلا أني كنت أراه يستحي أني أراه حاسرا [ (1) ] . وذهب علي رضي اللَّه عنه يلتمس من بطن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ما يلتمس من بطن الميت، فلم يجد شيئا، فقال: بأبي وأمي!! ما أطيبك حيا وميتا!! وقيل غسله علي، والعباس وابنه الفضل يعينانه، وقثم وأسامة وشقران يصبون الماء. الكفن واشترى له عليه السلام حلة حبرة بتسعة دنانير ونصف ليكفّن بها. ثم بدا لهم فتركوها. فابتاعها عبد اللَّه بن أبي بكر. وكفّن صلّى اللَّه عليه وسلّم في ثلاثة أثواب سحوليّة بيض [ (2) ] ، أحدها برد حبرة. وقيل: أحدها حلة حبرة وليس فيها قميص ولا عمامة وأدرج في أكفانه. وقيل: كفّن في حلة حبرة وقميص. وفي رواية: في حلة حمراء نجرانية وقميص. وقيل: إن الحلة اشتريت له فلم يكفّن فيها. وقيل كفّن في سبعة أثواب، وهو شاذ. وقيل: كفن في ثلاثة أثواب: قميصه الّذي مات فيه، وحلة نجرانية، وهو ضعيف، وحنّط بكافور، وقيل: بمسك [ (3) ] . الصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم وضع على سريره، وكان ألواحا ثم أحدثت له بعد ذلك قوائم، ووضع السرير على شفير القبر، ثم كان الناس يدخلون زمرا زمرا. يصلون عليه. أول من صلّى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأوّل من صلّى عليه العباس وبنو هاشم. ثم خرجوا ودخل المهاجرون، ثم الأنصار: زمرة زمرة، ثم دخل الصبيان، ثم النساء. وقيل صلّي عليه اثنتان وسبعون صلاة [ (4) ] .   [ (1) ] حاسرا: كاشفا ثيابه. [ (2) ] سحولية: نسبة إلى سحول، وهي قرية باليمن. [ (3) ] الحنوط طين يحنّط للميت. [ (4) ] في (خ) «اثنان وسبعون» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 خبر أمهات المؤمنين وقد قامت أمهات المؤمنين يلتدمن على صدورهن [ (1) ] : وقد وضعن الجلابيب عن رءوسهن، ونساء الأنصار يضربن الوجوه، وقد بحّت حلوقهنّ من الصياح [ (2) ] . الصلاة عليه ولم يزل صلّى اللَّه عليه وسلّم موضوعا على سريره، من حين زاغت الشمس في يوم الاثنين إلى حين زاغت الشمس يوم الثلاثاء، فصلي عليه وسريره على شفير قبره. يوم دفنه ودفنوه ليلة الأربعاء سحرا. وقيل: دفن يوم الثلاثاء، وقيل: ليلة الثلاثاء. وقيل: يوم الاثنين عند الزوال. قاله الحاكم وصحّحه. وقال ابن عبد البرّ: أكثر الآثار على أنه دفن يوم الثلاثاء، وهو قول، أكثر أهل الأخبار. فلما أرادوا أن يقبروه [ (3) ] نحّوا السرير قبل رجليه [ (4) ] ، فأدخل من هناك. لحده ومن دخل فيه ودخل حفرته العبّاس، والفضل بن عباس، وقثم بن عباس، وعلي، وشقران رضي اللَّه عنهم، ويروي أنه نزل أيضا أسامة بن زيد وأوس بن خولي: وبني عليه في لحده بتسع لبنات، وضرح في لحده سمل قطيفة نجرانية كان يلبسها [ (5) ] . ثم خرجوا وهالوا التراب، وجعلوا ارتفاع القبر شبرا وسطحوه، وجعلوا عليه   [ (1) ] لدمت المرأة صدرها أو التدمت صدرها: ضربته. [ (2) ] لم يثبت عن أمهات المؤمنين أنهن قد قمن بشيء من لطم الخدود وغير ذلك من الأعمال المنهي عنها شرعا عل لسان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكل ما ورد في ذلك ما رواه (ابن سعد) ج 2 ص 289: «حتى إذا فرغت الرجال دخلت النساء فكان منهن صوت وجزع لبعض ما يكون منهن فسمعن هذه في البيت ففرقن فسكتن. وروي (ابن الأثير) في (الكامل) ج 2 ص 320: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «دنا الفراق والمنقلب إلى اللَّه وسدرة المنتهى والرفيق الأعلى..» إلى أن قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: « ... ثم ادخلوا على فوجا فوجا فصلوا على ولا تؤذوني بتزكية ولا رنة» . وانظر أيضا: (البداية والنهاية) ج 5 ص 278. [ (3) ] في (خ) «بقبره» . [ (4) ] نحّى الشيء: أبعده ناحية. [ (5) ] السمل: الخلق البالي من الثياب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 حصباء ورش بلال رضي اللَّه عنه على القبر الماء بقربة: فبدأ من قبل رأسه من شقه الأيمن حتى انتهى إلى رجليه، ثم ضرب الماء إلى الجدار، ولم يقدر أن يدور من الجدار. عمره عند وفاته صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان عمره صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم توفاه اللَّه ثلاثا وستين سنة على الصحيح. وقيل كان ستين. وقيل خمسا وستين. وهذه الأقوال الثلاثة في صحيح البخاريّ عن ابن عباس رضي اللَّه عنه [ (1) ] . فصل في ذكر أسمائه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عدة أسماء: منها ما سماه اللَّه- عزل وجل- به في القرآن الكريم، ومنها ما سمي به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نفسه، وقد سمّي بعدة أسماء كثيرة. فذكر الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن وهبة بن عساكر- رحمه اللَّه- عشرين اسما. وذكر الحافظ أبو الفرح عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي- رحمه اللَّه- ثلاثة وعشرين اسما [ (2) ] وقال الحافظ أبو الخطاب عمر بن حسن بن دحية- رحمه اللَّه- ثلاثمائة اسم في كتابه (المستوفي في أسماء المصطفى) [وقال] [ (3) ] : أنه إذا فحص عن جملتها من الكتب المتقدمة والقرآن العظيم والحديث النبوي بلغت ثلاثمائة اسم. وذكر أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن الحرالّي تسعة وتسعين اسما. وذكر القاضي أبو بكر محمد بن عبد اللَّه بن العربيّ المعافري في شرح جامع الترمذي عن بعض الصوفية: أن للَّه تعالى ألف اسم، وللنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ألف اسم، عرف منها أربعة وستون اسما فذكرها.   [ (1) ] آخر النسخة (ط) وهو ما يقابل السطر الثالث والعشرين من ص 179 من النسخة (خ) . [ (2) ] (صفة الصفوة لابن الجوزي) ج 1 ص 54، 55 باب ذكر أسماء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (3) ] زيادة للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 وأشهر أسمائه صلّى اللَّه عليه وسلّم (محمد) و (أحمد) ، وهما اسمان من أسماء الأعلام التي يراد بها التمييز بين الأشخاص، وكل منهما ومن بقية أسمائه يشتمل على معنى من معاني الفضل. ومن تأمل علم أنه ليس من أسماء الناس اسم يجمع من [معاني صفات الحمد] [ (1) ] ما يجمعه هذان الاسمان، فأحمد اسم منقول من صفة لأفعل، وتلك الصفة- أفعل- التي يراد بها التفضيل، فمعنى أحمد: أي أحمد الحامدين لربه. والأنبياء عليهم السلام كلهم حامدون للَّه تعالى، إلا أن نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثرهم حمدا، فيكون هو الأحق بالحمد، ومحمد هو البليغ في الحمد، فمن سمّي بهذين الاسمين فقد سمّي بأجمع الأسماء لمعاني الفضل. يقال رجل محمد ومحمود، إذا كثرت خصاله المحمودة، ومعنى الاسمين واحد، فإنّ وصف الشخص بأنه أحق بالحمد مبالغة في حمده، والمبالغة في حمده تقدير له في الحمد على من لا يبالغ في حمده، فأحمد على هذا هو محمد، ومحمد أحمد. وقد ذكر اللَّه جل جلاله هذين في كتابه فقال تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [ (2) ] ، وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [ (3) ] ، وقال: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ (4) ] . وخرّج الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري- رحمه اللَّه- في صحيحه من حديث سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه: قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا تعجبون كيف يصرف اللَّه عني شتم قريش ولعنهم؟ - يشتمون مذمما، ويلعنون مذمما، وأنا محمد [ (5) ] . وخرّج النسائي أيضا، وذكر أبو الربيع بن سالم أنه روي عن عبد المطلب إنما سماه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمدا لرؤيا رآها، زعموا أنه رأى في منامه سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الأرض، وطرف المشرق وطرف في   [ (1) ] ما بين القوسين غير واضح في التصوير من النسخة (خ) ولعل ما أثبتناه هو المناسب. [ (2) ] من الآية 29/ الفتح. [ (3) ] من الآية 144/ آل عمران. [ (4) ] من الآية 6/ الصف. [ (5) ] (صحيح البخاري) ج 2 ص 270 باب ما جاء في أسماء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 المغرب، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها في نور وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلقون بها فقصها. فعبّرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب، ويحمده أهل السماء والأرض، فلذلك سماه محمدا، مع ما حدثته آمنة به [ (1) ] . وقال أبو القاسم السهيليّ [ (2) ] : لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا ثلاثة طمع آباؤهم حيث سمعوا بذكر محمد وبقرب زمانه وأنه يبعث بالحجاز، أن يكون ولدا لهم، ذكرهم ابن فورك في كتاب الفصول، وهم: محمد ابن سفيان بن مجاشع جد [ (3) ] الفرزدق الشاعر، والآخر: محمد بن أحيحة بن الجلاح ابن الحريش بن جمحي بن كلفة بن عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس، والآخر: محمد بن حمران بن ربيعة. وكان آباؤهم الثلاثة قد وفدوا على بعض الملوك، وكان عنده علم من الكتاب الأول، فأخبرهم بمبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وباسمه، وكان كل واحد منهم قد خلّف امرأته حاملا، فنذر كل واحد منهم: إن ولد له ذكر أن يسميه محمدا، ففعلوا ذلك. وذكر القاضي عياض: من تسمي بمحمد في الجاهلية فبلغوا ستة، ثم قال في هذين الاسمين من عجائب خصائصه وبدائع آياته شيء آخر، هو أن اللَّه جلّ اسمه حمى أن يسمّى بهما أحد قبل زمانه، أما أحمد الّذي أتى في الكتاب وبشرت به الأنبياء. فمنع اللَّه تعالى بحكمته أن يسمّى به أحد غيره، ولا يدعى به مدعو قبله، حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب، أو شك [ (4) ] . وكذلك محمد أيضا لم يسمّ به أحد من العرب ولا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده صلّى اللَّه عليه وسلّم وميلاده، أن نبيا يبعث اسمه محمد، فسمّى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك، رجاء أن يكون أحدهم هو، واللَّه أعلم حيث يجعل رسالته، وهم: محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، ومحمد بن برّاء البكري، ومحمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد بن حمران الجعفي، ومحمد   [ (1) ] (الروض الأنف) ج 1 ص 182 «مع ما حدثته به أمه حين قيل لها: إنك حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وضعتيه فسميه محمد» . [ (2) ] (المرجع السابق) ج 1 ص 182. [ (3) ] في (خ) «جد الفرزدق» وما أثبتناه من (السهيليّ) ج 1 ص 182. [ (4) ] (الشفاء للقاضي عياض) ج 1 ص 145. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 ابن خزاعيّ السلمي، لا سابع لهم. ويقال: أول من سمى محمدا، محمد بن سفيان، واليمن تقول: بل محمد ابن اليحمد من الأزد، ثم حمى اللَّه كل من تسمى به أن يدّعي النبوة، أو يدعيها أحد له، أو يظهر عليه سبب يشك أحدا في أمره حتى تحققت السمتان له صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم ينازع فيهما. قال كاتبه. وذكر محمد بن مسلمة الأنصاري فيهم، فيه نظر من حيث أنه ولد بعد ولادة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بنحو عشر سنين، ولكنه صحيح من حيث أنه لم تكن النبوة ظهرت- واللَّه أعلم. وذكر ابن سعد فيهم: محمد الجشمي في بني سراة، ومحمد الأسيدي، ومحمد الفقيمي. وقال أبو العباس المبرد: فتش المفتشون فما وجدوا بعد نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم من اسمه أحمد قبل أبي الخليل بن أحمد. وللبخاريّ من حديث الزهري، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول [ (1) ] : إن لي أسماء، أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الّذي يمحو اللَّه بي الكفر، وأنا الحاشر الّذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الّذي ليس بعدي أحد، وقد سماه اللَّه رءوفا رحيما، ذكره البخاري في التفسير، وانتهى حديثه عند قوله: وأنا العاقب. وذكره مسلم أيضا من حديث عقيل، قال: قلت: لابن شهاب وما العاقب؟ قال: الّذي ليس بعده نبي [ (2) ] . ومن حديث معمر وعقيل: وأنا الماحي الّذي يمحو اللَّه بي الكفر [ (3) ] ، وللبخاريّ من حديث مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لي خمسة أسماء: أنا محمد وأحمد، وأنا الماحي الّذي   [ (1) ] في رواية (البخاري) ج 2 ص 220 «سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لي أسماء» . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 106. [ (3) ] في (خ) «الكفرة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 يمحو اللَّه بي الكفر، وأنا الحاشر الّذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب. وذكره البخاري في المناقب في باب ما جاء في أسماء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: تفرد برفعه عن مالك جويرية بن أسماء، ورواه عبد اللَّه ابن وهب، وبشر بن عمرو الزهراني، ويحيى بن عبد اللَّه بن بكير المصري عن مالك مرسلا لم يذكر فيه جبيرا، ورفعه صحيح عن الزهري، فقد وصله عنه يونس ابن زيد، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي، وسفيان بن عيينة (انتهى) . وقد رفعه عن مالك غير جويرية بن أسماء قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: وقد ذكر حديث مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم أن النبي هكذا روي هذا الحديث [رواه] [ (1) ] يحيى مرسلا لم يقل عن أبيه، وتابعه على ذلك أكثر رواة الموطأ، وممن تابعه على ذلك القيعي وابن بكير، وابن وهب وابن القاسم، وعبد اللَّه بن يوسف، وابن أبي أويس، وعبد اللَّه بن مسلم الدمشقيّ، وأسنده عن مالك معن بن عيسى، ومحمد بن المبارك الصوري، ومحمد بن عبد الرحيم، وابن شروس الصنعاني، وإبراهيم بن طهمان، وحبيب ومحمد بن وهب، وأبو حذافة، وعبد اللَّه بن نافع، وأبو المعتب الزهري، كل هؤلاء رواه عن مالك مسندا عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه. وخرجه مسلم من حديث سفيان عن الزهري، سمع محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا أحمد، وأنا محمد، وأن الماحي الّذي يمحي بي الكفر، وأنا الحاشر الّذي يحشر الناس على عقبي، وأنا العاقب، والعاقب الّذي ليس بعده نبي [ (2) ] . وخرجه عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن لي أسماء: أنا أحمد وأنا محمد، وأنا الماحي الّذي يمحو اللَّه بي الكفر، وأنا الحاشر يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب، قال: قلت للزهري: وما العاقب؟ قال: الّذي ليس بعده نبي. وخرجه مسلم أيضا عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق، وأخرجه أيضا من   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 104. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 حديث يونس بن يزيد عن الزهري، وقال في الحديث: وأنا العاقب الّذي ليس بعده أحد، وقد سمّاه اللَّه رءوفا رحيما [ (1) ] ، ويحتمل أن تكون تفسير العاقب من قول محمد بن شهاب الزهري، كما بينه معمر، وقوله: وقد سماه اللَّه رءوفا رحيما، من قول الزهري، واللَّه أعلم. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: سألت سفيان- يعني ابن عيينة- عن العاقب فقال لي: آخر الأنبياء. قال أبو عبيد: وكذلك كل شيء خلف بعد شيء فهو عاقب، وقد عقب يعقب عقبا، ولهذا قيل: ولد الرجل بعده عقبة، وكذلك آخر كل شيء عقبه. وقوله يحشر الناس على قدمي: أي قدّامي وأمامي. أي أنهم مجتمعون إليه، وينضمون حوله، ويكونون أمامه يوم القيامة ووراءه. وقال الخليل بن أحمد حشرتهم السنة: إذا ضمتهم من البوادي، وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (2) ] . وقد روي: يحشر الناس على قدمي بالإفراد مخفف الياء، وروي بتشديد الياء على التثنية [ (3) ] . وقيل معناه أنه أول من يبعث من القبر، وكل من عداه إنما يبعثون بعده، وهو أول من يذهب به من المحشر ثم الناس في إثره. وقيل معنى قوله وأنا الماحي، يعني تمحى به سيئات من اتبعه. وخرج أبو داود الطيالسي من حديث جابر [عن] نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: أنا محمد وأنا أحمد والحاشر ونبي التوبة ونبي الملحمة. ولمسلم من حديث الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسمي لنا نفسه أسماء فقال:   [ (1) ] المرجع السابق ص 105. [ (2) ] من الآية 40/ الأحزاب. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 105. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 أنا محمد وأحمد [ (1) ] والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الملحمة [ (2) ] . وقد روي من عدة طرق عن الليث بن سعد رحمه اللَّه قال: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة عن مسلم عن نافع بن جبير بن مطعم أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك: أتحصي أسماء رسول اللَّه التي كان جبير بن مطعم يعدها؟ قال نعم، قال هي ستة: محمد وأحمد وخاتم وحاشر وعاقب وماحي، فأما حاشر: فبعث مع الساعة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، وأما عاقب، فإنه عقب الأنبياء، وأما ماحي، فإن اللَّه عزّ وجلّ محا به سيئات من اتبعه. وذكره الحاكم في المستدرك وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، وقد قيل إنه إنّما سمي نبي التوبة لأنه أخبر أن اللَّه يقبل التوبة من عباده إذا تابوا، وسمي نبي الملحمة لأن اللَّه فرض عليه قتل الكفار، وجعله شرعا باقيا إلى قيام الساعة، فما فتح مصرا من الأمصار إلا بالسيف أو خوفا من السيف، إلا المدينة النبويّة فإنّها فتحت بالقرآن. وقيل معنى المقفى: المتبع للأنبياء عليهم السلام، يقال قفوته أقفوه، وقفيته أقفيه إذا اتبعته، وقافية كل شيء آخره، وقيل لأنه قفي إبراهيم عليه السلام. وقيل المقفي لموسى وعيسى عليهما السلام، لنقل قومهما من اليهودية والنصرانية إلى الحنفية. وقيل إنما اقتصر صلّى اللَّه عليه وسلّم على هذه الأسماء مع أن له أسماء غيرها، لأنها موجودة في الكتب المتقدمة، وعند الأمم السالفة. وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما أنا رحمة مهداة، ورواه وكيع عن الأعمش عن أبي صالح منقطعا. وروي الكلبي عن أبي صالح عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما في قول اللَّه سبحانه: طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [ (3) ] ، يا رجل ما أنزلنا عليك   [ (1) ] في (خ) «أنا محمد ومحمد وأحمد» . [ (2) ] ونحوه (في سنن الترمذي) ج 4 ص 214 حديث رقم 2996 وفي (الشمائل المحمدية للترمذي) ص 196، 197. [ (3) ] أول سورة طه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 القرآن لتشقى، وكان يقوم الليل على رجليه، فهي لعلك [ (1) ] ، إن قلت لعكيّ يا رجل، لم يلتفت، فإذا قلت له طه، التفت إليك [ (2) ] . وقال الخليل بن أحمد: خمسة من الأنبياء ذوو اسمين: محمد وأحمد نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعيسى والمسيح، وإسرائيل ويعقوب، ويونس وذو النون، وإلياس وذو الكفل، عليهم السلام [ (3) ] . وقال أبو زكريا بن محمد العنبري: ولنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسة أسماء في القرآن: محمد، وأحمد، وعبد اللَّه، وطه ويس، قال اللَّه تعالى في ذكر محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وقال: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ (4) ] وقال: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [ (5) ] : يعني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [ (5) ] . وإنما كانوا يقعون بعضهم على بعض كما أن اللبد تتخذ من الصوف فيوضع بعضه على بعض فيصير لبدا. قال تعالى: طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى، والقرآن إنما نزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دون غيره. وقال تعالى: يس يعني يا إنسان، والإنسان ها هنا: هو محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، وقد سماه اللَّه تعالى في القرآن الكريم رسولا ونبيا أميا، وسماه شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى اللَّه بإذنه وسراجا منيرا، وسماه رءوفا رحيما، وسماه نذيرا مبينا، وسماه مذكّرا، وجعله رحمة [للعالمين صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (6) ] . وعن كعب الأحبار قال: قال اللَّه تعالى لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم: عبدي المختار. وعن سفيان بن عيينة قال: سمعت على بن زيد يقول: اجتمعوا فتذاكروا أي بيت أحسن فيما قالت العرب؟ قالوا: الّذي قال أبو طالب، للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم:   [ (1) ] لعلك: قبيلة يضاف إليها مخلاف باليمن (معجم البلدان) ج 4 ص 142. [ (2) ] وفي (تفسير الطبري) في معنى قوله تعالى: طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى: «والّذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه قول من قال: معناه: يا رجل، لأنها كلمة معروفة في لعك فيما بلغني، وأن معناها فيهم: يا رجل» (تفسير الطبري) ج 16 ص 136. [ (3) ] ذكره (القرطبي) في (الجامع لأحكام القرآن) ج 1 ص 281. [ (4) ] من الآية 6/ الصف. [ (5) ] آية 19/ الجن. [ (6) ] ما بين القوسين مطموس في (خ) بقدر كلمتين أو ثلاثة ولعل ما أثبتناه هو المناسب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 وشق له من اسمه يجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد ومن أسمائه: الضحوك القتال، والأمين، والقثم، وأحيد، لأنه يحيد أمته عن نار جهنم، فهو محمد وأحمد والأمين، والأمي والحاشر والخاتم، والرسول، ورسول اللَّه والشاهد والضحوك، والعاقب والفاتح، والقتال والقثم، والماحي والمصطفى، والمتوكل والمقفي، والنبي والنذير، ونبي الرحمة، ونبي الملاحم. فصل في ذكر كنية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن الكنية إنما وضعت لاحترام المكنى بها وإكرامه وتعظيمه، كي لا يصرح في الخطاب باسمه، ومنه قول [الشاعر] [ (1) ] : أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسّوأة اللقبا ويقال كنيت الرجل بأبي فلان، وأبا فلان على تعدية الفعل، بعد إسقاط الحرف كلية بكسر الكاف وضمها. وكذلك يقال: كنيته، وكنية فلان أبو فلان، وكذلك كنيته بالكسر، أي الّذي يكنى به. وقال اللحياني: يقال كنية، وكنية، وكنية، وكنوة، وكنوة، وكنوة. وقال المبرد: الكنية من الكناية، والكناية ضرب من التعظيم والتفخيم، فيعظم الرجل أن يدعى باسمه فيكنى. ووقعت الكنية في الصبي على جهة التفاؤل بأن يكون له ولد فيدعى به، وفي الكبير بأن يصان اسمه باسم ابنه، وقال غيره: يقال كنوته وكنيته. وقال المطرزي: يقال أيضا: أكنيته من الكنية، ويقال-: إن الأصل في سبب الكنى في العرب أن ملكا من ملوكهم الأول ولد له ولد، توسم فيه النجابة، فشغف به حتى إذا نشأ وترعرع لأن يؤدب أدب الملوك، أحب أن يفرد له موضعا بعيدا من العمارة، يكون فيه مقيما يتخلق بأخلاق الملوك من مؤدبيه، ولا يعاشر من يضيع عليه بعض زمانه، فبنى له في البرية منزلا ونقله إليه، ورتب إليه من يؤدبه بأنواع الآداب العلمية والملكية، فأقام له ما يحتاج إليه من أمر دنياه، ثم أضاف   [ (1) ] ما بين القوسين بياض في (خ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 إليه من أقرانه وأضرابه من أولاد بني عمه، وأمرائه ليؤنسوه ويتأدبوا بآدابه، ويحببوا إليه الأدب بموافقتهم له عليه. وكان الملك في رأس كل سنة [يذهب] [ (1) ] إلى ولده، ويستصحب معه من أصحابه من له عند ولده ولد، ليبصروا أولادهم، وكانوا إذا وصلوا إليهم سأل ابن الملك عن أولئك الذين جاءوا مع أبيه ليعرفهم بأعيانهم، فيقال له: هذا أبو فلان: وهذا أبو فلان، يعنون آباء الصبيان الذين هم عنده، فكان يعرفهم بإضافتهم إلى أبنائهم، فمن هنالك ظهرت الكنى في العرب. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكنى بأبي القاسم، وبأبي إبراهيم، خرّج البخاري ومسلم من حديث حميد عن أنس رضي اللَّه عنه قال: نادى رجل رجلا بالبقيع: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال [الرجل] [ (2) ] يا رسول اللَّه إني لم أعنك!! إنما دعوت فلانا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي واللفظ لمسلم [ (3) ] . وقال البخاري: دعا رجل رجلا. وقال: سموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي، ذكره في البيوع في باب ما ذكر في الأسواق. وفي لفظ له: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في السوق، فقال رجل: يا أبا القاسم، فالتفت إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال [الرجل] [ (4) ] : إنما دعوت هذا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي [ (5) ] . وذكره أيضا في المناقب. وخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة عن سليمان ومنصور وقتادة، سمعوا   [ (1) ] مكان هذه الكلمة في (خ) ما رسمه «بعنى» ، ولم أتبين معناه، ولعل ما أثبتناه يعمم المعنى. [ (2) ] زيادة للإيضاح. [ (3) ] (صحيح البخاري) ج 2 ص 270، (سنن ابن ماجة) ج 2 ص 1230، 1231 باب (33) الجمع بين اسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وكنيته، الأحاديث أرقام 3735، 3736، 3737. [ (4) ] زيادة للإيضاح. [ (5) ] سنن الترمذي ج 4 ص 214، 215 باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وكنيته، الأحاديث أرقام 2997، 2998، 2999، 3000 وقال فيه: حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا يحيى ابن سعيد القطان، أخبرنا قطر بن خليفة حدثني منذر، وهو الثوري عن محمد، وهو ابن الحنفية عن علي بن أبي طالب أنه قال: «يا رسول اللَّه أرأيت إن ولد لي بعدك أسميه محمدا وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم، قال: فكانت رخصة لي» ، هذا حديث حسن صحيح، انظر أيضا: سنن أبي داود ج 5 باب قم 74، ورقم 75، ورقم 76 الأحاديث أرقام 4965، 4966، 4967، 4968. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تعالى عنه قال: ولد لرجل من الأنصار غلام، فأراد أن يسميه محمدا، قال شعبة في حديث منصور أن الأنصاري قال: حملته على عنقي، فأتيت به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي حديث سليمان: ولد له غلام فأراد أن يسميه محمدا، قال: سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإنّي جعلت قاسما أقسم بينكم، ذكره البخاري في كتاب الخمس وفي كتاب الأدب. وذكر له مسلم عدة طرق، في بعضها: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإنما أنا قاسم أقسم بينكم. وفي بعضها: فإنما بعثت قاسما أقسم بينكم، وفي بعضها: فإنّي أنا أبو القاسم أقسم بينكم. وللترمذي من حديث أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي، أنا أبو القاسم، اللَّه يرزق وأنا أقسم. وخرج الدارميّ من حديث عقيل عن ابن شهاب عن أنس أنه لما ولد إبراهيم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من مارية جاريته، كان يقع في نفس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منه حتى أتاه جبريل عليه السلام فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم [ (1) ] . قال جامعه: وللناس في التكني بأبي القاسم ثلاثة مذاهب: المنع مطلقا، وإليه ذهب الشافعيّ، والجواز مطلقا، وأن النهي خاص بحياة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . والثالث: لا يجوز لمن اسمه محمد، ويجوز لغيره. قال الرافعي: ويشبه أن يكون هذا هو الأصح: لأن الناس ما زالوا يفعلونه في جميع الأعصار من غير إنكار. وقال النووي: هذا مخالف لظاهر الحديث، وأما إطباق الناس عليه ففيه تقوية للمذهب الثاني. وحكي الطبري مذهبا رابعا له هو المنع من التسمية بمحمد مطلقا ومن التكنية بأبي القاسم مطلقا [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) ج 6 ص 650 باب كنية النبي. [ (2) ] انظر التعليق السابق. [ (3) ] ذكر (البيهقي) في (السنن الكبرى) ج 9 ص 308، 309 في باب ما يكره أن يتكني به: «قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 فصل في ذكر صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ربعه، بعيد ما بين المنكبين، أبيض اللون مشربا حمرة، يبلغ شعره شحمة أذنيه، وكان شعره فوق الجمة، ودون الوفرة، ودخل مكة وله أربع غدائر، وكان سبط الشعر، في لحيته كثافة ومات صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يبلغ الشيب في رأسه ولحيته عشرين شعرة، وكان ظاهر الوضاءة، يتلألأ وجهه كالقمر ليلة البدر، وكان كما وصفته عائشة رضي اللَّه عنها بما قاله شاعره حسان بن ثابت رضي اللَّه عنه [ (1) ] : متى يبد في الداجي البهيم جبينه ... يلح مثل مصباح الدجى المتوقد فمن كان أو قد يكون كأحمد ... نظام لحق أو نكال لملحد وكما كان أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه يقول إذا رآه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمسى مصطفى بالخير يدعو ... كعضو البدر زايله الظلام وكما كان عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه ينشد إذا رآه: لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المعني لليلة البدر وكان أبيض اللون، ليس بالأبيض الأمهق [ (2) ] ولا بالآدم [ (3) ] ، أقنى العرنين [ (4) ] ،   [ () ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، فإنما أنا قاسم بعثت أقسم بينكم» ، وفي باب من رأى الكراهة في الجمع بينهما: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «من تسمي باسمي فلا يكنى بكنيتي، ومن تكنى بكتيتي فلا يتسمي باسمي» ، وفي باب ما جاء في الرخصة في الجمع بينهما ما رواه محمد بن الحنفية عن علي رضي اللَّه عنه، ثم قال: والحديث مختلف في وصله، وتعقبه صاحب (الجوهر النقي) ص 309 بأن (الترمذي) قد أخرج هذا الحديث، وصححه، وذهب إلى جواز التكني بأبي القاسم لمن اسمه محمد، مذهب مالك وجمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء، وقد اشتهر جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول، وفيما بعد ذلك إلى اليوم مع كثرة فاعلي ذلك، وعدم الإنكار، كذا في شرح مسلم للنووي. [ (1) ] ديوان حسان بن ثابت ص 380. [ (2) ] مهق مهقا: كان لونه أبيض ناصع البياض بغير حمرة، وهو معيب في لون الإنسان، فهو أمهق (المعجم الوسيط) ج 2 ص 890. [ (3) ] أدم أدما وأدمة: اشتدت سمرته: فهو آدم. المرجع السابق ج 1 ص 10. [ (4) ] قوله: أقنى العرنين: القنا أن يكون في عظم الأنف احديداب في وسطه، والعرنين: الأنف (صفة الصفوة) ج 1 ص 162. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 سهل الخدين، أزج الحاجبين [ (1) ] أقرن [ (2) ] ، أدعج العينين [ (3) ] ، في بياض عينيه عروق حمر دقاق، حسن الخلق معتدلة، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، دقيق السرة، كأن عنقه إبريق فضة، من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن الكف والقدم، ضليع [ (4) ] الفم أشنب، مفلج الأسنان [ (5) ] ، بادنا متماسكا [ (6) ] سواء البطن والصدر، ضخم الكراديس [ (7) ] ، أنور المتجرد، أشعر الذراعين والمنكبين، عريض الصدر طويل الزندين، رحب الراحة، شائل الأطراف [ (8) ] خمصان [ (9) ] ، بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمام يشبه حسده، إذا مشى كأنما يتحدّر من صبب [ (10) ] وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر [ (11) ] ، وإذا التفت التفت جميعا، كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من ريح المسك [ (12) ] .   [ (1) ] أزج الحاجبين: أي مقوس الحاجبين. [ (2) ] القرن (بالتحريك) : اقتران الحابين بحيث يلتقي طرفاهما. [ (3) ] الأدعج: الشديد سواد العينين. [ (4) ] الضليع: الواسع، والعرب تمدح ذلك، لأن سمته دليل الفصاحة. [ (5) ] الفلج: انفراج ما بين الأسنان. [ (6) ] البادن: السمين المعتدل السمن. [ (7) ] الكراديس: رءوس العظام. [ (8) ] السائل والشائل: الطويل. [ (9) ] أخمص القدم هو الموضع الّذي لا يمس الأرض عند الوطء من وسط القدم. [ (10، 11) ] أي إذا مشي رفع رجليه بقوة. وفي رواية: (تكفّؤا) وهي تأكيد لما قبلها. [ (12) ] وقد أورد ابن الجوزي في (صفة الصفوة) ج 1 ص 162، 163، 164، 165 فصلا جامعا في تفسير غريب أحاديث صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نذكره هنا بصف إجمالية. الفخم المفخم: هو العظيم المعظم في الصدور والعيون. المشذب: الطويل الّذي ليس بكثير اللحم. الرجل الشعر: الّذي في شعره تكسر، فإذا كان الشعر منبسطا قبل شعر سبط. والعقيقة: الشعر المجتمع في الرأس. الأزهر اللون: النير. أزج الحواجب: أي طويل امتدادهما لوفور الشعر فيهما وحسنه إلى الصدغين. الأشم: الّذي عظم أنفه طويل إلى طرف الأنف. وضليع الفم: كبيره، والعرب تمدح بذلك وتهجو بصغره. والدمية: الصورة وجمعها دمي. بادن متماسك: أي تام خلق الأعضاء ليس بمسترخي اللحم ولا كثيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وقال عند أم سليم [ (1) ] فعرق، فجاءت بقارورة فجعلت تسكب العرق فيها، فاستيقظ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا أم سليم، ما هذا الّذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو أطيب من الطيب. وكان في صوته صوته صهل وفي عنقه سطع، إن سكت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأجمله من قريب، حلو المنطق خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام، أجود الناس كفّا، وأرحب الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى [ (2) ] الناس بعهده، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه [معرفة أحبّه] . يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم. فأما صفة رأسه المقدس فقد خرج أبو عيسى الترمذي من حديث جميع بن عمر العجليّ قال: حدثني رجل   [ () ] سواء البطن والصدر: معناه أن بطنه ضامر وصدره عريض، فلهذا ساوى بطنه صدره. أنور المتجرّد: أي نير الجسد إذا تجرد من الثياب. والنير: الأبيض المشرق. مسيح القدمين: أي ليس بكثير اللحم فيهما وعلى ظاهرهما. ذريع المشية: واسع المشية من غير أن يظهر منه استعجال. المهين: الحقير. يسوق أصحابه: يقدمهم بين يديه ومن ورائه. لكل حال عنده عتاد: أي عدة، يعني أنه قد أعد للأمور أشكالها. وقوله: يرد بالخاصّة على العامة: فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه كان يعتمد على أن الخاصة ترفع علومه وآدابه إلى العامة، ومعنى ذلك أن العامة كانت لا تصل إليه في هذا الوقت، فكانت الخاصة تخبر العامة بما سمعت منه، فكأنه أوصل الفوائد إلى العامة بالخاصة. والثاني: أن المعني يجعل المجلس للعامة بعد الخاصة. فتنوب الباء عن (من) ، و (على) عن (إلى) . والثالث: فيرد ذلك بدلا من الخاصة على العامة، فتفيد الباء معنى البدل. [ (1) ] قال: من القيلولة وهي نوم الظهيرة. [ (2) ] في (خ) «وأوتا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 عن ابن لأبي هالة عن الحسن بن على عن خاله هند بن أبي هالة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عظيم الهامة [ (1) ] . وقال شريك عن عبد الملك بن عمير بن نافع بن جبير قال: وصف لنا عليّ رضي اللَّه عنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان عظيم الهامة [ (1) ] . وأما وجهه الكريم فخرج البخاري من حديث عن إسحاق بن منصور قال: أخبرنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا، ليس بالطويل الذاهب، وليس بالقصير [ (2) ] . وقال البخاري: ليس بالطويل البائن، ذكره في باب صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . وخرجه ابن أبي خيثمة، من حديث إبراهيم بن يوسف كما رواه مسلم والبخاري والترمذي من حديث أبي نعيم، حدثنا زهير عن أبي إسحاق قال: سئل البراء أكان وجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مثل السيف؟ قال لا، مثل القمر [ (4) ] . قال: هذا حديث حسن [ (5) ] . ولمسلم من حديث أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد اللَّه بن موسى عن إسرائيل عن سماك، أنه سمع جابر بن سمرة قال له رجل: أكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجهه كالسيف؟ قال جابر: لا، مثل الشمس والقمر مستديرا. وقال المحاربي عن أشعث عن أبي إسحاق عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة أضحيان وعليه حلّة حمراء، فجعلت انظر إليه وإلى القمر، فلهو أحسن كان في عيني من القمر، وفي لفظ قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة   [ (1) ] (الشمائل المحمدية للترمذي) ص 9. [ (2) ] الحديث رقم 3549 (صحيح البخاري) بشرح (ابن حجر في الفتح) . [ (3) ] (المرجع السابق) الحديث رقم 3548. [ (4) ] (المرجع السابق) الحديث رقم 3552. [ (5) ] (الجامع الصحيح للترمذي) ج 5 ص 259 حديث رقم 3715. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 أضحيان [ (1) ] ، وعليه حلة حمراء، فجعلت أماثل بينه وبين القمر [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث يحيى بن بكير، أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أن عبد اللَّه بن كعب- وكان قائد كعب من بنيه حين عمى- قال: سمعت كعب بن مالك يقول: لما سلمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يبرق وجهه، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه [ (3) ] . وخرج أيضا من حديث يحيى عن عبد الرّزاق قال: أخبرنا ابن جريج عن ابن شهاب عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما مسرورا وأسارير وجهه تبرق فقال: ألم تسمعي ما قال مجزر المدلجي، ورأى زيدا وأسامة قد غطيا رءوسهما، وبدت أقدامها، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بضع [ (4) ] . وخرّجه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرّزاق، وقال أبو إسحاق الهمدانيّ عن امرأة من همدان سمّاها قالت حججت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرات فرأيته على بعير له يطوف بالكعبة، بيده محجن، عليه بردان أحمران يكاد يمس منكبه، إذا مر بالحجر استلمه بالمحجن، ثم يرفعه إلى فمه فيقبله، قال أبو إسحاق: فقلت لها شبّهيه، قالت: [كان] كالقمر ليلة البدر، ولم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] . وخرّج عبد اللَّه بن محمد بن إسحاق الفاكهي من حديث أسامة بن زيد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: قلنا للربيع بنت معوذ: صفي لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: لو رأيته لقلت: الشمس طالعة [ (5) ] . وفي حديث هند بن أبي هالة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخما مفخما [ (6) ] يتلألأ   [ (1) ] أضحيان: أي مضيئة. [ (2) ] أخرجه الترمذي في (الشمائل المحمدية) ص 12. [ (3) ] (فتح الباري) ج 6 ص 565 حديث رقم 3556، وفي (خ) «ذاك منه» وما أثبتناه رواية البخاري. [ (4) ] المرجع السابق، حديث رقم 3555 ولفظه: «ألم تسعى ما قال المدلجي لزيد وأسامة ورأى أقدامهما» . [ (5) ] (البداية والنهاية) ج 6 ص 15. [ (6) ] في (خ) «فخما فخما» وما أثبتناه من (الشمائل) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، خرجه الترمذي [ (1) ] . وفي حديث علي رضي اللَّه عنه: كان في وجه رسول اللَّه تدوير. ولأحمد من حديث عبد الرازق قال: أخبرنا إسرائيل عن سماك أنه سمع جابر ابن سمرة يقول: كان وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستديرا. وفي حديث أم معبد قالت [ (2) ] : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه (تعنى مشرق الوجه مضيئة) ، ومنه: تبلج الصبح إذا أسفر. وفي حديث هند بن أبي هالة: كان سهل الخدين، وقال قتادة: ما بعث اللَّه نبيا إلا بعثه حسن الوجه وحسن الصوت، حتى بعث نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم فبعثه حسن الوجه حسن الصوت، ولم يكن يرجّع، ولكن كان يمد بعض المد. وأما صفة لونه فخرج البخاري في باب صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث يحيى بن بكير قال: حدثني الليث عن خالد عن سعيد ابن أبي هلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: سمعت أنس بن مالك يصف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كان ربعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق، ولا بأدم، ليس بجعد قطط، ولا سبط رجل، أنزل عليه وهو ابن أربعين، فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه: وبالمدينة عشر سنين، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. قال ربيعة. فرأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر، فسألت. فقيل: أحمر من الطيب [ (3) ] . ولمسلم من حديث إسماعيل بن جعفر وسليمان بن بلال. كلاهما عن ربيعة عن أنس أنه سمعه يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، ولا بالجعد القطط، ولا بالسبط، كان أزهر، بعثه اللَّه على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه اللَّه على دابر ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء [ (4) ] .   [ (1) ] (الشمائل المحمدية للترمذي) ص 76. [ (2) ] الحديث بتمامه في آخر كتاب (الشمائل المحمدية للترمذي) . [ (3) ] (فتح الباري) ج 6 ص 564 حديث رقم 3547. [ (4) ] (صحيح مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 100. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 لم يقل في حديث إسماعيل على رأس ستين سنة. قال الحافظ أبو نعيم: هذا حديث صحيح ثابت متفق عليه، رواه عن ربيعة يحيى بن سعيد الأنصاري، وعمرو ابن يحيى المازني، وعبادة بن غزية، وسعيد بن هلال وأسامة بن زيد، ونافع بن أبي نعيم، ومحمد بن إسحاق، وعبد اللَّه بن عمر، وفليح. وأبو أويس، وعبد العزيز الماجشون، والدراوَرْديّ: والثوري، ومالك والأوزاعي، وسعد، وأبو بكر ابن عياش، وقرة بن جبريل، وأبو زكين، وأنس بن عياض، ومنصور بن أبي الأسود، وإبراهيم بن طهمان في آخرين. وخرّج الترمذي من حديث عبد الوهاب الثقفي عن حميد عن أنس، قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ربعة، ليس بالطويل، ولا بالقصير، حسن الجسم، أسمر اللون، كان شعره ليس بجعد ولا سبط، إذا مشى يتوكأ، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب [ (1) ] . ولمسلم من حديث الجرير عن أبي الطفيل قال: قلت له: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: نعم، كان أبيض مليح الوجه [ (2) ] . وله أيضا من حديث الجرير عن أبي الطفيل قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما على وجه الأرض رجل رآه غيري، قال: قلت: فكيف رأيته: قال: كان أبيض مليج الوجه مقصدا [ (2) ] . وخرجه ابن أبي خيثمة والبخاري ومسلم من حديث محمد بن فضيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد شاب، وكان الحسن بن على يشبهه [ (3) ] . ولأبي داود الطيالسي من حديث عثمان بن عبد اللَّه بن عزيز عن نافع بن جبير عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مشربا وجهه حمرة. قال البيهقي، ويقال إن المشرب بالحمرة ما أضحى للشمس والرياح، وما تحت   [ (1) ] (الشمائل المحمدية للترمذي) ص 29 حديث رقم 2 وإسناده جيد قوى. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 93. [ (3) ] كذا في (خ) «ورواية البخاري: «رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان الحسن يشبهه» (فتح الباري) ج 6 ص 563 حديث رقم 3543. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 الثياب فهو الأبيض الأزهر. وقال ابن إسحاق عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم، عن أبيه أن سراقة بن جعشم قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وكان راكبا] على ناقته، انظر إلى ساقه كأنها جمّارة [ (1) ] . وخرج الحافظ يعقوب بن سفيان الفسوي من حديث مزاحم بن أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد اللَّه بن خالد بن أسيد عن محرش الكعبي قال: اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الجعرانة ليلا فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة. وخرج من حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة رضي اللَّه تعالى عنه يصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان شديد البياض. وللترمذي في الشمائل من حديث صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبيض كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر [ (2) ] قلت: صالح بن أبي الأخضر ضعيف في الزهري، قال ابن معين: ليس بشيء في الزهري، وفي رواية صالح بن أبي الأخضر بغير ضعيف [ (3) ] . وقال ابن المبارك: أخبرني رشدي بن سعد قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي يونس مولى أبي هريرة أنه سمع أبا هريرة قال: ما رأيت شيئا أحسن من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع في مشيته منه، كأن الأرض تطوى له، إنا لنجتهد وإنه [ (4) ] غير مكترث. وخرجه أبو عيسى الترمذي من حديث قتيبة قال: أخبرنا ابن لهيعة عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: ما رأيت [شيئا أحسن من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] . وخرجه تقي بن مخلد من حديث حرملة قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني   [ (1) ] الجمار: قلب النخل: واحدته: جمارة (المعجم الوسيط) ج 1 ص 124. [ (2) ] (الشمائل المحمدية للترمذي) ص 12. [ (3) ] «وقال البخاري وأبو حاتم: لين، وقال البخاري والنسائي: ضعيف، وقال الترمذي: يضعف في الحديث- ضعفه يحيى القطان وغيره، وقال ابن عدي: وفي بعض حديثه ما ينكر وهو من الضعفاء الذين يكتب حديثهم، (تهذيب التهذيب) ج 4 ص 381. [ (4) ] في (خ) «وأتا» . [ (5) ] (الشمائل المحمدية) ص 60 حديث رقم 115 ولفظه «أسرع في مشيته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 عمرو بن الحارث أن أبا يونس مولى أبي هريرة حدثه عن أبي هريرة أنه سمعه يقول: ما رأيت شيئا أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كأنما الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مشيته كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث. قال الترمذي: هذا حديث غريب: قال مؤلفه: إسناد تقي هذا الحديث أجود من إسناد الترمذي، وإسناد تقي على شرط مسلم. وقد روي مسلم عن حرملة بن يحيى هذا غير ما حدثت، ولم يخرج هو ولا البخاري من حديث ابن لهيعة شيئا. وخرّج مسلم من حديث محمد بن جعفر قال: أخبرنا شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضليع الفم، أشكل العينين، منهوس العقبين [ (1) ] . قال: قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم، قلت، ما أشكل العينين؟ قال. طويل شق العينين، قلت: ما منهوس العقب؟ قال: قليل لحم العقب. قال قاسم بن ثابت في كتاب الدلائل: وتفسير سماك على ما ذكره إلا في الشكلة، فإن ابن الهيثم أخبرنا عن داود بن محمد عن ثابت بن عبد العزيز قال: الشكلة في العين حمرة تخالط البياض، وقال أبو عبيد: الشكلة كهيئة الحمرة تكون في بياض العين، والشهلة عين الشكلة، وهي حمرة في سواد العين. وخرجه الترمذي من حديث أبي قطن قال: أخبرنا شعبة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أشكل العينين منهوس العقب، قال: هذا حديث حسن صحيح. وخرج من حديث محمد بن جعفر عن شعبة مثل حديث مسلم، وقال في تفسيره: قال شعبة: قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: واسع الفم.. الحديث.   [ (1) ] في (الشمائل المحمدية) «منهوس العقب» ص 11 رقم 8 وما أثبتناه من (خ) وهي رواية صحيح مسلم، (مسلم بشرح النوري) ج 3 ص 93. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 وخرجه أبو داود من حديث شعبة بسنده ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أشهل العينين منهوس العقب ضليع الفم. وللترمذي من حديث عباد بن العوام، أخبرنا الحجاج عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: كان في ساقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حموشة، وكان لا يضحك إلا تبسما، وكنت إذا نظرت إليه قلت: أكحل وليس بأكحل. قال أبو عيسى. هذا حديث حسن غريب صحيح [ (1) ] . وله من حديث عمر بن عبد اللَّه مولى غفرة قال: حدثني إبراهيم بن محمد من ولد علي رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أدعج العينين أهدب الأشفار [ (2) ] ، والدعج: سواد العينين، والأهدب: الطويل الأشفار، وهو الشعر المتعلق به الأجفان. وقال حجاج: حدثنا حماد عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عظيم العينين أهدب الأشفار متشرب العين بحمرة. وخرّج سعيد بن منصور من حديث خالد بن عبد اللَّه عن عبيد اللَّه بن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طلب عن أبيه عن جده قال: قيل لعلي رضي اللَّه عنه: انعت لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان أبيض مشربا بياضه حمرة، وقال: كان أسود الحدقة أهدب الأشفار. وله من حديث عيسى بن يونس قال، حدثنا عمر بن عبد اللَّه مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد من ولد علي قال: كان علي رضي اللَّه عنه إذا نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كان في الوجه تدوير أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار. ومن حديث ابن أبي ذؤيب: حدثنا صالح مولى التّزمّة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أنه كان ينعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال. كان أهدب أشفار العين.   [ (1) ] (الشمائل المحمدية) ص 186 حديث رقم 227، والحموشة: الدقة، والكحل (بفتحتين) : سواد في أجفان العين. [ (2) ] (سنن الترمذي) ج 5 ص 260 حديث رقم 3717. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 أما صفة جبينه وأنفه وحاجبيه وفمه وأسنانه ونكهته فخرّج يعقوب بن سفيان من حديث الزهري عن سعيد بن المسيّب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان خاضّ الجبين أهدب الأشفار. وفي حديث أبي هالة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهم عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشمّ، سهل الخدين ضليع الفم أشنب، مفلج الأسنان. وقال موسي بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفلج الثنيتين، كان إذا تكلم رئي كالنور بين ثناياه، وقال أبو عبيدة معمر ابن المثنى: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كنت قاعدة أغزل والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخصف نعله، فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولد نورا، فبهت، فنظر إليّ فقال: مالك؟ قلت: جعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نورا، فلو رآك أبو كثير الهزلي لعلم أنك أحق بشعره، قال: وما يقول أبو كثير؟ قلت: يقول: وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلل فقام فقبّل بين عيني، وقال: جزاك اللَّه يا عائشة عني خيرا، ما سررت مني كسروري منك. أخرجه ابن عساكر في تاريخه. ولابن حبان من حديث أبي جعفر الداريّ، عن أبي رهم عن يونس بن عبيد (مولى لأنس) عن أنس قال: صحبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين، وشممت العطر كله، فلم أشم نكهة أطيب من نكهته [ (1) ] . وأما بلوغ صوته حيث لا يبلغ صوت غيره فخرج أبو نعيم من حديث حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن البراء قال: خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أسمع العواتق في خدورهن، ينادي بأعلى صوته: يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم،   [ (1) ] ونحوه في البخاري، انظر (فتح الباري) ج 6 ص 66، حديث رقم 3561 بلفظ آخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 فإنه من يتبع عورة أخيه أتبع اللَّه عورته، ومن اتبع اللَّه عروته فضحه في جوف بيته [ (1) ] . وخرجه من حديث عمران بن وهب عن سعيد بن عبد اللَّه بن جريج عن أبي بردة قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالهاجرة العليا بصورت يسمع العواتق في خدورهن فقال: يا معشر من آمن بلسانه ... فذكره. ومن حديث أبي ثميلة قال: حدثنا جريج بن هلال الطائي، حدثنا عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال: صلينا خلف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما، فلما انفلت من صلاته أقبل علينا غضبان فنادى بصوت أسمع العواتق في أجواف الخدور فقال: يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تسبوا المسلمين ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم هتك اللَّه ستره، وأبدى عروته ولو كان في جوف بيته، أو في ستر بيته [ (2) ] . عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جلس يوم الجمعة على المنبر فقال للناس: اجلسوا، فسمع عبد اللَّه بن رواحة فجلسوا في بني غنم، فقيل يا رسول اللَّه، ذاك ابن رواحة جالس في بني غنم، سمعك وأنت تقول للناس اجلسوا فجلسوا في مكانه [ (3) ] . وله من حديث مسدد قال: أخبرنا عبد الوارث عن حميد الأعرج عن محمد ابن إبراهيم التيمي بن عبد الرحمن بن معاذ- وكان من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- قال: خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمنى، ففتحنا أسماعنا حتى إن كنا لنسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم ثم قال: عليكم بحصى الخذف [ (4) ] . وقال سفيان عن سعد عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن أم هانئ قالت: كنت أسمع قراءة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا على عريش أهلي. وقال هلال بن حباب: نزلت أنا ومجاهد على يحيى بن جعدة بن أم هانئ فحدثنا عن أم هانئ قالت: كنا نسمع قراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جوف الليل عند   [ (1) ] (دلائل النبوة لأبي نعيم) ج 2 ص 157. [ (2) ] المرجع السابق. [ (3) ] المرجع السابق ج 2 ص 158. [ (4) ] المرجع السابق ج 2 ص 158. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 الكعبة وأنا على عريشي. وأما صفة لحيته ففي حديث علي رضي اللَّه عنه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضخم الرأس واللحية، وفي رواية: كان ضخم الهامة عظيم اللحية [ (1) ] . وللترمذي من حديث أبي هالة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كثّ اللحية. ورواه حماد عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كث اللحية، وليعقوب بن سفيان من حديث الزهري عن ابن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان أسود اللحية حسن الشعر. وقال محمد بن المثنى: حدثنا يحيى بن كثير عن أبي ضمضم قال: نزلت بالرجيع فقيل لي: هاهنا رجل رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتيته فقلت: رأيت رسول اللَّه؟ قال نعم، رأيته رجلا مربوعا حسن السّبلة، قال: وكانت اللحية تدعى في أول الإسلام سبلة. وقال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها بالسّوية. وروي ابن عبد البر من طريق جنادة بن مروان الأزدي عن جرير بن عثمان عن عبد اللَّه بن بسر قال: كان شارب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحيال شفته. وقال محمد بن عائذ: قال ابن شهاب الزهري: أخبرني عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها، انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من جنازة سعد بن معاذ ويده في لحيته. وقال ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا وجد [ (2) ] فإنما يده في لحيته يفتلها أو يحركها. قال محمد بن عمرو عن علقمة الليثي عن عائشة قالت. بكى أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على سعد- يعني ابن معاذ- حتى إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء   [ (1) ] ونحوه في (البداية والنهاية) ج 6 ص 18. [ (2) ] من الوجد، وهو الحزن والأسى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 عمر رضي اللَّه عنهما، قالت: وكانوا كما قال اللَّه عزّ وجلّ: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [ (1) ] . فقال: يا أمتاه! فما صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقالت: ما كانت عيناه تكاد تدمعان على أحد، ولكنه كان إذا وجد [ (2) ] فإنما يده في لحيته. وقال حماد بن سلمة: أخبرنا عبيد اللَّه بن عمر عن سعيد المقبري عن ابن جريج أنه قال لابن عمر: رأيتك تحفي شاربك، قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحفي شاربه. وقال الفضل بن دكين: أخبرنا مندل عن عبد الرحمن بن زياد عن أشياخ لهم قالوا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأخذ الشارب من أطرافه. وأما صفة شعره فخرج مسلم من حديث أنس كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل الشعر ليس بالسبط ولا بالجعد القطط. وأخرج من حديث مالك وغيره عن ربيعة، وللبخاريّ من حديث مسلم ابن إبراهيم: أخبرنا جرير عن قتادة عن أنس: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ضخم اليدين لم أر بعده مثله، وكان شعر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل لا جعدا ولا سبطا. ومن حديث وهب بن جرير قال: حدثني أبي عن قتادة قال: سألت أنس ابن مالك عن شعر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان شعر رسول اللَّه رجلا ليس بالسبط ولا الجعد، بين أذنيه وعاتقه، ذكرهما في اللباس، وخرّج مسلم من هذه الطريق نحو هذا [ (3) ] . ولأبي داود من حديث عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس قال: كان شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى شحمة أذنيه [ (4) ] . وقال حميد عن أنس كان شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أنصاف أذنيه.   [ (1) ] من الآية 29/ الفتح. [ (2) ] من الوجد وهو الحزن والأسى. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 92. [ (4) ] (سنن أبي داود) ج 4 ص 405 باب ما جاء في الشعر، الأحاديث 4183، 4184، 4185، 4186، 4187، انظر أيضا: (البخاري) في (اللباس) باب الجعد، و (مسلم) في الفضائل باب صفة النبي، و (النسائي) في الزينة حديث 5234 باب اتخاذ الجمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وللبخاريّ من حديث أبي إسحاق سمعت البراء بن عازب قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مربوعا بعيد ما بين المنكبين، يبلغ شعره شحمة أذنيه. الحديث. وأخرجه مسلم ولفظه: ما رأيت أحدا من خلق في حلة حمراء يعني أحسن من رسول اللَّه، إن [ (1) ] لمّته تضرب قريبا من منكبيه. وفي حديث علي رضي اللَّه عنه كان كثير شعر الرأس رجله. ولأبي داود من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوق الوفرة ودون الجمة. وقال سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قالت أم هانئ: قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة وله أربع غدائر يعني ضفائر. وفي الصحيحين من حديث ابن شهاب عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون دونهم، فسدل رسول اللَّه ناصيته ثم فرق بعد [ (2) ] . وقال ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت. أنا فرقت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه [صدعت] [ (3) ] فرقه عن يافوخه، وأرسلت ناصيته بين عينيه. قال ابن إسحاق واللَّه أعلم: ذلك لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تكف ثوبا ولا شعرا، وهي سيما كان يتوسم بها. قال: وقد قال محمد بن جعفر وكان فقيها: ما هي إلا سيما من سيم الأنبياء تمسكت بها النصارى من بين الناس.   [ (1) ] اللمة بكسر اللام وتشديد الميم: الشعر يسترخي عن شحمة الأذن ولا يصل إلى المنكبين. [ (2) ] (سنن أبي داود) ج 4 ص 407 باب ما جاء في الفرق حديث رقم 4188، وأخرجه (البخاري) في (اللباس) باب الفرق، (ومسلم) في الفضائل باب في سدل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شعره وفرقه، (وابن ماجة) في (اللباس) حديث 2336 باب اتخاذ الجمة والذوائب، (النسائي) في الزينة حديث 5340 باب فرق الشعر، و (الترمذي) في (الشمائل) حديث 29. [ (3) ] صدع الشيء فتصدع: فرّقه متفرق. (لسان العرب) : 8/ 194. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 وخرّج البخاري من حديث أنس: توفي رسول اللَّه وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء [ (1) ] . ولمسلم عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يختضب، إنما كان شمط عند العنفقة يسيرا وفي الصدغين يسيرا وفي الرأس يسيرا. وروي أبو إبراهيم محمد بن القاسم الأسدي، حدثنا شعبة بن الحجاج عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جمة جعدة. قال ابن شاهين: تفرد بهذا الحديث محمد بن القاسم الأسدي عن شعبة، لا أعلم حدّث به غيره، وهو حديث غريب. وأما صفة عنقه وبعد ما بين منكبيه ففي حديث أم معبد [ (2) ] أنها قالت: في عنقه سطع، يعني الطول، وفي حديث هند بن أبي هالة: كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة [ (3) ] . وفي حديث علي رضي اللَّه عنه كان عنقه إبريق فضة، وفي حديث البراء: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مربوعا بعيد ما بين المنكبين، وفي حديث الزهري عن ابن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان بعيد ما بين المنكبين. وقال النضر بن شميل، حدثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر [سواء] [ (4) ] البطن [والصدر] [ (4) ] ، عظيم مشاش المنكبين [ (5) ] ، يطأ بقدميه جميعا، إذا أقبل أقبل جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا. وخرّج الترمذي من حديث غفرة قال: حدثني إبراهيم بن محمد عن علي كان   [ (1) ] هذه التكملة من (سنن أبي داود) حديث رقم 4189 ج 4 ص 408. [ (2) ] هي عاتكة بنت خالد الخزاعية (أم معبد) (الإصابة) ج 13 ص 33 ترجمة 691 وص 279 من المرجع ذاته ترجمة رقم 1501، وفي (خ) «في» . [ (3) ] (الشمائل المحمدية) ص 222. [ (4) ] ما بين الأقواس تكملة من (صفة الصفوة) ج 1 ص 156. [ (5) ] يريد رءوس المناكب، والمشاش (بضم الميم) : مفردها مشاشة، وهي رأس العظم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جليل الكتد، الكتد: مجمع الكتفين، وهو الكاهل. والمنكب: مجمع رأس العضد في الكتف. وأما صفة صدره وبطنه ففي حديث هند بن أبي هالة: كان عريض الصدر سواء البطن والصدر، وفي حديث أم معبد: لم يعبه ثجلة، والثجلة عظم البطن واسترخاء أسفله. وفي حديث أم هانئ: ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا ذكرت القراطيس المثنى بعضها على بعض. وفي حديث علي رضي اللَّه عنه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجرد ذو مسربة. وفي حديث هند بن أبي هالة: كان أنور المتجرد [ (1) ] ، دقيق المسربة [ (2) ] ، موصول ما بين اللبة [ (3) ] والسّرة بشعر يجري كالخيط. عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر. أما صفة كفيه وقدميه وإبطيه وذراعيه وساقيه وصدره فخرج البخاري من حديث أنس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخم اليدين، لم أر بعده مثله.. الحديث. وفي رواية: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ضخم الرأس والقدمين، وكان سبط [ (4) ] الكفين، وخرّج من حديث همام: أخبرنا قتادة عن أنس أو عن رجل عن أبي هريرة قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شثن [ (5) ] الكفين والقدمين. وفي رواية عن قتادة عن أنس أو جابر بن عبد اللَّه كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ضخم الكفين والقدمين، لم أر بعده شبها له. وللفسوي من حديث ابن أبي ذؤيب حدثنا صالح مولى التزمة قال: كان   [ (1) ] أنور المتجرد: أي نير الجسد إذا تجرد من الثياب، والنير: الأبيض المشرق. [ (2) ] المسربة: الشعر الدقيق الّذي كأنه قضيب من الصدر إلى السّرة. [ (3) ] اللبة (بفتح اللام وتشديد الباء) : أعلى الصدر ممّا يلي العنق. [ (4) ] السبط: المسترسل. [ (5) ] الشثن: الغليظ الأصابع من الكعبين والقدمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 أبو هريرة ينعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كان شبح [ (1) ] الذراعين بعيد ما بين المنكبين، أهدب أشفار العينين. وفي حديث علي رضي اللَّه عنه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شثن الكفين والقدمين، ضخم الكراديس. وفي حديث ابن أبي هالة: كان رحب الراحة، وفي حديث أنس: ما مست قط خزا ولا حريرا ألين من كف رسول اللَّه [ (2) ] . وفي حديث هند بن أبي هالة: كان طويل الزندين ضخم الكراديس، وفي حديث شعبة عن سماك عن جابر: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضليع الفم أشكل العينين منهوس العقبين، يعني قليل لحم العقب. وفي حديث أبي هريرة كان يطأ بقدميه جميعا، ليس له أخمص، وفي حديث هند بن أبي هالة: كان خصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء [ (3) ] . وخرج البيهقي من حديث زيد بن هارون، أخبرنا عبد اللَّه بن يزيد بن مقسم قال: حدثني عمتي سارة بنت مقسم عن ميمونة بنت كردم قال رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة وهو على ناقة له وأنا مع أبي، وبيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم درة كدرة الكتاب، فدنا منه أبي فأخذ بقدمه نقيلة [ (4) ] رسول اللَّه، قالت: فما نسيت طول إصبع قدمه السبابة على سائر أصابعه. وفي الصحيحين من حديث مالك بن مغول قال: سمعت عون بن أبي جحيفة ذكر عن أبيه قال: دفعت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأبطح في قبة بالهاجرة، فخرج بلال فنادى بالصلاة، ثم دخل فأخرج فضل وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدفع الناس يأخذون   [ (1) ] الشبح: الطويل (ترتيب القاموس) ج 2 ص 678، (لسان العرب) : 2/ 494. [ (2) ] (سنن الدارميّ) ج 1 ص 31. [ (3) ] خمصان الأخمصين: معناه أن أخمص رجله شديد الارتفاع من الأرض، والأخمص: ما يرتفع من الأرض من وسط باطن الرجل، وهو الموضع الّذي لا يلصق بالأرض من القدم عند الوطء، والخمصان (بضم الخاء) : المبالغ منه. وقوله مسيح القدمين: أي ليس بكثير اللحم فيهما وعلى ظاهرهما، فلذلك ينبو الماء عنها. [ (4) ] نقيلة العضد: كربلة الفخذ (ترتيب القاموس) ج 4 ص 432، وفي (خ) «ناقولة» ولعل ما أثبتناه هو الصواب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 منه، قال: ثم دخل فأخرج العنزة، ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأني انظر إلى وميض ساقيه فركز العنزة [ (1) ] ثم صلّى بنا الظهر ركعتين [ (2) ] ، يمر بين يديه المرأة والحمار [ (3) ] . وفيهما من حديث أنس: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطه، يعني في الاستسقاء. وفي حديث حجاج عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يضحك إلا تبسما، وكان في ساقيه حموشة ... الحديث. وخرّج البيهقي وأحمد من حديث يحيى بن يمان، حدثنا إسرائيل عن سماك ابن حرب عن جابر بن سمرة قال: كانت إصبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خنصره من رجله متظاهرة. وقال محمد بن معد: أخبرنا سعيد بن محمد الثقفي، حدثنا سالم أبو النضر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أشفق من الحاجة (يعني ينساها) ربط في خنصره أو في خاتمه الخيط.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) ج 4 ص 219. والعنزة (بفتح العين والنون) : عصا أقصر من الرمح، وقيل: هي الحربة الصغيرة: (معالم السنن للخطابي) ج 1 ص 443. وفي (مسلم بشرح النووي) ج 4 ص 219 «هي عصا في أسفلها حديدة» ورواية مسلم «ثم ركزت له عنزة» وفيها دليل على جواز استعانة الإمام بمن يركز له عنزة ونحو ذلك، وفيه: «بياض ساقيه» . [ (2) ] فيه دليل على أن الأفضل قصر الصلاة في السفر وإن كان بقرب بلد ما لم ينو الإقامة أربعة أيام فصاعدا وفيه أيضا أن الساق ليست بعورة، وهذا مجمع عليه (المرجع السابق) . [ (3) ] في رواية (مسلم) «يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود» ، يقول النووي في شرح (مسلم) ج 4 ص 226، 227: «اختلف العلماء في هذا، فقال بعضهم يقطع هؤلاء الصلاة، وقال أحمد ابن حنبل رضي اللَّه عنه: يقطعهما الكلب الأسود وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء، ووجه قوله أن الكلب لم يجيء في الترخيص فيه شيء يعارض هذا الحديث، أما المرأة ففيها حديث عائشة رضي اللَّه عنها المذكور بعد هذا- وفيه «لقد شبّهتمونا بالحمير والكلاب واللَّه لقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلّى وإني على السرير بيني وبينه القبلة» ، - وفي الحمار حديث ابن عباس السابق- وفيه «يمر بين يديه الكلب والحمار لا يمنع» - وقال مالك وأبو حنيفة والشافعيّ رضي اللَّه عنهم وجمهور العلماء من السلف والخلف: لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء ومن غيرهم، وتأويل هؤلاء هذا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة بشغل القلب بهذه الأشياء» ، راجع: (مسلم بشرح النووي) ج 4 «باب سترة المصلي والندب إلى الصلاة إلى سترة والنهي عن المرور بين يدي المصلي والصلاة إلى الراحة والأمر بالدنو من السترة وبيان قدر السترة وما يتعلق بذلك» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وأما قامته ففي حديث أنس: أن كان ربعة من القوم، ليس بالطويل ولا بالقصير، وفي حديث البراء: ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير. وفي حديث علي: ليس بالقصير ولا بالطويل، وفيه: إذا مشى تكفأ تكفيا [ (1) ] كأنما ينحط من صبب، وفي رواية: كان لا قصير ولا طويل، وكان يتكفأ في مشيته كأنما يمشى في صبب [ (2) ] . وفي رواية كان لا قصير ولا طويل، وهو إلى الطول أقرب. قال: إذا مشى تكفأ كأنما يمشى في صفد [ (3) ] . وفي رواية كان ليس بالذاهب طولا، فوق الربعة، إذا جامع القوم غمرهم، وفي حديث أبي هريرة: كان رجلا ربعة وهو إلى الطويل أقرب، وكان يقبل جميعا ويدبر جميعا. وفي رواية الترمذي: لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد، كان ربعة من القوم. قال الترمذي: سمعت أبا جعفر محمد بن الحسين يقول: سمعت الأصمعي يقول: الممغط: الذاهب طولا، والمتردد: الداخل بعضه في بعض قصرا. وفي حديث هند بن أبي هالة: كان أطول من المربوع وأقصر من المشذب، وقال عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، عن جعفر بن محمد عن أبيه، وهشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: من صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه لم يك يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله رسول اللَّه، وربما مشى [بين] [ (4) ] الرجلين الطويلين يتطولهما، فإذا فارقاه نسبا إلى الطول، ونسب هو إلى الربعة. وأما اعتدال خلقه ورقة بشرته ففي حديث هند: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معتدل الخلق بادنا متماسكا [ (5) ] ، يعني كان تام خلق الأعضاء، ليس بمسترخي اللحم ولا كثيره.   [ (1) ] أي إذا مشى رفع رجليه بقوة. [ (2) ] الصّبب: الأرض المنحدرة. [ (3) ] الصفد: القيد والوثاق. [ (4) ] زيادة للسياق والمعنى. [ (5) ] في (خ) «بادن متماسك» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 وخرّج الحافظ أبو نعيم الأصفهاني من حديث محمد بن بكر الحضرميّ، حدثنا يزيد بن عبد اللَّه القرشي عن عثمان بن عبد الملك قال حدثني خالي- وكان من أصحاب عليّ قدم صفين- عن علي رضي اللَّه عنه قال كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رقيق البشرة. وقال عبد الأعلى بن حماد: حدثنا معمر عن حميد عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ألين الناس كفا [وما] [ (1) ] مست خزا ولا حريرا ألين من كفه. وأما حسنه وطيب رائحته وبرودة يده ولينها في يد من مسها وصفة قوته ففي حديث البراء بن عازب رضي اللَّه عنه ما رأيت شيئا أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وسأله رجل: أكان وجهه] مثل السيف؟ قال: لا، مثل القمر، انفرد بإخراجه البخاري [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة عن أبي يونس أنه سمع أبا هريرة يقول ما رأيت أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأن الشمس تخرج في وجهه. وقال جابر بن سمرة رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة أضحيان [ (3) ] ، وعليه حلة حمراء، فجعلت انظر إليه وإلى القمر، فلهو أحسن في عيني من القمر [ (4) ] . وقال البراء ما رأيت أحدا في حلة حمراء مترجلا أحسن من رسول اللَّه.. الحديث. وفي حديث أبي الطفيل كان أبيض مليحا مقصدا [ (5) ] ، وفي حديث أم معبد كان أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب. وعن أبي هريرة: كأنما صيغ من فضة.   [ (1) ] زيادة يتم بها المعنى. [ (2) ] (فتح الباري) ج 6 ص 565 حديث رقم 3552، (الشمائل المحمدية) ص 12 حديث رقم 10، و (سنن الترمذي) ج 5 ص 359 حديث رقم 3715. [ (3) ] أضحيان: مضيئة. [ (4) ] (سنن الدارميّ) ج 1 ص 30. [ (5) ] مقصدا (بفتح الصاد المشددة) : وهو الّذي ليس بجسيم ولا نحيف، ولا طويل ولا قصير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 وخرّج الحافظ أبو نعيم من حديث عبد العزيز العمي عن جعفر بن محمد وهشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس وجها، وأنورهم لونا. ومن حديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه: كان وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كدارة القمر. وخرّج الدارميّ من حديث عبيد اللَّه بن موسى عن أسامة بن زيد عن أبي عبيدة محمد بن عمارة قال: قلت للربيع بنت معوذ صفى لي رسول اللَّه، فقالت: يا بني، لو رأيته رأيت الشمس طالعة [ (1) ] . وقال أحمد بن عبد اللَّه الغدافي أخبرنا عمرو بن أبي عمرو عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس رضي اللَّه عنه: لم يكن لرسول اللَّه ظل، ولم يقم مع شمس قط إلا غلب ضوء الشمس، ولم يقم مع سراج قط إلا غلب ضوءه على ضوء السراج. وخرّج ابن عساكر من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: كنت أصافح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو يمس جلدي جلده، فأعرف في يدي بعد ثالثة أطيب من ريح المسك. وقال أنس بن مالك رضي اللَّه عنه ما مسست بيدي ديباجا ولا حريرا ولا شيئا ألين من كف رسول اللَّه، ولا شممت رائحة قط أطب من ريح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وي رواية، قال أنس: ما شممت شيئا قط- مسكا ولا عنبرا- أطيب من ريح رسول اللَّه، ولا مسست شيئا قط- حريرا ولا ديباجا- ألين مسّا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وفي رواية: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفّأ، وما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول اللَّه، ولا شممت مسكا ولا عنبرا أطيب رائحة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن الدارميّ) ج 1 ص 31. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 86، وفيه «مسكة ولا عنبرة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 وقال جابر بن سمرة وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرجهما من جونة [ (1) ] عطار. وقال شعبة عن يعلي بن عطاء: سمعت جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بمنى فقلت له: رسول اللَّه، ناولني يدك! فناولينها، فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك. وخرّج أبو نعيم من طريق الحميدي قال: أخبرنا سفيان [ (2) ] بن عيينة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بدلو من ماء فشرب ثم توضأ، فمضمض ثم مجة في الدلو مسكا أو أطيب من المسك، واستنثر خارجا من الدلو. وخرّجه البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان ومن حديث مسعر عن عبد الجبار ابن وائل قال: حدثني أخي [ (3) ] عن أبي قال: أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بدلو من ماء فشرب من الدلو ثم مج في الدلو ثم صب في البئر، أو قال: شرب من الدلو ثم مج في البئر ففاح منها مثل رائحة المسك. وخرّج مسلم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: دخل علينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال [ (4) ] عندنا، فعرق، وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق، فاستيقظ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا أم سليم! ما هذا الّذي تصنعين، قالت: هذا عرق نجعله لطيبنا، وهو أطيب من الطيب [ (5) ] . ومن حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن أم سليم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يأتيها فيقيل عندها فتبسط له نطعا فيقيل عليه- وكان كثير العرق- فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أم سليم! ما هذا قالت: عرقك أدوف به طيبي [ (5) ] . وخرّج أبو نعيم من حديث أبي يعلي الموصلي قال: أخبرنا بشر بن سنحان، أخبرنا عمرو بن سعيد الأشج، أخبرنا سعيد عن قتادة عن أنس قال: كنا نعرف   [ (1) ] الجونة والجؤنة: بمعنى: وهي السقط الّذي فيه متاع العطار، هكذا فسره الجمهور، وقال صاحب (العين) : وهي سليلة مستديرة مغشاة (المرجع السابق) . [ (2) ] في (خ) «ياسفين» . [ (3) ] في (خ) «أحلي» . [ (4) ] قال: من القيلولة وهي نوم الظهيرة. [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 86، 87. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أقبل بطيب ريحه. وخرّج من حديث مغيرة بن عطية عن أبي الزبير عن جابر قال كان في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خصال: لم يكن في طريق فسلكه أحد إلا عرف مسلكه من طيب عرفه أو ريح عرقه [ (1) ] . وأما صفة خاتم النبوة فخرج البخاري من حديث حاتم بن إسماعيل عن الجعد بن عبد الرحمن قال: سمعت السائب بن يزيد يقول: ذهبت بي خالتي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللَّه، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل ذر الحجلة. ذكره في كتاب المناقب، وفي كتاب الدعاء في باب الدعاء للصبيان، وفي كتاب المرضى في باب من ذهب بالصبي المريض ليدعى له، وقال فيه: فنظرت إلى خاتمه، وذكره في الطهارة في باب استعمال فضل وضوء الناس، وفيه: أن ابن أختي وقع، وفيه: فنظرت إلى خاتم النبوة [ (2) ] . وخرّجه مسلم من طرق، ولمسلم من حديث عبد اللَّه بن موسى عن إسرائيل عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد شمط مقدّم رأسه ولحيته، وكان إذا ادّهن لم تتبين، وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية، فقال رجل: وجهه مثل السيف؟ قال: لا: بل مثل الشمس والقمر، وكان مستدير الرأس، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده [ (3) ] . وله من حديث شعبة عن سماك قال: سمعت جابر بن سمرة قال: رأيت خاتما في ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأنه بيضة حمام. وله من حديث حامد بن محمد البكراويّ قال: أخبرنا عبد الواحد- يعني ابن زياد- أخبرنا عاصم عن عبد اللَّه ابن سرجس قال رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأكلت   [ (1) ] (سنن الدارميّ) ج 1 ص ص 32، والعرف: الرائحة مطلقا، وأكثر ما يستعمل في الرائحة الطيبة، وانظر أيضا (دلائل النبوة لأبي نعيم) ص 158. [ (2) ] (صحيح البخاري بحاشية السندي) ج 4 ص 7. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 97. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 معه خبزا ولحما، أو قال: ثريدا، قال: قلت له أستغفر لك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: نعم، ولك، ثم تلا هذه الآية: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [ (1) ] ، قال: ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض [ (2) ] كتفه اليسري، جمعا عليه خيلان كأمثال الثآليل [ (3) ] . وخرّجه النّسائي ولفظه: عن عبد اللَّه بن سرجس قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس في ناس من أصحابه فدرت من خلفه فعرف الّذي أريد، فألقى الرداء عن ظهره فرأيت موضع الخاتم على موضع كتفيه مثل الجمع كأنها الثآليل، فجئت حتى استبقلته، فقلت: غفر اللَّه لك يا رسول اللَّه، قال: ولك- قال بعض القوم استغفر لك رسول اللَّه؟ قال [ (4) ] : نعم ولكم، ثم تلا، وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [ (1) ] ، ذكره في التفسير. وخرج أبو داود الطيالسي من حديث قرّه بن خالد قال: أخبرني معاوية بن قرة عن أبيه قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللَّه، أرني الخاتم، قال: أدخل يدك، قال: فأدخلت يدي في جربانه، فجعلت ألمس انظر إلى الخاتم، فإذا هو على نغض كتفه مثل البيضة، فما منعه ذلك أن جعل يدعو لي، وإن يدي لفي جربانه. وخرج الفسوي من حديث عبيد اللَّه بن إياد قال: حدثني أبي عن أبي دمثة قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فنظر إلى مثل السلعة بين كتفيه، فقال: يا رسول اللَّه، إني كأطبّ الرجال، أفأعالجها لك؟ فقال: لا، طبيبها الّذي خلقها. وقال الثوري عن إياد بن لقيط في هذا الحديث: فإذا خلف كتفه مثل التفاحة،   [ (1) ] من الآية 19 سورة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] الناغض: أعلى الكتف، وقيل هو العظم الرقيق الّذي على طرفه، وقيل ما يظهر عند التحرك. [ (3) ] وقوله «جمعا» فبضم الجيم وإسكان الميم، ومعناه: أنه كجمع الكف وهو صورته بعد أن تجمع الأصابع وتضمها، وأما «الخيلان» فبكسر الخاء المعجمة وإسكان الياء: جمع خال وهو الشامة في الجسد. (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 98، 99 والثآليل: جمع ثؤلول، وهو بثر صغير صلب مستدير يظهر على الجلد كالحمصة أو دونها (المعجم الوسيط) ج 1 ص 93. [ (4) ] (الشمائل المحمدية للترمذي) ص 18، 19 حديث رقم 22. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 وقال عاصم بن بهدلة عن أبي دمثة: فإذا في نغضّي كنفه مثل بعرة البعير أو بيضة الحمامة. وخرّج البيهقي من حديث عبد اللَّه بن ميسرة، حدثنا عتاب قال: سمعت أبا سعيد يقول: الخاتم الّذي بين كتفي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لحمة ناتئة. وخرّج البيهقي من حديث سماك بن حرب عن سلامة العجليّ عن سلمان الفارسيّ قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فألقى إليّ رداءه وقال: يا سليمان إلى ما أمرت به، قال: فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمامة. فصل جامع في صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم روي أبو نعيم من حديث المسعودي عن عثمان بن عبد اللَّه بن هرمز عن نافع ابن جبير بن معطم عن علي رضي اللَّه عنه قال: لم يكن رسول اللَّه بالطويل ولا بالقصير، وكان [ (1) ] شثن الكفين والقدمين، ضخم الرأس واللحية مشربا وجهه حمرة، ضخم الكراديس، طويل المسربة، إذا مشى يمشى قلعا كأنما ينحدر من صبب. وفي رواية: إذا مشى تكفّأ تكفيا كأنما ينحط من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وروي الفسوي من حديث عيسى بن يونس، حدثنا محمد بن عبد اللَّه مولى عفرة، قال: حدثني إبراهيم بن محمد من ولد على قال: كان علي إذا نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لم يكن بالطويل الممغط، ولا القصير المتردد، وكان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط، ولا بالسبط، كان جعدا رجلا، ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم، وكان في الوجه تدوير أبيض، مشرب أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتف، أو قال الكتد، أجرد ذا مسربة، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة [ (2) ] ، أجود الناس كفا وأرحب الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى   [ (1) ] في (خ) «وكاشثن» . [ (2) ] في (خ) «بعد قوله: «خاتم النبوة» عبارة «خاتم النبيين» والسياق يقتضي حذفها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 الناس بذمة، وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وفي رواية لم يكن بالطويل الممغط ولا القصير المتردد، لم يكن بالمطهم ولا المكلثم، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، شثن الكفين والقدمين، دقيق المسربة، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، ليس بالسبط ولا بالجعد القطط. وفي رواية: كان أزهر، ليس بالأبيض الأمهق، وفي رواية: كان في عينيه شكلة، وفي رواية: كان شبح الذراعين. فالممغط: الّذي ليس بالبائن الطويل، ولا القصير، وقيل: الممغط: الذاهب طولا، والمتردد: الّذي تردد خلقه بعضه على بعض، فهو مجتمع. يقول: ليس هو كذلك، ولكن ربعة بين الرجلين، كما جاء في حديث آخر: كان ضرب اللحم بين الرجلين. والمطهم: المنتفخ الوجه، وقيل الفاحش السّمن، وقيل النحيف الجسم، وقيل: الطهمة في اللون أن تتجاوز سمرته إلى السواد، والمكلثم: المدور الوجه، وقيل: هو القصير الحنك الداني الجبهة مع الاستدارة. يقول: فليس كذلك، ولكنه مسنون، وقوله: مشرب أي شرب حمرته، والأدعج العين: الشديد سوادها، والجليل المشاش: العظيم رءوس العظام، مثل الركبتين والمرفقين، والكتد: الكاهل وما يليه من الجسد، وقيل: الكتد: مجمع الكتفين، وهو الكاهل. وقوله: شثن الكفين والقدمين: يعني أنهما إلى الغلظ. وقيل الشثن الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين، وقوله إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب: القلع: أن يمشي بقوة، والصبب الانحدار، والقطط: الشديد الجعودة من أشعار الحبش، والسبط: الّذي ليس فيه تكسر، يقول: فهو جعد رجل، والأزهر الأبيض النير البياض، لا يخالط بياضه حمرة، والأمهق الشديد البياض الّذي لا يخالط بياضه شيء من الحمرة وليس بنيّر، ولكن كلون الجصّ أو نحوه، يقول: فليس هو كذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 والشكلة: كهيئة الحمرة تكون في بياض العين، والشهلة: حمرة في سواد العين، والمرهة: بياض لا يخالطه غيره، وأهدب الأشفار: يعني طويلها، وقوله: شبح الذراعين: يعني عبل الذراعين عريضهما، والمسربة الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة. وقال يعلي بن عبيد عن مجمع بن يحيى الأنصاري عن عبد اللَّه بن فران عن رجل من الأنصار أنه سأل عليا رضي اللَّه عنه عن نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبيض اللون مشربا حمرة، أدعج العينين، سبط الشعر ذو وفرة، دقيق المسربة، كأن عنقه إبريق فضة، من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن الكف والقدم، إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر، وإذا التفت التفت جميعا، كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من المسك [] [ (1) ] ، ليس بالطويل ولا بالقصير؟ لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال إبراهيم بن طهمان عن حميد الطويل عن أنس قال: لم يكن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالآدم ولا الأبيض الشديد البياض، فوق الربعة ودون البائن [ (2) ] الطويل، كان من أحسن ما رأيت من خلق اللَّه، وأطيبهم ريحا وألينهم كفا، ليس بالجعد الشديد الجعودة، وكان يرسل شعره إلى أنصاف أذنيه، وكان يتوكأ إذا مشى. وقال عبد الرّزاق: أخبرنا معمر عن الزهري قال: سئل أبو هريرة عن صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أحسن الناس صفة وأجملها، كان ربعة إلى الطول، ما هو بعيد ما بين المنكبين، أسيل الجبين، شديد سواد الشعر، أكحل العينين أهدب، إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها، وليس أخمص، إذا وضع رداءه عن منكبه فكأنه سبيكة فضة، وإذا ضحك يتلألأ. لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وفي حديث أم معبد عاتكة بنت خالد بن خليف الخزاعية، رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه [ (3) ] ، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولا تزريه صقله، وسيما قسيما، في عينيه دعج، وفي أشفاره عطف، وفي صوته صحل [ (4) ] ، وفي عنقه   [ (1) ] مكان هذا البياض في (خ) كلمة ممجوجة لم أتبين معناها. [ (2) ] في (خ) «البياض» . [ (3) ] أي يشرق بالنور. [ (4) ] صحل: بحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 سطع، وفي لحيته كثافة، أزجّ أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه، وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فصل لا نذر ولا هدر، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، لا تشنؤه [ (1) ] من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصنا بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفنّد صلّى اللَّه عليه وسلّم، [وسيأتي] حديث أم معبد بطوله مشروحا عند ذكر المعجزات إن شاء اللَّه تعالى. وخرّج الحافظ أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي [ (2) ] من حديث جميع بن عمر العجليّ، قال حدثني رجل بمكة عن ابن أبي هالة عن الحسن بن علي قال سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي- وكان وصافا- عن حلية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أشتهى أن يصف لي منها شيئا أتعلق به، فقال كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذّب، عظيم الهامة، رجل الشعر. إن انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يتجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفّره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزّج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشمّ، كثّ اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسّرة بشعر يجرى كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، شثن الذراعين والمنكبين وأعلى الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، سبط العقب، شثن الكفين والقدمين، شائل الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، فإذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا، ويمشى هونا، ذريع المشية كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدأ من لقيه بالسلام، قلت: صف لي منطقه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متواصل الأحزان. دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل السكوت، لا يتكلم في غير حاجة: يفتتح الكلام ويختتمه   [ (1) ] في (خ) «لا يأس» وما أثبتناه من (الشمائل المحمدية) ص 223. [ (2) ] (نسبة إلى فسا) من بلاد فارس (لسان الميزان) ج 6 ص 376 ترجمة رقم 265/ 9329. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 بأشداقه، ويتكلم بجوامع الملك، فصلا لا فضول ولا تقصير، دمثا، ليس بالمجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقّت، ولا يذم منها شيئا، غير أنه لم يكن يذم ذواقا [ (1) ] ، ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يكن يغضبه شيء حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسة ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها: وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، فيضرب بباطن راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حبّ الغمام. قال الحسن: فكتمها الحسين زمانا ثم حدثنيه فوجدته قد سبقني إليه. فسأله عما سألته. فوجدته قد سأل (يعني عليا) رضي اللَّه عنه عن مدخله ومخرجه، وشكله فلم يدع منه شيئا. قال الحسين عليه السلام سألت أبا هريرة عن دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزءا للَّه عزّ وجلّ، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزءا جزأة بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة ولا يدخر عنهم شيئا. وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه [ (2) ] على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم. ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبّت اللَّه قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون عليه روادا ولا يفترقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة (يعني فقهاء) [ (3) ] . قال: وسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخزن لسانه [ (4) ] إلا فيما [ (5) ] يعينهم ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه   [ (1) ] الذواق (بفتح الذال وتخفيف الواو) المأكول والمشروب. [ (2) ] في (خ) «وقسمته» وما أثبتناه من (صفة الصفوة) ج 1 ص 158. [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق «يعني على الخير» . [ (4) ] في (خ) «يحزن» ، وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (5) ] في (خ) «مما» ، وما أثبتناه من المرجع السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا خلقه، يتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس [ (1) ] ، ويحسّن الحسن ويقويه، ويقبّح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف، ولا يغفل مغافة أن يغفلو أو يميلوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه [ (2) ] الذين يلونه من الناس، خيارهم وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مؤاساة ومؤازرة. قال: فسألته عن مجلسه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر. ولا يوطن الأماكن وينهي عن إيطانها [ (3) ] ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، ومن جالسه أو قاومه في حاجة صابره، حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يردّه إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس من بسطه وخلقه، فصار لهم أبا. وصاروا عنده في الحق متقاربين، متفاضلين بالتقوى متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب. قال: قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه؟ قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب [ (4) ] ولا فحاش ولا عيّاب ولا مدّاح، يتغافل عما لا يشتهي. ولا يؤيس [ (5) ] منه، ولا يخيّب فيه مؤمليه [ (6) ] ، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: لا يذم أحدا، ولا يعيّره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعوا عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم   [ (1) ] كذا في (خ) وفي المرجع السابق «ما في أيدي الناس» . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق «يجاوزه» . [ (3) ] إيطان المكان: التعود على الجلوس في مكان بعينه. [ (4) ] الصخّاب والسخّاب: بمعني، وهو الصياح. [ (5) ] في (خ) «يواس» وما أثبتناه من (صفة الصفوة) ج 1 ص 160. [ (6) ] في (خ) «ولا يجب فيه» وما أثبتناه من (صفة الصفوة) ج 1 ص 160. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 عنده حديث أوليهم [ (1) ] ، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته [ (2) ] ، حتى كان أصحابه ليستجلبوهم [ (3) ] [في المنطق] [ (4) ] ، ويقول. إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ [ (5) ] ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام [ (6) ] . قال: سألته كيف كان سكوته؟ قال: كان سكوت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أربع: الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير، فأما تقديره ففي تسويته النظر، والاستماع بين الناس، وأما تذكره- أو قال: تفكره- ففيم يبقى ويغنى [ (7) ] . وجمع له صلّى اللَّه عليه وسلّم الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهي عنه، واجتهاد الرأى فيما أصلح أمته، والقيام لهم فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة صلّى اللَّه عليه وسلّم. وحديث جميع بن عمرو قال: حدثني رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد اللَّه عن ابن أبي هالة لم يسم، عن الحسن بن علي قال: سألت خالي هند بن أبي هالة- وكان وصّافا- عن حلية رسول اللَّه فقال: كان رسول اللَّه فخما مفخما. (الحديث. هكذا رواه الترمذي في الشمائل، والطبراني في معجمه الكبير، ورواه العقيلي في الضعفاء من طريق مجمع بن عمر، حدثنا يزيد ابن عمر التميمي عن أبيه عن الحسن، فبين ذلك المبهمين في الإسناد الأول. والفخم المفخّم: العظيم المعظم في العيون والصدور، أي كان جميلا مهيبا عند الناس. والمشذب: الطويل البائن الطول مع نقص في لحمة، أي ليس بنحيف طويل، بل طوله وعرضه متناسبان على أتم صفة.   [ (1) ] كذا في (خ) «وفي المرجع السابق «أولهم» . [ (2) ] أي إنه يصبر على ما يبدو من الغريب من غلظة في كلامه وسؤاله. [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (صفة الصفوة) «ليستجلبونهم» . [ (4) ] ما بين القوسين ليس في (صفة الصفوة) . [ (5) ] في (خ) «مكلف» وما أثبتناه من المرجع السابق ومن (النهاية لابن الأثير) . [ (6) ] رواه (الترمذي) [ (7) ] هذه الفقرة من (الطبراني) زيادة عن رواية (الترمذي) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 والشعر الرّجل الّذي ليس شديد الجعودة ولا شديد السبوطة، بل بينهما، والعقيصة: الشعر المجموع كهيئة المضفور، والعقيقة: الشعر الّذي يخرج على رأس الصبي حين يولد وسمي الشعر عقيقة لأنه منها ونباته من أصولها، وقيل العقيقة هنا تصحيف، وإنما هي العقيصة. والأزهر: الأبيض المستنير، وهو أحسن الألوان، وليس بالشديد البياض. الزّجج: وهو دقة الحاجبين وسبوغهما إلى محاذاة آخر العين مع تقوس، والقرن: أن يلتقي طرفاهما مما يلي أعلى الأنف، وهو محمود عند العرب، ويستحبون البلج وهو بياض ما بين رأسيهما وخلوة في صفته عليه السلام، دون أن حاجبيه قد سبغا وامتدا حتى كادا يلتقيان فيه ولم يلتقيا، ونفي القرن هو الصحيح في صفته عليه السلام، دون ما وصفته به أم معبد، ويمكن أن يقال: لم يكن بالأقرن، ولا بالأبلج حقيقة، بل كان بين حاجبيه فرجة كبيرة، لا تتبين إلا لمن حقق النظر إليها، كما ذكر في صفة أنفه فقال: يحسبه من لم يتأمله أشمّ ولم يكن أشم. والسوابغ: جمع سابغ، وهو التام الطويل، ويدرّه الغضب، أي يحركه ويظهره، كان إذا غضب امتلأ ذلك العرق دما كما يمتلى الضرع لبنا إذا درّ، فيظهر ويرتفع. والعرنين: الأنف، والقنا: طول الأنف ودقة أرنبته مع ارتفاع في وسط قصبته، والشمم: ارتفاع رأس الأنف وإشراف الأرنبة قليلا، واستواء أعلى القصبة، أي كان يحسب لحسن قناة قبل التأمل أشم، فليس قناؤه بفاحش مفرط، بل يميل إلى الشمم. والشعر الكث: الكثيف المتراكب من غير طول ولا رقة، وسهل الخدين: أي ليس في خديه نتوء وارتفاع، وقيل: أراد أن خديه أسيلان قليلا اللحم رقيقا الجلدة. والضليع الفم: العظيم الواسع، وكانوا يذمون صغر الفم، وقال أبو عبيد: أحسبه جله في الشفتين، وغلظة فيهما. والشنب: رقة الأسنان ودقتهما، وتحدد أطرافهما، وقيل: هو بردهما وعذوبتهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 والفلج: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات، والمسربة: ما دق من شعر الصدر مائلا إلى السرة. والجيد: العنق، والدمية الصورة المصورة في جدار أو غيره. واعتدال الخلق: تناسب الأعضاء والأطراف، وأن لا تكون متباينة في الدقة والغلظ، والصّغر والكبر، والطول والقصر. والبادن: الضخم التام اللحم، والمتماسك: الّذي لحمه ليس بمسترخ ولا بعضه بعضا، لأن الغالب على السّمن الاسترخاء. قوله: سواء البطن والصدر: أي متساويهما، يعني أن بطنه غير خارج، فهو مساو لصدره، وصدره عريض فهو مساو لبطنه. والمنكبان: أعلا الكتفين، وبعد ما بينهما يدل على سعة الصدر والظهر، والكراديس: جمع كردوس، وهو رأس كل عظم كبير، وملتقى كل عظمتين ضخمتين كالمنكبين والمرفقين، والوركين والركبتين، ويريد به ضخامة الأعضاء وأغلظها. والمتجرد ما كشف عنه الثوب من اليدين، يعني أنه كان مشرق الجسد، نيّر اللون، فوضع الأنور موضع النيّر. والأشعر: الّذي عليه الشعر من البدن، واللبة (بفتح اللام) الوهدة في أعلى الصدر وفي أسفل الحلق بين الترقوتين. وقوله: عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أي أن ثدييه وبطنه ليس عليهما شعر سوى المسربة المقدم ذكرها، الّذي جعله جاريا كالخط. والزندان: العظمان اللذان يليان الكف من الذراع، رأس أحدهما يلي الإبهام، ورأس الآخر يلي الخنصر. والراحة: الكف، ورحبها: سعتها، وهو دليل الجود، والشثن: الغليظ الأطراف والأصابع وكونها سائلة أي ليست بمتعقدة ولا متجعدة، فهي مع غلظتها سهلة سبطة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 والقصب: جمع القصبة، وهي كل عظم أجوف فيه مخ، والسبط: الممتد في استواء ليس فيه تعقد ولا نتوء. والأخمص من القدم: الموضع الّذي لا يصل إلى الأرض منها عند الوطء، والخمصان: المبالغ منه، أي أن ذلك الموضع منه شديد التجافي عن الأرض. وسئل ابن الأعرابي عنه فقال: إذا كان خمص الأخمص بقدر لم يرتفع جدا ولم يسو أسفل القدم جدا فهو أحسن ما يكون، وإذا استوى أو ارتفع جدا فهو ذم. فيكون المعنى حينئذ: معتدل الخمص بخلاف الأولى، وكلا القولين متجه يحتمله اللفظ، ومسيح القدمين: أي أن ظاهرهما ممسوح غير متعقد، فإذا صب عليهما الماء مرّ سريعا لملامستهما فينبو عنهما الماء ولا يقف، يقال: نبا الشيء ينبو [ (1) ] إذا تباعد. وقال الهروي: أراد أنهما ملساوان: ليس فيهما وسخ ولا شقاق ولا تكسر، فإذا أصابهما الماء نبا عنهما. وقوله: إذا زال زال قلعا كأنما ينحط من صبب، والانحدار من صبب والتقلع من الأرض قريب بعضه من بعض. أراد أنه كان يستعمل التثبت، ولا يبين منه في هذه الحال استعجال ومبادرة شديدة. وفي حديث آخر: إذا مشى تقلّع، أراد به قوة المشي وأنه كان يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا، لا كمن يمشى اختيالا، ويقارب خطوه، فإن ذلك من مشى النساء. والتكفؤ: تمايل الماشي إلى قدام كالغصن إذا هبت به الريح، والهون: المشي في رفق ولين غير مختال ولا معجب-، والذريع: السريع، أي أنه كان واسع الخطو فيسرع مشيه، وربما يظن أن هذا ضد الأول. ولا تضاد فيه، لأن معناه أنه كان مع تثبته في المشي يتابع الخطوات ويوسعها فيسبق غيره. والصّبب: الموضع المنحدر من الأرض، وذلك دليل سرعة مشيه، لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشيه.   [ (1) ] في (خ) «ينبوا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 وفي رواية كأنما يهوي من صبوب بضم الصاد: جمع صبب، وهو المنحدر من الأرض، وبفتح الصاد: اسم لما يصب على الإنسان من ماء غيره، وهو يهوي: إذا نزل من موضع عال. وقوله: وإذا التفت التفت جميعا: أي لم يكن يلوي عنقه، ورأسه إذا أراد أن يلتفت إلى ورائه، فعل الطائش العجل، إنما يدير بدنه كله وينظر، وقيل: أراد أن لا يسارق النظر، وخفض الطرف ضد رفعه، وجلّ الشيء معظمه والملاحظة: أن ينظر بلحظ عينيه وهو شقها الّذي يلي الصدغ والأذن. ولا يحدق [ (1) ] إلى الشيء تحديقا. والطرف العين. وكانت الملاحظة معظم نظره وأكثره، وهو دليل الحياء والكرم. ويسوق أصحابه: أي يقدمهم أمامه، ويمشي وراءهم، والسكت: السكوت، وجوامع الكلم: القليلة الألفاظ الكثيرة المعاني، جمع جامعة وهي اللفظة الجامعة للمعاني، والقول الفصل: هو البين الظاهر المحكم الّذي لا يعاب قائله، وحقيقته الفاصل بين الحق والباطل، والخطأ والصواب. والفضول من الكلام: ما زاد عن الحاجة وفضل، ولذلك عطف عليه (ولا تقصير) ، والدمث: السهل اللين الخلق، والجافي: المعرض المتباعد عن الناس، وقيل: الغليظ الخلقة والطبع، والمهين (بضم الميم) من الإهانة وهي الإذلال والإطراح، أي لا يهين أحدا من الناس، و (بفتح الميم) من المهانة وهي الحقارة والصغر. ويعظم النعمة: أي لا يستصغر شيئا أوتيه وإن كان صغيرا، والذّواق: اسم لما يذاق باللسان، أي لا يصف الطعام بطيب ولا بشاعة، وقالوا: وقوله: تعوطي الحق لم يعرفه أحد، أي إذا نيل من الحق أو أهمل أو تعرض للقدح فيه، تنكر عليهم وخالف عادته معهم، حتى لا يكاد يعرفه أحد منهم، ولا يثبت لغضبه شيء حتى ينتصر للحق. وقوله: إذا تحدث اتصل بها، أي أنه كان يشير بكفه إلى حديثة، وتفسير، «قوله فيضرب بباطن راحته اليمني باطن إبهامه اليسرى، وأشاح» : إذا بالغ في   [ (1) ] نحوه في (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 69. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 الإعراب وجدّ فيه. المشيح المبالغ في كل أمر، أي إذا غضب لم يكن ينتقم ويؤاخذ. بل يقنع بالإعراض عمن أغضبه» . وغض الطرف عند الفرح دليل على نفي البطر والأشر، والتبسم: أقل من الضحك، ويفتر: أي يكشف عند التبسم عن أسنانه من غير قهقهة. وحب الغمام: البرد، وقوله: فيرد ذلك على العامة بالخاصة: أرد أن العامة كانت لا تصل إليه في هذا الوقت، وكانت الخاصة تخبر العامة بما سمعت منه فكأنه أوصل الفوائد إلى العامة بالخاصة، وقيل أن الباء في الخاصة تخبر العامة: بمعنى من، أي فجعل وقت العامة بعد وقت الخاصة وبدلا منهم. والرّوّاد: جمع رائد، وهو الّذي يتقدم القوم. يكشف لهم حال الماء والمرعى قبل وصولهم، ويخرجون أدلة: أي يدلون الناس بما قد علموه منه وعرفوه. يريد أنهم يخرجون من عنده فقهاء. ومن قال أذلة (بذال معجمة) فيكون جمع ذليل، أي يخرجون من عنده متواضعين، وقوله: لا يفترقون إلا عن ذواق: ضرب الذواق مثلا لما ينالون عنده من الخير، أي لا يفترقون إلا عن علم يتعلمونه يقوم لهم مقام الطعام والشراب، لأنه يحفظ الأرواح كما يحفظ الأجسام. وقوله: لا تؤبن فيه الحرم: أي لا تقذف وترمي بعيب، والحرم: جمع حرمة، وهي المرأة. ولا تنثى فلتاته: أي لا يتحدث عن مجلسه بهفوة أو زلة إن حدثت فيه من بعض القوم، يقال: نتوت الحديث إذا أذعته. والفلتات جمع فلتة، وهي الزلة والسقطة. وقيل معناه: أنه لم يكن فيه فلتات فتنثى. والبشر: طلاقة الوجه وبشاشته. والفظ: السيء الخلق. والسخاب فعال من السخب، وهو الضجة واختلاط الأصوات. والخصّام والفحّاش والعيّاب: فعال من الفحش في القول وعيب الناس والوقيعة بينهم. وقوله: لا يقبل الثناء إلا من مكافئ: يريد أنه كان إذا ابتدأ بثناء ومدح كره ذلك، وإذا اصطنع معروفا فأثني عليه، هش وشكر له قبل ثنائه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 وأنكر ابن الأعرابي هذا التأويل وقال: المعنى أنه لا يقبل الثناء عليه ممن لا يعرف حقيقة إسلامه ويكون من المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. وقال الأزهري: معناه لا يقبل الثناء إلا من مقارب غير مجاوز حد مثله، ولا مقصر عما رفعه اللَّه إليه. والمكافأة: المجازاة على الشيء. فصل في ذكر شمائل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأخلاقه قال اللَّه تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ (1) ] قال ابن سيده: والخلق والخلق الخليقة، أعني الطبيعة، وفي التنزيل: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ، والجمع أخلاق، وتخلق بخلق كذا: استعمله من غير أن يكون موضوعا في فطرته، وفي قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ثلاثة أقوال: أحدهما: دين الإسلام، قاله عبد اللَّه ابن عباس ومجاهد، والثاني: أدب القرآن، قاله الحسن وعطية العوفيّ، وسئلت عائشة رضي اللَّه عنها عن خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: كان خلقه القرآن، تعني كان على ما أمره اللَّه به في القرآن، واختار هذا القول الزّجاج.. والثالث: أنه الطبع الكريم، وهذا القول هو الظاهر، وحقيقة الخلق ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب، وسمي خلقا لأنه يصير كالخلقة في الإنسان. وأما ما طبع عليه من الآداب فهو الخير، فيكون الخلق هو الطبع المتكلف، والخير هو الطبع الغريزي، وقد اجتمع في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكارم الأخلاق، وشهد له به تعالى بالحكمة البالغة، والأخلاق السمية الرفيعة، والمنازل العلية الرصينة. قال أبو القاسم: سمي خلقه عظيما، لأنه لم تكن له همة سوى اللَّه تعالى. وقال لأنه امتثل أمر ربه في قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد اللَّه بن الزبير في قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ، قال: أمرني ربي أن آخذ [ (3) ] العفو من أخلاق الناس.   [ (1) ] الآية 4/ القلم. [ (2) ] الآية 199/ الأعراف. [ (3) ] (سنن أبي داود) ج 5 ص 143 حديث رقم 4787. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وقيل: عظم خلقه حيث صغرت الأكوان في عينه بعد مشاهدة مكونها سبحانه، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم كما قالت عائشة رضي اللَّه عنها حيث سئلت عن خلقه: القرآن، يغضب لغضبه، ويرضي لرضاه، ولا ينتقم لنفسه، ولا يغضب لها إلا أن تنتهك حرمات اللَّه. وإذا غضب لم يقم لغضبه أحد، فيكون غضبه لربه، وينفذ الحق وإن عاد ذلك بالضرر عليه وعلى أصحابه، [وقد] [ (1) ] عرض عليه أن ينتصر بالمشركين وهو في قلة وحاجة إلى إنسان واحد يزيده في عدد من معه فأبي [ (2) ] وقال: إنا لا نستعين بمشرك. وكان أشجع الناس وأسخاهم وأجودهم، ما سئل شيئا فقال لا، ولا يبيت في بيته درهم ولا دينار، فإن فضل ولم يجد من يأخذه وفجئه الليل لم يرجع إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه، ولا يأخذ مما آتاه اللَّه إلا قوت أهله عاما فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ثم يؤثر من قوت أهله حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام. ولم يشغله اللَّه تعالى من المال بما يقضي محبة في فضوله ولا أحوجه إلى أحد، بل أقامه على حد الغنى [ (3) ] بالقوت، ووفقه لتنفيذ الفضل فيما يقرب من ربه تعالى. وكان أحلم الناس، وأشدّ حياء من العذراء في خدرها، وكان خافض الطرف. نظره الملاحظة، لا يثبت بصره في وجه أحد تواضعا، يجيب من دعاه من غني أو فقير، وحر أو عبد، وكان أرحم الناس، يصغي الإناء للهرّة، وما يرفعه حتى تروى رحمة لها. وكان أعفّ الناس، لم تمس يده يد امرأة إلا بملك رقّها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه، وكان أعدل الناس، وجد أصحابه قتيلا من خيارهم وفضلائهم، فلم يحف [ (4) ] لهم من أجله على أعدائه من اليهود، وقد وجد مقتولا بينهم! بل وداه [ (5) ] مائة ناقة من صدقات المسلمين وإن بأصحابه حاجة إلى بعير   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] في (خ) «فأيا» . [ (3) ] في (خ) «الغنا» . [ (4) ] من الحيف وهو الميل من العدل. [ (5) ] وداه: دفع ديته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 واحد يتقوون به، ووودي بني خزيمة وهم غير موثوق بإيمانهم، إذ وجب بأمر اللَّه ذلك. وكان أكثر الناس إكراما لأصحابه، لا يمد رجليه بينهم، ويوسع لهم إذا ضاق بهم المكان، ولم تكن ركبتاه تتقدم ركبة جليسه، وكان له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا له، وإن أمر تبادروا لأمره، وكان يتحمل لأصحابه ويتفقدهم ويسأل عنهم، فمن مرض عاده [ (1) ] ، ومن غاب تفقده وسأل عنه، ومن مات استرجع فيه وأتبعه الدعاء له، ومن تخوّف أن يكون وجد في نفسه شيئا انطلق إليه حتى يأتيه في منزله. ويخرج إلى بساتين أصحابه ويأكل ضيافتهم، ويتألف أهل الشرف، ويكرم أهل الفضل، ولا يطوي بشره عن أحد، ولا يجفو عليه، ويقبل [ (2) ] معذرة المعتذر إليه، والضعيف والقوي في الحق عنده سواء، ولا يدع أحدا يمشي خلفه، ويقول: خلّوا ظهري للملائكة، ولا يدع أحدا يمشي معه وهو راكب حتى يحمله، فإن أبي قال: تقدمني إلى المكان الفلاني. ويخدم من خدمه، وله عبيد وإماء لا يرتفع عنهم [في شيء] [ (3) ] من مأكل ولا ملبس، قال أنس بن مالك رضي اللَّه عنه: خدمته نحوا من عشرين سنة، فو اللَّه ما صحبته في حضر ولا سفر إلا كانت خدمته لي أكثر من خدمتي له. وما قال لي أف قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلت كذا؟ ولا قال لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا [ (4) ] ؟!! وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول اللَّه، عليّ ذبحها وقال آخر عليّ سلخها، وقال آخر: عليّ طبخها. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وعليّ جمع الحطب! فقالوا: يا رسول اللَّه، نحن نكفيك، فقال: قد علمت أنكم تكفوني، ولكني أكره أن أتميز عليكم، فإن اللَّه يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه وقام فجمع الحطب.   [ (1) ] في (خ) «عاداه» . [ (2) ] في (خ) «ويقبل» . [ (3) ] ما بين القوسين مطموس في (خ) ولعل الصواب ما أثبتناه. [ (4) ] في (خ) «ولا يحدق شيئا إلى الشيء» وما أثبتناه أولى للسياق والمعنى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 وكان في سفر فنزل إلى الصلاة ثم كر راجعا، فقيل: يا رسول اللَّه، أين تريد؟ قال: أعقل ناقتي فقالوا: نحن نعقلها. قال: لا يستعين أحدكم بالناس في قضمة من سواك. وكان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر. وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث انتهى به المجلس، ويأمر بذلك ويعطي كل جلسائه نصيبه. لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، وإذا جلس إليه أحدهم لم يقم صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى يقوم الّذي جلس إليه، إلا أن يستعجله أمر فيستأذنه، ولا يقابل أحدا بما يكره، ولا يجزي السيئة بمثلها. بل يعفو ويصفح. وكان يعود المرضى ويحب المساكين ويجالسهم. ويشهد جنائزهم. ولا يحقر فقيرا لفقره، ولا يهاب ملكا لملكه، ويعظم النعمة وإن قلت. ولا يذم منها شيئا: وما عاب طعاما قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه. وكان يحفظ جاره ويكرم ضيفه، وكان أكثر الناس تبسما، وأحسنهم بشرا، ولا يمضي له وقت في غير عمل اللَّه، أو فيما لا بد منه، وما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، إلا أن يكون إثما أو قطيعة رحم فيكون أبعد الناس منه. وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم معهن، ويركب الفرس والبغل والحمار، ويردف خلفه عبده أو غيره من الناس، ويمسح وجه فرسه بطرف ردائه. وكان يحب الفأل ويكره الطيرة، وإذا جاءه ما يحب قال: الحمد للَّه رب العالمين، وإذا جاء ما يكره قال: الحمد للَّه على كل حال، وإذا رفع الطعام من بين يديه قال: الحمد للَّه الّذي أطعمنا وسقانا وآوانا وجعلنا مسلمين. وكان أكثر جلوسه وهو مستقبل القبلة، ويكثر ذكر اللَّه تعالى، ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة، ويستغفر في المجلس الواحد مائة مرة، وكان يسمع لصدره وهو في الصلاة أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وكان يقوم الليل في الصلاة حتى ورمت قدماه. وكان يصوم الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وعاشوراء. وقلما كان يفطر يوم الجمعة، وكان أكثر صيامه في شعبان، وكان يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وكان عليه السلام تنام عيناه ولا ينام قلبه انتظارا للوحي، وإذا نام نفخ ولا يغط وإذا رأى في منامه ما يكره قال: هو اللَّه لا شريك له، وإذا أخذ مضجعه قال: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك، وإذا استيقظ قال: الحمد اللَّه الّذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور. وكان لا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية ويكافئ عليها، ولا يتأنق في مأكل، ويعصب على بطنه الحجر من الجوع! هذا وقد آتاه اللَّه مفاتح خزائن الأرض فلم يقبلها، بل زهد في الدنيا، واختار عليها اللَّه والدار الآخرة. وأكل الخبز بالخلّ وقال نعم الإدام الخلّ، وأكل لحم الدجاج ولحم الحباري، وكان يأكل ما وجد، ولا يرد ما حضر، ولا يتكلف ما لم يحضر، ولا يتورع عن مطعم حلال، إن وجد تمرا دون خبز أكله، وإن وجد شواء أكله وإن وجد خبز برّ أو شعير أكله، وإن وجد حلوى أو عسلا أكله، وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد، وكان له من أصحابه من يبرد الماء وقال للهيثم بن التيهان [ (1) ] كأنك علمت حبنا اللحم، وكان لا يأكل متكئا، ولم يأكل على خوان، ولم يشبع من خبز برّ ثلاثا تباعا حتى لقي اللَّه عز وجل، وكان يفعل ذلك إيثارا على نفسه، لا فقرا ولا بخلا. وكان يحضر الوليمة إذا دعي إليها، ويجيب دعوة العبد والحر، ويقبل الهدايا ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب، وكان يحب من المأكل الدباء وذراع الشاة، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن، وكان منديله باطن قدميه، ويأكل خبز الشعير بالتمر، وأكل البطيخ بالرطب، والقثاء بالرطب، والتمر بالزبد، وكان يحب الحلوى والعسل، ويشرب قاعدا، وربما شرب قائما، وكان يتنفس في الإناء ثلاثا، مبينا للإناء عن فمه، ويبدأ بمن عن يمينه إذا سقاه، وشرب لبنا وقال: من أطعمه اللَّه   [ (1) ] هو مالك بن التيهان، واسم التيهان أيضا: مالك بن عيتك بن عمرو بن الأعلم بن عامر بن زعون، ابن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك الأنصاري حليف بني عبد الأشهل، كان أحد النقباء ليلة العقبة ثم شهد بدرا، واختلف في وقت وفاته، فأصح ما قيل فيه: إنه شهد مع عليّ صفّين، وقتل فيها رحمه اللَّه، يقول السهيليّ: «وأحسب ابن إسحاق وابن هشام تركا نسبه على جلالته في الأنصار، وشهوده هذه المشاهد كلها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لا خلاف فيه» وقد ضاف الهيثم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، في منزله ومعه أبو بكر وعمر فذبح لهم عناقا وأتاهم بقنو من رطب (الروض الأنف للسهيلي) ج 2 ص 195. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 طعاما فليقل: اللَّهمّ بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه، ومن سقاه اللَّه لبنا فليقل اللَّهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه. وقال: ليس شيء يجزي مكان الطعام والشراب غير اللبن وشرب النّبيذ الحلو (وهو الماء الّذي قد نقع فيه تمرات يسيرة حتى يحلو) ، وكان يلبس الصوف وينتعل بالمخصوف، ولا يتأنّق في ملبس، ويحب من اللباس الحبرة (وهي برود من اليمن فيها حمرة وبياض) . وأحب الثياب إليه القميص، وكان يقول إذا لبس ثوبا استجدّه اللَّهمّ لك الحمد كما ألبستنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له. وتعجبه الثياب الخضر، وربما لبس الإزار الواحد. أو عليه غيره، يعقد طرفه بين كتفيه، ويلبس يوم الجمعة برده الأحمر ويعتم ويلبس خاتما من فضة نقشه (محمد رسول اللَّه) في خنصره الأيمن، وربما لبسه في الأيسر. ويحب الطيب ويكره الرائحة الكريهة، ويقول: إن اللَّه جعل لذتي في النساء والطيب، وجعلت قرّة عيني في الصلاة، وكان يتطيب بالغالية والمسك ويتطيب بالمسك وحده، ويتبخر بالبخور والكافور، ويكتحل بالإثمد، وربما اكتحل وهو صائم، ويكثر دهن رأسه ولحيته، ويدهن غبّا [ (1) ] ويكتحل وترا، ويجب التيمن في ترجله وفي تنعله وفي طهوره وفي شأنه كله. وينظر في المرآة، ولا تفارقه قارورة الدهن في سفره، والمرآة والمشط والمقراض والسواك والإبرة والخيط، ويستاك في ليله ثلاث مرات: قبل نومه وبعده، وعند القيام لورده، وعند القيام لصلاة الصبح، وكان يحتجم. وكان يمزح ولا يقول إلا حقا، قد جمع اللَّه له كمال الأخلاق ومحاسن الأفعال، وأتاه علم الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ، ولا معلم له من البشر، بل نشأ في بلاد الجهل والصحاري، وآتاه اللَّه ما لم [ (2) ] يؤت أحدا من العالمين، واختاره على الأولين والآخرين، وعصمه من الناس. ورفع له ذكره، وضمن له إظهار دينه على الدين كله. وجعل شانئه الأبتر، وأعزه بالنصر على كل عدوّ، وأوجب طاعته على جميع الإنس والجان، وأكرمه برسالته، وأمنه   [ (1) ] الغبّ (بكسر الغين وتشديد الباء) اليوم بعد اليوم. [ (2) ] في (خ) «مل لم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 من كل بشر، وأكب عدوه لوجهه، وغفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلّى اللَّه عليه وسلّم. وسيأتي هذا في مظانه مبسوطا إن شاء اللَّه تعالى. أما حسن خلقه فخرج من حديث أبي بكر بن شيبة قال: حدثنا محمد بن بشر العبديّ، حدثنا سعيد بن أبي عروة، حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام أنه قال لعائشة رضي اللَّه عنها يا أم المؤمنين، أنبئيني عن خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قالت [ (1) ] : ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: فإن خلق رسول اللَّه كان القرآن. وخرج الإمام أحمد من حديث مبارك عن الحسن عن سعد بن هشام بن عامر قال: أتيت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين، أخبريني بخلق رسول اللَّه: قالت: كان خلقه القرآن، أما تقرأ القرآن وَإِنَّكَ [ (2) ] لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ الحديث. وقال قتيبة بن سعيد: حدثنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران عن يزيد ابن بابنوس [ (3) ] : قلنا لعائشة رضي اللَّه عنها: يا أم المؤمنين، كيف كان خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قالت كان خلق رسول اللَّه القرآن، ثم قالت: تقرأ سورة المؤمنين، اقرأ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إلى العشر، [فقرأ] [ (4) ] حتى بلغ العشر [آيات] [ (4) ] ، فقالت: هكذا كان خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال زيد بن واقد عن بسر بن عبيد اللَّه عن أبي إدريس الخولانيّ، عن أبي الدرداء قال: سألت عائشة عن خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه. وخرّج البخاري من حديث مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت: ما خير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة اللَّه عز وجل فينتقم للَّه بها. لم يذكر فيه مسلم (فينتقم اللَّه بها) ، وفي لفظ: ما خيّر رسول اللَّه بين أمرين   [ (1) ] في (خ) «قال» . [ (2) ] في (خ) «إنك» . [ (3) ] بابنوس بموحدتين بينهما ألف ثم نون مضمومة ساكنة ومهملة (تهذيب التهذيب) ج 11 ص 316. [ (4) ] زيادة البيان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه. وما انتقم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لنفسه في شيء يؤتي إليه قط حتى تنتهك حرمات اللَّه، فينتقم للَّه، ولم يذكر مسلم في حديث مالك (فينتقم للَّه) . وقال البخاري في رواية: واللَّه ما انتقم لنفسه في شيء يؤتي إليه قط حتى تنتهك حرمات اللَّه فينتقم للَّه. وفي لفظ له عن عائشة قالت: ما انتقم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لنفسه في شيء يؤتي إليه حتى ينتهك من حرمات اللَّه، فينتقم للَّه. ولمسلم من حديث أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما خير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر، إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، [فإن كان إثما] [ (1) ] كان أبعد الناس منه. وفي لفظ: ما ضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل اللَّه عن رجل، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم اللَّه عز وجل فينتقم [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما ضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خادما له قط، ولا ضرب بيده إلا أن يجاهد في سبيل اللَّه، وما نيل من شيء فانتقمه إلا من صاحبه إلا أن ينتهك محارم اللَّه فينتقم للَّه عز وجل، وما عرض عليه أمران أحدهما أيسر من الآخر إلا أخذ بأيسرهما إلا أن يكون مأثما، فإنه كان أبعد الناس منه. ولابن سعد من حديث وكيع عن داود بن أبي عبد اللَّه عن ابن جدعان عن جدته عن أم سلمة: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسل وصيفة له فأبطأت، فقال: لولا القصاص لأوجعتك بهذا السواك. وخرّجه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلي به، وروي منصور بن المعتمر عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت-: ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منتصرا من   [ (1) ] زيادة البيان ساقطة في (خ) وأتممناها من (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 83. [ (2) ] ونحوه في (سنن أبي داود) كتاب الأدب- باب في التجاوز في الأمر، وأخرجه مسلم في الفضائل باب مباعدته صلّى اللَّه عليه وسلّم للآثام، وابن ماجة في النكاح باب ضرب النساء. ونسبه المنذري إلى النسائي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 ظلامة ظلمها قط، إلا أن ينتهك من محارم اللَّه، فإذا انتهك من محارم اللَّه شيء كان أشدهم في ذلك، وما خير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما. وفي لفظ: ما رأيت رسول اللَّه منتصرا من ظلمة قط ما لم ينتهك من محارم اللَّه شيء فإذا انتهك من محارم اللَّه شيء كان أشدّهم في ذلك غضبا، وما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. وروي محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: ما خيّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أمرين قطّ إلا اختار أيسرهما ما لم يكن حراما، فإن كان حراما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لنفسه من شيء يصاب منه إلا أن تعاب حرمة اللَّه فينتقم للَّه. وخرّج البخاري في الأدب المفرد من حديث محمد بن سلام: أخبرنا يحيى بن محمد أبو محمود البصري قال: سمعت عمر مولى المطلب قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لست من دد، ولا الدّد مني، يعني ليس الباطل مني بشيء. وخرّج البخاري في كتاب الديات في باب من استعان عبدا أو صبيا، من حديث إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي اللَّه عنه قال: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه، إن أنسا غلام كيّس فليخدمك، قال: فخدمته في الحضر والسفر، فو اللَّه ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا؟ وخرجه مسلم بنحوه. وخرّج في كتاب الوصايا [ (1) ] في باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له، من حديث ابن عليّة، أخبرنا عبد العزيز عن أنس قال: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة ليس له خادم، فأخذ أبو طلحة بيدي (الحديث بمثله) ، غير أنه لم يقل (فو اللَّه) . وخرّج في كتاب الأدب في باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل،   [ (1) ] (صحيح البخاري بحاشية السندي) ج 2 ص 131. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 من حديث سلام بن مسكين: سمعت ثابتا يقول: أخبرنا أنس قال: خدمت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين، وما قال لي: أف، ولا لم صنعت؟ ولا ألا صنعت؟. وخرجه مسلم في المناقب من حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين والله ما قال لي أفا قط، وما قال لي لشيء: لم فعلت كذا أو هلا فعلت كذا؟! ومن حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: خدمت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين بالمدينة وأنا غلام، ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن يكون عليه، ما قال لي فيه: أف قط، ولا قال لي: لم فعلت هذا؟ وألا فعلت هذا؟ وله من حديث زكريا قال: حدثني سعيد وهو ابن أبي برده عن أنس قال: خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تسع سنين فما أعلمه قال لي قط: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب عليّ شيئا قط. ولمسلم وأبي داود من حديث عمر بن يونس قال: أخبرنا عكرمة- وهو ابن عمار- قال: قال إسحاق: قال أنس: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أحسن الناس خلقا، فأرسلني يوما لحاجة فقلت: لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به، رسول اللَّه، فخرجت حتى أمرّ على الصبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: يا أنيس، أذهبت حيث أمرتك؟ قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول اللَّه. وقال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته: لم فعلت كذا وكذا؟ أو لشيء تركته: هلا فعلت كذا وكذا [ (1) ] ؟ وخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث أبي معاوية عن جعفر بن برقان عن عمران القصير عن أنس قال: خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين، فما أرسلني في حاجة قط لم تهيّأ إلا قال: لو قضي لكان، أو لو قدر لكان. ولمسلم من حديث عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس خلقا.   [ (1) ] (سنن أبي داود) ج 3 ص 5 ص 133 كتاب الأدب، باب الحلم وأخلاق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم 4773. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 وخرّج البخاري من حديث عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير: أحسبه فطيم، وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير: ما فعل النّغير؟ - نغز كان يلعب به- فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الّذي تحته، فيكنس وينضح، ثم يقوم ونقوم خلفه، فيصلي بنا. ترجم عليه (باب الكنية للصبي) . وخرّجه مسلم ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير قال: وأحسبه قال: كان فطيما، فكان إذا جاء رسول اللَّه فرآه قال: أبا عمير، ما فعل النّغير؟ قال: فكان يلعب به. وخرّجه أبو داود من حديث حماد قال: حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى أبا عمير، وكان له نغر يلعب به فمات، فدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم فرآه حزينا، فقال: ما شأنه؟ قالوا: مات نغره! فقال: «يا أبا عمير، ما فعل النّغير؟» ترجم عليه. (باب الرجل يتكني وليس له ولد) [ (1) ] . وفي هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة ستون وجها، جمعها أبو العباس أحمد بن القاصّ الفقيه الشافعيّ في جزء [ (2) ] .   [ (1) ] أبو عمير هذا- بضم العين وفتح الميم وسكون الياء- هو أخو أنس بن مالك لأمه، أمهما: أم سليم، لا يعرف له اسم، وتوفي في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو الّذي توفي وجرى لأم سليم مع زوجها أبي طلحة فيه ما جرى، [يراجع ذلك في أبواب الجنائز من كتب السنن] ، والنّغر (بضم النون وفتح الغين) : طائر صغير يجمع على النّغران. أخرجه أبو داود في (السنن) كتاب الأدب باب ما جاء في الرجل يتكني وليس له ولد، و (البخاري) في الأدب باب الانبساط إلى الناس، و (مسلم) في الأدب باب استحباب تحنيك المولود، و (الترمذي) في الصلاة باب ما جاء في الصلاة على البسط وقال: وحديث أنس صحيح-، وفي البر باب ما جاء في المزاج، و (ابن ماجة) في الأدب باب المزاح-، من حديث أبي التياح- يزيد ابن حميد الضبعي- عن أنس بن مالك، ونسبه (المنذري للنسائي أيضا) . [ (2) ] هو أبو العباس أحمد بن أبي أحمد المعروف بابن القاصّ، الطبري، الفقيه الشافعيّ، وعرف والده بالقاصّ لأنه كان يقصّ الأخبار. كان ابن القاصّ إمام وقته في طبرستان، وأخذ الفقه عن ابن شريح، وصنّف كتبا كثيرة، منها: «التلخيص» ، و «أدب القاضي» ، و «المفتاح» ، وغير ذلك. وجميع تصانيفه صغيرة الحجم، كثيرة الفائدة، وكان يعظ الناس، فانتهى إلى طرسوس، وقيل: إنه تولى القضاء بها، فعقد له مجلس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196   [ () ] وعظ، وأدركته رقة وخشية وروعة من ذكر اللَّه تعالى، فخرّ مغشيا عليه، ومات سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة. (النجوم الزاهرة) و (شذرات الذهب) و (طبقات الشافعية للسبكي) و (وفيات الأعيان) و (سير أعلام النبلاء) و (الأنساب) . قال أبو العباس بن القاصّ رحمه اللَّه تعالى: وفيما روينا من قصة أبي عمير ستون وجها من الفقه والسنة، وفنون الفائدة والحكمة، فمن ذلك: [1] أن سنة الماشي أن لا يتبختر في مشيته ولا يتبطأ فيها، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا مشي توكأ كأنما ينحدر من صبب. [2] ومنها أن الزيارة سنة. [3] ومنها الرخصة للرجال في زيارة النساء غير ذوات المحارم (إذا لم تكن شابة وأمنت الفتنة. [4] ومنها زيارة الحاكم للرعية. [5] ومنها أنه إذا اختصّ الحاكم بالزيارة والمخالطة بعض الرعية دون بعض فليس ذلك بميل، وقد كان بعض أهل العلم يكره للحكام ذلك. [6] وإذا ثبت ما وصفنا كان فيه وجه من تواضع الحاكم للرعية. [7] وفيه دليل على كراهية الحجّاب للحكام. [8] وفيه دليل أن الحاكم يجوز له أن يسير وحده. [9] وأن أصحاب المقارع بين يدي الحكام والأمراء محدثة مكروهة، لما روي في الخبر: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمنى على ناقة له، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك. [10] وفي قوله: يغشانا ما يدل على كثرة زيارته لهم. [11] وأن كثرة الزيارة لا تخلق الحب والمودة ولا تنقصها إذا لم يكن معها طمع. [12] وأن قوله عليه السلام لأبي هريرة: «زر غبّا تزدد حبا، كما قاله بعض أهل العلم لما رأى في زيارته من الطمع لما كان بأبي هريرة من الفقر والحاجة حتى دعا له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في مزودة، وكان لا يدخل فيها يده إلا أخذ حاجته، فحصلت له الزيارة دون الطمع. [16] وفي قوله: «يخالطنا» ، ما يدل على الألفة، بخلاف النفور، وذلك من صفة المؤمن، كما روي في بعض الأخبار: المؤمن ألوف والمنافق نفور. [14] ومنها ما روي في الخبر: «فرّ من الناس فرارك من الأسد» ، إذا كانت في لقيهم مضرة لا على العموم، فأما إذا كانت فيه للمسلمين ألفة ومودة فالمخالطة أولى. [15] وفيه دلالة على الفرق بين شباب النساء وعجائزهن في المعاشرة، إذ اعتذر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى من رآه واقفا مع صفية، ولم يعتذر من زيارته أم سليم، بل كان يغشاهم الكثير. [16] وفي قوله: «ما مسست شيئا قط ألين من كفّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» : ما يدل على مصافحته، وإذا ثبتت المصافحة، دلّ على تسليم الزائر إذا دخل. [17] ودلّ على مصافحته، [18] ودلّ على أن يصافح الرجل دون المرأة، لأنه لم يقل: «فما مسسنا» وإنما قال: «ما مسست» ، وكذلك كانت سنته صلّى اللَّه عليه وسلّم في التسليم على النساء ومبايعته، إنما كان يصافح الرجال دونهن. [19] وفي لين كفه ما يدل على أنه لا ينبغي أن يعتمد المصلّي إلى شدة الاعتماد على اليدين في السجود، كما اختار ذلك بعضهم، لما وجد في صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه كان شثن الكفين والقدمين، فقال: ينبغي أن يعتمد إلى شدة الاعتماد على اليدين في السجود، ليؤثر على يديه دون جبهته. [20] وفيه ما يدل على الاختيار للزائر إذا دخل على المزور. [21] وفيه ما يدل على ما قاله بعضهم أن الاختيار في السنّة الصلاة على البساط والجريد والحصير، وقد قيل في بعض الأخبار أنه كان حصيرا باليا، وذلك أن بعض الناس كان يكره الصلاة على الحصير، وينزع بقول اللَّه تعالى: وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً. [22] وفي نضحهم ذلك له وصلاته عليه مع علمه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن في البيت صبيا صغيرا، دليل على أن السنة ترك التعزر. [23] ودليل على أن الأشياء على الطهارة حتى يعلم يقين النجاسة. [24] وفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197   [ () ] نضحهم البساط لصلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دليل على أن الاختيار للمصلى أن يقوم في صلاته على أروح الحال وأمكنها، لا على أجهدها وأشدها، لئلا يشغله الجهد عما عليه من أدب الصلاة وخشوعها، كما أمر الجائع أن يبدأ بالطعام قبل الصلاة، خلاف ما زعم بعض المجتهدين، إذ زعم أن الاختيار له أن يقوم على أجهد الحال، كما سمع في بعض الأخبار أنهم لبسوا المسح إذا قاموا من الليل وقيدوا أقدامهم. [25] وفي صلاته في بيتهم ليأخذوا علمها دليل على جواز حمل العالم علمه إلى أهله: إذا لم يكن فيه على العلم مذلة، وأما روى في أن: «العلم يؤتى ولا يأتي» : إذا كانت فيه للعلم مذلة، أو كان من المتعلم على العالم تطاول. [26] وفيه دلالة اختصاص لآل أبي طلحة، إذ صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيتهم. [27] وأخذهم قبلة بيتهم بالنص عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دون الدلائل والعلامات. [28] وفي قوله: «وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جاء مازحه» ، ما يدل على أنه كان يمازحه كثيرا، وإذا كان كذلك كان في ذلك شيئان: [29] أحدهما: أن ممازحة الصبيان مباح. [30] والثاني: أنها إباحة سنة لا إباحة رخصة، لأنها لو كانت إباحة رخصة لأشبه أن لا يكثرها، كما قال في مسح الحصى للمصلى: «فإن كنت لا بد فاعلا فمرة» ، لأنها كانت رخصة لا سنة. [31] وفيه- إذ مازحه صلّى اللَّه عليه وسلّم- ما يدل على ترك التكبر والترفع. [32] وما يدل على حسن الخلق. [33] وفيه دليل على أنه يجوز أن يختلف حال المؤمن في المنزل من حاله إذا برز، فيكون في المنزل أكثر مزاحا، وإذا خرج أكثر سكينة ووقارا- إلا من طريق الرياء- كما روي في بعض الأخبار: كان زيد بن ثابت من أفكه الناس إذا خلا بأهله، وأزمتهم عند الناس. [34] وإذا كان ذلك كما وصفنا ففيه دليل على أن ما روي في صفة المنافق أنه يخالف سرّه علانيته ليس على العموم، وإنما هو على معنى الرياء والنفاق، كما قال جل ثناؤه: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. [35] وفي قوله: «فرآه حزينا» : ما يدل على إثبات التفرس في الوجوه. وقد احتج بهذا المعنى بعض أهل الفراسة بما يطول ذكره. [36] وفيه دليل على الاستدلال بالعبرة لأهلها، إذ استدل صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحزن الظاهر في وجهه على الحزن الكامن في قلبه، حتى حداه على سؤال حاله. [37] وفي قوله: «ما بال أبي عمير؟» دليل على أن من السنة إذا رأيت أخاك أن تسأل عن حاله. [38] وفيه دليل- كما قال بعض أهل العلم- على حسن الأدب بالسنة في تفريق اللفظ بين سؤالين: فإذا سألت أخاك عن حاله قلت: مالك؟ كما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث أبي قتادة: «مالك يا أبا قتادة؟» وإذا سألت غيره عن حاله قلت: ما بال أبي فلان؟ كما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذا الحديث: «ما بال أبي عمير؟» . [39] وفي سؤاله صلّى اللَّه عليه وسلّم من سأل- عن حال أبي عمير- دليل على إثبات خبر الواحد. [40] وفيه دليل على أنه يجوز أن يكنى من لم يولد له، وقد كان عمر بن الخطاب يكره ذلك حتى أخبر به عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. [41] وفي قوله: «مات نغيره الّذي كان يلعب به» : تركه النكير بعد ما سمع ذلك صلّى اللَّه عليه وسلّم دليل على الرخصة في اللعب للصبيان. [42] وفيه دليل على الرخصة للوالدين في تخلية الصبي وما يروم من اللعب إذا لم يكن من دواعي الفجور، وقد كان بعض الصالحين يكره لوالديه أن يخلياه. [43] وفي دليل على أن إنفاق المال في ملاعب الصبيان ليس من أكل المال بالباطل، إذا لم يكن من الملاهي المنهية. [44] وفيه دليل على إمساك الطير في القفص. [45] وقصّ جناح الطير لمنعه من الطيران، وذلك أن لا يخلو من أن يكون النغيرة التي كان يلعب بها في قفص أو نحوه، من شدّ رجل أو غيره، أو أن تكون مقصوصة الجناح، فأيهما كان المنصوص، فالباقي قياس عليه، يكره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198   [ () ] قصّ جناح الطائر وحبسه في القفص. [46] وفيه دليل على أن رجلا لو اصطاد صيدا خارج الحرم ثم أدخل الحرم، لم يكن عليه إرساله، وذلك لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حرّم الاصطياد بين لابتي المدينة، وأجاز لأبي عمير إمساكه فيها. وكان ابن الزبير يفتي بإمساك ذلك، ومن حجته فيه: أن من اصطاد صيدا ثم أحرم وهو في يده، فعليه إرساله، فكذلك إذا اصطاد في الحل ثم أدخله الحرم. وفرّق الشافعيّ بين المسألتين كما وصفنا، فقال: من اصطاد ثم أحرم والصيد في ملكه فعليه إرساله، ومن اصطاده ثم أدخله الحرم فلا إرسال عليه. [47] وفي قوله: «ما فعل النغير؟» ، دليل على جواز تصغير الأسماء كما صغّر النغيرة، وكذلك المعنى في قوله: كان ابن لأبي طلحة يكنى أبا عمير. [48] وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مازحه بذلك يبكي، ففي ذلك دليل على أن قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في حديث آخر: «إذا بكى اليتيم اهتز العرش» ، ليس على العموم في جميع بكائه، وذلك أن بكاء الصبي على ضربين: أحدهما: بكاء الدلال عند المزاح والملاطفة، والآخر: بكاء الحزن أو الخوف عند الظلم أو المنع عما به إليه الحاجة، فإذا مازحت يتيما أو لاطفته فبكى، فليس في ذلك- إن شاء اللَّه تعالى- اهتزاز عرش الرحمن. [49] وقد زعم بعض الناس أن الحكيم لا يواجه بالخطاب غير العاقل. وقال بعض أصحابنا، ليس كذلك، بل صفة الحكيم في خطابه أن لا يضع الخطاب في غير موضعه، وكان في هذا الحديث كذلك دليل، ألا ترى أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم واجه الصغير بالخطاب عند المزاح فقال: «يا أبا عمير ما فعل النّغير؟» ، ولم يواجه بالسؤال عند العلم والإثبات، بل خاطب غيره، فقال: «ما بال أبي عمير؟» . [50] وفيه دليل على أن للعاقل أن يعاشر الناس على قدر عقولهم ولا يحمل الناس كلهم على عقله. [51] وفي نومه صلّى اللَّه عليه وسلّم عندهم دليل على أن عماد القسم بالليل، وأن لا حرج على الرجل في أن يقيل بالنهار عند امرأة في غير يومها. [52] وفيه دليل على سنة القيلولة. [53] وفي دليل على خلاف ما زعم بعضهم في أدب الحكام أن نوم الحكام والأمراء في منزل الرعية- ونحو ذلك من الأفعال- دناءة تسقط مروءة الحكام. [54] وفي نومه على فراشها دليل على خلاف قول من كره أن يجلس الرجل في مجلس امرأة ليست له بمحرم أو يلبس ثوبها وإن كان على تقطيع الرجال. [55] وفيه أنه يجوز أن يدخل المرء على امرأة في منزلها وزوجها غائب وإن لم تكن ذات محرم له. [56] وفي نضح البساط له ونومه على فراشها دليل على إكرام الزائر. [57] وفيه أن التّنعّم الخفيف غير مخالف للسنة. وأن قوله: «كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن وأصغى بسمعه» ، ليس على العموم إلا فيما عدا التنعم القليل. [58] وفيه دليل على أنه ليس بفرض على المزور أن يشيّع الزائر إلى باب الدار- كما أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بتشييع الضيف إلى باب الدار- إذ لم يذكر في هذا الحديث تشييعهم له إلى الباب. [59] وقد اختلف أهل العلم في تفسير ما ذكر من صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في حديث هند بن أبي هالة: كانوا إذا دخلوا عليه لا يفترقون إلا عن ذواق: قال بعضهم: أراد به الطعام. وقال بعضهم: أراد به ذواق العلم. ففي تفسير هذا الحديث، الدليل على تأويل من تأوّله على ذواق العلم، إذ قد أذاقهم العلم ولم يذكر فيه ذواق الطعام. [60] وكان من صفته صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه يواسي بين جلسائه، حتى يأخذ منه كل بحظ، وكذلك فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في دخوله على أم سليم: صافح أنسا، ومازح أبا عمير الصغير، ونام على فراش أم سليم، حتى نال الجميع من بركته صلّى اللَّه عليه وسلّم، وزاد على الستين فقال: [61] وإذا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم، فأقل ما في تحفّظ طرقه أن يكون نافلة، وفيه أن قوما أنكروا خبر الواحد واختلفوا فيه: فقال بعضهم بجواز خبر الاثنين قياسا على الشاهدين، وقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 وخرّج البخاري في كتاب الأدب في باب حسن الخلق وما يكره من البخل، من حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس (الحديث) . وخرّج في باب ما ينهي من السباب واللعن من حديث فليح بن سليمان أخبرنا هلال بن علي عن أنس بن مالك قال: لم يكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاحشا ولا لعّانا ولا سبّابا، كان يقول عند المعتبة: ما له تربت جبينه. وخرّج البخاري من حديث شعبة عن سليمان، سمعت أبا وائل، سمعت مسروقا قال: قال عبد اللَّه بن عمرو من حديث الأعمش عن شقيق بن سلمة عن مسروق قال: دخلنا على عبد اللَّه بن عمر حين قدم مع معاوية إلى الكوفة، فذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: لم يكن فاحشا ولا متفحشا، وقال: قال رسول اللَّه: إن من أخيركم أحسنكم خلقا (ذكره في كتاب الأدب وفي صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) . وخرّجه مسلم، ولفظه عن مسروق قال: دخلنا على عبد اللَّه بن عمرو حين قدم معاوية إلى الكوفة، فذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: لم يكن فاحشا ولا متفحشا،   [ () ] بعضهم بجواز خبر الثلاثة، ونزع بقول اللَّه جل ذكره: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وقال بعضهم بجواز خبر الأربعة، قياسا على أعلى الشهادات وأكبرها، وقال بعضهم بالشائع والمستفيض، فكان في تحفظ طرق الأخبار ما يخرج به الخبر عن حدّ الواحد إلى حد الاثنين وخبر الثلاثة والأربعة، ولعله يدخل في خبر الشائع المستفيض. [62] وفيه أن الخبر إذا كانت له طرق، وطعن الطاعن على بعضها احتج الراويّ بطريق آخر ولم يلزمه انقطاع، ما وجد إلى طريق آخر سبيلا. [63] وفيه أن أهل الحديث لا يستغنون عن معرفة النقلة والرواة ومقدارهم في كثرة العلم والرواية، ففي تحفظ طرق الأخبار، ومعرفة من رواها، ومعرفة كم روي كل راو منهم ما يعلم به مقادير الرواة ومراتبهم في كثرة الرواية. [64] وفيه أنهم إذا استقصوا في معرفة طرق الخبر عرفوا به غلط الغالط، وميزوا به كذب الكاذب، وتدليس المدلّس. [65] وإذا لم يستقص المرء في طرقه واقتصر على طريق واحد كان أقل ما يلزمه إن دلّس عليه في الرواية أن يقول: لعله قد روي ولم أستقص فيه، فرجع باللائمة والتقصير على نفسه والانقطاع وقد حلّ لخصمه. [66] إن مثل هذا الحديث فيه تثبيت الامتحان، والتمييز بيننا وبين أمثالهم، إذ لم يهتدوا إلى شيء من تخريج فقهه، ويستخرج أحدنا منه- بعون اللَّه وتوفيقه- كلّ هذه الوجوه، وفي ذلك وجهان: أحدهما: اجتهاد المستخرج في استنباطه، والثاني: تبيين فضيلته في الفقه والتخريج على أغياره. والعين المستنبط منها عين واحدة، ولكن من عجائب قدرة اللطيف في تدبير صنعه: أن تسقى بماء واحد ويفضل بعضها على بعض في الأكل. (جزء فيه فوائد حديث أبي عمير) : ص 19- 35. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 وقال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا. ولأبي داود الطيالسي من حديث شعبة عن ابن إسحاق قال: سمعت أبا عبد اللَّه الجدلي يقول سمعت عائشة رضي اللَّه عنها سئلت عن خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: لم يكن فاحشا ولا متفحشا، لا سخّابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، أو قالت يعفو ويغفر (شك أبو داود) . وخرّج البخاري في كتاب البيوع في باب كراهية السخب في الأسواق من حديث فليح: أخبرنا هلال عن عطاء بن يسار: لقيت عبد اللَّه بن عمرو بن القاضي، قلت: أخبرني عن صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في التوراة، قال: أجل واللَّه إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه اللَّه حتى يقيم الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا اللَّه، ويفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا [ (1) ] . وخرّج في تفسير سورة الفتح من حديث عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال ابن أبي هلال، عن عطاء بن يسار عن عبد اللَّه بن عمرو، أن هذه الآية التي في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، قال في التوراة: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا [ومبشرا] [ (2) ] وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه اللَّه حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا اللَّه فيفتح به أعينا عميا وآذانا صما، وقلوبا غلفا. وخرّج يعقوب بن سفيان الفسوي من حديث آدم وعاصم بن علي قالا: أخبرنا ابن أبي ذؤيب، حدثنا صالح مولى التزمة قال: كان أبو هريرة رضي اللَّه عنه ينعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان يقبل جميعا، ويدبر جميعا، بأبي وأمي ولم يكن فاحشا ولا   [ (1) ] في (خ) «أعين عمي وآذن صم وقلوب غلف» وما أثبتناه من (الطبقات الكبرى) لابن سعد ج 1 ص 361، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض ج 1 ص 15. [ (2) ] زيادة من المرجعين السابقين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 متفحشا ولا صخابا في الأسواق (زاد آدم: ولم أر مثله قبله، ولم أر بعده) . وذكر الوقدي أن أعرابيا أقبل من تهامة، فقال له أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تعال سلّم على رسول اللَّه، قال: وفيكم رسول اللَّه؟ قالوا: نعم، قال: فأيكم رسول اللَّه؟ قالوا هذا، قال: أنت رسول اللَّه؟ قال: نعم، قال: فما في بطن ناقتي هذه إن كنت صادقا؟ قال سلمة بن سلامة بن وقش: نكحتها، فهي حبلي منك، فكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقالته وأعرض عنه، ذكر ذلك في توجه رسول اللَّه إلى بدر، ثم ذكره في عود رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بدر [ (1) ] . قال: ولقيه الناس يهنئونه بالروحاء بفتح اللَّه، فلقيه وحوله الخزرج، فقال سلمة بن سلامة بن وقش: ما الّذي تهنئوننا به؟ فو اللَّه ما قتلنا إلا عجائز صلعا، فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا ابن أخي، أولئك الملأ لو رأيتهم لهبتهم، ولو أمروك لأطعتهم، ولو رأيت فعالك مع فعالهم لاحتقرته، وبئس القوم كانوا على ذلك لنبيهم، فقال سلمة بن سلامة: أعوذ باللَّه من غضبه، وغضب رسوله، إنك يا رسول اللَّه لم تزل عني معرضا منذ كنا بالروحاء في بدأتنا، فقال رسول اللَّه: أما ما قلت للأعرابي وقعت على ناقتك فهي حبلي منك، ففحشت وقلت ما لا علم لك به، وأمّا ما قلت في القوم، فإنك عمدت إلى نعمة من نعم اللَّه تعالى تزهدها، فقبل منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معذرته، وكان من علية أصحابه. وذكر الخطيب من حديث أبي داود: أخبرنا طلحة عن عبد اللَّه عن عبيد اللَّه عن أم سلمة قالت: ما طعن رسول اللَّه في حسب ولا نسب قط. وخرّج البخاري في المناقب من حديث شعبة عن قتادة عن عبد اللَّه بن أبي عتبة عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أشدّ حياء من العذراء في خدرها، وزاد في رواية: وإذا كره شيئا عرف في وجهه، وذكره في كتاب الأدب ولفظه: فإذا رأي شيئا يكرهه عرفناه في وجهه وخرّجه مسلم بنحوه [ (2) ] .   [ (1) ] راجع هذا الخبر عند الكلام على غزوة بدر من هذا الجزء تحت عنوان: خبر الأعرابي بعرق الظبية» ، وانظر أيضا (سيرة ابن هشام) ج 2 ص 187 تحت عنوان «الطريق إلى بدر» . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 78 باب كثرة حيائه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 ولأبي داود والبخاري في الأدب المفرد من حديث حماد بن زيد قال: حدثنا سلّم [ (1) ] العلويّ عن أنس أنّ رجلا دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعليه أثر صفرة، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قلّ ما يواجه رجلا في وجهه بشيء يكرهه، فلما خرج قال: لو أمرتم هذا أن يغسل ذا عنه [ (2) ] ! وله من حديث الأعمش عن سليم [ (3) ] عن مسروق عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال من يقولون كذا وكذا؟. وفي لفظ: إذا بلغه الشيء عن الرجل لم قلت كذا وكذا أثر ذكره. وخرّج البخاري ومسلم من حديث مالك عن إسحاق عن أنس قال: كنت أمشي مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعليه برد غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذا شديدا حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أثّرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال اللَّه الّذي عندك، قال: فالتفت إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فضحك، ثم أمر له بعطاء [ (4) ] . وخرّج الحاكم من حديث عبد اللَّه بن يوسف التنيسي حدثنا عبد اللَّه بن سالم، حدثنا محمد بن حمزة بن محمد بن يوسف بن عبد اللَّه بن سالم [ (5) ] عن أبيه عن جده، أن زيد بن سعنة- كان [ (6) ] من أحبار اليهود- أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتقاضاه فجبذ ثوبه عن منكبه الأيمن. ثم قال: إنكم يا بني عبد المطلب أصحاب مطل، وإني بكم لعارف، قال: فانتهره عمر، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يا عمر] [ (7) ] : أنا وهو كنّا إلى غير هذا منك أحوج، أن تأمرني بحسن القضاء، وتأمره بحسن التقاضي، انطلق يا عمر وفّه حقّه، أما إنه قد بقي من أجله ثلاث، فزده [ (8) ]   [ (1) ] قال أبو داود: سليم ليس هو علويا. كان يبصر في النجوم، وشهد عند عدي بن أرطاة على رؤبة الهلال فلم يجز شهادته. [ (2) ] (سنن أبي داود) ج 5 ص 143 حديث رقم 4789. [ (3) ] في (خ) «مسلم» . [ (4) ] ونحوه في سنن أبي داود ج 5 ص 133 كتاب الأدب باب في الحلم وأخلاق النبي حديث رقم 4775. [ (5) ] في (خ) «سلام» . [ (6) ] في (خ) «وكان» . [ (7) ] زيادة من (المستدرك) . [ (8) ] في (خ) «وزده» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 ثلاثين صاعا لتزويرك [ (1) ] عليه. قال الحاكم: صحيح الإسناد [ (2) ] . وخرّجه الفسوي من حديث الأعمش عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم قال: كان رجل من الأنصار يدخل علي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدنا منه وإنه عقد له عقدا وألقاه في بئر، ففزّع ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتاه ملكان يعودانه فأخبراه أن فلانا عقد له عقدا وهي في بئر فلان، وقد اصفرّ الماء من شدة عقده، فأرسل الني صلّى اللَّه عليه وسلّم فاستخرج العقد فوجد الماء قد اصفرّ، فحل العقد ونام النبي عليه السلام، ولقد رأيت الرجل بعد ذلك يدخل علي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما رأيته في وجه النبي عليه السلام حتى مات. ولأبي بكر بن أبي شيبة من حديث عباد بن العوام، عن النعمان بن ثابت عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أنس قال: ما أخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ركبتيه بين يدي جليس قط، ولا ناول يده أحدا قط فتركها حتى يكون هو يدعها، وما جلس إلى رسول اللَّه أحد قط فقام حتى يقوم، وما وجدت شيئا قط أطيب ريحا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرّج الفسوي من حديث عمران بن زيد الملائي قال: حدثني زيد العمي عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صافح أو صافحه الرجل. لا ينزع، وإن استقبله بوجهه لا يعرضه عنه حتى يكون الرجل ينصرف، ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له. وخرّج أبو داود من حديث مبارك بن فضالة [ (3) ] عن ثابت عن أنس قال: ما رأيت رجلا التقم أذن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الّذي ينحي رأسه، وما رأيت رسول اللَّه أخذ بيده رجل [ (4) ] فترك يده حتى يكون الرجل هو الّذي يدع يده [ (5) ] . وفي الأدب المفرد للبخاريّ من حديث عبد الوارث، حدثنا عتبة بن عبد الملك،   [ (1) ] في (خ) «لتدورك» . [ (2) ] وقال الذهبي في (التلخيص) : «قلت: مرسل» راجع المستدرك للحاكم ج 2 ص 32 كتاب البيوع. [ (3) ] هو ابن فضالة، أبو فضالة القرشي العدوي، مولاهم البصري، قال عفان بن مسلم: ثقة. وضعّفه الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والنسائي وغيرهم. [ (4) ] في (أبي داود) : «وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده» . [ (5) ] (سنن أبي داود) ج 5 ص 146 حديث رقم 4794، كتاب الأدب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 حدثني زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو السهمي، أن الحارث بن عمرو السهمي حدثه قال: أتيت النبي وهو بمنى أو بعرفات، وقد أطاف به الناس، ويجيء الأعراب فإذا رأوا وجهه قالوا: هذا وجه مبارك، قلت يا رسول اللَّه استغفر لي، فقال: اللَّهمّ اغفر لنا، فدرت فقلت: استغفر لي فقال: اللَّهمّ اغفر لنا، فدرت فقلت استغفر لي فقال: اللَّهمّ أغفر لنا، فذهب بيده بزاقه ومسح به نعله، كره أن يصيب أحدا من حوله. وخرّج الحاكم من حديث محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن عمر ابن عبد العزيز عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه قال: كان رسول اللَّه إذا جلس يتحدث كثيرا يرفع طرفه إلى السماء. وفي الصحيحين من حديث الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: ما عاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طعاما قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه [ (1) ] . وخرّج البخاري في كتاب الأدب من حديث ابن وهب، أخبرنا عمرو أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كن يتبسم [ (2) ] . وخرج مسلم بنحوه. وخرّج مسلم من حديث يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال نعم، كثيرا ما كان لا يقوم من مصلاه الّذي يصلّى فيه الصبح حتى تطلع الشمس. فإذا طلعت قام، وكانوا يتحدثون ويأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويبتسم صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] .   [ (1) ] أخرجه البخاري في المناقب باب صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومسلم في الأشربة باب لا يعيب الطعام، والترمذي في البر باب ترك العيب للنعمة وقال: حسن صحيح، وابن ماجة في الأطعمة باب النهي أن يعاب الطعام، وأبو داود كتاب الأطعمة باب كراهية ذمّ الطعام ولفظه: «ما عاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طعاما قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه» . [ (2) ] (صحيح البخاري حاشية السندي) ج 4 ص 64 من كتاب الأدب. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 79، ولفظه: «فيأخذون في أمر الجاهلية» وفيه: استحباب الذكر بعد الصبح وملازمة مجلسها ما لم يكن عذر وفيه جواز الحديث بأخبار الجاهلية وغيرها من الأمم، وجواز الضحك، والأفضل الاقتصار على التبسم كما فعله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عامة أوقاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 وخرّجه الترمذي من حديث شريك عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: جالست النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثر من مائة مرّة، فكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت وربما تبسم [ (1) ] قال هذا حديث حسن صحيح. وقال الليث بن سعد عن الوليد بن أبي الوليد أن سليمان بن خارجة أخبره عن خارجة بن زيد أن نفرا دخلوا على أبيه زيد بن ثابت فقالوا: حدّثنا عن بعض أخلاق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كنت جاره فكان إذا نزل الوحي بعث إليّ فآتيه فأكتب الوحي، وكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، فكل هذا يحدثكم عنه. وخرّج البخاري في المناقب من حديث سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحدث حديثا لو عدّه العادّ لأحصاه [ (2) ] . ومن حديث يونس عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت: ألا يعجبك [ (3) ] أبا فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي [ (4) ] يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسمعني ذلك، وكنت أسبّح فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يسرد [ (5) ] الحديث [كسردكم] [ (6) ] . وخرّج مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدّث أن عائشة قالت: ألا تعجل أبا هريرة جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يسمعني ذلك، وكنت أسبح فقام قبل أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه أن رسول اللَّه لم يكن يسرد الحديث كسردكم. وخرّج أيضا من حديث سفيان بن عيينة عن هشام عن أبيه قال: كان أبو هريرة يحدث ويقول: اسمعي يا ربة الحجرة، وعائشة رضي اللَّه عنها تصلي، فلما قضت صلاتها قالت لعروة: ألا تسمع إلى هذا أو مقالته آنفا؟ إنما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث حديثا لو عدّه العاد لأحصاه.   [ (1) ] (الشمائل المحمدية) ص 26 حديث 246 ولفظه، وربما تبسم معهم. [ (2) ] (فتح الباري) ج 6 ص 567 حديث رقم 3567. [ (3) ] في (خ) «نعجل» . [ (4) ] في (خ) «حجري» . [ (5) ] في (خ) «ليرد» . [ (6) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) والتكملة من المرجع السابق حديث رقم 3568. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 وخرّج الترمذي من حديث عبد اللَّه بن المثنى عن أبيه عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب [ (1) ] . ولابن حبان من حديث حسين بن علوان الكوفي، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما كان أحد أحسن خلقا من رسول اللَّه، ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال لبيك، فلذلك أنزل اللَّه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. وخرج أبو بكر الشافعيّ من حديث عثمان بن مطر، عن ثابت عن أنس قال: مرّ علينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن صبيان فقال: السلام عليكم يا صبيان. وقال عبد الملك بن شقيق عن أبيه عن عبد اللَّه بن أبي الحماء قال: بايعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ببيع قبل أن يبعث، فبقيت له بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذاك، فنسيت يومي والغد، فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه فقال: يا بني! لقد شققت عليّ، إني ها هنا منذ ثلاث. وقال الإمام أحمد: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق. وقال محمد بن حماد بن سلمه عن عاصم بن بهدلة عن زر [ (2) ] عن عبد اللَّه بن مسعود قال: كنا يوم بدر تتعاقب ثلاثة على بعير، وكان عليّ وأبو لبابة زميلي رسول اللَّه، فكان إذا كانت عقب رسول اللَّه، يقولان له: اركب حتى نمشي، فيقول: إني لست بأغنى عن الأجر منكما، ولا أنتما بأقوى على المشي مني. وخرجه الحاكم [ (3) ] . وقال [ (4) ] صحيح الإسناد. وخرّجه ابن حبان أيضا في صحيحه. وخرّج   [ (1) ] (الشمائل المحمدية) ص 113 حديث رقم 234، وأخرجه الترمذي في المناقب والاستئذان، والبخاري في العلم والاستئذان. [ (2) ] في (خ) «ذر» والتصويب من (المستدرك) . [ (3) ] (المستدرك على الصحيحين) ج 3 ص 20 ولفظه: «كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، قال: وكان عليّ وأبو لبابة زميلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: وكان إذا كانت عقبته قلنا: اركب حتى نمشي، فيقول: ما أنتما بأقوى مني وما أنا بأغنى عن الأجر منكم» في (خ) «بأغنا» . [ (4) ] وقال: هذا حديث على شرط مسلم ولمن يخرجاه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 أبو يعلى من حديث يونس بن بكير: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل، حدثنا عثمان ابن كعب، حدثني ربيع- رجل من بني النضر وكان في حجر صفية- عن صفية بنت حيي قالت: ما رأيت قط أحسن خلقا من رسول اللَّه، لقد رأيته راكب [] [ (1) ] من خيبر على عجز ناقته ليلا فجعلت أنعس فيضرب رأسي مؤخرة الرحل، فيمسكني بيده ويقول: يا هذه مهلا، يا صفية بنت حيي!! حتى إذا جاء الصهباء [ (2) ] قال: أما إني اعتذر إليك يا صفية مما صنعت بقومك!! إنهم قالوا لي كذا وكذا. وعن وهب بن منبه قال: قرأت أحدا وسبعين كتابا، فوجدت في جميعها أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم أرجح الناس عقلا وأفضلهم رأيا. وأما شجاعته فخرّج البخاري في كتاب الأدب من حديث حماد بن زيد عن ثابت قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس، وكان أجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول: لم تراعوا لم تراعوا، وهو على فرس لأبي طلحة عري (ما عليه سرج) ، في عنقه سيف قال: وجدناه بحرا أو إنه لبحر [ (3) ] . وخرّجه مسلم [ (4) ] وقال: فانطلق ناس [ (5) ] . وقال: فتلقاهم رسول اللَّه راجعا وقد سبقهم إلى الصوت [ (6) ] . وذكره البخاري في مواضع من كتاب الجهاد.   [ (1) ] مكان ما بين القوسين في (خ) كلمة لم أتبين معناها. [ (2) ] صهباء: اسم موضع بينه وبين خيبر روحة» (معجم البلدان) ج 3 ص 435. [ (3) ] (صحيح البخاري بشرح الكرماني) ج 21 ص 183 حديث رقم 5662 ولفظه: «فقال: لقد وجدته بحرا أو إنه البحر» . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 67 باب شجاعته صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (5) ] في المرجع السابق «فانطلق ناس قبل الصوت» . [ (6) ] ومعنى قوله: لن تراعوا، أي روعا مستقرا، أو روعا يضركم، وفيه فوائد، منها، بيان شجاعته صلّى اللَّه عليه وسلّم من شدة عجلته في الخروج إلى العدو قبل الناس كلهم بحيث كشف الحال ورجع قبل وصول الناس، وفيه بيان عظيم بركته ومعجزته في انقلاب الفرس سريعا بعد أن كان يبطأ، وهو معنى قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم وجدناه بحرا، أي واسع الجري، وفيه جواز سبق الإنسان وحده في كشف أخبار العدو ما لم يتحقق الهلاك، وفيه جواز العارية، وجواز الغزو على الفرس للمستعار، وفيه استحباب تبشير الناس بعدم الخوف (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 67 و 68 باب شجاعته صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وخرّجه النسائي من حديث أبي خيثمة عن ابن إسحاق عن حارثة بن مغرب عن علي رضي اللَّه عنه قال: كنا إذا حمي البأس، والتقي القوم اتقينا برسول اللَّه، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه. وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: كنا واللَّه إذا احمرّ البأس نتقي به، يعني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأن الشجاع منا الّذي يحاذي به. وله من حديث إسحاق بن راهويه، حدثنا عمرة بن محمد، حدثنا عمر الزيات عن سعيد بن عثمان العبدري عن عمران بن الحصين قال: ما لقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كتيبة إلا كان أول من يضرب. وخرّج الدارميّ من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا سعد عن عبد الملك بن عمير قال: قال ابن عمر: ما رأيت أحدا أنجد ولا أجود ولا أشجع ولا أوضأ من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وأما سعة جوده صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البخاري في فضائل القرآن، وخرّج مسلم في المناقب من حديث شهاب عن عبيد اللَّه بن عتبة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان لأنّ جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ الشهر، فيعرض عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القرآن، فإذا لقيه جبريل، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجود بالخير من الريح المرسلة (اللفظ لمسلم) [ (2) ] . ولفظ البخاري: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان، لأن جبريل كان يلقاه [في] [ (3) ] كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول اللَّه القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود من الريح المرسلة، (هذا   [ (1) ] (سنن الدارميّ ج 1 ص 30 وفيه «ولا أضوأ ولا أوضأ» . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 68، 69 باب سعة جوده صلّى اللَّه عليه وسلّم، والمراد كالريح في إسراعها وهمومها، وفي هذا الحديث فوائد منها: بيان عظم جوده صلّى اللَّه عليه وسلّم ومنها استحباب إكثار الجود والخبر عند ملاقاة الصالحين وعقب فراقهم للتأثر بلقائهم، ومنها استحباب مدارسة القرآن. [ (3) ] زيادة من (البخاري) ج 3 ص 227. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 اللفظ في كتاب فضائل القرآن) . ولفظه في كتاب الصيام بنحو إلا أنه قال: وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان (الحديث) . وذكره في أول كتابه، ولفظه: كان رسول اللَّه أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول اللَّه أجود بالخير من الريح المرسلة. وذكره أيضا في المناقب، وفي كتاب بدء الخلق وقال فيه: لرسول اللَّه حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة. ولابن سعد من حديث الزهري عن عبيد اللَّه عن ابن عباس وعائشة قالا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل [ (1) ] . وخرّج من حديث سفيان عن ابن المنكدر، سمعت جابرا يقول: ما سئل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن شيء قط فقال لا! [ (2) ] . ولفظ مسلم: ما سئل رسول اللَّه شيئا فقال لا [ (3) ] ! ذكره البخاري في كتاب الأدب، ولمسلم من حديث حميد عن موسى بن أنس عن أبيه قال: ما سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة [ (3) ] . ومن حديث حماد بن سلمة عن أنس أن رجلا سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم غنما بين جبلين فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال يا قوم أسلموا فو اللَّه إن محمدا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر، فقال أنس: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها (انفرد به مسلم) [ (3) ] . وله من حديث ابن شهاب قال: غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوة الفتح (فتح مكة) ، ثم خرج بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحنين. فنصر اللَّه دينه والمسلمين، فأعطى رسول اللَّه يومئذ صفوان بن أمية مائة من النّعم، ثم مائة، قال ابن شهاب:   [ (1) ] (الطبقات الكبرى لابن سعد) ج 1 ص 377 باب ذكر حسن خلقه وعشرته صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] (سن الدارميّ) ج 1 ص 34، وفيه يقول أبو محمد: قال ابن عيينة: «إذا لم يكن عنده وعد» . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي ج 15 ص 71، 72 باب في سخائه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال: واللَّه لقد أعطاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ [ (1) ] . ولأحمد بن حنبل رحمه اللَّه، من حديث الزهري عن عمر بن محمد بن جبير ابن مطعم قال: حدثني محمد بن جبير قال: أخبرني جبير بن مطعم قال: سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه الناس مقفلة من حنين، فعلقه الأعراب فساء لونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فوقف وقال: ردوا على ردائي، أتخشون عليّ البخل: فلو كان عدد هذه العضاة نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا [ (2) ] . (أخرجه البخاري وانفرد بإخراجه) . وخرّج الإمام أحمد من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال عمر: يا رسول اللَّه: لقد سمعت فلانا وفلانا يحسنان الثناء، يذكران أنك أعطيتهما دينارا، ثم قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: واللَّه لكن فلانا ما هو كذلك، لقد أعطيته من عشرة إلى مائة، فما يقول ذلك، أما واللَّه إن أحدكم ليخرج مسألته من عندي يتأبطها (يعني حتى تكون تحت إبطه يعني نارا) ، قال: قال عمر: يا رسول اللَّه! تعطيها إياهم؟ قال: فما أصنع يا عمر إلا ذاك؟ ويأبى اللَّه لي البخل!! وقال عبد اللَّه بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل على بلال وعنده صبر من تمر، فقال: ما هذا يا بلال؟ قال: أدّخره يا رسول اللَّه، قال: أما تخشى أن يكون له بخار في النار؟ أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا [ (3) ] . وخرّج الترمذي من حديث هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسأله أن يعطيه،   [ (1) ] المرجع السابق ص 73. [ (2) ] في (الكامل لابن الأثير) ج 2 ص 269 «ولما فرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من رد سبايا هوازن ركب واتبعه الناس يقولون: يا رسول اللَّه اقسم علينا فيئا، حتى ألقوه إلى الشجرة، فاختطف رداؤه، فقال: ردّوا عليّ ردائي أيها الناس، فو اللَّه لو كان لي عدة شجر تهامة نعم لقسمتها عليكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا» . [ (3) ] (البداية والنهاية) ج 6 ص 54 ولفظه: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل على بلال فوجد عنده صبرا ... » . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 فقال: ما عندي شيء ولكن ابتع على، فإذا جاءني شيء قضيته، فقال عمر: يا رسول اللَّه لقد أعطيته وما كلفك اللَّه مالا بعد، فكره النبي عليه السلام قول عمر، فقال رجل من الأنصار: رسول اللَّه! أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا، فتبسم رسول اللَّه، وعرف البشر في وجهه لقول الأنصاري ثم قال: بهذا أمرت. وقال قتيبة: حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت عن أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يدخر شيئا لغد. ولأبي داود الطيالسي عن زمعة عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حييا لا يسأل شيئا إلا أعطى [ (1) ] . وقال ابن سعد أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي المكيّ، حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، حدثني زياد بن سعد عن محمد بن المنكدر [ (2) ] قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه قال: ما [ (3) ] سئل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا قط فقال: لا. أخبرنا الفضل بن دكين، حدثنا أبو العلاء الخفاف [ (4) ] خالد بن طهمان عن المنهال بن عمرو، عن محمد بن الحنفية قال-: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يكاد يقول لشيء لا، فإذا هو سئل فأراد أن يفعل قال: نعم، وإن لم يرد أن يفعل سكت، فكان قد عرف ذلك منه. وقال أبو يعلي: حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن نمير، أخبرنا أبي، حدثنا هشام ابن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمه، أن رجلا كان يلقب حمارا وكان يهدي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العكة من السمن والعكة من العسل. فإذا صاحبه يتقاضاه جاء به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيقول: رسول اللَّه! أعط هذا ثمن متاعه، فما يزيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] على أن يتبسم، ويأمر به فيعطى. ولابن حبان من حديث الأوزاعي عن هارون بن رباب عن أنس قال: قدم   [ (1) ] في (خ) «أعطا» . [ (2) ] في (خ) «المنكدر المنكدر» وهو تكرار من الناس (3) (سنن الترمذي) ص 10 حديث رقم 2417. [ (3) ] في (خ) «يا» . [ (4) ] في (خ) «الحفان» وما أثبتناه من (تهذيب التهذيب) ج 12 ص 192 ترجمة رقم 887. [ (5) ] في (خ) «بعد قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم «فيقول يا رسول اللَّه» مكررة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سبعون ألف درهم- هو أكثر مال أتى به- فوضع على حصير ثم قام فقسمه، فما رد سائلا حتى فرغ منه. وقال الواقدي في حجة الوداع [ (1) ] : ثم راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الروحاء [ (2) ] ، فصلّى العصر بالمنصرف [ (3) ] ثم صلّى المغرب والعشاء وتعشى به [ (4) ] ، وصلّى الصبح بالأثاية [ (5) ] ، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج [ (6) ] ، فحدثني أبو حمزة عبد الواحد ابن مصون [ (7) ] عن عروة بن الزبير، عن أسماء بنت بي بكر رضي اللَّه عنها قالت: كان أبو بكر رضي اللَّه عنه قال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة: إن عندي بعيرا محمل عليه زادنا، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذاك إذا قالت: فكانت زاملة رسول اللَّه وأبي بكر واحدة، فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بزاد، دقيق وسويق، فجعلا على بعير أبي بكر، فكان غلامه يركب عليه عقبة، فلما كان بالأثاية [ (8) ] عرّس الغلام وأناخ بعيره، فغلبته عيناه، فقام البعير يجر خطامه آخذا في الشعب، وقام الغلام فلزم الطريق يظن أنه سلكها وهو ينشده فلا يسمع له بذكر، ونزل رسول اللَّه في أبيات بالعرج، فجاء الغلام مظهرا، فقال أبو بكر: أين بعيرك؟ قال: ضل مني، قال: ويحك! لو لم يكن إلا أنا لهان الأمر، ولكن رسول اللَّه وأهله، فلم يلبث [ (9) ] أن طلع به صفوان بن المعطل- وكان صفوان على ساقة الناس- وأناخه على باب منزل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال لأبي بكر: انظر هل تفقد شيئا من متاعك؟ فنظر، فقال. ما نفقد شيئا إلا قعبا كنا نشرب به، فقال الغلام: هذا القعب معي، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه أدي اللَّه عنك الأمانة. حدثني يعقوب بن يحيى بن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير عن عيسى بن معمر،   [ (1) ] (المغازي للواقدي) ج 3 ص 1093. [ (2) ] الرّوحاء: من الفرع على نحو أربعين يوما، (معجم البلدان) ج 3 ص 76. [ (3) ] المنصرف: موضع بين مكة وبدر بينهما أربعة برد (معجم البلدان) ج 5 ص 76. [ (4) ] في (خ) «ثم صلّى المغرب والعشاء بالمتعشى وتمشى به» وما أثبتناه رواية (الواقدي) . [ (5) ] الأثاية: موضع في طريق الجحفة بينه وبين المدينة خمسة وعشرون فرسخا (معجم البلدان) ج 1 ص 90. [ (6) ] العرج: قرية جامعة في واد من نواحي الطائف (معجم البلدان) ج 4 ص 92. [ (7) ] في (خ) «بن ميمون» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 3 ص 1093. [ (8) ] في (خ) «الأثابة» في المواضع كلها، والتصويب من (معجم البلدان) و (المغازي) . [ (9) ] في (خ) «فلم ينشب» . وما أثبتناه من (المغازي) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 عن عباد بن عبد اللَّه، عن أسماء بنت أبي بكر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما نزل بالعرج، جلس معنا منزله ثم جاء أبو بكر فجلس إلى جنبه، فجاءت عائشة فجلست إلى جنبه الآخر، وجاءت أسماء فجلست إلى جنب أبي بكر رضي اللَّه عنه، فأقبل غلام أبي بكر متسربلا، فقال له أبو بكر-: أين بعيرك؟ قال: أضلني، فقام إليه يضربه ويقول: بعير واحد يضل منك، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبسّم ويقول: ألا ترون إلى هذا المحرم وما يصنع، وما ينهاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وحدثني أبو حمزة عن عبد اللَّه بن سعد الأسلمي عن آل نضلة الأسلمي [ (1) ] أنهم خبّروا [ (2) ] أن زاملة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضلّت فحملوا جفنة من حيس، فأقبلوا [ (3) ] بها، حتى وضعوها بين يدي رسول اللَّه، فجعل يقول: هلم يا أبا بكر، فقد جاءك [ (4) ] اللَّه بغداء طيب، وجعل أبو بكر يغتاظ على الغلام، فقال النبي عليه السلام: هون عليك، فإن الأمر ليس إليك ولا إلينا معك، قد كان الغلام حريصا أن لا يضل بعيره، وهذا أخلف [ (5) ] مما كان معه، فأكل رسول اللَّه وأهله وأبو بكر، وكل من كان [ (6) ] مع رسول اللَّه حتى شبعوا- قال: وجاء سعد بن عبادة وابنه قيس بن سعد رضي اللَّه عنه بزاملة تحمل زادا يؤمان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى يجد رسول اللَّه واقفا عند باب منزله، قد أتي اللَّه بزاملته، فقال سعد: يا رسول اللَّه! قد بلغنا أن زاملتك أضلت مع الغلام [ (7) ] ، وهذه زاملة مكانها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد جاء اللَّه بزاملتنا فارجعا بازملتكما [ (8) ] ، بارك اللَّه عليكما، أما يكفيك يا أبا ثابت ما تصنع بنا في ضيافتك منذ نزلنا بالمدينة؟ قال: يا رسول اللَّه! المنّة للَّه ولرسوله، واللَّه يا رسول اللَّه، للذي تأخذ من أموالنا أحب إلينا من الّذي تدع، قال صدقتم يا أبا ثابت، أبشر فقد أفلحت، إن الأخلاق بيد اللَّه، فمن أراد أن يمنحه منها خلقا صالحا منحه، ولقد منحك اللَّه خلقا صالحا،   [ (1) ] في (خ) «الأسلميين» وما أثبتناه من (المغازي) ج 3 ص 1094. [ (2) ] في (خ) «أخبروا» وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (3) ] في (خ) «وأقبلوا» وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (4) ] في (خ) «جاء» وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (5) ] كذا في (خ) وفي (المغازي) «خلف» . [ (6) ] في (خ) «وكل ما كان يأكل» وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (7) ] في (خ) «أضلت الغلام» وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (8) ] في (خ) «بزامليكما» وما أثبتناه من المرجع السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 فقال سعد: الحمد للَّه [الّذي] [ (1) ] هو فعل ذلك، قال ثابت بن قيس: يا رسول اللَّه، إن أهل بيت سعد في الجاهلية سادتنا، والمطعمون في المحل منا، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، لهم [ (2) ] ما أسلموا عليه، قال ابن أبي الزّناد: يقول له جميل ذكره. وأما تواضعه وقربه فخرج سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة من حديث أبي الأحوص عن مسلم الأعور عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعود المريض ويشهد الجنازة ويجيب دعوة الملوك ويركب الحمار، وكان يوم خيبر على حمار، ويوم قريظة على حمار مخطوم [ (3) ] من ليف تحته إكاف [ (4) ] ليف. وخرّجه الترمذي من حديث علي بن مسهر [ (5) ] عن مسلم الأعور عن أنس بنحو هذا، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسلم عن أنس، ومسلم الأعور يضعّف، وهو مسلم بن كيسان الملائي، ذكره الترمذي في الجنائز [ (6) ] . وخرّج البخاري في الأدب المفرد من حديث ابن المبارك، أخبرنا سلمى أبو قتيبة، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: رمدت عيني فعادني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم قال: يا زيد، لو أن عينك لما بها، كيف كنت تصنع؟ قال: كنت أصبر وأحتسب، قال: لو أن عينك لما بها ثم صبرت واحتسبت كان ثوابك الجنة. وخرّج أيضا من حديث حجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: ذهبت بعبد اللَّه بن أبي طلحة آتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم ولد، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] زيادة من المرجع السابق. [ (2) ] في (خ) «له» . [ (3) ] مخطوم وهو الزمام الحبل من الليف. [ (4) ] الإكاف: هو كالسرج للفرس. [ (5) ] في (خ) «ميهر» . [ (6) ] (الشمائل المحمدية للترمذي) ص 173 حديث رقم 325، (سنن الترمذي) ج 2 ص 241 حديث رقم 1022، (سنن ابن ماجة) ج 2 ص 1398 حديث رقم 188، بنحو ذلك، ومسلم بن كيسان هذا قال عنه أبو داود: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره فكان لا يدري ما يحدث به.. انظر (تهذيب التهذيب) ج 1 ص 135 ترجمة رقم 247. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 في عباءة يهنو بعيرا له فقال: أمعك تمرات؟ قلت: نعم، فناولته تمرات فلاكهن ثم فغر فا الصبي، فأوجدهن إياه، فتلمظ الصّبي فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حب الأنصار، وسماه عبد اللَّه. وخرج البخاري في الصحيح من حديث إبراهيم عن الأسود قال: سألت عائشة رضي اللَّه عنها [ (1) ] ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله- (تعني خدمة أهله) - فإذا حضرت الصلاة. خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ذكره في كتاب الصلاة، وترجم عليه باب من كان في حاجة أهله، وأقيمت الصلاة فخرج، وذكره في كتاب النفقات ولفظه: سألت عائشة: ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصنع في البيت؟ قالت: في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج. وترجم عليه باب خدمة الرجل في أهله وذكره، وذكره في كتاب الأدب ولفظه: ما كان النبي يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله؟ فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة، ترجم عليه كيف يكون الرجل في أهله [ (2) ] ؟. وخرج عبد الرزاق من [ (3) ] حديث الزهري، وهشام بن عروة عن أبيه، قال سأل رجل عائشة: أكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعمل في بيته؟ قالت: نعم كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه؟ ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته. وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن سعيد عن عمرة قالت: قيل لعائشة ما كان يعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر، يفلّي ثوبه ويحلب شاته [ (4) ] ويخدم نفسه. وخرج البخاري في كتاب الأدب من حديث هيثم، أخبرنا حميد الطويل، أخبرنا أنس قال: إن كانت الأمة من إماء لأهل المدينة لتأخذ بيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتنطلق به حيث شاءت [ (5) ] .   [ (1) ] في (خ) «عنه» . [ (2) ] (صحيح البخاري بشرج الكرماني) ج 21 ص 186 حديث رقم 5668. [ (3) ] في (خ) «بن حديث» . [ (4) ] في (خ) بعد قوله: «يحلب شاته» عبارة «ويفلّي ثوبه» وهو تكرار من الناسخ. [ (5) ] والمقصود من الأخذ بيده الأمة وهو الرّفق والانقياد، يعني كان خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بهذه المرتبة وهو أنه لو كان لأمة حاجة إلى بعض مواضع المدينة وتلتمس منه مساعدته في تلك الحاجة واحتاج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 وخرج مسلم من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم، قال: أخبرنا سليمان ابن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صلّى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتي بإناء إلا غمس يده فيها، فربما جاءوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها [ (1) ] . وخرج من حديث يزيد بن هارون عن عماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء فقالت: يا رسول اللَّه، إن لي إليك حاجة، فقال: يا أم فلان، انظري أي السكك شئت حتى أقضي إليك حاجتك، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها [ (2) ] . وقال علي بن الحسين بن واقد عن أبيه قال: سمعت يحيى بن عقيل يقول: سمعت عبد اللَّه بن أبي أوفى يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة، ولا يستنكف أن يمشي مع العبد والأرملة حتى يفرغ لهم من حاجاتهم [ (3) ] . وخرج الإمام أحمد عن أيوب عن عمرو بن سعيد عن أنس قال: ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذكر الحديث.   [ () ] أن يمشي معها لقضائها لما تخلف عن ذلك حتى قضى حاجتها. وفيه أنواع من المبالغة من جهة أنه ذكر المرأة لا الرجل، والأمة لا الحرة، وعمم بلفظ الإماء: أي أيّ أمة كانت، وبقوله: «حيث شاءت» من المكانات، وعبر عنه بلفظ الأخذ باليد الّذي هو غاية التصرف. (صحيح البخاري بشرح الكرماني) ج 21 ص 206 كتاب الأدب حديث رقم 5700. [ (1) ] في (خ) «فيه» وما أثبتناه من (صحيح مسلم) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 82 «وفي هذه الأحاديث بيان بروزه صلّى اللَّه عليه وسلّم للناس وقربه منهم ليصل أهل الحقوق إلى حقوقهم ويرشد مسترشدهم ليشاهدوا أفعاله وحركاته فيقتدي بها، وهكذا ينبغي لولاة الأمور، وفيها صبره صلّى اللَّه عليه وسلّم على المشقة في نفسه لمصلحة المسلمين وإجابته من سأل حاجته أو تبريكا بمس يده وإدخالها في الماء كما ذكروا، وفيه التبرك بآثار الصالحين وبيان ما كانت الصحابة عليه من التبرك بآثاره صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتبركهم بإدخال يده الكريمة في الآنية ... وبيان تواضعه بوقوفه مع المرأة الضعيفة، وقوله: «خلا معها في بعض الطرق» أي وقف معها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة ولم يكن ذلك الخلوة بالأجنبية فإن هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها لكن لا يسمعون كلامها لأن مسألتها مما لا يظهره واللَّه أعلم، (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 83، 83. [ (3) ] (سنن الدارميّ) ج 1 ص 35 ونصه: « ... ولا يأنف ولا يستنكف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي لهما حاجتهما» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 وخرجه عن إسماعيل بن علبة عن أيوب عن عمرو بن سعيد عن أنس، ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن أنس (لم يذكر عمرو بن سعيد) . وخرّج البخاري من حديث علي بن الجعد قال: حدثنا شعبة عن شيبان بن أبي الحكم عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أنه مرّ على صبيان فسلم عليهم [ (1) ] ، وأخرجه مسلم أيضا وقال ابن لهيعة: حدثني عمارة بن غزية عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أفكه الناس مع صبي. وخرّج البخاري في الأدب المفرد عن طريق وكيع عن معاوية بن أبي برد عن أبيه عن أبي هريرة قال: أخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بيد الحسن أو الحسين ثم وضع قدميه فوق قدميه ثم قال شهق. ومن طريق عبد اللَّه بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن راشد عن يعلي بن مرّة أنه قال: خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعينا إلى طعام، فإذا بحسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أمام القوم ثم بسط يديه، فجعل يمر مرة ها هنا، ومرة هاهنا يضاحكه، حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه ثم اعتنقه فقبّله، ثم [قال] : حسين مني وأنا منه، أحبّ اللَّه من أحب الحسن والحسين، سبطان من الأسباط. ومن طريق ابن أبي فديك قال: حدثني هشام بن سعد عن نعيم المجمر عن أبي هريرة قال: ما رأيت حسنا إلا فاضت عيناي دموعا، وذلك أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج يوما فوجدني في المسجد فأخذ بيدي، فانطلقت معه، فما كلمني حتى جئنا سوق بني قينقاع، فطاف به ونظر ثم انصرف وأنا معه حتى جئنا المسجد، فاحتبى ثم قال: أين لكاع؟ أدع لكاعا، فجاء حسن يشتد فوقع في حجره، ثم أدخل يده في لحيته، ثم جعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يفتح فاه في فيه ثم قال: اللَّهمّ إني أحبه فأحببه، وأحب من يحبه.   [ (1) ] (صحيح البخاري) ج 4 ص 89 باب التسليم على الصبيان، وأخرجه (مسلم) في باب السلام على الصبيان، والترمذي في الاستئذان باب ما جاء في التسليم على الصبيان وقال: هذا حديث صحيح، والنسائي، أخرج ابن ماجة نحوه- عن حميد بن أنيس- في الأدب باب السلام على الصبيان، وأبو داود في كتاب الأدب في باب السلام على الصبيان ج 5 ص 382 حديث 5202، 5203 بنحو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 وخرج الإمام أحمد من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا محمد- يا سيدنا وابن سيدنا- وخيرنا وابن خيرنا! فقال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أيها الناس قولوا بقولكم، لا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد اللَّه، عبد اللَّه ورسوله، واللَّه ما أحب أن تعرفوني فوق منزلتي التي أنزلني اللَّه. وخرجه النسائي بنحوه. وروي النّضر بن شميل عن شعبة عن قتادة قال: سمعت مطرف بن عبد اللَّه ابن الشخير عن أبيه قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أنت سيد قريش، فقال السيد اللَّه، فقال: أنت أعظمها فيها طولا، وأعلاها فيها قولا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان- وخرجه أبو داود والنسائي بنحوه أو قريبا منه. وخرجه البخاري في الأدب المفرد من حديث مسدد، أخبرنا بشر بن المفضل، أخبرنا أبو مسلمة عن أبي نضرة عن مطرف، قال: إني انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فقالوا: أنت سيدنا، فقال: السيد اللَّه، قالوا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا، فقال: قولوا بقولكم، ولا يستجرينكم الشيطان [ (1) ] . وللبخاريّ من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التراب وقد وارى التراب بطنه [ (2) ] .   [ (1) ] قوله: «السيد اللَّه» ، يريد السؤدد حقيقة للَّه عزّ وجلّ، وأن الخلق كلهم عبيده، وإنما منعهم أن يدعوه سيدا، مع قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أن سيد ولد آدم» وقوله لبني الخزرج- قبيلة سعد-: قوموا إلى سيدكم» - يريد سعد بن معاذ- من أجل أنهم قوم حديثو عهد بالإسلام، وكانوا يحسبون أن السيادة بالنّبوّة كهي أسباب الدنيا، وكان لهم رؤساء يعظمونهم وينقادون لأمرهم، ويسمونهم: «السادات» فعلمهم الثناء عليه وأرشدهم إلى الأدب في ذلك فقال: «قولوا بقولكم» يريد قولوا بقول أهل دينكم وملتكم وادعوني نبيا ورسولا، كما سماني اللَّه عز وجل في كتابه فقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم وعظماءكم، ولا تجعلوني مثلهم فإنّي لست كأحدهم، إذ كانوا يسودونكم بأسباب الدنيا، وأنا أسودكم بالنّبوّة والرسالة، فسموني نبيا رسولا، وقوله: «بعض قولكم» فيه حذف واختصار، ومعناه. دعوا بعض قولكم واتركوه، يريد بذلك الاقتصار في المقال وقوله: «لا يستجرينكم الشيطان» معناه لا يتخذنكم جريا، والجري: الوكيل، ويقال: الأجير أيضا: (معالم السنن للخطابي) ج 5 ص 154- 155. [ (2) ] (صحيح البخاري بحاشية السندي) ج 3 ص 23 ولفظه: «لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه، وكان كثير الشعر فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة ... » . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وخرج الإمام أحمد من حديث ابن سلمة عن حميد عن أنس قال: ما كان شخص أحب إليهم من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانوا [إذا] رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك [ (1) ] . وخرجه الترمذي ولفظه: لم يكن شخص ... ، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وخرجه البخاري في الأدب المفرد. وخرج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن على بن رباح أن رجلا سمع عبادة بن الصامت يقول: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: قوموا نستغيث إلى رسول اللَّه من هذا المنافق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يقام إليّ، إنما يقام للَّه تبارك وتعالى. وخرج من حديث معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن أنه ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: لا واللَّه ما كانت تغلق دونه الأبواب، ولا يقوم دونه الحجاب ولا يغدى عليه بالجفان [ (2) ] ، ولا يراح عليه بها، ولكنه كان بارزا، من أراد أن يلقي نبي اللَّه لقيه، كان يجلس بالأرض، ويوضع طعامه بالأرض، ويلبس الغليظ، ويركب ويردف معه، ويلعق واللَّه يده [ (3) ] . وقال جعفر بن عون: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن أبي مسعود، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كلم رجلا فأرعد فقال: هوّن عليك، فإنّي لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد. قال ابن الجوزي: وكذا رواه هاشم ابن عمرو الحمصي عن يونس عن إسماعيل عن قيس بن جرير، كلاها وهم! والصواب: عن إسماعيل، عن قيس مرسلا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وذكر حديث حميد ابن الربيع قال: حدثنا هشيم، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم   [ (1) ] وفي (الترغيب والترهيب) ج 3 ص 431: «وعن معاوية رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أحب أن يتمثل «له الرجال قياما فليتبوَّأ مقعده من النار» رواه أبو داود بإسناد صحيح والترمذي» وقال حديث حسن. وقوله: «يتمثل» أي يقابل بتعظيم الوقوف، قوله: «فليتبوَّأ» أي فليأخذ مكانه في جهنم استكبارا وجزاء غطرسته، فالكبرياء والتعظيم للَّه وحده سبحانه. [ (2) ] الجفان: مفردها جفنة، وهي القصمة الكبيرة يؤكل فيها. [ (3) ] (صفة الصفوة) ج 1 ص 169 وفيه: «ويركب الحمار ويردف عبده، ويعلف دابته بيده صلّى اللَّه عليه وسلّم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 أن رجلا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما قام بين يديه استقبلته رعدة! فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هوّن عليك، فإنّي لست ملكا، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد [ (1) ] . قال: وكذلك رواه يحيى بن سعيد القطان، وزهير بن أبي معاوية عن أبي خالد. وخرّج الحاكم من حديث عباد بن العوام عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم عن جرير بن عبد اللَّه قال: أوتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم برجل ترعد فرائصه، قال: فقال له: هوّن عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في هذه البطحاء. ثم تلا جرير بن عبد اللَّه البجلي، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرج ابن حيان من حديث أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبيد بن سعيد ابن العاص الأموي عن علي بن زيد قال: قال أنس بن مالك. أن كانت الوليدة من ولائد المدينة تجيء فتأخذ بيد رسول اللَّه فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت. وله من حديث شعبة عن علي بن زيد عن أنس: أن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول اللَّه، فيدور بها في حوائجها حتى تفرغ، ثم يرجع. وله من حديث المحاربي عن عبيد اللَّه بن الوليد الصافي عن عبد اللَّه بن عبيد ابن عمير عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قلت يا رسول اللَّه: كل- جعلني اللَّه فداك- متكئا، فإنه أهون عليك، قال: لا، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد [ (2) ] . وله من حديث أبي معشر عن سعيد المقبري، عن عائشة قالت: قال رسول   [ (1) ] (سنن ابن ماجة) ج 2 ص 1101 كتاب الأطعمة باب القديد حديث رقم 3312 ولفظه: «هون عليك فإنّي لست بملك، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد» . قال أبو عبد اللَّه: إسماعيل وحده وصله، وفي الزوائد: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات. (ترعد) أرعد الرجل أخذته الرعدة، والرعدة: الاضطراب. وأرعدت أيضا فرائصه عند الفزع. (الفرائص) واحدتها فريصة، لحمة بين الجنب والكتف ترعد عند الفزع. (القديد) هو اللحم الملح المجفف في الشمس: فعيل بمعني مفعول. [ (2) ] ونحوه (صحيح البخاري) ج 3 ص 294 باب الأكل متكئا، (سنن ابن ماجة) ج 2 ص 1086 حديث رقم 3262. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: جاءني ملك فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول: إن شئت نبيا عبدا، وإن شئت نبيا ملكا، فنظرت إلى جبريل عليه السلام، فأشار إليّ أن ضع نفسك، فقلت نبيا عبدا [ (1) ] . وخرّج الحافظ أبو نعيم الأصبهاني من حديث أيوب بن نهيك قال: سمعت أبا حازم قال: سمعت ابن عمر رضي اللَّه عنه يقول: لقد هبط عليّ ملك من السماء ما هبط علي بني قبلي، ولا يهبط على أحد بعدي- وهو إسرافيل- فقال: السلام عليك يا محمد، وقال: أنا رسول ربك إليك، أمرني أن أخيّرك إن شئت نبيا عبدا، وإن شئت نبيا ملكا، فنظر إليّ جبريل فأومأ إلي أن تواضع، فقال النبي عند ذلك: نبيا عبدا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو أني قلت نبيا ملكا ثم أمرت لصارت معي الجبال ذهبا. قال أبو نعيم: حديث غريب من حديث أبي حازم وابن عمر، تفرد به أيوب بن نهيك، وأبو حازم مختلف فيه، فقيل سلمة بن دينار، وقيل محمد بن قيس المزني واللَّه أعلم [ (1) ] . وله من حديث أيمن بن نايل قال: سمعت قدامة بن عبد الملك قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرمي الجمرة على ناقة صهباء، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك [ (2) ] . وخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق الأعمش عن سلام بن شرحبيل   [ (1) ] وفي (البداية والنهاية) ج 6 ص 48 عن يعقوب بن سفيان: حدثني أبو العباس حيوة بن شريح، أخبرنا بقية عن الزبيدي عن الزهري عن محمد بن عبد اللَّه بن عباس قال: كان ابن عباس يحدث أن اللَّه أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة معه جبريل، فقال الملك لرسوله: «إن اللَّه يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون ملكا نبيا» فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جبريل كالمستشير له، فأشار جبريل إلى رسول اللَّه أن تواضع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أكون عبدا نبيا، قال: فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي اللَّه عزّ وجلّ. وهكذا رواه البخاري في التاريخ عن حيوة بن شريح، وأخرجه النسائي عن عمرو بن عثمان كلاهما عن بقية بن الوليد به، وأصل هذا الحديث في الصحيح بنحو من هذا اللفظ. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة- ولا أعلمه إلا عن أبي هريرة- قال: جلس جبريل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل، فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك: أفملكا نبيا يجعلك أو عبدا رسولا؟. [ (2) ] هو كما يقال: الطريق الطريق، ويفعل بين يدي الأمراء، ومعناه نحّ وأبعد وتكريره للتأكيد. (النهاية) ج 1 ص 64. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 عن حبه بن خالد وسواء بن خالد [ (1) ] أنهما أتيا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يعالج حائطا أو يناله، فأعاناه. وخرّج الحاكم من حديث عبد اللَّه بن أبي بكر المقدمي، حدثنا ابن سليم عن ثابت عن أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل مكة ودنا منه على رحله متخشنا. قال هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وله من حديث الحسن بن واقد، حدثني عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه أن رجلا أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بحمار وهو يمشي، فقال: اركب يا رسول اللَّه، فقالا: إن صاحب الدابة أحق بصدرها [ (2) ] [إلا أن تجعله لي، قال: قد فعلت] [ (3) ] . وأما رقته ورحمته ولطفه فخرج مسلم من حديث سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم، ثم دفعته إلى أم سيف- امرأة قين [ (4) ] يقال له أبو سيف- فانطلق يأتيه واتّبعته، فانتيهنا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره، قد امتلأ البيت دخانا، فأسرعت بين يدي رسول فقلت: يا أبا سيف! أمسك جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأمسك، فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فضمه إليه وقال ما شاء اللَّه أن يقول، فقال أنس لقد رأيته وهو يكيد بنفسه [ (5) ] بين يدي رسول اللَّه، فدمعت عينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، واللَّه يا إبراهيم إنا بك لمحزونون [ (6) ] .   [ (1) ] حبه بن خالد أخو سواء الأسدي وقيل العامري وقيل الخزاعي، عدادهما في أهل الكوفة، لهما عندنا حديث واحد عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في عدم اليأس من الرزق رواه الأعمش عن سلام أبي شراحبيل عنهما. قلت: لم يروه عنهما غيره فيما قاله الأزدي (تهذيب التهذيب) ج 2 ص 177 ترجمة رقم 320 ج 4 ص 265 ترجمة رقم 455. [ (2) ] (المستدرك) ج 2 ص 64 وفيه «أحق بصدر دابته» . [ (3) ] زيادة من (المستدرك) و (سنن الدارميّ) ج 2 ص 285 باب صاحب الدابة أحق بصدرها. [ (4) ] (القين بفتح القاف) : الحداد، وفيه جواز تسمية المولود يوم ولادته، وجواز التسمية بأسماء الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم. [ (5) ] أي يجود بها، ومعناه وهو في النزع. [ (6) ] فيه جواز البكاء على المريض والحزن، وأن ذلك لا يخالف الرضا بالقدر بل هي رحمة جعلها اللَّه في قلوب عباده، وإنما المذموم الندب والنياحة والويل والثبور ونحو ذلك من القول الباطل، ولهذا قال صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. (مسلم بشرح النووي) ج 14 ص 74- 75. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وخرّج من حديث إسماعيل بن علية عن أيوب عن عمرو بن سعيد عن أنس ابن مالك قال: ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة [ (1) ] ، فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وإنه ليدخّن، وكان ظئره قينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع، قال عمرو: فلما مات إبراهيم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة. وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها: جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم! فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أو أملك أن نزع اللَّه من قلبك الرحمة؟. وفي لفظ مسلم عن عائشة قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول اللَّه فقال: تقبلون صبيانكم؟ فقالوا نعم؟ قالوا: لكننا ما نقبل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأملك إن كان اللَّه قد نزع منكم الرحمة [ (4) ] ؟. وقد خرجا [ (5) ] من حديث أنس: رويدك يا نجشة، سوقك بالقوارير، يعني   [ (1) ] أما العوالي: فالقرى التي عند المدينة، وقوله: أرحم بالعيال، هذا هو المشهور الموجود في النسخ والروايات، قال القاضي: وفي بعض الروايات الصاد، ففيه بيان كريم خلقه صلّى اللَّه عليه وسلّم ورحمته للعيال والضعفاء، وفيه جواز الاسترضاع، وقوله: وإنه مات في الثدي وإن ظئرين تكملان له رضاعه في الجنة، معناه مات في الثدي أو في حال تغذيته بلبن الثدي، وأما الظئر فبكسر الظاء مهموزة وهي المرضعة ولد غيرها، وزوجها ظئر لذلك الرضيع، فلفظة الظئر تقع على الأنثى والذكر، ومعنى تكملان رضاعه أي تتمانه سنتين، فإنه توفي وله ستة عشر شهرا أو سبعة عشر فترضعانه بقية السنتين فإنه تمام الرضاعة بنص القرآن» قال القاضي: واسم أبي سيف هذا: البراء، واسم أم سيف زوجته: خولة بنت المنذر الأنصارية كنيتها: أم سيف وأم برده (المرجع السابق) ص 76. [ (2) ] (صحيح البخاري بشر الكرماني) ج 21 ص 64 حديث رقم 5627. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 76. [ (4) ] المرجع السابق. [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 80 باب رحمته صلّى اللَّه عليه وسلّم للنساء والرّفق بهن قال العلماء: سمي النساء قوارير لضعف عزائمهن تشبيها بقارورة الزجاج لضعفها وإسراع الانكسار إليها، واختلف العلماء في المراد بتسميتهن قوارير على قولين ذكرهما القاضي وغيره أصحهما عند القاضي وآخرين، وهو الّذي جزم به الهروي وصاحب «التحرير» وآخرون أن معناه: أن أنجشة كان حسن الصوت وكان يحدو بهن وينشد شيئا من القريض والرجز وما فيه تشبيب، فلم يأمن أن يفتنهن ويقع في قلوبهن حداؤه، فأمره بالكف عن ذلك، ومن أمثالهم المشهورة «الغنا رقية الزنا» ، قال القاضي: هذا أشبه بمقصوده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 النساء، وفي لفظ: ويحك يا نجشة، رويدك بالقوارير، وفي آخر: يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير، وفي آخر: أيا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير. وخرج البخاري في الأدب المفرد [ (1) ] عن طريق مبارك [ (2) ] عن ثابت عن أنس قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتي بالشيء يقول: اذهبوا به إلى فلانة، فإنّها كانت صديقة خديجة، اذهبوا به إلى بيت فلانة فإنّها كانت تحب خديجة. وقال الواقدي في مغازيه وقد ذكر فتح مكة: حدثني عبد الرحمن بن محمد عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم قال: لما سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من العرج، رأى كلبة تهر على أولادها وهن حولها من ضعفها، فأمر رجلا من أصحابه يقال له جعيل بن سراقة أن يقوم حذاها، لا يعرض لها أحد من الجيش ولا لأولادها [ (3) ] . وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن يحيى بن سعيد بن العاص عن عائشة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم استعذر أبا بكر من عائشة، ولم يظن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ينال منها بالذي نال منها، فرفع أبو بكر يده فلطمها وصكّ في صدرها، فوجد من ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا أبا بكر، ما أنا بمستعذرك منها بعد هذا أبدا.   [ () ] صلّى اللَّه عليه وسلّم وبمقتضى اللفظ ... » والقول الثاني: أن المراد به الرّفق في السير لأن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واستلذّته فأزعجت الراكب وأتعبته فنهاه عن ذلك لأن النساء يصعقن عند شدة الحركة، ويخاف ضررهن وسقوطهن، وأما «ويحك» فبكذا وقع في مسلم ووقع في غيره، «ويلك» ، قال القاضي: قال سيبويه: «ويل» : كلمة تقال لمن وقع في هلكه، و «ويح» زجر لمن أشرف على الوقوع في هلكة، وقال الفراء: ويل ووي وويس بمعنى ... وفي هذه الأحاديث جواز الحداء- وهو بضم الحاء ممدود- وجواز السفر بالنساء واستعمال المجاز، وفيه مباعدة النساء من الرجال ومن سماع كلامهم إلا الوعظ ونحوه. [ (1) ] (الأدب المفرد) ج 1 ص 320 حديث رقم 332، وأخرجه الحاكم والبراء وابن حبان. [ (2) ] «مبارك» هو ابن فضالة البصري، جالس الحسن البصري ثلاث عشر سنة أو أربع عشر سنة، مات سنة 165، قال أحمد: ما روي عن الحسن يحتج به (فضل اللَّه الصمد) هامش ص 320. [ (3) ] كذا في (خ) ، ورواية الواقدي: «لما سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من العرج، فكان فيما بين العرج والطلوب، نظر إلى كلبة تهر على أولادها وهم حولها يرضعونها، فأمر رجلا من أصحابه يقال له جعبل ابن سراقة أن يقوم حذاهما، لا يعرض لها أحد من الجيش ولا لأولادها، والطّلوب: ماء في الطريق بين المدينة ومكة. (المغازي للواقدي) ج 2 ص 804. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وأما حسن عهده عليه السلام فخرج البخاري في المناقب من حديث الليث قال: كتب إليّ هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما غرت على امرأة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ما غرت على خديجة- هلكت قبل أن يتزوجني- لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره اللَّه أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاه فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن [ (1) ] . وخرّجه مسلم من حديث أبي أمامة قال: أخبرنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة- ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين- لما كنت أسمعه يذكرها، ولقد أمره ربه تبارك وتعالي أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، وأنه كان يذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها [ (2) ] . وخرّجه البخاري من حديث أسامة بنحوه، إلا أنه قال: ثم يهدي في خلتها منها. ذكره في كتاب الأدب [ (3) ] . وخرّج أيضا من حديث حفص عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة! فيقول: إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد [ (4) ] . وفي لفظ: ما غرت على نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا علي خديجة، وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغضبته يوما فقلت: خديجة!؟ فقال: إني رزقت بحبها [ (4) ] . وخرّج في حديث علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن عائشة رضي اللَّه   [ (1) ] (صحيح البخاري) ج 2 ص 315 باب تزويج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خديجة وفضلها رضي اللَّه عنها. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 300 باب فضائل خديجة رضي اللَّه عنها. [ (3) ] (صحيح البخاري بشرح الكرماني) ج 21 ص 167 كتاب الأدب، باب حسن العهد من الإيمان حديث رقم 5633 وفيه: «حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة» ، وفي (خ) «من حديث أسامة» ولعله خطأ من الناسخ. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 301 باب فضائل خديجة رضي اللَّه عنها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 عنها قالت: استأذنت هالة بنت خويلد- أخت خديجة- على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك، فقال: اللَّهمّ هالة. قالت: فغرت فقلت: وما تذكر من عجوز قريش، حمراء الشّدقين هلكت في الدهر، قد أبدلك اللَّه خيرا منها [ (1) ] . وخرّج مسلم بمثله وقال: فارتاح لذلك فقال: اللَّهمّ هالة بنت خويلد [ (2) ] . وخرّج الحاكم من حديث أسد بن موسى، حدثنا مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتى بشيء يقول: اذهبوا به إلى فلانة فإنّها كانت صديقة خديجة، قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] . ومن حديث عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يذبح الشاة فيتتبع بها صدائق خديجة بنت خويلد رضي اللَّه عنها. قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ (3) ] . ومن حديث عفان: حدثنا حماد بن سلمة عن ابن عمير، عن موسى بن طلحة عن عائشة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يكثر ذكر خديجة، فقلت: لقد أخلفك اللَّه زوجا، وقال حماد: أعقبك اللَّه عن عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت في الدهر الأول، قالت: فتغير وجهه تغيرا ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي وإذا رأى مخيلة الرعد والبرق، حتى يعلم أرحمة هي أم عذاب. قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وأما كراهته للمدح والإطراء فخرج البخاري في كتاب الأنبياء من حديث سفيان قال: سمعت الزفري يقول: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس، سمع عمر رضي اللَّه عنه يقول على المنبر: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [يقول] : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد اللَّه ورسوله [ (4) ] .   [ (1) ] (صحيح البخاري) ج 2 ص 316 باب فضائل خديجة رضي اللَّه عنها. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 202 وفيه» فأبدلك اللَّه خيرا منها» . [ (3) ] (المستدرك) ج 4 ص 175 كتاب البر والصلة. [ (4) ] (الشمائل المحمدية) 173 حديث رقم 323، والإراء هو حسن الثناء أي لا تبالغوا في مدحي كما بالغت النصارى في مدح سيدنا عيسى فجعلوه إلها أو ابن إله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 وخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه، أن رجلا قال: يا محمد، يا سيدنا وابن سيدنا، ويا خيرنا وابن خيرنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أيها الناس، عليكم بقولكم، ولا يستجرينك الشيطان، أنا محمد بن عبد اللَّه، عبد اللَّه ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني اللَّه. وخرّجه النسائي بنحوه وخرّجه أيضا ولفظه عن أنس، أن ناسا قالوا، لرسول اللَّه (الحديث) ، وقال فيه، ولا يستهوينكم الشيطان، وقال: التي أنزلنيها اللَّه. ذكرهما في كتاب اليوم وليلة. وخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث غيلان بن جرير عن مطرف بن عبد اللَّه عن أبيه قال: قدمنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رهط من بني عامر فسلمنا عليه، فقلت: أنت ولدنا وأنت سيدنا. وأنت أفضلنا علينا فضلا، وأنت أطولنا علينا طولا، وأنت الجفنة الغراء، فقال: قولوا بقولكم ولا يستجرئنك الشيطان. وخرجه النسائي بهذا الإسناد وقال: لا يستهوينكم الشيطان، ولم يذكر قوله، وأنت الجفنة الغراء. وخرجه أبو داود من حديث سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن مطرف قال، إني انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا، أنت سيدنا، قال: السيد هو اللَّه، قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا، قال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرئنكم الشيطان [ (1) ] . وأما حلمه وصفحه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج الإمام أحمد من حديث جرير عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: ساءل أهل مكة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحي عنهم الجبال فيزدرعون فقيل: إن شئت أن تستأني بهم وإن شئت أن تعطيهم الّذي ساءلوا، فإن كفروا أهلكتهم كما أهلكت من قبلهم قال: بل استأني بهم.   [ (1) ] سبق تخريجه وشرح بعض ألفاظه ومعناه عند الكلام على تواضع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقربه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 وخرّج البخاري من حديث شعيب، حدثنا أبو الزناد أن عبد الرحمن قال: قال أبو هريرة رضي اللَّه عنه: قدم طفيل بن عمرو الدوسيّ وأصحابه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه، إن دوسا عصت وأبت، فادع اللَّه عليها فقيل: هلكت دوس، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم. ذكره في كتاب الجهاد، وترجم عليه باب الدعاء للمشركين لتألفهم. وذكره في كتاب الدعاء في باب الدعاء للمشركين ولفظه: قدم الطفيل ابن عمرو على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه إن دوسا قد عصت وأبت فادع اللَّه عليها، فظن الناس أنه يدعو عليهم، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم. وذكره في آخر المغازي. وخرّجه مسلم من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قدم الطفيل وأصحابه فقالوا: يا رسول اللَّه، إن دوسا قد كفرت وأبت، فادع اللَّه عليها، فقيل: هلكت دوس، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم. وخرّجه الإمام من حديث سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: جاء الطفيل بن عمرو الدوسيّ إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن دوسا قد عصت وأبت، فادع اللَّه عليهم، فاستقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلة ورفع يديه، فقال الناس. هلكوا، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم، اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم، اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم. وخرّج البخاري في كتاب الاستئذان، ومسلم في الجهاد من حديث معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير، أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ركب حمارا عليه إكاف تحته قطيفة فدكية، وأردف وراءه أسامة وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج، وذلك قبل وقعة بدر، حتى مرّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد اللَّه بن أبي بن سلول، وفي المجلس عبد اللَّه بن رواحة 7 فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمر عبد اللَّه بن أبي أنفه بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم وقف فنزل، فدعاهم إلى اللَّه، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد اللَّه بن أبي: أيها المرء لا أحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 من هذا، إن كان ما تقول حقا فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك منا فاقصص عليه، قال [ (1) ] عبد اللَّه بن رواحة: اغشنا في مجالسنا فإنا نحب ذلك، قال: فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى هموا أن يتواثبوا، فلم يزل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخفضهم، ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه فقال: أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو حباب؟ - يريد عبد اللَّه بن أبي- قال: كذا وكذا، قال: اعف عنه يا رسول اللَّه واصفح، فو اللَّه لقد أعطاك اللَّه الّذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحرة (وقال مسلم «البحيرة» ) على أن يتوجوه فيعصبونه [ (2) ] بالعصابة، فلما رد اللَّه ذلك بالحق الّذي أعطاك، «شرق بذلك، فذلك [ (3) ] فعل به ما رأيت، فعفا عنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» . وأخرجاه من حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب، وزاد مسلم: (وذلك قبل أن يسلم عبد اللَّه) ، لم يذكر غير هذا. وقال البخاري في حديث عقيل عن ابن شهاب عن عروة أن أسامة أخبره أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ركب على حمار على إكاف على قطيفة فدكية 7 وأردف أسامة وراءه، يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر، فسار حتى مرّ بمجلس فيه عبد اللَّه بن أبيّ ابن سلول- وذلك قبل أن يسلم عبد اللَّه- وفي المجلس أخلاط ... (الحديث نحو ما تقدم) ، وفيه: يا أيها المرء لا أحسن مما تقول، إن كان حقا فلا تؤذونا به في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه، قال ابن رواحة: بلي يا رسول اللَّه! فاغشنا به في مجالسنا، فإنّا نحب ذلك ... (الحدى) وفيه: حتى كادوا يتشاورون، وقال: أهل هذه البحرة، ولم يقل في آخره: فعفا عنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. ذكره في كتاب المرضى في باب عيادة المريض راكبا وماشيا وردفا على الحمار. وأخرجاه أيضا من حديث شعيب بن أبي حمزة وابن أبي عقيق عن الزهري، فذكره البخاري في كتاب التفسير وفي كتاب الأدب في باب كنية المشرك، ولفظه: أن رسول اللَّه ركب على حمار على قطيفة فدكية، وأردف أسامة وراءه يعود سعد   [ (1) ] في (خ) «فقال» وما أثبتناه من رواية البخاري. [ (2) ] في (خ) «فعصبوه» وما أثبتناه من رواية البخاري. [ (3) ] في (خ) «فلذلك» وما أثبتناه من رواية البخاري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 ابن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، فسارا حتى مرّا بمجلس فيه عبد اللَّه بن أبيّ ابن سلول- وذلك قبل أن يسلم عبد اللَّه بن أبي- وإذا في المجلس أخلاط الحديث ... (إلى آخره) ، وقال: حتى كادوا يتشاورون. وقال: أهل هذه البحرة. وقال في آخره بعد قوله فعفا عنه رسول اللَّه: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم اللَّه، ويصبرون على الأذى، قال اللَّه عز وجل: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً [ (1) ] ، وقال: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [ (2) ] فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتأول في العفو عنهم ما أمره اللَّه به حتى أذن له فيهم، فلما غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بدرا، وقتل اللَّه بها من قتل من صناديد الكفار وسادة قريش، فقفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه منصورين غانمين، معهم أسارى من صناديد الكفار وسادة قريش، قال ابن أبيّ بن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توحد، فبايعوا لرسول اللَّه، فبايعوه. وخرّج البخاري ومسلم من حديث أبي أمامة عن عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفي عبد اللَّه بن أبيّ جاء ابن عبد اللَّه بن عبد اللَّه ابنه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليصلي عليه، فقام عمر رضي اللَّه عنه فأخذ بثوب رسول اللَّه فقال: يا رسول اللَّه أتصلّي عليه وقد نهاك اللَّه أن تصلّي عليه؟ - ولفظ البخاري: وقد نهاك ربك أن تصلي عليه- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة، وسأزيد علي السبعين، قال: إنه منافق، فصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ [ (3) ] . وذكره البخاري في كتاب التفسير، وخرّجه مسلم من حديث يحيى القطان عن عبيد اللَّه بهذا الإسناد ونحوه، وزاد قال: فترك الصلاة عليهم. وخرّجه البخاري في كتاب اللباس في باب لبس القميص، من حديث يحيى ابن سعيد عن عبيد اللَّه، أخبرني نافع بن عبد اللَّه قال: لما توفي عبد اللَّه بن أبيّ جاء   [ (1) ] من الآية/ 186 آل عمران. [ (2) ] من الآية 109/ البقرة. [ (3) ] من الآية 84/ التوبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 ابنه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه أعطني قميصك أكفنه فيه، وصلّ عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه وقال: إذا فرغت فآذنّا، فلما فرغ آذنه، فجاء ليصلي عليه فجذبه عمر وقال: أليس قد نهاك اللَّه أن تصلي على المنافقين؟ فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [ (1) ] فنزلت: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً [ (2) ] ، فترك الصلاة عليهم. وذكره في كتاب الجنائز وقال فيه: فقال آذنّي أصلي عليه فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر. وذكره في كتاب التفسير من حديث أنس بن عياض عن عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفي عبد اللَّه بن أبيّ، جاء ابنه عبد اللَّه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعطاه قميصه فأمره أن يكفّنه فيه، ثم قام يصلي عليه، فأخذ عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه بثوبه وقال: تصلي عليه وهو منافق، وقد نهاك اللَّه أن تستغفر لهم؟ قال: إنما خيّرني اللَّه أو أخبرني اللَّه فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً، فقال: سأزيده على سبعين، قال: فصلّى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وصلوا معه، ثم أنزل عليه: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ. وخرّج أيضا من حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب: أخبرني عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: لما مات عبد اللَّه ابن أبيّ ابن سلوك، دعي له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليصلي عليه، فلما قام رسول اللَّه وثبت إليه فقلت: يا رسول اللَّه! أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا، كذا وكذا؟ قال: أعدد عليه قوله. فتبسم رسول اللَّه وقال: أخّر عنّي يا عمر، فلما أكثرت عليه قال: إني خيّرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها، قال: فصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة [ (3) ] : وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً إلى قوله: وَهُمْ فاسِقُونَ، قال: فعجبت بعد من جراءتي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] من الآية 80/ التوبة. [ (2) ] من الآية 84/ التوبة. [ (3) ] براءة: من أسماء سورة التوبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 يومئذ، واللَّه ورسوله أعلم. ذكره في الجنائز وفي التفسير، وخرّجه النسائي في الجنائز، وخرّجه الإمام أحمد أيضا. وخرّج أحمد من حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه أن ثمانين رجلا من أهل مكة، هبطوا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من التنعيم مستحلين يريدون غرّة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، فأخذهم سلما فاستحياهم، فأنزل اللَّه عز وجل: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [ (1) ] وفي الصحيح: أن ملك الجبال بلّغه عن اللَّه تعالى تخييره بين أن يطبق على من كذبه الأخشبين، فقال عليه السلام: بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد اللَّه، كما ستراه في ذكر من حدث عنه عليه السلام، وتقدم ذكر خبر الأعرابي بالبرد، حتى أثر في عاتقه عليه السلام، فضحك وأمر له بعطاء. وخرّج البخاري من حديث جرير عن منصوص عن أبي وائل عن عبد اللَّه قال: لما كان يوم حنين، آثر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أناسا في القسمة، وأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: واللَّه إن هذه لقسمة ما عدل فيها، أو ما أريد بها وجه اللَّه، فقلت: واللَّه لأخبرن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتيته فأخبرته، فقال: من يعدل إذا لم يعدل اللَّه ورسوله؟ رحم اللَّه موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر. وخرّج مسلم من حديث مروان الفزاري عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول اللَّه، أدع على المشركين، قال: إني لم أبعث لعّانا وإنما بعثت رحمة. ذكره في كتاب البرّ والصلة. وقال القاسم بن سلام بن مسكين الأزديّ: حدثني أبي قال: حدثنا ثابت البناني عن عبد اللَّه بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما فتح مكة طاف بالبيت وصلّى ركعتين ثم أتى بالكعبة، وأخذ بعضاد في الباب فقال: ما تقولون وما تظنون؟ قالوا: نقول: أخ كريم وابن عمّ حليم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أقول كما قال يوسف، لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ   [ (1) ] الآية 24/ الفتح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 [ (1) ] ، فخرجوا كأنما نشروا من القيود، قد دخلوا في الإسلام. ولابن حبان من حديث ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن بعض آل عمر ابن الخطاب عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: لما كان يوم الفتح أرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى صفوان بن أمية وأبي سفيان بن حرب والحارث بن هشام، قال عمر: فقلت: قد أمكنني اللَّه منهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته، لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، فانفضحت حياء من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وله من حديث عبد اللَّه بن المغيرة: قال مالك بن أنس، حدثني يحيى بن سعيد عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل يقبّض الناس يوم حنين من فضة في ثوب بلال، فقال له رجل يا نبي اللَّه! اعدل، فقال: ويحك، فن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن كنت لا أعدل، فقال عمر رضي اللَّه: ألا أضرب عنقه فإنه منافق؟ فقال: معاذ اللَّه أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي. وله من حديث معاذ بن هشام الدستواني قال: حدثنا أبي عن قتادة عن عقبة ابن وشاح الأزدي عن عبد اللَّه بن عمرو قال: أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقليل من ذهب وفضة، فجعل يقسمه بين أصحابه، فقام رجل من أهل البادية فقال: يا محمد! واللَّه لقد أمرك اللَّه أن تعدل، فما أراك تعدل، فقال: ويحك، من يعدل عليك بعدي؟ فلما ولّى قال ردوه عليّ رويدا. وله من حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا إسماعيل بن عليه عن بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده، أن أخاه أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: جيراني على ما أخذوا، فأعرض عنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن الناس يزعمون أنك نهيت عن البغي فلم تتحلى به؟ فقال: إن كنت أفعل ذلك إنه لعلّي وما هو عليكم، خلّوا عن جيرانه. وله من حديث محمد بن إسحاق عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ابتاع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جزورا من أعرابي بوسق من تمر الذخيرة، فجاء به إلى منزله، فالتمس التمر فلم يجده في البيت، قالت: فخرج إلى الأعرابي فقال: يا عبد   [ (1) ] الآية 92/ يوسف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 اللَّه، إنا ابتعنا منك جزورك هذا بوسق من تمر الذخيرة ونحن نرى أنه عندنا فلم نجده، فقال الأعرابي: وا غدراه وا غدراه، فوكزه الناس وقالوا: لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تقول هذا؟ فقال: دعوه. وله من حديث إبراهيم بن الحكم بن أبان قال: حدثني أبي عن عكرمة عن أبي هريرة أن أعرابيا جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يستعينه في شيء فأعطاه شيئا ثم قال: أحسنت إليك؟ قال: لا، ولا أجملت! فغضب المسلمون فقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفّوا ثم قام فدخل منزله، ثم أرسل الأعرابي فدعاه إلى البيت، يعني فأعطاه فرضي، فقال: إنك جئنا فسألتنا فأعطيناك، وقلت ما قلت وفي أنفس المسلمين شيء من ذلك، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يديّ حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك، قال: نعم، فلما كان الغد أو العشي جاء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن صاحبكم هذا كان جائعا فسألنا فأعطيناه، فقال ما قال، وإنّا دعوناه إلى البيت فأعطيناه، فزعم أنه قد رضي، أكذاك؟ قال نعم، فجزاك اللَّه من أهل عشيرة خيرا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا إن مثلي ومثل هذا الأعرابي، كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه فأتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم صاحب الناقة: خلّوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها، فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام [ (1) ] الأرض فجاءت فاستناخت فشدّ عليها رحلها واستوى عليها، ولو أني تركتكم حين قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار. وله من حديث الأعمش عن يزيد بن حبان عن زيد بن أرقم رضي اللَّه عنه قال: سحر النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياما، فأتى جبريل عليه السلام فقال: إن رجلا من اليهود سحرك، فعقد ذلك عقدا، فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليا رضي اللَّه عنه فاستخرجها فجاء بها، فجعل كلما حلّ عقدة وجد لذلك خفّة، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأنما نشط من عقال-، فما ذكر ذلك لليهودي ولا رآه في وجهه قط. وله من حديث على بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب عن أنس قال: خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين فما سبّني سبّة قط، ولا ضربني ضربة ولا   [ (1) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وأثبتناها من (الشفا) ج 1 ص 73. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 انتهرني ولا عبس في وجهي، ولا أمرني بأمر فتوانيت فيه فعاتبني عليه، فإن عاتبني أحد من أهله قال: دعوه فلو قدّر شيء كان. وقد تقدم حديث أنس هذا، ولكن أوردته لما في حديث ابن حبان هذا من الزيادة المفيدة. وله أيضا من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا محمد بن حمزة بن يوسف قال: حدثني أبي عن جدي قال: قال عبد اللَّه بن سلام: إن اللَّه عز وجل أراد هدي زيد بن سعنة [ (1) ] ، قال: زيد: ما من علامات النبوة شيء إلا قد عرفته في وجه محمد سوى اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، فكنت أنطلق إليه لأخالطه وأعرف حلمه، فخرج يوما ومعه علي ابن أبي طالب، فجاءه رجل كالبدوي فقال: يا رسول اللَّه، إن قرية بني فلان أسلموا، وحدثتهم أنهم إن أسلموا أتتهم أرزاقهم رغدا، وقد أصابتهم سنة وشدّة، وإني مشفق عليهم أن يخرجوا من الإسلام، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء يعينهم، قال زيد بن سعنة، فقلت، أنا أبتاع منك بكذا وكذا وسقا، فأعطيته ثمانين دينارا فدفعها إلى الرجل وقال: اعجل عليهم بها فأعنهم، فلما كان قبل المحل بيوم أو يومين أو ثلاث، خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جنازة في نفر من أصحابه، فجبذت رداءه جبذة شديدة حتى سقط عاتقه، ثم أقبلت بوجه جهم غليظ فقلت: ألا تقضيني يا محمد، فو اللَّه ما علمتكم يا بني عبد المطلب لمطل، فارتعدت فرائص عمر بن الخطاب كالفلك المستدير، ثم أومى ببصره إليّ وقال، أي عدوّ اللَّه! أتقول هذا لرسول اللَّه وتصنع به ما أرى وتقول ما أسمع؟ فو الّذي بعثه بالحق لولا ما أخاف فوته لسبقني رأسك، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر إلى عمر في تؤدة وسكون، ثم تبسم وقال: لأنا أحوج إلى غير هذا: أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن اتباعه، اذهب يا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعا من تمر، فقلت: ما هذا؟ قال أمرني رسول اللَّه أن أزيدك وكان ما دعتك: فقلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا فمن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحبر؟ قلت الحبر، قال: فما دعاك إلى أن تفعل برسول اللَّه ما فعلت وتقول له ما قلت؟ قلت: يا عمر، إنه لم يبق من علامات النبوّة شيء إلا وقد عرفته في وجه رسول اللَّه حين نظرت إليه إلا اثنتان لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، فقد   [ (1) ] في (خ) «ثعنة» والتصويب من المرجع السابق ج 1 ص 63. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 اختبرتهما منه، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت باللَّه ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، وأشهدك أن شطر مالي للَّه، فإنّي أكثرها مالا صدقة على أمة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر رضي اللَّه عنه: أو على بعضهم فإنك لا تسعهم كلهم، قلت: أو على بعضهم، قال: فرجع عمر وزيد بن سعنة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، فآمن به وصدّقه وبايعه وشهد معه مشاهد كثيرة. وخرجه الحاكم من حديث الوليد بن مسلم به نحوه، وقال: هذا حديث صحيح. وقال الحارث بن أبي أسامة: حدثنا محمد بن سعد، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا جرير بن حازم، حدثني من سمع الزهريّ يحدث أن يهوديا قال: ما كان بقي شيء من نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في التوراة إلا ورأيته إلا الحلم، وإني أسلفته ثلاثين دينار إلى أجل معلوم، فتركته حتى إذا بقي من الأجل المعلوم يوم أتيته، فقلت: يا محمد أوفني حقي، فإنكم معاشر بني عبد المطلب مطل، فقال عمر رضي اللَّه عنه: يا يهودي أجننت؟ أما واللَّه لولا مكانه لضربت الّذي فيه عيناك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: غفر اللَّه لك يا أبا حفص، نحن كنا إلى غير هذا منك أحوج: إلى أن تكون أمرتني بقضاء ما عليّ، وهو إلى أن تكون أعنته في قضاء حقه أحوج، قال: فلم يزده جهلي عليه إلا حلما، قال: يا يهودي، إنما يحل حقك غدا، ثم قال يا أبا حفص، اذهب به إلى الحائط الّذي كان سألك أول يوم، فإن رضيه فأعطه كذا وكذا صاعا، وزده لما قلت له كذا وكذا صاعا، وإن لم يرض فأعطه ذلك من حائط كذا وكذا، فأتي به الحائط فرضى، وأعطاه رسول اللَّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما أمره من الزيادة، فلما قبض اليهودي تمره قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنه رسول اللَّه، وإنه واللَّه ما حملني على ما رأيتني صنعت يا عمر إلا إني كنت رأيت في رسول اللَّه صفاته في التوراة كلّها إلا الحلم، فاختبرت حلمه اليوم على ما وصف في التوراة، وإني أشهد أن هذا التمر وشطر مالي في فقراء المسلمين، فقال عمر: فقلت: أو بعضهم، فقال: أو بعضهم وأسلم أهل بيت اليهود كلهم إلا شيخا كان له مائة سنة، فبقي على الكفر. وقال إسرائيل عن السدي عن الوليد بن أبي هاشم عن زيد بن زائدة عن عبد اللَّه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وإني سليم الصدر. فقال: فأتاه مال فقسمه، فانتهيت إلى رجلين يتحدثان وأحدهما يقول لصاحبه: واللَّه ما أراد محمد بقسمته التي قسم وجه اللَّه والدار الآخرة، قال: فتثبتّ حتى سمعتها، ثم أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكرت له ذلك، فقلت: إنك قلت: لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا، وإني سمعت فلانا وفلانا يقولان كذا وكذا، قال: فاحمرّ وجهه وقال: دعنا منك فقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر. وخرج مسلم من حديث زيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول اللَّه ادع اللَّه على المشركين، قال: إنما لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة. انفرد بإخراجه مسلم. وقال سفيان بن الحسن عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما أنا رحمة مهداة. وقال الواقدي في مغازيه وقد ذكر فتح مكة: وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل جماعة فذكرهم إلى أن قال: وأما هبار بن الأسود فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان كلما بعث سرية أمرها بهبار إن أخذ أن يحرق بالنار، ثم قال: إنما يعذّب بالنار ربّ النار، اقطعوا يديه ورجليه إن قدرتم عليه ثم اقتلوه، فلم يقدر عليه يوم الفتح، وكان جرمه أنه عس [ (1) ] بابنة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب، وضرب ظهرها بالرمح- وكانت حبلي- حتى أسقطت فأهدر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دمه، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس بالمدينة في أصحابه، إذا طلع هبار بن الأسود- وكان لسنا- فقال: يا محمد: أسب من سبك، إني قد جئت مقرا بالإسلام: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، فقبل منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرجت سلمى مولاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: لا أنعم اللَّه بك عينا، أنت الّذي فعلت وفعلت، فقال: إن الإسلام محا ذلك، ونهي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، عن سبه والتعريض له [ (2) ] . [ثم قال] [ (3) ] : حدثني هشام بن عمارة عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم   [ (1) ] في (خ) «نخس» وما أثبتناه من رواية الواقدي في (المغازي) ج 2 ص 857. [ (2) ] في (خ) «والتعرض» وما أثبتناه من (الواقدي) ج 2 ص 858. [ (3) ] زيادة للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 عن أبيه عن جده قال: كنت جالسا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه في مسجده منصرفه من الجعرانة، فطلع هبار بن الأسود، قال [ (1) ] : قد رأيته فأراد بعض القوم القيام إليه، فأشار إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن اجلس، ووقف عليه هبار فقال: السلام عليك يا رسول اللَّه، إني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، ولقد هربت منك في البلاد، وأردت اللحوق بالأعاجم ثم ذكرت عائدتك وفضلك وبرك وصفحك عن من جهل إليك [ (2) ] ، وكنا يا رسول اللَّه أهل شرك باللَّه فهدانا باللَّه بك، وأنقذنا بك من الهلكة، فاصفح عن جهلي وعما كان يبلغك عني، فإنّي مقر بسيئاتي [ (3) ] معترف بذنبي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قد عفوت عنك، وقد أحسن اللَّه بك حيث هداك للإسلام، والإسلام يجبّ ما قبله. [ثم قال] : حدثني واقد بن أبي ياسر عن يزيد بن رومان قال: قال الزبير ابن العوام رضي اللَّه عنه: ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكر هبارا قط إلا تغيّظ عليه، ولا رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث سرية قط إلا قال: إن ظفرتم بهبار فاقطعوا يديه ورجليه ثم اضربوا عنقه، واللَّه لقد كنت أطلبه وأسأل عنه، واللَّه يعلم لو ظفرت به قبل يأتي إلى رسول اللَّه لقتلته ثم طلع على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا عنده جالس، فجعل يعتذر إلى رسول اللَّه يقول، سبّ يا محمد من سبّك وأوذي [ (4) ] من آذاك، فقد كنت موضعا في سبّك وأذاك وكنت مخذولا وقد بصّرني [ (5) ] اللَّه وهداني للإسلام. قال الزّبير: فجعلت انظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنه ليطأطئ رأسه استحياء منه مما يعتذر هبار، وجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يقول: قد عفوت عنك، والإسلام يجبّ ما كان قبله، وكان لسنا، وكان يسبّ حتى يبلغ منه فلا ينتصف من أحد، فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حمله وما يحمل عليه من الأذى، فقال هبار [ (6) ] : سبّ من سبّك.   [ (1) ] كذا في (خ) ونص الواقدي: «فطلع هبار بن الأسود من باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما نظر إليه القوم قالوا: يا رسول اللَّه، هبار بن الأسود، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد رأيته ... » . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (الواقدي) «جهل عليك» . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (الواقدي) «بسوء فعلي» . [ (4) ] في (خ) «وآذي» وما أثبتناه من (الواقدي) . [ (5) ] في (الواقدي) «نصرني» . [ (6) ] في (خ) «يا هبار» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وأما شفقته ومداراته فقال تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [ (1) ] ، قال السمرقندي فيما نقل القاضي عياض، ذكّرهم اللَّه تعالى منّته أنه جعل رسوله رحيما بالمؤمنين، رءوفا ليّن الجانب، ولو كان فظا خشنا في القول لتفرقوا من حوله، لكن جعله اللَّه سمحا سهلا، طلقا برا لطيفا. هكذا قال الضحاك. وخرج البخاري من حديث سليمان بن بلال قال: حدثني شريك بن عبد اللَّه، سمعت أنس بن مالك يقول: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمّه. وخرّجه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن شريك عن أنس أنه قال، ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم (لم يزد على هذا) . وخرّجا من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وجد أمّه من بكائه. ترجم عليه باب من أخف صلاته عند بكاء الصبي، وذكر في هذا الباب في رواية أبي محمد الحموي وأبي الهيثم الكشميني حديث سعيد عن قتادة عن أنس عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز لما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه. وخرّج البخاري من حديث الأوزاعي عن يحي بن أبي كثير عن عبد اللَّه بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني لأقوم في الصلاة، وإني أريد أن أطوّل فيها. (الحديث) . مثله ذكره في باب خروج النساء إلى المساجد. ولمسلم من حديث يحيى بن يحيى قال: أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة، فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة.   [ (1) ] من الآية 159/ آل عمران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 وله من حديث عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي اللَّه عنها أخبرته أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج من جوف الليل فصلّى في المسجد، فصلّى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فطفق منهم رجال يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الصلاة أقبل على الناس ثم تشهد وقال، أما بعد، فإنه لم يخف عني شأنكم الليلة، ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها. وخرّجه البخاري بنحوه، وزاد في آخره، فتوفي رسول اللَّه والأمر على ذلك، ذكره في باب فضل من قام رمضان، وفي كتاب الجمعة في باب من قال في الخطبة بعد الثناء، أما بعد، غير أنه لم يذكر الزيادة، وقال في بعض الموضعين: أما بعد، فإنه لم يخف عليّ مكانكم. وخرّج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلّى في ذات ليلة في المسجد فصلّى بصلاته ناس، ثم صلّى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما. صبح قال، قد رأيت الّذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا إنني خشيت أن تفرض عليكم، قال: وذلك في رمضان. ذكره البخاري في باب تحريض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب ولم يقل فيه أبو داود: والرابعة. ذكره في باب قيام شهر رمضان [ (1) ] ، وذكر بعده متصلا به حديث محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن عائشة قالت: كان الناس يصلون في المسجد في رمضان أوزاعا [ (2) ] ، فأمرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فضربت له حصيرا فصلّى فيه رسول اللَّه بهذه   [ (1) ] (سنن أبي داود) ج 2 ص 104 حديث رقم 1373، 1374 وأخرجه (البخاري) في الصوم باب فضل من قام رمضان (ومسلم) في الصلاة باب في قيام رمضان وهو التراويح، (والنسائي) في قيام الليل باب قيام شهر رمضان. [ (2) ] أوزاعا: متفرقين ومن هذا قولهم: وزّعت الشيء إذا فرقته، وفيه إثبات الجماعة في قيام رمضان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 القصة، قالت [ (1) ] فيه: قال: - يعني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- أيها الناس، أما واللَّه ما بتّ ليلتي هذه بحمد اللَّه غافلا، ولا خفي علي مكانكم. وللبخاريّ من حديث يحي بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلّى من الليل في حجرته- وجدار الحجرة قصير- فرأى الناس شخص النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقام ناس يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام الليلة الثانية، فقام معه أناس يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثا حتى إذا كان بعد ذلك، جلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك الناس فقال: إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل، ذكره في باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة. وخرّج الإمام أحمد من حديث معمر عن الزهري، عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يترك العمل وهو يحب أن يعمله كراهية أن يستن الناس به فيفرض عليهم، وكان يحب ما خفف من الفرائض. وخرّج مسلم من حديث حماد عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه قال: قال رجل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أين أبي؟ قال: في النار! فلما رأى ما في وجهه قال: إن أبي وأباك في النار. انفرد بإخراجه مسلم [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون قال: حدثنا سليم بن عامر عن أبي أمامة قال: إن فتى شابا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: أدنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟   [ () ] وفيه إبطال من زعم أنها محدثة (معالم السنن) ج 2 ص 104 (هامش) . [ (1) ] في (خ) «وقال» وما أثبتناه من (سنن أبي داود) . [ (2) ] الحديث أخرجه مسلم في الإيمان بلفظ «فلما قفا الرجل دعاه فقال: «إن أبي وأباك في النار» ، قفا: ولي قفاه منصرفا (صفة الصفوة) ج 1 ص 172 باب ذكر حلمه وصفحه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء [ (1) ] . وخرّج مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر ابن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تلى قول اللَّه عز وجل: إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وقال عيسى عليه السلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فرفع يديه ثم قال: اللَّهمّ أمتى أمتى، وبكى، فقال اللَّه عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد- وربك أعلم- فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره بما قال اللَّه تعالى: فقال اللَّه تعالى: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسؤك. وخرّج البخاري من حديث همام، حدثنا إسحاق بن أبي طلحة عن أنس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى أعرابيا يبول في المسجد! فقال: دعوه، حتى إذا فرغ دعا بماء فصبه عليه. ترجم عليه، باب ترك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله. وخرّجه مسلم من حديث عكرمة بن عمار قال: حدثنا إسحاق بن أبي طلحة قال: حدثني أنس بن ملك- وهو عم إسحاق- قال: بينما نحن في المسجد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مه مه! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لا تزرموه لا تزرموه [ (2) ] ، دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر اللَّه والصلاة وقراءة القرآن- أو كما قال رسول اللَّه- قال: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فصبّه عليه. وأخرجاه من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع أنس بن مالك يذكر أن أعرابيا قام إلى ناحية في المسجد فبال فيها، فصاح بن الناس، فقال رسول اللَّه   [ (1) ] (مسند أحمد) ج 5 ص 256، 257. [ (2) ] أزرمه: قطع عليه بوله (ترتيب القاموس) ج 2 ص 448. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 صلّى اللَّه عليه وسلّم، دعوه فلما فرغ أمر رسول اللَّه بذنوب فصب عليه. اللفظ لمسلم. ولفظ البخاري قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس، فنهاهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما قضى بوله أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذنوب من ماء فأهريق عليه. ذكره في باب صب الماء على البول في المسجد. وخرّج البخاري ومسلم والنّسائي من حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس، أن أعرابيا بال في المسجد فقام إليه بعض القوم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوه، ولا تزرموه، فلما فرغ دعا بدلو من ماء فصبّه عليه. لفظهما فيه سواء. وقال النسائي بعد قوله: لا تزرموه، لا تقطعوا بوله، وفي لفظ للبخاريّ، أن أعرابيا بال في المسجد فقاموا إليه: فقال رسول اللَّه: لا تزرموه، ودعا بدلو من ماء فصب عليه. ذكره في كتاب الأدب، في باب الرّفق في الأمر كله. وخرّج البخاري والنسائي من حديث الزهري قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة قال: قام أعرابي في المسجد فبال: فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دعوه وأهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسّرين. ذكره البخاري في باب صب الماء على البول في المسجد وخرّجه في كتاب الأدب ولفظه: أن أبا هريرة أخبره أن أعرابيا بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول اللَّه، دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين. ذكره في باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يسّروا ولا تعسّروا، وكان يحب التخفيف واليسر على الناس. وخرّج أبو داود والترمذي من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، أن أعرابيا دخل المسجد ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس، فصلّى ركعتين ثم قال: اللَّهمّ ارحمني ومحمدا، ولا ترحم منا أحدا! فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد تحجّرت واسعا، ثم لم يلبث أن بال في المسجد، فأسرع الناس إليه فنهاهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلا من ماء، أو قال: ذنوبا من ماء [ (1) ] وقال الترمذي: أهريقوا عليه سجلا من ماء أو دلوا من ماء، وقال   [ (1) ] (مسند الحميدي) ج 2 ص 419 حديث رقم 938 ولفظه. « ... أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: دخل أعرابي المسجد والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس، قال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 فيه: فلما فرغ قال. وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح. قال مؤلفه: ذكر البخاري قول الأعرابي: اللَّهمّ ارحمني ومحمدا، وقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم له، ولم يذكر فيه أنه بال في المسجد. وخرّج مسلم من حديث سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رجلا [ (1) ] استأذن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ائذنوا له فبئس أخو العشيرة، فلما دخل عليه ألان له القول، قالت عائشة: فقلت يا رسول اللَّه! قلت الّذي قلت ثم ألنت له القول؟ قال يا عائشة إن شرّ الناس عند اللَّه منزلة يوم القيامة، من تركه الناس اتقاء فحشه. وخرّج مسلم من حديث يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء ابن يسار عن معاوية بن الحكم قال: بينما أنا أصلي مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك اللَّه: فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وا ثكل أمّاه! ما شأنكم تنظرون إليّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فعرفت أنهم يصمتونني، لكني سكتّ، فلما صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- فبأبي وأمي- ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فو اللَّه ما نهرني [ (2) ] ولا ضربني ولا شتمني، ثم قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن- أو كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- قلت: يا رسول اللَّه! إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء اللَّه بالإسلام، وإن منا رجالا يأتون الكهّان، قال: فلا تأتهم، قال: ومنا رجال يتطيرون، قال: ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا   [ () ] فقام، فصلّى، فلما فرغ من صلاته قال: اللَّهمّ ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا، فالتفت إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: لقد تحجرت واسعا، فما لبث أن بال في المسجد، فأسرع الناس إليه فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أهريقوا عليه سجلا من ماء أو دلوا من ماء، ثم قال إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين. [ (1) ] هو عيينة بن حصن الفزاري- الّذي يقال له الأحمق المطاع- وكان إذ ذاك من أهل النفاق ولذا قال فيه الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قال ليتقي شره، وهذا ليس بغيبة بل نصيحة للأمة، وقد أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه وحضر بعض الفتوحات وقد اعتبر العلماء قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه وهو غائب وإلانته له وهو حاضر من باب المداراة والتآلف. [ (2) ] في رواية أبي داود ج 1 ص 570 باب تشميت العاطس في الصلاة حديث رقم 930 «ما كهرني» ومعناه ما انتهرني ولا غلظ لي، وقيل الكهر: استقبال الإنسان العبوس، وقرأ بعض الصحابة «فأما اليتيم فلا تكهر» (معالم السنن للخطابي) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 يصدنكم، قال: ومنا رجال يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك، قال: وكانت لي جارية ترعى غنما قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكّة، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعظم ذلك عليّ، فقلت: يا رسول اللَّه، أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها: فقال لها أين اللَّه؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: رسول اللَّه، قال أعتقها فإنّها مؤمنة. وخرّجه أبو داود قريبا منه، ذكره في باب تشميت العاطس [في الصلاة] وفيه، قلت: يا رسول اللَّه، إنا حديث عهد بجاهلية وقد جاءنا اللَّه بالإسلام، ومنا رجال يأتون الكهان، قال: فلا تأتونهم. وقال: فلا يصدنهم، وقال فيه، قلت: جارية لي كانت ترعي غنيمات قبل أحد والجوانية، إذا طلعت عليها إطلاعة ... الحديث [ (1) ] .   [ (1) ] وفي هذا الحديث من الفقه أن الكلام ناسيا في الصلاة لا يفسد الصلاة وذلك أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم علّمه أحكام الصلاة وتحريم الكلام فيها ثم لم يأمره بإعادة الصلاة التي صلاها معه وقد كان تكلم بما تكلم به، ولا فرق بين من تكلم جاهلا بتحريم الكلام عليه وبين من تكلم ناسيا لصلاته في أنّ كل واحد منهما قد تكلم، والكلام مباح له عند نفسه. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فمن قال يبني على صلاته إذا تكلم ناسيا أو جاهلا الشعبي والأوزاعي ومالك والشافعيّ وقال النخعي وحماد بن أبي سليمان وأصحاب الرأي: إذا تكلم ناسيا استقبل الصلاة، وفرق أصحاب الرأي بين أن يتكلم ناسيا وبين أن يسلم ناسيا، فلم يوجبوا عليه الإعادة في السلام كما أوجبوها عليه في الكلام. وقال الأوزاعي: من تكلم في صلاته عامدا بشيء يريد به إصلاح صلاته لم تبطل صلاته، وقال في رجل صلّى العصر فجهر بالقرآن، فقال رجل من ورائه إنها العصر، لم تبطل صلاته، وفي الحديث دليل على أن المصلي إذا عطس فشمته رجل فإنه لا يجبيه. واختلفوا إذا عطس وهو في الصلاة هل يحمد اللَّه؟ فقالت طائفة: يحمد اللَّه. روي عن ابن عمر أنه قال العاطس في الصلاة يجهر بالحمد، وكذلك قال النخعي وأحمد بن حنبل: وهو مذهب الشافعيّ إلا أنه يستحب أن يكون ذلك في نفسه. وقوله «يصمتوني» ومثله يسكتوني: معناه يطلبون منى أن أسكت، وقد حذف نون الرفع وقرئ كما في قوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ بنون واحدة مخففة. وقوله في الطيرة «ذلك شيء يجدونه في صدورهم» يريد أن ذلك شيء يوجد في النفوس البشرية وما يعتري الإنسان من قبل الظنون والأوهام من غير أن يكون له تأثير من جهة الطباع أو يكون فيه ضرر كما كان زعمه أهل الجاهلية. وقوله: «ومنا رجال يخطون» فإن الخط عند العرب فيما فسره ابن الأعرابي أن يأتي الرجل العرّاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 وخرّجه النّسائي أيضا وفي حديث لأبي داود من طريق فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال: لما قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم علمني أمورا من أمور الإسلام، فكان فيما علّمت: أن قيل لي: إذا عطست فاحمد اللَّه، وإذا عطس العاطس فحمد اللَّه فقل: يرحمك اللَّه، قال: فبينما أنا قائم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة، إذا عطس رجل فحمد اللَّه، فقلت: يرحمك اللَّه- رافعا بها صوتي- فرماني الناس بأبصارهم حتى احتملني ذلك، فقلت: ما لكم تنظرون إلى بأعين شزر؟ قال: فسبّحوا، فلما قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاته قال: من المتكلم؟ قيل: هذا الأعرابي، فدعاني رسول اللَّه، فقال: إنما الصلاة لقراءة القرآن وذكر اللَّه عز وجل، فإذا كنت في الصلاة فليكن ذلك شأنك، فما رأيت معلما قط أرفق من رسول اللَّه. وخرّج البخاري ومسلم والنسائي من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن عليه قال: حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال: أتينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحيما رفيقا، فظن أنّا قد اشتقنا إلى أهلنا فسألنا عن من تركنا من أهلنا فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم وبروهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم، اللفظ لمسلم. ولفظ البخاري: عن أبي قلابة عن أبي سليمان مالك بن الحويرث قال: أتينا   [ () ] وبين يديه غلام فيأمره بأن يخط في الرمل خطوطا كثيرة وهو يقول: ابني عيان أسرعا البيان، ثم يأمره أن يمحو منها اثنين اثنين، ثم ينظر إلى آخر ما بقي من تلك الخطوط، فإن كان الباقي منها زوجا فهو دليل الفلح والظفر. وإن كان فردا فهو دليل الخيبة واليأس. وقوله: «فمن وافق خطه» فذلك يشبه أن يكون أراد به الزجر عنه وترك التعاطي له إذا كانوا لا يصادفون معنى خط ذلك النبي لأنه خطه كان علما لنبوته» وقد انقطعت نبوته فذهبت معالمها. قوله: «آسف كما يأسفون» معناه: أغضب كما يغضبون، ومن هذا قوله تعالى: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ. وأما قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أعتقها فإنّها مؤمنة، ولم يكن ظهر له من إيمانها أكثر من قوله حين سألها: أين اللَّه، فقالت: في السماء وسألها: من أنا فقالت: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فإن هذا السؤال عن أمارة الإيمان، وسمة أهله، وليس بسؤال عن أصل الإيمان وصفته وحقيقته، ولو أن كافرا يريد الانتقال من الكفر إلى دين الإسلام فوصف من الإيمان هذا القدر الّذي تكلمت به الجارية لم يصر به مسلما حتى يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويتبرأ من دينه الّذي كان يعتقده. (معالم السنن) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا وسألنا عمن تركنا في أهلينا، فأخبرناه- وكان رفيقا رحيما- فقال: ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم وبروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم. ذكره في كتاب الأدب في باب رحمة الناس. وأخرجاه أيضا من حديث عبد الوهاب الثقفي وحماد بن زيد عن أيوب قال: قال لي أبو قلابة: يا مالك بن الحويرث أبو سليمان، قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وناس ونحن شببة متقاربون، وأقمنا جميعا.. الحديث بنحو حديث ابن علية. وذكره البخاري أيضا في باب ما جاء في إجازة خبر الواحد، من حديث عبد الوهاب، وذكره في كتاب الصلاة في باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم من حديث حماد بن زيد عن أيوب، وذكره في باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد من حديث وهيب عن أيوب. وأخرجاه من حديث خالد الحذّاء عن أبي قلابة، وذكره البخاري في باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة، وذكره في باب اثنان فما فوقهما جماعة مختصرا. وخرّج ابن حبان والبخاري في الأدب المفرد من طريق أبي نعيم، حدثنا ابن الغسيل عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد قال: لما أن أصيب أكحلي بعد يوم الخندق وثقل، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة- وكانت تداوي الجرحى- فكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مرّ به يقول: كيف أمسيت؟ وإذا أصبح يقول: كيف أصبحت؟ فيخبره. وخرّج الحاكم من حديث شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عليّ قال: قدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سبى فأمرني ببيع أخوين فبعتهما وفرّقت بينهما ثم أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته فقال: أدركهما فارتجعهما وبعهما جميعا ولا تفرق بينهما. قال الحاكم: هذا حديث غريب صحيح على شرط الشيخين. وخرج ابن حبان من حديث يحيى بن أبي بكير العبديّ قال: حدثنا عباد ابن كثير عن ثابت عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا فقد الرجل من أصحابه ثلاثة أيام سأل عنه، فإن كان غائبا عاله، وإن كان شاهده زاره، وإن كان مريضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 عاده. وبلغ من مداراة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه وجد قتيلا من أصحابه بين اليهود فلم يحف عليهم، بل حملهم على مرّ الحق، وجاد بأن وداه بمائة من الإبل وإن بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد. وخرّج مسلم من حديث مالك قال: حدثني أبو ليلي بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل عن أبي خنتمة أنه أخبر عن رجال من كبراء قومه أن عبد اللَّه بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتي محيصة فأخبر أن عبد اللَّه بن سهل قد قتل وطرح في فقير أو عين، فأتي يهود فقال: أنتم واللَّه قتلتموه، قالوا: واللَّه ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قوم وذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة- وهو أكبر منه- وعبد الرحمن بن سهل، فذهب محيصة ليتكلم- وهو الّذي بخيبر- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لمحيصة: كبّر كبّر (يريد السن) فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أما أن تدوا [ (1) ] صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب، فكتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك، فكتبوا: إنا واللَّه ما قتلناه، فقال رسول اللَّه لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم، قالوا: لا، قال: فتحلف لكم يهود؟ قالوا: ليسوا بمسلمين. فوداه [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من عنده فبعث إليهم مائة ناقة حتى أدخلت الدار، فقال سهل: فقد ركضتني منها ناقة حمراء. وخرّجه في كتاب الأحكام، ولم يقل حمراء. وخرّجه أبو داود في باب القتل بالقسامة [ (3) ] . وخرّجه النسائي في كتاب الأحكام وفي القسامة [ (3) ] . وكان من حسن مداراته صلّى اللَّه عليه وسلّم أن لا يذم طعاما ولا ينه خادما كما تقدم بطرقه. وخرّج الحاكم من حديث يزيد بن هارون: أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعت محمد بن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب يحدث عن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد عن أبيه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في إحدى صلاتي النهار- الظهر أو العصر-   [ (1) ] أي تدفعوا ديته لأوليائه. [ (2) ] وداه: دفع ديته. [ (3) ] القسامة: - بفتح قاف وتخفيف سين مهملة- مأخوذة من القسم، وهي اليمين، وهي في عرف الشرع حلف يكون عند التهمة بالقتل، أو هي مأخوذة من قسمة الأيمان على الحالفين (سنن النسائي بحاشية السندي وشرح السيوطي) ، ج 8 ص 2. كتاب القسامة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 وهو حامل الحسن، فتقدم فوضعه عند قدمه اليمني، فسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سجدة أطالها، فرفعت رأسي فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ساجد، وإذا الغلام راكب ظهره، فعدت فسجدت، فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ناس: يا رسول اللَّه! لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها، أشيء أمرت به أو كان يوحي إليك؟ فقال: كل ذلك لم يكن، ابني ارتحلني فكرهت أن أعلجه حتى يقضي حاجته [ (1) ] . وأما اشتراطه على ربه أن يجعل سبه لمن سب من أمته أجرا فخرّج البخاري من كتاب الدعاء من حديث يونس عن ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: اللَّهمّ فأيّما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة [ (2) ] . وخرّج مسلم بنحوه وقال فأيما عبد. وله من حديث ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال: حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: اللَّهمّ إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه، فأيّما مؤمن سببته أو جلدته فاجعل ذلك كفارة له يوم القيامة [ (3) ] . وله من حديث جرير عن الأعمش عن أبي الضحي عن مسروق عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه فلعنهما وسبّهما، فلما خرجا قلت: يا رسول اللَّه! من [ (4) ] أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان؟ قال وما ذاك؟ قلت: لعنتهما وسببتهما! قال: أو ما علمت ما شارطت [ (5) ] عليه ربي قلت: اللَّهمّ إنما أنا بشر [فأيّما أجد من] [ (6) ] المسلمين لعنته أو سببته، فاجعله له زكاة وأجرا.   [ (1) ] (المستدرك للحاكم) ج 3 ص 166 باختلاف يسير وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. [ (2) ] (صحيح البخاري) ج 4 ص 107. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) ج 16 ص 153. [ (4) ] في (خ) «لمن» وما أثبتناه من رواية (مسلم) . [ (5) ] في (خ) «شرطت» وما أثبتناه من رواية (مسلم) . [ (6) ] كذا في (خ) ورواية مسلم: «فأيّ المسلمين» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 وخرّجه من حديث علي بن حجر السعدي وإسحاق بن إبراهيم وعلي ابن خشرم عن عيسى بن يونس عن الأعمش بهذا الإسناد نحو حديث جرير وقال فيه: فخلوا به فسبّهما ولعنهما وأخرجهما [ (1) ] . وله من حديث عبد اللَّه بن نمير قال: حدثنا أبي، حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إنما أنا بشر، فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة [ (1) ] . وخرّجه البخاري من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مثله، إلا أن فيه: زكاة وأجرا. وله من حديث المغيرة عن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد [ (2) ] عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: اللَّهمّ إني اتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة [ (3) ] . وله من حديث الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن سالم مولى النصريين قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: اللَّهمّ إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته، فاجعلها له كفّارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة [ (4) ] . وله من حديث جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه [يقول] [ (5) ] : سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنما أنا بشر، وإني اشترطت على ربي عز وجل أيّ عبد من المسلمين سببته أو شتمته أن يكون ذلك له زكاة وأجرا. وخرّج مسلم أيضا من حديث عكرمة بن عمّار قال: أخبرنا إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة قال: حدثني أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: كانت عند   [ (1) ] المرجع السابق 151. [ (2) ] في (خ) «أبي الدرداء» وما أثبتناه من رواية مسلم. [ (3) ] المرجع السابق ص 153. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) ج 16 ص 153. [ (5) ] زيادة من المرجع السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 أم سليم يتيمة- وهي أم أنس- فرأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اليتيمة فقال: أأنت هيه [ (1) ] ، لقد كبرت لا كبر سنّك، فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي، فقالت أم سليم: ما لك يا منيّمة؟ قالت الجارية: دعا [ (2) ] عليّ نبي اللَّه ألا يكبر سني! فالآن لا يكبر سني أبدا، أو قالت: قرني، فجرت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها حتى لقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال لها: ما لك يا أم سليم؟ فقالت: يا نبي اللَّه؟ أدعوت علي يتيمتي؟ قال: وما ذاك يا أم سليم؟ قالت: زعمت أنك دعوت عليها أن لا يكبر سنها ولا يكبر قرنها، قال [ (3) ] : فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم قال: يا أم سليم، أما تعلمين أن شرطي على ربي أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر: فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها [ (4) ] له طهورا وزكاة وقربة يقربها [ (5) ] بها يوم القيامة. انفرد بإخراجه مسلم [ (6) ] . وخرّج الإمام أحمد [ (7) ] من حديث ابن أبي ذؤيب قال: حدثني محمد بن عمر ابن عطاء عن ذكوان مولى عائشة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأسير فلهوت عنه فذهب: فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما فعل الأسير؟ قالت: لهوت عنه مع النسوة فخرج، فقال: ما لك؟ قطع اللَّه يدك! فخرج فأذن به الناس فطلبوه، فجاء به فدخل عليّ وأنا أقلب يدي فقال: أجننت! قلت: دعوت عليّ فأنا أقلب يدي انظر أيهما يقطعان، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم رفع يديه مدا وقال: اللَّهمّ إني بشر، أغضب كما يغصب البشر، فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه فاجعله له زكاة وطهورا. وله من حديث محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة أن عائشة قالت: إن أمداد   [ (1) ] بفتح الباء وإسكان الهاء وهي هاء السكت. [ (2) ] في (خ) «وهي» . [ (3) ] في (خ) «قالت» . [ (4) ] في (خ) «تجعلها» . [ (5) ] في (خ) «نقربه» . [ (6) ] (مسلم بشرح النووي) ج 16 ص 154، 155، انظر أيضا: (سنن أبي داود) ج 5 ص 45، 46 حديث رقم 4659 وفيه: «أيما رجل من أمتي سببته أو لعنته لعنة في غضبي فإنما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين فأجعلها عليهم صلاة يوم القيامة» . [ (7) ] (مسند أحمد ابن حنبل) ج 2 ص 390، 488، 496، ج 3 ص 333، 384، 391، 400، ج 5 ص 437، 439، ج 6 ص 45. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 العرب كثروا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وقام إليه المهاجرون يعرجون عنه حتى قام على عتبة عائشة فرهقوه فأسلم رداءه في أيديهم ووثب عن العتبة فدخل فقال: اللَّهمّ العنهم، فقالت عائشة: يا رسول اللَّه! هلك القوم، فقال: كلا واللَّه: يا بنت أبي بكر، لقد شرطت على ربي شرطا لا خلف له فقلت: إنما أنا بشر: أضيق بما يضيق به البشر: فأي المؤمنين بدرت إليه مني بادرة فاجعلها له كفارة. وأما مزاحه وملاعبته فخرّج الترمذي من حديث عبد اللَّه بن المبارك عن أسامة بن زيد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قالوا يا رسول اللَّه إنك تداعبنا، قال: إني لا أقول إلا حقا [ (1) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وخرّج أبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] والبخاري [ (4) ] في الأدب المفرد من حديث خالد عن حميد عن أنس رضي اللَّه عنه أن رجلا أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللَّه احملني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنا حاملوك على ولد ناقة، قال: وما أصنع بولد ناقة؟ فقال: النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: وهل تلد الإبل إلا النّوق؟. وخرّج أبو داود من حديث يونس عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر رضي اللَّه عنه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسمع صوت عائشة- رضي اللَّه عنه- عاليا، فلما دخل تناولها ليلطمها وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول اللَّه، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين خرج أبو بكر: كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟ قال: فمكث أبو بكر رضي اللَّه عنه أياما، ثم استأذن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوجدهما قد اصطلحا: فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد فعلنا قد فعلنا [ (5) ] .   [ (1) ] (الشمائل المحمدية) ص 120 ولفظه «قال: نعم. غير أني لا أقول إلا حقا» . (سنن الترمذي) ج 3 ص 241 باب ما جاء في المزاح حديث رقم 2058، ومعني قوله: «إنك تداعبنا» إنما يعنون أنك تمازحنا. [ (2) ] (سنن أبي داود) ج 5 ص 270 حديث رقم 4998. [ (3) ] (سنن الترمذي) ج 3 ص 241 حديث رقم 2060 (الشمائل المحمدية) ص 120. [ (4) ] (الأدب المفرد) ج 1 ص 359 حديث رقم 268. [ (5) ] (سنن أبي داود) ج 5 ص 271 حديث رقم 4999. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 وله من حديث بشر بن عبيد اللَّه عن أبي إدريس الخولانيّ عن عوف بن مالك الأشجعي قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فسلمت فردّ وقال: أدخل، فقلت: أكلّي يا رسول؟ قال: كلّك، فدخلت، قال عثمان ابن أبي العاتكة، إنما قال أدخل كلى من صغر القبّة [ (1) ] . وخرّج أبو داود والترمذي من حديث شريك عن عاصم عن أنس قال: ربما قال لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا ذا الأذنين، يمازحه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب [ (2) ] . وله من حديث المبارك بن فضالة عن الحسن قال: أتت عجوز للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه، أدع اللَّه أن يدخلني الجنة، فقال: يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز، قال: فولّت تبكي، فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن اللَّه يقول: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً [ (3) ] . وخرّج عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا أو حزام بن حجال: وكان يهدى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الهدية من البادية فيجهزه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن زاهرا بادينا [ (4) ] ونحن حاضروه [ (5) ] ، قال: وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحبه وكان رجلا دميما [ (6) ] : فأتاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلني، من هذا! فالتفت فعرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعل لا يألو [ (7) ] ما ألصق ظهره بصدر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين عرفه: وجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول اللَّه! إذن واللَّه تجدني كاسدا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لكن عند اللَّه لست بكاسد، أو قال:   [ (1) ] (سنن أبي داود) ج 5 ص 272 حديث رقم 5000، 5001. [ (2) ] (سنن أبي داود) ج 5 ص 272 حديث رقم 5002. [ (3) ] (الشمائل المحمدية) ص 121، 122، والآيات 35، 36، 37 من سورة الواقعة، وقيل إن هذه العجوز هي صفية بنت عبد المطلب. [ (4) ] أي: نستفيد منه ما يستفيد الرجل من باديته، والبادي: هو المقيم بالبادية. [ (5) ] أي حاضرو المدينة له، وهذا من حسن المعاملة تعليما لأمته في متابعة هذه المجاملة. [ (6) ] أي قبيح الصورة مع كونه مليح السيرة. [ (7) ] أي لا يقصر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 لكن عند اللَّه أنت غال. وخرّج أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرّج الأندلسي في كتابه في تسمية من روي عن مالك بن أنس من حديث عبد اللَّه بن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللَّه قال: مازح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا فقال: ضرب اللَّه عنقك، فقال: في سبيله يا رسول اللَّه! قال في سبيله. وخرّج الإمام أحمد من حديث سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: سابقني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسبقته، فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني فقال: هذه بتيك [ (1) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث أبي حفص المعيطي قال: حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: خرجت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدموا فتقدموا ثم قال: تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس تقدموا فقدموا، فقال تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك، وهو يقول هذه بتلك [ (1) ] . وخرّج أبو بكر الشافعيّ من حديث يحيى بن سعيد القطان عن الصلت ابن الحجاج عن عاصم الأحوال عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لعائشة رضي اللَّه عنها ذات يوم: ما أكثر بياض عينيك! وله من حديث ابن المبارك قال: حدثنا حميد الطويل عن ابن أبي الورد عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رآه، قال: فرأى رجلا أحمر فقال: أنت أبو الورد؟ ولأبي بكر بن أبي شيبة من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدلع لسانه للحسن بن علي، فيرى الصّبيّ حمرة لسانه فيهش إليه. ولابن حبان من حديث ابن لهيعة عن عبد اللَّه بن المغيرة قال: سمعت عبد   [ (1) ] (مسند أحمد) ج 6 ص 39، 129، 182، 261، وأخرجه ابن ماجة في النكاح باب حسن معاشرة النساء، ونسبه النسائي للمنذري، وأبو داود في سننه ج 3 ص 65 باب في السبق على الرّجل حديث رقم 2578. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 اللَّه بن يزيد قال: حدثنا إسماعيل بن أبي داود عن طفيل بن سنان عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني لأمزح ولا أقول إلا حقا. وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم للصبي: يا أبا عمير! ما فعل النغير؟ وقال شعبة: حدثني علي بن عاصم عن خالد الحذّاء عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كانت في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دعابة. وقال ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من أفكه الناس. وقال خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عائشة رضي اللَّه عنها: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مزّاحا: وكان يقول: إن اللَّه لا يؤاخذ المزّاح الصادق في مزاحه. وقال وهب بن جرير عن أبيه قال: سمعت زيد بن أسلم يحدث أنّ خوّات ابن جبير قال [ (1) ] : نزلت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرّ [ (2) ] الظهران فخرجت من خبائي، فإذا نسوة يتحدثن فأعجبنني، فرجعت فأخرجت حلّة لي من عيبتي فلبستها ثم جلست إليهن فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قبته فقال [ (3) ] : أبا عبد اللَّه! ما يجلسك إليهن؟ قال: فقلت يا رسول اللَّه: جمل لي شرود أبتغي له قيدا: فمضى رسول اللَّه وتبعته: فألقى رداءه [ (4) ] ودخل الأراك فقضى حاجته وتوضأ، ثم جاء فقال: يا أبا عبد اللَّه! ما فعل شراد جملك؟ ثم ارتحلنا، فجعل لا يلحقني في المنزل إلا قال: السلام عليكم أبا عبد اللَّه: ما فعل شراد جملك؟ قال: فتعجلنا إلى المدينة فاجتنبت [ (5) ] المسجد ومجالسة رسول اللَّه، فلما طال ذلك عليّ تحينت ساعة خلوة [ (6) ] ، فجعلت أصلّى، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض حجره، فجاء فصلّى ركعتين خفيفتين ثم جلس، وطوّلت رجاء أن يذهب ويدعني، فقال طوّل يا أبا عبد اللَّه ما شئت فلست بقائم حتى تنصرف، فقلت واللَّه لأعتذرن إلى رسول   [ (1) ] (النهاية لابن الأثير) ج 2 ص 457، 458. [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (النهاية) «بمر الظهران» . [ (3) ] في (النهاية) «فمرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فهبته، فقلت: يا رسول اللَّه جمل لي شرود وأنا أبتغي له قيدا» . [ (4) ] في (النهاية) «ما ألقى إليّ رادءه» . [ (5) ] في (النهاية) «فتعجلت إلى المدينة واحتفيت المسجد» . [ (6) ] في (النهاية) «خلوة المسجد ثم أتيت المسجد فجعلت أصلي» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 اللَّه [ (1) ] ، فانصرفت، فقال: السلام عليكم يا أبا عبد اللَّه، ما فعل شراد الجمل؟ فقلت: والّذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت، فقال: رحمك اللَّه مرتين أو ثلاثا: ثم أمسك عني فلم يعد. فصل في ذكر آداب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسمته وهديه اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت له آداب، منها: أنه ان يمناه لطهوره، ويسراه لدفع الأذى، ويخفض صوته، ويخمّر وجهه إذا عطس، وكان يقعد القرفصاء، ويحتبي إذا جلس بيديه، ويتكيء على يساره: ويستلقي واضعا إحدى رجليه على الأخرى، ويكثر الصمت، ويعيد الكلمة ثلاثا، وإذا سلّم سلّم ثلاثا، ويسمع الشّعر ويتمثل به ويكثر التبسم: ويحب الفأل ولا يتطير، ويغير الاسم القبيح، ويقبل الهدية ويثبت عليها، ويكثر مشاورة أصحابه، ويحسر عن رأسه حتى يصيبه المطر، ويحتاط في نفي التهمة عنه، ويعرف من وجهه رضاه وغضبه، ويخالط الناس ويحذرهم ويحترس منهم، ويتفقد أصحابه، ويقول في حلفه إذا حلف: لا ومقلب القلوب، ويقول: لا والّذي نفسي بيده، ويقول: لا، وأستغفر اللَّه، وإذا أراد أن يقوم من مجلسه قال: سبحانك اللَّهمّ وبحمدك، اشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. فأما جعله يمناه لطهوره ويسراه لدفع الأذى فخرّج ابن حبان من حديث عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عرونة: عن أبي معشر عن إبراهيم: عن الأسود عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، كانت يده اليمني لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما به من أذى. وأما محبته التيمن في أفعاله فخرّج مسلم من حديث أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: أن كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليحب التيمين في طهوره إذا تطهر، وفي ترجّله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل.   [ (1) ] في (النهاية) «إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولأبرئن صدره» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 وخرّج البخاري ومسلم من حديث الأشعث عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله: في طهوره، وترجّله، وتنعله. لم يقل مسلم: ما استطاع، وقال في نعله وترجله وطهوره. ذكره البخاري في كتاب الصلاة: في باب التيمن في دخول المسجد وغيره، وذكره في كتاب الطهارة في باب التيمن في الوضوء والغسل، وفي كتاب الأطعمة في باب التيمن في الأكل وغيره، وفي كتاب اللباس. وذكر عمر بن شبة من حديث أشعث بسنده هذا: ولفظه عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أخذ شيئا أخذه بيمينه، وإذا أعطى شيئا أعطى بيمينه: ويبدأ بميامنه في كل شيء. وأما فعله عند العطاس فخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث يحيى بن سعيد وأبي خالد الأحمر عن محمد بن عجلان، عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ عطس أمسك على وجهه وغضّ صوته. وقال يحى: خمّر وجهه. وخرّجه الترمذي من حديث يحيى بسنده وقال: كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو بثوبه، وغض به صوته، وقال- أي الترمذي-: هذا حديث حسن صحيح. وخرّجه أبو داود بهذا الإسناد وقال: وضع يده أو ثوبه على فيه، وخفض أو غض بها صوته (شك يحيى) . وخرّجه قاسم من حديث إدريس بن يحيى الخولانيّ قال: أخبرني عبد اللَّه ابن عباس عن ابن هرمز عن أبي هريرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا عطس أحدكم فليضع كفّه على وجه ويخفض صوته. وخرّج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر ذي الجناحين يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا عطس حمد اللَّه فيقال له: يرحمك اللَّه، فيقول: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم. وأما جلسته واحتباؤه واتكاؤه واستلقاؤه فخرّج أبو داود من حديث حجاج بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزياد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 عن عمر بن عبد العزيز بن وهيب: سمعت خارجة بن زيد يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أوقر الناس في مجلسه: لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه. وخرّج الترمذي من حديث عبد اللَّه بن حسان عن جدته عن قيلة بنت مخرمة أنها رأت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المسجد وهو قاعد القرفصاء، قالت: فلما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق. وسيرد في فصل كتب رسول اللَّه بطوله. وله من حديث دبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده أبي سعيد الخدريّ قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس في المجلس احتبى بيديه. وله من حديث إسرائيل عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متكئا على وسادة على يساره. ولمالك عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول اللَّه مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى، قال أبو عمر بن عبد البر: قدح فيه عبد العزيز بن أبي سلمة: فرواه عن ابن شهاب عن محمود بن لبيد عن عباد بن تميم عن عمه قال: ولا وجه لذكر محمود بن لبيد في هذا الإسناد، وهو من الوهم البين عند أهل العلم. قال فأظن- أن السبب الواجب لإدخال مالك هذا الحديث في موطنه ما بأيدي العلماء من النهي عن هذا المعنى، وذلك أن الليث بن سعد وابن جريج وحماد بن سلمة: رووا عن أبي الزبير عن جابر: قال: نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره. وروي محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن جابر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى ويستلقي، قاله لنرى واللَّه أعلم أن مالكا بلغه هذا الحديث، وكان عنده عن ابن شهاب حديث عباد بن تميم هذا فحدّث به على وجه الدفع لذلك، ثم أردف هذا الحديث في موطنه بما رواه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر وعمر رضي اللَّه عنهما كان يفعلان ذلك، فكأنه ذهب إلى أن نهيه عن ذلك منسوخ بفعله، واستدلّ على نسخه بفعل الخليفتين بعده، وذكر من حديث ابن شهاب عن عباد بن تميم أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يفعلان ذلك. ومن حديث ابن شهاب قال: حدثني عمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 ابن عبد العزيز أن محمد بن نوفل أخبره أنه رأى أسامة بن زيد بن حارثة في مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يفعل ذلك، قال: أخبرني أسامة بن زيد الليثي عن نافع أنه رأى ابن عمر رضي اللَّه عنه يفعل ذلك. وأما صمته وإعادته الكلام والسلام ثلاثا وهديه في الكلام وفصاحته فخرّج أبو بكر محمد بن عبد اللَّه من حديث قيس بن الربيع عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال نعم، كان كثير الصمت. وخرّجه الإمام أحمد من حديث فريك عن سماك، فذكر به نحوه إلا أنه قال: وكان طويل الصمت. وخرّج البخاري من حديث عبد اللَّه بن المثنى، حدثا ثمامة بن عبد اللَّه عن أنس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سلم سلم ثلاثا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ذكره في باب التسليم والاستئذان ثلاثا وفي كتاب العلم ولفظه فيه: عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى يفهم عنه، وإذا أتي على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا. ذكره في باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم فقال: ألا وقول الزور، فما زال يكررها، وقال ابن عمرة: هل بلّغت ثلاثا. وخرّج أبو داود من حديث محمد بن إسحاق عن يعقوب عن عتبة عن عمر ابن عبد العزيز عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء. وخرّج من حديث مسعد قال: سمعت شيخا في المسجد يقول: سمعت جابر ابن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه يقول: كان في كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ترتيل وترسيل. وخرّج من حديث الزهري عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلا يفهمه كل من سمعه، وفي رواية: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يسرد سردكم هذا، كان يتكلم بكلام ينشئه فصلا يحفظه من يسمعه. وفي رواية كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث حديثا لو عدّه العاد لأحصاه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وفي حديث هند بن أبي هالة: كان لا يتكلم في غير حاجة، طويل السّكت، يفتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم فضلا لا فضول فيه ولا تقصير. وفي حديث أم معبد: وكان إذا صمت فعليه الوقار، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، حلو المنطق لا نذر ولا هذر. وخرّج أبو محمد الدارميّ من حديث موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا تكلم يرى كالنور بين ثناياه [ (1) ] . وقال السهيليّ: فقد روي أنه كان يسطع على الجدار نور من ثغره إذا تبسّم، أو قال: تكلم. وفي حديث هند أيضا: كان إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلّبها، وإذا تحدّث أفضل بها، يضرب براحته اليمني باطن إبهامه اليسرى. وقال علي بن الحسين بن واقد: حدثنا أبي عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أنه قال: يا رسول اللَّه! ما بالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال: كانت لغة إسماعيل قد درست، فجاء بها جبريل فحفظتها. وقال عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن جده قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم جالسا مع أصحابه، إذ نشأت سحابة، فقالوا: يا رسول اللَّه! هذه سحابة. فقال: كيف ترون قواعدها؟ قالوا: ما أحسنها وأشدّ تمكنها!! فقال: كيف ترون رحاها؟ قالوا: ما أحسنها وأشدّ استدارتها! قال: وكيف ترون بواسقها؟ قالوا: ما أحسنها وأشدّ استقامتها!! فقال: كيف ترون برقها؟ أو ميضا؟ أم خفيا؟ أم يشق شقا؟ قالوا: بل يشق شقا، قال: فكيف ترون جونها؟ قالوا: ما أحسنه وأشدّ سواده!! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم الحيا. فقالوا: يا رسول اللَّه ما رأينا الّذي هو أفصح منك، قال: وما يمنعني، وإنما أنزل القرآن بلساني لسان عربيّ مبين، قواعدها: أسافلها، واحدها قاعدة، ورحاها: وسطها، وعظمها وبواسقها: ما علا وارتفع منها، واحدتها باسقة، والوميض: اللمع الخفي، والخفي: البرق الضعيف، وجونها: أسودها، والحيا (مقصورا) ، الغيث والخصب، وجمعه أحياء.   [ (1) ] (سنن الدارميّ) ج 1 ص 30 باب في حسن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 وقال شبابة بن سوار: حدثنا الحسام بن مصك عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أفصح الناس: كان يتكلم بكلام لا يدرون ما هو حتى يخبرهم. وعن علي رضي اللَّه عنه: ما سمعت كلمة غريبة [ (1) ] من العرب إلا وقد سمعتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسمعته يقول: «مات حتف أنفه» [ (2) ] ، وما سمعتها من عربي قبله. وقال ابن الجوزي: وكل كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حكم وفصاحة، ومن ظرائفه: إياكم وخضراء الدّمن [ (3) ] ، وقوله: إن مما ينبت الربيع لم يقتل [ (4) ] حبطا أو يلم، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين [ (5) ] ، والناس كأسنان المشط [ (6) ] ، والمرء كثير بأخيه [ (7) ] ، وقوله للأنصار: إنكم لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع، وقوله: خير المال مهرة مأمورة أو سكة مأبورة [ (8) ] ، وقوله [خير المال عين ساهرة لعين نائمة] [ (9) ] ، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه [ (10) ] ، وحبك للشيء يعمي   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (صفة الصفوة) ج 1 ص 202 «عربية» . [ (2) ] هذا بعض حديث صحيح رواه عبد اللَّه بن عتيك قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الّذي يخرج مجاهدا في سبيل اللَّه إن لسعته دابة أو أصابه شيء فهو شهيد، ومن مات حتف أنفه فقد وقع أجره على اللَّه، ومن قتل فقد استوجب المآب. [ (3) ] حديث «إياكم وخضراء الدمن» أخرجه (الدارقطنيّ) في (الأفراد) ، و (ابن عدي) في (الكامل) وقال (السخاوي) في (المقاصد الحسنة) : هذا الحديث لا يصح من وجه. [ (4) ] في (خ) «يقب» وما أثبتناه من (صفوة) ج 1 ص 203. والمعني: أن الماشية يروقها كبت الربيع فتأكل فوق حاجتها فتهلك، والحبط: أن ترم بطونها وتنتفخ، فزجر بهذا الكلام عن فضول الدنيا تقول حبطت الدابة حبطا: إذا أصابت مرعى طيبا فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ وتموت، وقوله: «يلم» أي يقرب من القتل. [ (5) ] حديث «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والإمام أحمد في المسند، كلهم عن أبي هريرة. [ (6) ] حديث «الناس كأسنان المشط» أخرجه ابن لال (في مكارم الأخلاق) عن سهل بن سعد. [ (7) ] حديث «المرء كثير بأخيه» أخرجه ابن أبي الدنيا في (الإخوان) عن سهل بن سعد. [ (8) ] السكة: الطريق المصطفة من النخل، والمأبورة: الملقحة، أراد: خير المال نتاج أو زرع. [ (9) ] هذا الحديث لم أجد له تخريجا في كتب السنن. [ (10) ] قوله: من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» جزء من حديث طويل أوله: «من نفّس عن مؤمن كربة ... » ، أخرجه مسلم عن أبي هريرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 ويصم [ (1) ] ، كل الصيد في جوف الفرا، القناعة مال لا ينفذ [ (2) ] ، ومثل هذا كثير [ (3) ] . وأما تكلمه بالفارسية فخرّج ابن حبان من حديث أبي عاصم النبيل عن حنظلة بن أبي سفيان عن سعيد بن مينا عن جابر بن عبد اللَّه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لأصحابه: قوموا فقد صنع لكم جابر سورا، قال ثعلب: إنما يراد من هذا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تكلم بالفارسية، قوله: صنع سورا: أي طعاما دعا إليه الناس [ (4) ] . وخرّج أيضا من حديث الصلت بن الحجاج عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة قال: مرّ بي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أشتكي بطني فقال: يا أبا هريرة، عليك بالصلاة فإنه شفاء من كل سقم، قال ابن الجوزي: هذا الحديث لا يثبت عند علماء النقل، وقد رويناه من أربعة طرق عن أبي هريرة، ومدارها على داود ابن علية، قال يحيى: لا يكتب حديثه، وقال مرة: ليس بشيء، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما لا أصل له، وهذه الطريق التي يرويها ابن حبان عن الصلت لا تصح. قال أبو أحمد بن عدي الحافظ: حديث الصلت منكر، قال ابن الجوزي: ولعله أخذه من داود بن علية، ثم مدار الكل على ليث وقد ضعّفوه، قال ابن حبان: اختلط في آخر عمره، وكان ثعلب الأسانيد، ويأتي عن الثقات بما ليس في حديثهم. وقال علماء النقل: أبو هريرة لم يكن فارسيا، إنما مجاهد فارسي، والّذي قال هذا أبو هريرة خاطب به مجاهدا، ومن رفعه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد وهم. وقد روي هذا الحديث إبراهيم بن البراء من طريق أبي الدرداء، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له ذلك، وإبراهيم يحدّث بالأباطيل، قال ابن حبان: يحدث عن الثقات بالأشياء الموضوعات.   [ (1) ] حديث «حبك للشيء يعمى ويصم» أخرجه البخاري في التاريخ وأحمد أبو داود عن أبي الدرداء. [ (2) ] في (خ) «النداء» وما أثبتناه من (صفة الصفوة) ج 1 ص 206، والحديث أخرجه الرامهرمزيّ في (الأمثال) عن نصر بن عاصم الليثي بسند جيد ولكنه مرسل، وأخرجه أيضا العسكري. [ (3) ] حديث «القناعة مال لا ينفد» أخرجه القضاعي عن أنس. [ (4) ] راجع: (صفة الصفوة لابن الجوري) ج 1 ص 203 إلى ص 218. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 وأما سماعه الشعر واستنشاؤه وتمثله به فقال عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يحاصر أهل الطائف لكعب بن مالك وهو إلى جنبه: هيه، لينشده فأنشده قصيدة. وخرّج مسلم في صحيحه والبخاري في الأدب المفرد من حديث سفيان ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت: نعم، قال: هيه، فأنشدته بيتا فقال: هيه، ثم أنشدته بيتا فقال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت [ (1) ] . وخرّجه من حديث عبد الرحمن بن مهدي، والمعتمر بن سليمان، كلاهما عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: - استنشدني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمثل حديث إبراهيم بن ميسرة، وزاد قال: إن كان كاد ليسلم. وفي حديث ابن مهدي قال: فلقد كاد يسلم في شعره. ذكره في كتاب الأدب. وقال البغوي: أخبرنا داود بن رشيد، حدثنا يعلي بن الأشدق قال: سمعت النابغة يقول: أنشدت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [حتى] بلغنا: السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو بعد ذلك مظهرا فقال ابن المطهر: يا أبا ليلى! قلت الجنة؟ قال أجل إن شاء اللَّه: ثم قلت: ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمى صفوه إن تكدّرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أجدت: لا يفضض اللَّه فاك (مرتين) . وقال أبو عبد اللَّه إبراهيم بن محمد بن عرفة: حدثنا أحمد بن يحيى عن محمد   [ (1) ] وذكره الترمذي في (الشمائل المحمدية) ص 126 حديث رقم 248 ولفظه: «كنت: ردف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأنشدته مائة قافية من قول أمية بن أبي الصلت: كما أنشدته بيتا قال لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هيه، حتى أنشدته مائة يعني بيتا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أن كاد ليسلم» ، ونحوه في (سنن ابن ماجة) ج 2 ص 1236 حديث رقم 3758. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 ابن سلام، أخبرنا محمد بن سليمان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد ابن المسيب قال: قدم كعب بن زهير متنكرا حين بلغه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوعده، فأتى أبا بكر رضي اللَّه عنه، فلما صلّى الصبح أتاه به وهو متلثم بعمامته، فقال: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، رجل يبايعك على الإسلام، فبسط يده فحسر عن وجهه فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، هذا مقام العائذ بك من النار، أنا كعب بن زهير، فتجهمته الأنصار وغلظت له لما كان من ذكره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلانت له قريش وأحبوا إسلامه، فأمّنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأنشده مدحته التي يقول فيها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول فكساه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بردة اشتراها معاوية بن أبي سفيان من الكعب بن زهير بعده بمال كثير، فهي البردة التي يلبسها الخلفاء في العيدين [ (1) ] . وقال عمرو بن شيبة: حدثنا أحمد بن عيسى، حدثني مؤمل بن عبد الرحمن الثقفي، حدثني سهل بن المغيرة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: دخل رسول اللَّه وأنا [أنشد] [ (2) ] هذين البيتين: ارفع ضعيفك لا يحربك ضعف ... يوما فتدركه عواقب ما جني [ (3) ] يجزيك أو يثنى عليك، وإنّ من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جزى [ (4) ]   [ (1) ] وأثنى فيها على المهاجرين، ولم يذكر الأنصار، فكلمته الأنصار، فصنع فيهم حينئذ شعرا، ولا أعلم له في صحبته وروايته غير هذا الخبر، وفي هذه القصيدة يقول: إن الرسول لسيف يستضاء به ... مهنّد من سيوف اللَّه مسلول أنبئت أن رسول اللَّه أوعدني ... والعفو عند رسول اللَّه مأمول ومما يستجاد لكعب بن زهير قوله: لو كنت أعجب من شيء لأجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ... فالنفس واحدة والهمّ منتشر والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر راجع (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) لابن عبد البر ج 9 ص 227، ترجمة 2191، و (الشعر والشعراء لابن قتيبة) ج 1 ص 158 وما بعدها. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] لا يحر: لا نرجع إلى النفس، وأصل الحور الرجوع إلى النفس. [ (4) ] هذان البيتان غير واضحين في (خ) ، وما أثبتناهما من (الشعر والشعراء لابن قتيبة) ج 1 ص 388 عند ترجمة زهير ابن جناب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 فقال: ردي علي قول اليهودي قاتله اللَّه، لقد أتاني جبريل برسالة من ربي: أيّما رجل صنع إلى أخيه صنيعة فلم يجد له جزاء إلا الثناء والدعاء فقد كافأه [ (1) ] : قيل هما لغريض اليهودي، وهو السموأل بن عادية، وقيل لزيد بن عمرو بن نفيل، وقيل لورقة بن نوفل، وقيل لزهير بن جناب: وقيل عامر الحرمي، والصحيح أنهما لغريض أو لابنه. قال ابن الجوزي: وقد أنشده جماعة منهم العباس، وعبد اللَّه بن رواحة، وحسان وضرار، وأنس بن زنيم، وعائشة في خلق كثير، قد ذكرتهم في كتاب أحكام الانتشاء. وخرّج الترمذي من حديث شريك، عن المقدام بن شريح عن أبيه عائشة رضي اللَّه عنها، قال: قيل لها: هل كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثل بشعر ابن رواحة [ (2) ] ، ويتمثل ويقول: ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد [ (3) ] قال هذا حديث حسن صحيح [ (4) ] . وخرّجه أبو بكر بن أبي شيبة من حديث سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتمثل من الأشعار: ويأتيك بالأخبار من لم تزود وخرّجه النسائي من حديث هشيم عن مغيرة عن الشعبي عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا استراث الخبر تمثل بقافية طرفة:   [ (1) ] وفي مسند الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: سمعت أبا عبد العزيز موسى بن عبيدة الرّبذي يحدث عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا قال الرجل لأخيه: جزاك اللَّه خيرا فقد أبلغ في الثناء. (مسند الحميدي) ج 2 ص 490 حديث رقم 1160. [ (2) ] هو عبد اللَّه بن رواحة الأنصاري الخزرجي أحد النقباء شهد العقبة وبدرا، وأحد والخندق والمشاهد بعدها، إلا الفتح وما بعده فإنه قتل يوم مؤتة شهيدا أميرا. [ (3) ] بضم التاء وكسر الواو المشدّدة، وهو من التزويد، وهو إعطاء الزاد، وأول البيت. ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود [ (4) ] (الشمائل المحمدية) ص 122 حديث رقم 241. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 ويأتيك بالأخبار من لم تزود [ (1) ] وخرّجه الإمام أحمد بهذا السند ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا استراث الخبر تمثل فيه ببيت طرفة، فذكره. وخرّجه البخاري في الأدب المفرد من طريق الوليد بن أبي ثور عن سماك: عن عكرمة قال: سألت عائشة رضي اللَّه عنها: هل سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتمثل شعرا قط؟ فقالت: كان أحيانا إذا دخل بيته يقول: ويأتيك بالأخبار من لم تزود وخرّج عبد الرزّاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فنزل رجل من المهاجرين فزجر بهم فقال: لم يغذها مدّ ولا يضيف ... ولا تميرات ولا تعجيف لكن غذاها اللبن الخريف ... المحصي القارص والصريف فقالت الأنصار: انزل يا كعب: فإنما يعرض بنا، فنزل كعب بن مالك فقال: لم يغذها مدّ ولا نصيف ... ولا تميرات ولا تعجيف لكن غذاها الحنظل النقيف ... ومذقة كططرة الخيف تنبت بين الزرب والكنيف قال: فخاف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يكون بينهما شيء، فأمرهما فركبا. وخرّجه عن معمر قال: حدثني أبو حمزة الثمالي بنحو حديث هشام وزاد فيه: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عطف ناقته وأمرهما فركبا. وخرّجه البخاري ومسلم من حديث شعبة عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أصدق بيت قاله الشاعر، قول لبيد: ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل [ (2) ]   [ (1) ] وهذا البيت من شعر طرفه أيضا في قصيدته المعلقة. [ (2) ] هذا البيت هو أول ما ذكره (ابن قتيبة) في (الشعر والشعراء) ج 1 ص 285 فيما يستجاد من شعر لبيد: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 ذكره البخاري في كتاب الرقاق. وخرّجا من حديث سفيان عن عبد الملك بن عمير قال: حدثنا أبو سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم. وقال البخاري: الشاعر. ذكره في كتاب الأدب، وفي أيام الجاهلية، وفي لفظ لمسلم والترمذي قال: أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد، فذكره. وفي لفظ لمسلم: إن أصدق بيت قاله الشاعر، فذكره. وكان أمية بن أبي الصلت أن يسلم. وفي آخر: إن أصدق كلمة قالها شاعر: كلمة لبيد. وخرّج البخاري ومسلم من حديث قتيبة: حدثنا عبد العزيز عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخندق وهم يرتجزون ونحن ننقل التراب على أكبادنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة وخرّجه مسلم مثله سواء. ذكره البخاري في غزوة الخندق، وفي كتاب المناقب، وذكره في كتاب الرقاق ولفظه فيه: اللَّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة وذكره في غزوة الخندق في كتاب الجهاد، وفي عدة مواضع. وذكره مسلم من عدة طرق.   [ () ] ألا كل شيء ما خلال اللَّه، باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل إذا المرء أسرى ليلة ظنّ أنه ... قضى عملا، والمرء ما عاش آمل حبائله مبثوثة بسهيلة ... ويفنى إذا ما أخطأته الحبائل إلى أن قال: وكل امرئ يوما سيعلم سعيه ... إذا كشفت عند الإله المحاصل وهذا البيت الأخير يدلّ على أنه قيل في الإسلام، وهو شبيه بقول اللَّه تبارك وتعالى وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ الآية 10 من سورة العاديات، أو كان لبيد قبل إسلامه يؤمن بالبعث والحساب. مثل غيره من شعراء الجاهلية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 وخرّجا من حديث شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل معنا التراب، ولقد رأيته وارى التراب بياض بطنه وهو يقول: واللَّه لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... إن الأولى قد بغوا علينا قال: وربما قال: إن الملا أبوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا ويرفع بها صوته وقال البخاري: ولولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، إن الأولى، وربما: إن الملأ قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا. يرفع بها صوته وكرره في عدة مواضع [ (1) ] . وخرجا من حديث شعبة عن أبي إسحاق قيل للبراء: أولّيتم مع النبي يوم حنين؟ فقال: أمّا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلا، كانوا رماة، فقال: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب [ (2) ] وكرراه. وخرّجا أيضا من حديث شعبة عن الأسود بن قيس عن جندب بن أبي سفيان البجلي قال: أصاب حجر إصبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدميت فقال: هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل اللَّه ما لاقيت؟ وخرّجه الترمذي أيضا. وأمّا تبسّمه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ما رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسّم.   [ (1) ] (صحيح البخاري) ج 4 ص 250. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) حديث رقم 78 باب 27 كتاب 32. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 وخرّج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة عن عبد اللَّه بن المغيرة قال: سمعت عبد اللَّه بن الحارث بن جزء يقول: ما رأيت أحدا كان أكثر تبسما من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرّج ابن حبان من حديث عبد الحميد بن زياد بن صهيب عن أبيه عن صهيب قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه. وخرّج من حديث بقية عن حبيب بن عمر الأنصاري عن شيخ يكنى أبا عبد اللَّه الصمد قال: سمعت أم الدرداء تقول: كان أبو الدرداء إذا حدّث حديثا تبسم، فقلت: لا يقال أنك أي أحمق، فقال: ما رأيت أو سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث حديثا إلا تبسم. وفي رواية كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم، فقلت له: إني أخشى أن يحمقك الناس، فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يحدث بحديث لا تبسم. ومن حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت أنيابه. وكذا من حديث وهب بن جرير، أخبرنا أبي قالت سمعت ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أقبل أعرابي على ناقة له حتى أناخ بباب المسجد، فدخل على نبي اللَّه- وحمزة بن عبد المطلب جالس في نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم النعيمان- فقالوا للنعيمان: ويحك! إنّ ناقته نادية- أي سمينة- فلو نحرتها فانا قد قدمنا إلى اللحم، ولو فعلت عزمها رسول اللَّه وأكلنا لحمها، فقال: إني إن فعلت ذلك وأخبرتموه وجد عليّ قالوا: إلا تفعل، فقام فضرب في لبته ثم انطلق، فمرّ المقداد قد حفر حفرة استخرج منها طينا فقال: يا مقداد، غيبني في هذه الحفرة وأطبق عليّ شيئا ولا تدل عليّ أحدا، فإنّي قد أحدثت حدثا، ففعل، فلما خرج الأعرابي ورأى ناقته صرخ! فخرج نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: من فعل هذا؟ قالوا: نعيمان، قال: فأين توجه؟ قالوا: هاهنا، فتبعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه حمزة وأصحابه حتى أتى على المقداد فقال له: هل رأيت نعيمان؟ فصمت، فقال: لتخبرني أين هو؟ فقال: ما لي به علم، وأشار بيده إلى مكانه، فكشف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الحفرة، فلما رآه قال: أي عدوّ نفسه، ما حملك على ما صنعت؟ قال: والّذي بعثك بالحق لأمرني حمزة وأصحابه، فأرضى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 عليه السلام الأعرابيّ وقال: شأنكم بها، فأكلوها، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذكر صنعه ضحك حتى تبدو نواجذه. وقال زائدة عن أبان عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد اللَّه قال: ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك [ (1) ] . وفي الصحيح أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حكى عن رجل أخرج من النار فقيل له: تمنّ، فتمنى، فيقال له: ما تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، فيقول أتسخر بي وأنت الملك؟ فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه [ (2) ] . ولابن حبان من حديث الليث عن جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: لما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن، أتاني ثلاثة نفر يختصمون في غلام ابن امرأة وقعوا عليها جميعا في طهر واحد!! كلهم يدعى أنه ابنه، فأقرعت بينهم، فألحقته بالذي أصابته القرعة، ولصاحبيه مثلي دية الحد، فلما قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرت له ذلك فضحك حتى ضرب برجليه الأرض ثم قال: حكمت فيهم بحكم   [ (1) ] رواه (البخاري) ج 4 ص 64 ولفظه: «ما حجبني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي ... » . [ (2) ] (مسند أحمد) ج 1 ص 379، ولفظه: «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج منها زحفا، فيقال له: انطلق فادخل الجنة، قال: فيذهب يدخل فيجد الناس قد أخذوا المنازل، قال: فيرجع فيقول: قد أخذ الناس المنازل، قال: فيقال له: أتذكر الزمان الّذي كنت فيه؟ قال: فيقول: نعم، فيقال له: تمنه، فيتمنى، فيقال: إن لك الّذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، قال: فيقول: أتسخر بي وأنت الملك؟ قال: فلقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه» . ورواه (مسلم) بلفظ آخر وزاد فيه «قال: فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة» (مسلم بشرح النووي) ج 2 ص 40، وأما معنى «أتسخر بي» هنا ففيه أقوال أشهرها ما قاله القاضي عياض: أن يكون هذا الكلام صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله، فلم يضبط لسانه دهشا وفرحا، فقال وهو لا يعتقد حقيقة معناه، وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوقين، وهذا كما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الرجل الآخر: أنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال: أنت عبدي وأنا ربك، واللَّه أعلم. والمراد بالنواجذ هنا الأنياب، وقيل المراد بها الضواحك، وقيل المراد بها الأضراس، وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة، ولكن الصواب عند الجمهور ما قدمناه، وفي هذا جواز الضحك وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا بمسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال، واللَّه أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 اللَّه، أو قال: لقد رضي اللَّه حكمك فيهم [ (1) ] . قال ابن الجوزي: وهذا الحديث لا يثبت، فيه جماعة مجروحون ولا يصح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه كان يزيد عن التبسم. وخرّج الإمام أحمد وأبو يعلي والبراء والطبراني في الكبير من حديث هشام عن أبي الزبير عن عبد اللَّه بن سلمة عن علي أو عن الزبير قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطبنا فيذكرنا بأيام اللَّه حتى يعرف ذلك في وجهه وكأنه نذير قوم يصبّحهم الأمر غدوة، وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسم ضاحكا حتى يرتفع. وأما محبته الفأل وتركه الطيرة وتغييره الاسم القبيح فخرج مسلم من حديث يحيى بن عتيق قال: أخبرنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح. ومن حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا عدوي ولا هامة، ولا طيرة وأحب الفأل الصالح. وخرّجا من حديث معمر وشعيب عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة أن أبا هريرة قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا طيرة وخيرها الفأل، قيل يا رسول اللَّه وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم. وخرّج البخاري وأبو داود من حديث هشام: أخبرنا قتادة عن أنس عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا عدوي ولا طيرة، ويعجبني الفأل الكلمة الحسنة. وخرّج أبو داود من حديث هشام عن قتادة عن عبيد اللَّه بن مريدة عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا   [ (1) ] (مسند الحميدي) ج 2 ص 345 من حديث زيد بن أرقم حديث رقم 785 وقال فيه: «فلما قدمنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرنا ذلك فقال له: ما أعلم فيها إلا ما قال علي» ، (مسند أحمد) ج 4 ص 374 من حديث زيد بن أرقم بنحوه، (سنن النّسائي) ج 6 ص 182 باب القرعة في الولد إذا تنازعوا فيه، وقال: «فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فضحك حتى بدت نواجذه» ، ولم يذكر أحد من أهل العلم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يزيد عن التبسم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 أعجبه اسمه فرح به رئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رئي كراهة ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإذا أعجبه اسمها رئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية ذلك في وجهه. وقال مالك عن يحيى بن سعيد: أن رسول اللَّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال للقحة تحلب: من يحلب هذه؟ فقام رجل، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال الرجل: مرّة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلس، ثم قال: من يحلب هذه؟ فقام رجل فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال: حرب، فقال له: اجلس، ثم قال: من يحلب هذه؟ فقام رجل، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال: يعيش، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: احلب. هكذا رواه مالك موقوفا على يحيى [ (1) ] . وخرّج قاسم بن أصبغ من حديث الحسين بن واقد عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يتطير ولكن يتفأل، فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني سهم، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له رسول اللَّه: من أنت؟ قال: بريدة، فالتفت إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقال: برد أمرنا وصلح، ثم قال ممن؟ قال: من أسلم، فقال لأبي بكر سلمنا، ثم قال: ممن؟ قال: من سهم، قال: خرج سهمك. فقال بريدة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: فمن أنت؟ قال: محمد ابن عبد اللَّه رسول اللَّه، قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك عبده ورسوله، فأسلم بريدة وأسلم الذين معه جميعا، فقال بريدة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تدخل المدينة إلا معك لواء، فحلّ عمامته ثم شدّها في رمح ثم مشي بين يديه حتى دخل المدينة. قال بريدة: الحمد للَّه الّذي أسلمت [له] [ (2) ] بنو سهم طائعين. وخرّج الترمذي من حديث حماد بن سلمة عن حميد عن أنس: أن نبي اللَّه   [ (1) ] (موطأ مالك) ص 690 باب ما يكره من الأسماء، حديث رقم 1776. قال ابن عبد البر: ليس هذا من باب الطيرة لأنه محال أن ينهي عن شيء ويفعله، وإنما هو من باب طلب الفأل الحسن، وقد كان أخبرهم عن شرّ الأسماء أنه حرب ومرّة، فأكد ذلك حتى لا يتسمى بهما أحد. (تنوير الحوالك شرح موطأ مالك) ج 2 ص 245. وفي (خ) «القحة تجلب من تحلب» وما أثبتناه من (الموطأ) . [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خرج لحاجته يعجبه أن يسمع يا راشد.. يا نجيح. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح. وخرّج البزار من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا أبردتم إليّ بريدا فأبردوه حسن الوجه حسن الاسم، ذكره أنه لا يعلم رواه عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه إلا قتادة. وقال هشام الدستواني عن يحيى بن كثير قال: كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أمراء الأجناد ألا توفدوا إلينا إلا برجل حسن الوجه حسن الاسم. وخرّج ابن حبان من حديث مبارك بن فضالة عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سمع كلمة فأعجبته فقال: أخذنا فألك من فيك. وخرّج الترمذي من حديث عمر بن علي المقدمي عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يغير الاسم القبيح، وربما قال عمر ابن علي في هذا الحديث هشام بن عروة عن أبيه، ولم يذكر فيه عائشة. وخرّج مسلم والترمذي من حديث يحيى عن سعيد عن عبيد اللَّه قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غيّر اسم عاصية وقال: أنت جميلة [ (1) ] . ولمسلم من حديث سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن كريب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كانت جويرة اسمها برّة، فحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمها جويرة، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة [ (1) ] . وللبخاريّ ومسلم من حديث شعبة عن عطاء بن ميمونة عن أبي رافع عن أبي هريرة أن زينب ان اسمها برة، فقيل تزكي [ (2) ] نفسها، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) ج 14 ص 119، 120. باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن وتغيير اسم برة إلى زينب وجويرة ونحوهما. [ (2) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وما أثبتناه من المرجع السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 ولمسلم من حديث الوليد بن كثير قال: حدثني محمد بن عمر عن عطاء قال: حدثتني زينب ابنة أم سلمة قالت: كان اسمي برة، فسمّاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب، قالت: ودخلت عليه زينب بنت جحش واسمها برة فسماها زينب. ومن حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمر بن عطاء قال: سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب ابنة أبي سلمة: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهي عن هذا الاسم، وسميت برّة فقال رسول اللَّه: لا تزكوا أنفسكم، اللَّه أعلم بأهل البرّ منكم، فقالوا: بم نسميها؟ قال: سموها زينب [ (1) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث عبيد اللَّه بن عمر عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما ولد الحسن سماه حمزة، فلما ولد الحسين سماه بعمه جعفر، قال: فدعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إني أمرت أن أغير اسم هذين، قلت: اللَّه ورسوله أعلم، فسماهما حسنا وحسينا. وخرّج قاسم بن أصبغ وأحمد بن حنبل من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما ولد الحسن جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال بل هو حسين، فلما ولد الثالث جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أروني ابن، ما سميتموه؟ قلت: حربا، قال هو محسن [ (2) ] . وخرج الإمام أحمد حديث سفيان عن أبي إسحاق عن رجل من جهينة قال: سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا يقول يا حرام، فقال: يا حلال. ومن حديث يحيى بن أبي بكير، حدثنا عبيد اللَّه بن إياد [ (3) ] بن لقيطة [السدوسي] [ (4) ] عن أبيه عن ليلى امرأة بشير بن الخضامية عن بشير قال- وكان   [ (1) ] المرجع السابق. [ (2) ] ثم زاد أسد، ثم قال: إني سمّيتهم بأسماء ولد هارون: شبّر وشبّير ومشبّر. (الاستيعاب لابن عبد البر) ج 3 ص 100. [ (3) ] في (خ) «أبان» . [ (4) ] ما بين القوسين غير واضح في (خ) ، وما أثبتناه من (الجرح والتعديل) ج 2 ص قسم 2 ص 307 ترجمة رقم 1462 وهو ثقة كما قال عنه يحيى بن معين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 قد أي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واسمه زحم- فسماه النبي بشيرا [ (1) ] . ومن حديث إسماعيل بن عياش عن بكر بن زرعة الخولانيّ عن مسلم بن عبد اللَّه الأزدي قال: جاء عبد اللَّه بن قرظ الأزدي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: ما اسمك؟ قال: شيطان بن قرظ، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنت عبد اللَّه بن قرظ. ومن حديث شعبة عن عبد اللَّه بن أبي السفر [ (2) ] عن عامر الشعبي عن عبد بن مطيع ابن الأسود، حدثني عدي بن كعب عن أبيه مطيع- وكان اسمه العاصي- فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مطيعا. قال سمعت رسول اللَّه حين أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول: لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا. ولأبي داود [ (3) ] من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: بل أنت سهل، قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن، قال سعيد: فظننت أن ستصيبنا بعده حزونة. قال أبو داود: وغير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمه العاص وعزيز وعتلة [ (4) ] وشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب فسماه هشاما، وسمي حربا سلما [ (5) ] ، وسمي المضطجع المنبعث، وأرض   [ (1) ] ونحوه في (سنن أبي داود) ج 3 ص 554 حديث رقم 3230 باب المشي في النعل بين القبور. [ (2) ] في (خ) «اليفر» وما أثبتناه من (تهذيب التهذيب) ج 4 ص 340 عند ترجمة شعبة بن الحجاج رقم 580. [ (3) ] وأخرجه (البخاري) في الأدب باب اسم الحزن وفيه [قال ابن المسيّب: فما زالت فينا الحزونة بعد] . [ (4) ] العتلة: عمود حديد تهدم به الحيطان، وقيل: حديدة كبيرة يقلع بها الشجر والحجر. [ (5) ] أما (العاص) : فإنما غيره كراهة لمعنى العصيان، وإنما سمة المؤمن: الطاعة والاستسلام. و (عزيز) : إنما غيره لأن العزة للَّه سبحانه، وشعار العبد: الذلة والاستكانة، وقد قال سبحانه عند ما يقرّع بعض أعدائه: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: 49] . و (عتلة) : معناها الشدة والغلظة، ومنه قولهم: رجل عتلّ: أي شديد غليظ. ومن صفة المؤمن: اللين والسهولة. و (شيطان) : اشتقاق من الشّطن: وهو البعد عن الخير، وهو اسم المارد الخبيث من الجن والإنس. و (الحكم) : هو الحاكم الّذي إذا حكم لم يردّ حكمه، وهذه الصفة لا تليق بغير اللَّه سبحانه، ومن أسمائه الحكم. و (غراب) : مأخوذ من الغرب، وهو البعد. ثم هو حيوان خبيث الفعل، خبيث الطعم، وقد أباح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتله في الحل والحرم. و (حباب) : نوع من الحيات، وقد روي أن الحباب اسم الشيطان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 تسمى عفرة [ (1) ] سماها خضرة، وشعب الضلالة سماها شعب الهدى، وبني الزنية سماهم بني الرّشدة، وسمى بني مغوية بني رشدة [ (2) ] . قال أبو داود: وتركنا أسانيدهما للاختصار. وخرّج بقي [بن] مخلد من حديث عبدة بن هشام عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرّ بأرض تسمى مجدبة فسماها خضرة. وخرّج البخاري من حديث الزهري عن ابن المسيب عن أبيه أن أباه جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: أنت سهل، قال لا أغير اسما سمانيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعده. ترجم عليه باب اسم الحزن، وذكره أيضا في باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه. [و] [ (3) ] من حديث ابن جريج، أخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال: جلست إلى سعيد بن المسيب فحدثني أن جده قدم على النبي فقال: ما اسمك؟ (الحديث بنحو منه) . وللبخاريّ ومسلم من حديث أبي غسان حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: أتي بالمنذر بن أبي أسيد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين ولد فوضعه على فخذه وأبو أسيد جالس، فلهي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بشيء بين يديه، فأتي أبو أسيد بابنه فاحتمل من فخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأقلبوه [ (4) ] ، ...   [ () ] فقيل: إنه أراد به المارد الخبيث من شياطين الجن، وقيل-: أراد نوعا من الحيات يقال لها: الشياطين. ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [الصافات: 65] . و (الشهاب) : الشعلة من النار، والنار عقوبة اللَّه سبحانه، وهي محرقة مهلكة. [ (1) ] وأما (عفرة) : فهي نعت للأرض التي لا تنبت شيئا، أخذت من العفرة، وهي: لون الأرض القحلة فسماها خضرة على معنى التفاؤل لتخضر وتمرع. وقوله: (عقرة) : المحفوظ عقرة بالقاف. كأنه كره اسم العقرة، لأن العاقر هي المرأة التي لا تحمل، وشجرة عاقر: لا تحمل. [ (2) ] يقال: هذا ولد رشدة: إذا كان لنكاح صحيح، كما يقال في ضده: ولد زنية، بالكسر فيهما، وقيل بالفتح. (معالم السنن للخطابي) على هامش (سنن أبي داود) ج 5 ص 241 وما بعدها، تعليقا على الحديث رقم 4956. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] فأقبلوه: أي ردوه وصرفوه في جميع نسخ (صحيح مسلم) فأقبلوه بالألف وأنكره جمهور أهل اللغة والغريب وشراح الحديث وقالوا: صوابه قلبوه بحذف الألف. قالوا: قال: قلبت الصبي والشيء صرفته ورددته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 فاستفاق النبي [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أين الصبي؟ فقال أبو أسيد: أقلبناه يا رسول اللَّه، قال ما اسمه؟ قال: فلان، قال: لا، ولكن اسمه المنذر، فسماه يومئذ المنذر. وذكره البخاري [ (2) ] في باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه ولم يقل: فأقلبوه، وقال: ولكن اسمه المنذر، لم يذكر لا. وخرّج أبو داود [ (3) ] من حديث بشير بن ميمون عن عمه عن أسامة ابن أخدريّ أن رجلا يقال له أصرم كان في النفر الذين أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما اسمك؟ قال [أنا] [ (4) ] أصرم، قال: بل أنت زرعة. وقال أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا يزيد بن المقدام بن شريح عن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده هانئ بن شريح أنه ذكر أنه أول ما وفد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في قومه سمعهم وهو يكنون هاني أبا الحكم، فدعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إنه اللَّه هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكن أبا الحكم؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء فحكمت بينهم رضى كلا الفريقين، قال: ما أحسن هذا، قال: فما لك من الولد؟ قال: شريح بن هاني وعبد اللَّه ومسلم قال أين أكبرهم؟ قال: شريح، قال: أنت أبو شريح، فدعاه له ولولده، وسمع القوم وهم يسمون رجلا منهم عبد الحجر فقال: ما اسمك؟ فقال: عبد الحجر، فقال: بل أنت عبد اللَّه- وأنه لما حضر خروج القوم إلا بلادهم أعطى كل رجل منهم [] [ (5) ] في بلاده حيث أحب، إلا أن هانئ قال له: يا رسول اللَّه، أخبرني بشيء يوجب لي الجنة، قال: عليك بحسن الكلام وبذل الطعام. وذكره أبو داود في باب تغيير الاسم القبيح إلى قوله-: فأنت أبو شريح، وبعده قال أبو داود: هذا هو الّذي كسر السلسلة وهو ممن دخل تستر. وخرّجه النسائيّ [ (6) ] أيضا والبخاري في الأدب المفرد [ (7) ] .   [ (1) ] أي انتبه من شغله وفكره الّذي كان فيه واللَّه أعلم (مسلم بشرح النووي) ج 14 ص 128. [ (2) ] (صحيح البخاري) ج 4 ص 80. [ (3) ] (سنن أبي داود) ج 5 ص 239 حديث رقم 4954. [ (4) ] زيادة من نص (أبي داود) . وإنما غير اسم (أصرم) لما فيه معنى الصّرم وهو القطيعة، يقال: صرمت الحبل: إذا قطعته، وصرمت النخلة، إذا جذذت ثمرها. (معالم السنن للخطابي) ج 5 ص 240. [ (5) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) «ولعل الصواب ما أثبتناه. [ (6) ] (سنن النسائي) ج 8 ص 326 باب إذا حكّموا رجلا فقضى بينهم. [ (7) ] (فضل اللَّه الصمد) ج 2 ص 283 حديث رقم 811. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 وأما قبوله الهدية ومثوبته عليها فخرج أبو بكر الشافعيّ من حديث علي بن خشرم قال: حدثنا عيسى ابن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقبل الهدية ويثيب عليها، وقالت عائشة رضي اللَّه عنها لعروة: ابن أختي! لتنظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: قلت: يا خالة! ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول اللَّه جيران من الأنصار وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ألبانها فيسقينا. وفي رواية: كانت لم منائح، وكانوا يمنحون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ألبانهم فيسقينا. وخرّج البخاري من حديث الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدى إليّ ذراع لقبلت. وأما مشاورته أصحابه فقال تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [ (1) ] . وقد اختلف السلف في المعنى الّذي من أجله أمر اللَّه تعالى نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يشاورهم فيه، فقال بعضهم: أمره بمشاورة أصحابه في مكائد الحروب وعند لقاء العدو، وتطييبا منه بذلك لأنفسهم، وتألفا لهم على دينهم، وليروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم، وإن كان اللَّه تعالى قد أغناه بتدبيره له أموره، وسياسته إياه وتقويمه أسبابه عنهم، وإلى هذا ذهب قتادة والربيع وابن إسحاق والشافعيّ. قال قتادة: أمر اللَّه تعالى نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء، لأنه أطيب لأنفس القوم، وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضا وأرادوا بذلك وجه اللَّه، عزم اللَّه لهم على رشده. وقال الربيع: أمر اللَّه نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه الوحي من السماء، لأنه أطيب لأنفسهم.   [ (1) ] الآية 159/ آل عمران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 وقال ابن إسحاق: وشاورهم في الأمر: أي لقولهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم، وإن كنت عنهم غنيا، تألفهم بذلك على دينهم. وقال الشافعيّ، وكقوله عليه السلام: والبكر تستأمر، تطييبا لقلبها لأنه واجب. وقال آخرون: بل أمره اللَّه بمشورتهم في ذلك ليتبين له الرأى وأصوب الأمور في الأمور، لما علم اللَّه تعالى في المشورة من الفضل. وإلى هذا ذهب الضحاك ابن مزاحم والحسن. قال الضحاك: ما أمر اللَّه نبيه بالمشورة إلا لما علم فيها من الفضل، وعن الحسن: ما شاور قوم قطّ إلا هدوا لأرشد أمورهم. وقال آخرون: إنما أمره [ (1) ] اللَّه بمشاورة أصحابه مع استغنائه عنهم، ليتبعه المؤمنون وبعده فيما جدّ لهم من أمر دينهم، لأنهم إذا تشاوروا في أمر دينهم متبعين الحق في المشورة، لم يخلهم اللَّه من لطفه وتوفيقه إياهم للصواب من الرأي، ونظيره قوله تعالى فيما مدح به المؤمنين: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ [ (2) ] . قال سفيان بن عيينة في قوله: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ: قال: هي للمؤمنين أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه أثر. واختار أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: أن اللَّه تعالى أمر نبيه بمشاورة أصحابه فيما حزبه [ (3) ] من أمر عدوّه ومكائد حربه تألفا منه بذلك لمن لم يأمن عليه الفتنة، وتعريفا لأمته ليقتدوا به في ذلك عند النوازل، وأما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن اللَّه تعالى كان يعرف مطالب ما جدّ به من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه بالصواب، وأما أمته إذا تشاوروا مستنين بفعله فإنه تعالى يسددهم [ (4) ] . وقد خرّج ابن حبان من حديث طلحة بن زيد عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما رأيت رجلا أكثر استشارة للرجال من   [ (1) ] في (خ) «أمر اللَّه» . [ (2) ] الآية 38/ الشورى. [ (3) ] في (خ) «جذّبه» وما أثبتناه من (الطبري) . [ (4) ] (جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري) ج 3 ص 153. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد ذكرت فيما يأتي فصلا في ذكر من شاوره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ورجعه إلى رأيه، فتأمّله ففيه ما لم أره مجموعا كما أوردته فيه واللَّه أعلم. وأمّا ما يفعله عند نزول المطر فخرج مسلم من حديث يحيى بن يحيى، أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت البنانيّ عن أنس قال: أصابنا ونحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مطر، قال: فحسر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثوبه حتى أصابه المطر، فقلنا: يا رسول اللَّه! لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربّه [ (1) ] . وخرّج ابن حبان من حديث أيوب بن مدرك عن مكحول عن معاوية بن قرة [ (2) ] قال: سمعت أبا هريرة يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه يكشفون رءوسهم في أول مطر يكون من السماء في العام ويقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه أحدث بربنا وأعظمه بركه. وخرّج الحاكم من حديث أبي عامر العقدي حدثنا سليمان بن سفيان المديني، حدثني بلال [ (3) ] بن طلحة بن عبيد اللَّه عن أبيه عن جده أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا رأى الهلال قال: اللَّهمّ أهلّه علينا باليمن [ (4) ] والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك اللَّه [ (5) ] . ومن حديث عفان: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا أبو مطر عن سالم عن ابن عمر قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سمع الرعد والصواعق قال: اللَّهمّ لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (6) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) ج 6 ص 197. [ (2) ] في (خ) «قشر» وصوبناها من (تهذيب التهذيب) ج 10 ص 216 ترجمة معاوية بن قرة رقم 399. [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (المستدرك) «بلال بن يحيى بن طلحة» . [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (المستدرك) «بالأمن» . [ (5) ] (المستدرك للحاكم) ج 4 ص 285. [ (6) ] (المرجع السابق) ج 4 ص 286. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وأمّا احتياطه في نفي التّهمة عنه فخرّج البخاري ومسلم من حديث أبي سليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: عن [عليّ] [ (1) ] بن الحسين أن صفية زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبرته أنها جاءت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مرّ رجلان من الأنصار فسلما على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال لهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنها صفية [ (2) ] ، فقالا: سبحان اللَّه يا رسول اللَّه! وكبر عليهما، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا. ذكره البخاري في الاعتكاف، وترجم عليه باب: هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟. وذكره مسلم في كتاب الأدب، وذكره البخاري في كتاب الخمس في باب: ما جاء في بيوت أزواج النبي [ (3) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث عبد الرحمن بن خالد عن شهاب بنحوه، وفيه: فسلّما على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم نفذا فقال: على رسلكما، قالا: سبحان اللَّه! الحديث. وذكره في كتاب الأدب في باب التكبير والتسبيح عند التعجب، من حديث أبي اليمان عن شعيب، ومن حديث محمد بن أبي عتيق كلاهما عن ابن شهاب، وذكره في الاعتكاف باختلاف ألفاظ. وأمّا ما يفعله إذا ورد عليه ما يسرّه فخرّج أبو داود [ (4) ] في سننه وفي كتاب الجهاد عن مخلد بن خالد، وخرّج أبو عيسى الترمذي [ (5) ] في السّير من جامعه عن محمد بن المثنى، وخرّج ابن ماجة [ (6) ] عن عبدة بن عبد اللَّه وأحمد بن يوسف، أربعتهم عن أبي عاصم الضحاك   [ (1) ] زيادة من رواية البخاري ج 1 ص 346. [ (2) ] في (البخاري) «صفية بنت حيي» . [ (3) ] (صحيح البخاري) ج 2 ص 188. وخرجه الإمام أحمد في (المسند) من حديث أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي اللَّه عنها ج 6 ص 337، و (مسلم) ج 14 ص 155، 156. [ (4) ] (سنن أبي داود) ج 3 ص 216 حديث رقم 2774. [ (5) ] (الجامع الصحيح للترمذي) ج 3 ص 69 حديث رقم 1626. [ (6) ] (سنن ابن ماجة) ج 1 ص 446 حديث رقم 1394 وفيه قال: «حدثنا أبو عاصم عن بكار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 ابن مخلد الشيبانيّ النبيل [ (1) ] عن أبي بكرة بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه عن بكرة رضي اللَّه عنه ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أتاه أمر يسرّه أو بشّر به خرّ ساجدا. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث بكار بن عبد العزيز، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم رأوا سجدة الشكر. انتهى. وذكره أبو بكر البزار في مسندة قال: حدثنا عمرو بن عليّ، حدثنا أبو عاصم بهذا الإسناد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سرّ بأمر بشّر به فخرّ ساجدا. وذكر يونس بن بكير عن عنبسة بن الأزهر عن ابن إسحاق قال: لما جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم البشير يوم بدر بقتل أبي جهل، استحلفه ثلاثة أيمان باللَّه الّذي لا إله إلا هو لقد رأيته قتيلا فحلف له، فخرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ساجدا، أو قد جاء أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلّى لما بشّر بقتله [ركع] [ (2) ] ركعتين. وجاء من طريق ابن لهيعة: حدثني موسى ابن وردان العامري عن أبي هريرة قال: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقعدا فخرّ ساجدا. وأمّا ظهور الرضى والغضب في وجهه فخرّج ابن حبان من حديث ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب عن عمه عن عبد اللَّه بن كعب عن كعب بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سرّه الأمر استنار وجهه كأنه دارة القمرة. وله من حديث الليث عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مسرورا تبرق أسارير وجهه. وله من حديث جامع بن أبي راشد عن منذر الثوري عن أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سرّه الأمر استنار وجهه. وخرّج الحاكم من حديث أبي همام محمد بن حبيب، حدثنا سفيان الثوري، حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (-) ] ابن عبد العزيز بن عبد اللَّه بن أبي بكرة عن أبيه ... » . [ (1) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وأثبتناها من (تهذيب التهذيب) ج 12 ص 143. [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 إذا ذكر الساعة احمرّت وجنتاه واشتد غضبه وعلا صوته، كأنه منذر جيش صبحتكم مساتكم، قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرّج ابن حبان وله من حديث قتادة عن أبي السوار عن عمران بن حصين قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا كره شيئا عرف في وجهه. وله من حديث عبد اللَّه بن إدريس عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى ابن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا اشتد وجده أكثر من مسّ لحيته. وخرّج الحاكم من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول اللَّه، أتأذن لي فأكتب ما أسمع منك؟ قال: نعم، قلت: في الرضى والغضب؟ قال: نعم، فإنه لا ينبغي أن أقول عند الرضى والغضب إلا حقا. قال الحاكم: صحيح الإسناد [ (1) ] . وأما مخالطته الناس وحذره واحتراسه منهم وتفقده أصحابه ففي حديث هند بن أبي هالة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحرز لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي على أحد بشره ولا خلقه، يتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس. وفي حديث علي رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجود الناس وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث همام: حدثنا رجل من الأنصار أن أبا بكر بن عبد اللَّه بن قيس حدثه أن أباه حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يكثر زيارة الأنصار خاصة وعامة، وكان إذا زار خاصة أتى الرجل في منزله، وإذا زار عامة أتى المسجد.   [ (1) ] (المستدرك على الصحيحين) ج 1 ص 105. [ (2) ] في (خ) بعد قوله «أحبه» عبارة «يمينه إذا حلف» وحذفناها لبعدها عن السياق ولعلها سهو من الناسخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 وأمّا يمينه إذا حلف فخرّج البخاري من حديث موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر رضي اللَّه عنه قال: كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ومقلب القلوب. وخرّج من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا. وهو مما اتفقا عليه [ (1) ] . وخرّجا من حديث إسماعيل بن جعفر عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر قال: بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثا وأمّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في إمارته، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن تطعنوا في إمارته، فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم اللَّه إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده. اللفظ للبخاريّ وقد كرره في مواضع. وقد أورد البخاري رحمه اللَّه في باب كيف كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جملة من الأحاديث، منها يمينه: والّذي نفسي بيده، وبو الذي نفس محمد بيده: ولبقي ابن مخلد من حديث حماد بن خالد عن محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كانت يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا وأستغفر اللَّه وأمّا قوله إذا أراد القيام من مجلسه فخرّج أبو داود من حديث الحجاج بن دينار عن أبي هاشم عن أبي العالية عن أبي برزة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول بآخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس: سبحانك اللَّهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. فقال رجل: يا رسول اللَّه، إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما ما مضى، قال: كفارة لما يكون في المجلس. وخرّجه النّسائي بنحو أو قريب منه. والنسائي من حديث الليث عن ابن الهاد عن يحي بن سعيد عن زرارة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقوم من مجلس إلا قال: لا إله   [ (1) ] يعني البخاري ومسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، فقلت: يا رسول اللَّه! ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت! قال: لا يقولهن أحد حين يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان في ذلك المجلس. وفي لفظ له: قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قام من مجلس يكثر أن يقول: سبحانك اللَّهمّ وبحمدك، وساق الحديث بنحوه. فصل في ذكر زهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الدنيا وإعراضه عنها وصبره على القوت الشديد فيها واقتناعه باليسير منها وأنه كان لا يدخر إلّا قوت أهله، وصفة عيشه، وأنه اختار اللَّه والدار الآخرة قال اللَّه جل جلاله: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [ (1) ] . وأما زهده في الدنيا وإعراضه [ (2) ] عنها فقد [ (3) ] روى أنه عليه السلام خيّر بين أن يكون عبدا نبيا وبين أن يكون ملكا نبيا، فاستشار فيه جبريل عليه السلام فأشار عليه بأن يتواضع، فاختار أن يكون عبدا نبيا. وخرّج يعقوب بن سفيان الفسوي، من حديث بقية بن الوليد، عن الزبيدي عن الزهري، عن محمد بن عبد اللَّه بن عباس قال: كان ابن عباس رضي اللَّه عنه يتحدث أن اللَّه عزّ وجلّ أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة معه جبريل عليه السلام، فقال الملك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا نبيا، فالتفت نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جبريل عليه السلام كالمستشير له، فأشار جبريل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن تواضع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أكون عبدا نبيا، قال: فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي ربه عزّ وجلّ [ (4) ] .   [ (1) ] الآية 131/ طه. [ (2) ] في (خ) «وإعراضها» . [ (3) ] في (خ) «وقد» . [ (4) ] سبق تخريج هذا الحديث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وقال عمر بن الخطاب: رضي اللَّه عنه في حديث اعتزال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نساءه: فدخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في خزانته، فإذا هو مضطجع على حصير، فأدني عليه إزاره وجلس، وإذا الحصير أثّرت بجنبه، وقلّبت عيني في خزانة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا ليس فيها شيء من الدنيا غير قبضتين- أو قال قبضة- من شعير، وقبضة من قرظ نحو الصاعين، وإذا أفيق أو أفيقان معلقان، فابتدرت عيناي، قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا رسول اللَّه! وما لي لا أبكي وأنت صفوة اللَّه ورسوله، وخيرته من خلقه، وهذه خزانتك، وهذه الأعاجم كسرى وقيصر، في الثمار والأنهار، وأنت هكذا؟ قال: يا ابن الخطاب، أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: فاحمد اللَّه. وذكر الحديث. وفي لفظ قال: فجلست فرفعت رأسي في البيت، فو اللَّه ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهب ثلاثة، فقلت: أدع اللَّه يا رسول اللَّه أن يوسع على أمتك، فقد وسّع على فارس والروم وهم لا يعبدون اللَّه، فاستوى جالسا فقال: أفي شك يا ابن الخطاب؟ أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، فقلت: أستغفر اللَّه يا رسول اللَّه. وفي رواية أنس: دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على سرير مرمول بالشريط، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، ودخل عليه عمر وناس من أصحابه، فانحرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم انحرافة، فرأى عمر- رضي اللَّه عنه- أثر الشريط في جنبه فبكى، فقال له: ما يبكيك يا عمر؟ فقال عمر: وما لي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا، وأنت على الحال التي أرى؟ فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عمر! أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال: بلى، قال: هو كذلك. ولأبي داود من حديث عمرو بن مرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللَّه قال: اضطجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على حصير فأثر الحصير بجلده، فجعلت أمسحه عنه وأقول: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، ألا آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه؟ فقال: ما لي وللدنيا؟ ما أنا والدنيا؟ إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها. وخرّجه الترمذي بهذا السند ولفظه: نام رسول اللَّه على حصير فقام وقد أثّر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 في جنبه، فقلنا يا رسول اللَّه! لو اتخذنا لك؟ فقال: ما لي والدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها. قال: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] . وخرّجه الحاكم من حديث ثابت بن زيد: حدثنا هلال بن خباب [ (2) ] عن عكرمة عن ابن عباس، ومن حديث عمرو بن مرة كما تقدم وصححاه. وخرّج ابن حبان من طريق أبي حسين الجعفي عن فضيل بن عياض عن مطرح ابن يزيد عن عبيد اللَّه بن زحر عن القثم عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عرض عليّ ربي بطحاء مكة ذهبا فقلت: لا يا رب، ولكن أجوع يوما وأشبع يوما، فإذا شبعت حمدتك وشكرتك، وإذا جعت تضرعت إليك ودعوتك [ (3) ] . وله من حديث محمد بن حمير عن الزارع بن نافع عن أبي سلمة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: اتخذت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فراشين حشوهما ليف وإذخر فقال: يا عائشة! ما لي والدنيا؟ إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة في أصلها، حتى إذا فاء الفيء ارتحل فلم يرجع إليها أبدا. وخرّج الإمام أحمد من حديث مالك بن مغول عن مقاتل بن بشير عن شريح ابن هانئ قال: سألت عائشة عن صلاة رسول اللَّه قالت: لم تكن صلاة أحرى أن يؤخرها إذا كان على حدث من صلاة العشاء الآخرة، وما صلاها قط فدخل عليّ إلّا صلّى بعدها أربعا أو ستا، وما رأيته متقى الأرض بشيء قط [ولقد مطرنا مرة بالليل فطرحنا له نطعا، فكأني انظر إلى ثقب فيه ينبع الماء منه] [ (4) ] . وله من حديث ابن لهيعة عن الأسود عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: ما أعجب رسول اللَّه شيئا من الدنيا ولا أعجبه أحد قط إلا ذو تقى. وفي رواية: ولا أعجبه شيء من الدنيا إلا أن يكون فيها ذو تقى. وله من حديث مروان بن معاوية قال: أخبرني هلال بن يزيد أبو يعلي قال: سمعت أنس بن مالك يقول:   [ (1) ] (الجامع الصحيح للترمذي) ج 4 ص 17 حديث رقم 2483. [ (2) ] في (خ) «حباب» ، والتصويب من (الجرح والتعديل) ج 9 ص 75 ترجمة رقم 294. [ (3) ] ونحوه في المرجع السابق باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه حديث رقم 2451. [ (4) ] ما بين القوسين تكملة من (سنن أبي داود) ج 2 ص 71 حديث رقم 1303. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 أهديت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة طوائر، فأطعم خادمه طائرا، فلما كان من الغد أتيته به فقال لها: ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد؟ فإن اللَّه يأتي برزق كل غد [ (1) ] . وروي بكر بن مضر عن أبي هاني عن علي بن رباح أنه سمع عمرو بن العاص وهو على المنبر يقول: ما أبعد هديكم من هدي نبيكم، أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا، وأما أنتم فأرغب الناس فيها. ولأبي نعيم من حديث الفضيل بن عياض، أخبرنا سفيان الثوري عن عون ابن أبي جحيفة عن أبيه أن معاوية ضرب على الناس بعثا فخرجوا، فرجع أبو الدحداح فقال له معاوية: ألم تكن خرجت مع الناس؟ قال: بلى، ولكني سمعت من رسول اللَّه حديثا فأحببت أن أضعه عندك مخافة أن لا تلقاني، سمعت [من] [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يا أيها الناس من ولى منكم عملا فحجب بابه عن ذي الحاجة المسلم [ (3) ] حجبه اللَّه أن يلج باب الجنة، ومن كانت الدنيا نهمته حرّم اللَّه عليه جواري، فإنّي بعثت بخراب الدنيا ولم أبعث بعمارتها [ (4) ] . وأما صبره على القوت الشديد وقنعه من الدنيا بالشيء اليسير فخرّج البخاري من حديث عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ ارزق آل محمد قوتا. ذكره في باب كيف كان عيش النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] . وخرّجه عنه مسلم بمثله في كتاب الأدب. وفي رواية: اللَّهمّ ارزق آل محمد قوتا، وفي رواية: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا، وفي رواية: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد كفافا. وقال محمد بن دينار الأزدي عن هشام بن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما رفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قط عشاء الغداء ولا غداء العشاء، ولا اتخذ من شيء زوجين، لا قميصين ولا رداءين ولا إزارين ولا من النعال، ولا   [ (1) ] (مسند أحمد) ج 3 ص 198. [ (2) ] زيادة من (الحلية) . [ (3) ] في الحلية «للمسلمين» . [ (4) ] (حلية الأولياء لأبي نعيم) ج 8 ص 130. [ (5) ] (صحيح البخاري) ج 4 ص 123. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 رئي قط فارغا في بيته، إما يخصف نعلا لرجل مسكين، أو يخيط ثوبا لأرملة. وخرّج البخاري من حديث عبد الرزّاق عن معمر عن همام سمع أبا هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لو كان عندي أحد ذهبا لأحببت أن لا تأتي ثلاث وعندي منه دينار، ليس شيء أرصده في دين عليّ أجد من يقبله. ذكره في كتاب التمني في باب تمني الخير [ (1) ] . وخرّج في كتاب الرقاق من حديث يونس عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، قال أبو هريرة: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرّني ألا تمرّ عليّ ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين. وذكره في كتاب الاستقراض في باب أداء الدين، قال بعقبه: رواه صالح وعقيل عن الزهري. وذكر في الرقاق حديث أبي ذر رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما يسرّني أن عندي يمثل أحد ذهبا تمضي عليّ ثلاثة وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لديني. وخرّجه مسلم من طرق، وخرّجه الإمام أحمد أيضا، ولأحمد من حديث الأعمش عن شقيق [ (2) ] ، عن مسروق عن عائشة قالت: ما ترك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دينارا ولا درهما، ولا شاة ولا بعيرا، ولا أوصى بشيء. ولابن سعيد من حديث الأعمش عن عمرو بن عمر، عن أبي نصر، سمعت عائشة تقول: إني لجالسة مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في البيت، فأهدى لنا أبو بكر رجل شاة، فإنّي لأقطعها مع رسول اللَّه في ظلمة البيت، فقال لها قائل: يا محمد! ألكم سراج؟ فقالت: لو كان لنا ما يسرج به أكلناه. وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد أخفت في اللَّه ولا أخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه وما يؤذي [ (3) ] أحد، ولقد أتت عليّ ما بين ثلاثين من يوم وليلة، ما لي طعام آكله إلا شيء يواريه إبط بلال. خرجه ابن حبان في صحيحه.   [ (1) ] (المرجع السابق) ص 249. [ (2) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وأثبتناها من (المسند) . [ (3) ] في (خ) «يؤذا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا وكيع عن حماد عن ثابت عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد أوذيت في اللَّه وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في اللَّه وما نخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثة ما بين يوم وليلة ما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما والاه إبط بلال. وأما أنه لا يدّخر إلّا قوت أهله فخرج ابن حبان من حديث قيس بن حفص، أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يدخر شيئا. وخرّج البخاري من حديث عمر بن سعيد قال: أخبرني ابن أبي مليكة عن عقبة قال: صليت وراء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة العصر، فسلم فقام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم فرأى أنهم عجبوا من سرعته فقال: ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته. وفي حديث روح فقال: ذكرت وأنا في الصلاة تبرأ عندنا، فكرهت أن يمسى أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته [ (1) ] . ذكره في كتاب الصلاة في باب يفكر الرجل [ (2) ] [في] [ (3) ] الشيء في الصلاة، وذكره في كتاب الزكاة في باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها ولفظه: فقال: فقال: كنت خلفت في البيت تبرأ من الصدقة،   [ (1) ] الحديث رقم (1221) : «حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا روح، حدثنا عمر- هو ابن سعيد- قال: أخبرني ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث رضي اللَّه عنه قال: صليت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم العصر، فلما سلّم قام سريعا دخل على بعض نسائه، ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته، فقال: ذكرت- وأنا في الصلاة- تبرأ عندنا، فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته» (فتح الباري) ج 3 ص 115. [ (2) ] والتقييد بالرجل لا مفهوم له، لأن بقية المكلّفين في حكم ذلك سواء، قال المهلب: التفكر أمر غالب لا يمكن الاحتراز منه في الصلاة ولا في غيرها، لما جعل اللَّه للشيطان من السبيل على الإنسان، ولكن يفترق الحال في ذلك، فإن كان في أمر الآخرة والدين، كان أخفّ مما يكون في أمر الدنيا. (المرجع السابق) ص 121. [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (البخاري) بدونها- وروح: هو روح بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي أبو محمد البصري. (تهذيب التهذيب) ج 3 ص 253. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 فكرهت أن أبيته فقسمته [ (1) ] ، وذكره في كتاب الاستئذان في باب من أسرع في مشيه لحاجة [أو قصد] [ (2) ] . وخرّج تقي بن مخلد من حديث محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في وجعه الّذي مات فيه: ما فعلت تلك الذّهب؟ قالت: هي عندنا، قال: آتيني بها- وهي بين السبعة والخمسة- فجعلها في كفه ثم قال: ما ظن محمد باللَّه لو لقي ربه وهذه عنده؟ أنفقيها [ (3) ] . وخرّجه الإمام أحمد من حديث محمد بن عمرو، قال: حدثني أبو سلمة قال قالت عائشة رضي اللَّه عنها: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مرضه الّذي مات فيه: ما   [ (1) ] الحديث رقم (1430) : «حدثنا أبو عاصم، عن عمر بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، أن عقبة بن الحارث رضي اللَّه عنه حدّثه قال: «صلّى بنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم العصر فأسرع، ثم دخل البيت، فلم يلبث أن خرج، فقلت: أو قيل- له فقال: كنت خلّفت في البيت تبرأ من الصدقة، فكرهت أن أبيّته فقسمته» . (فتح الباري) ج 3 ص 381. قوله: «أن أبيّته» أي أتركه حتى يدخل عليه الليل، يقال: بات الرجل: دخل في الليل، وبيّته: تركه حتى دخل في الليل. قال ابن بطال: فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به، فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود. زاد غيره: وهو أخلص للذمة، وأنفى للحاجة، وأبعد من المطل المذموم، وأرضى للرب، وأمحى للذنب. (المرجع السابق) ص 382. [ (2) ] زيادة من البخاري، والحديث رقم (6275) : «حدثنا أبو عاصم عن عمر بن سعيد، عن ابن أبي مليكة أن عقبة بن الحارث حدّثه قال: صلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم العصر، فأسرع ثم دخل البيت» (فتح الباري) ج 11 ص 79. [ (3) ] ذكره ابن حبان في كتاب الرقاق، باب الفقر والزهد والقناعة، وعنون له: ذكر ما يستحب للمرء أن يكون خروجه من هذه الدنيا الفانية الزائلة وهو صفر اليدين ممّا يحاسب عليه مما في عنقه، حديث رقم (715) : أخبرنا إسماعيل بن داود بن وردان بالفسطاط، حدثنا عيسى بن حماد، أخبرنا الليث، عن ابن عجلان، عن أبي حازم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أنها قالت: اشتدّ وجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعنده سبعة دنانير أو تسعة، فقال: «يا عائشة، ما فعلت تلك الذهب» ؟ فقلت: هي عندي، قال: «تصدّقي بها» قالت: فشغلت به ثم قال: «يا عائشة، ما فعلت تلك الذهب» ؟ فقلت: هي عندي، فقال: «ائتني بها» ، قالت: «فجئت بها، فوضعها في كفه، ثم قال: «ما ظن محمد أن لو لقي اللَّه وهذه عنده؟ ما ظن محمد أن لو لقي اللَّه وهذه عنده» ؟ هذا الحديث إسناده حسن، وابن عجلان صدوق، روى له مسلم متابعة، وباقي رجاله على شرط الصحيح. (الإحسان) ج 2 ص 491- 492. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 فعلت بالذهب؟ فجاءت ما بين الخمسة إلى السبعة أو الثمانية أو التسعة، فجعل يقلبها بيده ويقول: ما ظن محمد باللَّه لو لقيه وهذه عنده؟ أنفقيها [ (1) ] . ولأبي ذر عبد بن أحمد الهروي من حديث مفضل بن صالح قال: حدثني سليمان الأعمش عن طلحة بن مصرف الهمدانيّ عن مسروق عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أطعمنا يا بلال، قال: يا رسول اللَّه! ما عندي إلا صبر من تمر خبأته لك، قال: أما تخشى أن يخسف اللَّه به في نار جهنم، أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا [ (2) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) ج 7 ص 74، حديث رقم (23702) ، وص (261، حديث رقم 24964) . [ (2) ] الطبراني في الكبير، والبزار في مسندة، من حديث عاصم بن علي، والطبراني فقط، وكذا القضاعي في مسندة، من حديث مالك بن إسماعيل كلاهما عن قيس بن الربيع، عن أبي حصين، عن يحيى بن وثاب، عن مسروق، عن ابن مسعود، قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على بلال وعنده صبر من تمر، فقال: «ما هذا يا بلال؟» قال: يا رسول اللَّه ذخرته للَّه، ولضيفانك، قال: «أما تخشى أن يفور لها بخار من جهنم، أنفق يا بلال» ، وذكره، قال البزار: هكذا رواه جماعة عن قيس، وخالفهم يحيى بن كثير عنه، فقال: عن عائشة بدل ابن مسعود. وتابعه طلحة بن مصرف، عن مسروق، عن عائشة؟ أخرجه العسكري في (الأمثال) ، من طريق مفضل بن صالح، عن الأعمش، عن طلحة به، ولفظهما قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أطعمنا يا بلال» فقال: يا رسول اللَّه ما عندي إلا صبر تمر خبأته لك فقال: «أما تخشى أن يقذف به في نار جهنم، أنفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالا» . وقيل عن مسروق، عن بلال، أخرجه البزار من طريق محمد بن الحسن الأسدي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق، عن بلال، ولفظه: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعنده صبر من المال. فقال: «أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا» . ومن هذا الوجه، أخرجه الطبراني، بلفظ: «أنفق يا بلال» . وقال البزار: لم يقل عن بلال إلا محمد بن الحسن، وقيل: عن مسروق مرسلا بدون صحابي. وفي الباب عن أبي هريرة، أخرجه البزار، من حديث موسى بن داود، عن مبارك بن فضالة، عن يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل على بلال وعنده صبر من تمر، فقال: «ما هذا؟» قال: أدخره، فقال: «أما تخشى أن يرى له بخار في نار جهنم، أنفق يا بلال، ولا تخشى من ذي العرش إقلالا» وقال: تفرد به مبارك» وكذا أخرجه الطبراني في الكبير، من حديث موسى بن داود، وإسناده حسن. ولكن خولف مبارك، فرواه بشر بن المفضل، ويزيد بن زريع، كلاهما عن يونس مرسلا بدون أبي هريرة، وكذلك اختلف على عوف بن أبي جميلة في وصله وإرساله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وقال الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي اللَّه عنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء اللَّه على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل اللَّه [ (1) ] . وقال وكيع عن ابن عيينة قال: قال لي معمر: قال لي الثوري: هل سمعت في الرجل يجمع لأهله قوت سنتهم أو بعض سنتهم؟ قال معمر: فلم يحضرني، ثم ذكرت حدثناه حدثناه الزهري عن مالك بن أوس عن عمر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نحل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم. هذا الحديث والّذي قبله واحد، وهو متفق عليه، وبهذا تبين أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يعطي نفقاتهم ولا يدخر لنفسه. وأما صفة عيشه وعيش أهله [ (2) ] فقال الأسود عن عائشة رضي اللَّه عنها: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى إلى سبيله.   [ () ] فأخرجه البيهقي في (الشعب) من حديث عثمان بن الهيثم، حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل على بلال وعنده صبر من تمر، فقال: «ما هذا يا بلال؟» قال: تمر ذخرته، فقال: «أما تخشى يا بلال أن يكون له بخار في نار جهنم، أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا» ، قال: وخالفه روح بن عبادة، فرواه عن عوف، عن ابن سيرين، قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بلال فوجد عنده تمر أدخره، فذكره مرسلا، ثم ساقه كذلك. وكذا اختلف فيه على ابن عون، فقال معاذ بن معاذ، ومحمد بن أبي عدي عنه عن ابن سيرين مرسلا، وأخرجه الطبراني، والبيهقي في (الدلائل) ، من حديث بكار بن محمد السيريني، حدثنا ابن عون به متصلا، فلفظ البيهقي: «أنفق بلال» ، ولفظ الآخر: «أنفق يا بلال» . ولم يختلف على هشام بن حسان، في وصله، فأخرجه أبو يعلي، والطبراني، من حديث حرب بن ميمون، حدثنا هشام فقط، فلفظ أبي يعلي: «أنفق يا بلال، ولا تخافنّ من ذي العرش إقلالا» ، ولفظ الطبراني: «ولا تخش» . وما يحكى على لسان كثيرين في لفظ هذا الحديث، وأنه بلالا، ويتكلفون في توجيه لكونه نهيا عن المنع وبغير ذلك، فشيء لم أقف له على أصل. [ (1) ] (المغازي) ج 1 ص 378. [ (2) ] (صحيح سنن ابن ماجة) باب رقم (48) باب خبز البرّ، وباب رقم (49) باب خبز الشعير، وفيهما الأحاديث: (3343) : عن أبي هريرة أنه قال: والّذي نفسي بيده، ما شبع نبي اللَّه ثلاثة أيام تباعا من خبز الحنطة حتى توفاه اللَّه عز وجل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 وفي رواية: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة ثلاث ليال تباعا من خبز بر حتى توفى. وفي لفظ: ما شبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أيام تباعا حتى مضى لسبيله. وفي لفظ: ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال عبد الرحمن بن عائش عن أبيه عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق باللَّه، وفي لفظ: ما شبع آل محمد من خبز بر فوق ثلاث. وقال هلال عن عروة عن عائشة قالت: ما أكل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر. وفي لفظ: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا إحداهما تمر [ (1) ] . وقال ابن قسيط عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: لقد مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين. وقال منصور بن عبد الرحمن عن أمه عن عائشة: توفّي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين شبعنا من الأسودين التمر والماء. وفي لفظ: وما شبعنا من الأسودين. وقال عكرمة عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر. وقال أبو حازم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: والّذي نفسي بيده، ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض. وفي لفظ: ما أشبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا. وخرّج ابن عساكر من حديث حماد عن إبراهيم عن عائشة أنها قالت: ما شبع   [ () ] (3344) : عن عائشة، قالت: ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ قدموا المدينة ثلاث ليال تباعا من خبز برّ حتى توفي صلّى اللَّه عليه وسلّم. (3345) : عن عائشة قالت: لقد توفي النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفّ لي. فأكلت منه حتى طال عليّ، فكلته ففني. (3346) : عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم من خبز الشعير حتى قبض. (3347) : عن ابن عباس، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون العشاء، وكان عامة خبزهم خبز الشعير. ونحوه (مسند أحمد) ج 6 ص 255، حديث رقم (25644) . [ (1) ] (المستدرك 9 ج 4 ص 106، ولفظه: «ما أكل آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم أكلتين إلا إحداهما تمر» وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 آل محمد ثلاثة أيام متتابعات من خبز البرّ حتى ذاق محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم الموت، وما زالت الدنيا علينا عسرة حتى مات صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما مات انصبّت الدنيا علينا صبا [ (1) ] .   [ (1) ] عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: «كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء، إلا أن يؤتى باللّحيم» ، وفي رواية قالت: «ما شبع آل محمد من خبز البر ثلاثا حتى مضى لسبيله» ، وفي أخرى قالت: «ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام ثلاث ليال تباعا حتى قبض» ، وفي أخرى: «ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» . وفي أخرى قالت: «ما أكل آل محمد أكلتين في يوم واحد إلا وإحداهما تمر» وفي أخرى كانت تقول لعروة: «واللَّه يا ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين- وما أوقد في أبيات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نار، قال: قلت: يا خالة، فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ألبانها فيسقيناه» . وفي أخرى قالت: «توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين شبع الناس من الأسودين: التمر والماء» ، وفي رواية: «ما شبعنا من الأسودين» . هذه روايات البخاري ومسلم. ولمسلم أيضا قالت: «لقد مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين» . وأخرج الترمذي الرواية الأولى، إلى قوله: «الماء» والرابعة وله في أخرى عن مسروق، قال: «دخلت على عائشة، فدعت لي بطعام فقالت: ما أشبع فأشاء أن أبكي إلا بكيت، قلت: لم؟ قالت: أذكر الحال التي فارق عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الدنيا، واللَّه ما شبع من خبز ولحم مرتين في يوم» . المنائح: جمع منيحة، وهي الناقة يعيرها صاحبها إنسانا ليشرب لبنها ويعيدها. الأسودين: السواد: من صفات التمر، لأن الغالب على أنواع تمر المدينة السواد، فأما الماء فليس بأسود، وإنما جعل أسود حيث قرن بالتمر، فغلّب أحدهما على الآخر فسمّى به، وهذا من عادة العرب يفعلونه بالشيئين- يصطحبان، فيغلبون اسم الأشهر، كقولهم: «القمران» للشمس والقمر. رواه (البخاري) في الأطعمة باب ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه يأكلون، وفي الرقاق، باب كيف كان عيش النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا. و (لمسلم) في الزهد والرقائق، رقم (2970) ، (2971) ، (2972) ، (2973) . (مسلم بشرح النووي) ج 18 ص 315- 318 و (الترمذي) في معيشة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهله رقم (2357) ، (2358) صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورقم (2471) في صفة القيامة باب رقم 34 (صحيح سنن الترمذي) ج 4 ص 500، 556. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وقال سعيد المقبري عن أبي هريرة: أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلّية، فدعوه فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير [ (1) ] . وهذه الأحاديث: منها ما خرّجاه، ومنها ما خرّجه أحدهما، وللترمذي من حديث ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس، رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون شيئا، وكان أكثر خبزهم الشعير. قال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . ولتقي بن مخلد من حديث عقبة بن مكرم، أخبرنا عبد اللَّه بن خراش عن العوام عن المسيب بن رافع عن أبي هريرة قال: ما ترك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دينارا ولا درهما، ولا عبدا ولا أمة، ولا شاة ولا بعيرا، ولقد كان يربط على بطنه حجرا من الجوع [ (3) ] . ولمسلم من حديث أبي الأحوص عن سماك قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. وخرّجه الترمذي [ (4) ] بهذا الإسناد مثله وقال: هذا حديث [حسن] [ (5) ] صحيح. ولمسلم من حديث شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان يخطب قال: ذكر عمر رضي اللَّه عنه ما. صاب الناس من الدنيا، [فقال] [ (5) ] لقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يظل] [ (6) ] اليوم يتلوى ما يجد دقلا يملأ به بطنه [ (7) ] . وخرّج البخاري من حديث هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس رضي اللَّه عنه   [ (1) ] ونحوه في (سنن الترمذي) ج 4 ص 9 حديث رقم (2462) ، (2463) باب ما جاء في معيشة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، و (مسلم) في الزهد حديث رقم (2976) . [ (2) ] المرجع السابق حديث رقم (2465) . [ (3) ] ونحوه في (سنن الترمذي) ج 4 ص 15 حديث رقم (2476) وقال فيه: «ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر ورفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن حجرين» وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. [ (4) ] المرجع السابق ص 15 حديث رقم 2477. [ (5) ] زيادة من المرجع السابق والدّقل: ضعف الجسم، والدّقل أردأ التمر. زيادة من (صحيح مسلم) . [ (6) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وأثبتناها من (صحيح مسلم) . [ (7) ] (مسلم بشرح النووي) ج 18 ص 109. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 أنه مشى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم درعا له بالمدينة عند يهوديّ وأخذ منه شعيرا لأهله. ولقد سمعته يقول: ما أمسى عند آل محمد صاع برّ ولا صاع حبّ، وإن عنده لتسع نسوة. ذكره في كتاب البيوع في باب شراء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنسيئة [ (1) ] . وذكره الترمذي في جامعه بهذا السند وقال: هذا حديث حسن صحيح، ذكره في البيوع [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث همام بن حيي، أخبرنا قتادة قال: كنا نأتي أنس بن مالك و [خبّازه] [ (3) ] قائم فقال [ (4) ] : كلوا فما أعلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى رغيفا مرقّقا حتى لحق باللَّه، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط. ذكره في الرقاق وفي كتاب الأطعمة [ (5) ] . وله من حديث قتادة عن أنس [ (6) ] قال: ما علمت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أكل على [ (7) ] سكرجة قط ولا خبز له مرقق قط، ولا أكل على خوان [ (8) ] ، قيل لقتادة: فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على السّفر [ (9) ] . ولأحمد من حديث سليمان بن رومان عن عروة عن عائشة أنها قالت: والّذي بعث محمدا بالحق، ما رأى منخلا ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه اللَّه إلى أن قبضه، فقلت: كيف كنتم تأكلون الشعير؟ قالت: كنا نقول: أفّ أفّ. ولأبي ذر الهروي من حديث حماد عن ثابت عن أنس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لقد أخفت في اللَّه وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ من بين يوم وليلة وما لي طعام نأكله إلا شيء يواريه إبط بلال. وخرّج البخاري [ (10) ] من حديث أبي حازم: سألت سهل بن سعد فقلت: هل   [ (1) ] (صحيح البخاري بحاشية السندي) ج 2 ص 6. [ (2) ] (سنن الترمذي) ج 2 ص 344 حديث رقم (1233) . [ (3) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وأثبتناها من (البخاري) . [ (4) ] كذا في (خ) ، ورواية البخاري (قال) . [ (5) ] (صحيح البخاري بحاشية السندي) ج 3 ص 297 [ (6) ] (المرجع السابق) ص 296. [ (7) ] كذا في (خ) وفي (البخاري) «في سكرجة» والسكرجة: إناء صغير يؤكل فيه الشيء، وكل ما يوضع فيه الكوامخ ونحوها على المائدة حول الأطعمة للتشهي والهضم. [ (8) ] الخوان: ما يؤكل عليه. [ (9) ] السفرة: ما يحمل فيه الطعام. [ (10) ] (صحيح البخاري بحاشية السندي) ج 3 ص 296. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 أكل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النّقي؟ قال [سهل] [ (1) ] ما رأى رسول اللَّه النّقىّ من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، قال: قلت: فهل كانت لكم في عهد رسول اللَّه مناخل؟ قال: ما رأى رسول اللَّه منخلا من حين بعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، قال: فكيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطعنه وننفخه فيطير [ما طار وما بقي ثرّيناه فأكلناه] [ (1) ] . وأمّا تبسّمه [ (2) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ما رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم [ (3) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة، عن عبد اللَّه بن المغيرة قال: سمعت عبد اللَّه بن الحارث بن جزء يقول: ما رأيت أحدا كان أكثر تبسما من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] . وخرّج ابن حبان من حديث عبد الحميد بن زياد بن صهيب، عن أبيه عن صهيب قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه [ (5) ] .   [ (1) ] زيادة من المرجع السابق. [ (2) ] بسم، يبسم بسما وابتسم وتبسّم: وهو أقلّ الضّحك وأحسنه. وفي التنزيل: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها (19/ النمل) . قال الزّجّاج: التبسم أكثر ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقال الليث: يبسم بسما إذا فتح شفتيه كالمكاشر، وامرأة بسّامة ورجل بسّام. وفي صفته صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنه كان جلّ ضحكه التّبسّم. (لسان العرب) ج 12 ص 50. [ (3) ] (المستدرك) ج 2 ص 456، حديث رقم (3700/ 837) : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا بحر بن نصر، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدّثه، عن سليمان بن يسار، عن عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنها قالت: «ما رأيت رسول اللَّه قط مستجمعا ضاحكا حتى أرى منها لهواته، إنما كان يبتسم» . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة. واللهوات: جمع لهاة، وهي اللحمة المشرفة على الحلق أو ما بين منقطع أصل اللسان إلى منقطع القلب من أعلى الفم. (ترتيب القاموس) ج 2 ص 179. [ (4) ] (مسند أحمد) ج 5 ص 212، حديث رقم (17261) . [ (5) ] (الإحسان) ج 16 ص 318، حديث رقم (7325) ، (7326) فأما الحديث الأول: «أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: جاء رجل من أهل الكتاب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن اللَّه يمسك السماوات على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والخلائق كلها على إصبع، ثم يقول: أنا الملك، فضحك رسول اللَّه حتى بدت نواجذه، ثم قرأ هذه الآية: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وخرج من حديث بقية، عن حبيب بن عمر الأنصاري، عن شيخ يكنى أبا عبد اللَّه الصمد، قال: سمعت أم الدرداء [ (1) ] تقول:   [ () ] قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67/ الزمر) ، أخرجه البخاري في التوحيد (7415) ، ومسلم في صفة القيامة (2786) . إسناده صحيح على شرط الشيخين، أبو خيثمة: هو زهير بن حرب، وجرير: هو ابن عبد الحميد، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، وعلقمة: هو ابن قيس النخعي. وأما الحديث الثاني: أخبرنا عبد اللَّه بن محمد الأزدي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد اللَّه قال: جاء حبر من اليهود إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه، إذا كان يوم القيامة جعل اللَّه السماوات على إصبع، ثم يهزّهنّ، ثم يقول: أنا الملك، فلقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه تعجبا لما قال اليهوديّ تصديقا له، ثم قرأ وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أخرجه البخاري في التوحيد (7513) ، ومسلم في صفة القيامة (2786) إسناده صحيح على شرط الشيخين، ومنصور هو ابن المعتمر، وعبيدة: هو ابن عمرو السلماني. وأخرجه أحمد (1/ 457) ، والبخاري (4811) في تفسير سورة الزمر، باب قوله تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ والنواجذ: من الأسنان الضواحك، وهي التي تبدو عند الضحك، والأكثر الأشهر أنها أقصى الأسنان، والمراد الأول، إنه ما كان يبلغ به الضحك حتى تبدو أواخر أضراسه، كيف وقد جاء في صفة ضحكه صلّى اللَّه عليه وسلّم: جلّ ضحكه التبسم؟ وإن أريد بها الأواخر، فالوجه فيه أن يريد مبالغة مثله في ضحكه، من غير أن يراد ظهور نواجذه في الضحك، وهو أقيس القولين لاشتهار النواجذ. بأواخر الأسنان، ومنه حديث عمر رضي اللَّه عنه: ولن يلي الناس كقرشيّ عضّ على ناجذه أي صبر وتصلّب في الأمور، ومنه حديث العرباض: عضوا عليها بالنواجذ، أي تمسكوا بها كما يتمسك العاضّ بجميع أضراسه. (لسان العرب) ج 3 ص 513- 514. [ (1) ] هي خيرة بنت أبي حدرد، أم الدرداء الكبرى، سماها أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين فيما رواه ابن أبي خيثمة عنهما، وقالا: اسم أبي حدرد «عبد» وقال: أم الدرداء الصغرى اسمها هجيمة، وقال غيرهما: جهيمة. وقال أبو عمر: كانت أم الدرداء الكبرى من فضلى النساء وعقلائهن، وذوات الرأي فيهن، مع العبادة والنسك، توفيت قبل أبي الدرداء بسنتين، وذلك بالشام في خلافة عثمان رضي اللَّه تعالى عنه، وكانت حفظت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعن زوجها. روى عنها جماعة من التابعين، منهم: ميمون بن مهران، وصفوان بن عبد اللَّه، وزيد بن أسلم. قال عليّ بن المديني: كان لأبي الدرداء امرأتان كلتاهما يقال لها أم الدرداء: إحداهما رأت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهي خيرة بنت أبي حرد، والثانية تزوجها بعد وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهي هجيمة الوصابية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 كان أبو الدرداء [ (1) ] إذا حدّث حديثا تبسّم، فقلت: لا يقول الناس إنك أي أحمق، فقال: ما رأيت أو ما سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث حديثا إلا تبسم.   [ () ] وأورد ابن مندة لأم الدرداء حديثا مرفوعا، من طريق شريك، عن خلف بن حوشب، عن ميمون بن مهران، قال: قلت لأم الدرداء: سمعت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا؟ قالت: نعم، دخلت عليه وهو جالس في المسجد، فسمعته يقول: «ما يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن» . وأخرج الطبراني من طريق زبّان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، أنه سمع أم الدرداء تقول: خرجت من الحمام فلقيني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أين أقبلت يا أم الدرداء؟ قلت: من الحمام، قال: ما منكن امرأة تضع ثيابها في غير بيت إحدى أمهاتها أو زوج، إلا كانت هاتكة كل ستر بينها وبين اللَّه. وسنده ضعيف جدا. (الإصابة) : ج 7 ص 629- 631، ترجمة رقم (11137) ، (الاستيعاب) : ج 4 ص 1934 ترجمة رقم (4150) . [ (1) ] هو عمير بن عامر، ويقال: عويمر بن قيس بن زيد، وقيل: عويمر بن ثعلبة بن عامر بن زيد بن قيس بن أمية بن مالك بن عامر بن عديّ بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، أبو الدرداء الأنصاري، هو مشهور بكنيته. وقد قيل في نسبه: عويمر بن زيد بن قيس بن عائشة بن أمية بن مالك بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج. وقيل: إن اسمه عامر، وصغّر، فقيل عويمر. وقال ابن إسحاق: أبو الدرداء عويمر بن ثعلبة من بني الحارث بن الخزرج. وقال إبراهيم بن المنذر: أبو الدرداء اسمه عويمر بن ثعلبة بن زيد بن قيس بن عائشة بن أمية بن مالك بن عامر بن عديّ بن كعب بن الخزرج. وأمّه: محبّة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة بن عامر بن زيد مناة بن مالك بن ثعلبة بن كعب. وقيل: أمه واقدة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة. شهد أحدا وما بعدها من المشاهد، وقد قيل: إنه لم يشهد أحدا لأنه تأخر إسلامه، وشهد الخندق وما بعدها من المشاهد. كان أبو الدرداء أحد الحكماء، العلماء، الفضلاء. روى ابن عبد البرّ: لما حضرت معاذا الوفاة قيل له: يا أبا عبد الرحمن، أوصنا، قال: أجلسوني، إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، يقولها ثلاث مرات- التمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وسلمان الفارسيّ، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن سلام، الّذي كان يهوديا فأسلم، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 وفي رواية: كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم، فقالت له: إني أخشى أن يحمّقك الناس، فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يحدث بحديث إلا تبسّم [ (1) ] . ومن حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت أنيابه. وكذا من حديث وهب بن جرير، أخبرنا أبي قال: سمعت ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أقبل أعرابي على ناقة له حتى أناخ بباب المسجد، فدخل على نبي اللَّه وحمزة بن عبد المطلب جالس في نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم النعيمان، فقالوا للنعيمان: ويحك! إن ناقته نادية أي سمينة، فلو نحرتها فإنا قد قدمنا إلى اللحم، ولو فعلت عزمها رسول اللَّه وأكلنا لحمها، فقال: إني إن فعلت ذلك وأخبرتموه وجد عليّ، قالوا: إلا تفعل!! فقام،   [ () ] عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «أنا أفرطكم على الحوض، فلا ألفينّ ما نوزعت في أحدكم فأقول: هذا مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدث بعدك، فقلت: يا رسول اللَّه، أدع اللَّه ألا يجعلني منهم، قال: لست منهم» . فمات قبل عثمان رضي اللَّه عنه بسنتين. ولهذا الحديث قريب منه في (مسند أحمد) : من حديث عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «أنا أفرطكم على الحوض ولأنازعن أقواما، ثم لأغلبن عليهم، فأقول: يا رب أصحابي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ونظيره في (مسلم) . قال أبو عمر: وروي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «حكيم أمتي أبو الدرداء عويمر» . قال أبو عمر: له حكم مأثورة مشهورة: منها قوله: «وجدت الناس أخبر تقل، أي من جرّبهم رماهم بالمقت لخبث سرائرهم وقلة إنصافهم» . ومنها: «من يأت أبواب السلطان يقام ويقعد» . ووصف الدنيا فأحسن، فمن قوله فيها: «الدنيا دار الكدر، ولن ينجو منها إلا أهل الحذر، وللَّه فيها علامات يسمعها الجاهلون، ويعتبر بها العالمون، ومن علاماته فيها أن حفّها بالشبهات، فارتطم فيها أهل الشهوات، ثم أعقبها بالآفات، فانتفع بذلك أهل العظات، ومزج حلالها بالمئونات، وحرامها بالتبعات، فالمثري فيها تعب، والمقل ففيها نصب» . (الاستيعاب) : ج 3 ص 1227- 1230 ترجمة رقم (2006) ، (الإصابة) : ج 4 ص 747- 748 ترجمة رقم (6121) ، (مسند أحمد) : ج 1 ص 635 حديث رقم (3632) ، (مسلم بشرح النووي) : ج 15 ص 64 حديث رقم (2297) . [ (1) ] (كنز العمال) : ج 7 ص 140 حديث رقم (18401) ، (سند أحمد) : ج 5 ص 199 حديث رقم (21288) : «حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا يونس، حدثنا بقية عن حبيب بن عمر الأنصاري، عن أبي عبد الصمد، عن أم الدرداء قالت: كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم فيه، فقلت له: إني أخشى أن يحمقك الناس، فقال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يحدث بحديث إلا تبسم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 فضرب لبتها ثم انطلق، فمر بالمقداد قد حفر حفرة استخرج منها طينا، فقال: يا مقداد! غيبني في هذه الحفرة وأطبق عليّ شيئا، ولا تدل عليّ أحدا، فإنّي قد أحدثت حدثا، ففعل. فما خرج الأعرابي ورأى ناقته صرخ، فخرج نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: من فعل هذا؟ قالوا: نعيمان! قال: فأين توجه؟ قالوا: ها هنا، فتبعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه حمزة وأصحابه، حتى أتى على المقداد فقال له: هل رأيت نعيمان؟ فكشف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الحفرة، فلما رآه قال: أي عدوّ نفسه! ما حملك على ما صنعت؟ قال: والّذي بعثك بالحق لأمرني حمزة وأصحابه، فأرضى عليه السلام الأعرابي وقال: شأنكم بها فأكلوها، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذكر صنعه ضحك حتى تبدو نواجذه. وقال زائدة عن أبان، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد اللَّه قال: ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك [ (1) ]   [ (1) ] (الشمائل المحمدية) ص 189 حديث رقم (232) : حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير قال: «ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا رآني منذ أسلمت إلا تبسّم» ، (صحيح سنن الترمذي) : ج 3 ص 232 حديث رقم (4091) : عن جرير بن عبد اللَّه قال: «ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك» ، وحديث رقم (4092) : عن جرير قال: «ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسّم» . قال الألباني: (صحيح، وهو بهذا اللفظ أرجح) . وهو في (البخاري) : في باب من لا يثبت على الخيل، حديث رقم (3035) حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن نمير، حدثنا محمد بن إدريس عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير رضي اللَّه عنه قال: «ما حجبني صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي» (فتح الباري) : ج 6 ص 198، (مسند أحمد) : ج 4 ص 358، حديث رقم (18692) ، ص 359، حديث رقم (18655) ، ص 365، حديث رقم (18765) . (مسند الحميدي) : ج 2 ص 350، حديث رقم (800) : حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت قيسا يقول: سمعت جرير بن عبد اللَّه البجلي: «ما رآني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قط إلا تبسّم في وجهي» قال: وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يطلع عليكم من هذا الباب رجل من خير ذي يمن على وجهه مسحة ملك، فطلع جرير بن عبد اللَّه» . قال الحافظ في (الفتح) : التّبسّم: مبادئ الضحك، والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت، وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة، وإلا فهو الضحك، وإن كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 وفي الصحيح أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حكى عن رجل أخرج من النار، فقيل له، تمنّ فتمنّى، فيقال: لك ما تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، فيقول أتسخر بي وأنت الملك؟ فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه [ (1) ] . ولابن حبان من حديث الليث، عن جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة، عن سلمة بن كهيل، عن عبد الرحمن قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: لما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن، أتاني ثلاثة نفر يختصمون في غلام ابن امرأة وقعوا عليها جميعا في طهر واحد، كلهم يدعى أنه ابنه، فأقرعت بينهم فألحقته بالذي أصابته القرعة، ولصاحبيه ثلثي دية الحد، فلما قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرت له ذلك، فضحك حتى ضرب برجليه الأرض ثم قال: حكمت فيهم بحكم اللَّه، أو قال لقد رضي اللَّه حكمك فيهم [ (2) ] .   [ () ] بلا صوت فهو التبسم، وتسمى الأسنان في مقدم الفم: الضواحك، وهي الثنايا والأنياب، وما يليها يسمى النواجذ. [ (1) ] (المرجع السابق) ص 189- 190، حديث رقم (233) : حدثنا هناد بن السّريّ، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة السّلمانيّ، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إني لأعرف آخر أهل النار خروجا، رجلا يخرج منها زحفا، فيقال له انطلق فادخل الجنة» . قال: «فيذهب ليدخل الجنة فيجد النّاس قد أخذوا المنازل، فيرجع فيقول: يا رب قد أخذ الناس المنازل- فيقال له: أتذكر الزّمان الّذي كنت فيه؟ فيقول: نعم» ، قال: «فيقال تمنّ» ، قال: «فيتمنى، فيقال له: فإن لك الّذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا» ، قال: «فيقول: أتسخر مني وأنت الملك» ؟ قال: «فلقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه» . أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، حديث رقم (6571) باختلاف يسير، وحديث رقم (7513) . (فتح الباري) ج 11 ص 510، ج 13 ص 580. [ (2) ] (كنز العمال) ج 5 ص 841- 842، حديث رقم (14532) : «عن زيد بن أرقم قال: بينما نحن عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذ أتاه رجل من أهل اليمن، وعليّ بها، فجعل يحدث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. ويخبره قال: يا رسول اللَّه، أتى عليا ثلاثة نفر فاختصموا في ولد كلهم زعم أنه ابنه، وقعوا على امرأة في طهر واحد، فقال عليّ: إنكم شركاء متشاكسون، وإني مقرع بينكم، فمن قرع فله الولد، وعليه ثلثا الدية لصاحبه، فأقرع بينهم، فقرع أحدهم، فدفع إليه الولد، وجعل عليه ثلثي الدية، فضحك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه أو أضراسه» . ثم رمز إليه: (عب) ، (ش) أي مصنف عبد الرزاق، وابن أبي شيبة. قرع: المقارعة: المساهمة، يقال: قارعة فقرعه: إذا أصابته القرعة دونه، وقرعهم: غلبهم بالقرعة. (ترتيب القاموس) ج 3 ص 597. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 قال ابن الجوزي: وهذا الحديث لا يثبت، فيه جماعة مجروحون، ولا يصح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه كان يزيد على التبسم. وخرّج الإمام أحمد [ (1) ] وأبو يعلي، والبزار والطبراني في الكبير، من حديث هشام عن أبي الزبير، عن عبد اللَّه بن سلمة، عن علي أو عن الزبير قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطبنا فيذكرنا بأيام اللَّه، حتى نعرف ذلك في وجهه، وكأنه نذير قوم يصبحهم الأمر غدوة، وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسم ضاحكا حتى يرتفع (عنه) [ (2) ] . وأما محبته الفأل [ (3) ] وتركه الطيرة [ (4) ] وتغيير الاسم القبيح فخرج مسلم من حديث يحيى بن عتيق قال: أخبرنا محمد بن سيرين عن أبي   [ (1) ] (مسند أحمد) ج 1 ص 272، حديث رقم (1440) ، وقال فيه: «عن عبد اللَّه بن سلمة. أو مسلمة» [ (2) ] زيادة من المرجع السابق. [ (3) ] الفأل: ضدّ الطيرة، والجمع فؤول. وتفألت به، وتفأّل به. قال ابن الأثير: يقال: تفاءلت بكذا، وتفألت، على التخفيف والقلب، قال: وقد أولع الناس بترك همزه تخفيفا. والفأل: أن يكون الرجل مريضا فيسمع آخر يقول: يا سالم، أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول: يا واجد، فيقول: تفاءلت بكذا، ويتوجه له في ظنه كما سمع أنه يبرأ من مرضه، أو يجد ضالته. وفي الحديث: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحب الفأل ويكره الطيرة، ضد الفأل، وهي فيما يكره، كالفأل فيما يستحب، والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء، والفأل يكون فيما يحسن وفيما يسوء. قال أبو منصور: من العرب من يجعل الفأل فيما يكره أيضا. قال أبو زيد تفاءلت تفاؤلا، وذلك أن تسمع الإنسان وأنت تريد الحاجة يدعو: يا سعيد، يا أفلح، أو يدعو باسم قبيح. والاسم: الفأل، مهموز. وفي نوادر الأعراب: يقال: لا فأل عليك بمعني لا ضير عليك، ولا طير عليك، ولا شرّ عليك. وفي الحديث، عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح والفأل الصالح الكلمة الحسنة» . قال: وهذا يدل على أن من الفأل ما يكون صالحا، ومنه ما يكون غير صالح، وإنما أحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الفأل، لأن الناس إذا أمّلوا فائدة اللَّه ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي، فهم على خير. ولو غلطوا في جهة الرجاء، فإن الرجاء لهم خير، ألا ترى أنهم إذا قطعوا أملهم ورجاءهم من اللَّه كان ذلك من الشر؟ وإنما خبّر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الفطرة كيف هي، وإلى أي شيء تنقلب. (لسان العرب) ج 11 ص 513- 514 [ (4) ] الطيرة: مضاد للفأل، وكانت العرب مذهبها في الفأل والطيرة واحد، فأثبت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الفأل واستحسنه، وأبطل الطيرة ونهى عنها. والطّيرة من اطّيرت وتطيّرت، ومثل الطّيرة الخيرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح [ (1) ] . ومن حديث هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا عدوى ولا هامة ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح [ (2) ] . وخرّجا من حديث معمر وشعيب عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، أن أبا هريرة [ (3) ] قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا طيرة، وخيرها الفأل، قيل: يا رسول اللَّه، وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم [ (4) ] . وخرج البخاري وأبو داود من حديث هشام، أخبرنا قتادة عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل، الكلمة الحسنة [ (5) ] . وخرج أبو داود [ (6) ] من حديث هشام عن قتادة، عن عبيد اللَّه بن بريدة، عن   [ () ] والطّيرة من الشرك، لأنهم كانوا يعتقدون أن الطير تجلب لهم نفعا، أو تدفع عنهم ضررا إذا عملوا بموجبة، فكأنهم أشركوه مع اللَّه في ذلك. وفي التنزيل: قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ 18/ ياسين، قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ 131/ الأعراف، أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ 131/ الأعراف. (المرجع السابق) ج 4 ص 512- 513. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) ج 14 ص 470 كتاب السلام (39) باب (34) حديث رقم (113- 2223) . [ (2) ] (المرجع السابق) حديث رقم (114) . [ (3) ] (اللؤلؤ والمرجان) ج 3 ص 71 باب (34) (الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم) حديث رقم (1438) . [ (4) ] وضيرها: أي ضير الطيرة، والفأل: ضد الطيرة ويستعمل في الخير والشر، وفي حديث عروة بن عامر عند أبي داود قال: «ذكرت الطيرة عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ضيرها الفأل، ولا تردّ مسلما، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللَّهمّ لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه» . (المرجع السابق) . [ (5) ] (فتح الباري) : ج 10 ص 263، كتاب الطب، باب (44) ، حديث رقم (5756) ، (مسلم بشرح النووي) ج 14 ص 470، كتاب السلام باب (34) ، حديث رقم (111- 2224) : وزاد فيه «الكلمة الطيبة» بعد قوله: «الكلمة الحسنة» . [ (6) ] (صحيح سنن أبي داود) : ج 2 ص 742 حديث رقم (3920) ، قال الألباني: صحيح، و (مسند أحمد) : 5/ 347 حديث رقم (22437) باختلاف يسير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورئي أثر [ (1) ] ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رئي كراهة [ (2) ] ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإذا [ (3) ] أعجبه اسمها [فرح بها] ، ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية [ (4) ] ذلك في وجهه. وقال مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال للقحة تحلب: من يحلب هذه؟ فقام رجل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال له الرجل: مرّة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلس، ثم قال: من يحلب هذه؟ فقام رجل فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال: حرب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلس، ثم قال: من يحلب هذه؟ فقام رجل فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال يعيش، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: احلب. هكذا رواه مالك مرفوعا عن يحيى [ (5) ] . وخرج قاسم بن أصبغ من حديث الحسين بن واقد، عن عبد اللَّه بن بريدة [ (6) ] عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يتطير ولكن يتفاءل، فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني سهم، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بماء، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أنت؟ قال: بريدة، فالتفت إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقال: برد أمرنا وصلح، ثم قال: ممن؟ قال: من أسلم، قال: لأبي بكر: سلمنا، ثم قال: ممن؟ قال: من سهم، قال: خرج سهمك [ (7) ] ، قال بريدة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فمن أنت؟ قال:   [ (1) ] في (خ) : «بشر ذلك» . [ (2) ] في (ج) : «كراهية» . [ (3) ] في (خ) : «فإن» [ (4) ] في (خ) : «كراهة» وما أثبتناه من (المرجع السابق) ، (شعب الإيمان) ج 2 ص 62 حديث رقم (1170) بسياقة أخرى. [ (5) ] (الموطأ) كتاب الجامع، باب ما يكره من الأسماء، حديث رقم (1776) قال أبو عمر: ليس هذا من باب الطيرة، لأنه محال أن ينهي عن شيء يفعله، وإنما هو من باب طلب الفأل الحسن، وقد كان أخبرهم عن سيّئ الأسماء أنه حرب، ومرّة، وأكّد ذلك حتى لا يتسمى بهما أحد. (شرح الزرقاني على الموطأ) ج 4 ص 490. [ (6) ] هو بريدة بن الحصيب الأسلمي (ستأتي ترجمته تفصيلا) . [ (7) ] إلى هنا ورد الخبر في (الاستيعاب) : ج 1 ص 185- 186، ترجمة بريدة بن الحصيب الأسلمي رقم (217) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 محمد بن عبد اللَّه، رسول اللَّه، قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك عبده ورسوله. فأسلم بريدة، وأسلم الذين معه جميعا، فقال [ (1) ] بريدة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تدخل المدينة إلا معك لواء، فحل عامته، ثم شدها في رمح، ثم مشى بين يديه حتى دخل المدينة، قال بريدة: الحمد للَّه الّذي أسلمت [له] بنو سهم طائعين. وخرج الترمذي من حديث حماد بن سلمة عن حميد عن أنس، أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خرج لحاجته، يعجبه أن يسمع: يا راشد.. يا نجيح. قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح [ (2) ] . وخرج البزار من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا أبردتم إليّ بريدا فأبردوه حسن الوجه، حسن الاسم [ (3) ] . وقال: لا نعلم رواه بهذا الإسناد إلا قتادة. وقال هشام الدستواني، عن يحيي بن كثير قال: كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أمراء الأجناد: ألا توفدوا إلينا إلا برجل حسن الوجه، حسن الاسم. وخرّج ابن حبان من حديث مبارك بن فضالة [ (4) ] ، عن عبيد اللَّه بن عمر، عن   [ (1) ] قال ابن أبي حاتم في (تاريخ الصحابة) : ص 44 ترجمة بريدة بن الحصيب الأسلمي رقم (108) : لحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل قدومه المدينة فقال: «يا رسول اللَّه لا تدخل المدينة إلا معك لواء» ثم حلّ عمامته، وشدّها في رمح، ومشى بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم قدم المدينة. [ (2) ] (تحفه الأحوذي) : ج 5 ص 200، حديث رقم (1665) ، قوله: «هذا حديث حسن صحيح» ، وأخرج الشيخان معناه من حديث أبي هريرة، قوله: «كان يعجبه» أي يستحسنه ويتفاءل به، «أن يسمع يا راشد» ، أي واجد الطريق المستقيم، «يا نجيح» ، أي من قضيت حاجته، (صحيح سنن الترمذي) : ج 4 ص 138، حديث رقم (1616) . [ (3) ] (المقاصد الحسنة) : ص 149، عند الكلام على الحديث رقم (161) ، «التمسوا الخير عند حسان الوجوه» ، قال: وله أيضا من حديث عمر بن أبي خثعم، عن يحى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا: «إذا بعثتم إليّ رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم» . وقال أيضا. لا نعلمه روي عن أبي هريرة إلا بهذا الاسناد. قال (السخاوي) : وأحدهما يقوي الآخر. وفي (المطالب العالية) : ج 2 ص 422، حديث رقم (2638) : الحضرميّ بن لاحق، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إذا أبردتم بريدا فأبروده حسن الوجه حسن الاسم» (لابن أبي عمر) . وقال في هامشه: سكت عليه البوصيري. [ (4) ] أحاديث مبارك بن فضالة في (صحيح ابن حبان) (19) حديثا ليس من بينهم هذا الحديث. (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : ج 18 ص 219 (الفهارس) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سمع كلمة فأعجبته، فقال: أخذنا فألك من فيك [ (1) ] . وخرج الترمذي من حديث عمر بن عليّ المقدّميّ، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يغير الاسم القبيح. وربما قال عمر ابن على عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسل، ولم يذكر فيه [عن] عائشة [ (2) ] . وخرّج مسلم والترمذي من حديث يحيى عن سعيد عن عبيد اللَّه قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غيّر اسم عاصية، وقال: أنت جميلة [ (3) ] . ولمسلم من حديث حماد بن سلمة عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر، أن ابنة لعمر رضي اللَّه عنه يقال لها عاصية، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جميلة [ (4) ] ، وله من حديث سفيان بن عبد الرحمن- مولى أبي طلحة- عن كريب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كانت جويرة اسمها برة، فحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمها جويرة، وكان   [ (1) ] (صحيح سنن أبي داود) : ج 2 ص 472، رقم (3317- 3917) ، (المجموعة الصحيحة) : حديث رقم 726، (كشف الخفا) : ج 1 ص 66، حديث رقم (154) ، (المقاصد الحسنة) : ص 70، حديث رقم (40) من حديث محمد بن يونس، حدثنا عون بن عمارة، حدثنا السري بن يحى، عن الحسن، عن سمرة بن جندب قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعجبه الفأل الحسن، فسمع عليا يوما وهو يقول: هذه خضرة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يا لبّيك قد أخذنا فألك من فيك فاخرجوا بنا إلى خضرة» ، قال: فخرجوا إلى خيبر، فما سل سيف إلا سيف علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه. زاد (العسكري) : حتى فتح اللَّه عزّ وجلّ. والعسكري هو: أبو هلال العسكري، مؤلف كتاب الصناعتين، وديوان المعاني، وجمهرة الأمثال، وغيرهم، حيث تزيد مؤلفاته على العشرين مصنفا، مات في القرن الخامس. [ (2) ] (سنن الترمذي) : ج 5 ص 123- 124، حديث رقم (2839) ، (صحيح سنن الترمذي) ج 2 ص 372، باب ما جاء في تغيير الأسماء، حديث رقم (2275- 3007) ، (المجموعة الصحيحة) حديث رقم (207) ، (208) . [ (3) ] (المرجع السابق) حديث رقم (2838) : «حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقيّ، وأبو بكر محمد بن بشار، وغير واحد قالوا: حدثنا يحى بن سعيد القطان عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم غير اسم عاصية، وقال: «أنت جميلة» ، (صحيح سنن الترمذي) : ج 2 ص 372، حديث رقم (2274- 3006) ، قال الألباني: «صحيح» (صحيح سنن ابن ماجة) : ج 2 ص 306 حديث رقم (3008- 3733) ، (المجموعة الصحيحة) حديث رقم (213) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : ج 14 ص 666- 367، حديث رقم (2139) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 يكره أن يقال: خرج من عند برة [ (1) ] . وللبخاريّ ومسلم من حديث شعبة عن عطاء بن ميمونة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن زينب كان اسمها برة، فقيل: تزكي نفسها، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب [ (2) ] . ولمسلم من حديث الوليد بن كثير قال: حدثني محمد بن عمرو، عن عطاء قال: حدثتني زينب ابنة أم سلمة، قالت: كان اسمي برة، فسماني رسول اللَّه زينب. قالت: دخلت عليه بنت جحش واسمها برة، فسماها زينب [ (3) ] . ومن حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى عن هذا الاسم، وسمّيت برّة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تزكوا أنفسكم، اللَّه أعلم بأهل البر منكم، فقالوا: بم نسميها؟ قال: سموها زينب [ (4) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث عبيد اللَّه بن عمر، عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي، عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما ولد الحسن سماه حمزة، فلما ولد الحسين سماه بعمه جعفر فدعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إني أمرت أن أغير اسم هذين، قلت: اللَّه ورسوله أعلم، فسماها، حسنا وحسينا [ (5) ] . وخرّج قاسم بن أصبغ وأحمد بن حنبل من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما ولد الحسن جاء النبي فقال: أرونى ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال: بل هو حسن، فلما ولد الحسين   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2140) . [ (2) ] (اللؤلؤ والمرجان) : ج 3 ص 47 حديث رقم (1384) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : ج 14 ص 367 حديث رقم (2142) . [ (4) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (19) . قال الإمام النووي في (المرجع السابق) : معنى هذه الأحاديث تغيير الاسم القبيح أو المكروه إلى حسن، وقد ثبتت أحاديث بتغييره صلّى اللَّه عليه وسلّم أسماء جماعة كثيرين من الصحابة، وقد بين العلة في النوعين وما في معناهما، وهي التزكية أو خوف التطيّر. [ (5) ] (مسند أحمد) : ج 1 ص 159، حديث رقم (1374) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 قال: أرونى ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال بل هو حسين، فلما ولد الثالث جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلت: حربا، قال هو محسن [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث سفيان عن أبي إسحاق عن رجل من جهينة قال سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا يقول: يا حرام، فقال: يا حلال. ومن حديث يحيى بن أبي بكير، حدثنا عبيد اللَّه بن إياد [ (2) ] بن لقيطة [السدوسي] [ (3) ] عن أبيه عن ليلى امرأة بشير بن الخضامية عن بشير قال: وكان قد أي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واسمه زحم- فسماه النبي بشيرا [ (4) ] . ومن حديث إسماعيل بن عياش عن بكر بن زرعة الخولانيّ عن مسلم بن عبد اللَّه الأزدي قال: جاء عبد اللَّه بن قرظ الأزدي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: ما اسمك؟ قال: شيطان بن قرظ، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنت عبد اللَّه بن قرظ. ومن حديث شعبة عن عبد اللَّه بن أبي السفر [ (5) ] عن عامر الشعبي عن عبد بن مطيع بن الأسود، حدثني عدي بن كعب عن أبيه مطيع- وكان اسمه العاصي- فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مطيعا. قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول: لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا. ولأبي داود [ (6) ] من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أن   [ (1) ] ثم زاد أسد، ثم قال: إني سمّيتهم بأسماء ولد هارون: شبّر وشبّر ومشبّر. (الاستيعاب لابن عبد البر) ج 3 ص 100. [ (2) ] في (خ) «أبان» . [ (3) ] ما بين القوسين غير واضح في (خ) ، وما أثبتناه من (الجرح والتعديل) ج 2 قسم 2 ص 307 ترجمة رقم (1462) وهو ثقة كما قال عنه يحيى بن معين. [ (4) ] ونحوه في (سنن أبي داود) ج 3 ص 554 حديث رقم 3230 باب المشي في النعل بين القبور. [ (5) ] في (خ) «اليفر» وما أثبتناه من (تهذيب التهذيب) ج 4 ص 340 عند ترجمة شعبة بن الحجاج رقم (580) . [ (6) ] وأخرجه. البخاري في الأدب باب اسم الحزن وفيه [قال ابن المسيّب: فما زالت فينا الحزونة بعد] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: بل أنت سهل، قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن، قال سعيد: فظننت أن ستصيبنا بعده حزونة. قال أبو داود: وغير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمه العاص وعزيز وعتلة [ (1) ] ووشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب فسماه هشاما، وسمى حربا سلما [ (2) ] ، وسمي المضطجع المنبعث، وأرض تسمى عفرة [ (3) ] سماها خضرة، وشعب الضلالة سماها شعب الهدى، وبنى الزّنية سماهم بني الرّشدة، وسمى بني مغوية بني رشدة [ (4) ] . قال أبو داود: وتركنا أسانيدهما للاختصار.   [ (1) ] العتلة: عمود حديد تهدم به الحيطان، وقيل: حديدة كبيرة يقلع بها الشجر والحجر. [ (2) ] أما (العاص) : فإنما غيره كراهة لمعنى العصيان، وإنما سمة المؤمن: الطاعة والاستسلام. و (عزيز) : إنما غيره لأن العزة للَّه سبحانه، وشعار العبد: الذلة والاستكانة، وقد قال سبحانه عند ما يقرع بعض أعدائه: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: 49] . و (عتلة) : معناها الشدة والغلظة، ومنه قولهم: رجل عتلّ: أي شديد غليظ. ومن صفة المؤمن: اللين والسهولة. و (شيطان) : اشتقاق من الشّطن: وهو البعد عن الخير، وهو اسم المارد الخبيث من الجن والإنس. و (الحكم) : هو الحاكم الّذي إذا حكم لم يردّ حكمه، وهذه الصفة لا تليق بغير اللَّه سبحانه، ومن أسمائه الحكم. و (غراب) : مأخوذ من الغرب، وهو البعد. ثم هو حيوان خبيث الفعل، خبيث الطعم، وقد أباح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتله في الحل والحرم. و (حباب) : نوع من الحيات، وقد روي أن الحباب اسم الشيطان. فقيل: إنه أراد الخبيث من شياطين الجن، وقيل-: أراد نوعا من الحيات يقال لها: الشياطين. ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [الصافات: 65] . [ (3) ] وأما (عفرة) : فهي نعت للأرض التي لا تنبت شيئا، أخذت من العفرة، وهي: لون الأرض القحلة فسماها خضرة على معنى التفاؤل لتخضر وتمرع. وقوله: (عقرة) : المحفوظ عقرة بالقاف. كأنه كره اسم العقرة، لأن العاقر هي المرأة التي لا تحمل، وشجرة عاقر: لا تحمل. [ (4) ] يقال: هذا ولد رشدة: إذا كان لنكاح صحيح، كما يقال في ضده: ولد زنية، بالكسر فيهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 وخرّج بقي [بن] مخلد من حديث عبدة بن هشام عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرّ بأرض تسمى مجدبة فسماها خضرة. وخرّج البخاري من حديث الزهري عن ابن المسيب عن أبيه أن أباه جاء النبي فقال: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: أنت سهل، قال لا أغير اسما سمانيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعده. ترجم عليه باب اسم الحزن، وذكره أيضا في باب تحويل الاسم إلي اسم أحسن منه. [و] [ (1) ] من حديث ابن جريج، أخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال: جلست إلى سعيد بن المسيب فحدثني أن جده قدم على النبي فقال: ما اسمك؟ الحديث بنحو منه. وللبخاريّ ومسلم من حديث أبي غسان حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: أتي بالمنذر بن أبى أسيد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين ولد فوضعه على فخذه وأبو أسيد جالس، فلهى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بشيء بين يديه، فأتي أبو أسيد بابنه فاحتمل من فخذ النبي فأقلبوه [ (2) ] ، فاستفاق النبي [ (3) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أين الصبي؟ فقال أبو أسيد: أقلبناه يا رسول اللَّه، قال ما اسمه؟ قال: فلان، قال: لا، ولكن اسمه المنذر، فسماه يومئذ المنذر. وذكره البخاري [ (4) ] في باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه ولم يقل: فأقبلوه، وقال: ولكن اسمه المنذر، لم يذكر لا. وخرّج أبو داود [ (5) ] من حديث بشير ابن ميمون عن عمه عن أسامة بن أخدريّ أن رجلا يقال له أصرم كان في النفر   [ () ] وقيل بالفتح. (معالم السنن للخطابي) على هامش (سنن أبي داود) ج 5 ص 241 وما بعدها، تعليقا على الحديث رقم (4956) . [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] فأقبلوه: أي ردوه وصرفوه في جميع نسخ (صيح مسلم) فأقلبوه بالألف وأنكره جمهور أهل اللغة والغريب وشراح الحديث وقالوا: صوابه قلبوه بحذف الألف. قالوا: قال: قلبت الصبي والشيئ صرفته ورددته. [ (3) ] أي انتبه من شغله وفكره الّذي كان فيه واللَّه أعلم (مسلم بشرح النووي) ج 14 ص 128. [ (4) ] (صحيح البخاري) ج 4 ص 80. [ (5) ] (سنن أبي داود) ج 5 ص 239 حديث رقم (4954) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 الذين أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما اسمك؟ قال [أنا] [ (1) ] أصرم، قال: بل أنت زرعة. وقال أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا يزيد بن المقدام بن شريح عن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده هاني بن شريح أنه ذكر أنه أول ما وفد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في قومه سمعهم وهو يكنون هاني أبا الحكم، فدعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إنه اللَّه هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكن أبا الحكم؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء فحكمت بينهم رضي كلا الفريقين، قال: ما أحسن هذا، قال: فما لك من الولد؟ قال: شريح بن هاني وعبد اللَّه ومسلم قال أين أكبرهم؟ قال: شريح، قال: أنت أبو شريح، فدعاه له ولولده، وسمع القوم وهم يسمون رجلا منهم عبد الحجر فقال: ما اسمك؟ فقال: عبد الحجر، فقال: بل أنت عبد اللَّه- وأنه لما حضر خروج القوم إلى بلادهم أعطى كل رجل منهم [] [ (2) ] في بلاده حيث أحب، إلا أن هانئ قال له: يا رسول اللَّه، أخبرني بشيء يوجب لي الجنة، قال: عليك بحسن الكلام وبذل الطعام. وذكره أبو داود في باب تغيير الاسم القبيح إلى قوله: فأنت أبو شريح، وبعده قال أبو داود: هذا هو الّذي كسر السلسلة وهو ممن دخل تستر. وخرّجه النسائي [ (3) ] أيضا والبخاري في (الأدب المفرد) [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة من نص (أبي داود) . وإنما غير اسم (أصرم) لما فيه معنى الصّرم وهو القطيعة، يقال: صرمت الحبل: إذا قطعته، وصرمت النخلة، إذا جذذت ثمرها. (معالم السنن للخطابى) ج 5 ص 340. [ (2) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ولعل الصواب ما أثبتناه. [ (3) ] (سنن النسائي) ج 8 ص 326 باب إذا حكّموا رجلا فقضى بينهم. [ (4) ] (فضل اللَّه الصمد) ج 2 ص 283 حديث رقم (811) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 فصل في ذكر اجتهاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في طاعة ربه ومداومته على عبادته خرّج البخاري من حديث حيوة عن أبي الأسود، سمع عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقوم الليل حتى تتفطر [ (1) ] قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول اللَّه وقد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟ فلما كثر لحمه صلّى جالسا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع [ (2) ] .   [ (1) ] تتفطر: تتشقق [ (2) ] (فتح الباري) ج 8 ص 751، كتاب التفسير، سورة (48) : باب (2) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً حديث رقم (4837) . وحيوة: هو ابن شريح المصري. وأبو الأسود: هو محمد بن عبد الرحمن النوفلي المعروف بيتيم عروة، ونصف هذا الإسناد مصريون ونصفه مدنيون. قوله: «فلما كثر لحمه» ، أنكره الداوديّ وقال: المحفوظ «فلما بدن» أي كبر، فكأن الراويّ تأوله على كثرة اللحم. وتعقبه أيضا ابن الجوزي فقال: لم يصفه أحد بالسمن أصلا، ولقد مات صلّى اللَّه عليه وسلّم وما شبع من خبز الشعير في يوم مرتين، وأحسب بعض الرواة لما رأى «بدن» ظنه كثر لحمه، وليس كذلك، وإنما هو بدن تبدينا أي أسنّ، قاله أبو عبيدة. قال الحافظ ابن حجر: وفي استدلاله بأنه لم يشبع من خبز الشعير نظر، فإنه يكون من جملة المعجزات، كما في كثرة الجماع، وطوافه في الليلة الواحدة على تسع وإحدى عشرة، مع عدم الشبع وضيق العيش، وأي فرق بين تكثير المني مع الجوع، وبين وجود كثرة اللحم في البدن مع قلة الأكل؟ وقد أخرج مسلم من طريق عبد اللَّه بن عروة، عن عائشة قالت: «لما بدن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وثقل كان أكثر صلاته جالسا» ، لكن يمكن تأويل قوله: «ثقل» ، أي ثقل عليه حمل لحمه، وإن كان قليلا لدخوله في السن. قوله: «صلّى جالسا، فإن أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع» في رواية هشام بن عروة عن أبيه، «قام فقرأ نحوا من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع» ، أخرجاه. وأخرجا من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة بلفظ، «فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين أو أربعين آية، قام فقرأها وهو قائم ثم ركع» . ولمسلم من طريق عمرة عن عائشة: «فإذا أراد أن يركع قام فقرأ قدر ما يقرأ إنسان أربعين آية» . وقد روى مسلم من طريق عبد اللَّه بن شقيق عن عائشة في صفة تطوعه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفيه: «وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد» . وهذا محمول على حالته الأولى قبل أن يدخل في السنّ جمعا بين الحديثين. (المرجع السابق) : 752. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 وخرّجه مسلم من حديث أبي صخر عن ابن قسيط عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صلّى قام حتى تفطر رجلاه، قالت عائشة: يا رسول اللَّه! أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ [ (1) ] . ولهما من حديث أبي عوانة عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صلّى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ [ (2) ] . وللبخاريّ من حديث مسعر [ (3) ] عن زياد قال: سمعت المغيرة يقول: إن كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليقوم أو يصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه، فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا؟ [ (4) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : ج 17 ص 168 كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، حديث رقم (81- 2820) . والتفطر: التشقق، قالوا: ومنه فطر الصائم، وأفطره لأنه خرق صومه وشقه، قال القاضي: الشكر، معرفة إحسان المحسن والتحدث به، وسميت المجازاة على فعل الجميل شكرا، لأنها تتضمن الثناء عليه، وشكر العبد للَّه تعالى اعترافه بنعمه وثناؤه عليه، وتمام مواظبته على طاعته، وأما شكر اللَّه تعالى أفعال عباده، فمجازاته إياهم عليها، وتضعيف ثوابها، وثناؤه بما أنعم به عليهم، فهو المعطي والمثنى سبحانه، والشكور: من أسمائه سبحانه وتعالى بهذا المعنى، واللَّه أعلم. (المرجع السابق) : ص 168- 169. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ج 17 ص 168 كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، حديث رقم (79- 2819) . [ (3) ] في (خ) : «مسعود» وما أثبتناه من (البخاري) . [ (4) ] (فتح الباري) : ج 3 ص 18 حديث رقم (1130) . قال الحافظ ابن حجر: الفاء في قوله: «أفلا أكون» للسببية، وهي عن محذوف تقديره: أأترك تهجدي فلا أكون عبدا شكورا، والمعنى: أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا فكيف أتركه؟ قال ابن بطال: في هذا الحديث أخذ الإنسان على نفسه بالشدة في العبادة، وإن أضرّ ذلك ببدنه، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له، فكيف بمن لم يعلم بذلك، فضلا عمن لم يأمن أنه استحق النار. ومحل ذلك ما إذا لم يفض إلى الملال، لأن حال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت أكمل الأحوال، فكان لا يمل من عبادة ربه وإن أضرّ ذلك ببدنه، بل صح أنه قال: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» ، كما أخرجه النسائي من حديث أنس، فأما غيره صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا خشي الملل لا ينبغي له أن يكره نفسه، وعليه يحمل قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم «خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن اللَّه لا يمل حتى تملوا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 وله من حديث أبي عيينة، أخبرنا زياد أنه سمع المغيرة يقول: قام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى تورمت قدماه، فقيل له: قد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ [ (1) ] . وخرّج قاسم بن أصبغ من حديث سفيان عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: جعلت قرة عيني الصلاة [ (2) ] ، وكان يصلي حتى ترم قدماه، قال: فقيل له يا رسول اللَّه! أليس قد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وله من حديث شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي حتى ترم قدماه، فقيل له: تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وخرّج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب أن عليا قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أصبح ببدر من الغد أحيا تلك الليلة كلها وهو مسافر [ (3) ] .   [ () ] وفيه: مشروعية الصلاة للشكر، وفيه أن الشكر يكون بالعمل، كما يكون باللسان، كما قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وقال القرطبي: ظن من سأله عن سبب تحمله المشقة في العبادة أنه إنما يعبد اللَّه خوفا من الذنوب وطلبا للمغفرة والرحمة، فمن تحقق أنه غفر له لا يحتاج إلى ذلك، فأفادهم أن هناك طريقا آخر للعبادة وهو الشكر على المغفرة، وإيصال النّعمة لمن لا يستحق عليه فيها شيئا، فيتعين كثرة الشكر على ذلك. والشكر: الاعتراف بالنعمة والقيام بالخدمة، فمن كثر ذلك منه سمّي شكورا، ومن ثم قال سبحانه وتعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ وفيه: ما كان عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الاجتهاد في العبادة، والخشية من ربه، قال العلماء: إنما ألزم الأنبياء أنفسهم بشدّة الخوف لعلمهم بعظيم نعمة اللَّه تعالى عليهم، وأنه ابتدأهم بها قبل استحقاقها، فبذلوا مجهودهم في عبادته ليؤدوا بعض شكره، مع أن حقوقه أعظم من أن يقوم بها العباد. وطرفه في الحديث رقم (6471) . [ (1) ] (المرجع السابق) : ج 8 ص 751 حديث رقم (4836) : «حدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة، حدثنا زياد أنه سمع المغيرة يقول: «قام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى تورمت قدماه، فقيل له: غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبدا شكورا» . [ (2) ] (البداية والنهاية) : ج 6 ص 30، (كنز العمال) : ج 7 ص 286 حديث رقم (18912) ، الطبراني عن أنس. [ (3) ] (الإحسان) : ج 11 ص 73، حديث رقم (4759) ، إسناده حسن، رجاله رجال الشيخين، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 ومن حديث شعبة عن حارثة بن مضرب عن علي رضي اللَّه عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح [ (1) ] وخرّج الإمام أحمد من حديث مالك عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي يوسف مولى عائشة عن عائشة أن [رجلا سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] فقال: يا رسول اللَّه، تدركني الصلاة وأنا جنب، وأنا أريد الصيام فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم، فقال الرجل: إنا لسنا مثلك، قد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول اللَّه وقال: واللَّه إني لأرجو أن أكون أخشاكم للَّه عز وجل وأعلمكم بما أتقى [ (2) ] وخرّج ابن عساكر من حديث آدم، أخبرنا أبو شيبة عن عطاء الخراساني عن أبي عمران الجوني عن عائشة قالت: كان أحب الأعمال إلى رسول اللَّه أربعة، فعملان يجهدان ماله وعملان يجهدان جسده، فأما اللذان يجهدان ماله فالجهاد والصدقة، وأما اللذان يجهدان جسده فالصوم والصلاة [ (3) ] . وخرّج من حديث عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريح قال: قال عبد اللَّه بن أبي مليكة: سمعت أهل عائشة يذكرون عنها أنها كانت تقول: كان رسول اللَّه شديد الإنصاب لجسده في العبادة، غير أنه حين دخل في السن وثقل من اللحم كان أكثر ما يصلي وهو قاعد [ (3) ] .   [ () ] غير حارثة بن مضرب، فقد روى له أصحاب السنن، وهو ثقة، والأزرق بن علي، ذكره المؤلف في الثقات وقال: يغرب، وروى عنه أبو يعلي، وابن عاصم، وعبد اللَّه بن أحمد، وأبو زرعة، وغيرهم، وأخرج له الحاكم في (المستدرك) ، وقد اعتمد الشيخان رواية يوسف بن أبي إسحاق، وهو يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، عن جده. [ (1) ] (المرجع السابق) : ج 6 ص 32 حديث رقم (2257) ، وإسناده صحيح. رجاله ثقات رجال الصحيح غير حارثة بن مضرب، وهو ثقة روى له أصحاب السنن. [ (2) ] (مسند أحمد) : ج 7 ص 100، حديث رقم (23864) ، ص 349، حديث رقم (25552) باختلاف يسير، من حديث عائشة أيضا. [ (3) ] لم أظفر بهما فيما بين يديّ من مراجع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 وخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] من حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: سألت أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها قلت: يا أم المؤمنين، كيف كان عمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيّكم تستطيعون ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستطيع. ذكره البخاري في كتاب الرقاق، وفي كتاب الصيام [ (4) ] وخرّج البخاري من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثني أبو هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إياكم والوصال، قال: قلت: فإنك تواصل يا رسول اللَّه، قال: إني لست في ذاكم مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من العمل ما لكم به طاقة [ (5) ] . وخرّجه مسلم من   [ (1) ] (فتح الباري) : ج 4 ص 295، حديث رقم (1987) ولفظه: حدثنا مسدّد، حدثنا يحيى عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة «قلت لعائشة رضي اللَّه عنها: هل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يختصّ من الأيام شيئا؟ قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيكم يطيق ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يطيق» ؟ و (المرجع السابق) : ج 11 ص 355، حديث رقم (6466) ، «سألت أم المؤمنين عائشة قلت: يا أم المؤمنين، كيف كان عمل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يستطيع» ؟ قوله: «كان عمله ديمة» ، بكسر الدال المهملة وسكون التحتانية أي دائما، والديمة في الأصل المطر المستمر مع سكون بلا رعد ولا برق، ثم استعمل في غيره، وأصلها الواو، فانقلبت بالكسرة قبلها ياء. قوله: «وأيكم يستطيع» أي في العبادة، كمية كانت أو كيفية من خشوع وخضوع وإخبات وإخلاص. واللَّه أعلم. (المرجع السابق) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : ج 6 ص 319 حديث رقم (217- 783) ، «حدثنا زهير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم، قال زهير: حدثنا جرير عن منصور، عن إبراهيم عن علقمة قال: سألت أم المؤمنين عائشة، قال: قلت: يا أم المؤمنين، كيف كان عمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستطيع» ؟. [ (3) ] (عون المعبود) : ج 4 ص 170، حديث رقم (1367) . [ (4) ] وأخرجه أيضا: الإمام أحمد في (المسند) : ج 7 ص 66، حديث رقم (23642) ، ص 83، حديث رقم (23761) ، ص 271، حديث رقم (25034) ، وفي (الزهد) : ص 8. ابن حبان في صحيحه، (الإحسان) : ج 2 ص 26، حديث رقم (322) ، ج 8 ص 408، حديث رقم (3647) . [ (5) ] (فتح الباري) : ج 4 ص 258، حديث رقم (1966) ، قوله: «بما تطيقون» ، في رواية أحمد: «بما لكم به طاقة» ، وكذا لمسلم من طريق أبي الزناد عن الأعرج. قوله: «يطعمني ويسقيني» ، أي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 أوجه [ (1) ] . وخرّجا معناه من حديث ابن عمر وأنس وعائشة والنسائي في كتاب عمل اليوم والليلة من [حديث] سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد اللَّه عن خالد بن عبد اللَّه بن الحسين قال: سمعت أبا هريرة يقول: ما رأيت أحدا أكثر أن يقول: أستغفر اللَّه وأتوب إليه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: إني لأستغفر اللَّه وأتوب إليه في اليوم مائة مرة [ (2) ] .   [ () ] يشغلني بالتفكر في عظمته، والتملي بمشاهدته، والتغذي بمعارفه، وقره العين بمحبته، والاستغراق في مناجاته، والإقبال عليه عن الطعام والشراب. وإلى هذا جنح ابن القيم وقال: قد يكون هذا الغذاء أعظم من غذاء الأجساد، ومن له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح، عن كثير من الغذاء الجسماني. ولا سيما الفرح المسرور بمطلوبه، الّذي قرت عينه بمحبوبه. (المرجع السابق) [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : ج 7 ص 220، حديث رقم (58- ( ... )) ، قوله: «إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» معناه: يجعل اللَّه تعالى في قوة الطاعم والشارب، وقيل: هو على ظاهره، وأنه يطعم من طعام الجنة كرامة له، والصحيح الأول، لأنه لو أكل حقيقة، لم يكن مواصلا.، قوله: «فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون» ، هو بفتح اللام، ومعناه: خذوا وتحملوا. (المرجع السابق) . وخرجه أيضا: الإمام أحمد في (المسند) : ج 2 ص 461، حديث رقم (7122) ، وص 484، حديث رقم (7286) . البيهقي في (السنن الكبرى) ج 4 ص 282، باب النهي عن الوصال في الصوم. مالك في (الموطأ) : ج 2 ص 240، حديث رقم (676) ، باب النهي عن الوصال في الصيام، وص 243، حديث رقم (677) ، قوله: (إني لست كهيئتكم) ، أي ليس حالي كحالكم، والمراد لست كأحدكم. (شرح الزرقاني على الموطأ) . الدارميّ في (السنن) : ج 2 ص 8 باب النهي عن الوصال في الصوم. [ (2) ] (مسند أحمد) : ج 3 ص 202، حديث رقم (9515) ، (حلية الأولياء) : ج 2 ص 88، ترجمة رقم (173) ، أبو بكر بن عبد الرحمن وقال فيه «أكثر من سبعين مرة» ثم قال: رواه عقيل وغيره عن الزهري، ولم يروه عن موسى بن عقبة إلا سليمان، (فتح الباري) : ج 11 ص 121، حديث رقم (6307) باب استغفار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في اليوم والليلة، قوله: إني لأستغفر اللَّه وأتوب إليه» ظاهره أنه يطلب المغفرة، ويعزم على التوبة، ويحتمل أن يكون المراد يقول هذا اللفظ بعينه، ويرجح الثاني ما أخرجه النسائي بسند جيد من طريق مجاهد عن ابن عمر، أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: «أستغفر اللَّه الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه في المجلس قبل أن يقوم مائة مرة» . وله من رواية محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر بلفظ «إنا كنا لنعد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المجلس: رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الغفور، مائة مرة» ، (كنز العمال) : ج 1 ص 483 حديث رقم (2113- 2114) ، (صحيح سنن ابن ماجة) ج 2 ص 321، حديث رقم (3076- 3815) ، وقال فيه: «مائة مرة» ، قال الألباني: حسن صحيح، (المرجع السابق) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 وله من حديث مغيرة بن أبي الخواء الكندي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده قال: جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن جلوس فقال: ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت اللَّه فيها مائة مرة [ (1) ] . وله من حديث عفان عن حماد بن سلمة قال: أخبرنا ثابت عن أبي بردة عن [الأغر المزني] [ (2) ] قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنه ليغان على قلبي حتى استغفر اللَّه في كل يوم مائة مرة [ (3) ] .   [ () ] حديث رقم (3077- 3816) ، وقال فيه «سبعين مرة» ، قال الألباني: صحيح. [ (1) ] (المطالب العالية) : ج 3 ص 197، حديث رقم (2342) ، رواه الطبراني بغير هذا اللفظ، وبزيادة. «وأتوب إليه» قال الهيثمي: رجال أحد إسناديه رجال الصحيح (10/ 209) ، وصحح إسناده البوصيري (3/ 96) . [ (2) ] ما بين القوسين غير واضح في (خ) ، وما أثبتناه من (صحيح مسلم) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : ج 17 ص 26- 27، حديث رقم (41- 2702) باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، وقال فيه: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر اللَّه في اليوم مائة مرة» . قال أهل اللغة: الغين والغيم بمعنى، والمراد هنا ما يتغشّى القلب. قال القاضي: قيل: المراد الفترات والغفلات عن الذكر الّذي كان شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل، عدّ ذلك ذنبا واستغفر منه. وقيل: هو همه بسبب أمته، وما أطلع عليه من أحوالها بعده فيستغفر لهم. وقيل: سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته وأمورهم، ومحاربة العدو ومداراته، وتأليف المؤلفة، ونحو ذلك، فيشتغل بذلك من عظيم مقامه، فيراه ذنبا بالنسبة إلي عظيم منزلته، وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات، وأفضل الأعمال، فهي نزول عن عالي درجته، ورفيع مقامه، من حضوره مع اللَّه تعالى، ومشاهدته، ومراقبته، وفراغه مما سواه، فيستغفر لذلك. وقيل: يحتمل أن يكون هذا الغين هو السكينة التي تغشي قلبه، لقوله تعالى: فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ (آية 18/ الفتح) ، ويكون استغفاره إظهارا للعبودية والافتقار، وملازمة الخشوع، وشكرا لما أولاه. وقيل: يحتمل أن يكون هذا الغين حال خشية وإعظام يغشي القلب، ويكون استغفاره شكرا كما سبق. وقيل: هو شيء يعتري القلوب الصافية، مما تتحدث به النفس، فهو شأنها، واللَّه أعلم. (المرجع السابق) . (عون المعبود) : ج 4 ص 265، حديث رقم (1512) وقال فيه: «في كل يوم مائة مرة» ، قال في النهاية: وغينت السماء تغان إذا أطبق عليها الغيم، وقيل: الغين شجر ملتف. أراد ما يغشاه من السهو الّذي لا يخلو منه البشر، لأن قلبه أبدا كان مشغولا باللَّه تعالى، فإن عرض له وقتا ما عارض بشريّ يشغله عن أمور الأمة أو الملة ومصالحهما، عدّ ذلك ذنبا وتقصيرا، فيفرغ إلى الاستغفار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 ومن حديث جعفر بن سليمان عن ثابت عن أبي بردة عن رجل من أصحابه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنه ليغان على قلبي فأستغفر اللَّه كل يوم مائة مرة. ومن حديث سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: حدثني أبو بردة قال: جلست إلى رجل من المهاجرين يعجبني تواضعه، فسمعته يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يا أيها الناس توبوا إلى اللَّه واستغفروه فإنّي أتوب إلى اللَّه وأستغفره كل يوم [مائة] مرة، أو قال: أكثر من مائة مرة [ (1) ] .   [ () ] وقال السيوطي: هذا من المتشابه الّذي لا يعلم معناه. وقد وقف الأصمعي إمام اللغة على تفسيره وقال: لو كان قلب غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لتكلمت عليه. وقال السنديّ: وحقيقته بالنظر إلى قلب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تدري، وإن قدره صلّى اللَّه عليه وسلّم أجلّ وأعظم مما يخطر في كثير من الأوهام، فالتفويض في مثله أحسن، نعم القدر المقصود بالإفهام مفهوم، وهو أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحصل له حالة داعية إلي الاستغفار، فيستغفر كل يوم مائة مرة، فكيف غيره. واللَّه أعلم. (المرجع السابق) . (مسند أحمد) : ج 5 ص 242، حديث رقم (17392) ، وقال فيه: فإنّي أستغفر اللَّه» ، وحديث رقم (17393) ، وقال فيه: «حتى أستغفر اللَّه» . كلاهما من حديث الأغرّ المزنيّ رضى اللَّه تعالى عنه. (السنن الكبرى للبيقهي) : ج 7 ص 52 باب: كان يغان على قلبه، فيستغفر اللَّه ويتوب إليه في اليوم مائة مرة. (إتحاف السادة المتقين) : ج 5 ص 284، كتاب الأذكار والدعوات، الباب الثاني: قوله: «إنه ليغان على قلبي» ، الغين: شيء رقيق من الصدأ يغشى القلب فيغطيه بعض التغطية، وهو كالغيم الرقيق الّذي يعرض في الهواء، فال يحجب الشمس، لكنه يمنع ضوءها. والمزني، له صحبه، روى عنه معاوية ابن قرة، وأبو بردة. (المرجع السابق) . (جامع الأصول) : ج 4 ص 386، حديث رقم (2443) ، قوله: «ليغان على قلبي» ، أي ليغطي ويغشى، والمراد به: السهو، لأنه كان لا يزال في مزيد من الذكر والقربة، ودوام المراقبة، فإذا سها عن شيء منها في بعض الأوقات، أو نسي، عدّه ذنبا على نفسه، ففزع إلى الاستغفار. (المرجع السابق) . (كنز العمال) : ج 1 ص 476) ، حديث رقم (2075) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) ج 17 ص 27، حديث رقم (42- ( ... )) ، وقوله: «يا أيها الناس توبوا إلى اللَّه فإنّي أتوب في اليوم مائة مرة» ، هذا الأمر بالتوبة موافق لقوله تعالى وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً، (آية 31/ النور) ، (آية 8/ التحريم) على الترتيب. وقد سبق في الباب قبله بيان سبب استغفاره وتوبته صلّى اللَّه عليه وسلّم، ونحن إلى الاستغفار والتوبة أحوج. قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: للتوبة ثلاثة شروط: أن يقلع عن المعصية، وأن يندم على فعلها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 ورواه النضر بن شميل من حديث محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأستغفر اللَّه وأتوب إليه في كل يوم مائة مرة [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث داود عن الشعبي عن مسروق قال: قالت عائشة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكثر في آخر أمره من قول: سبحان اللَّه وبحمده أستغفر اللَّه وأتوب إليه، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه! ما لي أراك تكثر من قول سبحان اللَّه وبحمده أستغفر اللَّه وأتوب إليه؟ قال: إني ربي عزّ وجل كان أخبرني أني   [ () ] وأن يعزم عزما جازما أن لا يعود إلى مثلها، فإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فلها شرط رابع، وهو رد الظلامة إلى صاحبها، أو تحصيل البراءة منه. والتوبة من أهم قواعد الإسلام، وهي أول مقامات سالكي طريق الآخرة. (المرجع السابق) . (مسند أحمد) : ج 5 ص 242، حديث رقم (17394) من حديث الأغرّ المزني، ص 222، حديث رقم (17828) من حديث الأغر المزني أيضا، ص 322، حديث رقم (1729) عن رجل رضي اللَّه عنه، حديث رقم (17830) ، من حديث رجل من المهاجرين رضي اللَّه عنه، لعل الرجل المجهول في هذين الحديثين هو الأغرّ المزني، ج 6 ص 570، حديث رقم (22977) ، من حديث شيخ من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا إسماعيل، حدثنا يونس عن حميد بن هلال، عن أبي بردة قال: جلست إلي شيخ من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسجد الكوفة، فحدثني فقال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- أو قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم-: «يا أيها الناس توبوا إلى اللَّه واستغفروه، فإنّي أتوب إلى اللَّه وأستغفره كل يوم مائة مرة، فقلت: اللَّهمّ إني أستغفرك اثنتان، قال: هو ما أقول لك. (علل الحديث) : ج 2 ص 137 حديث رقم (1904) : سألت أبي عن حديث رواه يحيى القطان، عن سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن أبي برزة، عن رجل من المهاجرين يعجبني تواضعه ... فذكر الحديث. قال أبي: يقال إن هذا الرجل هو الأغر المزني، وله صحبه. (المرجع السابق) . (المجموعة الصحيحة) : ج 3 ص 435، حديث رقم (1452) ، قال الألباني: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وجهالة الصحابي لا تضر، ويبدو أنه الأغر المزني. [ (1) ] (سنن ابن ماجة) : ج 2 ص 1254، كتاب الأدب، حديث رقم (3815) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وقال فيه: «مائة مرة» وحديث رقم (3816) : حدثنا على بن محمد، حدثنا وكيع، عن مغيرة بن أبي الحرّ، عن سعيد ابن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، عن جده، وقال فيه: «سبعين مرة» . (صحيح سنن ابن ماجة» : ج 2 ص 321، باب الاستغفار، حديث رقم (3076- 3815) ، قال الألباني: حسن صحيح، وحديث رقم (3077- 3816) ، قال الألباني، صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 سأرى علامة في أمتي وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان توابا، فقد رأيتها، إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً [ (1) ] . وخرّج البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة السليماني عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقرأ عليّ القرآن، فقلت: يا رسول اللَّه! أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ قال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري، قال: [فقرأت عليه] حتى إذا بلغت فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [ (2) ] ، فرفعت بصري أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل. وقال البخاري: إني أحب أن أسمعه من غيري- وهنا انتهى حديثه- لم يذكر ما بعده. ترجم عليه باب من أحب أن يسمع القرآن من غيره، وذكره في باب البكاء عند قراءة القرآن [ (3) ] .   [ (1) ] سورة النصر (مسند أحمد) : ج 7 ص 54، حديث رقم (23545) من حديث السيدة عائشة رضي اللَّه عنها. (ابن كثير في التفسير) ج 4 ص 602 قال: ورواه مسلم من طريق داود بن هند به، وقال ابن جرير: حدثنا أبو السائب، حدثنا حفص، حدثنا عاصم عن الشعبي، عن أم سلمة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد، ولا يذهب ولا يجيئ إلا قال: «سبحان اللَّه وبحمده، فقلت: يا رسول اللَّه! رأيتك تكثر من سبحان اللَّه وبحمده، لا تذهب ولا تجئ، ولا تقوم ولا تقعد، إلا قلت: «سبحان اللَّه وبحمده» ؟ قال: إني أمرت بها، فقال: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إلى آخر السورة. غريب. ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه، عن عمرو بن مرة، عن شعبة، عن إسحاق به. والمراد بالفتح هنا، فتح مكة قولا واحدا، فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة، يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبي، فلما فتح اللَّه عليه مكة دخلوا في دين اللَّه أفواجا، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانا، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام. وللَّه الحمد والمنة. (المرجع السابق) . [ (2) ] آية 41/ النساء [ (3) ] (اللؤلؤ والمرجان) ج 1 ص 155 باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظه للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر، حديث رقم (463) . (فتح الباري) : ج 9 ص 115، باب (32) من أحبّ أن يستمع القرآن من غيره، وباب (33) قول المقرئ للقارئ: حسبك، حديث رقم (5049) ، (5050) . قال ابن بطال: يحتمل أن يكون أحبّ أن يسمعه من غيره، ليكون عرض القرآن سنة. ويحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه، وذلك أن المستمع أقوى على التدبر، ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغاله بالقراءة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 وفي رواية لمسلم: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على المنبر اقرأ عليّ، فذكره [ (1) ] . وذكر البخاري في كتاب التفسير من حديث سفيان عن سليمان عن إبراهيم عن عبيده عن عبد اللَّه قال يحيى بعض الحديث «عن عمرو بن مرة قال: قال لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اقرأ عليّ، قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل، قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً قال: أمسك، فإذا عيناه تذرفان» [ (2) ] . وذكره في فضائل القرآن وكرره [ (3) ] . وذكر له مسلم عدة طرق. وخرج الترمذي من حديث عبد اللَّه بن المبارك، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير عن أبيه قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يصلي،   [ () ] وأحكامها، وهذا بخلاف قراءته هو صلّى اللَّه عليه وسلّم على أبيّ بن كعب، فإنه أراد أن يعلمه كيفية أداء القراءة، ومخارج الحروف، ونحو ذلك. باختصار من (المرجع السابق) . (المرجع السابق) : ص 121، باب 35 البكاء عند قراءة القرآن، حديث رقم (5055) ، (5056) . قال الغزالي: يستحب البكاء مع القراءة وعندها، وطريق تحصيله أن يحضر قلبه الحزن والخوف، بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد، والمواثيق والعهود، ثم ينظر تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن فليبك على ذلك، فإنه من أعظم المصائب. قال ابن بطال: إنما يبكي عند تلاوة هذه الآية لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة، وشدة حال الداعية له إلى شهادته لأمته بالتصديق، وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف، وهو أمر يحق له طول البكاء. والّذي يظهر أنه بكى رحمة لأمته، لأنّه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعملهم، وعملهم قد لا يكون مستقيما، فقد يفضي إلى تعذيبهم. واللَّه أعلم. (المرجع السابق) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : ج 6 ص 334- 335، باب (40) ، فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظ للاستماع والبكاء عند القراءة والتتبع حديث رقم (247- 800) ، وحديث رقم (248- ... ) ، وفي هذا الحديث من الفوائد: استحباب استماع القراءة والإصغاء لها، والبكاء عندها، وتدبرها، واستحباب طلب القراءة من غيره ليستمع له، وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه، وفيه تواضع أهل العلم والفضل، ولو مع أتباعهم. (المرجع السابق) . [ (2) ] (فتح الباري) : ج 8 ص 317، كتاب التفسير، حديث رقم (4582) [ (3) ] (المرجع السابق) : ج 9 ص 115، كتاب فضائل القرآن باب من أحب أن يسمع القرآن من غيره، حديث رقم (5049) ، باب قول المقرئ للقارئ: حسبك، حديث رقم (5050) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 ولجوفه أزيز [ (1) ] كأزيز المرجل (من البكاء) [ (2) ] . وخرجه ابن حبان من حديث هدبة عن حماد بمثله سواء [ (3) ] . ورواه يزيد بن هارون عن حماد عن ثابت عن مطرف عن أبيه أنه قال: رأيت   [ (1) ] أزيز: أي خنين من الخوف بالخاء المعجمة، وهو صوت البكاء، وقيل: هو أن يجيش جوفه ويغلي بالبكاء. (النهاية) : ج 1 ص 45، ومنه الحديث: «فإن المسجد يتأزز» أي يموج فيه الناس وفي حديث الأستر: «كان الّذي أزّ أم المؤمنين على الخروج ابن الزبير» ، أي هو الّذي حرّكها وأزعجها وحملها على الخروج، وفي رواية أخرى: «أن طلحة والزبير أزّا عائشة حتى خرجت» . وقال الحربي: الأزّ أن تحمل إنسانا على أمر بحيلة ورفق حتى يفعله. (المرجع السابق) ، وفي التنزيل: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا آية 83/ مريم.، (الشمائل المحمدية) : ص 263 باب ما جاء في بكاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (323) . [ (2) ] ما بين القوسين زيادة من المرجع السابق. [ (3) ] (الإحسان) : ج 2 ص 439، كتاب الرقاق، باب الخوف، والتقوى، ذكر البيان بأن المرء إذا تهجّد بالليل وخلا بالطاعات، يجب أن تكون حالة الخوف عليه غالبة لئلا يعجب بها وإن كان فاضلا في نفسه، تقيا في دينه، حديث رقم (665) : أخبرنا أبو يعلي، حدثنا حوثرة بن أشرس العدوي، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن مطرّف بن عبد اللَّه بن الشّخّير، عن أبيه قال: «دخلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المسجد وهو قائم يصلي، وبصدره أزيز كأزيز المرجل» . إسناده صحيح، حوثرة بن أشرس: روي عنه أبو حاتم وأبو زرعة فيما ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) : ج 3 ص 283، ترجمة رقم (1262) . وقال ابن حجر في (تعجيل المنفعة) : ص 109، ترجمة رقم (243) : روى عن حماد ابن سلمة، وأبي الأشهب وجماعة، وروى عنه عبد اللَّه بن أحمد، ومسلم بن الحجاج خارج الصحيح، وأبو يعلي وغيرهم، مات سنه إحدى وثلاثين ومائة، ذكره ابن حبان في (الثقات) ج 8 ص 215 وقال: «حوثرة بن أشرس العدوي، أبو عامر، من أهل البصرة، يروي عن حماد بن سلمة والبصريين، حدثنا عنه الحسن بن سفيان وأبو يعلي» . وباقي رجاله ثقات على شرط الصحيح. و (الإحسان) ج 3 ص 30- 31، حديث رقم (753) من طريق يزيد بن هارون، عن حماد بهذا الإسناد، وقال في آخره: «من البكاء» . قال أبو حاتم رضي اللَّه عنه: في هذا الخبر بيان واضح أن التحزن الّذي أذن اللَّه، جلّ وعلا، فيه بالقرآن، واستمع إليه وهو التحزن بالصوت مع بدايته ونهايته، لأن بداءته هو العزم الصحيح على الانقلاع عن المزجورات، ونهايته وفور التشمير في أنواع العبادات، فإذا اشتمل التحزن على البداية التي وصفتها، والنهاية التي ذكرتها، صار المتحزن بالقرآن كأنه قذف بنفسه في مقلاع القربة إلي مولاه، ولم يتعلق بشيء دونه. و (مسند أحمد) : ج 4 ص 604، حديث رقم (15882) ، عن عبد الرحمن بن مهدي، حديث رقم (15891) ، عن عفان، كلاهما من حديث مطرف بن عبد اللَّه عن أبيه رضي اللَّه تعالى عنهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي وفي صدره أزيز أزيز الرحى من البكاء [ (1) ] . وخرج الترمذي من حديث أبي كريب، أخبرنا معاوية بن هشام عن شيبان عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قال أبو بكر رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! أراك شبت! قال: شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه [ (2) ] .   [ (1) ] (عون المعبود) : ج 3 ص 121، باب البكاء في الصلاة، حديث رقم (899) ، «المرجل» : القدر من حديد، أو حجر، أو خزف، لأنه إذا نصب كأنه أقيم على الرجل. وفي الحديث دليل على أن البكاء لا يبطل الصلاة سواء ظهر منه حرفان أم لا، وقد قيل: إن البكاء من خشية اللَّه لم يبطل، وهذا الحديث يدل عليه. ويدل عليه أيضا ما رواه ابن حبان بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: «ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد بن الأسود، ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح» ، وبوّب عليه: ذكر الإباحة للمرء أن يبكي من خشية اللَّه. واستدل على جواز البكاء في الصلاة بقوله تعالى: إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا آية 58/ مريم. (صحيح سنن أبي داود) : ج 1 ص 170 باب البكاء في الصلاة، حديث رقم 7991- 904) قال الألباني: صحيح. وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : ج 1 ص 396، حديث رقم (971- 298) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. والبيهقي في (السنن الكبرى) ج 2 ص 251، باب من بكى في صلاته فلم يظهر من صوته ما يكون كلاما له هجاء، إلا أنه قال: «ولجوفه أزيز كأزيز المرجل» ، من طريق يزيد بن هارون. و (النسائي) : ج 3 ص 18، كتاب السهو، باب البكاء في الصلاة، حديث رقم (1213) . (صحيح سنن النسائي) : ج 1 ص 260 حديث رقم (1156) . قال الألباني: صحيح. [ (2) ] (الشمائل المحمدية) ص 56- 57، حديث رقم (41) ، وفيه: «يا رسول اللَّه قد شبت» . وهو صحيح بشواهده، أخرجه الترمذيّ في (الجامع الصحيح) : ج 5 حديث رقم (3297) ، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه، وروى عليّ بن صالح هذا الحديث عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة نحو هذا. وروي عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة شيء من هذا مرسلا. وروى أبو بكر بن عيّاش عن أبي إسحاق عن عكرمة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نحو حديث شيبان عن أبي إسحاق، ولم يذكر فيه عن ابن عباس، حدثنا بذلك هاشم بن الوليد الهرويّ، حدثنا أبو بكر بن عيّاش. (صحيح سنن الترمذي) : ج 3 ص 113 حديث رقم (2627- 3528) ، قال الألباني صحيح. (الصحيحة) : ج 2 ص 676، حديث رقم (955) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 وروى علي بن صالح هذا الحديث عن أبي إسحاق عن أبي جحيفه نحو هذا [ (1) ] ، وقد روى عن أبي الحق عن أبي ميسرة شيء من هذا مرسلا، ورواه معاوية ابن هشام أيضا عن شيبان عن فراس عن عطية عن أبي سعيد قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! أسرع عليك الشيب! فقال: شيبتني هود، وأخواتها: الواقعة، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت [ (2) ] . وقال سيف بن عمر عن محمد بن عون عن عكرمة عن ابن عباس قال: ألظّ [ (3) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالواقعة والحاقة، وعم يتساءلون، والنازعات، وإذا   [ () ] وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : ج 2 ص 518، حديث رقم (3777/ 914) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وابن سعد في (الطبقات) : ج 1 ص 435: أخبرنا يعلي بن عبيد، أخبرنا حجاج بن دينار بن محمد بن واسع قال: قيل: «يا رسول اللَّه أسرع عليك الشيب! قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: شيبتني الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ وأخواتها» ، وعن الزهري عن أبي سلمة قال: قيل: «يا رسول اللَّه نرى في رأسك شيبا! قال: ما لي لا أشيب وأنا أقرأ هودا وإذا الشمس كورت؟» . [ (1) ] أخرجه أيضا أبو نعيم في (الحلية) ج 4 ص 350، وقال: اختلف على أبي إسحاق، فرواه أبو إسحاق عن أبي جحيفة، وروى عنه عمرو بن شرحبيل، عن أبي بكر، وروى عنه عن مسروق عن أبي بكر، وروى عنه مصعب بن سعد عن أبيه، وروى عنه عن عامر بن سعد عن أبي بكر، وروى عنه عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه، رضي اللَّه تعالى عنهم. (المرجع السابق) . والبيهقي في (الدلائل) ج 1 ص 357- 358، وللحديث شواهد من حديث عقبة بن عامر، وأنس، وعمران بن حصين، وأبي سعيد، وسهل بن سعد وغيرهم. وأخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) ج 3 ص 145 من حديث ابن سيرين عنه بلفظ «شيبتني هود وأخواتها» عند ترجمة محمد بن غالب أبو جعفر التمتام رقم (1176) . [ (2) ] الحديث صحيح بشواهده كما سبق. [ (3) ] ألظّ بالمكان، وألظّ عليه: أقام به وألحّ. وألظّ بالكلمة: لزمها. والإلظاظ: لزوم الشيء والمثابرة عليه. يقال: ألظظت به ألظ إلظاظا. وألظّ فلان إذا لزمه. ولظّ بالشيء: لزمه مثل ألظّ به. (النهاية) : 4/ 252، (لسان العرب) : 7/ 159، (الفائق) : 3/ 317. ومنه حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 189، حديث رقم (17143) ، وابن كثير في (التفسير) : 4/ 301 في تفسير سورة الرحمن: «ألظّوا بيا ذا الجلال والإكرام» وهذا الحديث أخرجه ابن حجر في (الكافي الشافي) : ص 62، حديث رقم (77) ، الترمذي من رواية يزيد الرقاشيّ. عن أنس، ويزيد ضعيف، ومن رواية مؤمل عن حماد بن حميد عن أنس مرفوعا، وقال غيره: مخفوضا، وإنما هو عن حماد عن حميد عن الحسن مرسلا وهو أصح، وأخرجه من رواية مؤمل إسحاق وابن أبي شيبة وبالثاني أبو يعلي والبزار. قال ابن أبي حاتم في (العلل) : 2/ 170، 2/ 192، عن أبيه: أخطأ فيه مؤمل، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، فاستطار [ (1) ] فيه القتير [ (2) ] فقال له أبو بكر رضي اللَّه عنه: أسرع فيك القتير [ (2) ] ! بأبي أنت وأمي، فقال: شيبتني هود وصواحباتها [ (3) ] هذه، وفيها، والمرسلات. وخرّج البخاري من حديث أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لن ينجى أحدا منكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني اللَّه برحمة، سدّدوا، وقاربوا، وأغدوا، وروحوا، وشيء من الدّلجة، والقصد القصد (تبلغوا) [ (4) ] ذكره في الرقاق [ (5) ]   [ () ] والصحيح ما رواه أبو سلمة عن حماد عن ثابت. وحميد عن الحسن مرسلا، ورواه ابن مردويه من رواية روح بن عبادة، عن حماد، عن حميد عن أنس موصولا أيضا، وهذه متابعة قوية لمؤمل. وفي الباب عن ربيعة بن عامر بن نجاد، أخرجه الحاكم في (المستدرك) : 1/ 676، حديث رقم (1836/ 36) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، وفيه رشد بن سعد، وهو ضعيف، وعن ابن عمر أخرجه ابن مردويه، وإسناده ضعيف. [ (1) ] استطار: انتشر وتفرق كأنه طار في نواحيها، ومنه استطار الصدع في الحائط إذا انتشر فيه، واستطار البرق إذا انتشر في السماء. (لسان العرب) : 4/ 513. [ (2) ] القتير: الشيب (سنن أبي داود) : ج 2 ص 581، كتاب النكاح، باب في تزويج من لم يولد، وقال في (لسان العرب) : القتير: هو الشيب، أول ما يظهر منه، وفي الحديث: «ويقرن أيّ النساء هي اليوم؟ قال: قد رأت القتير» ، قال الخطابي: يريد بسنّ أيّ النساء هي، والقرن: بنو سنّ واحد، يقال: هؤلاء قرن زمان، وفي النهاية: بقرن أي النساء هي؟ أي بسنّ أيتهن؟، قد رأت القتير: كناية عن تجاوزها سنّ التزويج. (عون المعبود) : 3/ 93، (لسان العرب) : 5/ 72. [ (3) ] لم أقف على حديث شيبتني هود بلفظ (صواحباتها) . [ (4) ] تتمه من البخاري. [ (5) ] (فتح الباري) : 11/ 355، حديث رقم (6463) ، وبعده حديث رقم (6464) : «عن عائشة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «سدّدوا وقاربوا، واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنة، وأن أحب الأعمال إلى اللَّه أدومها وإن قلّ» قوله: «ينجي» ، أي يخلص، والنجاة من الشيء: التخلص منه، قال ابن بطال في الجمع بين هذا الحديث وقوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ما محصله: أن تحمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال، فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب الأعمال، وأن يحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها، ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى: سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فصرح بأن دخول الجنة أيضا بالأعمال، وأجاب بأنه لفظ مجمل بينه الحديث، والتقدير: ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون، وليس المراد بذلك أصل الدخول. وقال القاضي عياض: طريق الجمع أن الحديث فسّر ما أجمل في الآية، فذكر نحوا من كلام ابن بطال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329   [ () ] الأخير، وأن من رحمة اللَّه توفيقه للعمل، وهدايته للطاعة، وكل ذلك لم يستحقه العامل بعمله، وإنما هو بفضل اللَّه ورحمته. وقال ابن الجوزي: يتحصل عن ذلك أربعة أجوبة: الأول أن التوفيق للعمل من رحمة اللَّه، ولولا رحمة اللَّه السابقة ما حصل الإيمان، ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة. الثاني، أن منافع العبد لسيده، فعمله مستحق لمولاه، فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله. الثالث، جاء في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة برحمة اللَّه، واقتسام الدرجات بالأعمال. الرابع، أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير، والثواب لا ينفد، والإنعام الّذي لا ينفد في جزاء ما ينفذ بالفضل لا بمقابلة الأعمال. وقال ابن القيم في كتاب (مفتاح دار السعادة) : الباء المقتضية للدخول، غير الباء الماضية، فالأولى السببية الدالة على أن الأعمال سبب الدخول المقتضية له، كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، والثانية بالمعاوضة، نحو اشتريت منه بكذا، فأخبر أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا رحمة اللَّه لعبده لما أدخله الجنة، لأن العمل بمجرده ولو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجنة، ولا أن يكون عوضا لها، لأنه لو وقع على الوجه الّذي يحبه اللَّه لا يقاوم نعمة اللَّه، بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة، فتبقى سائر نعمه مقتضية لشكرها، وهو لم يوفها حق شكرها، فلو عذّبه في هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم، وإذا رحمه في هذه الحالة، كانت رحمته خيرا من عمله، كما في حديث أبيّ بن كعب، الّذي أخرجه أبو داود وابن ماجة في ذكر القدر، ففيه: «لو أن اللَّه عذّب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم» . قال: وهذا فصل الخطاب مع الجبرية الذين أنكروا أن تكون الأعمال سببا في دخول الجنة من كل وجه. والقدرية الذين زعموا أن الجنة عوض العمل وأنها ثمنه، وأن دخولها بمحض الأعمال. والحديث يبطل دعوى الطائفتين. قوله: «قالوا ولا أنت يا رسول اللَّه» ؟ قال الكرماني: إذا كان كل الناس لا يدخلون الجنة إلا برحمة اللَّه، فوجه تخصيص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالذكر أنه إذا كان مقطوعا له بأنه يدخل الجنة ثم لا يدخلها إلا برحمة اللَّه، فغيره يكون في ذلك بطريق الأولى. قوله: «برحمة» ، في رواية أبي عبيد: «بفضل ورحمة» ، وفي رواية الكشميني من طريقه: «بفضل رحمته» ، وفي رواية الأعمش: «برحمة وفضل» ، وفي رواية بشر بن سعيد: «منه برحمة» ، وفي رواية ابن عون: «بمغفرة ورحمة» قال أبو عبيد: المراد بالتغمد، الستر، وما أظنه إلا مأخوذا من غمد السيف، لأنك إذا أغمدت السيف فقد ألبسته الغمد وسترته به. قال الرافعي: في الحديث أن العامل لا ينبغي أن يتكل على عمله في طلب النجاة ونيل الدرجات، لأنه إنما عمل بتوفيق اللَّه، وإنما ترك المعصية بعصمة اللَّه، فكل ذلك بفضله ورحمته. قوله: «سدّدوا» ، في رواية بشر بن سعيد، عن أبي هريرة عند مسلم: «ولكن سدّدوا» ، ومعناه: اقصدوا السداد، أي الصواب، ومعنى هذا الاستدراك أنه قد يفهم من النفي المذكور نفي فائدة العمل، فكأنه قيل: بل له فائدة، وهو أن العمل علامة على وجود الرحمة التي تدخل العامل الجنة، فاعملوا واقصدوا بعملكم الصواب، أي اتباع السنة من الإخلاص وغيره ليقبل عملكم، فينزل عليكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 وخرّجه مسلم من حديث ليث عن بكير عن بسر بن سعيد عن أبي هريرة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: لن ينجي أحدا منكم عمله، قال رجل: ولا إياك يا رسول اللَّه؟ قال: ولا إياي إلا أن يتغمدني اللَّه منه برحمة، ولكن سددوا [ (1) ] . وفي رواية له: قاربوا وسددوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله، قالوا: يا رسول اللَّه، ولا أنت؟ قال: وقال: ولا أنا إلا أن يتغمدني اللَّه برحمة منه وفضل [ (2) ] .   [ () ] الرحمة. قوله «قاربوا» ، أي لا تفرطوا، فتجهدوا أنفسكم في العبادة، لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال، فتتركوا العمل فتفرطوا. قوله: «واغدوا وروحوا وشيئا من الدلجة» المراد بالغدو السير من أول النهار، وبالرواح السير من أول النصف الثاني من النهار، والدلجة (بضم المهملة وسكون اللام ويجوز فتحها وبعد اللام جيم» سير الليل، يقال: سار دجلة من الليل، أي ساعة، فلذلك قال: شيئا من الدجلة لعسر سير جميع الليل. فكأنه فيه إشارة إلى صيام جميع النهار، وقيام بعض الليل، وإلى أعمّ من ذلك من سائر أوجه العبادة، وفيه إشارة إلى الحث على الترفق في العبادة، وهو الموافق للترجمة، وعبّر بما يدل على السّير، لأن العابد كالسائر إلى محل إقامته وهو الجنة. و «شيئا» منصوب بفعل محذوف، أي افعلوا. قوله: «والقصد القصد» ، بالنصب على الإغراء، أي الزموا الطريق الوسط المعتدل. (المرجع السابق) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 164 باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة اللَّه تعالى: حديث رقم (71- 2816) ، قال الإمام النووي: اعلم أن مذهب أهل السنة أنه لا يثبت بالعقل ثواب، ولا عقاب، ولا إيجاب، ولا تحريم، ولا غيرهما من أنواع التكليف، ولا تثبت هذه كلها ولا غيرها إلا بالشرع. ومذهب أهل السنة أيضا أن اللَّه تعالى لا يجب عليه شيء- تعالى اللَّه- بل العالم ملكه، والدنيا والآخرة في سلطانه، يفعل فيهما ما يشاء، فلو عذّب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار، كان عدلا منه، وإذا أكرمهم ونعّمهم وأدخلهم الجنة، فهو فضل منه، ولو نعّم الكافرين وأدخلهم الجنة، كان له ذلك، ولكنه أخبر وخبره صدق، أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين، ويدخلهم الجنة برحمته، ويعذب المنافقين ويدخلهم في النار عدلا منه. وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالفعل، ويوجبون ثواب الأعمال، ويوجبون الأصل، ويمنعون خلاف هذا، في ضبط طويل لهم، تعالى اللَّه عن اختراعاتهم الباطلة، المنابذة لنصوص الشرع. وفي ظاهر هذه الأحاديث دلالة لأهل الحق، أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته، وأما قوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يدخل بها الجنة، فلا يعارض هذه الأحاديث، بل معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال، والهداية للإخلاص فيها، وقبولها برحمة اللَّه تعالى وفضله، فيصبح أنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو مراد الأحاديث، ويصح أنه دخل بالأعمال، أي بسببها، وهي من الرحمة، واللَّه أعلم. (المرجع السابق) . [ (2) ] (المرجع السابق) : ص 166، حديث رقم (76- ( ... )) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 وله من حديث معقل عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من أحد يدخله عمله الجنة، فقيل له: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني اللَّه برحمة. [ (1) ] وذكره من طرق عديدة. وللبخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث موسى بن عقبة قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يحدث عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها كانت تقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لن يدخل الجنة أحدا عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني اللَّه منه برحمته، واعلموا أن أحب العمل إلى اللَّه أدومه وإن قل. ولابن حبان من حديث جعفر بن عوف قال: حدثنا أبو جناب الكلبي، حدثنا عطاء قال: دخلت أنا وعبد اللَّه بن عمر وعبيد بن عمير على عائشة رضي اللَّه عنها، فقال ابن عمر: حدثيني بأعجب ما رأيت من رسول اللَّه، فسكتت ثم قالت: كل أمره كان عجبا، أتاني في ليلتي حتى إذا دخل معني في لحافي، وألصق جلده بجلدي، قال: يا عائشة، ائذني لي في ليلتي لربي، فقلت، إني أحب قربك وهواك، فقام إلى قربة في البيت، فما أكثر صب الماء، ثم قام فقرأ القرآن ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت حجره، ثم اتكأ على جنبه الأيمن، ووضع يده اليمنى تحت خده، ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت الأرض، قالت: فجاءه بلال فآذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول اللَّه! أتبكي وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وقال: أفلا أبكي وقد أنزل علي الليلة: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ [ (4) ] ،   [ (1) ] (المرجع السابق) : ص 167، حديث رقم (77- 2817) . [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 355، حديث رقم (6467) ، وقال: «بمغفرة ورحمة» . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 167 حديث رقم (78- 2818) . [ (4) ] سورة آل عمران الآيات 190- 191 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 وويل لمن قرأ هذه الآية ولم يتفكر فيها [ (1) ] . وله من حديث شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت حارثة بن مضرب يحدث عن علي رضي اللَّه عنه قال: لقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح، يعني ليلة القدر [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها [ (3) ] . وخرّجاه من طرق متعددة.   [ (1) ] (الإحسان) : 2/ 386، كتاب الرقائق، باب التوبة، ذكر البيان بأن المرء إذا تخلى لزوم البكاء على ما ارتكب من الحوبات وإن كان بائنا عنها مجتهدا في إثبات ضدها، حديث رقم (620) : أخبرنا عمران ابن موسى بن مجاشع، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن زكريا، عن إبراهيم بن سويد النّخعيّ، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا، فقال: أقول يا أمّه كما قال الأول: زر غبّا تزدد حبّا. قال: فقالت: دعونا من طانتكم هذه. قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فسكتت ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: «يا عائشة ذريني أتعبّد الليلة لربي» . قلت: والله إني لأحبّ قربك، وأحبّ ما سرّك. قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي. قالت: فلم يزل يبكي حتى بلّ حجره، قالت: ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول اللَّه، لم تبكي وقد غفر اللَّه لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدا شكورا، لقد نزلت عليّ الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ الآية كلها. إسناده قوي على شرط مسلم، وأخرجه أبو الشيخ في (أخلاق النبي) : ص 186 عن الفريابي، عن عثمان بن أبي شيبة، بهذا الإسناد. وله طريق أخرى عن عطاء عند أبي الشيخ ص 190- 991 وفيه أبو جناب الكلبي يحي بن أبي حية، ضعفوه لكثرة تدليسه، لكن صرّح بالتحديث هنا، فانتفت شبهة تدليسه. [ (2) ] سبق الإشارة إليه. [ (3) ] (جامع الأصول) : 4/ 657، حديث رقم (2748) ، البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، البخاري في الزكاة وفي الجهاد، ومسلم في تحريم الزكاة على النبي وآله. قوله: «إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التّمرة ساقطة على فراشي ثم أرفعها لأكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها» ، وفيه تحريم الصدقة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنه لا فرق بين صدقة الفرض والتطوع، لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها» فهي تعم النوعين، ولم يقل الزكاة، وفيه استعمال الورع، لأن هذه التمرة لا تحرم بمجرد الاحتمال، لكن الورع تركها. وفيه أن التمرة ونحوها من محقرات الأموال لا يجب تعريفها، بل يباح أكلها والتصرف فيها في الحال، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما تركها خشية أن تكون من الصدقة لا لكونها لقطة، وهذا الحكم متفق عليه، وعلله أصحابنا وغيرهم بأن صاحبها في العادة لا يطلبها، ولا يبقى له فيها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 وخرّج الحاكم من حديث عبد اللَّه بن المبارك، أخبرنا أسامة بن زيد عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تصور ذات ليلة فقيل له: ما أسهرك؟ قال: إني وجدت تمرة ساقطة فأكلتها ثم ذكرت تمرا كان عندنا من تمر الصدقة، فما أدري أمن ذلك كانت التمرة أو من تمر أهلي؟ فذلك أسهرني. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (1) ] . وله من حديث المعافي بن عمران عن أبي بكر بن عبد اللَّه بن أبي مريم عن ضمرة ابن حبيب عن أم عبد اللَّه أخت شداد بن أوس أنها بعثت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقدح لبن عند فطره، وذلك في طول النهار وشدة الحر، فرد إليها الرسول: أنى لك هذا اللبن؟ قالت: من شاة لي، قال: أنى لك هذه الشاة؟ قالت: اشتريتها من مالي، فشرب فلما أن كان من الغد أتت أمّ عبد اللَّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه! بعثت إليك بذلك اللبن مرثيّة لك من شدة الحر وطول النهار، فرددتها إلي مع الرسول! فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «بذلك أمرت الرسل، أن لا تأكل إلا طيبا، ولا تعمل إلا صالحا» قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . وخرّج أبو داود في كتاب الجهاد عن مخلد بن خالد [ (3) ] ، وخرّج الترمذي في السير عن محمد بن المثنى [ (4) ] ، وخرّج ابن ماجة عن عبدة بن عبد اللَّه، وخرّج محمد   [ () ] مطمع. واللَّه أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 7/ 183، حديث رقم (162- 1070) ، (السنن الكبرى للبيهقي) : 5/ 325، كتاب البيوع، باب كراهية مبايعة من أكثر ماله من الربا أو ثمن المحرم. (كنز العمال) 6/ 455، حديث رقم (16509) ، (الحلية) : 8/ 187، وقال فيه: «على فراشي فلا أدري أمن تمر الصدقة هي أم من تمر أهلي فلا آكلها» وقال في أخرى: صحيح متفق عليه، أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن المبارك عن معمر. [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 17، حديث رقم (2173/ 44) . قال في التلخيص: صحيح. [ (2) ] (المرجع السابق) : 4/ 140، حديث رقم (7159/ 88) . قال في التلخيص: ابن أبي مريم واه. [ (3) ] (صحيح سنن أبي داود) : 2/ 534، حديث رقم (2412- 2774) ، قال الألباني: «صحيح» ، ولفظه: «كان إذا جاءه أمر سرور، أو بشّر به، خرّ ساجدا شاكرا» . [ (4) ] (صحيح سنن الترمذي) : 2/ 112، حديث رقم (1282- 1642) . قال الألباني: «حسن» ، ولفظه: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أتاه أمر فسرّ به، فخرّ ساجدا» ، قال أبو عيسى: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم: رأوا سجدة الشكر. (صحيح سنن ابن ماجة) : 1/ 233، حديث رقم (1143- 1394) ، قال الألباني: «حسن» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 ابن يوسف أربعتهم عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل عن أبي بكرة بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أتاه أمر يسرّه ويسرّ به خرّ ساجدا [ (1) ] . وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأسدي، أخبرنا كثير بن زيد عن زياد بن أبي زياد مولى عياش بن أبي ربيعة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كانتا خصلتان لا يكلهما، إلى أحد: الوضوء من الليل حين يقوم والسائل يقوم حتى يعطيه [ (2) ] . وله من طريق الليث بن سعد أن معاوية بن صالح حدثه أن أبا حمزة حدثه أنّ عائشة قالت: ما خيّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، [قالت] : [ (3) ] وما انتقم رسول اللَّه لنفسه من أحد قط إلا أن يؤذى في اللَّه فينتقم، ولا رأيت رسول اللَّه وكل صدقته إلى غير نفسه حتى يكون هو الّذي يضعها في يد السائل، ولا رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكل [في وضوئه] [ (4) ] إلى غير نفسه حتى يكون هو   [ (1) ] وقد ذهب إلى شرعية سجود الشكر، الشافعيّ وأحمد، خلافا لمالك ورواية أبي حنيفة بأنه لا كراهة فيها ولا ندب، والحديث دليل للأولين. قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه: وقد روى الإمام أحمد في مسندة عن أبي بكرة: «أنه شهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أتاه بشير يبشره بظفر جند له على عدوهم- ورأسه في حجر عائشة- فقام فخرّ ساجدا» . وفي المسند أيضا عن عبد الرحمن بن عوف قال: خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتوجه نحو صدقته، فدخل فاستقبل القبلة فخرّ ساجدا، فأطال السجود ثم رفع رأسه وقال: إن جبريل أتاني فبشرني فقال: إن اللَّه عزّ وجلّ يقول لك: من صلّى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت للَّه شكرا» واعلم أنه قد اختلف هل يشترط لها الطهارة أم لا؟ فقيل: يشترط قياسا على الصلاة، وقيل: لا يشترط، وهو الأقرب. وليس في أحاديث سجود الشكر ما يدل على التكبير. وفي (زاد المعاد) : وفي سجود كعب حين سمع صوت المبشر، دليل ظاهر على أن تلك كانت عادة الصحابة، وهو سجود الشكر عند النعم المتجددة، والنقم المندفعة. وقد سجد أبو بكر الصديق لما جاءه قتل مسيلمة الكذاب، وسجد عليّ لما وجد ذا الثدية مقتولا في الخوارج، وسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين بشّره جبريل أنه من صلّى عليه مرة، صلّى اللَّه عليه بها عشرا، وسجد حين شفع لأمته فشفّعه فيهم ثلاث مرات، وأتاه بشير فبشره بظفر جند له على عدوهم ورأسه في حجر عائشة رضي اللَّه عنها، فقام فخرّ ساجدا. وقد جاء حديث سجدة الشكر من حديث البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما بإسناد صحيح، ومن حديث كعب بن مالك رضي اللَّه عنه، وغير ذلك. [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 369. [ (3) ] زيادة في (خ) . [ (4) ] في (ابن سعد) : «وكل وضوءة» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 الّذي يهيئ وضوءه لنفسه حتى يقوم من الليل [ (1) ] . وقال محمد بن حمير حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه قال: اشترى أسامة بن زيد بمائة دينار إلى شهر، فسمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: «لا تعجبوا من أسامة المشتري إلى شهر، إن أسامة لطويل الإبل، والّذي نفسي بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفراى لا يلتقيان حتى أقبض، ولا لقمت لقمة إلا ظننت أن لا أسيغها حتى أغصّ بها من الموت» ، ثم قال: «يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى، والّذي نفسي بيده إنما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين» [ (2) ] . وقال ابن لهيعة عن أبي هريرة عن حيثر عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يهريق الماء فيمسح التراب، فأقول: يا رسول اللَّه! الماء منك قريب، فيقول: «وما يدريني لعلي لا أبلغه» . وخرج الإمام أحمد من حديث مسلم بن محمد بن زائدة، قال عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أنها قالت: ما رفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه إلى السماء إلا قال: «يا مصرف القلوب ثبت قلبي على طاعتك» [ (3) ] . وقال ابن المبارك: حدثنا الحسن بن صالح، عن منصور عن إبراهيم قال: حدثنا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم ير خارجا من الغائط قط إلا توضأ [ (4) ] . وذكر ابن عساكر من حديث محمد بن الحجاج عن محمد بن عبد الرحمن بن   [ (1) ] (المرجع السابق) : 1/ 369- 370. [ (2) ] مسند أبي سعيد الخدريّ في (مسند أحمد) : 3/ 367، يبدأ من الحديث رقم (10602) إلى الحديث رقم (11529) ، لم أجد من بينهم هذا الحديث. [ (3) ] (مسند أحمد) : 3/ 146، حديث رقم (9139) . [ (4) ] اختلف العلماء في موجب الوضوء: فقيل: يجب بالحدث وجوبا موسعا. وقيل: به وبالقيام إلى الصلاة معا، ورجحه جماعة من الشافعية. وقيل بالقيام إلى الصلاة حسب، ويدل له ما رواه أصحاب السنن عن ابن عباس مرفوعا: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة. (المواهب اللدنية) : 4/ 22- 23. حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك قال: حدثنا شعبة عن أبي معاذ- واسمه عطاء بن أبي ميمونة- قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا خرج لحاجته أجيء وأنا غلام، معنا إداوة من ماء، يعني يستنجي به. (فتح الباري) : 1/ 333، حديث رقم (150) ، وأطرافه في (151) ، (152) ، (217) ، (500) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 سفينة عن أبيه عن سفينة قال: تعبّد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واعتزل النساء حتى صار كالشن [ (1) ] البالي قبل موته بشهرين [ (2) ] .   [ (1) ] الشن: القربة (النهاية) : 1/ 506. [ (2) ] هذا الحديث يتعارض مع ما أخرجه (البخاري) في النكاح باب (1) حديث رقم (5063) ، و (مسلم) في النكاح باب (1) حديث رقم (1401) ، و (النسائي) في النكاح باب (5) ، و (أبو داود) في النكاح باب (3) ، و (أحمد) 3/ 241، حديث رقم (13122) ، كلهم عن أنس: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يسألون عن عبادة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما أخبروا كأنهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ وقد غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما فأنا أصلي الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا. فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما واللَّه إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» واللفظ للبخاريّ. وفي رواية ثابت عند (مسلم) «أن نفرا من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» ، ولا منافاة بينهما، فالرهط من ثلاثة إلى عشرة، والنفر من ثلاثة إلى تسعة، كل منهما اسم جمع لا واحد له من لفظه. ووقع في مرسل سعيد بن المسيب عن عبد الرزاق، أن الثلاثة المذكورين هم علي بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وعثمان بن مظعون. وعند ابن مردويه من من طريق الحسن العدني: «كان عليّ في أناس ممن أرادوا أن يحرموا الشهوات، فنزلت الآية في المائدة» . ووقع في (أسباب النزول للواحدي) بغير إسناد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «ذكّر الناس وخوّفهم، فاجتمع عشرة من الصحابة وهم: أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبو ذرّ وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد وسلمان وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص ومعقل بن مقرن- في بيت عثمان بن مظعون، فاتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش، ولا يأكلوا اللحم، ولا يقربوا النساء ويحبوا مذاكيرهم» فإن كان هذا محفوظا، احتمل أن يكون الرهط الثلاثة هم الذين باشروا السؤال، فنسب ذلك إليهم بخصوصهم تارة، ونسب تارة للجميع لاشتراكهم في طلبة، ويؤيد أنهم كانوا أكثر من ثلاثة في الجملة، ما روى مسلم من طريق سعيد بن هشام أنه «قدم المدينة، فأراد أن يبيع عقاره فيجعله في سبيل اللَّه، ويجاهد الروم حتى الموت، فلقي ناسا بالمدينة فنهوه عن ذلك، وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فنهاهم، فلما حدثوه ذلك راجع امرأته وكان قد طلقها» يعني بسبب ذلك، لكن في عدّ عبد اللَّه بن عمرو معهم نظر، لأن عثمان بن مظعون مات قبل أن يهاجر عبد اللَّه فيما أحسب. قوله: «إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم له» فيه إشارة إلى ردّ ما بنوا عليه أمرهم، من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره، فأعلمهم أنه مع كونه يبالغ في التشديد في العبادة أخشى اللَّه وأتقى من الذين يشددون، وإنما كان كذلك لأن المشدّد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد، فإنه أمكن لاستمراره، وخير العمل ما داوم عليه صاحبه، وقد أرشد إلى ذلك قوله في الحديث الآخر «المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» . قوله: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» المراد بالسنة الطريقة، لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره. والمراد: من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريقة الرهبانية، فإنّهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم اللَّه تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الحنيفية السمحة، فيفطر ليقوى على الصوم، وينام ليقوى على القيام، ويتزوج لكسر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 [تنبيه] : حديث وجود التمر في بعض طرقه: لقي تمرة على فراشه، وفي بعضها لقي تمرة في منزلة، وفي أخرى لقي تمرة في الطريق، فكان في ذلك ثلاث رتب في الورع، متفاوتة في التأكيد، أيسرها تمرة الفراش، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يقبل الصدقة، ولا تدخل منزله غالبا، فكيف بأخص منزله وهو الفراش، فيندر كونها من تمر الصدقة، وفوق ذلك في التأكيد تمرة المنزل، وآكدها تمرة الطريق لكثرة مرور الصدقات فيها، هذا كله مع أن تمر الصدقة قليل بالنسبة إلى جنس التمر، فآكد هذه الصور الثلاث لا يجاوز الورع في المباح، ولا تنتهي التمرة به إلى حد النهي، لكن مقام النبوة كريم، والورع به جدير.   [ () ] الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل. وقوله: «فليس مني» إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه، فمعنى «فليس مني» أي على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة، وإن كان إعراضا وتنطعا يفضي إلى اعتقاد أرجحيّة عمله، فمعنى «فليس مني» ليس على ملتي، لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر، وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه. وفيه تتبع أحوال الأكابر للتأسي بأفعالهم وأنه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء، وأن من عزم على عمل بر واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعا. وفيه تقديم الحمد والثناء على اللَّه عند إلقاء مسائل العلم وبيان الأحكام للمكلفين، وإزالة الشبهة عن المجتهدين، وأن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب. وقال الطبري: فيه الرد على من منع استعمال الحلال من الأطعمة من الملابس وآثر غليظ الثياب وخشن الأكل. قال عياض: هذا مما اختلف فيه السلف، فمنهم من نحا إلى ما قال الطبري، ومنهم من عكس واحتج بقوله تعالى: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا، قال: والحق أن هذه الآية في الكفار، وقد أخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأمرين، كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلا، وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة، وعدم النشاط إلى العبادة، وخير الأمور الوسط. (فتح الباري) : 9/ 129- 132. وقد أخرج الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 25، 26، 414، حديث رقم (15880) «من صام الدهر ضيقت عليه جهنم» ، لأنه رغب رخصة اللَّه تعالى ويسره، والراغب عن الرخصة كالراغب عن العزم، وكلاهما مستحق للعقوبة. (تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة) ص 135 وقد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صائم الدهر: «ولا صام ولا أفطر» . أخرجه مسلم في كتاب الصيام (13) ، (14) ، وأبو داود في كتاب الصوم (14) ، (53) ، والنسائي: (22) كتاب الصوم. قال يحى: وهو حديث حسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 فصل في حفظ اللَّه لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم في تثبيته عن أقذار الجاهلية ومعايبها تكرمة له وصيانة قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: فتثبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع أبي طالب يكلؤه اللَّه عزّ وجلّ ويحفظه من أقذار الجاهلية ومعايبها لما يريد به من كرامته ورسالته، حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا وأكرمهم مخالطة، وأحسنهم جوارا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثا، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين [ (1) ] ، لما جمع اللَّه فيه من الأمور الصالحة. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما   [ (1) ] قال أبو نعيم في (دلائل النبوة) باب ذكر خروج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الشام ثانيا مع ميسرة غلام خديجة رضي اللَّه عنها، وقصة نسطورا الراهب: ومما يدخل في هذا الباب مما خصّ اللَّه به نبيه في الجاهلية الجهلاء، أن وفقه لوضع الحجر الأسود موضعه بيده لما اختلفت قريش في وضعه، دلالة بصحة نبوته، حديث رقم (113) : حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن مشاور قال: حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي قال: حدثنا عباد بن العوام، عن هلال بن خبّاب عن مجاهد قال: حدثني مولاي عبد اللَّه بن السائب قال: «كنت فيمن بني البيت وأخذت حجرا فسوّيته ووضعته إلى جنب البيت، وإن قريشا قد اختلفوا في الحجر حيث أرادوا وضعه، حتى كاد أن يكون بينهم قتال بالسيوف، فقالوا: اجعلوا بينكم أول رجل يدخل من الباب، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكانوا يسمونه في الجاهلية [الأمين] ، فقالوا: قد دخل الأمين، فقالوا: يا محمد، قد رضينا بك، فدعا بثوب فبسطه، ثم وضع الحجر فيه، ثم قال لهذا البطن ولهذا البطن، لجميع البطون من قريش: ليأخذ كلّ رجل من كل بطن منكم بناحية من الثوب، فرفعوه، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوضعه» . هذا الحديث أخرجه الحاكم في (المستدرك) 1/ 458، حديث رقم (1683/ 75) باختلاف يسير، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه، وله شاهد صحيح على شرطه. قال ابن حجر في (تهذيب التهذيب) : 11/ 68 ترجمة رقم (123) : هلال بن خباب العبديّ أبو العلاء البصري، مولى زيد بن صوحان. سكن المدائن ومات بها. روى عن أبي جحيفة، ويحى بن جعدة بن هبيرة، وعكرمة مولى ابن عباس وميسرة أبي صالح وسعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن الأسود بن يزيد، ومجاهد بن جبير، والحسن بن محمد بن الحنفية وغيرهم، وعنه الثوري ومعر، ويونس بن أبي إسحاق، وثابت بن زيد أبو يزيد الأحول، وعبد الواحد بن زياد، وهشيم وأبو عوانه، وآخرون. وقال أبو بكر بن أبي الأسود، عن يحيى بن سعيد القطان: أتيت هلال بن خباب وكان قد تغيّر قبل موته، وقال إبراهيم بن الجنيد: سألت ابن معين عن هلال بن خباب وقلت: إن يحى القطان يزعم أنه تغير قبل أن يموت واختلط، فقال يحى: لا، ما اختلط ولا تغيّر، قلت ليحيى: فثقة هو؟ قال: ثقة مأمون، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 ذكر لي يحدّث عما كان يحفظه اللَّه به في صغره، فحدثني والدي إسحاق بن يسار عمن حدثه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنه قال فيما يذكر من حفظ اللَّه إياه: إن لمعي غلمان هم أسناني [ (1) ] ، قد جعلنا أزرنا [ (2) ] على أعناقنا لحجارة ننقلها نلعب بها إذ لكمني لاكم لكمة شديدة ثم قال: اشدد عليك إزارك [ (3) ] .   [ () ] وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ ويخالف، وقال ابن عمار الموصلي، والمفضل بن غسان الغلابي ثقة. (تهذيب التهذيب) : 11/ 68- 69، ترجمة رقم (123) ، (الثقات) : 7/ 574. وقال ابن سعد: فلما انتهوا إلى حيث يوضع الركن من البيت، قالت كل قبيلة: نحن أحق بوضعه، واختلفوا حتى خافوا القتال، ثم جعلوا بينهم أول من يدخل من باب بني شيبة، فيكون هو الّذي يضعه، وقالوا: رضينا وسلمنا، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أول من دخل من باب بني شيبة، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، قد رضينا بما قضى بيننا، ثم أخبروه الخبر، فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رداءه، وبسطه في الأرض، ثم وضع الركن فيه، ثم قال: ليأت من كل ربع من أرباع قريش رجل، فكان في ربع بني عبد مناف عتبة بن ربيعة، وكان في الربع الثاني أبو زمعة، وكان في الربع الثالث أبو حذيفة بن المغيرة، وكان في الربع الرابع قيس بن عديّ. ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليأخذ كل رجل منكم بزاوية من زوايا الثوب، ثم ارفعوه جميعا، فرفعوه، ثم وضعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده موضعه ذلك، فذهب رجل من أهل نجد ليناول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حجرا يشدّ به الركن، فقال العباس بن عبد المطلب: لا، ونحّاه، وناول العباس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حجرا فشدّ به الركن، فغضب النجديّ حيث نحيّ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه ليس يبني معنا في البيت إلّا منّا، فقال النجديّ: يا عجبا لقوم أهل شرف، وعقول، وسنّ، وأموال، عمدوا إلى أصغرهم سنّا، وأقلهم مالا، فرأسوه عليهم في مكرمتهم وحرزهم، كأنهم خدم له، أما واللَّه ليفوتنهم سبقا، وليقسمن بينهم حظوظا وجدودا! ويقال: إنه إبليس، فقال أبو طالب: إن لنا أوله وآخره ... في الحكم والعدل الّذي لا ننكره وقد جهدنا جهدنا لنعمره ... وقد عمرنا خيره وأكثره فإن يكن حقا ففينا أوفره. (طبقات ابن سعد) : 1/ 146. [ (1) ] يقال: فلان سنّ فلان، إذا كان مثله في السنّ (لسان العرب) 13/ 222. [ (2) ] جمع إزار. [ (3) ] إسحاق بن يسار مولى قيس بن مخرمة، والد محمد بن إسحاق صاحب (المغازي) ، روي عن مقسم مولى عبد اللَّه بن الحارث، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، روى عنه ابنه محمد بن إسحاق، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك، زاد أبي: وروى عنه ابن طحلاء. وزاد أبو زرعة: يعدّ في المدينيين. قال: وسئل أبو زرعة عنه، فقال: ثقة، هو أوثق من ابنه. حدثنا عبد الرحمن، أخبرنا يعقوب بن إسحاق الهروي، فيما كتب إليّ، حدثنا عثمان بن سعيد قال: سألت يحيى بن معين قلت: والد محمد بن إسحاق، كيف حاله؟ قال: ثقة. (الجرح والتعديل) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 وخرج البخاري ومسلم من حديث روح بن عبادة قال: أخبرنا زكريا بن إسحاق، أخبرنا عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه يحدث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي، لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة، قال: فحله فجعله على منكبيه فسقط مغشيا عليه، قال: فما رئي بعد ذلك اليوم عريانا. لفظهما فيه سواء [ (1) ] . وخرجا أيضا من حديث ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابر ابن عبد اللَّه يقول: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعباس ينقلان حجارة- وقال البخاري: الحجارة- فقال عباس للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجعل إزارك على عاتقك- وقال   [ (2) ] / 238، ترجمة رقم (838) . والحديث أخرجه البيهقي في (الدلائل) 2/ 30- 31، باب ما جاء في حفظ اللَّه عزّ وجلّ رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في شبيبته عن أقذار الجاهلية ومعايبها، لما يريد به من كرامته برسالته حتى بعثه رسولا، وزاد بقية الخير في الهامش وعزاها إلى ابن هشام في (السيرة) 1/ 197: «قال: فأخذته وشددته عليّ، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي، وإزاري عليّ من بين أصحابي» . [ (1) ] حديث روح بن عبادة أخرجه البخاري ومسلم، وقد أورده الحافظ أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 188- 189 ، الفصل الثالث عشر، باب: ومما عظّم به صلّى اللَّه عليه وسلّم وحرس منه أن لا يتعرى كفعل قومه وأهله، وإذا حفظ من التعري فما فوقه أولى أن يعصم منه، وينهى عنه، حديث رقم (132) : قوله: «إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ينقل معهم» أي مع قريش لما بنوا الكعبة، وكان ذلك قبل البعثة، فرواية جابر لذلك من مراسيل الصحابة، فإما أن يكون سمع ذلك من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك أو من بعض من حضر ذلك من الصحابة. والّذي يظهر أنه العباس، وقد حدّث به عن العباس أيضا ابنه عبد اللَّه، وسياقه أتم. (فتح الباري) : 1/ 625، كتاب الصلاة، باب كراهية التعري في الصلاة وغيرها، حديث رقم (364) . قوله: «عن جابر رضي اللَّه عنه» هذا الحديث مرسل صحابي، وقد قدمنا أن العلماء من الطوائف متفقون على الاحتجاج بمرسل الصحابي، إلا ما انفرد به الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني منه أنه لا يحتج به. وسميت الكعبة كعبة لعلوها وارتفاعها، وقيل لاستدارتها وعلوها. قوله: «اجعل إزارك على عاتقك من الحجارة» معناه ليقيك من الحجارة، أو من أجل الحجارة. والعاتق ما بين المنكب والعنق، وجمعه عواتق وعتق، وهو مذكر وقد يؤنث. قوله: «فخرّ إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء» ، معنى خرّ سقط، وطمحت بفتح الطاء والميم، أي ارتفعت. وفي هذا الحديث بيان بعض ما أكرم اللَّه سبحانه وتعالى به رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مصونا في صغره عن القبائح وأخلاق الجاهلية. وجاء في رواية غير الصحيحين أن الملك نزل فشدّ عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إزاره. واللَّه أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 4/ 273- 274، كتاب الحيض، باب الاعتناء بحفظ العورة، حديث رقم (76- (340)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 البخاري: على رقبتك- يقك من الحجارة، فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم أفاق فقال: إزاري إزاري فشدّ عليه إزاره [ (1) ] . ورواه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر نحوه. ورواه عمرو بن أبي قيس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن أبيه قال: كنا ننقل الحجارة إلى البيت حين بنت قريش البيت، وأفردت قريش رجلين رجلين ينقلون الحجارة، والنساء تنقل الشّيد، وكنت أنا وابن أخي وكنا نحمل على رقابنا وأزرنا تحت الحجارة، فإذا غشينا اتزرنا، فبينما أمشي ومحمد عليه السلام قدامي ليس عليه شيء، فخر محمد فانبطح على وجهه، قال: فجئت أسعى وألقيت حجري، قال وهو ينظر إليّ السماء فوقه فقلت: ما شأنك؟ قال: فأخذ إزاره ثم قال: نهيت أن أمشي عريانا، قلت: اكتمها الناس مخافة أن يقولوا: مجنون [ (2) ] . ورواه شعيب عن عكرمة عن ابن عباس مثله [ (3) ] . وروى إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن جده عن عكرمة عن ابن عباس   [ (1) ] قوله: «يقك من الحجارة فخرّ إلى الأرض» ، فيه حذف تقديره: ففعل ذلك فخر. وفي حديث أبي الطفيل: «فبينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينقل الحجارة معهم إذا انكشفت عورته، فنودي: يا محمد غط عورتك. فذلك أول ما نودي، فما رئيت له عورة قبل ولا بعد» . (فتح الباري) : 7/ 184- 185 ، كتاب مناقب الأنصار، باب بنيان الكعبة، حديث رقم (3829) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 248 حديث رقم (13922) ، 4/ 286 حديث رقم (14168) ، 6/ 635 حديث رقم (23282) . وأبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 189. حديث رقم (133) . [ (2) ] (دلائل النبوة للبيهقي) : 2/ 33، والشّيد: كل ما طلي به البناء من جصّ أو نحوة. وأخرجه أيضا أبو نعيم في (الدلائل) 1/ 198- 199، حديث رقم (134) ، وقال فيه: «نهيت أن أمشي عريانا قال: فكتمته حتى أظهر اللَّه عزّ وجلّ نبوّته» . [ (3) ] رواية شعيب بن خالد، كلهم عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، حدثني أبي العباس بن عبد المطلب قال: «لما بنت قريش الكعبة، انفردت رجلين رجلين ينقلون الحجارة، فكنت أنا وابن أخي، جعلنا نأخذ أزرنا فنضعها على مناكبنا ونجعل عليها الحجارة، فإذا دنونا من الناس لبسنا أزرنا، فبينما هو أمامي إذ صرع، فسعيت وهو شاخص ببصره إلى السماء، قال: فقلت لابن أخي: ما شأنك؟ قال: نهيت أن أمشي عريانا، قال: فكتمته حتى أظهر اللَّه نبوته» . تابعه الحكم بن أبان عن عكرمة، وروى ذلك أيضا من طريق النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس ليس فيه العباس، وقال في آخره: «فكان أول شيء رأى من النبوة» ، والنضر ضعيف، وقد خبط في إسناده وفي متنه، فإنه جعل القصة في معالجة زمزم بأمر أبي طالب وهو غلام. (فتح الباري) : 3/ 563، كتاب الحج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 قال: لما قبض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم غسّله عليّ والفضل، وكان العباس يناول الماء من وراء الستر، وقال العباس، ما منعني أن أغسله إلا أنا كنا صبيانا نحمل الحجارة إلى المسجد يعني لبناء الكعبة، فننزع أزرنا ونضعها على أكتافنا ونضع الحجر عليها فبينما نحن كذلك ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ وقع وسقط الحجر وأنا قائم فقلت: يا ابن أخي! قم، وإني لا أرى بك بأسا ولا أرى الحجر ضرك [فقام] ثم نظر إلي فقال: اشدد عليك إزارك، فإنّي قد نهيت أن أتعرى بعد هذا اليوم. قال العباس: هذا أول ما رأيت منه. وروى محمد بن إسماعيل [الأحمسيّ] [ (1) ] عن المجازي، حدثنا النضر عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أبو طالب يعالج زمزم، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ينقل الحجارة وهو غلام، فأخذ إزاره واتقى به الحجارة، [فغشي عليه] [ (2) ] فقيل لأبي طالب عن غشيته: الحق ابنك قد غشي عليه، فلما أفاق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من غشيته سأله أبو طالب عن غشيته فقال: أتاني آت عليه ثياب بياض فقال لي: استتر، قال ابن عباس: فكان أول شيء رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من النبوة أن قيل له: استتر، فما رئيت عورته من يومئذ. ورواه الأحمسيّ عن الحماني عن النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: أول شيء أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من النبوة وهو غلام أن قيل له استتر، فما رئيت عورته من يومئذ. ورواه الحسن بن حماد الوراق عن الحماني عن النضر مثله. وخرجه الحاكم من حديث الحماني عبد الحميد بن عبد الرحمن، حدثنا النضر به ونحوه. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] .   [ (1) ] في (خ) «الأحمس» وما أثبتناه من (تهذيب التهذيب) : 9/ 58 ترجمة رقم 58. [ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 198، حديث رقم (7356/ 3) ولفظه: «حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا أبو يحيى الحماني عبد الحميد بن عبد الرحمن، حدثنا النضر أبو عمر الخزاز، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كان أبو طالب يعالج زمزم، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ممن ينقل الحجارة، وهو يومئذ غلام، فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إزاره فتعري واتقى به الحجر، فغشي عليه، فقيل لأبي طالب: أدرك ابنك فقد غشي عليه، فلما أفاق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من غشيته، سأله أبو طالب عن غشيته فقال: «أتاني آت عليه ثياب بيض فقال لي: استتر» فقال ابن عباس: فكان ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 وقال الحسن بن سفيان: حدثنا زهير بن سلام، حدثنا عمرو بن محمد عن طلحة بن عمرو عن عطاء أن أبا طالب كان يرسل بنيه ومحمد عليه السلام، معهم صبيان صغار ينقلون الحجارة إلى صفة زمزم، فأخذ محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم نمرة [ (1) ] صغيرة كانت عليه على عنقه، ثم حمل عليها حجرين فطرح عنه الحجرين وأغمى عليه ساعة، ثم قام فشد نمرته [ (1) ] عليه، فقال له بنو عمه: مالك يا محمد؟ قال: نهيت عن التعري [ (2) ] . وقال عبد الأعلى بن حماد: حدثنا داود العطار، حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل قال: قلت له: يا خال، حدثنا عن بنيان الكعبة قبل أن تبنها قريش، قال: كانت رضمه [ (3) ] يابس ليس بمدر [ (4) ] ينزوة [ (5) ] العناق [ (6) ] ، وتوضع الكسوة على الجدر ثم تدلي، ثم إن سفينة الروم أقبلت حتى إذا كانت بالشعيبة انكسرت، فسمعت بها قريش فركبوا إليها، فأخذوا خشبها، وروى كذا: يقال بالقوم نجاريان، فلما قدموا مكة قالوا: لو بنينا بيت ربنا، فاجتمعوا كذلك ونقلوا الحجارة من أجياد الضواحي، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينقلها إذ انكشفت نمرته، فنودي: يا محمد عورتك، فذلك أول ما نودي واللَّه أعلم، فما رئيت له عورة قبل ولا بعد. ورواه الحسن بن الربيع وداود بن مهران عن داود العطار مثله.   [ () ] أول ما رآه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من النبوة أن قيل له: «استتر، فما رئيت عورته من يومئذ» . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وشاهده حديث أبي الطفيل، وهو الحديث رقم (7357/ 4) : «أخبرنا محمد بن عبد الحميد الصّنعاني، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن أبي الطفيل قال: «لما بني البيت كان الناس ينقلون الحجارة، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ينقل معهم، فأخذ الثوب ووضعه على عاتقه فنودي: «لا تكشف عورتك» ، فألقي الحجر ولبس ثوبه. (المرجع السابق) ، وذكره البيهقي في (الدلائل) : ص 190 حديث رقم (135) ، وابن سعد في (الطبقات) 1/ 157 مختصرا. [ (1) ] نمرة: شملة مخططة من مآزر الأعراب النهاية ج 5 ص 111. [ (2) ] (فتح الباري) : 3/ 563، كتاب الحج، باب (42) . [ (3) ] هذه الكلمة ممجوجة في (خ) وأثبتناها من (عرائس المجالس للثعالبي) ص 78، والرضام: صخور عظام يرضم بعضها فوق بعض في الأبنية (ترتيب القاموس) ج 2 ص 349. [ (4) ] المدر: قطع الطين اليابس (المرجع السابق) ج 4 ص 216. [ (5) ] نزت الحمر: وثبت من المراح (المرجع السابق) ج 4 ص 359. [ (6) ] العناق (بفتح العين) : الدواب ونحوها (المرجع السابق) ج 3 ص 329. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وقال عبد الرازق عن معمر عن عبد اللَّه بن عثمان بن حشيم عن أبي الطفيل قال: كانت الكعبة مبنية بالرضم ليس فيها مدر، وكان قدر ما تقتحمها العناق وكانت غير مسقوفة، إنما توضع ثيابها عليها ثم تسدل سدلا عليها، وكان الركن الأسود موضوعا على سورها باديا، وكان ذات ركنين كهيئة الحلقة، فأقبلت سفينة من أرض الروم حتى إذا كانوا قريبا من جدة انكسرت، فخرجت قريش ليأخذوا خشبها، فذكروا بناء البيت، وقال: فبينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة، فذهب يضع النمرة على عاتقة، فترى عورته من صغر النمرة، فنودي: يا محمد خمّر عورتك، فلم ير عريانا بعد ذلك، وكان بين بنيان الكعبة وبين ما أنزل عليه خمس سنين [ (1) ] . قال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد الأصفهاني: وحديث أبي الطفيل جائز أن يكون وقوعه في حالة ثالثة، وهي انكشاف الثوب لا سقوطه، والحالتان المتقدمتان، بسقوط الثوب مرة بفعله وأخرى بغير فعله تنبيها له صلّى اللَّه عليه وسلّم في الأحوال الثلاث، قال: وإذا حفظ من التعري فما فوقه أولى أن يعصم منه وينهى عنه [ (2) ] . وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد اللَّه بن قيس بن مخرمة عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به إلا ليلتين من الدهر، كلتاهما يعصمني اللَّه فيها، قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن رعاية غنم أهلنا، فقلت لصاحبي: أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر فيها كما يسمر الفتيان [ (3) ] ، قال: فدخلت حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالغرابيل والمزامير، فقلت: ما هذا؟ فقيل: تزوج فلان، فجلست انظر، وضرب اللَّه على أذني، فو اللَّه ما أيقظني إلا مسّ الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ قلت ما فعلت شيئا، ثم أخبرته بالذي رأيت، ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر بمكة، ففعل، فدخلت، فلما جئت مكة سمعت مثل الّذي سمعت تلك الليلة، فسألت، فقيل: فلان نكح فلانة، فجلست انظر فضرب اللَّه   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 563، كتاب الحج، باب (42) . [ (2) ] (دلائل النبوة لأبي نعيم) : 188. [ (3) ] في (خ) : بعد قوله: «الفتيان» عبارة: «فقال بلى» والسياق يقتضي حذفها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 على أذني، فو اللَّه ما أيقظني إلا مسّ الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: لا شيء ثم أخبرته الخبر، فو اللَّه ما هممت ولا عدت بعدها لشيء من ذلك حتى أكرمني اللَّه بنبوته [ (1) ] . وخرجه الحاكم [ (2) ] بنحوه وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث مسعر بن كدام [ (3) ] عن العباس بن ذريح [ (4) ] الكلبي عن زياد بن عبد اللَّه النخعي قال: حدثني عمار بن ياسر رضي اللَّه عنه أنهم قالوا: يا رسول اللَّه، هل أتيت في الجاهلية من النساء شيئا؟ قال: لا، وقد كنت منه على ميعادين، أما أحدهما فغلبتني عيناي، وأما الآخر فحال بيني وبينهم سامر قوم [ (5) ] .   [ (1) ] (عيون الأثر) : 1/ 44- 45، (دلائل النبوة للبيهقي) : 2/ 33- 34، (دلائل النبوة لأبي نعيم) : 1/ 186، حديث رقم (128) ، أخرجه إسحاق بن راهويه في مسندة، وابن إسحاق، والبزار، والبيهقي، وأبو نعيم، وابن عساكر، كلهم عن علي بن أبي طالب. وقال ابن حجر: إسناده حسن متصل، ورجاله ثقات، والحاكم في (المستدرك) : 4/ 272، حديث رقم (7619/ 19) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. وقال في التلخيص: على شرط مسلم. [ (2) ] في (خ) «الحاكم بن نحوه» . [ (3) ] في (خ) «مسعد بن لرام» وما أثبتناه من (تهذيب التهذيب) ج 10 ص 102 ترجمة رقم 210. [ (4) ] (خ) «موبح» وما أثبتناه من (تهذيب التهذيب) ج 5 ص 116 ترجمة رقم 202، قال ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطنيّ: ثقة. [ (5) ] لم أجده، ويؤيّد بحديث: «ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به إلا مرتين في الدهر» . وفي (الدلائل) للبيهقي: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن عبد اللَّه بن قيس بن مخرمة، عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يقول: «ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به من النساء إلا ليلتين، كلتاهما عصمني اللَّه تعالى ... » وذكر باقي الحديث بنحوه. إحداهما المذكورة بقوله: «ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به إلا مرتين الدهر، كلتاهما يعصمني اللَّه عزّ وجل منهما» (دلائل أبي نعيم) : 186، حديث رقم (128) . والسياقة الأخرى بقوله «ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به من النساء إلا ليلتين، كلتاهما عصمني اللَّه تعالى فيهما» (دلائل البيهقي) : 2/ 33. وقال في (الإحسان) : إسناده حسن، ومحمد ابن إسحاق روى له البخاري تعليقا، ومسلم متابعة، وهو صدوق، وقد صرح بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسة، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح، غير محمد بن عبد اللَّه بن قيس بن مخرمة، فقد روى عنه جمع، وذكره المؤلف في الثقات 7/ 380، وله ترجمة عند ابن أبي حاتم 7/ 303، والبخاري في التاريخ الكبير 9/ 130، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وذكر صاحب (الكمال) : أن الشيخين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 وخرج من حديث أبي سنان عن الضحاك بن مزاحم عن النزال بن سبرة عن علي رضي اللَّه عنه قال: قيل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل عبدت وثنا قط؟ قال: لا، قال: شربت خمرا قط؟ قال: لا، وما زلت أعرف أن الّذي هم عليه كفر، وما كنت أدرى ما الكتاب ولا الإيمان، وبذلك نزل القرآن: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [ (1) ] .   [ () ] أخرجا حديثه، وقال المزي فيما نقله عن الإمام الذهبي والحافظ ابن حجر: لم أقف على رواية أحدهما. قال محقق (الإحسان) : ولم يرد له ذكر في كتاب رجال مسلم لابن منجويه، ولا في الجمع بين رجال الصحيحين لابن طاهر، ولا في رجال البخاري للكلاباذي. وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 273، حديث رقم (7619/ 19) ، من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق، وعلقه البخاري في (تاريخه) 1/ 130 باختصار، فقال: قال لي شهاب: حدثنا بكر بن سليمان، عن ابن إسحاق به، (البداية والنهاية) : 2/ 351. [ (1) ] (الشورى: 52) ، قال الزمخشريّ: فإن قلت: قد علم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما كان يدري ما القرآن قبل نزوله عليه، فما معنى قوله تعالى: وَلَا الْإِيمانُ، والأنبياء لا يجوز عليهم إذا عقلوا وتمكنوا من النظر والاستدلال، أن يخطئهم الإيمان باللَّه وتوحيده، ويجب أن يكونوا معصومين من ارتكاب الكبائر، ومن الصغائر التي يكون فيها تنفير قبل المبعث وبعده، فكيف لا يعصمون من الكفر؟. قلت: الإيمان اسم يتناول أشياء، بعضها الطريق إليه العقل، وبعضها الطريق إليه السمع، فعنى به ما الطريق إليه السمع دون العقل، وذلك ما كان له فيه علم حتى كسبه بالوحي، ألا ترى أنه فسّر الإيمان في قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ بالصلاة، لأنها بعض ما يتناوله الإيمان. (الكشاف) : 3/ 409- 410. قال الإمام ناصر الدين أحمد بن المنير الاسكندري المالكي: لما كان معتقد الزمخشريّ أن الإيمان اسم التصديق مضافا إليه كثير من الطاعات فعلا وتركا، حتى لا يتناول الموحد العاصي ولو بكبيرة واحدة اسم الإيمان، ولا يناله وعد المؤمنين، وتفطن لإمكان الاستدلال على صحة معتقده بهذه الآية، عدّها فرصة لينتهزها، وغنيمة ليحرزها، وأبعد الظن بإرادة مذهب أهل السنة على صورة السؤال، ليجيب عنه بصورة معتقده، فكأنه يقول: لو كان الإيمان وهو مجرد التوحيد والتصديق، كما تقول أهل السنة، للزم أن ينفي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل المبعث بهذه الآية كونه مصدّقا، ولما كان التصديق ثابتا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل البعث باتفاق الفريقين، لزم أن لا يكون الإيمان المنفي في هذه الآية عبارة عما اتفق على ثبوته، وحينئذ يتعين صرفه إلى مجموع أشياع من جملتها التصديق، ومن جملتها كثير من الطاعات التي لم تعلم إلا بالوحي، وحينئذ يستقيم نفيه قبل البعث، وهذا الّذي طمع فيه، لا يبلغ منه ما أراد، وذلك أن أهل السنة وإن قالوا أن الإيمان هو التصديق خاصة، حتى يتصف به كل موحد وإن كان فاسقا، يخصون التصديق باللَّه وبرسوله، فالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مخاطب في الإيمان بالتصديق برسالة نفسه، كما أن أمته مخاطبون بتصديقه، ولا شك أنه قبل الوحي لم يكن يعلم أنه رسول اللَّه، وما علم ذلك إلا بالوحي، وإذا كان الإيمان عند أهل السنة هو التصديق باللَّه ورسوله. ولم يكن هذا المجموع ثابتا قبل الوحي، بل كان الثابت هو التصديق باللَّه تعالى خاصة استقام نفي الإيمان قبل الوحي على هذه الطريقة الواضحة، واللَّه أعلم. (الإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال) : 3/ 410. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 وخرج من حديث عمر بن صبح عن ثور بن يزيد عن مكحول عن شداد بن أوس قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدثنا على باب الحجرات فقال: لما ولدتني أمي فنشأت بغّضت إلي أوثان قريش وبغض إليّ الشعر [ (1) ] . وخرج البيهقي من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة ويحى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أسامة بن زيد، عن زيد بن حارثة قال: كان صنم من نحاس يقال له إساف أو نائلة، يتمسح به المشركون إذا طافوا، فطاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فطفت معه، فلما مررت مسحت به، فقال رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تمسه، قال زيد: فطفنا، فقلت في نفسي: لأمسنه حتى انظر ما يكون، فمسحته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ألم تنه؟ قال زيد: فو الّذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب، ما استلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صنما حتى أكرمه اللَّه بالذي أكرمه وأنزل عليه [ (2) ] . وسيأتي في قصة بحيرا الراهب حين قيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو غلام: أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك، فقال عليه السلام: لا تسألني باللات والعزى، فو اللَّه ما أبغضت شيئا بغضهما [ (3) ] . وخرج أبو نعيم من حديث حسين بن عبد اللَّه عن عكرمة عن ابن عباس قال: حدثتني أم أيمن قالت: كانت ببوانة [ (4) ] صنما تحضره قريش، وتعظمه، وتنسك له النسائك، ويحلقون رءوسهم عنده، ويعكفون عنده يوما إلى الليل وذلك يوم في السنة، وكان أبو طالب يحضره مع قومه، فيأبى رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] حتى رأيت   [ () ] وقالوا: معنى الآية: ما كنت تدري قبل الوحي كيف تقرأ القرآن ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان، وقيل: كان هذا قبل البلوغ حين كان طفلا وفي المهد. وقال الحسين بن الفضل: إنه على حذف مضاف: أي ولا أهل الإيمان، وقيل: المراد بالإيمان دين الإسلام، وقيل: الإيمان هنا عبارة عن الإقرار بكل ما كلّف اللَّه به العباد. (فتح القدير) : 4/ 764. [ (1) ] لم أجده. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 34، (البداية والنهاية) : 2/ 351، وذكر أبو نعيم في (الدلائل) : 187- 188 : حدثنا أبو عمر بن حمدان، قال: حدثنا طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس: «أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقوم مع بني عمه عند الصنم الّذي عند زمزم، واسمه «إساف» فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بصره إلى الكعبة ساعة ثم انصرف، فقال له بنو عمه: ما لك يا محمد؟ قال: نهيت أن أقوم عند هذا الصنم» . [ (3) ] (البداية والنهاية) : 2/ 346، (دلائل البيهقي) : 2/ 35. [ (4) ] بوانة: هضبة وراء بلدة ينبع (معجم البلدان) : 2/ 599 موضع رقم (2213) . [ (5) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 أبا طالب غضب عليه أسوأ غضب، فيقول: إنا نخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا، وجعل يقول: ما ترى يا محمد أن تحضر لقومك عيدا ولا تكثر لهم جمعا، قالت: فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء اللَّه ثم رجع إلينا مرعوبا، فقلن عماته: ما دهاك؟ [قال إني أخشى أن يكون بي لمم، فقلن ما كان اللَّه ليبتليك وفيك من خصال الخير ما فيك، فما الّذي رأيت؟] [ (1) ] قال إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح بي: وراءك يا محمد! لا تمسّه، قالت أم أيمن: فما عاد إلى عيد لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم [حتى تنبّأ] [ (1) ] . وخرج من حديث المنذر بن عبد اللَّه بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: مرّ عليّ جبريل وميكائيل عليهما السلام وأنا بين النائم واليقظان بين الركن وزمزم، فقال أحدهما للآخر: هو هو؟ قال نعم ونعم المرء هو لولا أنه يمسح الأوثان. قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فما مسحتهن حتى أكرمني اللَّه بالنّبوّة خمس حجج. وخرج من حديث دواد بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: بينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأجياد رأى ملكا واضعا إحدى رجليه على الأخرى في أفق السماء يصيح: يا محمد! أنا جبريل، فذعر من ذلك وجعل يراه كلما رفع رأسه إلى السماء ورجع سريعا إلى خديجة رضي اللَّه عنها فأخبرها خبره فقال: يا خديجة، ما أبغضت بغض هذه الأصنام شيئا قط ولا آلهتكن. وخرج من حديث عمرو بن محمد حدثنا طلحة بن عمر عن عطاء عن ابن عباس أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقوم مع بني عمه عند الصنم الّذي عند زمزم واسمه إساف، فرفع رأسه إلى ظهر الكعبة ساعة ثم انصرف، فقال له بنو عمه: ما لك يا محمد؟ قال: نهيت أن أقوم عند هذا الصنم [ (2) ] . وخرج الحافظ أبو أحمد بن عدي من حديث عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن سفيان الثوري عن عبد اللَّه بن عقيل عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال:   [ (1) ] ما بين القوسين سقط من (خ) وما أثبتناه من كتب السيرة، والحديث أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) : 186- 187 ، حديث رقم (129) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 158. [ (2) ] سبق الإشارة إليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يشهد مع المشركين مشاهدهم، قال: فسمع ملكين خلفه وأحدهما يقول لصاحبه: اذهب حتى نقوم خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كيف نقوم خلفه وإنما عهده باستلام الأصنام قبيل؟ قال: فلم يعد بعد ذلك أن يشهد مع المشركين مشاهدهم. قال أبو القاسم الطبراني في تفسير قول جابر: وإنما عهده باستلام الأصنام يعني أنه شهد مع من استلم الأصنام وذلك قبل أن يوحى إليه [ (1) ] .   [ (1) ] (المطالب العالية) : 4/ 179، حديث رقم (4261) قال في هامشه: «هذا الحديث أنكره الناس على عثمان بن أبي شيبة فبالغوا، والمنكر منه قوله عن الملك أنه قال: عهده باستلام الأصنام، فإن ظاهره أنه باشر الاستلام، وليس ذلك مرادا، بل المراد أن الملك أنكر شهوده لمباشرة المشركين قبل البعثة منكرا عليهم. وقال البوصيري: رواه أبو يعلي بسند فيه عبد اللَّه بن محمد بن عقيل. وقال الهيثمي: فيه عبد اللَّه بن محمد، ولا يحتمل هذا من مثله، إلا أن يكون يشهد تلك المشاهد للإنكار، وهذا يتجه. وبقية رجاله رجال الصحيح 80/ 266. وفي الباب بعده: باب البيان بأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما مسّ الصنم إنما مسّه موبّخا لعابديه، حديث رقم (4262) : ابن بريدة عن أبيه قال: دخل جبريل المسجد الحرام فطفق ينقلب، فبصر بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم نائما في ظل الكعبة، فأيقظه، فقام، وهو ينفض رأسه ولحيته من التراب، فانطلق به نحو باب بني شيبة، فتلقاهما ميكائيل، فقال جبريل لميكائيل: ما منعك أن تصافح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أجد من يده ريح النحاس، وكأن جبريل أنكر ذلك، فقال: أفعلت ذلك؟ فكأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نسي، ثم ذكر فقال: «صدق أخي، مررت أوّل من أمس على إساف ونائلة، فوضعت يدي على أحدهما فقلت: إن قوما رضوا بكما إلها مع اللَّه قوم سوء» . هذا الحديث ضعّف البوصيري سنده لضعف صالح بن حبان، وقد استدل به الحافظ على كون الحديث الأول (4261) مصروفا عن الظاهر. وأيضا في (المطالب العالية) 4/ 95- 96، حديث رقم (4057) : زيد بن حارثة قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما حارا من أيام مكة، وهو مردفى إلى نصب من الأنصاب، وقد ذبحنا له شاة فأنضجناها قال: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يا زيد! ما لي أرى قومك قد شنفوا لك؟» -[شنف له: إذا أبغضه]- قال: واللَّه يا محمد إن ذلك لغير نائلة لي منهم، ولكني خرجت أبتغي هذا الدين حتى أقدم على أحبار فدك، فوجدتهم يعبدون اللَّه ويشركون به، فقلت: ما هذا الدين الّذي أبتغي، فقال شيخ منهم: إنك لتسأل عن دين ما نعلم أن أحدا يعبد اللَّه به إلا شيخا بالحيرة، فخرجت، حتى أقدم فلما رآني قال: ممّن أنت؟ قلت: من أهل بيت اللَّه ومن أهل الشوك والقرظ -[ورق السلم يدبغ به]- فقال: إن الّذي تطلب قد ظهر ببلادك، قد بعث نبي قد طلع نجمه، وجميع من رأيتهم في ضلال، فلم أحسّ بشيء بعد يا محمد، قال: فقرب إليه السفرة فقال: ما هذا؟ قال: «شاة ذبحناها لنصب من الأنصاب» فقال: ما كنت لآكل مما لم يذكر اسم اللَّه عليه، قال زيد بن حارثة: فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم البيت فطاف به وأنا معه، وبالصفا والمروة، وكان عند الصفا والمروة صنمان من نحاس، أحدهما يقال له: يساف، والآخر يقال له: نائلة، وكان المشركون إذا طافوا مسحوا بهما، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لا تمسحهما فإنّهما رجس» فقلت في نفسي: لأمسّهما حتى انظر ما يقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمسحتهما، فقال: «ألم تنه؟» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 وقد أنكر الإمام أحمد هذا الحديث جدا وقال: هذا موضوع أو شبيه بالموضوع. وقال الدارقطنيّ: أن عثمان وهم في إسناده. قال القاضي عياض: والحديث بالجملة منكر غير متفق على إسناده فلا يلتفت إليه، والمعروف عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خلافه عند أهل العلم من قوله: بغضت إلى الأصنام [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من حديث موسى بن عقبة، أخبرني سالم أنه سمع عبد اللَّه بن عمر يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح وذلك قبل أن ينزل على رسول اللَّه الوحي فقدم إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سفرة [ (2) ] فيها لحم فأبى أن يأكل، قال: لا آكل ما يذبحون على أنصابهم، إني لا آكل إلا مما ذكر اسم اللَّه عليه [ (3) ] ، وإن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها اللَّه وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض المرعى، ثم يذبحونها على غير اسم اللَّه إنكارا لذلك وإعظاما له.   [ (1) ] قال الهيثمي: رواه أبو يعلي، والبزار، ورجالهما ورجال أحد أسانيد الطبراني رجال الصحيح، غير محمد بن علقمة، وهو حسن الحديث (9/ 418) . وقال البوصيري: رواه النسائي في الكبرى في كتاب الحج بسند رجاله ثقات. (المرجع السابق) ، وذكره ابن كثير في (البداية والنهاية) : 2/ 352، وفي (السيرة الشامية) : المراد بالمشاهد مشاهد الحلف ونحوها، لا مشاهد استلام الأصنام. (هامش المرجع السابق) ، ونحوه في (دلائل البيهقي) : 2/ 34- 36. [ (2) ] السفرة: السفرة بالضم طعام المسافر (ترتيب القاموس) ج 2 ص 571. [ (3) ] كذا في (خ) وباختلاف يسير في اللفظ في السنن الكبرى للبيهقي ج 9 ص 251 وصحيح البخاري ج 3 ص 310 ومسند أحمد ج 2 ص 69، ص 89 وفيهم (إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم) بدلا من (لا آكل ما يذبحون على أنصابهم) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 وخرج من حديث عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يعيب أكل ما ذبح لغير اللَّه، فما ذقت شيئا ذبح على النصب حتى أكرمني اللَّه بما أكرمني به من رسالته. وقال عمرو بن شيبة: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا ابن وهب، حدثنا عبد اللَّه بن عمر أنه بلغه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن أول ما أوقع اللَّه في نفس هذا الأمر أن عمي أبا طالب ذبح للأنصاب فبعثني بلحم على حمار إليها، فمررت بزيد بن عمرو بن نفيل [ (1) ] فقلت: يا عم، ألا نأكل من هذا اللحم؟ قال: يا ابن أخي، إني   [ (1) ] هو زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، كان ممن فرّ إلى اللَّه من عبادة الأصنام، وساح في أرض الشام يتطلّب الدين القيم، فرأى اليهود والنصارى، فكره دينهم، وقال: اللَّهمّ إني على دين إبراهيم، ولكن لم يظفر بشريعة إبراهيم عليه السلام كما ينبغي، ولا رأى من يوقفه عليها، وهو من أهل النجاة، فقد شهد له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يعش حتى بعث. وروى هشام بن عروة فيما نقله عن ابن أبي الزناد، أنه بلغه أن زيد بن عمرو كان بالشام، فلما بلغه خبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقبل يريده، فقتله أهل ميفة بالشام. وروى الواقدي أنه مات فدفن بأصل حراء، وقال ابن إسحاق: قتل ببلاد لحم. والظاهر أن زيدا رحمه اللَّه توفى قبل المبعث، فقد نقل ابن إسحاق أن ورقة بن نوفل رثاه بأبيات منها: رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما ... تجنّبت تنّورا من النّار حاميا بدينك ربا ليس ربّ كمثله ... وتركك أوثان الطواغي كما هيا (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 17، ترجمة رقم (7) . وقال الحافظ ابن حجر: إنّ زيد بن عمرو، وورقة بن نوفل، خرجا يلتمسان الدين، حتى انتهيا إلى راهب بالموصل، فقال لزيد بن عمرو: من أين أقبلت يا صاحب البعير؟ فقال: من بنيّه إبراهيم، قال: وما تلتمس؟ قال: ألتمس الدين، قال: ارجع، فإنه يوشك أن يظهر الّذي تطلب في أرضك، فأمّا ورقة فتنصّر، وأما أنا فعرضت عليّ النصرانية، فلم يوافقني، فرجع وهو يقول: لبيك حقّا حقّا ... تعبّدا ورقّا البرّ أبغي لا الخال ... وهل يرى مهجرا كمن قال آمنت بما أمر به إبراهيم ثم يقول: أنفي لربّ البيت عان راغم ... مهما تجشّمني فإنّي جاشم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 لا آكل من ذبائحكم هذه [ (1) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس [ (2) ] ، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر اللَّه نبيه أن   [ () ] عذت بما عاذ به إبراهيم ... مستقبل القبلة وهو قائم ثم يخر فيسجد [ذو خال: أي كبر، المهجّر: المسافر في الهاجرة، قال: من القيلولة] قال: وجاء ابنه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه، إن أبي كان كما رأيت وكما بلغك فاستغفر له، قال: «نعم، فإنه يبعث يوم القيامة أمّة وحده» . (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) 4/ 94- 95 باب (زيد بن عمرو بن نفيل العدوي والد سعيد، أحد العشرة، وورقة) ، حديث رقم (4055) ، انظر أيضا: (البداية والنهاية) : 2/ 296- 302. قال البخاري في صحيحه: حدثنا معلي بن أسد، حدثنا عبد العزيز- يعني ابن المختار- أخبرنا موسى ابن عقبة قال: أخبرني سالم أنه سمع عبد اللَّه يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح، وذاك قبل أن ينزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوحي، «فقدم إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سفرة لحم، فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذكر اسم اللَّه عليه» ، وفي الرواية التي في آخر المناقب: «فقدم إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سفره» وللكشميهنى: «فقدم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سفرة» وجمع ابن المنير بين هذا الاختلاف بأن القوم الذين كانوا هناك قدموا السفرة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقدمها لزيد، فقال زيد مخاطبا لأولئك القوم ما قال. (فتح الباري) : 9/ 785- 786 كتاب الذبائح والصيد، باب ما ذبح على النصب والأصنام، حديث رقم (5499) ، ونحوه 7/ 179- 180 كتاب مناقب الأنصار، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، حديث رقم (3826) ، وزاد فيه بعد قوله: «ولا آكل إلا ما ذكر اسم اللَّه عليه» ، «وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها اللَّه، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم اللَّه، إنكارا لذلك وإعظاما له» . [ (1) ] (المطالب العالية) : 4/ 95، وفيه: وأتي زيد بن عمرو على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه زيد بن حارثة، وهما يأكلان من سفرة لهما، فدعواه لطعامهما، فقال زيد بن عمرو للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: «انا لا نأكل مما ذبح على النّصب» قال الهيثمي: رواه أحمد وفيه المسعودي وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات. [ (2) ] التحمّس: التشدّد، وكانوا قد ذهبوا في ذلك مذهب التزهّد والتألّه، فكانت نساؤهم لا ينسجن الشّعر ولا الوبر، وكانوا لا يسلئون السمن، وسلأ السمن: أن يطبخ الزبد حتى يصير سمنا، ومن القبائل التي آمنت مع قريش بالحمس: كنانة، وخزاعة. (الروض الأنف) : 1/ 299- 230. قال ابن إسحاق: وقد كانت قريش- لا أدري أقبل الفيل أم بعده- ابتدعت رأي الحمس رأيا رأوه فقالوا: نحن بنو إبراهيم، وأهل الحرمة، وولاة البيت، وقطّان مكة وساكنها، فليس لأحد من العرب مثل حقنا، ولا مثل منزلتنا، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا، فلا تعظّموا شيئا من الحلّ كما تعظمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفّت العرب بحرمتكم، وقالوا: قد عظموا من الحل مثل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 يأتي عرفات فيقف بها ثم يفيض منها، فذلك قوله عزّ وجل: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ [ (1) ] . ذكره البخاري في كتاب التفسير [ (2) ] ، وخرجه أبو داود   [ () ] ما عظموا من الحرم، فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويرون لسائر العرب أن يفيضوا منها، إلا أنهم قالوا: نحن أهل الحرم، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة، ولا نعظم غيرها، كما نعظهما نحن الحمس، والحمس: أهل الحرم، ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكن الحل والحرم مثل الّذي لهم بولادتهم إياهم، يحل لهم ما يحل لهم ويحرم عليهم ما يحرم عليهم. قال ابن هشام: وحدثني أبو عبيدة النحويّ: أن بني عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن دخلوا معهم في ذلك. قال ابن إسحاق: ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن لهم، حتى قالوا: لا ينبغي للحمس أن يأتقطوا الأقط، ولا يسئلوا السمن وهم حرم، ولا يدخلوا بيتا من شعر، ولا يستظلوا- إن استظلوا- إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرما، ثم رفعوا في ذلك فقالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحلّ إلى الحرم إذا جاءوا حجّاجا أو عمّارا، ولا يطوفون بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس. فإن لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة. ومن طاف منهم في ثيابه التي جاء فيها من الحلّ ألقاها، فلم ينتفع بها هو ولا غيره، وكانت العرب تسمي تلك الثياب: اللّقى، فحملوا على ذلك العرب فدانت به، ووقفوا على عرفات وأفاضوا منها، وطافوا بالبيت عراة، أما الرجال فيطوفون عراة، وأما النساء فتضع إحداهنّ ثيابها كلّها إلا درعا مفرّجا عليها، ثم تطوف فيه، فقالت امرأة من العرب، وهي كذلك تطوف بالبيت: اليوم يبدو بعضه أو كلّه ... وما بدا منه فلا أحلّه ويذكر أن هذه المرأة هي: ضباعة بنت عامر بن صعصعة، ثم من بني سلمة بن قشير. وذكر محمد بن حبيب أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خطبها، فذكرت له عنها كبرة، فتركها، فقيل إنها ماتت كمدا وحزنا على ذلك. قال ابن حبيب: إن كان صح هذا، فما أخّرها عن تكون أما للمؤمنين، وزوجا لرسول رب العالمين إلا قولها «اليوم يبدو بعضه أو كلّه» تكرمة من اللَّه لنبيه، وعلما منه بغيرته، واللَّه أغير منه ومن اللّقى: حديث فاختة أم حكيم بن حزام، وكانت دخلت الكعبة، وهي حامل متمّ بحكيم بن حزام، فأجاءها المخاض، فلم تستطع الخروج من الكعبة، فوضعته فيها، فلفّت في الأنطاع هي وجنينها، وطرح مثبرها [المثبر: مسقط الولد] وثيابها التي كانت عليها، فجعلت لقي لا تقرب. ومما ذكر من تعرّيهم في الطواف أنّ رجلا وامرأة طافا كذلك، فانضم الرجل إلى المرأة تلذّذا واستمتاعا، فلصق عضده بعضدها، ففزعا عند ذلك، وخرجا من المسجد، وهما ملتصقان، ولم يقدر أحد على فك عضده من عضدها، حتى قال لهما قائل: توبا مما كان في ضميركما، وأخلصا للَّه التوبة، ففعلا، فانحلّ أحدهما من الآخر. (سيرة ابن هشام) : 2/ 21- 26. [ (1) ] (البقرة: 199) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 236، كتاب التفسير، باب ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ حديث رقم (4520) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 بمثله [ (1) ] . وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: حدثني عبد اللَّه بن أبي [أحمد بن جحش] عن عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن جبير عن أبيه قال: لقد لقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على دين قومه وهو يقف على بعرفات من بين قومه حتى يدفع بعدهم توفيقا من اللَّه له [ (2) ] . وقد خرج البخاري ومسلم هذا الحديث من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو، سمع محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير بن مطعم قال: أضللت بعيرا لي فذهبت أطلبه يوم عرفة، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقفا مع الناس بعرفة فقلت: واللَّه إن هذا لمن الحمس، فما شأنه ها هنا؟ وكانت قريش تعد من الحمس [ (3) ] .   [ (1) ] (عون المعبود) : 5/ 271- 272، كتاب المناسك، باب الوقوف بعرفة، حديث رقم (1907) ، (تحفة الأحوذي) : 3/ 532، أبواب الحج، باب ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء فيها، حديث رقم (885) ، وقال فيه: «يقفون بالمزدلفة يقولون: نحن قطين اللَّه» قال في القاموس: قطن قطونا: أقام، وفلانا خدمه فهو قاطن، والجمع قطان، وقاطنة، وقطين، وقطين اللَّه، على حذف المضاف، أي سكان بيت اللَّه. قال أبو عيسى: هذا الحديث حسن صحيح. ومعنى الحديث: أن أهل مكة كانوا لا يخرجون من الحرم، وعرفات خارج من الحرم، فأهل مكة كانوا يقفون بالمزدلفة ويقولون: نحن قطين اللَّه، يعني سكان اللَّه، ومن سوى أهل مكة كانوا يقفون بعرفات، فأنزل اللَّه تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ (المرجع السابق) : 533. [ (2) ] (البداية والنهاية) : 2/ 352، و (دلائل البيهقي) : 2/ 37، وقال البيهقي: قوله: «على دين قومه» معناه: على ما كان قد بقي فيهم من إرث إبراهيم وإسماعيل، في حجّهم، ومناكحهم، وبيوعهم، دون الشرك، فإنه لم يشرك باللَّه قط. وما بين القوسين زيادة من المرجعين السابقين. [ (3) ] (فتح الباري) : 3/ 657، كتاب الحج، باب الوقوف بعرفة، حديث رقم (1664) ، قال الكرماني: وقفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعرفة كانت سنة عشر، وكان جبير حينئذ مسلما لأنه أسلم يوم الفتح فإن كان سؤاله عنه إنكارا وتعجبا، فلعله لم يبلغه نزول قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، وإن كان للاستفهام عن حكمة المخالفة عما كانت عليه الحمس فلا إشكال، ويحتمل أن يكون لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقفة بعرفة قبل الهجرة. (المرجع السابق) . وفي (البداية والنهاية) : 2/ 352: ويفهم من قوله هذا أيضا أنه كان يقف بعرفات قبل الوحي إليه، وهذا توفيق من اللَّه له. وخرجه الإمام أحمد من حديث جبير بن مطعم قال: «حدثنا عبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم الأنصاري، عن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، عن عمه نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير قال: «رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن ينزل عليه، وإنه لواقف على بعير له بعرفات مع الناس حتى يدفع معهم منها، توفيقا من اللَّه له» . (مسند أحمد) : 5/ 38، حديث رقم (16316) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 وأخرجه أبو بكر البرقاني وزاد بعد قوله: هذا من الحمس: فما باله خرج من الحرم، وكان سائر الناس تقف بعرفة، وذلك قول اللَّه عزّ وجل: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، قال سفيان: الأحمس: الشديد في دينه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 فصل في ذكر ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتديّن به قبل أن يوحي إليه قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن المبارك عن الأوزاعي عن عروة بن رويم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أول ما نهاني ربي عن عبادة الأصنام وعن شرب الخمر وعن ملاجأة الرجال [ (1) ] . قال الإمام أبو عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل رحمه اللَّه: من قال أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان على دين قومه فهو قول سوء، أليس كان لا يأكل مما ذبح على النصب؟. وقد خرج البيهقي من حديث يونس بن شبيب عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر عثمان بن أبي سليمان عن نافع عن جبير بن مطعم عن أبيه جبير قال: لقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على دين قومه وهو يقف على بعير له بعرفات من بين قومه حتى يدفع معهم توفيقا من اللَّه عزّ وجل له. قال البيهقي: قوله على دين قومه معناه: على ما كان قد بقي فيهم من إرث إبراهيم وإسماعيل في حجهم ومناكحهم وبيوعهم دون الشرك، فإنه لم يشرك باللَّه قط. وفيما ذكر من بغضه اللات والعزى دليل على ذلك [ (2) ] . وقال أبو نعيم: وما أضيف إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الذبح على النّصب خلاف ما كانت قريش تذبحه، لأن قريشا تذبحه عند الآلهة تقربا وتدينا وهو شرك وكفر، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد عصمه اللَّه من هذا، ويجوز أن يكون هذا الفعل في موضع ذبائحهم، فيكون القربان للَّه، كما لو صلّى إنسان من المسلمين في كنيسة صلاة الإسلام جاز، وهو في الظاهر مستقبح، ويحتمل أن يكون يحضر مذابحهم مداريا لأعمامه وعماته كما رواه ابن عباس رضي اللَّه عنه في قصة عيد بوانة على ما تقدم ذكرنا مع طمأنينة قلبه للإيمان وبغضه لأنصابهم وأعيادهم كما روينا، مع أن بعض الناس من أهل العلم كان يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على دين قومه في أكل ذبائحهم   [ (1) ] تلجّأ من القوم: انفرد عنهم وخرج عن زمرتهم وعدل إلى غيرهم. وفي حديث كعب: «من دخل ديوان المسلمين ثم تلجّأ منهم فقد خرج من قبة الإسلام» (المعجم الوسيط) ج 2 ص 815. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 37. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وغيره، محتجا بقوله تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [ (1) ] ، والأحرى والأشبه برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يضاف ذلك على ما قدمنا لأن قوله: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى تأولوه على غير وجه، فقيل: مغمورا في بحور ضلال، كقوله: ضل الماء في اللبن فلا يتميز منه، فكذلك كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مختلطا بقومه غير متميز منهم، فحمل الضلال على هذا الوجه. وقيل: وجدك ضالا عن الكتاب والشرائع كما قال تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [ (2) ] وكيف تحمل على غير ما اخترناه وتأولناه، وقد نهي عن التعري حين نقل الحجارة إلى بناء الكعبة مع قومه؟ أفلا تراه ينهى عن الشرك والتدين بدين قومه لو أراده عليه السلام. وقال أبو الوفاء بن عقيل: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متدينا قبل بعثه، فهل كان متعبدا بشريعة من قبله؟ فيه روايتان، إحداهما أنه كان متعبدا بما صح من شرائع من قبله بطريق الوحي إليه لا من جهتهم ولا بنقلهم ولا من كتبهم المبدلة، واختارها أبو الحسن التميمي، وهو قول أصحاب أبي حنيفة رحمه اللَّه. والرواية الثانية أنه لم يكن متعبدا بشيء من الشرائع إلا ما أوحي إليه في شريعته، وهو قول المعتزلة والأشعرية. ولأصحاب الشافعيّ رحمه اللَّه وجهان كالروايتين، قال: واختلف القائلون بأنه متعبد بشرع من قبله بأية شريعة كان يتعبد؟ فقال بعضهم بشريعة إبراهيم عليه السلام خاصة، وإليه ذهب أصحاب الشافعيّ. وذهب قوم منهم إلى أنه كان متعبدا بشريعة موسى عليه السلام إلا ما نسخ في شرعنا. قال: وظاهر كلام أحمد رحمه اللَّه: أنه كان متعبدا بكل ما صح أنه شريعة لنبي قبله ما لم يثبت نسخه، يدل عليه قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [ (3) ] . وقال النووي: والمختار أنه لا يجزم في ذلك بشيء، إذ ليس فيه دلالة عقل، ولا يثبت فيه نص ولا إجماع. وقال محمد بن قتيبة: لم تزل العرب على بقايا من دين إسماعيل، من ذلك: حج البيت، والختان، وإيقاع الطلاق إذا كان ثلاثا، وأن للزوج الرجعة في الواحدة والاثنين، ودية النفس مائة من الإبل، والغسل من الجنابة، وتحريم ذوات المحارم   [ (1) ] الضحى: 7. [ (2) ] الشورى: 52. [ (3) ] الأنعام: 90. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 بالقرابة والصهر، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ما كانوا عليه من الإيمان باللَّه والعمل بشرائعهم في الختان والغسل والحج. قال: وقوله تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ يعني به شرائع الإيمان، ولم يرد به الإيمان الّذي هو الإقرار [بوحدانية] [ (1) ] اللَّه تعالى، لأن آباءه الذين ماتوا في الشرك كانوا يؤمنون باللَّه ويحجون له مع شركهم. وذكر الإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازيّ: في المسألة بحثان: الأول: أنه قبل النبوة هل كان متعبدا بشرائع من قبله؟ أثبته قوم ونفاه آخرون، وتوقف فيه ثالث، احتج المنكرون بأمرين، الأول: لو كان مقيدا بشرع أحد لوجب عليه الرجوع إلى علماء تلك الشريعة والاستفتاء منهم، والأخذ بقولهم، ولو كان كذلك لاشتهروا ولنقل بالتواتر قياسا على سائر أحواله، فحيث لم ينقل علمنا أنه ما كان متعبدا بشرعهم. الثاني: لو كان على ملة قوم لافتخر به هؤلاء القوم ونسبوه إلى أنفسهم ولاشتهر ذلك. فإن قيل: ولو لم يكن متعبدا بشرع أحد، فبقاؤه لا على شرع أحد البتة لا يكون شيئا مخالفا للعادة فلا تتوفر الدواعي على نقله، أما كونه شرع، إما كان على خلاف عادة قومه وجب أن ينقل، احتجوا بأمرين: الأول: أن دعوة من تقدمه كانت عامة فوجب دخوله فيها، الثاني أنه كان يركب البهيمة ويأكل اللحم ويطوف بالبيت. والجواب عن الأول: أنا لا نسلم عموم دعوة من تقدمه سلمناه، لكن لا نسلم وصول تلك الدعوة إليه بطريق، فوجب العلم أو الظن الغالب، وهذا من زمن الفترة، وعن الثاني أن نقول: أما ركوب البهائم فحسن في العقل إذا كان طريقا إلى حفظها ونفعها بالعلف وغيره، وأما أكل اللحم الذكي فحسن أيضا لأنه ليس فيه مضيرة على حيوان، وأما طوافه بالبيت فبتقدير ثبوته لا يجب، أو فعله من غير شرع أن يكون حراما. البحث الثاني: في حالة بعد النبوة، قال جمهور المعتزلة وكثير من الفقهاء: لم يكن متعبدا بشرع أحد. وقال قوم من الفقهاء: بل كان متعبدا بذلك إلا باستثناء الدليل الراجح ثم اختلفوا، قال قوم: كان متعبدا بشرع إبراهيم عليه السلام، وقيل بشرع موسى عليه السلام، وقيل بشرع عيسى عليه السلام.   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 واعلم أن من قال: كان متعبدا بشرع من قبله، إما أن يريد أن اللَّه تعالى كان يوحي إليه بمثل الأحكام التي أمر بها من قبله، أو يريد به أن اللَّه تعالى أمره باقتباس الأحكام من كتبهم، فإن قالوا بالأول، فإما أن يقولوا به في كل شرعه أو في بعضه، والأول معلوم البطلان بالضرورة، لأن شرعنا يخالف شرع من قبلنا في كثير من الأمور. والثاني مسلم [به] [ (1) ] ولكن ذلك لا يقتضي إطلاق القول بأنه متعبد بشرع غيره لأن ذلك يوهم التبعية، وأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ما كان تبعا لغيره بل كان أصلا في شرعه. وأما الاحتمال الثاني وهو حقيقة المسألة فيدل على بطلانه وجوه: الأول: لو كان متعبدا بشرع أحد لوجب أن يرجع إلى أحكام الحوادث إلى شرعه، وأن لا يتوقف إلى نزول الوحي، لكن لم يفعل ذلك لوجهين: الأول: أنه لو فعل لاشتهر، والثاني أن عمر رضي اللَّه عنه طالع ورقة في التوراة فغضب صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي، ولما لم يكن كذلك علمنا أنه لم يكن متعبدا بشرع أحد، فإن قيل: الملازمة ممنوعة لاحتمال أن يقال: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم علم في تلك الصورة أنه غير متعبد فيها بشرع من قبله، ولا جرم توقف فيها على نزول الوحي عليه، أو لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم علم خلو شرعهم على حكم تلك الواقعة فانتظر الوحي، أو لأن أحكام تلك الشرائع إن كانت منقولة بالتواتر فلا يحتاج في معرفتها إلى الرجوع إليهم في كتبهم، وإن كانت منقولة بالآحاد لم يجز قبولها، لأن أولئك الرواة كانوا كفارا، ورواية الكفار غير مقبولة سلمنا الملازمة، لكن قد ثبت رجوعه إلى التوراة في الرجم لما احتكم إليه اليهود، والجواب قوله: إنما لم يرجع إليها في شيء من الوقائع إليهم، وجب أنت يكون ذلك لأنه علم أنه غير متعبد في شيء منها بشرع من قبله، قوله: إنما لم يرجع إليها لعلمه بخلو كتبهم عن تلك الوقائع، قلنا: العلم بخلو كتبهم عنها لا يحصل إلا بالمطلب الشديد والبحث الكثير، فكان يجب أن يقع منه ذلك الطلب والبحث. قوله: «ذلك الحكم إما أن يكون متواترا أو آحادا» قلنا: يجوز أن يكون متن الدليل متواترا إلا أنه لا بد من العلم بدلالته على المطلوب من نظر كثير أو بحث دقيق، وكان يجب اشتغال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنظر في كتبهم، والبحث عن كيفية دلالتها على الأحكام. قوله: «رجع في الرجم إلى التوراة» قلنا: لم يكن   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 رجوعه إليها رجوع مثبت الشرع بها، والدليل عليه أمور، أحدها: أنه لم يرجع إليها في غير الرجم، وثانيها: أن التوراة محرفة عنده، فكيف يعتمد عليها؟ وثالثها: أن من أخبره بوجوب الرجم في التوراة لم يكن ممن يقع العلم بخبره، فثبت أن رجوعه إليها كان ليقرر عليهم أن ذلك الحكم أنه ثابت في شرعه فهو أيضا ثابت في شرعهم، وأنهم أنكروه كذبا وعنادا. الحجة الثانية أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لو كان متعبدا بشرع من قبله لوجب على علماء الأمصار أن يرجعوا في الوقائع إلى شرع من قبله ضرورة أن التأسي به واجب، وحيث [أنهم] [ (1) ] لم يفعلوا ذلك علمنا بطلان ذلك. الحجة الثالثة: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم صوّب معاذا على حكمه باجتهاده إذا عدم حكم الحادثة من الكتاب والسنة، ولو كان متعبدا بحكم التوراة كما تعبد بحكم الكتاب لم يكن له العمل باجتهاد نفسه حتى ينظر في التوراة والإنجيل، فإن قلت: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يصوب معاذا في العمل باجتهاده إلا إذا عدمه من الكتاب- والتوراة كتاب- ولأنه إنما لم يذكر التوراة لأن في القرآن آيات تدل على الرجوع إليها، كما أنه لم يذكر الإجماع لهذا السبب، قلنا: الجواب عن الأول من وجهين: أحدهما: أنه لا يفهم من إطلاق الكتاب إلا القرآن، فلا يحمل على غيره إلا بدليل. الثاني: أنه لم يعهد من معاذ قط تعليم التوراة والإنجيل بتمييز المحرف منهما عن غيره كما عهد منه تعلم القرآن، وبه ظهر الجواب عن الثاني. الحجة الرابعة: لو كانت تلك الكتب حجة علينا لكان حفظها من فروض الكفايات كما في القرآن والأخبار، ولرجعوا إليها في مواقع اختلافهم حين أشكل عليهم: كمسألة العول وميراث الجد والمفوضة، وبيع أم الولد وحد الشرب، والربا في غير النسيئة، ودية الجنين، والردّ بالعيب بعد الوطء، والتقاء الختانين وغير ذلك من الأحكام. ولما لم ينقل عن واحد منهم مع طول أعمارهم وكثرة وقائعهم، واختلافهم مراجعة التوراة، سيما وقد أسلم من أحبارهم من تقوم الحجة بقولهم، كعبد اللَّه بن سلام وكعب [الأحبار] ووهب، وغيرهم. ولا يجوز القياس إلا بعد اليأس من الكتاب، وكيف يحصل اليأس قبل العلم؟ احتجوا بأمور أحدها: قوله   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ [ (1) ] وثانيها: قوله تعالى: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [ (2) ] أمره أن يقتدي بهداهم، وثالثها: قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [ (3) ] ، ورابعها: قوله تعالى: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [ (4) ] ، وخامسها: قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً [ (5) ] . والجواب عن الأول يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ: لا يمكن إجراؤه على ظاهره، لأن جميع النبيين لم يحكموا بجميع ما في التوراة، ذلك معلوم بالضرورة، فوجب إما تخصيص الحكم وهو أن كل النبيين حكموا ببعضه وذلك لا يضرنا، فإن نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم حكم بما فيه من معرفة اللَّه تعالى وملائكته وكتبه ورسله، أو تخصيص النبيين وهو أن بعض النبيين حكموا بكل ما فيه وذلك لا يضرنا. وعن الثاني أنه تعالى أمر بأن [ (6) ] يهتدي بهدي مضاف إلى كلهم، وهداهم الّذي اتفقوا عليه هو الأصول دون ما وقع عليه النسخ. وعن الثالث: أنه يقتضي تشبيه الوحي بالوحي، لا تشبيه الوحي بالموحى به. وعن الرابع: أن المسألة محمولة على الأصول دون الفروع، ويدل عليه أمور، أحدها: أنه يقال: ملة الشافعيّ وأبي حنيفة واحدة وإن كان مذهبهما في كثير الشرعيات مختلفا، وثانيهما: قوله تعالى بعد هذه الآية: وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ (7) ] . وثالثها: أن شريعة إبراهيم عليه السلام قد اندرست. وعن الخامس: أن الآية تقتضي أنه وصى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بالذي وصى به نوحا من أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه، وأمرهما بإقامة الدين لا يدل على اتفاق دينهما، كما أن أمر الاثنين بأن يقوما بحقوق اللَّه تعالى يدل على أن الحق على أحدهما مثل الحق على الآخر، وعلى أن الآية تدل على أنه تعبّد محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بما وصى به نوحا عليه السلام، واللَّه أعلم. وقال الحافظ الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم: وأما شريعة   [ (1) ] المائدة: 44. [ (2) ] الأنعام: 90. [ (3) ] النساء: 163. [ (4) ] النحل: 123. [ (5) ] الشورى: 13. [ (6) ] في (خ) «بأن أن» . [ (7) ] البقرة: 135. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 إبراهيم عليه السلام فشريعتنا، ولسنا نقول: أن اللَّه تعالى بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الناس كافة بالشريعة التي بعث اللَّه تعالى بها إبراهيم إلى قومه خاصة دون سائر أهل عصره، وإنما لزمتنا لأن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث بها إلينا لا لأن إبراهيم بعث بها، قال تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [ (1) ] وقال تعالى: بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قال: تبلجت المسألة والحمد للَّه. قال: ونسخ اللَّه تعالى عنا بعض شريعة إبراهيم عليه السلام كما نسخ عنا ما كان يلزمنا من شريعة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمن ذلك ذبح الأولاد نسخ بقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ [ (2) ] ، وبقوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [ (3) ] ، وبقوله تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ [ (4) ] . ونسخ الاستغفار للمشركين بقوله تعالى: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [ (5) ] . قال: وقد قال قوم: ماذا كانت شريعة النبي قبل أن ينبّأ؟ والجواب: أن يقال: في نفس سؤالكم جوابكم، وهو قولكم: قبل أن ينبّأ، وإذا لم يكن نبيا فلم يكن مكلفا شيئا من الشرائع التي لم يؤمر بها، ومن قبل أن يكون مأمورا بما لم يؤمر به، فصح يقينا أنه لم يكن ألزم شيئا من الشريعة حاشا التوحيد اللازم لقومه من عهد إبراهيم لولده ونسله حتى غيّره عمرو بن يحيي، وحاشا ما صانه اللَّه من الزنا وكشف العورة والكذب والظلم وسائر الفواحش التي سبق في علم اللَّه تعالى [أنه] [ (6) ] سيحرمها عليه وعلى الناس. ذكر ما ورد في أنه عقّ عن نفسه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال الجلال: أخبرني أبو المثنى العنبري أن أبا دواد حدثهم قال: سمعت أحمد يحدث بحديث الهيثم بن جميل عن عبد اللَّه بن المثنى عن ثمامة عن أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عق عن نفسه.   [ (1) ] النحل: 123. [ (2) ] الأنعام: 151.، الإسراء: 31. [ (3) ] التكوير: 9. وفي (خ) «وإذا المودة» . [ (4) ] الأنعام: 140. [ (5) ] التوبة: 113. وفي (خ) «ما كان للنّبيّين» . [ (6) ] في (خ) «والتي» ولعل ما أثبتناه أجود للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 قال أحمد [بن] عبد اللَّه بن قتادة عن أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عق عن نفسه، منكر، وضعّف عبد اللَّه بن محرز قال الجلال: أخبرنا محمد بن عوف الحمصي، أخبرنا الهيثم بن جميل، حدثنا عبد اللَّه بن المثنى عن رجل من آل أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عقّ عن نفسه بعد ما جاءته النبوة [ (1) ] . وفي مصنف عبد الرزاق: أخبرنا عبد اللَّه بن محرز عن قتادة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عقّ عن نفسه بعد النبوة. قال عبد الرزاق: انما تركوا ابن محرز لهذا الحديث [ (2) ] .   [ (1) ] ذكره ابن القيم في (زاد المعاد) 2/ 332 وأخبر أنّ عبد اللَّه بن المثنى كثير الغلط فالسند ضعيف. [ (2) ] ذكره الحافظ في الفتح ج 9 ص 595 ونسبه للبزار وقال البزار: تفرد به عبد اللَّه بن محرز وهو ضعيف ووصفه الحافظ في (التقريب بقوله: متروك وأخرجه أبو الشيخ من وجهين آخرين: أحدهما من رواية إسماعيل بن مسلم عن قتادة وإسماعيل ضعيف أيضا، وقد قال عبد الرزاق: إنهم تركوا حديث عبد اللَّه بن محرز من أجل هذا الحديث، فلعل إسماعيل تركه منه. ثانيهما من رواية أبي بكر المستملي عن الهيثم بن جميل وداود بن المحبر قالا حدثنا عبد اللَّه بن المثنى عن ثمامة عن أنس، وداود ضعيف لكن الهيثم ثقة وعبد اللَّه من رجال البخاري فالحديث قوي الإسناد وقد أخرجه محمد بن عبد الملك بن أمين عن إبراهيم بن إسحاق السراج عن عمرو الناقد وأخرجه الطبراني في «الأوسط» عن أحمد بن مسعود كلاهما عن الهيثم بن جميل وحده به، فلولا ما في عبد اللَّه بن المثنى من المقال لكان هذا الحديث صحيحا، لكن قد قال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بقوي، وقال أبو داود: لا أخرج حديثه، وقال الساجي: فيه ضعف لم يكن من أهل الحديث وروى مناكير وقد قال العقيلي: لا يتابع على أكثر حديثه، قال ابن حبان في «الثقات» : ربما أخطأ، ووثقه العجليّ والترمذي وغيرهما، فهذا من الشيوخ الذين إذا انفرد أحدهم بالحديث لم يكن حجه أ. هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 فصل في ذكر بدء الوحي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكيف تراءى الملك له وإلقاؤه الوحي إليه وتقريره له أنه يأتيه من عند اللَّه عز وجل وأنه قد صار يوحى إليه نبيا ورسولا إلى الناس جميعا قال ابن سيده في كتاب المحكم: وجاء وحيا: كتب، والوحي المكتوب أيضا وعلى ذلك جمعوا فقالوا: أوحى، وأوحى إليه: ألهمه [ (1) ] ، وفي التنزيل: وَأَوْحى   [ (1) ] الوحي: ما يقع به الإشارة القائمة مقام العبارة من غير عبارة، فإن العبارة يجوز منها إلى المعنى المقصود بها، ولذا سميت عبارة، بخلاف الإشارة التي هي الوحي فإنّها ذات المشار إليه، والوحي هو المفهوم الأول، والإفهام الأول، ولا تعجب من أن يكون عين الفهم عين الإفهام عين المفهوم منه، فإن لم تحصل لك هذه النكتة فلست بصاحب وحي، ألا ترى أن الوحي هو السرعة، ولا سرعة أسرع مما ذكرنا، فهذا الضرب من الكلام يسمى وحيا، ولما كان بهذه المثابة وأنه تجلّ ذاتي، لهذا ورد في الحديث الّذي رواه ابن حبان في صحيحه، والقسطلاني في (إرشاد الساري) 1/ 167 من عدة طرق، وبألفاظ تزيد وتنقص، وكلها متقاربة المعنى: «أنّ اللَّه إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفاة فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذا جاءهم فزّع عن قلوبهم [كشف عنهم الخوف] فيقولون: يا جبريل، ماذا قال ربّك؟ فيقول: الحقّ، فينادون الحق وهو العلي الكبير» ، وما سألت الملائكة عن هذه الحقيقة وإنما عن السبب من حيث هويته. فالوحي: ما يسرع أثره من كلام الحق في نفس السامع، ولا يعرف هذا إلا العارفون بالشئون الآلهية، فإنّها عين الوحي الإلهي في العالم وهم لا يشعرون. وقد يكون الوحي إسراع الروح الإلهي بالإيمان بما يقع به الإخبار والمفطور عليه كلّ شيء مما لا كسب فيه من الوحي أيضا، كالمولود يلتقم ثدي أمه، ذلك من أثر الوحي الإلهي كما قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة: 85] ، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ [البقرة: 154] ، وقال تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، [النحل: 68] ، فلولا أنها فهمت من اللَّه وحيه لما صدر منها ما صدر، ولهذا لا تتصوّر معه المخالفة إذا كان الكلام وحيا، فإن سلطانه أقوى من أن يقاوم، وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص: 7] ، ولذا فعلت ولم تخالف، والحالة تؤذن بالهلاك ولم تخالف ولا تردّدت، ولا حكمت عليها البشرية بأن هذا من أخطر الأشياء، فدلّ على أن الوحي أقوى سلطانا في نفس الموحى إليه من طبعه الّذي هو عين نفسه، قال تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] ، وحبل الوريد من ذاته. فإذا زعمت يا وليّ بأن اللَّه أوحى إليك فانظر نفسك في التردّد والمخالفة، فإن وجدت لذاك أثر تدبير أو تفضيل أو تفكّر فلست بصاحب وحي، فإن حكم عليك وأعماك وأصمّك وحال بينك وبين فكرك وتدبيرك وأمضى حكمه فيك، فذلك هو الوحي، وأنت عند ذلك صاحب وحي، وعلمت عند ذلك أن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365   [ () ] رفعتك وعلوّ مرتبتك أن تلحق بمن يقول إنه دونك من حيوان أو نبات أو جماد، فإن كل شيء مفطور على العلم باللَّه، إلا أن مجموع الإنس والجانّ فإنه من حيث تفصيله منطو على العلم باللَّه كسائر ما سواهما من المخلوقات، من ملك، وحيوان، ونبات، وجماد، فما من شيء فيه شعر، وجلد، ولحم، وعصب، ودم، وروح، ونفس، وظفر، وناب، إلا هو عالم باللَّه، حتى ينظر ويفكّر، ويرجع إلى نفسه، فيعلم أن له صانعا صنعه، وخالقا خلقه، فلو أسمعه اللَّه نطق جلده، أو يده، أو لسانه، أو عينه، لسمعه ناطقا بمعرفته بربه، مسبّحا لجلاله، مقدّسا لجماله يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ [النور: 24] ، الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ [يس: 65] ، وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا [فصلت: 21] . فالإنسان من حيث تفصيله عالم باللَّه، ومن حيث جملته جاهل باللَّه حتى يعلم، أي يعلم بما في تفصيله، فهو العالم الجاهل، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: 17] . قال أبو القاسم الأصفهانيّ: الوحي: الإشارة السريعة، ولتضمّن السّرعة قيل: أمر وحيّ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز أو التعريض فالرمز: الصوت الخفيّ، أو الإشارة بالشّفة، والتعريض: خلاف التصريح، وهو تورية في القول، ولحن الكلام- وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وبالكتابة، وقد حمل على كل ذلك قوله تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم: 11] ، فقد قيل: رمز، وقيل: أشار، وقيل كتب، وحمل على هذه الوجوه أيضا قوله تعالى: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام: 112] ، وقوله: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ [الأنعام: 121] ، فلذلك بالوسواس المشار إليه بقوله: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ [الناس: 4] وبقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إن للشيطان لمّة» . ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه وحي، وذلك أضرب حسب ما دلّ عليه قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ [الشورى: 51] ، وذلك إما برسول مشاهد ترى ذاته، ويسمع كلامه، كتبليغ جبريل عليه السلام للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في صورة معيّنة، وإما بسماع كلام من غير معاينة، كسماع موسى عليه السلام كلام اللَّه تعالى. وإما بإلقاء في الرّوع [القلب أو النفس] ، كما ذكر صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إن روح القدس نفث في روعي» [رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي أمامة] ، وإما بإلهام نحو قوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص: 7] ، وإما بتسخير نحو قوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل: 68] وإما بمنام كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات» [الحديث أخرجه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة، عن ابن عباس، وأول الحديث: «أيها الناس، لم يبق من مبشرات النبوة ... ] . فالإلهام، والتسخير، والمنام، دلّ عليه قوله تعالى: إِلَّا وَحْياً [الشورى: 51] ، وسماع الكلام من غير معاينة، دلّ عليه قوله تعالى: مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشورى: 51] ، وسماع الكلام من غير معاينة، دلّ عليه قوله تعالى: مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشورى: 51] ، وتبليغ جبريل عليه السلام في صورة معيّنة، دل عليه قوله تعالى: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ [الشورى: 51] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [ (1) ] ، وفيه: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [ (2) ] أي إليها، فمعنى هذا: أمرها، ووحي في هذا المعنى وأوحى إليه ووحي إليه: أومأ. وفي التنزيل: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [ (3) ] . وقال الحافظ أبو نعيم [ (4) ] : ومعنى الوحي مأخوذ من الوحا، وهو العجلة، فلما   [ () ] وقوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ [الأنعام: 93] ، فذلك ذم لمن يدعي شيئا من أنواع ما ذكرنا من الوحي، أي نوع ادّعاه من غير أن يكون حصل له. وقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ [الأنبياء: 25] ، فهذا الوحي هو عامّ في جميع أنواعه، وذلك أن معرفة وحدانية اللَّه تعالى، ومعرفة وجوب عبادته، ليست مقصورة على الوحي المختص بأولي العزم من الرسل، بل ذلك يعرف بالعقل ولإلهام، كما يعرف بالسمع، فإذا القصد من الآية تنبيه أنه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانية اللَّه تعالى ووجوب عبادته. وقوله تعالى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي [المائدة 111] ، فذلك وحي بسواطة عيسى عليه السلام. وقوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ [الأنبياء: 73] فذلك وحي إلى الأمم بواسطة الأنبياء عليهم السلام. ومن الوحي المختص بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قوله تعالى: اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الأنعام: 106] ، وقوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ [يونس: 87] ، فوحيه إلى موسى بوساطة جبريل، وهارون بواسطة موسى عليهما السلام. وقوله تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ [الأنفال: 12] ، فذلك وحي إليهم بوساطة اللوح والقلم فيما قبل. وقوله تعالى: وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها [فصلت: 12] ، فإن كان الوحي إلى أهل السماء فقط، فالموحي إليه محذوف ذكره، كأنه قال: أوحى إلى الملائكة، لأن أهل السماء هم الملائكة، ويكون كقوله تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ [الأنفال: 12] ، وإن كان الموحي إليه هي السماوات، فذلك تسخير عند من يجعل السماء غير حيّ، ونطق عند من يجعله حيا. وقوله تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [الزلزلة: 5] ، قريب من الأول. وقوله تعالى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه: 114] ، فحث على التثبت في السّماع، وعلى ترك الاستعجال في تلقيه وتلقّنه. (بصائر ذوي التمييز) : 5/ 177- 182 . [ (1) ] النحل: 68. [ (2) ] الزلزلة: 5. [ (3) ] مريم: 11. [ (4) ] هو أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران المهراني الأصبهاني، نسبة إلى أصبهان، وهي بلدة في وسط إيران. وينقل ابن خلكان في (وفيات الأعيان) عن أبي نعيم نفسه أنه قد ذكر أن جده «مهران» قد أسلم، وكأنه يشير بذلك إلى أنه أول من أسلم من أجداده، وقد كان «مهران» هذا مولى لعبد اللَّه بن جعفر، هذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367   [ () ] نسبه من جهة أبيه. أما نسبه من جهة أمه، فقد ذكر في (تذكرة الحفاظ) أن أبا نعيم هو سبط -[ولد الولد ويغلب إطلاقه على ابن البنت]- محمد بن يوسف البناء، ومحمد بن يوسف البناء هذا كان عابدا، زاهدا، له شهرته في تلك البلاد، وله ذكر في غيرها من بلاد الإسلام والمسلمين، تخرج عليه جماعة من العباد الزهاد، قال عنه أبو نعيم في مقدمته لحلية الأولياء: «فقد كان جدي محمد بن يوسف البناء رحمه اللَّه، أحد من نشر اللَّه عزّ وجلّ به ذكر بعض المنقطعين إليه، وعمّر به أحوال كثير من المقبلين عليه» ، ترجم له ابن الجوزي في (صفة الصفوة) وعدّه من المصطفين من أهل أصبهان. وفي يوم مشرق من أيام رجب عام ست وثلاثين وثلاثمائة، كانت الولادة السعيدة لأبي نعيم، ولد ولادة عادية. دون أن يدري أحد من مستقبل هذا الطفل شيئا، وما أن فتح عينيه إلى النور، حتى رأى الناس جميعا وميض الذكاء فيهما، فتنبئوا له بمستقبل زاهر، إن تمّ له ما يتطلبه هذا الذكاء الفذّ من رعاية وتوجيه. بدت معالم الذكاء على أبي نعيم منذ نعومة أظفاره، ولذلك وجّهه والده الوجهة العلمية، لأن ذلك أحسن ميدان للذكاء، تتفتّح فيه العبقرية، ويعظم الأثر، وفعلا فقد بدأ الغلام بمجالسة العلماء، والسماع منهم في سنّ مبكرة جدا، ولم تمض سنوات حتى ذاع صيته بين العلماء، وامتدت شهرته في الآفاق، وأجاز له مشايخ الدنيا سنة نيف وأربعين وثلاثمائة، وقد كان له من العمر ست سنين. فأجاز له من واسط: المعمر عبد اللَّه بن عمر بن شوذب، ومن نيسابور: شيخها أبو العباس الأصمّ، ومن الشام: شيخها خيثمة بن سليمان الأطرابلسي، ومن بغداد: جعفر الخلدي، وأبو سهل بن زياد، وغيرهم خلق كثير، كلهم من علية القوم ورءوس العلماء، وقد كان بعض هؤلاء الذين أجازوه ممسكا عن الإجازة، ومع ذلك فقد أجازوا لأبي نعيم. قال الذهبي: وأجازه طائفة تفرّد في الدنيا بإجازتهم» . ولم يكن أبو نعيم من الذين يفترون بذكائهم وقوة حافظتهم فيعرضون عن الدّأب، بل كان يرى أن ما وهبه اللَّه من قوة الحافظة نعمة يجب أن يستغلها حق الاستغلال، مؤديا حق اللَّه تعالى فيها، ولذلك كان دائبا على العلم، عاكفا على المطالعة، فلم تكن تراه إلا مدرّسا، أو دارسا، أو مصنّفا، حتى قال عنه أحمد بن محمد بن مردويه: «لم يكن له غذاء سوى التسميع والتصنيف» ، فاجتمعت لأبي نعيم الأسباب الرئيسية التي تحمل الإنسان إلى المراتب، وهي الذكاء، والدأب، واللذة بما يعمل، فقد وصل أبو نعيم فعلا إلى أعلى المراتب العلمية في عصرة، وأطلق عليه ابن كثير في (البداية والنهاية) لقب «الحافظ الكبير» ، فقال: أبو نعيم هو الحافظ الكبير ذو التصانيف المفيدة الكثيرة الشهيرة. وقال عنه ابن خلكان في (وفيات الأعيان) : كان أبو نعيم من أعلام المحدثين وأكابر الحفاظ الثقات. أما الحافظ الذهبي، فقد أطلق عليه «محدّث العصر» فقال: أبو نعيم الحافظ الكبير محدّث العصر ... رحلت الحفاظ إلى بابه لعلمه وحفظ أسانيده. ويقول أحمد بن محمد بن مردويه: كان أبو نعيم في وقته مرحولا إليه، لم يكن في أفق من الآفاق أحد أحفظ منه ولا أسند منه، فإن حفاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده، وكل يوم نوبة أحد منهم، يقرأ ما يريده إلى قريب الظهر، فإذا قام أبو نعيم إلى داره، ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزءا، وكان لا يضجر. أما الخطيب البغدادي فإنه يقول: لم أر أحدا أطلق عليه اسم الحافظ غير أبي نعيم وأبي حازم العبدري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368   [ () ] ويذكر حمزة بن العباس العلويّ أنّ أصحاب الحديث قد قالوا: بقي أبو نعيم فترة طويلة من الزمن وهو لا نظير له أبدا، فقال: كان أصحاب الحديث يقولون: بقي الحافظ أبو نعيم أربع عشر سنة بلا نظير لا يوجد شرقا ولا غربا أعلى إسنادا منه، ولا أحفظ منه. وهكذا نجد أن المحدثين جميعا قد اتفقوا على أن أبا نعيم كان محدث عصره، وأنه لم يكن له نظير في كثرة ما يحفظ، ولا في علو الإسناد، والإسناد العالي: هو الّذي قلّ عدد رجاله مع سلامتهم من الضعيف، وهو على خمسة أقسام: [1] قربه من الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، [2] قربه من إمام من أئمة الحديث، [3] العلو بالنسبة إلى رواية الصحيحين، أو أحدهما، أو غيرهما من الكتب المعروفة المعتمدة، [4] العلو المستفاد من تقدم وفاة الراويّ، [5] العلو المستفاد من تقدم السماع. وحيازة محدث الأسانيد العالية، ميزة ترجحه على غيره من المحدثين، فالمحدثون يتحرون الأسانيد العالية، ويرحلون في طلبها، حتى قال الإمام أحمد بن حنبل رضي اللَّه عنه: «طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف» ، وذلك لأن العلوّ يبعد الإسناد عن الخلل، لأن كل رجل من رجال السند يحتمل أن يقع الخلل من جهته سهوا أو عمدا، ففي قلتهم قلتهم قلة جهات الخلل، وفي كثرتهم كثرة جهات الخلل، ولهذا رجح الحافظ أبو نعيم على غيره من محدثي عصره، فهو يحدث بأسانيد عالية لم تجتمع لأحد غيره من محدثي عصره. وقد أخذ أبو نعيم العلم من مسند أصبهان المعمّر أبي محمد بن فارس، وأبي أحمد العسّال، وأحمد بن محمد القصّار، وأبي بحر بن كوثر، وأبي القاسم الطبراني، وإبراهيم بن عبد اللَّه بن أبي العزائم الكوفي، وغيرهم كثير فأكثر وأجاد. قال الحافظ الذّهبي: «وتهيّأ له من لقيا الكبار ما لم يقع لحافظ» . وقد أخذ العلم من أبي نعيم خلق كثير، منهم: الخطيب البغدادي، وأبو صالح المؤذن، وأبو بكر محمد ابن إبراهيم العطار، وغيرهم كثير، حتى قال علي بن المفضل الحافظ: قد جمع شيخنا السلفي أخبار أبي نعيم، فسمي نحوا من ثمانين نفسا حدثوا عنه. ومما أخذه العلماء على أبي نعيم، أنه كان يخلط المسموع له بالمجاز، ولا يوضح أحدهما من الآخر، وأجاب الحافظ الذهبي عن هذه الدعوى وقال: ربما فعله نادرا. ومن هذه المآخذ: روايته الأحاديث الموضوعة دون التنبيه إليها في كثير من الأحيان، حتى قال في ميزان الاعتدال: هو عندي مقبول، لا أعلم له ذنبا أكبر من روايته الموضوعات ساكتا عنها، وهذه كبيرة من أبي نعيم لأن من كان مثله لا ينبغي له أن يروي شيئا من هذه الموضوعات دون التنبيه عليها، ولكن ذلك لا يقدح في عدالته وإمامته، ولعل أبا نعيم كان يكتفي بذكر السند عن التنبيه عليها. وقد أحسن أبو نعيم التصنيف، ولهذا فقد عدّه ابن الصلاح أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوريّ، المتوفى سنة [643 هـ] في مقدمته واحدا من سبعة من الذين أحسنوا التأليف، وعظمت الاستفادة من مصنفاتهم، فقال: «سبعة من الحفاظ في ساقتهم أحسنوا التصنيف، وعظم الانتفاع بتصانيفهم في عصرنا، منهم أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصبهاني الحافظ» . ومن أشهر مؤلفات أبي نعيم: [1] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، وقد طبع كتاب الحلية في عشر مجلدات، وقد حاز إعجاب العلماء في حسن تصنيفه، وغزارة مادته، فقال عنه ابن خلكان: «كتاب الحلية من أحسن الكتب» ، وقال عنه ابن كثير: «من كتب أبي نعيم الحلية، دلّ على رواية أبي نعيم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 كان الرسول متعجلا لما يفهم قيل لذلك التفهيم: وحي، وله مراتب ووجوه في القرآن: - وحي إلى الرسول، وهو أن يخاطبه الملك شفاها ويلقي ذلك في روعه، وذلك قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ [ (1) ] يريد بذلك خطابا يلقي فهمه في قلبه حتى يعيه ويحفظه. - وما عداه من غير خطاب، فإنما هو ابتداء إعلام وإلهام وتوقيف من غير كلام ولا خطاب كقوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [ (2) ] ، وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى [ (3) ] وما في معناهما.   [ () ] وكثرة مشايخة، وقوة اطلاعه في مخارج الحديث ... » ، ويذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ، أن أبا نعيم لما صنف كتاب الحلية، حمل الكتاب إلى نيسابور، فاشتروه بأربعمائة دينار» . [2] كتاب دلائل النبوة، فقد ساق أبو نعيم في هذا الكتاب الأحاديث بإسناده، دون أن ينبه إلى صحتها أو عدم صحتها، ودون أن يتكلم على أحد من رجال هذه الأسانيد، ودون أن يشير إلى وجودها في شيء من كتب المحدثين الذين تقدموه، وقد حوى هذا الكتاب خمسة وثلاثين فصلا، تحدثت عن أسماء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، واشتهار أمره قبل مبعثه، وذكر الكتب السماوية له، وتحدثها عن صفاته، وما خصه اللَّه به، وغير ذلك، وقد طبع الكتاب في الهند بعد مرة، في جزء واحد، بدون تحقيق، ثم طبع في دار النفائس [بيروت- لبنان] بتحقيق كل من: الدكتور/ محمد روّاس والأستاذ عبد البر عباس. وبعد أن امتدت حياة أبي نعيم أربعة وتسعين عاما، قضاها كلها، إلا الأعوام الأربعة الأولى منها، ما بين درس، ومدرسة، وتدريس، وفي يوم الاثنين الحادي والعشرين من محرم سنة ثلاثين وأربعمائة كما يذكر ابن خلكان، حمل النعي إلى العالم الإسلامي نبأ الفجيعة، نبأ وفاة أبي نعيم في أصفهان، فبكى الناس العالم المحقق، والزاهد العابد، والحافظ المحدّث، والمؤرخ المتبحر، رحمه اللَّه رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام خيرا. (دلائل النبوة) : 1/ 5- 15، (الحلية) : 1/ المقدمة، (البداية والنهاية) : 12/ 56، (وفيات الأعيان) : 1/ 91- 92، ترجمة رقم (33) ، (سير أعلام النبلاء) : 17/ 453- 464 ، ترجمة رقم (305) ، (الكامل في التاريخ) : 10/ 119، 254، 11/ 349، (طبقات الحفاظ) : 423، ترجمة رقم (958) ، (ميزان الاعتدال) : 1/ 111، ترجمة رقم (438) ، (الوافي بالوفيات) : 7/ 81- 84، ترجمة رقم (3024) ، (مرآة الجنان) : 3/ 52، (لسان الميزان) : 1/ 216، ترجمة رقم (638) ، (شذرات الذهب) : 3/ 245، (المستفاد من ذيل تاريخ بغداد) : 19/ 49- 52، ترجمة رقم (35) . [ (1) ] الشورى: 51. [ (2) ] النحل: 68. [ (3) ] القصص: 7. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 وقال ابن سيده [ (1) ] في كتاب المخصص: النبي هو من نبّأت، أي أخبأت، لأنه إنباء عن اللَّه، وأنبئ، ومن زعم أن أصله غير الهمز فقد أخطأ، لأن سيبويه قال: وليس أحد من العرب إلا وهو يقول: تنبأ مسيلمة، فلو كان من النبوة- كما ذهب إليه غير سيبويه لقالوا: تنبأ مسيلمة، وبعضهم يقول تنبّأ مسيلمة، كما أن سنة لما كانت من الهاء عند قوم ومن الواو عند آخريين، قالوا: سنهات وسنوات، وكذلك عضة، قالوا مرة عضاة ومرة عضوات، فكذلك النبي: لو كان من النبوة ومن النبأ لهمز مرة وترك همزة أخرى. قال: وزعم سيبويه [ (2) ] أن بعض أهل الحجاز يهمزون النبي، وهي لغة رديئة،   [ (1) ] هو الحافظ أبو الحسن علي بن إسماعيل، المعروف بابن سيدة المرسيّ، كان إماما في اللغة والعربية، حافظا لهما، وقد جمع في ذلك جموعا، من ذلك كتاب [المحكم] في اللغة، وهو كتاب كبير جامع، مشتمل على أنواع اللغة، وله كتاب [المخصص] في اللغة أيضا وهو كبير، وكتاب [الأنيق] في شرح الحماسة في ست مجلدات، وغير ذلك من المصنفات النافعة، وكان ضريرا، وأبوه ضريرا، وكان أبوه أيضا قيّما بعلم اللغة، وعليه اشتغل ولده في أول أمره، ثم على أبي العلاء صاعد البغدادي، وقرأ أيضا على أيضا على أبي عمر الطّلمنكيّ، قال الطلمنكي: ذهبت إلى مرسية، فتشبّث بي أهلها يسمعون عليّ [غريب المصنف لأبي عبيد] ، فقلت لهم: انظروا لي من يقرأ لكم وأمسك أنا كتابي، فأتوني برجل أعمى يعرف بابن سيدة، فقرأه عليّ من أوله إلى آخره، فتعجبت من حفظه، وكان له في الشعر حفظه وتصرف. توفي بحضرة [دانية] عشية يوم الأحد لأربع بقين من شهر ربيع الآخر، سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وعمره ستون سنة أو نحوها. رأيت على ظهر مجلد من المحكم بحفظ بعض فضلاء الأندلس أن ابن سيدة المذكور كان يوم الجمعة قبل يوم الأحد المذكور صحيحا سويا إلى وقت صلاة المغرب، فدخل المتوضّأ فأخرج منه وقد سقط لسانه، وانقطع كلامه، فبقي على تلك الحال إلى العصر من يوم الأحد ثم توفي، رحمه اللَّه. وقيل: سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، والأول أصح واشتهر. و [سيدة] : بكسر السين المهملة، وسكون الياء المثناة من تحتها، وفتح الدال المهملة، وبعدها ياء ساكنة. و [المرسيّ] : بضم الميم وسكون الراء، هذه النسبة إلى مرسية، وهي مدينة في شرق الأندلس، و [الطّلمنكيّ] : بفتح الطاء المهملة واللام والميم وسكون النون وبعدها كاف، هذه النسبة إلى طلمنكة، وهي مدينة في غرب الأندلس، إلى الغرب من وادي الحجارة، وقال الحميري: بينها وبين وادي الحجارة عشرون ميلا. (وفيات الأعيان) : 3/ 330- 331، ترجمة رقم (449) ، (مرآة الجنان) : 1/ 83، (سير أعلام النبلاء) : 18/ 144- 146، ترجمة رقم (78) ، (معجم مصنفي الكتب العربية) : 336، (كشف الظنون) : 1/ 691، 2/ 1616- 1617، (لسان الميزان) : 4/ 205- 206 ، (البداية والنهاية) : 12/ 116- 117. [ (2) ] إمام النحو، حجة العرب، أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر، الفارسيّ، ثم البصريّ، وقد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألّف فيها كتابه الكبير الّذي لا يدرك شأوه فيه. استملى على حمّاد بن سلمة، وأخذ النحو عن عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، والخليل، وأبي الخطاب الأخفش الكبير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 ولم يستردئ ذهابا منه إلى أن أصله غير الهمز، وإنما استردأها من حيث كثرة استعمال الجمهور من العرب لها من غير لها من غير همز. قال أبو عبيد [ (1) ] : قال يونس: أهل مكة يخالفون غيرهم من العرب، يهمزون   [ () ] وقد جمع يحى البرمكي ببغداد بينه وبين الكسائي للمناظرة. بحضور سعيد الأخفش، والفرّاء، وجرت مسألة الزنبور، وهي كذب: أظنّ الزّنبور أشدّ لسعا من النحلة فإذا هو إياها، فقال سيبويه: ليس المثل كذا، بل: فإذا هو هي: وتشاجرا طويلا، وتعصبوا للكسائي دونه، ثم وصله يحيى بعشرة آلاف، فسار إلى بلاد فارس، وكان قد قصد الأمير طلحة بن طاهر الخزاعي. ومعنى [سيب] : تفاح، و [ويه] : رائحة، [رائحة التفاح] . وقيل: كان فيه مع فرط ذكائه حبسة في عبارته، وانطلاق في قلمه. قال إبراهيم الحربيّ: سمي سيبويه، لأن وجنتيه كانتا كالتفاحتين، بديع الحسن. قال أبو زيد الأنصاري: كان سيبويه يأتي مجلس، وله ذؤابتان، فإذا قال: حدثني من أثق به فإنما يعنيني. وقال العيشي: كنا نجلس مع سيبويه في المسجد، وكان شابا جميلا نظيفا، قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب بسهم في كل أدب، مع حداثة سنة. عاش سيبويه اثنتين وثلاثين سنة، ومات بشيراز سنة ثمانين ومائة. (تاريخ بغداد) : 12/ 195- 199، ترجمة رقم (6658) ، (وفيات الأعيان) : 3/ 463- 465 ، ترجمة رقم (504) ، (مرآة الجنان) : 1/ 445، (البداية والنهاية) : 10/ 189- 190 ، (مفتاح السعادة ومصباح السيادة) : 1/ 128- 130، (شذرات الذهب) : 1/ 252. [ (1) ] هو الإمام الحافظ المجتهد ذو الفنون، أبو عبيد، القاسم بن سلّام بن عبد اللَّه، ولد سنة سبع وخمسين ومائة، وسمع إسماعيل بن جعفر، وشريك بن عبد اللَّه، وهشيما، وخلقا كثيرا، إلى أن ينزل إلى رفيقه هشام بن عمار، ونحوه، وقرأ القرآن على أبي الحسن الكسائي، وطائفة. وأخذ اللغة عن أبي عبيدة، وأبي زيد، وجماعة. وصنّف التصانيف المؤنقة، التي سارت بها الركبان، وهو من أئمة الاجتهاد، له كتاب [الأموال] في مجلد كبير، وكتاب [الغريب] ، وكتاب [فضائل القرآن] ، وكتاب [الطهور] ، وكتاب [الناسخ والمنسوخ] ، وكتاب [المواعظ] ، وكتاب [الغريب المصنف في علم اللسان] ، وغير ذلك، وله بضعة وعشرون كتابا. حدّث عنه نصر بن داود، وعباس الدوري، وآخرون. كما قال عبد اللَّه بن جعفر بن درستويه النحويّ: وكان ذا فضل ودين وستر، ومذهب حسن، ثقة ديّنا، ورعا، كبير الشأن. وقال أحمد بن كامل القاضي: كان أبو عبيد فاضلا في دينه وفي علمه، ربانيا، مفنّنا في أصناف علوم الإسلام من القرآن، والفقه، والعربية والأخبار، حسن الرواية، صحيح النقل، لا أعلم أحدا طعن في شيء من أمر دينه. عن ابن معين قال: أبو عبيد ثقة، وقال أبو داود: أبو عبيد ثقة مأمون، وقال الدارقطنيّ: إمام جبل. قال البخاري وغيره: مات سنة أربع وعشرين ومائتين بمكة، قال الخطيب: وبلغني أنه بلغ سبعا وستين سنة. (طبقات ابن سعد) : 7/ 355، (التاريخ الكبير) : 7/ 172، ترجمة رقم (778) ، (التاريخ الصغير) : 2/ 350، (المعارف) : 549، (الجرح والتعديل) : 7/ 111، ترجمة رقم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 النبي والبرية [ (1) ] ، وذلك قليل في الكلام. وقال [يعني ابن سيده] في كتاب المحكم في مادة ن ب أ: والنبي المخبر عن اللَّه عز وجل مكية، قال سيبويه: الهمز فيه لغة رديئة، يعني لقلة استعمالها، لا لأن القياس يمنع من ذلك، ألا ترى إلى قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد قيل له: يا نبئ اللَّه فقال: «لست بنبيء اللَّه ولكني نبيّ اللَّه» ، وذلك أنه عليه السلام أنكر الهمز في اسمه، فرده على قائله لأنه لم يرد بما سماه، فأشفق أن يمسك على ذاك وفيه شيء يتعلق بالشرع، فيكون بالإمساك عنه مبيح محظور أو حاظر مباح، والجمع أنبياء ونبآء، وتنبأ الرجل: ادعى النبوة. وقال في مادة ن ب و: والنبي العلم من أعلام الأرض التي يهتدى بها، قال بعضهم: ومنه اشتقاق النبي لأنه أرفع خلق اللَّه، وذلك لأنه يهتدى به. وقال أبو نعيم: فالنبوة هي سفارة العبد بين اللَّه وبين ذوي الألباب من خليقته، ولهذا يوصف أبدا بالرسالة والبعثة. وقيل: إن النبوة إزاحة علل ذوي الألباب فيما تقصر عقولهم عنه من مصالح الدارين، ولهذا يوصف دائما بالحجة والهداية ليزيح عللهم على سبيل الهداية و [السقيف] [ (2) ] . ومعنى النبي وذو النبأ والخبر أن يكون مخبرا عن اللَّه بما خصه به من الوحي-   [ () ] (637) ، (تاريخ بغداد) : 2/ 403- 416، ترجمة رقم (6868) ،) (صفوة الصفوة) : 4/ 117، ترجمة رقم (693) ، (الكامل في التاريخ) : 6/ 509، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 257، (وفيات الأعيان) : 4/ 60- 63، ترجمة رقم (534) ، (تهذيب التهذيب) : 8/ 283- 285 ، ترجمة رقم (574) ، (ميزان الاعتدال) : 3/ 371، ترجمة رقم (6807) ، (مرآة الجنان) : 2/ 83- 86، (البداية والنهاية) : 10/ 319- 320، (المزهر في علوم اللغة وأنواعها) : 2/ 411- 412، (مفتاح السعادة ومصباح السيادة) : 2/ 306، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/ 343، ترجمة رقم (5778) ، (طبقات الحفاظ) : 2/ 182- 183 ، ترجمة رقم (403) ، (الأموال) : 5- 9 (المقدمة) ، (الرسالة المستطرفة) : 35، (غريب الحديث) : (المقدمة) ، (سير أعلام النبلاء) : 10/ 490- 509، ترجمة رقم (164) . [ (1) ] النبيء، البريئة، وهي قراءة ورش، (رواية ورش عن الإمام نافع المدني) : للشيخ محمود الحصري. [ (2) ] كذا في (خ) ولم أجد لها معنى فيما بين يدي من المعاجم اللغوية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 وقيل إنها مشتقة من النّبوة التي هي المكان المرتفع عن الأرض، وهو أن يخص بضرب من الرفعة، فجعل سفيرا بين اللَّه وبين خلقه، يعنى بذلك وصفه بالشرف والرفعة. ومن جعل النبوة من الأنباء التي هي الأخبار، لم يفرق بين النبوة والرسالة، ومعنى الرسول: فهو المرسل، معول على لفظ مفعل، وإرساله أمره إياه بإبلاغ الرسالة والوحي. قال كاتبه: والنبي أصله بالعبرانية نبي- بضم النون وكسر الباء الموحدة ثم ياء آخر الحروف لا همز عليها- فلما عرّبت قيل: نبي بفتح النون، وهذا يؤيد أن ترك الهمز أشهر وأعرف، وفوق كل ذي علم عليم. تنبيه وإرشاد إلى معنى النبوة- واللَّه أعلم- وكيفية تلقي الأنبياء الوحي: اعلم أن اللَّه سبحانه اصطفى من البشر أشخاصا فضلهم بخطابه، وفطرهم على معرفته، وجعلهم وسائل بينه وبين عباده، يعرفونهم مصالحهم ويحرصون على هدايتهم، ويأخذون بحجزاتهم عن النار، ويدلونهم على طرق النجاة، وكان مما يلقيه اللَّه تعالى إليهم من المعارف، ويظهره على ألسنتهم من الخوارق، وقوع الكائنات المغيبة عن البشر التي لا سبيل إلى معرفتها إلا من اللَّه بوساطتهم، ولا يعلمونها إلا بتعليم اللَّه إياهم، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ألا وإني لا أعلم إلا ما علمني اللَّه» . واعلم أن خبرهم في ذلك من خاصته وضرورته الصدق، كما يتبين لك عند بيان حقيقة النبوة، وعلامة هذا الصنف من البشر أن يوجد لهم في حال الوحي غيبة عن الحاضرين، مع غطيط كأنها غشي أو إغماء وليست منها في شيء، إنما هي بالحقيقة استغراق في لقاء الملك الروحانيّ بإدراكهم المناسب لهم، الخارج عن مدارك البشر كلية. ثم يتنزل إلى المدارك البشرية إما سماع دوي من الكلام فيتفهمه، أو يتمثل له في صورة شخص يخاطبه بما جاء به من عند اللَّه، ثم ينجلي عنه تلك الحال، وقد وعى ما ألقي عليه. قال صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد سئل [ (1) ] عن الوحي:   [ (1) ] السائل هو: الحارث بن هشام المخزومي، أخو أبي جهل شقيقه، أسلم يوم الفتح، وكان من فضلاء الصحابة، واستشهد في فتوح الشام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 «أحيانا [ (1) ] يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليّ، فيفصم عني وقد وعيت   [ (1) ] [أحيانا] : جمع حين، يطلق على كثير الوقت وقليله، والمراد به هنا مجرد الوقت، فكأنه قال: أوقاتا يأتيني، وانتصب على الظرفية، وعامله «يأتيني» مؤخر عنه. ولابن حجر من وجه آخر عن هشام في بدء الخلق قال: كل ذلك يأتي الملك، أي كل ذلك حالتان فذكرهما، وروى ابن سعد من طريق أبي سلمة الماجشون، أنه بلغه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقول: «كان الوحي يأتيني على نحوين: يأتيني به جبريل فيلقيه عليّ كما يلقي الرجل على الرجل، فذاك ينفلت مني. ويأتيني في بيتي مثل صوت الجرس حتى يخالط قلبي، فذاك الّذي لا ينفلت مني» وهذا مرسل مع ثقة رجاله، فإن صحّ فهو محمول على ما كان قبل نزول تعالى تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ [القيامة: 16] ، فإن الملك قد تمثل رجلا في صور كثيرة، ولم ينفلت منه ما أتاه به، كما في قصة مجيئه في صورة دحية، وفي صورة أعرابي، وغير ذلك، وكلها في الصحيح. وأورد على ما اقتضاه الحديث- وهو أن الوحي منحصر في الحالتين- حالات أخرى: إما من صفة الوحي كمجيئه كدوي النحل، والنفث في الروع، والإلهام، والرؤيا الصالحة، والتكلم ليلة الإسراء بلا واسطة. وإما من صفة حامل الوحي كمجيئه في صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح، ورؤيته على كرسي بين السماء والأرض وقد سدّ الأفق. والجواب: منع الحصر في الحالتين المقدم ذكرهما وحملهما على الغالب، أو حمل ما يغايرهما على أنه وقع بعد السؤال، أو لم يتعرض لصفتي الملك المذكورتين لندورهما، فقد ثبت عن عائشة أنه لم يره كذلك إلا مرتين، أو لم يأته في تلك الحالة بوحي، أو أتاه به، فكان على مثل صلصلة الجرس، فإنه بيّن بها صفة الوحي، لا صفة حامله. وأما فنون الوحي، فدوي النحل لا يعارض صلصلة الجرس، لأن سماع الدويّ بالنسبة إلى الحاضرين- كما في حديث عمر- يسمع عنده كدوي النحل، والصلصلة بالنسبة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فشبهه عمر بدوي النحل بالنسبة إلى السامعين، وشبّهه هو صلّى اللَّه عليه وسلّم بصلصلة الجرس بالنسبة إلى مقامه. وأما النفث في الروع: فيحتمل أن يرجع إلى إحدى الحالتين، فإذا أتاه الملك في مثل صلصلة الجرس، نفث حينئذ في روعه. وأما الإلهام فلم يقع السؤال عنه، لأن السؤال وقع عن صفة الوحي الّذي يأتي بحامل، وكذا التكليم ليلة الإسراء. وأما الرؤيا الصالحة: فقال ابن بطال: لا ترد، لأن السؤال وقع عما ينفرد به عن الناس، لأن الرؤيا قد يشركه فيها غيره. والرؤيا الصادقة وإن كانت جزءا من النبوة، فهي باعتبار صدقها لا غير، وإلا لساغ لصاحبها أن يسمى نبيا وليس كذلك، ويحتمل أن يكون السؤال قد وقع عما في اليقظة، أو يكون حال المنام لا يخفي على السائل، فاقتصر على ما يخفى عليه، أو كان ظهور ذلك له صلّى اللَّه عليه وسلّم في المنام أيضا على الوجهين المذكورين لا غير. وقد ذكر الحليمي أن الوحي كان يأتيه على ستة وأربعين نوعا- فذكرها- وغالبها من صفات حامل الوحي، ومجموعها يدخل فيما ذكر. وحديث «إن روح القدس نفث في روعي» ، أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة، وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود. قوله: [مثل صلصلة الجرس] ، في رواية مسلم: «في مثل صلصلة الجرس، والصلصلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة: في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض، ثم أطلق على كل صوت له طنين، وقيل: هو صوت متدارك لا يدرك في أول وهلة، والجرس: الجلجل الّذي يعلق في رءوس الدواب، واشتقاقه من الجرس بإسكان الراء وهو الحسّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375   [ () ] وقال الكرماني: الجرس: ناقوس صغير أو سطل في داخله قطعة نحاس يعلق منكوسا على البعير، فإذا تحرك تحركت النحاسة فأصابت السطل فحصلت الصلصلة. فإن قيل: المحمود لا يشبّه بالمذموم، إذ حقيقة التشبيه إلحاق ناقص بكامل، والمشبه الوحي وهو محمود، والمشبه به صوت الجرس وهو مذموم لصحة النهي عنه، والتّنفير من مرافقة ما هو معلق فيه، والإعلام بأنه لا تصحبهم الملائكة، كما أخرجه مسلم، وأبو داود، وغيرهما، فكيف يشبه ما فعله الملك بأمر تنفر منه الملائكة؟. والجواب: أنه لا يلزم في التشبيه تساوي المشبه والمشبه به في الصفات كلها، بل ولا في أخصّ وصف له. بل يكفي اشتراكهما في صفة ما، فالمقصود هنا بيان الجنس، فذكر ما ألف السامعون سماعه، تقريبا لأفهامهم. والحاصل أن الصوت له جهتان: جهة قوة وطنين، فمن حيث القوة وقع التشبيه به، ومن حيث الطرب وقع التنفير عنه، وعلل بكونه مزمار الشيطان. قيل: والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي. قال الخطابي: يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد. وقيل: بل هو صوت خفيف أجنحة الملك. والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي، فلا يبقى فيه مكان لغيره. ولما كان الجرس لا تحصل صلصلته إلا؟ متدارك؟ وقع التشبيه دون غيره من الآلات. قوله: [وهو أشدّ عليّ] ، يفهم منه أن لوحي كلّه شديد، ولكن هذه الصفة أشدها، وهو واضح، لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أن كل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود، والحكمة فيه أن العادة جرت بالمناسبة بين القائل وسامع، وهي هنا إما باتصاف السامع بوصف القائل بغلبة الروحانية وهو النوع الأول، وإما باتصاف القائل بوصف السامع وهو البشرية وهو النوع الثاني، والأول أشدّ بلا شك. قوله: [فيفصم] بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة، أي يقلع ويتجلى ما يغشاني، ويروي بضم أوله، وفي رواية بضم أوله وفتح الصاد على البناء للمجهول، وأصل الفصم القطع، ومنه قوله تعالى: لَا انْفِصامَ لَها [البقرة: 256] ، وقيل: الفصم بالفاء القطع بلا إبانة، وبالقاف القطع بإبانة، فذكر بالفصم إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود، والجامع بينهما بقاء العلة. قوله: [وقد وعيت عنه ما قال] ، أي القول الّذي جاء به، وفيه إسناد الوحي إلى قول الملك، ولا معارضة بينه وبين قوله تعالى- حكاية عمن قال من الكفار-: إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر: 25] لأنهم كانوا ينكرون الوحي، وينكرون مجيء الملك به. قوله: [يتمثل لي الملك] ، التمثل مشتق من المثل، أي يتصور، واللام في الملك للعهد وهو جبريل، وقد وقع التصريح به في رواية ابن سعد، وفيه دليل على أن الملك يتشكل بشكل البشر. قال المتكلمون: الملائكة أجسام علوية لطيفة تتشكل أي شكل أرادوا، وزعم بعض الفلاسفة أنها جواهر روحانية. و [رجلا] ، منصوب بالمصدرية، أي يتمثل مثل رجل، أو بالتمييز، أو بالحال، والتقدير هيئة الرجل. قال إمام الحرمين: تمثل جبريل معناه أن اللَّه أفنى الزائد من خلقه، أو أزاله عنه، ثم يعيده إليه بعد. وجزم ابن عبد السلام بالإزالة دون الفناء، وقرر ذلك بأنه لا يلزم أن يكون انتقالها موجبا لموته، بل يجوز أن يبقى الجسد حيا، لأن موت الجسد بمفارقة الروح ليس بواجب عقلا، بل بعادة أجراها اللَّه تعالى في بعض خلقه. ونظيره انتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طيور خضر تسرح في الجنة. قال الحافظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» ويدركه أثناء ذلك   [ () ] في (الفتح) : وقال شيخنا شيخ الإسلام: ما ذكره إمام الحرمين لا ينحصر الحال فيه، بل يجوز أن يكون الآتي هو جبريل بشكله الأصلي، إلا أنه انضم فصار على قدر هيئة الرجل، وإذا ترك ذلك عاد إلى هيئته، ومثال ذلك القطن، إذا جمع بعد أن كان منتفشا، فإنه بالنّفش يحصل له صورة كبيرة، وذاته لم تتغير، وهذا على سبيل التقريب، والحق أن تمثل الملك رجلا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلا، بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه. والظاهر أيضا أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى، بل يخفى على الرائي فقط. واللَّه أعلم. قوله: [فيكلمني] ، كذا للأكثر، ووقع في رواية البيهقي من طريق القعنبي عن مالك «فيعلمني» بالعين بدل الكاف، والظاهر أنه تصحيف، فقد وقع في الموطأ رواية القعنبي بالكاف، وكذا للدارقطنيّ في حديث مالك من طريق القعنبي وغيره. قوله: [فأعي ما يقول] ، زاد أبو عوانه في صحيحه: «وهو أهونه عليّ» . وقد وقع التغاير في الحالتين، حيث قال في الأول: «وقد وعيت» بلفظ الماضي، وهنا: «فأعي» بلفظ الاستقبال، لأن الوعي حصل في الأول قبل الفصم، وفي الثاني حصل المكالمة، أو أنه كان في الأول قد تلبس بالصفات الملكية فإذا عاد إلى حالته الجبلّية كان حافظا لما قيل له، فعبر عنه بالماضي، فإنه على حالته المعهودة. قوله: [قالت عائشة] ، وحيث يريد التعليق يأتي بحرف العطف. وقد أخرجه الدار الدّارقطنيّ في حديث مالك من طريق عتيق بن يعقوب، عن مالك مفصولا عن الحديث الأول، وكذا فصلهما مسلم من طريق أبي أسامة عن هشام، ونكتة هذا الاقتطاع هنا، اختلاف التحمل، لأنها في الأول أخبرت عن مسألة الحارث، وفي الثاني أخبرت عما شاهدت تأييدا للخبر الأول. قوله: [ليتفصّد] بالفاء وتشديد المهملة، مأخوذ من الفصد، وهو قطع العرق لإسالة الدم، شبّه جبينه بالعرق المفصود مبالغة في كثرة العرق. وفي قولها: «اليوم الشديد البرد» دلالة على كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي، لما فيه من مخالفة العادة، وهو كثرة العرق في شدة البرد، فإنه يشعر بوجود أمر طارئ زائد على الطباع البشرية. قوله: [عرقا] ، بالنصب على التمييز، زاد ابن أبي الزناد عن هشام بهذا الإسناد عند البيهقي في الدلائل: «وإن كان ليوحى إليه وهو على ناقته فيضرب حزامها من ثقل ما يوحى إليه» . حكى العسكري في (التصحيف) عن بعض شيوخه أنه قرأ: «ليتقدّد» بالقاف، ثم قال العسكري: إن ثبت فهو من قولهم: تقصّد الشيء إذا تكسر وانقطع، ولا يخفى بعده. وفي حديث الباب من الفوائد: أن السؤال عن الكيفية لطلب الطمأنينة لا يقدح في اليقين، وجواز السؤال عن أحوال الأنبياء من الوحي وغيره، وأن المسئول عنه إذا كان ذا أقسام يذكر المجيب في أول جوابه ما يقتضي التفصيل. واللَّه أعلم (فتح الباري) : 1/ 23- 28، كتاب بدء الوحي باب (3) حديث رقم (2) ، (ابن سعد في طبقاته) : 1/ 198، (تحفة الأحوذي) : 10/ 78- 79، أبواب المناقب، باب (34) كيف كان ينزل الوحي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3877) ، (دلائل النبوة لأبي نعيم) : 223 باب وأما كيفية إلقاء الوحي إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (171) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 من الشدة [ (1) ] والغط ما لا يعبر عنه، ففي الحديث: كان مما يعالج من التنزيل شدة [ (1) ] ، وقالت عائشة رضي اللَّه عنها: «فلقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد [البرد] [ (2) ] فيفصم عنه وإن جبينه ليفصد عرقا» وقال تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [ (3) ] ولأجل هذه الحالة في تنزيل الوحي كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون ويقولون: له رئي أو تابع من الجن، وإنما لبس عليهم بما شاهدوه من ظاهر تلك الحال وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ [ (4) ] . ومن علاماتهم أيضا أنهم يوجد لهم قبل الوحي خلق الخير والزكاة ومجانبة المذمومات والرجس أجمع، وهذا هو معنى العصمة، وكأنه مفطور على التنزه عن المذمومات والمنافرة لها، وكأنها منافية لجبلته [ (5) ] ، واعتبر بسقوط إزار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [حين] انكشف كيف خرّ مغشيا عليه [ (6) ] ، وبقصده وليمة العرس كيف غشيه النوم ليله كله ولم يحضر شيئا من شأنهم [ (7) ] ، بل نزّهه اللَّه عن ذلك بجبلته [ (1) ] حتى أنه عليه السلام ليتنزه عن المطعومات المستكرهة، فلم يقرب البصل ولا الثوم، فلما قيل له في ذلك قال: إني أناجي من لا تناجي [ (8) ] ، وانظر لما أخبر .....   [ (1) ] قال بعضهم: وإنما كان شديدا عليه ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع، وقيل: إنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تهديد، وهذا فيه نظر، والظاهر أنه لا يختص بالقرآن، وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى والدرجات. (فتح الباري) : 1/ 27. [ (2) ] تكملة من (البخاري) . [ (3) ] المزمل: 5. [ (4) ] الرعد: 33.، الزمر: 23.، الزمر: 36.، غافر: 33. [ (5) ] جبل اللَّه الخلق يجبلهم ويجبلهم: خلقهم. وجبله على الشيء: طبعه. وجبل الإنسان على هذا الأمر أي طبع عليه، وجبلة الشيء: طبيعته وأصله وما بني عليه. قال تعالى: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً، خلقا كثيرا، وقوله تعالى: وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ، الخلقة الأولين. آية 62/ يس، آية 184/ الشعراء، على الترتيب. (لسان العرب) : 11/ 98- 99. [ (6) ] سبق ذكره وتخريجه، حيث أورده أبو نعيم في (دلائل النبوة) ، باب: «ومما عظّم به صلّى اللَّه عليه وسلّم وحرس منه أن لا يتعرى كفعل قومه وأهله، وإذا حفظ من التعري، فما فوقه أولى أن يعصم منه وينهى عنه» . [ (7) ] سبق ذكره وتخريجه، حيث أورده أبو نعيم في (دلائل النبوة) ، باب: «ذكر ما خصه اللَّه عزّ وجلّ به من العصمة، وحماه من التدين بدين الجاهلية، وحراسته إياه عن مكائد الجن والإنس، واحتيالهم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم» . [ (8) ] أخرجه البخاري في كتاب (الأذان) ، باب: ما جاء في الثوم النّيّء والبصل، والكرّاث، حديث رقم (855) ، قوله: «كل فإنّي أناجي من لا تناجي» ، أي الملائكة: (فتح الباري) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 [رسول] [ (1) ] اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خديجة رضي اللَّه عنها بحال الوحي أول ما فجئه وأرادت اختباره فقالت له: اجعلني بينك وبين ثوبك، فلما فعل ذلك ذهب عنه!! فقالت: إنه ملك وليس بشيطان [ (2) ] ، ومعناه أنه لا يقرب النساء، وكذلك سألته عن أحب الثياب إليه أن يأتيه فيها، فقال: البياض والخضرة، فقالت إنه الملك، بمعنى أن الخضرة والبياض من ألوان الخير والملائكة، والسواد من ألوان الشرّ والشياطين وأمثال ذلك. ومن علاماتهم أيضا دعواهم الخلق إلى الدين والعبادة من الصلاة والصدقة والعفاف، وقد استدلت خديجة رضي اللَّه [عنها] [ (1) ] على صدقه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك، وكذلك أبو بكر رضي اللَّه عنه، فلم يحتاجا- رضي اللَّه عنهما- في أمره عليه السلام إلى دليل خارج عن حاله وخلقه، وكذا هرقل لما جاءه كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعوه إلى الإسلام سأل عن حاله، وكان فيما قال: فبم يأمركم؟ فقال أبو سفيان: بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف، فأجابه عن ذلك، فقال: إن يكن ما يقول حقا إنه نبي وسيملك ما تحت قدمي هاتين [ (3) ] ، والعفاف الّذي أشار إليه هرقل هو العصمة، فانظر كيف أخذ من العصمة والدعاء إلى الدين والعبادة دليلا على صحة النبوة، ولم يحتج إلى معجزة، فدل على أنّ ذلك من علامات النبوة. ومن علاماتهم أيضا أن يكونوا ذوى حسب في قومهم، كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ما بعث اللَّه نبيا في منعه [ (4) ] من قومه» ، وفي رواية للحاكم: في ثروة من قومه.   [ () ] 2/ 435، وابن حبان في صحيحه، كتاب (الصلاة) ، باب: المساجد، فصل ذكر الزجر عن إتيان المساجد لأكل الثوم والبصل والكراث إلى أن تذهب رائحتها، حديث رقم (1644) ، عن جابر بن عبد اللَّه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «من أكل من هذه البقلة: الثوم والبصل والكراث، فلا يغشنا في مساجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس» ، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) : 4/ 250. [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] سيأتي تخريجه إن شاء اللَّه تعالى في فصل «ذكر مجيء الملك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برسالات ربه تعالى» . [ (3) ] سيأتي تخريجه إن شاء اللَّه تعالى عند شرح مكاتيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الملوك. [ (4) ] منع: منعه يمنعه- بفتح نونهما- ضد أعطاه، كمنعه فهو مانع ومنّاع ومنوع: جمع الأول منعه محرّكة، وهو في عزّ ومنعة- محرّكة ويسكّن- أي معه من يمنعه من عشيرته. (ترتيب القاموس) : 4/ 287. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وكذا قال هرقل في مساءلته أبا سفيان: كيف هو فيكم؟ فقال أبو سفيان: هو فينا ذو حسب، قال هرقل: والرسل تبعث في أحساب قومها، ومعناه أن تكون له عصبية وشوكة تمنعه من أذى الكفار حتى يبلغ رسالات ربه، ويتم مراد اللَّه من إكمال دينه وملته. ومن علاماته أيضا وقوع الخوارق لهم شاهدة بصدقهم، وهي أفعال تعجز البشر عن مثلها، فسميت لذلك معجزة وليست من جنس مقدور العباد، وإنما تقع في غير محل قدرتهم، وللناس في كيفية وقوعها ودلالتها على تصديق الأنبياء خلاف ليس هذا موضع إيراده. وأما حقيقة النبوة: فاعلم أنّا نشاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات كلها على هيئة من الترتيب والإحكام، وربط الأسباب بالمسببات، واتصال الأكوان بالأكوان، واستحالة بعض الموجودات إلى بعض، لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي غاياته، وأبدأ من ذلك بالعالم المحسوس الجسماني، وأولا: عالم العناصر المشاهد كيف تدرج صاعدا من الأرض إلى الماء، ثم إلى الهواء، ثم إلى النار متصلا بعضها ببعض، وكل واحد منها مستعد أن يستحيل إلى ما يليه صاعدا أو هابطا، ويستحيل بعض الأوقات، والصاعد منها ألطف مما قبله إلى أن ينتهي إلى عالم الأفلاك وهي ألطف من الكل، وعلى طبقات اتصل بعضها ببعض على هيئة لا يدرك الحس منها إلا الحركات فقط، وما يهتدي بها بعضهم إلى معرفة مقاديرها وأوضاعها، وما بعد ذلك من وجود الذات التي لها هذه الآثار فيها. ثم انظر إلى عالم التكوين، كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدريج [إلى] [ (1) ] آخر أفق المعادن، متصل بأول أفق النبات مثل الحشائش وما لا بذر له، وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم، متصل بأول أفق الحيوان كالحلزون والصدف، ولم يوجد لهما إلا قوة اللمس فقط، ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد القريب لأن يصير أول أفق من الّذي بعده، واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه، وانتهى في تدرج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر، والرؤية ترتفع إليه   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 من عالم [القدرة] [ (1) ] الّذي استجمع فيه الكيس والإدراك، ولم ينته إلى الرؤية والفكر بالفعل، وكان ذلك في أول أفق من الإنسان بعده، وهذا غاية شهودنا. ثم أنا نجد في العوالم على اختلافها آثارا متنوعة، ففي عالم الحس آثار من حركة الأفلاك والعناصر، وفي عالم التكوين آثار من حركات النمو والإدراك تشهد كلها بأن لها مؤثرا مباينا للأجسام، فهو روحاني متصل بالمكونات، لوجود اتصال هذه العوالم في وجودها، وذلك هو النفس المدركة والمحركة، ولا بد فوقها من موجود آخر يعطيها قوى الإدراك والحركة، ويتصل بها أيضا وتكون [ذواته] [ (2) ] إدراكا صرفا، وتعقلا محضا، وهو عالم الملائكة، فوجب من ذلك أن يكون للنفس استعداد للانسلاخ من البشرية إلى الملائكية، لتصير بالفعل من جنس الملائكة وقتا من الأوقات، وفي لمحة من اللمحات، وذلك بعد أن تكمل ذاتها الروحانية بالفعل- كما نذكره بعد [ذلك] [ (3) ] إن شاء اللَّه- ويكون لها اتصال بالأفق الّذي بعدها، شأن الموجودات المترتبة كما قدمناه، فلها في الاتصال جهة العلو والسفل، فهي متصلة بالبدن من أسفل منها، ومكتسبة به المدارك الحسية التي تستعد بها للحصول على التعقل بالفعل، ومتصلة من جهة الأعلى منها بأفق الملائكية، ومكتسبة منه المدارك العلية والغيبية، فإن علم الحوادث موجود في ذواتهم من غير زمان، وهذا على ما قدّمناه من الترتيب المحكم في الوجود باتصال ذواته وقواه بعضها ببعض. ثم إن هذه النفس الإنسانية غائبة من العيان، وآثارها ظاهرة في البدن، وكأنه وجميع أجزائه مجتمعة ومتفرقة آلات للنفس ولقواها، أما الفاعلة: فالبطش باليد، والمشي بالرجل، والكلام باللسان، والحركة الكلية بالبدن متدافعا، وأما المدركة وإن كانت قوى الإدراك مترتبة ومرتقبة إلى القوة العليا منها وهي المعركة التي يعبرون عنها بالناطقة، فقوى الحس الظاهر بآلاته من البصر والسمع وسائرها ترتقي إلى الباطن، وأوله الحسن المشترك، وهو قوة تدرك المحسوسات، مبصرة، ومسمعة، وملموسة، وغيرها في حالة واحدة، وبذلك فارقت قوة الحس الظاهر، لأن   [ (1) ] في (خ) : «القردة» . [ (2) ] في (خ) : «ذواية» . [ (3) ] زيادة للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 المحسوسات لا يزدحم عليها في الوقت الواحد، ثم يؤديه الحس المشترك إلى الخيال، وهو قوة تمثل الشيء المحسوس في النفس كما هو مجرد عن المواد الخارجة فقط، وآلة هاتين القوتين في تصرفهما: البطن الأول من الدماغ مقدمه للأولى ومؤخره للثانية، ثم يرتقي الخيال إلى الوهمية والحافظة، فالوهمية لإدراك المعاني المتعلقة بالشخصيات، كعداوة زيد، وصداقة عمرو، ورحمة الأب، وافتراس الذئب، والحافظة لإيداع المدركات كلها متخلية، وهي لها كالخزانة تحفظها إلى وقت الحاجة إليها، وآلة هاتين القوتين في تصرفهما: البطن المؤخر من الدماغ أوله للأولى ومؤخره للأخرى ثم ترتقي جميعها إلى قوة الفكر وآلته البطن الأوسط من الدماغ، وهو القوة التي تقع بها حركة الرؤية والتوجه نحو التعقل، فتحرك النفس بها دائما بما ركب فيها من النزوع إلى ذلك لتخلص من درك القوة والاستعداد الّذي للبشرية، وتخرج إلى الفعل في خلقها متشبهة بالملإ الأعلى الروحانيّ، وتعتبر في أول مراتب الروحانيات في إداركها بغير الآلات الجسمانية، فهي متحركة دائما ومتوجهة نحو ذلك، وقد تنسلخ بالكلية من البشرية وروحانيتها إلى الملائكية من الأفق الأعلى من غير اكتساب بما جعل اللَّه تعالى فيها من الجبلة والفطرة الأولى في ذلك. واعلم أن النفوس البشرية في ذلك على ثلاثة أصناف: صنف عاجز بالطبع عن الوصول إلى الإدراك الروحانيّ، فيقنع بالحركة السفلى نحو المدارك الحسية والخيالية، وتركيب المعاني من الحافظة والوهمية على قوانين محصورة وترتيب خاص، يستفيدون به العلوم التصورية والتصديقية التي للفكر في البدن، وكلّها خيالي منحصر نطاقه، إذ هو من جهة مبدئية ينتهى إلى الأوليات ولا يتجاوزها، وإن فسدت فسد ما بعدها، وهذا هو [أغلب] [ (1) ] نطاق الإدراك البشري الجسماني، وإليه ينتهي مدارك العلماء،؟ وفيه؟ ترسخ أقدامهم. وصنف متوجه بتلك الحركة الفكرية نحو التعقل الروحانيّ والإدراك الّذي لا يفتقر إلى آلات البدن بما جعل فيه من الاستعداد لذلك، فيتّسع نطاق إدراكه عن الأوليات التي هي نطاق الإدراك الأول البشري، ويسرح في فضاء المشاهدات   [ (1) ] في (خ) : «الأغلب» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 الباطنة، وهي وجدان كلها، لا نطاق لها من مبدئها ولا من منتهاها، وهذه مدارك الأولياء، أهل العلوم اللدنية والمعارف الربانية، وهي الحاصلة بعد الموت لأهل السعادة. وصنف مفطور على الانسلاخ من البشرية جملة: جسمانيها وروحانيها إلى الملائكية من الأفق الأعلى ليصير في لمحة من اللمحات ملكا بالفعل، ويحصل له شهود الملأ الأعلى في أفقهم، وسماع الكلام النفساني والخطاب الإلهي في تلك اللمحة، وهو لأهم الأنبياء صلوات اللَّه عليهم، جعل اللَّه لهم الانسلاخ من البشرية في تلك اللمحة وهي حالة الوحي، فطرة فطرهم اللَّه عليها، وجبلة صورهم فيها، ونزههم عن موانع البدن وعوائقه ما داموا ملابسين لها بالبشرية بما ركب في غرائزهم من العصمة والاستقامة التي يحادون بها تلك الوجهة، وركز في طبائعهم رغبة في العبادة تكتنف بتلك الوجهة، وتشيع نحوها، فهم يتوجهون إلى ذلك الأفق بذلك النوع من الانسلاخ متى شاءوا بتلك الفطرة التي فطروها عليها، لا باكتساب ولا صناعة، فإذا توجهوا وانسلخوا عن بشريتهم، وتلقوا في ذلك الملأ الأعلى ما يتلقونه على جوابه على المدارك البشرية، متنزلا في قواها لحكمة التبليغ للعباد، فتارة بسماع دويّ كأنه رمز من الكلام يأخذ منه المعنى الّذي ألقى إليه، فلا ينقضي الدويّ إلا وقد وعاه وفهمه. وتارة يتمثل له الملك الّذي يلقى إليه رجلا يكلمه ويلقى ما يقوله، والتلقي من الملك والرجوع على المدارك البشرية وفهمه ما ألقي عليه كأنه في لحظة واحدة بل أقرب من لمح البصر، لأنه ليس في زمان بل كلها تقع جميعا، فتظهر كأنها سريعة، ولذلك سميت وحيا، لأن الوحي في اللغة الإسراع. واعلم أن الأولى وهي حالة الدوي رتبة الأنبياء غير المرسلين على ما حققوه، والثانية وهي حالة يتمثل الملك رجلا يخاطب [و] [ (1) ] هي رتبة الأنبياء المرسلين، ولذلك كانت أكمل من الأولى، وهذا معنى الحديث الّذي فسر فيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الوحي لما سأله الحارث بن هشام وقال: كيف يأتيك الوحي؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحيانا   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت ما قاله، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقوله [ (1) ] ، وإنما كانت الأولى أشد لأنها مبدأ الخروج في ذلك الاتصال من القوة إلى الفعل، فيعسر بعض العسر، ولذلك لما عاج [ (2) ] فيها على المدارك البشرية اختصت بالسمع وصعب ما سواه، وعند ما يتكرر الوحي ويكثر التلقي يسهل ذلك الاتصال، فعند ما يعرج على المدارك البشرية يأتي على جميعها، وخصوصا الأوضح منها، وهو إدراك البصر، وفي العبارة عن الوعي في الأولى بصيغة الماضي وفي الثانية بصيغة المضارع لطيفة من البلاغة، وهي أن الكلام جاء مجيء التمثيل لحالتي الوحي، فتمثلت الحالة الأولى بالدويّ الّذي هو المتعارف [ (3) ] غير كلام وإخبار، أن الفهم والوعي يتبعه عقب [ (4) ] انقضائه، فناسب عند تصوير انقضائه وانفصاله العبارة عن الوعي بالماضي المطابق للانقضاء والانقطاع، ويمثل الملك في الحالة الثانية برجل يخاطب ويتكلم، والكلام يساوقه الوعي فناسب العبارة بالمضارع المقتضى للتجدد. واعلم أن في حالتي الوحي كلها على الجملة صعوبة وشدة، قد أشار إليها القرآن الكريم، قال تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [ (5) ] وقالت عائشة رضي اللَّه عنها: كان مما يعاني من التنزيل شدة، وقالت: كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقا، ولذلك ما كان يحدث فيه تلك الحالة من الغيبة والغطط ما هو معروف. وشبيه ذلك أن الوحي كما قررناه مفارقة البشرية إلى المدارك الملائكية، وتلقي كلام النفس، فيحدث عنه شدة من مفارقة الذات ذاتها، وانسلاخها من أفقها إلى ذلك الأفق الآخر، وهذا معنى الغط الّذي عبّر به في مبدإ الوحي في قوله: فغطني حتى بلغ من الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ [ (6) ] .   [ (1) ] سبق شرحه. [ (2) ] طريق عاج: ممتلئ (ترتيب القاموس) ج 3 ص 158. [ (3) ] في (خ) «المتعاف» . [ (4) ] في (خ) «عب» . [ (5) ] آية: 5/ المزمل. [ (6) ] آية: 1/ العلق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وقد يقضي الاعتبار فيه بالتدريج شيئا فشيئا إلى بعض السهولة بالقياس إلى ما قبله، وكذلك كانت تنزل نجوم القرآن [ (1) ] ، وسوره وآياته حين كان بمكة أقصر منها وهو بالمدينة، وانظر إلى ما قيل في نزول سورة براءة [ (2) ] في غزوة تبوك، وأنها أنزلت أو أكثرها على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يسير على ناقته بعد أن كان بمكة ينزل عليه بعض السورة من القصار المفصل [ (3) ] في وقت، وينزل عليه الباقي في حين آخر، وكذلك كان من آخر ما نزل عليه بالمدينة آية الدين [ (4) ] ، وهي ما هي بالطول، بعد أن كانت الآيات تنزل بمكة مثل آيات سورة الرحمن، والذاريات، والمدثر، والضحى، والعلق، وأمثالها، واعتبر من ذلك علامة تميزها بين المكيّ والمدني من السور والآيات، واللَّه المرشد إلى الصواب. هذا ما تحصل من أمر النبوة.   [ (1) ] واعلم أن القرآن نزل ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا، في مكان يقال له: بيت العزة، على هذا الترتيب الّذي نقرؤه، فإنه توقيفي، ثم نزل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ثلاث وعشرين سنة، على حسب الوقائع لقوله تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [آية 33/ الفرقان] ، لكن لا على هذا الترتيب، فإنه نزل عليه ثلاث وثمانون سورة بمكة، أي قبل الهجرة، ثم بالمدينة أحد وثلاثين على التحقيق. فأول ما نزل بمكة اقْرَأْ، وآخر ما نزل بها، قيل: العنكبوت، وقيل: المؤمنون، وقيل: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. وأول سورة نزلت بالمدينة: البقرة، وآخر سورة نزلت بها: المائدة. وهناك بعض سور اختلف بها، منها الفاتحة، ويمكن تكرار نزولها. وأما أول آية نزلت على الإطلاق: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، وآخر آية على الإطلاق وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الآية 281 البقرة] . (حاشية العلامة الصاوي على الجلالين) : 1/ 4. [ (2) ] براءة: من أسماء سورة التوبة، وهي السورة رقم [9] في المصحف، وعدد آياتها [129] آية: نزلت بعد سورة المائدة، وهي من القرآن المدني، إلا الآيتين الأخيرتين فمكيتان. [ (3) ] سور المفصل: من أول سورة الحجرات حتى آخر القرآن الكريم. [ (4) ] هي الآية رقم 282/ البقرة وهي أطول آية في القرآن الكريم، أولها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 أنواع الوحي وأقسامه وتبيان لأنواع الوحي وأقسامه: اعلم أن الوحي للأنبياء والمرسلين يكون تارة في النوم وتارة في اليقظة، فالذي يكون في اليقظة إما بواسطة الملك أو بغير واسطة، ومن الرسل من فضله اللَّه تعالى بأن كلمه اللَّه في اليقظة من وراء حجاب دون وحي ولا بتوسط ملك، لكن بكلام مسموع بالآذان، معلوم بالقلب، زائد على الوحي الّذي هو معلوم بالقلب فقط، أو مسموع من الملك عن اللَّه تعالى، وهذا هو الّذي خصّ به موسى عليه السلام [ (1) ] من الشجرة، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الإسراء [ (2) ] من المستوى الّذي سمع فيه صريف [ (3) ] الأقلام، وقد كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الوحي حالات متعددة، فكان الوحي الّذي يلقاه [ (4) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منحصرة أقسامه في ثلاثة عشرة وهي: نزول الملك في صورة دحية [ (5) ] ، ونزوله على الصورة التي خلق عليها وله ستمائة جناح، ونفث [ (6) ] روح القدس في روعه، ورؤيته في المنام، وسماعه مثل صلصلة الجرس، ونزول إسرافيل عليه، وتكليمه اللَّه تعالى بلا واسطة من وراء حجاب في اليقظة، وتكليمه تعالى كذلك في المنام، والعلم الّذي يلقيه سبحانه في صدره وعلى لسانه عند الاجتهاد في الوقائع لأن الشيطان ليس له إلى باطن الأنبياء من سبيل، فخواطر الأنبياء كلها إما ربانية أو ملكية أو نفسية، لا حظّ للشيطان في قلوبهم، لأنهم مشرعون، فلذلك عصمت بواطنهم، والوحي المشبه بدويّ النحل، ومجيء جبريل في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، ومجيء ملك الجبال، والخطاب مشافهة على قول من يثبت الرؤية، وسنقف على شرح ذلك وتبيانه من الأحاديث المسندة بطرقها إن شاء اللَّه تعالى.   [ (1) ] لعلها شجرة الأنبياء عليهم السلام. [ (2) ] سيأتي الحديث عنها عند الكلام على الإسراء والمعراج إن شاء اللَّه تعالى، وفي (خ) : «الإسرى» . [ (3) ] صريف الأقلام: أي صوت جريانها بما تكتبه من أقضية اللَّه ووحيه، وما يستنسخونه من اللوح المحفوظ، وفي حديث موسى، على نبينا وعلى نبينا وعليه السلام: أنه كان يسمع صريف القلم حين كتب اللَّه تعالى له التوراة. (لسان العرب) : 9/ 193. [ (4) ] في (خ) : «يقاه» . [ (5) ] هو دحية الكلبي. [ (6) ] في (خ) : «نفس» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 [فصل في أمارات نبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم التي رآها قبل البعثة] وأما أمارات النبوة التي رآها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل بعثته بالرسالة: قال الواقدي: عن علي بن محمد بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة عن برة بنت أبي بخزان أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان حين أراد اللَّه عز وجل كرامته وابتداءه بالنّبوّة إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتا، ويفضي إلى الشعاب و [بطون] الأودية، فلا يمر بحجر ولا شجر [ة] إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه، [فكان] يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا [ (1) ] .   [ (1) ] (سنن الدارميّ) : 1/ 12، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن» ، قوله: «كان يسلم عليّ» ، أي يقول: السلام عليك يا رسول اللَّه (تحفة الأحوذي) : 10/ 69 أبواب المناقب، حديث رقم (3867) ، «إن بمكة حجرا كان يسلم عليّ ليالي بعثت، إني لأعرفه الآن» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وفي (طبقات ابن سعد) : 1/ 157، وما بين القوسين زيادات منه. قوله: «إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن» ، فيه معجزة له صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات، وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الآية: 74/ البقرة] ، (مسلم بشرح النووي) : 15/ 41، كتاب الفضائل، باب: فضل نسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، حديث رقم (2277) ، (تاريخ الإسلام) : 2/ 125، باب ذكر مبعثه صلّى اللَّه عليه وسلّم، (مسند أحمد) : 6/ 92، من حديث جابر بن سمرة، حديث رقم (20317) ، (دلائل البيهقي) : 2/ 146، باب مبتدإ البعث والتنزيل، وما ظهر عند ذلك من تسليم الحجر والشجر وتصديق ورقة ابن نوفل إياه. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الملك بن عبيد اللَّه بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي، وكان واعية عن بعض أهل العلم: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين أراد اللَّه بكرامته، وابتدأه بالنّبوّة، كان إذا خرج لحاجة أبعد حتى تحسّر عن البيوت، ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها، فلا يمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه، قال فيلتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حوله، وعن يمينه، وشماله، وخلفه، فلا يرى إلا الشجر والحجارة، فمكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 وفي رواية لغير الواقدي: فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرد عليهم: وعليك السلام، وكان علمه جبريل التحية [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من حديث الحرث بن أبي أسامة، حدثنا، داود ابن [المحبر] [ (2) ] ، حدثنا حماد بن أبي عمران الجوني عن يزيد بن [ (3) ] بابنوس عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نذر أن يعتكف شهرا هو وخديجة بحراء، فوافق ذلك من شهر رمضان، فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسمع: السلام عليك، فظنها فجأة الجن، فجاء مسرعا حتى دخل على خديجة فسجته [ (4) ] ثوبا وقالت: ما شأنك يا ابن عبد اللَّه؟ فقلت: قيل: السلام عليك فظننتها فجأة الجن، فقالت: أبشر   [ () ] يرى ويسمع، ما شاء اللَّه أن يمكث، ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاءه من كرامة اللَّه، وهو بحراء في شهر رمضان» (ابن هشام) : 2/ 66- 67. وقال السهيليّ: وهذا التسليم: الأظهر فيه أن يكون حقيقة، وأن يكون اللَّه أنطقه إنطاقا، كما خلق الحنين في الجذع، ولكن ليس من شروط الكلام الّذي هو صوت وحرف: الحياة والعلم والإرادة، لأنه صوت كسائر الأصوات، والصوت عرض في قول الأكثرين، ولم يخالف فيه إلا النّظام، فإنه زعم أنه جسم، وجعله الأشعريّ اصكاكا في الجواهر بعضها لبعض، وقال أبو بكر بن الطيب: ليس الصوت نفس الأصكاك، ولكنه معنى زائد عليه، ولو قدّرت الكلام صفة قائمة بنفس الحجر والشجر، والصوت عبارة عنه، لم يكن بد من اشتراط الحياة والعلم مع الكلام، واللَّه تعالى أعلم أي ذلك كان، أكان كلاما مقرونا بحياة وعلم، فيكون الحجر به مؤمنا؟ أو كان صوتا مجردا غير مقترن بحياة؟، وفي كلا الوجهين هو علم من أعلام النبوة. وأما حنين الجذع فقد سمّي حنينا، وحقيقة الحنين تقتضي شرط الحياة، وقد يحتمل تسليم الحجارة أن يكون مضافا في الحقيقة إلى ملائكة يسكنون تلك الأماكن، ويغمرونها، فيكون مجازا من قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [الآية 82/ يوسف] أي أهل القرية، والأول أظهر، وإن كانت كل صورة من هذه الصور التي ذكرناها فيها علم على نبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم، غير أنه لا يسمى معجزة في اصطلاح المتكلمين إلا ما تحدى به الخلق فيعجزون عن معارضته. (الروض الأنف) : 2/ 266- 267. [ (1) ] كل الروايات المعتمدة بدون هذه الزيادة. [ (2) ] تصويب من (تهذيب التهذيب) : 3/ 199، ترجمة رقم 381، وقال فيه: كذبه أحمد بن حنبل، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات، ويروي عن المجاهيل المقلوبات. [ (3) ] قال عنه البخاري: كان ممن قاتل عليا كرم اللَّه وجهه، وقال ابن عديّ: أحاديثه مشاهير، وقال الدارقطنيّ: لا بأس به، وذكره ابن حبان في (الثقات) ، قال الحافظ ابن حجر: وقال أبو حاتم مجهول، وقال أبو داود: كان شيعيا. (المرجع السابق) 11/ 2316، ترجمة رقم 607. [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : 1/ 215، 216، «فظننتها» ، «فجئت» ، «فسجتني» ، حديث رقم (163) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 يا ابن عبد اللَّه فالسلام خير، وذكر الحديث. وخرج من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا برز سمع من ينادي: يا محمد، فإذا سمع الصوت انطلق هاربا فأتى خديجة رضي اللَّه عنها فذكر ذلك لها فقال: يا خديجة، قد خشيت أن يكون خالط عقلي شيء! إني إذا برزت أسمع شيئا يناديني فلا أرى شيئا فأنطلق هاربا، فقالت: ما كان اللَّه ليفعل ذلك بك، إنك ما علمت تصدق الحديث وتؤدي الأمانة وتصل الرحم، وما كان اللَّه ليفعل ذلك بك، فأسرّت ذلك إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه وكان صديقا له في الجاهلية، فأخذ أبو بكر بيده فقال: انطلق بنا إلى ورقة، فقال له ورقة: ترى شيئا؟ قال: لا، ولكني إذا برزت سمعت النداء ولا أرى شيئا! فأنطلق هاربا فإذا هو عندي يناديني، قال: فلا تفعل ذلك، إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك، فلما برز سمع: يا محمد، قال: لبيك، قال: قل: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، ثم قال: قل: الحمد للَّه رب العالمين من فاتحة الكتاب- ثم أتى ورقة فذكر ذلك له فقال له: أبشر ثم أبشر ثم أبشر، أشهد أنك الرسول الّذي بشّر به عيسى [إذ قال: وَمُبَشِّراً] [ (1) ] بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ، فأنا أشهد أنك أحمد، وأنا أشهد أنك محمد، وأنا أشهد أنك رسول اللَّه [وأنك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك، فلما توفى ورقة قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدّقني] [ (2) ] . قال أبو نعيم [ (3) ] : ورواه شريك عن إسحاق عن عمرو بن شرحبيل. وروى الواقدي عن ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصن عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأجياد إذ رأى ملكا واضع إحدى رجليه على الأخرى في أفق السماء يصيح: يا محمد، أنا جبريل، فذعر ورجع   [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق. [ (2) ] ما بين الحاصرتين غير واضع في (خ) ، وأثبتناه من (الروض الأنف) : 1/ 274- 275. [ (3) ] هذا لفظ البيهقي وهو مرسل، وفيه غرابة، وهي كون الفاتحة أول ما نزل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 سريعا إلى خديجة رضي اللَّه عنها فقال: إني لأخشى أن أكون كاهنا! قالت: كلا يا ابن العم، لا تقل ذلك، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وإن خلقك لكريم [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث حماد قال [ (2) ] : حدثنا عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال: أقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة خمسة عشر سنة، سبعا يرى الضوء [والنور] [ (3) ] ويسمع الصوت، وثماني سنين يوحى إليه. وخرج مسلم من حديث إبراهيم بن طهمان قال: حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن [ (4) ] . ورواه سليمان بن معاذ عن سماك عن جابر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن بمكة لحجرا كان يسلم عليّ ليالي بعثت، إني لأعرفه إذا مررت عليه. وخرج البيهقي من حديث السّدي عن عبّاد بن عبد اللَّه عن علي رضي اللَّه عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة، فخرج في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا حجر ولا جبل إلا قال له: السلام عليك يا رسول اللَّه [ (5) ] . وفي رواية: لقد رأيتني أدخل معه بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الوادي، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه وأنا أسمعه. [[ (6) ]] .   [ (1) ] لم أجده بهذه السياقة، وفي الباب من الأحاديث نحوا منه، وفيه: «فإذا الملك الّذي جاءني بحراء جالس على كرسيّ بين السماء والأرض» ، وفيه حديث آخر: «فرفعت رأسي إلى السماء انظر إلى السماء، فإذا جبريل عليه السلام في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء» ، (دلائل أبي نعيم) : 1/ 215، [فصل في ذكر بدء الوحي وكيفية ترائي الملك وإلقائه الوحي إليه وتقريره عنده أنه يأتيه من عند اللَّه، وما كان من شق صدره صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، (دلائل البيهقي) : 2/ 148 (على الترتيب) . وانظر أيضا الحديث رقم (4) من باب (3) ، كتاب بدء الوحي، (صحيح البخاري) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 460، حديث رقم (2519) ، وفيه: «سبع سنين» وقال في آخره: «وأقام بالمدينة عشر سنين» . [ (3) ] ما بين الحاصرتين ليس في المسند [ (4) ] سبق شرحه وتخريجه. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 153، 154. [ (6) ] ما بين الحاصرتين في (خ) كلمة «لطيفة» ولا فائدة من إثباتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 [ المجلد الثالث ] [ بقية فصل في أمارات نبوته ] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم ذكر مجيء الملك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برسالات ربه تعالى خرج البخاري ومسلم من حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبرته كذا، أنها قالت: كان أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي [ (1) ] الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه- قال: والتحنث: هو التعبد- الليالي ذوات العدد، وقال مسلم: أولات العدد- قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجئه الحق في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقْرَأْ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ، فقلت: ما أنا بقارئ، فقال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ   [ (1) ] (من الوحي) : يحتمل أن تكون «من» تبعيضية، أي من أقسام الوحي، ويحتمل أن تكون بيانية، ورجحه محمد بن جعفر القيرواني أبو عبد اللَّه التميمي القزاز، صاحب [الجامع في اللغة] . والرؤيا الصالحة، وقع في رواية معمر ويونس عند المصنف في التفسير: «الصادقة» ، وهي التي فيها ضغث، وبدئ بذلك ليكون تمهيدا، وتوطئة لليقظة، ثم مهّد له في اليقظة أيضا رؤية الضوء، وسماع الصوت، وسلام الحجر. قوله: «في النوم» ، لزيادة الإيضاح، أو ليخرج رؤيا العين في اليقظة لجواز إطلاقها مجازا. قوله: «مثل فلق الصبح» ، ينصب «مثل» على الحال، أي مشبهة ضياء الصبح، أو على أنه صفة لمحذوف، أي جاءت مجيئا مثل فلق الصبح، والمراد بفلق الصبح: ضياؤه. وخص بالتشبيه لظهوره الواضح، الّذي لا شك فيه. قوله: «حبّب» ، لم يسمّ فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك، وإن كان كل من عند اللَّه، أو لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر، أو يكون ذلك من وحي الإلهام، و «الخلاء» بالمد، الخلوة، والسّر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه إليه، وحراء: جبل معروف بمكة، والغار نقب في الجبل، وجمعه غيران. قوله: «فيتحنث» ، هي بمعنى يتحنف، أي يتبع دين الحنفية، وهي دين إبراهيم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3   [ () ] و «الفاء» تبدل «ثاء» في كثير من كلامهم، وقد وقع في رواية ابن هشام في (السيرة) : «يتحنف» بالفاء. أو التّحنّث إلقاء الحنث وهو الإثم، كما قيل: يتأثم، ويتحرج، ونحوهما. قوله: «هو التعبد» ، هذا مدرج في الخبر، وهو من تفسير الزهري، كما جزم به الطيبي ولم يذكر دليله، نعم في رواية المؤلف من طريق يونس عنه في التفسير ما يدل على الإدراك. قوله: «الليالي ذوات العدد» ، يتعلق بقوله: يتحنث، وإبهام العدد لاختلافه، كذا قيل، وهو بالنسبة إلى المدد التي يتخللها مجيئه إلى أهله، وإلا فأصل الخلوة قد عرفت مدتها وهي شهر، وذلك الشهر كان في رمضان، رواه ابن إسحاق. والليالي منصوبة على الظرف، وذوات منصوبة أيضا، وعلامة النصب فيه كسر التاء. قوله: «لمثلها» أي الليالي، والتزود استصحاب الزاد. قوله: «حتى جاءه الحق» ، وفي التفسير: حتى فجئه الحق- بكسر الجيم وهي الرواية التي أثبتها المقريزي- أي بغته، وإن ثبت من مرسل عبيد بن عمير أنه أوحي إليه بذلك في المنام أولا قبل اليقظة، أمكن أن يكون مجيء الملك في اليقظة عقب ما تقدم في المنام، وسمي حقا لأنه وحي من اللَّه تعالى، وقد وقع في رواية أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة قالت: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أول شأنه يرى في المنام، وكان أول ما رأى جبريل بأجياد، صرخ جبريل: «يا محمد» ، فنظر يمينا وشمالا فلم ير شيئا، فرفع بصره فإذا هو على أفق السماء فقال: «يا محمد، جبريل جبريل» ، فهرب فدخل في الناس فلم ير شيئا، ثم خرج عنهم، فناداه فهرب، ثم استعلن له جبريل من قبل حراء، فذكر قصة إقرائه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، ورأى حينئذ جبريل له جناحان من ياقوت يختطفان البصر، وهذا من رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود، وابن لهيعة ضعيف. وقد ثبت في صحيح مسلم من وجه آخر عن عائشة مرفوعا: «لم أره- يعني جبريل- على صورته التي خلق عليها إلا مرتين» ، وبيّن أحمد في حديث ابن مسعود، أن الأولى كانت عند سؤاله إياه أن يريه صورته التي خلق عليها، والثانية عند المعراج. وللترمذي من طريق مسروق عن عائشة: «لم ير محمد جبريل في صورته إلا مرتين: مرة عند سدرة المنتهى، ومرة في أجياد» ، وهذا يقوى رواية ابن لهيعة، وتكون هذه المرة غير المرتين المذكورتين، وإنما لم يضمها إليها لاحتمال أن لا يكون رآه فيها على تمام صورته، والعلم عند اللَّه تعالى. ووقع في السيرة التي جمعها سليمان التيمي، فرواها محمد بن عبد الأعلى عن ولده معتمر بن سليمان عن أبيه أن جبريل أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في حراء وأقرأه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ثم انصرف، فبقي متردّدا، فأتاه من أمامه في صورته، فرأى أمرا عظيما. قوله: «فجاءه» ، هذه الفاء تسمى التفسيرية وليست التعقيبية، لأن مجيء الملك ليس بعد مجيء الوحي حتى تعقب به، بل هو نفسه، ولا يلزم من هذا التقرير أن يكون من باب تفسير الشيء بنفسه، بل التفسير عين المفسّر به من جهة الإجمال، وغيره من جهة التفصيل. قوله: «ما أنا بقارئ» ثلاثا، «ما» نافية، إذ لو كانت استفهامية لم يصلح دخول الباء، وإن حكي عن الأخفش جوازه فهو شاذ، والباء زائدة لتأكيد النفي، أي ما أحسن القراءة، فلما قال ذلك ثلاثا قيل له: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ أي لا تقرءوه بقوتك ولا بمعرفتك، لكن بحول ربك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ [ (1) ] ، فرجع بها [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة رضي اللَّه عنها فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع- وقال مسلم: حتى ذهب عنه ما يجد من الروع- ثم قال لخديجة: أي خديجة! ما لي قد خشيت على نفسي؟ وأخبرها الخبر فقالت له خديجة: ...   [ () ] وإعانته، فهو يعلمك، كما خلقك، وكما نزع عنك علق الدم وغمز الشيطان في الصغر، وعلّم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية. ذكره السهيليّ. وقال غيره: إن هذا التركيب- وهو قوله: ما أنا بقارئ- يفيد الاختصاص. وردّه الطيبي بأنه إنما يفيد التقوية والتأكيد، والتقدير: لست بقارئ البتّة. فإن قيل: لم كرر ذلك ثلاثا؟ أجاب أبو شامة بأن يحمل قوله أولا: «ما أنا بقارئ» على الامتناع، وثانيا: على الإخبار بالنفي المحض، وثالثا: على الاستفهام. ويؤيده أن في رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة أنه قال: كيف أقرأ؟ وفي رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق: ماذا أقرأ؟ وفي مرسل الزهري في (دلائل البيهقي) : كيف أقرأ؟ وكل ذلك يؤيد أنها استفهامية. واللَّه أعلم. قوله: «فغطني» ، بغين معجمة وطاء مهملة. وفي رواية الطبري: «فغتني» بتاء مثناة من فوق، كأنه أراد ضمني وعصرني، والغط: حبس النفس، ومنه: غطه في الماء، أو أراد غمني، ومنه الخنق، ولأبي داود الطيالسي في مسندة بسند حسن: فأخذ بحلقي. قوله: «حتى بلغ مني الجهد» ، روى بالفتح والنصب، أي بلغ مني غاية وسعي. وروى بالضم والرفع، أي بلغ مني الجهد مبلغه، وقوله: «أرسلني» أي أطلقني، ولم يذكر الجهد هنا في المرة الثالثة، وهو ثابت عند البخاري في (التفسير) . [ (1) ] الآيات من أول سورة العلق. [ (2) ] قوله: «فرجع بها» ، أي بالآيات أو بالقصة. قوله: «فزملوه» ، أي لفوه، والرّوع بالفتح: الفزع. قوله: «لقد خشيت على نفسي» ، دلّ هذه مع قوله: «يرجف فؤاده» على انفعال حصل له من مجيء الملك، ومن ثم قال: «زملوني» . والخشية المذكورة اختلف العلماء في المراد بها على اثني عشر قولا: [1] الجنون وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة، جاء مصرحا به في عدة طرق، وأبطله أبو بكر ابن العربيّ، وحق له أن يبطل، لكن حمله الإسماعيلي على أن ذلك حصل له قبل حصوله العلم الضّروريّ له، أن الّذي جاءه ملك، وأنه من عند اللَّه تعالى. [2] الهاجس، وهو باطل أيضا، لأنه لا يستقر، وحصلت بينهما المراجعة. [3] الموت من شدة الرعب. [4] المرض، وقد جزم به ابن أبي جمرة. [5] دوام المرض. [6] العجز عن حمل أعباء النبوة. [7] العجز عن النظر إلى الملك من الرعب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 كلا [ (1) ] ، فأبشر، فو اللَّه لا يخزيك اللَّه ... [8] عدم الصبر على أذى قومه. [9] أن يقتلوه. [10] مفارقة الوطن. [11] تكذيبهم إياه. [12] تعييرهم إياه. وأولى هذه الأقوال بالصواب، وأسلمها من الارتياب، الثالث واللذان بعده، وما عداها فهو معترض. واللَّه الموفق: (فتح الباري) : 1/ 28- 32، كتاب بدء الوحي، حديث رقم (3) .   [ (1) ] «كلا» ، معناها في العربية على ثلاثة أوجه: حرف ردع وزجر، وبمعنى حقا، وبمعنى إي: فالأول كما في قوله تعالى: كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها، إشارة إلى قول القائل: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ [الآية 100/ المؤمنون] ، أي انته عن هذه المقالة، فلا سبيل إلى الرجوع. والثاني: نحو كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى [الآية 6/ العلق] ، أي حقا، لم يتقدم على ذلك ما يزجر عنه، كذا قال قوم، وقد اعترض على ذلك بأن حقا تفتح «أنّ» بعدها، وكذلك أما تأتي بمعناها، فكذا ينبغي في «كلا» ، والأولى أن تفسّر «كلا» في الآية بمعنى ألا التي يستفتح بها الكلام، وتلك تكسر ما بعدها «إنّ» ، نحو: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، [الآية 63/ يونس] ، والثالث: قبل القسم، نحو كَلَّا وَالْقَمَرِ [الآية 32/ المدثر] ، معناه إي والقمر، كذا قال النضر بن شميل، وتبعه جماعة منهم ابن مالك، ولها معنى رابع، تكون بمعنى ألا. (شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب) : 15. وقال العلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي: وهي «أي كلا» عند سيبويه والخليل والمبرّد والزّجّاج وأكثر نحاة البصرة، حرف معناه الرّدع والزجر، لا معنى له سواه، حتى إنهم يجيزون الوقف عليها أبدا والابتداء بما بعدها، حتى قال بعضهم: إذا سمعت «كلا» في سورة، فاحكم بأنها مكية، لأن فيها معنى التهديد والوعيد، وأكثر ما نزل ذلك بمكة، لأن أكثر العتوّ كان بها. وفيه نظر، لأن لزوم المكية إنما يكون عن اختصاص العتوّ بها لا عن غلبته. ثم إنه لا يظهر معنى الزجر في «كلا» المسبوقة بنحو فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ [الآية 8/ الانفطار] ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [الآية 6/ المطففين] ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [الآية 30/ القيامة] . وقول من قال: فيه ردع عن ترك الإيمان بالتصوير، في أيّ صورة شاء اللَّه، وبالبعث، وعن العجلة بالقرآن، فيه تعسّف ظاهر. ثم إن أول ما نزل خمس آيات من أول سورة العلق، ثم نزل: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى [الآية 6/ العلق] ، فجاءت في افتتاح الكلام، والوارد منها في التنزيل ثلاثة وثلاثون موضعا، كلها في النصف الأخير. ورأى الكسائي وجماعة أن معنى الردع ليس مستمرا فيها، فزادوا معنى ثانيا يصح عليه أن يوقف دونها، ويبتدأ بها، ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى على ثلاثة أقوال: فقيل: بمعنى حقا، وقيل بمعنى ألا الاستفتاحية، وقيل: حرف جواب بمنزلة إي ونعم، وحملوا عليه: كَلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 أبدا [ (1) ] ، فو اللَّه إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهو ابن عم خديجة- أخى أبيها- وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء اللَّه أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمى، فقالت له خديجة: يا ابن عم-   [ () ] وَالْقَمَرِ [الآية 32/ المدثر] ، فقالوا: معناه إي والقمر، وهذا المعنى لا يتأتي في آيتي المؤمنين والشعراء: كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها [الآية 100/ المؤمنون] ، كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي [الآية 62/ الشعراء] . وقول من قال: بمعنى حقا، لا يتأتّى في نحو: إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ، كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [الآيتان 7، 15 المطففين] ، لأنّ «إنّ» تكسر بعد ألا الاستفتاحية، ولا تكسر بعد حقا، ولا بعد ما كان بمعناها، ولأن تفسير حرف بحرف أولى من تفسير حرف باسم. وإذا صلح الموضع للردع ولغيره، جاز الوقف عليها، والابتداء بها، على اختلاف التقديرين. والأرجح حملها على الردع، لأنه الغالب عليها، وذلك نحو: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ [الآيتان 78، 79 مريم] ، وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ [الآيتان 81، 82/ مريم] . وقد يتعين للردع أو الاستفهام نحو: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها [الآية 100/ المؤمنون] ، لأنها لو كانت بمعنى حقا لما كسرت همزة إنّ، ولو كانت بمعنى نعم لكانت للوعد بالرجوع، لأنها بعد الطلب، كما يقال: أكرم فلانا، فتقول: نعم. ونحو: قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الآيتان 61، 62/ الشعراء] ، وذلك لكسر إنّ، ولأن نعم بعد الخبر للتصديق. وقد يمتنع كونها للزجر والردع، نحو: وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ كَلَّا وَالْقَمَرِ [الآيتان 31، 32/ المدثر] ، إذ ليس قبلها ما يصح ردّه. وقرئ: كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ [الآية 82/ مريم] بالتنوين، إما على أنه مصدر كلّ إذا أعيا، أي كلّوا في دعواهم وانقطعوا، أو من الكلّ وهو الثّقل، أي حملوا كلا. وجوّز الزمخشريّ كونه حرف الردع نوّن كما في سَلاسِلَ [الآية 4/ الإنسان] ، وردّ عليه بأن سَلاسِلَ اسم أصله التنوين فردّ إلى أصله، ويصحح تأويل الزمخشريّ قراءة من قرأ وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ [الآية 4/ الفجر] إذا الفعل ليس أصله التنوين. وقال ثعلب: كلّا مركب من كاف التشبيه ولا النافية، وإنما شددت لأمها لتقوية المعنى، ولدفع توهم بقاء معنى الكلمتين، وعند غيره بسيطة كما ذكرنا، واللَّه تعالى أعلم. (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) : 4/ 381- 383. [ (1) ] قوله: «فو اللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا» لغير أبي ذر بضم أوله، والخاء المعجمة، والزاي المكسورة، ثم الياء الساكنة، من الخزي، ثم استدلت على ما أقسمت عليه من نفي ذلك أبدا بأمر استقرائي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7   [ () ] وصفته بأصول مكارم الأخلاق، لأن الإحسان إما إلى الأقارب أو إلى الأجانب، وإما بالبدن أو بالمال، وإما على من يستقل بأمره أو بمن لا يستقل، وذلك كله مجموع فيما وصفه به و «الكلّ» بفتح الكاف هو من لا يستقل بأمره، كما قال تعالى: وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ [الآية 76/ النحل] . و «تكسب المعدوم» : في رواية الكشمهيني وتكسب بضم أوله، وعليها قال الخطابي: الصواب: المعدم بلا واو، أي الفقير، لأن المعدوم لا يكسب. قال الحافظ ابن حجر: ولا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم لكونه كالمعدوم الميت الّذي لا تصرّف له، والكسب هو الاستفادة، فكأنها قالت: إذا رغب غيرك أن يستفيد مالا موجودا رغبت أنت أن تستفيد رجلا عاجزا فتعاونه. وقال قاسم ابن ثابت في (الدلائل) : قوله يكسب معناه ما يعدمه غيره ويعجز عنه يصيبه ويكسبه. قال أعرابي يمدح إنسانا: كان أكسبهم لمعدوم، وأعطاهم لمحروم. ولغير الكشمهيني «وتكسب» بفتح أوله، قال عياض: وهذه الرواية أصح- قال الحافظ ابن حجر: قد وجّهنا الأولى، وهذه الراجحة، ومعناها تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك، فحذف أحد المفعولين، ويقال: كسبت مالا وأكسبته بمعنى. وقيل: معناه تكسب المال المعدوم وتصيب ما لا يصيب غيرك. وكانت العرب تتمادح بكسب المال، لا سيما قريش، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل البعثة محظوظا في التجارة، وإنما يصح هذا المعنى إذا ضم إليه ما يليق به من أنه كان مع إفادته للمال يجود به في الوجوه التي ذكرت في المكرمات. وقولها: «وتعين على نوائب الحق» ، كلمة جامعة لأفراد ما تقدم ولما لم يتقدم. وفي رواية (البخاري في التفسير) ، من طريق يونس عن الزهري من الزيادة: «وتصدق الحديث» ، وهي من أشرف الخصال. وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة: «وتؤدي الأمانة» . وفي هذه القصة من الفوائد: * استحباب تأنيس من نزل به أمر بذكر تيسيره عليه وتهوينه لديه. * وأن من نزل به أمر استحب له أن يطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه. قوله: «فانطلقت به» ، أي مضت معه، فالباء للمصاحبة، وورقة بفتح الراء، وقوله: «ابن عم خديجة» ، هو بنصب «ابن» ، ويكتب بالألف، وهو بدل من ورقة، أو صفة، أو بيان، ولا يجوز جره، فإنه يصير صفة لعبد العزى، وليس كذلك، ولا يجوز كتبه بغير ألف لأنه لم يقع بين علمين. قوله: «تنصّر» ، أي صار نصرانيا، وكان قد خرج هو وزيد بن نفيل لما كرها عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين، فأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصّر، وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل، ولهذا أخبر بشأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والبشارة به، إلى غير ذلك مما أفسده أهل التبديل. قوله: «فكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية» ، وفي رواية يونس ومعمر: ويكتب من الإنجيل بالعربية، ولمسلم: فكان يكتب الكتاب العربيّ، والجميع صحيح، لأن ورقة تعلم اللسان العبراني والكتابة العبرانية، فكان يكتب الكتاب العبراني، كما كان يكتب الكتاب العربيّ، لتمكنه من الكتابين واللسانين. ووقع لبعض الشراح هنا ضبط فلا يعرّج عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8   [ () ] وإنما وصفته بكتابة الإنجيل دون حفظه، لأن حفظ التوراة والإنجيل لم يكن متيسرا كتيسر حفظ القرآن الّذي خصّت به هذه الأمة، فلهذا جاء في صفتها: «أناجيلها صدورها» . قولها: «يا ابن عم» ، هذا النداء على حقيقته، ووقع في مسلم «يا عم» وهو وهم، لأنه وإن كان صحيحا لجواز إرادة التوقير، لكن القصة لم تتعد، ومخرجها متحد، فلا يحمل على أنها قالت ذلك مرتين، فتعين الحمل على الحقيقة. قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : وإنما جوزنا ذلك فيما مضى في العبراني والعربيّ، لأنه من كلام الراويّ في وصف ورقة، واختلف المخارج فأمكن التعداد، وهذا الحكم يطرد في جميع ما أشبهه، وقالت في حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اسمع من ابن أخيك، لأن والده عبد اللَّه بن عبد المطلب وورقة في عدد النسب إلى قصي بن كلاب الّذي يجتمعان فيه سواء، فكان من هذه الحيثية في درجة إخوته. أو قالته على سبيل التوقير لسنه. وفيه إرشاد إلى أن صاحب الحاجة يقدم بين يديه من يعرّف بقدره ممن يكون أقرب منه إلى المسئول، وذلك مستفاد من قول خديجة لورقة: «اسمع من ابن أخيك» أرادت بذلك أن يتأهب لسماع كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذلك أبلغ في التعظيم. قوله: «ماذا ترى» ؟ فيه حذف يدل عليه سياق الكلام، وقد صرّح به في (دلائل النبوة) لأبي نعيم بسند حسن إلى عبد اللَّه بن شداد في هذه القصة قال: فأتت به ورقة ابن عمها فأخبرته بالذي رأى. قوله: «هذا الناموس الّذي نزل اللَّه على موسى» . وللكشميهني: «أنزل اللَّه» ، وفي كتاب التفسير «أنزل» على البناء للمفعول، وأشار بقوله: «هذا» إلى الملك الّذي ذكره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في خبره، ونزله منزلة القريب لقرب ذكره. والناموس: صاحب السر كما جزم به المؤلف في أحاديث الأنبياء. وزعم ابن ظفر أن الناموس صاحب سرّ الخير، والجاسوس صاحب سر الشّر، والأول الصحيح الّذي عليه الجمهور، وقد سوّى بينهما رؤبة بن العجاج أحد فصحاء العرب. والمراد بالناموس هنا جبريل عليه السلام. وقوله: «على موسى» ولم يقل على عيسى مع كونه نصرانيا، لأن كتاب موسى عليه السلام مشتمل على أكثر الأحكام، بخلاف عيسى. وكذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. أو لأن موسى عليه السّلام بعث بالنقمة على فرعون ومن معه، بخلاف عيسى. كذلك وقعت النقمة على يد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بفرعون هذه الأمة، وهو أبو جهل بن هشام ومن معه ببدر. أو قاله تحقيقا للرسالة، لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتاب، بخلاف عيسى فإن كثيرا من اليهود ينكرون نبوته. وأما ما تحمل له السهيليّ، من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى، ودعواهم أنه أحد الأقانيم [الثلاثة] فهو محال لا يعرّج عليه في حق ورقة وأشباهه ممن لم يدخل في التبديل، ولم يأخذ عمن بدّل. على أنه قد ورد عند الزبير بن بكار من طريق عبد اللَّه بن معاذ عن الزهري في هذه القصة أن ورقة قال: ناموس عيسى، والأصح ما تقدم، وعبد اللَّه بن معاذ ضعيف. نعم في (دلائل النبوة لأبي نعيم) بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة، أن خديجة أولا أتت ابن عمها ورقة فأخبرته الخبر فقال: لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه ناموس عيسى الّذي لا يعلمه بنو إسرائيل أبناءهم، فعلى هذا فكان ورقة يقول تارة ناموس عيسى، وتارة ناموس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9   [ () ] موسى عليهما السلام، فعند إخبار خديجة له بالقصة، قال لها ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية، وعند إخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم له قال له: ناموس موسى للمناسبة التي قدمناها، وكل صحيح، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم. قوله: «يا ليتني فيها جذع» ، كذا في رواية الأصيلي، وعند الباقين: «يا ليتني فيها جذعا» ، بالنصب على أنه خبر كان المقدرة. قاله الخطابي، وهو مذهب الكوفيين في قوله تعالى: انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ [الآية 171/ النساء] ، وقال ابن بري: التقدير يا ليتني جعلت فيها جذعا، وقيل: النصب على الحال إذا جعلت «فيها» خبر ليت، والعامل في الحال ما يتعلق به الخبر من معنى الاستقرار، قاله السهيليّ. وضمير «فيها» يعود على أيام الدعوة، والجذع- بفتح الجيم، والذال المعجمة- هو الصغير من البهائم، كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابا، ليكون أمكن لنصره، وبهذا يتبين سرّ وصفه بكونه كان كبيرا أعمى. قوله: «إذ يخرجك» ، قال ابن مالك: فيه استعمال «إذ» في المستقبل كإذا، وهو صحيح وغفل عنه كثير من النحاة، وهو كقوله تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الآية 39/ مريم] ، هكذا رواه ابن مالك، وأقره عليه غير واحد، وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام بأن النحاة لم يغفلوه بل منعوا وروده، وأولوا ما ظاهره ذلك وقالوا في مثل هذا: استعمل الصيغة الدالة على المضيّ لتحقق وقوعه فأنزلوه منزلته، ويقوي ذلك هنا أن في رواية البخاري في (التعبير) : «حين يخرجك قومك» . وفيه دليل على جواز تمني المستحيل إذا كان في فعل خير، لأن ورقة تمنى أن يعود شابا، وهو مستحيل عادة، ويظهر لي- والكلام للحافظ ابن حجر- أن التمني ليس مقصودا على بابه، بل المراد من هذا التنبيه على صحة ما أخبر به، والتنويه بقوة تصديقه فيما يجيء به. قوله: «أو مخرجيّ هم» ؟ - بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها-، فهم: مبتدأ مؤخر، ومخرجيّ: خبر مقدم، قاله ابن مالك، واستبعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يخرجوه، لأنه لم يكن فيه سبب يقتضي الإخراج، لما اشتمل عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكارم الأخلاق التي تقدم من خديجة وصفها. قوله: «إلا عودي» ، وفي رواية يونس في (التفسير) : «إلا أوذي» ، فذكر ورقة أن العلة في ذلك مجيئه لهم بالانتقال عن مألوفهم، ولأنه علم من الكتب أنهم لا يجيبونه إلى ذلك، وأنه يلزمه لذلك منابذتهم ومعاندتهم، فتنشأ العداوة من ثمّ، وفيه دليل أن المجيب يقيم الدليل على ما يجيب به إذا اقتضاه المقام. قوله: «إن يدركني قومك» ، إن: شرطية والّذي بعدها مجزوم، زاد في رواية يونس في (التفسير) : «حيّا» ، ولابن إسحاق: «إن أدركت ذلك اليوم» يعني الإخراج. قوله: «مؤزّرا» - بهمزة- أي قويا، مأخوذ من الأزر، وهو القوة، أنكر القزاز أن يكون في اللغة مؤزر من الأزر، وقال أبو شامة: يحتمل أن يكون من الإزار، أشار بذلك إلى تشميره في نصرته. قال الأخطل: قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم قوله: «ثم لم ينشب» - بفتح الشين المعجمة- أي لم يلبث، وأصل النشوب التعلق، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 وقال مسلم: أي عم- اسمع من ابن أخيك، فقال [له] ورقة يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبر ما رأى، فقال له ورقة ابن نوفل: هذا الناموس الّذي أنزل على موسى [بن عمران] ، يا ليتني فيها جذعا، يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك- وقال البخاري: يا ليتني أكون حيا [إذ] ... - فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو مخرجيّ هم؟ قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي - وقال مسلم: إلا أوذي- وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي [فترة حتى حزن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] . قال محمد بن شهاب [ (1) ] : وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن   [ () ] أي لم يتعلق بشيء من الأمور حتى مات. وهذا بخلاف ما في السيرة لابن إسحاق أن ورقة كان يمر ببلال وهو يعذب، وذلك يقتضي أنه تأخر إلى زمن الدعوة، وإلى أن دخل بعض الناس في الإسلام. قال الحافظ ابن حجر: فإن تمسكنا بالترجيح فما في الصحيح أصح، وإن لحظنا الجمع أمكن أن يقال: الواو في قوله: «وفتر الوحي» ليست للترتيب، فلعلّ الراويّ لم يحفظ لورقة ذكرا بعد ذلك في أمر من الأمور، فجعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى عمله، لا إلى ما هو الواقع، وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان، وكان ذلك ليذهب ما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم وجده من الروع، وليحصل له التشوف إلى العود، فقد روى البخاري في كتاب (التعبير) من طريق معمر ما يدل على ذلك. [فائدة] : وقع في تاريخ أحمد بن حنبل عن الشعبي، أن مدة فترة الوحي كانت ثلاث سنين، وبه جزم ابن إسحاق، وحكي البيهقي أن مدة الرؤيا كانت ستة أشهر، وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده وهو ربيع الأول بعد إكماله أربعين سنة، وابتداء وحي اليقظة وقع في رمضان، وليس المراد بفترة الوحي المقدرة بثلاث سنين، وهي ما بين نزول اقْرَأْ ويا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، عدم مجيء جبريل إليه، بل تأخر نزول القرآن فقط، (فتح الباري) : 1/ 33- 36، كتاب بدء الوحي حديث رقم (3) . [ (1) ] قوله: «قال ابن شهاب: «وأخبرني أبو سلمة» ، إنما أتى بحرف العطف ليعلم أنه معطوف على ما سبق، كأنه قال: أخبرني عروة بكذا، وأخبرني أبو سلمة بكذا. وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن ابن عوف، وأخطأ من زعم أن هذا معلق، وإن كانت صورته التعليق، ولو لم يكن في ذلك إلا ثبوت الواو العاطفة، فإنّها دالة على تقدم شيء عطفته، وقد تقدم قوله: عن ابن شهاب عن عروة فساق الحديث إلى آخره ثم قال: ابن شهاب- أي بالسند المذكور- وأخبرني أبو سلمة بخبر آخر وهو كذا. ودلّ قوله: «عن فترة الوحي» وقوله: «الملك الّذي جاءني بحراء» على تأخر نزول سورة المدثر عن اقْرَأْ، ولما دخلت رواية يحيى بن أبي كثير الآتية في (التفسير) عن أبي سلمة عن جابر عن هاتين الجملتين أشكل الأمر، فجزم من جزم بأن يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ أول ما نزل، ورواية الزهري هذه صحيحة ترفع الإشكال، وسياق بسط القول في ذلك في كتاب التفسير من (صحيح البخاري) في تفسير سورة اقْرَأْ، فليراجع هناك. (المرجع السابق) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 عبد اللَّه الأنصاري [رضي اللَّه عنه] ، قال فسلم: وكان من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وهو- يحدث عن فترة الوحي: قال في حديثه: بينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسي فإذا الملك الّذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، [فرعبت] [ (1) ] منه فرجعت، - وقال مسلم: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فخشيت منه فرقا فرجعت- فقلت: زملوني [زملوني] ، فدثّروه- وقال مسلم: فدثروني- فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [ (2) ]- وهي الأوثان- قال: ثم تتابع الوحي [ (3) ]- وقال البخاري: قال أبو سلمة: وهي الأوثان التي كانت الجاهلية يعبدون، قال: ثم تتابع الوحي، ولم يذكر مسلم: ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ذكره البخاري في كتاب التفسير وفي كتاب الإيمان [ (4) ] وذكره مسلم من حديث معمر عن الزهري [ (5) ] ولفظه: أول ما بدئ به   [ (1) ] قوله: «فرعبت منه - بضم الراء وكسر العين، وللأصيلي بفتح الراء وضم العين- أي فزعت، دلّ على بقية بقيت معه من الفزع الأول، ثم زالت بالتدريج. قوله: «فقلت: «زملوني زملوني» - وفي رواية الأصيلي وكريمة «زملوني» مرة واحدة، وفي رواية يونس في (التفسير) : «فقلت: دثروني» فنزلت: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ، أي حذّر من العذاب من لم يؤمن بك. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ أي عظم، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ أي من النجاسة، وقيل: الثياب النفس، وتطهيرها اجتناب النقائص، والرجز هنا الأوثان، والرّجز في اللغة العذاب، وسمي الأوثان رجزا لأنها سببه. [ (2) ] أول سورة المدثر. [ (3) ] قوله: «تتابع» ، تأكيد معنوي، وتتابع تكاثر. وقد وقع في رواية الكشمهيني وأبي الوقت: «تواتر» ، والتواتر مجيء الشيء يتلو بعضه بعضا من غير تخلل. (المرجع السابق) : حديث رقم (4) . [ (4) ] هذا الحديث ذكره البخاري في كتاب بدء الخلق، باب (7) حديث رقم (3238) ، وفي كتاب التفسير، باب (1، 2) حديث رقم (4922) ، (4923) ، باب (3) ، حديث رقم (4924) باب (4) حديث رقم (4925) ، باب (5) ، حديث رقم (4926) ، (4954) ، وفي كتاب الأدب، باب (118) ، حديث رقم (6214) . بسياقات مختلفة وتقديم وتأخير. [ (5) ] حديث معمر عن الزهري: رقم (253) من كتاب الإيمان، باب (73) بدء الوحي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، من (صحيح مسلم بشرح النووي) 2/ 559. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي.. وساق الحديث بمثل حديث يونس، غير أنه قال: فو اللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا، وقال: قالت خديجة أيا ابن العم! اسمع من ابن أخيك، وذكره أيضا من حديث عقيل عن ابن شهاب، سمعت عروة بن الزبير يقول: قالت عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فرجع إلى خديجة يرجف فؤاده، فاقتص الحديث بمثل حديث يونس ومعمر، ولم يذكر أول حديثهما من قوله: أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصادقة، وتابع يونس على قوله: فو اللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا، وذكر قول خديجة: أي ابن عم! اسمع من ابن أخيك. وذكر من حديث عقيل عن ابن شهاب [ (1) ] قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: أي جابر بن عبد اللَّه أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ثم فتر الوحي عني فترة، فبينا أنا أمشي.. ثم ذكر بمثل حديث يونس، غير أنه قال: فخشيت منه فرقا حتى هويت إلى الأرض. قال: وقال أبو سلمة: الرجز الأوثان، قال: حمي الوحي بعد ذلك وتتابع. وذكره من حديث معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحو حديث يونس، قال: فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ إلى [ (2) ] وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ- قبل أن تفرض الصلاة- وهي الأوثان، قال فخشيت منه كما قال عقيل [ (3) ] . وذكر البخاري في كتاب التعبير حديث عقيل ولفظه [ (4) ] : أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم بنحو حديث يونس وقال فيه: حتى أتت به ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وقال: فقالت له خديجة: أي ابن عم.. الحديث إلى قوله نصرا مؤزرا، وقال بعده: ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أو في بذروة جبل لكي يلقى [منه] بنفسه تبدي له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول   [ (1) ] حديث عقيل عن ابن شهاب: رقم (254) ، (المرجع السابق) . [ (2) ] أول سورة المدثر. [ (3) ] حديث رقم (255) ، (المرجع السابق. [ (4) ] حديث عقيل عن ابن شهاب، ذكره البخاري في أول كتاب التعبير، باب أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصالحة، حديث رقم (6982) من (فتح الباري) : 12/ 436. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 اللَّه حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أو في بذروة جبل تبدي له جبريل فقال له مثل ذلك [ (1) ] . ترجم عليه أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصالحة. وذكر في أول حديث عقيل ولفظه: أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الرؤيا الصالحة في النوم وقال فيه: يرجف فؤاده، وقال: وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء اللَّه أن يكتب، وقال: فقالت له خديجة: يا ابن عم، وقال: هو الناموس الّذي نزل على موسى، وقال: ليتني أكون حيا إذا يخرجك قومك، وقال: رجل قط بما جئت به إلا عودي، قال في التعبير وقال بعد قوله نصرا مؤزرا: ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي [ (2) ] . قال ابن شهاب: وأخبرني سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: بينا أمشي إلا سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الّذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فأنزل اللَّه عز وجل: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [ (3) ] ،   [ (1) ] زاد بعد قوله: «مثل ذلك» : [قال ابن عباس: فالق الإصباح: ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل. قوله: «فإذا طالت عليه فترة الوحي» ، قد يتمسك به من يصحح مرسل الشعبي في أن مدة الفترة كانت سنتين ونصفا، كما نقله الحافظ ابن حجر في أول بدء الوحي، ولكن يعارضه ما أخرجه ابن سعد من حديث ابن عباس بنحو هذا البلاغ الّذي ذكره الزهري. وقوله: مكث أياما بعد مجيء الوحي لا يرى جبريل، فحزن حزنا شديدا حتى كان يغدو إلى ثبير مرة، وإلى حراء أخرى يريد أن يلقى بنفسه، فبينا هو كذلك عامدا لبعض تلك الجبال، إذ سمع صوتا فوقف فزعا، ثم رفع رأسه فإذا جبريل على كرسيّ بين السماء والأرض، متربعا يقول: يا محمد أنت رسول اللَّه حقا وأنا جبريل، فانصرف وقد أقرّ اللَّه عينه، وانبسط جأشه، ثم تتابع الوحي» ، فيستفاد من هذه الرواية تسمية بعض الجبال التي أبهمت في رواية الزهري، وتقليل مدة الفترة. واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) : 12/ 446. [ (2) ] حديث عقيل عن ابن شهاب، ذكره البخاري في أول كتاب التعبير، باب أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصالحة، حديث رقم (6982) من (فتح الباري) : 12/ 436. [ (3) ] أول سورة المدثر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 فحمي الوحي وتتابع. تابعه عبد اللَّه بن يونس وأبو صالح، وتابعه هلال بن ردّاد عن الزهري. وقال يونس ومعمر: بوادره. وذكر في التفسير من حديث معمر عن الزهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يحدث عن فترة الوحي [ (1) ] فقال في حديثه: فبينا أنا أمشي إذا سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي إليه، فإذا الملك الّذي جاءني بحراء على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعبا، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فزملوني، فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ، إلى وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ قبل أن تفرض الصلاة، وهي الأوثان، وذكر فيه أيضا حديث عقيل عن ابن شهاب قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: أخبرني جابر بن عبد اللَّه أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث عن فترة الوحي، [قال] : فبينا أنا أمشي سمعت تصويتا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الّذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجثثت منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني، فزملوني، فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ إلى قوله: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ، قال أبو سلمة: والرجز: الأوثان، ثم حمي الوحي وتتابع. وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة [ (2) ] ، حدثنا   [ (1) ] «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه: بينا أمشي» ، هذا يشعر بأنه كان في أصل الرواية أشياء غير المذكور، وهذا أيضا من مرسل الصحابي، لأن جابرا لم يدركه زمان القصة فيحتمل أن يكون سمعها من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو من صحابي آخر حضرها، واللَّه تعالى أعلم. قوله: «سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري» يؤخذ منه جواز رفع البصر إلى السماء عند وجود حادث من قبلها، وقد ترجم له البخاري في (الأدب) . ويستثنى من ذلك رفع البصر إلى السماء في الصلاة، لثبوت النهي عنه كما تقدم في (الصلاة) من حديث أنس، وروي ابن السني بإسناد ضعيف عن ابن مسعود قال: أمرنا أن لا نتبع أبصارنا الكواكب إذا انقضت. ووقع في رواية يحي بن أبي كثير: «فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي» . وفي رواية مسلم بعد قوله: «شيئا» ، «ثم نوديت» ، فنظرت فلم أر أحدا، ثم نوديت فرفعت رأسي» . (فتح الباري) : 8/ 935، حديث رقم (4953) . [ (2) ] حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة، في (دلائل النبوة لأبي نعيم) رقم (174) بغير هذه السياقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 منجاب بن الحارث، حدثنا علي بن مسهر عن الشيبانيّ عن عبد اللَّه بن شداد قال: نزل جبريل عليه السّلام على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فغمه ثم قال له: اقرأ، قال ما أقرأ؟ فغمه ثم قال له: اقرأ، قال: ما أقرأ، فغمه ثم قال له: اقرأ، قال: ما أقرأ، قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ إلى ما لَمْ يَعْلَمْ، فأتى خديجة رضي اللَّه عنها فأخبرها بالذي رأى، فأتت ورقة ابن نوفل ابن عمها فأخبرته بالذي رأى فقال: هل رأى زوجك صاحبه في خضر؟ فقالت: نعم، فقال: إن زوجك نبي وسيصيبه في أمته بلاء. وخرج من حديث منجاب قال: حدثنا على بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما أنزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لخديجة: لقد خشيت أن أكون كاهنا أو مجنونا، قالت: لا واللَّه لا يفعل اللَّه ذلك بك، إنك لتصدق الحديث، وتصل الرحم، وتؤدي الأمانة، واللَّه لا يفعل ذلك بك، فأتت ابن عمها ورقة ابن نوفل وكانت تضيفه إليه، فأخبرته بالذي رأى، فقال: لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه الناموس الأكبر، ناموس عيسى الّذي لا تعلّمه بنو إسرائيل أبناءهم، ولئن نطق وأنا حيّ لأبلين اللَّه فيه بلاء حسنا، قال أبو نعيم: هكذا رواه علي بن مسهر وأصحاب هشام مرسلا، ورواه يعقوب بن محمد الزهري عن عبد اللَّه بن محمد ابن يحيى بن عروة عن هشام متصلا، وفيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال ورقة لما ذكرت له خديجة أنه ذكر لها جبريل: سبّوح سبّوح، وما لجبريل يذكر في هذه الأرض التي تعبد فيها الأوثان، جبريل أمين اللَّه بينه وبين رسله، اذهبي به إلى المكان الّذي رأى فيه ما رأى، فإذا أتاه فتحسّرى فإن يكن من عند اللَّه لا يراه، ففعلت، قالت: فلما تحسّرت تغيّب جبريل فلم يره، فرجعت فأخبرت ورقة فقال: إنه ليأتيه الناموس الأكبر الّذي لا يعلّمه بنو إسرائيل أبناءهم إلا بالثمن، ثم أقام ورقة ينتظر إظهار الدعوة، فقال في ذلك: لججت وكنت في الذكرى لجوجا [ (1) ] ... لهم طالما بعث النشيجا [ (2) ]   [ (1) ] اللجلجة والتلجلج: التردد في الكلام. (ترتيب القاموس) : 4/ 124. [ (2) ] نشج الباكي ينشج نشيجا: غصّ في حلقه من غير انتحاب (المرجع السابق) 370. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري يا خديجا ببطن المكتين [ (1) ] على رجائي [ (2) ] ... حديثك أن [ (3) ] أرى منه خروجا بما خبرتنا [ (4) ] عن قول قسّ ... من الرهبان أكره [ (5) ] أن يعوجا بأن محمدا سيسود فينا [ (6) ] ... ويخصم من يكون له حجيجا ويظهر في البلاد ضياء نور [ (7) ] ... يقيم به البرية أن تعوجا   [ (1) ] ثنى «مكة» ، وهي واحدة، لأن لها بطاحا وظواهر، وقد ذكرنا من أهل البطاح، ومن أهل الظواهر، على أن للعرب مذهبا في أشعارها في تثنية البقعة الواحدة، وجمعها، وإنما يقصد العرب في هذه الإشارة إلى جانبي كل بلدة، أو الإشارة إلى أعلى البلدة وأسفلها، فيجعلونها اثنين على هذا المغزى وأحسن ما تكون هذه التثنية إذا كانت في ذكر جنة أو بستان، فتسميها جنتين في فصيح الكلام، إشعارا بأن لها وجهين، وأنك إذا دخلتها ونظرت إليها يمينا وشمالا رأيت من كلتا الناحيتين ما يملأ عينيك قوة، وصدرك مسرّة، وفي التنزيل: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [الآية 15/ سبأ] ، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ [الآية 16/ سبأ] ، وفيه: جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً [الآيتان 32، 33/ الكهف] ، ثم قال سبحانه: دَخَلَ جَنَّتَهُ، ثم قال: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ، ثم قال: فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ [من الآيتين 35، 39، 41/ الكهف] ، فأفرد بعد ما ثني وهي هي، وقد حمل العلماء على هذا المعنى قوله تعالى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ [الآية 46/ الرحمن] ، والقول في هذه الآية يتسع. (الروض الأنف) : 1/ 218- 220. [ (2) ] في (خ) : «على رجاء» ، وما أثبتناه من (ابن هشام) : 2/ 10، (البداية والنهاية) : 3/ 15، قوله: «حديثك أن أرى منه خروجا» ، فالهاء في «منه» راجعة على الحديث، وحرف الجر متعلق بالخروج، وإن كره النحويون ذلك، لأن ما كان من صلة المصدر عندهم، فلا يتقدم عليه، لأن المصدر مقدر بأن والفعل، فما يعمل فيه هو من صلة «أن» فلا يتقدم، فمن أطلق القول في هذا الأصل، ولم يخصص مصدرا من مصدر، فقد أخطأ المفصل وتاه في تضلل، ففي التنزيل: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ [الآية: 2/ يونس] ، ومعناه: أكان عجبا للناس أن أوحينا، ولا بد للّام هاهنا أن تتعلق بعجب، لأنها ليست في موضع صفة، ولا موضع حال لعدم العامل فيها. (المرجع السابق) . [ (3) ] في (خ) : «لو أرى» ، وما أثبتناه من (ابن هشام) ، (البداية والنهاية) . [ (4) ] في (خ) : «بما خبرتني» ، وما أثبتناه من (ابن هشام) ، (البداية والنهاية) . [ (5) ] في (خ) : «يكره» ، وما أثبتناه من (ابن هشام) ، (البداية والنهاية) . [ (6) ] في (خ) ، (البداية والنهاية) : «سيسود قوما، وما أثبتناه من (ابن هشام) . [ (7) ] هذا البيت يوضح لنا معنى النور ومعنى الضياء، وأن الضياء هو المنتشر عن النور، وأن النور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 فيلقى من يحاربه خسارا ... ويلقى من يسالمه فلوجا [ (1) ] فيا ليتني [ (2) ] إذا ما كان ذاكم ... شهدت فكنت أولهم ولوجا ولوجا [ (3) ] في الّذي كرهت قريش ... ولو عجت بمكتها عجيجا [ (4) ] أرجى بالذي كرهوا جميعا ... إلى ذي العرش إن سفلوا عروجا وإن يبقوا وأبق [ (5) ] تكن أمور ... يضجّ الكافرون بها ضجيجا [ (6) ] وإن أهلك فكل فتى سيلقى ... من الأقدار متلفة خلوجا [ (7) ] هو الأصل للضوء، ومنه مبدؤه، وعنه يصدر، وفي التنزيل: فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [الآية 17/ البقرة] ، وفيه: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً [الآية 5/ يونس] ، لأن نور القمر لا ينتشر عنه من الضياء ما ينتشر من الشمس، ولا سيما طرفي الشهر، وفي الصحيح: «الصلاة نور، والصبر ضياء» ، وذلك أن الصلاة هي عمود الإسلام، وهي ذكر وقرآن، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فالصبر عن المنكرات، والصبر على الطاعات هو: الضياء الصادر عن هذا النور الّذي هو القرآن والذكر، وفي أسماء الباري سبحانه اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الآية 35/ النور] ، ولا يجوز أن يكون الضياء من أسمائه سبحانه. (الروض الأنف) .   [ (1) ] فلج: ظفر، ويقال: فلج بحاجته، وبحجته: أحسن الإدلاء بها فغلب خصمه. (المعجم الوسيط) : 2/ 699. [ (2) ] ليتي: بحذف نون الوقاية، وحذفها مع ليت رديء، وهو في لعلّ أحسن منه، لقرب مخرج اللام من النون، حتى لقد قالوا: لعل ولعن ولأن بمعنى واحد، وقد حكي يعقوب أن من العرب من يخفف بلعلّ، وهذا يؤكد حذف النون من لعلني، وأحسن ما يكون حذف هذه النون في إنّ، وأنّ، ولكن، وكأنّ، لاجتماع النونات، وحسنه في لعلّ أيضا كثرة حروف الكلمة، وفي التنزيل: لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ [الآية 46/ يوسف] بغير نون، ومجيء هذه الياء وليتي بغير نون مع أن ليت ناصبة، يدلّك على أن الاسم المضمر في ضربني هو الياء، دون النون كما هو في ضربك، وضربه حرف واحد، وهو الكاف، ولو كان الاسم هو النون مع الياء، كما قالوا في المخفوض: مني وعني بنونين. نون: من، ونون أخرى مع الياء، فإذا الياء وحدها هي الاسم في حال الخفض، وفي حال النصب، (ابن هشام) : 2/ 12 هامش. [ (3) ] ولج الشيء في غيره ولوجا: دخل فيه (المعجم الوسيط) : 2/ 1055، وفي التنزيل: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ [الآية 6/ الحج] . [ (4) ] عجّ عجّا وعجّة وعجيجا: رفع صوته وصاح. (المرجع السابق) : 2/ 1055، وفي الصحيح: «الحج عجّ وثجّ» . [ (5) ] في (خ) : «ونبق» ، وما أثبتناه من (ابن هشام) ، (الروض الأنف) ، (البداية والنهاية) . [ (6) ] ضج ضجيجا: الصياح عند المكروه، والمشقة، والجزع، (لسان العرب) : 2/ 312. [ (7) ] في (خ) : «خلوجا» ، وهو الاضطراب. (المعجم الوسيط) : 1/ 248. وفي (ابن هشام) : «حروجا» ، وهي الجسيمة (المرجع السابق) : 1/ 164. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 وخرج أيضا من حديث الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا داود بن المحبر، حدثنا حماد عن أبي عمران الجوى عن يزيد بن بابنوس عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نذر أن يعتكف شهرا هو وخديجة رضي اللَّه عنها بحراء، فوافق ذلك شهر رمضان، فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات ليلة فسمع: السلام عليك! قال: فظننتها فجأة الجن، فجئت مسرعا حتى جئت إلى خديجة فسجتني ثوبا فقالت: ما شأنك يا ابن عبد اللَّه؟ فأخبرها فقالت له: أبشر يا ابن عبد اللَّه، فإن السلام خير، قال: ثم خرجت مرة أخرى فإذا أنا بجبريل على الشمس، جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب، قال [ (1) ] : فهلت منه فجئت مسرعا فإذا هو بيني وبين الباب، فكلمني حتى أنست به، ثم وعدني موعدا فجئت له فأبطأ عليّ فرأيت أن أرجع، فإذا أنا به وميكائيل بين السماء والأرض قد سدّ الأفق، فهبط جبريل وبقي ميكائيل بين السماء والأرض، فأخذني جبريل فاستلقاني لحلاوة القفا [ (2) ] ، ثم شق عن قلبي فاستخرج ما شاء اللَّه أن يستخرج، ثم غسله، في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده مكانه ثم لأمه ثم أكفأني كما يكفأ الأديم، ثم ضم في ظهري حتى وجدت مسّ الخاتم في قلبي، ثم قال لي: اقرأ، ولم أكن [ (3) ] قرأت كتابا قط، فلم أدر ما أقرأ، ثم قال: اقرأ، فقلت ما أقرأ؟ قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (4) ] ، حتى انتهى إلى خمس آيات منها فما نسيت شيئا بعد، ثم وزنني برجل فوزنته، ثم وزنني بآخر فوزنته حتى وزنت بمائة فقال ميكائيل: تبعته أمته ورب الكعبة، فجعلت لا يلقاني حجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه حتى دخلت على خديجة فقالت: السلام عليك يا رسول اللَّه [ (5) ] . وفي رواية يونس بن حبيب عن داود: فقال ميكائيل: تبعته أمته، وقال:   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل النبوة لأبي نعيم) : 1/ 69: «فهللت» كما في أصل الدلائل، وفي الخصائص «فهلت» ، وفي مسند أبي داود والطياليسي: «فهبت منه» . [ (2) ] في (خ) : «فسبقني بحلاوة القفا» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «أك» ، «فلم أجد ما أقرأ» . [ (4) ] أول سورة العلق. [ (5) ] (دلائل أبي نعيم) 1/ 215، 216، حديث رقم (163) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 كما يكفأ الإناء، وقال: أخذ بحلقي حتى أجهشت بالكباء ثم قال لي: اقرأ.. والباقي مثله سواء. وخرج من حديث إسماعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر ابن عبد الرحمن بن [الحارث] [ (1) ] بن هشام عن أم سلمة عن خديجة [ (2) ] رضي اللَّه عنها أنها قالت: قلت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا ابن عم، أتستطيع إذا جاءك هذا الّذي يأتيك أن تخبرني به؟ قال: نعم، قالت خديجة: فجاءه جبريل عليه السّلام ذات يوم وأنا عنده فقال: يا خديجة، هذا صاحبي الّذي يأتيني قد جاء، فقلت له: قم فاجلس على فخذي [ (3) ] ، فجلس عليهما [ (4) ] فقلت: هل تراه؟ قال: نعم، فقلت: تحول فاجلس على فخذي اليسرى فجلس فقلت: هل تراه؟ قال: نعم، قالت خديجة [فتحسرت] [ (5) ] فطرحت خماري فقلت: هل تراه؟ قال: لا، فقلت: هذا واللَّه ملك كريم، واللَّه ما هذا شيطان، قالت خديجة فقلت لورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي: ذلك مما أخبرني محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال ورقة: إن [ (6) ] يك حقا يا خديجة فاعلمي ... حديثك إيّانا فأحمد مرسل [وجبريل يأتيه وميكال معهما ... من اللَّه وحي بشرح الصدر منزّل] [ (7) ] يفوز به من فاز فيها بتوبة ... ويشقى به العاني الغويّ المضلّل [ (8) ] فريقان منهم فرقة في جنانه ... وأخرى بأجواز الجحيم تغلّل [ (9) ]   [ (1) ] في (خ) : «الحرث» وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (2) ] كذا في (خ) وفي (المرجع السابق) : «خديجة بنت خويلد» . [ (3) ] كذا في (خ) وفي (المرجع السابق) : «على فخذي» بالإفراد. [ (4) ] كذا في (خ) وفي (المرجع السابق) : «عليهما» بالتثنية، والسياق يقتضي الإفراد. [ (5) ] زيادة من المرجع السابق. [ (6) ] في (دلائل البيهقي) : 2/ 150، و (البداية والنهاية) : 3/ 16 «فإن يك» . [ (7) ] هذا البيت ليس في (دلائل أبي نعيم) ، وأثبتناه من (دلائل البيهقي) و (البداية والنهاية) . [ (8) ] (في المرجع السابق) : «ويشقى به العاني الغرير المضلل» . [ (9) ] أجواز الجحيم: وسط جهنم، ومفردة «جوز» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 إذا ما دعوا بالويل فيها تتابعت ... مقامع في هاماتهم ثم تشعل [ (1) ] فسبحان من تهوى الرياح بأمره ... ومن هو في الأيام ما شاء يفعل ومن عرشه فوق السموات كلها ... وأحكامه [ (2) ] في خلقه لا تبدّل وقال ورقة أيضا: يا للرجال وصرف الدّهر والقدر ... وما [ (3) ] لشيء قضاه اللَّه من غير حتى خديجة تدعوني لأخبرها ... وما لنا [ (4) ] بخفي الغيب من خبر فكان ما سألت عنه لأخبرها ... أمرا أراه سيأتي الناس عن أخر [ (5) ] فخبرتني بأمر قد سمعت به ... فيما مضى من قديم الدهر [ (6) ] والعصر بأن أحمد يأتيه فيخبره ... جبريل إنك مبعوث إلى البشر فقلت على الّذي ترجين ينجزه ... لك الإله فرجّي الخير وانتظري وأرسليه إلينا كي نسائله ... عن أمر ما يري في النوم والسهر فقال خير أتانا منطقا عجبا ... يقفّ منه أعالي الجلد والشّعر إني رأيت أمين اللَّه واجهني ... في صورة أكملت في أهيب الصّور ثم استمر فكاد الخوف يذعرني ... مما يسلم من حولي من الشجر فقلت ظني وما أدرى سيصدقني ... أن سوف يبعث يتلو منزل السّور [ (7) ]   [ (1) ] في (دلائل أبي نعيم) : «مقامع في هاماتهم ثم مزعل» . [ (2) ] في (البداية والنهاية) ، و (دلائل البيهقي) : «وأقضاؤه» . [ (3) ] في (دلائل أبي نعيم) ، و (دلائل البيهقي) : «وما لشيء» ، وفي (خ) : «ويا لشيء» . [ (4) ] في (خ) ، (دلائل أبي نعيم) : «وما لنا» ، وفي (دلائل البيهقي) ، «وما لها» ، وفي (البداية والنهاية) : حتى خديجة تدعوني لأخبرها ... أمرا أراه سيأتي الناس من أخر وهذه الأبيات متساوية من حديث عددها (12) بيتا في (دلائل أبي نعيم) و (دلائل البيهقي) ، و (خ) ، لكنها في (البداية والنهاية) : (11) بيتا فقط. [ (5) ] في (دلائل أبي نعيم) : «أمرا رآه» . [ (6) ] في (دلائل أبي نعيم) : «من قديم الناس» . [ (7) ] في (دلائل البيهقي) : «أن سوف تبعث» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 وسوف أوليك [ (1) ] إن أعلنت دعوتهم ... مني [ (2) ] الجهاد بلا منّ ولا كدر [ (3) ] وخرج من حديث فليح بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عبد العزيز الإماميّ عن يزيد بن رومان، [والزهري] [ (4) ] عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان جالسا مع خديجة [رضي اللَّه عنها] [ (5) ] يوما من الأيام إذ رأى شخصا بين السماء والأرض فقالت خديجة [ (6) ] : لا يزول، أدن مني، فدنا منها، فقالت له: أتراه؟ [قال: نعم] [ (7) ] قالت: أدخل [يدك] [ (8) ] تحت [الدرع] [ (9) ] ، ففعل ذلك، فقالت [ (10) ] : أتراه؟ قال: لا، قد أعرض عني، قالت: أبشر فإنه ملك كريم، لو كان شيطانا ما استحى. فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] في (البداية والنهاية) : «وسوف يليك» ، وفي (دلائل البيهقي) : «وسوف أنبيك» . وما أثبتناه من (خ) ، و (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] في (البداية والنهاية) ، و (دلائل البيهقي) : «من الجهاد» ، وما أثبتناه من (خ) ، و (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) : 3/ 17: «هكذا أورد ذلك الحافظ البيهقي في (الدلائل) ، وعندي في صحتها عن ورقة نظر، واللَّه أعلم» . [ (4) ] كذا في (خ) ، و (دلائل أبي نعيم) ، وصوابه: «يزيد بن رومان الأسدي أبو روح المدني» (تهذيب التهذيب) : 11/ 284، ترجمة رقم (526) روى عن ابن الزبير وأنس بن عبيد اللَّه وسالم ابني عبد اللَّه بن عمر وصالح بن خوات بن جبير، وعروة بن الزبير والزهري، وهو من أقرانه، وأرسل عن أبي هريرة. وعنه هشام بن عروة وعبيد اللَّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر رضي اللَّه عنه، وأبو حازم سلمة بن دينار ومعاوية بن ثابت ومالك ويزيد بن عبد الملك النوفلي وجرير بن حازم وجماعة. قال النسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. قال ابن سعد عن الواقدي وغيره: مات سنة ثلاثين ومائة، وكان عالما كثير الحديث ثقة. قال الحافظ ابن حجر: وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة، وقال غيره: قرأ القرآن على عبد اللَّه بن عباس بن أبي ربيعة، وقرأ عليه نافع بن أبي نعيم. (المرجع السابق) . [ (5) ] زيادة من (خ) . [ (6) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : 1/ 218، 219، حديث رقم (165) : «بين السماء والأرض لا يزول فقالت خديجة» . [ (7) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم» . [ (8) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «رأسك» . [ (9) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق) : «درعي» . [ (10) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق) : «فقالت خديجة له» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 يوما من الأيام إذا رأى شخصا بين السماء والأرض بأجياد [ (1) ] إذ بدا له جبريل فسلم عليه، وبسط بساطا كريما مكللا بالياقوت والزبرجد، ثم بحث في الأرض فنبع الماء، فعلّم جبريل رسول اللَّه كيف يتوضأ، فتوضأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم صلّى ركعتين نحو [الكعبة] [ (2) ] مستقبل الركن الأسود، وبشره بنبوته، ونزل عليه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (3) ] ثم انصرف منقلبا فلم يمر على شجر ولا حجر [ (4) ] إلا وهو يسلم عليه يقول: سلام [ (5) ] عليك يا رسول اللَّه، فجاء إلى خديجة فقال: يا خديجة! أشعرت [أن] [ (6) ] الّذي كنت أراه قد بدا لي [وبسط لي] [ (7) ] بساطا كريما وبحث من [ (8) ] الأرض فنبع الماء فعلمني الوضوء، فتوضأت وصليت ركعتين، [فقالت] [ (9) ] : أرني كيف أراك؟ فأراها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [وتوضأت] [ (10) ] ثم صلت معه وقالت: أشهد أنك رسول اللَّه. ولأبي نعيم من حديث حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لخديجة: إني أسمع صوتا وأرى ضوءا، وإني أخشى أن يكون خبل، فقالت: لم يكن اللَّه ليفعل بك ذلك يا ابن عبد اللَّه، ثم أتت ورقة ابن نوفل فذكرت ذلك له فقال: إن يك صادقا إن هذا ناموس مثل ناموس موسى، وإن يبعث وأنا حي فسأعزره وأنصره وأعينه [ (11) ] .   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «بجياد الأصغر» . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «نحو القبلة» . [ (3) ] أول سورة العلق. [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «حجر ولا شجر» . [ (5) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «السّلام عليك» . [ (6) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «بأن» . [ (7) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «قد بدا لي بساطا كريما» . [ (8) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «بحث لي» . [ (9) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «فقالت خديجة» . [ (10) ] هذه الزيادة ليست في (المرجع السابق) . [ (11) ] هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد فقال: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا أبو كامل وحسن ابن موسى، قالا: حدثنا حماد قال: أخبرنا عمار بن أبي عمار قال حسن عن عمار: قال حماد: وأظنه عن ابن عباس ولم يشك فيه حسن، قال: قال ابن عباس، قال أبي: وحدثنا عفان، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 وله من حديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن وهب بن كيسان مولى آل الزبير قال: سمعت عبد اللَّه بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي حديث أخبرنا عبيد كيف كان بدء ما ابتدأ اللَّه به رسوله من النبوة حين جاءه جبريل؟ فقال عبيد: وأنا حاضر يحدث عبد اللَّه بن الزبير وهو من عنده من الناس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يجاور [ (1) ] في حراء من كل سنة شهرا، وكان ذلك مما تحنثت به قريش- والتحنث: التبرر [ (2) ]- فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يجاور ذلك الشهر في كل سنة يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى جواره من ذلك الشهر كان أول ما ابتدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة قبل أن يدخل بيته فيطوف بها سبعا أو ما شاء اللَّه من ذلك، ثم يرجع إلى بيته حتى إذا كان الشهر الّذي أراد اللَّه به ما أراد من كرامته من السنة التي بعث فيها، وذلك الشهر شهر رمضان، خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى حراء كما كان يخرج لجواره معه أهله، حتى كانت الليلة التي أكرمه اللَّه فيها برسالته، ورحم العباد بها، جاءه جبريل من اللَّه تعالى [ (3) ] . وقال إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجاءني   [ () ] حدثنا حماد عن عمار بن أبي عمار، مرسل ليس فيه ابن عباس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لخديجة، فذكر عثمان الحديث، وقال أبو كامل وحسن في حديثهما: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لخديجة: «إني أرى ضوءا، وأسمع صوتا، وإني أخشى أن يكون بي جنن، قالت: لم يكن اللَّه ليفعل ذلك بك يا ابن عبد اللَّه، ثم أتت ورقة ابن نوفل، فذكرت ذلك له فقال: إن يك صادقا، فإن هذا ناموس مثل ناموس موسى، فإن بعث وأنا حيّ فسأعززه، وأنصره وأومن به» . (مسند أحمد) : 1/ 512، 513، حديث رقم (2841) . [ (1) ] الجوار بالكسر في معنى المجاورة، وهي الاعتكاف إلا من وجه واحد، وهو أن الاعتكاف لا يكون إلا داخل المسجد، والجوار قد يكون خارج المسجد، كذلك قال ابن عبد البر، ولذلك لم يسمّ جواره بحراء اعتكافا، لأن حراء ليس من المسجد، ولكنه من جبال الحرم، وهو الجبل الّذي نادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قال له ثبير وهو على ظهره: اهبط عني، فإنّي أخاف أن تقتل على ظهري فأعذّب، فناداه حراء: إليّ يا رسول اللَّه. (الروض الأنف للسهيلي) . [ (2) ] التبرر: تفعّل من البر، وتفعّل: يقتضي الدخول في الفعل، وهو الأكثر فيها مثل: تفقّه، وتعبّد، وتنسّك. قال ابن هشام: تقول العرب: التحنث والتحنف، يريدون الحنيفية فيبدلون الفاء من الثاء، قال ابن هشام: وحدثني أبو عبيدة أن العرب تقول: «فمّ» في موضع «ثمّ» . (المرجع السابق) . [ (3) ] سيرة ابن هشام) : 2/ 69، 70. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 وأنا نائم [ (1) ] بنمط من ديباج فيه كتاب [ (2) ] ، فقال: اقرأ، قلت: ما أقرأ [ (3) ] قال: فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أقرأ [ (3) ] ، فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أقرأ [ (3) ] ، قال: فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا [لأفتدي] [ (4) ] منه أن يعود لي بمثل ما صنع فيّ، قال: اقْرَأْ بِاسْمِ [ (5) ] رَبِّكَ   [ (1) ] ليس ذكر النوم في حديث عائشة ولا غيرها، بل في حديث عروة عن عائشة ما يدل ظاهره على أن نزول جبريل نزل بسورة اقْرَأْ كان في اليقظة، لأنها قالت في أول الحديث: «أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح: ثم حبّب اللَّه إليه الخلاء- إلى قولها- حتى جاءه الحق وهو بغار حراء، فجاءه جبريل» . فذكرت في هذا الحديث أن الرؤيا كانت قبل نزول جبريل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالقرآن، وقد يمكن الجمع بين الحديثين بأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جاءه جبريل في المنام قبل أن يأتيه في اليقظة توطئة وتيسيرا عليه ورفقا به، لأن أمر النبوة عظيم، وعبؤها ثقيل، والبشر ضعيف. وقد ثبت بالطرق الصحاح عن عامر الشعبي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكل به إسرافيل، فكان يتراءى له ثلاث سنين، ويأتيه بالكلمة من الوحي والشيء، ثم وكل به جبريل، فجاءه بالقرآن والوحي، فعلى هذا كان نزول الوحي عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أحوال مختلفة، سيأتي شرحها مفصلا. (المرجع السابق) : هامش ص 70. [ (2) ] فيه دليل وإشارة إلى أن هذا الكتاب يفتح على أمّته ملك الأعاجم، ويسلبونهم الديباج والحرير الّذي كان زينهم وزينتهم، وبه أيضا ينال ملك الآخرة، ولباس الجنة، وهو الحرير والديباج. (المرجع السابق) هامش ص 71. [ (3) ] قوله: «ما أنا بقارئ» - على إحدى الروايات- أني أمّي فلا أقرأ الكتب، قالها ثلاثا، فقيل له: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، أي: إنك لا تقرءوه بحولك، ولا بصفة نفسك، ولا بمعرفتك، ولكن اقرأ مفتتحا باسم ربك، مستعينا به، فهو يعلمك كما خلقك، وكما نزع عنك علق الدم، ومغمز الشيطان بعد ما خلق فيك، كما خلقه في كل إنسان. أما على رواية «ما أقرأ» ، يحتمل أن تكون «ما» استفهاما، يريد أي شيء أقرأ؟ ويحتمل أن تكون نفيا، ورواية البخاري ومسلم تدل على أنه أراد النفي، أي ما أحسن أن أقرأ، كما تقدم من قوله: «ما أنا بقارئ» . (المرجع السابق) . [ (4) ] في رواية ابن إسحاق: «ما أقول ذلك إلا افتداء منه» . [ (5) ] في قوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ من الفقه: وجوب استفتاح القراءة ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، غير أنه أمر مبهم لم يبين له بأي اسم من أسماء ربه يفتتح، حتى جاء البيان بعد في قوله: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها [الآية 41/ هود] ، ثم قوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الآية 30/ النمل] ، ثم كان بعد ذلك ينزل جبريل عليه ببسم اللَّه الرحمن الرحيم مع كل سورة، على بعض الآراء. (المرجع السابق) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 الَّذِي خَلَقَ إلى قوله: ما لَمْ يَعْلَمْ، قال: فقرأتها، ثم انتهى فانصرف عني وهببت من نومي فكأنما كتبت في قلبي كتابا، [قال: ولم يكن من خلق اللَّه تعالى أحد أبغض إليّ من شاعر أو مجنون، كنت لا أطيق أن انظر إليهما، قال: قلت: إن الأبعد يعني لشاعر أو مجنون لا يتحدث بهذا قريش عني أبدا إلا عمدت إلى خالق من الجبل، ولأطرحت نفسي منه فلأقتلنها ولأستريحن] [ (1) ] ، قال: فخرجت [أريد ذلك] [ (1) ] حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من [السماء] [ (2) ] يقول: يا محمد! أنت رسول اللَّه وأنا جبريل، قال: فرفعت رأسي إلى السماء انظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد! أنت رسول اللَّه وأنا جبريل، قال: فوقفت انظر إليه [فشغلني ذلك عما أردت] [ (3) ] ما أتقدم ولا أتأخر، وجعلت أصرف وجهي [ (4) ] في آفاق السماء ولا انظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي ولا أرجع ورائي حتى بعثت خديجة [في] [ (5) ] رسلها في طلبي، فبلغوا [ (6) ] مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكان ذلك ثم انصرف عني، [فانصرفت] [ (7) ] راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا [إليها] [ (8) ] فقالت: يا أبا القاسم! أين كنت: فو اللَّه لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا [إليّ] [ (9) ] ، قال: [قلت لها: إن الأبعد لشاعر مجنون، قال: فقالت: أعيذك باللَّه يا أبا القاسم، ما كان اللَّه تعالى ليصنع ذلك بك مع صدق حديثك وحسن خلقك وعظم أمانتك وصلتك رحمك، وما ذاك يا ابن عم؟ لقد رأيت شيئا؟ قال: قلت [ (10) ] نعم] ، ثم   [ (1) ] ما بين الحاصرتين من (خ) ، وهو زيادة عن رواية ابن إسحاق. [ (2) ] زيادة للسياق من ابن إسحاق، (الروض الأنف) : 1/ 269، (سيرة ابن هشام) : 2/ 72. [ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة من (خ) . [ (4) ] في ابن إسحاق: «وجهي عنه في آفاق السماء» . [ (5) ] زيادة من (خ) والأولى حذفها. [ (6) ] في (ابن إسحاق) : «فبلغوا أعلى مكة» . [ (7) ] في (ابن إسحاق) : «وانصرفت» . [ (8) ] زيادة للسياق من: (ابن إسحاق) . [ (9) ] في (ابن إسحاق) : «فرجعوا لي» . [ (10) ] ما بين الحاصرتين من (خ) ، وليس في (ابن إسحاق) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 حدثتها الّذي رأيت فقالت: أبشر يا ابن العم واثبت، فو الّذي نفس خديجة بيده أن تكون نبي هذه الأمة، قال: ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ثم انطلقت إلى ورقة ابن نوفل بن أسد [ (1) ] وهو ابن عمها - وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة [وأهل] الإنجيل- فأخبرته بما أخبرها به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه رأى وسمع فقال ورقة [ (2) ] : قدوس قدوس، والّذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الّذي يأتي [به] [ (3) ] موسى، وإنه لنبي هذه الأمة فقولي له [فليثبت] [ (4) ] ، فرجعت خديجة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وأخبرته] [ (5) ] بقول ورقة [ (6) ] [وسهّل عليه ذلك بعض ما كان فيه من الهم بما جاءه] [ (7) ] ، فلما قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جواره وانصرف صنع فيه كما يصنع، بدأ بالكعبة فطاف بها فلقيه ورقة ابن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال: يا ابن أخي! أخبرني بما رأيت وسمعت، فأخبره فقال له ورقة: والّذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الّذي جاء موسى، ولتكذبنّه ولتؤذينّه ولتخرجنّه ولتقاتلنّه [ (8) ] ولئن أنا أدركت [ (9) ] ذلك لأنصرن اللَّه نصرا يعلمه، ثم أدنى رأسه [منه] [ (10) ] فقبّل يافوخه، ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى منزله. [وقد زاده ذلك من قول   [ (1) ] زيادة في نسبه من (ابن إسحاق) : «ابن عبد العزي بن قصي» . [ (2) ] (ابن نوفل) . [ (3) ] زيادة من (خ) . [ (4) ] زيادة من (ابن إسحاق) . [ (5) ] في (ابن إسحاق) : «فأخبرته» . [ (6) ] في (ابن إسحاق) : «ورقة ابن نوفل» . [ (7) ] ما بين الحاصرتين زيادة من (خ) . [ (8) ] الهاءات الأربعة لا ينطق بها إلا ساكنة، فإنّها هاءات سكت وليست بضمائر. وفي (خ) بغير هذه الهاءات. [ (9) ] قوله: «ولئن أنا أدركت» ، وفي رواية «إن أدرك ذلك اليوم أنصرك نصرا مؤزرا، وقال في أخرى: «إن يدركني يومك» ، وهو القياس، لأن ورقة سابق بالوجود، والسابق هو الّذي يدركه من يأتي بعده، كما جاء في الحديث: «أشقى الناس من تدركه الساعة وهو حي» ، وابن إسحاق أيضا له وجه، لأن المعنى أنرى ذلك اليوم، فسمى رؤيته إدراكا، وفي التنزيل: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الآية 103/ الأنعام] ، أي: لا تراه على أحد القولين. وقوله: «مؤزرا» من الأزر، وهو القوة والعون. [ (10) ] زيادة من رواية (ابن إسحاق) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 ورقة ثباتا، وخفف عنه بعض ما كان فيه من الهم] [ (1) ] . قال أبو نعيم: وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد نحوه مختصرا، وله من حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال: بعث اللَّه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة، أراه اللَّه رؤيا في المنام فشق ذلك عليه، ورأى أنه بينما هو بمكة أتى إلى سقف بيته فنزع شبحة شبحة [ (2) ] حتى إذا نزل أدخل فيه سلم من فضة فيما يخيل إليه، ثم نزل إليه رجلان، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأردت أن أستغيث فحبساني مكاني ومنعت الكلام، فقعد أحدهما إليّ والآخر إلى جنبي وأنا فرق، فأدخل أحدهما يده في جنبي فنزع ضلعين منه كما ينزل علق الصندوق الشديد، فأدخل يده في جوفي وأنا أجد بردها، فأخرج قلبي فوضعه على كفه وقال لصاحبه، نعم القلب، وقال: قلب رجل صالح، ثم أدخلا القلب مكانه وردا الضلعين كما يرد علق الصندوق الشديد، ثم ارتفعا ورفعا سلمهما فاستيقظت فإذا السقف كما هو فقلت يحلم، وذكره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لخديجة بنت خويلد فعصمها اللَّه من التكذيب وقالت: أبشر! فو اللَّه لا يفعل اللَّه بك إلا خيرا، وأخبرها أنه رأى بطنه طهر وغسل ثم أعيد كما كان، فقالت: هذا واللَّه خير فأبشر، ثم استعلن له جبريل وهو بأفلاء مكة من قبل حراء فوضع يده على رأسه وفؤاده وبين كتفيه وقال له: لا تخف! أنا جبريل، وأجلسه معه على مجلس كريم كهيئة الدر، نوره فيه الياقوت واللؤلؤ، فبشره برسالات اللَّه حتى اطمأن إلى جبريل ثم قال: اقرأ، قال: كيف أقرأ؟ قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ إلى قوله: ما لَمْ يَعْلَمْ، فأبدى له جبريل نفسه، له جناحان من ياقوت يخطفان البصر، ففتح جبريل عينا من ماء فتوضأ، ومحمد ينظر إليه فوضأ وجهه ويديه   [ (1) ] ما بين الحاصرتين من (خ) وليس في رواية (ابن إسحاق) . [ (2) ] المشبّح: المقشور، والكساء القوى (ترتيب القاموس) : 2/ 665 وفي (خ) : «شبخة سبخة» ، ولم أدر ما المراد بها، ولعلها «سجة» من السياج، وهو الحائط، وما أحيط به على شيء مثل النخل والكرم، وقد سيّج حائطه تسييجا. (المرجع السابق) : 2/ 655. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 إلى المرفقين، ومسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ونضح فرجه [وسجد] [ (1) ] سجدتين مواجه البيت، ففعل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم كما رأى جبريل يفعل، وقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رسالة ربه، وسألها اللَّه بحقها، واتّبع الّذي نزل به جبريل من عند رب العرش العظيم، فلما قضى جبريل الّذي أمره به، انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يمر على حجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه، فرجع إلى بيته وهو مؤمن قد رأى أمرا عظيما، فلما دخل على خديجة أخبرها، قال: أرأيتك الّذي كنت أخبرتك أني رأيته في المنام؟ فإنه جبريل قد استعلن لي، أرسله إليّ ربي عزّ وجلّ، أخبرها بالذي جاءه من اللَّه وسمع فقالت: أبشر، فو اللَّه لا يفعل اللَّه بك إلا خيرا، فاقبل الّذي أتاك من اللَّه فإنك رسول اللَّه حقا، ثم انطلقت حتى أتت غلاما لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس- نصرانيا من أهل نينوى يقال له: عداس- فقالت: يا عدّاس أذكرك باللَّه، هل عندك من جبريل علم؟ فلما سمعها: عداس تذكر جبريل قال: قدوس قدوس، ما شأنه يذكر بهذه الأرض التي أهلا أهل الأوثان؟ قالت: أحب أن تحدثني فيه بعلمك، قال: فإنه أمين اللَّه بينه وبين النبيين، وهو صاحب عيسى وموسى عليهما السلام. رجعت خديجة من عنده فأتت ورقة ابن نوفل، وكان ورقة قد كره عبادة الأوثان هو وزيد بن عامر بن نفيل، وكان زيد قد حرم كل شيء حرمه من الدم والذبيحة، على النصب، وكل شيء من أبواب الظلم في الجاهلية، فلما وصفت خديجة لورقة حين جاءته شأن محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكرت له جبريل وما جاء به من عند اللَّه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لها: يا ابنة أخي! واللَّه ما أدري لعل صاحبك الّذي ينتظره أهل الكتاب الّذي يجدونه مكتوبا في الإنجيل، وأقسم باللَّه إن كان إياه ثم دعا إلى اللَّه وأنا حيّ لأبلين اللَّه في طاعة رسوله وحسن المؤازرة والنصرة له، فمات ورقة [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسائق. [ (2) ] ونحوه بسياقة أخرى فيها تقديم وتأخير في (البداية والنهاية) : 3/ 20- 23، وهي رواية موسى ابن عقبة بمعنى حديث عروة بن الزبير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 ورواه من طريق محمد بن فليح عن موسى بن عقبة بمعنى حديث عروة بن الزبير من طريق محمد بن عبد الأعلى عن معتمر بن سليمان عن أبيه بأتم من روايتي عروة وموسى بن عقبة وأحسن، فقد اختلفت الروايات في نزول [أول سورة من القرآن على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . ذكر الاختلاف في أول سورة من القرآن أنزلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري في كتاب التفسير من حديث وكيع عن على بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قلت: يقولون: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه عن ذلك وقلت له مثل الّذي قلت، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا، فأتيت خديجة فقلت: دثّروني وصبّوا عليّ ماء باردا، فدثّروني وصبّوا عليّ ماء باردا، فنزلت: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [ (2) ] ، وكرره غير مرة. وخرجه مسلم من حديث الأوزاعي قال: سمعت يحيى يقول: سألت أبا سلمة أي القرآن أنزل قبل؟ قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فقلت: اقْرَأْ؟ فقال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قال: جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وعن   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] أول سورة المدثر، وقوله: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ: أي أنها أول ما نزل حين تتابع الوحي وحمي، والذين كانوا يقولون: هو اقْرَأْ، ذكروا ذلك بناء على أنها الأول مطلقا، ويحتمل أن بعض الناس ظن اقْرَأْ أول سورة حين تتابع الوحي، بناء على ظن نزولها مرتين مثلا، فهذا ردّ عليهم، واللَّه تعالى أعلم. (حاشية السندي على صحيح البخاري) : 3/ 209، كتاب التفسير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 شمالي فلم أر أحدا، ثم نوديت، فنظرت فلم أر أحدا ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في [الهواء] [ (1) ]- يعني جبريل عليه السلام- فأخذتني رجفة شديدة فأتيت خديجة فقلت: دثروني، فدثروني وصبوا عليّ ماء [ (2) ] ، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (3) ] قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ.   [ (1) ] في (خ) : «في الهوى» . أما قوله: «إن أول ما أنزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فهو ضعيف بل باطل، والصواب أن أول ما أنزل على الإطلاق: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، كما صرح به في حديث عائشة رضي اللَّه عنها، وأما يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فكان نزولها بعد فترة الوحي، كما صرح به في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر، والدلالة صريحة فيه في مواضع، منها قوله وهو يحدث عن فترة الوحي إلى أن قال: فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، ومنها قوله: ثم تتابع الوحي- يعني بعد فترته- فالصواب: أن أول ما نزل: اقْرَأْ، وأن أول ما نزل بعد فترة الوحي: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. وأما قول من قال من المفسرين: أول ما نزل الفاتحة، فبطلانه أظهر من أن يذكر. واللَّه أعلم. وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فاستبطنت الوادي» ، أي صرت في باطنه، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في جبريل عليه السلام: «فإذا هو على العرش في الهواء» ، المراد بالعرش الكرسي، كما تقدم في الرواية الأخرى «على كرسي بين السماء والأرض» ، قال أهل اللغة: العرش هو السرير، وقيل: سرير الملك. قال اللَّه تعالى: وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ [الآية 23/ النمل] ، والهواء هنا ممدود يكتب بالألف، وهو الجو بين السماء والأرض كما في الرواية الأخرى، والهواء: الخالي، قال تعالى: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [الآية 43/ إبراهيم] . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فأخذتني رجفة شديدة» ، هكذا هو في الروايات المشهورة «رجفة: بالراء» ، قال القاضي: ورواه السمرقندي «وجفة: بالواو» وهما صحيحان متقاربان، ومعناهما: الاضطراب. قال اللَّه تعالى: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ [الآية 8/ النازعات] ، وقال تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ [الآية 6/ النازعات] ، وقال تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ [الآية 14/ المزمل] . [ (2) ] قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فصبوا على ماء» ، فيه أنه ينبغي أن يصب على الفزع الماء ليسكن فزعه. واللَّه تعالى أعلم. [ (3) ] وأما تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فقال العلماء: المدثر، والمتلفف، والمشتمل، بمعنى واحد، ثم الجمهور على أن معناه المدثر بثيابه. وحكى الماوردي قولا عن عكرمة أن معناه المدثر بالنّبوّة وأعبائها. وقوله تعالى: قُمْ فَأَنْذِرْ، معناه حذّر العذاب من لم يؤمن، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ أي عظمه ونزهه عما لا يليق به، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قيل معناه طهرها من النجاسة، وقيل قصّرها، وقيل: المراد بالثياب النفس، أي طهرها من الذنب وسائر النقائص. وَالرُّجْزَ بكسر الراء في قراءة الأكثرين، وقرأ حفص بضمها، وفسره في الكتاب الأوثان، وكذا قاله جماعات من المفسرين. والرّجز في اللغة العذاب، وسمّي الشرك وعبادة الأوثان رجزا لأنه سبب العذاب، وقيل: المراد بالرجز في الآية الشرك، وقيل: الذنب وقيل: الظلم. واللَّه أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 2/ 565- 567، كتاب الإيمان باب (73) حديث رقم (257) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 وفي لفظ له: فإذا جبريل جالس بين السماء والأرض [ (1) ] ، وفي لفظ البخاري [ (2) ] : فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض. وخرج الحاكم من حديث الحميدي، حدثنا سفيان عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: أول سورة أنزلت: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ إلى ما لَمْ يَعْلَمْ [ (3) ] . ذكر الاختلاف في شق [ (4) ] صدر [ (5) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، متى كان وأين وقع؟ اعلم أن شق صدر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وغسل قلبه وحشوه بالإيمان والحكمة،   [ (1) ] في الحديث رقم (255) : «جالسا على كرسي بين السماء والأرض. وفي الحديث رقم (258) : «فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض» . (المرجع السابق) . [ (2) ] في الحديث رقم (4) - كتاب بدء الوحي: «جالس على كرسيّ بين السماء والأرض» (فتح الباري) : 1/ 37. [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 576، كتاب التفسير، باب (96) تفسير سورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، حديث رقم (3953/ 1091) ، وقال في آخره: (فإذا ابن عيينة لم يسمعه من الزهري) . وحديث رقم (3954/ 1092) ، وقال في آخره: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه) . [ (4) ] الشّق: الخرم الواسع في شيء، يقال: شقّه نصفين. قوله تعالى: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [1/ القمر] ، كان انشقاقه في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: انشقاق يعرض فيه حين تقرب القيامة، وقيل معناه: وضح الأمر. والشّقّة: القطعة المنشقّة كالنصف. والشّق- بالكسر- المشقّة والانكسار الّذي يلحق النفس والبدن، وذلك كاستعارة الانكسار لها، قال تعالى: لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [الآية 6/ النحل] . والشّقّة: الناحية التي تلحقك المشقة في الوصول إليها قال تعالى: وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ [الآية 42/ التوبة] ، والشّقاق: المخالفة، قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما [الآية 35/ النساء] ، وكونك في شقّ غير شقّ صاحبك، أو من شقّ العصا بينك وبينه. وقوله تعالى: مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الآية 13/ الأنفال] ، أي صار في شقّ غير شقّ أوليائه، وفلان شقّ نفسي، وشقيق نفسي، أي كأنه شقّ مني لمشابهة بعضنا بعضا، (البصائر) : 3/ 330- 331 . [ (5) ] الصدر: الجارحة، والجمع: صدور، ثم استعير لمقدم الشيء، مثل صدر القناة، وصدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 قال اللَّه تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [ (1) ] ، قال إبراهيم بن طهمان: سألت سعيدا عن قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ قال: فحدثني عن قتادة عن أنس بن مالك أنه قد شق بطنه- يعني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- من عند بطنه إلى صدره، فاستخرج قلبه فغسل في طست من ذهب ثم مليء إيمانا وحكمة ثم أعيد مكانه، قد روى من وجوه باختلاف الأماكن والأيام، فروى أن ذلك وقع وهو مسترضع في بني سعد كما تقدم ذكره عند ذكر حليمة في فصل أمهاته من الرضاعة، وقيل وقع ذلك في موضع آخر في زمان آخر، فروى أنه أعيد له شرح الصدر بعد أن تم له عشر سنين. وقد أخرج في الصحيحين أنه شق صدره ليلة المعراج، وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث معاذ بن محمد بن معاذ بن محمد بن أبيّ بن كعب قال حدثني أبي عن أبيه عن جده أبيّ بن كعب أن أبا هريرة سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وكان حريّا [ (2) ] أن يسأله عن الّذي لا يسأله غيره- فقال: يا رسول اللَّه! ما أول ما ابتدئت به من أمر النبوة؟ فقال [ (3) ] : إذا سألتني إني لفي صحراء أمشي ابن عشر حجج، إذا   [ () ] السهم. وسهم مصدّر: غليظ الصدر، وأخذ الأمر بصدره: بأوله. والأمور بصدورها، وهؤلاء صدرة القوم: مقدّموهم. وصدّر فلان فتصدّر: قدّم فتقدّم، وصدره: أصاب صدره، ومنه رجل مصدور: يشتكي صدره، فإذا عدّي «صدر» بعن اقتضى الانصراف، نحو صدرت الإبل عن الماء صدرا. والمصدر يقال في مصدر صدر عن الماء، ولموضع الصدر، ولزمانه، وقد يقال في عرف النحاة للفظ الّذي روعي فيه صدور الفعل الماضي والمستقبل عنه. وقال بعض العلماء: حيثما ذكر اللَّه القلب فإشارة إلى العقل والعلم، نحو قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [36/ ق] ، وحيثما ذكر الصدر، فإشارة إلى ذلك وإلى سائر القوى: من الشهوة، والهوى والغضب، ونحوها. وقوله تعالى: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي [25/ طه] ، سؤال لإصلاح قواه، وكذا قوله: وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [14/ التوبة] ، إشارة إلى اشتفائهم، وقوله: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [46/ الحج] ، أي العقول التي هي مندسّة فيما بين سائر القوى. (المرجع السابق) : 392، 393. [ (1) ] أول سورة الشرح. [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «حريصا» . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «إذ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 أنا برجلين فوق رأسي، يقول أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم، [قال] [ (1) ] : فأخذاني فلصقاني بحلاوة القفا، ثم شقا بطني، [وكان] [ (2) ] جبريل يختلف بالماء في طست من ذهب، وكان ميكائيل يغسل جوفي، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فإذا صدري [فيما أرى] [ (3) ] مفلوقا لا أجد له وجعا ثم قال: اشقق قلبه، فشق قلبي، فقال أخرج الحسد والغل [ (4) ] منه، فأخرج شبه العلقة فنبذ به [ (5) ] ثم قال: أدخل الرأفة والرحمة قلبه [ (6) ] ، فأدخل شيئا كهيئة الفضة، ثم أخرج ذرورا كان معه فذرّ عليه ثم نقر إبهامي ثم قال: أغد، فرجعت بما لم أغد به من رحمتي على الصغير ورقتي على الكبير. قال: أبو نعيم: وهذا الحديث مما تفرد به معاذ ابن محمد [عن آبائه] [ (7) ] ، وتفرد بذكر السن الّذي شق فيه عن قلبه والّذي رواه عبد اللَّه بن جعفر عن حليمة السعدية وعبد الرحمن بن عمرو السلمي عن عتبة ابن عبد، اتفقا على أنه كان مسترضعا في بني سعد، فأما رواية أبي ذر، فرواه الزهري عن أنس عنه، قال كاتبه: معاذ مما يروى عن أبيه وعن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم، وأبي الزبير المكيّ وجماعة، ويروى عنه معاوية بن صالح الحضرميّ وعبد اللَّه بن لهيعة، ومحمد بن عمر الواقدي وآخرون، ذكره ابن حبان في الثقات. وفي أفراد مسلم من حديث شيبان بن فروخ قال: حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة ثم قال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده إلى   [ (1) ] زيادة من (خ) . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «فكان» . [ (3) ] زيادة من المرجع السابق. [ (4) ] في (المرجع السابق) : «الغل والحسد» . [ (5) ] في (المرجع السابق) : «فنبذه» . [ (6) ] في (المرجع السابق) : «في قلبه» . [ (7) ] زيادة من (خ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه- يعني ظئره [ (1) ]- فقالوا: إن محمدا قد قتل! فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس: وقد كنت [أرى] [ (2) ] أثر المخيط في صدره صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . قال البيهقي: وهو موافق لما هو معروف عند أهل المغازي- يعني وقوع ذلك- وهو مسترضع في بني سعد، وسيأتي في الإسراء حديث مسلم [ (4) ] من طريق سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتيت فانطلقوا بي إلى زمزم فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت، وحديث البخاري من طريق سليمان عن شريك بن عبد اللَّه عن أنس، وحديث البخاري   [ (1) ] الظئر: المرضع أو الأم من الرضاعة. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] الحديث الأول في (دلائل أبي نعيم) ، 1/ 219- 220، رقم (166) رواه عبد اللَّه بن أحمد في زوائد (المسند) ، ورجاله ثقات، وثقهم ابن حبان. والحديث الثاني في (المرجع السابق) 1/ 221، رقم (168) ، أخرجه مسلم في صحيحه بسنده ومتنه في كتاب الإيمان باب الإسراء، حديث رقم (261) ، والبيهقي في (الدلائل) 2/ 5، باب ما جاء في شق صدر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واستخراج حظ الشيطان من قلبه سوى ما مضى في باب ذكر رضاعه، (مسند أحمد) : 3/ 617، حديث رقم (12097) . [ (4) ] قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت» ، معنى شرح شق، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ثم أنزلت» ، هو بإسكان اللام وضم التاء، هكذا ضبطناه، وكذا هو في جميع الأصول والنسخ، وكذا نقله القاضي عياض رحمه اللَّه عن جميع الروايات، وفي معناه خفاء واختلاف، قال القاضي: قال الوقشيّ: هذا وهم من الرواة، وصوابه: تركت، فتصحّف، قال القاضي: فسألت عنه ابن سراج فقال: أنزلت في اللغة بمعنى تركت صحيح، وليس فيه تصحيف. قال القاضي: وظهر لي أنه صحيح بالمعنى المعروف في أنزلت، فهو ضدّ رفعت، لأنه قال: انطلقوا بي إلى زمزم ثم أنزلت، أي ثم صرفت إلى موضعي الّذي حملت منه، قال: ولم أزل أبحث عنه حتى وقعت على الجلاء فيه من رواية الحافظ أبي بكر البرقاني، وأنه طرف حديث، وتمامه: «ثم أنزلت على طست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا» هكذا بفتح اللام وإسكان التاء، وكذلك ضبطناه في الجمع بين الصحيحين للحميدي، وحكى الحميدي هذه الزيادة المذكورة عن رواية البرقاني وزاد عليها، وقال: أخرج البرقاني بإسناد (مسلم) ، وأشار الحميدي إلى أن رواية (مسلم) ناقصة وأن تمامها ما زاده البرقاني، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 2/ 573، حديث رقم (260) ، كتاب الإيمان باب (74) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 ومسلم عن طريق همام عن قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة [ (1) ] ، وفيها شق صدره ليلة الإسراء. وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث يونس عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل فعرج صدري حتى غسله من ماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه. ولأبي داود الطيالسي من حديث عمار بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة ابن الزبير عن أبي ذر الغفاريّ رضي اللَّه عنه قال: قلت يا رسول اللَّه! كيف علمت أنك نبي؟ وبما علمت حتى استيقنت؟ قال: يا أبا ذر، أتاني آتيان وأنا ببطحاء مكة، فوقع أحدهما بالأرض [ (2) ] والآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما للآخر [ (3) ] : أهو هو [ (4) ] ؟ فقال: فزنه برجل، [فوزنني برجل] [ (5) ] فرجحته، ثم قال [ (6) ] : زنه بعشرة، فوزنني بعشرة فرجحتهم، ثم قال: زنه بمائة، فوزنني بمائة فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف، فوزنني [بألف] [ (7) ] فرجحتهم، ثم جعلوا يتساقطون [ (8) ] على [ (9) ] كفة الميزان، ثم قال أحدهما لصاحبه:   [ (1) ] حديث مالك بن صعصعة: ذكره (البخاري) في كتاب مناقب الأنصار، باب (42) ، حديث رقم (3887) . وذكره (مسلم في كتاب الإيمان، باب (74) ، حديث رقم (264) . ومالك ابن صعصعة هو مالك بن صعصعة بن وهب بن عدي بن مالك الأنصاري، من بني النجار، ليس له في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث، ولا يعرف من روى عنه إلا أنس بن مالك. (فتح الباري) : 7/ 258. [ (2) ] في (دلائل أبي نعيم) : «وكان الآخر بين السماء والأرض» . [ (3) ] في (دلائل أبي نعيم) : «فقال أحدهما لصاحبه» . [ (4) ] في (دلائل أبي نعيم) : «أهو هو؟، قال: هو هو نعم» . [ (5) ] ما بين الحاصرتين زيادة للبيان من المرجع السابق. [ (6) ] في المرجع السابق: «قال فزنه بعشرة» . [ (7) ] ما بين الحاصرتين زيادة للبيان من المرجع السابق. [ (8) ] في المرجع السابق: «ثم جعلوا يتساقطون عليّ» . [ (9) ] في المرجع السابق: «في كفة الميزان» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 شقّ بطنه، فشقّ بطني فأخرج قلبي، فأخرج منه مغمز الشيطان، وعلق الدم فطرحهما، فقال أحدهما لصاحبه: اغسل بطنه غسل الإناء، واغسل قلبه [ (1) ] غسل الملأ، ثم قال أحدهما لصاحبه: خط بطنه فخاط بطني وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن ووليّا عني وكأني أعاين [الأمر] [ (2) ] معاينة [ (3) ] . وفي رواية: لو وزنته بأمته لرجحهم، وقال: واغسل قلبه غسل الماء، ثم أتيت بسكينة وهرهرة [ (4) ] بيضاء فأدخلت قلبي. ولأبي نعيم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتيت في أهلي فأتى بي إلى زمزم، فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم نزلت طست من ذهب قد ملئت إيمانا وحكمة، فحشى بها صدري، قال أنس: فكأني انظر والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى الأثر في صدره [ (5) ] .   [ (1) ] في (خ) : «واغسل بطنه» . [ (2) ] في (دلائل أبي نعيم) : «أعاين معاينة» ، وما بين الحاصرتين من (خ) . [ (3) ] الحديث في (دلائل أبي نعيم) : 1/ 221، حديث رقم (167) . [ (4) ] تقول: «سمعت له هرهرة أي صوتا عند الحلب» (لسان العرب) : 5/ 262 ولم أدر معناها في سياق هذه العبارة من الحديث. [ (5) ] الحديث رقم (168) في (دلائل أبي نعيم) : 1/ 221، 222: حدثني عمر بن حمدان قال: حدثنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا هدبة وشيبان قالا: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه، أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق بطنه، فاستخرجه، ثم استخرج من قلبه علقة سوداء، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسل القلب في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده مكانه، ثم لأمه. قال أنس: فلقد رأيت أثر المخيط في صدره صلّى اللَّه عليه وسلّم. وحادث شق الصدر ورد في كتب السيرة باتفاق، فهو في (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 1/ 236، كتاب الإسراء، ذكر وصف الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بيت المقدس، حديث رقم (48) ، قال محقق (الإحسان) نقلا عن الحافظ ابن حجر في (الفتح) : «وجميع ما ورد من شقّ الصدر، واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، مما يجب التسليم له، دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحيته القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك. قال القرطبي في (المفهم) : لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء، لأن رواته ثقات مشاهير، ثم ذكر نحو ما تقدم» ، وفي (المستدرك) : 2/ 673، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4430/ 240) ، قال في التلخيص: على شرط مسلم، وفي (مسند أحمد) : 3/ 571، حديث رقم (11812) ، وفي (طبقات ابن سعد) : 1/ 112، وفي (البداية والنهاية) : 2/ 335- 337، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 وقد ذكر بعضهم أن اللَّه تعالى خلق في قلوب البشر علقة قابلة لما يلقيه الشيطان فيها، فأزيلت هذه العلقة من قلب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقي فيه الشيطان شيئا.   [ () ] وفي (سيرة ابن هشام: 1/ 301. وقد تكرر هذا الحادث مرتين بعد طفولته المبكرة، فكانت المرة الثانية لما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن عشر سنين، والمرة الثالثة لما جاوز صلّى اللَّه عليه وسلّم الخمسين من عمره. وقصة شق الصدر هذه تشير إلى تعهد اللَّه تعالى نبيّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن مزالق الطبع الإنساني، ووساوس الشيطان، وهو حصانة للرسول الكريم التي أضفاها اللَّه عليه، فإن اللَّه تعالى قد شاءت إرادته أزلا، أن يكون محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم خاتم المرسلين، أراد سبحانه أن يجعل منه المثل الكامل، للإنسان الكامل، الّذي يسير نحو الكمال بطهارة القلب، وصفاء النفس. ولما شبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كانت مكة تعجّ بمختلف أنواع اللهو والفساد، والملاذ الشهوانية الدنسة، كانت حانات الخمر منتشرة، وبيوت الريبة عليها علامات تعرف بها، مع كثرة الماجنات والراقصات، وغير ذلك من أمور الجاهلية التي كانت تعج بها مكة في ذلك المجتمع الجاهلي، وتتوجها عبادة الأصنام والأوثان، واللَّه تبارك وتعالى برّأ رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، واختاره من أكرم معادن الإنسانية، ثم اختاره لحمل أكمل رسالات السماء إلى أمم الأرض، وتشهد الأثار على ما حباه ربه من العصمة، فمن ذلك ما سبق أن أوردناه بتمامه مع شرحه من قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ما همت بشيء من أمر الجاهلية إلا مرتين، كلتاهما عصمني اللَّه تعالى فيها» ، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما رواه ابن عباس رضي اللَّه عنهما ما حدثته به أم أيمن رضي اللَّه عنها: «كانت بوانة صنما تحضره قريش لتعظمه. .. إلخ» . ولا يطمئن بعض الجاهلين، ومعهم المستشرقين، إلى حادثة شق الصدر، واستخراجه، ومعالجته، سواء التي حدثت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو عند حليمة السعدية، أو ما ورد من شق الصدر، واستخراج القلب في معجزة الإسراء والمعراج. وابن حبان- منذ أكثر من ألف سنة- يناقش الموضوع، ويعتبره من معجزات النبوة، ويقول: «كان ذلك له فضيلة فضّل بها على غيره، وإنه من معجزات النبوة، إذ البشر إذا شقّ عن موضع القلب منهم، ثم استخرج قلوبهم ماتوا» ، فهذا فعلا كان في عصر ابن حبان، المتوفى سنة (354) هجرية، لا بل هو إلى عهد قريب جدا. وتقدّم العلم، والطب، والجراحة، والتخدير، والعمليات الجراحية صارت تجرى في غرف معقمة، وبوسائل مختلفة، وتقنية ماهرة، فأمكن للجراحين اليوم من إجراء مختلف أنواع العلميات الجراحية، في كل موضع من مواضع الجسم، الهدف منها استئصال الداء وطرحه، حيث لم تعد تنفع الوسائل الطبية، حتى أمكن الآن استخراج القلب، وليس فقط معالجته، لا بل استبدال قلب سليم من إنسان مات حديثا، بالقلب التالف، أو حتى قلب صناعي، ثم تخاط طبقات الجسم وتعاد، فلا يموت المريض! وهذا أصبح في استطاعة الإنسان. أفما استطاعة الإنسان، لا يستطيعه اللَّه الّذي يقول للشيء كُنْ فَيَكُونُ؟. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 ذكر مجيء جبريل عليه السلام إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصورة التي خلقه اللَّه تعالى عليها خرج الحافظ أبو نعيم من حديث أيوب بن فرقد عن الأعمش عن عبد اللَّه ابن عبد اللَّه الرازيّ عن سعيد بن جبير عن أنس رضي اللَّه عنه قال: قال ورقة ابن نوفل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا محمد! كيف يأتيك الوحي؟ يعني جبريل عليه السلام؟ فقال: يأتيني من السماء جناحاه لؤلؤ، وباطن قدميه أخضر [ (1) ] . وفي حديث سليمان: سألت زر بن حبيش عن قول اللَّه تعالى: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى قال زر: قال عبد اللَّه: لقد رأى جبريل له ستمائة جناح. وفي رواية زرّ عن عبد اللَّه ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [ (2) ] ، قال رأى جبريل له ستمائة جناح. وفي رواية: سأل زر بن حبيش عن قول اللَّه عز وجل: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى [ (3) ] قال: قال عبد اللَّه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت جبريل عليه السلام له ستمائة جناح [ (4) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 1/ 222 حديث رقم (169) وقال في سنده «حدثنا عبد اللَّه بن محمد ابن جعفر قال: حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن رستة، ومحمد بن نصير قالا: حدثنا سليمان بن داود، قال: حدثنا أيوب بن فرقد ... » . [ (2) ] الآية: 11/ النجم. [ (3) ] الآية: 9/ النجم. [ (4) ] وردت أحاديث هذا الباب بسياقات مختلفة، في بعضها تقديم وتأخير، وفي بعضها زيادة ونقصان، وكلها صحيحة إن شاء اللَّه تعالى، فمنها ما أخرجه (البخاري) في، باب فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى حيث الوتر من القوس، حديث رقم (4856) : حدثنا أبو النعمان، حدثنا عبد الواحد، حدثنا الشيبانيّ قال: سمعت رزّا «عن عبد اللَّه فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى قال: حدّثنا ابن مسعود أنه رأى جبريل له ستمائة جناح» . هكذا أورده، والمراد بقوله: «عن عبد اللَّه، وهو ابن مسعود أنه قال في تفسير هاتين الآيتين ما سأذكره، ثم استأنف قال: «حدثنا ابن مسعود» وليس المراد أن ابن مسعود حدّث عبد اللَّه كما هو ظاهر السياق، بل عبد اللَّه هو ابن مسعود، وأخرجه في [الحديث الّذي يليه] من وجه آخر عن الشيبانيّ فقال: سألت زرّا عن قوله فذكره. ولا إشكال في سياقه، وقد أخرجه أبو نعيم في (المستخرج) ، من طريق سليمان بن داود الهاشمي، عن عبد الواحد بن زياد، عن الشيبانيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 ولأبي يعلى الموصلي من حديث يحيى بن حماد بن سلمة، حدثنا عاصم عن زر عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت جبريل عند السدرة وله ستمائة جناح ينتشر من ريشه تهاويل الدر والياقوت، قال أبو نعيم: رواه عن عاصم مثله مرفوعا زائدة وحسين بن واقد. ورواه شريك وغيره موقوفا على عبد اللَّه. وقال أبو وائل عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتاني جبريل في خضر معلقا به الدرّ، وزاد عاصم: وله ستمائة جناح [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني وآدم عن شريك عن عاصم عن أبي وائل عن عبد اللَّه وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى [ (2) ] قال: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل في صورته عند السدرة له ستمائة جناح، جناح منها سد الأفق تتناثر من أجنحته التهاويل الدر والياقوت ما لا يعلمه إلا اللَّه [ (3) ] .   [ () ] قال: «سألت زر بن حبيش عن قول اللَّه: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، فقال: قال عبد اللَّه، قال رسول اللَّه» فذكره. (فتح الباري) : 8/ 784، 785، كتاب التفسير، سورة (53) . [ (1) ] هذا الحديث أخرجه (البخاري) في كتاب التفسير، باب فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى، الحديث رقم (4857) : حدثنا طلق بن غنام، حدثنا زائدة عن الشيبانيّ قال: «سألت زرّا عن قوله تعالى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى قال: أخبرنا عبد اللَّه أنه محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى جبريل له ستمائة جناح. قوله: «أنه محمد» ، الضمير للعبد المذكور في قوله تعالى: إِلى عَبْدِهِ ووقع عند أبي ذر «أن محمدا رأى جبريل» وهذا أوضح في المراد، والحاصل أن ابن مسعود كان يذهب في ذلك إلى أن الّذي رآه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هو جبريل، كما ذهبت إلى ذلك عائشة، والتقدير على رأيه فأوحى، أي جبريل، إلى عبده، أي عبد اللَّه محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنه يرى أنه الّذي دنا فتدلى هو جبريل، وأنه هو الّذي أوحى إلى محمد. وكلام أكثر المفسرين من السلف يدل على أن الّذي أوحى هو اللَّه، أوحى إلى عبده محمد، ومنهم من قال: إلى جبريل. قوله: «له ستمائة جناح» : زاد عاصم عن زرّ في هذا الحديث «يتناثر من ريشه التهاويل من الدرّ والياقوت» . أخرجه النسائي وابن مروديه، ولفظ النسائي: «يتناثر منها تهاويل الدر والياقوت» . (المرجع السابق) . ونحوه في كتاب بدء الخلق، باب (7) حديث رقم (3232) . (المرجع السابق) : 6/ 385. [ (2) ] الآية: 14/ النجم. [ (3) ] أخرج البخاري نحوه في كتاب التفسير، باب لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، حديث رقم (4858) : حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة، «عن عبد اللَّه ابن مسعود رضي اللَّه عنه لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى قال: رأى رفرفا أخضر قد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40   [ () ] سدّ الأفق» . قوله: «رأى رفرفا أخضر قد سدّ الأفق» ، هذا ظاهره يغاير التفسير السابق أنه رأى جبريل، ولكن يوضح المراد، أخرجه النسائي والحاكم، عن طريق عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: أبصر نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل عليه السّلام على رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض» فيجتمع من الحديثين أن الموصوف جبريل، والصفة التي كان عليها. وقد وقع في رواية محمد بن فضيل عند الإسماعيلي، وفي رواية ابن عيينة عن النسائي، كلاهما عن الشيبانيّ عن زرّ عن عبد اللَّه، أنه رأى جبريل له ستمائة جناح قد سدّ الأفق، والمراد أن الّذي سدّ الأفق الرفرف الّذي فيه جبريل، فنسب جبريل إلى سد الأفق مجازا. وفي رواية أحمد والترمذي، وصححها من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود رأى جبريل في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض، وبهذه الرواية يعرف المراد بالرفرف وأنه حلة، ويؤيده قوله تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ [الآية 76/ الرحمن] ، وأصل الرفرف ما كان من الديباج، رقيقا حسن الصنعة، ثم اشتهر استعماله في الستر، وكل ما فضل من شيء فعطف وثنى فهو رفرف. ويقال: رفرف الطائر بجناحه إذا بسطهما، وقال بعض الشّراح: يحتمل أن يكون جبريل بسط أجنحته فصارت تشبه الرفرف، كذا قال، والرواية التي أوردتها توضح المراد. (فتح الباري) : 8/ 786، 787. ومن أحاديث الباب ما رواه الإمام مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب (77) معنى قول اللَّه عزّ وجلّ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، وهل رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه ليلة الإسراء، حديث رقم 287 (177) : «حدثني زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود عن الشعبي، عن مسروق قال: كنت متكئا عند عائشة فقالت: ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على اللَّه الفرية، قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى ربه فقد أعظم على اللَّه الفرية، قال: وكنت متكئا فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل اللَّه عزّ وجلّ: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين: رأيته منهبطا من السماء، سادّا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض، فقالت: أو لم تسمع أن اللَّه يقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟ أو لم تسمع أن اللَّه يقول: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ؟ قالت: ومن زعم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتم شيئا من كتاب اللَّه فقد أعظم على اللَّه الفرية، واللَّه يقول: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ؟ قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على اللَّه الفرية، واللَّه يقول: لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ. (مسلم بشرح النووي) : 3/ 10- 12. وأخرج ابن حبان في صحيحه، باب: ذكر رؤية المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل بأجنحته، حديث رقم (6427) أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحيّ، حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة عن الشيبانيّ، قال: «سألت زرّ بن حبيش عن هذه الآية: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [18/ النجم] قال: قال عبد اللَّه: رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح» . وقال في هامشه: إسناده صحيح على شرط الشيخين. والشيبانيّ: هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان. (الإحسان) : 14/ 336. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 ومن طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد اللَّه في قوله: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى قال: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل في حلتي رفرف قد سد ما بين السماء والأرض [ (1) ] . ومن حديث قيس بن وهب عن مرة عن عبد اللَّه: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً قال: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل معلقا رجليه بالسدرة، عليهما الدر كأنه قطر المطر على البقل. ومن حديث سفيان عن الأعمش عن أبي الضحى عن علقمة عن عبد اللَّه وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ، قال: جبريل في رفرف خضر قد سد الأفق [ (2) ] .   [ (1) ] ونحوه في (صحيح ابن حبان) في باب ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة العلم أنه مضادّ للخبر الّذي ذكرناه، حديث رقم (59) : أخبرنا محمد بن صالح بن ذريح بعكبرا، حدثنا مسروق ابن المرزبان، حدثنا ابن أبي زائدة، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد: «عن ابن مسعود في قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى قال: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل في حلة من ياقوت- وفي رواية غير المؤلف-: في حلة من رفرف، قد ملأ ما بين السماء والأرض. قال أبو حاتم: قد أمر اللَّه تعالى جبريل ليلة الإسراء أن يعلّم محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم ما يجب أن يعلمه كما قال: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى يريد به جبريل ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى يريد به جبريل فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى يريد به جبريل فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى بجبريل ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى يريد به ربه بقلبه في ذلك الموضع الشريف، ورأى جبريل في حلة من ياقوت قد ملأ ما بين السماء والأرض على ما في خبر ابن مسعود الّذي ذكرناه. (الإحسان) : 1/ 255- 257 . وأخرجه الإمام أحمد بنحوه فقال: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد اللَّه، في قوله: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى قال: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل في حلة من رفرف، قد ملأ ما بين السماء والأرض. (مسند أحمد) : 1/ 651، حديث رقم (3732) . [ (2) ] الحاكم في (المستدرك) : 2/ 509، كتاب التفسير، تفسير سورة النجم، حديث رقم (3746/ 883) : «أخبرنا أبو زكريا العنبري، حدثنا محمد بن عبد السلام، حدثنا إسحاق، أنبأنا يحيى ابن آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه في قوله عزّ وجلّ: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى، قال: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل في حلة رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض» وقال في آخره: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. و (الفردوس بمأثور الخطاب) : 2/ 256، 257، حديث رقم (3192) عن ابن مسعود «رأيت جبريل واقفا على السدرة له ستمائة جناح تسد أجنحته ما بين المشرق والمغرب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 ومن حديث عثمان، حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي اللَّه عنها قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت جبريل منهبطا قد ملأ ما بين السماء إلى الأرض عليه ثياب سندس معلق به الدر والياقوت [ (1) ] . ومن حديث مسلمة بن أبي الأشعث عن أبي صالح عن أبي سلمة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لجبريل: وددت أن أراك في صورتك، قال: أتحب ذلك؟ قلت: نعم، قال: موعدك كذا وكذا من الليل في بقيع الغرقد، فلقيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لموعده، فنشر جناحا من أجنحته فسد أفق السماء حتى ما يرى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من السماء شيئا، وأحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك [ (2) ] . وللإمام أحمد من حديث أبي بكر بن عياش عن إدريس بن وهب بن منبه عن أبيه وهب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل أن يراه في صوره، فقال: ادع ربك، فدعا ربه فطلع عليه سواد من قبل المشرق فجعل يرتفع فينتشر، فلما رآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صعق، فنعشه فمسح البزاق عن فمه [ (3) ] .   [ (1) ] (المسند) : 1/ 652، حديث رقم (3740) : حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا حجاج، حدثنا شريك عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه قال: «رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل في صورته، وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سدّ الأفق، يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما اللَّه به عليم» ، و1/ 680، حديث رقم (3905) : حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر، عن ابن مسعود: «أنه قال في هذه الآية: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت جبريل عند سدرة المنتهى، عليه ستمائة جناح، ينشر من ريشه التهاويل، الدر والياقوت» . [ (2) ] (الحبائك في الملائك للسيوطي) : 16. [ (3) ] (المسند) : 1/ 530، حديث رقم (2959) : حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن إدريس بن منبه، عن أبيه وهب بن منبه، عن ابن عباس قال: «سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل أن يراه في صورته؟ فقال: ادع ربك، قال: فدعا ربه، قال: فطلع عليه سواد من قبل المشرق، قال: فجعل يرتفع وينتشر، قال: فلما رآه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صعق، فأتاه، فنعشه، ومسح البزاق عن شدقيه» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 ولابن حبان من حديث صفوان بن عمرو عن شريح بن عبد اللَّه قال: لما صعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السماء فأوحى اللَّه إلى عبده ما أوحى، خرّ جبريل ساجدا حتى قضى اللَّه إلى عبده ما قضى، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الّذي خلق عليه، منظوم بالزبرجد، واللؤلؤ والياقوت، فخيّل إليّ أنّ ماء عينيه قد سد الأفق، وكنت لا أراه قبل ذلك إلا على صورة مختلفة، وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي، وكنت أحيانا لا أراه قبل ذلك إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربال [ (1) ] . قال أبو نعيم: والروايات تتسع في ترائي جبريل عليه السلام للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في صور مختلفة، ووجه ذلك: أن يكون لجبريل ضروب من الصور، فكل مرة يتراءى فيها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم يثبت اللَّه قلب رسوله لرؤيته فيها بقوة يجددها اللَّه له، وكل حالة إبقاء اللَّه تعالى رسوله على جبلته، ولا يحدث له فيها قوة، يضعف صلّى اللَّه عليه وسلّم عن رؤيته، فيصعق صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى ثبته اللَّه تعالى.   [ (1) ] صفوان بن عمر بن هرم السكسكيّ له في صحيح ابن حبان أحد عشر حديثا لم أجد من بينها هذا الحديث. (الإحسان) : 18/ 156 (فهرس الرواة) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 ذكر كيفية إلقاء الوحي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن الحرث بن هشام سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه، كيف كان يأتيك الوحي؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليّ فينفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول. قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد وإن جبينه ليتفصد عرقا. وخرجه النسائي أيضا، وخرجه البخاري ومسلم من حديث على بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن الحرث بن هشام سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف يأتيك الوحي؟ قال: كل ذلك، يأتيني أحيانا مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت ما قال وهو أشده عليّ، ويتمثل لي الملك أحيانا رجلا فيكلمني فأعي ما يقول. ذكره البخاري في كتاب بدء الخلق، وخرجه النسائي عن سفيان عن هشام وقال فيه: وأحيانا يأتيني في مثل صورة الفتى فينبذه إليّ [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث أبي أسامة ومحمد بن بشر عن هشام ولفظه: أن الحرث بن هشام سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كيف كان يأتيك [ (2) ] الوحي؟ فقال: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّ عليّ، ثم يفصم عني وقد وعيته، وأحيانا ملك في مثل صورة الرجال، فأعى ما يقول.   [ (1) ] في (خ) «فينبذه مسلم إليّ» وما أثبتناه من (سنن النّسائي) ج 2 ص 147. [ (2) ] قوله: «كيف يأتيك الوحي» ظاهره أن السؤال عن كيفية الوحي نفسه لا عن كيفية الملك الحامل له، ويدل عليه أول الجواب، لكن آخر الجواب يميل إلى أن المقصود بيان كيفية الملك الحامل، فيقال: يلزم من كون الملك في صورة الإنسان كون الوحي في صورة مفهوم متبين أول الوهلة، فالنظر إلى هذا اللازم صار بيانا لكيفية الوحي، فلذلك قوبل بصلصلة الجرس، ويحتمل أن المراد السؤال عن كيفية الحامل، أي كيف يأتيك حامل الوحي. وقوله: «في مثل صلصلة الجرس» يأتيني في صوت متدارك لا يدرك في أول الوهلة كصوت الجرس، أي يجيء في صورة وهيئة لها مثل هذا الصوت، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 ولمسلم من حديث أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: إن كان لينزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الغداة الباردة ثم تفيض جبهته عرقا. وله من حديث قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد اللَّه عن عبادة بن الصامت رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أنزل عليه كرب لذلك وتربد وجهه، وفي لفظ: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أنزل عليه الوحي نكس رأسه، ونكس أصحابه رءوسهم، فلما أتلى [ (1) ] عنه رفع رأسه. وفي رواية لغير مسلم: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أنزل عليه الوحي عرفنا ذلك فيه وغمض عينيه وتربد وجهه، فنزل عليه فأمسكنا عنه، فلما سرى عنه قال: خذوهن اقتلوهن [ (2) ] . ولعبد الرزاق من حديث يونس بن يزيد الأشهلي عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا نزل عليه الوحي نسمع عنه دويا كدويّ النحل.   [ () ] فنبه بالصوت غير المعهود على أنه يجيء في هيئة غير معهودة، فلذا قابله بقوله: «في مثل صورة الفتى» ، وعلى الوجهين فصلصلة الجرس مثال لصوت الوحي، والصلصلة- بصادين مهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة- صوت وقوع الحديد بعضه على بعض، والجرس- بفتحتين- الجلجل الّذي يعلق في رءوس الدواب، وجه الشبه هو أنه صوت متدارك لا يدرك في أول الوهلة. وقوله: «فيفصم» يضرب أي فيقطع عني حامل الوحي الوحي، قوله: «وقد وعيت عنه» أي حفظت عنه، أي أجده في قلبي مكشوفا متبينا بلا التباس ولا إشكال، فوله: «فينبذه» - كيضرب- أي يلقيه إليّ في صوت إنسان. واللَّه تعالى أعلم (سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي) ج 2 ص 146، 147. [ (1) ] قوله: «أتلى عنه» هكذا هو في معظم نسخ بلادنا، أتلى بهمزة ومثناة فوق ساكنة ولام وياء، ومعناه: ارتفع الوحي، هكذا فسّره صاحب (التحرير) وغيره، ووقع في بعض النسخ: «أجلى» بالجيم، وفي رواية ابن ماهان «انجلى» ، ومعناها: أزيل عنه وزال عنه، وفي رواية (البخاري) : «انجلى» ، واللَّه أعلم. (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 89. [ (2) ] في حدّ الزنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 وخرجه الترمذي من حديث عبد الرزاق بهذا السند ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه دويّ كدويّ النحل [ (1) ] ، فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: اللَّهمّ زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا، ثم قال: أنزل عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، ثم قرأ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [ (2) ] حتى ختم عشر آيات. قال الترمذي: سمعت إسحاق بن منصور يقول: رواه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن يونس بن سليمان عن يونس بن يزيد عن الزهري هذا الحديث نحوه، ومن سمع من عبد الرزاق فربما قال لهم: إنما تذكرون فيه عن يونس بن يزيد، وبعضهم لا يذكر فيه عن يونس بن يزيد، ومن ذكر فيه عن يونس بن يزيد فهو أصح، وكذا عبد الرزاق ربما ذكر في هذا الحديث يونس بن يزيد، وربما لم يذكره وهو عندنا أصح. وخرجه أيضا عنه ابن حميد، وخرجه الحاكم وقال: الإسناد صحيح. وفي حديث قصة الإفك قالت عائشة: فو اللَّه ما رام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل الّذي ينزل عليه، قالت: فلما سرّى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سرّي عنه وهو يضحك [ (3) ] . ولأبي بكر بن أبي شيبة من حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن علقمة ابن وقاص، حدثتني عائشة رضي اللَّه عنها قالت: شخص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بصره إلى السقف، وكان إذا نزل عليه وجد ثقلا، قال اللَّه تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [ (4) ] .   [ (1) ] في (خ) : «سمع عليه وجهه كدوي النحل» ، وما أثبتناه من (مسند أحمد) ج 1 ص 34. [ (2) ] من أول سورة المؤمنون. [ (3) ] (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي) عند تفسيره لسورة النور. [ (4) ] سورة المزمل الآية/ 5. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 وللإمام أحمد من حديث صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال: سمعت زيد بن ثابت يقول: كان إذا نزل الوحي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثقل لذلك وتحدر جبينه عرقا كأنه الجمان، وإن كان في البرد. وله من حديث معمر عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اكتب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ (1) ] ، فجاء ابن أم مكتوم فقال: يا رسول اللَّه، إني أحب الجهاد، ولكن بي من الزّمانة [ (2) ] ما ترى، قال زيد: فثقلت فخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على فخذي حتى خشيت أن ترضها ثم قال: اكتب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ (3) ] . ولأبي نعيم من حديث ابن لهيعة قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عمرو ابن الوليد عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنه قال: قلت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل تحس بالوحي؟ قال: نعم أسمع صلاصل ثم أسبت عند ذلك، وما من مرة يوحى إليّ إلا ظننت أن نفسي تقبض منه. ولأبي نعيم من حديث عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم بن كليب قال: حدثني أبي عن خالد الفلتان بن عاصم قال: كنا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنزل عليه، وكان إذا أنزل عليه دام بصره مفتوحة عيناه، وفرغ سمعه وقلبه لما يأتيه من اللَّه عز وجل. وله من حديث أبي عون عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا نزل عليه الوحي صدع فغلف رأسه بالحناء. وله لأحمد بن حنبل من حديث سفيان عن ليث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: كنت آخذة بزمام ناقة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين نزلت المائدة، فكاد   [ (1) ] سورة النساء الآية/ 95. [ (2) ] الزّمانة: العاهة (ترتيب القاموس) ج 2 ص 477. [ (3) ] أخرجه أيضا: أبو نعيم في (دلائل النبوة) ج 1 ص 73. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 أن ينكسر عضدها من ثقل المائدة [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة، حدثنا حيي عن عبد اللَّه أن أبا عبد الرحمن الجبليّ حدثه قال: سمعت عبد اللَّه بن عمرو [ (2) ] يقول: أنزلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سورة المائدة وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله فنزل عنها [ (3) ] . وللبخاريّ ومسلم من حديث همام قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح قال: حدثني صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بالجعرانة [ (4) ] وعليه جبة وعليه أثر الخلوق [ (5) ]- أو قال: أثر صفرة- فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال: فأنزل اللَّه على النبي الوحي [صلوات اللَّه وسلامه عليهما] [ (6) ] فستر بثوب، [وكان يعلى يقول] [ (7) ] : وددت أن أرى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد أنزل [ (8) ] اللَّه عليه الوحي، فقال عمر رضي اللَّه عنه: أيسرك أن ترى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] قال الإمام الحافظ عماد الدين، أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشيّ الدمشقيّ في تقدمته لسورة المائدة: «قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو معاوية شيبان، عن ليث، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: إني لآخذه بزمام العضباء ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذ نزلت عليه المائدة كلها، وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة» . «وروى ابن مردويه، من حديث صباح بن سهل، عن عاصم الأحول قال: حدثتني أم عمرو عن عمها، أنه كان في مسير مع رسول اللَّه صلّى اللَّه تعالى عليه وآله وسلم، فنزلت عليه سورة المائدة، فاندق عنق الراحلة من ثقلها» . «وقال أحمد أيضا: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثني حييّ بن عبد اللَّه، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد اللَّه بن عمرو قال: أنزلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم سورة المائدة، وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله، فنزل عنها. تفرد به أحمد» . (تفسير القرآن العظيم لابن كثير) : 2/ 3. [ (2) ] في (خ) : «عمر» ، والتصويب من المرجع السابق والمرجع التالي. [ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 368، مسند عبد اللَّه بن عمرو، حديث رقم (6605) . [ (4) ] الجعرانة: ماء بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب، والعراقيون يشدّدون راءها ويكسرون عينها، أما الحجازيون، فإنّهم يسكنون عينها ويخفّفون راءها. (معجم ما استعجم) 2/ 384. [ (5) ] الخلوق: بفتح الخاء المعجمة، نوع من الطيب مركب فيه زعفران. [ (6) ] زيادة في (خ) . [ (7) ] كذا في (دلائل أبي نعيم) : 1/ 225، حديث رقم (176) . [ (8) ] في (المرجع السابق) : «وقد نزل» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 وقد أنزل [ (1) ] عليه اللَّه الوحي؟ قلت: نعم، فرفع عمر طرف الثوب، فنظرت إليه له [ (2) ] غطيط، قال: وأحسب [ (3) ] قال: كغطيط البكر، قال: فلما سرى عنه قال: أين السائل عن العمرة؟ اخلع الجبة واغسل [ (4) ] أثر الخلوق وأنق [ (5) ] الصفرة، واصنع في عمرتك كما [ (6) ] تصنع في حجك [ (7) ] وقال مسلم: اغسل عنك أثر الصفرة أو قال: أثر الخلوق، واخلع عنك جبتك، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك [ (8) ] . وخرجاه من طرق مطولا ومختصرا [ (9) ] .   [ (1) ] في (المرجع السابق) : «وقد نزل» . [ (2) ] في (المرجع السابق) : «وله» . [ (3) ] في (المرجع السابق) : «قال همام: أحسبه» . [ (4) ] في (المرجع السابق) : «واغسل عنك» . [ (5) ] في (المرجع السابق) : «أو الصفرة» . [ (6) ] في (المرجع السابق) : «ما صنعت» . [ (7) ] الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب العمرة، باب (10) ما يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج، حديث رقم (1789) ، ورواه بسياقة أخرى في كتاب الحج، باب (17) غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب، حديث رقم (1536) : قال أبو عاصم: أخبرنا ابن جريج، أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلي أخبره «أن يعلى قال لعمر رضي اللَّه عنه: أرني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين يوحي إليه. قال فبينما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالجعرانة- ومعه نفر من أصحابه- جاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمّخ بطيب؟ فسكت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ساعة، فجاءه الوحي، فأشار عمر رضي اللَّه عنه إلى يعلى، فجاء يعلى- وعلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثوب قد أظلّ به- فأدخل رأسه، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمرّ الوجه وهو يغط، ثم سرّي عنه فقال: أين الّذي سأل عن العمرة؟ فأتي برجل فقال: اغسل الطيب الّذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك» . قلت لعطاء: أراد الإنقاء حسن أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم» . قوله: «يغطّ» - بفتح أوله وكسر المعجمة وتشديد الطاء المهملة- أي ينفخ، والغطيط: صوت النفس المتردد من النائم أو المغمى، وسبب ذلك شدة ثقل الوحي، وكان سبب إدخال يعلى رأسه عليه في تلك الحال، أنه كان يحب لو رآه في حالة نزول الوحي. (فتح الباري) : 3/ 503. [ (8) ] (صحيح مسلم) : كتاب الحج، باب (1) ، ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، وبيان تحريم الطيب عليه، حديث رقم (6- (1180) . [ (9) ] فمما أخرجه (البخاري) : كتاب جزاء الصيد، باب (19) ، إذا أحرم جاهلا وعليه قميص، حديث رقم (1847) ، وفي كتاب فضائل القرآن، باب (2) ، نزل القرآن بلسان قريش والعرب، قُرْآناً عَرَبِيًّا بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، حديث رقم (4985) ، وفي كتاب المغازي، باب (57) ، غزوة الطائف في شوال سنة ثمان- قال موسى بن عقبة- حديث رقم (4329) . ومما أخرجه (مسلم) : كتاب الحج، باب (1) ، ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، وبيان تحريم الطيب عليه، حديث رقم (6- (1180) ، (7) ، (8) ، (9) ، (10) ، وقال فيه: «خمّره عمر بالثوب» ، أي غطّاه، وأما إدخال يعلى رأسه، ورؤيته النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في تلك الحال، وإذن عمر له في ذلك، فكله محمول على أنهم علموا من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه لا يكره الاطلاع عليه في ذلك الوقت وتلك الحال، لأن فيه تقوية الإيمان بمشاهدة حالة الوحي الكريم، واللَّه تعالى أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 وخرج الإمام أحمد من حديث أبي الزناد عن خارجة بن زيد قال: قال زيد ابن ثابت: إني قاعد إلى جنب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ أوحي إليه، قال: وغشيته السكينة [و] [ (1) ] وقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة، [قال زيد] [ (1) ] : فلا واللَّه ما وجدت شيئا أثقل من فخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم سرى عنه فقال: أكتب يا زيد [ (2) ] . وروى الحسين بن إسماعيل المحاملي من حديث أبي الزياد عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت قال: كان إذا أنزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم السورة الشديدة أخذه من الشدة والكرب على قدر شدة السورة، وإذا أنزل عليه السورة اللينة أخذ [ (3) ] به من ذلك على قدر لينها. ولابن سعد من حديث صالح بن محمد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي أروى الدوسيّ قال: رأيت الوحي ينزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنه على راحلته فترغو وتقبل يديها حتى أظن أن ذراعها تنفصم فربما بركت وربما قامت موئدة يديها حتى يسرى عنه مثل الوحي، وإنه ليتحدر مثل الجمان [ (4) ] . وخرج الحاكم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن عبد اللَّه بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أوحي إليه لم يستطع أحد منا يرفع طرف إليه حتى ينقضي الوحي. قال هذا حديث صحيح   [ (1) ] زيادة من (مسند أحمد) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 245، حديث رقم (21156) ، وتمام لفظه: «فأخذت كتفا، فقال: أكتب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... وَالْمُجاهِدُونَ الآية كلها إلى قوله: أَجْراً عَظِيماً، فكتبت ذلك في كتف، فقام حين سمعها ابن أم مكتوم- وكان رجلا أعمى- فقام حين سمع فضيلة المجاهدين، قال: يا رسول اللَّه، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد ممن هو أعمى وأشباه ذلك؟ قال زيد: فو اللَّه ما مضى كلامه، أو ما هو إلا أن قضي كلامه، غشيت النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم السكينة فوقعت فخذه على فخذي، فوجدت من ثقلها كما وجدت في المرة الأولى ثم سرّى عنه. فقال: اقرأ، فقرأت عليه: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... وَالْمُجاهِدُونَ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ. قال زيد: فألحقتها، فو اللَّه لكأنّي انظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف» . [ (3) ] في (خ) : «أخذا» . [ (4) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 197، باب ذكر شدة نزول الوحي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 على شرط مسلم [ (1) ] . [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وله من حديث معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها فلم تستطع أن تتحرك، وتلت قول اللَّه عزّ وجلّ: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] ، [ولم يخرجاه] [ (2) ] واللَّه الموفق بمنه وكرمه وحسن توفيقه.   [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 242، حديث رقم (2880/ 9) . [ (2) ] زيادة من المرجع السابق. [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 548، حديث رقم (3865/ 1002) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 ذكر تعليم جبريل عليه السلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوضوء والصلاة قال أبو عمر بن عبد اللَّه: ومعلوم أن الجنابة لم يفترض الغسل منها قبل الوضوء، كما أنه معلوم عند جميع أهل السير أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم افترضت عليه الصلاة بمكة والغسل من الجنابة، وأنه لم يصل قط بمكة إلا بوضوء مثل وضوئه بالمدينة ومثل وضوئنا اليوم، وهذا لا يجهله عالم ولا يدفعه إلا معاند. وخرج الإمام أحمد من حديث [ابن] لهيعة عن عقيل عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن جبريل أتاه أول ما أوحي إليه فعلمه الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة ماء فنضح بها فرجة [ (1) ] . وروى الواقدي من حديث معمر عن الزهري وقتادة والكلبي قالوا: علم جبريل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوضوء والصلاة، واقرأه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (2) ] ، فأتى خديجة رضي اللَّه عنها فأخبرها بما أكرمه اللَّه عز وجل به، وعلمها الوضوء فصلت معه، وكانت أول خلق صلى معه [ (3) ] . ومن حديث أبي معشر عن محمد بن قيس قال: فحص جبريل بعقبه الأرض فنبع ماء، فعلم جبريل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوضوء، فمضمض ثم استنشق وغسل وجهه وذراعيه، ومسح رأسه وغسل رجليه، ثم نضح تحت إزاره ثم صلّى ركعتين، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مسرورا فجاء إلى خديجة رضي اللَّه عنها فحدثها وأراها ما أراه جبريل، ثم صلت معه ركعتين [ (3) ] . وقال الواقدي: وكان علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة رضي اللَّه عنهما يلزمان   [ (1) ] (مسند أحمد) : 5/ 165- 166، حديث رقم (17026) . [ (2) ] أول سورة العلق. [ (3) ] سبق الإشارة إليهم في سياق الغزوات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان يخرج إلى الكعبة أول النهار ويصلي صلاة الضحى- وكانت تلك صلاة لا تنكرها قريش- وكان إذا صلّى في سائر اليوم بعد ذلك قعد عليّ أو زيد يرصدانه [ (1) ] . وروى عن سلمة بن [] [ (2) ] عن عميرة بنت عبيد اللَّه بن كعب بن مالك عن بنت أبي بحراة قالت: كانت قريش لا تنكر صلاة الضحى إنما تنكر غيرها، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إذا جاء وقت العصر تفرقوا في الشعاب فيصلون فرادى ومثنى، قال الواقدي: كانوا يصلون الضحى والعصر، ثم نزلت الصلوات الخمس قبل الهجرة، وكانت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم نزل تمامها بالمدينة للمقيم، وبقيت صلاة المسافر ركعتين. وقال مقاتل بن سليمان: فرض اللَّه تعالى على المسلم في أول الإسلام صلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالضحى، ثم فرض الخمس في ليلة المعراج، وقد جاء أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلّى عند زوال الشمس في أول النبوة، ولما نزلت سورة المزمل بمكة كان قيام الليل فرضا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان يقوم ومعه طائفة من المؤمنين، فشق ذلك عليه وعليهم، فنسخ ذلك عنه وعنهم بقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ [ (3) ] . وقال عطاء بن السائب ومقاتل بن سليمان: نزل قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ [ (3) ] بالمدينة، والأول أصح، وقيل: نسخ قيام الليل في حقه بقوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [ (4) ] ، ونسخ في حق المؤمنين بالصلوات الخمس، وقيل: نسخ عن الأمة وبقي فرضه عليه، وقيل: إنما كان مفروضا عليه دونهم، وعن ابن عباس رضي اللَّه عنه: كان بين نزول أول المزمل وآخرها سنة.   [ (1) ] سبق الإشارة إليهم في سياق الغزوات. [ (2) ] ما بين القوسين في (خ) كلمة غير واضحة، لم أجد لها توجيها فيمن اسمه «سلمة» ، فيما بين يدي من كتب الرجال. [ (3) ] سورة المزمل، آية/ 20. [ (4) ] سورة الإسراء، آية/ 79. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: ولا خلاف بين أهل العلم وجماعة أهل السّير أن الصلاة إنما فرضت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة في حين الإسراء حين عرج به إلى السماء، ولكنهم اختلفوا في هيئتها حين فرضت، فروي عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها فرضت ركعتين ركعتين، ثم زيدت في صلاة الحضر، فأكملت أربعا، وأقرت صلاة السفر على ركعتين، وبذلك قال الشعبي وميمون بن مهران ومحمد ابن إسحاق. وروي عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أنها فرضت أربعا وفي السفر ركعتين، وقال نافع بن جبير: أنها فرضت في أول ما فرضت أربعا إلا المغرب، فإنّها فرضت ثلاثا، والصحيح ركعتين، وكذلك قال الحسن البصري وهو قول ابن جريج. وقد روي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث القشيري وغيره ما يوافق ذلك، ولم يختلفوا في أن جبريل عليه السلام هبط صبيحة ليلة الزوال عند الإسراء، فعلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلاة ومواقيتها وهيئتها. وقال إسحاق الحربي: أول ما فرضت الصلاة بمكة، ركعتان في أول النهار وركعتان في آخره، وذكر حديث عائشة قالت: فرض على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلاة ركعتين ركعتين ثم زاد فيها في الحضر، هكذا حدث ابن الحربي عن أحمد بن الحجاج عن ابن المبارك عن ابن عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قالت: فرض على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلاة ركعتين ركعتين. الحديث، وليس في حديث عائشة هذا دليل على صحة ما ذهب إليه من قال: أن الصلاة فرضت ركعتين في أول النهار وركعتين في آخره، وليس يوجد هذا في أثر صحيح، بل في حديث عائشة دليل على أن الصلاة التي فرضت ركعتين ركعتين في الصلوات الخمس ثم زيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر، لأن الإشارة بالألف واللام إلى الصلاة في حديث عائشة هذا هي إشارة إلى الصلاة المعهودة، وهذا هو الظاهر المعروف في الكلام، وقد أجمع العلماء أن الصلوات الخمس إنما فرضت في الإسراء، والظاهر من حديث عائشة أنها أرادت تلك الصلاة، واللَّه أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 وأورد من طريق النسائي حديث الوليد بن مسلم قال: أخبرني أبو عمر يعني الأوزاعي أنه سأل الزهري عن صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة قبل الهجرة إلى المدينة فقال: أخبرني عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: فرض اللَّه الصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أول ما فرضها ركعتين ركعتين ثم أتمت في الحضر أربعا، وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى [ (1) ] ، فهذا ومثله يدلك على أنها الصلاة المعهودة، وهي الخمس المفترضة في الإسراء به لا صلاتان، ومن ادّعى غير ذلك كان عليه الدليل من كتاب أو سنة، ولا سبيل له إليه. وقال جماعة من أهل العلم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن عليه صلاة مفروضة قبل الإسراء إلا ما كان أمر به من صلاة الليل على نحو قيام الليل من رمضان من غير توقيت ولا تحديد، لا بركعات معلومات ولا بوقت محصورة، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه، وقامه المسلمون معه نحوا من حول حتى شق عليهم ذلك فأنزل اللَّه التوبة عنهم والتخفيف في ذلك، ونسخه بقوله تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [ (2) ] ، فنسخ آخر السورة أولها، فضلا منه ورحمة، فلم تبق في الصلاة فريضة إلا الخمس، ألا ترى إلى حديث طلحة بن عبيد اللَّه في الأعرابي النجدي إذا سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عما عليه من الصلاة فقال: الصلوات الخمس، فقال: هل على غيرها؟ فقال: لا. ذكر وكيع عن مسعر عن سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول: لما نزلت يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل [ (3) ] آخرها، وكان بين أولها وآخرها حول. وعن عائشة مثله بمعناه وقالت: فجعل قيام الليل تطوعا بعد فريضة. وعن الحسن مثله قال: فنزلت الرخصة بعد حول. قال كاتبه: حديث عائشة خرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث مالك عن صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت:   [ (1) ] (صحيح سنن النسائي) : 1/ 99، حديث رقم (44) . [ (2) ] سورة المزمل، آية/ 20. [ (3) ] في (خ) : «نزلت» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر. وقال البخاري: فرض اللَّه الصلاة حين فرضها ... الحديث مثله، ذكره في كتاب الصلاة، وخرجه البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: الصلاة أول ما فرضت ركعتان، فأقرت في صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر ... الحديث، ذكره البخاري في أبواب تقصير الصلاة [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير أن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: فرض اللَّه الصلاة حين فرضها ركعتين ثم أتمها في الحضر فأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 724، حديث رقم (1090) . [ (2) ] (صحيح مسلم بشرح النووي) : 5/ 201، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم (2) من أحاديث الباب. اختلف العلماء في القصر في السفر، فقال الشافعيّ ومالك بن أنس، وأكثر العلماء: يجوز القصر والإتمام، والقصر أفضل، ولنا قول: أن الإتمام أفضل، ووجه أنهما سواء، والصحيح المشهور أن القصر أفضل. وقال أبو حنيفة وكثيرون: القصر واجب ولا يجوز الإتمام، ويحتجون بهذا الحديث، وبأن أكثر فعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه كان القصر. واحتج الشافعيّ وموافقوه بالأحاديث المشهورة في صحيح مسلم وغيره، أن الصحابة رضي اللَّه عنهم كانوا يسافرون مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمنهم القاصر، ومنهم المتمم، ومنهم الصائم، ومنهم المفطر، لا يعيب بعضهم على بعض، وبأن عثمان كان يتم، وكذلك عائشة وغيرها، وهو ظاهر قول اللَّه عزّ وجلّ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ، وهذا يقتضي رفع الجناح والإباحة. وأما حديث: فرضت الصلاة ركعتين، فمعناه فرضت ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما، فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم، وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار، وثبتت دلائل جواز الإتمام، فوجب المصير إليها، والجمع بين دلائل الشرع. (المرجع السابق) : 201- 202. ورواية البخاري: عائشة رضي اللَّه عنها: «فرض اللَّه الصلاة- حين فرضها- ركعتين، ثم أتمها في الحضر، وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى» ، وفي رواية، قالت: «فرض اللَّه الصلاة- حين فرضها- ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر» . وفي أخرى، قالت: «فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ففرضت أربعا، وتركت صلاة السفر على الفريضة الأولى. قال الزهري: قلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 وخرجه البخاري من حديث يزيد بن ذريع، حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم هاجر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ففرضت أربعا، وتركت صلاة السفر على الأولى، تابعه عبد الرزاق عن معمر، ذكره البخاري في كتاب الهجرة [ (1) ] ، وأما حديث ابن عباس فخرجه النسائي [ (2) ] من حديث أبي عوانة عن بكير الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: فرضت الصلاة على لسان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، قال ابن عبد البر: انفرد به بكير بن الأخنس وليس بحجة فيما انفرد به. وخرج ابن أبي شيبة من حديث عبيدة بن حميد عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين، فلما أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا المغرب. قال ابن عبد البر: قول الشعبي هذا أصله حديث عائشة رضي اللَّه عنها، وقد يمكن أن يأخذه عن الأسود عن مسروق عن عائشة، فأكثر ما عنده عن عائشة هو عنهما.   [ () ] قال: تأولت كما تأول عثمان» . أخرجه البخاري ومسلم. وأخرج الرواية الثانية الموطأ وأبو داود، وأخرج الثانية والثالثة النسائي رواه البخاري في الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء، وفي تقصير الصلاة، باب يقصر إذا خرج من موضعه، وفي فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه، ومسلم في صلاة المسافرين باب صلاة المسافرين وقصرها، والموطأ في قصر الصلاة في السفر، وأبو داود في الصلاة، باب صلاة المسافر، والنسائي في الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة- ر: (جامع الأصول في أحاديث الرسول) : 5/ 184- 185، حديث رقم (3249) . [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 341، كتاب مناقب الأنصار، باب التاريخ، من أين أرّخوا التاريخ، حديث رقم (3935) ، وقال فيه: «فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي» ، أي بمكة، وقوله: «تركت» أي على ما كانت عليه من عدم وجوب الزائد، بخلاف صلاة الحضر، فإنّها زيدت في ثلاث منها ركعتان، فالمعنى: أقرت صلاة السفر على جواز الإتمام، وإن كان الأحب القصر. [ (2) ] (صحيح سنن النسائي) : 1/ 99، حديث رقم (442) ، وقال عنه: «صحيح» ، و (صحيح سنن ابن ماجة) : 1/ 176، حديث رقم (1068) ، (صحيح أبي داود) : 1/ 227، حديث رقم (1089) : عن أنس بن مالك، قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المدينة إلى مكة، فكان يصلى ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، فقلنا: هل أقمتم بها شيئا؟ قال: أقمنا عشرا. ذكر في باب متى يتم المسافر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 وروى يونس بن بكير عن سالم بن أبي المهاجر قال: سمعت ميمون بن مهران يقول: كان أول الصلاة مثنى ثم صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أربعا فصارت سنة، وأقرت الركعتان للمسافر وهي تمام. قال ابن عبد البر: وهذا إسناد لا يحتج بمثله، وقوله: فصارت سنة قول نكر، وكذلك استثنى الشعبي المغرب وحدها، ولم يذكر الصبح قول لا معنى له، ومن قال بهذا من أهل السير قال: إن الصلاة أتمت بالمدينة بعد الهجرة بشهر وأربعة أيام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 وأمّا إقامة جبريل عليه السّلام أوقات الصّلاة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنّه أمّه فيها فخرج البخاري ومسلم من حديث مالك عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخّر الصلاة يوما فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخّر الصلاة يوما وهو في [الكوفة] [ (1) ] فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال: ما هذا يا مغيرة؟! أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم صلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم صلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] ، ثم قال بهذا أمرت، فقال عمر [ (3) ] لعروة: انظر ما تحدثت به يا عروة، أو أن جبريل هو الّذي أقام لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقت الصلاة؟ فقال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه، قال [ (4) ] عروة: ولقد حدثتني عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [أنه] كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر [ (5) ] . وأخرجاه والنسائي من حديث الليث بن سعد عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخّر الصلاة شيئا، فقال له عروة: أما أن جبريل قد نزل فصلى أمام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له عمر: اعلم ما تقول يا عروة، فقال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا سلمة مسعود يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: نزل جبريل فأمني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ويحسب بأصابعه خمس صلوات.   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي صحيح البخاري: بدونها، وفي رواية: «وهو بالعراق» . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي صحيح البخاري: «ثم صلّى فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» [خمس مرات] . [ (3) ] يعني ابن عبد العزيز. [ (4) ] بداية حديث آخر في البخاري، على ما سيأتي شرحه ... [ (5) ] فتح الباري 2/ 4- 8. قوله: «أخّر الصلاة يوما» : وللبخاريّ في بدء الخلق من طريق الليث عن ابن شهاب بيان الصلاة المذكور، ولفظه: «أخّر العصر شيئا» . قال ابن عبد البر: ظاهر سياقه أنه فعل ذلك يوما ما، لا أن ذلك كان عادة له وإن كان أهل بيته معروفين بذلك، وكذا في نسخة الصغاني، وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب: «أخّر الصلاة مرة» ، يعني العصر. وللطبراني من طريق أبي بكر بن حزم، أن عروة حدّث عمر بن عبد العزيز- وهو يومئذ أمير المدينة في زمان الوليد بن عبد الملك- وكان ذلك زمان يؤخرون فيه الصلاة، يعني بني أمية. قال ابن عبد البر: المراد أنه أخرها حتى خرج الوقت المستحب، لا أنه أخرها حتى غربت الشمس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60   [ () ] ويؤيده سياق رواية الليث المتقدمة. وأما ما رواه الطبراني من طريق يزيد بن أبي حبيب عن أسامة بن زيد الليثي، عن ابن شهاب في هذا الحديث، قال: «دعا المؤذن لصلاة العصر فأمسي عمر بن عبد العزيز قبل أن يصليها» ، فمحمول على أنه قارب المساء لا أنه دخل فيه، وقد رجع عمر بن عبد العزيز عن ذلك، فروى الأوزاعي عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز- يعني في خلافته- كان يصلي الظهر في الساعة الثامنة والعصر في الساعة العاشرة حين تدخل. قوله: «أن المغيرة بن شعبة أخّر الصلاة يوما» ، بين عبد الرزاق في روايته عن ابن جريج عن ابن شهاب أن الصلاة المذكورة العصر أيضا، ولفظه: «أمسى المغيرة بن شعبة بصلاة العصر. قوله: «وهو بالعراق» ، في الموطأ، رواية القعنبي وغيره عن مالك «وهو بالكوفة» ، وكذا أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن القعنبي، والكوفة من جملة العراق، فالتعبير بها أخصّ من التعبير بالعراق، وكان المغيرة إذا ذاك أميرا عليها من قبل معاوية بن أبي سفيان. قوله: «ما هذا» ؟ الأكثر في الاستعمال في مخاطبة الحاضر: «ألست» ، وفي مخاطبة الغائب: «أليس» . قوله: «قد علمت» ، قال عياض: يدل ظاهره على علم المغيرة بذلك، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل الظن من أبي مسعود لعلمه بصحبة المغيرة. قلت: ويؤيد الأول رواية شعيب عن ابن شهاب عند المصنف في غزوة بدر بلفظ «فقال لقد علمت» بغير أداة استفهام، ونحوه لعبد الرزاق عن معمر وابن جريج جميعا. قوله: «إن جبريل نزل» ، بين ابن إسحاق في المغازي، أن ذلك كان صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة، وهي ليلة الإسراء، قال ابن إسحاق: «حدثني عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير» ، وقال عبد الرزاق: «عن ابن جريج قال: قال نافع بن جبير وغيره: لما أصبح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الليلة التي أسري به لم يرعه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس، ولذلك سمّيت «الأولى» أي صلاة الظهر، فأمر فصيح بأصحابه: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصلّى به جبريل، وصلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس» ، فذكر الحديث، وفيه ردّ على من زعم أن بيان الأوقات إنما وقع بعد الهجرة، والحقّ أن ذلك وقع قبلها ببيان جبريل، وبعدها ببيان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قوله: «نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» ، قال عياض: ظاهره أن صلاته كانت بعد فراغ صلاة جبريل، لكن المنصوص في غيره أن جبريل أمّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فيحمل قوله: «صلّى فصلّى» ، على أن جبريل كان كلما فعل جزءا من الصلاة تابعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بفعله. وبهذا جزم النووي. وقال غيره: الفاء بمعنى الواو، واعترض بأنه يلزم أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يتقدم في بعض الأركان على جبريل، على ما يقتضيه مطلق الجمع، وأجيب بمراعاة الحيثية وهي التبين، فكان لأجل ذلك يتراخى عنه، وقيل: الفاء للسببية كقوله تعالى: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ. وفي رواية الليث عند المصنف وغيره: «نزل جبريل فأمّني فصليت معه» ، وفي رواية عبد الرزاق عن معمر: «نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى الناس معه» ، وهذا يؤيد رواية نافع بن جبير المتقدمة، وإنما دعاهم إلى الصلاة بقوله: «الصلاة جامعة» ، لأن الأذان لم يكن شرع حينئذ. واستدل بهذا الحديث على جواز الائتمام بمن يأتم بغيره، ويجاب عنه بما يجاب به عن قصة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61   [ () ] أبي بكر في صلاته خلف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وصلاة الناس خلفه، فإنه محمول على أنه كان مبلّغا فقط، كما سيأتي تقريره في أبواب الإمامة. واستدلوا به أيضا على جواز صلاة المفترض خلف المتنفّل من جهة أن الملائكة ليسوا مكلفين بمثل ما كلف به الإنس، قاله ابن العربيّ وغيره. وأجاب عياض باحتمال أن لا تكون تلك الصلاة كانت واجبة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حينئذ، وتعقبه بما تقدم من أنها كانت صبيحة ليلة فرض الصلاة، وأجاب باحتمال أن الوجوب عليه كان معلقا بالبيان، فلن يتحقق الوجوب إلا بعد تلك الصلاة. قال: وأيضا لا نسلم أن جبريل كان متنفلا بل كانت تلك الصلاة- واجبة علي لأنه مكلف بتبليغها، فهي صلاة مفترض بفرض خلف مفترض بفرض آخر. قوله: «بهذا أمرت» ، بفتح المثناة على المشهور، والمعنى هذا الّذي أمرت به أن تصليه كل يوم وليلة، وروي بالضم، أي هذا الّذي أمرت بتبليغه لك. قوله: «كذلك كان بشير» ، هو بفتح الموحّدة، بعدها معجمة بوزن فعيل، وهو تابعي جليل، ذكر في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ورآه. قال ابن عبد البر: هذا السياق منقطع عند جماعة من العلماء، لأن ابن شهاب لم يقل: حضرت مراجعة عروة لعمر، وعروة لم يقل: حدثني بشير، لكن الاعتبار عند الجمهور بثبوت اللقاء والمجالسة، لا بالصيغ. وقال الكرماني: اعلم أن الحديث بهذا الطريق ليس متصل الإسناد، إذ لم يقل أبو مسعود: «شاهدت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» ، ولا قال: «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» . قلت: هذا لا يسمى منقطعا اصطلاحا، وإنما هو مرسل صحابي لأنه لم يدرك القصة، فاحتمل أن يكون سمع ذلك من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أو بلغه عنه بتليغ من شاهده أو سمعه كصحابي آخر. على أن رواية الليث عند المصنف تزيل الإشكال كله، ولفظه: «فقال عروة: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبي يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول» ، فذكر الحديث. وكذا سياق ابن شهاب، وليس فيه التصريح بسماعه له من عروة، وابن شهاب قد جرّب عليه التدليس، لكن وقع في رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن شهاب قال: «كنا مع عمر بن عبد العزيز» ، فذكره. وفي رواية شعيب عن الزهري: «سمعت عروة يحدث عمر بن عبد العزيز» ، الحديث. قال القرطبي: قول عروة إن جبريل نزل ليس فيه حجة واضحة على عمر بن عبد العزيز إذ لم يعين له الأوقات. قال: وغاية ما يتوهم عليه أن نبّهه وذكّره بما كان يعرفه من تفاصيل الأوقات. قال: وفيه بعد، لإنكار عمر على عروة حيث قال له: «اعلم ما تحدث يا عروة» . قال: وظاهر هذا الإنكار أنه لم يكن عنده علم من إمامة جبريل. قال الحافظ ابن حجر: لا يلزم من كونه لم يكن عنده علم منها أن لا يكون عنده علم بتفاصيل الأوقات المذكورة من جهة العمل المستمر، لكن لم يكن يعرف أن أصله لم يكن بتبيين جبريل بالفعل، فلهذا استثبت فيه، وكأنه كان يرى أن لا مفاضلة بين أجزاء الوقت الواحد، وكذا يحمل عمل المغيرة وغيره من الصحابة، ولم أقف في شيء من الروايات على جواب المغيرة لأبي مسعود، والظاهر أنه رجع إليه واللَّه أعلم ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62   [ () ] وأما ما زاده عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري في هذه القصة قال: فلم يزل عمر يعلم الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا، رواه أبو الشيخ في كتاب (المواقيت) له من طريق الوليد عن الأوزاعي عن الزهري قال: «ما زال عمر بن عبد العزيز يتعلم مواقيت الصلاة حتى مات» . ومن طريق إسماعيل ابن حكيم «أن عمر بن عبد العزيز جعل ساعات ينقضين مع غروب الشمس» زاد من طريق ابن إسحاق عن الزهري «فما أخّرها حتى مات» . فكله يدل على أن عمر لم يكن يحتاط في الأوقات كثير احتياط إلا بعد أن حدثه عروة بالحديث المذكور. وقد نبّه الحافظ ابن حجر على أنه قد ورد في هذه القصة من وجه آخر عن الزهري بيان أبي مسعود للأوقات، وفي ذلك ما يرفع الإشكال، ويوضح توجيه احتجاج عروة به، فروى أبو داود وغيره، وصححه ابن خزيمة وغيره من طريق ابن وهب، والطبراني من طريق يزيد بن أبي حبيب، كلاهما عن أسامة بن زيد، عن الزهري هذا الحديث بإسناده، وزاد في آخره: «قال أبو مسعود: فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الظهر حين تزول الشمس» فذكر الحديث. وذكر أبو داود أن أسامة بن زيد تفرد بتفسير الأوقات فيه، وأن أصحاب الزهري لم يذكروا ذلك. قال: وكذا رواه هشام بن عروة وحبيب بن أبي مرزوق عن عروة، لم يذكروا تفسيرا. ورواية هشام أخرجها سعيد بن منصور في سننه، ورواية حبيب أخرجها الحارث بن أبي أسامة في مسندة. وقد وجدت ما يعضد رواية أسامة ويزيد عليها، أن البيان من فعل جبريل، وذلك فيما رواه الباغندي في (مسند عمر بن عبد العزيز) ، والبيهقي في (السنن الكبرى) من طريق يحيى ابن سعيد الأنصاري، عن أبي بكر بن حزم أنه بلغه عن أبي مسعود، فذكره منقطعا. لكن رواه الطبراني من وجه آخر عن أبي بكر عن عروة، فرجع الحديث إلى عروة، ووضح أن له أصلا، وأن في رواية مالك ومن تابعه اختصارا، وبذلك جزم ابن عبد البر، وليس في رواية مالك ومن تابعه ما ينفي الزيادة المذكورة، فلا توصف والحالة هذه بالشذوذ. وفي هذا الحديث من الفوائد: [1] دخول العلماء على الأمراء. [2] إنكارهم عليهم ما يخالف السنة. [3] استثبات العالم فيما يستقر به السماع. [4] الرجوع عند التنازع إلى السنة. [5] فيه فضيلة عمر بن عبد العزيز. [6] فيه فضيلة المبادرة بالصلاة في الوقت الفاضل. [7] قبول خبر الواحد الثبت. [8] استدل به ابن بطال وغيره على أن الحجة بالمتصل دون المنقطع، لأن عروة أجاب عن استفهام عمر له لما أن أرسل الحديث بذكر من حدّثه به فرجع إليه، فكأنما عمر قال له: تأمل ما تقول، فلعله بلغك عن غير ثبت. فكأن عروة قال له: بل قد سمعته ممن قد سمع صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، والصاحب قد سمعه من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. [9] واستدل به عياض على جواز الاحتجاج بمرسل الثقة، كصنيع عروة حين احتج على عمر قال: وإنما راجعه عمر لتثبته فيه، لا لكونه لم يرض به مرسلا. كذلك قال، وظاهر السياق يشهد لما قال ابن بطال. وقال ابن بطال أيضا: ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63   [ () ] [10] في هذا الحديث دليل على ضعف الحديث الوارد في أن جبريل أمّ بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في يومين لوقتين مختلفين لكل صلاة، قال: لأنه لو كان صحيحا لم ينكر عروة على عمر صلاته في آخر الوقت محتجا بصلاة جبريل، مع أن جبريل قد صلّى في اليوم الثاني في آخر الوقت وقال: «الوقت ما بين هذين» . وأجيب باحتمال أن تكون صلاة عمر كانت خرجت عن وقت الاختيار وهو مصير ظل الشيء مثليه، لا عن وقت الجواز وهو مغيب الشمس، فيتجه إنكار عروة، ولا يلزم منه ضعف الحديث. أو يكون عروة أنكر مخالفة ما واظب عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو الصلاة في أول الوقت، ورأى أن الصلاة بعد ذلك إنما هي لبيان الجواز، فلا يلزم منه ضعف الحديث أيضا. وقد روى سعيد بن منصور من طريق طلق بن حبيب مرسلا قال: «إن الرجل ليصلي الصلاة وما فاتته، ولما فاته من وقتها خير له من أهله وماله» . ورواه أيضا عن ابن عمر من قوله، ويؤيد ذلك احتجاج عروة بحديث عائشة في كونه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها، وهي الصلاة التي وقع الإنكار بسببها، وبذلك تظهر مناسبة ذكره لحديث عائشة بعد حديث أبي مسعود، لأن حديث عائشة يشعر بمواظبته على صلاة العصر في أول الوقت، وحديث أبي مسعود يشعر بأن أصل بيان الأوقات كان بتعليم جبريل. (فتح الباري) : 2/ 3- 8، كتاب مواقيت الصلاة، باب مواقيت الصلاة وفضلها، حديث رقم (521) ، وذكر البخاري نحوا منه في كتاب بدء الخلق، حديث رقم (3221) : «أما إن جبريل قد نزل فصلّى أمام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر: اعلم ما تقول يا عروة، قال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: نزل جبريل فأمني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات. وذكره البخاري في كتاب المغازي (حديث رقم 4007) : «سمعت عروة بن الزبير يحدّث عمر ابن عبد العزيز في إمارته: أخّر المغيرة بن شعبة العصر وهو أمير الكوفة، فدخل أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاريّ جد زيد بن حسن شهد بدرا فقال: لقد علمت نزل جبريل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمس صلوات ثم قال: هكذا أمرت، ذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه» . ورواه مسلم في المساجد باب استحباب التبكير بالعصر، والموطأ 1/ 8- 9 في وقت الصلاة، وأبو داود في الصلاة، باب في وقت صلاة العصر، والنسائي في المواقيت، باب تعجيل العصر. وأما قول عروة: «ولقد حدثتني عائشة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر» ، فهو الحديث الّذي ذكره البخاري برقم (522) في كتاب مواقيت الصلاة بعد الحديث السابق شرحه وتخريجه، وقد ذكر البخاري نحوا منه في باب وقت العصر من كتاب مواقيت الصلاة، الأحاديث أرقام: (544) ، (545) ، (546) ، بسياقات متقاربة مفادها أن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: «كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي صلاة العصر والشمس طالعة في حجرتي، لم يظهر الفيء بعد» . قال الحافظ ابن حجر: والحاصل أن أنس بن عياض- وهو أبو ضمرة الليثي- وأبا أسامة رويا الحديث عن هشام- وهو ابن عروة بن الزبير- عن أبيه عن عائشة، وزاد أبو أسامة التقييد بقعر الحجرة، وهو أوضح في تعجيل العصر من الرواية المطلقة، وقد وصل الإسماعيلي طريق أبي أسامة في مستخرجه، لكن بلفظ «والشمس واقعة في حجرتي، وعرف بذلك أن الضمير في قوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 وقال البخاري والنسائي [ (1) ] : أخر العصر شيئا، ذكره البخاري في كتاب بدء الخلق في ذكر الملائكة [ (2) ] ، وخرجه في كتاب المغازي من حديث شعيب عن الزهري: سمعت عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز في إمارته: أخّر المغيرة ابن شعبة العصر وهو أمير الكوفة، فدخل أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري جد زيد بن حسن- شهد بدرا- فقال: لقد علمت نزل جبريل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمس صلوات ثم قال هكذا أمرت، كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه. ذكره في الباب الّذي بعد باب شهود الملائكة بدرا [ (3) ] . وخرجه قاسم بن أصبغ من حديث سفيان قال: حدثنا الزهري قال: أخّر عمر ابن عبد العزيز يوما الصلاة فقال له عروة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: نزل جبريل فأمّني فصليت معه، ثم نزل فأمني فصليت معه، ثم نزل فأمني فصليت معه، حتى عد الصلوات الخمس فقال له عمر بن عبد العزيز: اتّق اللَّه يا عروة وانظر ما تقول: فقال عروة: أخبرنيه بشير بن أبي مسعود عن أبيه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] . قال الحافظ أبو عمر بن عبد [البر] [ (5) ] : وظاهر مساقه في رواية مالك تدل على الانقطاع لقوله: أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يوما ودخل عليه عروة، ولم يذكر فيه سماعا لابن هشام من شهاب من عروة، ولا سماعا لعروة من بشير بن أبي   [ () ] «حجرتها» لعائشة، وفيه نوع التفات، وإسناد أبي ضمرة كلهم مدنيون، والمراد بالحجرة- وهي بضم المهملة وسكون الجيم- البيت، والمراد بالشمس ضوؤها، وقوله في رواية الزهري: «والشمس في حجرتها» ، أي باقية، وقوله: «لم يظهر الفيء» ، أي في الموضع الّذي كانت الشمس فيه، ومن طريق مالك عن الزهري بلفظ: «والشمس في حجرتها قبل أن تظهر» ، أي ترتفع، فهذا الظهور غير ذلك الظهور، ومحصله أن المراد بظهور الشمس خروجها من الحجرة، وبظهور الفيء انبساطه في الحجرة، وليس بين الروايتين اختلاف، لأن انبساط الفيء لا يكون إلا بعد خروج الشمس. (فتح الباري) : 2/ 31- 32، كتاب مواقيت الصلاة. [ (1) ] (صحيح سنن النسائي) : 1/ 108، كتاب المواقيت، باب إمامة جبريل عليه السلام، للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم 480. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 375- 376، كتاب بدء الخلق، ذكر الملائكة، حديث رقم (3221) . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 402- 403، كتاب المغازي، باب رقم (12) ، حديث رقم (4007) . [ (4) ] سبق شرحه وتخريجه. [ (5) ] في (خ) : «عبد العزيز» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 مسعود، وهذه اللفظة- أعني أن عند جماعة من [أهل] [ (1) ] العلم بالحديث- محمولة على الانقطاع حتى يتبين السماع واللقاء، ومنهم من لا يلتفت إليها، ويحمل الأمر على المعروف من مجالسة بعضهم بعضا، ومشاهدة بعضهم لبعض، وأخذهم بعضهم من بعض، فإن كان ذلك معروفا لم يسأل عن هذا اللفظة، وكان الحديث عنده على الاتصال، وهذا يشبه أن يكون مذهب مالك- رحمه اللَّه- لأنه في موطئه لا يفرق بين شيء من ذلك، وهذا الحديث متصل عند أهل العلم مسند صحيح لوجوه: منها أن مجالسة بعض المذكورين فيه لبعض مشهورة، ومنها أن هذه القصة قد صح شهود ابن شهاب لما جرى فيها بين عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير بالمدينة، وذلك في أيام إمارة عمر عليها لعبد الملك وابنه الوليد، وهذا محفوظ من رواية الثقات لهذا الحديث عن ابن شهاب. قال: وممن ذكر مشاهدة ابن شهاب للقصة عند عمر بن عبد العزيز مع عروة ابن الزبير في هذا الحديث من أصحاب ابن شهاب: معمر والليث بن سعد وشعيب ابن أبي حمزة وابن جريج، فذكروا رواية الليث التي تقدم ذكرها من طريق النسائي إلا أن سياقه عن ابن شهاب أنه كان قاعدا على منابر عمر بن عبد العزيز في إمارته على المدينة ومعه عروة بن الزبير، فأخّر عمر العصر، فقال له عروة: أما أن جبريل قد نزل فصلّى أمام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له عمر: اعلم يا عروة ما تقول، فقال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: نزل جبريل فأمّني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس مرات. وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: كنا مع عمر بن عبد العزيز فأخر العصر مرة، فقال له عروة: حدثني بشير بن أبي مسعود الأنصاري أن المغيرة ابن شعبة أخر الصلاة مرة- يعني العصر- فقال له أبو مسعود: أما واللَّه يا مغيرة لقد علمت أن جبريل نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى الناس معه، ثم نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وصلّى الناس معه، حتى عدّ خمس صلوات، فقال له عمر: انظر ما تقول يا عروة، أو أن جبريل هو سنّ وقت الصلاة؟   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 فقال له عروة: كذلك حدثني بشير بن أبي مسعود. قال: فما زال عمر يعتلم وقت الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا [ (1) ] . قال عبد الرزاق: أنبأنا ابن جريج قال: حدثني ابن شهاب أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل عروة بن الزبير، فقال عروة بن الزبير: مشى المغيرة بن شعبة بصلاة العصر وهو على الكوفة فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال له: ما هذا يا مغيرة؟ أما واللَّه لقد علمت أن جبريل نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى بالناس معه خمس مرات، ثم قال: هكذا أمرت، فقال عمر لعروة: اعلم ما تقول، أو أن جبريل هو أقام وقت الصلاة؟ فقال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه فقد بان بما ذكرنا من رواية الثقات عن ابن شهاب لهذا الحديث اتصاله وسماع ابن شهاب له من عروة، وسماع عروة من بشير، وبان بذلك أيضا أن الصلاة التي أخرها عمر هي صلاة العصر، وأن الصلاة التي أخرها المغيرة تلك أيضا، وبان بما ذكرنا أيضا أن جبريل صلّى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخمس صلوات في أوقاتها، وليس في شيء من معنى حديث ابن شهاب هذا ما يدل على أن جبريل صلّى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرتين كل صلاة في وقتين. وظاهر من حديث ابن شهاب هذا [ما] [ (2) ] يدلك على أن ذلك إنما كان مرة واحدة لا مرتين، وقد روى من غير وجه في إمامة جبريل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه صلّى مرتين في كل صلاة من الصلوات الخمس في وقتين. وظاهر من حديث ابن شهاب هذا [ما] [ (2) ] يدلك على أن ذلك إنما كان مرة واحدة لا مرتين، وقد روى من غير وجه في إمامة جبريل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه صلّى مرتين من في كل صلاة من الصلوات الخمس في وقتين. قال: ورواية ابن عيينة لهذا الحديث عن ابن شهاب بمثل حديث الليث ومن ذكرنا معه في ذلك، وفي حديث معمر وابن جريج أن الناس صلوا خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حينئذ، وقد روى ذلك من غير حديثهما، ثم ذكر حديث سفيان من طريق قاسم بن أصبغ كما تقدم ذكره، وقال: فهذا وضح ما ذكرنا من أنه إنما صلّى به الصلوات الخمس مرة واحدة، وهو ظاهر الحديث، إلا أن في رواية ابن أبي ذؤيب وأسامة بن زيد الليثي عن ابن شهاب في هذا الحديث ما يدل على أنه صلّى به مرتين في يومين على نحو ما ذكره عن ابن شهاب في حديث إمامة جبريل،   [ (1) ] سبق شرحه وتخريجه. [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 فأما رواية ابن أبي ذؤيب له، فإن ابن أبي ذؤيب ذكره في موطنه عن ابن شهاب أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبي مسعود الأنصاري أن المغيرة بن شعبة أخّر الصلاة، فدخل عليه أبو مسعود فقال: ألم تعلم أن جبريل نزل على محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى وصلّى وصلّى وصلّى وصلّى وصلّى، ثم صلّى ثم صلّى ثم صلّى ثم صلّى ثم صلّى [ثم صلّى] [ (1) ] ، ثم قال: هكذا أمرت. وأما حديث أسامة بن زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره أن عمر بن عبد العزيز كان قاعدا على المنبر، فأخر العصر شيئا، فقال له عروة: أما أن جبريل قد أخبر محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بوقت الصلاة، فقال له عمر: اعلم ما تقول، فقال عروة: سمعت بشير بن أبي معسود يقول: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يقول] [ (2) ] : نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة فصليت معه، ثم صليت [معه] [ (3) ] ، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلّى الظهر حين زالت الشمس وربما أخرها حين يشبه الحر، وروايته: يصلّى العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن تدخلها الصّفرة، فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس، ويصلي المغرب حين تسقط الشمس، ويصلي العشاء حين يسود الأفق، وربما أخرها حين يجتمع الناس، ويصلي الصبح مرة بغلس، ثم صلّى مرة آخرا فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك إلى الغلس حتى مات لم يعد يغد إلى أن يسفر. قال أبو داود: روي هذا الحديث عن الزهري: معمر ومالك وابن عيينة وشعيب بن أبي حمزة والليث بن سعد وغيرهم، لم يذكروا الوقت الّذي صلّى فيه [و] [ (4) ] لم يفسروه، وكذلك رواه أيضا: هشام بن عروة وحبيب بن أبي مرزوق عن عروة نحو رواية معمر وأصحابه، إلا أن حبيبا لم يذكر. قال ابن عبد البر: هذا كلام أبي داود، ولم يسبق في كتابه رواية معمر ولا من ذكر معه عن ابن شهاب لهذا الحديث، وإنما ذكروا رواية أسامة بن زيد هذه   [ (1) ] كذا في (خ) ، ولعلّ ما بين القوسين تكرار من الناسخ. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 عن ابن شهاب وحدها من رواية ابن وهب، ثم أردفها بما ذكرنا من كلامه، وصدق فيما حكى، إلا أن حديث أسامة ليس فيه من البيان ما في حديث ابن أبي ذؤيب من تكرير الصلوات الخمس مرتين مرتين، وكذلك رواية معمر ومالك والليث ومن تابعهم ظاهرها مرة واحدة، وليس فيها ما يقطع به على أن ذلك كذلك، وقد ذكرنا رواية معمر ومالك والليث وغيرهم، وقد روى الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب هذا الحديث مثل رواية ابن وهب عن أسامة سواء. قال محمد بن يحى الذهلي في رواية أبي بكر بن حزم عن عروة بن الزبير ما يقوّى رواية أسامة، لأن رواية أبي بكر بن حزم شبيهة برواية أسامة، فيه أنه صلّى الوقتين، وإن كان لم يسنده عنه إلا أيوب بن عتبة فقد روى عنه معناه مرسلا يحيى بن سعيد وغيره من الثقات. قال ابن عبد البر: وقد روى هذا الحديث جماعة عن عروة بن الزبير منهم: هشام بن عروة، وحبيب بن أبي مرزوق، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيرهم، فأما رواية هشام بن عروة عن أبيه، فذكرها من طريق أحمد بن زهير قال: حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا فليح عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أخّر عمر بن عبد العزيز الصلاة يوما فدخلت عليه فقلت: إن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوما فدخل عليه أبو مسعود ... فذكر الحديث، وقال فيه: كذلك سمعت بشير ابن أبي مسعود يحدث عن ابنه، قال: ولقد حدثتني عائشة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم تظهر، وقال أحمد بن زهير: وحدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه أن المغيرة ابن شعبة كان يوجز الصلاة، فقال له رجل من الأنصار: أما سمعت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: قال جبريل عليه السلام: صل صلاة كذا في وقت كذا حتى عدّ الصلوات الخمس؟ قال: بلى، قال: فاشهد أنا كنا نصلّى العصر مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والشمس نقية بيضاء، ثم نأتي بني عمرو وإنها لمرتفعة- وهي على رأس ثلثي فرسخ من المدينة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 وأما رواية حبيب بن أبي مرزوق، فذكرها من طريق الحرث بن أبي أسامة قال: حدثنا كثير بن هشام، حدثنا جعفر قال: حدثني حبيب بن أبي مرزوق عن عروة بن الزبير قال: حدثني أبو مسعود أن جبريل نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى أتمها خمسا، فقال له عمر بن عبد العزيز: انظر يا عروة ما تقول أن جبريل هو الّذي وقت مواقيت الصلاة؟ قال: كذلك حدثني ابن مسعود، فبحث عمر عن ذلك حتى وجد ثبته، فما زال عمر عنده علامات الساعات ينظر فيه حتى قبض. قال ابن عبد البر: قد أحسن حبيب بن أبي مرزوق في سياقه هذا الحديث على ما ساقه أصحاب ابن شهاب في الخمس صلوات لوقت واحد مرة واحدة، إلا أنه قال فيه عن عروة: حدثني أبو مسعود، والحفاظ يقولون: عن عروة عن بشير عن أبيه، وبشير هذا ولد على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبوه أبو مسعود الأنصاري، اسمه عقبة بن عمر، ويعرف بالبدري لأنه كان يسكن بدرا، واختلف في شهوده بدرا. وأما رواية أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بمثل رواية ابن أبي ذؤيب وأسامة ابن زيد عن ابن شهاب في أنه صلّى الصلوات الخمس لوقتين مرتين، وحديثه أبين في ذلك وأوضح، وفيه ما يضارع قول حبيب بن أبي مرزوق عن عروة عن أبي مسعود، فذكره من طريق على بن عبد العزيز قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا أيوب بن عتبة، حدثنا أبو بكر بن حزم أن عروة بن الزبير كان يحدث عمر بن عبد العزيز- وهو يومئذ أمير المدينة في زمن الحجاج والوليد بن عبد الملك، وكان ذلك زمانا يؤخرون فيه الصلاة- فحدث عمر عروة وقال: حدثني أبو مسعود الأنصاري، وبشير بن أبي مسعود- قال كلاهما قد صحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- أن جبريل جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين دلكت الشمس- قال أيوب: فقلت: وما دلوكها؟ قال: حين زالت- قال: فقال: يا محمد، صلّ الظهر، قال: فصلّى، ثم جاءه حين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 كان ظل كل شيء مثله فقال: يا محمد، صلّ العصر، فقال: فصلى، ثم أتاه جبريل حين غربت الشمس فقال: يا محمد، صل المغرب، فصلى، قال: ثم جاءه حين غاب الشفق فقال: يا محمد، صل العشاء، فصلى، ثم أتاه حين انشق الفجر فقال: يا محمد، صلّ الصبح، قال: فصلى ثم جاءه الغد حين كان ظل كل شيء مثله فقال: يا محمد، صل [ (1) ] الظهر، قال: فصلى، ثم أتاه حين كان ظل كل شيء مثليه فقال: يا محمد، صلّ [ (1) ] العصر، قال: فصلى، ثم أتاه حين غربت الشمس فقال: يا محمد، صلّ [ (1) ] المغرب، قال: فصلى، ثم أتاه حين ذهبت ساعة من الليل فقال: يا محمد، صل [ (1) ] العشاء، قال فصلى، ثم أتاه حين أضاء الفجر وأسفر فقال: يا محمد، صل [ (1) ] الصبح، قال فصلى، قال ثم قال: ما بين هذين وقت، يعني أمس واليوم. قال عمر لعروة: أجبريل أتاه؟ قال: نعم. ففي هذا الحديث وهذه الرواية بيان واضح أن صلاة جبريل بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في حين تعليمه له الصلاة في أول وقت فرضها كانت في يومين لوقتين وقتين كل صلاة، وكذلك رواية معمر عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن جبريل نزل صلى فذكر مثله سواء إلا أنه مرسل. وكذلك رواه الثوري عن عبد اللَّه بن أبي بكر ويحيى بن سعيد، جميعا عن أبي بكر بن حزم مثله سواء، أن جبريل صلى الصلوات الخمس بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مرتين في يومين لوقتين، ومراسيل هؤلاء عند مالك حجة، وهو خلاف ظاهر حديث الموطأ، وحديث هؤلاء جميعا بالصواب أولى، لأنهم زادوا وأوضحوا، وفسروا ما أجمله غيرهم وأهمله، ويشهد بصحة ما جاءوا به: رواية ابن أبي ذؤيب ومن تابعه عن ابن شهاب، وعامة الأحاديث في إمامة جبريل على ذلك جاءت مفسرة لوقتين، ومعلوم أن حديث أبي مسعود من رواية ابن شهاب وغيره في إمامة جبريل وردّ برواية من زاد وأتم وفسّر أولى من رواية من أجمل وقصّر، وقد رويت إمامة جبريل بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث ابن عباس، وحديث جابر، وأبي سعيد الخدريّ على نحو ما ذكرنا.   [ (1) ] في (خ) : «صلّى» ، وما أثبتناه حق اللغة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 فأما حديث ابن عباس رضي اللَّه عنه فذكره من طريق قاسم بن أصبغ قال: حدثنا أحمد بن زهير بن حرب، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الحرث، ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الرحمن، ومن طريق قاسم: حدثنا أحمد بن زهير، وحدثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحرث. قال كاتبه: وخرجه الترمذي من حديث هناد: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحرث بن عيّاش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم- وهو ابن عباد بن حنيف- أخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: أخبرني ابن عبّاس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلّى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلّى العصر حين [كان] [ (1) ] [ظل] [ (2) ] كل شيء [مثله] [ (3) ] ، ثم صلّى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلّى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلّى الفجر حين برق [ (4) ] وحرم الطعام على الصائم، وصلّى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلّى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلّى المغرب لوقته الأول، ثم صلّى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلّى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إلى جبريل فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت [فيما] [ (5) ] بين هذين الوقتين [ (6) ] .   [ (1) ] تكملة من رواية الترمذي. [ (2) ] زيادة ليست في رواية الترمذي. [ (3) ] تصويب من رواية الترمذي. [ (4) ] في رواية الترمذي: «حين برق الفجر» . [ (5) ] في (خ) : «ما» ، والتصويب من الترمذي. [ (6) ] قال أبو عيسى: «وفي الباب عن أبي هريرة، وبريدة، وأبي موسى، وأبي مسعود الأنصاري، وأبي سعيد، وجابر وعمرو بن حزم، والبراء، وأنس،. هذا الحديث أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب ما جاء في مواقيت الصلاة، حديث رقم (149) ، قوله: «عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة» ، قال في التقريب: عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللَّه بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، أبو الحارث المدني، صدوق له أوهام. قوله: «عن حكيم بن حكيم وهو ابن بعاد بن حنيف» ، الأنصاريّ الأوسيّ، صدوق. قاله الحافظ، وذكره ابن حبان في الثقات، قاله الخزرجي ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72   [ () ] قوله: «قال: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم» ، النوفلي أبو محمد أو أبو عبد اللَّه المدني، ثقة فاضل من الثانية، مات سنة (99) تسع وتسعين، وهو من رجال الكتب الستة. قوله: «أمني جبريل عند البيت» ، أي عند بيت اللَّه، وفي رواية في (الأم) للشافعي رضي اللَّه تعالى عنه: «عند باب الكعبة» . قوله: «مرتين» ، أي في يومين ليعرفني كيفية الصلاة وأوقاتها. قوله: «فصلّى الظهر في الأولى منهما» ، أي المرة الأولى من المرتين، قال الحافظ في الفتح: بين ابن إسحاق في المغازي أن ذلك كان صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة، وهي ليلة الإسراء، قال ابن إسحاق: وحدثني عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير، وقال عبد الرزاق: عن ابن جريج قال: قال نافع بن جبير وغيره: لما أصبح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الليلة التي أسري به، لم يرعه إلا جبريل، نزل حين زالت الشمس، ولذلك سميت الأولى- أي صلاة الظهر- فأمر فصيح بأصحابه: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصلّى به جبريل، وصلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس.. فذكر الحديث. قوله: «حين كان الفيء» ، هو ظل الشمس بعد الزوال. قوله: «مثل الشراك» ، أي قدره، قال ابن الأثير: الشراك أحد سيور النعل التي تكون على وجهها. وفي رواية أبي داود: «حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك» . قال ابن الأثير: قدره هاهنا ليس على معنى التحديث، ولكن زوال الشمس لا يبين إلا بأقل ما يرى من الظل، وكان حينئذ بمكة هذا القدر، والظل يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي يقل فيها الظل، فإذا كان طول النهار واستوت الشمس فوق الكعبة، لم ير بشيء من جوانبها ظل، فكل بلد يكون أقرب إلى خط الاستواء ومعدل النهار يكون الظل فيه أقصر، وكل ما بعد عنهما إلى جهة الشمال يكون الظل أطول. قوله: «ثم صلّى العصر حين كان كل شيء مثله ظل» ، أي سوي ظله الّذي كان عند الزوال، يدل على ما رواه النسائي من حديث جابر بلفظ: «خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى الظهر حين زالت الشمس، وكان الفيء قدر الشراك وظل الرجل» . قوله: «ثم صلّى المغرب حين وجبت الشمس، وأفطر الصائم» ، أي غربت الشمس ودخل وقت إفطار الصائم، بأن غابت الشمس، فهو عطف تفسير. قوله: «ثم صلّى العشاء حين غاب الشفق» ، أي الأحمر- على الأشهر- قاله القاري، وقال النووي في شرح مسلم: المراد بالشفق الأحمر، هذا مذهب الشافعيّ، وجمهور الفقهاء، وأهل اللغة، وقال أبو حنيفة والمزني رضي اللَّه عنهما وطائفة من الفقهاء وأهل اللغة: المراد الأبيض، والأول هو الراجح المختار. (انتهى كلام النووي) . قال المباركفوري: وإليه ذهب صاحبا أبي حنيفة، أبو يوسف ومحمد، وقالا: الشفق هو الحمرة، وهو رواية عن أبي حنيفة، بل قال في (النهر) : وإليه رجع الإمام، وقال في (الدر) : الشفق هو الحمرة عندهما، وبه قالت الثلاثة، وإليه رجع الإمام كما هو في شروح (المجمع) وغيره، فكان هو المذهب، قال صدر الشريعة: وبه يفتى، كذا في حاشية النسخة الأحمدية، ولا شك في أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73   [ () ] المذهب الراجح المختار، هو أن الشفق الحمرة، يدل عليه حديث ابن عمر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «الشفق الحمرة» ، رواه الدار الدّارقطنيّ، وصححه ابن خزيمة، وغيره، ووقفه على ابن عمر، كذا في (بلوغ المرام) . قال محمد بن إسماعيل الأمير في (سبل السلام) : البحث لغويّ، والمرجع فيه إلى أهل اللغة، وابن عمر من أهل اللغة، ومخّ العرب، فكلامه حجّه، وإن كان موقوفا عليه. ويدل عليه قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في حديث عبد اللَّه بن عمرو عند مسلم: وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق، قال الجزري في (النهاية) : أي انتشاره وثوران حمرته، من ثار الشيء يثور إذا انتشر وارتفع ... وفي (البحر الرائق) من كتب الحنفية، قال الشمني: هو ثوران حمرته ... ووقع في رواية أبي داود: وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق، قال الخطابي: هو بقية حمرة الشفق في الأفق، وسمى فورا بفورانه وسطوعه، وروى أيضا ثور الشفق، وهو ثوران حمرته ... وقال الجزري في (النهاية) : هو بقية حمرة الشمس في الأفق الغربي، سمي فورا لسطوعه وحمرته، ويروى بالثاء، وقد تقدم. قوله: «ثم صلّى الفجر حين برق الفجر» ، أي طلع، «وصلّى المرة الثانية» أي في اليوم الثاني، «حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس» ، أي فرغ من الظهر حينئذ كما شرع في العصر في اليوم الأول، حينئذ قال الشافعيّ رضي اللَّه تعالى عنه: وبه يندفع اشتراكهما في وقت واحد، على ما زعمه جماعة، ويدل له خبر مسلم: وقت الظهر ما لم يحضر العصر. قوله: «ثم صلّى المغرب لوقته الأول» ، استدل به من قال: إن لصلاة المغرب وقتا واحدا، وهو عقب غروب الشمس، بقدر ما يتطهر، ويستر عورته، ويؤذن، ويقيم، فإن أخّر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارت قضاء، وهو قول الشافعية. قال الإمام النووي: وذهب المحققون من أصحابنا، إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها، ما لم يغب الشفق، وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك، ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت، وهذا هو الصحيح الصواب، الّذي لا يجوز غيره. والجواب عن حديث جبريل عليه السلام، حين صلّى المغرب في اليومين حين غربت الشمس، من ثلاثة أوجه: الأول: أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار، ولم يستوعب وقت الجواز، وهذا جار في الصلوات سوى الظهر. والثاني: أنه متقدم في أول الأمر بمكة، وأحاديث امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرة في أواخر الأمر بالمدينة، فوجب اعتمادها. والثالث: أن هذه الأحاديث أصح إسنادا من حديث بيان جبريل عليه السلام فوجب تقديمها. قوله: «فقال: يا محمد هذا» ، أي ما ذكر من الأوقات الخمسة، «وقت الأنبياء من قبلك» ، قال ابن العربيّ في (عارضه الأحوذي) : ظاهره يوهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن قبلهم من الأنبياء، ليس كذلك، وإنما معناه: أن هذا وقتك المشروع لك، يعني الوقت الموسع، المحدد بطرفين، الأول والآخر، وقوله: وقت الأنبياء من قبلك، يعني ومثله وقت الأنبياء قبلك، أي صلاتهم كانت واسعة الوقت، وذات طرفين، وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن، وقال ابن عبد البر: لا يوجد هذا اللفظ (وقت الأنبياء قبلك) إلا في هذا الإسناد، وتكلم بعض الناس في إسناد حديث ابن عباس هذا بكلام لا وجه له، ورواته كلهم معروفو [ (1) ] النسب، مشهورون [ (2) ] في العلم. وقد خرجه أبو داود [ (3) ] وغيره، وذكره عبد الرزاق عن الثوري، وابن أبي سبرة عن عبد الرحمن بن الحرث بإسناده مثل رواية وكيع وأبي نعيم، وذكره عبد الرزاق عن العمري عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس نحوه. وأما حديث جابر رضي اللَّه عنه [ (4) ] فذكره من طريق أحمد بن زهير: حدثنا أحمد ابن الحجاج، ومن طريق النسائي [ (5) ] : حدثنا سويد بن نصر قالا: حدثنا ابن المبارك قال: أخبرني حسين بن علي بن حسين قال: أخبرني وهب بن كيسان، حدثنا جابر بن عبد اللَّه قال: جاء جبريل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين مالت الشمس فقال: قم يا محمد فصل الظهر، فصلّى الظهر حيث مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا   [ () ] إلا لهذه الأمة خاصة، وإن غيرهم قد شاركهم في بعضها. وقد روى أبو داود في حديث العشاء: أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم، وكذا قال ابن سيد الناس، وقال: يريد في التوسعة عليهم في أن الوقت أولا وآخرا، لا أن الأوقات هي أوقاتهم بعينها. كذا في (قوت المغتذي) . قوله: «والوقت فيما بين هذين الوقتين» ، قال ابن سيد الناس: يريد هذين وما بينهما، أما إرادته أن الوقتين اللذين أوقع فيهما الصلاة وقت لها، فتبين بفعله، وأما الإعلام ما بينهما أيضا وقت، فبينه قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (1) ] في (خ) : «معروف» . [ (2) ] في (خ) : «مشهور» . [ (3) ] خرّجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب (1) في المواقيت حديث رقم (389) ، (عون المعبود) : 2/ 40. [ (4) ] وقال محمد: أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: وحديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، نحو حديث وهب بن كيسان، عن جابر، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، (تحفة الأحوذي) : 1/ 398، عقب الحديث رقم (150) . [ (5) ] (صحيح سنن النسائي) : 1/ 115- 116، باب (17) أول وقت العشاء، حديث رقم (512) ، باختلاف يسير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 كان الفيء في الرجل مثله، جاء العصر فقال: يا محمد، قم صل العصر، فصلاها، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاء فقال: قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس، ثم غاب حتى إذا غاب الشفق جاءه فقال: قم فصل العشاء فصلاها، ثم جاء سطع الفجر بالصبح فقال: قم يا محمد فصل الصبح، فصلاها، ثم جاءه حين كان فيء الرجل مثليه، فقال: يا محمد، قم فصل العصر، ثم جاء للمغرب حين غابت الشمس وقتا واحدا لم يغب عنه فقال: قم فصل المغرب، ثم جاءه حين ذهب ثلث الليل فقال: قم فصل العشاء، ثم جاءه للصبح حين ابيض جدا فقال: قم فصل، ثم قال له: الصلاة ما بين الوقتين. وقال سويد بن نصر في حديثه: ما بين هذين وقت كله، قلت: وخرجه الترمذي من حديث أحمد بن محمد بن موسى، أنبأنا عبد اللَّه بن المبارك، أنبأنا حسين بن على، أخبرني وهب بن كيسان عن جابر عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: أمني جبريل.. فذكر الحديث بنحو حديث ابن عباس بمعناه ولم يذكر فيه لوقت العصر بالأمس [ (1) ] . قال أبو عيسى: وقال محمد: أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: وحديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو ابن دينار، وابن الزبير عن جابر بن عبد اللَّه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نحو حديث وهب ابن كيسان عن جابر [ (2) ] . وذكر ابن عبد البر من طريق النسائي: حدثنا يوسف [ (3) ] ، حدثنا قدامة ابن شهاب عن برد عن عطاء بن أبي رباح عن جابر: أن جبريل أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلمه مواقيت الصلاة، فتقدم جبريل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خلفه، والناس خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فصلّى الظهر حين زالت [ (4) ] الشمس، وأتاه حين كان الظل مثل شخصه فصنع كما صنع، فتقدم جبريل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خلفه، والناس خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] سبق شرحه وتخريجه. [ (2) ] سبق الإشارة إليه. [ (3) ] في (خ) : «حدثنا يوسف واصح» . [ (4) ] في (خ) : «زالت الشمس» ، وهو تكرار من الناسخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 فصلّى العصر، ثم أتاه حين وجبت الشمس، فتقدم جبريل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خلفه، والناس خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى المغرب، ثم أتاه حين غاب الشفق، فتقدم جبريل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خلفه، والناس خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى العشاء، ثم أتاه حين انشق الفجر، فتقدم جبريل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خلفه، والناس خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى الغداة، ثم أتاه اليوم الثاني حين كان ظل الرجل مثل شخصه، فصنع مثل ما صنع بالأمس فصلّى الظهر، ثم أتاه جبريل حين كان ظل الرجل مثل شخصيه، فصنع كما صنع بالأمس فصلّى العصر، ثم أتاه حين وجبت الشمس، فصنع كما صنع بالأمس فصلّى المغرب فيها، ثم أتاه فصنع كما صنع بالأمس فصلّى العشاء، فأتاه جبريل حين امتد الفجر واضح والنجوم بادية مشتبكة، فصنع كما صنع بالأمس فصلّى الغداة ثم قال: ما بين هذين وقت [ (1) ] . ورواه أبو الدرداء [ (2) ] عن برد عن عطاء عن جابر مثله سواء، إلا أنه قال في اليوم الثاني في المغرب: ثم جاءه حين وجبت الشمس لوقت واحد فذكره، قال: ثم جاء نحو ثلث الليل للعشاء فذكره، ثم جاء حين أضاء الصبح ولم يقل: والنجوم بادية مشتبكة. وأما حديث أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه [ (3) ] ، فذكره ابن عبد البر من طريق محمد بن سنجر قال: حدثنا سعيد بن الحكم حدثنا ابن لهيعة قال: حدثني بكر [ (4) ] بن [عبد اللَّه] [ (5) ] الأشج عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الساعدي أنه سمع أبا سعيد الخدريّ يقول [ (6) ] : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمني جبريل في الصلاة فصلّى الظهر حين زالت الشمس، وصلّى العصر حين كان الفيء قامة [ (7) ] ، وصلّى المغرب حين غابت الشمس [في وقت واحد، وصل العشاء ثلث الليل، وصلّى الصبح   [ (1) ] (صحيح سنن النسائي) : 1/ 112، (10) آخر وقت العصر، حديث رقم (500) . [ (2) ] في (خ) : «أبو الوراد» ، ولعل الصواب ما أثبتناه. [ (3) ] حديث أبي سعيد الخدريّ، أخرجه الإمام أحمد في مسندة: 3/ 414، حديث رقم (10856) . [ (4) ] في (خ) : «بكير» ، وما أثبتناه من (المسند) . [ (5) ] تكملة من (المسند) . [ (6) ] في (المسند) : «عن أبي سعيد الخدريّ قال» . [ (7) ] في (خ) : «كانت الشمس قائمة» ، وما أثبتناه من (المسند) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 حين كادت الشمس أن تطلع، ثم قال: الصلاة فيما بين هذين الوقتين] [ (1) ] . قال ابن عبد البر: هذا ما في إمامة جبريل بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من صحيح الآثار، قال: واحتج من زعم أن جبريل صلّى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في اليوم الّذي يلي ليلة الإسراء مرة واحدة الصلوات كلها لا مرتين على ظاهر حديث مالك في ذلك، فذكر من طريق أحمد بن زهير قال: حدثنا هدبة بن خالد عن هشام عن قتادة، قال فحدثنا الحسن أنه ذكر له أنه لما كان عند صلاة الظهر نودي أن الصلاة جامعة، ففزع الناس فاجتمعوا إلى نبيهم صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى بهم الظهر أربع ركعات يؤم جبريل عليه السلام محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويؤم محمد الناس، يقتدي محمد بجبريل، ويقتدي الناس بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم سلم جبريل على محمد وسلم محمد على الناس، فلما [زالت] الشمس نودي أن الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم صلّى اللَّه عليه وسلّم، فصلّى بهم العصر أربع ركعات وهي أخف، يؤم جبريل محمدا، ويؤم محمد الناس، يقتدي محمد بجبريل ويقتدي الناس بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم سلم جبريل على محمد، وسلم محمد على الناس، فلما غربت الشمس نودي الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم فصلّى بهم ثلاث ركعات أسمعهم القراءة في ركعتين وسبح في الصلاة الثالثة- يعني به قام لم يظهر القراءة- يؤم جبريل محمدا ويؤم محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس، ويقتدي محمد بجبريل، ويقتدي الناس بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم سلم جبريل على محمد وسلم محمد على الناس، فلما بدت النجوم نودي أن الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم صلّى اللَّه عليه وسلّم، فصلّى بهم أربع ركعات أسمعهم القراءة في ركعتين وسبح في الأخريين، يؤم جبريل محمدا، ويؤم محمد الناس، يقتدي محمد بجبريل، ويقتدي الناس بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم سلم جبريل على محمد وسلم محمد على الناس، ثم رقدوا ولا يدرون أيزادون أم لا؟ حتى إذا طلع الفجر نودي أن الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم صلّى اللَّه عليه وسلّم، فصلّى بهم ركعتين أسمعهم فيها القراءة، يؤم جبريل محمدا، ويؤم   [ (1) ] السياق مضطرب فيما بين الحاصرتين، ورواية (المسند) بعد قوله: «حين غابت الشمس» ، «وصلّى العشاء حين غاب الشفق، وصلّى الفجر حين طلع الفجر، ثم جاء الغد، فصلّى الظهر وفيء كل شيء مثله، وصلّى العصر والظل قامتان، وصلّى المغرب حين غربت الشمس، وصل العشاء إلى ثلث الليل الأول، وصلّى الصبح حين كادت الشمس تطلع، ثم قال: الصلاة فيما بين هذين الوقتين» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 محمد الناس، يقتدي محمد بجبريل ويقتدي الناس بمحمد، ثم سلم جبريل على محمد وسلم محمد على الناس، وصلّى اللَّه على جبريل ومحمد وسلم تسليما كثيرا. ففي هذا الخبر أن جبريل لم يصل الصلوات الخمس بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا مرة واحدة، وهو وإن كان مرسلا فإنه حديث حسن مهذب. واحتجوا أيضا فذكر من طريق أحمد بن زهير وعبيد بن عبد الواحد قالا: حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن عتبة ابن مسلم مولى بني تميم عن نافع بن جبير قال: وكان نافع بن جبير كثير الرواية عن ابن عباس، قال: فلما فرضت الصلاة وأصبح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم .... وذكره عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال نافع ابن جبير وغيره: لما أصبح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من ليلة أسري به لم يرعه إلا جبريل، نزل حين زاغت الشمس، ولذلك سميت الأولى، فأمر فصيح بأصحابه: الصلاة جامعة فاجتمعوا، فصلّى جبريل بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس، طوّل الركعتين الأوليين ثم قصر الباقين، ثم سلم جبريل على النبي وسلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الناس، ثم نزل في العصر على مثل ذلك ففعلوا كما فعلوا في الظهر، ثم نزل في الليل في أوله فصيح الصلاة جامعة، فصلّى جبريل بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس، طول في الأوليين وقصر في الثالثة، ثم سلم جبريل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسلم النبي على الناس، ثم لما ذهب ثلث الليل نزل، فصيح الصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصلّى جبريل بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصلّى النبي بالناس، فقرأ في الأولين فطوّل وجهر، وقصر في الباقيتين، ثم سلم جبريل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الناس، فلما طلع الفجر فصيح الصلاة جامعة، فصلّى جبريل بالنبيّ، وصلّى النبي بالناس، فقرأ فيهما فجهر وطول ورفع صوته، وسلم جبريل بالنبيّ، وصلّى النبي بالناس، فقرأ فيهما فجهر وطول ورفع صوته، وسلم جبريل على النبي، وسلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الناس. قال ابن عبد البر: فقال: من ذكرنا حديث نافع بن جبير هذا مثل حديث الحسن في أن جبريل لم يصل في وقت فرض الصلاة بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلوات الخمس إلا مرة واحدة، وهو ظاهر حديث مالك، والجواب عن ذلك ما تقدم ذكرنا له من الآثار الصحاح المتصلة في إمامة جبريل لوقتين، وقوله: ما بين هذين وقت، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 وفيها زيادة يجب قبولها والعمل بها لنقل العدول لها، وليس تقصير من قصّر عن حفظ ذلك وإتقانه والإتيان به بحجة، وإنما الحجة في شهادة من شهد لا في قول من قصر وأجمل واختصر، على أن هذه الآثار منقطعة، وإنما ذكرناها لما وصفنا، ولأن فيها أن الصلاة فرضت في الحضر أربعا لا ركعتين على خلاف ما زعمت عائشة، وقال بذلك جماعة، وردّوا حديث عائشة رضي اللَّه عنها، وإن كان إسناده صحيحا لضروب من الأعمال، واللَّه سبحانه وتعالى الموفق بمنه وكرمه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 ذكر الجهة [ (1) ] التي كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يستقبلها في صلاته ذكر ابن جريج في تفسيره، وذكر سنينة عن حجاج عن ابن جريج قال: صلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أول ما صلّى إلى الكعبة [ (2) ] ، ثم صرف إلى بيت المقدس [ (3) ] ، فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه صلّى اللَّه عليه وسلّم بثلاث حجج [ (4) ] ، وصلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] الجهة: والجهة، والجهة، بالكسر، والضم، والفتح، والوجه: الجانب والناحية، والجمع جهات، ووجوه، على الترتيب. (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) : 5/ 167. [ (2) ] الكعبة: البيت المربّع، وجمعه كعاب، والكعبة، البيت الحرام، منه، لتكعيبها أي تربيعها، وقالوا: كعبة البيت فأضيف، لأنهم ذهبوا بكعبته إلى تربع أعلاه، وسمّي كعبة لارتفاعه وتربعه، وكل بيت مربع، فهو عند العرب كعبة. (لسان العرب) : 1/ 718، مادة «كعب» ، (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) : 4/ 357. [ (3) ] التقديس: التطهير والتبريك، وتقدّس أي تطهر، وفي التنزيل: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [30/ البقرة] . الزجاج: معنى نقدس لك، أي نطهر أنفسنا لك وكذلك نفعل بمن أطاعك، نقدّسه أي نطهره. ومن هذا قيل للسّطل: القدس، لأنه يتقدّس منه أي تتطهّر، ومن هذا بيت المقدس، أي البيت المطهّر، أي المكان الّذي يتطهّر به من الذنوب. ابن الكلبيّ: القدّوس الطاهر، وقوله تعالى: الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ الطاهر في صفة اللَّه عزّ وجلّ [23/ الحشر] ، وجاء في التفسير أنه المبارك، والقدّوس: هو اللَّه عزّ وجلّ. والقدس: البركة، والأرض المقدسة: الشام منه، وبيت المقدس من ذلك أيضا، ابن الأعرابي: المقدس المبارك، والأرض المقدسة، المطهرة. وقال الفرّاء: الأرض المقدسة الطاهرة، وهي: دمشق، وفلسطين، وبعض الأردن. ويقال: أرض مقدسة أي مباركة، وهو قول قتادة، وإليه ذهب ابن الأعرابي. وروح القدس: جبريل عليه السلام، وفي الحديث: «إن روح القدس نفث في روعي» ، يعني جبريل عليه السلام، لأنه خلق من طهارة. وقال اللَّه عزّ وجلّ في صفة عيسى- على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام-: وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ، وهو جبريل عليه السلام، معناه روح الطهارة، أي خلق من طهارة. وفي الحديث: «لا قدّست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويّها» ، أي لا طهّرت. (لسان العرب) : 6/ 168- 169، مادة «قدس» . [ (4) ] يعني ثلاث سنين، ومنه قوله تعالى: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ [27/ القصص] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 بعد قدومه ستة عشر شهرا، ثم وجهه اللَّه إلى الكعبة [ (1) ] . قال ابن عبد البر: وهذا أمر قد اختلف فيه، وأحسن شيء روى في ذلك فذكر من حديث أبي عوانة عن سليمان عن مجاهد عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي نحو بيت المقدس وهو بمكة، والكعبة بين يديه، وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا، ثم صرفه اللَّه إلى الكعبة [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث عفّان [ (2) ] قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يصلي نحو بيت المقدس، فنزلت قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [ (3) ] ، فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة، فنادى: ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة [ (4) ] . قال أبو عمر بن عبد البر: وروى أن المخبر لهم بما في هذا الحديث هو عباد بن بشر [ (5) ] .   [ (1) ] ونحوهما في (مسند أحمد) بسياقات متقاربة: 1/ 413، حديث رقم (2252) من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا حسين بن علي عن زائدة، عن سماك بن حرب، عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: «صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، ثم صرفت القبلة» . و1/ 576، حديث رقم (3260) بنحوه سواء. و1/ 589، حديث رقم (3353) : من حديث ابن عباس أيضا: «صلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس- قال عبد الصمد: ومن معه- ستة عشر شهرا ثم حولت القبلة بعد، قال عبد الصمد: ثم جعلت القبلة- نحو بيت المقدس» . وقال معاوية- يعني ابن عمرو-: ثم حولت القبلة بعد. [ (2) ] في (خ) : «عنان» ، وما أثبتناه من صحيح مسلم. [ (3) ] آية 44/ البقرة. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 14، حديث رقم (527) . [ (5) ] هو عبّاد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل، الإمام أبو الربيع الأنصاري الأشهلي، أحد البدريين، كان من سادة الأوس، عاش خمسا وأربعين سنة، وهو الّذي أضاءت له عصاته ليلة انقلب إلى منزله من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أسلم على يد مصعب بن عمير، وكان أحد من قتل كعب ابن الأشرف اليهوديّ، واستعمله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على صدقات مزينة وبني سليم، وجعله على حرسه في غزوة تبوك، وكان كبير القدر، رضي اللَّه عنه، أبلى يوم اليمامة بلاء حسنا، وكان أحد الشجعان الموصوفين. ابن إسحاق: عن يحيى بن عباد بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: قالت عائشة: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وعباد بن بشر، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 روى إبراهيم بن حمزة الزبيري قال: حدثني إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد ابن سلمة عن أبيه عن جدته تويلة بنت أسلم [ (1) ] ، وكانت من المبايعات، قالت: كنا في صلاة الظهر فأقبل عباد بن بشر بن قيظي فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد استقبل الكعبة- أو قال: البيت الحرام- فتحول الرجال مكان النساء، وتحول النساء مكان الرجال. وخرج البخاري ومسلم من حديث يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدثني أبو إسحاق قال: سمعت البراء يقول: صلينا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، ثم صرفنا نحو الكعبة. وقال البخاري: ثم صرفه نحو القبلة [ (2) ] . ذكره في التفسير في باب قوله: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ [هُوَ مُوَلِّيها] [ (3) ] .   [ () ] وأسيد بن الحضير، آخى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بينه وبين أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة. وروي بإسناد ضعيف، عن أبي سعيد الخدريّ: سمع عباد بن بشر يقول: رأيت الليلة كأن السماء فرجت لي، ثم أطبقت عليّ، فهي إن شاء اللَّه الشهادة. فنظر يوم اليمامة وهو يصيح. احطموا جفون السيوف. وقاتل حتى قتل بضربات في وجهه. رضي اللَّه عنه. ابن إسحاق: عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن عائشة قالت: تهجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيتي، فسمع صوت عباد بن بشر، فقال: «يا عائشة! هذا صوت عباد ابن بشر؟» قلت: نعم، قال: «اللَّهمّ اغفر له» . لعباد بن بشر حديث واحد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «يا معشر الأنصاري! أنتم الشّعار والناس الدّثار، فلا أوتين من قبلكم» ، قال عليّ بن المديني: لا أحفظ لعباد سواه، وهذا الحديث رجاله ثقات، أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب، وأخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة الطائف حديث رقم (4330) ، ومسلم في الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم، وأحمد 4/ 42، وعندهم جميعا: «الأنصار شعار والناس دثار» . * (طبقات ابن سعد) : 3/ 2/ 16، (التاريخ الصغير) : 36، (الجرح والتعديل) : 6/ 77، (الاستيعاب) : 2/ 801- 804، (الإصابة) : 3/ 611- 612، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 337- 340 . [ (1) ] «ثويلة» ، بالتصغير، بنت أسلم، روي حديثها الطبراني، من طريق إبراهيم بن حمزة الزبيري، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن سلمة، عن أبيه، عن جدته أم أبيه، ثويلة بنت أسلم، وهي من المبايعات، قالت: بينا أنا في بني حارثة، فقال عباد بن بشر بن قيظي: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد استقبل البيت الحرام، فتحول الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال، فصلوا السجدتين الباقيتين نحو الكعبة. وذكر أبو عمر فيه أن الصلاة كانت الظهر، وقيل فيها: تولة بغير تصغير، وقيل: أولها نون. (الإصابة) : 7/ 546، ترجمة رقم (10959) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 220- 221، كتاب التفسير، باب: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، حديث رقم (4492) . [ (3) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 ولمسلم من حديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: صليت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا حتى نزلت الآية التي في البقرة وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [ (1) ] ، فنزلت بعد ما صلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فانطلق رجل [من القوم] [ (2) ] فمر بناس من الأنصار وهم يصلون، فحدثهم [بالحديث] [ (3) ] ، فولوا وجوههم [نحو القبلة، وهو البيت] [ (4) ] وخرج البخاري من حديث زهير، حدثنا أبو إسحاق عن البراء أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده- أو قال: على أخواله- من الأنصار، وأنه صلّى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلّى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلّى معه قوم، فخرج رجل ممن صلّى معه فمر على مسجد فيه قوم راكعون فقال: أشهد باللَّه لقد صليت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكانت   [ (1) ] آية 144/ البقرة. [ (2) ] زيادة من رواية مسلم. [ (3) ] في مسلم: «فحدثهم فولوا» . [ (4) ] ما بين الحاصرتين ليست في مسلم، ورواية مسلم: «فولوا وجوههم قبل البيت» . وفي هذا الحديث- حديث البراء- دليل على جواز النسخ ووقوعه. وفيه قبول خبر الواحد. وفيه جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا من صلّى إلى جهة بالاجتهاد ثم تغير اجتهاده في أثنائها فيستدير إلى الجهة الأخرى حتى لو تغير اجتهاده أربع مرات في الصلاة الواحدة، فصلّى كل ركعة منها إلى جهة صحت صلاته على الأصح، لأن أهل هذا المسجد المذكور في الحديث استداروا في صلاتهم واستقبلوا الكعبة ولم يستأنفوها. وفيه دليل على أن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه، فإن قيل: هذا نسخ للمقطوع به بخبر الواحد، وذلك ممتنع عند أهل الأصول، فالجواب: أنه احتفت به قرائن ومقدمات، أفادت العلم، وخرج عن كونه خبر واحد مجردا، واختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء- رحمهم اللَّه تعالى- في أن استقبال بيت المقدس هل كان ثابتا بالقرآن؟ أم كان باجتهاد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فحكى الماوردي في (الحاوي) وجهين في ذلك لأصحابنا. قال القاضي عياض- رحمه اللَّه تعالى-: الّذي ذهب إليه أكثر العلماء: أنه كان بسنة لا بقرآن، فعلى هذا يكون فيه دليل لقول من قال: إن القرآن ينسخ السنة، وهو قول أكثر الأصوليين المتأخرين، وهو أحد قولي الشافعيّ، رحمه اللَّه تعالى-. والقول الثاني له، وبه قال طائفة: لا يجوز لأن السنة مبينة للكتاب فكيف ينسخها؟ وهؤلاء يقولون: لم يكن استقبال بيت المقدس بسنة، بل كان بوحي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولي وجهه قبل البيت أنكروا ذلك. قال زهير: حدثنا أبو إسحاق في حديثه عن البراء أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا، فلم ندر ما نقول فهيم، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (1) ] ، ذكره في كتاب الإيمان [ (2) ] ،   [ (1) ] آية 144/ البقرة، ورواية البخاري حتى إِيمانَكُمْ. [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 128، كتاب الإيمان، باب (30) ، الصلاة من الإيمان، وقول اللَّه تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ يعني صلاتكم عند البيت، حديث رقم (40) . قوله: «يعني صلاتكم عند البيت» ، وقع التنصيص على هذا التفسير من الوجه الّذي أخرج منه البخاري حديث الباب، فروى الطيالسي والنسائي، من طريق شريك وغيره عن أبي إسحاق عن البراء في الحديث المذكور: «فأنزل اللَّه: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ صلاتكم إلى بيت المقدس» . وعلى هذا فقول البخاري: «عند البيت» مشكل، مع أنه ثابت عنه في جميع الروايات، ولا اختصاص لذلك بكونه عند البيت، وقد قيل إن فيه تصحيفا، والصواب يعني صلاتكم لغير البيت. قال الحافظ ابن حجر: وعندي أنه لا تصحيف فيه، بل هو صواب ومقاصد البخاري في هذه الأمور دقيقة، وبيان ذلك أن العلماء اختلفوا في الجهة التي كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتوجه إليها للصلاة وهو بمكة، فقال ابن عباس وغيره: كان يصلّى إلى بيت المقدس، ولكنه لا يستدبر الكعبة، بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس. وأطلق آخرون: أنه كان يصلي إلى بيت المقدس، وقال آخرون: كان يصلي إلى الكعبة، فلما تحول إلى المدينة استقبل بيت المقدس، وهذا ضعيف، ويلزم منه دعوى النسخ مرتين، والأول أصح، لأنه يجمع بين القولين، وقد صححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس. وكأن البخاري أراد الإشارة إلى الجزم بالأصح، من أن الصلاة لما كانت عند البيت، كانت إلى بيت المقدس، واقتصر على ذلك اكتفاء بالأولوية، لأن صلاتهم إلى غير جهة البيت وهم عند البيت إذا كانت لا تضيع، فأحرى أن لا تضيع إذا بعدوا عنه، فتقدير الكلام: يعني صلاتكم التي صليتموها عند البيت إلى بيت المقدس. قوله: «قبل بيت المقدس» ، بكسر القاف وفتح الموحدة، أي إلى جهة بيت المقدس. قوله: «ستة عشر شهرا أو سبعة عشر» ، كذا وقع الشك في رواية زهير هذه هنا، وفي الصلاة أيضا عن أبي نعيم عنه، وكذا في رواية الثوري عنده، وفي رواية إسرائيل عند البخاري، وعند الترمذي أيضا. ورواه أبو عوانة في صحيحه، عن عمار بن رجاء وغيره عن أبي نعيم فقال: «ستة عشر» من غير شك، وكذا لمسلم من رواية أبي الأحوص، وللنسائي من رواية زكريا بن أبي إسحاق زائدة وشريك، ولأبي عوانة أيضا من رواية عمار بن رزيق- بتقديم الراء مصغرا- كلهم عن أبي إسحاق، وكذا لأحمد بسند صحيح عن ابن عباس. وللبزار والطبراني من حديث عمرو بن عوف «سبعة عشر» ، وكذا للطبراني عن ابن عباس ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85   [ () ] والجمع بين الروايتين سهل بأن يكون من جزم بسنة عشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهرا وألغى الزائد، ومن جزم بسبعة عشر عدّهما معا، ومن شك تردّد في ذلك. وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف، وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح، وبه جزم الجمهور. ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس. وقال ابن حبان: «سبعة عشر شهرا وثلاثة أيام» ، وهو مبني على أن القدوم كان في ثاني عشر شهر ربيع الأول. وشذّت أقوال أخرى: ففي ابن ماجة من طريق أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق في هذا الحديث: «ثمانية عشر شهرا» ، وأبو بكر سيء الحفظ، وقد اضطرب فيه، فعند ابن جرير من طريقه في رواية: «سبعة عشر» ، وفي رواية: «ست عشر» ، وخرّجه بعضهم على قول محمد ابن حبيب أن التحويل كان في نصف شعبان، وهو الّذي ذكره النووي في (الروضة) وأقرّه، مع كونه رجّح في شرحه لمسلم رواية «ستة عشر شهرا» ، لكونها مجزوما بها عند مسلم، ولا يستقيم أن يكون ذلك في شعبان إلا إن ألغي شهري القدوم والتحويل. وقد جزم موسى بن عقبة بأن التحويل كان في جمادى الآخرة، ومن الشذوذ أيضا رواية: «ثلاثة عشر شهرا» ، ورواية: «تسعة أشهر» ، و «عشرة أشهر» ، ورواية: «شهرين» ، ورواية: «سنتين» ، وهذه الأخيرة يمكن حملها على الصواب. وأسانيد الجمع ضعيفة، والاعتماد على القول الأول، فجملة ما حكاه تسع روايات. قوله: «وأنه صلّى أول» ، بالنصب لأنه مفعول صلّى، والعصر كذلك على البداية، وأعربه ابن مالك بالرفع، وفي الكلام مقدر لم يذكر لوضوحه، أي أو صلاة صلاها متوجها إلى الكعبة صلاة العصر. وعند ابن سعد: حولت القبلة في صلاة الظهر أو العصر- على التردد- وساق ذلك من حديث عمارة بن أوس قال: «صلينا إحدى صلاتي العشي» . والتحقيق: أن أول صلاة صلاها في بني سلمة لما مات بشر بن البراء بن معرور الظهر، وأول صلاة صلاها بالمسجد النبوي العصر، وأما الصبح فهو من حديث ابن عمر بأهل قباء، وهل كان ذلك في جمادى الآخرة أو رجب أو شعبان؟ أقوال. قوله: «قبل مكة» ، أي قبل البيت الّذي في مكة، ولهذا قال: «فداروا كما هم قبل البيت» ، و «ما» موصولة، والكاف للمبادرة، وقال الكرماني: للمقارنة، و «ما» مبتدأ وخبره محذوف. قوله: «قد أعجبهم» أي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، (وأهل الكتاب) : هو بالرفع عطفا على اليهود، من عطف العام على الخاص. وقيل: المراد النصارى، لأنهم من أهل الكتاب، وفيه نظر، لأن النصارى لا يصلون لبيت المقدس! فكيف يعجبهم؟ وقال الكرماني: كان إعجابهم بطريق التبعية لليهود. قال الحافظ ابن حجر: وفيه بعد لأنهم أشد الناس عداوة لليهود، ويحتمل أن يكون بالنصب، والواو بمعنى (مع) ، أي يصلي مع أهل الكتاب إلى بيت المقدس، واختلف في صلاته إلى بيت المقدس وهو بمكة. فروى ابن ماجة من طريق أبي بكر بن عياش المذكورة: «صلينا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهرا» ، وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخول المدينة بشهرين» ، وظاهره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86   [ () ] أنه كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس محضا، وحكى الزهري خلافا في أنه هل كان يجعل الكعبة خلف ظهره، أو يجعلها بينه وبين بيت المقدس؟ قال الحافظ ابن حجر: وعلى الأول فكان يجعل الميزاب خلفه، وعلى الثاني كان يصلي بين الركنين اليمانيين،. وزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة بمكة، فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس ثم نسخ، وحمل ابن عبد البر هذا على القول الثاني، ويؤيد حمله على ظاهره إمامة جبريل، ففي بعض طرقه أن ذلك عند باب البيت. قوله: «أنكروا ذلك» ، يعني اليهود، فنزلت: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ وقد صرح البخاري بذلك في روايته عن طريق إسرائيل. قوله: «قال زهير» ، يعني ابن معاوية بالإسناد المذكور بحذف أداة العطف كعادته، ووهم قال إنه معلق، وقد ساقه البخاري في (التفسير) ، مع جملة الحديث، عن أبي نعيم، عن زهير سياقا واحدا. قوله: «أنه مات على القبلة» ، أي قبلة بيت المقدس قبل أن تحوّل «لأجاب، وقتلوا» ، ذكر القتل لم أره إلا في رواية زهير، وباقي الروايات إنما فيها ذكر الموت فقط، وكذلك روى أبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم، صحيحا عن ابن عبّاس، وكذلك والذين ماتوا بعد فرض الصلاة، وقبل تحويل القبلة من المسلمين عشر أنفس: فبمكة من قريش: [1] عبد اللَّه بن شهاب. [2] المطلب ابن أزهر الزهريان. [3] السكران بن عمرو العامري. وبأرض الحبشة منهم: [1] حطاب- بالمهملة- ابن الحارث الجمحيّ. [2] عمرو بن أمية الأسدي. [3] عبد اللَّه بن الحارث السهمي. [4] عروة بن عبد العزى. [5] عدي بن نضلة العدويان. ومن الأنصار بالمدينة: [1] البراء بن معرور (بمهملات) . [2] أسعد بن زرارة، فهؤلاء العشرة متفق عليهم. ومات في المدة أيضا: إياس بن معاذ الأشهلي، لكنه مختلف في إسلامه. قال الحافظ ابن حجر: ولم أجد في شيء من الأخبار أن أحدا من المسلمين قتل قبل تحويل القبلة، لكن لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع، فإن كانت هذه اللفظة محفوظة، فتحمل على أن بعض المسلمين ممن لم يشتهر قتل في تلك المدة في غير الجهاد، ولم يضبط اسمه لقلة الاعتناء بالتأريخ إذ ذاك. ثم وجدت في المغازي ذكر رجل اختلف في إسلامه، وهو سويد بن الصامت، فقد ذكر ابن إسحاق: أنه لقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قبل أن تلقاه الأنصار في العقبة، فعرض عليهم الإسلام فقال: إن هذا القول حسن. وانصرف إلى المدينة فقتل بها في وقعة بعاث- بضم الموحدة وإهمال العين وآخره مثلثة- وكانت قبل الهجرة، قال: فكان قومه يقولون. لقد قتل وهو مسلم، فيحتمل أن يكون هو المراد. وذكر لي بعض الفضلاء: أنه يجوز أن يراد من قتل بمكة من المستضعفين كأبوي عمار، قلت: يحتاج إلى ثبوت أن قتلهما بعد الإسراء. من فوائد هذا الحديث: [1] الرد على المرجئة في إنكارهم تسمية أعمال الدين إيمانا. [2] تغيير بعض الأحكام جائز إذا ظهرت المصلحة في ذلك. [3] بيان شرف المصطفى وكرامته على ربه لإعطائه له ما أحب من غير تصريح بالسؤال. [4] بيان ما كان في الصحابة من الحرص على دينهم والشفقة على إخوانهم، وقد وقع لهم نظير هذه المسألة لما نزل تحريم الخمر، كما صح من حديث البراء أيضا فنزل: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [93/ المائدة] ، وقوله تعالى: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [30/ الكهف] ، ولملاحظة هذا المعنى، عقّب البخاري على هذا الباب بقوله: «باب حسن إسلام المرء» فذكر الدليل على أن المسلم إذا فعل الحسنة أثيب عليها، وهو الحديث رقم (41) من الباب (31) في كتاب (الإيمان) . (فتح الباري) 1/ 128- 133 حديث رقم (40) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 وذكره في التفسير مختصرا [ (1) ] ، وذكره في كتاب الصلاة [ (2) ] ، وفي باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 216، كتاب التفسير، باب (12) ، سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [142/ البقرة] ، حديث رقم (4486) وقال فيه: «السفهاء» : جمع سفيه، وهو خفيف العقل، وأصله من قولهم: ثوب سفيه، أي خفيف النسيخ، واختلف في المراد بالسفهاء، فقال البراء، وابن عباس، ومجاهد: هم اليهود، وأخرج ذلك عنهم الطبري بأسانيد صحيحة، وروي من طريق السدي قال: هم المنافقون، والمراد بالسفهاء الكفار، وأهل النفاق، واليهود. أما الكفّار فقالوا لما حولت القبلة: رجع محمد إلى قبلتنا، وسيرجع إلى ديننا، فإنه علم أنا على الحق. وأما أهل النفاق فقالوا: إن كان أولا على الحق، فالذي انتقل إليه باطل وكذلك بالعكس. وما اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء، ولو كان نبيا لما خالف، فلما كثرت أقاويل هؤلاء السفهاء أنزلت هذه الآيات من قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [106/ البقرة] ، إلى قوله تعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [150/ البقرة] ، من أحاديث الباب أيضا، الأحاديث أرقام: (4490) ، (4491) ، (4492) ، (4493) ، (4494) ، بسياقات مختلفة. [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 661، كتاب الصلاة، باب (31) التوجه نحو القبلة حيث كان، أي حيث وجد الشخص في سفر أو حضر، والمراد بذلك صلاة الفريضة، كما يتبين ذلك في الحديث الثاني من الباب، وهو حديث جابر، وأما حديث تحويل القبلة المذكور في هذا الباب فهو الحديث رقم (399) . [ (3) ] (فتح الباري) : 13/ 287، كتاب أخبار الآحاد، باب (1) : ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان، والصلاة، والصوم، والفرائض، والأحكام، وقول اللَّه تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [122/ التوبة] ، ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [9/ الحجرات] ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 وخرج البخاري ومسلم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر قال: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد أنزل عليه الليلة [ (2) ] وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا [ (3) ] إلى الكعبة، وقال البخاري: فاستداروا إلى القبلة، ذكره في التفسير [ (4) ] وفي كتاب الصلاة [ (4) ] ، وفي باب إجازة خبر الواحد الصدوق [ (4) ] . وقال ابن عبد البر: وأجمع العلماء أن شأن القبلة أول ما نسخ من القرآن، وأجمعوا أن ذلك كان بالمدينة، وأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إنما صرف عن الصلاة إلى بيت المقدس، وأمر إلى الصلاة إلى الكعبة بالمدينة، واختلفوا في صلاته حين فرضت عليه الصلاة بمكة، هل كانت إلى بيت المقدس أو إلى الكعبة؟ فقالت طائفة: كانت صلاته إلى بيت المقدس من حين فرضت عليه الصلاة بمكة إلى أن قدم المدينة، ثم بالمدينة سبعة عشر شهرا أو نحوها حتى صرفه اللَّه إلى الكعبة. ذكر سفيان عن حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يستقبل صخرة بيت المقدس، فأول [ما] [ (5) ] نسخت من القرآن القبلة، ثم الصيام الأول، قال ابن عبد البر: من حجة الذين قالوا: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إنما صلى إلى بيت المقدس بالمدينة، وأنه إنما كان يصلى بمكة إلى الكعبة، فذكر حديث البراء ثم قال: فظاهر هذا الخبر يدل على أنه لما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس لا قبل ذلك، ويدلل [ (6) ] على ذلك أيضا، فذكر من حديث عبد اللَّه بن صالح، حدثنا   [ () ] فلو اقتتل رجلان دخلا في معنى الآية، وقوله تعالى: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [6/ الحجرات] ، وكيف بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أمراءه واحدا بعد واحد، فإن سها أحد منهم ردّ إلى السنة، حديث رقم (7251) ، حديث رقم (7252) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 13، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، (2) باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة، حديث رقم (526) ، ونحوه حديث رقم (527) . [ (2) ] في (خ) : «الليل» ، والتصويب من المرجع السابق. [ (3) ] في (خ) : «فاستداروها» ، والتصويب من المرجع السابق. [ (4) ] سبق الإشارة إليهم. [ (5) ] زيادة للسياق، وفي (خ) «فأول أنه» ، وهو خطأ من الناسخ. [ (6) ] في (خ) «ويدل» ولعل الصواب ما أثبتناه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أول ما نسخ اللَّه من القرآن القبلة، وذلك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود، أمره اللَّه أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود، فاستقبلها بضعة عشر شهرا، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يحب قبلة إبراهيم، وكان يدعو اللَّه وينظر إلى السماء، فأنزل اللَّه: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [ (1) ]- يعني نحوه- فارتاب اليهود من ذلك وقالوا: ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها [ (2) ] ؟ فأنزل اللَّه: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [ (2) ] ، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [ (1) ] ، وقال: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ [ (3) ] يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ [ (4) ] ، قال ابن عباس: ليميز أهل اليقين من أهل الشك، قال ابن عبد البر: ففي قول ابن عباس هذا من الفقه: أن الصلاة لم ينسخ منها شيء قبل القبلة، وفيه أنه كان يصلي بمكة إلى الكعبة، وهو ظاهره أنه لم يصل إلى بيت المقدس إلا بالمدينة وهو محتمل غيره [ (5) ] .   [ (1) ] سورة البقرة، آية/ 144. [ (2) ] سورة البقرة، آية/ 142. [ (3) ] في (خ) «ممن» . [ (4) ] سورة البقرة، آية/ 143. [ (5) ] قال ابن أبي حاتم بعد رواية الأثر المتقدم عن ابن عباس في نسخ القبلة، عن عطاء عنه: وروي عن أبي العالية، والحسن، وعطاء الخراسانىّ، وعكرمة، وقتادة، والسدي، وزيد بن أسلّم نحو ذلك. وقال ابن جرير، وقال آخرون: بل أنزل اللَّه هذه الآية قبل أن يفرض التوجه إلى الكعبة، وإنما أنزلها ليعلم نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه أن لهم التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب، لأنهم لا يوجهون وجوههم وجها من ذلك وناحية إلا كان جلّ ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية، لأن له تعالى المشارق والمغارب، وإنه لا يخلو منه مكان، كما قال تعالى: وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا [7/ المجادلة] . قالوا: ثم نسخ ذلك بالفرض الّذي فرض عليهم، التوجه إلى المسجد الحرام، هكذا قال، وفي قوله: وأنه تعالى لا يخلو منه مكان: إن أراد علمه تعالى فصحيح، فإن علمه تعالى محيط بجميع المعلومات، وأما ذاته تعالى فلا تكون محصورة في شيء من خلقه، تعالى اللَّه عن ذلك علوا كبيرا. قال ابن جرير: وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذنا من اللَّه أن يصلي المتطوع حيث توجه من شرق أو غرب، في مسيره في سفره، وفي حال المسايفة، وشدة الخوف، حدثنا أبو كريب، أخبرنا ابن إدريس، حدثنا عبد الملك- هو ابن أبي سليمان- عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته، ويذكر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يفعل ذلك ويتأول هذه الآية: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90   [ () ] ورواه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق، عن عبد اللَّه بن أبي سليمان به، وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر، وعامر بن ربيعة من غير ذكر الآية. وفي صحيح البخاري من حديث نافع عن ابن عمر، أنه كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها، ثم قال: «فإن كان خوف أشدّ من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم، وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها» . قال نافع: ولا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وقد روى من طريق آخر عن جابر، فقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الآية: أخبرنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل، أخبرنا الحسن بن علي بن شبيب، حدثني أحمد بن عبد اللَّه بن الحسن، قال: وجدت في كتاب أبي: أخبرنا عبد الملك العزرمي، عن عطاء، عن جابر قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة، فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة هي ها هنا قبل الشمال، فصلوا وخطوا خطوطا، فلما أصبحوا وطلعت الشمس، أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فسكت، وأنزل اللَّه تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. ثم رواه من حديث محمد بن عبيد اللَّه العزرمي عن عطاء، عن جابر به، وقال الدار الدّارقطنيّ: قرئ على عبد اللَّه بن عبد العزيز وأنا أسمع: حدثكم داود بن عمر، وأخبرنا محمد بن يزيد الواسطي، عن محمد بن سالم، عن عطاء، عن جابر، قال: كنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في مسير فأصابنا غيم، فتحيرنا، فاختلفنا في القبلة، فصلى كل رجل منا على حدة، وجعل أحدنا يخط بين يديه، لنعلم أمكنتنا، فذكرنا ذلك للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، فلم يأمرنا بالإعادة وقال: «قد أجازت صلاتكم» ، ثم قال الدار الدّارقطنيّ: كذا قال عن محمد بن سالم. وقال غيره: عن محمد بن عبد اللَّه العزرمي، عن عطاء، وهما ضعيفان. ورواه ابن مردويه أيضا، من حديث الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعث سرية فأخذتهم ضبابة، فلم يهتدوا إلى القبلة، فصلوا لغير القبلة، ثم استبان لهم بعد ما طلعت الشمس، أنهم صلوا لغير القبلة، فلما جاءوا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حدّثوه، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. وهذه الأسانيد فيها ضعف، ولعله يشد بعضها بعضا. وأما إعادة الصلاة لمن تبين خطؤه ففيها قولان للعلماء، وهذه دلائل على عدم القضاء واللَّه أعلم. قال ابن جرير: وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في سبب النجاشي، كما حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن قتادة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «إن أخا لكم قد مات فصلوا عليه» . قالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم؟ قال: فنزلت: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ، قال قتادة: فقالوا: إنه كان لا يصلي إلى القبلة، فأنزل اللَّه: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ، وهذا غريب واللَّه تعالى أعلم. وقيل إنه كان يصلي إلى بيت المقدس قبل أن يبلغه الناسخ إلى الكعبة، كما حكاه القرطبي عن قتادة، وذكر القرطبي: أنه لما مات صلى عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأخذ بذلك من ذهب إلى الصلاة على الغائب، قال: وهذا خاص عند أصحابنا من ثلاثة أوجه: [أحدها] : أنه صلى اللَّه عليه وسلّم شاهده حين سوى عليه طويت له الأرض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 وقال أبو إسحاق الحربي: ثم قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة في ربيع الأول فصلى إلى بيت المقدس تمام سنة إحدى عشرة أشهر، وصلى من سنة ثنتين ستة أشهر ثم حولت القبلة في رجب.   [ () ] [الثاني] : أنه لما لم يكن عنده من يصلي عليه، صلى عليه، واختاره ابن العربيّ، قال القرطبي: ويبعد أن يكون ملك مسلم ليس عنده أحد من قومه على دينه، وقد أجاب ابن العربيّ عن هذا، لم يكن عندهم شرعية الصلاة على الميت، وهذا جواب جيد. [الثالث] : أنه عليه الصلاة والسلام إنما صلى عليه ليكون ذلك كالتأليف لبقية الملوك. واللَّه تعالى أعلم. وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الآية، من حديث أبي معشر، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «ما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المدينة وأهل الشام وأهل العراق» ، وله مناسبة ها هنا. وقد أخرجه الترمذي وابن ماجة من حديث أبي معشر- واسمه نجيح بن عبد الرحمن السدي المدني- به: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» . وقال الترمذي: وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة، وتكلم بعض أهل العلم في أبي معشر قبل حفظه، ثم قال الترمذي: حدثني الحسن بن بكر المروزي، أخبرنا المعلى بن منصور، أخبرنا عبد اللَّه ابن جعفر المخزومي عن عثمان بن محمد بن المغيرة الأخنس، عن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» ، ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وحكى عن البخاري، أنه قال: هذا أقوى من حديث أبي معشر وأصح، قال الترمذي: وقد روى عن غير واحد من الصحابة: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» ، منهم: عمر ابن الخطاب، وعلي، وابن عباس، رضي اللَّه عنهم أجمعين. وقال ابن عمر: إذا جعلت المغرب عن يمينك، والمشرق عن يسارك، فما بينهما قبلة، إذا استقبلت القبلة» ، ثم قال ابن مردويه: حدثنا على بن أحمد بن عبد الرحمن، أخبرنا يعقوب بن يوسف مولى بني هاشم، أخبرنا شعيب بن أيوب، أخبرنا ابن نمير عن عبد اللَّه بن عمر، عن نافع عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» . وقد رواه الدار الدّارقطنيّ والبيهقي، وقال: المشهور عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قوله: قال ابن جرير: ويحتمل فأينما تولوا وجوهكم في دعائكم لي، فهنالك وجهي أستجيب لكم دعاءكم، كما حدثنا القاسم، أخبرنا الحسين، حدثني حجاج قال: قال ابن جريج: قال مجاهد: لما نزلت ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، قالوا: إلى أين؟ فنزلت: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ، قال ابن جرير: ومعنى قوله: إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ يسع خلقه كلهم بالكفاية والجود والإفضال، وأما قوله: عَلِيمٌ فإنه يعني عليم بأعمالهم ما يغيب عنه منها شيء، ولا يعزب عن علمه، بل هو بجميعها عليم. (تفسير ابن كثير) : 1/ 162- 165. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 وقال موسى بن عقبة وإبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن ابن عبد الرحمن ابن عبد اللَّه بن كعب بن مالك أن القبلة صرفت في جمادى. وقال الواقدي: إنما صرفت صلاة العصر يوم الثلاثاء في النصف من شعبان. وذكر أبو بكر أحمد بن علي الرازيّ الحنفي في كتاب أحكام القرآن [ (1) ] : أن من الناس من يقول: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان مخيّرا في أن يصلي إلى حيث شاء، وإنما كان توجهه إلى بيت المقدس على وجه الاختيار لا على وجه الإيجاب حتى أمر بالتوجه إلى الكعبة، وكان قوله تعالى: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [ (2) ] في وقت التخيير قبل الأمر بالتوجه إلى الكعبة، واللَّه الموفق. ***   [ (1) ] «أن نفرا قصدوا الرسول عليه الصلاة والسلام من المدينة إلى مكة للبيعة قبل الهجرة، وكان فيهم البراء ابن معرور، فتوجه بصلاته إلى الكعبة في طريقه، وأبي الآخرون وقالوا: إنه عليه السلام يتوجه إلى بيت المقدس، فلما قدموا مكة سألوا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال له: قد كنت على قبلة- يعني بيت المقدس- لو ثبت عليها أجزأك، ولم يأمره باستئناف الصلاة، فدلّ على أنهم قد كانوا مخيرين» (التفسير الكبير للفخر الرازيّ) ج 4 ص 111. [ (2) ] 115/ البقرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 ذكر من قرن برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الملائكة خرج الإمام أحمد من حديث ابن عدي عن داود عن عامر الشعبي: نزلت عليه صلى اللَّه عليه وسلّم النبوة وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، وكان يعلمه الكلمة والشيء. لم ينزل [من] [ (1) ] القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه السلام، فنزل القرآن على لسانه [عشرين، عشرا بمكة وعشرا بالمدينة] [ (1) ] . ولحديث ابن سعد من حديث وهيب بن خالد عن داود بن أبي هند عن عامر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، وكان معه إسرافيل عليه السلام ثلاث سنين قرن بنبوته ثم عزل عنه إسرافيل عليه السلام، وقرن به أيضا جبريل عليه السلام بمكة عشر سنين مهاجره بالمدينة، قال ابن سعد: فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر فقال: ليس يعرف أهل العلم ببلدنا أن إسرافيل قرن برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وأن علماءهم وأهل السير منهم يقولون: لم يقرن به صلى اللَّه عليه وسلّم غير جبريل صلوات اللَّه وسلامه عليه من حيث أنزل عليه صلى اللَّه عليه وسلّم الوحي إلى أن قبض صلى اللَّه عليه وسلّم، وصحح الحاكم ذلك، واللَّه سبحانه الموفق بمنه. ***   [ (1) ] زيادة من (دلائل النبوة للبيهقي) ج 1 ص 391. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 فصل في ذكر الفضائل التي خصّ اللَّه تعالى بها نبيّه ورسوله محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم وشرفه بها على جميع الأنبياء اعلم أن اللَّه تعالى فضّل رسوله محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم بفضائل عديدة ميّزه بها وشرّفه على من عداه من الأنبياء عليهم السلام، فجعله رحمة للعالمين، ولم يخاطبه باسمه وإنما خاطبه بالنّبوّة والرسالة التي لا أجلّ منها ولا أعظم، ونهى تعالى الأمة أن يخاطبوه باسمه، ودفع عنه ما قذفه به المشركون، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولم يذكر له ذنبا ولا زلة، وأخذ الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا به إن أدركوه، وأمر الناس أن يتأسوا به فعلا وقولا، وفرض طاعته على الكافة، وقرن اسمه تعالى باسمه، وقدم نبوته قبل خلق آدم عليه السلام، ونوه باسمه من عهد آدم، وشرّف أصله، وكرّم حسبه ونسبه، وطيب مولده، وسماه بخير الأسماء، وأقسم بحياته، وأفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء، فآدم ومن دونه تحت لوائه، وخصّه بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر وبالحوض المورود، وجعله أعظم الأنبياء تبعا، وأعطاه خمسا لم يعطهن أحدا قبله، وبعث بجوامع الكلم، وأولى مفاتيح خزائن الأرض، وأمدّه اللَّه بالملائكة حتى قاتلت معه، وختم به الأنبياء، وجعل أمته خير الأمم، وذكره في كتب الأنبياء وصحفهم، وأنطق العلماء بالبشارة به حتى كانت بعثته صلى اللَّه عليه وسلّم تنتظرها الأمم، وسمع الأخبار بنبوته صلى اللَّه عليه وسلّم من هواتف الجن ومن أجواف الأصنام ومن رجز الكهان، صلى اللَّه تعالى عليه وعلى جميع الأنبياء وعظّم وكرّم. *** الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 فأما أنه صلى اللَّه عليه وسلّم رحمة للعالمين فقد قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (1) ] ، وذلك أن أعداءه أمنوا من العذاب مدة حياته، قال تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [ (2) ] ، فلم يعذبهم اللَّه تعالى حتى ذهب عنهم إلى ربه، فأنزل بهم ما أوعدهم من قبل وأشد، وذلك قوله تعالى: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ [ (3) ] . خرج الحرث بن أبي أسامة من حديث على بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: بعثني اللَّه رحمة وهدى للعالمين، وهو هدي الدعاء والبيان. ورواه محمد بن إسحاق من حديث الفرح بن فضالة عن علي بن يزيد به ولفظه: إن اللَّه بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين، وهو هدى التعريف والاستهداء. وقال يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قيل يا رسول اللَّه، ألا تدعو على المشركين؟ قال: إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا، فإن قيل: كيف يكون رحمة للعالمين وقد أنزل بمن عاداه الذل والصّغار، فحطّم بعد الرفعة، وأهانهم بعد المنعة، وصيرهم بعد الملك إلى الهلك، بأن حوى أموالهم، وسبى حريمهم، وملك معاقلهم، وقتل حماتهم، ثم إن أصحابه من بعده دوخوا ممالك الأرض بدعوته، فاجتاحوا العرب من بني حنيفة وغيرهم عند ارتدادهم عن ملته، ومزقوا ملك كسرى وملك فارس، وأذلوا الفرس، وشردوا قيصر ملك الروم عن الشام والجزيرة، وقتلوا الروم والفرس أبرح قتل، وغلبوا قبط مصر وجبروهم أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون بعد ما ملكوا ديارهم وأموالهم   [ (1) ] الأنبياء: 107. [ (2) ] الأنفال: 33. [ (3) ] الزخرف: 41. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 بمصر، وأزاحوا البربر عن بلاد المغرب وانتزعوها منهم ومن القوط الجلالقة، فلم يتركوا نوعا من أنواع العذاب حتى أحلّوه بمن ذكرنا من الأمم، وهم سكان البسيطة ومعظم الخليقة من البشر؟. قلنا: هذا اعتراض من لم ترض نفسه بالحكمة، حتى غفل عن ترتيب حكمة الباري تعالى في مصنوعاته، ولم يعلم ما تعطيه حقائق الأشياء، وذلك أن المحالّ إنما تقبل على قدر الاستعداد المهيأ فيها، وبيان ذلك أن اللَّه تعالى وصف كتابه العزيز بأنه هدى للناس، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ [ (1) ] ، وهذا عام مطّرد باعتبار القوة والصلاحية، أي في قوته وصلاحيته أن يهدي جميع الناس، وهو عام مخصوص بمن لم يهتد باعتبار الفعل، إذ كثير من الناس لم يهتد به، ثم وصف تعالى كتابه بوصفين متضادين في وروده على الناس بحسب قبول قلوبهم له على قدر استعدادها، قال تعالى: وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً* فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ [ (2) ] ، وقال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [ (3) ] ، وقال تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [ (4) ] ، فانظر- أعزك اللَّه- كيف كانت عين القرآن واحدة، وأثره في قلوب الناس مختلف، فيزيد المؤمن به إيمانا على إيمانه، ويزداد به الكافر كفرا على كفره حتى يموت كافرا، وانظر كيف تكون شفاء ورحمة لقوم وخسارا لآخرين، وكيف يهتدي به قوم ويكون عمى على قوم؟، وذلك بحسب ما أعطاه اللَّه من الاستعداد والمهيأ للقبول، وقد كشف لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قناع هذا المعنى ببليغ بيانه: فخرج البخاري [ (5) ] ..   [ (1) ] البقرة: 185. [ (2) ] التوبة: 124، 125. [ (3) ] الإسراء: 82. [ (4) ] فصلت: 44. [ (5) ] (فتح الباري) : 1/ 232، كتاب العلم، باب (20) فضل من علم وعلّم، حديث رقم (79) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 ومسلم [ (1) ] ...   [ (1) ] قال المقريزي- رحمه اللَّه- بعد أن ساق هذا الحديث: «اللفظ لمسلم» ، ولفظ مسلم: «حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو عامر الأشعري، ومحمد بن العلاء [واللفظ لأبي عامر] ، قالوا: حدثنا أبو أسامة، عن بريد عن أبي بردة، عن أبي موسى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إن مثل ما بعثني به اللَّه عزّ وجلّ من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلا والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع اللَّه بها الناس فشربوا منها، وسقوا، ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين اللَّه، ونفعه بما بعثني اللَّه به، فعلم، وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى اللَّه الّذي أرسلت به» . (مسلم بشرح النووي) : 16/ 51- 53، كتاب الفضائل، باب (5) ، بيان مثل ما بعث به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الهدى والعلم، حديث رقم (2282) . أما الغيث فهو المطر، وأما العشب والكلأ والحشيش، فكلها أسماء للنبات لكن الحشيش مختص باليابس والرطب. وقال الخطابي وابن فارس: الكلأ يقع على اليابس، وهذا شاذ ضعيف. وأما الأجادب- فبالجيم والدال المهملة- وهي الأرض التي تنبت كلأ. وقال الخطابي هي الأرض التي تمسك الماء، فلا يسرع فيه النضوب. قال ابن بطال، وصاحب المطالع، وآخرون: هو جمع جدب، على غير قياس، كما قالوا في حسن: جمعه محاسن، والقياس: أن محاسن جمع محسن، وكذا قالوا: مشابه جمع شبه، وقياسه: أن يكون جمع مشبه، قال الخطابي: وقال بعضهم: أحادب- بالحاء المهملة والدال- قال: وليس بشيء. قال: وقال بعضهم: أجارد- بالجيم والراء والدال-. قال: وهو صحيح المعنى. قال الأصمعي: الأجارد من الأرض ما لا ينبت الكلأ، معناه: أنها جرداء هزرة، لا يسترها النبات، قال: وقال بعضهم: إنما هي أخاذات- بالخاء والذال المعجمتين وبالألف- وهو جمع أخاذة، وهي الغدير الّذي يمسك الماء. وذكر صاحب (المطالع) هذه الأوجه التي ذكرها الخطابي، فجعلها روايات منقولة. وقال القاضي في (الشرح) : لم يرد هذا الحرف في مسلم ولا في غيره، إلا بالدال المهملة من الجدب، الّذي هو ضد الخصب. قال: وعليه شرح الشارحون. وأما القيعان فبكسر القاف- جمع القاع، وهو الأرض المستوية، وقيل: الملساء، وقيل: التي لا نبات فيها، وهذا هو المراد في هذا الحديث، كما شرح به صلى اللَّه عليه وسلّم، ويجمع أيضا على أقوع، وأقواع، والقيعة- بكسر القاف- بمعنى القاع. قال الأصمعي: قاعة الدار: ساحتها. وأما الفقه في اللغة فهو الفهم. يقال منه: فقه- بكسر القاف- يفقه فقها، بفتحها كفرح يفرح فرحا، وقيل: المصدر فقها- بإسكان القاف- وأما الفقه الشرعي، فقال صاحب (العين) ، والهروي، وغيرهما: يقال منه فقه- بضم القاف- وقال ابن دريد: بكسرها كالأول. والمراد بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فقه في دين اللَّه» ، هذا الثاني، فيكون مضموم القاف على المشهور، وعلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98   [ () ] قول ابن دريد بكسرها، وقد روى بالوجهين، والمشهور الضم. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء» ، فهكذا هو في جميع نسخ مسلم «طائفة طيبة» . ووقع في البخاري: «فكانت منه نقية قبلت الماء» - بنون مفتوحة ثم قاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مشددة- وهو بمعنى طيبة، هذا هو المشهور في روايات البخاري. ورواه الخطابي وغيره: «ثغبة» - بالثاء المثلثة والغين المعجمة والباء الموحدة- قال الخطابي: وهو مستنقع الماء في الجبال والصخور، وهو الثغب أيضا، وجمعه ثغبان. قال القاضي وصاحب (المطالع) : هذه الرواية غلط من الناقلين وتصحيف، وإحالة للمعنى، لأنه إنما جعلت هذه الطائفة الأولى مثلا لما ينبت، والثغبة لا تنبت. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وسقوا» فقال أهل اللغة: سقى وأسقى: بمعنى لغتان، وقيل: سقاه: ناوله ليشرب، وأسقاه: جعل له سقيا. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «ورعوا» فهو بالراء من الرعي، هكذا هو في جميع نسخ مسلم، ووقع في البخاري «وزرعوا» ، وكلاهما صحيح، واللَّه تعالى أعلم. أما معاني الحديث ومقصوده: فهو تمثيل الهدى الّذي جاء به صلى اللَّه عليه وسلّم بالغيث، ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع، وكذلك الناس: فالنوع الأول، من الأرض ينتفع بالمطر، فيحيي بعد أن كان ميتا وينبت الكلأ، فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها، وكذا النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم، فيحفظه، فيحيا قلبه، ويعمل به، ويعلمه غيره، فينفع وينفع. والنوع الثاني، من الأرض ما لا تقبل الانتفاع في نفسها، لكن فيها فائدة، وهي إمساك الماء لغيرها، فينتفع بها الناس والدواب، وكذا النوع الثاني من الناس، لهم قلوب حافظة، لكن ليست لهم أفهام ثاقبة، ولا رسوخ لهم في العقل، يستنبطون به المعاني والأحكام، وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به، فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج، متعطش لما عندهم من العلم، أهل للنفع والانتفاع، فيأخذه منهم، فينتفع به، فهؤلاء نفعوا بما بلغهم. والنوع الثالث، من الأرض السباخ، التي لا تنبت، ونحوها، فهي لا تنتفع بالماء، ولا تمسكه لينتفع بها غيرها، وكذا النوع الثالث من الناس، ليست لهم قلوب حافظة، ولا أفهام واعية، فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به، ولا يحفظونه لنفع غيرهم، واللَّه تعالى أعلم. وفي هذا الحديث أنواع من العلم، منها: [1] ضرب الأمثال. [2] فضل العلم والتعليم. [3] شدة الحث عليهما. [4] ذم الإعراض من العلم. واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 والنّسائي [ (1) ] من حديث سويد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أن مثل ما بعثني اللَّه به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب فمسكت الماء فنفع اللَّه بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلا، فذلك مثل من فقه معاني دين اللَّه ونفعه بما بعثني به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى اللَّه الّذي أرسلت به. اللفظ لمسلم، ذكره في كتاب المناقب، وذكره البخاري في كتاب العلم وقال فيه: كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء، وقال فيه: فشربوا وسقوا وزرعوا، وقال فيه: ونفعه بما بعثني اللَّه، وقال بعده: قال إسحاق: وكان منها طائفة قبلت الماء قاع يعلوه الماء.   [ (1) ] لم أجده في (النسائي) بهذه السياقة، لكن أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي موسى الأشعري، ضمن حديث طويل أوله: عبد اللَّه حدثني أبي، حدثني عبد اللَّه بن محمد- وسمعته أنا من عبد اللَّه بن محمد- حدثنا أبو أسامة، عن بريد بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: «ولد لي غلام، فأتيت به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة، وقال: احترق بيت بالمدينة على أهله، فحدث النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بشأنهم فقال: إنما هذه النار عدوّ لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم، قال: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا، وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن مثل ما بعثني اللَّه عزّ وجلّ به من الهدى والعلم ... » وساق الحديث بنحو سياقه البخاري ومسلم. (مسند أحمد) : 5/ 544، حديث رقم (19076) . قال القرطبي وغيره: ضرب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لما جاء به من الدين، مثلا بالغيث العام الّذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه صلى اللَّه عليه وسلّم، فكما أن الغيث يحي البلد الميت، فكذا علوم الدين تحيي القلب الميّت، ثم شبّه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث، فمنهم العالم العامل المعلم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة، شربت فانتفعت في نفسها، وأنبتت فنفعت غيرها. ومنهم الجامع للعلم، المستغرق لزمانه فيه، غير أنه لم يعمل بنوافله، أو لم يتفقه فيما جمع، لكنه أدّاه لغيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع به الناس. ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه، ولا يعمل به، ولا ينقله لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها. وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المجودتين، لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفراد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها. (الأمثال في الحديث النبوي) : 378- 379، حديث رقم (326) والتعليق عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 فانظر ما أبلغ هذا المثال النبوي وأبينه لما نحن بصدده، فهذه عين الماء الّذي نزل من السماء واحدة، وأثره في الأرض مختلف على قدر ما أعطاها الحكيم الخبير سبحانه من الاستعداد، وهيأ فيها من القبول حتى قبلت [كل] [ (1) ] قطعة منها الماء بحسب استعدادها، فأنبتت الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات التي يفضل بعضها على بعض في الأكل، وقبلت قطعة أخرى من الأرض ذلك الماء بعينه، فأنبتت بحسب استعدادها كلأ وعشبا ترعاه الأنعام، وفقدت قطعة أخرى هذا الاستعداد المهيئ لقبول الإنبات، فأمسكت الماء ولم تغيره عن أصله لطيبها حتى استقى منه الناس فشربوا وحملوا وسقوا أنعامهم، وكانت قطعة أخرى من الأرض لم يجعل اللَّه تعالى فيها من الاستعداد لقبول الإنبات شيئا، وسلبها مع ذلك الطيب والاعتدال، حتى انحرفت عنه فلم تخرج نبتا ولا أمسكت ماء، بل أحالته لخبثها أجاجا وملحا لا ينتفع به، فكما اختلفت الأرض في الاستعداد واختلفت في القبول، وهكذا نفوس الناس لما اختلفت في الاستعداد لقبول الخير والهدى، اختلفت في قبوله، وعين الهدى واحدة، ولكن أثره في نفوس الناس مختلف، فواحد قبل هدى اللَّه الّذي جاء به نبيه محمد صلى اللَّه عليه وسلّم حال ما جاء به من غير أن يدعى إليه ولا طلب منه دليلا عليه كخديجة بنت خويلد، وأبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وزيد الحبّ، رضي اللَّه عنهم، وذلك بحسب قوة استعدادهم لقبول الهدى، وقد عبّر عن هذا الاستعداد في اصطلاح القرآن بالهداية، ويقال له التوفيق أيضا، وإليه الإشارة بقوله تعالى: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ [ (2) ] ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ [ (3) ] ، أي والذين اهتدوا يعني قبلوا الهداية العامة الإيمانية بقابليتهم الأصلية، وأقبلوا بكلية مواطنهم إليها، زادهم اللَّه هدى بما أدركهم من عناية مدد الحضرة الرحمانية بالهداية الخاصة من مقام الإحسان، وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ يعني أعطاهم تقوى نفوسهم بأن جعلوا حكم توحيدهم الباطن في قلوبهم وقاية تصون أنفسهم عن التلبس من أحشاء الانحرافات المبعدة لهم عن جناب   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] الحجرات: 7. [ (3) ] محمد: 17. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 موجدهم تقدّس وتعالى. وآخرون آتاهم اللَّه تعالى من هذا الاستعداد دون ما أتى من ذكرنا، فاحتاجوا إلى أن يدعوا إلى اللَّه ويدلّوا على الطريق إليه، وهم الذين دخلوا في دين الإسلام من المهاجرين والأنصار، وقصر هذا الاستعداد في قلوب آخرين حتى احتاجوا في دخولهم في الإيمان إلى أن أظهر لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من آياته ومعجزاته ما قادهم إلى الإيمان به طوعا، وانحط فريق عن هذه الرتب لضعف الاستعداد عندهم لقبول الهدى، فلم يدخلوا فيه إلا كرها من تحت السيف، كمسلمة الفتح الذين قيل لهم: «الطلقاء» [ (1) ] . وعدمت طوائف من الناس هذا الاستعداد جملة فشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى وعاندوا الحق بعد ما وضح، وصدّوا عن سبيل اللَّه من آمن به، وبذلوا جهدهم في إطفاء نور اللَّه- رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم- حتى ماتوا وهم كافرون من أجل أنه لم يكن فيهم من الاستعداد المهيء لقبول الهدى شيء، قلّ ولا جلّ، بل كانوا في ورود الهدى عليهم بمنزلة الأرض الخبيثة التي أحاطت ماء الغيث العذب الطهور إلى السباخ الرديء، وبمنزلة من به آفة في معدته من خلط رديء، [فأحالت] [ (2) ] أطيب المآكل وأنفعها سما مهلكا وداء عياء. وانظر- رحمك اللَّه- إلى الآية الواحدة من كتاب اللَّه تعالى فإنّها ترد على الأسماع، فواحد يفهم أمرا واحدا، وآخر لا يفهم منها ذلك الأمر بل يفهم أمرا آخر، وآخر يفهم منها أمورا كثيرة، ولهذا يستشهد كل واحد من الناظرين فيها بها، فالآية واحدة العين، والسامعون لها مختلفون في القبول، وذلك لاختلاف استعداد أفهامهم فيها. واوع سمعك أمثالا أفصّلها مما قد ألفته من المحسوسات: منها أن الشمس تبسط أنوارها على الموجودات كلها فتقبل المحال ذلك النور على قدر الاستعداد، فالجسم   [ (1) ] إشارة إلى قوله صلى اللَّه عليه وسلّم يوم الفتح: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» . [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 المبرود يسخن بها فيتلذذ بذلك، والجسم المحرور يزيد في كمية حرارته فيتألم بها، فالنور واحد لهما، وكل واحد منهما يتألم بما به ينعم الآخر بعينه، فلو كان النور لإعطائه حقيقة واحدة، وإنما ذلك لاستعداد القابل. وهكذا تجد الشمس تسوّد وجه القصّار [ (1) ] وتبيض الثوب الّذي يقصره، فإن استعداد الثوب تعطي الشمس فيه التبييض، ووجه القصّار تعطي الشمس فيه التسويد، وكذلك ترى الشمس تذيب الشمع والشحم، وتجفف الطين والثوب المبلول، فإن استعداد كل واحد من هذه المذكورات تعطيه الشمس بحسب قبوله، ومن ذلك الهواء، إذا هبّ فإنه في هبوبه يطفئ السراج ويشعل النار في الحطب ونحوه مما من شأنه أن يقبل الاشتعال، وهكذا نفخك يطفئ السراج ويشعل النار في الحطب، وربما كان ذلك بنفخة واحدة، وذلك أن اختلافهما في الاستعداد يوجب اختلافهما في القبول، والهواء واحد في عينه، ومن هذا القبيل العطايا الإلهية، قال تعالى: وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [ (2) ] أي ممنوعا، فهو سبحانه معط على الدوام، والمحالّ تقبل على قدر ما أعطاها اللَّه تعالى من الاستعدادات، فإذا فهمت هذا علمت أن عطاء اللَّه تعالى ليس بممنوع، إلا أنك تحب أن يعطيك مالا يقبله استعدادك، وتنسب المنع إليه- سبحانه- فيما طلب منه، ولا تجعل ما لك من الاستعداد وتقول: إن اللَّه تعالى على كل شيء قدير، وتصدق في ذلك، ولكنك تغفل عن ترتيب الحكمة الإلهية وما تعطيه حقائق الأشياء والكل من عند اللَّه، فمنعه عطاء، وعطاؤه منع، ولكن بقي أن تعلم بكذا أو من كذا. وإذا تدبرت هذه الأمثلة انجلت لك شبهة ما أورده أهل الزيغ والإلحاد على عموم أن رسالة محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم رحمة للعالمين، واللَّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. قال أبو عبد اللَّه محمد بن علي المعروف بالحكيم الترمذي: إن الأنبياء والرسل   [ (1) ] القصّارة المحوّر للثياب لأنه يدقها بالقصرة التي هي القطعة من الخشب وحرفته القصارة، والمقصرة: خشبة القصّار. (لسان العرب) : 5/ 104. [ (2) ] الإسراء: 20. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 صفوة الخلق، وأما محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فقد جازت مرتبته الاصطفاء لأنه [نور] [ (1) ] ورحمة، قال اللَّه تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (2) ] ، فالرسل خلقوا للرحمة، ومحمد صلى اللَّه عليه وسلّم خلق بنفسه رحمة، فلذلك صار أمانا للخلق لما بعثه سبحانه وتعالى أمن الخلق العذاب إلى نفخة الصور، وسائر الأنبياء عليهم السلام لم يحلوا هذا المحل، ولذلك قال صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا رحمة مهداة، فأخبر أنه بنفسه رحمة للخلق من اللَّه تعالى، وقوله: مهداة، أي هدية من اللَّه سبحانه وتعالى للخلق، واللَّه الموفق. ***   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] الأنبياء: 107. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 وأما مخاطبة اللَّه له بالنّبوّة والرسالة ومخاطبة من عداه من الأنبياء باسمه فإن ذلك أبان اللَّه تعالى به عن إجلال قدر نبيه محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وتمجيده وتعظيمه، فإنه لا أجلّ من النبوة، ولا أعظم خطرا منها، قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ [ (1) ] ، وقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ [ (2) ] ، وقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [ (3) ] ، وقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ [ (4) ] ، وخاطب سبحانه الأنبياء بأسمائهم، وأخبر عنهم بأسمائهم، فقال تعالى: يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [ (5) ] ، وقال في الإخبار عنه: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [ (6) ] ، وقال، يا نُوحُ اهْبِطْ [ (7) ] ، وقال في الإخبار عنه: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ [ (8) ] ، وقال: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا [ (9) ] ، وقال في الإخبار عنه: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [ (10) ] ، وقال: يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي [ (11) ] ، وقال في الإخبار عنه: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ [ (12) ] ، وقال: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ [ (13) ] ، وقال في الإخبار عنه: وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ [ (14) ] ، وقال: يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ [ (15) ] ، وقال: يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا (بعذاب اللَّه) [ (16) ] ، وقال: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ [ (17) ] ، وقال: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ [ (18) ] ، ....   [ (1) ] الأحزاب: 45. [ (2) ] الأنفال: 64. [ (3) ] آل عمران: 176. [ (4) ] المائدة: 67. [ (5) ] الأعراف: 19. [ (6) ] طه: 121. [ (7) ] هود: 48. [ (8) ] هود: 42. [ (9) ] هود: 76. [ (10) ] البقرة: 127. [ (11) ] الأعراف: 144. [ (12) ] القصص: 15. [ (13) ] المائدة: 110. [ (14) ] الصف: 6. [ (15) ] هود: 53. [ (16) ] الأعراف: 77. [ (17) ] ص: 26. [ (18) ] ص: 34. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 وقال: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ [ (1) ] ، وقال: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ [ (2) ] ، فلم يخاطب أحدا منهم ولا أخبر عنه إلا باسمه، وكل موضع ذكر فيه محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم أضاف إليه ذكر الرسالة، فقال تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [ (3) ] ، وقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [ (4) ] ، وقال: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ [ (5) ] ، وقال: وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [ (6) ] ، فسماه ليعلم من جحده أن أمره وكتابه هو الحق، ولأنهم لم يعرفوه إلا بمحمد، فلو لم يسمه لم يعلم اسمه من الكتاب، وكأن تسمية اللَّه له بمحمد زيادة في جلالة قدره وتنبيها على مزيد شرفه، لأن اسمه عليه السلام مشتق من اسم اللَّه تعالى، كما مدحه به عمه أبو طالب بقوله: وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد ولما جمع اللَّه تعالى بين ذكر محمد وإبراهيم عليهما السلام، سمي خليله باسمه وكنّي حبيبه محمدا بالنّبوّة فقال تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا [ (7) ] ، فأبان سبحانه بذلك عن شرف مقدار محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وعلو رتبته عنده، ثم قدمه اللَّه عز وجل في الذكر على من تقدمه في البعث، قال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ... [ (8) ] ، إلى قوله: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً [ (9) ] ، وقال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ [ (10) ] الآية، وقد روى من طرق عن سعيد بن بشير، حدثنا قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [ (11) ] ، قال: كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث، فانظر كيف خاطب اللَّه سبحانه محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم بالنّبوّة والرسالة، ولم يخاطب غيره من الأنبياء إلا باسمه، إلا أن يكون محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم في جملتهم فيشركهم معه   [ (1) ] مريم: 7. [ (2) ] مريم: 20. [ (3) ] آل عمران: 144. [ (4) ] الفتح: 29. [ (5) ] الأحزاب: 40. [ (6) ] محمد: 2. [ (7) ] آل عمران: 68. [ (8) ] النساء: 163. [ (9) ] النساء: 163. [ (10) ] الأحزاب: 7. [ (11) ] الأحزاب: 7. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 في الخطاب والخبر، ليبين تعالى لعباده ارتفاع رتبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على جميع الأنبياء، وعلوّ مكانته على مكاناتهم كلهم، إذ الكناية عن الاسم غاية التعظيم للمخاطب، لأن من بلغ به الغاية في التعظيم كني عن اسمه بأخص أوصافه وأجلّها، واللَّه الموفق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 وأما دفع اللَّه عن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ما قرفه به المكذبون، ونهي اللَّه تعالى العباد عن مخاطبته باسمه اعلم أن الأمم السالفة كانت تخاطب أنبياءهم بأسمائهم، كقولهم: يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [ (1) ] ، وقولهم: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً [ (2) ] ، وقولهم: يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ [ (3) ] ، وقولهم: يا صالِحُ ائْتِنا [ (4) ] ، فشرف اللَّه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بتبجيل قدره، ونهى الكافة أن يخاطبوه باسمه، فقال تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (5) ] ، فندبهم اللَّه تعالى إلى تكنيته بالنّبوّة والرسالة، رفعة لمنزلته وتشريفا لقدره على جميع الرسل والأنبياء، وأوجب تعالى تعزيره صلى اللَّه عليه وسلّم وتوقيره، وألزم سبحانه إكرامه وتعظيمه، قال ابن عباس: تعزروه: تبجلوه، وقال المبرد: تعزروه: تبالغوا في تعظيمه، وقال الأخفش: تنصرونه، وقال الطبري: تعينونه، وقرأ تعززونه بزاءين من العز. [و] [ (6) ] خرج محمد بن عثمان بن أبي شيبة من حديث أبي رزق عن الضحاك عن ابن عباس رضي اللَّه عنه في قوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (7) ] قال: كانوا يقولون: يا محمد يا أبا القاسم، قال: فنهاهم اللَّه عن ذلك إعظاما لنبيه صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: فقالوا: يا نبي اللَّه، يا رسول اللَّه. ولأبي نعيم من حديث محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً يعني كدعاء أحدكم إذا   [ (1) ] الأعراف: 138. [ (2) ] المائدة: 112. [ (3) ] هود: 53. [ (4) ] الأعراف: 77. [ (5) ] النور: 63. [ (6) ] زيادة للسياق. [ (7) ] النور: 63. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 دعي أخاه باسمه، ولكن وقروه وعزروه وعظموه، وقولوا: يا رسول اللَّه، ويا نبي اللَّه. وعن عاصم عن الحسن: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قال: لا تقولوا: يا محمد، قولوا يا رسول اللَّه. وعن سعيد بن جبير في قوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قال: لا تقولوا: يا محمد، قولوا يا رسول اللَّه. وعن قتادة: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قال: أمر اللَّه سبحانه وتعالى أن يهاب نبيه صلوات اللَّه عليه وأن يعظم ويفخّم ويسوّد، وفي رواية قال: أمرهم اللَّه تعالى أن يفخموه ويشرفوه، ونهى المؤمنين أن يقولوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: راعنا سمعك، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا [ (1) ] ، قال الضحاك عن ابن عباس: لا تقولوا: راعنا، وذلك أنها سبّة بلغة اليهود، فقال: قولوا انظرنا، يريد أسمعنا، فقال المؤمنون بعدها: من سمعتموه يقولها فاضربوا عنقه، فانتهت اليهود بعد ذلك. وعن أبي صالح عن ابن عباس: لا تَقُولُوا راعِنا قال: راعنا بلسان اليهود السب القبيح، فكان اليهود يقولون لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذلك سرا، فلما سمعوا أصحابه يقولونه أعلنوا بها، فكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم، فسمعها منهم سعد بن معاذ رضي اللَّه عنه فقال لليهود: يا أعداء اللَّه، عليكم لعنة اللَّه، والّذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لأضربن عنقه. وعن مجاهد: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا خلافا وقولوا: انظرنا، أفهمنا، بين لنا. وعن قتادة: لا تَقُولُوا راعِنا قال: كانت اليهود تقول: راعنا استهزاء، فنهى اللَّه المؤمنين أن يقولوا كقولهم.   [ (1) ] البقرة: 104. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 وعن عطية: لا تَقُولُوا راعِنا قال: كان أناس من اليهود يقولون: راعنا سمعك، حتى قالها أناس من المؤمنين، فكره لهم ما قالت اليهود، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا كما قالت اليهود وَقُولُوا انْظُرْنا واللَّه الموفق. *** الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 وأما دفع اللَّه تعالى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ما قرفه المكذبون له كان من تقدم من أنبياء اللَّه صلوات اللَّه عليهم كانوا يردون عن أنفسهم ويدفعون ما قرفهم مكذبوهم، فتولى اللَّه ذلك عن رسول اللَّه محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، قال تعالى [حكاية] [ (1) ] عن قوم نوح: إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (2) ] ، فقال دافعا عن نفسه: يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ [ (3) ] ، وقال قوم هود: إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ [ (4) ] ، فقال دافعا عن نفسه: قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ [ (5) ] ، وقال فرعون لموسى: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً [ (6) ] ، فقال موسى مجيبا له: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [ (7) ] ، فتولى اللَّه سبحانه وتعالى المجادلة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين قال المشركون عنه: إنه شاعر، فقال: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ [ (8) ] ، ولما قالوا: كاهن قال تعالى: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ* وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ [ (9) ] ، ولما قالوا: ضال، قال سبحانه وتعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى [ (10) ] ، ولما قالوا عنه صلى اللَّه عليه وسلّم: إنه مجنون، قال اللَّه سبحانه وتعالى: فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ [ (11) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] الأعراف: 60. [ (3) ] الأعراف: 66. [ (4) ] الأعراف: 61. [ (5) ] الأعراف: 67. [ (6) ] الإسراء: 101. [ (7) ] الإسراء: 102. [ (8) ] يس: 69. [ (9) ] الحاقة: 41. [ (10) ] النجم: 2. [ (11) ] الطور: 29. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 وأما مغفرة ذنبه من غير ذكره تعالى له خطا ولا زلّة فقد خرج الحاكم من حديث الحكم بن أبان قال: سمعت عكرمة يقول: قال ابن عباس: إن اللَّه فضل محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم على جميع الأنبياء وعلى جميع أهل السماء، وفضله على أهل الأرض، قالوا: يا ابن عباس!! بم فضله على أهل السماء؟ قال: قال اللَّه تعالى: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [ (1) ] ، وقال لمحمد: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [ (2) ] الآية، قالوا: فبم فضّله على أهل الأرض؟ قال: قال اللَّه تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [ (3) ] ، الآية، وقال لمحمد: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [ (4) ] ، فأرسله إلى الجن والإنس، قال الحاكم: هذا حديث صحيح. واعلم أن من تقدم الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم، من الأنبياء ذكر اللَّه تعالى أحوالهم [و] [ (5) ] ما كان منهم يقصّه تعالى على ما غفره لهم، قال تعالى في قصه موسى: رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً [ (6) ] ، وقال: إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ [ (7) ] ، فقصّ تعالى ما غفر له وسأل فيه المغفرة، وقال تعالى عن داود: وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ* إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ* قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ [ (8) ] ، فقصّ تعالى على   [ (1) ] الأنبياء: 29. [ (2) ] الفتح: 1، 2. [ (3) ] إبراهيم: 4. [ (4) ] سبأ: 28. [ (5) ] زيادة للسياق. [ (6) ] القصص: 33. [ (7) ] القصص: 16. [ (8) ] ص: 21- 24. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 ما كان فيهم، ولم يقصّ على خطأ كان من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إكراما له وتشريفا، فقال عز من قائل: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً [ (1) ] ، وهذا غاية الفضل والشرف، لأنه تشريف النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من غير أن يكون هناك ذنب، ولكنه تعالى استوعب في هذه الآية جميع أنواع النعم الأخروية والدنيوية التي أنعم اللَّه بها على عباده، فلم تبق نعمة يمكن أن تكون من اللَّه تعالى على عباده إلا وقد جمعها لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فإن جميع النعم الأخروية شيئان: سلبية وهي غفران الذنوب، وثبوتية وهي لا تتناهى، أشار إليها بقوله: وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [ (1) ] ، وجميع النعم الدنيوية شيئان: دينية أشار إليها بقوله: وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً [ (1) ] ، ودنيوية، وإن كانت هنا المقصود بها الدين، وهي قوله: وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً [ (1) ] ، وقدم الأخروية على الدنيوية، وقدم في الدنيوية الدينية على غيرها تقديما للأهم فالمهم، فانتظم بذلك تعظيم قدر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بإتمام نعم اللَّه تعالى عليه، المتفرقة في غيره، ولهذا قال: جعل ذلك غاية الفتح المبين الّذي عظمه وفخمه بإسناده إليه بنون العظمة، وجعله خاصا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بقوله: لك. وقد أشار ابن عطية إلى هذا فقال: وإنما المعنى: التشريف بهذا الحكم، ولو لم يكن له ذنب البتة. انتهى. وقد ذكر الناس أقوالا أخر، منها: ما يجب تأويله، ومنها ما يجب ردّه، فمن ذلك ما روى عن ابن عباس رضي اللَّه عنه: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ أي ما يكون، وهذا يمكن تأويله على ما قدمناه، أي مما يكون لو كان، والمعنى أنك يا سيد المرسلين بحالة لو كان لك ذنوب ماضية ومستقبلة لغفرنا جميعها لك لشرفك عندنا. ومنها قول مقاتل: لِيَغْفِرَ لَكَ ما كان في الجاهلية، وهذا مردود، لأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليس له جاهلية، ومن قال: ليغفر لك ما كان قبل النبوة فهو مردود   [ (1) ] أول سورة الفتح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 أيضا، لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم معصوم قبل النبوة وبعدها. ومنها قول سفيان الثوري: ليغفر لك ما كان في الجاهلية ما علمت وما لم تعلم، وهو مردود بمثل الّذي قبله، ومنها قول عطاء الخراسانىّ: ليغفر لك ما تقدم من ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك، وما تأخر من ذنوب أمتك بدعوتك على حذف مضاف. ومنها ما حكى عن مجاهد: ليغفر لك ما تقدم من حديث مارية وما تأخر من امرأة زيد، وهذا قول باطل، فإنه لم يكن في قصه مارية وامرأة زيد ذنب أصلا، وقد أوردنا ما جاء في قصتيهما عند ذكر أزواجه وسراريه صلى اللَّه عليه وسلّم، وليس فيهما ما يعدّ زلة ولا ذنبا، ومن اعتقد ذلك فقد أخطأ. ومنها قول الزمخشريّ: جميع ما فرط منك، وهذا مردود بشيئين: أحدهما: عصمة الأنبياء، وقد أجمعت الأمة على عصمتهم فيما يتعلق بالتبليغ وفي غير ذلك من الكبائر ومن الصغائر الرذيلة التي تحط مرتبتهم، ومن المداومة على الصغائر، فهذه الأربعة مجمع عليها، واختلفوا في الصغائر التي لا تحط مرتبتهم، فذهبت المعتزلة، وكثير من غيرهم إلى جوازها، والمختار المنع لأنا مأمورون بالاقتداء في كل ما يصدر منهم في قول وفعل، فكيف يقع منهم ما لا ينبغي، ونؤمر بالاقتداء بهم فيه؟ وتجاسر قوم على الأنبياء فنسبوا إليهم تجويزها عليهم مطلقا، وهم محجوجون بما تقدم من الإجماع، ثم إن الذين جوزوا الصغائر لم يجوزوها بنص ولا دليل، وإنما أخذوا ذلك من هذه الآية وأمثالها، وقد ظهر بجواب هذه، وفي كل موضع من الباقيات يذكر جوابه إن شاء اللَّه تعالى. والذين جوزوا الصغائر التي ليست برذائل، قال ابن عطية: اختلفوا هل وقع ذلك من محمد صلى اللَّه عليه وسلّم أو لم يقع؟ قال كاتبه: والحق الّذي لا مرية فيه أنه لم يقع، وكيف يستحيل خلاف ذلك وأحواله صلى اللَّه عليه وسلّم منقسمة إلى قول وفعل؟ أما القول، فقال تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [ (1) ] ، وأما الفعل،   [ (1) ] النجم: 3- 4. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 فإجماع الصحابة المعلوم منهم قطعا على اتباعه والتأسي بما يفعله في كل ما يفعله من قليل أو كثير، أو صغير أو كبير، لما عندهم في ذلك توقف ولا بحث، حتى أعماله عليه السلام في السر والخلوة يحرصون على العلم بها وعلى اتباعها، علم بهم صلى اللَّه عليه وسلّم أو لم يعلم. والثاني: أنا لو سلمنا بعدم العصمة- وحاش للَّه- فإنه لا يناسب ما تشير إليه الآية من التعظيم والامتنان، وجعل ذلك غاية الفتح المبين، المقرون بالتعظيم، فحمله على ذلك مخل بالبلاغة، والمعنى الّذي حملنا عليه الآية يناسب البلاغة، فوجب المصير إليه، وقوله: وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً [ (1) ] أعيد لفظه لمّا بعد عما عطف عليه، وليكون المبتدأ والمنتهي بالاسم الظاهر، والضميران في الوسط، وأتت هذه النعم الأربع بلفظ الغيبة، وجاء الفتح قبلها بضمير المتكلم تعظيما لأمر الفتح، لأن المغفرة وإن كانت عظيمة فهي عامة، قال تعالى: وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [ (2) ] وكذلك إتمام النعمة، قال تعالى: وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [ (3) ] ، وهكذا الهداية، قال تعالى: يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [ (4) ] ، ومثله النصر، قال تعالى: إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ [ (5) ] ، وأما الفتح: فإنه لم يتفق لغير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقيل في الاسم مع النصر: إنه تعظيم له، ولهذا قلّ ما ذكر اللَّه تعالى النصر من غير إضافة إليه أو اقتران باسمه ليطمئن القلب بذكر اللَّه تعالى، فيحصل الصبر، وبه يحصل النصر، واللَّه يقول الحق وهو يهدي السبيل. وقال سفيان عن عيينة قال: عن ميسرة قال ابن عبد اللَّه: أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب، قال تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [ (6) ] ، وقال عبد اللَّه بن يزيد المصري: ليس هذا لنبي قبله ولا بعده، يعني قوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ [ (6) ] ، فبدأ سبحانه بالعفو قبل العقاب.   [ (1) ] الفتح: 3. [ (2) ] النساء: 48. [ (3) ] المائدة: 3. [ (4) ] البقرة: 142. [ (5) ] الصافات: 172. [ (6) ] التوبة: 43. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وأما أخذ اللَّه تعالى الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وينصروه إن أدركوه فقد قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [ (1) ] . قوله: لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ ما، بمعنى الّذي، قال النحاس: التقدير على قول الخليل: الّذي آتيتكموه ثم حذف الهاء لطول الاسم، والإصر: العهد. وعن أبي أيوب عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: لم يبعث اللَّه نبيا [من لدن] [ (2) ] آدم فمن بعده إلا أخذ اللَّه العهد عليه في محمد لئن بعث وهو حيّ ليؤمنن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه، فقال: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ... وعن سعيد عن قتادة: قوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ... الآية، هذا ميثاق قد أخذه اللَّه على النبيين أن يصدّقوا بعضهم بعضا، وأن يبلغوا كتاب اللَّه ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب اللَّه ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم ويصدقوه وينصروه. وقال أسباط عن السدي: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ الآية، قال: لم يبعث اللَّه نبيا قط من لدن نوح إلا أخذ ميثاقه ليؤمنن   [ (1) ] المائدة: 83. [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم ولينصرنه إن خرج وهو حيّ، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به ولينصرونه هم إن خرج وهم أحياء. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: قال: ثم ذكر ما أخذ عليهم- يعني على أهل الكتاب- وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه- يعني بتصديق محمد صلى اللَّه عليه وسلّم- إذا جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم فقال: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ... إلى آخر الآية. وقال أسباط عن السدي في قوله: لَما آتَيْتُكُمْ: يقول لليهود: أخذت ميثاق النبيين لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم وهو الّذي ذكر في الكتاب عندكم، فهذا كما ترى، وقد أخذ اللَّه الميثاق على جميع الأنبياء عليهم السلام إن جاءهم رسول مصدق لما معهم وهو محمد صلى اللَّه عليه وسلّم آمنوا به ونصروه، فلم يكن أحد منهم ليدرك الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم إلا وجب عليه الإيمان به ونصره على أعدائه لأخذه الميثاق منهم، فجعلهم تعالى كلهم أتباعا لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم يلزمهم الانقياد له والطاعة لأمره لو أدركوه. وقد نصّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على معنى ما قلنا، فروى هشيم عن مجالد عن الشعبيّ عن جابر عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: «أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ومعي كتاب أصبته من بعض أهل الكتاب فقال: والّذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيا اليوم ما وسعه إلا أن يتبعني» [ (1) ] .   [ (1) ] رواه البخاري عن يحى بن بكير، وعن موسى بن إسماعيل، عن إبراهيم بن سعد، وقال البيهقي في (الشّعب) : وقد روينا عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، أن عمر أتاه فقال: إنا نسمع أحاديث من اليهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: أمتهوّكون أنتم كما تهوّكت اليهود والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتّباعي. قال أبو عبيد: قال ابن عون فقلت للحسن: متهوكون؟ قال: متحيرون. وأخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا أبو علي حامد بن محمد الرفّاء، حدثنا محمد بن شاذان الجوهري، حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا حماد بن زيد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنّهم لن يهدوكم وقد ضلوا» . زاد القاضي في روايته: «واللَّه لو كان موسى عليه السلام حيا ما حلّ له إلا أن يتبعني» . وروى عن جبير بن نفير، عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في محو ما كتب من قول اليهود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 وقال بعض العارفين باللَّه تعالى. وبهذا يتبين لك سيادة محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على جميع الأنبياء [والمرسلين من] [ (1) ] قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد ولد آدم [ (2) ] ولا فخر، وفي رواية مسلم [ (3) ] : أنا سيد الناس يوم القيامة، فثبتت له السيادة والشرف على   [ () ] (بريقه والنهي عن ذلك. (شعب الإيمان للبيهقي) : 1/ 199- 200، باب في الإيمان بالقرآن والكتب المنزلة، ذكر حديث جمع القرآن، حديث رقم (176) ، (178) ، (179) ، وحديث رقم (5205) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أنبأنا أبو عبد اللَّه الصنعاني، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، أن حفصة جاءت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بكتاب فيه قصص يوسف في كتف، فجعلت تقرأ عليه، والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم يتلون وجهه فقال: «والّذي نفسي بيده، لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم» . (المرجع السابق) : 4/ 308- 309، باب حفظ اللسان، فصل في ترك قراءة كتب الأعاجم. ونحوه في (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) 3/ 114- 115، باب الزجر عن النظر في كتب أهل الكتاب، حديث رقم (3024) . وخرّج الإمام أحمد من حديث عبد اللَّه بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه، قال: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا سفيان، عن جابر، عن الشعبي، عن عبد اللَّه بن ثابت قال: «جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه، إني مررت بأخ لي من قريظة، فكتب لي من جوامع التوراة، ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، قال عبد اللَّه: فقلت له: ألا ترى ما بوجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال عمر: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم رسولا، قال: فسرّي عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ثم قال: والّذي نفسي بيده، لو أصبح فيكم موسى، ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين» . (مسند أحمد) : 4/ 513- 514، حديث رقم (15437) . [ (1) ] زيادة للسياق، ومكانها مطموس في (خ) . [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 133، 134، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4625/ 223) : حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، حدثنا محمد بن معاذ، حدثنا أبو حفص عمر بن الحسن الراسي، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «أنا سيد ولد آدم، وعليّ سيد العرب» . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وفي إسناده عمر بن الحسن، وأرجو أنه صدوق، ولولا ذلك لحكمت بصحته على شرط الشيخين، وله شاهد من حديث عروة عن عائشة رقم (4626/ 224) : أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر القاري ببغداد، حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح، حدثنا الحسين بن علوان، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «ادعوا لي سيد العرب» فقلت: يا رسول اللَّه! ألست سيد العرب؟ قال: «أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب» . وله شاهد آخر من حديث جابر رقم (4627/ 225) : قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «ادعوا لي سيد العرب، فقالت عائشة رضي اللَّه عنها: ألست سيد العرب يا رسول اللَّه؟ فقال: أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب» . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 66- 69، كتاب الإيمان، باب (84) ، حديث رقم (327) ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 أبناء جنسه من البشر، وقال صلى اللَّه عليه وسلّم: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين [ (1) ] ، فأخبره اللَّه تعالى بمرتبته، وأنه عليه السلام إذ ذاك صاحب شرع، فإنه قال: كنت نبيا ولم   [ () ] وحديث رقم (328) ، قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أنا سيد الناس يوم القيامة» ، ضمن حديث طويل معروف باسم (حديث الشفاعة) ، وسيأتي ذكره مشروحا إن شاء اللَّه تعالى في فصل [اختصاصه بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر] . [ (1) ] المعروف أن هذا الحديث بلفظ: «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث» ، أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) ، وابن أبي حاتم في تفسيره، وابن لال، ومن طريقه الديلميّ، كلهم من حديث سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة به مرفوعا. وله شاهد من حديث ميسرة الفجر، بلفظ: «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد» ، أخرجه أحمد، والبخاري في (التاريخ) ، والبغوي، وابن السكن، وغيرهما في (الصحابة) ، وأبو نعيم في (الحلية) ، وصححه الحاكم، وكذا هو بهذا اللفظ عند الترمذي وغيره عن أبي هريرة: متى كنت أو كتبت نبيا؟ قال: «وآدم» ، وذكره. وقال الترمذي: إنه حسن صحيح، وصححه الحاكم أيضا* وفي لفظ: «وآدم منجدل في طينته» ، وفي صحيحي ابن حبان والحاكم، من حديث العرباض بن سارية مرفوعا: «إني عند اللَّه لمكتوب خاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته» . وكذا أخرجه أحمد، والدارميّ في مسنديهما، وأبو نعيم والطبراني، من حديث ابن عباس، قال: قيل: يا رسول اللَّه، متى كتبت نبيا؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد» . وأما الّذي على الألسنة بلفظ «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» ، فلم نقف عليه بهذا اللفظ، فضلا عن زيادة: «وكنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين» . وقد قال شيخنا- الحافظ ابن حجر- في بعض الأجوبة عن الزيادة: إنها ضعيفة، والّذي قبلها قوي. (المقاصد الحسنة) : 520- 521، حديث رقم (837) . وقال الزركشي: لا أصل له بهذا اللفظ، قال السيوطي في (الدر) : وزاد العوام: «ولا آدم ولا ماء ولا طين» ، لا أصل له أيضا، وقال القاري: يعني بحسب مبناه، وإلا فهو صحيح باعتبار معناه. وروى الترمذي أيضا عن أبي هريرة، أنهم قالوا: يا رسول اللَّه، متى وجبت لك النبوة؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد» ، وفي لفظ: متى كتبت نبيا؟ قال: «كتبت نبيا وآدم بين الروح والجسد» . وعن الشعبي، قال رجل: يا رسول اللَّه متى استنبئت؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد، حين أخذ مني الميثاق» . وقال التقي السبكي: فإن قلت: النبوة وصف، لا بدّ أن يكون الموصوف به موجودا، وإنما يكون بعد أربعين سنة، فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله؟ قلت: جاء أن اللَّه تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون بقوله: «كنت نبيا» ، إلى روحه الشريفة، أو حقيقته، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعرفها خالقها، ومن أمدّه بنور آلهي. ونقل العلقميّ عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده مرفوعا أنه قال: «كنت نورا بين يدي ربي عزّ وجلّ قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام. (كشف الخفا ومزيل الالتباس) : 2/ 129، حديث رقم (2007) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 يقل: كنت إنسانا، ولا كنت موجودا، أو ليست النبوة إلا بالشرع المقدر عليه من عند اللَّه تعالى؟ فأخبر سبحانه وتعالى أنه عليه السلام صاحب النبوة قبل وجوده في الأنبياء في الدنيا وهو روح قبل اتخاذه تعالى الأجسام الإنسانية، فكانت الأنبياء عليهم السلام في هذا العالم نواب محمد صلى اللَّه عليه وسلّم من آدم إلى عيس عليهما السلام، وإلى هذا الإشارة بقوله عليه السلام: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني، وكذلك لو كان محمد صلى اللَّه عليه وسلّم موجودا بجسمه من لدن آدم عليه السلام إلى زمان وجوده، لكان جميع بني آدم تحت شريعته، ولهذا لم يبعث بشريعة عامة إلا هو صلى اللَّه عليه وسلّم، فإنه الملك والسيد، وكل رسول إنما بعث إلى قوم مخصوصين، ولم تعم، فمن زمن آدم إلى زمن بعثة محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وإلى يوم القيامة ملكه، وله يوم القيامة التقدم أيضا على جميع الرسل مع السيادة، فكانت روحانيته صلى اللَّه عليه وسلّم روحانية كل رسول موجودة، والإمداد يأتي إليهم من روحه الطاهرة بما يظهر منهم من الشرائع والعلوم في زمن وجودهم رسلا، وكان تشريعهم الشرائع كما كان علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وغيرهما من الصحابة رضي اللَّه عنهم يقضون في زمان وجود جسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وكما يكون عيسى عليه السلام حين ينزل آخر الزمان بشرع محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، لكن لما لم يوجد صلى اللَّه عليه وسلّم في الحسّ نسب كل شرع إلى من بعث به، وهو في الحقيقة شرع محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، وإن كان مفقود العين، كما يكون صلى اللَّه عليه وسلّم مفقود العين في زمان نزول عيسى وحكمه بالشرع المحمدي، وكون محمد صلى اللَّه عليه وسلّم نسخ اللَّه بشرعه جميع الشرائع، لا يخرجها النسخ عن أن تكون من شرعه، فإن اللَّه تعالى قد أشهدنا في القرآن والسنة النسخ مع إجماعنا واتفاقنا على أنه شرعه، فنسخ بالمتأخر، فكان هذا النسخ الموجود في القرآن والسنة المحمدية تنبيها لنا على أن نسخه لجميع الشرائع المتقدمة لا يخرجها عن كونها شرعا له، وكان نزول عيسى آخر الزمان حاكما بغير شرعه الّذي كان عليه في زمان رسالته، وحكمه بشرع محمد صلى اللَّه عليه وسلّم أدلّ دليل على أنه لا حكم لأحد من الأنبياء مع وجود محمد صلى اللَّه عليه وسلّم أو وجود ما قرره من الحكم، فخرج من هذا كله أن محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم ملك وسيد على جميع بني آدم، وأن جميع من تقدمه كان ملكا له، والحاكمون فيه كانوا نوابا عنه، فإن قلت: قال اللَّه تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 اقْتَدِهْ [ (1) ] ، قلت: هذا صحيح، فقد قال تعالى: فَبِهُداهُمُ، وهداهم من اللَّه وهو شرعه صلى اللَّه عليه وسلّم، أي الزم شرعك الّذي أظهرته نوّابك من إقامة الدين وعدم التفرق فيه، ولم يقل سبحانه: فبهم أقتد، وكذا قال سبحانه: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [ (2) ] وهو الدين، فهو صلى اللَّه عليه وسلّم مأمور باتباع الدين، فإن أصل الدين إنما هو من اللَّه تعالى لا من غيره، وأين هذا من قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني؟ فأضاف الاتباع إليه، وأمر هو صلى اللَّه عليه وسلّم باتباع الدين لا باتباع الأنبياء، فإن السلطان الأعظم إذا حضر لا يبقى لنائب من نوابه حكم إلا له، فإذا غاب حكم النائب بمراسمه، فهو الحاكم في الحقيقة غيبا وشهادة، مما قيل في شرفه: فإنك شمس والملوك كواكب ... إذا ظهرت لم يبد منهن كوكب [ (3) ] فانظر ما أبدع هذا الفضل الّذي لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، الّذي لم ينتبه إليه إلا من شاء اللَّه، وقليل ما هم، واللَّه يختص برحمته من يشاء. ***   [ (1) ] الأنعام: 90. [ (2) ] النحل: 123. [ (3) ] البيت للنابغة الذبيانيّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 وأما عموم رسالته إلى الناس جميعا وفرض الإيمان به على الكافة، وأنه لا ينجو أحد من النار حتى يؤمن به صلى اللَّه عليه وسلّم فاعلم أن الإيمان به صلى اللَّه عليه وسلّم هو التصديق بنبوته وإرسال اللَّه تعالى له وتصديقه في جميع ما جاء به من اللَّه وما قاله، ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول اللَّه، فإذا اجتمع التصديق بالقلب والنطق بالشهادة باللسان، تم الإيمان به والتصديق له، قال اللَّه تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا [ (1) ] ، وقال: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (2) ] ، وقال: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يَجِدُونَهُ [ (3) ] الآية، فالإيمان بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم واجب لا يتم الإيمان إلا به، ولا يصح الإسلام إلا معه، وقد تقرر بما تقدم ثبوت نبوته وصحة رسالته، فوجب الإيمان به وتصديقه فيما أتى به وتعيّن ذلك، قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً [ (4) ] ، وقال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [ (5) ] ، وقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [ (6) ] ، وقال: وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً [ (7) ] ، أي على رسالتك يشهد لك بإظهار المعجزات على صدقك، إذ المعجزة في قوة قول اللَّه تعالى: صدق عبدي في أنه رسول، والثانية مقررة للأولى، لأنه إنما تثبت عموم دعوته بإخباره، وما ورد على لسانه، وخبره إنما يقبل إذا ثبت صدقه، وصدقه إنما ثبت بالمعجزات، فأذن نظم الدليل هكذا: محمد صلى اللَّه عليه وسلّم أتي بالمعجزات فهو صادق، وكل صادق يجب قبول خبره بعموم دعوته، وهو المطلوب. وخرج مسلم من حديث يزيد بن زريع قال: حدثنا روح عن العلاء بن   [ (1) ] التغابن: 8. [ (2) ] الفتح: 8. [ (3) ] الفتح: 13. [ (4) ] الفتح: 13. [ (5) ] سبأ: 28. [ (6) ] الأعراف: 158. [ (7) ] النساء: 79. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه [ (1) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة، عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوه عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 1/ 314- 315، كتاب الإيمان، باب (8) الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وأن من فعل ذلك عصم نفسه وماله إلا بحقها، ووكلت سريرته إلى اللَّه تعالى، وقتال من منع الزكاة أو غيرها من حقوق الإسلام، واهتمام الإمام بشعائر الإسلام، حديث رقم (32) ، (33) ، (34) ، (35) ، (36) . قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه فمن قال لا إله إلا اللَّه فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللَّه» ، قال الخطابي رحمه اللَّه: معلوم أن المراد بهذا أهل الأوثان دون أهل الكتاب، لأنهم يقولون: لا إله إلا اللَّه، ثم يقاتلون، ولا يرفع عنهم السيف. قال: ومعنى حسابه على اللَّه: أي فيما يستسرون به ويخفونه، دون ما يخلون به في الظاهر من الأحكام الواجبة. قال: ففيه أن من أظهر الإسلام وأسّر الكفر قبل إسلامه في الظاهر، وهذا قول أكثر العلماء. وذهب مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل. ويحكى ذلك أيضا عن أحمد بن حنبل رضي اللَّه عنهما. هذا كلام الخطابي. وذكر القاضي عياض معنى هذا، وزاد عليه، وأوضحه، فقال: اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال: لا إله إلا اللَّه، تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بها مشركو العرب، وأهل الأوثان، ومن لا يوحد، وهم كانوا أول من دعي إلى الإسلام، وقوتل عليه، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد، فلا يكتفي في عصمته بقول لا إله إلا اللَّه، إذ كان يقولها في كفره، وهي من اعتقاده، فلذلك جاء في الحديث الآخر: «وأني رسول اللَّه، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة» . هذا كلام القاضي عياض. قال الحافظ ابن حجر: ولا بدّ مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، كما جاء في الرواية الأخرى لأبي هريرة، هي مذكورة في الكتاب: «حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، ويؤمنوا بي، وبما جئت به» . واللَّه أعلم. واختلف أصحابنا في قبول توبة الزنديق- وهو الّذي ينكر الشرع جملة- فذكروا فيه خمسة أوجه، لأصحابنا أصحها، والأصوب منها قبولها مطلقا للأحاديث الصحيحة المطلقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 على اللَّه [ (1) ] . وقال البخاري: فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه. ذكره في كتاب الإيمان.   [ (1) ] قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فإذا فعلوا ذلك» ، فيه التعبير بالفعل عما بعضه قول، إما على سبيل التغليب، وإما على إرادة المعنى الأعم، إذ القول فعل اللسان. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «عصموا» أي منعوا، وأصل العصمة من العصام وهو الخيط الّذي يشد به فم القربة ليمنع سيلان الماء. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «حسابهم على اللَّه» ، أي في أمر سرائرهم، ولفظة «على» مشعرة بالإيجاب، وظاهرها غير مراد، فإما أن تكون بمعنى اللام، أو على سبيل التشبيه، أي هو كالواجب على اللَّه في تحقيق الوقوع، وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر، والاكتفاء في قبول الإيمان بالاعتقاد الجازم، خلافا لمن أوجب تعلم الأدلة، وقد تقدم فيه، ويؤخذ منه ترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد، الملتزمين للشرائع، وقبول توبة الكافر من كفره، من غير تفصيل بين كفر ظاهر أو باطن. فإن قيل: مقتضى الحديث قتال كل من امتنع من التوحيد، فكيف ترك مؤدي الجزية والمعاهد؟ الجواب من أوجه: أحدها: دعوى النسخ، بأن يكون الإذن بأخذ الجزية والمعاهدة متأخرا عن هذه الأحاديث، بدليل أنه متأخر عن قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ. ثانيها: أن يكون من العام الّذي خص منه البعض، لأن المقصود من الأمر حصول المطلوب. فإذا تخلف البعض لدليل لم يقدح في العموم. ثالثها: أن يكون من العام الّذي أريد به الخاص، فيكون المراد بالناس في قوله صلى اللَّه عليه وسلّم «أقاتل الناس» ، أي المشركين من غير أهل الكتاب، ويدل عليه رواية النسائي بلفظ: «أمرت أن أقاتل المشركين» . فإن قيل: إذا تم هذا في أهل الجزية، لم يتم في المعادين ولا فيمن منع الجزية، أجيب بأن الممتنع في ترك المقاتلة رفعها لا تأخيرها مدة كما في الهدنة، ومقاتلة من امتنع من أداء الجزية، بدليل الآية. رابعها: أن يكون المراد بما ذكر من الشهادة وغيرها، التعبير عن إعلاء كلمة اللَّه، وإذعان المخالفين، فيحصل في بعض بالقتل، وفي بعض بالجزية، وفي بعض بالمعاهدة. خامسها: أن يكون المراد بالقتال هو، أو ما يقوم مقامه من جزية أو غيرها. سادسها: أن يقال الغرض من ضرب الجزية اضطرارهم إلى الإسلام وسبب السبب سبب، فكأنه قال: حتى يسلموا أو يلتزموا بما يؤديهم إلى الإسلام، وهذا أحسن، ويأتي فيه ما في الثالث وهو آخر الأجوبة. واللَّه تعالى أعلم (فتح الباري) : 1/ 102- 105، كتاب الإيمان باب (17) فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ، حديث رقم (25) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 وخرج مسلم من حديث عبد اللَّه بن بريد عن يحى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهنيّ، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن [الحميري] [ (1) ] حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فسألناه عن ما يقول [هؤلاء] [ (2) ] في القدر فوفق لنا عبد اللَّه بن عمر فاكتنفته أنا وصاحبي، كان أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليّ فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفّرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون ألا قدر، وأن الأمر أنف، [قال: فإذا] [ (3) ] لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، والّذي يحلف به   [ (1) ] في (خ) : «الحميدي» والتصويب من رواية مسلم. [ (2) ] زيادة من رواية مسلم. [ (3) ] في (خ) : «فقال إذا» والتصويب من رواية مسلم. قوله: «فاكتنفته أنا وصاحبي» ، يعني صرنا في ناحيتيه، ثم فسّره فقال: أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، وكنفا الطائر جناحاه، وفي هذا تنبيه على أدب الجماعة في مشيهم مع فاضلهم، وهو أنهم يكتنفونه ويحفون به. قوله: «فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليّ» معناه يسكت ويفوضه إليّ لإقدامي وجرأتي وبسطة لساني، فقد جاء عنه في رواية «لأني كنت أبسط لسانا» . قوله: «ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم» ، هو بتقديم القاف على الفاء، ومعناه يطلبونه ويتتبعونه، هذا هو المشهور، وقيل معناه يجمعونه، رواه بعض شيوخ المغاربة من طريق ابن ماهان «يتفقرون» - بتقديم الفاء- وهو صحيح أيضا، معناه يبحثون عن غامضه، ويستخرجون خفيّه. وروى في غير مسلم: «يتقفون» بتقديم القاف، وحذف الراء، وهو صحيح أيضا، ومعناه يتتبعون. قال القاضي عياض: ورأيت بعضهم قال فيه: «يتقعرون» بالعين، وفسّره بأنهم يطلبون قعره، أي غامضه وخفيّه. ومنه تقعّر في كلامه إذا جاء بالغريب منه، وفي رواية أبي يعلي الموصلي: «يتفقهون» بزيادة الهاء، وهو ظاهر. قوله: «وذكر من شأنهم» . هذا الكلام من كلام بعض الرواة الذين دون يحى بن يعمر، والظاهر أنه من ابن بريدة الراويّ، عن يحى بن يعمر، وذكر ابن يعمر من حال هؤلاء، وصفهم بالفضيلة في العلم، والاجتهاد في تحصيله والاعتناء به. قوله: «يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف» ، هو بضم الهمزة والنون، أي مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من اللَّه تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه كما قدمنا حكايته عن مذهبهم الباطل، وهذا القول قول غلاتهم، وليس قول جميع القدرية، وكذب قائله وضلّ وافترى. عافانا اللَّه وسائر المسلمين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 عبد اللَّه بن عمر لو أن لأحد مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل اللَّه ما قبله اللَّه منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال بينما نحن عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: صدقت، فعجبنا له، يسأله ويصدقه! قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: [فأخبرني] [ (1) ] عن الإحسان، قال: أن تعبد اللَّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: [فأخبرني] [ (1) ] عن الساعة، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أمارتها، [قال:] [ (2) ] [أمارتها] [ (3) ] أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة [العالة] [ (4) ] رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: ثم انطلق فلبث مليا، ثم قال لي: يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: اللَّه   [ () ] قوله: «قال- يعني ابن عمر رضي اللَّه عنهما-: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والّذي يحلف به عبد اللَّه بن عمر، لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل اللَّه منه حتى يؤمن بالقدر» ، هذا الّذي قاله ابن عمر رضي اللَّه عنهما، ظاهر في تكفير القدرية. قال القاضي عياض رحمه اللَّه: هذا في القدرية الأول، الذين نفوا تقدم علم اللَّه تعالى بالكائنات، قال: والقائل بهذا كافر بلا خلاف، وهؤلاء الذين ينكرون القدر هم الفلاسفة في الحقيقة. قال غيره: ويجوز أنه لم يرد بهذا الكلام التكفير المخرج من الملة، فيكون من قبيل كفران النعم، إلا أن قوله: ما قبله اللَّه منه، ظاهر في التكفير، فإن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر، إلا أنه يجوز أن يقال في المسلم: لا يقبل عمله لمعصيته وإن كان صحيحا، كما أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة، غير محوجة إلى القضاء عند جمهور العلماء، بل بإجماع السلف، وهي غير مقبولة، فلا ثواب فيها على المختار عند أصحابنا. واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 1/ 259، كتاب الإيمان، حديث رقم (1) . [ (1) ] في (خ) : «أخبرني» والتصويب من رواية مسلم. [ (2) ] زيادة للسياق من رواية مسلم. [ (3) ] زيادة من (خ) . [ (4) ] زيادة من رواية مسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم. هذا الحديث انفرد به مسلم [ (1) ] ، ولم يخرجه البخاري، وأخرجه أبو داود من طريق ابن بريدة بمثله أو   [ (1) ] أخرجه مسلم في أول كتاب الإيمان، باب الإيمان والإسلام والإحسان، ووجوب الإيمان بإثبات قدر اللَّه سبحانه وتعالى، وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن بالقدر، وإغلاظ القول في حقه، حديث رقم (1) . قوله: «لا يرى عليه أثر السفر» ضبطناه بالياء المثناة من تحت، المضمومة، وكذلك ضبطناه في الجمع بين الصحيحين وغيره، وضبطه الحافظ أبو حازم العدوي هنا: «نرى» بالنون المفتوحة، وكذا هو في مسند أبي يعلي الموصلي، وكلاهما صحيح. قوله: «ووضع كفيه على فخذيه» ، معناه أن الرجل الداخل وضع كفيه على فخذي نفسه، وجلس على هيئة المتعلم. واللَّه تعالى أعلم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «الإحسان أن تعبد اللَّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ، هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى اللَّه عليه وسلّم، لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى، لم يترك شيئا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع، وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه، على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها، إلا أتي به، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: أعبد اللَّه في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان، فإن التتميم المذكور في حال العيان، إنما كان لعلم العبد باطلاع اللَّه سبحانه وتعالى عليه، فلا يقدم العبد على تقصير في هذه الحال للاطلاع عليه، وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد، فينبغي أن يعمل بمقتضاه، فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة، ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى، في إتمام الخشوع والخضوع، وغير ذلك، وقد ندب أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين، ليكون ذلك مانعا من تلبسه بشيء من النقائص احتراما لهم، واستحياء منهم، فكيف بمن لا يزال اللَّه تعالى مطلعا عليه في سرّه وعلانيته. قال القاضي عياض رحمه اللَّه تعالى: وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة، من عقود الإيمان، وأعمال الجوارح، وإخلاص السرائر، والتحفظ من آفات الأعمال، حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه، ومتشعبة منه. قال: وعلى هذا الحديث وأقسامه الثلاثة، ألّفنا كتابنا الّذي سميناه: [المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان] ، إذ لا يشذّ شيء من الواجبات، والسنن، والرغائب، والمحظورات، والمكروهات، عن أقسامه الثلاثة. واللَّه تعالى أعلم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل» ، فيه أنه ينبغي للعالم والمفتي وغيرهما، إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، وأن ذلك لا ينقصه، بل يستدل به على ورعه، وتقواه، ووفور علمه. قوله: «أن تلد الأمة ربتها» ، وفي الرواية الأخرى «ربها» على التذكير، وفي الأخرى «بعلها» وقال: يعني السراري، ومعنى ربها وربتها، سيدها ومالكها، وسيدتها ومالكتها، قال الأكثرون من العلماء: هو إخبار عن كثره السراري وأولادهم، فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها، لأن مال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127   [ () ] الإنسان صائر إلى ولده، وقد يتصرف فيه في الحال تصرف المالكين، إما بتصريح أبيه له بالإذن، وإما يعلمه بقرينة الحال، أو عرف الاستعمال. وقيل: معناه أن الإماء يلدن الملوك، فتكون أمه من جملة رعيته، وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته، وهذا قول إبراهيم الحربي، وقيل: معناه أن تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد في آخر الزمان، فيكثر تردادها في أيدي المشترين، حتى يشتريها ابنها ولا يدري، ويحتمل على هذا القول أن لا يختص هذا بأمهات الأولاد، فإنه متصور في غيرهن، فإن الأمة تلد ولدا حرا من غير سيدها بشبهة، أو ولدا رقيقا بنكاح أو زنا، ثم تباع الأمة في الصورتين بيعا صحيحا، وتدور في الأيدي حتى يشتريها ولدها، وهذا أكثر وأعم من تقديره في أمهات الأولاد. وأما بعلها، فالصحيح في معناه أن البعل هو المالك أو السيد، فيكون بمعنى ربها على ما ذكرناه. قال أهل اللغة: بعل الشيء ربه ومالكه. وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما والمفسرون في قوله سبحانه وتعالى: أَتَدْعُونَ بَعْلًا: أي ربّا، وقيل: المراد بالبعل في الحديث، الزوج، ومعناه نحو ما تقدم، أنه يكثر بيع السراري حتى يتزوج الإنسان أمه وهو لا يدري، وهذا أيضا معنى صحيح، إلا أن الأول أظهر، لأنه إذا أمكن حمل الروايتين في القضية الواحدة على معنى كان أولى، واللَّه أعلم. واعلم أن هذا الحديث ليس فيه دليل على إباحة بيع أمهات الأولاد، ولا منع بيعهن، وقد استدل إمامان من كبار العلماء به على ذلك، فاستدل أحدهما على الإباحة، والأخر على المنع، وذلك عجب منهما، وقد أنكر عليهما، فإنه ليس كل ما أخبر صلى اللَّه عليه وسلّم بكونه من علامات الساعة يكون محرما أو مذموما، فإن تطاول الرعاء في البنيان، وفشو المال، وكون خمسين امرأة لهن قيم واحد ليس بحرام بلا شك، وإنما هذه علامات، والعلامة لا يشترط فيها شيء من ذلك، بل تكون بالخير والشّر، والمباح والمحرم، والواجب وغيره، واللَّه أعلم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان» ، أما العالة فهم الفقراء، والعائل الفقير، والعيلة الفقر، وعال الرجل يعيل عيلة أي افتقر، والرعاء بكسر الراء وبالمد، ويقال فيهم الرعاة بضمّ الراء وزيادة الهاء بلا مدّ، ومعناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والقافة، تبسط لهم الدنيا، حتى يتباهون في البنيان. واللَّه أعلم. قوله: «فلبث مليا» هكذا ضبطناه، لبث آخره ثاء مثلثة من غير تاء، وفي كثير من الأصول المحققة «لبثت» بزيادة تاء المتكلم، وكلاهما صحيح، وأما «مليا» بتشديد الياء، فمعناه وقتا طويلا، وفي رواية أبي داود والترمذي، أنه قال ذلك بعد ثلاث، وفي شرح السنة للبغوي بعد ثالثة، وظاهر هذا أنه بعد ثلاث ليال، وفي ظاهر هذا مخالفة لقوله في حديث أبي هريرة بعد هذا بم أدبر الرجل فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ردّوا عليّ الرجل، فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «هذا جبريل» فيحتمل الجمع بينهما أن عمر رضي اللَّه عنه لم يحضر قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لهم في الحال، بل كان قد قام من المجلس، فأخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الحاضرين في الحال، وأخبر عمر رضي اللَّه عنه بعد ثلاث، إذا لم يكن حاضرا وقت إخبار الباقين، واللَّه أعلم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» ، فيه أن الإيمان والإسلام والإحسان تسمى كلها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 نحوه، وقال فيه: فلبثت مليا [ (1) ] وخرجه الترمذي بنحو حديث مسلم وقال في آخره: فلقيني النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك بثلاث فقال: يا عمر، أتدري من السائل؟ ذاك جبريل أتاكم يعلمكم دينكم [ (2) ] . قال القاضي عياض: فقد قرر أن الإيمان محتاج [ (3) ] إلى العقد بالجنان، والإسلام   [ () ] دينا. واعلم أن هذا الحديث يجمع أنواعا من العلوم والمعارف، والآداب واللطائف، بل هو أصل الإسلام. ومن فوائد هذا الحديث: [1] أنه ينبغي لمن حضر مجلس العالم إذا علم بأهل المجلس حاجة إلى مسألة لا يسألون عنها، أن يسأل هو عنها ليحصل الجواب للجميع. [2] أنه ينبغي للعالم أن يرفق بالسائل ويدنيه منه، ليتمكن من سؤاله، غير هائب منه ولا منقبض. [3] أنه ينبغي للسائل أن يرفق في سؤاله. (المرجع السابق) : 1/ 269- 275. [ (1) ] (صحيح سنن الترمذي) : 3/ 887، باب (17) في القدر، حديث رقم (3928- 4695) ، (تحفة الأحوذي) : 12/ 300، كتاب السنة، باب (16) ، حديث رقم (4681) . [ (2) ] وأخرجه أيضا ابن ماجة، (صحيح ابن ماجة) : 1/ 16- 17، حديث رقم (53- 63) ، (54- 64) ، وقال في آخره: «ولكن سأحدثك عن أشراطها، إذا ولدت الأمة ربتها فذلك من أشراطها وإذا تطاول رعاء الغنم في البنيان فذلك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا اللَّه، فتلا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان: 34] . وأخرجه أيضا النسائي، وقال في أوله: «عن أبي هريرة وأبي ذر قالا: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه، وإنا لجلوس ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في مجلسه، إذ أقبل رجل أحسن الناس وجها، وأطيب الناس ريحا، كأن ثيابه لم يمسها دنس، حتى سلّم في طرف البساط فقال: السلام عليك يا محمد، فرد عليه السلام. قال: أدنو يا محمد،.. فما زال يقول: أدنو مرارا حتى وضع يده على ركبتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: يا محمد، أخبرني ما الإسلام ... وساق الحديث باختلاف يسير. (صحيح سنن النسائي) : 3/ 1025- 1026، كتاب (47) الإيمان وشرائعة، باب (6) صفة الإيمان والإسلام، حديث رقم (4618) . وأخرجه الإمام أحمد في المسند، وقال في آخره بعد قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: ذاك جبريل جاءكم يعلمكم دينكم، قال: وسأله رجل من جهينة، أو مزينة فقال: يا رسول اللَّه، فيما نعمل؟ أفي شيء قد خلا أو مضى؟ أو في شيء يستأنف الآن؟ قال: في شيء قد خلا أو مضى، فقال رجل أو بعض القوم: يا رسول اللَّه فيما نعمل؟ قال: أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ييسرون لعمل أهل النار. (مسند أحمد) : 1/ 46، مسند عمر بن الخطاب، حديث رقم (185) . [ (3) ] في (خ) «يحتاج» ، وما أثبتناه من (الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 به مضطر إلى النطق باللسان، وهذه الحالة المحمودة التامة، وأما الحال المذمومة: فالشهادة باللسان دون تصديق القلب، وهذا هو النفاق، قال: وللفرق بين القول والعقد ما جعل في حديث جبريل عليه السلام، الشهادة من الإسلام، والتصديق من الإيمان، وبقيت حالتان [أخريان بين هذين] [ (1) ] . إحداهما: أن يصدق بقلبه ثم يخترم [ (2) ] قبل اتساع وقت للشهادة بلسانه، فاختلف فيه فشرط بعضهم من تمام الإيمان القول والشهادة به، ورآه بعضهم مؤمنا مستوجبا للجنة لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان [ (3) ] ، فلم يذكر سوى ما في القلب، وهذا مؤمن بقلبه غير عاص ولا مفرط بترك غيره، وهذا هو الصحيح في هذا الوجه. الثانية: أن يصدق بقلبه ويطول مهلة وعلم ما يلزمه من الشهادة فلم ينطق بها جملة، ولا استشهد في عمره ولا مرة، فهذا اختلف فيه أيضا فقيل: هو مؤمن لأنه مصدق، والشهادة من جملة الأعمال، فهو عاص بتركها غير مخلد [في النار] [ (4) ] ، وقيل: ليس بمؤمن حتى يقارن عقده بشهادة، إذ الشهادة إنشاء عقد وإلزام إيمان، وهي مرتبطة مع العقد، ولا يتم التصديق مع المهملة إلا بها، وهذا هو الصحيح. وخرج الحاكم من حديث عبد الرازق عن معمر عن أيوب عن سعيد بن هيثم، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار، فجعلت أقول: أين [ (5) ] تصديقها في كتاب اللَّه، [وقلّ ما سمعت حديثا عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلا وجدت   [ (1) ] تكملة من المرجع السابق. [ (2) ] في (خ) و (الشفا) «يحترم» بالحاء، وما أثبتناه أجود للسياق، حيث اخترم فلان عنّا: مات وذهب، واخترمته المنية من بين أصحابه: أخذته من بينهم، واخترمهم الدهر وتخرّمهم أي اقتطعهم واستأصلهم، ويقال: خرمته الخوارم إذا مات. (لسان العرب) : 12/ 172 مادة خرم. [ (3) ] في (خ) : «الإيمان» ، وما أثبتناه من (الشفا) . [ (4) ] زيادة للسياق من هامش المرجع السابق. [ (5) ] في (خ) : «أن» ، ما أثبتناه من (المستدرك) : 2/ 372، كتاب التفسير، تفسير سورة هود عليه السلام، حديث رقم (3309/ 446) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 تصديقه في كتاب اللَّه تعالى] [ (1) ] ، حتى وجدت هذه الآية: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [ (2) ] ، قال: الأحزاب الملل كلها، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ***   [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة من (خ) ، وليست في (المستدرك) . [ (2) ] هود: 17. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 وأما فرض طاعته، فإذا وجب الإيمان به وتصديقه بما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتي به صلى اللَّه عليه وسلّم قال اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [ (1) ] ، وقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [ (2) ] ، فجمع تعالى بينهما بواو العطف المشتركة، ولا يجوز جمع هذا الكلام في غير حقه صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [ (3) ] ، وقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [ (4) ] ، وقال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ (5) ] ، وقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [ (6) ] الآية، وقال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [ (7) ] ، فجعل طاعة رسوله طاعته تعالى، وقرن طاعته بطاعة رسوله صلى اللَّه عليه وسلّم، ووعد على ذلك بجزيل الثواب، وأوعد على مخالفته بسوء العقاب، وأوجب امتثال أمره واجتناب نهيه، فبيّن أنه سبحانه وتعالى فرض على الكافة بأسرها طاعة رسوله صلى اللَّه عليه وسلّم فرضا مطلقا لا شرط فيه ولا استثناء، كما فرض تعالى طاعته ولم يقل من طاعتي، أو من كتابي أو بأمري، وحين فرض أمره ونهيه صلى اللَّه عليه وسلّم على الخلق طرا كفرض من التنزيل، لا يزاد في ذلك، ولا يطلب فيه تنبيه، كما أخبر تعالى عن قوم موسى عليه السلام أنهم قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [ (8) ] ، وذلك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أولى بأمته وبأموالهم وأنفسهم وأهليهم وذراريهم منهم بأنفسهم، قال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ (9) ] ، وقع ذلك منهم بوفاقهم وكراهيتهم، فإنه تعالى حكم على من وجد في نفسه شيئا من   [ (1) ] النساء: 59، وفي (خ) : «ورسوله» . [ (2) ] آل عمران: 32. [ (3) ] النور: 54. [ (4) ] النساء: 80. [ (5) ] الحشر: 7. [ (6) ] النساء: 69. [ (7) ] النساء: 64. [ (8) ] البقرة: 55. [ (9) ] الأحزاب: 6. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 حكمه صلى اللَّه عليه وسلّم وقضائه بالخروج من الإيمان، قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] ، فأقسم سبحانه وتعالى بأن أحدا لا يؤمن حتى يحكّم رسوله محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم مع تحكيمه إياه لا يجد في نفسه كرها لما قضى به عليه مما هو مخالف لهواه، بل يرضى بما حكم به، ويسلّم لأمره تسليما لا شائبة فيه من اعتراض ولا تعقيب. وانظر- أعزك اللَّه وهداك- كيف أقسم تعالى بإضافة الرب إلى كاف الخطاب، يتبين لك تعظيمه تعالى للرسول صلى اللَّه عليه وسلّم، حتى هنا: غاية، أي ينتفي عنهم الإيمان إلى هذه الغاية، فإذا وجد ما بعد الغاية كانوا مؤمنين، وفِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ، في كل أمر دنيوي وأخروي وقع بينهم فيه تنازع وتجاذب، ومعنى يُحَكِّمُوكَ: يجعلوك حكما، وفي الكلام حذف تقديره: فتقضي بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا، أي ضيقا من حكمك. وقال مجاهد: شكّا، لأن الشاكّ في ضيق من أمره حتى يلوح له الشأن، وقال الضحاك: إثما، أي سبب إثم، والمعنى: لا يخطر ببالهم ما يأثمون به من عدم الرضى، وقيل: هما وحزنا، ويسلموا: أي ينقادوا ويذعنوا لقضائك لا يعارضون فيه بشيء، قاله ابن عباس رضي اللَّه عنهما والجمهور. وقيل: معناه ويسلموا: أي سارعوا فيه لحكمك، ذكره الماوردي، وأكد تعلق الفعل بالمصدر على سبيل صدور التسليم حقيقة. قال المفسرون والأئمة: طاعة الرسول في التزام محبته والتسليم لما جاء به، وقالوا: وما أرسل اللَّه من رسول إلا فرض طاعته على من أرسله إليه، وقالوا: من يطع الرسول في سنته يطع اللَّه في فرائضه. وسئل سهل بن عبد اللَّه عن شرائع الإسلام فقال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [ (2) ] ، وقال السمرقندي: يقال: أطيعوا اللَّه في فرائضه والرسول في سننه، وقيل: أطيعوا اللَّه فيما حرّم عليكم والرسول فيما بلغكم، ويقال: أطيعوا اللَّه   [ (1) ] النساء: 65. [ (2) ] الحشر: 7. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 بالشهادة له بالربوبية، والنبي بالشهادة له بالنّبوّة. وخرج البخاري في كتاب الأحكام من حديث الزهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع [من] [ (1) ] أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: من أطاعني فقد أطاع اللَّه، ومن عصى أميري فقد عصاني [ (2) ] . وخرجه مسلم [ (3) ] مثله   [ (1) ] زيادة في السياق. [ (2) ] قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «من أطاعني فقد أطاع اللَّه» ، هذه الجملة منتزعه من قوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ، أي أني لا آمر إلا بما أمر اللَّه به، فمن فعل ما آمره به فإنما أطاع من أمرني أن آمره، ويحتمل أن يكون المعنى لأن اللَّه أمر بطاعتي فمن أطاعني فقد أطاع أمر اللَّه له بطاعتي، وفي المعصية كذلك. والطاعة هي الإتيان بالمأمور به، والانتهاء عن المنهي عنه، والعصيان بخلافه. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «ومن أطاع أميري فقد أطاعني» ، في رواية (همام) ، و (الأعرج) وغيرهما عند مسلم: «ومن أطاع الأمير» ، ويمكن رد اللفظين لمعنى واحد، فإن كل من يأمر بحق وكان عادلا فهو أمير الشارع، لأنه تولى بأمره وبشريعته، ويؤيده توحيد الجواب في الأمرين، وهو قوله: صلى اللَّه عليه وسلّم: «فقد أطاعني» ، أي عمل بما شرعته، وكأن الحكمة في تخصيص أميره بالذكر، أنه المراد وقت الخطاب، ولأنه سبب ورود الحديث. وأما الحكم، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ووقع في رواية همام أيضا: «ومن يطع الأمير فقد أطاعني» بصيغة المضارعة، وكذا «ومن يعص الأمير فقد عصاني» وهو أدخل في إرادة تعميم من خوطب ومن جاء بعد ذلك. قال ابن التين: قيل: كانت قريش ومن يليها من العرب لا يعرفون الإمارة، فكانوا يمتنعون على الأمراء، فقال هذا القول يحثهم على طاعة من يؤمرهم عليهم، والانقياد لهم، إذا بعثهم في السرايا، وإذا ولا هم البلاد، فلا يخرجوا عليهم، لئلا تفترق الكلمة. قال الحافظ في الفتح: هي عبارة الشافعيّ في (الأم) ، ذكره في سبب نزولها، وعجبت لبعض شيوخنا الشراح من الشافعية، فكيف قنع بنسبة هذا الكلام إلى ابن التين، معبرا عنه بصيغة «قيل» ، وابن التين إنما أخذه من كلام الخطابي؟ ووقع عند أحمد، وأبي يعلي، والطبراني، من حديث ابن عمر، قال: «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في نفر من أصحابه فقال: ألستم تعلمون أن من أطاعني فقد أطاع اللَّه، وأن من طاعة اللَّه طاعتي؟ قالوا: بلى نشهد، قال: فإن من طاعتي أن تطيعوا أمراءكم» . وفي لفظ: «أئمتكم» . وفي الحديث وجوب طاعة ولاه الأمور، وهي مقيدة بغير الأمر بالمعصية، والحكمة في الأمر بطاعتهم، المحافظة على اتفاق الكلمة، لما في الافتراق من الفساد، واللَّه أعلم. (فتح الباري) : 13/ 139- 141 ، كتاب الأحكام، باب (1) أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، حديث رقم (7137) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 464، كتاب الإمارة، باب (8) وجوب طاعة الأمراء من غير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 سواء، فطاعة الرسول من طاعة اللَّه، إذ اللَّه أمر بطاعته، وطاعته امتثال لما أمر اللَّه به وطاعة له. وقد حكى اللَّه تعالى عن الكفار في دركات [ (1) ] جهنم يوم تقلب وجوههم في النار يقولون: يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا [ (2) ] فتمنوا طاعته حيث لا ينفعهم التمني. وخرج البخاري ومسلم من حديث ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب قالا: كان أبو هريرة يحدث أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم [ (3) ] . وخرجه البخاري من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان   [ () ] معصية وتحريمها في المعصية، حديث رقم (32) ، (33) : قال الإمام النووي: أجمع العلماء على وجوبها في غير معصية، وعلى تحريمها في المعصية، قال العلماء: المراد بأولي الأمر، من أوجب اللَّه طاعته من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم. وقيل: هم العلماء، وقيل: هم الأمراء والعلماء، وأما من قال: الصحابة خاصة فقد أخطأ. (المرجع السابق) . [ (1) ] دركات النار: منازل أهلها، والنار دركات، والجنة درجات، والدّرك إلى أسفل، والدّرج إلى فوق. (لسان العرب) : 10/ 422 مادة درك. [ (2) ] الأحزاب: 66. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 118، كتاب الفضائل، باب (37) توقيره صلى اللَّه عليه وسلّم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به تكليف، وما لا يقع، ونحو ذلك، حديث رقم (130) . قال الإمام النووي: مقصود أحاديث الباب أنه صلى اللَّه عليه وسلّم نهاهم عن إكثار السؤال والابتداء بالسؤال عما لا يقع، ذكره ذلك لمعان: * منها أنه ربما كان سببا لتحريم شيء على المسلمين فيلحقهم به المشقة. * ومنها أنه ربما كان في الجواب ما يكرهه السائل ويسوؤه، ولهذا أنزل اللَّه تعالى في ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ* ومنها أنهم أحفوه صلى اللَّه عليه وسلّم بالمسألة، والحفوة المشقة والأذى، فيكون ذلك سببا لهلاكهم. (المرجع السابق) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. ذكره في كتاب الاعتصام [ (1) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 312، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (2) ، الاقتداء بسنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقول اللَّه تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً، حديث رقم (7288) . قال الإمام النووي: هذا من جوامع الكلم، وقواعد الإسلام، ويدخل فيه كثير من الأحكام، كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور، وكذا الوضوء، وستر العورة، وحفظ بعض الفاتحة، وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل، والإمساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في أثناء النهار، إلى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها. وقال غيره: فيه أن من عجز عن بعض الأمور لا يسقط عنه المقدور، وعبّر عنه بعض الفقهاء بأن الميسور لا يسقط بالمعسور، كما لا يسقط ما قدر عليه من أركان الصلاة بالعجز عن غيره، وتصح توبة الأعمى عن النظر المحرم، والمجبوب عن الزنا، لأن الأعمى والمجبوب قادران على الندم فلا يسقط عنهما بعجزهما عن العزم على عدم العود، إذ لا يتصور منهما العود عادة، فلا معنى للعزم على عدمه. * واستدل به على أن من أمر بشيء فعجز عن بعضه ففعل المقدور أنه يسقط عنه ما عجز عنه، وبذلك استدل المزني على أن [ما وجب أداؤه لا يجب قضاؤه] ، ومن ثم كان الصحيح أن القضاء بأمر جديد. واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات، لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك، وقيد في المأمورات بقدر الطاقة، وهذا منقول عن الإمام أحمد. فإن قيل: أن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضا، إذ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، فجوابه أن الاستطاعة تطلق باعتبارين، كذا قيل، والّذي يظهر أن التقييد في الأمر بالاستطاعة، لا يدل على المدعي مع الاعتناء به، بل هو من جهة الكف، إذ كل أحد قادر على الكف لولا داعية الشهوة مثلا، فلا يتصور عدم الاستطاعة عن الكف، بل كل مكلف قادر على الترك، بخلاف الفعل، فإن العجز عن تعاطيه محسوس، فمن ثم قيد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي. وعبّر الطوفي في هذا الموضوع بأن ترك المنهي عنه عبارة عن استصحاب حال عدمه، أو الاستمرار على عدمه، وفعل المأمور به عبارة عن إخراجه من العدم إلى الوجود، وقد نوزع بأن القدرة على استصحاب عدم النهي عنه قد تتخلف، واستدل له بجواز أكل المضطر الميتة، وأجيب بأن النهي في هذا عارضه الإذن بالتناول في تلك الحالة. وقال ابن فرج في (شرح الأربعين) : قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فاجتنوه» ، هو على إطلاقه، حتى يوجد ما يبيحه، كأكل الميتة عند الضرورة، وشرب الخمر عند الإكراه، والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان، كما نطق به القرآن. والتحقيق أن المكلف في ذلك كله ليس منهيا في تلك الحال، وأجاب الماوردي بأن الكف عن المعاصي ترك وهو سهل، وعمل الطاعة فعل وهو يشق، فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر لأنه ترك، والترك لا يعجز المعذور عنه، وأباح ترك العمل بالعذر لأن العمل قد يعجز المعذور عنه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136   [ () ] وادعى بعضهم أن قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهي وقد قيد بالاستطاعة واستويا، فحينئذ يكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الأمر دون النهي، أن العجز يكثر تصوره في الأمر بخلاف النهي، فإن تصور العجز فيه محصور في الاضطرار. وزعم بعضهم أن قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، نسخ قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ. والصحيح أن لا نسخ، بل المراد بحق تقاته، امتثال أمره واجتناب نهية مع القدرة لا مع العجز. واستدل به على أن المكروه يجب اجتنابه لعموم الأمر باجتناب المنهي عنه، فشمل الواجب والمندوب. وأجيب بأن قوله تعالى: فَاجْتَنِبُوهُ، يعمل به في الإيجاب والندب بالاعتبارين، ويجيء مثل هذا السؤال وجوابه في الجانب الآخر وهو الأمر. وقال الفاكهاني: النهي يكون تارة مع المانع من النقيض وهو المحرم، وتارة لا معه وهو المكروه، وظاهر الحديث يتناولهما. واستدل به على أن المباح ليس مأمورا به، لأن التأكيد في الفعل إنما يناسب الواجب والمندوب، وكذا عكسه. وأجيب بأن من قال: المباح مأمور به، لم يرد الأمر بمعنى الطلب، وإنما أراد بالمعنى الأعم وهو الإذن. واستدل به على أن الأمر لا يقتضي التكرار ولا عدمه، وقيل: يقتضيه، وقيل: يتوقف فيما زاد على مرة، وحديث الباب قد يتمسك به لذلك، لما في سببه أن السائل قال في الحج: أكل عام؟ فلو كان مطلقة يقتضي التكرار أو عدمه لم يحسن السؤال ولا العناية بالجواب. وقد يقال: إنما سأل استظهارا أو احتياطا. وقال المازري: يحتمل أن يقال: إن التكرار إنما احتمل من جهة أن الحج في اللغة قصد تكرار، فاحتمل عند السائل التكرار من جهة اللغة، لا من صيغة الأمر. وقد تمسك به من قال بإيجاب العمرة، لأن الأمر بالحج إذا كان معناه تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق، وقد ثبت في الإجماع أن الحج لا يجب إلا مرة، فيكون العود إليه مرة أخرى دالا على وجوب العمرة. * واستدل به على أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يجتهد في الأحكام لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «لو قلت نعم لوجبت» ، وأجاب من منع باحتمال أن يكون أوحى إليه ذلك في الحال. * واستدل به على أن جميع الأشياء على الإباحة، حتى يثبت المنع من قبل الشارع. * واستدل به على النهي عن كثرة المسائل والتعمق في ذلك. قال البغوي في (شرح السنة) : المسائل على وجهين: أحدهما: ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إليه من أمر الدين، فهو جائز، بل مأمور به لقوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، وعلى ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما. ثانيهما: ما كان على وجه التعنت والتكلف، وهو المراد في هذا الحديث، واللَّه تعالى أعلم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 وخرج البخاري ومسلم من حديث أبي أمامة عن بريدة عن أبي بريدة عن أبي موسى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إنما مثلي ومثل ما بعثني اللَّه به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم، إني رأيت الجيش بعينيّ وإني أنا النذير العريان، فالنجاء [النجاء] [ (1) ] ، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني [فاتبع] [ (2) ] ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق. لفظهما فيه متقارب، ولم يقل فيه مسلم: فنجوا. ذكره البخاري في كتاب الاعتصام [ (3) ] . ..   [ () ] ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن ذلك وذم السلف، فعند أحمد من حديث معاوية: «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم نهي عن الأغلوطات» ، قال الأوزاعي: هي شداد المسائل، وقال الأوزاعي أيضا: «إن اللَّه إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليظ، فلقد رأيتهم أقل الناس علما» . وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: «المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل» ، وقال ابن العربيّ: «كان النهي عن السؤال في العهد النبوي خشية أن ينزل ما يشق عليهم، فأما بعد فقد أمن ذلك، لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع» ، قال: «وإنه لمكروه إن لم يكن حراما، إلا للعلماء، فإنّهم فرعوا ومهدوا، فنفع اللَّه من بعدهم بذلك، ولا سيما مع ذهاب العلماء ودروس العلم. وينبغي أن يكون محل الكراهية للعالم، إذا شغله ذلك عما هو أعم منه، وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجردا عما يندر، ولا سيما في المختصرات ليسهل تناوله، واللَّه المستعان. * واستدل به على أن الاشتغال بالأهم المتاح إليه عاجلا عما لا يحتاج إليه في الحال، فكأنه قال: عليكم بفعل الأوامر واجتناب النواهي، فاجعلوا اشتغالكم بها عوضا عن الاشتغال بالسؤال عما لم يقع. فينبغي للمسلم أن يبحث عما جاء عن اللَّه ورسوله، ثم يجتهد في تفهم ذلك، والوقوف على المراد به، ثم يتشاغل بالعمل به، فإن كان من العلميات، يتشاغل بتصديقه واعتقاد أحقيته، وإن كان من العمليات، بذل وسعه في القيام به فعلا وتركا، فإن وجد وقتا زائدا على ذلك فلا بأس بأن يصرفه في الاشتغال بتعرف حكم ما سيقع على قصد العمل به أن لو وقع، فأما إن كانت الهمة مصروفة عن سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع، مع الإعراض عن القيام بمقتضى ما سمع، فإن هذا مما يدخل في النهي، فالتفقه في الدين إنما يحمد إذا كان للعمل، لا للمراء والجدال. (المرجع السابق) : 325- 328 . [ (1) ] في (خ) : «النجاء» مرتين خلافا لرواية البخاري. [ (2) ] في (خ) : «واتبع» ، وما أثبتناه من رواية البخاري. [ (3) ] (فتح الباري) : 13/ 311، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب (2) الاقتداء بسنن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقول اللَّه تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً، حديث رقم (7283) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 وفي كتاب الرقاق [ (1) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 11/ 383، كتاب الرقاق، باب (26) الانتهاء عن المعاصي، حديث رقم (6482) . قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «ما بعثني اللَّه» ، العائد محذوف، والتقدير بعثني اللَّه به إليكم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أتى قوما» التنكير فيه للشيوع. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «بعيني» ، بالإفراد، وللكشميهني بالتثنية بفتح النون والتشديد، قيل: ذكر العينين إرشادا إلى أنه تحقّق عنده ما أخبر عنه، تحقّق من رأى شيئا بعينه، لا يعتريه وهم، ولا يخالطه شك. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وإني أنا النذير العريان» ، قال ابن بطال: النذير العريان، رجل من خثعم، حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة، فقطع يده ويد امرأته، فانصرف إلى قومه فحذرهم، فضرب به المثل في تحقيق الخبر. قال الحافظ في الفتح: وسبق إلى ذلك يعقوب بن السكيت وغيره، وسمّى الّذي حمل عليه (عوف ابن عامر اليشكري) ، وأن المرأة كانت من بني كنانة، وتعقب باستبعاد تنزيل هذه القصة على لفظ الحديث، لأنه ليس فيها أنه كان عريانا. وزعم ابن الكلبي أن النذير العريان امرأة من بني عامر بن كعب، لما قتل المنذر بن ماء السماء أولاد أبي داود- وكان جار المنذر- خشيت على قومها، فركبت جملا ولحقت بهم وقالت: أنا النذير العريان. ويقال: أول من قاله أبرهة الحبشي لما أصابته الرمية بتهامة وقد سقط لحمه. وذكر أبو بشر الآمدي: أن زنبرا- بزاي ونون ساكنة ثم موحدة- ابن عمرو الخثعميّ، كان ناكحا في آل زبيد، فأرادوا أن يغزوا قومه، وخشوا أن ينذر بهم، فحرسه أربعة، فصادف منهم غرة، فقذف ثيابه وعدا، وكان من أشدّ الناس عدوا فأنذر قومه. وقال غيره: الأصل فيه أن رجلا لقي جيشا فسلبوه وأسروه، فانفلت إلى قومه فقال: إني رأيت الجيش فسلبوني، فرأوه عريانا فتحققوا صدقه، لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة، ولا جرت عادته بالتعري، فقطعوا بصدقة لهذه القرائن، فضرب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لنفسه ولما جاء به مثلا بذلك، لما أبداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقة، تقريبا لأفهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه. ويؤيد ما أخرجه الرامهرمزيّ في الأمثال، وعند أحمد أيضا بسند جيد، من حديث عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه قال: «خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم فنادى ثلاث مرات: أيها الناس، مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا أن يأتيهم، فبعثوا رجلا يترايا لهم، فبينما هم كذلك إذ أبصر العدو، فأقبل لينذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه، فأهوى بثوبه أيها الناس أتيتم ثلاث مرات» . وأحسن ما فسّر به الحديث من الحديث. وأخرجه أبو الشيخ بنحوه في كتاب (الأمثال في الحديث النبوي) ، وقال: رجاله رجال الصحيح. ص 297، حديث رقم (253) . وهذا كله يدل على أن العريان من التعري، وهو المعروف في الرواية. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فالنجاء النجاء» ، بالمد فيهما، وبمد الأولى وقصر الثانية، وبالقصر فيهما تخفيفا، وهو منصوب على الإغراء، أي اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب، إشارة إلى أنهم لا يطيقون مقاومة ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 وخرج البخاري من حديث سعيد بن ميناء قال: حدثنا- أو سمعت- جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه يقول: جاءت ملائكة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: [بأن] [ (1) ] لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل [من] [ (2) ] المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل [من] [ (2) ] المأدبة، فقالوا: أولوها له بفقهها، [قال] [ (3) ] بعضهم: إنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعي محمد صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] ، فمن أطاع محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] فقد أطاع اللَّه، ومن عصى محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] فقد عصى اللَّه، ومحمد فرق بين   [ () ] الجيش. قال الطيبي: في كلامه أنواع من التأكيدات: * أحدها: «بعيني» . * ثانيهما: «وإني أنا» . * ثالثها: «العريان» ، لأنه الغاية في قرب العدو، ولأنه الّذي يختص في إنذاره بالصدق. قوله: «فأطاعه طائفه» ، كذا فيه بالتذكير، لأن المراد بعض القوم. قوله: «فأدلجوا» ، بهمزة قطع ثم سكون، أي ساروا أول الليل، أو ساروا الليل كله، على الاختلاف في مدلول هذه اللفظة. قوله: «على مهلهم» ، بفتحتين، والمراد به الهينة والسكون، وبفتح أوله وسكون ثانيه الإمهال، وليس مرادا هنا، وفي رواية مسلم «على مهلتهم» بزيادة تاء تأنيث، وضبطه النووي بضم الميم وسكون الهاء وفتح اللام. قوله: «وكذبته طائفة» ، قال الطيبي: عبّر في الفرقة الأولى بالطاعة، وفي الثانية بالتكذيب، ليؤذن بأن الطاعة مسبوقة بالتصديق، ويشعر بأن التكذيب مستتبع للعصيان. قوله: «فصبّحهم الجيش» ، أي أتاهم صباحا، هذا أصله، ثم كثر استعماله، حتى استعمل فيمن طرق بغتة في أي وقت كان. قوله: «فاجتاحهم» ، بجيم ثم حاء مهملة، أي استأصلهم، من جحت الشيء أجوحه إذا استأصلته، والاسم: الجائحة، وهي الهلاك، وأطلقت على الآفة لأنها مهلكة. قال الطيبي: شبه صلى اللَّه عليه وسلّم نفسه بالرجل، وإنذاره بالعذاب القريب بإنذار الرجل قومه بالجيش المصبح، وشبه من أطاعه من أمته ومن عصاه، بمن كذّب الرجل في إنذاره ومن صدّقه. [ (1) ] كذا في (خ) ورواية البخاري: «إن» . [ (2) ] زيادات من رواية البخاري. [ (3) ] كذا في (خ) ، ورواية البخاري «فقال» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 الناس [ (1) ] [ (2) ] ...   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 310، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب [ (2) ] الاقتداء بسنن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقول اللَّه تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً، حديث رقم (7281) . قوله: «حدثنا أو سمعت» ، القائل ذلك سعيد بن ميناء، والشّاك هو سليم بن حيان، شك في أيّ الصيغتين قالها شيخه سعيد. قوله: «جاءت ملائكة» ، لم أقف على أسمائهم ولا أسماء بعضهم، ولكن في رواية سعيد بن أبي هلال المعلقة عقب هذا عن الترمذي أن الّذي حضر في هذه القصة جبريل وميكائيل، ولفظة: «خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوما فقال: إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رجلي..» ، فيحتمل أنه كان مع كل منهما غيره. واقتصر في هذه الرواية على من باشر الكلام منهم ابتداء وجوابا، ووقع في حديث ابن مسعود عند الترمذي، وحسنه وصححه ابن خزيمة: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم توسّد فخذه فرقد، وكان إذا نام نفخ، قال: فبينا أنا قاعد، إذ أنا برجال عليهم ثياب بيض، اللَّه أعلم بما بهم من الجمال، فجلست طائفة منهم عند رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وطائفة منهم عند رجليه. قوله: «إن لصاحبكم هذا مثلا قال: فاضربوا له مثلا» ، كذا للأكثر، وسقط لفظ «قال» من رواية أبي ذر. قوله: «فقال بعضهم: إنه نائم ... إلى قوله: يقظان» ، قال الرامهرمزيّ: هذا تمثيل يراد به حياة القلب وصحة خواطره، يقال: رجل يقظ، إذا كان ذكي القلب، وفي حديث ابن مسعود، فقالوا بينهم: ما رأينا عبدا قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي، إن عينيه تنامان وقلبه يقظان، اضربوا له مثلا. وفي رواية سعيد بن أبي هلال: فقال أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا، فقال: «اسمع سمع أذنك، واعقل عقل قلبك، إنما مثلك» . ونحوه في حديث ربيعة الجرشي، عند الطبراني، زاد أحمد في حديث ابن مسعود، فقالوا: اضربوا له مثلا، ونؤول أو نضرب وأولوا، وفيه: ليعقل قلبك. قوله: «مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة» ، في حديث ابن مسعود: «مثل سيد بنى قصرا» ، وفي رواية أحمد: «بنيانا حصينا ثم جعل فيها مأدبة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه، فمن أجاب أكل من طعامه وشرب من شرابه، ومن لم يجبه عاقبه- أو قال- عذبه» . وفي رواية أحمد «عذب عذابا شديدا. والمأدبة بسكون الهمزة وضم الدال بعدها موحدة، وحكى بالفتح، وقال ابن التين: عن أبي عبد الملك الضم والفتح لغتان فصيحتان، وقال الرامهرمزيّ نحوه في حديث «القرآن مأدبة اللَّه» قال: وقال لي أبو موسى الحامض: من قاله بالضم أراد الوليمة، ومن قاله بالفتح أراد أدب اللَّه الّذي أدب به عباده. قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا يتعين الضم. قوله: «فبعث داعيا» ، في رواية سعيد: «ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه» . قوله: «فقال بعضهم: أوّلوها بفقهها» ، قيل: يؤخذ منه حجة لأهل التعبير، أن التعبير إذا وقع في المنام اعتمد عليه. قال ابن بطال: قوله: «أولوها له» يدل على أن الرؤيا ما عبرت في النوم، أ. هـ. وفيه نظر لاحتمال الاختصاص بهذه القصة، لكون الرائي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، والمرئي الملائكة، فلا يطرد ذلك في حق غيرهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141   [ () ] قوله: «فقالوا: الدار الجنة» ، أي الممثل بها، زاد في رواية سعيد بن أبي هلال: «فاللَّه هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد رسول اللَّه» . وفي حديث ابن مسعود عند أحمد: «أما السيد فهو اللَّه رب العالمين، وأما البنيان فهو الإسلام، والطعام الجنة، ومحمد الداعي» ، فمن اتبعه كان في الجنة. قوله: «فمن أطاع محمدا فقد أطاع اللَّه» ، أي لأنه رسول صاحب المأدبة، فمن أجابه ودخل في دعوته أكل من المأدبة، وهو كناية عن دخول الجنة، ووقع بيان ذلك في رواية سعيد، ولفظه: «وأنت يا محمد رسول اللَّه، فمن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل ما فيها» . قوله: «ومحمد فرق بين الناس» ، كذا لأبي ذر بتشديد الراء فعلا ماضيا، ولغيره بسكون الراء والتنوين، وكلاهما متجه. قال الكرماني: ليس المقصود من هذا التمثيل تشبيه المفرد بالمفرد، بل تشبيه المركّب بالمركّب، مع قطع النظر عن مطابقة المفردات من الطرفين. أ. هـ. وقد وقع في غير هذه الطريق ما يدل على المطابقة المذكورة، زاد في حديث ابن مسعود: «فلما استيقظ قال: سمعت ما قال هؤلاء، هل تدري من هم؟ قلت: اللَّه ورسوله أعلم، قال: هم الملائكة، والمثل الّذي ضربوا: الرحمن بنى الجنة ودعا إليها عباده» الحديث. تنبيه: قال الحافظ في الفتح: تقدم في كتاب المناقب من وجه آخر عن سليم بن حيان بهذا الإسناد، «قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة» الحديث. وهو حديث آخر، وتمثيل آخر، فالحديث الّذي في المناقب- وهو الحديث رقم (3534) - يتعلق بالنّبوّة وكونه صلى اللَّه عليه وسلّم خاتم النبيين. وهذا يتعلق بالدعاء إلى الإسلام، وبأحوال من أجاب أو امتنع، وقد وهم من خلطهما كأبي نعيم في (المستخرج) ، فإنه لما ضاق عليه مخرج حديث الباب، ولم يجده مرويا عنده، أورد حديث اللبنة، ظنا منه أنهما حديث واحد، وليس كذلك لما بينته. وسلّم الإسماعيلي من ذلك، فإنه لما لم يجده في مروياته، أورده من روايته عن الفربري، بالإجازة عن البخاري بسنده، وقد روى يزيد بن هارون بهذا السند حديث اللبنة، أخرجه أبو الشيخ في (كتاب الأمثال) ، من طريق أحمد بن سنان الواسطي عنه، وساق بهذا السند حديث «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا» أ لحديث، لكنه عن أبي هريرة لا عن جابر، وقد ذكر الرامهرمزيّ حديث الباب في (كتاب الأمثال) معلقا فقال: وروى يزيد بن هارون، فساق السند ولم يوصل سنده بيزيد، وأورد معناه من مرسل الضحاك بن مزاحم. [ (2) ] زاد في رواية البخاري بعد قوله: «ومحمد فرّق بين الناس» ، تابعه قتيبة عن ليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال «عن جابر، خرج علينا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ... » . قوله: «تابعه قتيبة عن ليث» ، يعني ابن سعد، «عن خالد» ، يعني ابن يزيد، وهو أبو عبد الرحيم المصري أحد الثقات. قوله: «عن سعيد بن أبي هلال عن جابر قال: خرج علينا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، هكذا اقتصر على هذا القدر من الحديث، وظاهر أن بقية الحديث مثله، وقد بينت ما بينهما من الاختلاف، وقد وصله الترمذي عن قتيبة بهذا السند، ووصله أيضا الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان، وأبو نعيم من طريق أبي العباس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142   [ () ] السراج، كلاهما عن قتيبة، ونسب السراج في روايته الليث وشيخه كما ذكرته. قال الترمذي بعد تخريجه: هذا حديث مرسل، سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابر بن عبد اللَّه. قال الحافظ ابن حجر: وفائدة إيراد البخاري له، رفع التوهم عمن يظن أن طريق سعيد بن ميناء موقوفة، لأنه لم يصرح برفع ذلك إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فأتى بهذه الطريق لتصريحها، ثم قال الترمذي: وجاء من غير وجه عن النبي بإسناد أصحّ من هذا. قال: وفي الباب عن ابن مسعود، ثم ساقه بسنده وصححه، وقد بينت ما فيه أيضا بحمد اللَّه تعالى. ووصف الترمذي له بأنه مرسل، يريد أنه منقطع بين سعيد وجابر، وقد اعتضد هذا المنقطع بحديث ربيعة الجرشي عند الطبراني، فإنه بنحو سياقه وسنده جيد، وسعيد بن أبي هلال غير سعيد بن ميناء الّذي في السند الأول، وكل منهما مدني، لكن ابن ميناء تابعي، بخلاف ابن أبي هلال. والجمع بينهما إما بتعدد المرئي، وهو واضح، أو بأنه منام واحد، حفظ فيه بعض الرواة ما لم يحفظ غيره، وتقدم طريق الجمع بين اقتصاره على جبريل وميكائيل في حديث، وذكره الملائكة بصيغة الجمع في الجانبين الدال على الكثرة في آخر، وظاهر رواية سعيد بن أبي هلال أن الرؤيا كانت في بيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لقوله: «خرج علينا فقال: إني رأيت في المنام» . وفي حديث ابن مسعود أن ذلك كان بعد أن خرج إلى الجن فقرأ عليهم، ثم أغفى عند الصبح فجاءوا إليه حينئذ. ويجمع بأن الرؤيا كانت على ما وصف ابن مسعود، فلما رجع إلى منزله خرج على أصحابه فقصها، وما عدا ذلك فليس بينهما منافاة، إذ وصف الملائكة برجال حسان، يشير إلى أنهم تشكلوا بصورة الرجال. وقد أخرج أحمد والبزار والطبراني، من طريق علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، نحو أول حديث سعيد بن أبي هلال، لكن لم يسمّ الملكين، وساق المثل على غير سياق من تقدم، قال: «إن مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر، انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة، ولا ما يرجعون به، فبينما هم كذلك، إذ أتاهم رجل فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة، وحياضا رواء، أتتبعوني؟ قالوا: نعم، فانطلق بهم فأوردهم، فأكلوا، وشربوا، وسمنوا، فقال لهم: إن بين أيديكم رياضا هي أعشب من هذه، وحياضا أروى من هذه فاتبعوني، فقالت طائفة: صدق، واللَّه لنتبعه، وقالت طائفة: قد رضينا بهذا نقيم عليه» . وهذا إن كان محفوظا قوى الحمل على التعدد، إما للمنام وإما لضرب المثل، ولكن عليّ بن زيد ضعيف من قبل حفظه. قال ابن العربيّ في حديث ابن مسعود: إن المقصود «المأدبة» ، وهو ما يؤكل ويشرب، ففيه رد على الصوفية الذين يقولون: لا مطلوب في الجنة إلا الوصال، والحق أن لا وصال لنا إلا بانقضاء الشهوات الجسمانية والنفسانية والمحسوسة والمعقولة، وجماع ذلك كله في الجنة. (أ. هـ) . وليس ما ادّعاه من المرد بواضح، قال: وفيه أن من أجاب الدعوة أكرم، ومن لم يجبها أهين، وهو بخلاف قولهم: من دعوناه فلم يجبنا فله الفضل علينا، فإن أجابنا فلنا الفضل عليه، فإنه مقبول في النظر، وأما حكم العبد مع المولى، فهو كما تضمنه هذا الحديث. (المرجع السابق) : 317- 320. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 وله من حديث فليح: حدثنا هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي، قالوا: [يا رسول اللَّه] [ (1) ] ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي [ (2) ] » . ذكره والّذي قبله في كتاب الاعتصام. ***   [ (1) ] ما بين الحاصرتين تكملة من رواية البخاري. [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 310، كتاب الاعتصام بالسنة، باب (2) الاقتداء بسنن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقول اللَّه تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً، حديث رقم (7280) . قوله: «فليح» ، بالفاء والمهملة، مصغر، هو ابن سليمان المدني، وشيخه هلال بن علي، هو الّذي يقال له ابن ميمونة. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبي» ، بفتح الموحّدة، أي امتنع، وظاهره أن العموم مستمر، لأن كلّا منهم لا يمتنع من دخول الجنة، ولذلك قالوا: «ومن يأبى» فبين لهم أن إسناد الامتناع إليهم عن الدخول، مجاز عن الامتناع عن سننه، وهو عصيان الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم. وأخرج أحمد والحاكم من طريق صالح بن كيسان عن الأعرج، عن أبي هريرة رفعه «لتدخلن الجنة إلا من أبي وشرد على اللَّه شراد البعير» ، وسنده على شرط الشيخين، وله شاهد عن أبي أمامة عن الطبراني، وسنده جيد، والموصوف بالإباء وهو الامتناع، إن كان كافرا فهو لا يدخل الجنة أصلا، وإن كان مؤمنا، فالمراد منعه من دخولها مع أول داخل، إلا من شاء اللَّه تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهداه صلى اللَّه عليه وسلّم فقد قال اللَّه تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [ (1) ] فوعد تعالى محبته ومغفرته [للذين] [ (2) ] اتبعوا الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وآثروه على أهوائهم وما تجنح إليه نفوسهم، قال الحسن: إن أقواما قالوا: يا رسول اللَّه، إنا نحب اللَّه، فأنزل اللَّه سبحانه وتعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ الآية، وقيل إن كعب بن الأشرف وغيره قالوا: نحن أبناء اللَّه وأحباؤه، ونحن أشد حبا للَّه، فأنزل اللَّه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ الآية، وقال الزجاج: معناه إن كنتم تحبون اللَّه أن تقصدوا طاعته فافعلوا ما أمركم، إذ محبة العبد للَّه والرسول طاعته لهما ورضاه بما أمر، ومحبة اللَّه لهم عفوه عنهم وإنعامه عليهم برحمته، وقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [ (3) ] ، فأمر تعالى الكافة بمتابعته صلى اللَّه عليه وسلّم، ووعدهم الاهتداء باتباعه لأنه اللَّه تعالى أرسله بالهدى ودين الحق ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى صراط مستقيم. وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية، أي ينقادون لحكمك، يقال: سلم واستسلم وامتثل إذا انقاد، فجعل تعالى صحة إيمان خليقته بانقيادهم له صلى اللَّه عليه وسلّم ورضائهم بحكمه وترك الاعتراض عليه. وقال سهل في قوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [ (4) ] قال: بمتابعة السنة. وخرج أبو داود من حديث ثور بن يزيد قال: حدثني خالد بن معدان قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر قالا: أتينا العرباض بن   [ (1) ] آل عمران: 31. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] الأعراف: 158. [ (4) ] الفاتحة: 7. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 سارية [ (1) ] وهو ممن نزل فيه: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [ (2) ] ، فتكلمنا وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض: صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة تامة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول اللَّه [كأن] [ (3) ] هذه موعظة مودّع فماذا تعهد إلينا، فقال: أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ...   [ (1) ] هو العرباض بن سارية السلمي، من أعيان أهل الصّفّة، سكن حمص، وروى أحاديث، روي عنه جبير بن نفير، وأبو رهم السّمعي، وعبد الرحمن بن عمرو السّلمي، وحبيب بن عبيد، وحجر بن حجر، ويحى بن أبي المطاع، وعمر بن الأسود وعدّة. ابن وهب: حدثنا سعيد بن أبي أيوب، عن سعد بن إبراهيم، عن عروة بن رويم، عن العرباض بن سارية- وكان يحب أن يقبض- فكان يدعو: اللَّهمّ كبرت سني، ووهن عظمي، فاقبضني إليك. قال: فبينا أنا يوما في مسجد دمشق أصلي، وأدعو أن أقبض، إذا أنا بفتى من أجمل الرجال، وعليه دوّاج [ثوب] أخضر، فقال: ما هذا الّذي تدعو به؟ قلت: كيف أدعو يا ابن أخي؟ قال: قل اللَّهمّ حسن العمل وبلّغ الأجل. فقلت: ومن أنت يرحمك اللَّه؟ قال: أنا «رتبابيل» الّذي يسلّ الحزن من صدور المؤمنين، ثم التفت فلم أر شيئا. قال أحمد بن حنبل: كنية العرباض، أبو نجيح. روى إسماعيل بن عيّاش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، قال: قال عتبة بن عبد: أتينا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم سبعة من بني سليم، أكبرنا العرباض بن سارية فبايعناه. [رجاله ثقات] . إسماعيل بن عيّاش: حدثنا أبو بكر بن عبد اللَّه، عن حبيب بن عبيد، عن العرباض: قال: لولا أن يقال: فعل أبو نجيح، لألحقت مالي سبلة، ثم لحقت واديا من أودية لبنان عبدت اللَّه حتى أموت. شعبة: عن أبي الفيض؟ سمع أبا حفص الحمّصي يقول: أعطى معاوية المقداد حمارا من المغنم، فقال له العرباض بن سارية: ما كان لك أن تأخذه، ولا له أن يعطيك، كأني بك في النار تحمله، فردّه. قال أبو مسهر وغيره: توفي العرباض سنة خمس وسبعين. * (طبقات ابن سعد) : 4/ 276، 7/ 412، (التاريخ الكبير) : 7/ 85، (الجرح والتعديل) : 7/ 39، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 330، (مرآة الجنان) : 1/ 156، (الإصابة) : 4/ 482، ترجمة رقم (5505) ، (تهذيب التهذيب) : 7/ 147، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/ 436، (شذرات الذهب) : 1/ 82، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 419- 422 ، ترجمة رقم (71) . [ (2) ] التوبة: 92، وتمامها: تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ. [ (3) ] تكملة من (صحيح سنن أبي داود) : 3/ 871، حديث رقم (3851- 4607) ، قال الألباني: صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 ضلالة [ (1) ] . وأخرجه الترمذي [ (2) ] وقال: حديث حسن صحيح. وخرج بقي بن مخلد من حديث زيد بن الجناب عن معاوية بن صالح قال: حدثني الحسن بن جابر أنه سمع المقدام بن معديكرب يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يوشك برجل متكئ على أريكته يحدث بحديثي يقول: بيننا وبينكم كتاب اللَّه،   [ (1) ] قوله: «فسلمنا» ، أي على العرباض، «زائرين» من الزيارة، «وعائدين» من العيادة، «ومقتبسين» ، أي محصلين منك العلم، «ذرفت» ، أي دمعت، «ووجلت» ، أي خافت، «كأن هذه موعظة مودع» ، فإن المودّع- بكسر الدال- عند الوداع، لا يترك شيئا مما يهم المودّع- بفتح الدال- أي كأنك تودعنا بها، لما رأى من مبالغته صلى اللَّه عليه وسلّم في الموعظة، «فماذا تعهد» ، أي توصي، «وإن عبدا حبشيا» أي وإن كان المطاع عبدا حبشيا. قال الخطابيّ: يريد به طاعة من ولاه الإمام عليكم وإن كان عبدا حبشيا، ولم يرد بذلك أن يكون الإمام عبدا حبشيا. وقد ثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «الأئمة من قريش» ، وقد يضرب المثل في الشيء بما لا يكاد يصح في الوجود، كقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «من بنى للَّه مسجدا ولو مثل مفحص قطاة، بنى اللَّه له بيتا في الجنة» ، وقدر مفحص القطاة لا يكون مسجدا لشخص آدمي، ونظائر هذا الكلام كثير. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وعضوا عليها بالنواجذ» ، جمع ناجذة بالذال المعجمة، قيل: هو الضرس الأخير، وقيل: هو مرادف السن، وهو كناية عن شدة ملازمة السنة والتمسك بها. وقال الخطابي: وقد يكون معناه أيضا الأمر بالصبر على ما يصيبه من المضض في ذات اللَّه، كما يفعله المتألم بالوجع يصيبه. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وإياكم ومحدثات الأمور» ، قال الحافظ ابن رجب في كتاب (جامع العلوم والحكم) : فيه تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة، وأكد ذلك بقوله: «وكل بدعة ضلالة» . والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا، وإن كان بدعة لغة. فقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وكل بدعة ضلالة» ، من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين. وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي اللَّه عنه في التراويح: «نعمت البدعة هذه» ، وروى عنه أنه قال: «إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة» ، ومن ذلك أذان الجمعة الأول، زاده عثمان لحاجة الناس إليه، وأقرّه عليّ، واستمر عمل المسلمين عليه. وروى عن ابن عمر أنه قال: هو بدعة، ولعله أراد ما أراد أبوه في التراويح. (عون المعبود) : 12/ 234، كتاب السنه، باب التمسك بالسنة، حديث رقم (4594) . [ (2) ] قال المنذري: وأخرجه الترمذي وابن ماجة، وليس في حديثهما ذكر حجر بن حجر، غير أن الترمذي أشار إليه تعليقا، وقال الترمذي: حسن صحيح. والخلفاء: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي: والمحدث على قسمين: محدث ليس له أصل إلا الشهوة والعمل بالإرادة فهذا باطل، وما كان على قواعد الأصول أو مردود إليها فليس ببدعة ولا ضلالة. (المرجع السابق) : 235. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 وما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول اللَّه مثل ما حرم اللَّه [ (1) ] . وخرج البخاري في كتاب الأدب [ (2) ] وفي كتاب الاعتصام [ (3) ] من حديث الأعمشي، حدثنا مسلم عن مسروق [قال] [ (4) ] : قالت عائشة رضي اللَّه عنها: صنع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم شيئا [فرخص] [ (5) ] فيه فتنزه عنه قوم، فبلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فخطب فحمد   [ (1) ] أخرج أبو داود نحوه في كتاب السنة، باب لزوم السنة، حديث رقم (3848- 4604) : عن المقدام بن معديكرب، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السّبع، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغنى عنها صاحبها. ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه» . وحديث رقم (3849- 4605) :، عن أبي رافع عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «لا ألفينّ أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا ندري ما وجدنا في كتاب اللَّه اتبعناه. (صحيح سنن أبي داود للألباني) : 3/ 870- 871. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «على أريكته» أي على سريره المزين بالحلل والأثواب، وأراد بهذه الصفة أصحاب الترفة والدعة، الذين لزموا البيوت، ولم يطلبوا العلم من مظانه. قال الخطابي: في الحديث دليل على أن لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم شيء كان حجة بنفسه، فأما ما رواه بعضهم أنه قال: إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على الكتاب فإن وافقه فخذوه، فإنه حديث باطل لا أصل له. وقد حكى زكريا الساجي عن يحى بن معين أنه قال: هذا حديث وضعته الزنادقة. قال المنذري: وأخرجه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه، وحديث أبي داود أتم من حديثهما. (عون المعبود) 12/ 231، حديث رقم (4591) . [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 628، باب (72) من لم يواجه الناس بالعتاب، حديث رقم (6101) . [أي حياء منهم] . [ (3) ] (المرجع السابق) : 13/ 342، باب (5) ما يكره من التعمق والتنازع والغلوّ في الدين والبدع، لقوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، حديث رقم (7301) . قوله: «صنع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم شيئا فترخص فيه» ، في رواية مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش: «رخّص النبي في أمر» . قوله: «فتنزه عنه قوم» ، في رواية مسلم من طريق جرير عن الأعمش «فبلغ ذلك ناسا من أصحابه فكأنهم كرهوه وتنزهوا» . قوله: «فخطب» ، في رواية أبي معاوية «فبلغ ذلك النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فغضب حتى بان الغضب في وجهه. [ (4) ] زيادة للسياق. [ (5) ] في (خ) : «ترخص فيه» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 اللَّه ثم قال: [ما بال] [ (1) ] أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فو اللَّه إني لأعلمهم باللَّه وأشدهم [له] [ (1) ] خشية. وخرجه مسلم بنحوه أو قريب منه [ (2) ] . وخرج الترمذي من حديث سفيان عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي عن   [ (1) ] تكملة من البخاري. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 115، كتاب الفضائل، باب (35) علمه صلى اللَّه عليه وسلّم باللَّه تعالى وشدة خشيته، حديث رقم (127) ، (128) . قوله: «ما بال أقوام» ، في رواية جرير «ما بال رجال» قال ابن بطال: هذا لا ينافي الترجمة، لأن المراد بها المواجهة مع التعيين، كأن يقول: ما بالك يا فلان تفعل كذا، وما بال فلان يفعل كذا، فأما مع الإبهام فلم تحصل المواجهة وإن كانت صورتها موجودة، وهي مخاطبة من فعل ذلك، لكنه لما كان من جملة المخاطبين ولم يميز عنهم، صار كأنه لم يخاطب. قوله: «يتنزهون عن الشيء أصنعه» ، في رواية جرير «بلغهم عني أمر ترخّصت فيه فكرهوه وتنزهوا عنه» ، وفي رواية أبي معاوية: «يرغبون عما رخص لي فيه» . قوله: «فو اللَّه إني لأعلمهم باللَّه وأشدهم له خشية» ، جمع بين القوة العملية، والقوة العلمية، أي أنهم توهموا أن رغبتهم عما أفعل أقرب لهم عند اللَّه، وليس كذلك، إذ هو أعلمهم بالقربة، وأولادهم بالعمل بها. قال ابن بطال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رفيقا بأمته، فلذلك خفف عنهم العتاب، لأنهم فعلوا ما يجوز لهم من الأخذ بالشدة، ولو كان ذلك حراما لأمرهم بالرجوع إلى فعله. قال الحافظ ابن حجر: أما المعاتبة فقد حصلت منه لهم بلا ريب، وإنما لم يميز الّذي صدر منه ذلك سترا عليه، فحصل منه الرّفق من هذه الحيثية، لا بترك العتاب أصلا، وأما استدلاله بكون ما فعلوه غير حرام، فواضح من جهة أنه لم يلزمهم بفعل ما فعله هو. وفي الحديث الحث على الاقتداء بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، وذم التعمق والتنزه عن المباح، وحسن العشرة عند الموعظة، والإنكار والتلطف في ذلك. قال الإمام النووي في شرح مسلم: فيه الحث على الاقتداء به صلى اللَّه عليه وسلّم، والنهي عن التعمق في العبادة، وذم التنزه عن المباح شكّا في إباحته. * وفيه الغضب عند انتهاك حرمات الشرع. وإن كان المنتهك متأولا تأويلا باطلا. * وفيه حسن المعاشرة بإرسال التعزير والإنكار في الجمع، ولا يعين فاعله، فيقال: ما بال أقوام ونحوه. * وفيه أن القرب إلى اللَّه تعالى سبب لزيادة العلم به وشدة خشيته. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فو اللَّه لأنا أعلمهم باللَّه وأشدهم له خشية» ، فمعناه أنهم يتوهمون أن سننهم عما فعلت أقرب لهم عند اللَّه، وإن فعل خلاف ذلك، وليس كما توهموا، بل أنا أعلمهم باللَّه وأشدهم له خشية، وإنما يكون القرب إليه سبحانه وتعالى، والخشية له على حسب ما أمر، لا بمخيلات النفوس، وتكلف أعمال لم يأمر بها. واللَّه أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 عبد اللَّه بن يزيد عن عبد اللَّه بن عمرو [بن العاص] [ (1) ] رضي اللَّه [عنهما] [ (2) ] قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية [ليكوننّ] [ (3) ] في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، [وستفترق] [ (4) ] أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا من هي يا رسول اللَّه؟ قال: [من كان على] [ (5) ] ما أنا عليه وأصحابي. قال أبو عيسى: هذا حديث مفسّر غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه [ (6) ] . قال الترمذي: الإفريقي ضعيف عند أهل الحديث،   [ (1) ] تكملة من (جامع الأصول) : 10/ 33. [ (2) ] في (خ) : «عنه» . [ (3) ] في (خ) : «لكان» . [ (4) ] في (خ) : «وتفترق» ، والتصويب من المرجع السابق. [ (5) ] تكملة من المرجع السابق، حديث رقم 7491. [ (6) ] قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «ليأتينّ على أمتي» ، من الإتيان وهي المجيء بسهولة، وعدّى بعلي لمعنى الغلبة المؤدية إلى الهلاك، ومنه قوله تعالى: ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ [الذاريات: 42] . قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «حذو النعل بالنعل» استعارة في التساوي، وقيل: الحذو القطع والتقدير أيضا، يقال: حذوت النعل بالنعل إذا قدرت كل واحدة من طاقاتها على صاحبتها لتكونا على السواء، ونصبه على المصدر، أي يحذونهم حذوا مثل حذو النعل بالنعل، أي تلك المماثلة المذكورة في غاية المطابقة والموافقة، كمطابقة النعل بالنعل. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «حتى إذا كان منهم من أتى أمه» ، حتى: ابتدائية، والواقع بعده جملة شرطية، وإتيان الأم كناية عن الزنا. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين مله» ، سمى صلى اللَّه عليه وسلّم طريقة كل واحد منهم «ملة» اتساعا، وهي في الأصل ما شرع اللَّه لعباده على ألسنة أنبيائه ليتوصلوا به إلى القرب من حضرته تعالى، ويستعمل في جملة الشرائع دون آحادها، ولا تكاد توجد مضافة إلى اللَّه تعالى، ولا إلى آحاد أمة النبي، بل يقال: ملة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم أو ملتهم كذا، ثم إنها اتسعت فاستعملت في الملل الباطلة، لأنهم لما عظم تفرقهم، وتدنّيت كل فرقة منهم بخلاف ما تديّن به غيرها، كانت طريقة كل منهم كالملة الحقيقية في التدين، فسميت باسمها مجازا. وقيل: الملة كل فعل وقول اجتمع عليه جماعة، وهو قد يكون حقا، وقد يكون باطلا، والمعنى أنهم يفترقون فرقا، تتديّن كل واحدة منها بخلاف ما تتديّن به الأخرى. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة» ، قيل: فيه إشارة لتلك المطابقة، مع زيادة هؤلاء في ارتكاب البدع بدرجة. وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «إلا ملة» ، بالنصب، أي إلا أهل ملة، «قالوا: من هي» ؟ أي تلك الملة أي أهلها الناجية. قوله: «هذا حديث حسن غريب» ، في سنده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، وهو ضعيف، فتحسين الترمذي له لاعتضاده بأحاديث الباب، وحديث عبد اللَّه بن عمرو هذا أخرجه أيضا الحاكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 ضعفه يحى بن سعيد القطان وغيره، وقال أحمد: لا أكتب حديث الإفريقي. وخرج الترمذي من حديث محمد بن عبد اللَّه الأنصاري عن أبيه عن علي بن زيد عن سعيد بن [المسيب] [ (1) ] قال: قال أنس بن مالك رضي اللَّه عنه: قال [لي] [ (2) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل، ثم قال لي: يا بني، وذلك من سنتي ومن [أحيا] [ (3) ] سنتي فقد [أحياني] [ (4) ] ومن [أحياني] [ (5) ] كان معي في الجنة - وفي الحديث قصة طويلة- قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه، ومحمد بن عبد اللَّه الأنصاري ثقة، وأبوه ثقة، وعلي بن زيد صدوق إلا أنه [ربما] [ (6) ] يرفع الشيء الّذي يوقفه   [ () ] وفيه: «ما أنا عليه اليوم وأصحابي» . واعلم أن أصول البدع كما نقل في (المواقف) ثمانية: [1] المعتزلة القائلون بأن العباد خالقوا أعمالهم، وبنفي الرؤية، وبوجوب الثواب والعقاب، وهم عشرون فرقة. [2] الشيعة المفرطون في محبة علي كرم اللَّه وجهه وهم اثنان وعشرون فرقة. [3] الخوارج المفرطة المكفّرة له رضي اللَّه عنه، ومن أذنب كبيرة وهم عشرون فرقة. [4] المرجئة القائلة بأن لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهي خمس فرق. [5] والنجّارية الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال، فرقة أيضا. [6] المعتزلة في نفي الصفات وحدوث الكلام، وهم ثلاث فرق. [7] والجبرية القائلة بسلب الاختيار عن العباد فرقة واحدة. [8] والمشبهة الذين يشبهون الحق بالخلق في الجسمية والحلول. فرقة أيضا، فتلك ثلاث وسبعون فرقه، والفرقة الناجية هم أهل السنة البيضاء المحمدية، والطريقة النقية الأحمدية. (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) : 7/ 333- 334، أبواب الإيمان باب (18) افتراق هذه الأمة، حديث رقم (27779) . وأخرجه أيضا الحاكم في (المستدرك) : 1/ 129، حديث رقم (444/ 155) ذكره في كتاب العلم. قال في التخليص: رواه ثابت بن محمد العابد، عن الثوري، عن ابن أنعم الإفريقي، عن عبد اللَّه بن يزيد عنه. وقال إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف بن يزيد، عن أبيه، عن جده مرفوعا: «لتسلكن سنن من قبلكم، إن بني إسرائيل افترقت ... » الحديث. [ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من (خ) ، وما أثبتناه من صحيح الترمذي. [ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط من (خ) ، وما أثبتناه من صحيح الترمذي. [ (3) ] في (خ) : «أحب» . [ (4) ] في (خ) : «أحبني» . [ (5) ] في (خ) : «أحبني» وما أثبتناه من صحيح الترمذي. [ (6) ] زيادة من صحيح الترمذي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 غيره. [قال] [ (1) ] : وسمعت محمد بن بشار يقول: قال أبو الوليد: قال شعبة: [أخبرنا] [ (1) ] علي بن زيد وكان رفاعا، ولا يعرف لسعيد بن المسيب [عن أنس] [ (2) ] رواية إلا في هذا الحديث بطوله. وقد روى عباد [بن ميسرة] [ (3) ] المقبري هذا الحديث عن علي بن زيد عن أنس ولم يذكر فيه عن سعيد بن المسيب، قال أبو عيسى: وذاكرت محمد بن إسماعيل [ولم] [ (4) ] يعرفه، ولم يعرف لسعيد بن المسيب، عن أنس هذا الحديث ولا غيره، ومات أنس [بن مالك] [ (5) ] سنة ثلاث وتسعين، ومات سعيد بن المسيب بعده بسنتين، مات سنة خمس وتسعين واللَّه أعلم [ (6) ] .   [ (1) ] زيادة من (خ) ، وفي (خ) : «حدثنا» وما أثبتناه من صحيح الترمذي. [ (2) ] زيادة من صحيح الترمذي. [ (3) ] في (خ) : «عباد بن ميسرة المقبري» . [ (4) ] في (خ) : «فلم» . [ (5) ] تكملة من صحيح الترمذي. [ (6) ] والحديث أخرجه الترمذي في (الجامع الصحيح) في أبواب العلم، باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة. قوله: «قال لي» ، أي وحدي أو مخاطبا لي من بين أصحابي، «يا بني» بضم التاء تصغير ابن، وهو تصغير لطف ومرحمة، ويدل على جواز هذا لمن ليس ابنه، ومعناه اللطف، وأنك عندي بمنزلة ولدي في الشفقة. قوله: «إن قدرت» ، أي استطعت، والمراد: اجتهد قد ما تقدر «أن تصبح وتمسي» ، أي تدخل في وقت الصباح والمساء، والمراد جميع الليل والنهار «ليس في قلبك» الجملة حال من الفاعل، تنازع فيه الفعلان، أي وليس كائنا في قلبك «غش» بالكسر ضد النصح، الّذي هو إرادة الخير للمنصوح له. قوله: «لأحد» وهو عام للمؤمن والكافر، فإن نصيحة الكافر أن يجتهد في إيمانه، ويسعى في خلاصه من ورطة الهلاك باليد واللسان، وللتألف بما يقدر عليه من المال. كذا ذكره الطيبي. قوله: «فافعل» ، جزاء كناية عما سبق في الشرط، أي افعل نصيحتك «وذلك» ، أي خلو القلب من الغش، قال الطيبي: وذلك إشارة إلى أنه رفيع المرتبة أي بعيد التناول «من سنتي» أي طريقتي، «ومن أحيا سنتي» أي أظهرها وأشاعها بالقول أو العمل، «فقد أحياني ومن أحياني» كذا في النسخ الحاضرة من الإحياء في المواضع الثلاثة. وأورد صاحب المشكاة هذا الحديث نقلا عن الترمذي بلفظ «من أحب سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة» ، ومن الإحباب في المواضع الثلاثة، فالظاهر أنه قد وقع في بعض نسخ الترمذي هكذا، واللَّه تعالى أعلم. قال محققه: ولعل المقريزي- رحمه اللَّه- قد نقل من إحدى هذه النسخ ذلك اللفظ الّذي حققناه وصوبناه من الرواية الأخرى حسب الهوامش السابقة على متن هذا الحديث. قوله: «كان معي في الجنة» ، أي معية مقاربة لا معية متحدة في الدرجة، قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 ومخالفة أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وتبديل سنته ضلال وبدعة، يوعد اللَّه تعالى على ذلك بالخذلان والعذاب، قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [ (1) ] ، وقال: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً [ (2) ] . والآثار المسندة والموقوفة أيضا كثيرة جدا وفي استيعابها خروج عما نحن بصدده، وفيما أوردته كفاية إن شاء اللَّه تعالى، واللَّه سبحانه وتعالى الموفق بمنه. ***   [ () ] أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: 169] . قوله: «وعلي بن زيد صدوق» ، وضعّفه غير واحد من أئمة الحديث، «وكان رفّاعا» بفتح الراء وتشديد الفاء، أي كان يرفع الأحاديث الموقوفة كثيرا «وقد روى عباد» بن ميسرة «المنقري» بكسر الميم وسكون النون، البصري المعلم، لين الحديث، عابد من السابعة «ولا غيره» بالنصب عطف على هذا الحديث. قوله: «ومات أنس بن مالك سنة ثلاث وتسعين ومات سعيد بن المسيب بعده بسنتين» مقصود الترمذي بهذا أن المعاصرة بين أنس وبين سعيد بن المسيب ثابتة، فيمكن سماعة منه. (تحفة الأحوذي) : 7/ 370- 371، أبواب العلم، باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة، حديث رقم (2818) . [ (1) ] النور: 63. [ (2) ] النساء: 115. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 وأما أمر الكافّة بالتّأسي به قولا وفعلا فقال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [ (1) ] ، فأمر تعالى بالتأسي به صلى اللَّه عليه وسلّم أمرا مطلقا، لم يستثن من التأسي به شيئا بخلاف أمره تعالى بالتأسي بإبراهيم عليه [السلام] [ (2) ] ، فإنه استثنى بالتأسي به، قال تعالى: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [ (3) ] ، فحثّ تعالى المؤمنين أن يتأسوا بإبراهيم عليه السلام والذين معه من أنبياء اللَّه فيما ذكر تعالى، ثم استثنى من التأسي به استغفاره عليه السلام لأبيه، فنهى المؤمنين عن التأسي به في ذلك. قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ، قال: نهوا أن يتأسوا به في استغفاره لأبيه، فيستغفروا للمشركين. وقال مطرف عن مجاهد: أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ إلى قوله: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ يقول تعالى: ائتسوا به في كل شيء ما خلا قوله لأبيه: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ فلا تأتسوا بذلك منه، فإنّها كانت عن موعدة وعدها إياه. وقال معمر عن قتادة: يقول: لا تأتسوا بذلك منه فإنه كان عليه موعدا، وتأسوا بأمره كله. وقال ابن وهب: قال ابن زيد: قول اللَّه تعالى: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ إلى قوله: إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ قال: يقول: ليس لكم في هذه أسوة. وقال محمد بن علي الترمذي: الأسوة في الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم الاقتداء به والاتباع لسنته وترك مخالفته في قول أو فعل. وقال الإمام محمد بن عمر الرازيّ: اختلفوا في أن فعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بمفرده،   [ (1) ] الأحزاب: 21. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] الممتحنة: 4. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 هل يدل على حكم في حقنا أم لا؟ على أربعة أقوال: أحدها: أنه للوجوب وهو قول ابن شريج وأبي سعيد الاصطخري، وأبي على ابن خيران. وثانيها: أنه للندب ونسب ذلك إلى الشافعيّ رحمه اللَّه. وثالثها: أنه للإباحة وهو قول مالك رحمه اللَّه. ورابعها: أنه يتوقف على الكل، وهو قول الصيرفي وأكثر المعتزلة، وهو المختار لنا، إنا إذا جوّزنا في ذلك الفعل أن يكون ذنبا له ولنا، وحينئذ لا يجوز لنا فعله، وإن لم نجوز الذنب عليهم جوزنا كونه مباحا ومندوبا وواجبا، وبتقدير أن يكون واجبا جوزنا أن يكون ذلك من خواصه، وأن لا يكون، ومع احتمال هذه الأقسام امتنع الجزم بواحد منها، واحتج القائلون بالوجوب بالقرآن والإجماع والمعقول، أما القرآن: فسبع آيات. [أولها] : قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ، والأمر حقيقة الفعل، والتحذير عن مخالفة فعله يقتضي وجوب موافقة فعله. وثانيها: قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ، وهذا يجري مجرى الوعيد فيمن ترك التأسي به، ولا معنى للتأسي إلا أن يفعل الإنسان مثل فعله. وثالثها: قوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ، وظاهر الأمر للوجوب، والمتابعة هي الإتيان بمثل فعله. ورابعها: قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي، دلت الآية على أن محبته تعالى مستلزمة للمتابعة، لكن المحبة واجبة بالإجماع، ولازم الواجب واجب، فمتابعه واجبة. وخامسها: قوله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، فإذا فعل فعلا فقد أتانا بالفعل، فوجب علينا أن نأخذه. وسادسها: قوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ ... ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 دلت الآية بإطلاقها على وجوب طاعة الرسول، والآتي بمثل ما فعله الغير لأجل أن ذلك الغير فعله طائع لذلك الغير، فوجب أن يكون ذلك واجبا. وسابعها: قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها [ (1) ] ، بين أنه تعالى إنما زوجه لها ليكون حكم أمته مساويا لحكمه في ذلك وهو المطلوب. وأما الإجماع فلأن الصحابة بأجمعهم اختلفوا في الغسل بالتقاء الختانين، فقالت عائشة رضي اللَّه عنها: فعلته أنا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فاغتسلنا، فرجعوا إلى ذلك، وإجماعهم على الرجوع حجة، وهو المطلوب. وإنما كان ذلك لفعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقد أجمعوا ها هنا على أن مجرد الفعل للوجوب، ولأنهم واصلوا الصيام لما واصل، وخلعوا نعالهم لما خلع، وأمرهم عام الحديبيّة بالتحلل فتوقفوا، فشكا ذلك إلى أم سلمة رضي اللَّه عنها فقالت: اخرج إليهم فاحلق واذبح، ففعل، فحلقوا وذبحوا مسارعين، وأنه خلع خاتمه فخلعوا، وأن عمر رضي اللَّه عنه كان يقبل الحجر الأسود ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول اللَّه يقبلك لما قبلتك، وأما خلع الخاتم فهو مباح، فلما خلع أحبوا موافقته لا لاعتقادهم وجوب ذلك عليهم. والجواب عن الوجه الأول من المعقول أن الاحتياط إنما يصار إليه إذا خلا عن الضرر قطعا، وها هنا ليس كذلك لاحتمال أن يكون ذلك الفعل حراما، وإذا احتمل الأمران لم يكن المصير إلى الوجوب احتياطا. وعن الثاني إن ترك الإتيان بمثل ما يأتي به الملك العظيم قد يكون تعظيما، ولذلك يقبح من العبد أن يفعل كل ما يفعله سيده، واحتج القائلون بالندب بالقرآن والإجماع والمعقول. أما القرآن: فقوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، فلو كان التأسي به واجبا لقال عليه، ولما لم يقل ذلك وقال لكم دل على عدم الوجوب، ولما أثبت الأسوة دل على رجحان جانب الفعل على الترك، فلم يكن   [ (1) ] الأحزاب: 37. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 مباحا. وأما الإجماع: فهو أنا رأينا أهل الأمصار متطابقين على الاقتداء في الأفعال بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، وذلك يدل على انعقاد الإجماع على أنه يفيد الندب. وأما المعقول: فهو أنه يفيد أن فعله إما أن يكون راجح العدم أو مساوي العدم أو مرجوح العدم، والأول باطل لما ثبت أنه لا يوجد منه الذنب، والثاني باطل ظاهر، لأن الاشتغال به عبث، والعبث مزجور عنه لقوله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً [ (1) ] ، فتعين الثالث، وهو أن يكون مرجوح العدم. ثم لما تأملنا أفعاله صلى اللَّه عليه وسلّم وجدنا بعضها مندوبا وبعضها واجبا، والقدر المشترك هو رجحان جانب الوجوب وعدم الوجوب ثابت بمقتضى الأصل، فأثبتنا الرجحان مع عدم الوجوب. والجواب عن الأول ما تقدم: أن التأسي في إيقاع الفعل على الوجوب الّذي أوقعه، فلو فعله واجبا أو مباحا وفعلناه مندوبا لما حصل التأسي. وعن الثاني أنا لا نسلم أنهم استدلوا بمجرد الفعل، فلعلهم وجدوا مع الفعل قرائن أخر. وعن الثالث: لا نسلّم أن فعل المباح عبث، لأن العبث هو الخالي عن العرض، وإذا حصل في المباح منفعة ناجزة لم يكن عبثا، بل من حيث النفع به خرج عن العبث، فلم قلتم بأنه خلّى عن العرض، ثم حصول العرض في التأسي بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم متابعته في أفعاله بيّن، فلا يعد من أقسام العبث. واحتج القائلون بالإباحة بأنه لما ثبت أنه لا يجوز صدور الذنب منه صلى اللَّه عليه وسلّم ثبت أن فعله لا بد وأن يكون مباحا أو مندوبا أو واجبا، وهذه الأقسام الثلاثة مشتركة في رفع الحرج عن الفعل، فأما رجحان جانب الفعل يثبت على وجوده دليلا لأن الكلام فيه، وثبت على عدمه دليل، لأن هذا الرجحان كان معدوما، والأصل   [ (1) ] المؤمنون: 115. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 في كل شيء بقاؤه، فقد ثبت بهذا أنه لا حرج في فعله قطعا، ولا رجحان في فعله ظاهرا، فهذا الدليل يقتضي في كل أفعاله صلى اللَّه عليه وسلّم أن يكون مباحا ترك العمل به في الأفعال التي كونها واجبة أو مندوبة، فبقي معمولا به في الباقي، وإذا ثبت كونه مباحا ظاهرا وجب أن يكون في حقنا كذلك، للآية الدالة على وجوب التأسي ترك العمل به فيما إذا كان من خواصه، فبقي معمولا به في الباقي. والجواب هنا: أنه في حقه صلى اللَّه عليه وسلّم كذلك، فلم يجب أن يكون في حق غيره كذلك؟ واللَّه أعلم. قال جمهور الفقهاء والمعتزلة: التأسّي واجب، ومعنى ذلك أنا إذا علمنا أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فعل فعلا على وجه الوجوب فقد تعبدنا أن نفعله على وجه الوجوب، وإن علمنا أنه مستقل به كنا متعبدين بالتنفل به، وإن علمنا أنه فعله على وجه الإباحة كنا متعبدين باعتقاد إباحته، وجاز لنا أن لا نفعله. وقال أبو على بن خلاد- تلميذ أبي هاشم من المعتزلة-: نحن متعبدون بالتأسي به في العبادات دون غيرها كالمناكحات والمعاملات، ومن الناس من أنكر ذلك في الكل، احتج أبو الحسن بالقرآن والإجماع. أما القرآن فقوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ والتأسي بالغير في أفعاله هو أن يفعل على الوجه الّذي فعل ذلك الغير، ولم يفرق اللَّه تعالى بين أفعال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا كانت مباحة أو لم تكن مباحة. وأما الإجماع: فهو أن السلف رجعوا إلى أزواجه صلى اللَّه عليه وسلّم في قبلة الصائم، وفي من أصبح جنبا لم يفسد صومه، وفي تزويج النبي ميمونة رضي اللَّه عنها وهو حرام، وذلك يدل على أن أفعاله لا بد من أن يمتثل بها في طريقه. ولقائل أن يقول: على الدليل الأول، الأمر يفيد التأسي به مرة واحدة، كما أن قول القائل لغيره: لك في الدار ثوب حسن، يفيد ثوبا واحدا، فإن قلت: هذا إن ثبت تم عرضا من التعبد بالتأسي به صلى اللَّه عليه وسلّم في الجملة، ولأنه يفيد إطلاق كون الشيء أسوة لنا، ولا يطلق وصف الإنسان بأنه أسوة لزيد إلا إذا لم يجز لزيد وصف أن يتبعه إلا في واحد، وإنما يطلق ذلك أن لو كان ذلك الإنسان لزيد قدوة يهتدي به في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 أموره كلها ما خصه الدليل. قلت: الجواب عن الأول: أن أحدا لا ينازع في التأسي به صلى اللَّه عليه وسلّم في الجملة، لأنه لما قال: صلوا كما رأيتموني أصلي، وخذوا عني مناسككم، فقد أجمعوا على وقوع التأسي به، والآية ما دلت إلا على المرة الواحدة، فكان التأسي به صلى اللَّه عليه وسلّم في هذه الصورة كافيا في العمل بالآية، لا سيما والآية إنما وردت على صيغة الإخبار عما مضى، وذلك يكفي فيه وقوع التأسي به فيما مضى. والجواب عن الثاني: أنك إن أردت أنه لا يصح إطلاق اسم الأسوة إلا إذا كان أسوة في كل شيء فهو ممنوع، ثم يدل على فساده وجهان: الأول: أنه من يعلم من إنسان نوعا واحدا من العلم يقال له: إن لك في فلان أسوة حسنة في كل شيء، ويقال لك في فلان أسوة حسنة في هذا الشيء دون ذاك ولو اقتضى اللفظ العموم لكان الأول تكرار، والثاني نقصا، وإن أردت أنه يصح إطلاق اسم الأسوة إذا كان أسوة في بعض الأشياء فهذا مسلّم، ولكنه صلى اللَّه عليه وسلّم أسوة لنا في أقواله وأفعاله التي أمرنا بالاقتداء بها كقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي، وخذوا عني مناسككم» . والجواب عن الحجة الثانية: أن قوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ يطلق في الاتباع فلا يفيد العموم في كل الاتباعات، والأمر لا يقتضي التكرار، فلا يفيد العموم في كل الأزمنة، فإن قلت: ترتب الحكم على الاسم يشعر بأن المسمى علة لذلك الحكم، فماهية المتابعة علة الأمر بها، قلت: فعلى هذا لو قال السيد لعبده: اسقني، يلزمه أن يكون أمرا له يجمع أنواع السقي في كل الأزمنة، وفي هذه الأمثلة كثرة، وما ذكرناه في فساد ما قالوا، وأما الإجماع فقد سبق الكلام عليه، قال: لما عرفت أن التأسّي مطابقة المتأسّى به في الوجه وجب معرفة الوجه الّذي عليه وقع فعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وهو ثلاثة: الندب والإباحة والوجوب. أما الإباحة فتعرف بطرق أربعة: أحدها: أن ينص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على أنه مباح. وثانيها: أن تقع امتثالا لأنها دالة على الإباحة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 وثالثها: أن تقع بيانا لأنها دالة على الإباحة. ورابعها: أنه لما ثبت أنه لا ندب ثبت أنه لا حرج عليه في ذلك الفعل، ويعرف نفي كيفية الوجوب والندب بالبقاء على الأصل، فحينئذ نعرف كونه مباحا. أما الندب فيعرف بتلك الثلاثة الأدلة مع أربعة أخرى. أحدها: أن يعلم من قصده صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قصد القربة بذلك الفعل، فيعلم أنه راجح الوجود، ولم يعرف انتفاء الوجوب بحكم الاستصحاب فيثبت الندب. وثانيها: أن ينص على أنه كان مخيّرا بين ما فعل وبين فعل ما ثبت أنه ندب، لأن التخيير لا يقع بين الندب وبين ما ليس بندب. وثالثها: أن يقع قضاء لعبادة كانت مندوبة. ورابعها: أن يداوم على الفعل ثم يخل به من غير نسخ، فيكون إدامته صلى اللَّه عليه وسلّم دليلا على كونه طاعة، وإخلاله به من غير نسخ دليل على عدم الوجوب. وأما الوجوب، فيعرف بتلك الثلاثة الأول مع خمسة أخرى: أحدها: الدلالة على أنه كان مخيرا بينه وبين فعل آخر قد ثبت وجوبه، لأن التخيير لا يقع بين الواجب وما ليس بواجب. وثانيها: أن يكون قضاء لعبادة ثبت وجوبها. وثالثها: أن يكون على وقوعه أمارة قد تقرر في الشريعة أنها أمارة الوجوب كالصلاة بأذان وإقامة. ورابعها: أن يكون جزاء الشرط موجب كفعل ما وجب نذره. وخامسها: أن يكون لو لم يكن واجبا لم يجز كالجمع بين الركوعين في الكسوف. قال: الفعل إذا عارضه معارض، فمعارض فعله صلى اللَّه عليه وسلّم إما أن [يكون] [ (1) ] قولا   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 أو فعلا، أما القول: فإما أن يعلم أن المقدم هو القول أو الفعل، ولا يعلم واحد منهما. أما القسم الأول: وهو أن يكون المتقدم هو القول والفعل المعارض إما أن يحصل عقيبه أو متراخيا عنه، فإن كان متعاقبا له فإما أن يكون القول متناولا له خاصة، أو لأمّته خاصة، أو له ولهم معا، لا يجوز أن يتناوله خاصة إلا على قول من يجوّز نسخ الشيء قبل حضور وقته، فإن تناول أمته خاصة وجب المصير إلى القول دون الفعل، وإلا لكان القول لغوا ولا يلغو الفعل لأن حكمه ثابت في الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم، وإن كان الخطاب يعمه وإياهم، ذلك فعله على أنه مخصوص من القول، وأمته داخلة فيه لا محالة وإن كان الفعل متراخيا عن القول، فإن كان القول عاما لنا وله صار مقتضاه منسوخا عنا وعنه، وإن تناول ما دونه كان ناسخا عنا دونه، لأن القول لم يتناوله، وإن تناوله دوننا كان منسوخا عنه دوننا، ثم يلزمنا مثل فعله لوجوب التأسي به. القسم الثاني: أن يكون هو الفعل، فالقول المعارض له إما أن يحصل عقيبه أو متراخيا عنه، فإن كان متعقبا: فإما أن يكون الفعل متناولا له خاصة، أو لأمنه خاصة، أو عاما فيه وفيهم، فإن كان متناولا له خاصة وقد كان الفعل المتقدم على لزوم مثله لكل مكلف في المستقبل فيصير ذلك القول المخصص به مخصصا له عن ذلك العموم، وإن كان متناولا لأمته خاصة، دل على أن حكم الفعل مختص به دون أمته، وإن كان عاما فيه وفيهم دلّ سقوط حكم الفعل عنه [و] [ (1) ] عنهم، وأما إن كان القول متراخيا عن الفعل، فإن كان القول متناولا له ولأمته فيكون القول ناسخا لحكم الفعل عنه وعن أمته، أو يتناول أمته دونه فيكون منسوخا عنهم دونه أو يتناوله دون أمته، فيكون منسوخا عنه دون أمته. القسم الثالث: إذا لم يعلم تقدم أحدهما على الآخر فهاهنا يقدم القول على الفعل ويدل عليه وجهان.   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 أحدهما: أن القول أقوى من الفعل، والأقوى راجح، إنما قلنا أنه موافى لأن دلالة القول تستغني على الفعل، ودلالة الفعل لا تستغني عن القول، والمستغني أقوى من المحتاج. والثاني: أنا نقطع بأن القول قد يتناولها، وأما الفعل فبتقدير أن [يتراخى] [ (1) ] كان متناولا لنا معلوم، وبتقدير أن يتناولنا [أو] [ (2) ] لا يتناولنا، وكون [الفعل] [ (2) ] متناولا لنا معلوم، وكون الفعل متناولا لنا مشكول، والمعلوم مقدم لنا [على] [ (2) ] المشكول. فرع: نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة، ثم جلس في البيت لقضاء الحاجة مستقبل بيت المقدس، فعند الشافعيّ- رحمه اللَّه- أن نهيه مخصوص بفعله حتى يجوز استقبال القبلة واستدبارها في البيوت لكل أحد، وعند الكرخي: يجب إجراء النهي على إطلاقه في الصحراء والبنيان، وكان ذلك من خواص النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وتوقف القاضي عبد الجبار في المسألة. وحجة الشافعيّ: أن النهي عام ومجموع الدليل الّذي يوجب علينا أن نفعل مثل فعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم مع كونه مستقبل القبلة في البنيان عند قضاء الحاجة أخص من ذلك النهي، والخاص مقدم على العام، فوجب القول بالتخصيص، أما إذا كان الفعل للفعل فعلا آخر، فذاك على وجهين. الأول: أن يفعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فعلا فيعلم بالدليل أن غيره مكلف به ثم نراه بعد ذلك قد أقر الناس على فعل ضده، فنعلم أنه خارج منه. الثاني: إذا علمنا أن ذلك الفعل مما يلزم أمثاله للرسول صلى اللَّه عليه وسلّم في مثل تلك الأوقات ما لم يرد ناسخ، ثم يفعل صلى اللَّه عليه وسلّم ضده في مثل ذل الوقت، فنعلم أنه قد نسخ عنه. تنبيه: التخصيص والنسخ في الحقيقة إنما لحقا ما دلّ على أن ذلك الفعل لازم لغيره، فإنه لازم له في مستقبل الأوقات، وإنما يقال: أن ذلك الفعل قد لحقه   [ (1) ] في (خ) «يتراخا» . [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 النسخ، يعني أنه قد زال التعبد بمثله، فإن التخصيص قد لحقه على معنى أن المكلفين لا يلزمهم مثله واللَّه أعلم. وأنه قال في جواب [من سأل] [ (1) ] أم سلمة رضي اللَّه عنها عن قبلة الصائم: ألا أخبرتيه أني أقبّل وأنا صائم، وأما المعقول فمن وجهين: الأول: أن الاحتياط يقتضي حمل الشيء على أعظم مراتبه، وأعظم مراتب فعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أن يكون واجبا عليه وعلى أمته، فوجب حمله عليه ببيان الأول أن الاحتياط يتضمن دفع ضرر الخوف عن النفس بالكلية، ودفع الضرر واجب ببيان الثاني، أن أعظم مراتب الفعل أن يكون واجبا على الكل. الثاني: أنه لا نزاع في وجوب تعظيم الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم في الجملة، وإيجاب الإتيان بمثل فعله تعظيم له بدليل العرف، والتعظيمان مشتركان في هذا القدر من المناسبة، فيجمع بينهما بالقدر المشترك فيكون ورود الشرع بإيجاب ذلك التعظيم يقتضي وروده بأن يجب على الأمة الإتيان بمثل فعله، والجواب عن الأول: أنا لا نسلّم أن الأمر حقيقة في الفعل، فليس حمله على ذلك بأولى من حمله على هذا سلمناه، لكن هاهنا ما يمنع حمله على الفعل من وجهين: الأول أن تقدم ذكر الدعاء وذكر المخالفة، وذكر الدعاء يمنع منه، فإن الإنسان إذا قال لعبده: لا تجعل دعائي كدعاء غيري واحذر مخالفة أمري، فهم منه أنه أراد بالأمر القول الثاني، وهو أنه قد أريد به القول بالإجماع، ولا يجوز حمله على الفعل، إلا أن اللفظ المشترك لا يجوز حمله على معنييه سلمنا ذلك، ولكنها راجعة إلى اللَّه تعالى لأنه أقرب المذكورين، فإن قلت: القصد هو الحث على اتباع الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم لأنه تعالى قال: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (2) ] ، فحث بذلك على الرجوع إلى أقواله وأفعاله، ثم عقب ذلك بقوله: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [ (2) ] ، فعلمنا أنه حث بذلك على التزام ما كان دعاء اللَّه من الرجوع إلى أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وأيضا فلم لا يجوز الحكم بصرف الكناية إلى اللَّه والرسول؟ قلت: الجواب عن الأول صرف الضمير إلى اللَّه تعالى مؤكد لهذا الغرض أيضا، ولأنه لما حثّ على الرجوع إلى أقوال الرسول وأفعاله   [ (1) ] ما بين القوسين مثبت في هامش (خ) . [ (2) ] النور: 63 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 ثم حذر عن مخالفة أمر اللَّه تعالى كان ذلك تأكيدا لما هو المقصود من متابعة الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم. وعن الثاني: أن الهاء كناية عن واحد، فلا يجوز عوده إلى اللَّه تعالى وإلى الرسول معا، سلمنا عود الضمير إلى الرسول فلم قلت أن الإتيان بمثل فعله مخالفة لأمره. فإن قلت يدل عليه أمران: الأول: أن المخالفة ضد الموافقة، لكن موافقة الغير هو أن يفعل مثل فعله، فمخالفته هو أن لا يفعل مثل فعله. الثاني: وهو أن المعقول من المختلفين هما اللذان لا يقوم أحدهما مقام الآخر، والعدم والوجود لا يقوم أحدهما مقام الآخر بوجه أصلا، فكانا في غاية المخالفة، فثبت أن عدم الإتيان بمثل فعله مخالف للإتيان بمثل فعله من كل الوجوه. قلت: هب أنها في أصل الوضع كذلك، لكنها في عرف الشرع ليست كذلك، ولهذا لا يسمى إخلال الحائض بالصلاة مخالفة للمسلمين، بل هي عبارة عن عدم الإتيان بمثل فعله إذا كان الإتيان به واجبا، وعلى هذا لا يسمى ترك مثل فعل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مخالفة إلا إذا فعله على الوجوب، وإذا بينا ذلك بهذا لزم الدور وهو محال. والجواب عن الثاني: لم قلتم أن الإتيان بمثل فعل الغير مطلقا يكون تأسيا به، بل عندنا كما يشترط في التأسي المساواة في الصورة يشترط فيه المساواة في الكيفية، حتى لو صام واجبا فتطوعنا بالصوم لم نكن متأسيين به، وعلى هذا لا يكون مطلق فعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم سببا للوجوب في حقنا لأن فعله قد لا يكون واجبا فيكون فعلنا إياه على سبيل الوجوب قادحا في التأسي به. فالجواب عن الثالث: أن قوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ، إما أن لا يفيد العموم أو يفيد، فإن كان الأول سقط التمسك به، وإن كان الثاني فبتقدير أن لا يكون ذلك الفعل واجبا عليه وعلينا، وجب أن نعتقد فيه أيضا هذا الاعتقاد، فالحكم بالوجوب يناقضه، فوجب أن لا يتحقق، وهذا هو الجواب عن التمسك بقوله تعالى: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 فَاتَّبِعُونِي [ (1) ] . والجواب عن الخامس: لا نسلّم أن قوله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [ (2) ] يتناول الفعل، ويدل عليه وجهان. الأول: أن قوله تعالى: وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ (2) ] على أنه عني بقوله: ما آتاكُمُ ما أمركم. الثاني: أن الإتيان إنما يتأتى بالقول لأنا نحفظه، وامتثاله يصير كأننا أخذناه، فكأنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطاناه. والجواب عن السادس: أن الطاعة هي الإتيان بالمأمور به أو بالمراد على اختلاف المذهبين، فلم قلت: أن مجرد فعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم يدل على أنّا أمرنا بمثله أو أريد منا مثله؟ والجواب عن الإجماع من وجوه. الأول: أن هذه آحاد ولا تفيد العلم، ولهم أن يقولوا: هب أنها تفيد الظن، لكن ما حصل ظن كونه دليلا ترتب عليه ظن ثبوت الحكم، فيكون العمل به دافعا للضرر المظنون فيكون واجبا، إلا أن أكثر هذه الأخبار واردة في الصلاة والحج، فلعله صلى اللَّه عليه وسلّم كان قد بين لهم أن شرعه وشرعهم سواء في هذه الأمور، قال صلى اللَّه عليه وسلّم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، وعليه خرج مسألة التقاء الختانين [ (3) ] ، وقال: «خذوا عني مناسككم» ، وعليه يقبل عمر رضي اللَّه عنه الحجر، وقال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي» . وأما عن الوصال [ (4) ] : فإنّهم ظنوا لما أمرهم بالصوم واشتغل معهم به أنه قصد بفعله بيان الواجب، فرد عليهم ظنهم وأنكر عليهم الموافقة. وأما خلع النعل: فلا نعلم أنهم فعلوا ذلك واجبا، وأيضا لا يمتنع أن يكونوا   [ (1) ] آل عمران: 31. [ (2) ] الحشر: 7. [ (3) ] بوجوب الغسل من الإكسال، والإكسال: هو الجماع بدون إنزال. [ (4) ] الوصال لغة: يكون في عفاف الحب ودعارته (ترتيب القاموس) ج 4 ص 620، وشرعا: تتابع الصوم من غير إفطار بالليل. قال (الخطابي) في (معالم السنن) : الوصال من خصائص ما أبيح لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وهو محظور على أمته. راجع (عون المعبود شرح سنن أبي داود) ج 6 ص 487. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 لما رأوه قد خلع نعله مع قوله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [ (1) ] ظنوا أن خلعها مأمور به غيرهم، لأنه لو كان مباحا ما ترك له المستنون في الصلاة على أنه صلى اللَّه عليه وسلّم قال لهم: لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: لأنك خلعت نعلك، فقال: إن جبريل أخبرني أن فيهما أذى، فبين بهذا أنه ينبغي أن يعرفوا الّذي وقع عليه فعله صلى اللَّه عليه وسلّم ثم يتبعوه، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. ***   [ (1) ] الأعراف: 31. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 وأما اقتران اسم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم باسم اللَّه تعالى فإنه سبحانه قرن اسمه تعالى باسمه صلى اللَّه عليه وسلّم في كتابه العزيز عند ذكر طاعته ومعصيته، وفرائضه وأحكامه، ووعده ووعيده، قال اللَّه تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [ (1) ] ، وقال: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا [ (2) ] ، وقال: يُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [ (3) ] ، وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (4) ] ، وقال: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ [ (5) ] ، وقال: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (6) ] ، وقال: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (7) ] ، وقال: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (8) ] ، وقال: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (9) ] ، وقال: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ [ (10) ] ، وقال: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (11) ] ، وقال: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (12) ] ، وقال: وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [ (13) ] ، [وقال] : وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (6) ] ، وقال: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (7) ] ، وقال: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (8) ] ، وقال: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (9) ] ، وقال: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ [ (10) ] ، وقال: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (11) ] ، وقال: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (12) ] ، وقال: وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [ (13) ] ، [وقال] : وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (14) ] ، وقال: قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [ (15) ] ، وقال: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [ (16) ] ، وقال: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ [ (17) ] ، وقال: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [ (18) ] ، وقال: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ   [ (1) ] النساء: 59. [ (2) ] المائدة: 92. وفي (خ) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. [ (3) ] التوبة: 71، وفي (خ) وَرَسُولَهُ أُولئِكَ. [ (4) ] التوبة: 62. [ (5) ] الأنفال: 24. [ (6) ] الأحزاب: 36. [ (7) ] الأحزاب: 57. [ (8) ] التوبة: 1. [ (9) ] التوبة: 3. [ (10) ] التوبة: 63. [ (11) ] التوبة: 16. وفي (خ) يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. [ (12) ] المائدة 33. [ (13) ] التوبة: 29. [ (14) ] الأنفال: 13. [ (15) ] الأنفال: 1. [ (16) ] النساء: 59. [ (17) ] التوبة: 59. [ (18) ] الأنفال: 41. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ [ (1) ] ، وقال: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (2) ] ، وقال: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ [ (3) ] ، فقرن تعالى اسمه الكريم باسم رسوله محمد في جميع الأحكام والأصول، تعظيما لقدره وتشريفا له على غيره صلى اللَّه عليه وسلّم. ***   [ (1) ] التوبة: 74. [ (2) ] التوبة: 90. [ (3) ] الأحزاب: 37. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 وأما تقدم نبوته صلى اللَّه عليه وسلّم قبل تمام خلق آدم عليه السلام فخرج الترمذي من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي، حدثنا يحي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قالوا: يا رسول اللَّه! متى وجبت لك النبوة؟ قال: وآدم بين الروح والجسد [ (1) ] ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه، هذا آخر كلام الترمذي. وقد رواه عباد بن جويرية عن الأوزاعي مرسلا، واختلف على الوليد بن مسلم فيه، فرواه بعضهم عنه مرسلا، ورواه بعضهم عنه فأسنده كما تقدم ذكره. ولأبي نعيم من حديث إبراهيم بن طهمان عن بديل عن ميسرة، عن عبد اللَّه بن شقيق عن ميسرة الفجر قال: متى كنت يا رسول اللَّه نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد [ (1) ] . وله من حديث حجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن عبد اللَّه بن شقيق عن رجل أنه سأل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: متى كنت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. كذا رواه حماد ولم يسم ميسرة، وتابعه عليه عن خالد الحذاء وهب بن خالد [ (1) ] . ولأبي نعيم من حديث عمرو بن واقد، عن عروة بن رويم [ (2) ] ، عن الصنابجي قال عمر رضي اللَّه عنه: متى جعلت نبيا؟ قال: وآدم منجدل في الطين. وله من حديث نصر بن مزاحم، حدثنا قيس بن الربيع عن جابر عن الشعبي،   [ (1) ] سبق تخريج هذه الأحاديث والتعليق عليها. [ (2) ] عروة بن رويم اللخمي أبو القاسم الأردني، قال ابن أبي حاتم عن أبيه: عامة أحاديث مرسلة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قيل: يا رسول اللَّه! متى كنت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. تفرد به نصر بن مزاحم. وله من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن سعيد بن سويد، عن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: إني عبد اللَّه في أم الكتاب وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته. وفي رواية: أنا عبد اللَّه خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته. وفي رواية: إني عبد اللَّه مكتوب بخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته. وفي رواية: إني عبد اللَّه لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته [ (1) ] . وخرجه الحاكم من حديث عثمان بن سعيد الدارميّ قال: قلت لأبي اليمان: حدثك أبو بكر بن أبي مريم الغساني عن سعيد بن سويد عن العرباض بن سارية السلمي قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: إني عبد اللَّه في أول الكتاب بخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسآتيكم بتأويل ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي بي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . وخرج أبو نعيم من حديث سعيد عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث [ (3) ] . وفي الصحيحين [ (4) ] من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال   [ (1) ] (دلائل النبوة لأبي نعيم) ج- 1 ص 8- 9، وفي (خ) «بخاتم» [ (2) ] (المستدرك للحاكم ج 2 ص 600 وله شاهد على صحته ص 609. [ (3) ] سبق تخريجه وشرحه. [ (4) ] ذكره البخاري في كتاب الجمعة، باب (2) هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم؟ وقال ابن عمر: إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة، حديث رقم (896) : حدثنا مسلم ابن إبراهيم قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا ابن طاوس عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «نحن الآخرون والسابقون يوم القيامة، أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهذا اليوم الّذي اختلفوا فيه فهدانا اللَّه، فغدا لليهود، وبعد غد للنصارى» فسكت. (897) : ثم قال: «حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة» الحديث. وله طرق [ (1) ] ، قال أبو نعيم: وكان صلى اللَّه عليه وسلّم آخرهم في البعث، وبه ختمت النبوة، وهو   [ () ] وأخرجه مسلم من كتاب الجمعة باب (6) هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، حديث رقم (19) : وحدثنا عمرو الناقد، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «نحن الآخرون ونحن السابقون يوم الجمعة، بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، ثم هذا اليوم الّذي كتبه اللَّه علينا، هدانا اللَّه له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غد. وحدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة وابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة» بمثله. وحديث رقم (20) : حدثنا قتيبة بن سعيد، وزهير بن حرب قالا: حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم فاختلفوا، فهدانا اللَّه له، قال يوم الجمعة، فاليوم لنا، وغدا لليهود، وبعد غد للنصارى» قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة» ، قال العلماء: معناه الآخرون في الزمان والوجود، السابقون بالفضل ودخول الجنة، فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم» ، هو بفتح الباء الموحدة وإسكان المثناة تحت، قال أبو عبيد: لفظه «بيد» تكون بمعنى غير، وبمعنى على، وبمعنى من أجل، وكله صحيح هنا، ويقال: «ميد» بمعنى «بيد» . قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «هذا اليوم الّذي كتبه اللَّه علينا هدانا اللَّه له» ، فيه دليل لوجوب الجمعة، وفيه فضيلة هذه الأمة. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «اليهود غدا» ، أي عيد اليهود غدا، لأن ظروف الزمان لا تكون أخبارا عن الجثث فيقدر فيه معنى يمكن تقديره خبرا. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فهذا يومهم الّذي اختلفوا فيه هدانا اللَّه» ، قال القاضي: الظاهر أنه فرض عليهم تعظيم يوم الجمعة بغير تعيين، ووكل إلى اجتهادهم لإقامة شرائعهم فيه، فاختلف اجتهادهم في تعيينه، ولم يهدهم اللَّه له، وفرضه على هذه الأمة مبينا، ولم يكله إلى اجتهادهم، ففازوا بتفضيله. قال: وقد جاء أن موسى عليه السلام أمرهم بالجمعة، وأعلمهم بفضلها فناظروه أن السبت أفضل، فقيل له: دعهم. قال القاضي: ولو كان منصوصا لم يصح اختلافهم فيه، بل كان يقول: خالفوا فيه. قال الإمام النووي: ويمكن أن يكون أمروا به صريحا، ونصّ على عينه، فاختلفوا فيه، هل يلزم تعيينه أم لهم إبداله، وأبدلوه وغلطوا في إبداله. (مسلم بشرح النووي) : 6/ 391، كتاب الجمة، باب (6) هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، حديث رقم (19) ، (20) ، (21) . [ (1) ] باقي طرق الحديث في المرجع السابق، حديث رقم (22) ، (23) ، كلها بسياقات قريبة من بعضها مع التقديم والتأخير والزيادة والنقصان لكن بمعنى واحد، وذكره أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 49، باب ما روي في تقديم نبوته صلى اللَّه عليه وسلّم قبل خلق آدم عليه السلام، حديث رقم (11) ، والنسائي في الجمعة، باب إيجاب يوم الجمعة، حديث رقم (1366) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171   [ () ] قال الحافظ السيوطي: قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «نحن الآخرون» ، أي الآخرون زمانا، الأولون منزلة، والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في الآخرة، بأنهم أول من يحشروا، وأول من يحاسب، وأول من يقضى بينهم، وأول من يدخل الجنة. وقيل: المراد بالسبق إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة، وقيل المراد به السبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا: سَمِعْنا وَعَصَيْنا، والأول أقوى. «بيد» بموحدة ثم تحتية ساكنه مثل «غير» وزنا، ومعنى، وإعرابا، وبه جزم الخليل والكسائي، ورجحه ابن سيدة. وروى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعيّ رحمه اللَّه، عن الربيع، عنه، أن معنى «بيد» من أجل، وكذا ذكره ابن حبان والبغوي، عن المزني عن الشافعيّ، وقد استبعده القاضي عياض، ولا بعد فيه. والمعنى إنا سبقنا بالفضل إذ هدينا للجمعة، مع تأخرنا في الزمان، بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم. ويشهد لهم ما في (فوائد المقري) بلفظ: نحن الآخرون في الدنيا، ونحن أول من يدخل الجنة، لأنهم أورثوا الكتاب من قبلنا. وقال الراويّ: هي بمعنى «على» أو «مع» . قال القرطبي: إن كانت بمعنى «غير» فنصب على الاستثناء، وإن كانت بمعنى «مع» ، فنصب على الظرف، وقال الطيبي: هي للاستثناء، وهي من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم. «أنهم أوتوا الكتاب قبلنا» اللام للجنس، والمراد التوراة والإنجيل: «وأوتيناه» المراد الكتاب، مرادا به القرآن، «وهذا اليوم الّذي كتب اللَّه عليهم» ، أي فرض عليهم تعظيمه، «فاختلفوا فيه» ، قال ابن بطال: ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه، لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض اللَّه عليه وهو مؤمن، وإنما يدل واللَّه تعالى أعلم على أنه فرض عليهم يوم الجمعة ووكل على اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلفوا في أي الأيام هو، ولم يهتدوا ليوم الجمعة. وقال النووي: يمكن أن يكونوا أمروا به صريحا فاختلفوا، هل يلزم تعيينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر، فاجتهدوا في ذلك فأخطئوا. وقد روى ابن أبي حاتم عن السدّي، في قوله تعالى: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قال: إن اللَّه فرض على اليهود يوم الجمعة فأبوا وقالوا: يا موسى إن اللَّه لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا، فجعله عليهم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «اليهود غدا والنصارى بعد غد» ، قال القرطبي «غدا» منصوب على الظروف، وهو متعلق بمحذوف تقديره: اليهود يعظمون غدا وكذا بعد غد ولا بد من هذا التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة، وقدر ابن مالك تقييد اليهود غدا. (حاشية الحافظ السيوطي على سنن النسائي) : 3/ 95- 96، كتاب الجمعة، باب إيجاب الجمعة، حديث رقم (1366) . وقال الإمام السندي: قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «نحن الآخرون السابقون» ، أي الآخرون زمانا في الدنيا، الأولون منزلة وكرامة يوم القيامة، والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة إياهم في الآخرة، بأنهم أول من يحشر، وأول من يحاسب، وأول من يقضى بينهم، وأول من يدخل الجنة. وقيل: المراد بالسبق إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة، وقيل: المراد بالسبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا: سَمِعْنا وَعَصَيْنا. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أوتوا الكتاب» ، اللام للجنس، فيحمل بالنسبة إليهم على كتابهم، وبالنسبة إلينا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 السابق يوم القيامة لأنه أول مكتوب في النبوة، ففي هذا الخبر الفضيلة العظيمة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، لما أوجب اللَّه تعالى له النبوة قبل تمام خلق آدم الّذي هو أبو البشر، ويحتمل أن يكون هذا الإيجاب هو ما أعلم اللَّه ملائكته ما سبق في علمه وقضائه من بعثته صلى اللَّه عليه وسلّم في آخر الزمان، فمن حاز هذه الفضيلة حق له الصبر على مواصلة الدعوة واحتمال الأذية ممن ردها، وإعظام من قبلها، واستفراغ الوسع في احتمال كل عارض وشدة وبلوى تعرض دون إقامتها، إذ الفضيلة سابقة على فضائل من تقدمه من الأنبياء في العهد والخلق الأول. وقال بعض العارفين باللَّه: لما خلق اللَّه الأرواح المدبرة للأجسام عند حركة الفلك أول ما خلق الزمان بحركته، كان أول ما خلق روح محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم صدرت الأرواح الفلكية عن الحركات الفلكية، فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة، وأعلمه اللَّه بنبوته، وآدم لم يكن إلا كما قال بين الماء والطين، فاقتضى قوله: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» أن يكون وجوده حقيقة، فإنه لا يكون العدم بين أمرين موجودين لانحصاره، والمعدوم لا يوصف بالحصر في شيء، ثم انتهى الزمان في حقه عليه السلام إلى وجود جسمه وارتباط الروح به، فظهر محمد صلى اللَّه عليه وسلّم بكليته جسما وروحا، فكان له الحكم أولا باطنا في جميع ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل عليهم السلام، ثم صار له الحكم ظاهرا فنسخ كل شرع وإن كان المشرع واحدا، وهو صاحب الشرع، فإنه قال: «كنت نبيا» ..،   [ () ] على كتابنا، وهذا بيان زيادة شرف لنا، أي فصار كتابنا ناسخا لكتابهم، وشريعتنا ناسخة لشريعتهم، وللناسخ فضل على المنسوخ، فهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم. أو المراد بيان أن هذا يرجع إلى مجرد تقدمهم علينا في الوجود، وتأخرنا عنه فيه، ولا شرف لهم فيه، أو هو شرف لنا أيضا من حيث قلة انتظارنا أمواتا في البرزخ، ومن حيث حيازة المتأخر علوم المتقدم دون العكس، فقولهم الفضل للتقدم ليس بكلي. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وهذا اليوم» ، الظاهر أنه أوجب عليهم يوما بعينه والعبادة فيه، فاختاروا لأنفسهم أن يبدل اللَّه لهم يوم السبت، فأجيبوا إلى ذلك، وليس بمستبعد من قوم قالوا لنبيهم: اجْعَلْ لَنا إِلهاً. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فهدانا اللَّه» ، بالثبات عليه حين شرع لنا العبادة فيه، «اليهود غدا» أي يعبدون اللَّه في يوم الجمعة. فأخذ المصنف قوله: «كتب اللَّه» ، الوجوب، والظاهر أن الحكم بالنظر إلى واحد، فحيث إن ذلك الحكم هو الوجوب بالنسبة إلى قوم تعين أنه الوجوب بالنظر إلى الآخرين، واللَّه تعالى أعلم (المرجع السابق) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 ما قال: كنت إنسانا، ولا كنت موجودا، وليست النبوة إلا بالشرع المقرر من عند اللَّه، فأخبر أنه صاحب النبوة قبل وجود الأنبياء في الدنيا كما تقرر فيما تقدم، فكانت استدارته إليها دورته بالاسم الباطن، وابتداء دورة أخرى بالاسم الظاهر، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: «إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق اللَّه السموات والأرض» [ (1) ] ،   [ (1) ] ذكره البخاري في مواضع متفرقة من صحيحه يتمم بعضها بعضا، لكن أخرجه مسلم بتمامه في كتاب القسامة باب (9) تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، حديث رقم (29) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ويحى بن حبيب الحارثي «وتقاربا في اللفظ» قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق اللَّه السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب شهر مضر، الّذي بين جمادى وشعبان، ثم قال: أي شهر هذا؟ قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة، قلنا: بلى، قال: فأي بلد هذا؟ قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس البلدة؟ قلنا: بلى، قال: فأي يوم هذا؟ قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى يا رسول اللَّه، قال فإن دماءكم وأموالكم قال محمد: وأحسبه قال: وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، فلا ترجعن بعدي كفارا- أو ضلالا- يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه، ثم قال: ألا هل بلغت» ؟ قال ابن حبيب في روايته: «ورجب مضر» وفي رواية أبي بكر: «فلا ترجعوا بعدي» . قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب شهر مضر، الّذي بين جمادى وشعبان» ، أما ذو القعدة، فبفتح القاف، وذو الحجة بكسر الحاء، هذه اللغة المشهورة، ويجوز في لغة قليلة كسر القاف وفتح الحاء، وقد أجمع المسلمون على أن الأشهر الحرم الأربعة هي هذه المذكورة في الحديث، ولكن اختلفوا في الأدب المستحب في كيفية عدّها، فقالت طائفة من أهل الكوفة وأهل الأدب، يقال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة، ليكون الأربعة من سنة واحدة، وقال علماء المدينة والبصرة، وجماهير العلماء، هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، ثلاثة سرد، وواحد فرد، وهذا هو الصحيح الّذي جاءت به الأحاديث الصحيحة، منها هذا الحديث الّذي نحن فيه، وعلى هذا الاستعمال أطبق الناس من الطوائف كلها. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «ورجب شهر مضر الّذي بين جمادى وشعبان» ، وإنما قيّده هذا التقييد مبالغة في إيضاحه، وإزالة للبس عنه، قالوا: وقد كان بين بني مضر وبين ربيعة اختلاف في رجب، فكانت مضر تجعل رجبا هذا الشهر المعروف الآن، وهو الّذي بين جمادى وشعبان، وكانت ربيعة تجعله رمضان، فلهذا أضافه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلى مضر. وقيل: لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم، وقيل: إن العرب كانت تسمي رجبا وشعبان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174   [ () ] الرجبين، وقيل كانت تسمى جمادى ورجبا جمادين، وتسمى شعبان رجبا. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق اللَّه السموات والأرض» ، فقال العلماء: معناه أنهم في الجاهلية يتمسكون بملة إبراهيم صلى اللَّه عليه وسلّم في تحريم الأشهر الحرم، وكان يشق عليهم تأخير القتال ثلاثة أشهر متواليات، فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال أخروا تحريم المحرم إلى الشهر الّذي بعده، وهو صفر، ثم يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر، وهكذا يفعلون في سنة بعد سنة، حتى اختلط عليهم الأمر، وصادفت حجة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تحريمهم، وقد تطابق الشرع، وكانوا في تلك السنة قد حرّموا ذا الحجة لموافقة الحساب الّذي ذكرناه، فأخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن الاستدارة قد صادفت ما حكم اللَّه تعالى به يوم خلق السموات والأرض. وقال أبو عبيد: كانوا ينسئون أي يؤخرون، وهو الّذي قال اللَّه تعالى فيه: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ، فربما احتاجوا إلى الحرب في المحرم، فيؤخرون تحريمه إلى صفر، ثم يؤخرون صفر في سنة أخرى، فصادف تلك السنة رجوع المحرم إلى موضعه. قوله: «ثم قال: أي شهر هذا؟ قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى، قال: فأي بلد هذا؟ قلنا: اللَّه ورسوله أعلم.. إلى آخره» ، هذا السؤال، والسكوت، والتفسير، أراد به التفخيم، والتقرير، والتنبيه على عظم مرتبه هذا الشهر، والبلد، واليوم، وقولهم: «اللَّه ورسوله أعلم» ، هذا من حسن أدبهم، وأنهم علموا أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب، فعرفوا أنه ليس المراد مطلق الإخبار بما يعرفون. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا» . المراد بهذا كله بيان توكيد غليظ تحريم الأموال والدماء، والأعراض، والتحذير من ذلك. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ، قيل في معناه سبعة أقوال: [1] أن ذلك كفر في حق المستحل بغير حق. [2] المراد كفر النعمة، وحق الإسلام. [3] أنه يقرب من الكفر، ويؤدي إليه. [4] أنه فعل كفعل الكفار. [5] المراد حقيقة الكفر، ومعناه: لا تكفروا، ودوموا مسلمين. [6] حكاه الخطابي وغيره، أن المراد بالكفار: المتكفرون بالسلاح، يقال: تكفّر الرجل بسلاحه إذا لبسه. قال الأزهري في كتاب (تهذيب اللغة) : يقال للابس السلاح كافر. [7] قال القاضي عياض رحمه اللَّه: ثم إن الرواية «يضرب» برفع الباء، هكذا هو الصواب، وكذا رواه المتقدمون والمتأخرون، وبه يصح المقصود هنا. ونقل القاضي عياض رحمه اللَّه، أن بعض العلماء ضبطه بإسكان الباء. قال القاضي: وهو إحالة للمعنى، والصواب الضم، قال الإمام النووي: وكذا قال أبو البقاء العكبريّ: إنه يجوز جزم الباء على تقدير شرط مضمر، أي إن ترجعوا يضرب، واللَّه تعالى أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 يعني في نسبة الحكم لنا ظاهرا كما كان في الدورة الأولى منسوبا إلينا باطنا، وإن كان في الظاهر منسوبا لمن نسب إليه من الأنبياء، ولما كانت العرب تنسئ [ (1) ] في الشهور فترى المحرّم منها حلالا والحلال منها محرّما، جاء محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم برد الزمان إلى أصله الّذي حكم إليه به عند خالقه، فبين الحرم من الشهور على حد ما خلقها اللَّه   [ () ] وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «لا ترجعوا بعدي كفارا» ، فقال القاضي: قال الصبري: معناه بعد فراقي من موقفي هذا، وكان هذا يوم النحر بمنى في حجة الوداع، أو يكون بعدي أي خلافي، أي لا تخلفوني في أنفسكم بغير الّذي أمرتكم به، أو يكون تحقق صلى اللَّه عليه وسلّم أن هذا لا يكون في حياته، فنهاهم عنه بعد مماته. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب» ، فيه وجوب تبليغ العلم، وهو فرض كفاية، فيجب تبليغه بحيث ينتشر. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه» ، احتج به العلماء لجواز رواية الفضلاء وغيرهم من الشيوخ الذين لا علم لهم عندهم ولا فقه، إذا ضبط ما يحدث به. (مسلم بشرح النووي) : 2/ 415- 416، كتاب الإيمان، باب (29) بيان معنى قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ، حديث رقم (118) ، (المرجع السابق) : 11/ 180، كتاب القسامة، باب (9) . تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، حديث رقم (29) . [ (1) ] النسيء: يقال نسأه وأنسأه، إذا أخّره، حكاه الكسائي. قال تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ. قال الجوهري وأبو حاتم: النسيء فعيل بمعنى مفعول، من نسأت الشيء فهو منسوء إذا أخّرته، ثم حوّل إلى نسيء، كما حوّل مقتول إلى قتيل. ورجل ناسئ، وقوم نسأة، مثل فاسق وفسقة. وقيل: النسيء مصدر من أنسأ، كالنذير من أنذر، والنكير من أنكر، وهو ظاهر قول الزمخشريّ لأنه قال: النسيء تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر. وقال الطبريّ: النسيء بالهمز معناه الزيادة. قال أبو حيان: فإذا قلت: أنسأ اللَّه أجله بمعنى أخّر، لزم من ذلك الزيادة في الأجل، فليس النسيء مرادفا للزيادة، بل قد يكون منفردا عنها في بعض المواضع. وإذا كان النسيء مصدرا كان الإخبار عنه بمصدر واضحا، وإذا كان بمعنى مفعول فلا بد من إضمار إما في النسيء أي: إن نسأ النسيء، أو في زيادة، أي: ذو زيادة. وبتقدير هذا الإضمار يرد على ما يرد على قوله. ولا يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول، لأنه يكون المعنى: إنما المؤخر زيادة، والمؤخر الشهر، ولا يكون الشهر زيادة في الكفر. وأخبر أن النسيء زيادة في الكفر، أي جاءت مع كفرهم باللَّه، لأن الكافر إذا أحدث معصية ازداد كفرا. قال تعالى: فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: 125] ، كما أن المؤمن إذا أحدث طاعة ازداد إيمانا. قال تعالى: فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة: 124] ، وأعاد الضمير في به على النسيء، لا على لفظ زيادة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 عليه، فلهذا قال: «إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السموات والأرض» ، كذلك استدار الزمان فأظهر محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم جسما وروحا، فنسخ [ (1) ] من شرعه المتقدم ما أراد أن ينسخ منه. وأبقى ما أراد اللَّه أن يبقى عليه، وذلك النّسخ في الأحكام لا في الأصول، ولما كان ظهوره صلى اللَّه عليه وسلّم [بالميزان] [ (2) ] وهو العدل في الكون وهو معتدل حار رطب كان زمان ملته متصلا بالآخرة، وكان العلم في أمته أكثر مما كان. في الأوائل، وأعطي صلى اللَّه عليه وسلّم علم الأولين وعلم الآخرين، فكان الكشف في هذه الأمة   [ () ] وقرأ ابن مسعود والأخوان وحفص: يُضِلُّ مبنيا للمفعول، وهو مناسب لقوله: زُيِّنَ، وباقي السبعة مبنيا للفاعل. وابن مسعود في رواية، والحسن ومجاهد، وقتادة، وعمرو بن ميمون، ويعقوب: يُضِلُّ أي اللَّه، أي يضل به الذين كفروا أتباعهم. ورويت هذه القراءة عن الحسن، والأعمش، وأبي عمرو، وأبي رجاء. وقرأ أبو رجاء: يُضِلُّ بفتحتين، من ضللت بكسر اللام، أضلّ بفتح الضاد منقولا، فتحها من فتحة اللام، إذ الأصل أضلل. وقرأ النخعي ومحبوب عن الحسن: نضل بالنون المضمومة وكسر الضاد، أي فضل نحن. ومعنى تحريمهم عاما وتحليله عاما: لا يراد أن ذلك كان مداولة في الشهر بعينه، عام حلال وعام حرام، وقد تأول بعض الناس القصة على أنهم كانوا إذا شقّ عليهم توالي الأشهر الحرم، أحل لهم المحرم، وحرم صفرا بدلا من المحرم، ثم مشت الشهور مستقيمة على أسمائها المعهودة، فإذا كان من قابل، حرّم المحرم على حقيقته، وأحلّ صفر، ومشت الشهور مستقيمة، وإن هذه كانت حال القوم. وقال ابن عباس، وقتادة، والضحاك: الذين شرعوا النسيء هم بنو مالك من كنانة، وكانوا ثلاثة. وعن ابن عباس: إن أول من فعل ذلك عمرو بن لحيّ، وهو أول من سيب السوائب وغيّر دين إبراهيم عليه السلام. وقال الكلبي: أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة. والموطأة: الموافقة، أي ليوافقوا العدة التي حرّم اللَّه، وهي الأربعة ولا يخالفونها، وقد خالفوا التخصيص الّذي هو أصل الواجبين. والواجبان هما العدد الّذي هو أربعة، في أشخاص أشهر معلومة، وهي رجب وذو القعدة، وذو الحجة والمحرم. يقال: تواطئوا على كذا، إذا اجتمعوا عليه، كأن كل واحد منهم يطأ حيث يطأ صاحبه. ومن الإيطاء في الشعر، وهو أن يأتي في الشعر بقافيتين على لفظ واحد ومعنى واحد. قال ابن عطية: ليحفظوا في كل عام أربعة أشهر في العدد، فأزالوا الفضيلة التي خصّ بها الأشهر الحرم وحدها، بمثابة أن يفطر رمضان، ويصوم شهرا من السنة بغير مرض أو سفر. باختصار من (البحر المحيط) : 5/ 416- 418. [ (1) ] النسخ إبطال الشيء وإقامة آخر مكانه، وفي التنزيل: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها، والآية الثانية ناسخة والأولى منسوخة، والشيء ينسخ الشيء أي يزيله ويكون مكانه. (لسان العرب) : 3/ 61. [ (2) ] في (خ) «بالميراث» ، وما أثبتناه أجود للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 أكثر مما كان في غيرها، لغلبة البرد واليبس على سائر الأمم قبلنا، وإن كانوا أذكياء وعلماء فآحاد مهم معينون بخلاف الأمة المحمدية، ألا ترى كيف ترجمت هذه الأمة جميع علوم الأمم، ولو لم يكن المترجم عالما بالمعنى الّذي دل عليه لفظ المتكلم به لما صح أن يكون مترجما، ولا كان ينطبق على ذلك اسم الترجمة، فقد علمت هذه الأمة علم من تقدم، واختصت بعلوم لم تكن للمتقدمين، ولهذا أشار صلى اللَّه عليه وسلّم بقوله: «فعلمت علم الأولين» ، وهم الذين تقدموه، ثم قال: «وعلم الآخرين» ، وهو علم ما لم يكن عند المتقدمين، وهو ما تعلمته أمته من بعده إلى يوم القيامة، فقد أخبر عليه السلام أن عندنا علوما لم تكن قبل، فقد ثبت له صلى اللَّه عليه وسلّم السيادة في الدنيا في العلم، وثبت له أيضا السيادة في الحكم حيث قال: «لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني» ، وتبين ذلك عند نزول عيسى عليه السلام، وحكمه فينا بالقرآن، فصحّت لنبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم السيادة في الدنيا بكل وجه ومعنى. ثم أثبت له السيادة على سائر الناس يوم القيامة بفتحه باب الشفاعة، ولا يكون ذلك [لنبي في [ (1) ] يوم القيامة] إلا له صلى اللَّه عليه وسلّم، فقد شفع صلى اللَّه عليه وسلّم في الرسل والأنبياء أن تشفع، نعم، وفي الملائكة، فأذن اللَّه تعالى عند شفاعته عليه السلام في ذلك لجميع من له شفاعة من ملك ورسول ونبي ومؤمن أن يشفع، فهو صلى اللَّه عليه وسلّم أول شافع بإذن اللَّه تعالى، وأرحم الراحمين، أخرج من النار من لم يعمل خيرا قط كما ورد في الحديث الصحيح، فأي شرف أعظم من دائرة تدار يكون آخرها أرحم الراحمين، وآخر الدائرة متصل بأولها، ولا شرف أعظم من شرف محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، حيث كان ابتداء الأشياء، وبه كملت، وما أعظم شرف المؤمن حيث ثلث شفاعته بشفاعة أرحم الراحمين، فلا دائرة أوسع من دائرة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فإن له الإحاطة -[ولأمته بحكم التبعية فلها الاحاطة] [ (2) ]- بسائر الأمم، ولذلك كانوا شهداء على الناس [ (3) ] .   [ (1) ] في (خ) «ولا يكون ذلك لنبي إلا في يوم القيامة» ، وهو خطأ من الناسخ. [ (2) ] ما بين القوسين من هامش (خ) . [ (3) ] إشارة إلى قوله تعالى: وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [الحج: 78] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 [وأعطى] [ (1) ] اللَّه محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم ما لم يعط غيره، فمن ذلك القرآن لم يبدل [ولم يحرف] [ (2) ] ، ولا نسخت شريعته بل ثبتت محفوظة، واستقرت بكل عين ملحوظة، يستشهد بها على كل طائفة، وخصّ صلى اللَّه عليه وسلّم بعلم الأولين والآخرين، وبالتؤدة والرّفق والرحمة وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [ (3) ] ، وما غلظ على من غلظ إلا بالأمر الإلهي حين قيل له جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [ (4) ] ، فصحت له السيادة على العالم بما تقرر، فإنه لم يحصل لغيره. قال تعالى: يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ [ (5) ] ، وقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (6) ] ، فلذلك ثبت القرآن ولم يحرف، وكذا علمه الإحاطي لم يكن لغيره ممن تقدمه. ومما خص به: السيف الّذي بعث به، وقتال الملائكة معه، فإن ذلك لم يكن لغيره، وهو من رتبة الكمال، وبعث من قوم ليس لهم همّ إلا في قرى الضيفان ونحر الجزور، والقتال الدائم الّذي لم يكن في غيرهم من الناس، وبهذا ولهذا كانوا يتمدحون كما هو معروف في أشعارهم، ولا خفاء عند كل أحد بفضل العرب على العجم بالكرم والشجاعة، وإن كان في العجم كرماء وشجعان كما في العرب بخلاء وجبناء لكن آحاد، والكلام يقع في الغالب لا في النادر، فهذا أمر لا ينكره أحد. ومما اختص به صلى اللَّه عليه وسلّم أنه حببت إليه النساء [ (7) ] ، فإن حبهن بكون اللَّه تعالى حببهن إليه، فكان يحبهن. ومن سنته النكاح لا التبتل، وجعل النكاح عبادة، وحبب إليه أيضا الطيب [ (7) ] .   [ (1) ] في (خ) «وأعطا» . [ (2) ] في (خ) «ولا حرف» . [ (3) ] الأحزاب: 43. [ (4) ] التوبة: 73، التحريم: 9. [ (5) ] البقرة: 75. [ (6) ] الحجر: 9. [ (7) ] أخرجه النّسائيّ في كتاب عشرة النساء، باب (1) ، حب النساء، حديث رقم (3949) : حدثنا الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن النّسائيّ قال: أخبرنا الحسين بن عيسى القومسيّ قال: حدثنا عفان بن مسلم قال: حدثنا سلّام أبو المنذر عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «حبّب إليّ من الدنيا النساء والطّيب، وجعل قرة عيني في الصلاة» . وحديث رقم (3950) : أخبرنا عليّ بن مسلم الطوسيّ قال: حدثنا سيّار قال: حدثنا جعفر قال: حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «حبّب إليّ النّساء والطيب، وجعلت قرّة عيني في الصلاة» . قال الحافظ السيوطي: قال بعضهم: في هذا قولان: أحدهما: أنه زيادة في الابتلاء والتكليف، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179   [ () ] حتى يلهو بما حبب إليه من النساء، عما كلف من أداء الرسالة، فيكون ذلك أكثر لمشاقه وأعظم لأجره. والثاني: لتكون خلواته مع ما يشاهدها من نسائه، فيزول عنه ما يرميه به المشركون من أنه ساحر أو شاعر، فيكون تحببهن إليه على وجه اللطف به، وعلى القول الأول على وجه الابتلاء، وعلى القولين فهو له فضيلة. وقال التستري في (شرح الأربعين) : «من» في هذا الحديث بمعنى «في» ، لأن هذه من الدين لا من الدنيا، وإن كانت فيها. والإضافة في رواية «دنياكم» للإيذان بأن لا علاقة له بها. وفي هذا الحديث: إشارة إلى وفائه صلى اللَّه عليه وسلّم بأصلي الدين، وهما التعظيم لأمر اللَّه، والشّفقة على خلق اللَّه، وهما كمال لقوّتيه، النظرية والعملية، فإن كمال الأولى بمعرفة اللَّه، والتعظيم دليل عليها، لأنه لا يتحقق بدونها، والصلاة لكونها مناجاة اللَّه تعالى على ما قال صلى اللَّه عليه وسلّم: «المصلي يناجي ربه» ، نتيجة التعظيم على ما يلوح من أركانها ووظائفها. وكمال الثانية في الشفقة وحسن المعاملة مع الخلق، وأولى الخلق بالشفقة بالنسبة إلى كل واحد من الناس، نفسه وبدنه، كما قال صلى اللَّه عليه وسلّم: «أبدأ بنفسك ثم بمن تعول» ، والطيب أخص الذات بالنفس، ومباشرة النساء ألذّ الأشياء بالنسبة إلى البدن، مع ما يتضمن من حفظ الصحة، وبقاء النسل المستمر لنظام الوجود، ثم إن معاملة النساء، أصعب من معاملة الرجال، لأنهن أرق دينا، وأضعف عقلا، وأضيق خلقا، كما قال صلى اللَّه عليه وسلّم: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أذهب للبّ الرجل الحازم منكن» . فهو عليه الصلاة والسلام أحسن معاملتهن بحيث عوتب بقوله تعالى: تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ، وكان صدور ذلك طبعا لا تكلفا، كما يفعل الرجل ما يحبه من الأفعال، فإذا كانت معاملته معهن هذا، فما ظنك بمعاملته مع الرجال، الذين هم أكمل عقلا، وأمثل دينا، وأحسن خلقا؟. وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» ، إشارة إلى أن كمال القوة النظرية أهم عنده وأشرف في نفس الأمر، وأما تأخيره فللتدرج التعليمي من الأدنى إلى الأعلى، وقدم الطيب على النساء، لتقدم حظ النفس على حظ البدن في الشرف. وقال الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) : الأنبياء زيدوا في النكاح لفضل نبوتهم، وذلك أن النور إذا امتلأ منه الصدر، ففاض في العروق، التذت النفس والعروق، فأثار الشهوة وقوّاها. وروى عن سعيد بن المسيب أن النبيين عليهم الصلاة والسلام، يفضّلون بالجماع على الناس، وروى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «أعطيت قوة أربعين رجلا في البطش والنكاح، وأعطى المؤمن قوة عشرة» ، فهو بالنّبوّة، والمؤمن بإيمانه، والكافر له شهوة الطبيعة فقط. قال: وأما الطيب فإنه يزكي الفؤاد ... وروى أحمد والترمذي من حديث أبي أيوب قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أربع من سنن المرسلين: التعطّر، والحياء، والنكاح، والسواك» . وقال الشيخ تقي الدين السبكي: السّرّ في إباحة نكاح أكثر من أربع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، أن اللَّه تعالى أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها، وما يستحيا من ذكره، وما لا يستحيا منه، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أشدّ الناس حياء، فجعل اللَّه تعالى له نسوة، ينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله، ويسمعنه من أقواله، التي قد يستحي من الإفصاح بها بحضرة الرجال، ليكتمل نقل الشريعة، وكثر عدد النساء ليكثر الناقلون لهذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 واختص أيضا بإعجاز القرآن، وأعطي جوامع الكلم، ولم يعط ذلك نبي قبله، واعطي كما قال: ستا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبله: بعث إلى الناس كافة فعمت رسالته، ونصر بالرعب، وأحلت له ولأمته الغنائم، وجعلت له ولأمته الأرض مسجدا وتربتها طهورا، ومما خصّ به أن أعطاه اللَّه مفاتيح خزائن الأرض، وخصّه بصورة الكمال فكملت به الشرائع وكان خاتم الأنبياء، ولم يكن ذلك   [ () ] النوع، ومنهن عرف مسائل الغسل، والحيض، والعدة، ونحوها. قال: ولم يكن ذلك لشهوة منه في النكاح، ولا كان يحب الوطء للذة البشرية، معاذ اللَّه، وإنما حبّب إليه النساء لنقلهن عنه ما يستحي هو من الإمعان في التلفظ به، فأحبهن لما فيه من الإعانة على نقل الشريعة في هذه الأبواب. وأيضا فقد نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه، وحال خلوته، من الآيات البينات على نبوته، ومن جدّه، واجتهاده في العبادة، ومن أمور يشهد كل ذي لب أنها لا تكون إلا لنبي، وما كان يشاهدها غيرهن، فحصل بذلك خير عظيم. وقال الموفق عبد اللطيف البغدادي: لما كانت الصلاة جامعة لفضائل الدنيا والآخرة، خصّها بزيادة صفة، وقدّم الطيب لإصلاحه النفس، وثنّي بالنساء لإماطة أذى النفس بهن، وثلّث بالصلاة لأنها تحصل حينئذ صافية عن الشوائب، خالصة من الشواغل. (سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي) : 7/ 72- 73. وقال الإمام السندي: قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «حبّب إليّ من الدنيا النساء» ، قيل: إنما حبب إليه النساء لينقلن عنه ما لا يطلع عليه الرجال من أحواله، ويستحيا من ذكره. وقيل: حبب إليه زيادة في الابتلاء في حقه، حتى لا يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف به من أداء الرسالة، فيكون أكثر لمشاقه، وأعظم لأجره، وقيل غير ذلك. وأما الطيب، فكأنه يحبه لكونه يناجي الملائكة، وهم يحبون الطيب، وأيضا هذه المحبة تنشأ من اعتدال المزاج، وكمال الخلقة، وهو صلى اللَّه عليه وسلّم أشدّ اعتدالا من حيث المزاج، وأكمل خلقة. وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «قرة عيني في الصلاة» ، إشارة إلى أن تلك المحبة، غير ما نعقله عن كمال المناجاة مع الرب تبارك وتعالى، بل هو مع تلك المحبة منقطع إليه تعالى، حتى أنه بمناجاته تقر عيناه، وليس له قريرة العين فيما سواه. فمحبته الحقيقية ليست إلا لخالقه تبارك وتعالى، كما قال: صلى اللَّه عليه وسلّم: «لو كنت متخذا أحدا خليلا لاتخذت أبا بكر، وإن صاحبكم لخليل الرحمن» - أو كما قال- وفيه إشارة إلى أن محبة النساء والطيب إذا لم يكن مخلا لأداء حقوق العبوديّة، بل للانقطاع إليه تعالى، يكون من الكمال، وإلا يكون من النقصان، فليتأمّل. وعلى ما ذكر، فالمراد بالصلاة، هي ذات ركوع وسجود، ويحتمل أن المراد في صلاة اللَّه تعالى عليّ، أو في أمر اللَّه تعالى الخلق بالصلاة عليّ. واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) : 73- 74. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 لغيره [ (1) ] .   [ (1) ] هذا الحديث أخرج البخاري في كتاب التيمم، باب (1) ، حديث رقم (335) : أخبرنا سيار قال: حدثنا يزيد الفقير قال: أخبرنا جابر بن عبد اللَّه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة» . قوله: «حدثنا يزيد الفقير» ، هو ابن صهيب يكنى أبا عثمان، التابعي مشهور، قيل له الفقير لأنه كان يشكو فقار ظهره، ولم يكن فقيرا من المال، قال صاحب المحكم: رجل فقير مكسور فقار الظهر، ويقال له: فقير بالتشديد أيضا. فائدة: مدار حديث جابر هذا على هشيم بهذا الإسناد، وله شواهد من حديث ابن عباس وأبي موسى وأبي ذر، من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، رواها كلها أحمد بأسانيد حسان. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «لم يعطهن أحد قبلي» ، زاد في كتاب الصلاة عن محمد بن سنان: «من الأنبياء» ، وفي حديث ابن عباس: «لا أقولهن فخرا» ، ومفهومه أنه لم يختص بغير الخمس المذكورة، لكن روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا: «فضلت على الأنبياء بست» ، فذكر أربعا من هذه الخمس، وزاد ثنتين كما سيأتي بعد. وطريق الجمع أن يقال: لعله اطلع أولا على بعض ما اختص به، ثم اطلع على الباقي، ومن لا يرى مفهوم العدد حجة يدفع هذا الإشكال من أصله. وظاهر الحديث يقتضي أن كل واحدة من الخمس المذكورات لم تكن لأحد قبله، وهو كذلك. ولا يعترض بأن نوحا عليه السلام، كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان، لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه، وقد كان مرسلا إليهم، لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته، وإنما اتفق بالحادث الّذي وقع، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس، وأما نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم فعموم رسالته من أصل البعثة، فثبت اختصاصه بذلك. وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة: «أنت أول رسول إلى أهل الأرض» ، فليس المراد به به عموم بعثته، بل إثبات أولية إرساله، وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات، على أن إرسال نوح كان إلى قومه، ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم. واستدل بعضهم لعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض، فأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة، ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا، لقوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا، وقد ثبت أنه أول الرسل. وأجيب بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح، وعلم نوح بأنهم لم يؤمنوا، فدعا على من لم يؤمن من قومه ومن غيرهم فأجيب، وهذا جواب حسن، لكن لم ينقل أنه نبّئ في زمن نوح غيره. ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا صلى اللَّه عليه وسلّم في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة، ونوح وغيره بصدد أن يبعث نبي في زمانه، أو بعده، فينسخ بعض شريعته، ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد، بلغ بقية الناس، فتمادوا على الشرك فاستحقوا العذاب، وإلى هذا نحا ابن عطية في تفسيره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182   [ () ] سورة هود قال: وغير ممكن أن تكون نبوّته لم تبلغ القريب والبعيد لطول مدته، ووجّهه ابن دقيق العيد بأن توحيد اللَّه تعالى يجوز أن يكون عامّا في حق بعض الأنبياء، وإن كان التزام فروع شريعته ليس عاما، لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم. ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح، [وهذا الاحتمال الأخير أظهر مما قبله، لقول اللَّه تعالى: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ، وقوله تعالى: وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً] فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط، وهي عامة في الصورة لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم. وغفل الداوديّ الشارح غفلة عظيمة فقال: قوله: «لم يعطهن أحد» يعني لم تجمع قبله، لأن نوحا بعث إلى كافة الناس، وأما الأربع فلم يعط أحد واحدة منهن. وكأنه نظر في أول الحديث وغفل عن آخره، لأنه نص صلى اللَّه عليه وسلّم على خصوصيته بهذه أيضا لقوله: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة» ، وفي رواية مسلم: «وكان كل نبي» . قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «نصرت بالرعب» ، زاد أبو أمامة: «يقذف في قلوب أعدائي» ، أخرجه الإمام أحمد. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «مسيرة شهر» ، مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب: «ونصرت على العدو بالرعب، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر» ، فالظاهر اختصاصه به مطلقا، وإنما جعل الغاية شهرا، لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق، حتى لو كان وحده بغير عسكر، وهل هي حاصلة لأمته من بعده؟ فيه احتمال. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وجعلت لي الأرض مسجدا» ، أي موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويمكن أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه، لأنه لما جازت الصلاة في جميعها، كانت كالمسجد في ذلك. قال ابن التين: قيل: المراد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وجعلت لغيري مسجدا، ولم تجعل له طهورا، لأن عيسى عليه السلام، كان يسبح في الأرض، ويصلي حيث أدركته الصلاة، كذا قال، وسبقه إلى ذلك الداوديّ. وقيل: إنما أبيحت لهم في موضع يتيقنون طهارته، بخلاف هذه الأمة، فأبيح لها في جميع الأرض، إلا فيما يتيقنوا نجاسته، والأظهر ما قاله الخطابي، وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة، كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ: «وكان من قبلي إنما يصلون في كنائسهم» ، وهذا نص في موضع النزاع، فثبتت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس نحو حديث الباب فيه: «ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه» . قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وطهورا» ، استدلّ به على أن الطهور هو المطهر لغيره، لأن الطهور لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية، والحديث إنما سيق لإثباتها. وقد روى ابن المنذر، وابن الجارود، بإسناد صحيح، عن أنس مرفوعا: «جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا» ، ومعنى طيبة طاهرة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183   [ () ] فلو كان معنى طهورا طاهرا للزم تحصيل الحاصل. واستدل به على أن التيمم يرفع الحدث كالماء لاشتراكهما في هذا الوصف، قال الحافظ في (الفتح) : «وفيه نظر» . قال محققه: «ليس للنظر المذكور وجه، والصواب أن التيمم رافع للحدث كالماء، عملا بظاهر الحديث المذكور، وما جاء في معناه، وهو قول جم غفير من أهل العلم. واللَّه تعالى أعلم. (أ. هـ) . وعلى أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض، وقد أكد في رواية أبي أمامة بقوله: «وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجدا وطهورا» . قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فأيما رجل» ، «أيّ» مبتدأ فيه معنى الشرط، و «ما» زائدة للتأكيد، وهذه صيغة عموم يدخل تحتها من لم يجد ماء ولا ترابا، ووجد شيئا من أجزاء الأرض، فإنه يتيمم به، ولا يقال: هو خاص بالصلاة، لأنا نقول: لفظ حديث جابر مختصر، وفي رواية أبي أمامة عند البيهقي: «فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماء، وجد الأرض طهورا ومسجدا. وعند الإمام أحمد: «فعنده طهوره ومسجده» . وفي رواية عمرو بن شعيب: «فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت» . واحتج من خصّ التيمم بالتراب، بحديث حذيفة عند الإمام مسلم بلفظ: «وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء» ، وهذا خاص، فينبغي أن يحمل العام عليه، فتختص الطهورية بالتراب، ودلّ الافتراق في اللفظ، حيث حصل التأكيد من جعلها مسجدا دون الآخر على افتراق الحكم، وإلا لعطف أحدهما على الآخر نسقا، كما في حديث الباب. ومنع بعضهم الاستدلال بلفظ «التربة» على خصوصية التيمم بالتراب بأن قال: تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره. وأجيب بأنه ورد في الحديث المذكور بلفظ «التراب» ، أخرجه ابن خزيمة وغيره. وفي حديث علي: «وجعل التراب لي طهورا» ، أخرجه الإمام أحمد والبيهقي بإسناد حسن، ويقوى القول بأنه خاص بالتراب، أن الحديث سبق لإظهار التشريف والتخصيص، فلو كان جائزا بغير التراب لما اقتصر عليه. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فليصل» ، عرف مما تقدم أن المراد فليصل بعد أن تيمم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وأحلت لي الغنائم» ، وللكشميهني «المغانم» وهي رواية الإمام مسلم، قال الخطابي: كان من تقدم على ضربين، منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أذن له فيه، لكن كانوا إذا غنموا شيئا لم يحل لهم أن يأكلوه، وجاءت نار فأحرقته.. وقيل: المراد أنه خصّ بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف يشاء، والأول أصوب، وهو أن من مضى لم تحل لهم المغانم أصلا. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أعطيت الشفاعة» ، قال ابن دقيق العيد: الأقرب أن اللام منها للعهد، والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف، ولا خلاف في وقوعها. وكذا جزم النووي وغيره. وقيل: الشفاعة التي اختص بها أنه لا يرد فيما يسأل. وقيل: الشفاعة لخروج من في قلبه مثقال ذرّة من إيمان، لأن شفاعة غيره تقع فيمن في قلبه أكثر من ذلك، قاله عياض. والّذي يظهر لي أن هذه مع الأولى، لأنه يتبعها بها. وقال البيهقي: يحتمل أن الشفاعة التي يختص بها أن يشفع لأهل الصغائر والكبائر، وغيره إنما يشفع لأهل الصغائر دون الكبائر. ونقل عياض أن الشفاعة المختصة به شفاعة لا ترد. وقد وقع في حديث ابن عباس: «وأعطيت الشفاعة، فأخّرتها لأمتي، فهي لمن لا يشرك باللَّه شيئا» . وفي حديث عمرو بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184   [ () ] شعيب: «فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا اللَّه» ، والظاهر أن المراد بالشفاعة المختصّة في هذا الحديث إخراج من ليس له عمل صالح إلا التوحيد، وهو مختص أيضا بالشفاعة الأولى، لكن جاء التنويه بذكر هذه لأنها غاية المطلوب من تلك لاقتضائها الراحة المستمرة. وقد ثبتت هذه الشفاعة في رواية الحسن عن أنس في كتاب التوحيد: «ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا اللَّه، فيقول: وعزتي وجلالي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا اللَّه» . ولا يعكر على ذلك ما وقع عند مسلم قبل قوله: «وعزتي» فيقول: «ليس ذلك، وعزتي.. إلخ» ، لأن المراد أنه لا يباشر الإخراج كما في المرات الماضية، بل كانت الشفاعة سببا في ذلك. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وبعثت إلى الناس عامة» ، فوقع في رواية مسلم: «وبعثت إلى كل أحمر وأسود» ، فقيل: المراد بالأحمر العجم، وبالأسود العرب، وقيل: الأحمر الإنس، والأسود الجن، وعلى الأول التنصيص على الإنس من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه مرسل إلى الجميع، وأصرح الروايات في ذلك وأشملها، رواية أبي هريرة عند مسلم: «وأرسلت إلى الخلق كافة» . قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : أول حديث أبي هريرة هذا: «فضّلت على الأنبياء بست» ، فذكر الخمس المذكورة في حديث جابر إلا الشفاعة، وزاد خصلتين وهم: «وأعطيت جوامع الكلم، وختم بي النبيون» ، فتحصل منه ومن حديث جابر سبع خصال. ولمسلم أيضا من حديث حذيفة: «فضلنا على الناس بثلاث خصال: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة» وذكر خصلة الأرض كما تقدم، قال: وذكر خصلة أخرى، وهي الخصلة المهمة بينها ابن خزيمة والنسائي، وهي: «وأعطيت هذه الآيات من سورة البقرة من كنز تحت العرش» ، يشير إلى ما حطه اللَّه عن أمته من الإصر، وتحميل ما لا طاقة لهم به، ورفع الخطأ والنسيان، فصارت الخصال تسعا. ولأحمد من حديث علي: «أعطيت أربعا لم يعطهنّ أحد من أنبياء اللَّه: أعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعلت أمتي خير الأمم» وذكر خصلة التراب فصارت الخصال اثنتي عشرة خصلة. وعند البزار من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه: «فضّلت على الأنبياء بست: غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وجعلت أمتي خير الأمم، وأعطيت الكوثر، وإن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة، تحته آدم فمن دونه» ، وذكر ثنتين مما تقدم. وله من حديث ابن عباس رفعه: «فضّلت على الأنبياء بخصلتين: كان شيطاني كافرا فأعانني اللَّه عليه فأسلّم» قال: ونسيت الأخرى، قال الحافظ ابن حجر: فينتظم بهذا سبع عشرة خصلة. ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع. وقد تقدم طريق الجمع بين هذه الروايات، وأنه لا تعارض فيها. وقد ذكر أبو سعيد النيسابورىّ في كتاب (شرف المصطفى) ، أن عدد الّذي اختص به نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم عن الأنبياء ستون خصلة. وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم: [1] مشروعية تعديد نعم اللَّه. [2] إلقاء العلم قبل السؤال. [3] أن الأصل في الأرض الطهارة. [4] أن صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبني لذلك. وأما حديث: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» فضعيف، أخرجه الدار الدّارقطنيّ من حديث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 فبهذا وأمثاله انفرد بالسيادة الجامعة للسيادات كلها، والشرف المحيط الأعم صلى اللَّه عليه وسلّم. وكان من رتبة الكمال الّذي اختص به عليه السلام في جميع أموره: الكمال في [العبوديّة] [ (1) ] فكان عبدا صرفا لم تقم بذاته ربانية على أحد، وهي التي أوجبت له السيادة، وهي الدليل على شهوده على الدوام، وقد قالت عائشة رضي اللَّه عنها: «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يذكر اللَّه على كل أحيانه» ، وهو أمر يختص بباطن الإنسان وقوله، وقد يظهر خلاف ذلك بأفعاله مع تحققه بالمقام، فيلتبس على من لا معرفة له بالأحوال. واللَّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. ***   [ () ] جابر. واستدل به صاحب (المبسوط) من الحنفية على إظهار كرامة الآدمي وقال: لأن الآدمي خلق من ماء وتراب، وقد ثبت أن كل منهما طهور، ففي ذلك بيان كرامته. قال محققه: وحديث جابر، يغني عنه ما رواه ابن ماجة، وابن حبان، والحاكم بإسناد حسن عن ابن عباس مرفوعا: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر» ، وما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة: «أن رجلا أعمى سأل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن يصلي في بيته، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب» ، وهذا في الفرائض كما هو معلوم، أما النافلة فلا تختص بالمسجد بل هي في البيت أفضل، إلا ما للشرع دليل على استثنائه. واللَّه تعالى أعلم. (فتح الباري) : 1/ 574 كتاب التيمم باب (1) حديث (335) . [ (1) ] في (خ) : «العبودة» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 ذكر التنويه [ (1) ] بذكر رسول صلى اللَّه عليه وسلّم من زمن آدم عليه السلام فخرج الحاكم من حديث عمر بن أوس الأنصاري، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: «أوحى اللَّه إلى عيسى: يا عيسى، آمن بحمد ومن أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلق آدم، ولولا محمد ما خلقت العرش على الماء فاضطرب، فكتبت عليه لا إله إلا اللَّه فسكن [ (2) ] » قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. وذكر إبراهيم بن طهمان [ (3) ] عن بديل بن ميسرة عن عبد اللَّه بن شقيق عن   [ (1) ] ناه الشيء ينوه: ارتفع وعلا، عن ابن جني، فهو نائه. ونهت بالشيء نوها، ونوّهت به، ونوّهته تنويها: رفعته. ونوّهت باسمه: رفعت ذكره. (لسان العرب) : 13/ 550. [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 671، كتاب تواريخ المتقدمين، حديث رقم (4227/ 237) : حدثنا علي بن حمشاد العدل إملاء، حدثنا هارون بن العباس الهاشمي، حدثنا جندل بن والق، حدثنا عمرو بن أوس الأنصاري، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: «أوحى اللَّه إلى عيسى عليه السلام: يا عيسى، آمن بمحمد، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة ولا النار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب، فكتبت عليه لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه فسكن» . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. قال في (التخليص) : أظنه موضوعا على سعيد. [ (3) ] هو إبراهيم بن طهمان بن شعبة الخراساني أبو سعيد، ولد في بهراة وسكن نيسابور، وقدم بغداد، ثم سكن مكة إلى أن مات. روي عن أبي إسحاق السبيعي، وأبي إسحاق الشيبانيّ، وعبد العزيز بن صهيب، وأبي جمرة نصر بن عمران الضبعي، ومحمد بن زياد الجمحيّ، وأبي الزبير، والأعمش، وشعبة، وسفيان والحجاج بن الحجاج الباهلي، وجماعة. وروى عنه حفص بن عبد اللَّه السلمي، وخالد بن نزار، وابن المبارك، وأبو عامر العقدي، ومحمد بن سنان العوفيّ، ومحمد بن سابق البغدادي وغيرهم. وروى عنه صفوان بن سليم، وهو من شيوخه. قال ابن المبارك: صحيح الحديث. وقال أحمد وأبو حاتم وأبو داود: ثقة. زاد أبو حاتم: صدوق حسن الحديث. وقال ابن معين والعجليّ: لا بأس به. وقال عثمان بن سعيد الدارميّ: كان ثقة في الحديث، لم يزل الأئمة يشتهون حديثه، ويرغبون فيه، ويوثقونه. وقال صالح بن محمد: ثقة، حسن الحديث، يميل شيئا إلى الإرجاء في الإيمان، حبب اللَّه حديثه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 ميسرة قال: قلت: يا رسول اللَّه، متى كنت نبيا؟ قال: لما خلق اللَّه الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، وخلق العرش، كتب على ساق العرش: محمد رسول اللَّه، خاتم الأنبياء، وخلق اللَّه الجنة التي أسكنها آدم وحواء، وكتب على أبوابها اسمي، والأوراق والقباب والختام وآدم بين الروح والجسد، فلما أحياه اللَّه نظر إلى العرش فرأى اسمي فأخبره اللَّه تعالى أنه سيد ولدك، فلما غرهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه. وخرج الطبراني من حديث عبد اللَّه بن مسلم، حدثنا إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «لما أصاب آدم الخطيئة رفع رأسه فقال: يا رب، بحق محمد صلى اللَّه عليه وسلّم إلا غفرت لي، فأوحى اللَّه إليه: وما محمد، ومن محمد؟ فقال: يا رب، إنك لما أتممت خلقي رفعت رأسي إلى عرشك فإذا عليه مكتوب: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك إذ قرنت اسمه مع اسمك، فقال: نعم، قد غفرت لك، وهو آخر الأنبياء من ذريتك، ولولاه ما خلقتك. قال البيهقي:   [ () ] إلى الناس، جيد الرواية. وقال إسحاق بن راهويه: كان صحيح الحديث، حسن الرواية، كثير السماع، ما كان بخراسان أكثر حديثا منه، وهو ثقة. وقال يحى بن أكثم القاضي: كان من أنبل الناس ممن حدّث بخراسان والعراق والحجاز، وأوثقهم وأوسعهم علما. وقال أحمد: كان يرى الإرجاء، وكان شديدا على الجهمية. وقال أبو زرعة: ذكر عند أحمد، وكان متكئا فاستوى جالسا وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فنتكئ. وقال الدار الدّارقطنيّ: ثقة، إنما تكلموا في الإرجاء. وقال البخاري في (التاريخ) : حدثني رجل، حدثني علي بن الحسن بن شقيق، سمعت ابن المبارك يقول: أبو حمزة السكري، وإبراهيم بن طهمان العلم والحديث. قال البخاري: وسمعت محمد بن أحمد يقول: سألت أبا عبد اللَّه أحمد بن حنبل عن إبراهيم فقال: صدوق اللهجة. وقال ابن حبان في (الثقات) : قد روى أحاديث مستقيمه تشبه أحاديث الأثبات، وقد تفرد عن الثقات بأشياء معضلات. قال الحافظ ابن حجر: الحق فيه أنه ثقة صحيح الحديث إذا روى عنه ثقة، ولم يثبت غلوه في الإرجاء ولا كان داعية إليه، بل ذكر الحاكم أنه رجع عنه. (تهذيب التهذيب) : 1/ 112- 114 ، ترجمة رقم (231) باختصار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه عنه، وهو ضعيف [ (1) ] . قال كاتبه: هو أبو زيد عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، مولى عمر بن الخطاب، ضعّفه أحمد وأبو داود والنسائي، وقال ابن عدي: له أحاديث حسان، وهو ممن احتمله وصدقه بعضهم، وهو ممن يكتب حديثه. وخرجه الحاكم من حديث عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن جده عن عمر بنحو أو قريب منه، ثم قال: حديث صحيح الإسناد. وروى أبو بكر بن أبي الدنيا من حديث سعيد بن جبير أنه قال: اختصم ولد آدم أي الخلق أكرم علي اللَّه تعالي؟ فقال بعضهم: آدم خلقه اللَّه بيده وأسجد له ملائكته، وقال آخرون: بل الملائكة الذين لم يعصوا اللَّه، فذكروا ذلك لآدم، فقال: لما نفخ في الروح لم يبلغ قدمي حتى استويت جالسا، فبرق لي العرش، فنظرت فيه: محمد رسول اللَّه، فذاك أكرم الخلق علي اللَّه. وروى الحسين بن [علي] بن أبي طالب مرفوعا: أهل الجنة ليست لهم كني إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد توقيرا وتعظيما. وقال محمد بن عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة: حدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: أوحي اللَّه تعالي إلي آدم عليه السلام: أنا اللَّه، وبكة [ (2) ] أهلها خيرتي، وزوارها وفدي كنفي، أعمر [بيتي] [ (3) ] بأهل السماء وأهل الأرض، يأتونه أفواجا شعثا غبرا، يعجون بالتكبير عجيجا، ويرجون بالتلبية رجيجا، ويثجون بالبكاء ثجا، فمن اعتمره لا يريد غيره فقد زارني وضافني، ووفد إليّ، ونزل بي، وحق لي أتحفه بكرامتي، أجعل ذاك البيت وذكره وشرفه ومجده وسناه لنبي من ولدك يقال له إبراهيم، أرفع له قواعده، وأقضي علي يديه عمارته، وأبسط له سقايته، وأريه حله وحرمه،   [ (1) ] (المستدرك للحاكم) وقال: حديث صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد ابن أسلّم في هذا الكتاب، وقال (الحافظ الذهبي) في (التلخيص) : «قلت: بل موضوع وعبد الرحمن واه» ج 2 ص 615. [ (2) ] من أسماء مكة المكرمة: بكة، وأم القرى. [ (3) ] في (خ) «أعمره» ، وما بين القوسين زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 وأعلمه مشاعره، ثم تعمره الأمم والقرون حتى ينتهي إلي بني من ولدك يقال له محمد، وهو خاتم النبيين، فأجعله من سكانه وولاته وحجابه وسقاته، ومن سألك عني يومئذ فأنا الشعث الغبر الموفين بنذورهم، المقبلين إلي ربهم. وقال سعيد بن عمرو الأنصاري عن أبيه عن كعب الأحبار قال: لما أراد اللَّه أن يخلق محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم أمر جبريل فأتاه بالقبضة التي هي موضع قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فعجنت بماء التسنيم، وثم غمست في أنهار الجنة وطيف بها في السموات والأرض، فعرفت الملائكة محمدا وفضله قبل أن تعرف آدم، ثم كان نور [محمد] [ (1) ] يرى في غرة جبهة آدم، وقيل له يا آدم، هذا سيد ولدك من المرسلين، فلما حملت [حواء] [ (2) ] بشيث انتقل النور من آدم إلي [حواء] [ (2) ] ، وكانت تلد في كل بطن ولدين إلّا شيثا فإنه ولدته وحده كرامة لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم لم [يزل] [ (3) ] ينتقل من طاهر إلي طاهر إلي أن ولد صلى اللَّه عليه وسلّم. وقال ورقاء بن عمر عن ابن أبي الحجيج عن عطاء بن السائب ومجاهد عن مرة الهمزاني عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه، أين كنت وآدم في الجنة؟ قال: كنت في صلبه، وأهبطت إلي الأرض وأنا في صلبه، وركبت السفينة في صلب نوح، وقذفت في النار في صلب إبراهيم، لم يلتق لي أبوان قط علي سفاح، لم يزل ينقلني من الأصلاب الطاهرة إلي الأرحام النقية مهذبا، لا يتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما، فأخذ اللَّه لي بالنّبوّة ميثاقي، وفي التوراة بشّر بي، وفي الإنجيل شهر اسمي، تشرق الأرض لوجهي، والسماء لرؤيتي [ (4) ] .   [ (1) ] في (خ) : «محمدا» وما أثبتناه حق اللغة. [ (2) ] في (خ) : «حوى» . [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] يشهد لهذا الأثر ما أخرجه كل من: البخاري: في كتاب المناقب، باب (23) ، حديث رقم (3557) : حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمرو، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا، حتى كنت من القرن الّذي كنت منه» . قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا» ، القرن الطبقة من الناس المجتمعين في عصر واحد» ، ومنهم من حدّه بمائة سنة، وقيل: بسبعين، وقيل بغير ذلك. فحكى الحربي الاختلاف فيه من عشرة إلي مائة وعشرين، ثم تعقب الجميع وقال: الّذي أراه أن القرن كل أمة هلكت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190   [ () ] حتى لم يبق منها أحد. وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «قرنا» ، بالنصب حال للتفصيل. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «حتى كنت من القرن الّذي كنت منه» ، في رواية الإسماعيلي: «حتى بعثت من القرن الّذي كنت فيه» . .. والقرن أهل زمان واحد متقارب، اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة، ويقال: إن ذلك مخصوص بما إذا اجتمعوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم علي ملة، أو مذهب، أو عمل. ويطلق القرن علي مدة من الزمان، واختلفوا في تحديدها، ذكر الجوهري بين الثلاثين والثمانين، وقد وقع في حديث عبد اللَّه بن بسر عند مسلم، ما يدل علي أن القرن مائة وهو المشهور. وقال صاحب المطالع: القرن أمة هلكت، فلم يبق منهم أحد، وثبتت المائة في حديث عبد اللَّه بن بسر، وهو ما عند أكثر أهل العراق. ولم يذكر صاحب (المحكم) الخمسين، وذكر من عشر إلي سبعين، ثم قال: هذا هو القدر المتوسط من أعمار أهل كل زمن، وهذا أعدل الأقوال، وبه صرح ابن الأعرابي وقال: إنه مأخوذ من الأقران، ويمكن أن يحمل عليه المختلف من الأقوال المتقدمة ممن قال إن القرن أربعون فصاعدا، أما من قال إنه دون ذلك فلا يلتئم علي هذا القول واللَّه أعلم. والمراد بقرن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في هذا الحديث الصحابة. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وبعثت في خير قرون بني آدم» ، وفي رواية بريدة عند الإمام أحمد: «خير هذه الأمة القرن الّذي بعثت فيهم» ، وقد ظهر أن الّذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة، أو دونها، أو فوقها بقليل، علي الاختلاف في وفاة أبي الطفيل، وإن اعتبر ذلك من بعد وفاته صلى اللَّه عليه وسلّم فيكون مائة سنة أو تسعين أو سبعا وتسعين. وأما قرن التابعين، فإن اعتبر من سنة مائة كان نحو سبعين أو ثمانين، وأما الذين بعدهم، فإن اعتبر منها، كان نحوا من خمسين، فظهر بذلك أن مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان واللَّه تعالي أعلم. واتفقوا أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلي حدود العشرين ومائتين، ورفعت الفلاسفة رءوسها، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا، ولم يزل الأمر في نقص إلي الآن، وظهر قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «ثم يفشو الكذب» ظهورا بينا، حتى يشمل الأقوال، والأفعال، والمعتقدات، واللَّه المستعان. (فتح الباري) : 6/ 712، 7/ 6- 7. ومسلم: في كتاب الفضائل، باب (1) ، فضل نسب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، حديث رقم (2276) : حدثنا محمد بن مهران الرازيّ، ومحمد بن عبد الرحمن بن سهم، جميعا عن الوليد، قال ابن مهران: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، عن أبي عمار شداد، أنه سمع وائلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: «إن اللَّه اصطفي كنانة من ولد إسماعيل، واصطفي قريشا من كنانة، واصطفي من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» . وباب (2) تفضيل نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم علي جميع الخلائق، حديث رقم (2278) ، حدثني الحكم بن موسي أبو صالح، حدثنا هقل- يعني ابن زياد- عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني عبد اللَّه بن فروخ، حدثني أبو هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفّع» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191   [ () ] قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «إن اللَّه اصطفي كنانة» ، قال الإمام النووي: استدل به أصحابنا علي أن غير قريش من الغرب ليس بكفء لهم، ولا غير بني هاشم كفؤ لهم، إلا بني المطلب فإنّهم هم وبنو هاشم شيء واحد، كما صرح به في الحديث الصحيح. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفّع» ، قال الهروي: السيد هو الّذي يفوق قومه في الخير، وقال غيره: هو الّذي يفزع إليه في النوائب والشدائد، فيقوم بأمرهم، ويتحمّل عنهم مكارهم، ويدفعها عنهم. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «يوم القيامة» ، مع أنه سيدهم في الدنيا والآخرة، فسبب التقييد أن في يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد، ولا يبقى مناع ولا معاند ونحوه، بخلاف الدنيا فقد نازعه ذلك فيها ملوك الكفار، وزعماء المشركين. وهذا التقييد قريب من معني قوله تعالي: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ مع أن الملك له سبحانه قبل ذلك، لكن كان في الدنيا من يدعي الملك، أو من يضاف إليه مجازا، فانقطع كل ذلك في الآخرة. قال العلماء: وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أنا سيد ولد آدم» ، لم يقله فخرا، بل صرّح بنفي الفخر في غير مسلم، في الحديث المشهور: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» ، وإنما قاله لوجهين: أحدهما: امتثال قوله تعالي: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ. والثاني: أنه من البيان الّذي يجب عليه تبليغه إلي أمته، ليعرفوه ويعتقدوه، ويعملوا بمقتضاه، ويوقروه صلى اللَّه عليه وسلّم بما يقتضي مرتبته، كما أمرهم اللَّه تعالي. الآدميين أفضل من الملائكة، وهو صلى اللَّه عليه وسلّم علي الخلائق كلهم، لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة، وهو صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل الآدميين وغيرهم. وأما الحديث الآخر: «لا تفضلوا بين الأنبياء» ، فجوابه من خمسة أوجه: أحدهما: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم قاله قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم، فلما علم أخبر به. والثاني: قاله أدبا وتواضعا. والثالث: أن النهي إنما هو عن تفضيل يؤدي إلي تنقيص المفضول. والرابع: إنما نهي عن تفضيل يؤدي إلي الخصومة والفتنة، كما هو المشهور في سبب الحديث. والخامس: أن النهي مختص بالتفضيل في نفس النبوة، فلا تفاضل فيها، وإنما التفاضل بالخصائص وفضائل أخرى، ولا بدّ من اعتقاد التفضيل، فقد قال تعالي: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وأول شافع وأول مشفع» ، إنما ذكر الثاني لأنه قد يشفع اثنان، فيشفع الثاني منهما قبل الأول. واللَّه تعالي أعلم. والترمذي: في أبواب المناقب، باب (20) ما جاء في فضل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (3850) : حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا أبو أحمد، أخبرنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث، عن المطلب بن أبي وداعة قال: «جاء العباس إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وكأنه سمع شيئا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 قال جامعه قد أشار إلي هذا الحديث العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه في شعره المشهور عنه، خرج أبو بكر الشافعيّ قال: حدثني أبو الشيخ محمد بن الحسين الأصفهاني، وعبد اللَّه بن محمد بن ياسين قالا: حدثنا زكريا بن يحي بن عمر بن حصن بن حمير عن منهب بن حارث بن خريم بن أوس بن حارثة قال: قال: خريم بن أوس: هاجرت إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأسلمت فسمعت العباس رضي اللَّه عنه يقول: يا رسول اللَّه إني أريد أن أمتدحك، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: فقل لا يفضض اللَّه فاك، فأنشأ العباس يقول:   [ () ] فقام النبي صلى اللَّه عليه وسلّم علي المنبر فقال: من أنا؟ فقالوا: أنت رسول اللَّه عليك السلام، قال: أنا محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب. إن اللَّه خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا وخيرهم نفسا» ، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وروي عن سفيان الثوري، عن يزيد بن أبي زياد، نحو حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحارث، عن العباس بن عبد المطلب. قوله: «جاء العباس» ، أي غضبان «وكأنه سمع شيئا» ، أي من الطعن في نسبه أو حسبه، «فقال: من أنا؟» استفهام تقرير علي جهة التبكيت، «فقالوا: أنت رسول اللَّه، فلما كان قصده صلى اللَّه عليه وسلّم بيان نسبة وهم عدلوا عن ذلك المعني، ولم يكن الكلام في ذلك المبني، «أنا محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب» ، يعني وهما معروفان عند العارف المنتسب. قال الطيبي: قوله: «فكأنه سمع» ، مسبب عن محذوف، أي جاء العباس غضبان بسبب ما سمع طعنا من الكفار في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، نحو قوله تعالي: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، كأنهم حقّروا شأنه، وأن هذا الأمر العظيم الشأن لا يليق إلا بمن هو عظيم من إحدى القريتين، كالوليد بن المغيرة، وعروة بن مسعود الثقفي مثلا، فأقرهم صلى اللَّه عليه وسلّم، علي سبيل التبكيت، علي ما يلزم تعظيمه وتفخيمه، فإنه الأولى بهذا الأمر من غيره، لأن نسبه أعرف. ومن ثم لما قالوا: أنت رسول اللَّه، ردّهم بقوله: أنا محمد بن عبد اللَّه. (تحفة الأحوذي) : 10/ 54. وابن الأثير في (جامع الأصول) : 8/ 536، حديث رقم (6338) ، رقم (6339) . والإمام أحمد في (المسند) : 1/ 345، حديث رقم (1791) ، حديث رقم (1793) . وأبو حيان الأندلسي في (البحر المحيط) : 8/ 198، عند تفسير قوله تعالي من سورة الأعراف: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ، قال ابن عباس: في أصلاب آدم، ونوح، وإبراهيم، حتى خرجت. وابن كثير في (التفسير) : 3/ 365، وروى البزار وابن أبي حاتم، من طريقين عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ: يعني تقلبه من صلب نبي إلي صلب نبي، حتى أخرجه نبيا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد ولا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرا وأهله الغرق وردت نار الخليل فكنتما ... تجول فيها فليس تحترق نقلت من صالب إلي رحم ... إذا مضي عالم بدا طبق حتى احتوى بيتك المهيمن من ... من خندف علياء تحتها النّطق وأنت لما ولدت أشرقت الأرض ... وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفي ... النور وسبل الرشاد نخترق قوله: (في الظلال) ، يريد ظلال الجنة حيث كان كونه صلى اللَّه عليه وسلّم في صلب آدم عليه السلام. ويشير بقوله: (مستودع) ، إلي موضع آدم وحواء من الجنة، وقيل المستودع: النطفة في الرحم. ويشير بقوله: (يخصف الورق) إلي قوله تعالي حكاية عن آدم وحواء: فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [ (1) ] . وفي رواية: (وأهلها الغرق) ، كأنه عني أهل الأرض أو البلاد لتقدم ذكرها، ويكون الضمير في قوله: (نسرا وأهله) ، عائد علي قوم نوح المغرقين، يريد: كنت يا محمد في صلب آدم وهو في الجنة، ثم لما هبط إلي الأرض هبطت في صلبه، وتنقلت من بعده في الأصلاب حتى ركبت مع نوح عليه السلام السفينة وأنت في صلبه، لما غرق قوم نوح بالطوفان من أجل كفرهم باللَّه عز وجل، وعباده الأصنام التي هي ودّا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا، وعبّر عن السفينة بالسفين، وهو جمع سفينة، يقال: سفينة وسفين، وتجمع علي سفن والسفائن أيضا. وقوله: (وردت نار الخليل) ، يريد أنك كنت في صلب إبراهيم عليه السلام   [ (1) ] الأعراف: 22. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 لما ألقي في النار فلم تحرقه. وقوله: (تنقل) ، وفي رواية: نقلت من صالب إلي رحم، يريد من صلب ذكر إلي رحم امرأة، وفي الصلب ثلاث لغات: بضم الصاد وإسكان اللام، وصلب بضم الصاد واللام جميعا، وصلب بفتح الصاد واللام معا، حكي هذه الأخيرة في (مختصر العين) . وقد روى (تنقل من صلب) ، ورواية (صالب) أشهر، والصالب بمعني الصلب لغة قليلة. وقوله: (إذا مضي عالم بدا طبق) ، يريد بالطبق القرن لأنهم طبق الأرض، فينقرضون ويأتي طبق آخر. وقوله: (حتى احتوى بيتك المهيمن من خندف) ، قيل: حتى احتوى بيتك المهيمن أي يا مهيمن من خندف علياء فأقام البيت مقامه صلى اللَّه عليه وسلّم لأن بيته إذا حل بهذا المكان فقد حل هو به، وهو كما يقال: بيته أعزّ بيت، وإنما يراد صاحبه، واعترض علي هذا بأنه إذا عبر بالبيت عنه صلى اللَّه عليه وسلّم فإنه كما قال زياد الأعجم. إن السماحة والمروءة والنّدى ... في قبة ضربت علي ابن الحشرج فإن هذا وإن كان ممكنا، لا ضرورة تدعو إليه، إذ بقاؤه علي ظاهره ممكن، وهو مدح أهل بيته صلى اللَّه عليه وسلّم وهو داخل فيهم، فإن مدح بيت الرجل قد يكون أبلغ في مدحه. فإن قيل: هذا مثل من العباس، أي جعلك اللَّه عاليا وجعل خندف كالنطاق لك، قيل: هذا لا يقتضيه اللفظ إلا بإكراه وتقديم وتأخير، بأن يكون تقديره: حتى احتويت واحتوى بيتك علياء تحتها النطق من خندف، وإنما الوجه أن يكون المعني: احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء كل النطق تحتها، أو يعلق من خندف بعلياء أي علياء من خندف كل نطاق دونها أو تحتها. والنّطق: هي أوساط الجبال العالية. والمهيمن: الشاهد، كأنه حتى احتوى شرف بيتك الشاهد منه الفرع الّذي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 هو أنت علي طيب الأصل، ويمكن أن يكون قد عبّر بالنطق عن ذوات النطاق، والنطق: جمع نطاق، والنطاق: إزار له تكة تنتطق به المرأة، وكأنه لما قال: أنه احتوى علياء خنندف، والقبيلة إنما سميت بالمرأة، حسن أن يقال: أن هذه العلياء التي احتواها دونها علياء كل ذات نطاق، هي أم الشخص أو القبيلة، ويمكن أن يكون مأخوذا من نطاق البيت وهو ما يراد عليه من خشب يجمع أركانه، فكأنه لما وصف شرفه الليالي وكني عنه البيت، رشّحه إلي ذكر النطاق المستعمل للبيت، أي تحت علياء بيته نطاق كل بيت. وقيل معناه: حتى احتويت يا مهيمن من خندف علياء، يريد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأقام البيت مقامه، لأن البيت إذا حل بهذا المكان فقد حلّ به صاحبه، وأراد بيته شرفه، والمهيمن من نعته، كأنه قال: حتى احتوى شرفك الشاهد علي فضلك علياء الشرف من نسب ذوي خندف إلي تحتها النطق- وهي أوساط الجبال العالية- وخندف: هي امرأة إلياس بن مضر بن نزار، فنسب إليها ولد الناس [ (1) ] . وقيل: أراد بقوله: النطق، العفاف من لبس المرأة النطاق ليحصنها، فيكون النطق بمعني نطاق، أي تحتها نطاق العفاف، وقيل: النطق، جمع ناطق، وقيل: النطق: جمع نطاق، وهو الّذي يشده الإنسان علي وسطه، ومنه المنطق، وهذا من العباس رضي اللَّه تعالى عنه مثل، أي جعلك اللَّه عاليا، وجعل خندف كالنطاق لك. واللَّه أعلم. وقد روى أن جبير بن مطعم قال: لما بعث اللَّه تعالي نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم فظهر أمره بمكة خرجت إلي الشام، فلما كنت ببصرى أتاني جماعة من النصارى فقالوا لي: من أهل الحرم أنت؟ قلت: نعم، قالوا: فتعرف هذا الّذي تنبأ فيكم؟ قلت:   [ (1) ] هي ليلي بنت حلوان بن عمران، وكان إلياس خرج في نجعة فنفرت إبله أرنب، فخرج إليها عمرو فأدركها، وخرج عامر فتصيدها وطبخها، وانقمع عمير في الخباء، وخرجت أمهم تسرع، فقال لها إلياس: أين تخندفين؟ فقالت: ما زلت أخندف في إثركم، فلقبوا: مدركة، وطابخة، وقمعة، وخندف (ترتيب القاموس) : ج 2 ص 115، (الأعلام للزركلي) : ج 6 ص 116، (معجم قبائل العرب) : ج 1 ص 40. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 نعم، قال: فأخذوا بيدي فأدخلوني ديرا فيه تماثيل وصور فقالوا: انظر، هل ترى صورة هذا الّذي بعث؟ فنظرت، فلم أر صورته فقلت: لا أرى صورته، فأدخلوني ديرا أكبر من ذلك الدير، فإذا فيه تماثيل وصور أكثر مما في ذلك الدير، فقالوا لي: انظر هل ترى صورته؟ فإذا أنا بصورة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وصفته، وإذا أنا بصفة أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنه وصورته وهو آخذ بعقب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقالوا لي: هل ترى صورته؟ فقلت: نعم، وقلت: لا أخبرهم حتى أعرف ما يقولون، قالوا: هو هذا؟ قلت: نعم، وأشاروا إلى جبهة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، قلت: اللَّهمّ نعم، أشهد أنه هو، قالوا: هل تعرف هذا؟ قلت: نعم، قالوا لي: نشهد أن هذا صاحبكم وهذا الخليفة بعده [ (1) ] . وقال موسى بن عقبة: إن هشام بن العاص ونعيم بن عبد اللَّه ورجل آخر بعثوا إلى ملك الروم زمن أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنه، قالوا: فدخلنا على جبلة بن الأهثم وهو بالغوطة، فإذا عليه ثياب سود، وإذا كل شيء حوله أسود، قالوا: يا هشام، كلمه، فكلمه ودعاه إلى اللَّه تعالى، فقال: ما هذه الثياب السود؟ قال: لبستها نذرا ولا أنزعها حتى أخرجكم من الشام كلها!! قال: قلنا اتئد- أو كلمة تشبهها- حتى تمنع مجلسك، فو اللَّه لنأخذنه منك وملك الملك الأعظم إن شاء اللَّه، أخبرنا بذلك نبينا، قال: فأنتم إذن السمراء، قلنا: السمراء؟ قال: لستم هم، قلنا: ومن هم؟ قال: هم الذين يصومون النهار ويقومون الليل، قلنا: نحن هم واللَّه، قال: فكيف صومكم؟ فوصفنا له صومنا، فقال: فكيف صلاتكم؟ فوصفنا له صلاتنا، فقال: فاللَّه يعلم لقد غشيه سواد حتى صار وجهه كأنه قطعة طابق وقال: قوموا، فأمر بنا إلى الملك، فانطلقنا، فلقينا الرسول بباب المدينة فقال: إن شئتم آتيتكم ببغال، وإن شئتم آتيتكم ببراذين، فقلنا: لا واللَّه لا ندخل   [ (1) ] ونحوه باختلاف يسير في (دلائل النبوة للبيهقي) ج 1 ص 385، 386 وسنده: «أخبرني الشيخ أبو الفتح رحمه اللَّه من أصله قال: أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح الهروي قال: حدثنا يحى بن محمد ابن صاعد قال: حدثنا عبد اللَّه بن شبيب أبو سعيد الربعي قال: حدثنا محمد بن عمر بن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه سعيد بن محمد بن جبير عن أبيه قال: سمعت أبي جبير بن مطعم يقول ... » وأورد الحديث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 عليه إلا كما نحن، فأرسل إليهم أن يأتون، فأرسل: أن خلّ سبيلهم، فدخلنا معتمّين متقلدين السيوف على الرواحل، فلما كنا بباب الملك، إذا هو في غرفة له عالية، فنظر إلينا، قال: فرفعنا رءوسنا فقلنا: لا إله [إلا] اللَّه، فاللَّه يعلم لنقضت الغرفة كلها حتى كأنها غدق نفضته الريح، فأرسل: إن هذا ليس لكم أن تجهروا بدينكم عليّ، وأرسل إلينا: أن ادخلوا، فدخلنا، فإذا هو على فراش إلى السقف، وإذا عليه ثياب حمر، وإذا كل شيء عنده أحمر، وإذا عنده بطارقة الروم، وإذا هو يريد أن يكلمنا برسول، فقلنا: لا واللَّه ما نكلمه برسول، وإنما بعثنا إلى الملك، فإذا كنت تحب أن نكلمك فأذن لنا نكلمك، فلما دخلنا عليه ضحك، فإذا هو رجل فصيح بالعربية، فقلنا: لا إله إلا اللَّه، فاللَّه يعلم لقد نقض السقف حتى رفع رأسه هو وأصحابه فقال: ما أعظم كلامكم عندكم، فقلنا: هذه الكلمة؟ قال: التي قلتماها قبل؟ قلنا: نعم، قال: فإذا قلتموها في بلاد عدوكم نقضت سقوفهم؟ قلنا: لا، قال: فإذا قلتموها في بلادكم نقضت سقوفكم؟ قلنا لا، وما رأيناها فعلت هذا، وما هو إلا شيء عبرت به، فقال: ما أحسن الصدق! فما تقولون إذا فتحتم المدائن؟ قلنا: نقول: لا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، قال: تقولون: لا إله إلا اللَّه ليس معه شيء، واللَّه أكبر من كل شيء؟ قلنا: نعم، قال: فما منعكم أن تحيوني بتحية نبيكم؟ قلنا: إن تحية نبينا لا تحل لكم، وتحيتك لا تحل لنا فنحييك بها، قال: وما تحيتكم؟ قلنا: تحية أهل الجنة، قال: وبها كنتم تحيون نبيكم؟ قلنا: نعم، قال: وبها كان يحييكم؟ قلنا نعم، قال: فمن كان يورث منكم؟ قلنا: من كان أقرب قرابة، قال: وكذلك ملوككم؟ قلنا: نعم، فأمر لنا بنزل كثير ومنزل حسن، فمكثنا ثلاثا ثم أرسل إلينا ليلا، فدخلنا عليه وليس عنده أحد، فاستعاد كلامنا فأعدنا عليه، فإذا عنده مثل الربعة العظيمة مذهبة، وإذا فيها أبواب صغار، ففتح منها بابا، واستخرج منه خرقة حرير سوداء، فيها صورة بيضاء، فإذا رجل طوّال أكثر الناس شعرا فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا آدم، ثم أعاد وفتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء فإذا رجل ضخم الرأس عظيم، له شعر كشعر القبط، أعظم الناس أليتين، أحمر العينين فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا نوح، ثم أعاده وفتح بابا آخر فاستخرج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 حريرة سوداء فيها صورة بيضاء، فإذا رجل أبيض الرأس واللحية، كأنه يبتسم، قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إبراهيم، ثم أعاده وفتح بابا آخر فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة بيضاء، وإذا واللَّه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم، محمد رسول اللَّه، وبكينا، واللَّه يعلم أنه قام قائما ثم جلس وقال: واللَّه إنه لهو؟ قلنا: نعم، إنه لهو كأننا ننظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها ثم قال: أما إنه كان آخر الأبواب ولكني عجلته لأنظر ما عندكم، ثم أعاده وفتح بابا آخر، واستخرج خرقة حرير سوداء فيها صورة بيضاء، فإذا رجل مقلص الشفتين غائر العينين، متراكم الأسنان كث اللحية عابس، فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا موسى، وإذا جنبه رجل يشبهه غير أن في عينيه قيلا وفي رأسه استدارة، فقال: هذا هارون، ثم رفعهما، وفتح بابا آخر واستخرج منه خرقة سوداء فيها صورة حمراء أو بيضاء، فإذا رجل أحمر أحمش الساقين أخفش العينين، ضخم البطن مقلد سيفا، فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا داود، ثم أعاده وفتح بابا آخر واستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل راكب على فرس، طويل الرجلين قصير الظهر، كل شيء منه جناح تحفه الريح، قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا سليمان، ثم أعاده ففتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة أو خرقة سوداء، فيها صورة بيضاء، فإذا صورة شاب تعلوه صفرة، صلت الجبين حسن اللحية، يشبهه كل شيء منه، قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا عيسى ابن مريم، ثم أعاده وأمر بالربعة فرفعت، فقلنا: هذه صورة نبينا قد عرفناها، فإنا قد رأيناه، فهذه الصورة التي لم نرها كيف نعرفها أنى هي؟ قال: إن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه صورة نبي نبي، فأخرج إليه صورهم في خرق الحرير من الجنة، فأصابها ذو القرنين في خزانة آدم في مغرب الشمس، فلما كان دانيال، صورها هذه الصّور، فهي بأعيانها، فو اللَّه لو تطيب نفسي في الخروج عن ملكي ما باليت أن أكون عبدا لأشدّكم ملكة، ولكن عسى أن تطيب نفسي، قال: فأحسن جائزتنا وأخرجنا [ (1) ] .   [ (1) ] وفي المرجع السابق: «فأحسن جائزتنا وسرحنا، فلما أتينا أبا بكر الصديق فحدثناه بما رأيناه وما قال لنا وما أجازنا، قال: فبكى أبو بكر وقال: مسكين، لو أراد اللَّه به خيرا لفعل ثم قال: أخبرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى اللَّه عليه وسلّم عندهم» ص 390. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 وقد رواه شرحبيل بن مسلم الخولانيّ عن أبي أمامة الباهلي، عن هشام بن العاص، قال: بعثني أبو بكر الصديق رضي اللَّه تعالى عنه ورجلا آخر من قريش إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة، فنزلنا على جبلة بن الأهتم الغساني، فذكروه ... وزاد بعد قوله في صورة نبينا عليه السلام وذكر موسى وهارون: ففتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان حسن الوجه، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا لوط، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة أجنأ، خفيف العارضين حسن الوجه، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إسحاق، ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة تشبه صورة إسحاق، إلا أن بشفته السفلى خالا، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا يعقوب، ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الأنف حسن القامة، يعلو وجهه النور، يعرف في وجهه الخشوع، يضرب إلى الحمرة فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إسماعيل جد نبيكم، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة كأنها صورة آدم، كأن وجهه الشمس، قال: هل تعرفون هذا؟ [قلنا: لا، قال:] [ (1) ] هذا يوسف. ثم ذكر قصة داود وسليمان وعيسى مثل حديث موسى ابن عقبة، وزاد: قال: فلما قدمنا على أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنه حدثناه بما رأيناه وما قال لنا وما أرانا، فبكى أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه وقال: مسكينا، لو أراد اللَّه به خيرا لفعل، ثم قال: أخبرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، وقال تعالى: يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من المرجع السابق ص 291. [ (2) ] وأخرج الإمام أحمد في (المسند) ، من حديث رجل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا إسماعيل عن الجريريّ، عن أبي صخر العقيلي، حدثني رجل من الأعراب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200   [ () ] قال: «جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما فرغت من بيعتي قلت: لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه، قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهودي ناشرا التوراة يقرؤها، يعزى بها نفسه على ابن له في الموت، كأحسن الفتيان وأجمله، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أنشدك بالذي أنزل التوراة، هل تجد في كتابك ذا صفتي ومخرجي؟ فقال برأسه: هكذا، أي لا، فقال ابنه: إني والّذي أنزل التوراة، لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، فقال: أقيموا اليهود عن أخيكم، ثم ولى كفنه، وحنطه، وصلى عليه» . (المرجع السابق) : 6/ 571، حديث رقم (22981) . وذكر ابن كثير في (التفسير) ، عند قوله تعالى في سورة الأعراف: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ، باختلاف يسير، وقال في آخره: هذا حديث جيد، قوي له شاهد في الصحيح عن أنس (تفسير ابن كثير) : 2/ 262. وأما حديث صور الأنبياء، فقد أخرجه ابن كثير في (التفسير) ، عن الحاكم صاحب (المستدرك) : أخبرنا محمد بن عبد اللَّه بن إسحاق البغوي، حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، حدثنا عبد العزيز بن مسلم ابن إدريس، حدثنا عبد اللَّه بن إدريس، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، عن هشام ابن العاص الأموي قال: بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة- يعني غوطة دمشق- فنزلنا على جبلة بن الأهتم الغسّاني، فدخلنا عليه فإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسوله نكلمه، فقلنا: واللَّه لا نكلم رسولا وإنما بعثنا إلى الملك، فإن أذن لنا كلمناه، وإلا لم نكلم الرسول، فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك، قال: فأذن لنا فقال: تكلموا، فكلمه هشام بن العاص، ودعاه إلى الإسلام، فإذا عليه ثياب سود، فقال له هشام: وما هذه الثياب التي عليك؟ فقال: لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام، قلنا: ومجلسك هذا لنأخذنه منك، ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء اللَّه، أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: لستم بهم، بل هم قوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل، فكيف صومكم؟ فأخبرناه، فملئ وجهه سوادا فقال: قوموا، وبعث معنا رسولا إلى الملك، فخرجنا حتى إذا كنا قريبا من المدينة قال لنا الّذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال، قلنا: واللَّه لا ندخل إلا عليها، فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون ذلك، فأمرهم أن ندخل على رواحلنا، فدخلنا عليها متقلدين سيوفنا، حتى انتهينا إلى غرفة له، فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، فاللَّه يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح. قال: فأرسل إلينا ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم، وأرسل إلينا أن ادخلوا، فدخلنا عليه وهو على فراش له، وعنده بطارقة من الروم، وكل شيء في مجلسه أحمر، وما حوله حمرة، وعليه ثياب من الحمرة، فدنونا منه، فضحك فقال: ما عليكم لو جئتموني بتحيتكم فيما بينكم؟، وإذا عنده رجل فصيح بالعربية، كثير الكلام، فقلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك، وتحيتك التي تحيّا بها لا يحل لنا أن نحيك بها، قال: كيف تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا: السلام عليكم، قال: فكيف تحيون ملككم؟ قلنا: بها، قال: فكيف يرد عليكم؟ قلنا: بها، قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201   [ () ] إلا اللَّه واللَّه أكبر، فلما تكلمنا بها- واللَّه يعلم- لقد انتفضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها، قال: فهذه الكلمة التي قلتموها حيث انتفضت الغرفة، أكلّ ما قلتموها في بيوتكم انتفضت عليكم غرفكم؟ قلنا: لا، ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك، قال لوددت أنكم كلما قلتم انتفض كل شيء عليكم، وإني قد خرجت من نصف ملكي، قلنا: لم؟. قال: لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا تكون من أمر النبوة، وأنها تكون من حيل الناس، ثم سألنا عما أراد، فأخبرناه، ثم قال: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه، فقال: قوموا، فأمر لنا بمنزل حسن، ونزل كثير، فأقمنا ثلاثا، فأرسل إلينا ليلا، فدخلنا عليه، فاستعاد قولنا فأعدناه، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة، مذهبة، فيها بيوت صغار، عليها أبواب، ففتح بيتا وقفلا، فاستخرج حريرة سوداء، فنشرناها، فإذا فيها صورة حمراء، وإذا فيها رجل ضخم العينين، عظيم الأليتين، لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليست له لحية، وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق اللَّه. فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا آدم عليه السلام، وإذا هو أكثر الناس شعرا. ثم فتح باب آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة بيضاء وإذا له شعر كشعر القطط، أحمر العينين، ضخم الهامة، حسن اللحية، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا نوح عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها رجل شديد البياض، حسن العينين، صلت الجبين، طويل الخد، أبيض اللحية، كأنه يبتسم، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إبراهيم عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فإذا فيه صورة بيضاء، وإذا واللَّه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا نعم، هذا محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: وبكينا، قال: واللَّه يعلم أنه قام قائما ثم جلس، وقال واللَّه إن لهو؟ قلنا: نعم إنه لهو، كأنك تنظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت، ولكني عجلته لكم، لأنظر ما عندكم. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة أدماء سمحا، وإذا رجل جعد قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس، متراكب الأسنان، متقلص الشفة، كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا موسى عليه السلام، وإلى جنبه صورة تشبهه، إلا أنه مدهان الرأس، عريض الجبين، في عينيه قبل، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا هارون بن عمران عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل آدم، سبط، ربعة، كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا لوط عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة، أقنى خفيف العارضين حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إسحاق عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا أنه على شفته خال، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا يعقوب عليه السلام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202   [ () ] ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة رجل أبيض، حسن الوجه، أقنى الأنف، حسن القامة، يعلو وجهه نور، يعرف في وجه الخشوع، يضرب إلى الحمرة، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إسماعيل جد نبيكم صلى اللَّه عليه وسلّم. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة كصورة آدم، كأن وجهه الشمس، فقال: تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا يوسف عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل ضخم الأليتين، طويل الرجلين، راكب فرسا، فقال، هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا سليمان بن داود عليهما السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة بيضاء، وإذا شاب شديد سواد اللحية، كثير الشعر، حسن العينين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا عيسى ابن مريم عليه السلام. قلنا: من أين لك هذه الصور، لأنا نعلم أنها على ما صوّرت عليه الأنبياء عليهم السلام، لأنا رأينا صورة نبينا عليه السلام مثله؟ فقال: إن آدم عليه السلام، سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده، فأنزل عليه صورهم، فكانت في خزانة آدم عليه السلام عند مغرب الشمس، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس، فدفعها إلى دانيال. ثم قال: أما واللَّه إن نفسي طابت بالخروج من ملكي، وإني كنت عبدا لا [يترك] ملكه حتى أموت، ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرّحنا. فلما أتينا أبا بكر الصديق رضي اللَّه تعالى عنه، فحدثناه بما أرانا وبما قال لنا، وبما أجازنا، قال: فبكى أبو بكر وقال: مسكين! لو أراد اللَّه به خيرا لفعل، ثم قال: أخبرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى اللَّه عليه وسلّم عندهم. (تفسير ابن كثير) : 2/ 262- 263، تفسير الآية (157) من سورة الأعراف. وهكذا أورده أيضا الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 385- 390، باب ما وجد من صورة نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم مقرونة بصورة الأنبياء قبله بالشام، عن الحاكم إجازة، فذكره، وإسناده لا بأس به. وذكر أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 50- 56، بنحوه وقال في آخره: قال الشيخ رضي اللَّه عنه: ففي هذه القصة علم أهل الكتابين بصفة نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم، وباسمه، وبعثته. وانتفاض الغرفة حين أهلّوا بلا إله إلا اللَّه، وما يوجد من المعجزات بعد موت الأنبياء، كما يوجد أمثالها قبل بعثتهم، إعلاما وإيذانا بقرب مبعثهم ومجيئهم. (المرجع السابق) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 وأما شرف أصله، وتكريم حسبه ونسبه، وطيب مولده فخرج مسلم والترمذي من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد، أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن اللَّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. وقال الترمذي: واصطفى هاشما من قريش، وقال: هذا حديث حسن غريب [ (1) ] . وخرج الترمذي من حديث محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] . وقد خرج الفسوي من حديث حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن محمد ابن على أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «إن اللَّه اختار العرب، ثم اختار منهم كنانة أو النضر بن كنانة، ثم اختار منهم قريشا، ثم اختار منهم بني هاشم. وهو حديث مرسل. وله أيضا من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه ابن الحرث بن نوفل، عن العباس رضي اللَّه تعالى عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه إن قريشا إذا التقوا، لقي بعضهم بعضا بالبشاشة، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا   [ (1) ] سبق تخريج هذه الأحاديث والتعليق عليها بالشرح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 لا نعرفها!! فغضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك غضبا شديدا ثم قال: والّذي نفس محمد بيده، لا يدخل الجنة قلب رجل الإيمان حتى يحبكم للَّه ولرسوله، وقلت: يا رسول اللَّه، إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم، فجعلوا مثلك مثل نخلة في كناس الأرض، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه عز وجلّ يوم خلق الخلق جعلني في خيرهم، ثم حين فرقهم جعلني في خير الفريقين، ثم حين جعل القبائل جعلني في خير قبيلة، ثم جعلني حين جعل البيوت في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا [ (1) ] . وخرج الترمذي من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحرث عن العباس بن عبد المطلب، قال: قلت: يا رسول اللَّه! إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم، فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كناسة الأرض، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم خير القبائل، فجعلني في خير القبيلة، ثم في خير البيوت، فجعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا. انفرد به الترمذي وقال: هذا حديث   [ (1) ] ونحوه في أبواب المناقب من (سنن الترمذي) : 10/ 54 حديث رقم (3849) ، وقال فيه «فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض» ، أي كصفة نخلة نبتت في كناسة من الأرض، والمعنى أنهم طعنوا في حسبك. قال الجزري في (النهاية) : 4/ 145: كبا، فيه: «ما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت عنده له كبوة، غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم» . الكبوة: الوقفة كوقفة العاثر، أو الوقفة عند الشيء يكرهه الإنسان. ومنه «كبا الزّند» إذا لم يخرج نارا. ومنه حديث أم سلمة قالت لعثمان: «لا تقدح بزند كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أكباها» ، أي عطّلها من القدح فلم يور بها. وفي حديث العباس «قال: يا رسول اللَّه، إن قريشا جعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض» قال شمر: لم نسمع الكبوة، ولكنا سمعنا الكبا، والكبة، وهي الكناسة والتراب الّذي يكنس من البيت. وقال الزمخشريّ في (الفائق) : 3/ 242: وعنه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قيل له: أين ندفن ابنك؟ قال: عند فرطنا عثمان بن مظعون، وكان قبر عثمان عند كبا بني عمرو بن عوف. وقال أصحاب الفراء: الكبة المزبلة، وجمعها كبون، وأصلها كبوة، من كبوت البيت إذا كنسته، وعلى الأصل جاء الحديث، إلا أن المحدّث لم يضبط الكلمة فجعلها كبوة بالفتح، وإن صحت الرواية فوجهها أن تطلق الكبوة، وهي الكسحة، على الكساحة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 حسن. وعبد اللَّه بن الحرث هو ابن نوفل [ (1) ] . ورواه أبو نعيم عن سفيان عن يزيد بن أبي زياد، فزاد في إسناده: المطلب ابن أبي وداعة. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم عن سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحرث بن نوفل، عن المطلب بن أبي وداعة قال: قال: قال العباس: بلغه صلى اللَّه عليه وسلّم بعض ما يقول الناس، قال: فصعد المنبر فقال: من أنا؟ فقالوا: أنت رسول اللَّه، قال: أنا محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب، إن اللَّه خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فريقين فجعلني في خير فرقة، فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا. وقد خرجه الترمذي من حديث أبي عوانة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحرث قال: حدثني المطلب بن ربيعة أن العباس دخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مغضبا وأنا عنده فقال: ما أغضبك؟ فذكر نحوه وقال: هذا حديث حسن صحيح. قال: ورواه جرير عن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحرث عن المطلب بن ربيعة وهو الصواب. قال كاتبه: وهكذا رواه يزيد بن عطاء عن يزيد بن أبي زياد كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى. [وخرج] [ (2) ] أبو بكر بن أبي شيبة من حديث ابن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحارث، عن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب قال: بلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن قوما نالوا منه وقالوا له: إنما مثل محمد كمثل نخلة تنبت في كناس، فغضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [و] [ (2) ] قال: إن اللَّه خلق خلقه فجعلهم فرقتين، فجعلني في خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلا، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إني خيركم قبيلا وخيركم بيتا. قال البيهقي: كذا قال عن ربيعة بن الحرث، وقال غيره: عن المطلب بن ربيعة بن الحرث، وابن ربيعة إنما هو عبد المطلب بن ربيعة له صحبة، وقد قيل: عن المطلب بن أبي وداعة. ثم ذكر حديث أبي نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان عن يزيد ابن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحرث بن نوفل عن عبد المطلب بن أبي وداعة قال:   [ (1) ] سبق الإشارة إليه وشرحه. [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 قال العباس: بلغه بعض ما يقول الناس، وفي رواية: عن عبد المطلب بن أبي وداعة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم- وبلغه بعض ما يقول الناس- فصعد المنبر فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه وقال: من أنا؟ قالوا: أنت رسول اللَّه، قال: أنا محمد بن عبد اللَّه ابن عبد المطلب، إن اللَّه خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فريقين فجعلني في خير فرقة، وجعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا [ (1) ] . وخرجه الإمام أحمد من حديث حسين بن محمد، حدثنا يزيد بن عطاء عن يزيد بن عبد اللَّه عن عبد اللَّه بن الحرث بن نوفل عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث قال: أتى ناس من الأنصار النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: إنا نسمع من قومك حتى يقول القائل منهم: إنما محمد مثل نخلة تنبت في كنا، قال: حسين: الكنا، الكناسة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أيها الناس! من أنا؟ قالوا: أنت رسول اللَّه، قال: أنا محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب، قال: فما سمعناه ينتمي قبلها إلا أن اللَّه خلق خلقه فجعلني في خير خلقه، ثم فرقهم فرقتين فجعلني في خير الفريقين، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا [ (1) ] . وخرجه الترمذي من حديث سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحرث، عن عبد المطلب بن أبي وداعة قال: جاء العباس إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وكأنه سمع شيئا فقام النبي فقال: من أنا؟ فقالوا: أنت رسول اللَّه، قال: أنا محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب، إن اللَّه خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فريقين فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا وخيرهم نفسا. انفرد به الترمذي وقال: هذا حديث حسن [صحيح غريب] [ (2) ] .   [ (1) ] سبق تخريج وشرح نظائر هذه الأحاديث على خلاف في السياقات لكن بنفس المعنى. [ (2) ] زيادة من رواية الترمذي، (تحفة الأحوذي) : 10/ 54- 55، حديث رقم (3850) ، وسبق شرحه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 وللفسوي من حديث قيس عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه عز وجل خلق الخلق قسمين فجعلني في خيرهم قسما، وذلك قوله: لِأَصْحابِ الْيَمِينِ [ (1) ] ، أَصْحابُ الشِّمالِ [ (2) ] ، فأنا من أصحاب اليمين، وأنا خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين [أثلاثا] [ (3) ] فجعلني في خيرهم ثلثا، فذلك قوله عزّ وجلّ: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ [ (4) ] ، وَالسَّابِقُونَ [ (5) ] ، فأنا من السابقين وأنا خير السابقين، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة، وذلك قول اللَّه عز وجل: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ (6) ] ، فأنا [ (7) ] أتقى ولد آدم وأكرمهم على اللَّه ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرهم [ (8) ] ، بيتا، فذلك قوله عز وجل: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (9) ] ، فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب [ (10) ] . وخرج البيهقي من حديث محمد بن ذكوان عن عمرو بن دينار عن ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما: إنا لقعود بفناء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذ مرت [ (11) ] امرأة، فقال بعض   [ (1) ] الواقعة: 38. [ (2) ] الواقعة: 41، وفي (خ) : «وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال» ، وما أثبتناه موافق للتنزيل. [ (3) ] في (خ) : «ثلاثا» والتصويب من (دلائل البيهقي) . [ (4) ] الواقعة: 8 [ (5) ] الواقعة: 10، وفي (خ) بين الآيتين قوله تعالى: وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ، والسياق يقتضي عدم إثباتها. [ (6) ] الحجرات: 13 [ (7) ] في (دلائل البيهقي) : «وأنا» . [ (8) ] في المرجع السابق: «في خيرها» [ (9) ] الأحزاب: 33. [ (10) ] (دلائل النبوة للبيهقي) : 1/ 170- 171، وقال: «فيه غرابة ونكارة» . ورواية عباية بن ربعي- من غلاة الشيعة- له عن علي: «أنا قسيم النار» ، وحديث الصراط، قال الخريبي: «كنا عند الأعمش فجاءنا يوما وهو مغضب، فقال: «ألا تعجبون من موسى بن طريف يحدث عن عباية عن علي: «أنا قسيم النار» . وذكره العقيلي في (الضعفاء الكبير) : 3/ 415، وقال: روى عنه موسى بن طريف، كلاهما غاليان ملحدان. [ (11) ] زيادة من (دلائل البيهقي) : 1/ 172. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 القوم: هذه [ابنة] [ (1) ] رسول اللَّه، فقال أبو سفيان: مثل محمد في نبي هاشم مثل الريحانة في وسط النتن، فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فجاء يعرف في وجهه الغضب فقال: ما بال أقوال تبلغني عن أقوام؟! إن اللَّه عز وجل خلق السموات سبعا، فاختار العلياء منها فأسكنها من شاء من خلقه، ثم خلق الخلق واختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث عبد الواحد، أنبأنا كريم بن وائل، حدثتني ربيبة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم- زينب بنت أبي سلمة- قالت: قلت لها: أرأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أكان من مضر؟ قالت: فممّن كان إلا من مضر؟ من بني النضر بن كنانة [ (3) ] .   [ (1) ] في (خ) : «امرأة» وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (2) ] سرده العقيلي في الضعفاء وقال: «لا يتابع عليه» ، ومن رواته يزيد بن عوانة، عن محمد بن ذكوان، فيزيد بن عوانة، ضعّفه العقيلي، وسرد له الحديث المنكر هذا، وقال: «لا يتابع عليه» . (الميزان) : 4/ 436، أما محمد بن ذكوان الأزدي الطائي اتفقوا على ضعفه، قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وقال ابن حبان: سقط الاحتجاج به. [ (3) ] أخرجه البخاري في أول كتاب المناقب، باب قول اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: 13] ، وقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء: 1] وما ينهى عن نسب الجاهلية، حديث رقم: (3491) ، حدثنا قيس بن حفص، حدثنا عبد الواحد، حدثنا كليب ابن وائل قال: حدثتني ربيبة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم زينب ابنة أبي سلمة قال: «قلت لها: أرأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أكان من مضر؟ قالت: فمن كان إلا من مضر؟ من بني النضر بن كنانة» . وحديث رقم (3492) ، حدثنا موسى، حدثنا عبد الواحد، حدثنا كليب، حدثتني ربيبة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم- زينب- قالت: «نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن الدّباء، والختم، والمقيّر، والمزفّت. وقلت لها: أخبريني، النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ممن كان، من مضر كان؟ قالت: فممن كان إلا من مضر؟ كان من ولد النضر بن كنانة» . قوله: «مضر» ، هو ابن نزار بن معد بن عدنان. والنسب ما بين عدنان إلى إسماعيل بن إبراهيم مختلف فيه كما سيأتي، وأما من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلى عدنان فمتفق عليه. وقال ابن سعد في (الطبقات) : حدثنا هشام بن الكلبي قال: «علمني أبي وأنا غلام نسب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: محمد بن عبد اللَّه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 ولأبي داود الطيالسي من حديث حماد بن سلمة عن عقيل بن طلحة السلمي عن مسلم بن هيضم عن الأشعث بن قيس قال: قلت: يا رسول اللَّه، إنا نزعم أنا منكم أو أنكم منا؟ فقال: نحن من بني النضر بن كنانة، لا ننتفي من أبينا ولا نقفوا أمنا، قال: فقال الأشعث: لا أوتي برجل نفي رجلا من قريش من النّضر بن كنانة، إلّا جلدته ...   [ () ] ابن عبد المطلب- وهو شيبة الحمد- بن هاشم- واسمه عمرو- بن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصي واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر وإليه جماع قريش» . «وما كان فوق فهر فليس بقرشيّ بل هو كناني، ابن مالك بن النضر واسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة، واسمه عمرو بن إلياس بن مضر. وروى الطبراني بإسناد جيد، عن عائشة قالت: «استقام نسب الناس إلى معد بن عدنان» . ومضر بضم الميم وفتح المعجمة، يقال: سمي بذلك لأنه كان مولعا بشرب اللبن الماضر، وهو الحامض، وفيه نظر لأنه يستدعي أنه كان له اسم غيره قبل أن يتصف بهذه الصفة، نعم يمكن أن يكون هذا اشتقاقه، ولا يلزم أن يكون متصفا به حال التسمية، وهو أول من حدا الإبل. وروى ابن حبيب في تاريخه عن ابن عباس قال: «مات عدنان، وأبوه، وابنه معد، وربيعة، ومضر، وقيس، وتميم، وأسد وضبّة، على الإسلام على ملة إبراهيم عليه السلام. وروى الزبير بن بكار من وجه آخر، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: «لا تسبوا مضر ولا ربيعة، فإنّهما كانا مسلمين» ، ولابن سعد من مرسل عبد اللَّه بن خالد، رفعه: «لا تسبوا مضر فإنه كان قد أسلم» . قوله: «من بني النضر بن كنانة» ، أي المذكور، وروى أحمد وابن سعد، من حديث الأشعث ابن قيس الكندي قال: «قلت: يا رسول اللَّه، أنّا نزعم أنكم منا- يعني من اليمن- فقال: نحن بنو النضر بن كنانة» . وروى ابن سعد من حديث عمرو بن العاص، بإسناد فيه ضعف مرفوعا «أنا محمد بن عبد اللَّه، وانتسب حتى بلغ النضر بن كنانة، قال: فمن قال غير ذلك فقد كذب» . وإلى النضر تنتهي أنساب قريش، وسيأتي بيان ذلك في الباب الّذي يليه [من أبواب البخاري] ، وإلى كنانة منتهي أنساب أهل الحجاز. وقد روى مسلم من حديث واثلة مرفوعا: «إن اللَّه اصطفي كنانة من ولد إسماعيل، واصطفي من كنانة، قريشا، واصطفي من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» . ولابن سعد من مرسل أبي جعفر الباقر: ثم اختار بني هاشم من قريش، ثم اختار بني عبد المطلب من بني هاشم. قوله: «وأظنها زينب» كأن قائله موسي، لأن قيس بن حفص في الرواية التي قبلها قد جزم بأنها زينب، وشيخهما واحد. لكن أخرجه الإسماعيلي من رواية حبان بن هلال، عن عبد الواحد وقال: لا أعلمها إلا زينب، فكأن الشك فيه من شيخهم عبد الواحد، كان يجزم بها تارة، ويشك تارة أخرى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 الحد [ (1) ] . وقال أبو محمد عبد اللَّه بن محمد بن ربيعة القدامي: حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن أنس بن مالك وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام قال: بلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن رجالا من كندة يزعمون [أنه] [ (2) ] منهم، فقال: «إنما كان يقول [ذاك] [ (3) ] العباس وأبو سفيان بن حرب إذا قدما المدينة ليأمنا بذلك، وإنا لن ننتفي من آبائنا، نحن [بنو] [ (4) ] النضر بن كنانة، قال: وخطب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أنا محمد بن عبد اللَّه، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، ابن قصي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤيّ، بن غالب، بن فهر، ابن مالك، بن النضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس، ابن مضر، ابن نزار» ، وما افترق الناس فريقين إلا جعلني [اللَّه] [ (5) ] في خيرهما، فأخرجت [من] [ (5) ] بين أبوين فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية، خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم حتى [انتهيت] [ (6) ] ، إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا. قال البيهقي: تفرد به أبو محمد عبد اللَّه بن محمد بن ربيعة   [ (1) ] أخرجه ابن ماجة في (السنن) ، كتاب الحدود، باب (37) من نفي رجلا من قبيلته، حديث رقم (2612) ولفظه: عن مسلم بن الهيضم، عن الأشعث بن قيس، قال: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في وفد كندة، ولا يروني إلا أفضلهم. قلت: يا رسول اللَّه! ألستم منا؟ فقال: «نحن بنو النضر ابن كنانة، لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا» ، قال: فكان الأشعث بن قيس يقول: لا أوتي برجل نفي رجلا من قريش ومن النضر بن كنانة إلا جلدته الحدّ. قال في (الزوائد) : هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، لأن عقيل بن طلحة وثّقه ابن معين والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد على شرط الإمام مسلم. وقال في (النهاية) : «لا نقفوا أمّنا» ، أي لا نتّهمها ولا نقذفها، يقال: قفا فلان فلانا: إذا اتهمه بما ليس فيه. وقيل معناه: لا نترك النسب إلى الآباء، وننتسب إلى الأمهات. (سنن ابن ماجة) : 2/ 871. وفي (خ) : «ولا نقثوا من أمنا» ، وهو خطأ من الناسخ وما أثبتناه من المرجع السابق ومن المرجع التالي. وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 276، حديث رقم (21332) بنحوه سواء. [ (2) ] في (خ) : «أنهم» . [ (3) ] في (خ) : «ذلك» . [ (4) ] في (خ) : «بني» . [ (5) ] زيادة من (دلائل البيهقي) . [ (6) ] في (خ) : «أتيت» والتصويب من المرجع السابق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 القدامي، وله عن مالك وغيره أفراد لم تتابع عليها. قال كاتبه: قال ابن عدي: عن عبد اللَّه بن محمد بن ربيعة بن قدامة بن مظعون أبو محمد المصيصي [ (1) ] ، عامة أحاديثه غير محفوظة، وهو ضعيف على ما تبين لي من رواياته واضطرابه، ولم أر للمتقدمين فيه كلاما. وخرج البخاري من حديث قتيبة بن سعيد، أنبأنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الّذي كنت فيه. ذكره في باب صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . وخرج البيهقي من حيث عمرو بن عبد اللَّه بن نوفل عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: [قال] لي جبريل عليه السلام: قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد، وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم [ (3) ] . وخرج البخاري من حديث شعبة، حدثني عبد الملك عن طاووس عن ابن عباس [في قوله تعالي] : إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى، قال: فقال سعيد بن جبير:   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن محمد بن ربيعة القدامي من أهل المصيصة، كان يقلب الأخبار، قلب على مالك أكثر من مائة حديث وخمسين حديثا، ذكره ابن حبان في (المجروحين) : 2/ 39. (دلائل النبوة البيهقي) : 174- 175. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 701، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3557) . ورواية البيهقي: «كنت فيه» . قوله: «بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا» ، القرن الطبقة من الناس المجتمعين في عصر واحد، ومنهم من حدّه بمائة سنة، وقيل بسبعين، وقيل بغير ذلك. فحكى الحربي الاختلاف فيه من عشرة إلى مائة وعشرين، ثم تعقب الجميع وقال: الّذي أراه أن القرن كل أمة هلكت حتى لم يبق منها أحد. وقوله: «قرنا» بالنصب على الحال للتفصيل. وفي رواية الإسماعيلي: «حتى بعثت من القرن الّذي كنت فيه» . (المرجع السابق) ، (دلائل البيهقي) : 1/ 175. [ (3) ] (دلائل النبوة للبيهقي) : 1/ 176، وتعقّبه بقوله: «قال أحمد: هذه الأحاديث وإن كان في روايتها من لا تصح به، فبعضها يؤكد بعضا، ومعني جميعها يرجع لما روينا عن واثلة بن الأسقع وأبي هريرة. واللَّه تعالي أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 قربي محمد، فقال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لم يكن بطن [ (1) ] من قريش إلا وله فيه قرابة، فنزلت [عليه] [ (2) ] فيه إلا أن تصلوا قرابة بيني وبينكم. ذكره في باب قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى [ (3) ] . وخرجه في التفسير من حديث شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، سمعت طاووسا يقول: عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقال سعيد   [ (1) ] في (خ) : «في بطن» . [ (2) ] زيادة من (البخاري) . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 652، حديث رقم: (3497) ، ونحوه حديث رقم: (4818) ، حدثني محمد بن بشّار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت طاووسا عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه سئل عن قوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى، فقال سعيد بن جبير: قربي آل محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال ابن عباس: عجلت، إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة» . قوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى، ذكر فيه حديث طاووس «عن ابن عباس، سئل عن تفسيرها، فقال سعيد بن جبير: قربي آل محمد، فقال ابن عباس: «عجلت» أي أسرعت في التفسير، وهذا الّذي جزم به سعيد بن جبير، قد جاء عنه من روايته عن ابن عباس مرفوعا، فأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق قيس بن الربيع عن الأعمش عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت قالوا: يا رسول اللَّه، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ .. الحديث، وإسناده ضعيف، وهو ساقط لمخالفته هذا الحديث الصحيح. والمعني: إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني، والخطاب لقريش خاصة، والقربى قرابة العصوبة والرحم، فكأنه قال: احفظوني للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة. وقد جزم بهذا التفسير جماعة من المفسرين، واستندوا إلى ما ذكرته عن ابن عباس من الطبري وابن أبي حاتم، وإسناده واه فيه ضعيف ورافضي. وذكر الزمخشريّ هنا أحاديث ظاهر وضعها، وردّه الزجاج بما صح عن ابن عباس من رواية طاووس. وقد روى سعيد بن منصور من طريق الشعبي قال: أكثروا علينا في هذه الآية فكتبت إلى ابن عباس أسأله عنها، فكتب: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان واسط النسب في قريش، لم يكن حيّ من أحياء قريش إلا ولده، فقال اللَّه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى تودوني بقرابتي منكم، وتحفظوني في ذلك. وقوله: القربى، هو مصدر، كالزلفى والبشرى، بمعني القرابة، والمراد في أهل القربى، وعبّر بلفظ في دون اللام كأنه جعلهم مكانا للمودة ومقرا لها، كما يقال: في آل فلان هوى، أي هم مكان هواي، ويحتمل أن تكون في سببية، وهذا على أن الاستثناء متّصل، فإن كان منقطعا فالمعني لا أسألكم عليه أجرا قط، ولكن أسألكم أن تودوني بسبب قرابتي فيكم. (فتح الباري) : 8/ 724- 726 باختصار من شرح الحديث رقم (4818) من كتاب التفسير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 ابن جبير: قربي آل محمد، فقال ابن عباس: [عجلت] [ (1) ] إن رسول اللَّه [ (2) ] صلى اللَّه عليه وسلّم لم يكن [بطن] [ (3) ] من قريش إلا كان له [فيهم] [ (4) ] قرابة: إلا أن تصلوا [ (5) ] ما بيني وبينكم من القرابة. وخرج أبو نعيم من حديث ورقاء بن عمر عن ابن أبي نجيح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لم يلتق أبواي على سفاح، لم يزل اللَّه ينتقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة، مصفى مهذبا، ولا يتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما [ (6) ] . وخرج البيهقي في سننه من حديث هشيم، حدثنا الملالي أو المليلي، أو كما قال عن أبي الحويرث عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية، ما ولدني إلا نكاح كنكاح أهل الإسلام [ (7) ] . قال أبو نعيم: ووجه الدلالة في هذه الفضيلة أن النّبوّة ملك وسياسة عامة، وذلك قوله تعالي: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [ (8) ] ، والملك في ذوي الأحساب والأخطار من الناس، وكلما كانت خصال فضله أوفر كانت الرعية بالانقياد له أسمع، وإلى طاعة مطيعة أسرع.   [ (1) ] في (خ) : «علمت» . [ (2) ] في (خ) : «إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم» . [ (3) ] في (خ) : «بطنا» . [ (4) ] في (خ) : «فيهم» . [ (5) ] في (خ) : «تصلوا قرابة ما بيني وبينكم من القرابة» والتصويبات السابقة من رواية المرجع السابق. [ (6) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 57، الفصل الثاني، ذكر فضيلته صلى اللَّه عليه وسلّم بطيب مولده وحسبه ونسبه، حديث رقم (15) ، ولفظه: حدثنا محمد بن سليمان الهاشمي قال: أحمد بن محمد بن سعيد المروزي قال: حدثنا محمد بن عبد اللَّه، حدّثني أنس بن محمد قال: حدثنا موسي بن عيسى قال: حدثنا يزيد بن أبي حكيم، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «لم يلتق أبواي في سفاح، لم يزل اللَّه عزّ وجلّ ينقلني من أصلاب طيبة إلى أرحام طاهرة صافيا مهذبا لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما» . قال السيوطي في (الخصائص) : 1/ 93، أخرجه أبو نعيم من طرق عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما. [ (7) ] أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 190، باب نكاح أهل الشرك وطلاقهم. [ (8) ] النساء: 54. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 وإذا كان في الملك وتوابعه نقيصة، نقص عدد أتباع رعيته، ففي اختيار اللَّه له صلى اللَّه عليه وسلّم أن أمده بكل ما بالملوك إليه حاجة، ليدعو الناس إلى اتباعه، ولذلك قال قوم شعيب: ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ [ (1) ] الآية. وقال فرعون لموسى: أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ [ (2) ] ، فأزرى فرعون به ليثبط بذلك القوم عن اتباعه، حتى شكا موسي إلى اللَّه تعالي وسأله أن يحل العقدة عن لسانه ليفقهوا قوله، وقال: وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي [ (3) ] ، فدل ذلك على أن الملك لا يجعل إلا في أهل الكمال والمهابة، وهاتان الخصلتان لا توجدان في غير ذوي الأحساب. فجل اللَّه تعالي لنبيه محمد صلى اللَّه عليه وسلّم من الحظوظ أوفرها، ومن السهام أوفاها وأكثرها، ولذلك قال عليه السلام فأنا من خيار إلى خيار، وجعله أيضا من أفضل البقاع مولدا ومسكنا ومخرجا، وهي البقعة التي افترض اللَّه على جميع الموحدين من المستطيعين حجّها، فكان بهذا أيضا أفضلهم نفسا وحسبا ودارا صلى اللَّه عليه وسلّم، ولذلك سأل هرقل أبا سفيان بن حرب عن حسبه فقال: كيف حسبه فيكم؟ فقال: هو من أوسطنا حسبا، فقال له هرقل: كذلك الأنبياء. ***   [ (1) ] هود: 91. [ (2) ] الزخرف: 52. [ (3) ] القصص: 34. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 وأما أنّ أسماءه خير الأسماء فقد تقدم أنه محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والفاتح والخاتم والمقفى ونبي التوبة، ونبي الملحمة، ونبي الرحمة [ (1) ] . قال أبو نعيم: وفيما تضمنه اسمه الماحي والحاشر ونبي الرحمة والملحمة من معان لطيفة، وفوائد جليلة، فإن الماحي إذا جرى على اللفظ المفسر في الخبر أن اللَّه يمحو به الكفر، كان ذلك دلالة وبشارة بكثرة الفتوح وانتشار ضياء الإسلام في الأرضيين وصفحتيها شرقا وغربا، وأن سلطان الإسلام يكون غالبا، وسلطان الكفر دارسا عافنا، وذلك يرجع إلى معنى قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ (2) ] ، وليس معنى المحو أن يحسم الكفر أصلا حتى لا يوجد في الأرض كافرا، بل معناه أن يكونوا مقهورين باعتلاء المسلمين عليهم، حتى تكون الأقضية والأحكام والحل والعقد للمسلمين دونهم، وأن الكفار مغمورون خاملون، خاملو الذكر ساقطو الصيت والكلام، أما الذمة عقدت عليهم بصغار الجزية، وإما لخوفهم من سيوف الإسلام فيهم غزوا وجهادا، وهذا سائغ بين أهل اللسان والبيان، أن معنى المحو مرجعه إلى الخمول والكتمان، ويريدون بالمحو سقوطه وخموله لظهور العالمين والقاهرين عليهم، ومعنى المحو إن أضيف إليه صلى اللَّه عليه وسلّم فلإجراء اللَّه ذلك على يديه، فأضيف إليه كما أن الهداية مضافة إليه صلى اللَّه عليه وسلّم والهادي هو اللَّه، فكذلك الماحي في   [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب (17) ما جاء في أسماء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقول اللَّه عزّ وجلّ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ [الفتح: 29] ، وقوله: مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6] ، حديث رقم (3532) ، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «ولي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الّذي يمحو اللَّه بي الكفر، وأنا الحاشر الّذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب» . (فتح الباري) : 6/ 688، (المرجع السابق) : 8/ 826، حديث رقم (4896 بنحوه. [ (2) ] الفتح: 28، الصف: 9. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 الحقيقة هو اللَّه تعالى القاهر، فأضاف ذلك إلى الرسول عليه السلام، إذ جرى ذلك على يده بتمكين اللَّه تعالى له، وتسليطه على من كذبه وجحده، وهذه بشارة قد تحقق صدقها فيه لظهور المسلمين وعلوهم على من خالفهم، فتحققت الدلالة وللَّه الحمد. ومعنى الحاشر على ما روى الخبر: أنه الّذي يحشر الناس على قدمه، أي لا نبوة بعده، وأن شريعته قائمة ثابتة إلى قيام الساعة، اهتدى بها من اهتدى، أو ضلّ عنها من ضلّ. ومعنى نبي الرحمة مثل قوله: إنما أنا رحمة مهداة، فبعثته من اللَّه رحمة، هدى بها من شاء رحمته وهداه، وسمى كالمطر المسمى رحمة، لأن اللَّه يرحم عباده بالمطر فيسوق إليهم بالمطر الخيرات، ويوسع عليهم بها النبات والأقوات، ولا يوجب هذا الاسم أن اللَّه رحم به كل المدعوين من عباده، وذلك إنما يجري اللَّه على لسانه من الدعاء والبيان، وإن كان رحمة فصورته كعطية من قبلها فاز بنفعها، ومن تركها وردّها حرم نفعها ووجب عليه العقاب. قال كاتبه ويؤيد هذا ما رواه البيهقي من حديث السعودي عن سعيد بن أبي سعيد عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (1) ] ، قال: من آمن باللَّه ورسوله تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن باللَّه ورسوله عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف، فتلك الرحمة في الدنيا. قال أبو نعيم: ومعنى نبي الرحمة: فهو إعلام منه يكون بعده وفي زمانه من الحروب والجهاد، والقتل والسبي. ومعنى الرحمة في إرساله: أن اللَّه تعالى لم يعجل معجزته ودلائله كدلائل الماضين قبله من الأنبياء، وذلك أن الماضين من الأمم كانوا يقترحون على أنبيائهم ويتحكمون عليهم بالآيات على حسب شهوتهم واقتراحهم، فكان دأب اللَّه فيهم الاصطلام إذ لم يؤمنوا بها كقوله لما اقترحوا على عيسى المائدة:   [ (1) ] الأنبياء: 106. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ [ (1) ] ، واقتدي بهم المشركون فسألوا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الآيات اقتراحا وتحكما، كقولهم: اجعل الصفا لنا ذهبا، وأحيي لنا قصيا، وسيّر جبالنا لتتسع مزارعنا، وائتنا بالملائكة إن كنت من الصادقين، وأنزل علينا كتابا نقرؤه، فأنزل اللَّه تعالى ردا عليهم: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً [ (2) ] ، وقال: ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ [ (3) ] فجعل اللَّه تعالى لرحمته بهم الآية الباقية مدة الدنيا له صلى اللَّه عليه وسلّم القرآن المعجز، وتحدى به أرباب اللغة واللسان أن يأتوا بمثله أو بسورة أو بآية مثله، فباءوا بالعجز عن معارضته مع تمكينهم من أصناف الكلام نظما ونثرا ورجزا وسجعا، وكان القرآن معجزة له صلى اللَّه عليه وسلّم كإبراء الأكمه وإحياء الموتى لعيسى عليه السلام مع تقدم قومه بصناعة الطب، وكقلب العصا حيّة لموسى وفلق البحر مع تمكن قوم فرعون وحذقهم بالسّحر. فكان من رحمة اللَّه بهذه الأمة أن جعل أظهر دلائل نبوة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم القرآن الّذي يعلم صدقه بالاستدلال الّذي تعرض فيه الشبهة والشكوك، لكنه لا يستأصل القوم المنكرون له كما استؤصل قوم صالح لما كفروا بالناقة، وقوم موسى بانفلاق البحر، وتلقف العصا حبالهم وعصيهم. وإلى هذا المعنى يرجع قوله تعالى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً [ (4) ] ، المعنى: أن إرادتنا لاستبقاء المقترحين للإيمان منعا من إرسال الآيات التي اقترحوها بها، لعلمنا بأنا نخرج من أصلابهم من يؤمن، وإن من سبق له منا الرحمة بالإيمان فقال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى [ (5) ] ، فدعاهم إلى التفكر والتذكر في القرآن الّذي هو من   [ (1) ] المائدة: 115. [ (2) ] الرعد: 31. [ (3) ] الحجر: 8. [ (4) ] الإسراء: 59. [ (5) ] العنكبوت: 51. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 جنس ما يعرفونه ويتعاطونه من الفصاحة والبيان. أبان بعد هذا وجه الرحمة في تسمية اللَّه رسوله نبي الرحمة، ونبي الملحمة، والحاشر، وإن الكتاب المعجز باق عندهم بقاء الدهر، كما قال: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [ (1) ] ، فمن بلغ وقبل فاز ونجا، ومن رده وكذب به قوتل، ونصبت بينه القتال والملحمة حتى ينقاد لشريعته، أو يقتل لسوء اختياره، فتتم الرحمة بهذه المعاملة، ويعرف فضل هذه الأمة على غيرها بإزالة الاستئصال والاصطلام الواقعة بغيرها من الماضين من الأمم. وذكر من طريق عبد الجبار بن عمر الأيلي، عن عبيد اللَّه بن عطاء بن إبراهيم عن جدته: أم عطاء- مولاة الزبير بن العوام- قالت: سمعت الزبير بن العوام يقول: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (2) ] ، صاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على أبي قبيس: يا بني عبد مناف، إني نذير لكم، فجاءت قريش فحذرهم وأنذرهم، فقالوا: تزعم أنك نبي يوحى إليك، وأن سليمان سخر له الجبال والريح، وأن موسى سخر له البحر، وأن عيسى كان يحي الموتى، فادع اللَّه أن يسيّر عنا الجبال ويفجر لنا الأرض أنهارا، فنتخذها محارث فنزرع ونأكل، وإلا فادع اللَّه بأن يحي لنا موتانا فنكلمهم ويكلمونا، وإلا فادع اللَّه أن يصير هذه الصخرة التي تحتك ذهبا، فنبحث عنها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف، فإنك تزعم أنك كهيئتهم، قال: فبينا نحن حوله إذ نزل عليه الوحي، فلما سري عنه قال: والّذي نفسي بيده، لقد أعطاني ما سألتم، ولو شئت لكان، ولكن خيرني بين أن تدخلوا باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة فلا يؤمن منكم أحد، فاخترت باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم، وأخبرني أنه إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم أنه يعذبكم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فنزلت: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ [ (3) ] ، فقرأ ثلاث آيات فنزلت: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى [ (4) ] .   [ (1) ] الأنعام: 19. [ (2) ] الشعراء: 214. [ (3) ] الإسراء: 59. [ (4) ] الرعد: 31. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 وخرج الحاكم من حديث معمر عن قتادة أنه تلا هذه الآية: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ [ (1) ] ، فقال: قال أنس: ذهب رسول اللَّه وبقيت النقمة، ولم يرى اللَّه نبيه في أمته شيئا يكرهه حتى مضى صلى اللَّه عليه وسلّم، ولم يكن نبي من الأنبياء عليهم السلام إلا قد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلى اللَّه عليه وسلّم. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ***   [ (1) ] الزخرف: 41. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 وأما قسم اللَّه تعالى بحياته صلى اللَّه عليه وسلّم فقد قال تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [ (1) ] ، وإنما يقع القسم بالمعظم وبالمحبوب، قوله: لَعَمْرُكَ [ (2) ] ، أصله ضم العين من العمر ولكنها فتحت لكثرة الاستعمال، ومعناه: وبقائك يا محمد، وقيل: وحياتك. قال القاضي أبو بكر محمد بن العربيّ [ (3) ] : قال المفسرون بأجمعهم: أقسم اللَّه تعالى   [ (1) ] الحجر: 72. [ (2) ] الحجر: 72. [ (3) ] فيها ثلاث مسائل: المسألة الأولى: قال المفسرون بأجمعهم: أقسم اللَّه هنا بحياة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم تشريفا له، أن قومه من قريش في سكرتهم يعمهون وفي حيرتهم يتردّدون، قالوا: روى عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال: ما خلق اللَّه وما ذرأ ولا برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، وما سمعت اللَّه أقسم بحياة أحد غيره، وهذا كلام صحيح. ولا أدري ما الّذي أخرجهم عن ذكر لوط إلى ذكر محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، وما الّذي يمنع أن يقسم بحياة لوط، ويبلغ به من التشريف ما شاء؟ فكل ما يعطى اللَّه للوط من فضل، ويؤتيه من شرف، فلمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم ضعفاه، لأنه أكرم على اللَّه منه، أولا تراه قد أعطى لإبراهيم الخلّة، ولموسى التكليم، وأعطى ذلك لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فإذا أقسم اللَّه بحياة لوط، فحياة محمد أرفع، ولا يخرج من كلام إلى كلام آخر غيره لم يجر له ذكر لغير ضرورة. المسألة الثانية: قوله: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ، أراد به الحياة والعيش، يقال: عمر، وعمر بضم العين وفتحها لغتان، وقالوا: إن أصلها الضم، ولكنها فتحت في القسم خاصة لكثرة الاستعمال، والاستعمال إنما هو غير القسم، فأما القسم فهو بعض الاستعمال، فلذلك صارا لغتين، فتدبروا هذا. المسألة الثالثة: قال أحمد بن حنبل: من أقسم بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم لزمته الكفارة، لأنه أقسم بما لا يتم الإيمان إلا به، فلزمته الكفارة، كما لو أقسم باللَّه تعالى. وقدّمنا أن اللَّه تعالى يقسم بما شاء من خلقه، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به، لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «من كان حالفا فليحلف باللَّه أو ليصمت» ، فإن أقسم بغيره فإنه آثم، أو قد أتى مكروها على قدر درجات القسم وحاله. وقد قال مالك: إن المستضعفين من الرجال والمؤمنين منهم، يقسمون بحياتك وبعيشتك، وليس من كلام أهل الذكر، وإن كان اللَّه أقسم به في هذه القصة، فذلك بيان لشرف المنزلة، وشرف المكانة، فلا يحمل عليه سواه، ولا يستعمل في غيره. وقال قتادة: هو من كلام العرب، وبه أقول، لكن الشرع قد قطعه في الاستعمال، وردّ القسم إليه. (أحكام القرآن لابن العربيّ) : 3/ 1130- 1131. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 بحياة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم تشريفا له، أن قومه من قريش في سكرتهم يعمهون، وفي حيرتهم يترددون. وقال القاضي عياض [ (1) ] : اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من اللَّه تعالى بمدة حياة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، ومعناه: وبقائك يا محمد، وقيل: وعيشتك، وقيل: وحياتك، وهذه نهاية التعظيم، وغاية البر والتشريف. وخرج الحرث بن أبي أسامة من حديث عمرو بن مالك البكري، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنه قال: ما خلق اللَّه وما ذرأ نفسا أكرم على اللَّه من محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، وما سمعت أن اللَّه أقسم بحياة أحد إلا بحياته فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [ (2) ] ، وفي رواية: ما حلف اللَّه بحياة أحد قط إلا بمحمد فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [ (2) ] ، وقال أبو الجوزاء: ما أقسم اللَّه بحياة أحد غير محمد لأنه أكرم البرية عنده، وقال ابن عقيل الحنبلي: وأعظم من قوله لموسى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [ (3) ] ، وقوله لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [ (4) ] ، وقوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [ (5) ] ، المعنى: أقسم لا بالبلد، فإن أقسمت بالبلد فلأنك فيه. قال ابن الجوزي: أقسم تعالى بتراب قدم محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [ (5) ] ، قال ابن عقيل: وقال تعالى: يا موسى فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [ (6) ] ، أي ولا تجيء إلا ماشيا، ومحمد ركب البراق ولا يجيء إلا راكبا. وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ: أقسم اللَّه بحياته ثم زاده شرفا فأقسم بغبار رجليه فقال تعالى: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً [ (7) ] ، الآية [ (8) ] ، وقال أبو نعيم:   [ (1) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 25، الفصل الرابع في قسمه تعالى بعظيم قدره صلى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] الحجر: 72. [ (3) ] طه: 41. [ (4) ] الفتح: 10. [ (5) ] البلد: 1. [ (6) ] طه: 12. [ (7) ] العاديات: 1. [ (8) ] (أحكام القرآن لابن العربيّ) : 4/ 1973، سورة العاديات، قال: أقسم اللَّه بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، وأقسم بحياته فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، وأقسم بخيله، وصهيلها، وغبارها، وقدح حوافرها النار من الحجر، فقال: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً* فَالْمُورِياتِ قَدْحاً* فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً* فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً العاديات: 1- 5. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 والمعنى في هذا، أن المتعارف بين العقلاء: أن الإقسام لا يقع إلا على المعظمين والمبجلين، فتبين بهذا جلالة الرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وتعظيم أمره وما شرع اللَّه تعالى على لسانه من الشرائع، وتنبيهه عباده على وحدانيته، ودعائه إلى الإيمان به، وعرفت جلالة نبوته ورسالته بالقسم الواقع على حياته، إذ هو أعز البرية وأكرم الخليقة صلى اللَّه عليه وسلّم. وعن ابن عباس في قوله تعالى: يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [ (1) ] قال: هو قسم وهو من أسماء اللَّه. وعن كعب يس* [ (1) ] قسم أقسم اللَّه به قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام يا محمد إنك لمن المرسلين، ثم قال: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [ (2) ] ، قال القاضي عياض: ومؤكد فيه القسم عطف القسم الآخر عليه، وإن كان بمعنى النداء، فقد جاء قسم آخر بعده لتحقيق رسالته والشهادة بهدايته، أقسم اللَّه تعالى باسمه، وكني به أنه من المرسلين بوحيه إلى عباده، وعلى صراط مستقيم من إيمانه، أي طريق لا اعوجاج فيه ولا عدول عن الحق. وقال النقاش: لم يقسم اللَّه تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له صلى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . ***   [ (1) ] يس: 1- 2. [ (2) ] يس: 2، 3. [ (3) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 26. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه قال تعالى: يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [ (1) ] ، روي عن جعفر بن محمد أنه قال: أراد اللَّه (يا سيد) مخاطبة لنبيه محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. فخرج مسلم من حديث الأوزاعي قال: حدثني أبو عمار قال: حدثني عبد اللَّه بن فروخ قال: حدثني أبو هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع. وخرج الترمذي من حديث سفيان عن ابن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ [من] ، آدم فمن تحته إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر. .. الحديث. قال: أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة عن ابن عباس.. الحديث بطوله [ (2) ] . وله من حديث عبد السلام بن حرب عن ليث عن الربيع بن أنس عن أنس ابن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا يأسوا، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وخرج بقي بن مخلد من حديث سفيان عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: فضلت بخصال ست لا أقولهن فخرا، لم يعطهنّ أحد قبلي: غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأخرجت لي   [ (1) ] يس: 1، 2. [ (2) ] سبق تخريج وشرح هذه الأحاديث ونحوها وشواهدها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 خير الأمم، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأعطيت الكوثر، ونصرت بالرعب. والّذي نفسي بيده إن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة، تحته آدم فمن دونه [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من حديث معمر بن راشد عن محمد بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب عن بشر بن شغاف، عن عبد اللَّه بن سلام قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق الأرض عنه ولا فخر، وأول شافع ومشفع، لواء الحمد بيدي يوم القيامة، تحتى آدم فمن دونه [ (1) ] . وله من حديث أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم القطيعي قال: أنبأنا عبد اللَّه ابن جعفر عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا صاحب لواء الحمد بيدي ولا فخر، وأنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، آخذ بحلقة باب الجنة فيؤذن لي فيستقبلني وجه الجبار تعالى فأخرّ له ساجدا فيقول: يا محمد ارفع رأسك، واشفع تشفع، وسل تعط، فأقول: رب أمتي [ (2) ] .   [ (1) ] سبق تخريج وشرح هذه الأحاديث ونحوها وشواهدها. [ (2) ] أخرجه البيهقي في (الدلائل) : 5/ 479- 480، باب ما جاء في تحدّث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بنعمة ربه عزّ وجلّ لقوله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ، وما جاء في خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم على طريق الاختصار: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا ليث بن سعد، عن يزيد بن الهاد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: «إني أول الناس تنشق الأرض عن جبهتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ولا فخر، وأنا آتي باب الجنة فآخذ بحلقيها فيقولون: من هذا؟ فأقول: أنا محمد، فيفتحون لي، فأجد الجبّار فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد، وتكلم يسمع منك، وقل يقبل منك، واشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: أمّتي، أمّتي يا رب، فيقول: اذهب إلى أمتك، فمن وجدت في قلبه مثقال حبة من شعير من الإيمان فأدخله الجنة» . وذكر الحديث فيمن كان في قلبه نصف حبّه من شعير، ثم حبّة من خردل، ثم في إخراج كل من كان يعبد اللَّه لا يشرك به شيئا. وزاد الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 610: «وفرغ اللَّه من حساب الناس وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار، فيقول أهل النار: ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون اللَّه عزّ وجلّ لا تشركون به شيئا» ، فيقول الجبار عزّ وجلّ: فبعزتي لأعتقنهم من النار، فيرسل إليهم فيخرجون وقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 وله من حديث ليث بن أبي سليم عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: أنا سيد الناس يوم القيامة، يدعوني ربي فأقول: لبيك وسعديك [تباركت لبيك] [ (1) ] وحنانيك، [والمهدي] [ (2) ] من هديت وعبدك بين يديك، [لا ملجأ ولا منجأ] [ (3) ] منك إلا إليك، تباركت رب البيت [ (4) ] . [قال: وإن قذف المحصنة ليهدم عمل مائة سنة] [ (5) ] . ومن حديث خديج عن أبي إسحاق عن صلة، عن حذيفة قال: قال أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إبراهيم خليل اللَّه، وموسى كلمه اللَّه تكليما، وعيسى كلمة اللَّه وروحه، فما أعطيت يا رسول اللَّه؟ قال: ولد آدم كلهم تحت رايتي، فأنا أول من يفتح له باب الجنة. ومن حديث سلام بن سليم عن عبد اللَّه بن غالب عن حذيفة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد الناس يوم القيامة [ (6) ] . وفي رواية روح بن مسافر عن أبي إسحاق   [ () ] امتحشوا، فيدخلون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في غثاء السيل، ويكتب بين أعينهم: هؤلاء عتقاء اللَّه عزّ وجلّ، فيذهب بهم فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء الجهنميون، فيقول الجبار: بل هؤلاء عتقاء الجبار عزّ وجلّ» حديث رقم (12060) . [ (1) ] تكملة من (المستدرك) . [ (2) ] في (خ) : «والهادي» والتصويب من المرجع السابق. [ (3) ] في (خ) : «لا منجا ولا ملجأ» والتصويب من المرجع السابق. [ (4) ] أخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 618، حديث رقم (8712/ 37) ، وقال في آخره: «وقد أخرجه له مسلم شاهدا» ، وقال الذهبي في (التلخيص) : «قد استشهد مسلم بليث بن أبي سليم. [ (5) ] ما بين الحاصرتين تكملة من (المستدرك) . [ (6) ] أخرجه الحاكم في (المستدرك) : 1/ 83، حديث رقم (82/ 82) من كتاب الإيمان، وهذا الحديث يشهد لكثير من أحاديث الباب التي لم نقف لها على تخريج ولفظه: «أخبرنا أبو عبد اللَّه محمد ابن عبد اللَّه الصفار، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، حدثني إسحاق بن يحيى، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، ما من أحد إلا وهو تحت لوائي يوم القيامة ينتظر الفرج، وإن معي لواء الحمد، أنا أمشي ويمشي الناس معي، حتى آتي باب الجنة فأستفتح، فيقال من هذا؟ فأقول محمد، فيقال: مرحبا بمحمد، فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا انظر إليه» . قال الحاكم: هذا حديث كبير في الصفات والرؤية، على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الذهبي في (التلخيص) على شرطهما ولم يخرجاه. ونحوه في (دلائل البيهقي) : 5/ 479- 480، ونحوه أيضا في (المسند) : 3/ 609، حديث رقم (12060) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر. وفي رواية زكريا بن عدي قال: حدثنا سلام عن أبي إسحاق عن عبد اللَّه عن حذيفة قال: محمد سيد الناس يوم القيامة. وله من حديث عبد الأعلى قال: حدثنا سعد عن قتادة عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، [وأنا] [ (1) ] أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، ولواء الحمد معى، تحته آدم ومن دونه ومن بعده من المؤمنين [ (2) ] . وفي رواية يعلى بن الفضل قال: حدثنا زياد بن ميمون عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة، فأخرج من قبري وحولي المهاجرون والأنصار، ينفضون التراب عن رءوسهم، وأنا أول شافع وأول مشفع، ولا تزال لي دعوة عند ربي مستجابة، وأنا لكم عند النفخة الثانية [ (3) ] . وفي رواية منصور بن أبي مزاحم قال: حدثنا أبو سعيد المؤدب عن زياد النميري عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وأنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة ولا فخر، ولواء الحمد بيدي ولا فخر [ (4) ] . وفي رواية عبد العزيز بن أبي حازم قال: حدثنا سهيل بن أبي صالح عن زياد النميري عن أنس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا أول من تنفلق الأرض عن جمجمته ولا فخر، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، ومعي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تفتح له أبواب الجنة ولا فخر، فأتي فآخذ بحلقة باب الجنة   [ (1) ] تكملة من رواية أبي نعيم. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 64، حديث رقم (23) ، وأخرجه أيضا الترمذي من حديث أبي سعيد الخدريّ، حديث رقم (3148) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة في (الزهد) ، باب ذكر الشفاعة مختصرا، والإمام أحمد في (المسند) : 1/ 463، حديث رقم (2542) ، (2687) ، وقال أحمد محمد شاكر: إسناده صحيح، وقال في (مجمع الزوائد) : 10/ 372: فيه على بن زيد وقد وثق على ضعفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. وأخرجه البيهقي في (الدلائل) : 5/ 481، ضمن حديث طويل أوله: «ما من نبي إلا وله دعوة تنجّزها في الدنيا، وإني ادّخرت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة..» وذكر الحديث بنحوه وزيادة. [ (3) ] لم أجده بهذه السياقة، وسيأتي الكلام على النفختين بعد قليل. [ (4) ] سبق الإشارة إليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 فيقال: من هذا؟ فأقول: محمد، فيفتح، فيستقبلني الجبار تعالى، فأخر له ساجدا فيقول: يا محمد، قل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه [ (1) ] . وفي رواية منصور بن أبي الأسود عن ليث عن الربيع بن أنس عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أولهم خروجا إذا بعثوا، وقائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا شافعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا يئسوا، لواء الكرامة ومفاتيح الجنة يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي، يطوف عليّ ألف خادم كأنهم بيض مكنون أو لؤلؤ منثور [ (2) ] . وفي رواية حبان بن علي عن ليث عن عبيد اللَّه بن زحر، عن الربيع بن أنس عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه القبور يوم القيامة ولا فخر، لواء الحمد بيدي ولا فخر، مفاتيح الجنة يومئذ بيدي ولا فخر، آدم ومن دونه من النبيين تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر، يطوف عليّ ألف خادم كأنهن بيض مكنون [ (2) ] . وفي رواية جرير والثوري وزائدة، عن [المختار] [ (3) ] بن فلفل عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول من يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا [ (4) ] . وفي رواية الحميدي وسفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيفتحها اللَّه [ (5) ] . وفي رواية خلف بن هشام قال: أخبرنا عيسى بن ميمون عن عسل   [ (1) ] في (دلائل البيهقي) : 5/ 479، باختلاف يسير، وفيه: «عن جبهتي يوم القيامة ولا فخر» . [ (2) ] (المرجع السابق) : 84 بنحوه، (دلائل أبي نعيم) : 1/ 64، حديث رقم (24) وفيه: «الكرامة ومفاتيح الجنة ولواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي يطوف عليّ ألف خادم كأنهن بيض مكنون أو لؤلؤ منثور» . والبيض المكنون: المستور عن الأعين. ولفظهما فيه متقارب. [ (3) ] في (خ) : «المختال» ، والتصويب من صحيح مسلم. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 72، حديث رقم (330) من كتاب الإيمان، باب (85) في قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم «أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعا» . [ (5) ] (مسند الحميدي) : 2/ 506- 507، حديث رقم (1204) . وأخرجه أيضا الترمذي في آخر حديث الشفاعة، حديث رقم (3148) وقال في آخره: قال سفيان: ليس عن أنس إلا هذه الكلمة: «فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها» ، قال أبو عيس: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 ابن سفيان عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا مبشرهم إذا [أبلسوا] [ (1) ] ، لواء [الكرامة] [ (1) ] يومئذ بيدي، يطوف علي ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون. وله من طريق أبي داود الطيالسي وسليمان بن حرب قالا: حدثنا حماد ابن سلمة، حدثنا علي بن زيد عن أبي نضرة قال: خطبنا عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما على منبر البصرة، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه وقال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ألا إني سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد تحته آدم فمن دونه ولا فخر. ورواه هشيم عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع ولا فخر، وإن لواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر [ (2) ] . ورواه سفيان بن عيينة عن ابن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: خطبنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، بيدي لواء الحمد ولا فخر [ (2) ] . وله من حديث زمعة بن صالح عن سلمة بن وهران عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فيفتحها اللَّه لي، وأنا سيد الأولين والآخرين من النبيين ولا فخر. وله عن ابن عباس قال: جلس ناس من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ينظرون، فخرج حتى دنا منهم، فسمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم: عجبا! إن اللَّه اتخذ من خلقه خليلا، وقال آخر: ماذا بأعجب من كلامه موسى تكليما، وقال آخر: فعيسى كلمة اللَّه وروحه، وقال آخر: آدم اصطفاه اللَّه، فخرج عليهم   [ () ] بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة عن ابن عباس الحديث بطوله. والقعقعة: حكاية حركة لشيء يسمع له صوت (لسان العرب) : 8/ 286. [ (1) ] سيأتي شرحه بعد قليل، وفي (خ) : «بلسوا» ، «الكرم» . [ (2) ] سبق الإشارة إليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 فسلّم وقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم أن اللَّه اتخذ إبراهيم خليلا، وهو كذلك، وموسى نجيّ اللَّه، وهو كذلك، وعيسى كلمته وروحه، وهو كذلك، وآدم اصطفاه اللَّه، وهو كذلك، ألا وأنا حبيب اللَّه ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة وتحته آدم ومن دونه ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق [باب] [ (1) ] الجنة فيتفح اللَّه لي، فيدخلينها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، [و] [ (1) ] أنا أكرم الأولين والآخرين على اللَّه عز وجل ولا فخر. ورواه عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أرسلت إلى الجن والإنس، [وإلى] [ (2) ] كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم دون الأنبياء، وجعلت لي الأرض كلها طهورا ومسجدا، ونصرت بالرعب أمامي شهرا، وأعطيت خواتيم سورة البقرة [ (3) ] وكانت من كنوز العرش، وخصصت بها دون الأنبياء، وأعطيت المثاني [ (4) ] مكان التوراة، [والمئين] [ (5) ] مكان الإنجيل، والحواميم [ (6) ] مكان الزبور، وفضلت بالمفصّل، فأنا سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ولا فخر، وأنا أول من تنشق الأرض عني وعن أمتي ولا فخر، وبيدي لواء الحمد يوم القيامة، آدم وجميع الأنبياء من ولد آدم تحته ولا فخر، وإليّ مفاتيح الجنة يوم القيامة ولا فخر، وبي تفتح الشفاعة يوم القيامة ولا فخر، وأنا سابق [ (7) ] الخلق   [ (1) ] زيادة للسياق، وأخرج الحاكم نحوه مختصرا في (المستدرك) : 2/ 629 حديث رقم (4098/ 107) . [ (2) ] زيادة من (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] وهي من قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ حتى آخر السورة [من الآية 285 حتى الآية 286] . [ (4) ] المثاني: سورة الفاتحة، وسميت بالمثاني لأنها تثنى وتقرأ في كل ركعة من ركعات الصلاة. قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [87: الحجر] . [ (5) ] كذا في (خ) ، وفي رواية البيهقي في (الدلائل) ، لكن في رواية أبي نعيم في (الدلائل) : «والمائدة مكان الإنجيل» ، أي سورة المائدة. والمئين: أي السور التي أولها ما يلي سورة الكهف لزيادة كل منها على مائة آية. [ (6) ] الحواميم: السور التي أولها حم وهي سبع سور: [1] سورة غافر، [2] سورة فصلت، [3] سورة الشورى، [4] سورة الزخرف، [5] سورة الدخان، [6] سورة الجاثية، [7] سورة الأحقاف. [ (7) ] في (خ) : «سابق» ، وهي رواية السيوطي في (الخصائص) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 إلى الجنة يوم القيامة ولا فخر، وأنا أمامهم وأمتى بالأثر [ (1) ] . وفي رواية مردان بن معاوية عن يحيى اللخمي عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لواء الحمد بيدي يوم القيامة، وأقرب الناس من لوائي العرب. وله من حديث ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن صالح بن عطاء، عن عطاء عن جابر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا قائد المسلمين ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر، وأنا شافع ومشفع ولا فخر. وله من حديث شريج بن النعمان قال: حدثنا عبد اللَّه بن نافع عن عاصم ابن عمر، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، عن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول من تنشق الأرض عنه ثم أبو بكر ثم عمر، ثم يأتي أهل البقيع فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة فأحشر بين الحرمين [ (2) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 65، حديث رقم (25) من الفصل الرابع: ذكر الفضيلة الرابعة بإقسام اللَّه بحياته، وتفرده بالسيادة لولد آدم في القيامة، وما فضل هو وأمته على سائر الأنبياء وجميع الأمم صلى اللَّه عليه وسلّم، وقال فيه: «وأنا سائق الخلق. ..» . و (دلائل البيهقي) : 5/ 475، في باب ما جاء في تحدث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بنعمة ربه عزّ وجلّ لقوله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ، وما جاء في خصائصه على طريق الاختصار: أخبرنا أبو بكر بن فورك، أنبأنا عبد اللَّه بن جعفر، حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا عمران، عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة بن الأسقع قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، ومكان الزبور المئين، ومكان الإنجيل المثاني، وفضّلت بالمفصل» . والسبع الطوال: من البقرة إلى براءة (التوبة) . والمفصّل: من أول سورة الحجرات حتى آخر القرآن الكريم. والحديث أخرجه الطبراني في الكبير، وأشار إليه السيوطي بالحسن. [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 505، حديث رقم (3732/ 869) : بدون قوله: «فأحشر بين الحرمين» ، وزاد في رواية (المستدرك) : «وتلا عبد اللَّه بن عمر: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ [ق: 44] قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ذكره في باب (50) تفسير سورة ق من كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين. و (دلائل أبي نعيم) : 1/ 66 حديث رقم (26) بمثله سواء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 وله من حديث حماد بن شعيب وزائدة وإسرائيل، كلهم عن عاصم عن زر ابن حبيش عن عبد اللَّه قال: إن اللَّه اتخذ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم خليل اللَّه، وإن محمدا سيد ولد آدم يوم القيامة، ثم قرأ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (1) ] . ورواه المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن عبد اللَّه قال: إن اللَّه اتخذ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم خليل اللَّه، وإن نبي اللَّه أكرم الخلائق على اللَّه يوم القيامة، ثم قرأ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (2) ] . وله من حديث كثير بن زيد عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده إن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة، تحته آدم فمن دونه [ (3) ] . وفي رواية سعيد بن رافع عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد الخلائق يوم القيامة في اثنى عشر نبيا، منهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب.   [ (1) ] ونحوه باختلاف يسير بدون ذكر الآية في (المستدرك) : 2/ 550، حديث رقم (4018/ 27) ، ذكره في باب ذكر إبراهيم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم خليل اللَّه عزّ وجلّ، وبينه وبين نوح هود وصالح صلوات اللَّه عليهما، من كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ونحوه في (المستدرك) : 1/ 652، 653، الأحاديث أرقام (3741) ، (3742) ، (3743) ، (3744) بسياقات متقاربة. [ (2) ] أخرجه البيهقي في (الدلائل) : 5/ 485، وقال فيه: «وأن محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم أكرم الخلاق على اللَّه..» ، والآية رقم 79: الإسراء. [ (3) ] ونحوه بدون قوله: «فمن بعده المؤمنين» ، وقال فيه: «ومن دونه» ، في (دلائل أبي نعيم) : 1/ 64، حديث رقم (23) ، بدون الآية. ورواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدريّ في (الجامع الصحيح) ، حديث رقم (3148) ، وقال: حديث حسن صحيح، (سنن الترمذي) : 5/ 288، كتاب (48) باب (18) . ورواه الإمام أحمد في (المسند) من حديث ابن عباس في الشفاعة، ورواه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1440، كتاب الزهد، باب (37) ذكر الشفاعة، حديث رقم (4308) . والترمذي أيضا في المناقب، حديث (3615) ، قال أبو عيسى: وفي الحديث قصة، وهذا حديث حسن صحيح، وقد روي بهذا الإسناد عن أبي نضرة، عن ابن عباس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 وفي رواية بديل بن المحبّر قال: حدثنا عبد السلام بن عجلان قال: سمعت أبا يزيد المدني يحدث عن أبي هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، وأنا بيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول شخص يدخل عليّ الجنة: فاطمة بنت محمد، ومثلها في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل [ (1) ] . ورواه يعقوب الحضرميّ عن عبد السلام عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وأول من تنشق الأرض عن هامته ولا فخر، وأنا أول مشفع ولا فخر، لواء الحمد بيدي يوم القيامة، حرم اللَّه الجنة على كل آدمي يدخلها قبلي [ (2) ] . وله من حديث زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إني أول من يرفع [رأسه] [ (3) ] بعد النفخة الأخيرة، فإذا موسى متعلق بالعرش فلا أدري أكذاك كان أو بعد النفخة [ (4) ] ؟. ومن حديث شعيب عن الزهري قال: حدثني أبو سلمة وسعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق.   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 66، حديث رقم (27) . وأخرجه الترمذي بسند آخر وقال: حديث غريب. وتوقف غيره في الاحتجاج به ثم قال: عن بديل بن المحبر، عن عبد السلام بن عجلان، عن أبي يزيد المدني، عن أبي هريرة ... ، فذكره، ثم قال: أخرجه أبو صالح المؤذن في مناقب فاطمة عليها السلام. [ (2) ] وفي (صحيح مسلم بشرح النووي) : 3/ 73- 74، كتاب الإيمان، باب (85) في قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا» ، حديث رقم (333) ، حدثني عمرو الناقد، وزهير بن حرب قالا: حدّثنا هاشم بن القاسم، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك. وأخرجه البيهقي في (الدلائل) من حديث أنس بمثله سواء. (دلائل النبوة للبيهقي) : 5/ 480. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب (43) النفخ في الصور، قال مجاهد: الصور كهيئة البوق، زجرة: صيحة، وقال ابن عباس: الناقور الصور، الراجفة: النفخة الأولى، والرادفة: النفخة الثانية، حديث رقم (6517) : حدثني عبد العزيز بن عبد اللَّه قال: حدّثني إبراهيم بن سعد عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233   [ () ] ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن الأعرج أنهما حدّثاه أن أبا هريرة قال: «استبّ رجلان، رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال المسلم: والّذي اصطفى محمدا على العالمين، فقال اليهودي: والّذي اصطفى موسى على العالمين. قال: فغضب المسلم عند ذلك، فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهوديّ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تخيّروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان موسى فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى اللَّه عزّ وجلّ» . وحديث رقم (6518) : حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «يصعق الناس حين يصعقون، فأكون أول من قام، فإذا موسى آخذ بالعرش، فما أدري أكان فيمن صعق» . رواه أبو سعيد عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. قوله: «باب نفخ الصور» تكرر ذكره في القرآن الكريم، في الأنعام، والمؤمنين، والنمل، والزمر، وق، وغيرها، وهو بضم المهملة وسكون الواو، وثبت كذلك في القراءات المشهورة والأحاديث، وذكر عن الحسن البصري أنه قرأها بفتح الواو، جمع صورة، وتأوله على أن المراد النفخ في الأجساد لتعاد إليها الأرواح. وقال أبو عبيدة في (المجاز) : يقال: الصور- يعني بسكون الواو- جمع صورة، كما يقال: سور المدينة جمع سورة، قال الشاعر: [فلما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة] فيستوي معنى القراءتين. وحكى مثله الطبري عن قوم وزاد: كالصوف جمع صوفة، قالوا: والمراد النفخ في الصّور وهي الأجساد لتعاد فيها الأرواح، كما قال تعالى: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، وتعقب قوله: «جمع» ، بأن هذه أسماء أجناس لا جموع، وبالغ النحاس وغيره في الردّ على التأويل، وقال الأزهري: إنه خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة. قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : وقد أخرج أبو الشيخ في (كتاب العظمة) ، من طريق وهب بن منبه من قوله قال: خلق اللَّه الصور من لؤلؤ بيضاء في صفاء الزجاجة، ثم قال للعرش: خذ الصور فتعلق به، ثم قال: كن، وكان إسرافيل، فأمره أن يأخذ الصور، فأخذه وبه ثقب بعدد كل روح مخلوقة، ونفس منفوسة، فذكر الحديث وفيه: «ثم تجمع الأرواح كلها في الصور، ثم يأمر اللَّه إسرافيل فينفخ فيه، فتدخل كل روح في جسدها» ، فعلى هذا فالنفخ يقع في الصور أولا، ليصل النفخ بالروح إلى الصور، وهي الأجساد، فإضافة النفخ إلى الصور الّذي هو القرن، حقيقة، وإلى الصّور التي هي الأجساد، مجاز. قوله: «قال مجاهد: الصور كهيئة البوق» ، وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال في قوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ، قال كهيئة البوق، وقال صاحب الصحاح: البوق الّذي يزمر به، وهو معروف، ويقال للباطل، يعني يطلق ذلك عليه مجازا، لكونه من جنس الباطل. قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : لا يلزم من كون الشيء مذموما أن لا يشبه به الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 وفي رواية محمد بن يوسف الفرياني قال: حدثنا سفيان عن عمر بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن الناس يصعقون [يوم القيامة] [ (1) ] فأكون أول من يفيق [ (2) ] .   [ () ] الممدوح، فقد وقع تشبيه صوت الوحي بصلصلة الجرس، مع النهي عن استصحاب الجرس، كما تقدم تقريره في بدء الوحي. قوله: «قال ابن عباس: الناقور الصور» ، وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ قال: الصور، ومعنى نقر نفخ، قاله في الأساس. وأخرج البيهقي من طريق أخرى عن ابن عباس في قوله تعالى: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن» ؟ وللحاكم بسند حسن، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة رفعه «إن طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان درّيّان» . قوله: «الراجفة النفخة الأولى، والرادفة النفخة الثانية» ، هو من تفسير ابن عباس، وصله الطبري وابن أبي حاتم بالسند المذكور، وقد تقدم بيانه في تفسير سورة النازعات، فليراجع هناك. وإذا تقرر أن النفخة للخروج من القبور فكيف تسمعها الموتى؟ والجواب: يجوز أن تكون نفخة البعث تطول إلى أن يتكامل إحياؤهم شيئا بعد شيء، وتقدم الإلمام في قصة موسى مما ورد في تعيين من استثنى اللَّه تعالى في قوله تعالى: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ، وحاصل ما جاء في ذلك عشرة أقوال ذكرهم الحافظ ابن حجر في (الفتح) : 11/ 451 باب (43) من كتاب الرقاق فليراجع هناك. [ (1) ] ما بين الحاصرتين تكملة من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 67، حديث رقم (28) . وخرّج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه، قال: «جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قد لطم وجهه، فقال: يا محمد! إن رجلا من الأنصار من أصحابك لطم وجهي، فقال: ادعوه، فدعوه، فقال: لم لطمت وجهه؟ قال: يا رسول اللَّه، إني مررت باليهودي، فسمعته يقول: والّذي اصطفى موسى على البشر، فقلت: وعلى محمد؟ فأخذتني غضبة، فلطمته، فقال: لا تخيّروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري: أفاق قبلي، أو جوزي بصعقة الطور» . وفي رواية: «فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ... » وذكر نحوه. رواه البخاري في (الخصومات) ، باب ما يذكر من الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهودي، وفي (الأنبياء) ، باب قول اللَّه تعالى: وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ، وفي تفسير سورة الأعراف، باب وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، وفي (الديات) ، باب إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب، وفي (التوحيد) ، باب وكان عرشه على الماء وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. ورواه مسلم في (الفضائل) ، باب من فضائل موسى صلى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 وله من حديث يحيى الحماقي وحبان بن موسى قالا: حدثنا عبد اللَّه بن المبارك، أنبأنا حبان [عن] يحيى بن سعيد التيمي قال: حدثني أبو زرعة عن أبي هريرة قال: أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة. رواه مسلم [ (1) ] . وفي رواية عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: وضعت بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قصعة من ثريد فتناول الذراع- وكانت أحب الشاة إليه- فنهس نهسة ثم قال: أنا سيد [الناس] [ (2) ] يوم القيامة [ (3) ] . ولأبي نعيم من حديث يحيى الحماني، حدثنا شريك عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي كعب عن أبيه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا كان يوم القيامة، كنت إمام الناس يوم القيامة وخطيبهم وصاحب شفاعتهم ولا فخر [ (4) ] . وله من حديث عبيد اللَّه بن عمرو عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن جابر ابن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إذا كان يوم القيامة كان لواء الحمد بيدي، وكنت إمام المرسلين وصاحب شفاعتهم [ (5) ] .   [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (84) ، حديث رقم (327) وهو حديث الشفاعة كاملا، والبيهقي في (الدلائل) : 5/ 476. قوله: «فنهس منها نهسة» ، هو بالسين المهملة. قال القاضي عياض: أكثر الرواة رووه بالمهملة، ووقع لابن ماهان بالمعجمة وكلاهما صحيح، بمعنى أخذ بأطراف أسنانه. قال الهروي: قال ابن عباس: النهس بالمهملة بأطراف الأسنان، وبالمعجمة الأضراس. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أنا سيد الناس يوم القيامة» ، إنما قال هذا صلى اللَّه عليه وسلّم تحدثا بنعمة اللَّه تعالى، وقد أمره اللَّه تعالى بهذا، ونصيحة لنا بتعريفنا حقه صلى اللَّه عليه وسلّم، قال القاضي عياض: السيد الّذي يفوق قومه، والّذي يفزع إليه في الشدائد، والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم سيدهم في الدنيا والآخرة، وإنما خصّ يوم القيامة لارتفاع السؤدد فيه، وتسليم جميعهم له، ولكون آدم وجميع أولاده تحت لوائه صلى اللَّه عليه وسلّم (مسلم بشرح النووي) : 3/ 66- 67. [ (2) ] ما بين الحاصرتين في (خ) : «سيد ولد آدم» وما أثبتناه من (صحيح مسلم) . [ (3) ] (صحيح مسلم بشرح النووي) : 3/ 69، كتاب الإيمان باب (84) ، حديث رقم (328) . [ (4) ] أخرجه البيهقي في (الدلائل) : 5/ 481، والترمذي في (المناقب) باب (1) في فضل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3613) ، وقال: هذا حديث حسن. [ (5) ] سبق الإشارة إليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 وله من حديث أبي عوانة عن أبي بشير، عن سعيد عن جابر عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كنت عند النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أنا سيد ولد آدم. وله من حديث أحمد بن أبي ظبية عن أبيه عن عبد اللَّه بن جابر عن عطاء عن أم كرز أنها قالت: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: أنا سيد المؤمنين إذا بعثوا، وسابقهم [ (1) ] إذا وردوا، ومبشرهم إذا أبلسوا [ (2) ] ، وإمامهم إذا سجدوا، وأقربهم مجلسا من الرب تعالى إذا اجتمعوا، [أقوم] [ (3) ] ، فأتكلم فيصدّقني، وأشفع فيشفّعني، وأسأل فيعطيني [ (4) ] . وله من حديث الحرث بن أسامة قال: حدثنا عبد العزيز بن أبان، حدثنا إسرائيل عن آدم بن علي قال: سمعت ابن عمر رضي اللَّه عنه يقول: تصير الأمم يوم القيامة تجيء كل أمة نبيها فيرقاهم على كوم فيقول: يا فلان اشفع، فيردها بعضهم إلى بعض حتى ينتهي إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فهو المقام المحمود الّذي قال اللَّه تعالى عنه: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (5) ] .   [ (1) ] كذا في (خ) : وفي (الخصائص) : 3/ 222، وفي (دلائل أبي نعيم) : «وسائقهم» . [ (2) ] أبلسوا: أسكتوا من الحزن، ومنه إبليس لعنه اللَّه، وفي التنزيل: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ، حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ، لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ، وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ [12: الروم] ، [44: الأنعام] ، [77: المؤمنون] ، [75: الزخرف] ، [49: الروم] على الترتيب. [ (3) ] في (خ) : «أقول» ، وما أثبتناه من رواية أبي نعيم. [ (4) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 67، الفصل الرابع، ذكر الفضيلة الرابعة بإقسام اللَّه تعالى بحياته، وتفرده بالسيادة لولد آدم في القيامة، وما فضّل به هو وأمته على سائر الأنبياء وجميع الأمم صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (29) . وقال السيوطي في (الخصائص) : 3/ 222 «أخرجه أبو نعيم عن أم كرز» . [ (5) ] 79: الإسراء، وعسى، مدلولها في المحبوبات الترجي، فقيل: هي على بابها في الترجي تقديره لتكن على رجا من أن يَبْعَثَكَ. وقيل هي بمعنى كي، وينبغي أن يكون هذا تفسير معنى. والأجود أن هذه الترجية والإطماع بمعنى الوجود من اللَّه تعالى، وهو متعلق من حيث المعنى بقوله: فَتَهَجَّدْ. وعسى هنا تامة، وفاعلها أَنْ يَبْعَثَكَ، وربك فاعل يبعثك، ومقاما الظاهر أنه معمول ليبعثك، هو مصدر من غير لفظ الفعل، لأن يبعثك بمعنى يقيمك، تقول: أقيم من قبره، وبعث من قبره. وقال ابن عطية: منصوب على الظرف أي في مقام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237   [ () ] محمود. وقيل: منصوب على الحال، أي ذا مقام محمود. وقيل: هو مصدر لفعل محذوف، التقدير فتقوم مقاما، ولا يجوز أن تكون عسى هنا ناقصة، وتقدم الخبر على الاسم فيكون ربك مرفوعا اسم عسى وأَنْ يَبْعَثَكَ الخبر في موضع نصب بها، إلا في هذا الإعراب الأخير. وفي تفسير المقام المحمود أقوال: أحدها: أنه في أمر الشفاعة التي يتدافعها الأنبياء حتى تنتهي إليه صلى اللَّه عليه وسلّم، والحديث في الصحيح، وهي عدة من اللَّه تعالى له صلى اللَّه عليه وسلّم، وفي هذه الشفاعة يحمده أهل الجمع كلهم، في دعائه المشهور: «وابعثه المقام المحمود الّذي وعدته» واتفقوا على أن المراد منه الشفاعة. الثاني: أنه في أمر شفاعته لأمّته في إخراجه لمذنبهم من النار، وهذه الشفاعة لا تكون إلا بعد الحساب ودخول الجنة ودخول النار، وهذه لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء. وقد روي حديث الشفاعة وفي آخره: «حتى لا يبقى في النار إلا من حبسه القرآن» ، أي وجب عليه الخلود. قال: ثم تلا هذه الآية عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. وعن أبي هريرة أنه عليه السلام قال: «المقام المحمود هو المقام الّذي أشفع فيه لأمتي» فظاهر هذا الكلام تخصيص شفاعته لأمته، وقد تأوله من حمل ذلك على الشفاعة العظمى، التي يحمده بسببها الخلق كلهم، على أن المراد لأمته وغيرهم، أو يقال: إن كل مقام منها محمود. الثالث: عن حذيفة: يجمع اللَّه الناس في صعيد فلا تتكلم نفس، فأول مدعوّ محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فيقول: لبيك وسعديك والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، وعبدك بين يديك، وبك وإليك، لا منجأ ولا ملجأ إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت. قال: فهذا قوله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. الرابع: قال الزمخشريّ: معنى المقام المحمود المقام الّذي يحمده القائم فيه، وكل من رآه وعرفه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات (أ. هـ) ، وهو قول حسن ولذلك نكّر مَقاماً مَحْمُوداً، فلم يتناول مقاما مخصوصا، بل كل مقام محمود صدق عليه إطلاق اللفظ. الخامس: ما قالت فرقة- منها مجاهد- وقد روي أيضا عن ابن عباس أن المقام المحمود هو أن يجلسه اللَّه تعالى معه على العرش. وذكر الطبري في ذلك حديثا، وذكر النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم، ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا. قال ابن عطية: يعني من أنكر جوازه على تأويله. وقال أبو عمر ومجاهد: إن كان أحد الأئمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم هذا أحدهما، والثاني تأويل إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [22: القيامة] ، قال تنتظر الثواب ليس من النظر، وقد يؤوّل قوله معه على رفع محله وتشريفه على خلقه كقوله: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ [206: الأعراف] ، وقوله: ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً [11: التحريم] ، وإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [69: العنكبوت] ، كل ذلك كناية عن المكانة لا عن المكان. وقال الواحدي: هذا القول مروي عن ابن عباس وهو قول رذل، موحش، فظيع، لا يصح مثله عن ابن عباس، ونصّ الكتاب ينادي بفساده من وجوه: ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 ورواه البخاري من حديث أبي الأحوص عن آدم، وله من حديث أبي نعيم قال: حدثنا داود بن يزيد الأودي عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في قوله تعالى عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال: الشفاعة [ (1) ] . ورواه إدريس الأودي عن أبيه مثله، قال الحافظ أبو نعيم: أحمد. وفيه عن سعد بن أبي وقاص وعبد اللَّه بن مسعود وكعب بن مالك وجابر وأبي سعيد وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص في المقام المحمود [ (1) ] . ورواه الزهري عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن رجل من أهل العلم عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المقام المحمود [ (1) ] . واعلم أن كل من خبرك عن نفسه بأمر يحتاج إلى علمه لو إخباره ما عرفته، فليس يقبح ذكره وإن اتصل بمدحه، ولهذه العلة مدحت الأنبياء عليهم السلام أنفسها مع تواضعها. وخرج الحاكم من حديث إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا يزيد بن أبي حكيم، حدثنا الحكم بن أبان قال: سمعت عكرمة يقول: قال ابن عباس [رضي اللَّه عنهما] [ (2) ] : إن اللَّه فضل محمدا على أهل السماء وفضله على أهل الأرض قالوا: [يا ابن عباس] [ (2) ] :   [ () ] الأول: أن البعث ضد الإجلاس، بعث التارك، وبعث اللَّه الميت أقامه من قبره، فتفسير البعث بالإجلاس تفسير الضد بالضد. الثاني: لو كان جالسا- تعالى- على العرش لكان محدودا متناهيا، فكان يكون محدثا. الثالث: أنه قال: مقاما ولم يقل مقعدا محمودا، والمقام موضع القيام لا موضع القعود. الرابع: أن الحمقى والجهال يقولون: إن أهل الجنة يجلسون كلهم معه تعالى ويسألهم عن أحوالهم الدنيوية، فلا مزّية له بإجلاسه معه! الخامس: إذا قيل: بعث السلطان فلانا، لا يفهم منه أنه أجلسه مع نفسه. (البحر المحيط) : 7/ 100- 102 ، تفسير سورة الإسراء. [ (1) ] أخرجه البيهقي في (الدلائل) : 5/ 484، والترمذي في كتاب تفسير القرآن، تفسير سورة الإسراء، حديث رقم (3137) 5/ 283 وقال: هذا حديث حسن. [ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 فبم [ (1) ] فضله على أهل السماء؟ قال: قال اللَّه تعالى: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [ (2) ] ، وقال لمحمد: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [ (3) ] الآية، قالوا: فبم [ (1) ] فضله اللَّه على أهل الأرض؟ قال: إن اللَّه تعالى قال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [ (4) ] الآية، وقال لمحمد: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [ (5) ] ، فأرسله إلى الجن والإنس. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، فإن الحكم بن أبان قد احتج به جماعة من أئمة الإسلام [أيضا] [ (6) ] [ولم يخرجه الشيخان] [ (7) ] . ***   [ (1) ] كذا في (خ) : وفي المرجع السابق: «فبما» . [ (2) ] الأنبياء: 29. [ (3) ] الفتح: 1. [ (4) ] إبراهيم: 4. [ (5) ] سبأ: 28. [ (6) ] زيادة في (خ) . [ (7) ] تكملة من المستدرك. والحديث أخرجه الحاكم في (المستدرك) : 2/ 381، حديث رقم (3335/ 472) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح. وأخرجه البيهقي في (الدلائل) : 5/ 486- 487 بالإسناد السابق.. والحكم بن أبان العدني أبو عيسى، روي عن عكرمة، وطاووس، وشهر بن حوشب، وإدريس ابن سنان بن بنت وهب، وغيرهم، وعنه ابنه إبراهيم، وابن عيينة، ومعمر، ومات قبله، وابن جريج- وهو من أقرانه- ومعتمر بن سليمان، وابن علية، ويزيد بن أبي حكيم، وموسى بن عبد العزيز القنباري، وغيرهم. قال ابن معين والنسائي: ثقة. وقال أبو زرعة: صالح، وقال العجليّ: ثقة صاحب سنّة، كان إذا هدأت العيون وقف في البحر إلى ركبتيه يذكر اللَّه تعالى حتى يصبح. وقال سفيان بن عيينة: أتيت عدن فلم أر مثل الحكم بن أبان. وقال ابن عيينة: قدم علينا يوسف بن يعقوب قاصّ كان لأهل اليمن، وكان يذكر منه صلاح، فسألته عن الحكم بن أبان، قال: ذاك سيد أهل اليمن. قال أحمد: مات سنة (154) وهو ابن (84) سنة. ترجمته في: (تهذيب التهذيب) : 2/ 364، ترجمة رقم (736) ، (الثقات) : 6/ 185، (التاريخ الكبير) : 2/ 336، ترجمة رقم (662) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 فصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم الخليل صلوات اللَّه عليهما وسلامه [ (1) ] اعلم أنه لما ثبتت سيادة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأنه إمام الأنبياء والمرسلين وأفضلهم، قيل: فكيف طلب له من أمته من صلاة اللَّه تعالى عليه ما لإبراهيم عليه السلام حين قالوا في صلواتهم: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، مع أن المشبه به أصله أن يكون فوق المشبه؟ فاقتضى هذا أن يكون إبراهيم أفضل من محمد صلى اللَّه عليه وسلّم.   [ (1) ] قال اللَّه عزّ وجلّ: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ [253: البقرة] ، فأخبره بأنه فاوت بينهم في الفضل، فأما الأخبار التي وردت في النهي عن التخيير بين الأنبياء فإنما هي في مجادلة أهل الكتاب في تفضيل نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم على أنبيائهم عليهم السلام، لأن المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين مختلفين لم يؤمن أن يخرج كل واحد منهما في تفضيل من يريد تفضيله إلى الإزراء بالآخر، فيكفر بذلك. فأما إذا كانت المخايرة من مسلم يريد الوقوف على الأفضل، فيقابل بينهما ليظهر له رجحان الأرجح، فليس هذا بمنهي عنه، لأن الرسل إذا كانوا متفاضلين، وكان فضل الأفضل يوجب له فضل حق، وكان الحق إذا وجب لا يهتدى إلى أدائه إلا بعد معرفته، ومعرفة مستحقه كانت إلى معرفة الأفضل حاجة، ووجب أن يكون للَّه عزّ وجلّ عليه دلالة، وطلب العلم المحتاج إليه من قبل إعلامه المنصوبة عليه ليس مما ينكر واللَّه تعالى أعلم. وهذا قول أبو عبد اللَّه الحليمي رحمه اللَّه. قال البيهقي: ومن تكلم في التفضيل ذكر في مراتب نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وخصائصه وجوها لا يحتمل ذكرها بأجمعها هذا الكتاب، ونحن نشير إلى وجه منها على طريق الاختصار. فمنها: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان رسول الثقلين الإنس والجن، وأنه خاتم الأنبياء. ومنها: أن شرف الرسول بالرسالة، ورسالته أشرف الرسالات بأنها نسخت ما تقدمها من الرسالات، ولا تأتي بعدها رسالة تنسخها. ومنها: أن اللَّه تبارك وتعالى أقسم بحياته صلى اللَّه عليه وسلّم. ومنها: أنه جمع له بين إنزال الملك عليه أو إصعاده إلى مساكن الملائكة، وبين إسماعه كلام الملك، وإراءته إياه في صورته التي خلقه عليها، وجمع له بين إخباره عن الجنة والنار وإطلاعه عليهما، وصار العلم له، واقعا بالعالمين، دار التكليف ودار الجزاء عيانا. ومنها: قتال الملائكة معه صلى اللَّه عليه وسلّم. ومنها: ما أخبر عن خصائصه التي يخصّه اللَّه تعالى بها يوم القيامة، وهو المقام المحمود الّذي وعده بقوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [79: الإسراء] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 قيل: قد اختلفت طرق العلماء في الجواب عن ذلك، فقالت طائفة: هذه الصلاة علمها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يعرف أنه سيد ولد آدم، وردّ هذا بأن هذه هي الصلاة التي علمها أمته لما سألوه عن تفسير قول اللَّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] ، وجعلها مشروعة في الصلاة إلى يوم القيامة، وهو لم يزل أفضل ولد آدم قبل أن يعلم بذلك وبعده، فلما علم بأنه سيد ولد آدم لم يغيّر نظم الصلاة عليه التي علمها أمته، ولا أبدلها بغيرها، ولا روي عن أحد خلافها، [فصلح] [ (2) ] هذا الجواب. وقالت طائفة: هذا السؤال والطلب شرع ليتخذه اللَّه خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، وقد أجابه اللَّه تعالى إلى ذلك كما ثبت في الصحيح: «ألا وإن صاحبكم خليل الرحمن» [ (3) ] ، يعني نفسه صلى اللَّه عليه وسلّم، وهذا القول من جنس ما قبله، فإن مضمونه أنه بعد أن اتخذ خليلا لا تشرع الصلاة عليه على هذا الوجه، وهذا من أبطل الباطل. وقالت طائفة أخرى: إنما هذا التشبيه راجع إلى المصلى فيما يصير له من ثواب الصلاة عليه، فطلب من ربه ثوابا وهو أن يصلي عليه كما صلى على إبراهيم، لا بالنسبة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فإن المطلوب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الصلاة وأعظم مما هو حاصل لغيره من العالمين، وردّ هذا: بأن التشبيه ليس فيما يحصل للمصلّي، بل فيما يحصل للمصلى عليه، وهو النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وآله، فمن قال: أن المعنى اللَّهمّ أعطني ثواب صلاتي عليه كما صليت على إبراهيم و [على] [ (4) ] آل إبراهيم فقد حرف الكلام   [ () ] ومنها: أن اللَّه جلّ ثناؤه لم يخاطبه في القرآن إلا بالنبيّ أو الرسول، ودعا سائر الأنبياء بأسمائهم، وحين دعا الأعراب نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم باسمه أو كنيته نهاهم عن ذلك، وقال: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [63: النور] ، وأمرهم بتعظيمه وبتفخيمه، ونهاهم عن التقديم بين يديه، وعن رفع أصواتهم فوق صوته، وعاب من ناداه من وراء الحجرات، إلى غير ذلك مما يطول بشرحه الكتاب، وهو مذكور في كتب أهل الوعظ أهل الوعظ والتذكير. ومنها: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أكثر الأنبياء إعلاما، وقد ذكر بعض المصنفين أن أعلام نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم تبلغ ألفا. (دلائل البيهقي) : 5/ 491، باب ما جاء في التخيير بين الأنبياء. [ (1) ] الأحزاب: 56. [ (2) ] في (خ) : «فطاح» ، ولعل الصواب ما أثبتناه. [ (3) ] سبق الإشارة إليه. [ (4) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 وأبطل في كلامه. وقالت طائفة: التشبيه عائد إلى الآل فقط، وتم الكلام عند قوله: اللَّهمّ صل على محمد، ثم قال: وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، فالصلاة المطلوبة لآل محمد هي المشبهة بالصلاة الحاصلة لإبراهيم، وهذا الجواب نقله العمراني عن الشافعيّ، واستبعدت صحته عنه رحمه اللَّه، فإنه ورد في كثير من الأحاديث: «اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على آل إبراهيم» ، وأيضا فإنه لا يصح هذا الجواب من جهة العربية، فإن العامل إذا ذكر معموله وعطف عليه غيره، ثم قيد بظرف أو جار أو مجرور أو مصدر أو صفة مصدر، كان ذلك راجعا إلى المعمول وما عطف عليه، هذا الّذي لا تحتمل العربية غيره. فإذا قلت: جاءني زيد وعمرو يوم الجمعة، كان الظرف مقيدا بمجيئهما لا بمجيء أحدهما دون الآخر، وكذلك إذا قلت: ضربت زيدا وعمرا ضربا مؤلما، وأمام الأمير، أو قلت: سلّم علي زيد وعمرو يوم الجمعة.. ونحوه. فإن قيل: هذا متجه إذا لم تعد العامل، فأما إذا أعيد العامل حسن ذلك، تقول: سلّم علي زيد وعلى عمرو إذا لقيته لم يمنع أن تختص ذلك بعمرو دون زيد، وهنا قد أعيد العامل في قوله: وعلى آل محمد، قيل: ليس هذا المثال بمطابق لمسألة الصلاة، وإنما المطابق أن تقول: سلّم علي زيد وعلى عمرو كما تسلم على المؤمنين، ونحو ذلك، وحينئذ فادّعاء أن التشبيه بسلامه على عمرو وحده دون زيد دعوى باطلة. وقالت طائفة: لا يلزم أن يكون المشبه به أعلى من المشبه، بل يجوز أن يكونا متماثلين، وأن يكون المشبه أعلى من المشبه به، قال هؤلاء: والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من إبراهيم من جهات غير الصلاة عليه وإن كانا متساويين في الصلاة، والدليل على أن المشبه قد يكون أفضل من المشبه به قول الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد وعورض هذا القول بوجوه من الرد: أحدهما: أن هذا خلاف المعلوم من قاعدة تشبيه الشيء بالشيء، فإن العرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 لا تشبه الشيء إلا بما فوقه [ (1) ] . الثاني: أن الصلاة من اللَّه تعالى من أفضل المراتب وأجل وأتم من كل صلاة، تحصل لكل مخلوق فلا يكون غيره مساويا له فيها. الثالث: أن اللَّه تعالى أمر بها بعد أن أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، فأمر بالصلاة والسلام عليه، وأكده بالتسليم، وهذا الخبر والأمر لم يثبتهما لغيره في القرآن من المخلوقين. الرابع: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إن اللَّه وملائكته يصلون على معلم الناس الخير، وهذا لا بتعلمهم الخير، فلما هداهم إلى خير الدنيا والآخرة وتسبّبوا بذلك إلى سعادتهم وفلاحهم، وذلك سبب دخولهم في جملة المؤمنين المهديين الذين يصلى عليهم اللَّه وملائكته. ومن المعلوم أنه لا أحد من معلمي الخير أفضل ولا أكثر تعليما له من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، ولا أنصح لأمته ولا أصبر على تعليم الخير منه، ولهذا أنال أمته من تعليمه لهم ما لم تنله أمة من الأمم سواهم، وحصل للأمة من تعليمه من العلوم النافعة والأعمال الصالحة ما صارت به خير أمة أخرجت للعالمين، فكيف تكون الصلاة على هذا الرسول المعلم للخير مساوية في الصلاة على من لم يماثله في التعليم؟ وما بقول الشاعر على جواز كون المشبه به أفضل من المشبه، فلا يدل ذلك لأن قوله: بنونا بنو أبنائنا إما أن يكون المبتدأ فيه مؤخرا والخبر مقدما، ويكون قد شبه بنو أبنائه ببنيه، وكان تقديم الخبر لظهور المعنى وعدم وقوع اللبس، وعلى هذا جاز على أصل التشبيه، وإما أن يكون من باب عكس التشبيه كما يشبه القمر بالوجه الكامل في حسنه، ويشبه الأسد بالكامل في شجاعته، وعلى هذا فيكون الشاعر قد نزل   [ (1) ] ومع ذلك فقد ضرب اللَّه تعالى مثلا لنوره كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ [35: النور] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 بني أبنائه منزلة بنيه وأنه لم يفرقهم عنده، ثم شبه بنيه بهم، وهذا قول طائفة من أهل المعاني. وظاهر البيت أن الشاعر لم يرد ذلك وإنما أراد التفريق بين بني بنيه وبين بني بناته، فأخبر أن بني بناته تتبع لآبائهم ليسوا بأبناء لنا، وإنما أبناؤنا بني أبنائنا لا بنو بناتنا ولم يرد تشبيه بني بنيه ببنيه ولا عكسه، وإنما أراد ما ذكرنا من المعنى، وهذا ظاهر. وقالت طائفة: النبي صلى اللَّه عليه وسلّم له من الصلاة الخاصة التي لا تساويها صلاة من لم يشركه فيها أحد، والمسئول له إنما هو صلاة زائدة على ما أعطيته مضافا إليه، [وتكون تلك] [ (1) ] الزائدة [مشبهة] [ (2) ] بالصلاة على إبراهيم، وليس بمستنكر أن يسأل للفاضل فضيلة أعطيها المفضول منضما إلى ما اختص به من هو من الفضل الّذي لم يحصل لغيره. قالوا: ومثال ذلك أن يعطي السلطان رجلا مالا عظيما، ويعطي غيره دون ذلك فيسأل السلطان أن يعطي صاحب المال الكثير مثل ما أعطي صاحب من هو دونه لينضم إلى ما أعطيه فيحصل له مثل مجموع العطاءين أكثر ما يحصل له من الكثير وحدة، وهذا جواب ضعيف، لأن اللَّه سبحانه وتعالى أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، ثم أمر بالصلاة عليه، ولا ريب أن المطلوب من اللَّه سبحانه وتعالى هو الصلاة المخبر بها لا ما هو دونها، وهو أكمل الصلاة عليه وأرجحها لا الصلاة المرجوحة المفضولة، وعلى قول هؤلاء إنما يكون الطلب لصلاة مرجوحة لا راجحة، وإنما تصير راجحة بانضمامها إلى صلاة لم تطلب، ولا ريب في فساد ذلك، فإن الصلاة التي تطلبها الأمة له صلى اللَّه عليه وسلّم من ربه تعالى هي أجلّ صلاة وأفضلها. وقالت طائفة: التشبيه المذكور إنما هو في أصل الصلاة لا في قدرها ولا كيفيتها، إنما هو راجع إلى الهبة لا إلى قدرها، وهذا كما تقول للرجل: أحسن إلى أبيك كما أحسنت إلى فلان، وأنت لا تريد بذلك قدر الإحسان وإنما تريد به أصل الإحسان.   [ (1) ] في (خ) : «ويكون ذنك» . [ (2) ] في (خ) : «مشبها» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 وقد يحتج لذلك بقوله تعالى: وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [ (1) ] ، ولا ريب أنه لا يقدر أحد أن يحسن بقدر ما أحسن اللَّه إليه، وإنما أريد به أصل الإحسان لا قدره. ومنه قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [ (2) ] ، وهذا التشبيه إنما هو في أصل الوحي لا في قدره وفضيلة الموحي به، وقوله تعالى: فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ [ (3) ] ، إنما مرادهم جنس الآية لا نظيرها. وقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ [ (4) ] ، ومعلوم أن كيفية الاستخلاف مختلفة، وإنما لهذه الأمة أكمل ما لغيرها. وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [ (5) ] ، والتشبيه إنما هو في أصل الصوم لا في عينه وقدره وكيفيّته. وقال تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [ (6) ] ، ومعلوم تفاوت ما بين النشأة الأولى وهي المبتدأ، وبين الثانية وهي المعاد. وقال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا [ (7) ] ، ومعلوم أن الشبيه في أصل الإرسال لا يقتضي تماثل الرسولية. وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «لو أنكم تتوكلون على اللَّه حق توكله لرزقنكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا» ، فالتشبيه هنا في أصل الرزق لا في قدره، ولا في كيفيته، ونظائر ذلك [كثير] .   [ (1) ] القصص: 77. [ (2) ] النساء: 163. [ (3) ] الأنبياء: 5. [ (4) ] النور: 55. [ (5) ] البقرة: 183. [ (6) ] الأعراف: 29. [ (7) ] المزمل: 16. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 واعترض على هذا بوجوه: أحدها: ما ذكروه يجوز أن يستعمل في الأعلى والأدنى، فلو قلت: أحسن إلى ابنك وأهلك كما أحسنت إلى مركوبك وخادمك ونحوه، جاز ذلك. ومن المعلوم أنه لو كان التشبيه في أصل الصلاة لحسن أن تقول: اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على آل أبي أوفى، أو كما صليت على آحاد المؤمنين ونحوه، أو كما صليت على آدم ونوح، وهود ولوط، فإن التشبيه عند هؤلاء إنما هو واقع في أصل الصلاة لا في قدرها ولا في صفتها، ولا فرق في ذلك بين كل من صلى عليه، وأيّ مزيّة في ذلك لإبراهيم وآله، وما الفائدة حينئذ. في ذكره وذكر آله، وكان الكافي في ذلك أن يقال: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد فقط. الثاني: أن الأمثلة المذكور ليست بنظير الصلاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فإنّها نوعان: خبر وطلب، فما كان منها خبرا فالمقصود بالتشبيه الاستدلال والتقريب إلى الفهم، وتقرير ذلك الخبر وأنه لا ينبغي لعاقل إنكاره كنظيره المشبه به، فكيف تنكرون الإعادة وقد وقع الاعتراف بالبداءة وهي نظيرها، وحكم النظير حكم نظيره. ولهذا يحتج سبحانه بالمبدإ على المعاد كثيرا، قال تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [ (1) ] ، وقال تعالى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [ (2) ] ، وقال تعالى: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [ (3) ] ، وهذا كثير في القرآن. وكذلك قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا [ (4) ] ، أي كيف يقع الإنكار منكم وقد تقدم قبلكم رسل مني مبشرين ومنذرين، وقد علمتم حال من عصى رسلي كيف أخذتهم أخذا وبيلا.   [ (1) ] الأعراف: 29. [ (2) ] الأنبياء: 104. [ (3) ] يس: 78. [ (4) ] المزمل: 16. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 وكذلك قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ [ (1) ] الآية، أي لست أول رسول طرق العالم، قد تقدمت قبلك رسل أوحيت إليهم كما أوحيت إليك كما قال تعالى: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [ (2) ] ، فهذا ردّ وإنكار على من أنكر رسالة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم مع مجيئه صلى اللَّه عليه وسلّم ولست من الأمور التي لم تطرق العالم، بل لم تخل الأرض من الرسل وآثارهم، فرسولكم جاء على منهاج من تقدمه من الرسل في الرسالة لم يكن بدعا. وكذلك قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [ (3) ] ، إخبارا عن عادته سبحانه وتعالى في خلقه، وحكمته التي لا تبديل لها، من آمن وعمل صالحا مكّن له في الأرض واستخلفه فيها ولم يهلكه ويقطع دابره كما أهلك من كذب رسله وخالفهم، وأخبرهم سبحانه وتعالى عن معاملته من آمن برسله وصدقهم، وأنه لم يفعل بهم كما فعل بمن قبلهم من أتباع الرسل. وهكذا قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لو أنكم تتوكلون على اللَّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا» ، إخبار بأنه سبحانه وتعالى يرزق المتوكلين عليه من حيث لا يحتسبون، وأنه لا يخليهم من رزق قط كما ترون ذلك في الطير فإنّها تغدو من أوكارها خماصا فيرزقها سبحانه وتعالى حتى ترجع بطانا من رزقه، فأنتم أكرم على اللَّه سبحانه وتعالى من الطير ومن سائر الحيوانات، فلو توكلتم عليه سبحانه وتعالى لرزقكم من حيث لا تحتسبون، ولم يمنع أحدا منكم رزقه، هذا ما كان من قبيل الإخبار. وأما في قسم الطلب والأمر، فالمقصود منه التنبيه على العلة وأن الجزاء من جنس العمل، فإذا قلت: علم كما علمك اللَّه، وأحسن كما أحسن اللَّه إليك، واعف كما عفا اللَّه عنك.. ونحوه، كان في ذلك تنبيها للمأمور على شكر النعمة التي أنعم اللَّه سبحانه وتعالى بها عليه، وأنه حقيق أن يقابلها بمثلها ويقيدها بشكرها، وأن جزاء تلك النعمة من جنسها، ومعلوم أنه يمتنع خطاب الرب سبحانه وتعالى بشيء   [ (1) ] النساء: 163. [ (2) ] الأحقاف: 9. [ (3) ] النور: 55. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 من ذلك، ولا يحسن في حقه، فيصير ذكر التشبيه لغوا لا فائدة فيه وهذا غير جائز. الثالث: أن قوله: كما صليت على آل إبراهيم صفة لمصدر محذوف تقديره: صلاة مثل صلاتك على آل إبراهيم، وهذا الكلام حقيقته أن تكون الصلاة مماثلة في الصلاة المشبهة بها، فلا تعدل عن حقيقة الكلام ووجهه. وقالت طائفة: إن هذا التشبيه حاصل بالنسبة إلى كل صلاة من صلوات المصلين، فكل مصل صلى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بهذه الصلاة فقد طلب من اللَّه تعالى أن يصلي على رسوله صلاة مثل الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم، ولا ريب أنه إذا حصل من كل من طلب من اللَّه مثل صلاته على آل إبراهيم حصل له من ذلك أضعافا مضاعفة من الصلاة لا تعدّ ولا تحصى، ولم يقاربه فيها صلى اللَّه عليه وسلّم أحد، فضلا عن أن يساويه أو يفضله صلى اللَّه عليه وسلّم. ونظير هذا: أن يعطى ملك لرجل ألف درهم فيسأله كل واحد منهم أن يعطيه ألفا، فيحصل له من الألوف بعدد كل واحد منهم، وأورد على هذا أن التشبيه حاصل بالنسبة إلى أصل هذه الصلاة المطلوبة وكل فرد من أفرادها، فالإشكال وارد كما هو، وتقديره أن العطية التي [يعطاها] الفاضل لا بد أن تكون أفضل من العطية التي يعطاها المفضول، فإذا سئل عطية دون ما يستحقه لم يكن لائقا بمنصبه. وأجيب بأن هذا الإشكال إنما يرد إذا لم يكن الأمر للتكرار، فأما إذا كان الأمر للتكرار فالمطلوب من الأمة أن يسألوا اللَّه سبحانه وتعالى له صلاة بعد صلاة، كل صلاة منها نظير ما حصل لإبراهيم، فيحصل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الصلوات ما لا يحصى مقداره بالنسبة إلى الصلاة الحاصلة لإبراهيم عليه السلام. وردّ هذا الجواب بأن التشبيه إنما هو واقع في صلاة اللَّه سبحانه وتعالى عليه، لا في صلاة المصلى عليه، ومعنى هذا الدعاء: اللَّهمّ أعطه نظير ما أعطيت إبراهيم، فالمسئول له صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم عليه السلام، وكلما تكرر هذا السؤال كان هذا معناه، فيكون كل مصل قد سأل اللَّه سبحانه وتعالى أن يصلي عليه صلاة دون التي يستحقها، وهذا السؤال والأمر به متكرر، فهل هذا إلا تقوية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 لجانب الإشكال؟. ثم إن التشبيه واقع في أصل الصلاة وأفرادها ولا يعني جوابكم عنه بقضية التكرار شيئا، فإن التكرار لا يجعل جانب المشبه به أقوى من جانب المشبه كما هو مقتضى التشبيه، فلو كان التكرار يجعله كذلك لكان الاعتزار به نافعا، بل التكرار يقتضي زيادة تفضيل المشبه وقوته، فكيف يشبه حينئذ بما هو دونه، فظهر ضعف هذا الجواب. وقالت طائفة: آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليست في آل محمد مثلهم، فإذا طلب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ولآله من الصلاة مثل ما لإبراهيم وآله وفيهم الأنبياء حصل لآل محمد من ذلك ما يليق بهم فإنّهم لا يبلغون مراتب الأنبياء صلوات اللَّه عليهم وسلامه، وتبقى الزيادة التي للأنبياء وفيهم إبراهيم عليه السلام لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم فتحصل له بذلك من المزية صلى اللَّه عليه وسلّم ما لم يحصل لغيره، وتقدير ذلك: أن تجعل الصلاة الحاصلة لإبراهيم ولآله وفيهم الأنبياء جملة مقسومة على محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وآله. ولا ريب أنه لا يحصل لآله صلى اللَّه عليه وسلّم مثل ما حصل لآل إبراهيم عليه السلام وفيهم الأنبياء، بل يحصل لهم ما يليق بهم ويبقى سهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مع الزيادة المتوفرة التي لم يستحقها آله مختصة به صلى اللَّه عليه وسلّم، فيصير الحاصل له صلى اللَّه عليه وسلّم من مجموع ذلك أعظم وأفضل من الحاصل لإبراهيم عليه السلام، وهذا أحسن من كل ما تقدم. وأحسن منه أن يقال: محمد صلى اللَّه عليه وسلّم من آل إبراهيم بل هو خير آل إبراهيم، كما روي عن أبي طلحة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ [ (1) ] ، قال ابن عباس رضي اللَّه عنه: محمد صلى اللَّه عليه وسلّم من آل إبراهيم عليه السلام، فدخول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أولى فيكون قولنا: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم متناولا للصلاة عليه وعلى سائر الأنبياء الذين من ذرية إبراهيم، ثم قد أمرنا اللَّه سبحانه وتعالى أن نصلي عليه وعلى آله خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموما وهو فيهم،   [ (1) ] آل عمران: 34. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 فيحصل لآله صلى اللَّه عليه وسلّم ما يليق بهم ويبقى الباقي كله له صلى اللَّه عليه وسلّم. وتقدير ذلك: أنه يكون قد صلى عليه خصوصا، وطلب له من الصلاة ما لآل إبراهيم وهو داخل معهم، ولا ريب أن الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم عليه السلام ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم معهم أكمل من الصلاة الحاصلة له صلى اللَّه عليه وسلّم دونهم، فيطلب له صلى اللَّه عليه وسلّم هذا الأمر العظيم الّذي هو أفضل مما لإبراهيم قطعا. وحينئذ تظهر فائدة التشبيه وجريه على أصله، وأن المطلوب بالدعاء إنما هو مثل المشبه به، وله أوفر نصيب منه، صار له صلى اللَّه عليه وسلّم من المشبه المطلوب أكثر مما لإبراهيم عليه السلام وغيره، وتضاف إلى ذلك ما له من المشبه به من الخصة التي لم تحصل لغيره، فظهر بهذا من فضله صلى اللَّه عليه وسلّم وشرفه على إبراهيم عليه السلام وعلى كل من آله- وفيهم النبيون- ما هو اللائق به، وصارت هذه الصلاة دالة على هذا التفضيل وتابعة له، وهي من موجباته ومقتضياته. واعلم أن الأحاديث الواردة في الصلاة والواردة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كلها صريحة بذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وبذكر آله، وأما في حق إبراهيم عليه السلام- وهو المشبه به- فإنما جاءت بذكر آل إبراهيم عليه السلام فقط دون ذكر إبراهيم، أو بذكره عليه السلام دون ذكر آله، ولم يجيء حديث صحيح فيه لفظ إبراهيم وآل إبراهيم كما تظاهرت على لفظ محمد وآل محمد، وبيانه أن أشهر الأحاديث الواردة في الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: «قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» ، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد، وهذا لفظهم إلا الترمذي فإنه قال: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم فقط، وكذا في ذكر البركة ولم يذكر الآل، وهي رواية لأبي داود، وفي رواية: كما صليت على آل إبراهيم بذكر الآل فقط، وكما باركت على إبراهيم (بذكره فقط) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 وفي الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي: قالوا: يا رسول اللَّه، كيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» . هذا هو اللفظ المشهور، وقد روي فيه: «كما صليت على إبراهيم وكما باركت على إبراهيم بدون لفظ الآل في الموضعين. وفي البخاري عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه قال: قلنا: يا رسول اللَّه هذا السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: «قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» . وفي صحيح مسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي اللَّه عنه قال: أتانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا اللَّه سبحانه وتعالى أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم» . وقد روي هذا الحديث بلفظ آخر: بكما صليت على إبراهيم وكما باركت على إبراهيم (لم يذكر الآل فيهما) وفي رواية أخرى: كما صليت على إبراهيم وكما باركت على آل إبراهيم بذكر إبراهيم عليه السلام وحده في الأولى، والآل فقط في الثانية، هذه هي الألفاظ المشهورة في هذه الأحاديث المشهورة، أكثرها بلفظ آل إبراهيم في الموضعين، وفي بعضها بلفظ آل إبراهيم فيهما، وفي بعضها بلفظ إبراهيم في الأول والآل في الثاني، وفي بعضها عكسه. وأما الجمع بين إبراهيم وآل إبراهيم فرواه البيهقي في سننه من حديث حيي ابن السباق عن رجل من بني الحرث عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [أنه قال:] «إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد كما صليت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» . وهذا إسناد ضعيف. ورواه الدّارقطنيّ من حديث ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحرث التميمي عن محمد بن عبد اللَّه بن زيد بن عبد ربه عن أبي مسعود الأنصاري رضي اللَّه عنه فذكر الحديث وفيه: «اللَّهمّ صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» ، ثم قال: هذا إسناد حسن متصل. وفي النسائي من حديث موسى بن طلحة عن أبيه قال: قلنا: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليك؟ قال: «قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» ، ولكن رواه هكذا ورواه مقتصرا فيه على ذكر إبراهيم في الموضعين. وقد روي ابن ماجة حديثا موقوفا آخر عن ابن مسعود فيه إبراهيم وآل إبراهيم، قال في السنن: حدثنا الحسين بن بيان، حدثنا زياد بن عبد اللَّه حدثنا المسعودي عن عون بن عبد اللَّه عن ابن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: إذا صليتم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض، قال: فقالوا له: فعلمنا، قال: قولوا: «اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة، اللَّهمّ ابعثه مقاما محمودا يغبطه الأولون والآخرون، اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وهذا حديث موقوف، وابن أبي فاختة اسمه نوير، قال يونس بن أبي إسحاق: كان رافضيا، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال الدار الدّارقطنيّ: متروك. وعامة الأحاديث التي في الصحاح والسنن كما ذكرنا باقتصار على الآل وإبراهيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 في الموضعين، أو الآل في إحداهما وإبراهيم في [الأخرى] [ (1) ] فحيث جاء ذكر إبراهيم وحده في الموضعين فلأنه الأصل في الصلاة المخبر بها وآله تبعا له عليه السلام فيها، فذلك ذكر المتبوع على التابع، واندرج فيه وأغنى عن ذكره، وحيث جاء ذكر آله فقط فلأنه داخل في آله كما تقرر في موضعه، فيكون ذكر آل إبراهيم عليه السلام مغنيا عن ذكره وذكر آله بلفظين، وحيث جاء في أحدهما ذكره عليه السلام فقط وفي الآخر ذكر آله فقط، كان ذلك جمعا بين الأمرين فيكون ذكر المتبوع الّذي هو الأصل، وذكر أتباعه بلفظ يدخل هو فيهم. وأما ذكر محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وذكر آله فقد جاء بالاقتران دون الاقتصار على أحدهما في عامة الأحاديث، فلأن الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وسلّم وعلى آله ذكرت في مقام الطلب والدعاء بخلاف الصلاة على إبراهيم عليه السلام، فإنّها جاءت في مقام الخبر وذكر الواقع لأن قوله: «اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد» جملة طلبية، وقوله: «كما صليت على آل إبراهيم» جملة خبرية، والجملة الطلبية إذا وقعت موقع الدعاء والسؤال كان بسطها وتطويلها أنسب من اختصارها وحذفها، ولهذا شرع تكرارها وإبداؤها وإعادتها فإنّها دعاء، واللَّه سبحانه وتعالى يحب الملحين في الدعاء، ولهذا تجد كثيرا من أدعية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فيها من بسط الألفاظ وذكر كل معنى بصريح لفظه دون الاكتفاء بدلالة اللفظ الآخر عليه، ما يشهد لذلك كقوله صلى اللَّه عليه وسلّم في حديث علي الّذي رواه مسلم في صحيحه: «اللَّهمّ اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخّر، لا إله إلا أنت» . ومعلوم أنه لو قيل: اغفر لي كل ما صنعت كان أوجز، ولكن ألفاظ الحديث في مقام الدعاء والتضرع وإظهار العبوديّة والافتقار، واستحضار الأنواع التي يتوب العبد منها تفصيلا أحسن أو بلغ من الإيجاز والاختصار. وكذلك قوله في الحديث الآخر: «اللَّهمّ اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، سره وعلانيته، أوله وآخره» . وفي حديث آخر: «اللَّهمّ اغفر لي خطيئتي وجهلي   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللَّهمّ اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي» . وهذا كثير في الأدعية المأثورة، فإن الدعاء عبودية للَّه سبحانه وتعالى وافتقار إليه، وتذلل بين يديه سبحانه وتعالى، فكلما كثّره العبد وطوله، وأعاده وأبدأه، ونوّع جملته، كان ذلك أبلغ في عبوديته، وإظهار فقره، وتذلله وحاجته، فكان ذلك أقرب له من ربه سبحانه وتعالى وأعظم لثوابه. وهذا بخلاف المخلوق، فإنك كلما كثرت سؤالك إياه وعددت له حوائجك أبرمته وثقلت عليه وهنت في نفسه عنده، وكلما تركت سؤاله كنت أعظم عنده وأحب إليه، واللَّه جل جلاله كلما سألته كنت أقرب إليه وأحب إليه، وكلما ألححت في الدعاء أحبك، ومن لم يسأل اللَّه سبحانه وتعالى يغضب عليه، فاللَّه سبحانه وتعالى يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب [ (1) ] ، فالمطلوب منه سبحانه وتعالى يزيد بزيادة الطلب وينقص بنقصانه. وأما الخبر، فهو خبر عن أمر قد وقع وانقضى لا يحتمل الزيادة والنقصان، فلم تكن في زيادة اللفظ فيه كبير فائدة، ولا سيما والمقام ليس مقام إيضاح وتفهيم المخاطب ليحسن معه البسط والإطناب، فكان الإيجاز والاختصار فيه أكمل وأحسن، فلهذا جاء فيه بلفظ إبراهيم تارة، وبلفظ آله تارة أخرى، لأن كلا اللفظين يدل على ما يدل عليه الآخر من الوجه الّذي تقدم ذكره، فكان المراد باللفظين واحدا مع الإيجاز والاختصار، بخلاف ما لو قيل: صل على محمد، لم يكن في هذا ما يدل على الصلاة على آله، إذ هو طلب ودعاء ينشأ بهذا اللفظ، ليس خبرا عن أمر قد وقع واستقر. ولو قيل: صلى على آل محمد لكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إنما يصلي عليه ضمنا في العموم، فقيل: على محمد وعلى آل محمد ليحصل له صلى اللَّه عليه وسلّم بذلك الصلاة عليه بخصوصه،   [ (1) ] إشارة إلى قول الشاعر: لا تسألنّ بنيّ آدم حاجة ... وسل الّذي أبوابه لا تقضب فاللَّه يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسأل يغضب القضب: القطع. (لسان العرب) : 1/ 678. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 والصلاة عليه صلى اللَّه عليه وسلّم بدخوله في آله. وهنا للناس طريقان في مثل هذا، هل يقال: داخل في آله مع اقترانه بذكره فيكون قد ذكر مرتين: مرة بخصوصه ومرة في اللفظ العام، وعلى هذا فيكون قد صلى عليه مرتين خصوصا وعموما، وهذا على أصل من يقول: أن العام إذا ذكر بعد الخاص كان متناولا له أيضا، ويكون الخاص قد ذكر مرتين، وكذلك في ذكر الخاص بعض العام كقوله تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ [ (1) ] ، وكذلك قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ [ (2) ] الآية، والطريق [الّذي اختاره] [ (3) ] إلى ذكره بلفظ الخاص يدل على أنه غير داخل في اللفظ العام، فيكون ذكره بخصوصه مغنيا عن دخوله في العام، وعلى هذه الطريقة فيكون في ذلك فوائد: الأولى [ (4) ] : أنه لما كان صلى اللَّه عليه وسلّم من أشرف النوع العام أفرد صلى اللَّه عليه وسلّم بلفظه يخصه صلى اللَّه عليه وسلّم، فيكون في ذلك تنبيها على اختصاصه صلى اللَّه عليه وسلّم ومزيته على النوع الداخل في اللفظ العام. الثانية: أنه يكون فيه تنبيه على أن الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وسلّم أصل، وأن الصلاة على آله تبع له، وأنهم إنما نالوا ذلك بتبعيتهم له صلى اللَّه عليه وسلّم. الثالثة: أن إفراده صلى اللَّه عليه وسلّم بالذكر يرفع عنه توهم التخصيص، وأنه لا يجوز أن يكون مخصوصا من اللفظ العام، بل هو مراد قطعا. واعلم أن قوله: «وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم» دعاء يتضمن إعطاء محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الخير ما أعطاه اللَّه سبحانه وتعالى لآل إبراهيم مع إدامة ذلك الخير وثبوته له صلى اللَّه عليه وسلّم ومضاعفته وزيادته، فإن هذا هو حقيقة البركة، وقد قال اللَّه تعالى عن إبراهيم عليه السلام: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ، وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ [ (5) ] ، وقال تعالى فيه وفي   [ (1) ] البقرة: 98. [ (2) ] الأحزاب: 7. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] زيادة للسياق، وفي (خ) : «منها» . [ (5) ] الصافات: 112- 113. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 أهل بيته: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [ (1) ] ، وتأمل كيف جاء في القرآن: وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ [ (2) ] ، ولم يذكر إسماعيل، وجاء في التوراة ذكر البركة على إسماعيل ولم يذكر إسحاق، فقال بعد أن ذكر إسماعيل: وأنه سيلد اثنى عشر عظيما ما حكايته سمعتك ها أنا باركته وأيمنته بمادماد أي بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فجاء في التوراة ذكر البركة في إسماعيل إيذانا بما حصل لبنيه من الخير والبركة، ولا سيما خاتم بركتهم، وأعظمهم وأجلهم محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فنبههم سبحانه وتعالى بذلك على ما يكون في بني إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام من البركة العظيمة الموافية على لسان المبرك صلى اللَّه عليه وسلّم. وذكر لنا في القرآن الكريم بركته سبحانه وتعالى، منها ما حصل في أولاده من نبوة موسى وغيره، وما أوتوه من الكتاب والعلم، مستدعيا سبحانه وتعالى من عباده الإيمان بذلك والتصديق به، وأن لا يهملوا معرفة حقوق بيت إبراهيم عليه السلام، إذا هو البيت المبارك، وأهله أهل النبوة والعلم والكتاب. ولا يقول القائل: هؤلاء أنبياء بني إسرائيل لا تعلق لنا بهم، فإنه يجب علينا معشر المسلمين احترامهم وتوقيرهم والإيمان بهم ومحبتهم، وموالاتهم والثناء عليهم، وصلوات اللَّه عليهم وسلامه. ولما كان هذا البيت المبارك المطهر أشرف بيوت العالم على الإطلاق، خص اللَّه سبحانه وتعالى أهله بخصائص منها: أن جعل فيهم النبوة والكتاب، فلم يأت بعد إبراهيم عليه السلام نبي إلا من أهل بيته. ومنها: أنه سبحانه وتعالى جعلهم أئمة يهدون بأمره تعالى إلى يوم القيامة، فكل من دخل الجنة أولياء اللَّه سبحانه وتعالى بعدهم فإنما دخل بدعوتهم من طريقهم. ومنها: أنه اتخذ منهم سبحانه وتعالى الخليلين إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فبدأ هذا البيت بإبراهيم عليه السلام، وختمه بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم، أنه من ولد إبراهيم   [ (1) ] هود: 73. [ (2) ] الصافات: 113. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 عليه السلام، قال تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [ (1) ] ، وثبت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «إن اللَّه اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا» ، ولم يكن لبيت من بيوت العالم مثل هذه الخصوصية. ومنها: أنه سبحانه وتعالى جعل صاحب هذا البيت إماما للعالمين، قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [ (2) ] . ومنها: أنه سبحانه وتعالى أجرى على يديه بناء بيته الحرام الّذي جعله قبلة للناس وحجا لهم، فكان ظهور هذا البيت المحرم من أهل هذا البيت الأكرمين، ومن تبحر في أحوال العالم علم أنه كان في الدهر الغابر سبعة بيوت في الأرض يحج الناس إليها، لم يبلغ بيت منها عظمة هذا البيت ولا بركته، ما منها إلا ما أباده اللَّه وأبقى هذا البيت دونها، وزاده تشريفا وتكريما وتعظيما. قال تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ [ (3) ] ، أي صير اللَّه الكعبة قواما للناس الذين لا قوام لهم من رئيس يحجز ضعيفهم عن قويهم، ومسيئهم عن محسنهم، وظالمهم عن مظلومهم، فحجز سبحانه وتعالى بكل واحد من ذلك بعضهم عن بعض إذ لم يكن لهم قيام غيره، وجعلها معالم لدينهم ومصالح أمورهم، فجعل سبحانه وتعالى الكعبة والشهر الحرام قواما لمن كان يحترم ذلك من العرب، ويعظمه بمنزلة الرئيس الّذي يقوّم أمر أتباعه. ومنها: أنه سبحانه وتعالى أخرج منهم الآيتين العظيمتين التي لم يخرج من أهل بيت غيرهم مثلهما، وهما أمة موسى عليه السلام وأمة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، تمام سبعين أمة خيرها وأكرمها على اللَّه سبحانه وتعالى. ومنها: أن اللَّه سبحانه وتعالى أبقى عليهم لسان صدق وثناء حسنا في العالم، فلا يذكرون إلا بالثناء عليهم، والصلاة والسلام عليهم، قال تعالى: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ* كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [ (4) ] .   [ (1) ] النساء: 125. [ (2) ] البقرة: 124. [ (3) ] المائدة: 97. [ (4) ] الصافات الآيات: 108- 110. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 ومنها: أنه سبحانه وتعالى جعل أهل هذا البيت فرقانا بين الناس، فالسعداء أتباعهم ومحبوهم ومن تولاهم، والأشقياء من أبغضهم وأعرض عنهم وعاداهم، فالجنة لهم ولأتباعهم، والنار لأعدائهم ومخالفيهم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى جعل ذكرهم مقرونا بذكره تعالى، فيقال: إبراهيم خليل اللَّه ورسوله ونبيه، وموسى كليم اللَّه ورسوله، وعيسى روح اللَّه وكلمته، ومحمد رسول اللَّه، قال اللَّه تعالى لنبيه محمد صلى اللَّه عليه وسلّم: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (1) ] ، قال ابن عباس رضي اللَّه عنه: إذا ذكرت ذكرت معي، فيقال: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه في كلمة الإسلام وفي الأذان وفي الخطب وفي التشهد وغير ذلك. ومنها: أنه سبحانه وتعالى جعل خلاص خلقه من شقاء الدنيا والآخرة على يدي أهل هذا البيت، فلهم على الناس من النعم ما لا يمكن إحصاؤها ولا جزاؤها، ولهم من المنن الجسام في رقاب الأولين والآخرين من أهل السعادة مع الأيادي العظام عندهم ما لا يمكن أن يجازيهم عليها إلا اللَّه سبحانه وتعالى. ومنها: أن كل خير ونفع وعمل صالح وطاعة للَّه سبحانه وتعالى حصلت وكانت في العالم فلهم من الأجر مثل أجور عاملها فضيلة خصهم اللَّه سبحانه وتعالى بها من بين أهل العالم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى سد جميع الطرق بينه وبين البشر وأغلق دونهم الأبواب فلم يفتح لأحد إلا من طريقهم وبابهم، قال الجنيد رحمه اللَّه: يقول اللَّه عز وجل لرسوله محمد صلى اللَّه عليه وسلّم: وعزتي وجلالي لو أتوني من كل طريق واستفتحوا كل باب لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك. ومنها: أنه سبحانه وتعالى خصهم من العلم بما لم يخص به أهل بيت سواهم، فلم يطرق العالم أهل بيت أعلم باللَّه سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله، وثوابه وعقابه وشرعه، ومواقع رضاه وغضبه، وملائكته ومخلوقاته منهم،   [ (1) ] الشرح: 4. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 فجمع سبحانه وتعالى لهم علم الأولين والآخرين. ومنها: أنه سبحانه وتعالى خصهم من توحيده ومحبته وقربه والاختصاص به بما لم يخص أهل بيت سواهم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى مكن لهم الأرض واستخلفهم فيها، وأطاع أهل الأرض لهم، ما لم يحصل لغيرهم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى أيدهم ونصرهم وأظفرهم بأعدائهم وأعدائه ما لم يؤيد به غيرهم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى محابهم من آثار أهل الضلال والشرك، ومن الآثار التي يبغضها ويمقتها، ما لم يمحه بسواهم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى جعل آثارهم في الأرض سببا لبقاء العالم وحفظه، فلا يزال العالم باقيا ما دامت آثارهم باقية، فإذا ذهبت آثرهم من الأرض فذاك أوان خراب العالم، قال سبحانه وتعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: لو تركت الناس كلّهم الحج لوقعت السماء على الأرض، وقال: لو ترك الناس الحج كلهم لما مطروا. وأخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن في آخر الزمان يرفع اللَّه بيته من الأرض وكلامه من المصاحف وصدور الرجال، فلا يبقى في الأرض بيت يحجّ ولا كلام يتلى، فحينئذ يقرب خراب العالم. وهكذا الناس اليوم، إنّما قيامهم بقيام آثار نبيهم وشرائعه بينهم، وقيام أمورهم وحصول مصالحهم واندفاع أنواع البلاء والشر عنهم بحسب ظهورها بينهم وقيامها، وهلاكهم وحلول البلايا والشر بهم عند تعطلها والإعراض عنها والتحاكم إلى غيرها واتحاد سواها. ومن عرف حوادث الزمان فإنه يقف على أن البلاد التي سلّط اللَّه سبحانه وتعالى عليها من سلّطه حتى أخرب البلاد وأهلك العباد، إنما كان سببه تعطيلهم لدينه بينهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 وشرائعه، فكان ذلك انتقاما منهم بتسليط اللَّه سبحانه وتعالى عليهم، وأن البلاد التي لآثار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وسنته وشرائعه فيها ظهور دفع اللَّه سبحانه وتعالى عنهم بحسب ظهور ذلك بينهم. وهذه الخصائص وأضعاف أضعافها من آثار رحمة اللَّه سبحانه وتعالى وبركاته على أهل هذا البيت الإبراهيمي، فلهذا أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن نطلب له من اللَّه سبحانه وتعالى أن يبارك عليه وعلى آله كما بارك على [آل] [ (1) ] هذا البيت المعظم. ومن بركاته: أنه سبحانه وتعالى أظهر على أيديهم من بركات الدنيا والآخرة ما لم يظهره على يدي أهل بيت غيرهم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى أعطاهم من خصائصهم ما لم يعط غيرهم، فمنهم من اتخذه خليلا [ (2) ] ، ومنهم الذبيح [ (3) ] ، ومنهم من كلّمه تعالى تكليما [ (4) ] ، ومنهم من آتاه اللَّه سبحانه وتعالى شطر الحسن وجعله من أكرم الناس عليه [ (5) ] ، ومنهم من أتاه اللَّه سبحانه وتعالى ملكا لم يؤته أحدا غيره [ (6) ] . ولما ذكر اللَّه سبحانه وتعالى أهل هذا البيت وذرّيتهم أخبر أن كلهم فضّله على العالمين [ (7) ] . ومن خصائصهم: بركاتهم على أهل الأرض [أنه] [ (8) ] يرفع العذاب عن سكان البسيطة بهم ويبعثهم، فإن عادة اللَّه سبحانه وتعالى كانت في أمم الأنبياء الذين قبلهم أن يهلكهم إذا كذبوا أنبياءهم ورسله بعذاب يعمهم كلهم كما فعل بقوم نوح إذ أغرق الأرض كلها وأهلك من عليها بالطوفان إلا أصحاب السفينة [ (9) ] ، وكما   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] إبراهيم عليه السلام. [ (3) ] إسحاق أو إسماعيل على خلاف بين أهل التفسير فليراجع هناك. [ (4) ] موسى عليه السلام. [ (5) ] يوسف عليه السلام. [ (6) ] سليمان عليه السلام. [ (7) ] إشارة إلى قوله تعالى: وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ [86: الأنعام] . [ (8) ] زيادة للسياق. [ (9) ] إشارة إلى قوله تعالى: فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ [15: العنكبوت] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 فعل تعالى بقوم هود إذ أهلك عادا بريح دمّرتهم كلهم [ (1) ] ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [ (2) ] ، وكما فعل سبحانه وتعالى بقوم صالح: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ [ (3) ] ، وكما فعل تعالى بقوم لوط جعل مدائنهم عالِيَها سافِلَها [ (4) ] ، فلما أنزل اللَّه سبحانه وتعالى التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، رفع بنزولها العذاب العام عن أهل الأرض، وأمر سبحانه وتعالى بجهاد من كذبها وخالفها، فكان ذلك نصرة لأهل دينه بأيديهم، وشفاء لصدورهم واتخاذ الشهداء منهم، وإهلاك عدوّ اللَّه بأيديهم لتحصل [نصرته] سبحانه وتعالى على أيديهم. وحق لأهل بيت هذا من بعض فضائلهم وخصائصهم أن لا تزال الألسنة رطبة بالصلاة عليهم والسلام، والثناء والتعظيم، ولا تزال القلوب ممتلئة من محبتهم وتوقيرهم وإجلالهم، وليعلم المصلي عليهم أنه لو صرف أنفاسه كلها في الصلاة عليهم لما وفى القليل من حقهم، فجزاهم اللَّه سبحانه وتعالى [عنا] [ (5) ] أفضل الجزاء، وزادهم في الملأ الأعلى تعظيما وتشريفا، ومهابة وتكريما، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم. ***   [ (1) ] إشارة إلى قوله تعالى: وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ [21: الأحقاف] . [ (2) ] الذاريات: 42. [ (3) ] الأعراف: 78. [ (4) ] إشارة إلى قوله تعالى: فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [الحجر: 74] . [ (5) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 وأما اختصاصه صلى اللَّه عليه وسلّم بالشفاعة [ (1) ] العظمى يوم الفزع [ (2) ] الأكبر قال اللَّه تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ [ (3) ] ، قال قتادة والحسن وزيد بن أسلّم: قدم صدق هو محمد صلى اللَّه عليه وسلّم يشفع لهم. وعن أبي سعيد الخدريّ: هي شفاعة نبيهم محمد، وهو شفيع صدق عند ربهم.   [ (1) ] الشفاعة: الانضمام إلى آخر ناصرا له ومسائلا عنه. وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى مرتبة إلى من هو أدنى. ومنه الشفاعة في القيامة، قال تعالى: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ [48: المدثر] ، أي لا تشفع لهم. وقوله: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها [85: النساء] ، أي من انضم إلى غيره وعاونه، وصار شفعا له أو شفيعا في فعل الخير أو الشّر وقوّاه، شاركه في نفعه وضرّه. وقيل الشفاعة ها هنا: أن يشرع الإنسان لآخر طريق خير أو طريق شرّ، فيقتدي به، فصار كأنه شفع له، وذلك كما قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» . [رواه مسلم مطولا] . وقوله تعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ [3: يونس] ، أي يدبر الأمر وحده لا ثاني له في فصل الأمر، إلا أن يأذن للمدبرات والمقسمات من الملائكة فيفعلون ما يفعلونه بعد إذنه. واستشفعت بفلان على فلان فتشفّع لي إليه. وشفّعه: أجاب شفاعته. ومنه الحديث: «القرآن شافع مشفّع» . [رواه ابن حبان] . وإن فلانا ليستشفع به. قال الشاعر: مضى زمن والناس يستشفعون بي ... فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) : 3/ 328- 329. [ (2) ] الفزع: الذّعر والفرق. وربما جمع على الأفزاع، وإن كان مصدرا يقال: فزع- بالكسر-: خفا. قال تعالى: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ [89: النمل] . وفزع أيضا: استغاث. والإفزاع: الإخافة والإغاثة. والتفزيع من الأضداد، يقال: فزّعه إذا أخافه. وفزّع عنه: كشف عنه الفزع. قال تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [23: سبأ] ، أي كشف عنها الفزع. (المرجع السابق) : 4/ 191. [ (3) ] يونس: 2. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 خرج البخاري وأبو داود من حديث مسدد قال: حدثنا يحيى عن الحسن بن ذكوان قال: حدثنا أيوب قال: حدثني عمران بن الحصين رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يخرج قوم فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميون. ذكره البخاري في الرقاق في باب صفة الجنة والنار، وذكره أبو داود في كتاب السنة في باب الشفاعة ولفظهما فيه سواء [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث همام عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع فيدخلون الجنة، فيسميهم أهل الجنة الجهنميون [ (1) ] . ذكره في الرقاق في كتاب التوحيد في باب قوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [ (2) ] . [و] من حديث هشام عن قتادة عن أنس: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ليصيبن أقواما سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبة ثم يدخلهم اللَّه تعالى الجنة بفضل رحمته يقال لهم: الجهنميون [ (3) ] . وللترمذي من طريق عن الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه [ (4) ] . وله من حديث سعيد عن قتادة عن أبي المليح عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أتاني آت من عند ربي فخيّرني بين أن يدخل نصف   [ (1) ] سبق الإشارة إليه وشرحه. [ (2) ] الأعراف: 56. [ (3) ] سبق الإشارة إليه. [ (4) ] رواه الترمذي رقم (2437) في صفة القيامة، باب ما جاء في الشفاعة، وأبو داود رقم (4739) في السنة، باب في الشفاعة، ورواه أيضا ابن ماجة رقم (4310) في الزهد، باب ذكر الشفاعة، وهو حديث صحيح، وأخرجه الترمذي أيضا من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما مثله، وزاد فيه: قال الراويّ: فقال لي جابر: «يا محمد! من لم يكن من أهل الكبائر، فما له وللشفاعة؟» رقم (2438) في صفة القيامة، باب رقم (12) وهو حديث حسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، وهي لمن مات لا يشرك باللَّه شيئا [ (1) ] . وخرج أبو بشر بن محمد بن أحمد بن حماد الدولابي من حديث محمد بن عوف ابن سفيان الطائي قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: حدثنا أنس بن مالك عن أم حبيبة رضي اللَّه عنها عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أريت ما [يلقى] [ (2) ] أمتي بعدي وسفك بعضهم دماء بعض، [فأحزنني وشق ذلك عليّ] [ (3) ] ، وسبق ذلك من اللَّه [تعالى] [ (3) ] كما سبق في الأمم قبلهم، فسألته [أن يوليني الشفاعة فيهم يوم القيامة ففعل] [ (4) ] . وخرج مسلم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان عن عمرو سمع جابرا رضي اللَّه عنه يقول: سمعه من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بأذنه يقول: إن اللَّه تبارك وتعالى يخرج ناسا من النار فيدخلهم الجنة [ (5) ] . وخرج من حديث حماد بن زيد قال: قلت لعمرو بن دينار: أسمعت جابر ابن عبد اللَّه يحدث عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن اللَّه تعالى يخرج قوما من النار بالشفاعة؟   [ (1) ] حديث رقم (2443) في صفة القيامة، باب ما جاء في الشفاعة، وإسناده حسن، وفي (خ) : «وهي لمن مات» ، وفي الترمذي: «وهي نائلة من مات..» . [ (2) ] في (خ) : «تلقى» . [ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة عن رواية (المستدرك) . [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (المستدرك) : «فسألته أن يوليني الشفاعة فيهم يوم القيامة ففعل» . والحديث رواه الحاكم في (المستدرك) : 1/ 138- 139، حديث رقم (227/ 228) من كتاب الإيمان وقال في آخره: هذا حديث حسن صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والعلة عندهما فيه أن أبا اليمان حدّث به مرتين، فقال مرة: عن شعيب، عن الزهري، عن أنس، وقال مرة: عن شعيب، عن ابن أبي حسين، عن أنس.. وقد قدمنا القول في مثل هذا أنه لا ينكر أن يكون الحديث عند إمام من الأئمة عن شيخين، فمرة يحدث به هذا، ومرة عن ذاك. وقد حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن عمر، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا إبراهيم بن هانئ النيسابورىّ قال: قال لنا أبو اليمان: الحديث حديث الزهري والّذي حدثتكم عن ابن أبي حسين غلطت فيه بورقة قلبتها. قال الحاكم: هذا كالأخذ باليد، فإن إبراهيم بن هانئ ثقة مأمون. وقال الذهبي في (التلخيص) بنحو كلام الحاكم. [ (5) ] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (84) ، حديث رقم (317) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 قال: نعم [ (1) ] . وخرجه البخاري من حديث حماد عن عمرو عن جابر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «يخرج من النار [قوم] [ (2) ] بالشفاعة كأنهم الثّعارير، قلنا: ما الثعارير؟ قال: الضغابيس» [وفي رواية] [ (2) ] : «إن اللَّه يخرج ناسا من النار فيدخلهم الجنة» وفي أخرى: «إن اللَّه يخرج قوما من النار بالشفاعة» ] [ (3) ] . وخرج من حديث حماد، عن عمرو، عن جابر رضي اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «يخرج من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير» . قلت: وما الثعارير؟ قال: الضغابيس. وكان قد سقط فمه، فقلت لعمرو [بن دينار] [ (3) ] : أبا محمد، سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: «يخرج بالشفاعة من النار» ؟ قال: نعم [ (4) ] . ذكره في كتاب الرقاق. ولمسلم من حديث أبي أحمد الزبيري، حدثنا قيس بن سليم العنبري، قال: حدثني يزيد الفقير، حدثنا جابر بن عبد اللَّه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أم قوما يخرجون من النار يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم حتى يدخلون الجنة» [ (5) ] .   [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (84) ، من حديث رقم (318) . وكلاهما في (مسلم بشرح النووي) : 3/ 51. [ (2) ] زيادة للسياق من (جامع الأصول) : 10/ 550، و (الثعارير) : صغار القثاء، وهي الضغابيس أيضا، واللفظة بالثاء المعجمة والعين المهملة. وذكرها الهروي في حرف الغين المعجمة، وبعدها الراء المهملة، وبعدها الزاي المعجمة «كما تنبت التغاريز» والتاء معجمة بنقطتين من فوق قبل الغين، وقال: هي فسيل النخل إذا حولت من موضع إلى موضع فغرزت فيه، الواحدة تغريز وتنبيت. وقال مثله في التقدير: التناوير، لنور الشجر، والتقاصيب لما قصّب من الشعر. قال: وقد رويت «الثعارير» يعني الأول، والوجه الأول، وهو الرواية، وتعضده الرواية الأخرى التي قال فيها: «الضغابيس» . [ (3) ] ما بين الحاصرتين تكملة من (جامع الأصول) ، والحديث أخرجه البخاري في الرقاق باب (51) ، حديث رقم (6558) ، ومسلم في الإيمان، باب (84) أدنى أهل الحجنة منزلة فيها، حديث رقم (317) ، (318) . [ (4) ] انظر التعليق السابق. [ (5) ] أخرجه مسلم في الإيمان، باب (84) أدنى أهل الجنة منزلة فيها، حديث رقم (319) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 وله من حديث ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يسأل عن الورود فقال: «نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا، انظر أي ذلك فوق الناس، قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: من تنظرون؟ فيقولون: ننظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم ويتبعونه، ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا، ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء اللَّه، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة، وجوههم كالقمر ليلة البدر، سبعون ألفا لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم، كأضواء نجم في السماء، ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة، ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا اللَّه، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها» [ (1) ] . [قال كاتبه: هكذا وقع في رواية هذا الحديث «عن كذا وكذا، انظر» . وقال الحفاظ: هو كلام فاسد غير مستقيم، وصوابه: «على كوم» ، وهو جمع كومة، وهو المكان المشرف، أي نحن فوق الناس، فلم يذكر المؤلف اللفظة أو المكنى عنه، فكنى عنها بكذا وكذا، وفسرها بقوله: «أي ذلك فوق الناس» ، وقوله: «انظر» أي تأمل هذا الموضع واستثبت فيه، فظنه الناسخ من الحديث   [ (1) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (316) قوله: «حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل ويذهب حراقه ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها» ، وهكذا هو في جميع الأصول ببلادنا «نبات الشيء» ، وكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين، وعن بعض رواة مسلم «نبات الدمن» ، يعني بكسر الدال وإسكان الميم، وهذه الرواية هي الموجودة في (الجمع بين الصحيحين) لعبد الحق، وكلاهما صحيح، لكن الأول هو المشهور الظاهر، وهو بمعنى الروايات السابقة «نبات الحبة في حميل السيل «، وأما «نبات الدمن» فمعناها أيضا كذلك، فإن الدمن البعر، والتقدير: نبات ذي الدمن في السيل، أي كما ينبت الشيء الحاصل في البعر، والغثاء الموجود في أطراف النهر، والمراد التشبيه به في السرعة والنضارة، وقد أشار صاحب (المطالع) إلى تصحيح هذه الرواية، ولكن لم ينقح الكلام في تحقيقها، بل قال: عندي أنها رواية صحيحة، ومعناه سرعة نبات الدمن مع ضعف ما ينبت فيه، وحسن منظره. واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 3/ 50- 51. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 فألحقه بمتنه، ولا يخفى ما فيه من التخليط] [ (1) ] . [وقال الشيخ محيي الدين النووي: « ... هكذا في جميع الأصول من صحيح مسلم، واتفق المتقدمون والمتأخرون على أنه تصحيف» ] [ (1) ] . [وقال الحافظ عبد الحق في كتابه (الجمع بين الصحيحين) : «هذا الّذي وقع في كتاب مسلم تخليط» ] [ (1) ] . [وقال القاضي عياض: «هذه صورة الحديث في جميع النّسخ، وفيه تغيير كثير وتصحيف» ] [ (1) ] . [وفي طريق ابن أبي خيثمة من حديث أنس بن مالك: «يحشر الناس يوم القيامة على تل وأمتي على تل» ] [ (1) ] . [وفي رواية: «يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل» ، قال القاضي عياض: « .... فجمع النقلة الكلّ ونسّقوه على أنه من متن الحديث كما تراه .... وقد تابعه عليه جماعة من المتأخرين» ] [ (1) ] . وخرج من حديث محمد بن [بشر] [ (2) ] حدثنا أبو حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة فقال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذاك [ (3) ] ؟ يجمع اللَّه يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي [ (4) ] ، وينفذهم البصر [ (4) ] ، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون، وما لا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما قد بلغكم، ألا تنظرون، من يشفع لكم إلى ربكم، فيقول بعض الناس لبعض: ائتوا آدم، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك اللَّه بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة   [ (1) ] ما بين الحاصرتين غير واضح في التصوير الميكروفيلمي للمخطوطة (خ) ، وقد قمنا بصياغة هذه العبارات بحيث تفيد المعنى الّذي أراده المصنف من خلال الأجزاء الواضحة في الميكروفيلم. [ (2) ] في (خ) : «عبيد» . [ (3) ] في (خ) : «بم يجمع» . [ (4) ] في (خ) : «فيبصرهم الناظر» ، «ويسمعهم الداعي» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟. فيقول آدم: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى الأرض، وسمّاك اللَّه عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربك، لا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها، على قومي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم صلى اللَّه عليه وسلّم. فيأتون إبراهيم فيقولن: أنت نبي اللَّه وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وذكر كذباته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى صلى اللَّه عليه وسلّم فيقولون: يا موسى، أنت رسول اللَّه فضّلك اللَّه برسالاته وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى صلى اللَّه عليه وسلّم: إن ربي قد غضب اليوم غصبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي، اذهبوا إلى عيسى صلى اللَّه عليه وسلّم. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول اللَّه، وكلمت الناس في المهد، وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم صلى اللَّه عليه وسلّم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر له ذنبا، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. فيأتون فيقولون: يا محمد، أنت رسول اللَّه، وخاتم الأنبياء، وغفر لك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشتفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدا لربي، ثم يفتح اللَّه على ويلهمني من محامده، وحسن الثناء عليه، شيئا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم قال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: يا محمد، أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، والّذي نفس محمد بيده، إن ما بين المصراعين [ (1) ] من مصاريع الجنة، لكما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى [ (2) ] .   [ (1) ] المصراعان- بكسر الميم- جانبا الباب، وهجر- بفتح الهاء والجيم- مدينة عظيمة، هي قاعدة بلاد البحرين، وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث «إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر» ، تلك قرية من قرى المدينة، كانت القلال تصنع بها، وهي غير مصروفة. (مسلم بشرح النووي) : 3/ 69، (معجم البلدان) موضع رقم (12637) . [ (2) ] بصرى- بضم الباء- مدينة معروفة، بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل، وهي مدينة حوران، وبينها وبين مكة شهر (المرجع السابق) ، (معجم البلدان) موضع رقم (1949) . والحديث أخرجه مسلم في الإيمان، باب (84) ، حديث رقم (327) ، قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «يجمع اللَّه يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر» ، أما الصعيد فهو الأرض الواسعة المستوية، وأما ينفذهم البصر، فهو بفتح الياء وبالذال المعجمة، وذكر الهروي وصاحب (المطالع) وغيرهما، أنه روي بضم الياء، وبفتحها، قال صاحب (المطالع) : رواه الأكثرون بالفتح، وبعضهم بالضم. وأما معناه، فقال الهروي: قال أبو عبيد: معناه ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى، حتى يأتي عليهم كلهم. وقال غير أبي عبيد: أراد تخرقهم أبصار الناظرين لاستواء الصعيد، واللَّه تبارك وتعالى قد أحاط الناس أولا وآخرا. هذا كلام الهروي. وقال صاحب (المطالع) : معناه أنه يحيط بهم الناظر، لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض، أي ليس فيها ما يستتر به أحد عن الناظرين. قال: وهذا أولى من قول أبي عبيد: يأتي عليهم بصر الرحمن سبحانه وتعالى، لأن رؤية اللَّه تعالى تحيط بجميعهم في كل حال، في الصعيد المستوى وغيره، هذا قول صاحب (المطالع) . قال الإمام أبو السعادات الجزري بعد أن ذكر الخلاف بين أبي عبيد وغيره، في أن المراد بصر الرحمن سبحانه وتعالى، أو بصر الناظر من الخلق: قال أبو حاتم: أصحاب الحديث يروونه بالذال المعجمة، وإنما هو بالمهملة، أي يبلغ أولهم وآخرهم، حتى يراهم كلهم ويستوعبهم، من نفد الشيء وأنفدته. قال: وحمل الحديث على بصر الناظر أولى من حمله على بصر الرحمن تبارك وتعالى. مختصرا من (مسلم بشرح النووي) : 3/ 67- 68. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 ولمسلم من حديث عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: وضعت بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قصعة من ثريد ولحم، فتناول الذراع، وكانت أحب الشاة إليه، فنهس نهسة فقال: أنا سيد الناس يوم القيامة، ثم نهس أخرى فقال: أنا سيد الناس يوم القيامة، فلما رأى أصحابه لا يسألونه قال: ألا تقولون كيفه؟ قالوا: كيفه يا رسول اللَّه؟ قال: يقوم الناس لرب العالمين، وساق الحديث بمعنى حديث أبي حيان عن أبي زرعة. وزاد في قصة إبراهيم فقال: وذكر قوله في الكوكب: هذا ربي، وقوله لآلهتهم: بل فعل كبيرهم هذا، وقوله: إني سقيم. قال: والّذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة إلى عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر، أو هجر ومكة، قال: لا أدري أي ذلك قال [ (1) ] . وله من حديث أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم، عن أبي هريرة، وأبو مالك عن ربعي [بن خراش] [ (2) ] ، عن حذيفة قالا: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يجمع اللَّه تبارك وتعالى الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم، فيقولون، يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم، لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل اللَّه، قال: فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذاك، إنما كنت خليلا من وراء وراء [ (3) ] أعمدوا إلى موسى صلى اللَّه عليه وسلّم، الّذي كلّمه اللَّه تكليما، فيأتون موسى صلى اللَّه عليه وسلّم فيقول: لست بصاحب ذاك، اذهبوا إلى عيسى كلمة اللَّه وروحه، فيقول عيسى صلى اللَّه عليه وسلّم: لست بصاحب ذاك.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 3/ 69- 70، حديث رقم (328) . [ (2) ] زيادة للنسب من (خ) . [ (3) ] قوله: «إنما كنت خليلا من وراء وراء» ، قال صاحب (التحرير) : هذه الكلمة تذكر على سبيل التواضع، أي لست لتلك الدرجة الرفيعة، قال: وقع لي معنى مليح فيه، وهو أن معناه أن المكارم التي أعطيتها كانت بوساطة سفارة جبريل عليه السلام، ولكن ائتوا موسى فإنه حصل له سماع الكلام بغير واسطة، قال: وإنما كرر «وراء وراء» ، لكون نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم حصل له السماع بغير واسطة، وحصل له الروية، فقال إبراهيم عليه السلام: أنا وراء موسى الّذي هو وراء محمد صلى اللَّه عليه وعليهم أجمعين وسلّم. هذا كلام صاحب التحرير، وأما ضبط «وراء وراء» ، فالمشهور فيه الفتح فيهما بلا تنوين، ويجوز عند أهل العربية بناؤهما على الضم، على خلاف بين أهل اللغة، فليراجع في مظانه. (المرجع السابق) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 فيأتون محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم، فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم [ (1) ] ، فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا، فيمر أوّلكم كالبرق، قال: قلت: بأبي أنت وأمي، أي شيء كمرّ البرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين، ثم كمرّ الريح، ثم كمرّ الطير، وشدّ الرجال تجري بهم أعمالهم، ونبيكم [قائم] [ (2) ] على الصراط، يقول: ربّ سلّم سلّم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا. قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة، مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النار، والّذي نفس أبي هريرة بيده، إن قعر جهنم لسبعون خريفا [ (3) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث مالك بن أنس، عن عمرو بن يحيى بن عمارة، قال: حدثني أبي، عن أبي سعيد الخدريّ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يدخل اللَّه أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار النار،   [ (1) ] وأما إرسال الأمانة والرحم، فهو لعظم أمرهما، وكثير موقعهما، فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها اللَّه تعالى، قال صاحب (التحرير) : في الكلام اختصار، والسامع فهم أنهم تقومان لتطالبا كل من يريد الجواز بحقهما. (المرجع السابق) . [ (2) ] في (خ) : «ونبيم على الصراط» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) قوله: «فيمر أولهم كالبرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال تجري بهم أعمالهم» ، أما شدّ الرجال فهو بالجيم جمع رجل، هذا هو الصحيح المعروف المشهور. ونقل القاضي أنه في رواية ابن ماهان بالحاء، قال القاضي: وهما متقاربان في المعنى، وشدّها: عدوها البالغ وجريها. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «تجري بهم أعمالهم» ، فهو كالتفسير، لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم، «فيمر أولكم كالبرق، ثم كمر الريح.. إلخ» معناه أنهم يكونون في سرعة المرور على حسب مراتبهم وأعمالهم. قوله: «والّذي نفس أبي هريرة بيده أن قعر جهنم لسبعون خريفا» ، هكذا هو في بعض الأصول «لسبعون» بالواو، وهذا ظاهر، وفيه حذف تقديره أن مسافة قعر جهنم سير سبعين سنة، ووقع في بعض الأصول والروايات: لسبعين بالياء، وهو صحيح أيضا، أما على مذهب من يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه على جره، فيكون التقدير سير سبعين. وأما على أن قعر جهنم مصدر، قال: قعرت الشيء إذا بلغت قعره، ويكون «سبعين» ظرف زمان، وفيه خبر «أن» ، التقدير أن بلوغ قعر جهنم لكائن في سبعين خريفا، والخريف السنة. واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) . [ (3) ] والحديث أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (84) ، حديث رقم (329) ، وفي (خ) بعد قوله: وراء وراء» «اعمدوا إلى ابني إبراهيم خليل اللَّه» ، وهو تكرار من الناسخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حمما قد امتحشوا، فيلقون في نهر الحياة أو الحيا، فينبتون فيه كما تبنت الحبة إلى جانب السيل، ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية؟ هذا لفظ مسلم، وعند البخاري: «فيخرجون منها قد اسودّوا، وقال: «من خردل من خير» [ (1) ] . وأخرجاه من حديث وهيب، حدثنا حجاج بن الشاعر، حدثنا عمرو ابن عون، أخبرنا خالد، كلاهما عن عمرو بن يحيى بهذا الإسناد [وقالا] [ (2) ] : فيلقون في نهر يقال له: الحياة، ولم يشكّا، وفي حديث خالد: كما تنبت الغثاءة في جانب السيل، وفي حديث وهيب: كما تنبت الحبة في حمئة أو حميلة السيل [ (3) ] ، [ذكره البخاري في باب صفة الجنة والنار، وذكره مسلم في باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار] . وخرج مسلم من حدث بشر بن المفضل عن أبي مسلمة عن أبي نصرة عن أبي سعيد [الخدريّ] [ (4) ] قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أما أهل النار الذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم- أو قال: - بخطاياهم- فأماتهم [اللَّه] [ (4) ] إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة [ (5) ] فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل [ (6) ] : يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل، فقال رجل من القوم: كأنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد كان بالبادية [ (7) ] .   [ (1) ] رواه البخاري في الرقاق، باب صفة الجنة والنار حديث رقم (6560) ، ومسلم في الإيمان باب (84) أدنى أهل الجنة منزلة فيها. [ (2) ] في (خ) : «وقال» . [ (3) ] ذكره مسلم في كتاب الإيمان باب (82) إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار حديث رقم (305) ، والبخاري كما في تعليق (7) . [ (4) ] زيادة من (خ) . [ (5) ] في (خ) : «في الشفاعة» . [ (6) ] في (خ) : «فقيل» . [ (7) ] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (82) إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار، حديث رقم (304) ، قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فأماتهم» ، أي أماتهم إماتة، وحذف للعلم به، وفي بعض النسخ «فأماتتهم» بتاءين، أي أماتتهم النار ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 وخرج البخاري ومسلم من حديث حماد بن زيد، أخبرنا معبد بن هلال الغزي قال: انطلقنا إلى أنس بن مالك رضي اللَّه عنه وتشفعنا بثابت فانتهينا إليه وهو يصلي الضحى، فاستأذن لنا ثابت فدخلنا عليه وأجلس ثابتا معه على سريره فقال له [ثابت] [ (1) ] : يا أبا حمزة، إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أن تحدثهم حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] قال: إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض، فيأتون آدم [صلى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] فيقولون [ (2) ] : اشفع لذريتك فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم [عليه السلام] [ (3) ] فإنه خليل اللَّه، فيأتون إبراهيم صلى اللَّه عليه وسلّم فيقول: لست لها [بأهل] [ (4) ] ، ولكن عليكم بموسى [عليه السلام] [ (3) ] فإنه كليم اللَّه، فيؤتى موسى صلى اللَّه عليه وسلّم فيقول: لست لها، ولكن   [ () ] وأما معنى الحديث، فالظاهر أن الكفار الذين هم أهل النار والمستحقون للخلود لا يموتون فيها ولا يحيون حياة ينتفعون بها ويستريحون معها، كما قال اللَّه تعالى: لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها [36: فاطر] ، وكما قال تعالى: ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى، [13: الأعلى] ، وهذا جار على مذهب أهل الحق أن نعيم أهل الجنة دائم، وأن عذاب أهل الخلود في النار دائم. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «ولكن ناس أصابتهم النار ... إلخ» فمعناه أن المذنبين من المؤمنين يميتهم اللَّه تعالى إماتة بعد أن يعذبوا المدة التي أرادها اللَّه تعالى، وهذه الإماتة إماتة حقيقية يذهب معها الإحساس، ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم، ثم يميتهم، ثم يكونون محبوسين في النار من غير إحساس المدة التي قدّرها اللَّه تعالى، ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا فحما، فيحملون ضبائر كما تحمل الأمتعة، ويلقون على أنهار الجنة، فيصب عليهم ماء الحياة، فيحيون وينبتون نبات الحبة في حميل السيل في سرعة نباتها وضعفها، فتخرج لضعفها صفراء ملتوية، ثم تشتد قوتهم بعد ذلك، ويصيرون إلى منازلهم وتكمل أحوالهم. فهذا هو الظاهر من لفظ الحديث ومعناه. وحكى القاضي عياض رحمه اللَّه فيه وجهين: أحدهما: أنها إماتة حقيقية. والثاني: ليس بموت حقيقي، ولكن يغيب عنهم إحساسهم بالآلام. قال: ويجوز أن تكون آلامهم أخفّ، فهذا كلام القاضي، والمختار ما قدمناه واللَّه تعالى أعلم. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم، «ضبائر» ، فكذا هو في الروايات والأصول، «ضبائر ضبائر» مكررة مرتين، وهو منصوب على الحال، وهو بفتح الضاد المعجمة، وهو جمع ضبارة، بفتح الضاد وكسرها لغتان، حكاهما القاضي عياض، وصاحب (المطالع) ، وغيرهما، أشهرها الكسر، ولم يذكر الهروي وغيره إلا الكسر، ويقال فيها أيضا إضبارة بكسر الهمزة، قال أهل اللغة: الضبائر جماعات في تفرقة، وروي: «ضبارات في ضبارات» . واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 3/ 40- 41. [ (1) ] زيادة من (خ) . [ (2) ] في (خ) ، والبخاري: «فيقولون: اشفع» ، وفي رواية مسلم: «فيقولون له: اشفع» . [ (3) ] زيادة من رواية مسلم. [ (4) ] زيادة من (خ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 عليكم بعيسى فإنه روح اللَّه وكلمته، فيؤتى عيسى صلى اللَّه عليه وسلّم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فأوتي فأقول: أنا لها، فأنطلق فاستأذن على ربي عزّ وجلّ فيؤذن لي، فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه إلا أن [ (1) ] يلهمنيه اللَّه عزّ وجلّ، ثم أخرّ له [ (2) ] ساجدا فيقال [ (3) ] لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب [ (4) ] أمتي أمتي، فيقال: انطلق، فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها. قال البخاري: فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخرّ له ساجدا، فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفّع، فأقول: رب [ (5) ] أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه [ (6) ] مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها. وقال البخاري: فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من خردل من إيمان فأنطلق فأفعل، ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي، فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه ... ، وقال البخاري: فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل. هذا حديث أنس الّذي أنبأنا به، فخرجنا من عنده فلما كنا بظهر الجبان قلنا: لو ملنا إلى الحسن فسلمنا عليه وهو مستخف في دار أبي خليفة، قال: فدخلنا عليه فسلمنا عليه، قلنا [ (7) ]   [ (1) ] في مسلم: «الآن» ولعلها خطأ مطبعي، وفي (خ) ، والبخاري: «إلا أن» . [ (2) ] في (خ) ، ومسلم: «ثم أخرّ له» ، وفي البخاري: «ثم أخرّ لربنا ساجدا» . [ (3) ] في (خ) ، ومسلم: «فيقال لي» ، وفي البخاري: «فيقول» . [ (4) ] في (خ) ، والبخاري: «يا رب أمتي» ، وفي مسلم: «رب أمتي» . [ (5) ] في (خ) : «رب أمتي» ، وفي البخاري ومسلم: «يا رب أمتي» . [ (6) ] في رواية مسلم أيضا، «فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار» ، وهو مطابق لرواية البخاري. [ (7) ] كذا في (خ) والبخاري، وفي مسلم: «فقلنا» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 يا أبا سعيد، جئنا من عند أخيك أبي حمزة فلم نسمع بمثل حديث حدثناه في الشفاعة، [قال] [ (1) ] : هيه، قال: فحدثناه الحديث فقلنا هيه، قلنا: ما زادنا، قال: قد حدثنا به منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع، ولقد ترك شيئا ما أدري أنسى الشيخ أم كره [ (2) ] أن يحدثكم فتتكلوا، قلنا له، حدثنا، فضحك وقال: خلق الإنسان من عجل، ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه: ثم أرجع إلى ربي [عز وجل] [ (3) ] في الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن [قال] [ (4) ] : لا إله إلا اللَّه، قال: ليس [ (5) ] ذلك لك، أو قال: ليس ذلك [ (6) ] إليك، ولكن وعزتي وكبريائي، وعظمتي وجبريائي [ (7) ] لأخرجن من قال: لا إله إلا اللَّه. قال: فأشهد على الحسن أنه حدثنا به أنه سمع أنس بن مالك، أراه قال: قبل عشرين سنة وهو يومئذ جميع. اللفظ لمسلم [ (8) ] . وقال البخاري في أوله: اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك، وذهبنا معنا بثابت البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره فوافقناه يصلي [ (9) ] الضحى فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاءوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم.. الحديث وقال فيه: ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد، وقال فيه: خلق الإنسان عجولا، وقال في آخره: فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا اللَّه، فيقول: وعزتي وجلالي، وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا اللَّه. هذا آخر الحديث عنده، ذكره في كتاب التوحيد   [ (1) ] في (خ) : «فقال» ، وما أثبتناه من رواية البخاري ومسلم. [ (2) ] في رواية مسلم: «أو كره» . [ (3) ] زيادة من (خ) . [ (4) ] في (خ) : «يقول» . [ (5) ] في البخاري: «فليس» . [ (6) ] في مسلم: «ليس ذاك» . [ (7) ] كذا في (خ) ، ومسلم، وفي البخاري: «وعظمتي لأخرجن» . [ (8) ] حديث رقم (326) من كتاب الإيمان، باب (84) أدنى أهل الجنة منزلة فيها، من صحيح مسلم. [ (9) ] في (خ) : «فصلى» والتصويب من رواية البخاري. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 في باب كلام الرب تعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم [ (1) ] . وخرج في هذا الباب حديث أبي بكر بن عيّاش عن حميد قال: سمعت أنسا قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: إذا كان يوم القيامة [شفعت] [ (2) ] فقلت: يا رب أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة فيدخلون، ثم أقول: أدخل الجنة من كان في قلبه أدنى شيء، فقال أنس: كأني انظر إلى أصابع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث أبي عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يجمع اللَّه الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك [وقال ابن عبيد: فيلهمون من ذلك] [ (4) ] فيقولون: لو استشفعنا [على] [ (5) ] ربنا عزّ وجلّ حتى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم عليه السلام فيقولون: أنت آدم أبو الخلق، خلقك اللَّه بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا [ (6) ] فيقول: لست هناكم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها [ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه اللَّه، فيأتون نوحا صلى اللَّه عليه وسلّم فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها] [ (7) ] ولكن ائتوا إبراهيم الّذي اتخذه اللَّه خليلا، فيأتون إبراهيم عليه السلام   [ (1) ] أخرجه البخاري برقم (5710) . قوله: «وهو يومئذ جميع» في رواية مسلم، وفي رواية البخاري «وهو جميع» ، أي مجتمع العقل، وهو إشارة إلى أنه كان حينئذ لم يدخل في الكبر، الّذي هو مظنة تفرق الذهن، وحدوث اختلاط الحفظ. وأخرجه البخاري أيضا في التوحيد، باب (19) قول اللَّه تعالى: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، حديث رقم (7410) ، وفي باب (37) في قوله عزّ وجلّ: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، حديث رقم (7515) ، وفي تفسير سورة البقرة، باب (1) قول اللَّه تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها، حديث رقم (4476) ، وفي الرقاق، باب (51) صفة الجنة والنار حديث رقم (6565) . [ (2) ] في (خ) : «تشفعت» . [ (3) ] أخرجه البخاري في التوحيد، باب (36) كلام الرب عزّ وجلّ يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، حديث رقم (7509) . [ (4) ] ما بين الحاصرتين تكملة من صحيح مسلم. [ (5) ] في (خ) : «إلى» . [ (6) ] في (خ) بعد قوله: «مكاننا هذا» قال: فيأتون آدم عليه السلام وهو تكرار من الناسخ، والتصويب من صحيح مسلم. [ (7) ] ما بين الحاصرتين سقط في (خ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 فيقول: لست هناكم [ويذكر] [ (1) ] خطيئته التي أصحاب فيستحي ربه منها، ولكن ائتوا موسى الّذي كلمه اللَّه وأعطاه التوراة، قال: فيأتون موسى عليه السلام فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها، ولكن ائتوا عيسى روح اللَّه وكلمته، فيأتون عيسى روح اللَّه وكلمته عليه السلام فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدا قد غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: فيأتوني فاستأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا أنا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء اللَّه، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، قل تسمع، سل تعطه، اشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي، ثم أشفع [فيحد لي حدا] [ (2) ] فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فأقع ساجدا فيدعني ما شاء اللَّه أن يدعني ثم يقال [لي] [ (3) ] : يا محمد، قل تسمع، وسل تعطه، اشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع [فيحد لي حدا] [ (2) ] فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة. قال: [فلا] [ (4) ] أدري في الثالثة أو في الرابعة قال: فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن، أي وجب الخلود، واللفظ لمسلم [ (5) ] ولم يذكر البخاري فيه قوله: فيهتمون لذلك، ولا فيلهمون لذلك، ولا قوله: التي أصاب فيستحي ربه منها في المواضع الثلاثة. وقال في آخره: حتى ما بقي في النار إلا من حبسهم القرآن، فكان قتادة يقول عند هذا: إلا من وجب عليه الخلود. ذكره في كتاب الرقاق [ (6) ] . وخرج مسلم من حديث ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيهتمون بذلك أو يلهمون ذلك، بمثل حديث أبي عوانة، وقال في الحديث: ثم آتيه الرابعة فأقول: يا رب، ما بقي إلا من حبسه القرآن [ (7) ] . لم يذكر مسلم من الحديث غير هذا، وذكر بعده   [ (1) ] في (خ) : «فيذكر» . [ (2) ] في (خ) : «فنخر ساجدا» وهو خطأ بين. [ (3) ] زيادة من (خ) . [ (4) ] في (خ) : «ولا» . [ (5) ] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (84) أدنى أهل الجنة منزلة فيها، حديث رقم (322) . [ (6) ] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب (51) صفة الجنة والنار، حديث رقم (6565) . [ (7) ] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (84) ، أدنى أهل الجنة منزلة فيها، حديث رقم (323) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 حديث معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يجمع اللَّه المؤمنون يوم القيامة فيلهمون لذلك بمثل حديثهما، وذكر في الرابعة: فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود [ (1) ] . وأخرجه البخاري من هذه الطريق ولفظه: عن أنس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يجمع المؤمنون يوم القيامة لذلك فيقولون، لو استشفعنا إلى ربنا ... الحديث بنحو حديث أبي عوانة عن قتادة، وقال فيه في ذكر نوح وأنه أول رسول بعثه اللَّه إلى أهل الأرض، وقال فيه: فأستأذن على ربي ويؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء اللَّه أن يدعني ثم يقول: ارفع محمد، وهكذا في موضعين بعد هذا، ثم أرجع فإذا رأيت ربي كما قال في هذا، وقال في الرابع: ثم أرجع فأقول: رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود [ (2) ] . وخرج البخاري في تفسير سورة البقرة من طريق مسلم بن إبراهيم، أخبرنا هشام، [حدثنا] [ (3) ] قتادة عن أنس عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يجمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك اللَّه بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، ويذكر ذنبه فيستحى ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه اللَّه إلى أهل الأرض، فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم، فيستحي ويقول: ائتوا خليل [ (4) ] الرحمن، فيأتون فيقول: لست هناكم، [ائتوا موسى، عبدا كلمه اللَّه وأعطاه التوراة، فيأتونه فيقول: لست هناكم] [ (5) ] فيستحي من ربه [فيقول] [ (6) ] : ائتوا عيسى عبد اللَّه ورسوله، وكلمة اللَّه وروحه، فيقول: لست هناكم، ائتوا محمدا، عبدا غفر   [ (1) ] المرجع السابق، حديث رقم (324) . [ (2) ] سبق الإشارة إليه. [ (3) ] في (خ) : «أخبرنا» . [ (4) ] في (خ) : «كليم» . [ (5) ] ما بين الحاصرتين سقط من (خ) . [ (6) ] زيادة للسياق من البخاري. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأنطلق حتى [ (1) ] استأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء ثم يقال: ارفع رأسك [وسل] [ (2) ] تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع [فيحدّ لي حدا فأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة] [ (2) ] ثم أعود الرابعة: فأقول: ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود. قال أبو عبد اللَّه [ (3) ] : إلا من حبسه القرآن يعني قول اللَّه تعالى: خالِدِينَ فِيها [ (4) ] . وخرج في كتاب التوحيد من حديث همام بن يحيى عن قتادة عن أنس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهمّوا بذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا [ (5) ] فيريحنا من مكاننا، فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الناس: خلقك اللَّه بيده، وأسكنك جنته [ (6) ] ، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، لتشفع [ (7) ] لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيقول لست هناكم، قال: ويذكر خطيئته التي أصاب- أكله من الشجرة وقد نهى عنها- ولكن ائتوا نوحا أول نبي بعثه اللَّه إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب- سؤاله ربه تعالى بغير علم- ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن، قال: فيأتون إبراهيم فيقول: [إني] [ (8) ] لست هناكم ويذكر ثلاث [كذبات] [ (9) ] كذبهن، ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه اللَّه التوراة وكلّمه وقرّبه نجيا، قال: فيأتون موسى فيقول: إني لست هناكم، ويذكر خطيئته، التي أصاب- قتله النفس- ولكن ائتوا عيسى عبد اللَّه ورسوله، وروح اللَّه وكلمته، قال: فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،   [ (1) ] في (خ) : «فأستأذن» . [ (2) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (3) ] هو الإمام البخاري. [ (4) ] الحديث أخرجه البخاري في التفسير باب (1) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها، حديث رقم (4476) ، واختلف في المراد بالأسماء: فقيل أسماء ذريته، وقيل أسماء الملائكة، وقيل أسماء الأجناس دون أنواعها، وقيل أسماء كل ما في الأرض، وقيل أسماء كل شيء حتى القصعة. (فتح الباري) : 8/ 202- 203. [ (5) ] في (خ) : «إلى اللَّه» . [ (6) ] في (خ) : «الجنة» . [ (7) ] في (خ) : «اشفع» . [ (8) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (9) ] في (خ) : «كلمات» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 فيأتوني [ (1) ] فاستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء اللَّه أن يدعي، فيقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: وأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه [ (2) ] ، فيحدّ لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته أيضا يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فاستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء اللَّه أن يدعني ثم يقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه [ (3) ] ، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحدّ لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنة، قال قتادة: وسمعته [ (4) ] يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة فاستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء اللَّه أن يدعني ثم يقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحدّ لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة، قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما [ (5) ] يبقى في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود، ثم تلا هذه الآية: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً، قال: وهذا المقام المحمود الّذي وعده [ (6) ] نبيكم صلى اللَّه عليه وسلّم [ (7) ] . وخرج مسلم من حديث مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لكل نبي دعوة يدعوها [ (8) ] ،   [ (1) ] في (خ) : «قال: فيأتوني» . [ (2) ] في (خ) : «يعلمنيه ثم أشفع» . [ (3) ] في (خ) : «تعط» . [ (4) ] في (خ) : «وقد سمعته» . [ (5) ] في (خ) : «حتى لا يبقى» . [ (6) ] في (خ) : «وعد» . [ (7) ] أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب (24) قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، حديث رقم (7440) . [ (8) ] في (خ) : «يدعو بها» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 فأريد [ (1) ] أن أختبئ [ (2) ] دعوتي شفاعة [ (3) ] لأمتي يوم القيامة [ (4) ] . ومن حديث ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لكل نبي دعوة، وأردت إن شاء اللَّه أختبئ [ (5) ] دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة [ (6) ] . خرجه البخاري من حديث شعيب عن الزهري ولفظه: لكل نبي دعوة، وأريد إن شاء اللَّه أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة. ذكره في كتاب التوحيد في المشيئة والإرادة [ (7) ] . وخرج مسلم من حديث يونس عن ابن شهاب أن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي أخبره أن أبا هريرة قال لكعب الأحبار: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لكل نبي دعوة يدعوها، فأنا أريد إن شاء اللَّه أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فقال كعب لأبي هريرة: أنت سمعت هذا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ قال أبو هريرة: نعم [ (8) ] . وخرج البخاري من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لكل نبي دعوة [مستجابة] [ (9) ] يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة [ (10) ] . ذكره في أول كتاب الدعاء. وخرج مسلم من حديث أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لكل نبي دعوة مستجابة، [فتعجل كل نبي دعوته] [ (11) ] وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي [ (12) ] نائلة إن   [ (1) ] في (خ) : «وأنا أريد» . [ (2) ] في (خ) : «أخبي» . [ (3) ] في (خ) : «شفاعتي» . [ (4) ] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (86) اختباء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دعوة الشفاعة لأمته، حديث رقم (334) . [ (5) ] في (خ) : «أخبي» . [ (6) ] المرجع السابق، حديث رقم (335) . [ (7) ] حديث رقم (7474) . [ (8) ] مسلم في كتاب الإيمان، باب (86) اختباء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دعوة الشفاعة لأمته، حديث رقم (337) . [ (9) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (10) ] ذكره البخاري في أول كتاب الدعاء، باب (1) لكل نبي دعوة مستجابة، حديث رقم (6304) . [ (11) ] زيادة للسياق من صحيح مسلم. [ (12) ] في (خ) : «وهي» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 شاء اللَّه من مات من أمتي لا يشرك باللَّه شيئا [ (1) ] . وأخرجه الترمذي من هذه الطريق، ولم يقل فيه: فتعجل كل نبي دعوته. وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . وخرج مسلم من حديث جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها فيستجاب له فيؤتاها، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة [ (3) ] . وله من حديث شعبة عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لكل نبي دعوة دعا بها في أمته فاستجيب له، وإني أريد إن شاء اللَّه أن أؤخر دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة [ (4) ] . [و] [ (5) ] وله من حديث ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه يقول عن النبي للَّه: لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته، وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة [ (6) ] . وله من حديث معاذ بن [ (7) ] هشام قال: أخبرنا [ (8) ] أبي عن قتادة، أخبرنا [ (8) ] أنس بن مالك أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لكل نبي دعوة دعاها [ (9) ] لأمته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة [ (10) ] . وذكر له طرقا أخر. وخرجه البخاري تعليقا   [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (86) ، اختباء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دعوة الشفاعة لأمته، حديث رقم (338) . [ (2) ] رواه الترمذي رقم (3597) في الدعوات، باب رق (141) ، ط (الموطأ) : 1/ 22 في القرآن، باب ما جاء في الدعاء. [ (3) ] رواه مسلم في كتاب الإيمان باب (86) اختباء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دعوة الشفاعة لأمته، حديث رقم (339) . [ (4) ] المرجع السابق، حديث رقم (340) ، في (خ) : «أدّخر» . [ (5) ] زيادة للسياق. [ (6) ] المرجع السابق، حديث رقم (345) . [ (7) ] في مسلم: «معاذ يعنون ابن هشام» . [ (8) ] كذا في (خ) ، وفي مسلم: «حدثنا» . [ (9) ] في (خ) : «دعا بها» . [ (10) ] المرجع السابق، حديث رقم (341) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 في كتاب الدعاء [ (1) ] . وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث أحمد بن عبد اللَّه قال: أخبرنا زهير ابن معاوية، أخبرنا أبو خالد الأسدي، أخبرنا عون بن أبي جحيفة السواري عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عن عبد الرحمن بن أبي عقيل قال: انطلقت في وفد فأتينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأنخنا الباب وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فما خرجنا حتى ما في الناس رجل أحب إلينا من رجل دخلنا عليه، فقال قائل منا: يا رسول اللَّه! ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان بن داود؟ فضحك ثم قال: لعل لصاحبكم عند اللَّه أفضل من ملك سليمان بن داود! إن اللَّه لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذ بها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعا بها على قومه إذا عصوه فأهلكوا بها، وإن اللَّه أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي   [ (1) ] أخرجه البخاري في الدعوات، باب (1) ، لكل نبي دعوة مستجابة، حديث رقم (6304) ، (6305) . قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وأريد. أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة» ، وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة «فأريد إن شاء اللَّه أن أختبئ» ، وزيادة «إن شاء اللَّه» في هذا للتبرك، ولمسلم من رواية أبي صالح عن أبي هريرة «وإني اختبأت» ، وفي حديث أنس «فجعلت دعوتي» ، وزاد «يوم القيامة» ، وزاد أبو صالح «فهي نائلة إن شاء اللَّه من مات من أمتي لا يشرك باللَّه شيئا. وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم «من مات» في محل نصب على المفعولية، و «لا يشرك» في محل نصب على الحال، والتقدير: شفاعتي نائلة من مات غير مشرك، وكأنه صلى اللَّه عليه وسلّم أراد أن يؤخرها ثم عزم ففعل، ورجا وقوع ذلك، فأعلمه اللَّه به، فجزم به. وقد استشكل ظاهر الحديث بما وقع لكثير من الدعوات المجابة، ولا سيما نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم، وظاهره أن لكل نبي دعوة مستجابة فقط، والجواب: أن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها، وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة. وقيل: معنى قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «لكل نبي دعوة» ، أي أفضل دعواته، ولهم دعوات أخرى، وقيل: لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته، إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصة، فمنها ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب، وقيل: لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه، كقول نوح: لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ، وقول زكريا: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي، وقول سليمان: وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، حكاه ابن التين. والمراد بهذا الحديث أن كل نبي دعا على أمته بالإهلاك إلا أنا فلم أدع، أعطيت الشفاعة عوضا عن ذلك للصبر على أذاهم، والمراد بالأمة أمة الدعوة لا أمة الإجابة .... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 يوم القيامة [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد بن أبي سعيد [المقبري] [ (2) ] عن سعيد عن أبي هريرة أنه قال: قيل [ (3) ] يا رسول اللَّه، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] [ (4) ] لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا اللَّه خالصا من قلبه، أو نفسه [ (5) ] . ذكره في كتاب العلم وترجم عليه باب الحرص   [ () ] وتعقبه الطيبي- وفي نسخة القرطبي- بأنه صلى اللَّه عليه وسلّم دعا على أحياء من العرب، ودعا على أناس من قريش بأسمائهم، ودعا على رعل، وذكوان، ودعا على مضر، قال: والأولى أن يقال: إن اللَّه جعل لكل نبي دعوة تستجاب في حق أمته، فنالها كل منهم في الدنيا، وأما نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم فإنه لما دعا على بعض أمته، نزل عليه لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، فبقي تلك الدعوة المستجابة مدخرة للآخرة، وغالب من دعا عليهم لم يرد إهلاكهم، وإنما أراد ردعهم ليتوبوا. وأما جزمه أولا بأن جميع أدعيتهم مستجابة، ففيه غفلة عن الحديث الصحيح: «سألت اللَّه ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة» . قال ابن بطال: في هذا الحديث بيان فضل نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم على سائر الأنبياء، حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة، ولم يجعلها أيضا دعاء عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم. وقال ابن الجوزي: هذا من حسن تصرفه صلى اللَّه عليه وسلّم، لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي، ومن كثرة كرمه أنه آثر أمته على نفسه، ومن صحة نظره لأنه جعلها للمذنبين من أمته، لكونهم أحوج إليها من الطائعين. وقال النووي: فيه كمال شفقته صلى اللَّه عليه وسلّم على أمته ورأفته بهم، واعناؤه بالنظر في مصالحهم، فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم. وأما قوله: «فهي نائلة» ، ففيه دليل لأهل السنة أن من مات غير مشرك لا يخلد في النار، ولو مات مصرا على الكبائر. مختصرا من (فتح الباري) : 11/ 116- 117. [ (1) ] له شواهد من أحاديث الباب على صحته. [ (2) ] زيادة في النسب من البخاري. [ (3) ] في (خ) : «قال» . [ (4) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (5) ] ذكره البخاري في كتاب العلم، باب (32) الحرص على الحديث، حديث رقم (99) . قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: أولى منك» ، فيه فضل أبي هريرة رضي اللَّه عنه، وفضل الحرص على تحصيل العلم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «من قال: لا إله إلا اللَّه» ، احتراز من المشرك، والمراد مع قوله: محمد رسول اللَّه، لكن قد يكتفي بالجزء الأول من كلمتي الشهادة، لأنه صار شعارا لمجموعهما كما تقدم في الإيمان ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 على الحديث. وخرجه في كتاب الرقاق من حديث إسماعيل بن جعفر عن عمرو ... إلى آخره، وقال: خالصا من قبل نفسه [ (1) ] . وخرجه النسائي بنحوه [ (2) ] . وخرج مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن العاص أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تلى قول اللَّه عز وجل في إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ... [ (3) ] الآية، وقال عيسى عليه السلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ (4) ] ، فرفع يديه وقال: اللَّهمّ أمتي.. أمتي [ (5) ] ، وبكي، فقال اللَّه عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد وربك أعلم، فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بما قال   [ () ] قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «خالصا» احتراز من المنافق، ومعنى أفعل في قوله: «أسعد» الفعل، لا أنها أفعل التفضيل، أي سيد الناس، كقوله تعالى: وَأَحْسَنُ مَقِيلًا، ويحتمل أن يكون أفعل التفضيل على بابها، وأن كل أحد يحصل له سعد بشفاعته، لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها، فإنه صلى اللَّه عليه وسلّم يشفع في الخلق لإراحتهم من هول الموقف، ويشفع في الكفار بتخفيف العذاب كما صح في حق أبي طالب، ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها، ويشفع في بعضهم بعدهم دخولها بعد أن استوجبوا دخولها، ويشفع في بعضهم بدخول الجنة بغير حساب، ويشفع في بعضهم برفع الدرجات فيها، فظهر الاشتراك في السعادة بالشفاعة، وأن أسعدهم بها المؤمن المخلص. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «من قلبه، أو نفسه» شك من الراويّ، وللمصنف في الرقاق: «خالصا من قبل نفسه» ، وذكر ذلك على سبيل التأكيد كما في قوله تعالى: فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ. وفي الحديث دليل على اشتراط النطق بكلمتي الشهادة، لتعبيره بالقول في قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «من قال» ، واللَّه تعالى أعلم. مختصرا من (فتح الباري) 1/ 257- 258. [ (1) ] ذكره البخاري في كتاب الرقاق، باب (51) صفة الجنة والنار، حديث رقم (6570) ، وقال النووي: الشفاعة خمس: [1] في الإراحة من هول الموقف. [2] في إدخال قوم الجنة بغير حساب. [3] في إدخال قوم حوسبوا فاستحقوا العذاب أن لا يعذبوا. [4] في إخراج من أدخل النار من العصاة. [5] في رفع الدرجات. [ (2) ] لم أجده في (سنن النسائي) . [ (3) ] 36: إبراهيم، وتمامها: وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. [ (4) ] 118: المائدة. [ (5) ] في (خ) : «اللَّهمّ أمتي اللَّهمّ أمتي» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 وهو أعلم، فقال اللَّه: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسؤك [ (1) ] . ***   [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب (87) دعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لأمته وبكائه شفقة عليهم، حديث رقم (346) : وسنده: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو ابن الحارث، أن أبا بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص ... وهذا أتم من السند المذكور في (خ) . وهذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد: منها بيان كمال شفقة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على أمته، واعتنائه بمصالحهم، واهتمامه بأمرهم. ومنها استحباب رفع اليدين في الدعاء. ومنها البشارة العظيمة لهذه الأمة، زادها اللَّه شرفا بما وعدها اللَّه تعالى بقوله: سنرضيك في أمتك ولا نسؤك، وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة، أو أرجأها. ومنها بيان عظم منزلة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عند اللَّه تعالى، وعظيم لطفه سبحانه به صلى اللَّه عليه وسلّم والحكمة في إرسال جبريل لسؤاله صلى اللَّه عليه وسلّم إظهار شرف النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وأنه بالمحل الأعلى، فيسترضى ويكرم بما يرضيه واللَّه تعالى أعلم. وهذا الحديث موافق لقول اللَّه عزّ وجلّ: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى، وأما قوله تعالى: ولا نسؤك، فقال صاحب (التحرير) : هو تأكيد للمعنى، أي لا نحزنك، لأن الإرضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم، ويدخل الباقي النار، فقال تعالى: نرضيك ولا ندخل عليك حزنا، بل ننجي الجميع واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 3/ 78- 79. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 ذكر المقام المحمود الّذي وعد اللَّه تعالى به الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قال اللَّه جل جلاله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (1) ] . خرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث وكيع عن إدريس الأودي عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (1) ] قال: الشفاعة. وخرج الحاكم من حديث الزهري عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب ابن مالك عن أبيه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء اللَّه أن أقول، فذلك المقام المحمود، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وله من حديث إسرائيل قال: أخبرنا أبو إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة ابن اليمان [سمعته يقول] [ (3) ] في قوله عز وجل: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (4) ] قال: يجمع الناس في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا، سكوتا لا تكلم نفس إلا بإذنه، قال: فينادي محمد صلى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] 79: الإسراء. [ (2) ] أخرجه الحاكم في (المستدرك) : 3/ 395، في كتاب التفسير، تفسير سورة بني إسرائيل، حديث رقم (3383) وما بين الحاصرتين زيادة منه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 492 من حديث كعب بن مالك الأنصاري، حديث رقم (15356) بنحوه سواء. [ (3) ] تكملة من (المستدرك) . [ (4) ] 79: الإسراء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 فيقول: «لبيك وسعديك والخير في يديك، والشر ليس إليك، المهدي من هديت، وعبدك بين يديك، ولك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحان رب البيت» ، فذلك المقام المحمود الّذي قال اللَّه: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما خرج مسلم حديث أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة، ليخرجن من النار فقط [ (2) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث سعيد بن زيد قال: حدثنا علي بن الحكم عن عثمان عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة، فقال رجل من الأنصار: وما المقام المحمود؟ قال: ذاك إذا جيء بكم عراة حفاة غرلا، فأقوم مقاما لا يقومه أحد غيري يغبطني به الأولون والآخرون [ (3) ] . وله من حديث وكيع قال: حدثنا داود بن عبد اللَّه الأودي الزعافري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: المقام المحمود الشفاعة [ (4) ] ، وخرجه الترمذيّ وقال: هذا حديث حسن [ (5) ] ، وداود الزعافري هو داود الأودي، وهو عم عبد اللَّه بن إدريس وفي الباب عن كعب بن مالك وأبي سعيد وابن عباس. وخرجه البغوي من حديث أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن عمر، حدثنا أبو أسامة عن داود بن يزيد الأودي عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (1) ] قال: هو المقام الّذي أشفع فيه لأمتي.   [ (1) ] 79: الإسراء. [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 395 في كتاب التفسير، تفسير سورة بني إسرائيل، حديث رقم (3384) ، وحديث مسلم المشار إليه قد سبق شرحه. [ (3) ] هذا الحديث جزء من حديث طويل أخرجه الإمام أحمد في (المسند) من حديث عبد اللَّه بن مسعود، حديث رقم (3777) ج 1 ص 658، وأخرجه أيضا الحاكم في (المستدرك) : 2/ 396 في كتاب التفسير، تفسير سورة بني إسرائيل حديث رقم (3385) وقال في آخره: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. [ (4) ] (مسند أحمد) : 3/ 253، حديث رقم (9844) . [ (5) ] (صحيح سنن الترمذي) : 3/ 68- 69، حديث رقم (3358) ، وقال الألباني: صحيح، و (المجموعة الصحيحة) برقم (2639) ، (2370) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 ورواه سفيان بن وكيع عن جرير بن عبد الحميد عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: [قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] : يقيمني رب العالمين مقاما لم يقمه أحدا قبلي ولن يقيمه أحدا بعدي. وروى حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه عنه في قوله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال: إن لمحمد من ربه مقاما لا يقومه نبي مرسل ولا ملك مقرب، يبين اللَّه للخلائق فضله على جميع الأولين والآخرين. وقال أبو سفيان العمري عن معمر عن الزهري، عن علي بن الحسن أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مدّ الأديم حتى لا يكون للإنسان إلا موضع قدميه، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن فأقول: يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إليّ، فيقول تبارك وتعال: صدق، ثم أشفع فأقول: يا رب عبادك في أطراف الأرض، فهو المقام المحمود. قال أبو عمر بن عبد البر: على هذا أصل في تأويل قول اللَّه عز وجل: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً أنه الشفاعة. وقد روي عن مجاهد: أن المقام المحمود أن يقعده معه يوم القيامة على العرش، وهذا عندهم منكر في تفسير هذه الآية، والّذي عليه جماعة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين أن المقام المحمود هو المقام الّذي يشفع فيه لأمته. وقد روي عن مجاهد مثل ما عليه الجماعة من ذلك فصار إجماعا في تأويل الآية من أهل العلم بالكتاب والسنة. ذكر ابن أبي شيبة عن شبابة عن ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً، قال: شفاعة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. وذكر بقيّ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، أخبرنا قيس عن عاصم عن عبد اللَّه مثله، وذكر الغرباني عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن ابن مسعود مثله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 وذكر ابن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال: المقام المحمود الشفاعة. وروى سفيان وإسرائيل عن أبي إسحاق عن صله عن حذيفة قال: يجتمع الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي- زاد سفيان في حديثه-: حفاة عراة سكوتا، كما خلقوا قياما، لا تكلم نفس إلا بإذنه، ثم اجتمعوا، فينادي منادي: يا محمد، على رءوس الأولين والآخرين، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، زاد سفيان: والشر ليس إليك، ثم اجتمعا والمهدي من هديت تباركت وتعاليت، ومنك وإليك، لا ملجأ ولا منجى إلا إليك. قال حذيفة: فذلك المقام المحمود. وذكر له عن حذيفة عدة طرق، قال: وروى يزيد عن زريع عن سعيد عن قتادة في قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً، قال: ذكر لنا أن نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خيّر بين أن يكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا فأومأ إليه جبريل أن تواضع، واختار نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يكون عبدا نبيا، وأعطى. بها اثنتين: أول من تنشق عنه الأرض وأول شافع. قال قتادة: وكان أهل العلم يرون أن المقام المحمود الّذي قال اللَّه عزّ وجلّ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً شفاعته يوم القيامة، قال: وممن روى عنه أيضا: أن المقام المحمود الشفاعة: الحسن البصري وإبراهيم النّخعيّ وعلي ابن الحسين بن علي وابن شهاب وسعد بن أبي هلال وغيرهم. *** الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 تنبيه وإرشاد قال الحافظ أبو نعيم: وهذه الأخبار وما يجانسها في الشفاعة وإجابة آدم عليه السلام فمن دونه في الشفاعة عليه كلها داخلة في علو مرتبة نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وشرف منزلته ورفعته عند ربه تعالى، لأن النبوة لا يخص اللَّه بها إلا المنتخبين من خلفة في الأمم، وذوي الأخطار العظيمة، والمناقب الرفيعة، فإذا كان سائر الأنبياء يدفعون عن أنفسهم التشفيع والمسألة، ويجيئون بها على محمد صلى اللَّه عليه وسلّم بأن فضله وعلو مرتبته على مراتبهم، وفي تعريف هذه المنزلة وإن لم تكن في نفسها معجزة، وأن اللَّه تعالى وضع نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم في أعلى المراتب وأشرف المناقب، لتكون القلوب مقبلة على قبوله، والنفوس مسرعة إلى طاعته صلى اللَّه عليه وسلّم، هذا له مع ما خصه اللَّه من الخصال التي لم تعط من تقدمه من النّبيين والمرسلين من المنافع البهية والمرافع السنية. انتهى. واعلم أن الشفاعة خمسة أقسام: الأولى: الشفاعة في إراحة المؤمنين من طول الوقوف وتعجيل الحساب كما تقدم ذكره. والثانية: الشفاعة في إدخال قوم من المؤمنين الجنة بغير حساب كم تقدم من حديث أنس، وفيه: فيقال يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن. والثالثة: الشفاعة لقوم استوجبوا النار فيشفع فيهم نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم ومن يشاء اللَّه. والرابعة: الشفاعة فيمن دخل النار من المذنبين فيخرجهم اللَّه بشفاعة نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وبشفاعة الملائكة وإخوانهم المؤمنين، ثم يخرج اللَّه عز وجل من النار كل من قال لا إله إلا اللَّه ولا يبقى في النار إلا الكافرون. والخامسة: الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها. واتفقوا على شفاعة الحشر وعلى الشفاعة في زيادة درجات أهل الجنة، وخالفت الخوارج والمعتزلة في الأقسام الثلاثة الأخر. وقال ابن عبد البر: وقد قيل إن الشفاعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 منه صلى اللَّه عليه وسلّم تكون من مرتين: مرة في الموقف يشفع في قوم فينجون من النار ولا يدخلون الجنة، ومرة بعد دخول قوم من أمته النار فيخرجون منها بشفاعته. وقد رويت آثار بنحو هذا الوجه بنفي الوجه الأول، ثم ذكر من طريق ثور ابن يزيد عن هشام بن عروة عن أسماء بنت عميس أنها قالت: يا رسول اللَّه، أدع اللَّه أن يجعلني ممن يشفع له يوم القيامة، فقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إذن تخمشك النار فإن شفاعتي لكل هالك من أمتي تخمشه [ (1) ] النار. وذكر من طريق يحيى بن معين قال: حدثنا أبو اليمان عن شعيب عن أبي حمزة عن الزهري عن أنس بن مالك عن أم حبيب رضي اللَّه عنها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ذكر ما تلقى أمته بعده من سفك دم بعضها بعضا، وسبق ذلك من اللَّه كما سبق في الأمم قبلهم، فسألته أن يوليني شفاعة فيهم ففعل. وذكر من طريق أبي عوانة عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذرّ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: بعثت إلى الأحمر والأسود، وأحلّت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، ونصرت بالرعب شهرا فيرعب العدو مني مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وقيل سل تعط فاختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة وهي نائلة إن شاء اللَّه من لم يشرك باللَّه شيئا. وذكر شيبان بن فروخ قال: حدثنا حرب بن شريح، أخبرنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنه أنه قال: ما زلنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وقال إني ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.   [ (1) ] الخمش: الخدش في الوجه، وقد يستعمل في سائر الجسد، والخموش الخدوش، قال الفضل بن عباس يخاطب امرأته: هاشم جدّنا، فإن كنت غضبي ... فاملئي وجهك الجميل خدوشا والخماشة من الجراحات: ما ليس له أرش [دية] معلوم، كالخدش ونحوه، والخماشة: الجناية. مختصرا من (لسان العرب) : 6/ 299. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 وذكر من طريق أبي داود الطيالسي قال: أخبرنا محمد بن ثابت عن جعفر ابن محمد بن على عن أبيه جابر بن عبد اللَّه قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، قال: فقال لي جابر: من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة. قال أبو عمرو: والآثار في هذا كثيرة متواترة، والجماعة وأهل السنة على التصديق بها، ولا ينكرها إلا أهل البدع. وذكر من طريق قاسم بن أصبغ قال: أخبرنا الحرث بن أبي أسامة، أخبرنا إسحاق بن عيسى، أخبرنا حماد بن زيد عن على بن زيد عن يوسف بن عوان عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا أيها الناس، إن الرجم حق ولا تخدعنّ عنه، وآية ذلك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد رجم، وأبا بكر [قد رجم] [ (1) ] ، ورجمنا بعدهما، وأنه سيكون أناس يكذبون بالرجم، ويكذبون باللعان، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها، ويكذبون بعذاب القبر، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا، قال أبو عمر: كل هذا يكذب به جميع طوائف أهل البدع والخوارج والمعتزلة والجهمية وسائر الفرق المبتدعة، وأما أهل السنة، أئمة الفقه والأمر في جميع الأمصار فيؤمنون بذلك كله ويصدقونه، وهم أهل الحق، واللَّه المستعان. ***   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 إيضاح وتبيان قد استشكل ظاهر قوله: لكل نبي دعوة يدعو بها، إنما وقع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة، ولا سيما نبينا صلى اللَّه عليه وسلم، فإنه ظاهره أن لكل نبي دعوة واحدة مجابة فقط، والجواب: أن المراد بالإجابة الدعوة المذكورة القطع بها، وما عدا ذلك من دعوات فهو على رجاء الإجابة، وقيل: مضى قوله: لكل نبي دعوة أي أفضل دعواته، ولهم دعوات أخر، وقيل: لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته إما بإهلاكهم أو بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب: وقيل: لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه، كقول نوح عليه السلام: لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [ (1) ] ، وقول زكريا عليه السلام: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [ (2) ] ، وقول سليمان عليه السلام: وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ (3) ] ، حكاه ابن التين. وقال بعض شراح (المصابيح) : اعلم أن جميع دعوات الأنبياء مستجابة، والمراد بهذا الحديث أن لكل نبي دعاء على أمته بالإهلاك إلا أنا فلم أدع، فأعطيت الشفاعة عوضا عن ذلك للصبر على أذاهم، والمراد بالأمة: أمة الدعوة لا أمة الإجابة، وتعقبه الطيبي بأنه صلى اللَّه عليه وسلم دعا على أحياء من العرب، ودعا على الناس من قريش بأسمائهم، فدعا على رعل وذكوان وغيرهم. قال: والأولى أن يقال: أن اللَّه تعالى جعل لكل نبي دعوة تستجاب في حق أمته، فنالها كل منهم في الدنيا إلا نبينا فإنه لما دعا على بعض أمته نزل عليه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [ (4) ] ، فبقي تلك الدعوة المستجابة مدّخرة للآخرة، وغالب من دعا عليهم لم يرد إهلاكهم، وإنما أراد ردعهم ليتوبوا [ (5) ] .   [ (1) ] 26: نوح. [ (2) ] 5: مريم. [ (3) ] 35: ص. [ (4) ] 128: آل عمران. [ (5) ] (فتح الباري) : 11/ 116- 117. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 وأما جزمه أولا بأن جميع أدعيتهم مستجابة ففيه غفلة عن الحديث الصحيح: سألت اللَّه ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. وقال ابن بطال: في هذا الحديث بيان فضيلة نبينا صلى اللَّه عليه وسلم على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة، ولم يجعلها أيضا دعاءً عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم [ (1) ] . وقال ابن الجوزي: هذا من حسن تصرفه صلى اللَّه عليه وسلّم، لأنه جعل الدعوة بشيء ينبغي، ومن كثرة كرمه أنه آثر أمته على نفسه، ومن صحة نظره أنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين. وقال النووي: فيه كمال شفقته صلى اللَّه عليه وسلّم على أمته ورأفته بهم، واعتناؤه بالنظر في مصالحهم، فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم [ (2) ] . قال أبو عمر بن عبد البر: وأما قوله: لكل نبي دعوة يدعو بها، فمعناه: أن كل نبي أعطى أمنية وسؤلا ودعوة يدعو بها ما شاء أجيب وأعطيه. ولا وجه لهذا الحديث غير ذلك، لأن لكل نبي دعوات مستجابات، ولغير الأنبياء أيضا، دعوات مستجابات، وما يكاد أحد من أهل الإيمان يخلو من أن تجاب دعوته ولو مرة في عمره، فإن اللَّه تعالى يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ (3) ] ، وقال: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ [ (4) ] ، وقال صلى اللَّه عليه وسلّم: ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث: إما يستجاب له فيما دعا به، وإما أن يدخر له مثله، أو يكفر عنه [ (5) ] . وقال: دعوة المظلوم لا ترد ولو كانت من كافر، والدعاء عند حضرة النداء، والصف في سبيل اللَّه، وعند نزول الغيث، وفي ساعة يوم الجمعة لا يرد، فإذا كان هذا، هكذا لجميع المسلمين، فكيف يتوهم متوهم أن ليس للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم ولا لسائر الأنبياء إلا دعوة واحدة يجابون فيها، هذا ما لا يتوهمه ذو لب ولا إيمان، ولا من له أدنى فهم، وباللَّه التوفيق.   [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 116- 117. [ (2) ] انظر شرح النووي لأحاديث الشفاعة بصحيح مسلم كتاب الإيمان. [ (3) ] 60: غافر. [ (4) ] 41: الأنعام. [ (5) ] رواه الترمذي رقم (3378) في الدعوات، باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة، وهو حديث صحيح لكن باختلاف يسير، وأخرجه مالك موقوفا في القرآن 1/ 217. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 وأما حوض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو الكوثر قال اللَّه جل جلاله: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [ (1) ] ، واختلف في المراد به، فقيل إنه نهر في الجنة، وقيل: الكوثر: الخير الكثير الّذي أعطيه النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقد بلغ التواتر عن جماعة من علماء الآثار، ورواه الجم الغفير عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: وبان، وجابر، وأبو هريرة، وجابر بن سمرة، وعقبة بن عامر، وعبد اللَّه بن عمرو، وأبوه عمرو بن العاص، وحارثة بن وهب، والمستورد، وأبو برزة، وحذيفة، وأبو أمامة، وأبو بكر، وعمر، وابن مسعود، وعبد اللَّه بن زيد، وسهل بن سعيد، وسويد بن عبلة، وبريدة وأبو سعيد، والبراء بن عازب، وعتبة ابن عبد السلمي وجندب، والصنايجي، وأبو بكرة، وأبو ذر الغفاريّ، وأسماء بنت أبي بكر، وخولة بنت قيس، ذكرهم اللالكائي وغيره. قال القاضي عياض [ (2) ] : أحاديث الحوض صحيحة، والإيمان به فرض، والتصديق به من الإيمان، وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة، لا يتأول ولا يختلف فيه، وحديثه متواتر النقل، رواه خلائق من الصحابة. قاله ابن عباس. وقيل: هو العلم والقرآن، قاله الحسن، وقيل: النبوة، قاله عكرمة، وقيل: إنه حوض النبي صلى اللَّه عليه وسلم يكثر عليه الناس. قاله عطاء، وقيل: إنه كثرة أتباعه وأمته، قاله أبو بكر بن عياش، وقال جعفر بن محمد الصادق: يعني بالكوثر نورا في قلبك يدلّك علي ويقطعك عمن سواي. وعنه أيضا أنه الشفاعة. وقال هلال بن يسار: هو قول لا إله إلا اللَّه، وقيل: هو الصلوات الخمس. وأصح هذه الأقوال: ما ثبت عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، [فقد] [ (3) ] خرج البخاري في آخر كتاب الرقاق من حديث هدبة بن خالد، حدثنا همام، حدثنا   [ (1) ] 1: الكوثر. [ (2) ] (الشفا) : 1/ 185. [ (3) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 قتادة، حدثنا أنس بن مالك عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: [بينما] [ (1) ] أنا أسير في الجنة، [إذا] [ (2) ] أنا بنهر [حافّتاه] [ (3) ] قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الّذي أعطاك ربك، فإذا طيبه أو طينه [مسك] [ (4) ] أذفر شكّ هدبة [ (5) ] . وخرج في التفسير من حديث شيبان، حدثنا قتادة عن أنس: لما عرج بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم إلى السماء قال: أتيت على نهر حافاته قباب اللؤلؤ [مجوف] [ (6) ] فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر [ (7) ] . ومن حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة رضي اللَّه عنها قال: سألتها عن قوله [تعالى] [ (8) ] : إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قالت: هو نهر أعطيه نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم شاطئاه [عليه] [ (9) ] در مجوف، آنيته كعدد النجوم [ (10) ] . [رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف عن أبي إسحاق] [ (8) ] . ومن حديث أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أنه قال في الكوثر: هو الخير الكثير الّذي أعطاه اللَّه إياه، قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الّذي في الجنة هو الخير الّذي أعطاه اللَّه إياه [ (11) ] .   [ (1) ] في (خ) : «بينا» وما أثبتناه من البخاري. [ (2) ] في (خ) : «وإذا» . [ (3) ] في (خ) : «حافته» . [ (4) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (5) ] حديث رقم (6581) ، كتاب الرقاق، باب (53) في الحوض وقول اللَّه تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ. [ (6) ] في (خ) : «مجوفة» ، وما أثبتناه من البخاري. [ (7) ] حديث رقم (4964) من كتاب التفسير باب (108) ، سورة إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ. [ (8) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (9) ] في (خ) : «عليهما» . [ (10) ] حديث رقم (4965) ، من كتاب التفسير، باب (108) ، سورة: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ. [ (11) ] أخرجه البخاري في التفسير، باب (108) ، سورة إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، حديث رقم (4966) ، وفي الرقاق، باب (53) ، في الحوض وقول اللَّه تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، حديث رقم (6578) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 وخرج مسلم من حديث على بن مسهر قال: أخبرنا المختار بن فلفل عن أنس ابن مالك رضي اللَّه عنه قال: بينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم بين أظهرنا إذ غفا إغفاءة ثم رجع، فرأيته مبتسما!! فقلنا: ما أضحكك يا رسول اللَّه؟ قال: نزلت على آنفا سورة، فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ (1) ] إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (2) ] ، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ فقلنا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر في الجنة وعدنيه ربي عليه خير كثير، أو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك [ (3) ] . [زاد   [ (1) ] أول سورة الفاتحة. [ (2) ] أول سورة الكوثر 1- 3. [ (3) ] أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب (14) ، حجة من قال البسملة آية من أول كل سورة سوى (براة) ، حديث رقم (400) . وقوله: «يختلج» ، أي ينتزع وينقطع، وفي هذا الحديث فوائد، منها: أن البسملة في أوائل السور من القرآن، وهو مقصود مسلم بإدخال هذا الحديث هنا. وفيه جواز النوم في المسجد، وجواز نوم الإنسان بحضرة أصحابه، وأنه إذا رأى التابع من متبوعه تبسما أو غيره مما يقتضي حدوث أمر، يستحب له أن يسأل عن سببه. وفيه إثبات الحوض والإيمان به واجب. قوله: «وهل تدري ما أحدثوا بعدك» ، وفي الرواية الأخرى: قد بدلوا بعدك فأقول: «سحقا سحقا» ، هذا مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال: أحدها: أن المراد به المنافقون والمرتدون، فيقال: ليس هؤلاء ممن وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك، أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم. والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم ارتد بعده، فيناديهم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء، لما كان يعرفه صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدوا بعدك. والثالث: أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر، الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء الذين ينادون بالنار، بل يجوز أن يزاد عقوبة لهم، ثم يرحمهم اللَّه سبحانه وتعالى فيدخلهم الجنة بغير عذاب. وقال الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج، والروافض، وسائر أصحاب الأهواء. قال: وكذلك الظلمة المسرفون في الجور، وطمس الحق، والمعلنون بالكبائر. قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخير. واللَّه تعالى أعلم. مختصرا من (مسلم بشرح النووي) : 3/ 138- 139، كتاب الطهارة، باب (12) استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، حديث رقم (246) ، 4/ 355- 356، كتاب الصلاة، باب (14) حجة من قال البسملة آية من أول كل سورة سوى (براءة) ، حديث رقم (400) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 ابن حجر في حديثه: «بين أظهرنا في المسجد» وقال: «ما أحدث بعدك» ] [ (1) ] . وفي رواية النسائي: «أحدثت بعدك» ، وهي رواية لمسلم أيضا، وقال النسائي في حديثه: «آنيته أكثر من عدد الكواكب» ، ذكره النسائي في كتاب الصلاة، وفي كتاب التفسير. [ ... ] [ (2) ] وخرج الترمذي من حديث محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب عن محارب ابن دثار عن عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل، وأبيض من الثلج. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ذكره في التفسير [ (3) ] . وخرج البخاري في الرقاق من حديث شعبة عن عبد الملك [بن عمير] [ (4) ] قال: سمعت جندبا يقول: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: أنا فرطكم على الحوض [ (5) ] . وخرجه مسلم من حديث زائدة عن عبد الملك [ (6) ] ، وذكر له طرقا، وله من   [ (1) ] ما بين الحاصرتين تكملة من المرجع السابق. [ (2) ] في (خ) بعد قوله: «في كتاب التفسير» طمس في الأصل، لم يظهر في التصوير الميكروفيلم، قال المقريزي بعده: «وخرجه أبو داود بهذا الإسناد وقال: فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة، عليه خير كثير، عليه حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، ذكره في كتاب شرح السنة، في باب الحوض» . [ (3) ] رقم (3358) باب ومن سورة الكوثر، وأخرجه ابن ماجة في الزهد حديث رقم (43344) باب صفة الجنة، وأحمد في (المسند) 2/ 256، حديث رقم (5877) ، وإسناده صحيح، فإن الراويّ عن عطاء عنده هو حماد بن زيد، وقد سمع منه قديما. وذكره السيوطي في (الدر المنثور) : 6/ 403، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، وابن جرير. [ (4) ] زيادة من (خ) . [ (5) ] أخرجه البخاري في الرقاق، باب (53) ، في الحوض، وقول اللَّه تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ» ، حديث رقم (6589) . [ (6) ] أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب (9) إثبات حوض نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وصفاته، حديث رقم (25) ، وجندب: هو أبو ذر الغفاريّ الصحابي الجليل رضي اللَّه عنه، وسبقت له ترجمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 حديث سماك بن حرب عن جابر بن سمرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ألا إني فرط لكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة، كأن الأباريق فيه النجوم [ (1) ] . وله من حديث حاتم بن إسماعيل، عن المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد ابن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع: أخبرني بشيء سمعته من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فكتب إليّ: أني سمعته يقول: أنا الفرط على الحوض [ (2) ] . وخرج مسلم من حديث ابن أبي عدي عن شعبة عن معبد بن خالد عن حارثة أنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: حوضه ما بين صنعاء والمدينة، فقال له المستورد: ألم تسمعه قال الأواني؟ فقال: لا، فقال المستورد: ترى فيه الآنية مثل الكواكب [ (3) ] . وخرجه البخاري من حديث حرمي بن عمارة، حدثنا شعبة عن معبد بن خالد «عن حارثة سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وذكر الحوض فقال: كما بين المدينة وصنعاء» [ (4) ] [قال] [ (5) ] : وزاد ابن أبي عدي عن شعبة عن معبد بن خالد عن حارثة سمع   [ (1) ] المرجع السابق، حديث رقم (44) ، وصنعاء: منسوبة إلى جودة الصنعة ذاتها، كقولهم: امرأة حسناء وعجزاء وشلاء، والنسبة إليها صنعانيّ على غير قياس، كالنسبة إلى بهراء بهراني. روى البخاري في صحيحه في كتاب مناقب الأنصار، باب (29) من حديث خباب مرفوعا، وفيه: «وليتمن اللَّه هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا اللَّه» قال البخاري: زاد بيان: «والذئب على غنمه» . وصنعاء موضعان، أحدهما باليمن، وهي العظمي، وأخرى قرية بالغوطة من دمشق، وقد ذكرهما ياقوت الحموي في (معجم البلدان) بالتفصيل، وفرّق بين من نسب إلى هذه وهذه، ج 3 ص 483- 489، فليراجع هناك، و (تقويم البلدان) : 94- 95. وأيلة: بالفتح: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام، وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام، قال أبو زيد: أيلة مدينة صغيرة، عامرة، بها زرع يسير، وهي مدينة اليهود الذين حرّم اللَّه عليهم صيد السمك يوم السبت فخالفوا فمسخوا قردة وخنازير. (معجم البلدان) : 1/ 347. [ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب (9) إثبات حوض نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وشفاعته، حديث رقم (45) . [ (3) ] المرجع السابق، حديث رقم (33) . [ (4) ] أخرجه البخاري في الرقاق باب (53) في الحوض، وقول اللَّه تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، حديث رقم (6591) . [ (5) ] زيادة من (خ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: حوضه ما بين صنعاء والمدينة، فقال له المستورد: ألم تسمعه قال الأواني؟ قال: لا، قال المستورد: ترى فيه الآنية مثل الكواكب [ (1) ] . وخرج مسلم وأحمد من حديث عبد العزيز بن عبد الصمد العمى، عن أبي عمران الجوني عن عبد اللَّه بن الصامت عن أبي ذر رضي اللَّه عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه، ما آنية الحوض؟ قال: والّذي نفس محمد بيده، لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء، وكواكبها، ألا في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، ذكره في المناقب [ (2) ] . وله من حديث يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد عن عقبة بن عامر رضي اللَّه عنه قال: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على قتلى أحد، ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات فقال: إني فرطكم على الحوض، وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة [ (3) ] ،   [ (1) ] المرجع السابق، حديث رقم (6592) . [ (2) ] أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب (9) إثبات حوض نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وشفاعته، حديث رقم (36) . وأخرجه أحمد في (المسند) : 6/ 184- 185 عن أبي ذر الغفاريّ رضي اللَّه عنه، حديث رقم (20820) ، وأخرجه أحمد بنحو منه في المرجع السابق 2/ 256، حديث رقم (5877) مسند عبد اللَّه بن عمر. [ (3) ] الجحفة: بالضم ثم السكون، والفاء: كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمروا على المدينة، فإن مروا بالمدينة فميقاتهم ذو الحليفة، وكان اسمها مهيعة، وإنما سميت الجحفة، لأن السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام، وهي الآن خراب، وبينها وبين ساحل الحجاز نحو ثلاث مراحل، وبينها وبين المدينة ست مراحل. وقال السكري: الجحفة: على ثلاث مراحل من مكة في طريق المدينة، والجحفة أول الغور إلى مكة، وكذلك هي من الوجه الآخر إلى ذات عرق، وأول الثغر من طريق المدينة أيضا الحجفة. وقال الكلبي: إن العماليق أخرجوا بني عقيل، وهم إخوة عاد بن رب، فنزلوا الجحفة، وكان اسمها يومئذ مهيعة، فجاءهم سيل واجتحفهم، فسميت الجحفة. ولما قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة استوبأها وحمّ أصحابه، فقال: اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشدّ، وصحّحها، وبارك لنا في صاعها ومدّها، وانقل حمّاها إلى الجحفة. وروى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم نعس ليلة في بعض أسفاره، إذ استيقظ فأيقظ أصحابه وقال: مرّت بي الحمى في صورة امرأة ثائرة الرأس منطلقة إلى الجحفة، (معجم البلدان) : 2/ 129. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن [تنافسوا] [ (1) ] فيها فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم، قال عقبة: فكان آخر ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على المنبر [ (2) ] . وذكره البخاري بهذا السند ولفظه: قال: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال: إني بين أيديكم فرط، وأنا شهيد عليكم، إن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها. قال: فكانت آخر نظرة نظرها إليّ رسول اللَّه [ (3) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير عن عقبة بن عامر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وأني واللَّه لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني واللَّه ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها [ (3) ] . لفظهما متقارب جدا، ذكره البخاري في باب الصلاة على الشهيد، وفي كتاب الرقاق، وفي آخر غزوة أحد. وذكره في باب علامات النبوة في الإسلام وقال: مفاتيح خزائن الأرض (من غير شك) . وذكره أبو داود بهذا الإسناد [ (4) ] ، وانتهى من الحديث إلى قوله: ثم انصرف. وذكره النسائي [ (5) ] وانتهى إلى قوله: وأنا شهيد عليكم.   [ (1) ] في (خ) : «تتنافسوا» . [ (2) ] أخرجه مسلم في الفضائل، باب (9) إثبات حوض نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وصفاته، حديث رقم (31) . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي البخاري: «نظرتها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم» . والحديث رواه البخاري في الرقاق، باب في الحوض، وباب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، وفي الجنائز، باب الصلاة على الشهيد، وفي الأنبياء، باب علامات النبوة في الإسلام، وفي المغازي، باب غزوة أحد، وباب أحد يحبنا ونحبه. ومسلم في الفضائل، باب (9) إثبات حوض نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وصفاته. [ (4) ] (صحيح سنن أبي داود) : 2/ 620، باب (75) ، الميت يصلى على قبره بعد حين، حديث رقم (2760) ، قال الألباني: صحيح. [ (5) ] (صحيح سنن النسائي) : 2/ 420، باب (61) ، الصلاة على الشهداء، حديث رقم (1846) ، قال الألباني: صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 وخرج مسلم من حديث معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن سالم ابن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن ثوبان، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: إني لبعقر حوضي أذود الناس [عنه] [ (1) ] لأهل اليمن، أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم، فسئل عن عرضه فقال: من مقامي إلى عمان، وسئل عن شرابه فقال: أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من الذهب والآخر من ورق [ (2) ] . وخرج أيضا من حديث الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من الإبل [ (3) ] . وخرج البخاري في كتاب الشرب من حديث شعبة عن محمد بن زياد سمعت أبا هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: والّذي نفسي بيده لأذودن رجالا عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض [ (4) ] . وخرج مسلم من حديث عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرني عمرو- وهو ابن الحرث- أن بكيرا حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي، عن عبد اللَّه بن رافع مولى أم سلمة، عن م سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنها قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم سمع ذلك من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما كان [يوما] [ (5) ] من ذلك- والجارية تمشطني- فسمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: [أيّها] [ (6) ] الناس، فقلت للجارية: استأخري عنها، قالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت: إني من الناس، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إني لكم فرط على الحوض، فإياي لا يأتينّ   [ (1) ] زيادة من (خ) . [ (2) ] أخرجه مسلم في الفضائل باب (9) إثبات حوض نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وصفاته، حديث رقم (37) ، وعقر الحوض: مؤخره. [ (3) ] المرجع السابق، حديث رقم (38) ، وفي (خ) : «تزاد» . [ (4) ] (جامع الأصول) : 10/ 473، في ورود الناس على الحوض، حديث رقم (8004) ، وإسناده صحيح. [ (5) ] في (خ) : «يوم» . [ (6) ] في (خ) : «يا أيها» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 أحدكم فيذبّ عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: [سحقا] [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد اللَّه بن عمرو، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبدا. ذكره في الرقاق في باب الحوض [ (2) ] . وله فيه من حديث نافع بن عمر، حدثني ابن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنها قالت: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: إني على الحوض حتى انظر من يرد عليّ منكم، [وسيؤخذ] [ (3) ] ناس دوني، فأقول: يا رب [مني] [ (4) ] ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ واللَّه ما برحوا يرجعون على أعقابهم. فكان ابن أبي مليكة يقول: اللَّهمّ إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا. على أعقابهم ينكصون: يرجعون على العقب، ذكره في كتاب الفتن [ (5) ] . وخرج مسلم في المناقب من حديث نافع بن عمر الجمحيّ، عن ابن أبي مليكة، قال: قال عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: حوضي مسيرة شهر، زواياه سواء وماؤه أبيض من الورق، وريحه أطيب من المسك، كيزانه كنجوم السماء، فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبدا. قال: وقالت أسماء بنت أبي بكر: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إني على الحوض [حتى] [ (6) ] انظر من يرد عليّ منكم، وسيؤخذ ناس دوني فأقول: يا رب مني ومن أمتي، فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك؟ واللَّه ما برحوا يرجعون على أعقابهم، قال: وكان ابن أبي مليكة   [ (1) ] في (خ) : «فسحقا» ، أخرجه مسلم في الفضائل باب (9) إثبات حوض نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وصفاته، حديث رقم (29) . [ (2) ] حديث رقم (6579) . [ (3) ] في (خ) : «وسيوجد» . [ (4) ] في (خ) : «أمتي» . [ (5) ] باب (1) ما جاء في قول اللَّه تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، وما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يحذّر من الفتن، حديث رقم (7048) وذكره أيضا في كتاب الرقاق، باب (53) في الحوض، وقول اللَّه تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، حديث رقم (6593) . [ (6) ] تكملة من رواية البخاري. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 يقول: اللَّهمّ إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن عن ديننا [ (1) ] . وله من حديث ابن خيثم عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبي مليكة، سمع عائشة رضي اللَّه عنها تقول: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يقول بين ظهراني أصحابه: إني على الحوض أنتظر من يرد عليّ منكم، فو اللَّه ليقتطعن دوني رجال فلأقولن: أي رب، مني ومن أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم [ (2) ] . وخرج البخاري في الرقاق من حديث أبي عوانة عن سليمان عن شقيق عن عبد اللَّه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [أنه قال] : أنا فرطكم على الحوض، وليرفعنّ إليّ رجال منكم حتى إذا هويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب أصحابي! يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك [ (3) ] . وخرجه مسلم من طرق [ (4) ] . وخرج البخاري من حديث عبد اللَّه قال: حدثني نافع عن ابن عمر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لي: إنّ أمامكم حوضا ما بين جرباء وأذرح [ (5) ] . وخرجه مسلم من طرق في بعضها: حوضي، وفي بعضها: إن أمامكم حوضا ما بين ناحيتيه. وخرجه كذلك أبو داود وفي بعضها: إن أمامكم حوضا كما بين جرباء وأذرح، فيه أباريق كنجوم السماء، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا [ (6) ] .   [ (1) ] وأخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب (53) الحوض، حديث رقم (6593) ، وفي كتاب الفتن، باب (1) ، حديث رقم (7048) . [ (2) ] أخرجه مسلم في الفضائل، باب (9) حديث رقم (28) . [ (3) ] أخرجه البخاري في الرقاق، باب (53) الحوض بسند آخر وسياقة أخرى، حديث رقم (6576) . [ (4) ] أخرجه مسلم في الفضائل، باب (9) ، حديث رقم (40) . [ (5) ] كتاب الرقاق، باب (53) ، حديث رقم (6577) . [ (6) ] مسلم في الفضائل، باب (9) ، حديث رقم (34، 35) ، والجرباء: كأنه تأنيث الأجرب، موضع من أعمال عمان بالبلقاء من أرض الشام، قرب جبال السراة من ناحية الحجاز، وهي قرية من أذرح، وبينهما كان أمر الحكمين بين عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعريّ. والجرباء أيضا: ماء لبني سعد بن زيد مناة بن تميم بين البصرة واليمامة. (معجم البلدان) : 2/ 137. وأذرح: بالفتح، ثم السكون، وضم الراء، والحاء المهملة: اسم بلد في أطراف الشام من أعمال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 وخرج البخاري من حديث ابن وهب عن يونس، قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة [ (1) ] . وخرجه مسلم من طرق، في بعضها: ما بين لابتي حوضي. وله من حديث خالد بن الحرب عن سعيد عن قتادة، قال أنس: قال نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ترى فيه: أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء [ (2) ] . وفي لفظ: أو أكثر من عدد نجوم السماء [ (3) ] . وذكر البخاري ومسلم أحاديث فيها ذكر الحوض من حديث سهل بن سعد بمعنى ما تقدم، وجاءت أحاديث أخر في ذكر الحوض، وفيما أوردته من الصحيحين والسنن ما يشبع ويكفي إن شاء اللَّه. وقال أبو عمر بن عبد البر: وكل من أحدث في الدين ما لا يرضاه اللَّه، ولم يأذن به اللَّه، فهو من المطرودين عن الحوض، المبعدين عنه، وأشدهم طردا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، مثل الخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، هؤلاء كلهم مبدلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق، وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع، كل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا عنوا بهذا الخبر، ولا يخلد في النار إلا كل فاجر جاحد، ليس في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. وقد قال أبو القاسم: قد يكون من غير أهل الأهواء من هو شر من أهل الأهواء، وكان يقال: تمام الإخلاص تجنب المعاصي. (انتهى) .   [ () ] الشراة، ثم من نواحي البلقاء، وفي كتاب مسلم بن الحجاج: بين أذرح والجرباء ثلاثة أيام، (المرجع السابق) : 1/ 157. [ (1) ] أخرجه البخاري في الرقاق، باب (53) ، حديث رقم (6591) ، وقال فيه: «كما بين المدينة وصنعاء» ، ورواية مسلم في الفضائل: «بين صنعاء والمدينة» . [ (2) ] أخرجه مسلم في الفضائل باب (9) ، حديث رقم (43) . [ (3) ] المرجع السابق في الباب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 والظاهر أن الشرب من الحوض يكون بعد الحساب والنجاة من النار، وقيل: يشرب منه إلا من قدر له السلامة من النار. واللَّه الرحيم الرحمن [ (1) ] . ***   [ (1) ] قال القاضي عياض رحمه اللَّه: أحاديث الحوض صحيحة، والإيمان به فرض، والتصديق به من الإيمان، وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة، لا يتأوّل ولا يختلف فيه. قال القاضي: وحديثه متواتر النقل، رواه خلائق من الصحابة، فذكره مسلم من رواية ابن عمرو ابن العاص، وعائشة، وأم سلمة، وعقبة بن عامر، وابن مسعود، وحذيفة، وحارثة بن وهب، والمستورد، وأبي ذر، وثوبان، وأنس، وجابر بن سمرة. ورواه غير مسلم من رواية أبي بكر الصديق، وزيد بن أرقم، وأبي أمامة، وعبد اللَّه بن زيد، وأبي برزة، وسويد بن جبلة، وعبد اللَّه بن الصنابحي، والبراء بن عازب، وأسماء بنت أبي بكر، وخولة بن قيس، وغيرهم. قال الإمام النووي: ورواه البخاري ومسلم أيضا من رواية أبي هريرة، ورواه غيرهما من رواية عمر بن الخطاب، وعائذ بن عمر، وآخرين. وقد جمع ذلك كله الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه (البعث والنشور) بأسانيده، وطرقه، المتكاثرات. قال القاضي: وفي بعض هذا ما يقتضي كون الحديث متواترا. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أنا فرطكم على الحوض» ، قال أهل اللغة: الفرط بفتح الفاء والراء، والفارط: هو الّذي يتقدم الوارد ليصلح لهم الحياض، والدلاء، ونحوها من أمور الاستقاء. فمعنى «فرطكم على الحوض» : سابقكم إليه كالمهيء له. (مسلم بشرح النووي) : 15/ 59. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 وأما كثرة أتباعه صلى اللَّه عليه وسلّم فخرج مسلم من حديث جرير عن المختار بن فلفل عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا [ (1) ] . وفي رواية سفيان عن مختار: أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة [ (2) ] . وفي رواية زائدة عن المختار: أنا أول شفيع في الجنة، لم يصدّق نبي من الأنبياء ما صدقت، وإن من الأنبياء نبيا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد [ (3) ] . وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] والنسائي من حديث الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الّذي [أوتيته] وحيا أوحي إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم [تابعا] يوم القيامة. وخرج الترمذي من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن لكل نبي حوضا وإنهم يتباهون أكثرهم واردة، وإني   [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (85) في قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعا» ، حديث رقم (330) . [ (2) ] المرجع السابق، حديث رقم (331) . [ (3) ] المرجع السابق، حديث رقم (332) . [ (4) ] أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب (1) كيف نزل الوحي، وأول ما نزل، حديث رقم (4981) ، وفي (خ) : «أوتيت» ، و «تبعا» ، والتصويب من رواية البخاري، وأخرجه البخاري أيضا في كتاب الاعتصام بالسنة، باب (1) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: بعثت بجوامع الكلم، حديث رقم (7274) . [ (5) ] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (70) وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته، حديث رقم (329) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 لأرجو أن أكون أكثرهم واردة [ (1) ] . قال هذا حديث غريب، وقد روى الأشعث ابن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مرسلا، ولم يذكر عن سمرة، وهذا أصح. ***   [ (1) ] (صحيح سنن الترمذي) : 2/ 295- 296، باب (12) صفة الحوض، حديث رقم (1988) ، قال الألباني: صحيح، و (الصحيحة) : حديث رقم (1589) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 وأما الخمس التي أعطيها صلى اللَّه عليه وسلّم وقد روى ست، وروى ثلاث وأربع، وهي تنتهي إلى أزيد من سبع، قال: فهن لم يؤتهن أحد قبلي. فخرج البخاري من حديث هشيم، أخبرنا سيار، حدثنا يزيد الفقير، قال: أخبرنا جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة. ذكره في باب التيمم [ (1) ] ، وخرجه في كتاب الصلاة [ (2) ] ولفظه: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي.. الحديث إلى آخره، وقال: وبعثت إلى كافة الناس. وخرجه مسلم [ (3) ] بهذا السند ولفظه: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة. وخرجه النسائي [ (4) ] ، ولفظه عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: جعلت لي الأرض مسجدا طهورا، فأينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلى. لم يذكر   [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب التيمم. قول اللَّه تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة: 6] باب (1) ، حديث رقم (335) . [ (2) ] باب (56) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» ، حديث رقم (438) . وأخرجه البخاري أيضا في كتاب فرض الخمس، باب (8) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «أحلّت لي الغنائم. وقال اللَّه عزّ وجلّ: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها [الفتح: 20] ، وهي للعامة حتى بينه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3122) ، ورقم (3124) . [ (3) ] ذكره في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم (521) . [ (4) ] ذكره النسائي في كتاب المساجد، باب (42) الرخصة في الصلاة في أعطان الإبل، حديث رقم (735) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 منه غير هذا [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث محمد بن فضيل عن أبي مالك الأشجعي عن ربعيّ عن حذيفة رضي اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: فضلنا على الأنبياء بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء، وذكر خصلة أخرى [ (2) ] . وخرجه أبو داود الطيالسي من حديث أبي عوانة عن أبي مالك بسنده ولفظه: فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجدا وترابها طهورا، وأعطيت آخر سورة البقرة وهي كنز من العرش. وروى أبو داود السجستاني من حديث جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد ابن عمير عن أبي ذر رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا [ (3) ] . وخرج ابن الجارود من حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد- يعني ابن عمرو- عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: مثله سواء. وخرج أبو بكر بن أبي شيبة بسنده ولفظه. وخرجه ابن الجارود أيضا من حديث حماد عن ثابت وحميد عن أنس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا.   [ (1) ] قال محققه: لكن ذكره النسائي أيضا في كتاب الغسل، باب (26) التيمم بالصعيد، حديث رقم (430) : أخبرنا الحسن بن إسماعيل بن سليمان، حدثنا هشيم قال: أنبأنا سيّار عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحدا قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأينما أدرك الرجل من أمتي الصلاة يصلي، وأعطيت الشفاعة، ولم يعط نبي قبلي، وبعثت إلى الناس كافة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة» . (سنن النسائي) 1/ 229- 231. [ (2) ] ذكره في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم (4) . [ (3) ] ذكره في كتاب الصلاة، باب (24) في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة، حديث رقم (489) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 وخرج أبو نعيم من حديث شعبة عن واصل عن مجاهد عن أبي ذر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أوتيت خمسا لم يؤتهن نبي قبلي: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ونصرت بالرعب على مسيرة شهر، وبعثت إلى الأحمر والأسود، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي كان قبلي، وأعطيت الشفاعة وهي نائلة من أمتي من مات منهم لا يشرك باللَّه شيئا. قال أبو نعيم: هكذا رواه شعبة عن واصل عن مجاهد عن أبي ذر، وتابعه عليه عمرو بن ذر [ (1) ] . وخرجه الإمام أحمد من حديث ابن إسحاق قال: حدثني سليمان الأعمش عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج عن عبيد بن عمير الليثي عن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أوتيت خمسا لم يؤتهن نبي كان قبلي: نصرت بالرعب فيرعب مني العدو من مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلي، وبعثت إلى الأحمر والأسود، وقيل لي: سل تعطه فاختبأتها شفاعة لأمتي، وهي نائلة منكم- إن شاء اللَّه- من لقي اللَّه عز وجل لا يشرك به شيئا، وكان مجاهد يرى أن الأحمر الإنس والأسود الجن [ (1) ] . ولأبي نعيم من حديث جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر قال: طلبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليلا فوجدته قائما يصلي فأطال الصلاة ثم قال: أوتيت الليلة خمسا لم يؤتها نبي قبلي: أرسلت إلى الأحمر والأسود، ونصرت بالرعب فيرعب العدو وهو مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وقيل لي: سل تعطه فاختبأتها شفاعة لأمتي، وهي نائلة لمن لا يشرك باللَّه شيئا [ (1) ] . قال أبو نعيم: تابع جرير استدل ابن علي وأبو معاوية ومحمد بن إسحاق على عبيد بن عمير وقال مرة: متن هذا الحديث وخصائص النبي صلى اللَّه عليه وسلّم راتب مشهور ومتفق عليه من حديث يزيد الفقير عن جابر بن عبد اللَّه وغيره، وحديث عبيد بن عمير عن أبي ذر مختلف في سنده، فمنهم من يرويه عن الأعمش عن مجاهد عن أبي ذر من دون عبيد، وتفرّد جرير بإدخال عبيد بين مجاهد وأبي ذر عن الأعمش.   [ (1) ] سبق تخريج هذه الأحاديث والتعليق عليها في فصل (اختصاصه صلى اللَّه عليه وسلّم بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر) فتراجع هناك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 وله من حديث سلمة عن مجاهد عن ابن عمر رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي: بعثت إلى الناس كافة الأحمر والأسود وإنما كان النبي يبعث إلى قومه، ونصرت بالرعب يرعب مني عدوي شهرا، وأطعمت المغنم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا [ (1) ] . وله من حديث سلمة بن كهيل عن مجاهد عن ابن عباس رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مثله، قال: وتابعه عليه الحكم بن عيينة، ورواه يزيد بن أبي زياد مثله عن مجاهد وفيه: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، ولا أقول فخرا: بعثت إلى الأحمر والأسود، فذكر مثله سواء. وله من حديث ابن لهيعة عن الحرث بن يزيد عن على بن رباح عن رجل سمع عبادة بن الصامت قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن جبريل أتاني فبشرني أن اللَّه أمدني بالملائكة وأتاني النصر، وجعل بين يدي الرعب، وأتاني السلطان والملك، وطيب لي ولأمتي الغنائم، ولم يكن لأحد قبلنا. واللَّه يؤتي فضله من يشاء وبه يكتفى [ (1) ] . ***   [ (1) ] سبق تخريجه أو نحوه والتعليق عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 وأما أنه بعث بجوامع الكلم وأوتي مفاتيح خزائن الأرض فخرج البخاري في الجهاد من حديث عقيل عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، فبينا أنا نائم أوتيت مفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي، قال أبو هريرة: وقد ذهب رسول اللَّه وأنتم تنتثلونها [ (1) ] . وخرجه في كتاب التعبير في باب المفاتيح في اليد ولفظه: بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أتيت مفاتيح خزائن الأرض وضعت [ (2) ] في يدي، قال محمد: وبلغني أن جوامع الكلم: أن اللَّه يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك [ (3) ] . وخرجه في كتاب الاعتصام من حديث إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم رأيتني أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي، قال أبو هريرة: فقد ذهب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأنتم تلغثونها أو ترغثونها، أو كلمة تشبهها [ (4) ] . وخرجه مسلم من حديث يونس عن ابن شهاب، ومن حديث الزبيدي عن الزهري، أخبرنا سعيد بن المسيب وأبو سلمة أن أبا هريرة قال: سمعت رسول   [ (1) ] باب (122) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «نصرت بالرعب مسيرة شهر» ، حديث رقم (2977) . [ (2) ] في (خ) : «فوضعت» . [ (3) ] حديث رقم (7013) ، قوله: (باب المفاتيح في اليد) أي إذا رئيت في المنام، قال أهل التعبير: المفتاح مال، وعز، وسلطان، فمن رأى أنه فتح بابا بمفتاح فإنه يظفر بحاجته، بمعونة من له بأس، وإن رأى أن بيده مفاتيح فإنه يصيب سلطانا عظيما. (فتح الباري) : 12/ 496. [ (4) ] باب (1) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «بعثت بجوامع الكلم» ، حديث رقم (7273) ، واللغث والرغث كناية عن سعة العيش، وأصله من رغث الجدي أمه إذا ارتضع منها، وأرغثته هي أرضعته. (فتح الباري) : 13/ 308. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول:.. فذكره [ (1) ] ، وخرجه من حديث معمر عن الزهري [ (2) ] ، وخرجه النسائي أيضا من حديث معمر ويونس عن الزهري [ (3) ] ، وأخرجه أيضا من حديث الزبيدي عن الزهري عن سعيد [ (4) ] ، وأبي سلمة عن أبي هريرة [ (5) ] . وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن أبي هريرة أنه كان يقول حين فتحت الأمصار في زمان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومن بعده: افتحوا ما بدا لكم، فو الّذي نفس أبي هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا اللَّه قد أعطى محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم مفاتيحها قبل ذلك. وخرج البخاري من حديث أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب، وبينما أنا نائم البارحة إذا أتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي، قال أبو هريرة: فذهب رسول اللَّه وأنتم تنتقلونها. ذكره في كتاب التعبير في باب رؤيا بالليل [ (6) ] . وخرج مسلم من حديث ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن أبي يونس مولى أبي هريرة أنه حدثه عن أبي هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: نصرت بالرعب على العدو، وأوتيت جوامع الكلم، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي [ (7) ] . وله من حديث عبد الرزّاق، حدثنا معمر عن هشام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فذكر أحاديث منها: وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم، ذكره والّذي قبله في كتاب الصلاة [ (8) ] .   [ (1) ] كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم (6) من (صحيح مسلم) . [ (2) ] الحديث الّذي يليه بالمرجع السابق. [ (3) ] (سنن النسائي) : 6/ 310 كتاب الجهاد، باب (1) وجوب الجهاد، حديث رقم (3087) . [ (4) ] المرجع السابق، حديث رقم (3089) . [ (5) ] المرجع السابق، حديث رقم (3088) . [ (6) ] حديث رقم (6998) . [ (7) ] ذكره في كتاب المساجد ومواضع الصلاة فيها، حديث رقم (7) . [ (8) ] المرجع السابق، حديث رقم (8) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 وخرج من حديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون [ (1) ] . وخرجه أبو نعيم من حديث أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: فضلت على النبيين بست: أوتيت جوامع الكلم، ونصت بالرعب، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، وأرسلت إلى الناس كافة، وأحلت لي الغنائم، وختم بي النبيون [ (2) ] . وله من حديث محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أعطيت فواتح الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم إذ أتيت بمفاتح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي [ (2) ] . وله من حديث الحسن بن سفيان قال: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا عيسى ابن ميمون، حدثنا محمد بن كعب قال: سمعت ابن عياش رضي اللَّه عنه يقول: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: أوتيت خصالا لا أقولها فخرا، قيل: وما هن يا رسول اللَّه؟ قال: غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وجعلت أمتي خير الأمم، وأوتيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأوتيت الكوثر آنيته عدد نجوم السماء. وله من طريق الغرياني جعفر بن محمد قال: حدثنا أبو جعفر النفيلي، حدثنا موسى بن أمين عن عطاء بن السائب عن أبي جعفر عنه أبيه عن جده عن أبي طالب عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي: أرسلت إلى الأبيض والأسود والأحمر، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي قبلي، وأعطيت جوامع الكلم، يعني القرآن [ (2) ] .   [ (1) ] كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم (6) من صحيح مسلم. [ (2) ] سبق تخريج هذه الأحاديث والتعليق عليها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 وخرج مسلم من حديث مالك بن مغول عن الزبير بن عديّ عن مرة الهمدانيّ عن عبد اللَّه قال: لما أسري برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم انتهى به إلى سدرة المنتهى، أعطي ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن كان من أمته لا يشرك باللَّه المقحمات [ (1) ] . وذكر قتادة عن أبي المليح عن واثلة بن الأسقع قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أعطيت مكان التوراة السبع، ومكان الزبور المئين، ومكن الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل [ (2) ] . ***   [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان. باب (76) في ذكر سدرة المنتهى، حديث رقم (279) ، والمقحمات: الذنوب الكبائر التي تقحم أصحابها في النار. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 475، وأخرجه الطبراني في الكبير، وأشار إليه السيوطي بالحسن، (فيض القدير) : 1/ 565. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 وأما تأييده بقتال الملائكة معه فخرج البخاري من حديث يحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقيّ عن أبيه- وكان أبوه من أهل بدر- قال: جاء جبريل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة [ (1) ] . ومن حديث خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال يوم بدر: هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب [ (2) ] . ولمسلم قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة السوط، فاخضرّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة، فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين [ (3) ] . ولعثمان بن سعيد الدارميّ من حديث معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ [ (4) ] ، قال: أقبلت عير مكة تريد الشام، فبلغ أهل مكة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يريدون العير، فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السير إليها لكيلا يغلب عليها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وكان اللَّه عز وجل قد وعدهم إحدى الطائفتين، وكانوا أن يلقوا   [ (1) ] أخرجه في كتاب المغازي، باب (11) شهود الملائكة بدرا، حديث رقم (3992) . [ (2) ] المرجع السابق، حديث رقم (3995) ، وأخرجه أيضا في باب (17) غزوة أحد برقم (4041) وفيه: «قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد ... » وباقي الحديث بمثله سواء. [ (3) ] أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب (18) الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم، حديث رقم (58) ، وهو حديث طويل. [ (4) ] 7: الأنفال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 العير أحب إليهم وأيسر شوكة، وأحضر مغنما، فلما سبقت العير وفاتت سار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالمسلمين يريد القوم، فكره القوم مسيرهم لشوكة القوم، فنزل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم والمسلمين بينهم وبين الماء رملة دعصة، فأصاب المسلمين ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم القنط يوسوسهم: تزعمون أنكم أولياء اللَّه وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم كذا، فأمطر اللَّه عليهم مطرا شديدا، فشرب المسلمون وتطهروا، فأذهب اللَّه عنهم رجز الشيطان، وصار الرمل كذا، ذكر كلمة أخبر أنه أصابه المطر، ومشى الناس عليه والدواب، فساروا إلى القوم، وأمدّ نبيّه والمؤمنين بألف من الملائكة، فكان جبريل في خمسمائة من الملائكة مجنبة، [وميكائيل في خمسمائة مجنبة] [ (1) ] ، وجاء إبليس في جند من الشياطين معه، رأيته في صورة رجال بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جشعم، فقال الشيطان للمشركين: لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ [ (2) ] ، فلما اصطف القوم قال أبو جهل: اللَّهمّ أولانا بالحق فانصره. ورفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يده فقال: يا رب إنك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا، فقال جبريل: خذ قبضة من التراب، فأخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينه ومنخريه وفمه ترابا من تلك القبضة فولوا مدبرين، وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس- لعنه اللَّه- فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع إبليس يده ثم ولى مدبرا وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة!! لم تزعم أنك جار لنا؟ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ [ (2) ] ، وذلك حين رأى الملائكة. وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال: وحدثني الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللَّه ابن أبي بكر وغيرهم من علمائنا، فذكر الحديث في يوم بدر إلى أن قال: فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في العريش هو وأبو بكر رضي اللَّه عنه ما معهما غيرهما، وقد تداني القوم بعضهم من بعض، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يناشد ربه ما وعده من   [ (1) ] زيادة للسياق من تفسير ابن كثير. [ (2) ] 48: الأنفال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 نصره ويقول: اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد، وأبو بكر رضي اللَّه عنه يقول: بعض منا شدتك يا رسول اللَّه فإن اللَّه موفيك ما وعدك من نصره. وخفق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خفقة [ثم هب] [ (1) ] ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر اللَّه، هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع- يقول الغبار-، ثم خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فعبأ [ (2) ] أصحابه وهيأهم وقال: لا يعجلن رجل بقتال [ (3) ] حتى نؤذنه، فإذا أكثبوكم [ (4) ] القوم- يقول: اقتربوا منكم- فانضحوهم [عنكم] [ (5) ] بالنبل، ثم تزاحم الناس، فلما تداني بعضهم من بعض خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأخذ حفنة من حصباء [ (6) ] ثم استقبل بها قريشا فنفخ بها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه- يقول: قبحت الوجوه- ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: احملوا يا معشر المسلمين، فحمل المسلمون، وهزم اللَّه قريشا، وقتل من قتل من أشرافهم، وأسر من أسر منهم [ (7) ] . وقال يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق: قال عبد اللَّه بن أبي بكر: حدثني بعض بني ساعدة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة- وكان شهد بدرا- قال بعد أن أذهب بصره: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري، لأريتكم الشّعب الّذي خرجت منه الملائكة [ (8) ] . وقال موسى بن عقبة: فمكث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعد قتل ابن الحضرميّ شهرين، ثم أقبل أبو سفيان بن حرب في عير لقريش من الشام، فذكر قصة بدر، إلى أن قال: وعجّ المسلمون إلى اللَّه تعالى يسألونه النصر حين رأوا القتال قد نشب، ورفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يديه إلى اللَّه تعالى يسأله ما وعده ويسأله النصر ويقول: اللَّهمّ إن ظهر على هذه العصابة ظهر الشرك ولم يقم لك دين، وأبو بكر رضي اللَّه عنه   [ (1) ] في (خ) : «ثم قال هب» . [ (2) ] في (خ) : «فعبى» . [ (3) ] في (خ) : «لقتال» . [ (4) ] في (خ) : «أكثبكم» . [ (5) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (6) ] في (خ) : «حصاه» . [ (7) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 81. [ (8) ] المرجع السابق، و (ابن هشام) : 3/ 181، وزاد: «لا أشك فيه ولا أتمارى» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 يقول له: يا رسول اللَّه، والّذي نفسي بيده لينصرنك اللَّه عز وجل، وليبيض وجهك، فأنزل اللَّه عز وجل من الملائكة جندا في أكتاف العدو، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: قد أنزل اللَّه ونزلت الملائكة، أبشر يا أبا بكر فإنّي قد رأيت جبريل معتجرا يقود فرسا بين السماء والأرض، فلما هبط إلى الأرض جلس عليها فتغيب عني ساعة، ثم رأيت على شفته غبارا. وقال ابن إسحاق في رواية محمد بن عبد الملك بن هشام عن زياد بن عبد اللَّه البكائي: حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر أنه حدث عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: حدثني رجل من بني غفار قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان، ننظر الوقعة على من تكون الدائرة، فننتهب مع من ينتهب، فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل، فسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم، فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه مات مكانه، وأما أنا فكدت أن أهلك ثم تماسكت [ (1) ] . قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق عن يسار عن رجال من بني مازن ابن النجار عن أبي داود المازني- وكان شهد بدرا- فقال: إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه، إذ وقع على رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري [ (2) ] . قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن مقسم مولى عبد اللَّه بن الحرث عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنه قال: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء وأرسلوها في ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمرا [ (3) ] . قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: العمائم تيجان العرب، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد أرخوها على ظهورهم، إلا جبريل فقد كانت عليه عمامة صفراء [ (4) ] .   [ (1) ] المرجع السابق، وقال: «على من تكون الدّبرة» وهي بمعنى الدائرة. [ (2) ] المرجع السابق، وقال: «وقع رأسه» . [ (3) ] المرجع السابق: 182، وقال: «بيضا قد أرسلوها على ظهورهم» . [ (4) ] المرجع السابق، وقال: «عمائم بيضا» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن مقسم [ (1) ] عن ابن عباس قال: ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر من الأيام، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا لا يضربون [ (2) ] . وقال الواقدي: فحدثني عمر بن عقبة عن شعبة مولى ابن عباس قال: سمعت ابن عباس يقول: لما تواقف الناس- يعني يوم بدر- أغمى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [ساعة] [ (3) ] ، ثم كشف عنه، فبشر المؤمنين بجبريل في جند من الملائكة [في] [ (3) ] ميمنة الناس، وميكائيل في جند آخر [في] [ (3) ] ميسرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وإسرافيل في جند آخر بألف [ (4) ] ، قال: وكانت سيما الملائكة عمائم قد أرخوها بين أكتافهم، خضرا وصفرا [وحمرا] [ (3) ] من نور، والصوف في نواصي خيلهم [ (5) ] . وحدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن الملائكة قد سوّمت فسوّموا، فأعلموا بالصوف في مغافرهم وقلانسهم. وحدثني موسى بن محمد عن أبيه قال: كان أربعة من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يعلمون في الزحوف: حمزة بن عبد المطلب معلم يوم بدر بريشة نعامة، وكان عليّ معلما بصوفة بيضاء، وكان الزبير معلما بعصابة صفراء، وكان الزبير يحدث: إن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بلق عليها عمائم صفر، وكان على الزبير يومئذ عصابة صفراء، وكان أبو دجانة يعلم بعصابة حمراء [ (6) ] . وقال الزبير بن بكار: حدثني علي بن صالح عن عامر بن صالح بن عبد اللَّه ابن عروة بن الزبير، عن هشام بن عروة عن عباد بن حمزة بن عبد اللَّه بن الزبير أنه بلغه أن الملائكة نزلت يوم بدر وهم طير بيض عليهم عمائم صفر، وكانت   [ (1) ] في (خ) : «مغنم» ، والتصويب من المرجع السابق. [ (2) ] المرجع السابق. [ (3) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) . [ (4) ] المرجع السابق: 1/ 70- 71. [ (5) ] المرجع السابق: 1/ 75. [ (6) ] المرجع السابق: 1/ 76، وقال: «فكان على الزبير» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 على الزبير يومئذ عمامة صفراء من بين الناس، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: نزلت الملائكة اليوم على سيما أبي عبد اللَّه، وجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وعليه عمامة صفراء. حدثني أبو المكرم عقبة بن مكرم الضبي قال: حدثني مصعب بن سلام التميمي عن سعد بن طريف عن أبي جعفر محمد بن علي قال: كانت على الزبير بن العوام يوم بدر عمامة صفراء، فنزلت الملائكة وعليهم عمائم صفر. حدثني محمد بن حسن عن محمد بن يحيى عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه قال: نزلت الملائكة يوم بدر على سيما الزبير، عليهم عمائم صفر، وقد أرخوها في ظهورهم، وكانت على الزبير عمامة صفراء، وفي ذلك يقول عامر بن صالح ابن عبد اللَّه بن عروة بن الزبير رضي اللَّه عنه: جدي بن عمة أحمد ووراء ... عند البلاء وفارس الشقراء وغداة بدر كان أول فارس ... شهد الوغى في لأمة الصفراء نزلت بسيماه الملائكة قصره ... بالحوض يوم بسالة الأعداء وقال الواقدي: وحدثني عبد اللَّه بن موسى بن أمية بن عبد اللَّه بن أبي أمية عن مصعب بن عبد اللَّه عن مولى لسهيل قال: سمعت بن عمرو يقول: لقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض معلمين يقتلون ويأسرون [ (1) ] . وحدثني خارجة بن إبراهيم بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه قال: سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم جبريل: من القائل يوم بدر من الملائكة: «أقدم حيزوم» ؟ فقال: يا محمد، ما كلّ أهل السماء أعرف [ (2) ] . وحدثني عبد الرحمن بن الحرث عن أبيه عن جده عبيد بن أبي [عبيد، عن أبي] [ (3) ] رهم الغفاريّ عن ابن عم له قال: بينما أنا وابن عم لي على ماء بدر، فلما رأينا قلة مع محمد وكثرة قريش قلنا: إذا التقت الفئتان عمدنا إلى عسكر محمد   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 76. [ (2) ] المرجع السابق: 1/ 77. [ (3) ] زيادة في النسب من المرجع السابق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 وأصحابه فانطلقنا إلى المجنّبة اليسري من أصحاب محمد ونحن نقول: هؤلاء ربع قريش، فبينا نحن نمشي [في] [ (1) ] الميسرة إذ جاءت سحابة فغشيتنا، فرفعنا أبصارنا إليها فسمعنا أصوات الرجال والسلاح، وسمعنا رجلا يقول لفرسه: «أقدم حيزوم» ، وسمعناهم يقولون: رويدا تتامّ أخراكم» ، فنزلوا على ميمنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم جاءت أخرى مثل تلك، فكانت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فنظرنا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، فإذا هم الضّعف على قريش، فمات ابن عمي وأما أنا فتماسكت وأخبرت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وأسلم وحسن إسلامه [ (2) ] . قالوا: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة- وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز اللَّه عن الذنوب العظام- إلا ما رأى يوم بدر، قيل: وما رأى يوم بدر؟ قال: أما أنه قد رأى جبريل يزع الملائكة. قالوا: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: هذا جبريل يسوق الريح كأنه دحية الكلبي، إني نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدّبور [ (3) ] . وحدثني أبو إسحاق بن أبي عبد اللَّه، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن صالح ابن إبراهيم قال: كان عبد الرحمن بن عوف يقول: رأيت يوم بدر رجلين، عن يمين النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أحدهما، وعن يساره أحدهما، يقاتلان أشد القتال، ثم ثلثهما ثالث من خلفه، ثم ربعهما رابع أمامه [ (4) ] . وحدثني أبو إسحاق بن أبي عبد اللَّه عن عبد الواحد بن أبي عون عن زياد مولى سعد، عن سعد قال: رأيت رجلين يوم بدر يقاتلان عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، أحدهما عن يساره والآخر عن يمينه، وإني لأراه ينظر إلى ذا مرة، وإلى ذا مرة، سرورا بما ظفّره اللَّه تعالى [ (5) ] . حدثني إسحاق بن يحيى عن حمزة بن صهيب عن أبيه قال: ما أدري كم يد مقطوعة، أو ضربة جائفة لم يدم كلمها يوم بدر، قد رأيتها [ (6) ] !!.   [ (1) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (2) ] المرجع السابق. [ (3) ] المرجع السابق. [ (4) ] المرجع السابق. [ (5) ] المرجع السابق: 1/ 78. [ (6) ] المرجع السابق: 1/ 78. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 وحدثني محمد بن يحيى عن أبي عفير عن رافع بن خديج، عن أبي بردة بن نيار قال: جئت يوم بدر بثلاثة رءوس فوضعتهن بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللَّه! أما رأسان فقتلتهما، وأما الثالث، فإنّي رأيت رجلا أبيض طويلا ضربه فتدهدى أمامه، فأخذت رأسه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ذاك فلان من الملائكة. وكان ابن عباس يقول: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر [ (1) ] . وحدثني أبو حبيبة [ (2) ] عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان الملك يتصور في صورة من يعرفون من الناس يثبتونهم فيقول: إني قد دنوت منهم فسمعتهم يقولون: لو حملوا علينا ما ثبتنا، ليسوا بشيء، وذلك قول اللَّه تبارك وتعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [ (3) ] إلى آخر الآية. وحدثني موسى بن محمد عن أبيه قال: كان السائب بن أبي حبيش الأسديّ يحدث في زمن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يقول: واللَّه ما أسرني أحد من الناس، فيقال: فمن؟ فيقول: لما انهزمت قريش ما انهزمت معها، فيدركني رجل طويل أبيض على فرس أبلق بين السماء والأرض، فأوثقني رباطا، وجاء عبد الرحمن بن عوف فوجدني مربوطا، وكان عبد الرحمن ينادي في العسكر [ (4) ] : من أسر هذا؟ فليس أحد يزعم أنه أسرني، حتى انتهيت [ (5) ] إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من أسرك؟ قلت: لا أعرفه [ (6) ] ، وكرهت أن أخبره بالذي رأيت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أسره ملك من الملائكة كريم، اذهب يا ابن عوف بأسيرك، فذهب بي عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه، فقال السائب، فما زلت تلك الكلمة أحفظها، وتأخر إسلامي حتى [كان] [ (7) ] ما كان من إسلامي.   [ (1) ] المرجع السابق: 1/ 78- 79. [ (2) ] في المرجع السابق: «ابن أبي حبيبة» . [ (3) ] الأنفال: 18، وتمامها: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ. [ (4) ] في المرجع السابق: «العسكر» . [ (5) ] في المرجع السابق: «حتى انتهى بي» . [ (6) ] في المرجع السابق: «لا أعرف» . [ (7) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 وحدثني عائذ بن يحيى عن ابن الحويرث عن عمارة بن أكيمة الليثي عن حكيم ابن حزام قال: لقد رأيتنا يوم بدر وقد وقع بوادي خلص بجاد من السماء قد سد الأفق، فإذا الوادي يسيل نملا، فوقع في نفسي أن هذا شيء من السماء أيّد به محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فما كانت إلا الهزيمة، وهي الملائكة [ (1) ] . حدثني موسى بن يعقوب عن أبي الحويرث عن محمد بن جبير بن مطعم، عن رجل من بني أود قال: سمعت عليا رضي اللَّه عنه يقول وهو يخطب بالكوفة: بينا أنا [أسيح] [ (2) ] في قليب ببدر جاءت ريح لم أر مثلها قط شدة، ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى لم أر مثلها إلا التي كانت قبلها، ثم جاءت ريح أخرى لم أر مثلها إلا التي كانت قبلها، فكانت الأولى جبريل في ألف مع رسول اللَّه، والثانية ميكائيل في ألف عن ميمنة رسول اللَّه وأبي بكر، وكانت الثالثة إسرافيل في ألف نزل عن ميسرة رسول اللَّه، وأنا في الميسرة، فلما هزم اللَّه أعداءه حملني رسول اللَّه على فرس [] [ (3) ] فلما جرت خررت على عنقها، فدعوت ربي فأمسكني حتى استويت، وما لي والخيل، إنما كنت صاحب غنم، فلما استويت طعنت بيدي هذه حتى اختضبت مني ذا، يعني إبطه. وفي مغازي ابن عقبة: أن ابن مسعود وجد أبا جهل جالسا لا يتحرك ولا يتكلم، فسلبه درعه، فإذا في بدنه نكت سود، فحلّ سبغة البيضة وهو لا يتكلم، واخترط سيفه- يعني سيف أبي جهل- فضرب به عنقه ثم سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين احتمل رأسه إليه عن تلك النكت السود التي رآها في بدنه، فأخبره عليه السلام أن الملائكة قتلته، وأن تلك آثار ضرب الملائكة له [ (4) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث إبراهيم بن سعد قال: حدثنا سعد عن أبيه عن سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه قال: لقد رأيت يوم أحد عن يمين   [ (1) ] المرجع السابق: 1/ 80، والبجاد: الكساء. [ (2) ] كذا في (خ) ، ولم أجد لها توجيها. [ (3) ] في (خ) كلمة لم أتبين معناها لعدم وضوحها. [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 90، و (ابن هشام) : 3/ 185 [هامش] ، (شرح ابن أبي الحديد على النهج) : 4/ 143. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وعن يساره رجلين عليها ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد [ (1) ] . وذكره البخاري في [المغازي] [ (2) ] ، وخرجاه من حديث مسعر عن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال: رأيت عن يمين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بياض، ما رأيتهما قبل ولا بعد، يعني جبريل وميكائيل، لم يقل البخاري: يعني جبريل وميكائيل، ذكره البخاري في كتاب اللباس [ (3) ] . وقال ورقاء عن ابن أبي نجيح قال: قال مجاهد: لم تقاتل الملائكة يومئذ ولا قبله ولا بعده إلا يوم بدر، قال البيهقي: إنما أراد أنهم لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم حين عصوا الرسول ولم يصبروا على ما أمرهم به [ (4) ] . وحدث الواقدي عن شيوخه في قوله تعالى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [ (5) ] ، قال: فلم يصبروا فانكشفوا فلم يمدوا [ (6) ] . وقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير قال: وكان اللَّه عزّ وجلّ وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وكان قد فعل، فلما عصوا أمر الرسول وتركوا مصافهم، وتركت الرماة عهد الرسول إليهم أن لا يبرحوا منازلهم، وأرادوا الدنيا رفع عنهم مدد الملائكة،   [ (1) ] ذكره البخاري في المغازي، باب (18) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، حديث رقم (4054) . [ (2) ] في (خ) : «المناقب» ، والصواب ما أثبتناه، وذكره مسلم في الفضائل باب (10) في قتال جبريل وميكائيل عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد، حديث رقم (47) . و (مغازي الواقدي) : 1/ 234. [ (3) ] باب (24) الثياب البيض، حديث رقم (5826) ولفظه: «رأيت بشمال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ويمينه رجلين عليهما ثياب بيض يوم أحد، ما رأيتهما قبل ولا بعد» . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 255- 256. [ (5) ] آل عمران: 124. [ (6) ] المرجع السابق: 256، و (مغازي الواقدي) : 1/ 319- 320، باب ما نزل من القرآن بأحد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 وأنزل اللَّه عزّ وجلّ: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [ (1) ] ، فصدق اللَّه وعده وأراهم الفتح، فلما عصوا الرسول أعقبهم البلاء. وقال ابن هشام: مسوّمين: معلّمين، بلغنا عن الحسن بن أبي الحسن [البصري] [ (2) ] أنه قال: أعلموا أذناب خيلهم ونواصيها بصوف أبيض [ (3) ] . وذكر يونس بن بكير عن عبد اللَّه بن عون عن عمير بن إسحاق قال: لما كان يوم أحد انكشفوا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وسعد يرمي بين يديه، وفتى ينبل له، كلما ذهبت نبله أتاه بها قال: ارم أبا إسحاق، فلما فرغوا نظروا من الشاب فلم يروه ولم يعرف. ورواه الواقدي عن عبيدة بنت نائل عن عائشة بنت سعد عن أبيها سعد بن أبي وقاص قال: لقد رأيتني أرمي بالسهم يومئذ فيرده عليّ رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه، حتى كان بعد فظننت أنه ملك [ (4) ] . وقال الواقدي: حدثني الزبير بن سعيد عن عبد اللَّه العضل قال: أعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مصعب بن عمير اللواء، فقيل: فأخذه ملك في صورة مصعب، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول لمصعب في آخر النهار: يا مصعب، فالتفت إليه الملك فقال: لست بمصعب، فعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه ملك أيّد به [ (5) ] . [وسمعت أبا معشر يقول مثل ذلك] [ (6) ] . وحدثني عبد الملك بن سليم عن قطن بن وهب عن عبيد بن عمير قال: لما رجعت قريش من أحد جعلوا يتحدثون في أنديتهم بما ظفروا ويقولون: لم نر الخيل البلق ولا الرجال البيض الذين كنا نراهم يوم بدر، قال عبيد بن عمير: ولم تقاتل الملائكة يوم أحد [ (7) ] .   [ (1) ] آل عمران: 152. [ (2) ] زيادة للسياق من ابن هشام. [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 58. [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 234. [ (5) ] المرجع السابق. [ (6) ] ما بين الحاصرتين زيادة من المرجع السابق. [ (7) ] المرجع السابق: 234- 235. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 وحدثني ابن أبي سبرة عن عبد الحميد بن سهيل، عن عمر بن الحكم قال: لم يمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد بملك واحد، وإنما كانوا يوم بدر [ (1) ] . وحدثني ابن خديج عن عمرو بن دينار عن عكرمة مثله [ (2) ] . وحدثني معمر بن راشد عن أبي لحيح عن مجاهد قال: حضرت الملائكة يومئذ ولم تقاتل [ (3) ] . وحدثني سفيان بن [ (4) ] سعيد عن عبد اللَّه بن عثمان عن مجاهد قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر [ (5) ] . وحدثني ابن أبي سبرة عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث [ (6) ] عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قد وعدهم اللَّه أن يمدهم لو صبروا، فلما انكشفوا لم تقاتل الملائكة يومئذ [ (7) ] . وحدثني سعيد بن عبد اللَّه بن أبي الأبيض، عن جدته- وهي مولاة جويرية-[قالت] [ (8) ] : سمعت جويرية بنت الحارث تقول: أتانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ونحن على المريسيع، فأسمع أبي يقول: أتانا ما لا قبل لنا به، قالت: فكنت أرى من [الخيل والناس] [ (9) ] [والسلاح] [ (10) ] ما لا أصف من الكثرة، فلما أن أسلمت وتزوجني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ورجعنا، جعلت انظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى، [فعرفت] [ (11) ] أنه رعب من اللَّه يلقيه في قلوب المشركين، [فكان رجل منهم] [ (12) ] قد أسلم فحسن إسلامه يقول: لقد كنا نرى رجالا بيضا على خيل بلق ما كنا نراهم قبل ولا بعد [ (13) ] .   [ (1) ] المرجع السابق. [ (2) ] المرجع السابق. [ (3) ] المرجع السابق. [ (4) ] في (خ) : «ابن أبي سعيد» وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (5) ] المرجع السابق. [ (6) ] في (خ) : «الليث» . [ (7) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 235. [ (8) ] في (خ) : «قال» . [ (9) ] في المرجع السابق: «من الناس والخيل» . [ (10) ] زيادة من (خ) . [ (11) ] في المرجع السابق: «فعلمت» . [ (12) ] في (خ) : «وكان منهم» . [ (13) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 407، 408. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 وقال ابن إسحاق: حدثني أمية بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان بن عفان أنه حدّث: أن مالك بن عوف بعث عيونا [من رجاله] [ (1) ] ، فأتوه وقد تقطعت أوصالهم، فقال: ويلكم! ما شأنكم؟ فقالوا: أتانا رجال بيض [ (2) ] على خيل بلق، فو اللَّه ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، فما رده [ (3) ] ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد [ (4) ] يعني في يوم حنين. وخرج بقي بن مخلد من حديث النضر بن شميل قال: أخبرنا عوف عن عبد الرحمن مولى أم برثن صاحب السبقاية- سقاية المربد- قال: حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وصحابة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يقوموا لنا حلب شاة [ (5) ] أن كشفناهم، قال: فبينما نحن نسوقهم في آثارهم فإذ صاحب البغلة البيضاء، قال: فتلقّانا عنده رجال بيض الوجوه وقالوا لنا: شاهت الوجوه، ارجعوا، قال: فانهزمنا من قولهم، وركبوا أجيادنا فكانت إياها [ (6) ] . وذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار عن من حدثه عن جبير بن مطعم قال: إنا لمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوم حنين والناس يقتتلون، إذ نظرت إلى مثل البجاد [ (7) ] الأسود يهوي من السماء حتى وقع بيننا   [ (1) ] تصويب من (ابن هشام) . [ (2) ] في المرجع السابق: «رأينا رجالا بيضا» . [ (3) ] في المرجع السابق: «فو اللَّه ما ردّه» . [ (4) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 107، عيون مالك بن عوف ونزول الملائكة، وهي رواية ابن إسحاق. وقال الواقدي: وبعث مالك بن عوف رجالا من هوازن ينظرون إلى محمد وأصحابه- ثلاث نفر- وأمرهم أن يتفرقوا في العسكر، فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ما شأنكم؟ ويلكم! قالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، فو اللَّه، ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى! وقالوا له: ما نقاتل أهل الأرض، إن نقاتل إلا أهل السموات- وإن أفئدة عيونه تخفق، وإن أطعتنا رجعت بقومك، فإن الناس إن رأوا مثل ما رأينا أصابهم مثل الّذي أصابنا. قال: أف لكم! بل أنتم قوم أجبن أهل العسكر، فحبسهم عنده فرقا أن يشيع ذلك الرعب في العسكر، وقال: دلوني على رجل شجاع، فأجمعوا له على رجل، فخرج، ثم رجع إليه وقد أصابه نحو ما أصاب من قبله منهم. فقال: ما رأيت؟ قال: رأيت رجالا بيضا علي خليل بلق، ما يطاق النظر إليهم، فو اللَّه ما تماسكت أن أصابني ما ترى، فلم يثنه ذلك عن وجهه، (مغازي الواقدي) : 3/ 892- 893. [ (5) ] كناية عن الزمن اليسير، وهو ما يساوي زمن حلب الشاة. [ (6) ] ونحوه في (المرجع السابق) : 3/ 906. [ (7) ] البجاد يعني الكساء من النمل مبثوثا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 وبين القوم، فإذا نمل منثور قد ملأ الوادي، فلم يكن إلا هزيمة القوم، فما كنا نشك أنها الملائكة [ (1) ] . وقال الواقدي [ (2) ] : حدثني عبد اللَّه بن علي عن سعيد بن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه عن جده قال: لما تراءينا نحن والقوم، رأينا سوادا لم نر مثله قط كثرة، وإنما ذلك السواد نعم، فحملوا النساء عليه، قال: فأقبل مثله الظّلّة السوداء من السماء حتى أظلت علينا وعليهم وسترت الأفق، فنظرت فإذا وادي حنين يسيل بالنمل- نمل أسود مبثوث- لم أشك أنه نصر أيدنا اللَّه به فهزمهم اللَّه عزّ وجلّ. وحدثني ابن أبي سبرة، حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم، عن يحيى ابن عبد اللَّه بن عبد الرحمن، عن شيوخ من قومه من الأنصار قال: رأينا يومئذ كالبجد [ (3) ] الأسود هوت من السماء ركاما [ (4) ] ، فنظرنا فإذا نمل مبثوث، فإن كنا لننفضه عن ثيابنا، فكان نصر أيدنا اللَّه به [ (5) ] . وكان سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم، وكان الرعب الّذي قذف اللَّه في قلوب المشركين يوم حنين، فكان يزيد بن عامر السوائي يحدث وكان حضر يومئذ فسئل عن الرعب فكان يأخذ الحصاة يرمي بها في الطست فيطن، فقال: كنا نجد في أجوافنا مثل [ (6) ] هذا. وكان مالك بن أوس بن الحدثان يقول: حدثني عدّة من قومي شهدوا ذلك اليوم يقولون: لقد رمى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بتلك الكف من الحصا، [ (7) ] فما منا أحد إلا يشكو القذى في عينه، وقد كنا نجد في صدورنا خفقانا كوقع الحصا في   [ (1) ] وقريب منه في (سيرة ابن هشام) : 5/ 117- 118. [ (2) ] (المغازي) : 3/ 905. [ (3) ] البجد: جمع البجاد، وهو كساء مخطط من أكسية الأعراب. [ (4) ] الركام: السحاب المتراكم، وفي التنزيل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً [43: النور] . [ (5) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 905. [ (6) ] المرجع السابق) : 3/ 905- 906. [ (7) ] في المرجع السابق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 الطساس، ما يهدأ ذلك الخفقان عنا، ولقد رأينا يومئذ رجالا بيضا على خيل بلق، عليهم عمائم حمر، أرخوها بين أكتافهم بين السماء والأرض، كتائب كتائب، ما يلقون شيئا، وما نستطيع أن نتأملهم من الرعب [ (1) ] [منهم] . ***   [ (1) ] (المرجع السابق) : 3/ 906، وما بين الحاصرتين زيادة منه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 وأما أنه خاتم الأنبياء فقد قال اللَّه تعالى: وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (1) ] ، قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: خاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (1) ] : الّذي ختم النبوة فطبع عليها، فلا تفتح لأحد بعده إلى قيام الساعة، واختلفت القراء في قراءة قوله: وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (1) ] ، فقرأ ذلك الأمصار سوى الحسن وعاصم بكسر التاء من خاتم النبيين، بمعنى أنه ختم النبيين، ذكر أن ذلك في قراءة عبد اللَّه، ولكنّ نبينا ختم النبيين، فذلك دليل على صحة قراءة من قرأه بكسر التاء، بمعنى أنه الّذي ختم الأنبياء صلى اللَّه عليه وسلّم. وقرأ ذلك فيما يذكر الحسن وعاصم وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ بفتح التاء، بمعنى أنه آخر النبيين، كما قرأ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ بمعنى آخره مسك، من قرأ ذلك كذلك [ (2) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن عبد اللَّه بن دينار عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا- وقال البخاري: بيتا- فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين، ولم يذكر البخاري قوله: من زواياه [ (3) ] . ولمسلم من حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد [ (4) ] عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه   [ (1) ] الأحزاب: 40، وتمامها ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ. [ (2) ] (تفسير الطبري) : 12/ 16، تفسير سورة الأحزاب. [ (3) ] ذكره البخاري في كتاب المناقب، باب (18) خاتم النبيين، حديث رقم (3535) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب (7) ذكر كونه صلى اللَّه عليه وسلّم خاتم النبيين، حديث رقم (22) . [ (4) ] في (خ) : «النهاد» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 وأجمله، فجعل الناس يطيفون به ويقولون: ما رأينا بنيانا أحسن من هذا [ (1) ] ، إلا هذه اللبنة، فكنت أنا تلك اللبنة [ (2) ] . وله من حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فذكر أحاديث منها، قال: وقال أبو القاسم صلى اللَّه عليه وسلّم: ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا فأحسنها [وأجملها] [ (3) ] وأكملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها، فجعل الناس [يطوفون] [ (4) ] ويعجبهم البنيان فيقولون: ألا وضعت ها هنا لبنة فيتم [بنيانك] [ (5) ] ؟ فقال محمد صلى اللَّه عليه وسلّم: فكنت أنا اللبنة [ (6) ] . وخرج البخاري [ (7) ] ومسلم [ (8) ] من حديث سليم بن حيان قال: حدثنا سعيد ابن مينا عن جابر بن عبد اللَّه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها- وقال البخاري فأكملها وأحسنها- إلا موضع لبنة،   [ (1) ] في (خ) : «هذه» . [ (2) ] المرجع السابق، حديث رقم (20) . [ (3) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (4) ] في (خ) : «يطيفون» ، والتصويب من المرجع السابق. [ (5) ] في (خ) : «بناؤك» . [ (6) ] (صحيح مسلم) : كتاب الفضائل، باب (7) ذكر كونه صلى اللَّه عليه وسلّم خاتم النبيين، حديث رقم (21) ، وفيه فضيلته صلى اللَّه عليه وسلّم، وأنه خاتم النبيين، وجواز ضرب الأمثال في العلم وغيره، واللبنة، بفتح اللام وكسر الباء- ويجوز إسكان الباء مع فتح اللام وكسرها، كما في نظائرها، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 15/ 56- 57. [ (7) ] (صحيح البخاري) : كتاب المناقب، باب (18) خاتم النبيين، حديث رقم (3534) ، قال الحافظ في (الفتح) : أي أن المراد بالخاتم في أسمائه أنه صلى اللَّه عليه وسلّم خاتم النبيين، ولمح بما وقع في القرآن، وأشار إلى ما أخرجه في التاريخ من حديث العرباض بن سارية رفعه: «إني عبد اللَّه وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته» ، الحديث، وأخرجه أيضا أحمد وصححه ابن حبان والحاكم، فأورد فيه حديثي أبي هريرة وجابر رضي اللَّه عنهما، ومعناهما واحد، وسياق أبي هريرة أتم، ووقع في آخر حديث جابر عند الإسماعيلي من طريق عفان عن سليم بن حيان: «فأنا موضع اللبنة، جئت فختمت الأنبياء» ، وفي الحديث: ضرب الأمثال للتقريب للأفهام، وفضل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على سائر النبيين، وأن اللَّه تعالى ختم به المرسلين، وأكمل به شرائع الدين. (فتح الباري) : 6/ 694. [ (8) ] (صحيح مسلم) : كتاب الفضائل، باب (7) ذكر كونه صلى اللَّه عليه وسلّم خاتم النبيين، حديث رقم (23) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون: لولا موضع اللبنة، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: فأنا موضع اللبنة، جئت فختمت الأنبياء. انتهى حديث البخاري عند قوله: إلا موضع اللبنة. وترجم عليه وعلى حديث إسماعيل بن جعفر: باب خاتم الأنبياء. و [خرج] الإمام أحمد من حديث زهير بن محمد عن عبد اللَّه بن محمد ابن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة! فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة [ (1) ] . ولمسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ختم بي النبيون. وله من حديث حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي [ (2) ] . انفرد بإخراجه مسلم. وله من حديث محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لعلي رضي اللَّه عنه: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي [ (3) ] . وخرج البخاري من حديث شبعة عن الحكم عن مصعب بن سعد [ (4) ] عن أبيه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج إلى تبوك واستخلف عليا رضي اللَّه عنه فقال:   [ (1) ] (مسند أحمد) : 6/ 164، حديث الطفيل بن أبيّ بن كعب عن أبيه رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (20737) . [ (2) ] (جامع الأصول) : 10/ 36- 37، حديث رقم (7496) ، 11/ 316، حديث رقم (8879) . [ (3) ] (صحيح مسلم) : كتاب فضائل الصحابة، باب (4) من فضائل علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه حديث رقم (30) . [ (4) ] هو سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تعالى عنه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 أتخلفني في النساء والصبيان؟ قال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي [ (1) ] ؟. وخرجه مسلم وأبو داود مثله سواء. وفي لفظ لمسلم: خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عليا بن أبي طالب في غزاة تبوك فقال: يا رسول اللَّه! أتخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي [ (2) ] ؟. وخرجه النسائي بإسناده ومتنه [ (3) ] . وفي لفظ لمسلم والترمذي [ (4) ] والنسائي: أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ ***   [ (1) ] (صحيح البخاري) : كتاب المغازي، باب (79) غزوة تبوك، وهي غزوة العسرة، حديث رقم (4416) ، وقال في آخره: «وقال أبو داود: حدثنا شعبة عن الحكم، سمعت مصعبا» ، قال الحافظ في (الفتح) : أراد بيان التصريح بالسماع في رواية الحكم عن مصعب، وطريق أبي داود هذه وصلها أبو نعيم في (المستخرج) ، والبيهقي في (الدلائل) من طريقه. (فتح الباري) : 8/ 141. [ (2) ] (صحيح مسلم) : كتاب فضائل الصحابة، باب (4) من فضائل علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، حديث رقم (31) . [ (3) ] يشهد له ما قبله. [ (4) ] أخرجه الترمذي في المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه حديث رقم (3732) ، وهو حديث صحيح بشواهده، منها الّذي قبله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 وأما أن أمته خير الأمم قال اللَّه جل ذكره: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [ (1) ] . خرج الحاكم من حديث سفيان عن ميسرة الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ (1) ] ، تجروهم بالسلاسل فتدخلونهم الإسلام. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . وقال ابن عباس رضي اللَّه عنه: هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة [ (2) ] ، [وشهدوا بدرا والحديبيّة] [ (3) ] . وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: من فعل فعلهم كان مثلهم، وقيل: هم أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، يعني الصالحين منهم وأهل الفضل، وهم الشهداء على الناس يوم القيامة. وقال مجاهد [ (3) ] : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ (1) ] على الشرائط المذكورة في الآية، وقيل معناه: كنتم في اللوح المحفوظ، وقيل: كنتم مذ أنتم خير أمة، وقيل: جاء ذلك لتقدم البشارة بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم وأمته، فالمعنى: كنتم عند من تقدمكم من أهل الكتب خير أمة. وقال الأخفش [ (3) ] : أي خير أهل دين، وقيل: خلقتهم ووجدتهم خير أمة، وقيل: أنتم خير أمة، وقيل: كنتم للناس خير أمة. وقيل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [ (1) ] إذا أنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.   [ (1) ] آل عمران: 110، (صحيح البخاري) : كتاب التفسير، باب (3) حديث رقم (4557) . [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 323، كتاب التفسير، باب (3) تفسير سورة آل عمران، حديث رقم (3160/ 277) . وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التخليص) : على شرط مسلم. [ (3) ] (فتح البيان) : 2/ 114. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 وقيل: إنما صارت أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم خير أمة لأن المسلمين منهم أكثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفشى، وقيل: هذا لأصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كما قال صلى اللَّه عليه وسلّم: خير الناس قرني: أي الذين بعث فيهم. وقال الحافظ أبو نعيم: ومن إكرام اللَّه تعالى [لنبيه] [ (1) ] صلى اللَّه عليه وسلّم، أن فضل أمته. على سائر الأمم، كما فضله على سائر الأنبياء، وكما أنه فاتح نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم بالعطية قبل المسألة، كذلك أعطى أمته أفضل العطية قبل المسألة إعظاما له وإكراما. وخرج الحاكم من طريق عبد الرزاق [عن] معمر عن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، قال: أنتم متمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على اللَّه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . ومن حديث يزيد بن هارون [عن] سعيد بن إياس الجريريّ عن حكيم بن معاوية عن أمية قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنتم توفون سبعين أمة، أنتم أكرمهم على اللَّه وأفضلهم [ (3) ] . وخرج أبو نعيم من حديث محمد بن يوسف الفريابي قال: حدثنا سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن عمرو بن عبسة قال: سألت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عن قوله: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا [ (4) ] ، ما كان النداء [ (5) ] ؟ وما كانت   [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق. [ (2) ] (المستدرك) : 5/ 623، حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، حديث رقم (19525) ، ولفظه: «ألا إنكم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على اللَّه عزّ وجلّ» . [ (3) ] المرجع السابق، حديث رقم (19645) ، ولفظه: «إنكم وفّيتم سبعين أمة، أنتم آخرها وأكرمها على اللَّه عزّ وجلّ» . وما بين الحاصرتين في هذا الحديث والّذي قبله غير واضح في (خ) ، ولعل الصواب ما أثبتناه. [ (4) ] القصص: 46، وتمامها: وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. [ (5) ] قال الطبري: إِذْ نادَيْنا بأن: سأكتبها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأعراف: 157] ، وعن أبي هريرة: أنه نودي من السماء حينئذ: يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني، وغفرت لكم قبل أن تسألوني، فحينئذ قال موسى عليه السلام: اللَّهمّ اجعلني من أمة محمد، فالمعنى: إذ نادينا بأمرك، وأخبرنا بنبوتك، (البحر المحيط) : 8/ 310. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 الرحمة [ (1) ] ؟ قال: كتاب كتبه اللَّه قبل أن يخلق خلقه بألفي عام، وستمائة عام على وزن عرشه، ثم نادى: يا أمة محمد، سبقت رحمتي غضبي، أعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني، فمن لقيني منهم يشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبدي ورسولي أدخلته الجنة [ (2) ] . وله من حديث أبي مسلم عبد الرحمن بن واقد الواقدي، قال: حدثنا سفيان ابن عيينة عن منصور عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: في قوله تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا [ (3) ] ، قال: نودوا يا أمة محمد، ما دعوتمونا إذ استجبنا لكم، ولا سألتمونا إذ أعطيناكم [ (4) ] . ومن حديث حمزة الزيات عن الأعمش عن علي بن مدرك عن أبي زرعة ابن عمرو بن جرير عن أبي هريرة في قوله: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا، قال: نودي يا أمة محمد، أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم   [ (1) ] رحمة بالنصب، فقدّر: ولكن جعلناك رحمة، وقد أعلمناك ونبأناك رحمة. وقرأ عيسى وأبو حيوة: رحمة بالرفع، وقدر: ولكن هو رحمة، أو هو رحمة، أو أنت رحمة لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ: أي في زمن الفترة بينك وبين عيسى عليه السلام، وهو خمسمائة وخمسون عاما ونحوه. (المرجع السابق) . [ (2) ] أخرج الفريابي، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي معا في (الدلائل) ، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه في قوله تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا، قال: نودوا يا أمة محمد، أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني. وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا. وأخرجه عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن عساكر عنه من وجه آخر بنحوه، (فتح القدير) : 4/ 251- 252. [ (3) ] القصص: 46. [ (4) ] أخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن حذيفة في قوله: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا مرفوعا قال: نودوا: يا أمة محمد ما دعوتمونا إذ استجبنا لكم، ولا سألتمونا إذ أعطيناكم. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا: «إن اللَّه نادى: يا أمة محمد أجيبوا ربكم قال: فأجابوا وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم إلى يوم القيامة، فقالوا: لبيك أنت ربنا حقا، ونحن عبيدك حقا، وقال صدقتم أنا ربكم وأنتم عبيدي حقا، قد عفوت عنكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني، فمن لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا اللَّه دخل الجنة. (المرجع السابق) ، (تفسير ابن كثير) : 3/ 402. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 قبل أن تدعوني [ (1) ] . وله من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جبارة بن المغلّس، حدثنا الربيع بن النعمان عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن موسى عليه السلام لما نزلت عليه التوراة وقرأها، فوجد فيها ذكر هذه الأمة قال: يا ربي، إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون [ (2) ] فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة هم السابقون المشفوع لهم، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب، إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون المستجاب لهم، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة أنا جيلهم في صدورهم يقرءونه [ (3) ] ظاهرا، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أمد، [قال يا رب إني أجد في الألواح أمة يأكلون الفيء فاجعلها أمتي، قال تلك أمة أحمد] [ (4) ] ، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يجعلون الصدقة في بطونهم يؤجرون عليها، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا همّ أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة [واحدة] [ (4) ] ، وإن عملها كتبت له عشر حسنات، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا همّ أحدهم بسيئة ولم يعملها لم تكتب، وإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يؤتون العلم الأول والعلم الآخر فيقتلون [قرون الضلالة] [ (4) ] المسيح الدجال، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد،   [ (1) ] أخرجه ابن مردويه، وأبو نعيم في (الدلائل) ، وأبو نصر السجزيّ في (الإبانة) ، والديلميّ في (مسند الفردوس) [7402] ، عن عمرو بن عبسة قال: سألت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عن قول اللَّه تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا، ما كان النداء؟ وما كانت الرحمة؟ قال: كتبه اللَّه قبل أن يخلق خلقه بألفي عام، ثم وضعه على عرشه، ثم نادى: يا أمة محمد، سبقت رحمتي غضبي، أعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت كم قبل أن تستغفروني، فمن لقيني منكم يشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبدي ورسولي صادقا أدخلته الجنة. (المرجع السابق) . [ (2) ] أي يأتون آخر الأمم في الترتيب التاريخي في الدنيا، ويكونون في مقدمة الأمم في دخول الجنة يوم القيامة. [ (3) ] في (خ) : «يقرءونه» . [ (4) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من أبي نعيم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 قال: يا رب فاجعلني من أمة أحمد، فأعطى عند ذلك خصلتين، فقال: يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [ (1) ] ، قال: قد رضيت يا رب. قال أبو نعيم: وهذا الحديث من غرائب حديث سهيل، لا أعلم أحدا رواه مرفوعا إلا من هذا الوجه، تفرّد به الربيع بن نعمان، وبغيره من الأحاديث عن سهيل، وفيه لين [ (2) ] . [وخرّج البيهقي من حديث سلام بن مسكين، عن مقاتل بن حيّان قال: وذكر وهب بن منبه في قصة داود النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وما أوحي إليه في الزبور: يا داود، إنه سيأتي من بعدك نبي يسمى: أحمد ومحمدا، صادقا سيدا، لا أغضب عليه أبدا، ولا يغضبني أبدا، وقد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأمته مرحومة، أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء، وافترضت عليهم الفرائص التي افترضت على الأنبياء والرسل، حتى يأتون يوم القيامة نورهم مثل نور الأنبياء، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة، كما افترضت على الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم] [ (3) ] . [يا داود، فإنّي فضّلت محمدا وأمته على الأمم كلها: أعطيتهم ستة خصال لم أعطها غيرهم من الأمم: لا أؤاخذهم بالخطإ والنسيان، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إذا استغفروني منه غفرته لهم، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم أضعافا مضاعفة، ولهم في المدخور عندي أضعافا مضاعفة وأفضل من   [ (1) ] الأعراف: 144. [ (2) ] هذا الحديث تفرد به أبو نعيم، وفيه جبارة بن المغلّس، قال عنه ابن حجر في (التقريب) : ضعيف، وقال عنه الدار الدّارقطنيّ: متروك، وقال البخاري: حديثه مضطرب، وقال عنه ابن معين: كذاب، ترجمته في: (ميزان الاعتدال) ، (تهذيب التهذيب) . والحديث ذكره أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 68- 69 ، حديث رقم (31) . [ (3) ] ما بين الحاصرتين غير واضح في (خ) ، وأثبتناه من (دلائل البيهقي) : 1/ 380، وابن كثير في (البداية والنهاية) عن البيهقي أيضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 ذلك، وأعطيتهم على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم، فإن دعوني استجبت لهم، فإما أن يروه عاجلا، وإما أن أصرف عنهم سوءا، وإما أن أدّخره لهم في الآخرة] [ (1) ] . [يا داود، من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقا بها فهو معي في جنتي وكرامتي. ومن لقيني وقد كذّب محمدا، وكذّب بما جاء به، واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صبا، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره، ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار] [ (1) ] . وذكر من حديث شيبان عن قتادة قال: حدثنا رجال من أهل العلم أن موسى عليه السلام لما أخذ الألواح قال: يا رب، إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون يوم القيامة- الآخرون في الخلق، السابقون في دخول الجنة- فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد ... وذكره بطوله. وله من حديث سفيان بن الحرث بن مضر عن إبراهيم بن يزيد النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: صفتي أحمد المتوكل، مولده مكة، ومهاجره طيبة، ليس بفظ ولا غليظ، يجزي بالحسنة الحسنة، ولا يكافئ بالسيئة، وأمته الحمادون، يأتزرون على أنصافهم، ويوضئون أطرافهم، أنا جيلهم في صدورهم، يصفّون للصلاة كما يصفّون للقتال، قربانهم الّذي يتقربون به إليّ دماؤهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار. وله من حديث شريك عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح عن كعب أنه قال: محمد صلى اللَّه عليه وسلّم في التوراة مكتوب: محمد المختار، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، أمته الحمادون، يوضئون أطرافهم، ويأتزرون على أوساطهم، يصلون الصلاة لوقتها   [ (1) ] ما بين الحاصرتين غير واضح في (خ) ، وأثبتناه من (دلائل البيهقي) : 1/ 381، وابن كثير في (البداية والنهاية) عن البيهقي أيضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 ولو على رأس كناسة، لهم دوي بالقرآن حول العرش كدوي النحل، مولده مكة، ومهاجره بالمدينة، وملكه بالشام. وذكر أبو نعيم حديث كعب من طرق باختلاف ألفاظ وزيادة ونقصان. وله من حديث موسى بن عقبة قال: أخبرني سالم بن عبد اللَّه بن عمر عن كعب الأحبار أنه سمع رجلا يقول: رأيت في المنام كأن الناس جمعوا للحساب، فدعى الأنبياء فجاء مع كل نبي أمته، ورأى لكل نبي نورين، ولكل من اتبعه نورا يمشي به، فدعى محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فإذا لكل شعرة في رأسه ووجهه نورا، ولكل من اتبعه نوران يمشي بهما، فقال كعب وهو لا يشعر أنها رؤيا: من حدثك هذا؟ فإنّي أنا واللَّه الّذي لا إله إلا هو رأيت هذا في المنام، فقال: باللَّه الّذي لا إله إلا هو رأيت هذا في منامك؟ قال: نعم، قال: والّذي نفس كعب بيده إنها لصفة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وأمته، وصفة الأنبياء وأممها في كتاب اللَّه، لكأنما قرأه من التوراة. وذكر الأوزاعي عن يحيى بن أبي عمرو الشيبانيّ قال: حدثني البكالي قال: كان عمرو البكالي إذا افتتح موعظة قال: ألا تحمدون ربكم الّذي حضر غيبتكم، وأخذ سهمكم، وجعل وفادة القوم لكم، وذلك أن موسى عليه السلام وفد ببني إسرائيل فقال اللَّه لهم: إني قد جعلت لكم الأرض مسجدا حيث ما صليتم منها تقبلت صلاتكم إلا في ثلاثة مواطن، من صلى فيهن لم أقبل صلاته: المقبرة، والحمام، والمرحاض، قالوا: لا إلا في كنيسة، قال: وجعلت لكم التراب طهورا إذا لم تجدوا الماء، قالوا: لا إلا بالماء، قال: وجعلت لكم حيث ما صلى الرجل مكان وجده تقبلت صلاته، قالوا: لا إلا في جماعة. *** الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 وأما ذكره في كتب الأنبياء وصحفهم وإخبار العلماء بظهوره حتى كانت الأمم تنتظر بعثته فقد قال اللَّه جل ذكره: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ (1) ] ، فقوله: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ، يخرج اليهود والنصارى من عموم قوله: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ، ويخصها بأمة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. قاله ابن عباس وسعيد بن جبير. وقوله: الَّذِي يَجِدُونَهُ، أي يجدون نعته أو اسمه أو صفته، مكتوبا عندهم. وقوله: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، قال عطاء: يأمرهم بالمعروف بخلع الأنداد ومكارم الأخلاق وصلة الأرحام، وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، عبادة الأصنام وقطع الأرحام، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ، وهو ما كانت العرب تستطيبه، وقيل: هي الشحوم التي حرمت على بني إسرائيل، والبحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ، وهو ما كانت العرب تستخبثه، وما كانوا يستحلون من الميتة والدم ولحم الخنزير، وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ، الإصر الثقل، قاله قتادة ومجاهد وسعيد ابن جبير، والإصر: العهد، قاله ابن عباس والضحاك والحسن، فجمعت الآية المعنيين، فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال، فوضع بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم ذلك العهد، وثقل تلك الأعمال من تحريم السبت والشحوم والعروق، والتشديد في البول، ومجانبة الحائض في كل حال، وتحريق الغنائم بالنار. وقال الزجاج: ذكر الأغلال تمثيل، فقد كان عليهم أن لا يقبل في القتل دية، ولا يعمل في يوم السبت عمل، وأن لا تقبل توبتهم إلا بقتل أنفسهم ... إلى غير ذلك.   [ (1) ] 157: الأعراف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 وقد ذكر صلى اللَّه عليه وسلّم في عدة مواضع من التوراة باسمه وصفته على ما سيرد إن شاء اللَّه. وذكرت صفته في الإنجيل في فصل (الفارقليط) من إنجيل يوحنا [ (1) ] ، هذا مع ما لحق الكتابين من التحريف والتبديل، فبقي ذكره صلى اللَّه عليه وسلّم فيهما من قبيل المعجزة، لأن اجتهاد أمتين عظيمتين على إزالة ذكره من كتابين لطيفي الحجم ثم لا يستطيعون ذلك معجزة لا شك فيه، وتعجيز إلهي لا ريب فيه. حدّث سعيد بن بشير عن قتادة عن كعب قال: أوحى اللَّه تعالى إلى أشعياء [ (2) ] أن قم من قومك، أوح على لسانك، فقام أشعياء خطيبا، فلما قام أطلق اللَّه لسانه بالوحي، فحمد اللَّه وسبحه وقدسه وهلله، ثم قال: يا سماء اسمعي، ويا أرض أنصتي، ويا جبال أوبي، فإن اللَّه يريد أن [يفضّ] [ (3) ] شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته، واصطفاهم لنفسه، وخصهم بكرامته، فذكر معاتبة اللَّه إياهم، ثم قال: وزعموا أنهم [ (4) ] لو شاءوا أن يطلعوا على الغيب [بما] [ (5) ] توحي إليهم الشياطين والكهنة اطلعوا، وكلهم مستخف بالذي يقول ويسرّه، وهم يعلمون أني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما يبدون وما يكتمون، وأني قد قضيت يوم خلقت السموات والأرض قضاء أثبته، وحتما حتمته على نفسي، وجعلت دونه أجلا مؤجلا، لا بدّ أنه واقع. فإن صدّقوا بما ينتحلون من علم الغيب [فليخبروك] [ (6) ] متى هذه [المدة] [ (7) ] ، وفي أي زمان تكون، [وإن] [ (8) ] كانوا يقدرون على أن يأتوا بما يشاءون [فليأتوا] [ (9) ] بمثل هذه القدرة التي بها أمضيته، فإن كانوا يقدرون على أن يؤلفوا ما يشاءون [فيؤلفوا] [ (9) ] مثل هذه الحكمة التي بها أدبّر مثل ذلك القضاء إن كانوا صادقين، وإني قضيت يوم خلقت السموات   [ (1) ] لعله في نسخة لم تمتد إليها يد التحريف، حيث لم أجد ذلك في النسخة التي عندي، وهي المترجمة من اللغة اليونانية. [ (2) ] أشعياء: أحد أنبياء بني إسرائيل. [ (3) ] (في دلائل أبي نعيم) : «يفضّ» ، وفي (خ) : «يقصّ» . [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «إن شاءوا» . [ (5) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «لما» . [ (6) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «فيخبرونك» . [ (7) ] في المرجع السابق: «العدّة» . [ (8) ] في المرجع السابق: «فإن» . [ (9) ] في المرجع السابق: «فلؤلفوا» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 والأرض أن أجعل النبوة في غيرهم، وأن أحول الملك عنهم، وأجعله في الرعاء، والعز في الأذلاء، والقوة في الضعفاء، والغنى في الفقراء، والكثرة في الأقلاء، والمدائن في الفلوات، والآجام [والمفاوز] [ (1) ] في الغيطان، والعلم في الجهلة، [والحكمة] [ (2) ] في الأميين، فسلهم متى هذا، ومن القائم بهذا [ (3) ] ، وعلى يدي من أثبته، ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون؟ [ (4) ] . وزاد وهب بن منبه في روايته [ (5) ] فإنّي [سأبعث] [ (6) ] لذلك نبيا أميا، أعمى من عميان، ضالا من ضالين، أفتح به آذانا صما، وقلوبا غلفا، وأعينا عميا، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكه بالشام، عبدي المتوكل، المصطفى المرفوع، الحبيب المتحبب المختار. لا يجزي [بالسيئة] [ (7) ] السيئة، ولكن يعفو ويصفح ويغفر، بالمؤمنين رحيم [ (8) ] ، يبكي للبهيمة المثقلة، ويبكي لليتيم في حجر الأرملة، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، لا يتزيئ بالفحش، ولا قوال بالخنا [ (9) ] ، أسدده بكل جميل، وأهب له كل خلق كريم، أجعل السكينة لباسه، والبرّ شعاره، والتقوى زاد ضميره، والحكمة معقولة، والصدق والوفاء طبيعته،   [ (1) ] في (خ) : «والمعادن» . [ (2) ] في (خ) : «والحكم» . [ (3) ] في (خ) : «على هذا» . [ (4) ] هذا الحديث لم أجده غير عند أبي نعيم، وسعيد بن بشير أربعة كلهم ضعفاء، وهم: [1] سعيد ابن بشير الأزدي، ويقال: البصري، مولاهم أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو سلمة من البصرة، ويقال: من واسط. [2] سعيد بن بشير الأنصاري النجاري أو البخاري. [3] سعيد بن بشير القرشيّ. [4] سعيد بن بشير صاحب قتادة. ترجمتهم في: (المغني في الضعفاء الكبير) : 1/ 256، (الضعفاء المتروكين) : 1/ 314، 315، (الضعفاء الكبير) : 2/ 100، 101، (تهذيب التهذيب) : 4/ 10، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 3/ 369، 390، (لسان الميزان) : 3/ 30، (المجروحين) : 1/ 318، 319، (التاريخ الكبير) : 3/ 460، ولعل في بعض أسمائهم تشابه، واللَّه تعالى أعلم. [ (5) ] [الآجام في الصحاري، والبراري في المفاوز والغيطان] ، هذه الزيادة من (دلائل أبي نعيم) . [ (6) ] في المرجع السابق: «مبتعث» . [ (7) ] زيادة للسياق من (خ) . [ (8) ] في (دلائل أبي نعيم) : «رحيما بالمؤمنين» . [ (9) ] الخنا: الفاحش من القول، وفي (الخصائص) بعد قوله: «بالخنا» : [لو يمر إلى جانب السراج لم يطفئه من سكينته، ولو مشى على القصب الرعراع لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه مبشرا ونذيرا] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 والعفو والمغفرة والمعروف خلقه، والعدل سيرته، والحق شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدى به بعد الضلالة، وأعلم به بعد الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأسمّي به بعد النكرة، وأكثر به القلّة، وأغنى به بعد العيلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلّف به بين قلوب وأهواء متشتتة، وأمم مختلفة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، آمرا [ (1) ] بالمعروف وناهيا [ (2) ] عن المنكر، وتوحيدا بي [ (3) ] ، وإيمانا بي، وإخلاصا وتصديقا لما جاءت به رسلي، وهم رعاة الشمس، طوبى لتلك القلوب والأرواح والوجوه [ (4) ] التي أخلصت إلي [ (5) ] الهمم، ألهمهم التسبيح والتكبير والتحميد والتوحيد في مساجدهم ومجالسهم، ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم. يصفون في مساجدهم كما تصف الملائكة حول عرشي، هم أوليائي وأنصاري، أنتقم بهم من أعدائي عبدة الأوثان، يصلون لي قياما وقعودا وركعا وسجدا [ (6) ] ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ألوفا، ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا، أختم بكتابهم الكتب، وبشريعتهم الشرائع، وبدينهم الأديان، فمن أدركهم فلم يؤمن بكتابهم، ويدخل في دينهم وشريعتهم فليس مني، وهو مني بريء، وأجعلهم أفضل الأمم، وأجعلهم أمة وسطا، [ليكونوا] [ (7) ] شهداء على الناس، إذا غضبوا هللوني، وإذا قبضوا كبروني، وإذا تنازعوا سبحوني، يطهرون الوجوه والأطراف، ويشدون الثياب إلى الأنصاف، ويكبرون ويهللون على التلال والأشراف، قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم في صدورهم، رهبانا بالليل ليوثا بالنهار، ينادي مناديهم في جو السماء، لهم دوي كدوي النحل، طوبى لمن كان منهم وعلى دينهم ومنهاجهم وشريعتهم، ذلك فضلي أوتيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم [ (8) ] .   [ (1) ] في (دلائل أبي نعيم) : أمرا. [ (2) ] في (المرجع السابق) : ونهيا. [ (3) ] في (المرجع السابق) : «بي» في الموضعين، وما أثبتناه من (خ) ، فهو أجود للسياق. [ (4) ] في (دلائل أبي نعيم) : «الوجوه والأرواح» . [ (5) ] في (المرجع السابق) : «لي» ، وفي (خ) «إلى الهمم» ، «ألهمتهم» . [ (6) ] كذا في (خ) ، وفي (الخصائص) ، لكن في (المرجع السابق) : «وركوعا وسجودا» . [ (7) ] زيادة من المرجع السابق. [ (8) ] هذا الحديث أخرجه ابن أبي حاتم وأبو نعيم، عن وهب بن منبه، وفيه عبد المنعم بن إدريس القصاص المشهور، قال الذهبي: ليس يعتمد عليه، وقال أحمد بن حنبل: كان يكذب على وهب بن منبه، وقال ابن حبان: يضع الحديث على أبيه وعلى غيره، (انظر ميزان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 وفي رواية: ولا صخاب في الأسواق، ولو يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب اليابس لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه مبشرا ونذيرا، وأستنقذ به قياما من الناس عظماء من الهلكة، أجعل في أهل بيته وذريته السابقين والصديقين، والشهداء والصالحين، وأمته من بعده يهدون بالحق وبه يعدلون، أعزّ من نصرهم، وأؤيد من دعا إليهم، أجعل دائرة السوء على من خالفهم وبغى عليهم، وأراد أن ينزع شيئا مما في أيديهم، أجعلهم ورثة لنبيهم، والداعية إلى ربهم، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوفون بعهدهم، أختم بهم الخير الّذي بدأت به أوّلهم، ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم. وقال عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: بلغني أن بني إسرائيل لما أصابهم ما أصابهم من ظهور بخت نصّر عليهم، وفرقتهم وذلتهم تفرقوا، وكانوا يجدون محمدا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في كتابهم، وأنه يظهر في بعض هذه القرى العربية، في قرية ذات نخل، ولما خرجوا من أرض الشام جعلوا يميزون كل قرية من تلك القرى العربية بين الشام واليمن، يجدون نعتها نعت يثرب، فينزل بها طائفة منهم ويرجون أن يلقوا محمدا فيتبعونه، حتى نزل من بني هارون من حمل التوراة بيثرب منهم طائفة، فمات أولئك الآباء وهم يؤمنون بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم أنه [آت] [ (1) ] ، ويحثون أبناءهم على اتباعه إذا جاء، فأدركه من أدركه من أبنائهم وكفروا به وهم يعرفونه. وقال محمد بن إسحاق: حدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن محمود بن لبيد [ (2) ] عن سلمة بن سلامة [ (3) ] قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، فخرج علينا يوما من بيته [- وذلك قبل مبعث النبي صلى اللَّه عليه وسلّم   [ () ] الاعتدال) : 2/ 668، ترجمة رقم (5270) . وفيه أيضا إدريس بن سنان، وقد ضعفه ابن عدي، وقال عنه الدار الدّارقطنيّ: متروك. [ (1) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ، ولعل الصواب ما أثبتناه. [ (2) ] [أخى بنى عبد الأشهل] ، زيادة من رواية ابن إسحاق. [ (3) ] [ابن وقش، وكان سلمة من أصحاب بدر] ، زيادة من رواية ابن إسحاق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 بيسير-] [ (1) ] حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا، عليّ بردة لي مضطجعا فيها بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة، والحساب والميزان، والجنة والنار، قال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان، لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت، فقالوا: ويحك وتكون دارا فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم والّذي أحلف به، ولودّ أن حظه من تلك النار أعظم تنور في [هذه] [ (1) ] الدار، يحمونه ثم يدخلونه إياه [فيطبقونه] [ (2) ] عليه، [ثم] [ (3) ] ينجو من تلك النار غدا، [قالوا] [ (4) ] ويحك. وما آية ذلك؟ قال: نبي [يبعث] [ (5) ] من هذه البلاد- وأشار بيده نحو مكة واليمن- قالوا: [فمتى] [ (6) ] تراه؟ [فرمى بطرفه فرآني وأنا مضطجع بفناء باب أهلي] [ (7) ] وأنا أحدث القوم سنا فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه، قال سلمة: فو اللَّه ما ذهب الليل والنهار حتى بعث اللَّه نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم، وهو حيّ بين أظهرنا فآمنا به، وكفر به بغيا وحسدا، فقلنا: [ويلك] [ (8) ] يا فلان، ألست الّذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى ولكن ليس به. وذكر الواقدي أن اليهودي اسمه يوشع [ (9) ] . وقال الخرائطي [ (10) ] : حدثنا عبد اللَّه بن أبي سعيد قال: حدثنا حازم بن عقال ابن حبيب بن المنذر بن أبي الحصن بن السموأل بن عاديا قال: حدثني جامع بن حيران ابن جميع بن عثمان بن سماك بن أبي الحصن بن السموأل بن عاديا قال: لما حضرت الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر الوفاة، اجتمع إليه قومه من غسان فقال: إنه حضر من أمر اللَّه ما ترى، وقد كنا نأمرك في شبابك أن تتزوج فتأبى، وهذا أخوك الخزرج له خمس بنين، وليس لك ولد غير مالك، فقال: لن يهلك هالك،   [ (1) ] زيادة للسياق من (خ) . [ (2) ] رواية ابن إسحاق: «فيطينونه» . [ (3) ] رواية ابن إسحاق: «بأن ينجو» . [ (4) ] رواية ابن إسحاق: «فقالوا له: ويحك يا فلان، فما..» . [ (5) ] رواية ابن إسحاق: «نبي مبعوث من نحو هذه البلاد..» . [ (6) ] رواية ابن إسحاق: «ومتى» . [ (7) ] كذا في (خ) ، وفي رواية ابن إسحاق: «قال فنظر إليّ وأنا من أحدثهم سنا» . [ (8) ] في رواية ابن إسحاق: «ويحك» [ (9) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 38. [ (10) ] في (خ) : «الخوائطي» ، والخبر بتمامه وزيادة في (البداية والنهاية) : 2/ 404- 405. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 ترك مثل مالك، إن الّذي يخرج النار من [الورسة] [ (1) ] ، قادر [على] [ (2) ] أن يجعل لمالك نسلا، ورجالا بسلا، وكل إلى موت، ثم أقبل على مالك وقال: أي بني، المنيّة ولا الدنيّة، العقاب ولا العتاب، التجلد ولا التلدد، القبر خير من الفقر، ومن قلّ ذلّ، ومن كرم الكريم الدفع عن الحريم، الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصطبر، وكلاهما سينحسر، إنه ليس ينفلت منها ملك متوج، ولا لئيم معلج، سلّم ليومك، حياك ربك، ثم أنشأ يقول: شهدت السبايا يوم آل محرّق ... وأدرك عمري صيحة اللَّه في الحجر فلم أر ذا ملك من الناس واحدا ... ولا سوقه إلا إلى الموت والقبر فعلّ الّذي أردى ثمودا وجرهما ... سيعقب لي نسلا على آخر الدهر يقربهم من آل عمرو بن عامر ... عيون لدى الداعي إلى طلب الوتر فإن تكن الأيام أبلين جدّتي ... وشيّبن رأسي والمشيب مع العمر فإن لنا فاعلا فوق عرشه ... عليما بما نأتي من الخير والشرّ ألم يأت قومي أن للَّه دعوة ... يفوز بها أهل السعادة والبشر إذا بعث المبعوث من آل غالب [ (3) ] ... بمكة فيما بين زمزم [ (4) ] والحجر هنالك فابغوا نصرة ببلادكم ... بني عامر إن السعادة في النّصر ثم قضى من ساعته. وقال ابن إسحاق: حدثني صالح بن إبراهيم [بن عبد الرحمن بن عوف] [ (5) ] ، عن يحيى بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن [سعد] [ (6) ] بن زرارة قال: حدثني من [شئت] من رجال قومي عن حسان بن ثابت رضي اللَّه عنه قال: واللَّه إني   [ (1) ] في (خ) : «الوسة» ، لعل الصواب ما أثبتناه، فهو يخدم المعنى، لأن «الورسة» من ورس النبت رءوسا: اخضرّ. (لسان العرب) : 6/ 254، قال محققه: وهذا من أبلغ الإعجاز، حيث تخرج النار من الورسة، وهذا ما لا يستطيعه إلا اللطيف الخبير جلّ وعلا. [ (2) ] زيادة في السياق. [ (3) ] إشارة إلى النبي محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. [ (4) ] في (البداية والنهاية) : «بين مكة والحجر» . [ (5) ] زيادة في النسب من رواية ابن إسحاق (2) في (خ) : «أسعد» . [ (6) ] في (خ) : «تثبت» ، وما أثبتناه من رواية ابن إسحاق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 [لغلام] [ (1) ] [يفعه] [ (2) ] ابن [سبع سنين أو ثمان] [ (3) ] ، أعقل [كل] [ (4) ] ما سمعت، إذا سمعت يهوديا يصرخ [بأعلى صوته] [ (4) ] على أطمة بيثرب: يا معشر يهود! فلما اجتمعوا إليه [ (5) ] وقالوا له: ويلك، مالك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الّذي ولد به. وفي رواية: طلع الليلة نجم أحمد نبي هذه الأمة الّذي ولد به [ (6) ] . وفي رواية الواقدي: هذا كوكب أحمد قد طلع، هذا كوكب لا يطلع إلا بالنّبوّة، ولم يبق من الأنبياء إلا أحمد. وفيه قصة. وفي رواية له: قال: لما صاح اليهودي من فوق الأطم: هذا كوكب أحمد قد طلع، وهو لا يطلع إلا بالنّبوّة، قال: وكان أبو قيس من بني عدي بن النجار قد ترهّب ولبس المسوح، فقالوا: يا أبا قيس! انظر ما يقول هذا اليهودي، قال: فانتظاري الّذي صنع بي هذا، فأنا أنتظره حتى أصدقه وأتبعه. وقال ابن إسحاق: عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، حدثنا محمد بن عمرو بن حزم قال: حدثت عن صفية بنت حيي أنها قالت: كنت أحبّ ولد أبي [ (7) ] إليه وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع [ولد لهما] [ (8) ] إلا أخذاني دونه، قالت: فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة [ونزل] [ (9) ] قباء في بني عمرو بن عوف، غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب [مغلّين] [ (10) ] ، قالت: فلم يرجعا حتى [كانا] [ (11) ] مع غروب الشمس فأتيا   [ (1) ] في (خ) : «غلام» ، وما أثبتناه من رواية ابن إسحاق. [ (2) ] في (خ) : «يومئذ» ، وما أثبتناه من رواية ابن إسحاق. [ (3) ] في (خ) : «ابن ثمان سنين أو سبع» ، وما أثبتناه من رواية ابن إسحاق. [ (4) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (5) ] في المرجع السابق: «حتى إذا اجتمعوا إليه» . [ (6) ] قال ابن إسحاق «فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، فقلت: ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة؟ فقال: ابن ستين، وقدمها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين» (سيرة ابن هشام) 1/ 295- 296. [ (7) ] في (خ) : «والداي» ، وما أثبتناه من رواية ابن إسحاق. [ (8) ] في (خ) : «ولدهما» . [ (9) ] في (خ) : «فنزل في قباء» . [ (10) ] في (خ) : «مغليين» . [ (11) ] في (خ) : «كان» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 كالّين كسلانين [ساقطين] [ (1) ] ، يمشيان الهوينا، قالت: فمشيت إليهما كما كنت أصنع، فو اللَّه ما التفت إليّ واحد منهما مع ما بهما من الهم [ (2) ] ، قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حييّ بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم واللَّه قال [ (3) ] : أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال [ (3) ] : فما في نفسك منه؟ قال: عداوته واللَّه ما بقيت [أبدا] [ (4) ] . قال ابن إسحاق: وكان من حديث مخيريق وكان حبرا عالما، وكان رجلا غنيا كثير الأموال من النخل، وكان يعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بصفته وما يجد في علمه [وغلب عليه إلف دينه] [ (5) ] ، فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد- وكان يوم أحد يوم السبت- قال: يا معشر يهود! واللَّه إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت [لكم] [ (5) ] ، ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه بأحد، وعهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت هذا اليوم [فأموالي] [ (6) ] لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم يصنع [فيها] [ (7) ] ما أراه اللَّه، فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل، فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم- فيما بلغني [ (8) ]- يقول: مخيريق خير يهود، وقبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أمواله فعامة صدقات رسول [اللَّه] [ (9) ] صلى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة فيها. وقال يونس بن بكير عن أبي جعفر الرازيّ عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال في قوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [ (9) ] : ذكر قصة المعراج وما أعطي الأنبياء، فقال له ربّه: قد   [ (1) ] زيادة للسياق من رواية ابن إسحاق. [ (2) ] في ابن إسحاق: «الفمّ» . [ (3) ] في (خ) : «قالت» . [ (4) ] زيادة من (خ) ، والأثر في (سيرة بن هشام) : 3/ 52. [ (5) ] زيادة للسياق من رواية ابن إسحاق. [ (6) ] في (خ) : «فمالي» . [ (7) ] في (خ) : «فيه» . [ (8) ] زيادة للسياق من رواية ابن إسحاق. [ (9) ] سقط في (خ) ، وأثبتناه من رواية ابن إسحاق. (سيرة ابن هشام) : 3/ 51- 52. (9) أول سورة الإسراء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 اتخذتك خليلا فهو في التوراة مكتوب: محمد حبيب الرحمن، وأرسلتك إلى الناس كافة، وجعلت أمتك هم الأولون وهم الآخرون، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا، وأعطيتك سبعا من المثاني لم أعطها نبيا قبلك، وجعلتك فاتحا وخاتما، وشرحت صدرك، ورفعت ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت أمتك أمة وسطا، وأرسلتك رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا، وأنزلت عليك الفرقان فيه تبيان كل شيء، فقال إبراهيم عليه السلام للأنبياء: بهذا فضلكم محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. وقال داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال سموأل اليهودي لتبع- وهو يومئذ أضلهم-: أيها الملك، إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي مولده مكة، واسمه أحمد، وهذه دار هجرته. وقال عكرمة عن ابن عباس، قال: كانت يهود قريظة والنضير وفدك وخيبر، يجدون صفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عندهم قبل أن يبعث، وأن دار هجرته المدينة، فلما ولد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قالت أحبار يهود: ولد أحمد الليلة، هذا الكوكب قد طلع، فلما تنبأ قالوا: قد تنبأ أحمد، كانوا يعرفون ذلك ويقرون به ويصفونه. وقال عاصم بن عمرو بن قتادة عن نملة بن أبي نملة عن أبيه أبي نملة قال: كانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في كتبهم، ويعلمون الولدان بصفته واسمه ومهاجره إلى المدينة، فلما ظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حسدوا، وبغوا، وأنكروا. وقال عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدريّ عن أبيه قال: سمعت أبي مالك بن سنان يقول: جئت بني عبد الأشهل يوما لأتحدث فيهم- ونحن يومئذ في هدنة من الحرب- فسمعت يوشع اليهودي يقول: أظلّ خروج نبي يقال له أحمد يخرج من الحرم، فقال له خليفة بن ثعلبة الأشهلي- كالمستهزئ به-: ما صفته؟ قال: رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، يلبس الشملة ويركب الحمار، سيفه على عاتقه، وهذا البلد مهاجره، قال: فرجعت إلى قومي بني خدرة. وأنا يومئذ أتعجب مما يقول يوشع، فأسمع رجلا منا يقول: ويوشع يقول هذا وحده؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 كل يهود يثرب تقول هذا. قال أبي مالك بن سنان: فخرجت حتى جئت قريظة فأجد جمعا فتذاكروا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال الزبير بن باطا: قد طلع الكوكب الأحمر الّذي لم يطلع إلا لخروج نبي وظهوره، ولم يبق أحد إلا أحمد، وهذا مهاجره. قال أبو سعيد: فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة، أخبره أبي هذا الخبر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لو أسلم الزبير وذووه من رؤساء يهود لأسلّم كلهم، إنما هم له تبع. وقال عاصم بن عمرو بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن محمد بن مسلمة قال: لم يكن في بني عبد الأشهل إلا يهودي واحد يقال له يوشع فسمعته يقول: وإني لغلام في إزار قد أظلكم خروج نبي يبعث من نحو هذا البيت، ثم أشار بيده إلى بيت اللَّه، فمن أدركه فليصدقه، فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأسلمنا وهو بين أظهرنا، ولم يسلّم حسدا وبغيا. وعن عبد اللَّه بن سلام قال: ما تمت سبع حتى صدق بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم أحمد لما كان يهود يثرب يخبرونه، وأن تبع مات مسلما. وعن زيد بن ثابت رضي اللَّه عنه: كان أحبار يهود بني قريظة والنضير يذكرون صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما طلع الكوكب الأحمر أخبروا أنه نبّئ، وأنه لا نبي بعده، اسمه أحمد، مهاجره إلى يثرب، فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة ونزلها أنكروه وحسدوا وبغوا. وعن زياد بن لبيد أنه كان على أطم من آطام المدينة فسمع: يا أهل يثرب!! - ففزع عنا وفزع الناس-: قد ذهبت واللَّه نبوة بني إسرائيل، هذا نجم طلع بمولد أحمد، وهو نبي آخر الأنبياء، ومهاجره إلى يثرب. وقال داود بن الحصين، عن عبد الرحمن بن عبد الرحمن عن الحرث بن خزمة قال: كان يهود المدينة ويهود خيبر ويهود فدك يخبرون بصفة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وأنه خارج [من نحو هذا البيت] [ (1) ] ، وأن مهاجره إلى يثرب واسمه أحمد، وأنه يقتلهم قتل الذّر حتى يدخلهم في دينه، وأنه ينزل عليه كتاب اللَّه كما نزل على موسى التوراة، ويخبرون بصفته، فلما نزل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة أنكروه وحسدوه.   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 وقال مسلم بن يسار عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: ما كان في الأوس والخزرج رجل أوصف لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم منه- يعني من بني عامر- كان يألف اليهود ويسائلهم عن الدين، ويخبرونه بصفة رسول اللَّه، وأنّ هذه دار هجرته، ثم خرج إلى يهود تيماء فأخبروه بمثل ذلك، ثم خرج إلى الشام فسأل النصارى، فأخبروه بصفة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وأن مهاجره يثرب. فرجع أبو عامر وهو يقول: أنا على دين الحنفية، فأقام مترهبا لبس المسوح، وزعم أنه على دين إبراهيم عليه السلام، وأنه ينتظر خروج النبي، فلما ظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بمكة لم يخرج إليه، وأقام على ما كان عليه. فلما قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة حسد وبغى ونافق، فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا محمد! بم بعثت؟ فقال: بالحنفية، فقال: أنت تخلطها بغيرها، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أتيت بها بيضاء، أين ما كان يخبرك الأحبار من اليهود والنصارى من صفتي؟ فقال: لست بالذي وصفوا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: كذبت، فقال: ما كذبت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: الكاذب أمانة اللَّه وحيدا طريدا، قال: آمين، ثم رجع إلى مكة فكان مع قريش يتبع دينهم، وترك ما كان عليه [ (1) ] . وذكر محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن شيخ من بني قريظة قال: هل تدري علام كان إسلام ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية [ (2) ] ، وأسد بن   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 128. [ (2) ] قال إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني، عن ابن إسحاق- وهو أحد رواه المغازي- عنه: أسيد بن سعية بضم الألف، وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق- وهو قول الواقدي وغيره-: أسيد بفتحها، قال الدار الدّارقطنيّ: وهذا هو الصواب، ولا يصح ما قاله إبراهيم عن ابن إسحاق. وبنو سعية هؤلاء، فيهم أنزل اللَّه عزّ وجلّ: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ* يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ [113- 115: آل عمران] ، وسعية أبوهم يقال له: ابن العريض، وهو بالسين المهملة، والياء المنقوطة باثنتين. وأما سعنة بالنون، فزيد بن سعنة، حبر من أحبار اليهود، كان قد داين النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فجاءه يتقاضاه قبل الأجل، فقال: ألا تقضيني يا محمد؟! فإنكم يا بني عبد المطلب مطل، وما أردت إلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 عبيد، نفر من بني [هدل] [ (1) ] ، [أو هذيل، أتوا بني قريظة، فكانوا معهم في جاهليتهم، ثم كانوا سادتهم في الإسلام، قال: قلت: لا، قال: فإن رجلا من يهود أهل الشام، يقال له: ابن الهيّبان] [ (2) ] ، قدم علينا قبيل الإسلام [بسنوات] [ (3) ] فحل بين أظهرنا [قال لي:] [ (4) ] واللَّه ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه، فأقام عندنا، فكنا إذا أقحطنا [ (5) ] قلنا له: اخرج يا ابن الهيبان فاستسق، فيقول: لا واللَّه حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة، فيقولون [ (6) ] : كم؟ فيقول: صاع [ (6) ] من تمر أو مدان [ (6) ] من شعير [عن كل إنسان حي] [ (7) ] ، قال: فنخرجها، فيخرج بنا إلى ظاهر حرّتنا فيستسقي لنا، فو اللَّه ما يبرح مجلسه حتى تمرّ [السحاب الشراج سائله] [ (8) ] ونسقي [به] [ (9) ] ، فعل [ (10) ] ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث [ (11) ] ، قال: ثم حضرته الوفاة [عندنا] [ (12) ] ، فلما عرف أنه ميت قال: أيا معشر يهود! ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض الجوع والبؤس؟ قال: قلنا: إنك [ (13) ] أعلم، قال: فأني قدمت هذا [ (14) ] البلد   [ () ] أعلم علمكم، فارتعد عمر، ودار، كأنه في فلك، وجعل يلحظ يمينا وشمالا، وقال: تقول هذا لرسول اللَّه يا عدوّ اللَّه؟! فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا إلى غير هذا منك أحوك يا عمر: أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التّبعة، قم فاقضه عني، فو اللَّه ما حلّ الأجل، وزده عشرين صاعا بما روعته. وفي حديث آخر أنه قال: دعه، فإن لصاحب الحق مقالا، ويذكر أنه أسلم لما رأى من موافقة وصف النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لما كان عنده في التوراة، وكان يجده موصوفا بالحلم، فلما رأى من حلمه ما رأى أسلم، وتوفي غازيا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في غزوة تبوك. ويقال في اسمه: سعية بالياء كما في الأول، ولم يذكره الدار الدّارقطنيّ إلا بالنون. [ (1) ] في (خ) : «وهل» ، وما أثبتناه من رواية ابن إسحاق. [ (2) ] في (خ) : السياق مضطرب فيما يبين الحاصرتين، وما أثبتناه من رواية ابن إسحاق، والهيّبان: من المسمين بالصفات، يقال: قطن هيّبان: أي منتفش، والهيبان: أيضا الجبان. [ (3) ] في رواية ابن إسحاق: «بسنين» . [ (4) ] زيادة من رواية ابن إسحاق. [ (5) ] في رواية ابن إسحاق: «فكنا إذا قحط عنا المطر» . [ (6) ] في رواية ابن إسحاق: «فنقول» ، «صاعا» ، «مدّين» . [ (7) ] ما بين الحاصرتين ليس في رواية ابن إسحاق. [ (8) ] ما بين الحاصرتين ليست في رواية ابن إسحاق. [ (9) ] زيادة من (خ) . [ (10) ] في رواية ابن إسحاق: «قد فعل» . [ (11) ] في (خ) : «ثلاثا» ، وما أثبتناه من رواية ابن إسحاق، وهو حق اللغة. [ (12) ] زيادة من رواية ابن إسحاق. [ (13) ] في (خ) : «اللَّه أعلم» ، وما أثبتناه من رواية ابن إسحاق. [ (14) ] في رواية ابن إسحاق: «هذه البلدة» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 أتوكف [ (1) ] خروج نبي قد أظل زمانه، هذه البلدة مهاجره، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه، وقد أظلكم زمانه، فلا تسبقنّ [ (2) ] إليه يا معاشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعنكم ذلك منه. فلما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وحاصر بني قريظة، قال: هؤلاء الفتية- كانوا شبابا أحداثا-: يا بني قريظة، واللَّه إنه لهو بصفته، فنزلوا وأسلموا، فأحرزوا دماءهم وأموالهم [وأهليهم] [ (3) ] . وقال ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ منهم [ (4) ] ، قال: قالوا: فينا واللَّه وفيهم نزلت هذه القصة، كنا قد علوناهم ظهرا في الجاهلية- ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب- فكانوا يقولون: إن نبيا يبعث الآن نتبعه قد أظلّ زمانه، نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث اللَّه رسوله من قريش واتّبعناه كفروا به، يقول اللَّه تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ، إلى قوله: عَذابٌ مُهِينٌ [ (5) ] . وعن عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس، أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول اللَّه قبل مبعثه، فلما بعثه اللَّه من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور: يا معشر يهود، اتقوا اللَّه وأسلموا، قد كنتم تستفتحون علينا بمحمد وإنا أهل شرك، وتخبروننا بأنه مبعوث، وتصفونه لنا بصفته، فقال سلام بن مشكم: ما هو بالذي كنا نذكر لكم، ما جاءنا بشيء نعرفه! فأنزل اللَّه تعالى في ذلك من قولهم ولما   [ (1) ] التوكف: التوقع والانتظار، وفي حديث ابن عمير: أهل القبور يتوكفون الأخبار، أي ينتظرونها ويسألون عنها. وفي التهذيب: أي يتوقعونها، فإذا مات الميت سألوه: ما فعل فلان وما فعل فلان؟ يقال: هو يتوكف الخبر أي يتوقعه، ونقول: ما زلت أتوكفه حتى لقيته. (لسان العرب) : 9/ 364. [ (2) ] في (خ) : «يسبقنكم» . [ (3) ] في (خ) «وأهاليهم» ، وما أثبتناه من رواية ابن إسحاق فهي أجود، وبها جاء التنزيل: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً [6: التحريم] (سيرة ابن هشام) : 2/ 39- 40 وهامشهما، وفي آخر هذا الأثر قال ابن إسحاق: (فهذا ما بلغنا من أخبار يهود) . [ (4) ] في رواية ابن إسحاق: «عن رجال من قومه» . [ (5) ] هذا الأثر مختصر من رواية ابن إسحاق، (سيرة ابن هشام) : 2/ 37. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ [ (1) ] . وقال عطاء والضحاك عن ابن عباس رضي اللَّه عنه: كانت يهود [بني] [ (2) ] قريظة و [بني] [ (2) ] النضير من قبل مبعث محمد صلى اللَّه عليه وسلّم يستفتحون- يدعون- على الذين كفروا يقولون: اللَّهمّ إنا نستنصرك بحق النبي الأمي ألا تنصرنا عليهم فينصرون، فلما جاءهم ما عرفوا- يريد محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم ولم يشكوا فيه- وكانوا يتمنونه ويقولون لجميع العرب: هذا محمد قد أظلنا، هذا أوان مجيئه، واللَّه لنقتلنكم معه قتل عاد وإرم، وكان الناس من لدن اليمن إلى الشام وجميع الدنيا قد عظموا شأن قريظة والنضير لخصال كثيرة: أنهم أهل كتاب وأحبار ورهبان وربانيون، لكثرة الأموال التي كانت لهم، ولأنهم كانوا من ولد هارون عليه السلام، وكان الناس يرغبون إليهم، ويسألونهم عن الدين، وكانوا إذا استنصروا على أحد من العرب استنصروا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، ويذكرونه بالجميل. عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان يهود أهل المدينة قبل قدوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا قاتلوا من يليهم من مشركي العرب من أسد وغطفان وجهينة وعذرة يستفتحون عليهم، يستنصرون يدعون عليهم باسم نبي اللَّه فيقولون: اللَّهمّ ربنا انصرنا عليهم باسم نبيك، وبكتابك الّذي تنزل عليه، وعدتنا أنك باعثه في آخر الزمان، وكانوا يرجون أن يكون منهم، فكانوا إذا قالوا ذلك نصروا على عدوهم. وعن قتادة قال: كانت اليهود تستفتح بمحمد على كفار العرب يقولون: اللَّهمّ ابعث النبي الّذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم، فلما بعث اللَّه نبيه محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم كفروا به حين رأوه بعث من غيرهم، حسدا للعرب وهم يعلمون أنه رسول اللَّه. وعن ابن أبي نجيح عن علي البارقيّ في قوله تعالى: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، أن اليهود كانوا يقولون: اللَّهمّ ابعث هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس، يستفتحون ويستكثرون على الناس.   [ (1) ] 89: البقرة. [ (2) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 وقال قتادة عن كعب الأحبار: كان سبب استنقاذ بني إسرائيل من أرض بابل، رؤيا بخت نصّر، فإنه رأى رؤيا فزع منها، فدعا كهنته وسحرته فأخبرهم بما أصابه من الكرب في رؤياه، وسألهم أن يعبروها له، فقالوا: قصّها علينا، قال: قد نسيتها! فأخبروني بتأويلها، قالوا: فإنا لا نقدر حتى تقصها علينا، فغضب وقال: اخترتكم واصطفيتكم لمثل هذا، أذهبوا فقد أجلتكم ثلاثة أيام، فإن أتيتموني بتأويلها وإلا قتلتكم! وشاع ذلك في الناس، فبلغ دانيال وهو محبوس، فقال لصاحب السجن وهو إليه محسن: هل لك أن تذكرني للملك؟ فإن عندي [تأويل] [ (1) ] رؤياه، وإني أرجو أن تنال عنده بذلك منزلة، ويكون سبب عافيتي، قال له صاحب السجن: إني أخاف عليك سطوة الملك، لعل غم السجن حملك على أن تتروح بما ليس عندك فيه علم، مع أني أظن إن كان أحد عنده في هذه الرؤيا علم فأنت هو، قال دانيال: لا تخف عليّ فإن لي ربا يخبرني بما شئت من حاجتي، فانطلق صاحب السجن فأخبر بخت نصّر بذلك، فدعا دانيال فأدخل عليه- وكان لا يدخل عليه أحد إلا سجد- فوقف دانيال فلم يسجد، فقال الملك لمن في البيت: اخرجوا، فخرجوا، فقال بخت نصّر لدانيال: ما منعك أن تسجد لي؟ قال دانيال: إن لي ربا آتاني هذا العلم الّذي سمعت به على أن لا أسجد لغيره، فخشيت أن أسجد لك فينسلخ عني هذا العلم، ثم أصير في يدك أميا لا ينتفع بي فتقتلني، فرأيت ترك سجدة أهون من القتل، وخطر سجدة أهون من الكرب والبلاء الّذي أنت فيه، فتركت السجود نظرا إلى ذلك، فقال بخت نصّر: لم يكن قط أوثق في نفسي منك حين وفيت لإلهك، أعجب الرجال عندي الذين يوفون لأربابهم العهود، فهل عندك علم بهذه الرؤيا التي رأيت، قال نعم عندي علمها وتفسيرها، رأيت صنما عظيما رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، أعلاه من ذهب، ووسطه من فضة، وسفله من نحاس، وساقاه من حديد، ورجلاه من فخار، فبينا أنت تنظر إليه قد أعجبك حسنه وإحكام صنعته، قذفه اللَّه بحجر من   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 السماء فوقع في قبة رابية فدقه حتى طحنه، فاختلط ذهبه وفضته، ونحاسه وحديدة وفخاره، حتى تخيل إليك أنه لو اجتمع جميع الإنس والجن على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا على ذلك، ولو هبت ريح لأذرته، ونظرت إلى الحجر الّذي قذف به يربو ويعظم وينتشر حتى ملأ الأرض كلها، فصرت لا ترى إلا السماء والحجر، قال له بخت نصّر: صدقت! هذه الرؤيا التي رأيت، فما تأويلها؟ قال دانيال: أما الصنم فأمم مختلفة في أوّل الزمان وفي أوسطه وفي آخره، وأما الذهب فهذا الزمان وهذه الأمة التي أنت فيها وأنت ملكها، وأما الفضة فابنك يملكها من بعدك، وأما النحاس فإنه الروم، وأما الحديد ففارس، وأما الفخار فأمتان يملكها من بعدك امرأتان: إحداهما في مشرق اليمن والأخرى في غربي الشام، وأما الحجر الّذي قذف به الصنم فدين يقذف اللَّه به هذه الأمم في آخر الزمان ليظهره عليها، فيبعث اللَّه نبيا أميا من العرب فيدوّخ اللَّه به الأمم والأديان كما رأيت الحجر دوّخ أصناف الصنم، ويظهره على الأديان والأمم، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض وانتشر فيها حتى يملأها، فيمحص اللَّه به الحق ويزهق الباطل، ويهدي [به] [ (1) ] أهل الضلالة، يعلم به الأميين، ويقوي به الضعيف ويعزّ به الأذلاء، وينصر به المستضعفين. قال بخت نصّر: ما أعلم أحدا استعنت منذ وليت الملك على شيء غلبني غيرك، ولا أحد له عندي يدا أعظم من يدك، وأنا جازيك بإحسانك.. وذكر القصة. ورويت هذه القصة أيضا عن وهب بن منبه، وقال ابن إسحاق: كان فيما بلغني عما وضع عيسى ابن مريم عليه السلام فيما جاءه من اللَّه تعالى لأهل الإنجيل في الإنجيل من صفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] : اللَّهمّ [ (3) ] من أبغضني فقد أبغض الرب، ولولا أني صنعت بحضرتكم [ (4) ] صنائع ما كانت لكم [ (5) ] خطيئة، ولكن [من] [ (6) ] الآن بطروا وظنوا أنهم يعزونني ولكن لا بدّ أن تتم الكلمة [ (7) ] التي في الناموس أنهم   [ (1) ] زيادة للسياق، (دلائل أبي نعيم) : 1/ 83- 85، حديث رقم (44) تفرد به أبو نعيم. [ (2) ] [مما أثبت يحنّس الحواري لهم، حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى ابن مريم عليه السلام في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إليهم أنه قال: من أبغضني ... ] ما بين الحاصرتين تكملة من رواية ابن إسحاق. [ (3) ] زيادة في (خ) . [ (4) ] في رواية ابن إسحاق: «بحضرتهم لم يصنعها أحد قبلي ما كانت..» . [ (5) ] «لهم» [ (6) ] زيادة للسياق من رواية ابن إسحاق. في (خ) : «المملكة» . [ (7) ] في (خ) : «فجاءوا» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 أبغضوني [مجّانا] [ (1) ] ، أي باطلا، فلو قد جاء المنحمنّا [هذا] [ (2) ] الّذي أرسله اللَّه إليكم من عند الرب وروح القدس هذا الّذي من عند الرب خرج [ (3) ] ، فهو شهيد [ (4) ] عليّ وأنتم أيضا، لأنكم قديما كنتم معي [في] [ (2) ] هذا قلت لكم كي لا تشكوا. قالوا: والمنحمنّا بالسريانية محمد، وهو بالرومية البرقليطس [ (5) ] ، صلى اللَّه عليه وسلّم. قال ابن إسحاق: وقد ذكر لي بعض أهل العلم، أنه وجد عند حبر من أحبار يهود عهدا من كتاب إبراهيم خليل الرحمن فيه: (مود مود) ، فقلت له: أنشدك باللَّه ما هذان الحرفان؟ قال: اللَّهمّ عمّر من ذكر محمد. وحدثني علي بن نافع الجرشيّ قال: قرأت في بيت مجرش كتابا كتبه الحبشة حين ظهروا على اليمن- وكانوا نصارى أهل كتاب-: مصلحا محمدا رشيدا أمما. وقال زياد: سيد الأمم. وقال الواقدي: حدثني محمد بن سعيد الثقفي، وعبد الرحمن بن عبد العزيز ابن عبد اللَّه بن عثمان بن سهل بن حنيف، وعبد الملك بن عيسى الثقفي، وعبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يعلي بن كعب الثقفي، ومحمد بن يعقوب بن عتبة عن أبيه وغيرهم، كل قد حدثني من هذا الحديث طائفة، قال: قال المغيرة بن شعبة في خروجه إلى المقوقس مع بني مالك أنهم لما دخلوا على المقوقس قال لهم: كيف خلصتم إليّ ومحمد وأصحابه بيني وبينكم؟ قالوا: لصقنا بالبحر وقد خضناه على ذلك، قال: فكيف صنعتم فيما دعاكم إليه؟ قالوا: ما تبعه منا رجل واحد، قال: ولم ذاك؟ قالوا: جاءنا بدين مجدد لا يدين به الآباء ولا يدين به الملك، ونحن على ما كان عليه آباؤنا، قال: فكيف صنع قومه؟ قالوا: تبعه أحداثهم وقد لاقاه من خالفه من قومه وغيرهم من العرب في مواطن: مرة تكون عليهم الدبرة، ومرة تكون له. قال: ألا تحدثونني وتصدقونني؟ إلى ماذا يدعو؟ قالوا: يدعو إلى أن يعبد اللَّه وحده لا شريك له، ونخلع ما كان يعبد الآباء، ويدعو إلى الصلاة والزكاة، قال: وما الصلاة والزكاة؟ ألهما وقت يعرف وعدد ينتهى إليه؟ قال: يصلون   [ (1) ] في (خ) : «فجاءوا» . [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] في (خ) : «يخرج» . [ (4) ] في (خ) : «وهو يشهد» . [ (5) ] في (خ) : «البلقليطس» ، وما أثبتناه من رواية ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) : 2/ 63- 64، باب صفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في الإنجيل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 في اليوم والليلة خمس صلوات كلها لمواقيت، وعدد قد سموه له، ويؤدون من كل ما بلغ عشرين مثقالا نصف دينار، وكل إبل بلغت خمسا شاة، قال: ثم أخبروه بصدقة الأموال كلها. قال: أفرأيتم إذا أخذها أين يضعها؟ قال: يردها على فقرائهم، ويأمر بصلة الرحم ووفاء العهد وتحريم الزّنا والرّبا والخمر، ولا يأكل ما ذبح لغير اللَّه. قال: هو نبي مرسل إلى الناس كافة، ولو أصاب القبط والروم تبعوه، وقد أمرهم بذلك عيسى ابن مريم، وهذا الّذي تصفون منه بعثت به الأنبياء من قبله، وستكون له العاقبة حتى لا ينازعه أحد فيظهر دينه إلى منتهى الخف والحافر ومقطع النحور، ويوشك قومه أن يدافعونه بالراح. قال: فقلنا لو دخل الناس كلهم معه ما دخلنا، قال: فأخفض رأسه وقال: أنتم في اللعب!؟ قال: كيف نسبه في قومه؟ قلنا: هو أوسطهم نسبا، قال: كذلك والمسيح، الأنبياء تبعث في نسب قومها، قال: فكيف صدق حديثه؟ قال: قلنا: ما يسمى إلا الأمين من صدقه، قال: انظروا في أمركم، أترونه يصدق فيما بينكم وبينه ويكذب على اللَّه؟. قال: فمن اتبعه؟ قلنا: الأحداث، قال: هم والمسيح أتباع الأنبياء قبله، قال: فما فعلت يهود يثرب، فهم أهل التوراة؟ قلنا: خالفوه فأوقع بهم وسباهم وتفرقوا في كل وجه، قال: هم قوم حسّد حسدوه، أما إنهم يعرفون من أمره مثل ما نعرف. قال المغيرة: فقمنا من عنده وقد سمعنا كلاما ذللنا لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم وخضعنا وقلنا: ملوك العجم يصدقونه ويخافونه في بعد أرحامهم منه، ونحن أقرباؤه وجيرانه لم ندخل معه وقد جاءنا داعيا إلى منازلنا؟. قال المغيرة: فرجعت إلى منزلنا فأقمت بالإسكندرية لا أدع كنيسة إلا دخلتها، وسألت أساقفتها من قبطها ورومها عما يجدون من صفة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 وكان أسقف من القبط هو رأس الكنيسة، أبى [يحسر] [ (1) ] كانوا يأتونه بمرضاهم فيدعو لهم، لم أر أحدا إلا يصلي الصلوات الخمس أشدّ اجتهادا منه، فقلت: أخبرني هل بقي أحد من الأنبياء؟ قال: نعم، وهو آخر الأنبياء ليس بينه وبين عيسى ابن مريم أحد، وهو نبي قد أمرنا عيسى باتباعه، وهو النبي الأمي العربيّ، اسمه أحمد. ليس بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، ليس بالأبيض ولا بالآدم، يعفي شعره ويلبس ما غلظ من الثياب، ويجتزئ بما لقي من الطعام، سيفه على عاتقه، ولا يبالي بمن لاقى، يباشر القتال بنفسه، ومعه أصحابه يفدونه بأنفسهم، هم له أشد حبا من أولادهم وآبائهم، يخرج من أرض القرظ، ومن حرم يأتي وإلى حرم يهاجر إلى أرض سباخ ونخل، يدين بدين إبراهيم عليه السلام. قال المغيرة بن شعبة: زدني في صفته، قال: يأتزر على وسطه، يغسل أطرافه، ويحض بما لا يحض به الأنبياء قبله، كان النبي يبعث إلى قومه وبعث إلى الناس كافة، وجعلت له الأرض مسجدا وطهورا، أينما أدركته الصلاة تيمم وصلى، ومن كان قبله مشدّدا عليهم، لا يصلون إلا في الكنائس والبيع، قال المغيرة: فوعيت ذلك كله من قوله وقول غيره وما سمعت من ذلك. فذكر الواقدي [ (2) ] حديثا طويلا في رجوعه من عند المقوقس ومجيئه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وقال: فأسلمت ثم أخبرته صلى اللَّه عليه وسلّم عن مخرجنا من الطائف وقدومنا الإسكندرية، وأخبرته بما قال الملك وما قال الأساقفة الّذي كنت أسائلهم وأسمع منهم ومن رؤساء القبط والروم فأعجب ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأحب أن يسمعه أصحابه، فكنت أحدثهم ذلك في اليومين والثلاثة. وخرج الحسن بن سفيان من حديث ملازم بن عمرو، حدثنا عبد اللَّه بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه قال: خرجنا وفد إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فبايعناه وصلينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا واستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ منه   [ (1) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ، ولعل الصواب ما أثبتناه. [ (2) ] (المغازي) : 3/ 964- 965. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 ومضمض منه وصبّ لنا في إداوة ثم قال: اذهبوا بهذا الماء، فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعكم وانضحوا مكانها من هذا الماء، واتخذوا مكانها مسجدا، قلنا: إن البلد [بعيد] [ (1) ] والحر شديد والماء ينشف، قال: فأمدّوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيبا، قال: فخرجنا وتشاححنا على حمل الإداوة أينا يحملها؟ فجعلها نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بيننا نوبا، على كل رجل يوما وليلة، فخرجنا حتى قدمنا بلدنا، ففعلنا الّذي أمرنا به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم- وراهبنا يومئذ من طيِّئ- فأذّنا، فقال الراهب لما سمع الأذان: دعوة حق، ثم استقبل تلعة من تلاعنا [ (2) ] ثم هرب فلم ير بعد [ (3) ] . وللطبراني من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم بن كليب قال: حدثني أبي قال: أخبرني الفلتان بن عاصم قال: كنا قعودا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في المسجد فشخص بصره إلى رجل يمشي في المسجد فقال: أفلان، قال: لبيك يا رسول اللَّه- ولا ينادي الكلام إلا قال برسول اللَّه- فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أتشهد أني رسول اللَّه؟ قال: لا! قال: أتقرأ في التوراة؟ قال: نعم، قال: والإنجيل؟ قال: نعم، قال: والقرآن؟ قال: لا، قال: والّذي نفسي بيده لو تشاء لقرأته، قال: ثم ناشده: هل تجدني في التوراة والإنجيل؟ فقال: سأحدثك مثلك ومثل هيئتك ومخرجك، وكنا نرجو أن تكون منّا، فلما خرجت تخوفنا أن تكون هو أنت، فنظرنا فإذا ليس هو أنت! قال: فلم ذاك، قال: إن معه من أمته سبعين ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب، وإنما معك نفر يسير، قال: فو الّذي نفسي بيده لأنا هو، إنهم لأمتي، وإنهم لأكثر من سبعين ألفا، وقد بشر برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كعب بن لؤيّ بن غالب كما ستراه في أخباره. وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن جدعان عن سعيد بن المسيب قال: بينما العباس في زمزم إذ جاء كعب الأحبار فقال له العباس: ما منعك أن تسلم في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر حتى أسلمت الآن في عهد عمر رضي اللَّه عنهم؟   [ (1) ] في (خ) : «ببعد» . [ (2) ] التلعة: ما ارتفع من الأرض وما انخفض منها، فهي من أسماء الأضداد. [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 90- 91، حديث رقم (47) قال في (الخصائص) : 1/ 217: أخرجه ابن أبي شيبة، وابن سعد، والبيهقي، وأخرجه أيضا النسائي في كتاب المساجد من طريق رجاله ثقات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 فقال: إن أبي كتب لي كتابا من التوراة ودفعه إليّ وقال: اعمل بهذا واتبعه، وأخذ علي حق الوالد على الولد أن لا أفضّ هذا الخاتم، وختم على سائر كتبه، فلما رأيت الإسلام قد ظهر ولم أر إلا خيرا قالت لي نفسي: لعل أباك غيب عليك علما، ففضضت هذا الخاتم فإذا فيه صفة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وأمته، فجئت الآن وأسلمت. وقد تقدم في ذكر حلم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وصفحه، حديث إسلام زيد بن سعنة، وفيه: قال زيد: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه محمد سوى آيتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما. وخرّج ابن حبان من حديث أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أسامة بن زيد [ (1) ] قال: قال زيد بن عمرو بن نفيل: قال لي حبر من أحبار الشام: قد خرج نبي في بلدك أو هو خارج قد خرج نجمه، فارجع فصدّقه واتّبعه وآمن به. ولأبي نعيم من حديث سلمة بن كهيل عن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد، عن دحية الكلبي قال: بعثني النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلى قيصر صاحب الروم بكتاب، فاستأذنت فقلت: استأذنوا لرسول رسول اللَّه، فأتى قيصر فقيل: إن على الباب رجلا يزعم أنه رسول رسول اللَّه، ففزعوا لذلك وقال: أدخلوه، فدخلت عليه وعنده بطارقته، فأعطيته الكتاب فقرئ عليه فإذا فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من محمد رسول اللَّه إلى قيصر صاحب الروم، فنخر ابن أخ له أحمر أزرق سبط الشعر فقال: لا يقرأ الكتاب اليوم، لأنه بدأ بنفسه، وكتب صاحب الروم ولم يكتب ملك الروم، قال: فقرئ الكتاب حتى فرغ منه، ثم أمرهم قيصر فخرجوا من عنده ثم بعث إليّ فدخلت إليه فسألني فأخبرته، فبعث إلى الأسقف فدخل عليه وكان صاحب أمرهم يصدرون عن قوله ورأيه، فلما قرأ الكتاب قال الأسقف: هو واللَّه الّذي بشرنا به عيسى وموسى الّذي كنا ننتظره، قال قيصر: فما تأمرني؟ قال الأسقف: أما أنا فإنّي مصدقه ومتبعه، فقال قيصر: إني أعرف أنه كذلك، ولكن   [ (1) ] مرويات أسامة بن زيد في (صحيح ابن حبان) (16) حديثا ليس من بينها هذا الحديث- ر: (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 18/ 97 (فهرس الرواة) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 لا أستطيع أن أفعل، فإن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم [ (1) ] . وله من حديث العلاء بن الفضل بن أبي سوية بن خليفة قال: حدثني أبي عن جده أبي سوية بن خليفة- وكان خليفة مسلما- قال: سألت محمد بن عدي ابن ربيعة بن سوادة بن حبتم بن سعد فقلت كيف سماك أبوك محمدا؟ فضحك ثم قال: أخبرني- أي عدي بن ربيعة- قال: خرجت أنا وسفيان بن مجاشع ويزيد ابن ربيعة وأسامة بن مسكة نريد ابن جفنة، فلما قربنا منه نزلنا إلى شجرات وغدير فقلنا: لو اغتسلنا وادهنا ولبسنا ثيابنا من قشف السفر، فجعلنا نتحدث فأشرف علينا ديراني [ (2) ] من قائم له فقال: إني أسمع بلغة قوم ليس بلغة أهل هذه البلاد، قلنا: نحن قوم من مضر، قال: من أي المضريين؟ قلنا: من خندف [ (3) ] ، قال: إنه سيبعث وشيكا نبي منكم فخذوا نصيبكم منه تسعدوا، قلنا: ما اسمه؟ قال: محمد. فأتينا ابن جفنة فقضينا حاجتنا ثم انصرفنا، فولد لكل رجل منا ابن فسماه محمدا يدور على ذلك الاسم [ (4) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 101- 102، حديث رقم (53) ، وقال الحافظ في (الفتح) : «وأخرجه ابن إسحاق مرسلا عن بعض أهل العلم» ، (سيرة ابن هشام) : 6/ 14، هامش (1) ، (2) ، (مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة) : 35- 37، (المصباح المضيء) : 2/ 68- 71 ، (الاستيعاب) : 2/ 461 ترجمة دحية الكلبي رقم (701) . [ (2) ] الديرانيّ: صاحب الدير، أو المقيم فيه، نسبة إلى الدّير، على غير قياس. [ (3) ] خندف: هي ليلى بنت حلوان بن عمران، زوجة إلياس بن مضر والد مدركة، قال مجد الدين الفيروزآبادي في (القاموس المحيط) : 2/ 115: خرج إلياس في نجعة فنفرت إبله من أرنب، فخرج إليها ابنه عمرو فأدركها، وخرج عامر- ابنه الثاني- فتصيدها وطبخها، وانقمع عمير. ابنه الثالث في الخباء، وخرجت أمهم- تسرع، فقال لها إلياس: أين تخندفين؟ فقالت: ما زلت أخندف في أثركم، فلقبوا: مدركة، وطابخة، وقمعة، وخندف. [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 93- 94، حديث رقم (49) ، والحديث أخرجه البيهقي والطبراني، والخرائطي في (الهواتف) - ر: (الخصائص) : 1/ 57، وقال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : رواه البغوي وابن سعد، وابن شاهين، وابن السكن وغيرهم. وقال في (الإصابة) : هو من طريق العلاء بن الفضل بن أبي سويّة المنقري، حدثني أبو الفضل بن عبد الملك، عن أبيه عبد الملك بن أبي سوية، عن أبيه أبي سوية، عن أبيه خليفة بن عبدة. قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 8/ 232: رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 وسيأتي في التعريف لعبد المطلب ذكر اليهودي الّذي نظر في أنفه وقال له: أرى في إحدى يديك ملكا وفي أنفك نبوة، وذكر وفادته على سيف بن ذي يزن وإخباره إياه أنه يولد له ولد اسمه محمد، وبشّر بنبوته. قال أبو بكر بن عبد اللَّه بن الجهم عن أبيه عن جده قال: سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب قال: بينما أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني ففزعت منها فزعا شديدا، فأتيت كاهنة قريش فقلت: إني رأيت الليلة وأنا نائم كأن شجرة نبتت من ظهري قد نال رأسها السماء، وضربت بأغصانها المشرق والمغرب، وما رأيت نورا أزهر منها، أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا. ورأيت العرب والعجم ساجدين لها، وهي تزداد كل ساعة عظما ونورا وارتفاعا، ساعة تختفي وساعة تزهر. ورأيت رهطا من قريش قد تعلقوا بأغصانها، ورأيت قوما من قريش يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخّرهم شاب لم أر قط أحسن منه وجها ولا أطيب منه ريحا، فيكسر أظهرهم ويقلع أعينهم فرفعت يدي لأتناول منها نصيبا، فقلت: لمن النصيب؟ فقال: لهؤلاء الذين تعلقوا بها وسبقوك إليها. فانتبهت مذعورا فزعا، فرأيت وجه الكاهنة قد تغير، ثم قالت: لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب، يدين له الناس، فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث، والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم قد خرج، ويقول: كانت الشجرة أبا القاسم الأمين، فيقال له: ألا تؤمن به فيقول: السبّة والعار [ (1) ] !!. عن الحرث بن عبد اللَّه الأزدي قال: لما نزل أبو عبيدة اليرموك وضم إليه قواصيه وجاءتنا جموع الروم فذكر أن ماهان صاحب جيش الروم بعث رجلا من كبارهم وعظمائهم يقال له: جرجير إلى أبي عبيدة بن الجراح، فأتى أبا عبيدة فقال: إني رسول ماهان إليك، وهو عامل ملك الروم على الشام، وعلى هذه الحصون،   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 99- 100، حديث رقم (51) ، انفرد به أبو نعيم، وفيه خالد بن إلياس، متروك الحديث، (البداية والنهاية) : 2/ 387- 388. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 وهو يقول لك: أرسل إلى الرجل الّذي كان قبلك أميرا، قد ذكر لي أن ذلك الرجل له عقل وله فيكم حسب، وقد سمعنا أن ذوي الأحساب أفضل عقولا من غيرهم، فنخبره بما نريد، ونسأله عما تريدون، فإن وقع بيننا وبينكم أمر لنا فيه ولكم صلاح أخذنا الحظ من ذلك وحمدنا اللَّه عليه، وإن لم يتفق ذلك بيننا وبينكم فإن القتال من وراء ما هناك. فدعا أبو عبيدة خالدا فأخبره بالذي جاء فيه الروميّ وقال لخالد: ألقهم فادعهم إلى الإسلام، فإن قبلوا وإلا فافرض عليهم الجزية، فإن أبوا فأعلمهم أنا سنناجزهم حتى يحكم اللَّه بيننا وبينهم. قال: وجاءهم رسولهم الرومي عند غروب الشمس فلم يمكث إلا يسيرا حتى حضرت الصلاة فقام المسلمون يصلون، فلما قضوا صلاتهم قال خالد للرومي: قد غشينا الليل، ولكن إذا أصبحت غدوت إلى صاحبك إن شاء اللَّه، فارجع إليه فأعلمه. فجعل المسلمون ينتظرون الرومي أن يقوم إلى صاحبه فيرجع إليه ويخبره بما اتعدوا عليه، فأخذ الرومي لا يبرح وينظر إلى رجال من المسلمين وهم يصلون فيدعون اللَّه ويتضرعون إليه، ثم أقبل على أبي عبيدة فقال: أيها الرجل! متى دخلتم هذا الدين ومتى دعوتم الناس إليه؟ فقال: منذ بضع وعشرين سنة، فمنا من أسلم حين أتاه الرسول، ومنا من أسلم بعد ذلك. فقال: هل كان رسولكم أخبركم أنه يأتي من بعده رسول؟ قال: لا، ولكن أخبرنا أنه لا نبي بعده، وأخبرنا أن عيسى ابن مريم قد بشر به قومه، قال الرومي، وأنا على ذلك من الشاهدين، وأن عيسى قد بشرنا براكب الجمل، وما أظنه إلا صاحبكم، فأخبرني هل قال صاحبكم في عيسى شيئا؟ وما قولكم أنتم فيه؟. قال أبو عبيدة: قول صاحبنا هو قول اللَّه وهو أصدق القول وأبرّه: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ (1) ] ، وقال تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [ (2) ] إلى قوله: لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ.   [ (1) ] 59: آل عمران. [ (2) ] 171: النساء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 قال: ففسّر له الترجمان هذا بالرومية، فقال: أشهد أن هذا صفة عيسى نفسه، وأشهد أن نبيكم صادق، وأنه الّذي بشرنا به عيسى وأنكم قوم صدق، وقال لأبي عبيدة: أدع لي رجلين من أوائل أصحابك إسلاما هما فيما ترى أفضل. فدعا له معاذ بن جبل وسعيد بن جبير وزيد بن عمرو بن نفيل، فقيل له: هذا من أفضل المسلمين فضلا ومن أوائل المسلمين إسلاما، فقال لهم الرومي: أتضمنون لي الجنة إن أنا أسلمت وجاهدت معكم؟ قالوا: نعم، إن أنت أسلمت واستقمت ولم تغيّر حتى تموت وأنت على ذلك فإنك من أهل الجنة، قال: فإنّي أشهدكم أني من المسلمين، فأسلّم، ففرح المسلمون بإسلامه وصافحوه ودعوا له بخير. وخرج أبو نعيم من حديث أبي بشر محمد بن عبيد اللَّه قال: حدثني عطاء بن عجلان عن بهز بن حوشب عن كعب بن ماتع الحميري أن إسلامه كان [عند] مقدم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه الشام، وأخبرني كيف كان بدء أمره، قال: إن أبي كان من أعلم الناس بما أنزل اللَّه على موسى عليه السلام، وكان لم يدخر عني شيئا مما كان يعلم. فلما حضره الموت دعاني فقال لي: يا بني! إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئا مما كنت أعلم إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما نبي يبعث قد أظل زمانه، فكرهت أن أخبرك بذلك ولا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه، وقد جعلتهما في هذه الكوة التي ترى، وطينت عليهما، لا تعرض لهما ولا تنظرن فيهما حينك هذا، فإنّ اللَّه إن يرد بك خيرا ويخرج ذلك الّذي تتبعه. قال: ثم إنه مات فدفناه، ولم يكن شيء أحب إلي من أن يكون المأتم قد انقضى حتى انظر ما في الورقتين، فلما انقضى المأتم فتحت الكوة، ثم استخرجت الورقتين فإذا فيهما: محمد رسول اللَّه، خاتم النبيين لا نبي بعده، مولده بمكة ومهاجرة بطيبة، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ويجزئ بالسيئة الحسنة، ويعفو ويصفح. أمته الحمادون الذين يحمدون اللَّه على كل حال، تذلل ألسنتهم بالتكبير، وينصر نبيهم على كل من ناوأه، يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم، أناجيلهم في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 صدورهم، وتراحمهم بينهم تراحم بني الأم، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم. قال: فلما قرأت ذلك قلت في نفسي: وهل علمني أبي شيئا هو خير لي من هذا؟ فمكثت ما شاء اللَّه، ثم بلغني أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قد خرج بمكة وهو يظهر مرة ويستخفي أخرى فقلت: هو ذا، فلم يزل كذلك حتى قيل لي: قد أتى المدينة، فقلت في نفسي إني لأرجو أن يكون إياه، وكانت تبلغني وقائعه: مرة له، ومرة عليه، ثم بلغني أنه توفى، فقلت في نفسي: لعله ليس بالذي كنت أظن حتى بلغني أن خليفته قد قام مقامه، ثم لم يلبث إلا قليلا حتى جاءتنا جنوده، فقلت في نفسي: لا أدخل في هذا الدين حتى أعلم أنهم هم الذين أرجو وانظر سيرتهم وأعمالهم. فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدم علينا عمال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فلما رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع اللَّه لهم على الأعداء علمت أنهم هم الذين كنت أنتظر، فحدثت نفسي بالدخول في دينهم، فو اللَّه إني ذات ليلة فوق سطحي فإذا رجل من المسلمين يتلو قول اللَّه عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [ (1) ] ، قال: فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاي، فما كان شيء أحبّ إليّ من الصباح فغدوت على المسلمين. قال: وحدثني عطاء عن شهر بن حوشب عن كعب قال: قلت لعمر رضي اللَّه عنه بالشام عند انصرافه أنه مكتوب في الكتب: أن هذه البلاد التي كان بنو إسرائيل أهلها مفتوحة على رجل من الصالحين، رحيم بالمؤمنين، شديد على الكافرين، سره مثل علانيته، وقوله لا يخالف فعله، والقريب والبعيد سواء في الحق عنده، أتباعه رهبان بالليل وأسد بالنهار، متراحمون متواضعون متبارون، فقال عمر رضي اللَّه عنه: ثكلتك أمك! أهو ما تقول؟ فقال: إي والّذي يسمع ما أقول، فقال: الحمد للَّه الّذي أعزنا وأكرمنا وشرفنا ورحمنا بنبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم.   [ (1) ] 47: النساء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 وله من حديث المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد عن أبيه، عن جده سعيد بن زيد، أن زيد بن عمرو وورقة ابن نوفل خرجا يلتمسان الدين، حتى انتهيا إلى راهب بالموصل، فقال لزيد بن عمرو: من أين أقبلت يا صاحب البعير؟ قال: من بيت إبراهيم، قال: وما تلتمس؟ قال: ألتمس الدين، قال: ارجع فإنه يوشك أن يظهر الّذي تطلب في أرضك، فرجع وهو يقول: لبيك حقا حقا، تعبّدا ورقّا، البرّ أبغي لا الحال، وهو كمن قال: آمنت بما آمن به إبراهيم وهو يقول: أبقي لك فإنّي واهم، مهما تجشمني فإنّي جاشم، ثم يخر فيسجد. وله من حديث النضر بن مسلمة قال: حدثنا محمد بن موسى أبو غزية، عن علي بن عيسى بن جعفر عن أبيه عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة، عن أبيه عامر ابن ربيعة العدوي قال: لقيت زيد بن عمرو بن نفيل وهو خارج من مكة يريد حراء يصلي فيها، وإذا هو قد كان بينه وبين قومه يوفي صدر النهار في ما أظهر من خلافهم، واعتزال آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم. فقال زيد بن عمرو: يا عمر إني خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم خليل اللَّه وما كان يعبد وابنه إسماعيل من بعده، وما كانوا يصلون إلى هذه القبلة، وأنتظر نبيا من ولد إسماعيل من بني عبد المطلب اسمه أحمد، ولا أراني أدركه، فأنا يا عامر أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السلام، وسأخبرك يا عامر ما نعته حتى لا يخفى عليك، قلت: هلم. قال: هو رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليس يفارق عينيه حمره، وهو خاتم النبوة واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه فإنّي بلغت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم عليه السلام، فكل من أسأل من اليهود والنصارى والمجوس يقول: هذا الدين وراءك، وينعتونه مثل ما نعته لك ويقولون: لم يبق نبي غيره. قال عامر: فوقع في نفسي الإسلام من يومئذ، فلما تنبأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كنت حليفا في قومي، وكان قومي أقل قريش عددا، فلم أقدر على اتباعه ظاهرا فأسلمت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 سرا، وكنت أخبرت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بما أخبرني به زيد بن عمرو فترحم عليه وقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيلا له أو ذيولا له [ (1) ] . وله من حديث أبي بكر الهذلي عن عكرمة بن عباس قال: قال العباس: خرجت في تجارة إلى اليمن في ركب منهم أبو سفيان بن حرب فقدمت اليمن، وكنت أصنع يوما طعاما وأنصرف بأبي سفيان والنفر، ويصنع أبو سفيان يوما ويفعل مثل ذلك، فقال لي في يومي الّذي كنت أصنع فيه: هل لك يا أبا الفضل أن تنصرف إلى بيتي وترسل إليّ غداك؟ قلت: نعم. فانصرفت أنا والنفر إلى بيته وأرسلت [إليه] [ (2) ] الغداء، فلما تغدى القوم قاموا واحتبسني فقال: هل علمت يا أبا الفضل أن ابن أخيك يزعم أنه رسول اللَّه؟ قلت أيّ بني أخي؟ قال: إياي تكتم؟ وأيّ بني أخيك ينبغي أن يقول هذا إلا رجل واحد، قلت: وأيهم؟ هو محمد بن عبد اللَّه؟. قلت: قد فعل؟ قال: قد فعل [ (3) ] ، وأخرج كتابا من ابنه حنظلة بن أبي سفيان: أخبرك أن محمدا أقام بالأبطح فقال: أنا رسول اللَّه أدعوكم إلى اللَّه، قال العباس: قلت: لعله يا أبا حنظلة صادق، فقال: مهلا يا أبا الفضل، فو اللَّه ما أحب أن تقول هذا، إني لأخشى أن تكون كنت على صبر من هذا الحديث، يا بني عبد المطلب إنه واللَّه ما برحت قريش تزعم أن لكم هنة وهنة كل واحد منهما قامته، نشدتك يا أبا الفضل هل سمعت ذلك؟. قلت: نعم قد سمعت، قال: فهذه واللَّه شؤمتكم، قلت: فلعلها يمنتنا، قال: فما كان يبعد ذلك إلا ليال حتى قدم عبد اللَّه بن خرافة بالخبر وهو مؤمن، ففشا ذلك في مجالس اليمن، وكان أبو سفيان يجلس مجلسا باليمن يتحدث وفيه حبر من أحبار اليهود، فقال له اليهودي: ما هذا الخبر؟! بلغني أن فيكم عم هذا الرجل الّذي قال ما قال.   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 100- 101، حديث رقم (52) ، رواه ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 161، والفاكهي بإسناده ثم ذكر الحديث. وانظر الإصابة أيضا، ويظهر أن إسناده عنده مقبول، و (الخصائص) : 1/ 61. [ (2) ] في (خ) : «إلى» ، وما أثبتناه أجود للسياق. [ (3) ] في (خ) : «بلى قد فعل» ، وما أثبتناه حق اللغة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 قال أبو سفيان: صدقوا، وأنا عمه، قال اليهودي: أخو أبيه؟ قال نعم، قال: فحدثني عنه، قال: لا تسألني، ما كنت أحب أن يدعي هذا الأمر أبدا، وما أحب أن أعيبه وغيره خير منه، فرأى اليهودي أنه يغمص عليه ولا يحب أن يعيبه، فقال: ليس به بأس على اليهود وتوراة موسى. قال العباس: فنادى إلى الحبر فجئت وخرجت حتى جلست هذا المجلس من الغد، وفيه أبو سفيان والحبر، فقلت للحبر: بلغني أنك سألت ابن عمي عن رجل منا، زعم أنه رسول اللَّه فأخبرك أنه عمه وليس بعمه، ولكن ابن عمه، وأنا عمه وأخو أبيه، قال: أخو أبيه؟ قلت: أخو أبيه، فأقبل على أبي سفيان فقال: صدق، قال نعم صدق، فقلت: سلني، فإن كذبت فيرده عليّ. فقلت: نشدتك هل كانت لابن أخيك صبوة أو سفهة؟ قلت: لا، وإله عبد المطلب، ولا كذب ولا خان، وإن كان اسمه عند قريش الأمين، قال: هل كتب بيده؟ قال العباس: فظننت أنه خير له أن يكتب بيده، فأردت أن أقولها، ثم ذكرت مكان أبي سفيان أنه مكذّبي ورادّ عليّ، فقلت: لا يكتب، فوثب الحبر وترك رداءه وقال: ذبحت يهود وقتلت يهود. قال العباس: فلما رجعنا إلى منزلنا قال أبو سفيان: يا أبا الفضل إن اليهود تفزع من ابن أخيك، قلت: قد رأيت، فهل لك أيا أبا سفيان أن تؤمن به، فإن كان حقا كنت قد سبقتك، وإن كان باطلا فمعك غيرك من أكفائك. قال: لا أؤمن به حتى أرى الخيل في كذا، قلت: ما تقول؟ قال: كلمة جاءت على فمي إلا أني أعلم أن اللَّه لا ينزل خيلا تطلع من كذا. قال العباس: فلما استفتح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مكة ونظرنا إلى الخيل قد طلعت من كذا، قلت: يا أبا سفيان! تذكر الكلمة؟ قال: إي واللَّه، إني أذكرها، والحمد للَّه الّذي هداني للإسلام. وله من حديث إسماعيل بن الطريح بن إسماعيل الثقفي قال: حدثني أبي عن عمران بن الحكم عن معاوية بن أبي سفيان عن أبيه قال: خرجت أنا وأمية بن معاوية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 ابن أبي الصلت الثقفي تجارا إلى الشام، فكلما نزلنا منزلا أخذ أمية سفرا له يقرؤه علينا، وكنا كذلك حتى نزلنا قرية من قرى النصارى فجاءوه وأكرموه وأهدوا له، وذهب معهم إلى بيوتهم، ثم رجع في وسط النهار فطرح ثوبيه وأخذ ثوبين له أسودين فلبسهما وقال لي: يا أبا سفيان، هل لك في عالم من علماء النصارى إليه يتناهى علم الكتاب نسأله؟ قلت: لا أرب لي فيه، واللَّه لئن حدثني بما أحب لا أثق به، ولئن حدثني بما أكره لأرحل منه. قال: فذهب وخالفه فتى من النصارى فدخل عليه فقال: ما يمنعك أن تذهب إلى هذا الشيخ؟ قلت: لست على دينه، قال: وإن، فإنك تسمع منه عجبا وتراه، ثم قال لي الثقفيّ: أنت قلت: لا، ولكني قريشيّ، قال: فما يمنعك من الشيخ؟ فو اللَّه إنه ليحبكم ويوصي بكم، قال: وخرج من عندنا ومكث أمية حتى جاءنا بعد هدأة من الليل، فطرح ثوبيه ثم انحذل إلى فراشه، فو اللَّه ما نام ولا قام حتى أصبح كئيبا حزينا ساقطا غبوقه على صبوحه [ (1) ] ، ما يكلمنا وما نكلمه. ثم قال: ألا ترحل؟ فرحلنا، فسرنا بذلك ليلتين من همه، ثم قال لي في الليلة الثالثة: ألا تحدث أبا سفيان؟ قلت: وهل بك من حديث؟ واللَّه ما رأيت مثل الّذي رجعت به من عند صاحبك، قال: أما إن ذلك شيء لست فيه، إنما ذلك شيء وجلت به من منقلبي، قال: قلت: هل أنت قابل أمانتي؟ قال: على ماذا؟ قلت: على أنك لا تبعث ولا تحاسب، فضحك ثم قال: بلى واللَّه يا أبا سفيان لنبعثن ولنحاسبن، وليدخلن فريق الجنة وفريق النار، قلت: ففي أيهما أنت أخبرك صاحبك؟ قال: لا علم لصاحبي بذلك في ولا في نفسه. قال: فكنا في ذلك ليلتين يعجب مني وأضحك منه، حتى قدمنا على غوطة دمشق فبعنا متاعنا فأقمنا شهرين وارتحلنا حتى نزلنا قرية من قرى النصارى، فلما رأوه جاءوه أهدوا له، وذهب معهم إلى بيعتهم، حتى جاء بعد ما انتصف النهار، فلبس ثوبيه وذهب إليهم حتى جاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه ورمى بنفسه على فراشه، فو اللَّه ما نام ولا قام، وأصبح كئيبا حزينا لا يكلمنا ولا نكلمه.   [ (1) ] الغبوق: شراب اللبن في المساء، والصبوح: شرابه في الصباح، والمقصود هنا كناية عن الاضطراب وعدم الاتزان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 ثم قال: ألا نرحل؟ قلت: بلى إن شئت، فرحلنا لذلك [من بيته وحزبه] [ (1) ] ليالي ثم قال لي: يا أبا سفيان! هل لك في المسير فنقدم أصحابنا؟ فسرنا حتى برزنا من أصحابنا ساعة ثم قال: هيا صخر، قلت: ما تشاء، قال: حدثني عن عتبة بن ربيعة، أيجتنب المظالم والمحارم؟ قلت: إي واللَّه، قال: ويصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: أي واللَّه، قال: وكريم الطرفين وسيط في العشيرة؟ قلت: نعم، قال: فهل تعرف في قريش من هو أفضل منه؟ قلت: لا واللَّه ما أعلمه، قال: أمحوج؟ قلت: لا، بل هو ذو مالك كثير، قال: وكم أتى له من السن؟ قلت: قد زاد على المائة، قال: فالشرف والسن والمال أزرين به، قلت: ولم ذلك يردى به؟ قال: لا واللَّه بل يزيده خيرا. قال: هو ذاك، هل لك في المبيت؟ قلت: لي فيه، فاضطجعنا حتى مرّ الثقل، فسرنا على ناقتين نحيلتين حتى إذا برزنا قال: هيا صخر [ (2) ] [عن] [ (1) ] عتبة ابن ربيعة، قلت: هيا فيه، [] [ (3) ] قال: وذو مال؟ قلت: وذو مال، قال: أتعلم في قريش أسود [ (4) ] ؟ قلت: لا واللَّه ما أعلمه، قال: كم أتى له من السن؟ قلت قد زاد على المائة، قال: فإن الشرف والمال أزرين به، قلت: كلا واللَّه، ما أرى ذلك به وأنت قائل شيئا فقلته، قال: لا تذكر حديثي حتى يأتي منه ما هو آت، ثم قال: فإن الّذي رأيت أصابني أني جئت هذا العالم فسألته عن أشياء ثم قلت: أخبرني من هذا النبي الّذي ينتظر. قال: هو رجل من العرب، قلت: قد علمت أنه من العرب، فمن أي العرب هو؟ قال: من أهل بيت تحجه العرب، قلت: وفينا بيت تحجه العرب؟ قال: هو في إخوانكم من قريش، قال: فأصابني واللَّه شيء ما أصابني مثله قط، وخرج من يدي فوز الدنيا والآخرة، وكنت أرجو أن أكون إياه. فقلت: فإذا كان فصفه لي، قال: رجل شاب حين دخل في الكهولة، بدء   [ (1) ] كذا في (خ) . [ (2) ] في (خ) هيا فيه. [ (3) ] في (خ) : تكرار من الناسخ لعبارة: «أيجتنب ... إلى ويفعل ذلك» . [ (4) ] من السيادة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 أمره يجتنب المظالم والمحارم، ويصل الرحم ويأمر بصلتها، وهو محوج كريم الطرفين متوسط في العشيرة، أكثر جنده الملائكة. قلت: وما آية ذلك؟ قال: قد رجعت الشام منذ هلك عيسى ابن مريم ثلاثين رجعة كلها مصيبة، وبقيت رجعة عامة فيها مصائب، قال أبو سفيان: فقلت له: هذا واللَّه الباطل، لئن بعث اللَّه رسولا لا يأخذه إلا مسنا شريفا. قال أمية: والّذي أحلف به إن هذي لكذا يا أبا سفيان يقول: إن قول النصراني حق، هل لك في المبيت؟ قلت: لي فيه، فبتنا حتى جاءنا الثقل، ثم خرجنا حتى إذا كنا بيننا وبين مكة ليلتان أدركنا راكب من خلفنا فسألناه، فإذا هو يقول: أصاب أهل الشام بعدكم رجفة دمّرت أهلها، وأصابهم فيها مصائب عظيمة. قال أبو سفيان: فأقبل على أمية فقال: كيف ترى قول النصراني يا أبا سفيان، قلت: أي واللَّه، وأظن أن ما حدّثك صاحبك حق، قال: وقدمنا مكة فقضيت ما كان معي، ثم انطلقت حتى جئت اليمن تاجرا فكنت بها خمسة أشهر، ثم قدمت مكة، فبينا أنا في منزلي جاءني الناس يسلمون ويسألون عن بضائعهم. *** الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 [ثم جاءني محمد بن عبد اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] وهند عندي تلاعب صبيا لها، فسلم عليّ ورحب بي، وسألني عن سفري ومقامي، ولم يسألني عن بضاعته، ثم قام، فقلت لهند: واللَّه إن هذا ليعجبني، ما من أحد من قريش له معي بضاعة إلا وقد سألني عنها، وما سألني هذا عن بضاعته، فقالت: وما علمت شأنه؟ قلت: - وفزعت- ما شأنه؟ قالت: يزعم أنه رسول اللَّه، فأيقظتني وذكرت قول النصراني ووجمت [ (2) ] حتى قالت هند: مالك؟ فانتبهت وقلت: إن هذا لهو الباطل، هو أعقل من أن يقول هذا، قالت: بلى، واللَّه إنه ليقول ذلك، فبوأنا عليه، وإن له لصاحبه على دينه، قلت: هذا الباطل، وخرجت، فبينا أنا أطوف بالبيت لقيته فقلت: إن بضاعتك قد بلغت كذا وكذا، وكان فيها خير، فأرسل فخذها، ولست بآخذ منك فيها ما آخذ من قومك، فأبى عليّ وقال: إذا لا آخذها، قلت: فأرسل وخذها وأنا آخذ منك ما آخذ من قومك، فأرسل إلي بضاعته فأخذها، وأخذت منه ما كنت آخذ من قومه غيره. ولم أنشب أن خرجت تاجرا إلى اليمن فقدمت الطائف، فنزلت على أمية بن أبي الصلت فقلت له: أبا عثمان! هل تذكر حديث النصراني؟ قال: أذكره، قلت: قد كان، قال: ومن؟ قلت: محمد بن عبد اللَّه، قال: ابن عبد المطلب؟ قلت: ابن عبد المطلب، ثم قصصت عليه خبر هند، قال: فاللَّه يعلم يتصبب عرقا ثم قال: واللَّه يا أبا سفيان لعله، إنّ صفته لهي، ولئن ظهر وأنا حيّ لأبلين اللَّه نصره عذرا. قال: ومضيت إلى اليمن فلم أنشب أن جاءني هنالك استهلاله، فأقبلت حتى نزلت إلى أمية بن أبي الصلت بالطائف فقلت: يا أبا عثمان! قد كان من أمر الرجل   [ (1) ] ما بين الحاصرتين عنوان في (خ) ، إلا أنها بداية فقرة جديدة، وقد أثبتناها كما هي في (خ) . [ (2) ] وجم: سكت على غيظ. (لسان العرب) 12/ 630. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 ما قد بلغك وسمعت، قال: قد كان لعمري، قلت: فأين أنت يا أبا عثمان عنه؟ قال: واللَّه ما كنت لأؤمن لرسول من غير ثقيف أبدا، قال أبو سفيان: وأقبلت إلى مكة، فو اللَّه ما أنا ببعيد حتى جئت مكة فوجدت أصحابه يضربون ويعزفون، فجعلت أقول: فأين جنده من الملائكة؟ قال: فدخلني ما يدخل الناس من النفاسة [ (1) ] . وله من حديث الليث بن سعيد عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن معاوية ابن أبي سفيان، أن أمية بن أبي الصلت كان بعزة أو قال: بإيلياء، فلما قفلنا قال لي: يا أبا سفيان! هل لك أن تتقدم على الرفقة فنتحدث؟ قلت: نعم، ففعلنا، فقال لي: يا أبا سفيان، إيه عن عتبة بن ربيعة، قلت: إيه عن عتبة بن ربيعة، قال: كريم الطرفين، ويجتنب المظالم والمحارم؟ قلت: نعم، قال: وشريف حسن، قال: السن والشرف أزريا به، فقلت له: كذبت، ما ازداد شيئا إلا ازداد شرفا، قال: يا أبا سفيان! إنها لكلمة ما سمعت أحدا يقولها لي منذ تنصرت، لا تعجل عليّ حتى أخبرك، قلت: هات. قال إني أجد في كتبي نبيا يبعث من حرتنا هذه، فكنت أظن بل كنت لا أشك أني هو! فلما دارست أهل العلم إذا هو من بني عبد مناف، فنظرت في بني عبد مناف فلم أجد أحدا يصلح لهذا الأمر غير عتبة بن ربيعة، فلما أخبرتني بسنه عرفت أنه ليس به حين جاوز الأربعين ولم يوح إليه، قال أبو سفيان: فضرب الدهر من ضربه. [وأوحي إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] وخرجت في ركب من قريش أريد اليمن في تجارة، فمررت بأمية فقلت له كالمستهزئ به: يا أمية! قد خرج النبي الّذي كنت تنعته، قال: أما إنه حق فأتبعه، قلت: ما يمنعك من اتباعه؟ قال: ما يمنعني إلا الاستحياء من نسيات   [ (1) ] نفست عليه بالشيء أنفسه نفاسة، إذا ضننت به ولم تحب أن يصل إليك. (القاموس المحيط) : 6/ 238. [ (2) ] ما بين الحاصرتين عنوان في (خ) ، إلا أنها بداية فقرة جديدة، وقد أثبتناها كما هي في (خ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 ثقيف، كنت أحدثهن أني هو، ثم يرينني تابعا لغلام من بني عبد مناف، ثم قال ابن مية: فكأني بك يا أبا سفيان إن خالفته قد ربطت كما يربط الجدي، ثم يؤتى بك إليه فيحكم فيك بما يريد!. وله من حديث ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان يهودي سكن مكة يتّجر بها، فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال في مجلس: يا معشر قريش! هل ولد فيكم الليلة مولود؟ قال القوم: ما نعلمه، قال: اللَّه أكبر، أما إن أخطأكم فلا بأس، انظروا واحفظوا يا معشر قريش ما أقول لكم: ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الآخر، بين كتفيه علامة فيها شعيرات متواترات كأنهن عرف فرس، لا يرضع ليلتين، وذاك أن عفريتا من الجن أدخل إصبعه في فيه ومنعه من الرضاع، فتصدع القوم من مجلسهم وهم يعجبون من قوله وحديثه، فلما صاروا إلى منزلهم أخبر كل إنسان منهم أهله فقالوا: ولد لعبد اللَّه بن عبد المطلب الليلة غلام وأسموه محمدا. فالتقى القوم فقالوا: هل سمعتم حديث اليهودي وقد بلغكم مولد هذا الغلام؟ فانطلقوا حتى جاءوا اليهودي فأخبروه الخبر فقال: اذهبوا بي حتى انظر إليه، فخرجوا به حتى دخلوا على آمنة بنت وهب فقالوا: أخرجي إلينا ابنك فأخرجته آمنة، فكشفوا له عن ظهره فرأى تلك الشامة فوقع مغشيا عليه، فلما أفاق قالوا له: ويلك! ما لك؟ قال: ذهبت واللَّه النبوة من بني إسرائيل، أفرحتم به يا معشر قريش؟ أما واللَّه ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق إلى المغرب. وكان في النفر يومئذ هشام والوليد ابنا المغيرة، ومسافر بن أبي عمرو وعبيدة ابن الحرث بن عبد المطلب، وعتبة بن ربيعة في نفر من بني عبد مناف وغيرهم من قريش. وله من حديث محمد بن شريك عن شعيب بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان بمر الظهران راهب من الرهبان يدعى (عيصا) من أهل الشام، وكان متخفّرا [ (1) ] بالعاص بن وائل، وكان اللَّه قد أتاه علما كثيرا، وجعل فيه منافع كثيرة   [ (1) ] خفير القوم: مجيرهم، الّذي يكونون في ضمانه ما داموا في بلاده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 لأهل مكة من طب ورفق وعلم، وكان يلزم صومعة له، ويدخل مكة في كل سنة فيلقي الناس ويقول: يوشك أن يولد فيكم مولود يا أهل مكة، يدين له العرب ويملك العجم، هذا زمانه فمن أدركه واتبعه أصاب حاجته، ومن أدركه وخالفه أخطأ حاجته، وتاللَّه ما تركت الحمر والحمير [والأميّ] [ (1) ] ، ولا حللت بأرض الجوع والبؤس والخوف إلا في طلبه. فكان لا يولد بمكة مولود إلا يسأل عنه فيقول: ما جاء بعد، فيقال له: فصفه، فيقول: لا، ويكتم ذلك للذي قد علم أنه لا نبي من قومه مخافة على نفسه أن يكون ذلك داعية إلى أدنى ما يفضي إليه من الأذى يوما. ولما كان ظهور اليوم الّذي ولد فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج عبد اللَّه بن عبد المطلب حتى أتى (عصيا) فوقف في أصل صومعته ثم نادى: يا (عصيا) ، فناداه: من هذا؟ فقال: أنا عبد اللَّه، فأشرف عليه فقال: كن أباه، فقد ولد ذلك المولود الّذي كنت أحدثكم عليه يوم الإثنين، ويبعث يوم الإثنين، ويموت يوم الإثنين. قال: فإنه قد ولد لي مع الصبح مولود، قال: فما سميته؟ قال: محمدا، قال: واللَّه لقد كنت أشتهي أن يكون فيكم هذا المولود أهل البيت لثلاث خصال بها نعرفه، فقد أتى عليه منها أن نجمه طلع البارحة، وأنه ولد اليوم، وأن اسمه محمدا، انطلق إليه فإن الّذي كنت أحدثكم عنه ابنك. قال: فما يمنعك أن تأتيني؟ ولعله لن يولد يومنا هذا مولودون عدة، قال: قد وافق ابنك الاسم، ولم يكن اللَّه يشبّه علمه على العلماء لأنه حجة، وآية ذلك أنه الآن وجع فيشتكي أياما ثلاثة، يظهر الوجع ثم يعافي، فاحفظ لسانك فإنه لم يحسد حسده أحد قط، ولم يبغ على أحد كما يبغى عليه، وإن تعش حتى تبدو معالمه ثم يدعو يظهر لك من قومك ما لا يحتمله إلا على ذلّ، فاحفظ لسانك ودار عنه. قال: فما عمره؟ قال: إن طال عمره أو قصر لم يبلغ السبعين، يموت في وتردونها من السنين، في إحدى وستين أو ثلاث وستين، أعمار جلّ أمته، قال:   [ (1) ] كذا في (خ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 وحمل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في عاشوراء المحرم، وولد يوم الاثنين لثنتي عشر ليلة خلت من رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل. وله من حديث النضر بن سلمة قال: حدثنا يحيى بن إبراهيم بن أبي قتيلة عن زيد بن أسلم، عن أبيه عن جده أسلم أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو بالقادسية أن يسرح نضلة بن معاوية الأنصاري وهو من أصحابه في ثلاثمائة فارس إلى حلوان فيغير على قراها، لعل اللَّه يفيدهم إبلا ورقيقا، فلما انتهى كتاب عمر إلى سعد دعا سعد نضلة فعقد له [لواء] [ (1) ] وقال: اخرج، فسار نضلة حتى إذا شارف حلوان فرّق أصحابه في ثلاث رساتق منها، فأغاروا فأصابوا إبلا ورقيقا وشاءا كثيرا، فانصرفوا فتبعهم المشركون، فكرّ عليهم نضلة وأصحابه فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم إن اللَّه صرف وجوه المشركين وولوا، وسار نضلة في أصحابه معهم الغنائم، وأرهق القوم صلاة العصر، فنادى نضلة أصحابه فقال لهم: سوقوا الغنائم إلى سفح الجبل وعليكم بالصلاة. ثم نزل فأذّن فقال: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، فأجابه كلام من الجبل: كبّرت كبيرا يا نضلة، فقال نضلة: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، فقال: أخلصت للَّه إخلاصا حرمت جسدك على النار، قال: أشهد أن محمدا رسول اللَّه، قال: نبي بعث خاتم النبيين، وصاحب شفاعة يوم القيامة، قال: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، قال: البقاء لأمة محمد وهو الفلاح، قال: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، قال: كبّرت كبيرا، قال: لا إله إلا اللَّه، قال أخلصت للَّه إخلاصا. قال: فتعجب نضلة وأصحابه، فقال نضلة: من أنت يرحمك اللَّه؟ أهاتف من الجن؟ أم عبد صالح جعل اللَّه لك في هذا الجبل رزقا؟ حدثنا ما حالك؟ أرنا وجهك، قال: فانشق الجبل عن رأس كأن هامته رحى، شديد بياض الرأس واللحية، عليه ثياب الصوف، فقال: أنا زريب بن يرثلمي وصيّ العبد الصالح عيسى ابن مريم، سألته فطلب إلى ربه حين رفع، فوهب لي عمرا إلى أن يهبط عليّ. فإن لي في هذا الجبل رزقا، فأقرئ عمر بن الخطاب السلام وقل: سدّد   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 وقارب وأبشر، حضر الأمر ونعم العبد أنت. ثم انسدّ الجبل فنادوا كثيرا فلا جواب، فأخبر نضلة سعدا فكتب بذلك سعد إلى عمر رضي اللَّه عنه فأجابه: يا سعد، ذاك رجل من أوصياء عيسى ابن مريم عليه السلام، أعطى فيها رزقا وعمرا فسل عنه، فركب سعد فأقام بفناء الجبل أربعين يوما فلم يجب بشيء، فكتب سعد بذلك إلى عمر رضي اللَّه عنه. ورواه الواقدي: حدثني عبد العزيز بن عمر، حدثنا جعونة بن نضلة قال: كنت في الجبل يوم فتح حلوان، فطلبنا المشركين في الشعب فأمعنّا فيه، فحضرت الصلاة فانتهيت إلى ماء فنزلت [عن فرسي] [ (1) ] فأخذت بعنانه، فتوضأت ثم صعدت صخرة فأذّنت، فلما قلت: اللَّه أكبر اللَّه أكبر.. فذكره. وقد روى من حديث مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر تفرد [به] [ (2) ] عبد الرحمن الراسبي وفيه ضعف ولين. وله من حديث إسحاق بن أبي إسحاق الشيبانيّ عن أبيه عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه قال: إني أجد فيما أقرأ من الكتب أنه ترفع راية بمكة، اللَّه مع صاحبها، وصاحبها مع اللَّه، يظهره اللَّه على جميع القرى. وقال أبو محمد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة: إعلام نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم الموجودة في كتب اللَّه المتقدمة، قول اللَّه عز وجل في السفر الأول من التوراة لإبراهيم عليه السلام: قد أجبت دعاءك في إسماعيل، وباركت عليه وكثّرته وعظّمته جدا جدا، وسيلد اثنى عشر عظيما، وأجعله لأمة عظيمة، ثم أخبر موسى عليه السلام مثل ذلك في السفر وزاد فقال: لما هربت من سارة تراءى لها ملك اللَّه وقال: يا هاجر أمة سارة! ارجعي إلى سيدتك واخضعي لها، فإنّي سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصوا كثرة، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا وتسميه إسماعيل، لأن اللَّه قد سمع خشوعك، وتكون يده فوق الجميع، ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع. [ (3) ]   [ (1) ] في (خ) : «عرفوسي» . [ (2) ] في (خ) : «عنه» . [ (3) ] (العهد القديم) : سفر التكوين، الإصحاح السادس عشر، وفيه: 7- فوجدها ملاك الرب على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 قال ابن قتيبة: فتدبّر هذا القول فإن فيه دليلا بينا على أن المراد به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، لأن إسماعيل لم تكن يده فوق يد إسحاق، ولا كانت يد إسحاق مبسوطة إليه بالخضوع، وكيف يكون ذلك والنبوة والملك في ولد إسرائيل والعيص، وهما ابنا إسحاق؟ فلما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم انتقلت النبوة إلى ولد إسماعيل، فدانت له الملوك وخضعت له الأمم، ونسخ اللَّه به كل شرعة، وختم به النبيين، وجعل الخلافة والملك في أهل بيته إلى آخر الزمان، فصارت أيديهم فوق أيدي الجميع، وأيدي الجميع مبسوطة بالخضوع، قال: ***   [ () ] عين الماء في البرية. على العين التي في طريق شور* 8- وقال يا هاجر جارية ساراى من أين أتيت وإلى أين تذهبين. فقالت: أنا هاربة من وجه مولاتي ساراى* 9- فقال لها ملاك الرب: ارجعي إلى مولاتك واخضعي تحت يدها* 10- وقال لها ملاك الرب: تكثيرا أكثّر نسلك فلا يعد من الكثرة* 11- وقال لها ملاك الرب: ها أنت حبلى فتلدين ابنا وتدعين اسمه إسماعيل لأن الرب قد سمع لمذلتك* 12- وإنه يكون إنسانا وحشيا. يده على كل واحد ويد كل واحد عليه. وأمام جميع إخوته يسكن» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 ومن إعلامه في التوراة قال: جاء اللَّه من سيناء، وأشرق من ساعير [ (1) ] ، واستعلن من جبال فاران [ (2) ] ، وليس بهذا خفاء على من يدبّره ولا غموض، لأن مجيء اللَّه من سيناء: إنزاله التوراة على موسى عليه السلام بطور سيناء هو عند أهل الكتاب وعندنا، لذلك يجب أن يكون إشراقه من ساعير إنزاله على المسيح عليه السلام الإنجيل، وكان المسيح يسكن ساعير بأرض الجليل بقرية تدعى ناصرة وباسمها سمي من اتبعه نصارى، وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير بالمسيح، فكذلك يجب أن يكون استعلانه من جبال فاران بإنزال القرآن على محمد صلى اللَّه عليه وسلّم في جبال فاران وهي جبال مكة، وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن فاران هي مكة، فإن ادعوا أنها غير مكة فليس ينكر من تحريفهم وإفكهم. قلنا: ليس في التوراة أن إبراهيم أسكن هاجر وإسماعيل فاران، وقلنا: دلونا على الموضع الّذي استعلن اللَّه منه واسمه فاران والنبي الّذي أنزل اللَّه عليه كتابا بعد المسيح، أوليس استعلن وعلن بمعنى واحد، وهما ظهر وانكشف؟ فهل تعلمون دينا ظهر ظهور الإسلام وفشا في مشارق الأرض ومغاربها فشوه؟   [ (1) ] ساعير، سعير: كلمة عبرانية معناها «كثير الشعر» ، وهي اسم الأرض التي كان يسكنها الحواريون، ثم استولى عليها (عيسو) ونسله، وكانت تسمى أيضا جبل سعير، لأنها أرض جبلية على الجانب الشرقي من البرية العربية، ويصل ارتفاع أعلى قمة في هذه الأرض 1600 مترا، وهي قمة جبل هور. وساعير أيضا جبل في أرض يهوذا، بين قرية يعاريم وبيت شمس، وربما كانت سلسلة الجبال التي تقع عليها قرية ساريس إلى الجنوب الغربي من قرية يعاريم، وإلى الشمال الغربي من أورشليم، ولا زالت آثار الغابات التي كانت تنمو فوقه موجودة إلى اليوم. (قاموس الكتاب المقدس) : 466- 467. [ (2) ] جبال فاران: برية واقعة إلى جنوب جبل يهوذا وشرق برية بئر سبع وشور. (المرجع السابق) : 667. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 ومن إعلامه في التوراة أيضا قال اللَّه لموسى في السفر الخامس: إني أقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك، أجعل كلامي على فمه، فمن إخوة بني إسرائيل إلا بنو إسماعيل كما تقول بكر وتغلب أبناء وائل، ثم تقول: تغلب أخو بكر، وبنو تغلب إخوة بني بكر، ترجع في ذلك إلى إخوة الأبوين، فإن قالوا: إن هذا النبي الّذي وعد اللَّه نقيمه لهم هو أيضا من بني إسرائيل، لأن بني إسرائيل إخوة بني إسرائيل، كذبتهم التوراة وألد بهم النظر، لأن في التوراة أنه لم يقم في بني إسرائيل نبي مثل موسى، وأما النظر: فإنه لو أراد إني أقيم لهم نبيا من بني إسرائيل مثل موسى لقال: أقيم لهم من أنفسهم مثل موسى ولم يقل: من إخوتهم، كما أن رجلا لو قال لرسوله: ائتني برجل من إخوة بكر بن وائل لكان يجب أن يأتيه برجل من بني تغلب بن وائل، ولا يجب أن يأتيه برجل من بني بكر. قال: ومن قول حبقوق [ (1) ] المتنبي في زمن دانيال قال حبقوق: وجاء اللَّه من [اليتير] [ (2) ] ، والتقديس من جبال فاران، وامتلأت الأرض من تحميده وتقديسه، وملك الأرض بيمينه ورقاب الأمم. وقال أيضا: تضيء له الأرض، ومحمد خيله في البحر، قال: وزادني بعض أهل الكتاب أنه قيل في كلام حبقوق: وستنزع في قسيك إغراقا، وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء، وهذا إفصاح باسمه وصفاته، فإن ادعوا غير نبينا وليس ينكر ذلك من جحودهم وتحريفهم، فمن أحمد هذا الّذي امتلأت الأرض من تحميده، والّذي جاء من جبال فاران فملك الأرض ورقاب الأمم؟ قال: ***   [ (1) ] يبدو أن (حبقوق) تنبأ أثناء حكم يهويا قيم (607- 597 ق. م.) لكن من الصعب تعيين العصر بدقة، ويعتقد غالبية النقاد أن النبوة ترجع إلى زمن وقوع معركة كركميش (بين الكلدانيين والمصريين 605 ق. م.) ويعتقد آخرون أن تاريخ النبوة كان قبل تلك المعركة بزمن وجيز (قاموس الكتاب المقدس) : 288، وفيه أن حبقوق كان سبط لاوي. [ (2) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ، ولعل الصواب ما أثبتناه، ويتير: اسم عبري معناه «رفعه» وهي مدينة في جبال اليهودية خصصت للكهنة (المرجع السابق) : 1053. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 ومن ذكر شعيا له قال شعيا عن اللَّه تعالى: عبدي الّذي سرت به نفسي، وفي ترجمه أخرى قال: عبدي خيرتي رضى نفسي أفيض عليه روحي، وفي ترجمة أخرى قال: أنزل عليه وحيي فيظهر في الأرض [وفي] [ (1) ] الأمم عدله، ويوصي الأمم بالوصايا، لا يضحك ولا يسمع صوته في الأسواق، يفتح العيون العور، ويسمع الآذان الصم، ويحي القلوب الغلف، وما أعطيته لا أعطي غيره، أحمد يحمد اللَّه حمدا، حديثا يأتي من أقصى الأرض، يفرح البرية وسكانها، يهللون اللَّه على كل شرف، ويكبرونه على كل رابية. وزاد آخر في الترجمة: لا يضعف ولا يغلب ولا يميل إلى الهوى، ولا يسمع في الأسواق صوته، ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة، بل يقوى به الصديقين، وهو ركن المتواضعين، وهم نور اللَّه الّذي لا يطفأ ولا يخصم حتى يثبت في الأرض حجتي ويقطع به العذر، وإلى توراته تنقاد الجن، وهذا إيضاح باسمه وصفاته. فإن قالوا: أي توراة له؟ قلنا: أراد أنه يأتي بكتاب يقوم مقام التوراة لكم. ومنه قول كعب: شكا بيت المقدس إلى اللَّه عز وجل الخراب، فقيل له: لأبدلنّك توراة محدثة، وعمالا محدثين، يدفون بالليل دفيف النسور، ويتحنّنون عليك تحنّ الحمامة على بيضها، ويملئونك خدودا سجدا. قال ابن قتيبة: ***   [ (1) ] زيادة للسياق.. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 ومن ذكر شعيا له قال: أنا اللَّه عظمتك بالحق وأيدتك، وجعلتك نور الأمم وعهد الشعوب، لتفتح أعين العميان وتنقذ الأسرى من الظلمات إلى النور، وقال في الفصل الخامس من إليا: إن سلطانه على كتفه- يريد علامة نبوته- هذا في التفسير السرياني، وأما في العبراني فإنه يقول: إن على كتفه علامة النبوة. قال ابن قتيبة: ومن ذكر داود عليه السلام له في الزبور: سبحوا الرب تسبيحا حديثا، سبحوا الّذي هيكله الصالحون، ليفرح إسرائيل بخالقه، وبيوت صهيون من أجل أن اللَّه اصطفاه لكرامته، وأعطاه النصر، وسدد الصالحين منهم بالكرامة، يسبحون على مضاجعهم، ويكبرون اللَّه بأصوات مرتفعة، بأيديهم سيوف ذات شفرتين لينتقموا للَّه من الأمم الذين لا يعبدونه، يوثقون ملوكهم بالقيود وأشرافهم بالأغلال، قال: فمن هذه الأمة التي سيوفها ذات شفرتين غير العرب؟ ومن المنتقم بها من الأمم الذين لا يعبدون اللَّه؟ ومن المبعوث بالسيف من الأنبياء غير نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم؟ ومن خرت الأمم تحته غيره؟ ومن قرنت شرائعه بالهيبة، فإما القبول أو الجزية أو السيف ونحوه، فقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: نصرت بالرعب. قال: وفي مزمور آخر: أن اللَّه أظهر من صهيون إكليلا محمودا، قال: ضرب الإكليل مثلا للرئاسة والأمانة، ومحمود هو محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. قال: وفي مزمور آخر: من صفته أنه يجوز من البحر إلى البحر، ومن لدن الأنهار إلى منقطع الأرض، أنه تخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم، ويلحس أعداؤه التراب، تأتيه الملوك بالقرابين وتسجد له، وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد، وليخلص البائس المضطهد ممن هو أقوى منه، وينقذ الضعيف الّذي لا ناصر له، ويرأف بالضعفاء والمساكين، وأنه يعطي من ذهب من بلاد سبإ، ويصلي عليه ويبارك في كل يوم، ويدوم ذكره إلى الأبد. قال ابن قتيبة: فمن هذا الّذي ملك ما بين البحر والبحر، وما بين دجلة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 والفرات إلى منقطع الأرض، ومن ذا الّذي يصلي عليه ويبارك في كل وقت من الأنبياء غيره صلى اللَّه عليه وسلّم؟. قال: وفي موضع آخر من الزبور قال داود: اللَّهمّ ابعث صاحب إنه بشر، وهذا إخبار عن المسيح وعن محمد صلى اللَّه عليهما قبلهما بأحقاب، يريد: ابعث محمدا حتى يعلّم الناس أن المسيح بشر لعلم داود أنهم سيدّعوا في المسيح ما ادّعوا. قال: وفي كتاب أشعيا قيل: قم فانظر ترى فخبّر به، قلت: أرى راكبين مقبلين أحدهما على حمار والآخر على جمل، يقول أحدهما للآخر: سقطت بابل وأصنامها المبخرة، قال: فصاحب الحمار عندنا وعند النصارى المسيح، فإذا كان صاحب الحمار المسيح فلم لا يكون محمد صلى اللَّه عليه وسلّم صاحب الجمل؟ أو ليس سقوط بابل والأصنام المبخرة به وعلى يديه لا بالمسيح؟ ولم يزل في إقليم بابل ملوك يعبدون الأوثان من لدن إبراهيم عليه السلام؟ أو ليس هو بركوب الجمل أشهر من المسيح بركوب الحمار؟. قال ابن قتيبة: فأما ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في الإنجيل: فقد قال المسيح للحواريين: أنا أذهب وسيأتيكم الفارقليط [ (1) ] روح الحق الّذي لا يتكلم من قبل نفسه، إنما هو كما يقال له وهو يشهد عليّ وأنتم تشهدون، لأنكم مع من قتل الناس، فكل شيء أعده اللَّه لكم يخبركم به. قال: ***   [ (1) ] في بعض كتب النصارى: «البارقليط» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 وفي حكاية يوحنا عن المسيح أنه قال: الفارقليط لا يجيئك ما لم أذهب، فإذا جاء سبح العالم من الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه، ولكنه مما يسمع به يكلمكم ويسوسكم بالحق ويخبركم بالحوادث والغيوب. وفي حكاية أخرى: أن الفارقليط [ (1) ] روح الحق الّذي يرسله أبي باسمي هو يعلمكم كل شيء، وقال: إني سائل أبي أن يبعث إليكم فارقليطا آخر يكون معكم إلى الأبد، وهو يعلمكم كل شيء. وفي حكاية أخرى: أن البشر ذاهب والفارقليط من بعده، يجيء لكم الأسرار ويقر لكم [كل] شيء، وهو يشهد لي كما شهدت له، فإنّي أجيئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل. قال ابن قتيبة: وهذه الأشياء على اختلافها متقاربة، وإنما اختلفت لأن من نقل الإنجيل عن المسيح عليه السلام عدة، فمن هذا الّذي هو روح الحق سبحانه، الّذي لا يتكلم إلا بما يوحى إليه؟ ومن العاقب للمسيح والشاهد له بأنه قد بلّغ؟ ومن الّذي أخبر بالحوادث في الأزمنة مثل خروج الدجال، وظهور الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه هذا؟ وأخبر بالغيوب من أمر القيامة والحساب، والجنة والنار، وأشباه ذلك مما لم يذكر في التوراة والإنجيل غير نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم؟ وقال: ***   [ (1) ] في بعض كتب النصارى: «البارقليط» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 وفي إنجيل متى أنه لما حبس يحيى بن زكريا ليقتل، وبعث تلاميذه إلى المسيح وقال لهم: قولوا له: أنت هو الآتي، أو يتوقع غيرك؟ فأجابه المسيح وقال: الحق أقول لكم، أنه لم تقم النساء عن أفضل من يحيى بن زكريا، وأن التوراة وكتب الأنبياء يتلو بعضها بعضا بالنّبوّة والوحي حتى جاء يحيى، فأما الآن فإن شئتم فأقبلوا أن الياهو مزمع أن يأتي، فمن كانت له أذنان سامعتان فليستمع. قال ابن قتيبة: وليس يخلو هذا الاسم من إحدى خلال: إما أن يكون قال: إن أحمد مزمع أن يأتي، فغيروا الاسم كما قال تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ [ (1) ] ، وجعلوه إلياهو، وإما أن يكون قال: إن إيل مزمع أن يأتي، وإيل هو اللَّه عز وجل، ومجيء اللَّه مجيء رسوله بكتابه، كما قال في التوراة: جاء اللَّه من سيناء، فمعناه: جاء موسى من سيناء بكتاب اللَّه، ولم يأت كتاب بعد المسيح إلا القرآن، وإما أن يكون أراد النبي المسمى بهذا الاسم، وهذا لا يجوز عندهم لأنهم مجمعون على أن لا نبي بعد المسيح. قال ابن قتيبة: وقد وقع ذكر مكة والبيت والحرم في الكتب المتقدمة فقال في كتاب شعيا: أنه ستمتلي البادية والمدن من قصور قيدار يسبحون، ومن رءوس الجبال ينادون، هم الذين يحصلون للَّه الكرامة، ويبثون تسبيحه في البر والبحر، وقال: ارفع علما بجميع الأمم من بعيد، فيصفر بهم من أقاصي الأرض، فإذا هم سراع يأتون. قال ابن قتيبة: وبنو قيدار هم العرب، لأن قيدار بن إسماعيل بإجماع الناس، والعلم الّذي يرفع هو النبوة، والصفير بهم: دعاؤهم من أقاصي الأرض للحج، فإذا هم سراع يأتون، وهو قول اللَّه تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [ (2) ] ، وقال في موضع آخر من كتاب   [ (1) ] 13: المائدة. [ (2) ] 27: الحج. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 شعيا: سأبعث من الصبا قوما فيأتون من المشرق مجيبين بالتلبية أفواجا، كالصعيد كثرة، ومثل الطيان تدوس برجله الطين، والصبا تأتي من مطلع الشمس، يبعث عز وجل من هناك قوما من أهل خراسان وما صاقبها، وممن هو نازل بمهب الصبا فيأتون مجيبين بالتلبية أفواجا كالتراب كثرة ومثل الطيان يدوس برجله الطين، يريد أن منهم رجاله كالين، وقد يجوز أن يكون أراد الهرولة إذا طافوا بالبيت. قال ابن قتيبة: وقال في ذكر الحجر المسلم: قال شعيا: قال الرب السيد: ها أنا ذا مؤسس بصهيون، وهو بيت اللَّه حجرا في زاوية مكة، والحجر في زاوية البيت، والكرامة أن يستلم ويلثم. وقال شعيا في ذكر مكة: سرّى واهتزي أيتها العاقر التي لم تلد، وانطقي بالتسبيح وافرحي إن لم تحبلي، فإن أهلك يكونون أكثر من أهلي، يعني بأهله: أهل بيت المقدس من بني إسرائيل، [أو] أراد أن أهل مكة يكون ممن يأتيهم من الحجاج والعمار أكثر من أهل بيت المقدس، فأشبه مكة بامرأة عاقر لم تلد، لأنه لم يكن فيها قبل نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم إلا إسماعيل وحده، ولم ينزل بها كتاب، ولا يجوز أن يكون أراد بالعاقر بيت المقدس لأنه بيت الأنبياء ومهبط الوحي، ولا يشبه بالعاقر من النساء. وفي كتاب شعيا أيضا من ذكر مكة: قد أقسمت بنفسي كقسمي أيام نوح ألا أغرق الأرض بالطوفان كذلك أقسمت أن لا أسخط عليك ولا أرفضك، وأن الجبال تزول، والقلاع تنحط، ونعمتي عليك لا تزول، ثم قال: يا مسكينة يا مضطهدة، ها أنا ذا بان، بالحسن حجارتك ومزينك بالجوهر، ومكلل باللؤلؤ سقفك، وبالزبرجد أبوابك، وتبعدين من الظلم ولا تخافين، ومن الضعف لا تضعفي، وكل سلاح يصنع لا يعمل فيك، وكل لسان ولغة يقوم معك بالخصومة تفلحين معها. ثم قال: وسيسميك اللَّه اسما جديدا- يريد أنه سمى المسجد الحرام وكان قبل ذلك يسمى الكعبة- فقومي فأشرقي، فإنه قد دنا نورك ووقار اللَّه عليك، انظري بعينك حولك، فإنهم مجتمعون، يأتوك بنوك وبناتك عدوا، فحينئذ تسرين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 ويخاف قدرك ويتبع قلبك، وكل غنم قيدار مجتمع إليك، وسادات نباوث يخدمونك (ونباوث هو ابن إسماعيل، وقيدار أبو النبي صلى اللَّه عليه وسلّم هو أخو نباوث) . ثم قال: وتفتح أبوابك دائما الليل والنهار لا تغلق، وتتخذونك قبلة، وتدعون بعد ذلك مدينة الرب (أي بيت اللَّه تعالى) . وقال أيضا: ارفعي إلى ما حولك بصرك تبتهجين وتفرحين من أجل أنه تميل إليك ذخائر البحر، ويحج إليك عساكر الأمم حتى تعمرك قطر الإبل الموبلة، وتضيق أرضك عن القطرات التي تجتمع إليك، وتساق إليك كباش مدين، ويأتيك أهل سبإ، ويسير إليك بأغنام قاذار، ويخدمك رجالات نباوث (يعني سدنة البيت، أنهم من ولد نباوث بن إسماعيل) . قال ابن قتيبة: *** الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 وذكر شعيا طريق مكة فقال: عن اللَّه عز وجل: أني أعطي البادية كرامة وبها الكرمان، ولبنان وكرمان الشام وبيت المقدس، يعني أريد الكرامة التي كانت هناك بالوحي وظهور الأنبياء للبادية بالحج وبالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، ويشق في البادية مياه وسواقي أرض الفلاة، ويكون الفيافي والأماكن العطاش ينابيع ومياها، ويصير هناك محجة فطريق الحريم لا يمر به أنجاس الأمم، والجاهل به لا يصل هناك، ولا يكون به سباع ولا أسد، ويكون هناك ممر المخلصين. وفي كتاب حزقيل أنه ذكر معاصي بني إسرائيل وشبههم بكرمة فقال: ما تلبث تلك الكرمة أن قلعت بالسخطة، ورمى بها على الأرض فأحرقت السمائم ثمارها، فعند ذلك عرشها في البدو، وفي الأرض المهملة العطش، فخرجت من أغصانها الفاضلة نار أكلت ثمار تلك حتى لم يوجد فيها عصى قوية ولا قضيب. قال ابن قتيبة: وذكر الحرم في كتاب شعيا فقال: إن الذئب والحمل فيه يرعيان معا، وكذلك جميع السباع لا تؤذي ولا تفسد في كل حرمي، ثم ترى بذلك الوحش إذا خرجت من الحرم عاودت الذعر وهربت من السباع، وكان السبع في الطلب والحرص في الصيد كما كان قبل دخوله الحرم. قال: وذكر أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وذكر يوم بدر فقال شعيا وذكر قصة العرب ويوم بدر: ويدوسون الأمم كدياس البيادر، وينزل البلاء بمشركي العرب ويهزمون، ثم قال: ينهزمون بين يدي سيوف مسلولة، وقسيّ موتورة، ومن شدة الملحمة. قال ابن قتيبة: فهذا ما في كتب اللَّه المتقدمة الباقية في أيدي أهل الكتاب، يتلونه ولا يجحدون ظاهره، ما خلا اسم نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فإنّهم لا يسمحون بالإقرار به تصريحا، ولن يخفى ذلك عنهم، لأن اسم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالسريانية عندهم مشفح، ومشفح هو محمد بغير شك، واعتباره أنهم يقولون شفحا لإلاهيا إذا أرادوا أن يقولوا: الحمد للَّه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 فإذا كان الحمد شفحا فمشفح محمد، لأن الصفات التي أقروا أنها هي وفاق لأحواله وزمانه ومخرجه ومبعثه وشرعته فليدلونا على من له هذه الصفات، ومن خرت الأمم بين يديه وانقادت لطاعته، واستجابت لدعوته، ومن صاحب الجمل الّذي هلكت بابل وأصنامها به، وأن هذه الأمة من ولد قيدار بن إسماعيل الذين ينادون من رءوس الجبال بالتلبية والأذان، والذين نشروا تسبيحه في البر والبحر، هيهات أن يجدوا ذلك إلا في محمد وأمته. قال ابن قتيبة: ولو لم تكن هذه الأخبار في كتبهم بدليل قوله تعالى الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [ (1) ] ، وقوله: لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ* يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ (2) ] ، وقوله: يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ [ (3) ] ، وقوله: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [ (4) ] ، وكيف جاز لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يحتج عليهم بما ليس عندهم ويقول: من علامة نبوتي أنكم تجدوني مكتوبا عندكم، ولا تجدونه وقد كان عيبا أن يدعوهم بما ينفرهم، ولما أيقن الحال عبد اللَّه بن سلام ومن أسلم أسلموا. وقد ذكر يوحنا الإلهي الّذي كتب الإنجيل في كتاب اسمه الأبو علمسيس نبينا محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم وسماه: ماما ديوس، ومعنى ماما بالعبرية ميم، ومعنى ديوس ح م د، وقال ابن الجوزي: وما زال أهل الكتاب يعرفون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بصفاته ويقرون به ويعدون بظهوره، ويوصون أهاليهم بالايمان به، فلما ظهر آمن عقلاؤهم، وحمل الحسد آخرين على العناد كحيي بن أخطب، وأبو عامر الراهب، وأمية بن أبي الصلت، وقد أسلم جماعة من علماء متأخري أهل الكتاب، وصنفوا كتبا يذكرون فيها صفاته التي في التوراة والإنجيل، فالعجب ممن يتيقن وجود الحق ثم يحمله الحسد على الرضا بالخلود في النار. ***   [ (1) ] 157: الأعراف. [ (2) ] 70- 71: آل عمران. [ (3) ] 146: البقرة. [ (4) ] 43: الرعد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 وأما سماع الأخبار بنبوّته من الجنّ وأجواف الأصنام ومن الكهّان فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث عبيد اللَّه بن عمرو بن محمد بن عقيل عن جابر رضي اللَّه عنه قال: أول خبر قدم المدينة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن امرأة من أهل المدينة كان لها تابع فجاء في صورة طائر فوقع على حائط [ (1) ] دارها فقالت: انزل بخبرنا وبخبرك، قال: إنه بعث بمكة نبي منع منا القرار وحرم علينا الزنا [ (2) ] . وخرج من حديث الزهري عن علي بن الحسين قال: إن أول خبر قدم المدينة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من امرأة تدعى فاطمة بنت النعمان النجارية كان لها تابع فجاءها ذات يوم فقام على الجدار، فقالت: انزل، قال: لا، قد بعث الرسول الّذي حرم الزنا. ومن حديث أشعث بن شعبة عن أرطاة بن المنذر قال: سمعت ضمرة يقول: كانت امرأة بالمدينة يغشاها جان، فكان يتكلم ويسمعون صوته، قال: فغاب [ (3) ] فلبث ما لبث فلم يأتها ولم يختلف إليها، فلما كان بعد إذ هو يطلع من كوة فنظرت إليه فقالت: يا ابن لوذان! ما كانت لك عادة تطلع من الكوة فما بالك؟ فقال: إنه خرج نبي بمكة وإني سمعت ما جاء به فإذا هو يحرم الزنا، فعليك السلام [ (4) ] .   [ (1) ] في (دلائل أبي نعيم) : «الحائط لهم» ، «ألا تنزل إلينا فتحدثنا ونحدثك وتخبرنا ونخبرك؟ قال لها: إنه قد بعث نبيّ بمكة حرم الزنا ومنع منا القرار» . [ (2) ] المرجع السابق: 1/ 107، حديث رقم (56) ، أخرجه ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 189، وأحمد، والطبراني في الأوسط، والبيهقي، كلهم عن جابر، وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 8/ 243: ورجاله وثقوا. [ (3) ] ف (خ) : «فغاب بعد» . [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 107، حديث رقم (57) ، قال السيوطي في (الخصائص) : 1/ 285: أخرجه أبو نعيم عن أرطاة بن المنذر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 ومن حديث الواقدي قال: حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: قال عثمان بن عفان رضي اللَّه تعالى عنه: خرجنا في عير إلي الشام قبل [ (1) ] مبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما كنا بأفواه الشام وبها كاهنة، فتعرضنا لها فقالت: أتاني صاحبي فوقف على بابي فقلت: ألا تدخل؟ فقال: لا سبيل إلى ذلك، خرج أحمد بمكة [ (2) ] يدعو إلى اللَّه [ (3) ] . قال الواقدي: وحدثني محمد بن عبد اللَّه عن الزهري قال: كان الوحي يسمع، فلما كان الإسلام منعوا، وكانت امرأة من بني أسد يقال لها سعيدة، لها تابع من الجن، فلما رأى الوحي لا يستطاع أتاها فدخل في صدرها يصيح فذهب عقلها، فجعل يقول من صدرها: وضع العناق [ (4) ] ، ورفع الرفاق [ (5) ] ، وجاء أمر لا يطاق، أحمد حرم الزنا. قال الواقدي: وحدثنا أبو داود سليمان بن سالم عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي، أن رجلا مر على مجلس بالمدينة فيه عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه فنظر إليه فقال: أكاهن أنت؟ قال: يا أمير المؤمنين! هدي بالإسلام كل جاهل، ودفع بالحق كل باطل، وأقيم بالقرآن كل مائل، وغني بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم كل عائل، فقال عمر: متى عهدك بها؟ - يعني صاحبته- قال: قبيل الإسلام، أتتني فصرخت: يا سلام يا سلام، الحق المبين والخير الدائم، خير حلم النائم، اللَّه أكبر. فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين! أنا أحدثك مثل هذا، واللَّه إنا لنسير في «دويّة» [ (6) ] ملساء لا يسمع فيها إلا الصدى، إذ نظرنا فإذا راكب مقبل أسرع   [ (1) ] في (دلائل أبي نعيم) : «قبل أن يبعث» . [ (2) ] في المرجع السابق: «خرج أحمد، وجاء أمر لا يطاق، ثم انصرفت فرجعت إلى مكة، فوجدت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد خرج بمكة يدعو إلى اللَّه عزّ وجلّ» . [ (3) ] (المرجع السابق) : 1/ 108، حديث رقم (58) ، قال السيوطي في (الخصائص) : 1/ 258: أخرجه أبو نعيم، وفيه الواقدي، وهو متروك. [ (4) ] العناق: الكذب الفاحش. (القاموس المحيط) : 10/ 276. [ (5) ] الرفاق: النزع إلى الهوى (المرجع السابق) : 10/ 119. [ (6) ] في (خ) : «دواية» . والدوية مؤنث الدّوّ، وهو الفلاة الواسعة، أو المستوية من الأرض. (المرجع السابق) : 14/ 276. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 من الفرس حتى كان منا على قدر ما يسمعنا صوته، قال: يا أحمد، يا أحمد، اللَّه أعلى وأمجد، أتاك ما وعدك من الخير يا أحمد، ثم ضرب راحلته حتى أتى من ورائنا، فقال عمر رضي اللَّه تعالى عنه: الحمد للَّه الّذي هدانا بالإسلام وأكرمنا. فقال رجل من الأنصار: أنا أحدثك يا أمير المؤمنين مثل هذا وأعجب، قال عمر: حدّث، قال: انطلقت أنا وصاحبان لي نريد الشام حتى إذا كنا بقفرة من الأرض نزلنا بها، فبينا نحن كذلك لحقنا راكب وكنا أربعة قد أصابنا سغب [ (1) ] شديد فالتفت فإذا أنا بظبية عضباء [ (2) ] ترتع قريبا مني، فوثبت إليها، فقال الرجل الّذي لحقنا: خلّ سبيلها لا أبا لك، واللَّه لقد رأيتها ونحن نسلك هذه الطرق ونحن عشرة أو أكثر من ذلك فيختطف بعضنا فما هو إلا أن كانت هذه الظبية فما هاج بها أحد فأبيت وقلت: لا لعمر اللَّه لا أخلها، فارتحلنا وقد شددتها حتى إذا ذهب سدف [ (3) ] من الليل إذا هاتف يقول: يا أيها الركب السراع الأربعه ... خلوا سبيل النافر المفزعة خلوا عن العضباء في الوادي سعه ... لا تذبحن الظبية المروّعه فيها لأيتام صغار منفعة قال: فخليت سبيلها ثم انطلقنا حتى أتينا الشام، فقضينا حوائجنا ثم أقبلنا حتى إذا كنا بالمكان الّذي كنا فيه هتف هاتف من خلفنا: إياك لا تعجل وخذها من ثقه ... فإن شر السير سير الحقحقة [ (4) ] قد لاح نجم فأضاء مشرقه ... يخرج من ظلماء ضوق [ (5) ] موبقة [ (6) ] ذاك رسول مفلح من صدّقه ... اللَّه أعلا أمره وحققه   [ (1) ] السّغب: الجوع الشديد، وفي التنزيل: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [البلد: 14] . [ (2) ] قال الزمخشريّ: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء: أي قصيرة اليد. [ (3) ] السدف: ظلمة الليل، وهو بعد الجنح. (القاموس المحيط) : 19/ 146. [ (4) ] الحقحقة: سير الليل في أوله، وقد نهي عنه (المرجع السابق) : 10/ 58. [ (5) ] ضوق من الضيقة، وهي منزلة للقمر، وهو مكان نحس على ما تزعم العرب (المرجع السابق) : 10/ 209. [ (6) ] موبقة: مهلكة: (المرجع السابق) : 10/ 370. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 وله من حديث القسم بن محمد بن بكر عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: أنها كانت تحدث عن عمر بن الخطاب، ومن حديث محمد بن عمران بن موسى ابن طلحة، عن أبيه طلحة قال: كان عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه يحدث قال: كنت جالسا مع أبي جهل وشيبة بن ربيعة، فقام أبو جهل فقال: يا معشر قريش! إن محمدا قد شتم آلهتكم وسفه أحلامكم وزعم أنه من مضى من آبائكم يتهافتون في النار تهافت الحمير، ألا ومن قتل محمدا فله عليّ مائة ناقة حمراء وسوداء، وألف أوقية من فضة. قال عمر فقمت فقلت: يا أبا الحكم، الضمان صحيح؟ قال: نعم، عاجل غير آجل، قال عمر: فقلت: واللات والعزى؟ قال أبو جهل: نعم يا عمر فأخذ أبو جهل بيدي فأدخلني الكعبة، فأشهد عليّ هبل- وكان هبل عظيم أصنامهم- وكانوا إذا أرادوا سفرا أو حربا أو سلما أو نكاحا، لم يفعلوا حتى حتى يأتوا هبل فيستأمروا، فأشهد عليه هبل وتلك الأصنام. قال عمر: فخرجت متقلدا السيف متنكبا [ (1) ] كنانتي أريد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فمررت على عجل وهم يريدون قتله، فقمت انظر إليهم فإذا صائح يصيح من جوف العجل: يا آل ذريح، أمر نجيح، رجل يصيح بلسان فصيح، يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه! فقلت إن هذا لشأن! ما يراد بهذا إلا لحالي، ثم مررت بغنم فإذا هاتف [يهتف وهو يقول] [ (2) ] : يا أيها الناس ذوو [ (3) ] الأجسام ... ما أنتم وطائش الأحلام ومسندو [ (4) ] الحكم إلى الأصنام ... فكلكم أراه كالنعام أما ترون ما أرى أمامي ... من ساطع يجلو لذي الظلام أكرمه الرحمن من إمام ... قد جاء بعد الكفر بالإسلام   [ (1) ] في (خ) : «كانتي» ، والكنانة: بالكسر كنانة السهام، جعبة من جلد. (ترتيب القاموس) : 4/ 91. [ (2) ] السياق مضطرب في (خ) ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] في (خ) : «ذوي» ، وما أثبتناه من المرجع السابق، وهو حق اللغة. [ (4) ] في (خ) : «ومسند» ، وما أثبتناه من المرجع السابق، وهو حق اللغة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 وبالصلاة والزكاة والصيام ... والبر والصلوات للأرحام ويزع [ (1) ] الناس عن الآثام ... [مستعلن في البلد الحرام] [ (2) ] فقلت: واللَّه ما أراه إلا أن يرادني، ثم مررت بهاتف الضماد [ (3) ] وهو يهتف من جوفه فقال: ترك الضماد [ (3) ] وكان يعبد وحده ... بعد الصلاة مع النبي محمد إن الّذي ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتد سيقول من عبد الضماد ومثله ... ليت الضماد [ (3) ] ومثله لم يعبد فاصبر أبا حفص فإنك لا مردّ ... يأتيك عزّ غير عزّ بني عدي لا تعجلن فأنت ناصر دينه ... حقا يقينا باللسان وباليد وتظهر دين اللَّه إن كنت مسلما ... وتسطح بالسيف الصقيل المهنّد جماجم قوم لا يزال حلومها ... عكوفا على أصنامها بالمهنّد قال عمر: فو اللَّه لقد علمت أنه أرادني، فجئت حتى دخلت على أختي، وإذا خبّاب بن الأرتّ عندها، وزوجها سعيد بن زيد، فلما رأوني ومعي السيف   [ (1) ] في (خ) : «ويزعر» ، وما أثبتناه من المرجع السابق، وهو حق اللغة. [ (2) ] هذا العجز من (المرجع السابق) : 17/ 117، وهي مذكورة عقب قصة أخرى في الحديث رقم (64) ، وهي: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا المنجاب قال: حدثنا أبو عامر الأسدي عن ابن خرّبوذ المكيّ عن رجل من خثعم قال: كانت العرب لا تحرّم حلالا، ولا تحلّ حراما، وكانوا يعبدون الأوثان، ويتحاكمون إليها، فبينا نحن ذات ليلة عند وثن جلوس وقد تقاضينا إليه في شيء قد وقع بيننا أن يفرق بيننا، إذ هتف هاتف وهو يقول: يا أيها الناس ذوو الأجسام ... ما أنتم وطائش الأحلام ومسندو الحكم إلى الأصنام ... هذا نبيّ سيد الأنام أعدل في الحكم من الحكام ... يصدع بالنور وبالإسلام ويزع الناس عن الآثام ... مستعلن في البلد الحرام قال: ففزعنا وتفرقنا من عنده، وصار ذلك الشعر حديثا، حتى بلغنا أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قد خرج بمكة، ثم قدم المدينة، فجئت فأسلمت. قال السيوطي في (الخصائص) : 1/ 265: وأخرجه الخرائطي وابن عساكر. [ (3) ] الضماد: كما في (القاموس) ، (أساس البلاغة) ، (اللسان) : هو أن تصادق المرأة اثنين أو ثلاثة في القحط، لتأكل عند هذا وهذا لتشبع، ولم أدر المقصود بها في سياق الباب، ولعله اسم لصنم كان يعبد من دون اللَّه قبل بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 أنكروا، فقلت لهم: لا بأس عليكم، فدخلت، فقال خباب: يا عمر! ويحك أسلم، فدعوت بالماء فأسبغت الوضوء، وسألتهم عن محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: في دار أرقم بن الأرقم، فأتيتهم فضربت عليهم الباب، فخرج حمزة بن عبد المطلب، فلما رآني والسيف صاح بي- وكان رجلا عبوبا [ (1) ]- فصحت به، فخرج إليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما رآني ورأى ما في وجهي عرف فقال: استجيب لي فيك يا عمر! أسلم، [فقلت] : أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، فسر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم والمسلمون، وكنت رابع أربعين رجلا ممن أسلم، ونزلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ (2) ] ، فقلت: يا نبي اللَّه! اخرج، فو اللَّه لا يغلبنا المشركون أبدا، فخرجنا وكبّرنا حتى طاف النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ورجعت معه، فلم أزل أقاتل واحدا واحدا حتى أظهر اللَّه الدين. وله من حديث الواقدي عن ابن ذؤيب عن مسلم عن جندب عن النضر بن سفيان الهذلي عن أبيه قال: خرجنا في عير لنا إلى الشام، فلما كنا بين الزرقاء ومعان عرّسنا من الليل، فإذا بفارس يقول وهو بين السماء والأرض: أيها [النيام] [ (3) ] هبّوا فليس هذا بحين رقاد، قد خرج أحمد وطردت الجنّ كل مطرد، ففزعنا ونحن رفقة حزاورة [ (4) ] كلهم قد سمع بهذا، فرجعنا إلى أهلنا فإذا هم يذكرون اختلافا بمكة بين قريش لنبي خرج فيهم من بني عبد المطلب اسمه أحمد [ (5) ] . وله من حديث خرّبوذ عن موسى بن عبد الملك بن عمير عن أبيه عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنه قال: هتف هاتف من الجن على أبي قبيس [ (6) ] بمكة فقال:   [ (1) ] كذا في (خ) ، ولعلها «عبعابا» وهي صفة للرجل إذا كان واسع الحلق والجوف، جليل الكلام. (لسان العرب) : 1/ 575. [ (2) ] الأنفال: 64. [ (3) ] في (خ) : «النيا» . [ (4) ] جمع حزوّر، وهو الغلام إذا اشتدّ وقوى. (لسان العرب) : 4/ 187. [ (5) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 108، حديث رقم (59) ، قال السيوطي في (الخصائص) : 1/ 259: أخرجه ابن سعد: 1/ 161، وأبو نعيم وابن عساكر. [ (6) ] جبل بمكة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 قبّح اللَّه رأي كعب بن فهر ... ما أرق العقول والأحلام دينها أنها يعنّف فيها ... دين آبائها الحماة الكرام حالف الجن حين يقضى [ (1) ] عليكم ... ورجال النخيل والآطام يوشك الخيل أن تراها [ (2) ] تهادى ... تقتل القوم في بلاد التهام [ (3) ] هل كريم منكم له نفس حرّ ... ما جد الوالدين والأعمام؟ ضارب ضربة تكون نكالا ... ورواحا من كربة واغتمام قال [ابن عباس] [ (4) ] : فأصبح هذا الحديث قد شاع بمكة وأصبح [ (5) ] المشركون يتناشدونه بينهم، وهمّوا بالمؤمنين، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: هذا شيطان يكلم الناس في الأوثان يقال له: مسعر واللَّه يخزيه، قال: فمكثوا ثلاثة أيام فإذا هاتف على الجبل يقول: نحن قتلنا مسعرا ... لما طغى واستكبرا وسفه الحق وسنّ المنكرا ... قنّعته سيفا جروفا مبتّرا بشتمه نبيّنا المطهّرا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ذلكم عفريت من الجن يقال له سمحج سميته عبد اللَّه، آمن بي فأخبرني أنه في طلبه منذ أيام، فقال علي بن أبي طالب: جزاك اللَّه خيرا يا رسول اللَّه [ (6) ] . وروى من حديث ابن شهاب وعبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف سمعا كلاهما حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف قال: لما ظهر   [ (1) ] في (خ) : «بصرى» . [ (2) ] في (خ) : «تردها» . [ (3) ] في (الخصائص) : 1/ 261: «في البلاد العظام» . [ (4) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (5) ] في المرجع السابق: «فأصبح» . [ (6) ] (المرجع السابق) : 1/ 109- 110، حديث رقم (60) ، قال السيوطي في (الخصائص) : 1/ 261: ذكره أبو نعيم عن ابن عباس، ثم قال: وأخرج الفاكهي في (أخبار مكة) من حديث ابن عباس عن عامر بن ربيعة، فذكر مثله، وفيه موسى بن عبد الملك بن عمير، ضعّفه أبو حاتم، وذكره البخاري في كتاب (الضعفاء) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 - أي رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وسلّم قام رجل من الجن على أبي قبيس يقال له مسعر فقال: قبّح اللَّه رأي كعب بن فهر ... ما أرقّ العقول والأحلاما حالف الجن حين [يقضي] عليكم ... ورجال النخيل والآطاما هل غلام منكم له نفس حرّ ... ما جد الوالدين والأعماما فأصبحت قريش يتناشدونه بينهم، [فإذا رجل من الجن يقال له سمحج يقول:] [ (1) ] نحن قتلنا مسعرا لما طغى واستكبرا ... بشتمه نبينا المطهرا أوردته سيفا جروفا مبترا ... إنا نذود من أراد البطرا فسماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه. ومن حديث ابن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال خزيم بن [ (2) ] فاتك لعمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه ألا أخبرك ببدء [ (3) ] إسلامي؟ بينا أنا في طلب نعم لي إذ جنّ الليل بأبرق العزاف [ (4) ] ، فناديت بأعلى صوتي: أعوذ بعزيز هذا الوادي من سفهائه، وإذا هاتف يهتف بي: عذ يا فتى باللَّه ذي الجلال ... والمجد والنّعماء والإفضال [واقرأ بآيات] [ (5) ] من الأنفال ... ووحد اللَّه ولا [تبال] [ (6) ] [قال:] [ (7) ] فرعت من ذلك روعا شديدا، فلما رجعت إلى نفسي قلت: يا أيها الهاتف ما تقول ... أرشد عندك أم تضليل بين لنا هديت ما السبيل [ (8) ]   [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق حيث أن السياق مضطرب في (خ) . [ (2) ] في (خ) : «خزيم فاتك» ، في (المستدرك) : «خريم» . [ (3) ] في (خ) : «بيدو» . [ (4) ] ماء لبني أسد. [ (5) ] في (خ) : «واقتن آيات» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) . [ (6) ] في (خ) : «تبالي» ، وما أثبتناه من المرجع السابق، وهو حق اللغة. [ (7) ] زيادة من المرجع السابق. [ (8) ] في المرجع السابق: «ما العويل» ، وما أثبتناه من (خ) ، وهو أجود للسياق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 قال: فقال: هذا رسول اللَّه ذو الخيرات ... يدعو إلى الخيرات والنجاة يأمر بالصوم والصلاة ... ويزع الناس عن الهنات قال فأتبعت راحلتي وقلت: أرشدني رشدا بها هديت ... لا جعت يا هذا ولا عريت ولا صبحت صاحبا مقيت ... لا يثوينّ الخير إن ثويت [ (1) ] قال: فأتبعني وهو يقول: صاحبك اللَّه وسلم نفسكا ... وبلغ الأهل [وسلّم] [ (2) ] رحلكا آمن به أفلح ربي حقكا ... وانصر نبيا عزّ ربي نصركا قال: فدخلت المدينة فاطلعت في المسجد، فخرج إليّ أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه فقال: ادخل رحمك اللَّه، قد بلغنا إسلامك، فقلت: لا أحسن الطهور فعلّمت ودخلت المسجد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على المنبر كأنه البدر وهو يقول: ما من مسلم توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى صلاة يعقلها ويحفظها إلا دخل الجنة. فقال عمر رضي اللَّه تعالى عنه لتأتيني على هذا ببينة أو لأنكلنّ بك، قال: فشهد له شيوخ [ (3) ] قريش عثمان بن عفان رضي اللَّه تعالى عنه فأجاز شهادته [ (4) ] . ***   [ (1) ] في المرجع السابق: «هديتا» ، «عريتا» ، «مقيتا» ، «ثويتا» . [ (2) ] في (خ) : «وأدى» . [ (3) ] في (مجمع الزوائد) : 8/ 262: «شيخ من قريش» . [ (4) ] أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 110- 111، حديث رقم (61) ، قال في (الخصائص) : 2/ 188: أخرجه الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر. وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 3/ 720- 721، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر خريم ابن فاتك الأسدي رضي اللَّه عنه، حديث رقم (6606/ 2204) ، (6607/ 2205) ، وساق الحديث باختلاف يسير ... إلى أن قال: فإذا هاتف يهتف بي ويقول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404   [ () ] ويحك عذ باللَّه ذي الجلال ... منزل الحرام والحلال ووحّد اللَّه ولا تبال ... ما هو ذو الحزم من الأهوال إذ يذكروا اللَّه على الأميال ... وفي سهول الأرض والجبال وما وكيل الحق في سفال ... إلا التقى وصالح الأعمال قال: فقلت: يا أيها الداعي بما يحيل ... رشد يرى عندك أم تضليل؟ فقال: هذا رسول اللَّه ذو الخيرات ... جاء بياسين وحاميمات في سور بعد مفصلات ... محرمات محلات يأمر بالصوم والصلاة ... ويزجر الناس عن الهنات قد كنّ في الأيام منكرات قال: فقلت من أنت يرحمك اللَّه؟ قال: أنا مالك بن مالك، بعثني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من أرض أهل نجده، قال: فقلت: لو كان لي من يكفيني إبلي هذه لأتيته حتى أؤمن به، فقال: أنا أكفيكها حتى أؤديها إلى أهلك سالمة إن شاء اللَّه تعالى، فاعتقلت بعيرا منها ثم أتيت المدينة فوافقت الناس يوم الجمعة وهم في الصلاة، فقلت: يقضون صلاتهم ثم أدخل فإنّي لذاهب أنيخ راحلتي إذ خرج أبو ذر رضي اللَّه تعالى عنه فقال: يقول لك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أدخل، فدخلت، فلما رآني قال: ما فعل الشيخ الّذي ضمن لك أن يؤدي إبلك إلى أهلك سالمة؟ أما أنه قد أدّاها إلى أهلك سالمة، قلت: رحمه اللَّه، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أجل رحمه اللَّه، قال خريم: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وحسن إسلامه. قال الذهبي في التخليص: «لا يصح» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 [ المجلد الرابع ] [ تتمة الفصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم ] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم ومن حديث محمد بن كعب القرظيّ قال: بينا عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه في المسجد إذ مرّ رجل في مؤخر المسجد فقال رجل: يا أمير المؤمنين، تعرف هذا المار؟ قال: لا، فمن هو؟ قال: هذا سواد بن قارب، وهو رجل من أهل اليمن له فيهم شرف وموضع، وهو الّذي أتاه رئيّه [ (1) ] بظهور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال [عمر] [ (2) ] : عليّ به، فدعي، فقال [ (3) ] : أنت سواد بن قارب، قال: نعم، قال: فأنت [ (4) ] الّذي أتاك رئيّك بظهور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: فأنت على ما كنت عليه من كهانتك؟ فغضب غضبا شديدا وقال: يا أمير المؤمنين! ما استقبلني أحد [ (5) ] بهذا منذ أسلمت، فقال عمر رضي اللَّه عنه: يا سبحان اللَّه! واللَّه ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك، أخبرني بإتيانك [ (6) ] رئيك بظهور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: نعم. يا أمير المؤمنين، بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان، إذ أتانى رئيّي فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب، فافهم [ (7) ] واعقل إن كنت تعقل إنه قد بعث رسول من لؤيّ بن غالب يدعو إلى اللَّه وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول: عجبت للجن وتجساسها [ (8) ] ... وشدها العيس [ (9) ] بأحلاسها [ (10) ] تهوى إلى مكة تبغي الهدى ... ما خير الجن كأنجاسها [ (11) ]   [ (1) ] الرَّئّيّ والرِّئّيّ: الجنّي يراه الإنسان، وقال اللحيانيّ: له رئيّ من الجن ورئيّ إذا كان يحبه ويؤالفه. الليث: الرّئّي: جنّي يتعرض الرجل يريه كهانة وطبا. (لسان العرب) : 14/ 297. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] في (خ) : «قال» . [ (4) ] في (خ) : «أنت» . [ (5) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «بهذا أحد» . [ (6) ] في (خ) : «بإتيان» . [ (7) ] في (خ) : «وافهم» . [ (8) ] في (الفتح) 7/ 229: «وتحساسها» ، بفتح المثناة وبمهملات، أي أنها فقدت أمرا، فشرعت تفتش عليه. [ (9) ] العيس: الإبل البيض، يخالط بياضها سواد خفيف. [ (10) ] الأحلاس: جمع حلس، وهو كل ما يوضع على ظهر الدابة. [ (11) ] في (فتح الباري) : 7/ 229: «ما مؤمنوها مثل أرجاسها» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 فارحل [ (1) ] إلى الصفوة من هاشم ... واسم بعينيك إلى رأسها قال: فلم أرفع بقوله رأسا وقلت: دعني أنام [ (2) ] ، فإنّي أمسيت ناعسا، فلما أن كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله وقال: ألم أقل لك يا سواد بن قارب: قم فافهم واعقل إن كنت تعقل إنه قد بعث رسول من لؤيّ بن غالب يدعو إلى اللَّه وإلى عبادته، ثم أنشأ الجنّي وهو يقول: عجبت للجن وتطلابها ... وشدّها العيس بأقتابها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما صادق الجن ككذّابها فارحل إلى الصفوة من هاشم ... ليس قداماها [ (3) ] كأذنابها قال: فلم أرفع بقوله رأسا، فلما كانت الليلة الثالثة أتاني وضربني برجله وقال: ألم أقل لك يا سواد بن قارب: افهم واعقل إن كنت تعقل أنه قد بعث رسول من لؤيّ بن غالب يدعو إلى اللَّه وإلى عبادته، ثم أنشد [ (4) ] الجني يقول: عجبت للجن وأخبارها ... وشدها العيس بأكوارها [ (5) ] تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنو [ (6) ] الجن ككفارها فادخل إلى الصفوة من هاشم ... بين روابيها [ (7) ] وأحجارها فوقع في نفسي حب الإسلام، ورغبت فيه، فلما أصبحت شددت على راحلتي فانطلقت متوجها إلى مكة، فلما كنت ببعض الطريق أخبرت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة، فأتيت المدينة فسألت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقيل لي: في المسجد، فانتهيت إلى المسجد فعقلت ناقتي وإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والناس حوله، فقلت: اسمع مقالتي يا رسول اللَّه، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: ادنه ادنه، فلم يزل بي حتى صرت بين يديه فقال: هات، فأخبرني بإتيانك رئيّك، فقلت:   [ (1) ] في المرجع السابق: «فاسم» . [ (2) ] في (خ) : «أنم» . [ (3) ] كذا في (خ) ، و (دلائل أبي نعيم) ، وفي (الخصائص) : «قدّامها» . [ (4) ] في (دلائل أبي نعيم) : «أنشأ» . [ (5) ] أكوار: جمع كور، وهو ما يوضع على ظهر الدابة. [ (6) ] في (خ) : «مؤمن» ، وما أثبتناه من «دلائل أبي نعيم» ، وهو حق اللغة. [ (7) ] الروابي: جمع رابية، والرابية، والربوة، والرباة: ما ارتفع من الأرض. (ترتيب القاموس) : 2/ 298. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 أتاني نجيي بعد هدء ورقدة ... فلم أك [ (1) ] قد تلوت بكاذب ثلاث ليال قوله كلّ ليلة ... أتاك رسول [ (2) ] من لؤيّ بن غالب فشمّرت من ذيل الازار ووسّطت ... بي الذعلب الوجناء بين السباسب [ (3) ] فأشهد أن اللَّه لا ربّ غيره ... وأنك مأمون على كل غائب وأنك أدنى المرسلين وسيلة ... إلى اللَّه يا ابن الأكرمين الأطايب فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى ... وإن كان فيما جاء شيب الذوائب [ (4) ] وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ... سواك بمغن عن سواد بن قارب [ (5) ] قال: ففرح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه بإسلامي فرحا شديدا حتى رئي في وجوههم. قال: فوثب إليه عمر رضي اللَّه عنه فالتزمه وقال: قد كنت أحبّ أن أسمع هذا منك [ (6) ] . وقد رواه عبيد اللَّه بن الوليد الوصافي عن أبي جعفر عن سواد بن قارب، ورواه الحسن ابن عمارة عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن عن سواد، ورواه أبو معمر عياد بن عبد الصمد   [ (1) ] في (خ) : «ولم يك فيما قد تلوت» ، وفي (الاستيعاب) : «ولم يك فيما قد بلوت» . [ (2) ] في المرجع السابق: «أتاك نجيّ» . [ (3) ] في المرجع السابق: فرفعت أذيال الإزار وشمّرت ... بي الفرس الوجناء حول السباسب [ (4) ] في المرجع السابق: فمرنا بما يأتيك من وحي ربنا ... وإن كان فيما جئت سيب الذوائب [ (5) ] في المرجع السابق: «بمغن فتيلا عن سواد بن قارب» . شرح المفردات: الذعلب الوجناء: الفرس القوية الشديدة. السباسب: الأراضي الممتدة البعيدة، مفردها سبسب. الذوائب: مفردها «ذؤابة» ، وهي الناصية. [ (6) ] رواه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 111- 114، حديث رقم (62) ، ابن عبد البر في (الاستيعاب) : 2/ 674، ترجمة رقم (1109) سواد بن قارب الدّوسيّ، الحاكم في (المستدرك) : 3/ 704- 706، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر سواد بن قارب الأزدي رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (6558/ 2156) ، وقال عنه الذهبي في (التخليص) : «الإسناد منقطع» ، الإمام البخاري في (الصحاح) : كتاب مناقب الأنصار، باب (35) ، إسلام عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (3866) ، وشرحه ابن حجر في (الفتح) : 7/ 227- 230، والبيهقي في (الدلائل) : 2/ 243- 254 . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 عن سعيد بن جبير عن سواد. وله من حديث علي بن حرب قال حدّثتا أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن عبد اللَّه العماني [ (1) ] قال: كان منا رجل [ (2) ] يقال له: مازن بن الغضوبة [ (3) ] ، يسدن [ (4) ] صنما بقرية يقال لها: (سمايا) من عمان، وكانت تعظمه بنو الصامت وبنو خطامة ومهرة، وهم أخوان [ (5) ] مازن [لأمه زينب بنت عبد اللَّه ابن ربيعة بن حويص أحد بني نمران، قال مازن] [ (6) ] : فعترنا ذات يوم عند الصّنم عتيرة- وهي الذبيحة- فسمعت صوتا من الصنم يقول: يا مازن! اسمع تسرّ، فظهر خير وبطن شر، بعث نبي من بني مضر [ (7) ] ، بدين اللَّه الكبر [ (8) ] ، فدع نحيتا [ (9) ] من حجر، تسلم من حرّ سقر [ (10) ] . قال: ففزعت لذلك، ثم عترنا بعد أيام عتيرة أخرى فسمعت صوتا من الصنم يقول: أقبل إليّ أقبل، تسمع ما لا تجهل، هذا نبي مرسل، جاء بحق منزل، فآمن به كي تعدل، عن حرّ نار تشعل، وقودها الجندل [ (11) ] . قال مازن: فقلت: إن هذا لعجب، وإنه لخير يراد بي. وقدم علينا رجل من أهل الحجاز فقلنا: ما الخبر وراءك؟ قال: ظهر رجل يقال له: أحمد، يقول لمن أتاه: أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ فقلت: هذا نبأ ما سمعت،   [ (1) ] في (خ) ، و (الخصائص) : «العماني، وفي (دلائل أبي نعيم) : 1/ 114: «المعاني» . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «كان رجل منا» . [ (3) ] في المرجع السابق: «الغضوب» ، وفي «الإصابة» و (مجمع الزوائد) : «الغضوبة» ، وفي (الاستيعاب) : «المغضوبة» ، وهو مازن بن الغضوبة بن غراب بن بشر بن خطامة. [ (4) ] يسدن: يخدم. [ (5) ] في (خ) : «أخوال» ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «أخوان» . [ (6) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (7) ] في المرجع السابق: «من مضر» . [ (8) ] في المرجع السابق: «الأكبر» . [ (9) ] نحيت: بمعنى منحوت، كقتيل ومقتول. [ (10) ] سقر: من أسماء جهنم، قال تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ المدثر: 26. [ (11) ] في (دلائل أبي نعيم) : «بالجندل» ، والجندل: الحجر العظيم، إشارة إلى قوله تعالى: ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ التحريم: 6. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 فَسِرْتُ [ (1) ] إلى الصنم فكسرته جذاذا [ (2) ] ، وركبت راحلتي حتى قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فشرح لي الإسلام فأسلمت وقلت: كسّرت باجر [ (3) ] أجذاذا وكان لنا ... ربا نطيف [ (4) ] به ضلا بتضلال بالهاشميّ هدانا من ضلالتنا ... ولم يكن دينه منّى على بال يا راكبا بلغنا عمرا، وإخوته [ (5) ] ... أني لمن قال: ربي باجر [ (6) ] ، قالي [ (7) ] يعني بعمرو: بني الصامت، وإخوته [ (5) ] : بني خطامة. فقلت: يا رسول اللَّه! إني امرؤ مولع بالطرب وبالهلوك [ (8) ] من النساء وبشرب الخمر، فأتت [ (9) ] علينا السنون فاذهبن بالأموال وأهزلن الذراري [والعيال] [ (10) ] . وليس لي ولد، فادع اللَّه أن يذهب عني ما أجد، ويأتينا بالحياء، ويهب لي ولدا. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ أبدله بالطرب قراءة القرآن، وبالحرام الحلال، وبالإثم وبالعهر عفّة، وآته بالحياء، وهب له ولدا، قال: فأذهب اللَّه عني ما أجد، وأخصبت عمان، وتزوجت أربع حرائر، [وحفظت شطر القرآن] [ (11) ] ، ووهب اللَّه لي حيّان بن مازن، وأنشأت أقول: إليك رسول اللَّه خبّت مطيتي ... تجوب الفيافي من عمان إلى العرج   [ (1) ] في (خ) : «فثرت» . [ (2) ] في (خ) : «أجذاذا» ، وما أثبتناه من رواية أبي نعيم، وبها جاء التنزيل، قال تعالى: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ الأنبياء: 58. والجذاذ والأجذاذ بمعنى، وهي القطع الصغيرة. [ (3) ] باجر: اسم الصنم الّذي خرج منه الصوت. [ (4) ] لغة في «نطوف» . [ (5) ] في (خ) : «وإخوتها» ، والتصويب من: (دلائل البيهقي) ، (دلائل أبي نعيم) . [ (6) ] في «دلائل البيهقي» : «ناجر» . [ (7) ] قالي: تارك، قال تعالى: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى الضحى: 3. [ (8) ] الهلوك من النساء: الساقطة منهن. [ (9) ] في (خ) : «فأتت» ، وفي (الحّت) : «والرجال» . [ (10) ] زيادة للسياق من (أبي نعيم) ، وفي (البيهقي) : «والرجال» . [ (11) ] ما بين الحاصرتين في (خ) ، و (أبي نعيم) ، وليست في (البيهقي) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 لتشفع لي يا خير من وطئ الحصا ... فيغفر لي ربي وأرجع بالفلج إلى معشر خالفت في اللَّه دينهم ... فلا رأيهم رأيي ولا شرجهم شرجي وكنت امرأ بالعهر [ (1) ] والخمر مولعا ... شبابي حتى آذن الجسم بالنهج [فبدلني بالخمر خوفا وخشية ... وبالعهر إحصانا فحصّن لي فرجي] [ (2) ] فأصبحت همّي في الجهاد ونيتي [ (3) ] ... فلله ما صومي وللَّه ما حجّي [ (4) ] [قال مازن] [ (5) ] فلما أتيت [ (6) ] قومي أنّبوني وشتموني، وأمروا شاعرا [ (7) ] لهم فهجاني، فقلت: إن رددت [ (8) ] عليه فإنما أهجو نفسي [ (9) ] ، فرحلت عنهم فأتتني منهم أرفلة عظيمة، وكنت القيّم بأمورهم، فقالوا: يا ابن عم! عتبنا عليك أمرا وكرهنا ذلك، فإن أبيت فارجع فقم بأمورنا، وشأنك وما تدين به، فرجعت معهم وقلت [ (10) ] :   [ (1) ] في (البيهقي) : «بالزّعب» . [ (2) ] هذا البيت ساقط من (البيهقي) في سياق الأبيات، ثم استدركه بعد ذلك. [ (3) ] في (خ) ، و (أبي نعيم) : «نيتي» ، وفي (البيهقي) : «نية» . [ (4) ] بهذه الأبيات تنتهي رواية (أبي نعيم) : 1/ 114- 117، حديث رقم (63) ، قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) في ترجمة مازن بن الغضوبة: أخرجه الطبراني والفاكهي في كتاب (مكة) ، والبيهقي في (الدلائل) ، وابن السكن، وابن قانع، كلهم من طريق هشام بن الكلبي عن أبيه قال: حدثني عبد اللَّه العماني. وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 8/ 248: رواه الطبراني من طريق هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه، وكلاهما متروك. [ (5) ] من قوله: «قال مازن» حتى آخر هذا الأثر من (دلائل البيهقي) و (خ) ، وليس في (دلائل أبي نعيم) . [ (6) ] في (دلائل البيهقي) : «فلما رجعت إلى قومي» . [ (7) ] في (دلائل البيهقي) : «شاعرهم» . [ (8) ] في (دلائل البيهقي) : «إن هجوتهم» . [ (9) ] في (دلائل البيهقي) : «فتركتهم وأنشأت أقول:» . [ (10) ] هذه الأبيات في (دلائل البيهقي) هكذا: وشتمكم عندنا مرّ مذاقته ... وشتمنا عندكم يا قومنا لئن لا ينشب الدهر أن يثبت معايبكم ... وكلكم أبدا في عيبنا فطن قال أبو جعفر: إلى هنا حفظت وأخذته من أصل جدي، كأنه يريد الباقي: فشاعرنا مفحم عنكم وشاعركم ... في حربنا مبلغ في شتمنا لسن ما في الصدور عليكم فاعلموا وغر ... وفي صدوركم البغضاء والإحن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 لبغضكم عندنا مرّ مذاقته ... وبغضنا عندكم يا قومنا لئن لا يفطن الدهر أن يثبت معايبكم ... وكلكم حين بتنا عيبنا فطن شاعرنا مفحم عنكم وشاعركم ... في حربنا مبلغ في شتمنا لسن ما في القلوب عليكم فاعلموا وغر ... وفي قلوبكم البغضاء والإحن قال مازن: فهداهم اللَّه بعد إلى الإسلام فأسلموا جميعا. وله من حديث أبي محمد عبد اللَّه بن داود [وعن دلهاب] [ (1) ] بن إسماعيل بن عبد اللَّه بن مسرع بن ياسر بن سويد قال: حدثنا أبي عن أبيه [دلهاب] [ (1) ] عن أبيه إسماعيل، أن أباه عبد اللَّه حدثه عن أبيه مسرع، أن أباه ياسر بن سويد حدثه عن عمرو بن مرة الجهنيّ أنه كان يحدث قال: خرجت حاجا في جماعة من قومي في الجاهلية، فرأيت في المنام وأنا بمكة نورا ساطعا من الكعبة حتى أضاء إلى جبل يثرب وأشعر جهينة، فسمعت صوتا في النور وهو يقول:   [ () ] وباقي الأثر كما في (دلائل البيهقي) : فحدثنا موادّنا من أهل عمان عن سلفهم أن مازنا لما تنحى عن قومه أتي موضعا فابتنى مسجدا يتعبد فيه، فهو لا يأتيه مظلوم يتعبد فيه ثلاثا، ثم يدعو محقا على من ظلمه، يعني إلا استجيب. وفي أصل السماع فيكاد أن يعافي من البرص، فالمسجد يدعى مبرصا إلى اليوم. قال أبو المنذر: قال مازن: ثم إن القوم ندموا، وكنت القيّم بأمورهم، فقالوا: ما عسانا أن نصنع به، فجاءني في منهم أرفلة عظيمة فقالوا: يا ابن العم، عبنا عليك أمرا فنهيناك عنه، فإذ أبيت فنحن تاركوك، ارجع معنا، فرجعت معهم فأسلموا بعد كلهم. قال البيهقي: وقد روي في معنى ما روينا عن مازن أخبار كثيره، منها حديث عمرو بن جبلة فيما سمع من جوف الصنم: «يا عصام يا عصام، جاء الإسلام وذهبت الأصنام» . ومنها حديث طارق من بني هند بن حرام: «يا طارق يا طارق، بعث النبي الصادق» . ومنها حديث ابن دقشة فيما أخبر به رئيّه، فنظر إلى ذباب بن الحارث وقال: يا ذباب، اسمع العجب العجاب، بعث محمد بالكتاب، يدعو بمكة ولا يجاب» . ومنها حديث عمرو بن مرة الغطفانيّ فيما رأى من النور الساطع في الكعبة في نومه، ثم ما سمع من الصوت: «أقبل حقّ فسطع، ودمّر باطل فانقمع» . ومنها حديث العباس بن مرداس فيما سمع من الصوت. ومنها حديث خالد بن سطيح حين أتته تابعته فقالت: «جاء الحق القائم والخير الدائم» ، وغير ذلك مما يطول بسياق جميعه الكتاب، وباللَّه التوفيق (دلائل النبوة للبيهقي) : 2/ 257- 259. [ (1) ] كذا في (خ) ، ولم أجده فيما بين يدي من كتب الرجال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 انقشعت الظلماء ... وسطع الضياء وبعث خاتم الأنبياء ثم أضاء إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن، فسمعت صوتا في النور وهو يقول: ظهر الإسلام ... وكسرت الأصنام ووصلت الأرحام فانتبهت فزعا فقلت لقومي: واللَّه ليحدثن في هذا الحي من قريش حدث، وأخبرتهم بما رأيت، فلما انتهينا إلى بلادنا جاءنا رجل فقال: إن رجلا يقال له: أحمد قد بعث فأتيته فأخبرته بما رأيت، فقال: يا عمرو بن مرة! إني المرسل إلى العباد كافة أدعوهم إلى الإسلام، وآمرهم بحقن الدماء وصلة الأرحام، وعبادة اللَّه ورفض الأصنام، وحج البيت وصيام شهر رمضان، شهر من اثني عشر شهرا، فمن أجاب فله الجنة، ومن عصى فله النار، فآمن باللَّه يا عمرو بن مرة يؤمنك اللَّه من هول جهنم. فقلت: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه آمنت بكل ما جئت به من حلال وحرام، وأن أرغم ذلك كثيرا من الأقوام، ثم أنشدته أبياتا قلتها حين سمعت به، وكان لنا صنم وكان أبي سادنا له، فقمت إليه فكسرته، ثم لحقت بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا أقول: شهدت بأنّ اللَّه حقّ وإنني ... لآلهة الأحجار أول تارك وشمّرت [ (1) ] عن ساقي الإزار [ (2) ] مهاجرا ... إليك أجوب الوعث [ (3) ] بعد الدكادك [ (4) ] لأصحب خير الناس نفسا ووالدا ... رسول مليك الناس فوق الحبائك [ (5) ]   [ (1) ] في (خ) : «فشمّرت» . [ (2) ] في (خ) : «إزارا» . [ (3) ] في (خ) : «أدب القور» ، وأيضا في (اللسان) : «أجوب القور» . [ (4) ] الدكادك: جمع دكداك، وهو رمل ذو تراب يتلبد. [ (5) ] الحبائك: الطرق، واحدتها حبيكه، يعني بها السماوات، لأن فيها طرق النجوم، في (خ) : «الحبائك» ، وتصويبات هذه الأبيات من (لسان العرب) : 10/ 408، 426، (طبقات ابن سعد) : 1/ 333- 334، (وفد جهينة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: من حبابك يا عمرو بن مرة! فقلت: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي ابعثني على قومي لعل اللَّه أن يمن بي عليهم كما من بك عليّ. فبعثني إليهم وقال: عليك بالرفق في القول السديد، ولا تكن فظا ولا متكبرا ولا حسودا، فأتيت قومي فقلت فقلت لهم: يا بني رفاعة ثم يا بني جهينة، إني رسول رسول اللَّه إليكم أدعوكم إلى الجنة وأحذركم النار، وآمركم بحق الدماء وصلة الأرحام، وعبادة اللَّه ورفض الأصنام، وحج البيت وصيام شهر رمضان، شهر من اثني عشر شهرا، فمن أجاب فله الجنة، ومن عصى فله النار، يا معشر جهينة! إن اللَّه- وله الحمد- جعلكم خيار من أنتم منه، وبغّض إليكم في جاهليتكم ما حبب إلى غيركم من الرفث، إنهم كانوا يجمعون بين الأختين، ويخلف الرجل منهم على امرأة أبيه التراث في الشهر الحرام، فأجيبوا هذا النبي المرسل من بني لؤيّ ابن غالب تنالوا شرف الدنيا وكبير الأجر في الآخرة، فسارعوا في ذلك تكن [ (1) ] لكم فضيلة عند اللَّه. فأجابوا إلا رجلا منهم قام فقال: يا عمرو بن مرة، أمرّ اللَّه عليك عيشك! أتأمرنا أن نرفض آلهتنا ونفارق جماعتنا، ونخالف ديننا إلى ما يدعو إليه هذا القرشيّ من أهل تهامة؟ لا، ولا حبا ولا كرامة، ثم أنشأ الخبيث يقول: إن ابن مرة قد أتى بمقالة ... ليست مقالة من يريد صلاحا إني لأحسب قوله وفعاله ... يوما وإن طال الزمان رياحا أتسفّه الأشياخ ممن قد مضى؟ ... من رام ذلك لا أصاب ولاحا فقال عمرو بن مرة: الكاذب مني ومنك أمرّ اللَّه عيشته، وأبكم لسانه وأكمه بصره، قال عمرو بن مرة: واللَّه ما مات حتى سقط فوه، وكان لا يجد طعم الطعام، وعمي وخرس، فخرج عمرو بن مرة ومن أسلم من قومه حتى أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فرحب بهم وحياهم، وكتب لهم كتابا نسخته: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من اللَّه على لسان رسول اللَّه، بكتاب   [ (1) ] في (خ) : «تكون» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 صادق، وحق ناطق، مع عمرو بن مرة الجهنيّ لجهينة بن زيد: أن لكم بطون الأرض وسهولها، وتلاع الأودية وظهورها، تزرعون نباته، وتشربون صافيه، على أن تقروا بالخمس، وتصلوا الصلوات الخمس، وفي السعة والضرعة شاتان إن اجتمعتا، وإن تفرقتا فشاة، ليس على أهل [المثير] [ (1) ] صدقة، [ولا على الواردة لبقه] [ (2) ] ، وشهد من حضر من المسلمين [ (3) ] بكتاب قيس بن شمّاس. فذلك حيث يقول عمرو بن مرة: ألم تر أن اللَّه أظهر دينه ... وبيّن برهان القرآن لعامر كتاب من الرحمن نور لجمعنا ... وأحلافنا في كل باد وحاضر إلى خير من يمشي على الأرض كلها ... وأفضلها عند اعتكار الضرائر [ (4) ] أطعنا رسول اللَّه لما تقطعت ... بطون الأعادي بالظبا والخواطر فنحن قبيل قد بني المجد حولنا ... إذا اختليت في الحرب هام الأكابر بنو نغزيها بأيد طويلة ... وبيض زلالا في أكف المغاور ترى جولة الأنصار يحمي أميرهم ... بسمر العوالي والصفاح البواتر إذا الحرب دارت عند كل عظيمة ... ودارت رحاها بالليوث الهواجر يبلج منه اللون وازدان وجهه ... كمثل ضياء البدر بين الزواهر وله من حديث ابن خرّبوذ عن رجل من خثعم قال: كانت العرب لا تحرم حراما ولا تحل حلالا، وكانوا يعبدون الأوثان ويتحاكمون إليها، فبينا نحن ذات ليلة عند وثن لنا جلوس، وقد تقاضينا إليه في شيء وقع بيننا [كاد] يفرق بيننا، إذ هتف هاتف يقول: يا أيها الناس ذوو الأجسام ... ما أنتم وطائش الأحلام ومسندو الحكم إلى الأصنام ... هذا نبي سيد الأنام   [ (1) ] في (خ) : «الميرة» . [ (2) ] في (خ) : «ليس الوردة اللبقة» . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (مجموعة الوثائق السياسية) : 156: «واللَّه شهيد على ما بيننا ومن حضر من المسلمين» ، وباقي التصويبات منه. [ (4) ] الاعتكار: الازدحام والكثرة، اعتكال الضرائر أي اختلاطها، والضرائر: الأمور المختلفة، أي عند اختلاط الأمور، ويروى: «عند اعتكار الضرائر» . (اللسان) : 4/ 600. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 أعدل ذي حكم من الحكام ... يصدع بالنور وبالإسلام ويمنع الناس عن الآثام ... مستعلن في البلد الحرام قال: ففزعنا وتفرقنا من عنده، وصار ذلك الشعر حديثا حتى بلغنا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قد خرج بمكة ثم قدم المدينة ثم جئت وأسلمت [ (1) ] . ومن حديث الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: كنا جلوسا عند صنم ببوانة قبل أن يبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشهر وقد نحرنا جزرا، فإذا صائح يصيح من جوف واحدة منها يقول: * اسمعوا إلى العجب* ذهب استراق السمع وترمى الشّهب* لنبي بمكة اسمه أحمد ومهاجره إلى يثرب* قال: فأمسكنا وعجبنا، وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وله من حديث شهر بن حوشب، عن عبد اللَّه بن عباس، عن سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه، قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى حضر موت في حاجة قبل الهجرة، حتى إذا كنت في بعض الطريق عرست ساعة من الليل، فسمعت هاتفا يقول: أبا عمرو ناوبني [ (2) ] السهود ... وراح النوم وامتنع الهجود [ (3) ] لذكر عصابة سلفوا وبادوا ... وكل الخلق قصرهم يبيد تولوا واردين إلى المنايا ... حياضا ليس سهلها الورود مضت لسبيلهم وبقيت خلفا ... وحيدا ليس يستغني وحيد سدى لا أستطيع علاج أمر ... إذا ما عولج الطفل الوليد فلا يا ما بقيت إليّ أنا ... وقد ماتت بمهلكها ثمود وعاد والقرون بذي شعوب ... سواء كلهم إرم حصيد قال: ثم صاح به آخر: يا خرعب ذهب بك اللعب، إن أعجب العجب،   [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) ، 1/ 117، حديث رقم (64) ، وسبق الإشارة إليه وتصويب الأبيات. [ (2) ] تناوبنا الخطب والأمر، نتناوبه: إذا قمنا به نوبة بعد نوبة، والمراد هنا كثرة السهر. (اللسان) : 1/ 775. [ (3) ] الهجود: النوم. (اللسان) : 3/ 431. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 بين زهرة ويثرب، قال: وما ذاك يا شاحب؟ قال: نبي السلام، بعث بخير الكلام، إلى جميع الأنام، فاخرج [ (1) ] من البلد الحرام إلى نخيل وآطام. قال: ما هذا النبي المرسل، والكلام المنزل، والآي المفصّل؟ قال: هذا رجل من لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، قال: هيهات، فات عن هذا سني، وذهب عنه زمني، لقد رأيتني والنضر بن كنانة نرمي غرضا واحدا، ونشرب حلبا باردا، ولقد خرجت معه من دومة في غداة شيمة، وطلع مع الشمس وغرب معها، نروي ما نسمع ونثبت ما ينضر، فلئن كان هذا من ولده فلقد سلّ السيف وذهب الحيف، ودحض الزنا وهلك الربا. قال: فأخبرني ما تكون، قال: ذهبت الضراء والمجاعة، والشدة والشجاعة، إلا بقية من خزاعة، وذهبت الضراء والبؤس، والحلق المنفوس، إلا بقية في الخزرج والأوس، وذهبت الخيلاء والفقر والنميمة والغدر، إلا بقية في بني بكر، وذهب الفعال المندم، والعمل المؤثم، إلا بقية في خثعم. قال أخبرني ما يكون، قال: إذا غلت البرة، وكظمت الجرة، فاخرج من بلاد الهجرة، وإذا كف السلام وقطعت الأرحام، فاخرج من بلاد التهام. قال أخبرني ما يكون، قال: لولا أذن تسمع وعين تلمع، لأخبرتك بما تفزع، ثم صرصر وأضاء الفجر، فذهبت لأنظر، فإذا عصا وثعبان ميتان، قال: فما علمت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هاجر إلى المدينة إلا بهذا الحديث. وفي رواية عن سعد بن عبادة قال: لما بايعنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [بيعة] [ (2) ] العقبة، خرجت إلى حضر موت لبعض الحاجة، فقضيت حاجتي ثم أقبلت حتى إذا كنت ببعض الطريق نمت، ففزعت من الليل بصائح يقول: أبا عمرو ناوبني السهود، فذكر مثله بطوله. وله من حديث العطاف بن خالد الوابصي عن خالد بن سعيد عن أبيه   [ (1) ] كذا في (خ) ، ولعلها: «يخرج» ، إشارة إلى الهجرة من مكة إلى المدينة. [ (2) ] في (خ) : «البيعة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 قال: سمعت تميم الداريّ يقول: كنت بالشام حين بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرجت إلى بعض حاجتي فأدركني الليل فقلت: أنا في جوار عظيم هذا الوادي الليلة، فلما أخذت مضجعي إذا أنا بمناد ينادي لا أراه: عذ باللَّه فإن الجن لا تجير أحدا على اللَّه. فقلت: أيم اللَّه يقول، فقال: قد خرج رسول الأميين رسول اللَّه وصلينا خلفه بالحجون، فأسلمنا واتبعناه وذهب كيد الجن، ورميت بالشهاب، فانطلق إلى محمد رسول رب العالمين فأسلم. قال: فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب فسألت راهبا وأخبرته الخبر فقال: قد صدقوك، يخرج من الحرم [ (1) ] ومهاجره الحرم [ (2) ] ، وهو خير الأنبياء، ولا تسبق إليه، قال: فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأسلمت. ومن حديث سعد [ (3) ] بن عثمان بن سعيد الضمريّ عن أبيه قال: حدثني [أبي عن] [ (4) ] خويلد الضمريّ قال: كنا عند صنم جلوسا إذ سمعنا من جوفه صائحا يصيح: ذهب استراق [السمع] [ (5) ] بالشهب، لنبي بمكة اسمه أحمد، مهاجره إلى يثرب، يأمر بالصّلاة والصيام، والبر والصّلات للأرحام [ (6) ] ، فقمنا من عند الصنم فسألنا، فقالوا: خرج نبي بمكة اسمه أحمد [ (7) ] . ومن حديث الأصمعي قال: حدثني الوصافي عن منصور بن المعتمر عن قبيصة ابن عمرو بن إسحاق الخزاعي عن العباس بن مرداس السلمي قال: كان أول إسلامي أن مرداسا [أبي] [ (8) ] لما حضرته الوفاة أوصاني بصنم له يقال له: [ضمار] [ (8) ] ، فجعلته في بيت وجعلت آتيه كل يوم مرة، فلما ظهر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [إذ] [ (8) ] سمعت   [ (1) ] الحرم المكيّ. [ (2) ] الحرم المدني. [ (3) ] في (خ) : «سعيد» . [ (4) ] كذا في (خ) ، وليست في (دلائل أبي نعيم) . [ (5) ] زيادة للسياق من (الخصائص) . [ (6) ] في (دلائل أبي نعيم) : «والبر وصلة الأرحام» . [ (7) ] أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 117- 118، حديث رقم (65) وقال السيوطي في (الخصائص) : 1/ 767: انفرد به أبو نعيم. [ (8) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 صوتا في جوف الليل راعني، فوثبت إلى [ضمار] [ (1) ] مستغيثا، فإذا بالصوت من جوفه وهو يقول: قل للقبيلة من سليم كلّها ... هلك الأنيس وعاش أهل المسجد أودي [ضمار] [ (1) ] وكان يعبد مدة ... قبل الكتاب إلى النبي محمد إن الّذي ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدى فكتمته الناس، فلما رجع الناس من الأحزاب بينا أنا في إبلي بطرف العقيق من ذات عرق راقد، سمعت صوتا فإذا برجل على جناحي نعامة وهو يقول: النور الّذي وقع [ليلة الإثنين و] [ (2) ] ليلة الثلاثاء، مع صاحب الناقة العضباء، في ديار إخوان بني العنقاء. فأجابه هاتف عن شماله وهو يقول: بشر الجن وإبلاسها، إن وضعت المطيّ أحلاسها، وكلأت السماء أحراسها، [قال:] [ (2) ] فوثبت مذعورا وعلمت أن محمدا مرسل. فركبت فرسي وسرت حتى انتهيت إليه فبايعته، ثم انصرفت إلى [ضمار] [ (1) ] فأحرقته بالنار، ثم رجعت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [فأنشدته شعرا أقول فيه] [ (3) ] :   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] في (خ) «ضماد» ، والتصويب من (ترتيب القاموس) : 3/ 37. [ (3) ] في (خ) : «فأنشد شعرا فذكره» وما أثبتناه من رواية أبي نعيم في (الدلائل) ، وهذه الأبيات منه: لعمرك إنّي يوم أجعل جاهلا ... ضمارا لرب العالمين مشاركا وتركي رسول اللَّه والأوس حوله ... أولئك أنصار له ما أولئكا كتارك سهل الأرض والحزن يبتغي ... ليسلك في وعث الأمور المسالكا فآمنت باللَّه الّذي أنا عبده ... وخالفت من أمسى يريد المهالكا ووجّهت وجهي نحو مكة قاصدا ... أبايع نبي الأكرمين المباركا نبيّ أتى بعد عيسى بناطق ... من الحق فيه الفصل فيه كذلكا أمين على الفرقان أول شافع ... وأول مبعوث يجيب الملائكا تلافي عرى الإسلام بعد انتقاضها ... فأحكمها حتى أقام المناسكا عنيتك يا خير البرية كلّها ... توسطت في الفرعين والمجد مالكا وأنت المصفّى من قريش إذا سمت ... على ضمرها تبقي القرون المباركا إذا انتسب الحيان كعب ومالك ... وجدناك محضا والنساء العواركا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 ومن حديث الزهري عن عبد الرحمن بن أنيس السلمي، عن العباس بن مرداس قال: كان إسلام العباس بن مرداس أنه كان بغمرة في لقاح له نصف النهار، إذ طلعت عليه نعامة بيضاء مثل القطن، عليها راكب عليه ثياب بيض مثل القطن فقال: يا عباس بن مرداس! ألم تر أن السماء حفّت أحراسها، وأن الحرب جوعت أنفاسها، وأن الخيل وضعت أحلاسها، وأن الّذي جاء بالبر ولد يوم الاثنين في ليلة الثلاثاء، صاحب الناقة القصواء. فخرجت مرعوبا قد راعني ما رأيت وسمعت، حتى جئت وثنا لي يدعى الضماد، كنا نعبده ونكلّم من جوفه، فدخلت عليه وكنست ما حوله، ثم قمت فتمسّحت به وقبلته، فإذا صائح يصيح من جوفه: يا عباس بن مرداس! قل للقبائل [ (1) ] من سليم كلها ... هلك الضمار [ (2) ] وفاز أهل المسجد هلك الضمار [ (2) ] وكان يعبد مدة ... قبل الصلاة [ (3) ] على النبي محمد إن الّذي ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدى قال: فخرجت مرعوبا حتى جئت قومي، فقصصت عليهم القصة وأخبرتهم الخبر، فخرجت في ثلاثمائة راكب من قومي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدخلنا المسجد، فلما رآني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تبسم وقال: يا عباس بن مرداس! كيف كان إسلامك؟   [ () ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 118- 119، حديث رقم (66) قال في (الخصائص) 1/ 267: أخرجه أيضا ابن جرير، والمعافي بن زكريا، وابن الطراح في كتاب (الشواعر) بأسانيدهم، وقال في هامشه: «كذا في الأصل، ولعلّ الصواب العواتكا» ، ونقول: أن العواتك والعوارك كل منهما تخدم المعنى، فإذا أراد الشاعر «العوارك» فمعناها النساء الشابات اللاتي في سنّ الحيض، قال في (ترتيب القاموس) : 3/ 207: عركت المرأة عركا وعروكا: حاضت. وإذا أراد «العواتك» ، فالعواتك: في جدات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تسع: ثلاث من سليم: بنت هلال أم جدّ هاشم، وبنت مرّة بن هلال أم هاشم، وبنت الأوقص بن مرة بن هلال أم وهب بن عبد مناف. والبواقي من غير بني سليم. والعواتك من الصحابيات: عاتكة بن أسيد، وبنت خالد، وبنت زيد بن عمرو، وبنت عبد المطلب، وبنت عوف، وبنت نعيم، وبنت الوليد. (المرجع السابق) : 3/ 150- 151. [ (1) ] كذا في (خ) ، و (الخصائص) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «للقبيلة» . [ (2) ] في (خ) : «الضماد» وصوابه في (القاموس) : «ضمار» . [ (3) ] في (دلائل أبي نعيم) : «قبل الكتاب» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 فقصصت عليه القصة فقال: صدقت، وسرّ بذلك، فأسلمت أنا وقومي. ومن حديث سعيد بن عمرو بن سعيد الهذالي عن أبيه عمرو بن سعيد، وكان شيخا كبيرا قد أدرك الجاهلية الأولى والإسلام، قال: حضرت مع رجال من قومي صنما بسواع وقد سقنا إليه الذبائح، فكنت أول من قرّب إليه هدية سمينة، فذبحتها على الصنم، فسمعنا صوتا من جوفها: العجب كل العجب، خروج نبي من بني عبد المطلب، يحرم الزنا ويحرم الذبح للأصنام، وحرست السماء ورمينا بالشهب. فتفرقنا فقدمنا مكة، فلم نجد أحدا يخبرنا بخروج محمد صلّى اللَّه عليه وسلم حتى لقينا أبا بكر الصديق [و] [ (1) ] عبد اللَّه بن عثمان رضي اللَّه عنهما فقلنا: يا أبا بكر! خرج أحد بمكة يدعو إلى اللَّه يقال له أحمد؟ فقال: وما ذاك؟ فأخبرت أبا بكر الخبر فقال: نعم، خرج محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب، وهو رسول اللَّه، فدعانا أبو بكر إلى الإسلام، فقلنا: حتى ننظر ما يصنع قومنا، وياليت كنا أسلمنا يومئذ. وعن عبد اللَّه بن يزيد الهذلي، عن عبد اللَّه بن ساعدة الهذلي، عن أبيه قال: كنا عند صنمنا بسواع، وقد جلبنا إليه غنما لنا مائتي شاة قد كان أصابها الجرب، فأدنيتها منه أطلب بركته، فسمعت مناديا من جوف الصنم ينادي: قد ذهب كيد الجن ورمينا بالشهب لنبي اسمه أحمد، فصرفت وجه غنمي منحدرا إلى أهلي، فلقيت رجلا فخبرني بظهور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وعن يحيى بن سليمان عن حكيم بن عطاء السلمي [ (2) ] من بني سليم من ولد راشد بن عبد ربه عن أبيه عن جده [ (3) ] راشد بن عبد ربه قال: كان الصنم الّذي يقال سواع بالمعلاة [ (4) ] من رهاط [ (5) ] تدين له هذيل وبنو ظفر من سليم، فأرسلت بنو ظفر راشد بن عبد ربه بهدية من سليم إلى سواع، قال راشد: فألفيت مع الفجر إلى صنم قبل صنم سواع، وإذا صارخ يصرخ من جوفه: العجب كل العجب [من خروج نبي من بني عبد المطلب، يحرم الزنا والربا، والذبح للأصنام، وحرست   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] في (خ) : «الظفري» . [ (3) ] في (خ) : «جده عن راشد» . [ (4) ] موضع قرب بدر. [ (5) ] موضع على ثلاثة أميال من مكة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 السماء ورمينا بالشهب، العجب كل العجب] [ (1) ] ثم هتف صنم آخر من جوفه: [ترك الضمار وكان يعبد] [ (1) ] خرج أحمد، نبي يصلي الصلاة ويأمر بالزكاة والصيام، والبر والصّلات للأرحام [ (2) ] ثم هتف من [ (3) ] جوف صنم آخر هاتف: إن الّذي ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدى نبيّ يخبر الناس بما سبق ... وبما يكون في غد قال راشد: فألفيت سواعا مع الفجر، وثعلبان يلحسان ما حوله، ويأكلان ما يهدى إليه [ثم] [ (4) ] يعرجان عليه ببولهما، فعند ذلك يقول راشد بن عبد ربه: أربّ يبول الثعلبان [ (5) ] برأسه ... لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب وذلك عند مخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ومهاجره] [ (6) ] إلى المدينة وتسامع الناس به، فخرج راشد حتى أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة [ (7) ] ومعه كلب له- واسم راشد يومئذ (ظالم) ، واسم كله (راشد) - فقال [له] [ (8) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما اسمك؟ قال: (ظالم) قال: فما اسم كلبك؟ قال: (راشد) ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اسمك راشد، واسم كلبك ظالم؟ وضحك النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وبايع النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وأقام معه، ثم طلب من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قطيعة برهاط، فأقطعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمعلاة من رهاط شأو الفرس [ (9) ] ورمية ثلاث مرات بحجر، وأعطاه أداوة [ (10) ] مملوءة من ماء، وتفل فيها [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (11) ] وقال له: فرغها أعلى القطيعة ولا تمنع الناس فضولها، ففعل، فجعل الماء معينا مجمّة [إلى اليوم] [ (11) ]   [ (1) ] ما بين الحاصرتين تكملة من (دلائل أبي نعيم) ، وهو سقط في (خ) . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «وصلة الأرحام» . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «في» . [ (4) ] زيادة للسياق. [ (5) ] الثّعلبان: ذكر الثعلب، والثعلب يطلق على الذكر والأنثى، والثّعلبان: مثنى ثعلب، وهو المراد هنا. [ (6) ] في (خ) ، و (دلائل أبي نعيم) : «ومجازه» ، ولعل الصواب ما أثبتناه فهو أجود للسياق. [ (7) ] في المرجع السابق: «المدينة» . [ (8) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (9) ] شأو الفرس: الشوط منه. [ (10) ] إناء صغير يوضع فيه الماء. [ (11) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 فغرس عليها النخل وصارت رهاطا كلها تشرب منه وسماها الناس ماء الرسول، وأهل رهاط يغتسلون منها ويستشفون بها، وغدا راشد على [ (1) ] سواع وكسّرة [ (2) ] . وله من حديث إسماعيل بن عيّاش، عن يحيى بن أبي عمرو الشيبانيّ [ (3) ] عن عبد اللَّه بن الديلميّ قال: أتى رجل عبد اللَّه بن عبّاس [ (4) ] رضي اللَّه تعالى عنه فقال: بلغت أنك تذكر سطيحا [و] [ (5) ] تزعم أن اللَّه خلقه [و] [ (5) ] لم يخلق من ولد آدم شيئا يشبهه! قال: نعم، إن اللَّه خلق سطيحا الغسانيّ لحما على وضم- والوضم: شرائح النخل [ (6) ]- وكان يحمل على وضمه فيؤتي به حيث يشاء، ولم يكن فيه عظم ولا عصب إلا الجمجمة والكفان، وكان يطوى من رجليه إلى ترقوته كما يطوى الثوب، فلم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه. فلما أراد الخروج إلى مكة حمل على وضمه، فأتى به مكة، فخرج إليه أربعة من قريش: عبد شمس وهاشم ابنا عبد مناف بن قصيّ، والأحوص بن فهر، وعقيل ابن أبي وقاص، انتموا إلى غير نسبهم [فقالوا] [ (7) ] : نحن أناس من جمح، أتيناك [وقد] [ (8) ] بلغنا قدومك، فرأينا أن [إتياننا] [ (9) ] إياك حق لك، واجب علينا   [ (1) ] في المرجع السابق: «إلى سواع فكسّره» . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 120- 122، حديث رقم (68) ، قال الدميري في (حياة الحيوان) : 1/ 221: وأخرجه البغوي في (المعجم) ، وابن شاهين وغيرهما، وذكره السيوطي في (الخصائص) : 1/ 193، وابن حجر في (الإصابة) : 2/ 434، ترجمة راشد بن عبد ربه السلمي، رقم (2519) وفيه: ورواه أبو حاتم بسند له، والبيت عنده هكذا: أربّ يبول الثعلبان برأسه ... لقد هان من بالت عليه الثعالب و (مجموعة الوثاق السياسية) : 197، وثيقة رقم (213) لراشد السلمي: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم راشد بن عبد ربه السلمي، أعطاه: غلوتين بسهم وغلوة بحجر برهاط، فمن حاقه فلا حق له، وحقه حق، وكتب خالد بن سعيد» . [ (3) ] كذا في (خ) ، و (دلائل أبي نعيم) ، وصوابه (السيباني) بالمهملة (الجرح والتعديل) : 9/ 177، ترجمة رقم (735) بحي بن أبي عمرو السيباني أبو زرعة. [ (4) ] كذا في (خ) «عياش» ، والتصويب من (دلائل أبي نعيم) . [ (5) ] زيادة للسياق. [ (6) ] في (دلائل أبي نعيم) : «شرائح من جريد النخل» . [ (7) ] في (خ) : «وقالوا» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) . [ (8) ] زيادة للسياق. [ (9) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «زيارتنا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 وأهدى له عقيل صفيحة هندية [ (1) ] ، وصعدة [ (2) ] ، ردينية [ (3) ] فوضعت على باب البيت الحرام لينظروا هل يراها سطيح أم لا. فقال: يا عقيل، ناولني يدك، فناوله يده، فقال: يا عقيل! والعالم الخفيّة، والغافر الخطيّه، والذمّة الوفية، والكعبة المبنيّة، إنك للجائي [ (4) ] بالهديّة، الصفيحة الهنديّة، والصعدة الردينيّة. قالوا: صدقت يا سطيح، فقال: والآتي بالفرح، وقوس قزح، وسائر القرّح [ (5) ] ، واللطيم [ (6) ] المنبطح [ (7) ] ، والنخل والرطب والبلح، إن الغراب حيث مرّ سنح [ (8) ] ، فأخبر أن القوم ليسوا من جمح، وأن نسبهم في قريش ذي البطح، قالوا: صدقت يا سطيح، نحن أهل البيت الحرام، أتيناك لنزورك لما بلغنا من علمك، فأخبرنا عما يكون في زماننا هذا وما يكون بعده، لعلّ [ (9) ] أن يكون عندك في ذلك علم. قال: الآن صدقتم، خذوا مني إلهام اللَّه إياي: أنتم يا معشر العرب في زمان الهرم، سواء [ (10) ] بصائركم وبصيرة العجم، لا علم عندكم ولا فهم، وينشأ من عقبكم ذوو فهم، يطلبون أنواع العلم، فيكسرون الصنم، ويبلعون الردم [ (11) ] ، ويقتلون العجم، يطلبون الغنم.   [ (1) ] الصفيحة: السيف العريض (لسان العرب) : 2/ 513. [ (2) ] الصعدة: القناة المستقيمة (لسان العرب) : 3/ 255. [ (3) ] ردينة: اسم امرأة، تنسب إليها الرماح (لسان العرب) : 13/ 178. [ (4) ] في (خ) : «للجائي» ، وفي (أبي نعيم) : «الجائي» . [ (5) ] القرّح: جمع قارح، وهي الناقة أول ما تحمل. (اللسان) : 2/ 559. [ (6) ] اللطيم: صفة من صفات الخيل أو الإبل (المرجع السابق) : 12/ 543. [ (7) ] المنبطح: الملقي على وجهه. (المرجع السابق) : 2/ 412. [ (8) ] السانح: ما أتاك عن يمينك من ظبي أو طائر أو غير ذلك، والبارح: ما أتاك من ذلك عن يسارك (المرجع السابق) : 2/ 490. [ (9) ] في (خ) : «بعد أن يكون» . [ (10) ] كذا في (خ) ، و (الخصائص، وفي (أبي نعيم) : «فتبينوا» [ (11) ] في (أبي نعيم) : «يتبعون الردم» ، والردم: ما يسقط من الجدار إذا انهدم، وكل ما لفق بعضه ببعض فهو ردم. (اللسان) : 12/ 236. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 قالوا: يا سطيح! ممن يكون أولئك؟ قال [ (1) ] : والبيت ذي الأركان، والأمن والسكان، لينشؤن من عقبكم ولدان، يكسرون الأوثان، وينكرون عبادة الشيطان، ويوحدون الرحمن، وينشرون دين الدّيان، يشرفون البنيان، ويقتنون القيان. قالوا: يا سطيح! من نسل من يكون أولئك؟ قال: وأشرف الأشراف، والمفضي للإسراف، والمزعزع الأحقاف، والمضعف للأضعاف، لينشؤن الآلاف من بني عبد شمس وعبد مناف، نشوا يكون فيهم اختلاف. قالوا: يا سوأتاه يا سطيح مما تخبر من العلم بأمرهم؟ ومن أي بلد يكون أولئك؟ قال: والباقي الأبد، والبالغ الأمد، ليخرجن من ذا البلد، فتى يهدي إلى الرّشد، يرفض يغوث [ (2) ] والفند [ (3) ] ، يبرأ من عبادة الضدد [ (4) ] ، يعبد ربا انفرد، ثم يتوفاه [اللَّه] [ (5) ] محمودا، من الأرض مفقودا، في السماء مشهودا [ (6) ] ، وذكر باقية في القوم الذين يلون أمر الأمة المحمدية. ومن حديث ابن إسحاق قال: حدثني من أثق به من علمائنا، عن من حدثه من أهل اليمن [ (7) ] .   [ (1) ] في (أبي نعيم) : «فقال لهم» . [ (2) ] اسم صنم. [ (3) ] الفند: الكذب. [ (4) ] في (خ) ، و (الخصائص) ، بالصاد المهملة، والضدد: من أسماء الحجر. [ (5) ] زيادة للسياق من (خ) . [ (6) ] في (دلائل أبي نعيم) ، بعد قوله «مشهودا» [ثم يلي أمره الصديق، إذا قضى صدق، وفي رد الحقوق لا خرق ولا نزق، ثم يلي أمره الحنيف، مجرّب غطريف، ويترك القول العنيف، قد ضاف المضيف، وأكرم التحنيف، ثم يلي أمره داعيا لأمره مجربا، فيجتمع له جموعا وعصبا، فيقتلونه نقمة وغضبا، فيؤخذ الشيخ إربا، فيقوم به رجال خطباء، ثم يلي أمره الناصر، يخلط الرأي برأي الناكر، يظهر في الأرض الفساد، ثم يلي بعده ابنه، يأخذ جمعه ويقل حمده، ويأخذ المال ويأكله وحده، ويكنز المال لعقبه من بعده، ثم يلي من بعده عدة الملوك، لا شك، الدم فيهم مسفوك، وذكر القصة] . (دلائل النبوة لأبي نعيم) : 1/ 122- 125، حديث رقم (69) ، أخرجه أيضا ابن عساكر، والسيوطي في (الخصائص) : 1/ 73. قال محقق (الدلائل) : وفيه سليمان بن عبد الرحمن، صدوق يخطئ، وآخر القصة يبدو فيها الوضع. [ (7) ] السّند في (دلائل أبي نعيم) هكذا: «حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن جعفر قال: حدثنا جعفر بن أحمد بن فارس قال: حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا سلمة بن الفضل قال: حدثني محمد بن إسحاق، وحدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم القرشيّ قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن بن بشير الشيبانيّ عن محمد بن إسحاق قال: حدثني من أثق به من علمائنا، عمّن حدّثه من أهل اليمن ... » . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 أن ملكا من لخم [ (1) ] من أهل الملك الأول القديم قبل حسّان ذي نواس، يقال له: ربيعة بن نصر، رأى رؤيا فظع بها حين رآها، وهالته وأنكرها، وبعث إلى الحزاق [ (2) ] من أهل الأرض، من كان في مملكته من الكهان والمنجمين والعرافين [ (3) ] ، فقال [ (4) ] لهم: قد رأيت رؤيا فظعت بها وهالتني، فأخبروني عنها. قالوا: أيها الملك اقصصها علينا نخبرك بتأويلها، قال: إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم [ (5) ] ، فقال رجل منهم إن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشقّ، فإنّهما يخبران عما أراد [الملك] [ (6) ] من ذلك، فهما أعلم من ترى [ (7) ] ، وكان سطيح رجلا من غسّان -[وهو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذؤيب بن عدي بن مازن] [ (8) ]- وكان شق [رجلا] [ (8) ] ، من بجيلة، وقال سلمة بن الفضل في حديثه عن [ابن إسحاق] [ (8) ] : يقال له: سطيح الذئبيّ لنسبته إلى الذئب بن عدي، وشقّ بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن نذير ابن قيس بن عبقر بن أنمار [ (9) ] . فلما قالوا له ذلك بعث إليهما، فقدم عليه سطيح قبل شق- ولم يك في زمانهما مثلهما من الكهان- فلما قدم سطيح عليه [ (10) ] قال له الملك: يا سطيح: إني قد   [ (1) ] لخم: اسمه مالك بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن غريب بن يزيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ولخم وجذام قبيلتان من اليمن، ينسب إلى لخم خلق كثير. (اللباب في تهذيب الأنساب) : 3/ 130. [ (2) ] في (دلائل أبي نعيم) : «الحزأة» ، وهم العالمون. [ (3) ] في (دلائل أبي نعيم) : «العراف» . [ (4) ] في (دلائل أبي نعيم) : «وقال» . [ (5) ] في (سيرة ابن هشام) : «إلى خيركم عن تأويلها» . [ (6) ] زيادة من المرجع السابق. [ (7) ] في المرجع السابق: «نراه» . [ (8) ] زيادة من (خ) . [ (9) ] في (سيرة ابن هشام) : «ابن رهم بن أفرك بن قسر بن عبقر بن أنمار بن نزار، وأنمار أبو بجيلة وخثعم» . [ (10) ] في (دلائل أبي نعيم) : «فلما قدم سطيح عليه قبل شق دخل عليه، قال الملك ... » ، وفي (سيرة ابن هشام» : «فقدم عليه سطيح قبل شق فقال له: إني رأيت ... » . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها حين رأيتها، وإنك إن تصفها [لي] [ (1) ] قبل أن أخبرك تصب تأويلها [ (2) ] . قال: أفعل، رأيت حممة خرجت من ظلمة، فوقعت بأرض تعمة فأكلت منها كلّ ذات جمجمة [ (3) ] . فقال الملك: واللَّه ما أخطأت من رؤياي [ (4) ] [وسمة] [ (5) ] ، فما عندك [من] [ (6) ] تأويلها يا سطيح؟. قال: أحلف بما بين الحرّبين من حنش، لينزلن أرضكم الحبش، وليملكن ما بين أبين إلى جرشّ [ (7) ] . قال له الملك: وأبيك يا سطيح، إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى [ (8) ] هو كائن يا سطيح؟ أفي زماننا هذا؟ أم بعده؟ قال [ (9) ] : بعده بحين، خمسين إلى ستين أو سبعين تمضين من السنين [ (10) ] . قال له الملك: أقيقيم ويدوم سلطانهم أم ينقطع [ (11) ] ؟. قال: ينقطع بسبع وسبعين من السنين [ (12) ] ، ثم يقتلون أجمعين، ويخرجون هاربين.   [ (1) ] زيادة من (خ) . [ (2) ] في (سيرة ابن هشام) : «فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها» . [ (3) ] في (دلائل أبي نعيم) : «كلّ ذات جمجمة من العشاء إلى العتمة، ونصب كلّ أفصح وأصحّ» . [ (4) ] في (سيرة ابن هشام) : «ما أخطأت منها شيئا» . [ (5) ] كذا في (خ) . [ (6) ] في (سيرة ابن هشام) ، و (دلائل أبي نعيم) : «في تأويلها» . [ (7) ] أبين وجرش: بلدان في اليمن. [ (8) ] في المرجع السابق: «منى هو» . [ (9) ] في (ابن هشام) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «بل بعده بحين» . [ (10) ] في (دلائل أبي نعيم) : «أكثر من سنتين إلى سبعين سنة يمضين» وفي (ابن هشام) : «أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين» . [ (11) ] في (ابن هشام) : «أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟» ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «أفيقوم أو يدوم سلطانهم أم ينقطع» ، وفي (خ) : «أفيقيم» . [ (12) ] في (ابن هشام) : «لبضع وسبعين» ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «لبضع وستين» ، وما أثبتناه من (خ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 قال له الملك: ومن الّذي يقتلهم ويلي إخراجهم؟. قال: يليه إرم ذي يزن [ (1) ] ، يخرج عليهم من عدن، ولا يبقى منهم أحد باليمن [ (2) ] ، قال له الملك: أفيدوم ذلك من سلطانه أمن ينقطع؟ قال: بل ينقطع. قال: ومن يقطعه؟. قال: نبي زكيّ، يأتيه الوحي من قبل [ (3) ] اللَّه العلي. قال: وممن هذا النبي يا سطيح؟ قال: من [ (4) ] ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر. قال: وهل للدهر من آخر؟. قال: نعم يوم يجمع اللَّه فيه الأولين والآخرين، يشقى فيه المسيئون، ويسعد فيه المحسنون، قال: أحقّ ما تقول؟ قال: نعم، والشفق والغسق، والفلق [إذا اتّسق] [ (5) ] ، إن ما أنبأتك لحق. فلما فرغ خرج من عنده. وقدم شق [ (6) ] فقال له الملك مثل ما قال لسطيح   [ (1) ] كذا في (خ) ، و (ابن هشام) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «إنه ابن ذي يزن» ، والمعروف أنّ اسمه: سيف بن ذي يزن، ولكن جعله «إرما» ، إما لأن الارم هو العلم ممدحه بذلك، وإما شبهه بعاد إرم في عظم الخلقة. [ (2) ] كذا في (خ) ، (ابن هشام) ، وفي (أبي نعيم) : «في اليمن» . [ (3) ] في (ابن هشام) : «من قبل العلي» . [ (4) ] كذا في (خ) ، و (ابن هشام) وفي (أبي نعيم) : «لؤيّ بن غالب» . [ (5) ] ما بين الحاصرتين في (خ) فقط. [ (6) ] سمي «شقّ» لأنه كان شق إنسان، له يد واحدة، ورجل واحدة، وعين واحدة. وولد سطيح وشق في اليوم الّذي ماتت فيه «طريفة الكاهنة» ، امرأة عمرو بن عامر، وهي بنت الخير الحميرية، ودعت بسطيح قبل أن تموت، فأتيت به، فتفلت في فيه، وأخبرت أنه سيخلفها في علمها وكهانتها، ودعت بشق، ففعلت به مثل ما فعلت بسطيح، ثم ماتت، وقبرها بالجحفة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 لينظر: أيتفقان أم يختلفان؟ فقال شقّ: نعم أيها الملك، رأيت حممة [ (1) ] خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة، بأرض بهمة، فأكلت منها كل ذات نسمة صحيحة مسلمة. ثم قال: أحلف بما بين الحرتين من إنسان، لينزلن أرضكم السودان، وليغلبن على كل طفلة البنان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران، فقال الملك: يا شق! وأبيك إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟ أفي زماني، [ (2) ] أم بعده؟. قال: بعده بزمان، يبيدهم عظيم ذو شان [ (3) ] ، فيذيقهم أشد الهوان. قال له الملك: ومن هذا [ (4) ] العظيم الشان؟. قال: غلام ليس بدنيّ ولا مدنّ، يخرج من بيت ذي يزن، قال: فهل يدوم سلطانهم أم ينقطع؟. قال: لا بل ينقطع برسول يأتي بحقّ وعدل، ومن أهل الدين والفضل، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل، قال: وما يوم الفصل يا شقّ؟. قال: يوم تجزى فيه الولاة ويدعى فيه من السماء دعوات، فيسمع الأحياء والأموات، ويجتمع فيه الناس للميقات، يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات. قال له الملك: ما تقول يا شق؟ [قال:] [ (5) ] ورب السماء والأرض، وما بينهما من رفع وخفض، إن ما أنبأتك لحق ما فيه أمض [ (6) ] ، فلما فرغ من مساءلتهما جهّز بنيه وأهل بيته إلى العراق، وكتب [لهما] [ (7) ] إلى ملك فارس [ (8) ] ، وهو   [ (1) ] في (خ) : «جمجمة» . [ (2) ] في (خ) ، و (ابن هشام) : «زماني» ، وفي (أبي نعيم) : «زماننا» . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (ابن هشام) ، و (دلائل أبي نعيم) : «ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شان» . [ (4) ] كذا في (خ) و (ابن هشام) ، وفي (أبي نعيم) : «ومن هو هذا» . [ (5) ] زيادة للسياق من (أبي نعيم) . [ (6) ] أمض: شك أو باطل. [ (7) ] زيادة للسياق من (أبي نعيم) . [ (8) ] في (ابن هشام) : «إلى ملك من ملوك فارس» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 شابور [ (1) ] فأسكنهم الحيرة [ (2) ] . فمن بقية ولد ربيعة بن نضر: النعمان بن المنذر، فهو في نسب اليمن وعلمهم: النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر، [ذلك الملك] [ (3) ] . وحدّث أبو علي قال: كان جنافر بن التوائم الحميري كاهنا، وكان قد أوتي بسطه في الجسم وسعة في المال، وكان عاتيا، فلما وفدت وفود اليمن على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وظهر الإسلام، أغار على إبل لمسواد فاكتسحها، وخرج بأهله ولحق بالشجر فخالف جودان بن يحي الفرصمي، وكان سيدا منيعا، وترك بواد من أودية الشجر مخصبا كثير الشجر من الأيك والعرين. قال جنافر: وكان رئيّ في الجاهلية لا يكاد يتغيب عليّ، فلما شاع الإسلام فقدته مدة طويلة وساءني ذلك، فبينا أنا ليلة بذلك الوادي إذ هوى هويّ العقاب، قال جنافر: فقلت: شصار! فقال: اسمع أقل، قلت: اسمع، فقال: عه تغنم، لكل مدة نهاية، وكل ذي أمد إلى غاية، فقلت: أجل، فقال: كل دولة إلى أجل، ثم يتاح لها حول، انتشحت النّحل ورجعت إلى حقائقها الملل، إنك بيحبر   [ (1) ] هو شابور بن خرزاد وهو في (ابن هشام) : بالسين المهملة. [ (2) ] هذا الحديث ذكره كل من: أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 125، حديث رقم (70) . ابن عساكر من طريق ابن إسحاق عن بعض أهل الرواية. ابن إسحاق في السيرة، (ابن هشام) : 1/ 124. السيوطي في (الخصائص) : 1/ 87. أحمد بن حديدة الأنصاري في (المصباح المضيء) : 2/ 206. ابن كثير في (البداية والنهاية) : 2/ 329، وفيه: «وأخبار سطيح كثيرة، وقد جمعها غير واحد من أهل العلم، والمشهور أنه كان كاهنا، وقد أخبر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعن نعته ومبعثه، وروى لنا بإسناد اللَّه أعلم به أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سئل عن سطيح فقال: «نبي ضيعه قومه» . قال الحافظ ابن كثير: أما هذا الحديث فلا أصل له في شيء من كتب الإسلام المعهودة، ولم أره بإسناد أصلا!!. ابن الأثير في (الكامل) : 1/ 418. ابن جرير الطبري في (التاريخ) : 2/ 112. [ (3) ] زيادة في (خ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 موصول، والنصح لك مبذول، إني آنست بأرض الشام، نفرا من آل العذام، حكاما على الحكام، يتدبرون ذا رونق من الكلام، ليس بالشعر المؤلف، ولا السجع المتكلف، فأصغيت فزجرت، وعاودت فلطفت، فقلت: بم يهيمنون، وإلام يعتزون؟ قالوا: خطاب كبار، جاء من عند الملك الجبار، فاسمع يا شصار، عن أصدق الأخبار، واسلك أوضح الآثار، تنج من أوار النار، فقلت: وما هذا الكلام؟ قالوا: فرقان بين الكفر والإيمان، رسول من مضر من أهل المدار، ابتعث فظهر. فجاء بقول قد بهر، وأوضح نهجا قد دثر، فيه مواعظ لمن اعتبر، ومعاذ لمن ازدجر، ألّف بالآي الكبر، قلت: ومن هذا المبعوث من مضر، قالوا: أحمد خير البشر، وإن خالفت أصليت سقر، فآمنت يا جنافر، وأقبلت إليك أبادر، فجانب كل نجس كافر، وشايع كل مؤمن ظاهر، وإلا فهو الفراق على تلاق، قلت: من أين أبغي هذا الدين؟ قال: من ذات الآخرين، والنفر الميامين، أهل الماء والطين، قلت: أوضح، قال: الحق بيثرب ذات النخل، والحرة ذات النعل، فهناك أهل الفضل، والطول والبذل، ثم أملس عني فبت مذعورا أراعي الصباح، فلما برق لي النور، امتطيت راحلتي وأذنت أعبدي، واحتملت بأهلي حتى وردت الجوف، فرددت الإبل على أربابها، بحولها وسقائها، وأقبلت أريد صنعاء، فأصبت بها معاذ بن جبل رضي اللَّه تعالى عنه أميرا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فبايعته على الإسلام، وعلمني سورا من القرآن، فمن اللَّه عليّ بالهدى بعد الضلالة، والعلم بعد الجهالة [ (1) ] ، وقلت في ذلك: ألم تر أن اللَّه عاد بفضله ... فأنقذ من لفح الرحيج جنافرا وكشفه لي جحمتي عما هما ... وأوضح لي نهجي وقد كان داثرا دعاني شصار للتي لو رفضتها ... لأصليت جمرا من لظى الهوف واهرا فأصبحت والإسلام حشو جوانحي ... وجانبت من أمسى عن الحق بائرا وكان مضلي من هديت برشده ... فلله مغو عاد بالرشد آمرا نجوت بحمد اللَّه من كل قحمة ... تورث هلكا يوم شايعت شاصرا   [ (1) ] لم أجد هذا الخبر فيما بين يدي من المراجع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 وقد أمنتني بعد ذاك بحائر ... بما كنت أغشى المندبات بحائرا فمن مبلغ فتيان قومي ألوكة ... بأني من أقاتل من كان كافرا عليكم سواء القصد لافلّ حدّكم ... فقد أصبح الإسلام للكفر قاهرا ويروى أن تيم اللات بن ثعلبة عمّر ستمائة سنة وأدرك عيسى عليه السلام، وآمن به وكان على دينه، وأنه صوّر محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم وكتب تحتها: منعت وجّ الحجاز وتهائم مكة وديار ربيعة إلا من دولة اليتيم، فطوبى لمن أدركه واتبعه، وتيم اللات هذا كان [محاربا] [ (1) ] في حرب البسوس، وكان قائدهم، وكان أجمل الناس. وقال الخرائطي في كتاب (الهواتف) : أخبرنا عبيد بن محمد البلوي، حدثنا عمادة بن زيد، حدثني عبيد اللَّه بن العلاء، عن هشام بن عروة عن أبيه عن جدته أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنها قالت: كان زيد بن عمرو بن نفيل وورقة ابن نوفل يذكران [أنهما أتيا] [ (2) ] النجاشي بعد رجوع أبرهة عن مكة. قالا: فلما دخلنا عليه قال لنا: أصدقاني أيها القرشيان، هل ولد فيكم مولود أراد أبوه ذبحه؟ قلنا: نعم. قال: فهل لكما علم بما فعل؟ قلنا: تزوج امرأة اسمها آمنة وتركها حاملا وخرج. قال: فهل تعلمان ولد له أم لا؟ قال ورقة: أخبرك أيها الملك أنه لما ولد له كنت عند صنم لنا نطيف به ونعبده، إذ سمعت من جوفه هاتفا يقول: ولد النبي فذلّت الأملاك ... ونأى الضلال وأدبر الإشراك ثم انتكس على رأسه، فقال زيد: عندي كخبره أيها الملك، قال: هات، قال: إني في هذه الليلة التي ذكر فيها حديثه، خرجت من عند أهلي وهم يذكرون حمل آمنة، حتى أتيت جبل أبي قبيس أريد الخلوة فيه لأمر رابني، إذ رأيت رجلا نزل من السماء له جناحان أخضران، فوقف عليه [ (3) ] ثم أشرف على مكة وقال:   [ (1) ] هذه الكلمة مطموسة في (خ) ، ولعل الصواب ما أثبتناه. [ (2) ] في (خ) : «أنها أتت» . [ (3) ] في (خ) : «على» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 ذل الشيطان، وبطلت الأوثان، وولد الأمين. قال النجاشي: إني أخبركما عما أصابني: إني لنائم في الليلة التي ذكرتما في قبتي وقت خلوتي، إذ خرج عليّ من الأرض عنق ورأس وهو يقول: حل الويل بأصحاب الفيل، رمتهم طير أبابيل، بحجارة من سجيل، هلك الأشرم، المعتدي المجرم، وولد النبي الأمي، الحرمي المكيّ، من أجابه سعد، ومن أتاه عند. وقال عبد اللَّه البلوي: حدثنا عمارة، حدثنا عبيد اللَّه بن العلاء، حدثنا محمد ابن عكير [ (1) ] عن سعيد بن جبير، أن رجلا من بني تميم يقال له: رافع بن عمير، كان أهدى [ (2) ] الناس بطريق، وأسراهم بليل، وأهجمهم على هول، فكانت العرب تسميه: دعموص [ (3) ] الرمل لهدايته وجرأته، فذكر عن بدء إسلامه قال: إني لأسير برمل عالج [ (4) ] ذات ليلة، إذ غلبني النوم، فنزلت عن راحلتي وأنختها وتوسدت ذراعها وقلت: أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن، من أن أوذي أو أهاج. فرأيت في النوم رجلا شابا يرصد ناقتي بحربة، يريد أن يضعها في نحرها، فانتبهت فزعا، فرأيت ناقتي تضطرب، وإذا برجل كالذي رأيت في منامي بيده حربة، وشيخ ممسك بيده بردة وهو يقول: يا مالك بن مهلهل بن أثار ... مهلا فدا لك مئزري وإزاري عن ناقة الإنس لا تعرض لها ... واختر بها ما شئت من أثواري   [ (1) ] لم أجده فيمن روى عن سعيد بن جبير في (تهذيب التهذيب) . [ (2) ] في (خ) : «أهدا» . [ (3) ] الدعموص: دويبة صغيرة تكون في مستنقع الماء، وقيل: هي دويبة تغوص في الماء، والجمع الدعاميص والدعامص. والدعموص أيضا: الدّخال في الأمور، الزوّار للملوك. ودعيميص الرمل: اسم رجل كان داهيا يضرب به المثل، يقال: هو دعيميص هذا الأمر، أي عالم به. (اللسان) : 7/ 36. [ (4) ] هو رملة بالبادية مسماة بهذا الاسم، قال أبو عبد اللَّه السكونيّ: عالج رمال بين فيد والقربات، ينزلها بنو بحتر من طيِّئ، وهي متصلة بالثعلبية عن طريق مكة، لا ماء بها، ولا يقدر أحد عليه فيه، وهو مسيرة أربع ليال، وفيه برك إذا سالت الأودية امتلأت، وعالج لها ذكر في شعر حسان بن ثابت بعد أحد، في غزوة بدر الآخرة يؤنب قريشا. (معجم البلدان) : 4/ 78، (سيرة ابن هشام) : 4/ 167. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 ولقد بدا لي منك ما لم أجب ... إلا دعيت قرابتي وذماري تسمو إليه بحربة مسمومة ... تبا لفعلك يا أبا العفاري لولا الحياء وأن أهلك جيرة ... لعلمت ما كشفت من أخباري قال رافع: فأجابه الشاب: أأردت أن تعلو وتخفض ذكرنا ... في غير مرزية أبا العيزار ما كان فيكم سيد فيما مضى ... إن الخيار همو بنو الأخيار فاقصد لقصدك ما معيكم إنما ... كان المجير مهلهل بن أثار قال: فبينما هما يتنازعان إذ طلعت ثلاثة أثوار من الوحش، فقال الشيخ للفتى: قم يا ابن أخت فخذ أيها شئت فداء لناقة جاري الإنسي، فأخذ منها ثورا ثم انصرف، فالتفت إلى الشيخ فقال: يا هذا! إذا نزلت واديا من الأودية فخفت هوله فقل: أعوذ برب محمد من هول هذا الوادي، ولا تعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها. قال: فقلت: ومن محمد؟ قال: نبي عربي لا شرقي ولا غربي، قلت: فأين مسكنه؟ قال: يثرب. قال: فركبت راحلتي حتى دخلت المدينة، فنزلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فحدثني بحديثي قبل أن أذكر له منه شيئا، ودعاني إلى الإسلام فأسلمت. قال سعيد بن جبير فكنا نرى أنه هو الّذي أنزل اللَّه فيه: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً [ (1) ] .   [ (1) ] الجن: 6، قوله تعالى: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ، روى الجمهور أن الرجل كان إذا أراد المبيت أو الحلول في واد، نادى بأعلى صوته: يا عزيز هذا الوادي، إني أعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك، فيعتقد بذلك أن الجني الّذي بالوادي يمنعه ويحميه. فروي أن الجن كانت تقول عند ذلك: لا نملك لكم ولا لأنفسنا من اللَّه شيئا. قال مقاتل: أول من تعوذ بالجن قوم من اليمن، ثم بنو حنيفة، ثم فشا ذلك في العرب. وقال قتادة: فَزادُوهُمْ، أي الجن زادت الإنس مخافة أن يتخيلون لهم بمنتهى طاقتهم ويعوذونهم لما رأوا من خفة أحلامهم، فازدروهم واحتقروهم. وقال ابن جبير: رهقا: كفرا. (البحر المحيط) : 10/ 295- 296 باختصار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 وذكر ابن سعد في طبقاته عن الواقدي: حدثنا علي بن عيسى الحكمي عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال: سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول: إنا ننتظر [ (1) ] نبيا من ولد إسماعيل، ثم من بني عبد المطلب، ولا أراني أدركه وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السلام، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك، فقلت: هلم، قال: هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليست تفارق عينه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذه البلدة [ (2) ] مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها [ (3) ] ، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب، فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه، فإنّي طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكل من أسلم [ (4) ] من اليهود والنصارى والمجوس يقولون: هذا الدين وراءك، وينعتونه بمثل نعتي [ (5) ] لك ويقولون: لم يبق نبي غيره. قال عامر بن ربيعة: فلما أسلمت أخبرت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بقول [ (6) ] زيد وأقرأته منه السلام، فردّ عليه السلام ورحّم عليه وقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا [ (7) ] . وقال أبو عمر بن عبد البر: روينا من حديث واثلة بن الأسقع قال: كان إسلام الحجاج بن علاط [السلمي ثم] [ (8) ] البهزي أنه خرج في ركب من قومه إلى مكة، فلما جنّ عليه الليل وهو في واد مخوف [ (9) ] قعد فقال له أصحابه: يا أبا كلاب! قم فخذ لنفسك ولأصحابك أمانا، فقام الحجاج بن علاط يطوف حولهم يكلؤهم ويقول:   [ (1) ] في (الطبقات) : «أنا أنتظر» . [ (2) ] في (ابن سعد) : «وهذا البلد» . [ (3) ] في (ابن سعد) : «منه» . [ (4) ] في (ابن سعد) : «أسأل» . [ (5) ] في (ابن سعد) : «ما نعته» . [ (6) ] في (ابن سعد) : «قول» . [ (7) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 161- 162. [ (8) ] زيادة في النسب من (الاستيعاب) . [ (9) ] في المرجع السابق: «وحش مخوف» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 أعيذ نفسي وأعيذ صحبي ... من كل جني بهذا النقب حتى أؤوب سالما وركبي فسمع قائلا يقول: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ [ (1) ] ، فلما قدموا مكة خبّر [ (2) ] بذلك في نادي قريش فقالوا له: صبأت [ (3) ] يا أبا كلاب، إن هذا [ (4) ] مما يزعم محمد أنه أنزل عليه، قال: واللَّه لقد سمعته وسمعه هؤلاء معي، ثم أسلم الحجاج فحسن إسلامه [ (5) ] .. الحديث [ (6) ] .   [ (1) ] الرحمن: 33. [ (2) ] في المرجع السابق: «أخبر» . [ (3) ] في المرجع السابق: «صبأت واللَّه يا أبا كلاب» . [ (4) ] في المرجع السابق: «فيما» . [ (5) ] (الاستيعاب) : 1/ 325- 326، ترجمة الحجاج بن علاط السلمي رقم (482) . [ (6) ] قال أبو عمر بن عبد البر: وحديثه بذلك صحيح من رواية ثابت البناني وغيره عن أنس. (المرجع السابق) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 فصل في ذكر ما كان من أعلام نبوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منذ حملت به أمه آمنة بنت وهب [ (1) ] إلى أن بعثه اللَّه برسالته اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أمارات النبوة آيات وأعلام يهتدى بها إلى ثبوت نبوته وصدق رسالته، قدمها اللَّه تعالى قبل بعثته برسالته ليكون دليلا واضحا وبرهانا صحيحا لائحا على نبوته وتحقيق رسالته. فمن ذلك: إخبار الحبر لعبد المطلب بأن في إحدى يديه ملكا وفي الأخرى نبوة، وأن ذلك في بني زهرة، وأن عبد اللَّه بن عبد المطلب كان يرى بين عينيه نور النبوة، وأن أمة آمنة بنت وهب لما حملت به بشّرت بأنه خير البرية، ولما ضربها المخاض دنت منه نجوم السماء، وخرج منها لما وضعته نور أضاء له البيت، وانتشر حتى أضاءت له قصور الشام وغيرها، وطرحوا عليه بعد ولادته برمة فانفلقت، وولد مختونا مسرورا، وفتحت لولادته أبواب السماء، واستبشرت الملائكة، وتطاولت الجبال وارتفعت البحار، وقلّ الشيطان ومردته، وألبست الشمس نورا عظيما، ونكست الأصنام وحجبت الكهان، وارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، وغاضت بحيرة ساوي، ورأى المؤبذان   [ (1) ] هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. ولا نعلم أنه كان لآمنة أخ فيكون خالا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، ولكن بنو زهرة يقولون: نحن أخوال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن آمنة منهم، كانت أفضل امرأة في قريش نسبا وموطنا، ويؤخذ من اللهجة التي كانت تتكلم بها السيدة آمنة أن أصلها من المدينة. وكانت السيدة آمنة وفية لزوجها عبد اللَّه والد الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم بعد وفاته، فكانت تخرج في كل عام إلى المدينة تزور قبره، فلما أتى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ست سنين خرجت زائرة لقبره ومعها عبد المطلب وأم أيمن حاضنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما صارت بالأبواء منصرفة إلى مكة ماتت بها. (معجم البلدان) : 1/ 101، موضع رقم (152) ، (الأبواء) وهي موضع بين مكة والمدينة، وهو إلى المدينة أقرب، (المعارف) : 1/ 129، (أعلام النساء) : 1/ 18. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 أن إبلا تقود خيلا وانتشرت في بلاد فارس. وردّ اللَّه ببركته أصحاب الفيل عن مكة، ومنعهم من تخريب البيت الحرام الّذي جعل اللَّه حجّه أحد أركان الإسلام، تحقيقا لشريعته، وتأييدا لدعوته، وما ظهر لظئره حليمة من البركة حين أرضعته من إقبال لبنها، وكثرته بعد قلته، وحلبها اللبن من شاتها التي لم يكن بها قطرة لبن، وسبق أتانها حمر رفاقها بعد تخلفها عنهم لضعفها، وسمن أغنامها دون أغنام قومها، وشق صدره المقدس عندها، ومعرفة اليهود له وهو طفل مع أمه بالمدينة، وتوسم جده عبد المطلب فيه السيادة، وقول بني مدلج: إن قدمه أشبه بقدم إبراهيم الخليل، ومعرفة أسقف نجران وهو غلام، وإخبار اليهودي أنه يخرج من صلب عبد المطلب نبي يقتل يهود، وما كان عمه أبو طالب يرى من البركة منذ كفله، وتظليل الغمام له، واعتراف بحيرا الراهب بنبوته، وإخبار نسطور بذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 وأما إخبار الحبر لعبد المطلب بأن في إحدى يديه ملكا وفي الأخرى نبوة، وأن ذلك في بني زهرة فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث أبي عون [ (1) ] مولى المسور بن مخرمة، عن المسور عن عبد اللَّه بن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه تعالى عنهما قال: قال عبد المطلب: قدمت اليمن في رحلة الشتاء فنزلت على حبر من أحبار اليهود، فقال لي رجل من أهل الزبور- يعني من أهل الكتاب-: ممن الرجل؟ قلت: من قريش، قال: من أيهم؟ قلت: [من بني هاشم] [ (2) ] ، قال: يا عبد المطلب! تأذن [ (3) ] لي أن انظر إلى بعضك؟ قلت: نعم، ما لم يكن عورة، قال: ففتح أحد منخريّ ثم فتح الآخر فقال: أشهد أن في إحدى يديك ملكا وفي الأخرى نبوّة، وإنا نجد ذلك في بني زهرة، فكيف ذلك؟ فقلت [ (4) ] لا أدري، قال: هل لك من شاعة؟ قلت: وما الشاعة؟ قال: الزوجة، قلت: أما اليوم فلا، قال: فإذا رجعت فتزوج منهم [ (5) ] ، فرجع عبد المطلب إلى مكة فتزوج بهالة [ (6) ] بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة، فولدت له حمزة وصفية، وتزوج   [ (1) ] سند هذا الحديث في (دلائل أبي نعيم) : حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن عمر الخلال المكيّ قال: حدثنا محمد بن منصور الجواز قال: حدثنا يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك ابن حميد بن عبد الرحمن الزهري قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز قال: حدثنا عبد اللَّه ابن جعفر المخرميّ، عن أبي عون مولى المسور بن مخرمة، عن المسور عن ابن عباس عن أبيه العباس ابن عبد المطلب قال: ... [ (2) ] في (خ) : «من أيهم شئت» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] في المرجع السابق: «أتأذن» . [ (4) ] في المرجع السابق: «قلت» . [ (5) ] في المرجع السابق: «فيهم» . [ (6) ] في المرجع السابق: «هالة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 عبد اللَّه بن عبد المطلب آمنة بنت وهب فولدت له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ووهب ووهيب أخوان، فقالت قريش حين تزوج عبد اللَّه: فلج عبد اللَّه على أبيه [ (1) ] . ورواه الزهري وعبد الرحمن بن حميد عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه، أن عبد المطلب ... فذكر نحوه.   [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 129- 130، حديث رقم (71) ، والسيوطي في (الخصائص) : 1/ 99، وابن سعد في (الطبقات الكبرى) : 1/ 86 لكن بسياقه أخرى ضمن قصة طويلة، والحاكم في (المستدرك) : 2/ 656، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، باب ذكر أخبار سيد المرسلين وخاتم النبيين، محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب، المصطفى صلوات اللَّه عليه وعلى آله الطاهرين من وقت ولادته إلى وقت وفاته ما يصح منها على ما رسمنا في الكتاب لا على ما جرينا عليه من أخبار الأنبياء قبله إذ لم نجد السبيل إليها إلا على الشرط في أول الكتاب، حديث رقم (4176/ 186) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : يعقوب وشيخه ضعيفان، (ميزان الاعتدال) : 2/ 632، ترجمة رقم (5119) عبد العزيز بن عمران الزهري المدني، وهو عبد العزيز بن أبي ثابت، قال البخاري: لا يكتب حديثه، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: فابن أبي ثابت عبد العزيز بن عمران ما حاله؟ قال ليس بثقة، إنما كان صاحب شعر، وهو من ولد عبد الرحمن بن عوف. وابن كثير في (البداية والنهاية) : 2/ 309، فصل تزويج عبد المطلب ابنه عبد اللَّه من آمنة بنت وهب الزهرية، والبيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 106- 107. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 وأما رؤية النور بين عيني عبد اللَّه بن عبد المطلب فخرج أبو نعيم من حديث ابن شهاب [ (1) ] عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة، وعامر بن سعد عن أبيه سعد، قال: أقبل عبد اللَّه بن عبد المطلب أبو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان في بناء له وعليه أثر الطين والغبار، فمرّ بامرأة من خثعم، وقال [ (2) ] عامر بن سعد [ (3) ] عن أبيه في حديثه فمرّ بليلى العدويّة، فلما رأته ورأت ما بين عينيه دعته إلى نفسها وقالت له: إن وقعت بي فلك مائة من الإبل، فقال لها [عبد اللَّه بن عبد المطلب] [ (4) ] : حتى أغسل عني هذا الطين الّذي عليّ وأرجع إليك، فدخل على آمنة بنت وهب فواقعها فحملت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الطيب المبارك، ثم رجع إلى الخثعمية، وقال عامر في حديثه إلى ليلى العدويّة فقال لها: هل لك فيما قلت؟ فقالت: لا [يا عبد اللَّه] [ (5) ] ، قال: ولم؟ قالت: لأنك مررت بي وبين عينيك نور، ثم رجعت إليّ وقد انتزعته آمنة بنت [ (6) ] وهب منك. فولدت [ (7) ] آمنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وله من حديث النضر بن سلمة [ (8) ] قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز الزهري عن أبيه محمد عن أبيه عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت سعد ابن أبي وقاص رضي اللَّه تعالى عنه يقول: نحن أعظم خلق اللَّه بركة، وأكثر خلق   [ (1) ] السّند في (دلائل أبي نعيم) : حدثنا عمر بن محمد بن جعفر قال: حدثنا إبراهيم بن السندي، حدثنا النضر بن مسلمة قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز عن أبيه قال: حدثني ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة وعامر بن سعد عن أبيه سعد قال ... [ (2) ] في المرجع السابق: «فقال» . [ (3) ] في (خ) : «سعيد» . [ (4) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (5) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (6) ] في (دلائل أبي نعيم) : «ابنة» . [ (7) ] في (دلائل أبي نعيم) : «فحملت آمنة برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (8) ] السند في (دلائل أبي نعيم) : حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن عمر الخلال المكيّ قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران قال: حدثني محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه عن جده قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: ... الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 اللَّه ولدا، خرج عبد اللَّه بن عبد المطلب ذات يوم متخصّرا [ (1) ] مترجلا حتى جلس في البطحاء، فنظرت إليه ليلى العدوية، فدعته إلى نفسها، فقال عبد اللَّه [بن عبد المطلب] [ (2) ] : أرجع إليك، ودخل [عبد اللَّه] [ (2) ] على آمنة [بنت وهب] [ (2) ] فقال لها اخرجي فواقعها وخرج، فلما رأته ليلى قالت: ما فعلت؟ فقال [عبد اللَّه] [ (2) ] : قد رجعت إليك، قالت [ليلى] [ (2) ] : لقد دخلت بنور ما خرجت به، ولئن كنت ألممت بآمنة بنت وهب لتلدن ملكا [ (3) ] . وله من حديث ابن جريج عن عطاء [ (4) ] عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: لما خرج عبد المطلب بابنه ليزوجه مرّ به على كاهنة من أهل تبالة [ (5) ] متهوّدة [ (6) ] قد قرأت الكتب، يقال لها: فاطمة بنت مرّ الخثعمية، فرأت نور النبوة في وجه عبد اللَّه، فقالت له: يا فتى! هل لك أن تقع عليّ الآن وأعطيك مائة من الإبل فقال [عبد اللَّه] [ (7) ] : أما الحرام فالممات دونه ... والحلّ لا حلّ فأستبينه فكيف بالأمر الّذي تبغينه؟ ثم مضى مع أبيه فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فأقام عندها ثلاثا، ثم إن نفسه دعته إلى ما دعته [ (8) ] إليه الخثعمية فأتاها فقالت: يا فتى! ما صنعت بعدي؟ قال: زوجني أبي آمنة بنت وهب وأقمت عندها ثلاثا، قالت:   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «متحضّرا» ، والحديث أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) 1/ 130، حديث رقم (72) ، والسيوطي في (الخصائص) : 1/ 100، عن أبي نعيم، وأخرج القصة ابن هشام في (السيرة) : 1/ 291- 292. [ (2) ] زيادات للسياق والنسب من (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 131، حديث رقم (73) وفيه عبد العزيز بن عمران، وهو متروك. [ (4) ] السند في (دلائل النبوة لأبي نعيم) : حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا علي بن حرب، قال: حدثنا محمد بن عمارة القرشيّ، قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس قال: ... [ (5) ] تبالة: بلد باليمن. [ (6) ] في (خ) : «مشهورة» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) . [ (7) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (8) ] في (خ) : «دعت» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 إي واللَّه ما أنا بصاحبة ريبة، ولكن رأيت في وجهك نورا وأردت أن يكون فيّ، وأبى اللَّه إلا أن يصيره حيث أحبّ، [ثم قالت فاطمة الخثعمية] [ (1) ] : وله من حديث داود بن أبي هند [ (2) ] عن عكرمة قال: كانت امرأة من خثعم تعرض نفسها في [موسم الحج] [ (3) ] ، وكانت ذات جمال، ومعها أدم تطوف به كأنها تبيعه، فأتت على عبد اللَّه بن عبد المطلب، فلما رأته أعجبها [ (4) ] فقالت: إني واللَّه ما أطوف لبيع [ (5) ] الأدم، وما بي إلى ثمنه من حاجه، ولكني إنما أتوسم الرجال [ (6) ] ، انظر هل أجد كفؤا، فإن كانت لك إليّ حاجة فقم، فقال لها: مكانك [حتى] [ (7) ] أرجع إليك، فانطلق إلى أهله [ (8) ] ، فبدا له [ (9) ] فواقع أهله، فحملت بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رجع إليها قال: ألا أراك هاهنا؟ قالت: ومن أنت [ (10) ] ؟ قال: أنا الّذي وعدتك، قالت لا: ما أنت هو، ولئن كنت ذاك [ (11) ]   [ (1) ] في (خ) : «وقالت شعرا فذكره» ، قالت: إني رأيت مخيلة لمعت ... فتلألأت بحناتم القطر فلمائها نور يضيء له ... ما حوله كإضاءة البدر ورجوته فخرا أبوء به ... ما كل قادح زنده يورى للَّه ما زهرية سلبت ... ثوبيك ما استلبت وما تدري والحديث أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 131- 133، حديث رقم (74) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 96- 97، وفيه صدر البيت الثالث هكذا: فلمأتها نورا يضيء به وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) ، و (طبقات ابن سعد) . [ (2) ] السند في (دلائل البيهقي) ، هكذا: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: حدثنا عبد الباقي بن قانع، قال: حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم العسكري، قال: حدثنا مسدّد، قال: حدثنا مسلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ... [ (3) ] في (خ) : «موسم من المواسم» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «فأظن أنه أعجبها» . [ (5) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «ما أطوف بهذا الأدم وما لي إلى ثمنها حاجة» . [ (6) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «وإنما أتوسم الرجل هل أجد كفؤا» . [ (7) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (8) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «إلى رحلة» . [ (9) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «فبدأ فواقع أهله» . [ (10) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «فمن كنت؟» . [ (11) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «قال: الّذي واعدتك» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 لقد رأيت بين عينيك نورا ما أراه الآن [ (1) ] . وله من حديث ابن وهب [ (2) ] قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري قال: كان عبد اللَّه بن عبد المطلب أحسن رجل رئي قط، فخرج [ (3) ] يوما على نساء قريش وهن مجتمعات، فقالت امرأة منهن: أيتكن تتزوج بهذا الفتى فتصطبّ النور الّذي أرى [ (4) ] بين عينيه؟ فإنّي أرى بين عينيه نورا، فتزوجته آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة [ (5) ] ، فحملت بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم [ (6) ] . وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق [ (7) ] : ثم انصرف عبد المطلب آخذا بيد عبد اللَّه، فمرّ به- فيما يزعمون- على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي وهي عند الكعبة، فقالت له حين نظرت إلى وجهه: أين تذهب يا عبد اللَّه؟ فقال: مع أبي، قالت: لك عندي من الإبل مثل الّذي نحرت عنك وقع عليّ الآن، فقال لها: إن معي أبي [الآن] [ (8) ] ، لا أستطيع خلافه ولا فراقه، ولا أريد أن أعصيه شيئا.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 1/ 107- 108. [ (2) ] السند في (دلائل أبي نعيم) هكذا: حدثنا محمد بن أحمد بن سليمان، قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن وهب عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب الزهري، قال: ... [ (3) ] كذا في (خ) وفي (أبي نعيم) : «خرج» . [ (4) ] في (أبي نعيم) : «النور الّذي بين عينيه» . [ (5) ] كذا في (خ) ، وفي (أبي نعيم) : «بن زهرة فجأة فحملت» . [ (6) ] (دلائل النبوة لأبي نعيم) : 1/ 133، حديث رقم (75) ، وهو حديث مرسل، أخرجه أيضا السيوطي في (الخصائص) : 1/ 104 قال الشيخ أبو نعيم رحمه اللَّه: ففي ابتغاء اليهود واليهودية وضع هذا النور الّذي انتقل إلى آمنة بنت وهب فيها، وذكرهم بني زهرة، وأن هذا الأمر لا يكون فيهم، دلالة واضحة على تقديم الخبر والبشارة بذلك في الكتب السالفة، وما يكون من أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وبعثته، كل ذلك آيات واضحة، وبراهين صحيحة لائحة، على نبوته وبعثته صلّى اللَّه عليه وسلم. (المرجع السابق) : 1/ 133. [ (7) ] السند في (دلائل البيهقي) هكذا: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: ... ، وفي (سيرة ابن هشام) بغير سند، وفي (تاريخ الطبري) بغير سند، بل قال: «فمر به فيما يزعمون على امرأة من بني أسد» وكذلك قال (البيهقي والمقريزي) . [ (8) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة- ووهب يومئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا- فزوجه آمنة بنت وهب، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا [ (1) ] . قال: وذكروا أنه دخل عليها حين أملكها [ (2) ] مكانه، فوقع عليها فحملت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال: ثم خرج من عندها حتى أتى المرأة التي قالت له ما قالت- وهي أخت ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى- وهي في مجلسها، فجلس إليها وقال: مالك لا تعرضين عليّ اليوم مثل الّذي عرضت أمس؟. قالت [ (3) ] : فارقك [ (4) ] النور الّذي كان فيك، فليس لي بك اليوم حاجة، وكانت فيما زعموا تسمع من أخيها ورقة ابن نوفل- وكان قد تنصّر واتّبع الكتب- يقول: إنه لكائن في هذه الأمة نبي من بني إسماعيل [ (5) ] ، فقالت في ذلك شعرا فذكره [ (6) ] ، واسمها أم قتّال بنت نوفل بن أسد.   [ (1) ] [وهي لبرّة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصيّ. وأم برة: أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصيّ. وأم حبيب بنت أسد: لبرّة بنت عوف بن عبيد بن عدي بن عدي بن كعب ابن لؤيّ بن غالب بن فهر] ما بين الحاصرتين زيادة من (دلائل البيهقي) ، و (ابن هشام) ، و (تاريخ الطبري) . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (الطبري) ، و (ابن هشام) ، وفي (البيهقي) : «ملكها» . [ (3) ] كذا في (خ) ، و (ابن هشام) ، وفي (الطبري) ، و (البيهقي) : «فقالت» . [ (4) ] في (البيهقي) : «قد فارقك» . [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 1/ 102- 104، باب تزوج عبد اللَّه بن عبد المطلب: أبي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بآمنة بنت وهب، وحملها برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ووضعها إياه، (سيرة ابن هشام) . 1/ 292 باب ذكر المرأة المتعرضة لنكاح عبد اللَّه بن عبد المطلب، (تاريخ الطبري) : 2/ 243- 244. [ (6) ] هذا الشعر ذكره البيهقي في (الدلائل) ، حيث قالت أم قتّال بنت نوفل بن أسد: الآن وقد ضيّعت ما كنت قادرا ... عليه وفارقك الّذي كان جاءك غدوت عليّ حافلا قد بذلته ... هناك لغيري فالحقنّ بشانكا ولا تحسبنّي اليوم خلوا وليتني ... أصبت جنينا منك يا عبد داركا ولكن ذاكم صار في آل زهرة ... به يدعم اللَّه البرية ناسكا وقالت أيضا: عليك بآل زهرة حيث كانوا ... وآمنة التي حملت غلاما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42   [ () ] ترى المهديّ حين ترى عليه ... ونورا قد تقدّمه إماما وقالت أيضا: فكل الخلق يرجوه جميعا ... يسود الناس مهتديا إماما برأه اللَّه من نور صفاء ... فأذهب نوره عنا الظلاما وذلك صنع ربك إذ حباه ... إذا ما سار يوما أو أقاما فيهدي أهل مكة بعد كفر ... ويفرض بعد ذلكم الصّياما قال البيهقي: قلت: وهذا الشيء قد سمعته من أخيها في صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ويحتمل أن كانت أيضا امرأة عبد اللَّه مع آمنة. قال الدكتور عبد المعطي قلعجي محقق (دلائل البيهقي) تعليقا على هذا الخبر: خبر غريب موضوع، لا سند له، ولا منطق يؤيده، ويناقض الأحاديث الصحيحة، تناقلته كتب السيرة بما دسّه عليها أعداء الإسلام، من يهود، وسبيئة، وشانئين، ومنافقين. 1- فرغم ما عرف عن تمسك المؤرخين بالسند، وأن كل الأخبار الصحيحة وردت بالسند القوي المتواتر، فهذا الخبر ليس له سند، فلا هو بمتصل، ولا بمرفوع، لا، بل نقله (الطبري) : 2/ 243، [ابن هشام: 1/ 291] ، [البيهقي: 1/ 102] ، [المقريزي في النسخة (خ) من إمتاع الأسماع] ، [بقولهم جميعا] : «فيما يزعمون» . 2- إن متنه وما تضمنه من حكاية المرأة التي عرضت الزنا على عبد اللَّه وهو حديث عهد بزواج، تناقض الأحاديث الصحيحة، من طهارة وشرف نسب الأنبياء، وأن هذه الطهارة، وهذا الشرف من دلائل نبوتهم، قال صلّى اللَّه عليه وسلم: «إن اللَّه اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» . وهذا الحديث في الترمذي ومسند أحمد، وأن اللَّه طهره من عهر الجاهلية وأرجاسها، ووالده عبد اللَّه كان صورة طبق الأصل من عبد المطلب، ولو أمهله الزمن لتولى مناصب الشرف التي كانت بيد عبد المطلب، وكان شعاره الّذي التزمه طيلة حياته: أما الحرام فالممات دونه رجل هذا شأنه، هل نطمئن إلى هذه الروايات المزعومة، وأنه بعد أن دخل بزوجته آمنة، عاد فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت فقال لها: «مالك لا تعرضين عليّ اليوم ما كنت عرضت عليّ بالأمس؟» !!. 3- تخبطت الروايات في اسم المرأة، فهي مرة امرأة من خثعم، ومرة أم قتال أخت ورقة ابن نوفل، ومرة هي ليلى العدوية، ومرة كاهنة من أهل قبالة متهوّدة، ومرة أنه كان متزوجا بامرأة أخرى غير آمنة ... إلخ هذا التخبط الدال على الكذب، ولماذا اختار الرواة أخت ورقة ابن نوفل، أو امرأة كانت قد قرأت الكتب؟!. 4- إننا إذا نظرنا إلى الشعر الوارد في هذا الخبر على لسان المرأة، لوجدناه شعرا ركيكا، مزيفا، مصنوعا، ملفقا، مضطرب القافية، محشورة الكلمات فيه بشكل مصطنع واضح الدلالة على تلفيقه، وبهذا كله يسقط هذا الخبر الواهي، ويدل على هذا قول ابن إسحاق، والطبري، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 قال ابن إسحاق [ (1) ] : حدثني والدي إسحاق بن يسار قال: حدثت أنه كان لعبد اللَّه بن عبد المطلب امرأة مع آمنة بنت وهب [بن عبد مناف] [ (2) ] ، فمر بامرأته [تلك] [ (3) ] وقد أصابه أثر من طين عمل به، فدعاها إلى نفسه فأبطأت عليه لما رأت من أثر الطين. فدخل فغسل عنه أثر الطين، ثم دخل عامدا إلى آمنة، ثم دعته صاحبته التي كانت أرادته إلى نفسها، فأبى [ (4) ] للذي صنعت به أول مرة، فدخل على آمنة فأصابها ثم خرج، فدعاها إلى نفسه فقالت: لا حاجة لي بك، مررت بي وبين عينيك غرّة فرجوت أن أصيبها، فدخلت على آمنة فذهبت بها منك. قال ابن إسحاق: فحدثت أن امرأته تلك كانت تقول: لمرّ بي وإن بين عينيه لنورا مثل الغرّة، ودعوته له رجاء أن يكون لي، فدخل على آمنة فأصابها فحملت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (5) ] .   [ () ] [والبيهقي] ، و [المقريزي] ، وغيرهم ممن نقلوا الخبر- فيما يزعمون- وهم زعم باطل. (دلائل البيهقي) 1/ 104- 105 «هامش» . [ (1) ] السند في (دلائل البيهقي) : وأخبرنا أبو عبيد اللَّه الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس: أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني والدي: إسحاق بن يسار، قال: ... [ (2) ] زيادة للنسب من (البيهقي) . [ (3) ] زيادة للسياق من (البيهقي) . [ (4) ] في (خ) : «فأبا» والتصويب من (البيهقي) . [ (5) ] (دلائل النبوة للبيهقي) : 1/ 105- 106، (سيرة ابن هشام) : 1/ 292، قصة حمل آمنة برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، (تاريخ الطبري) : 2/ 244. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 وأما إخبار آمنة بأنها قد حملت بخير البرية وسيّد الأمة فخرج أبو نعيم من حديث النضر بن سلمة، حدثنا أبو غزيّة محمد بن موسى [الأنصاري] [ (1) ] عن أبي عثمان سعيد بن زيد [الأنصاري] [ (1) ] عن ابن بريدة عن أبيه بريدة قال: رأت آمنة بنت وهب أم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في منامها، فقيل لها: إنك قد حملت بخير البرية وسيد العالمين، فإذا ولدته فسميه أحمد ومحمدا، وعلقي عليه هذه، قال: فانتبهت وعند رأسها صحيفة من ذهب مكتوب فيها [ (2) ] : أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، من كل خلق زائد، من قائم أو قاعد، عن السبيل حائد [ (3) ] ، على الفساد جاهد، من نافث أو عاقد، وكل جن [ (4) ] مارد، يأخذ بالمراصد، في طرق الموارد، أنهاهم عنه باللَّه الأعلى، وأحوطه [منهم] [ (5) ] باليد العليا، والكف الّذي لا يرى [ (6) ] ، يد اللَّه فوق أيديهم، وحجاب اللَّه دون عاديهم، لا تطردوه ولا تضروه [ (7) ] ، في مقعد ولا منام، ولا مسير ولا مقام، أول الليالي وآخر الأيام [أربع مرات بهذا] [ (8) ] . [قال سعيد بن زيد الأنصاري: فلقيت بريدة بن سفيان الأسلمي، فذكرت له هذا الحديث الّذي حدثنا ابن بريدة عن أبيه، فقال بريدة بن سفيان: حدثنيه بريدة بهذا، وحدثني محمد بن كعب عن ابن عباس بهذا] [ (9) ] .   [ (1) ] زيادة للنسب من (أبي نعيم) . [ (2) ] في (خ) : «فيها هذه» . [ (3) ] في (خ) ، و (المواهب) : حائد، وفي (أبي نعيم) : «عاند» . [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (المواهب) ، و (أبي نعيم) : «خلق مارد» . [ (5) ] زيادة للسياق من (أبي نعيم) . [ (6) ] في (خ) : «الّذي يدني» ، وما أثبتناه من (أبي نعيم) . [ (7) ] كذا في (خ) ، وفي (أبي نعيم) : «لا يطردونه ولا يضرونه» . [ (8) ] زيادة للسياق من (أبي نعيم) . [ (9) ] ما بين الحاصرتين من (خ) ، وغير موجود في رواية أبي نعيم، وهذا الحديث ذكره أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 136، حديث رقم (78) وقد انفرد به أبو نعيم، وفيه أبو غزية محمد بن موسى الأنصاري، وهو ضعيف كما في (ميزان الاعتدال) : 4/ 49، ترجمة رقم (8222) ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: وكانت آمنة بنت وهب أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحدث أنها أتيت حين حملت بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، من كل بر عاهد، وكل عبد رائد، يذود عني ذائد، فإنه عند الحميد الماجد، حتى أراه قد أتى المشاهد. وقال: فإن آية ذلك أن يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام، فإذا وقع فسميه محمدا، فإن اسمه في التوراة والإنجيل أحمد، يحمده أهل السماء والأرض، واسمه في الفرقان محمد، فسمته بذلك. فلما وضعته بعثت إلى عبد المطلب جاريتها، وقد كان هلك أبوه عبد اللَّه وهي حبلى، ويقال: إن عبد اللَّه هلك والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم ابن ثمانية وعشرين شهرا [فاللَّه أعلم أي ذلك كان] [ (1) ] . فقالت: قد ولد لك الليلة غلام فانظر إليه، فلما جاءها خبرته خبره وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت أن تسميه. فأخذه عبد المطلب فأدخله على هبل في جوف الكعبة، فقام عبد المطلب يدعو اللَّه ويتشكّر للَّه [عزّ وجلّ] [ (2) ] الّذي أعطاه إياه، فقال: الحمد للَّه الّذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان [ (3) ] قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه باللَّه [ (4) ] ذي الأركان   [ () ] قال البخاري: عنده مناكر، وقال ابن حبان كان يسرق الحديث، ويروي عن الثقات الموضوعات، وقال أبو حاتم: ضعيف، ووثّقه الحاكم. مات سنة سبع ومائتين. ومن قوله: «أعيذه بالواحد ... إلى آخر الأبيات» كما في (المواهب) أو إلى قوله: «طرق الموارد» كما في (خ) ، قال عنه الحافظ عبد الرحيم العراقي: هكذا ذكر هذه الأبيات بعض أهل السير، وجعلها من حديث ابن عباس، ولا أصل لها، قال الشامي: وسنده واه جدا، وإنما ذكرته لأنبه عليه لشهرته في كتب المواليد. (المواهب اللدنية) 1/ 120- 121. [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] الأردان: جمع ردن، وهو أصل الكم، وذلك كناية عن العفة والطهارة. [ (4) ] في (البداية والنهاية) : «بالبيت ذي الأركان» ، وفي (خ) ، و (صفة الصفوة) ، و (ابن سعد) : «باللَّه ذي الأركان» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 حتى يكون بلغة الفتيان ... حتى أراه بالغ البنيان أعيذه من كل ذي شنئان [ (1) ] ... من حاسد من مضطرب العنان ذي همدة ليس له عينان ... حتى أراه رافع اللسان أنت الّذي سميت في الفرقان ... في كتب ثابتة المثاني أحمد مكتوب على اللسان [ (2) ] [ويقال: إنه أتاها في منامها حين مرّ بها من حملها ثلاثة أشهر] . وخرج أبو نعيم من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن سعيد بن عمرو الأنصاري عن أبيه عن كعب الأحبار في صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال ابن عباس: وكان من دلالات حمل محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن كل دابة كانت لقريش نطقت تلك الليلة وقالت: حمل برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ورب الكعبة، وهو أمان الدنيا وسراج أهلها. ولم يبق كاهنة في قريش ولا قبيلة من قبائل العرب إلا حجبت عن صاحبتها، وانتزع علم الكهانة منها، ولم يبق سرير ملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا، والملك مخرسا لا ينطق يومه ذلك، ومرت وحش المشرق إلى وحش المغرب بالبشارات، وكذلك أهل البحار يبشر بعضهم بعضا في كل شهر من شهوره نداء [ (3) ] في الأرض ونداء [ (3) ] في السماء أن أبشروا فقد آن لأبي القاسم أن يخرج إلى الأرض ميمونا مباركا. قال: وبقي في بطن أمة تسعة أشهر كملا لا تشكو وجعا ولا ريحا ولا مغصا ولا ما يعرض للنساء من أداء الحمل. وهلك أبوه عبد اللَّه وهو في بطن أمة فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا! بقي   [ (1) ] الشنآن: البغض. [ (2) ] وردت هذه الأبيات بسياقات مختلفة، في بعضها تقديم وتأخير، وزيادة ونقصان، وما أثبتناه ما رواه ابن كثير في (البداية والنهاية) ، فهو أتم الروايات وأصحها، والخبر ورد في: (دلائل البيهقي) : 1/ 111- 112 ، و (صفة الصفوة) : 1/ 25- 26، و (سيرة ابن هشام) : 1/ 296، و (طبقات ابن سعد) : 1/ 103، و (البداية والنهاية) : 2/ 224، راجع (امتاع الأسماع) : 1/ 8، بتحقيقنا. [ (3) ] في (خ) : «نداء» ، والتصويب من (المواهب اللدنية) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 نبيك هذا يتيما، فقال اللَّه للملائكة: أنا له وليّ وحافظ ونصير، وتباركوا بمولده، فمولده ميمون مبارك، وفتح اللَّه تعالى لمولده أبواب السماء وجنانه. فكانت آمنة تحدث عن نفسها وتقول: أتاني آت حين مرّ بي من حمله ستة أشهر، فوكزني برجله في المنام وقال لي: يا آمنة، إنك قد حملت بخير العالمين طرّا، فإذا ولدتيه فسميه محمدا، واكتمي شأنك. قال: فكانت تحدث عن نفاسها وتقول: لقد أخذني ما يأخذ النساء ولم يعلم بي أحد من القوم، ذكر ولا أنثى، وإني لوحيدة في المنزل- وعبد المطلب في طوافه- قالت: فسمعت رجّة شديدة وأمرا عظيما فهالني، وذلك يوم الاثنين فرأيت كأن جناح طير أبيض قد مسح على فؤادي، فذهب عني كل رعب وكل فزع ووجع كنت أجد. ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا- وكنت عطشى- فتناولتها فشربتها، فأضاء مني نور عال، ثم رأيت نسوة كالنخل طولا [ (1) ] ، كأنهن من بنات عبد مناف يحدقن بي، فبينا أنا أعجب وأقول: وا غوثاه، من أين علمن بي هؤلاء، واشتد الأمر وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول، فإذا أنا بديباج قد مدّ بين السماء والأرض وإذا قائل يقول: خذوه عن أعين الناس. قالت: ورأيت رجالا قد وقفوا في الهواء بأيديهم أباريق فضة، وأنا أرشح عرقا كالجمان، أطيب ريحا من المسك الأذفر وأقول: يا ليت عبد المطلب قد دخل عليّ وعبد المطلب نائي. قالت: فرأيت قطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتى غطت حجرتي، مناقيرها من الزمرد وأجنحتها من اليواقيت، فكشف اللَّه لي عن بصري، فأبصرت ساعتي تلك مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت ثلاثة أعلام مضروبات: علما في المشرق وعلما في المغرب وعلما على ظهر الكعبة، فأخذني المخاض واشتد بي الأمر جدا، فكنت كأني مستندة إلى أركان النساء، وكثرن عليّ حتى لا أرى   [ (1) ] في (خ) : «الطول» ، وما أثبتناه من (المواهب اللدنية) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 معي في البيت أحدا وأنا لا أرى شيئا، فولدت محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم. فلما خرج من بطني نظرت إليه فإذا أنا به ساجدا قد رفع إصبعيه كالمتضرع المبتهل، ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء تنزل حتى غشيته، فغيب عن وجهي، فسمعت مناديا ينادي ويقول: طوفوا بمحمد شرق الأرض وغربها، وأدخلوه البحار كلها ليعرفوه باسمه ونعته وصورته، ويعلمون أنه سمي الماحي لا يبقى شيء من الشرك إلا محي به في زمنه. ثم تجلت عنه في أسرع وقت، فإذا به مدرج في ثوب صوف أبيض، أشد بياضا من اللبن، وتحته حبرة خضراء، قد قبض محمد صلّى اللَّه عليه وسلم على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب الأبيض، وإذا قائل يقول: قبض محمد على مفاتيح النصر ومفاتيح الريح ومفاتيح النبوة. ثم أقبلت سحابة أخرى أعظم من الأولى ونور، يسمع منها صهيل الخيل وخفقان الأجنحة من كل مكان، وكلام الرجال، حتى غشيته فغيب عني أطول وأكثر من المرة الأولى، فسمعت مناديا ينادي [و] يقول: طوفوا بمحمد الشرق والغرب على مواليد النبيين، واعرضوه على كل روحاني من الجن والإنس والطير والسباع، وأعطوه صفاء آدم، ورقة نوح، وخلة إبراهيم، ولسان إسماعيل، وصبر يعقوب، وجمال يوسف، وصوت داود، [وصبر أيوب] ، وزهد يحى، وكرم عيسى، واعمروه في أخلاق الأنبياء. ثم تجلت عنه في أسرع من طرف العين، فإذا به قد قبض على حريرة خضراء، مطوية طيا شديدا، ينبع من تلك الحريرة ماء معين، وإذا قائل يقول: بخ بخ، قبض محمد على الدنيا كلها، لم يبق خلق من أهلها إلا دخل في قبضته طائعا بإذن اللَّه تعالى، ولا قوة إلا باللَّه. قالت آمنة: فبينا أنا أتعجب وإذا بثلاثة نفر- ظننت بأن الشمس تطلع من خلال وجوههم- في يد أحدهم إبريق من فضة، وفي ذلك الإبريق ريح المسك، وفي يد الثاني طست من زمرد أخضر، عليها أربعة نواحي كل ناحية من نواحيها لؤلؤة بيضاء، وإذا قائل يقول: هذه الدنيا شرقها وغربها وبرها وبحرها، فاقبض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 يا حبيب اللَّه على [أية] ناحية شئت. قالت: فدرت لأنظر أين قبض من الطست، فإذا هو قد قبض على وسطها، فسمعت القائل يقول: قبض على الكعبة ورب الكعبة، أما إن اللَّه قد جعلها له قبلة ومسكنا مباركا، ورأيت في يد الثالث حريرة بيضاء مطوية طيا شديدا فنشرها، فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين دونه، ثم حمل ابني فناوله صاحب الطست وأنا انظر إليه، فغسله بذلك الإبريق سبع مرات، ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ختما واحدا ولفه في الحريرة، واستدار عليه خطا من المسك الأذفر، ثم حمله فأدخله بين أجنحته ساعة. قال ابن عباس: كان ذلك رضوان خازن الجنان، وقال في أذنه كلاما كثيرا لم أفهمه، وقبل بين عينيه وقال: أبشر يا محمد، فما بقي لنبي علم إلا أعطيته، فأنت أكثرهم علما وأشجعهم قلبا، معك مفاتيح النصر، وقد ألبست الخوف والرعب، ولا يسمع أحد بذكرك إلا وجل في فؤاده، وخاف قلبه، وإن لم يرك يا حبيب اللَّه. قالت: ثم رأيت رجلا قد أقبل نحوه حتى وضع فاه على فيه، فجعل يزقه كما تزق الحمامة فرخها، فكنت انظر إلى ابني يشير بإصبعه يقول: زدني زدني، فزقه ساعة ثم قال: أبشر يا حبيبي، فما بقي لنبي حلم إلا وقد أوتيته. ثم احتمله فغيبه عني، فجزع فؤادي وذهل قلبي، فقلت: ويح لقريش والويح لها! ماتت كلها، أنا في ليلتي وفي ولادتي، أرى ما أرى، ويصنع بي ما يصنع ولا يقربني أحد من قومي، إن هذا لهو أعجب العجب. قالت: فبينا أنا كذلك إذ أنا به قد ردّ عليّ كالبدر، وريحه يسطح كالمسك وهو يقول: خذيه، فقد طافوا به الشرق والغرب على مواليد الأنبياء أجمعين، والساعة كان عند أبيه آدم فضمه إليه، وقبله بين عينيه، وقال: أبشر حبيبي، فأنت سيد الأولين والآخرين، ومضى، وجعل يلتفت ويقول: أبشر يا عزّ الدنيا وشرف الآخرة، فقد استمسكت بالعروة الوثقى، فمن قال بمقالتك وشهد بشهادتك حشر غدا يوم القيامة تحت لوائك وفي زمرتك، وناولنيه ومضى، ولم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 أره بعد تلك المرة. قال كاتبة: هكذا أورد الحافظ أبو نعيم هذا الحديث، وأن الوضع يلوح عليه [ (1) ] !   [ (1) ] وأورده القسطلاني في (المواهب) تحت عنوان: «حديث شديد الضعف في حمله صلّى اللَّه عليه وسلم» ، وتحت عنوان: «أحاديث مطعون فيها ومنكره في الموالد» . (المواهب اللدنية) : 1/ 121، 124- 126، وقال في آخره: ورواه أبو نعيم عن ابن عباس، وفيه نكارة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 وأما دنوّ النجوم منها عند ولادته وخروج النور منها فخرج الحافظ أبو نعيم [ (1) ] وأبو بكر البيهقي [ (2) ] من حديث يعقوب بن محمد الزهري قال: حدثني عبد العزيز بن عمران، قال: حدثني عبد العزيز بن عمر ابن عبد الرحمن بن عوف قال: أخبرني عبد اللَّه بن عثمان بن أبي سليمان عن ابن أبي سويد الثقفي عن عثمان بن أبي العاص قال: أخبرتني أمي أنها حضرت آمنة أم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما ضربها المخاض، [قالت] [ (3) ] : فجعلت انظر إلى النجوم [تدلى] [ (3) ] حتى قلت: لتقعن عليّ، فلما وضعت خرج منها نور أضاء له البيت والدار، حتى جعلت لا أرى إلا [نورا] [ (3) ] . قال كاتبه: سند هذا الحديث واه جدا، فيعقوب [ (4) ] وإن كان حافظا فقد   [ (1) ] سند (أبي نعيم) : حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عمر الخلّال المكيّ، قال: حدثنا محمد بن منصور قال: حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، قال: حدثني عبد العزيز بن عمران، قال: حدثني عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، قال: أخبرني عبد اللَّه بن عثمان بن أبي سليمان، عن أبي سويد الثقفي، عن عثمان بن أبي العاص، قال: ... [ (2) ] وسند (البيهقي) : أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الحافظ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو بشر مبشر بن الحسن، قال: حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران، قال: حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن ابن أبي سويد الثقفي، عن عثمان بن أبي العاص، قال: .... [ (3) ] زيادات للسياق من (أبي نعيم) ، وأما رواية (البيهقي) : حدثتني أمي: أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ليلة ولدته. قالت: فما شيء انظر إليه في البيت إلا نور، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول ليقعنّ عليّ. والحديث ذكره أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 135، حديث رقم (76) ، والبيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 111، رواه الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 8/ 220، وقال: رواه الطبراني، وفيه عبد العزيز بن عمران وهو متروك، والسيوطي في (الخصائص) : 1/ 113. [ (4) ] يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو يوسف المدني نزيل بغداد. قال عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه ليس بشيء، ليس يسوى شيئا. وقال أحمد بن سنان القطان عن ابن معين: ما حدثكم عن الثقات فاكتبوه، وما لا يعرف من الشيوخ فدعوه. وقال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 ضعّفه أحمد وأبو زرعة وابن معين وعبد العزيز بن عمران [ (1) ] ، قال ابن معين: وتكلم فيه البخاري والنسائي. ولأبي نعيم من حديث ابن لهيعة قال: حدثني عمارة بن غزية عن سعد بن عبيد بن إبراهيم مولى الزبير، أنه حدثه عن عطاء بن عياد عن آمنة بنت وهب- أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- قالت: لقد رأيت ليلة وضعته نورا أضاء له قصور الشام حتى رأيتها. ورواه عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ عن عمارة بن غزية عن سعيد بن عبيد عن عطاء بن يسار عن أم سلمة عن آمنة بمثله سواء، فجوده الدراوَرْديّ عن عمارة [ (2) ] . ومن حديث أبي غزية محمد بن موسى عن أبي عثمان سعيد بن زيد الأنصاري عن ابن بريدة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مسترضعا في بني سعد بن بكر فقالت أمه آمنة لمرضعته: انظري ابني هذا! فسلي عنه، فإنّي رأيت كأنه خرج من فرجي شهاب أضاءت له الأرض كلها حتى رأيت قصور الشام، فسلي عنه [ (3) ] .   [ () ] الآجري: عن أبي داود سمعت الدقيقي يقول: سألت ابن معين عنه فقال: إذا حدثكم عن الثقات. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. (تهذيب التهذيب) : 11/ 347- 348، ترجمة رقم (665) . [ (1) ] عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني الأعرج، المعروف بابن أبي ثابت. قال معاوية بن صالح، عن يحيى بن معين: كان صاحب نسب، ولم يكن من أصحاب الحديث. وقال عثمان الدارميّ عن يحيى: ليس بثقة، إنما كان صاحب شعر. وقال الحسين ابن حبان عن يحيى: قد رأيته ببغداد كان يشتم الناس ويطعن في أحسابهم، وليس حديثه بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث، لا يكتب حديثه. وقال النسائي: متروك الحديث، وقال مرة: لا يكتب حديثه، وقال ابن حبان: يروى المناكر عن المشاهير. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث جدا، قيل له: يكتب حديثه، قال: على الاعتبار وقال ابن أبي حاتم: امتنع أبو زرعة من قراءة حديثه وترك الرواية عنه. وقال الترمذي والدار الدّارقطنيّ: ضعيف. وقال عمر بن شبة في (أخبار المدينة) : كان كثير الغلط في حديثه، لأنه احترقت كتبه، فكان يحدث منه حفظه. (المرجع السابق) : 6/ 312- 313، ترجمة رقم (674) . [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 102، (دلائل أبي نعيم) : 1/ 137، حديث رقم (79) . [ (3) ] المرجع السابق ضمن الحديث السابق رقم (79) ، وهو حديث طويل وقال فيه: «كأنه خرج مني» ، وفي (خ) «خرج من فرجي» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 وله من حديث أبي اليمان الحكم بن نافع قال: حدثنا أبو بكر بن مريم عن سعيد بن سويد عن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إني عبد اللَّه في أم الكتاب وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك: دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، وكذلك أمهات النبيين يرين [ (1) ] . ورواه معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين، وأن أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [رأت] حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام [ (1) ] . ومن حديث الحرث بن أبي أسامة قال: حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا الفرج ابن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة رضي اللَّه تعالى عنه قال: قلت: يا نبي اللَّه! ما كان بدؤ أمرك؟ قال: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي أنه خرج عنها نور أضاءت منه قصور الشام [ (1) ] .   [ (1) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 127، (مسند أحمد) : 5/ 110- 111، من حديث العرباض بن سارية، حديث رقم (16700) ، حديث رقم (16701) ، (المستدرك) : 2/ 253، حديث رقم (2566/ 703) ، وقال في آخره: ثم تلا: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [الأحزاب: 45، 46] ، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : صحيح، (المرجع السابق) ، ص 656، حديث رقم (4174/ 184) ، وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : صحيح. (سيرة ابن هشام) : 1/ 293، (الإحسان) : 14/ 312- 313، كتاب التاريخ، باب صفته صلّى اللَّه عليه وسلم وأخباره، حديث رقم (6404) ، (دلائل البيهقي) : 1/ 80- 82، باب ذكر مولد المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم، والآيات التي ظهرت عند ولادته وقبلها وبعدها، (المرجع السابق) : 2/ 130، جماع أبواب المبعث، باب الوقت الّذي كتب فيه محمد نبيا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 وأما انفلاق البرمة عنه فخرج البيهقي من حديث أبي صالح عبد اللَّه بن صالح قال: حدثني معاوية ابن صالح عن أبي الحكم التنوخي قال: كان المولود إذا ولد من قريش دفعوه إلى نسوة من قريش إلى الصبح فيكفين عليه برمة، فلما ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دفعه عبد المطلب إلى نسوة يكفين عليه برمة، فلما أصبحن [أتين] [ (1) ] فوجدن [ (2) ] البرمة قد انفلقت فلقتين [ (3) ] ، ووجدنه [ (3) ] مفتوح العينين شاخصا ببصره إلى السماء، فأتاهن عبد المطلب فقلن له: ما رأينا مولودا مثله، وجدناه قد انفلقت عنه البرمة، ووجدناه مفتوحا عينيه [ (4) ] ، شاخصا ببصره إلى السماء فقال: احفظنه، فإنّي أرجو أن يصيب خيرا. فلما كان يوم السابع ذبح عنه، ودعا له قريشا، فلما أكلوا قالوا: يا عبد المطلب! أرأيت ابنك هذا الّذي أكرمتنا على وجهه، ما سمّيته؟ قال: سميته محمدا، قالوا: فلم رغبت به عن أسماء أهل بيته؟ قال: أردت أن يحمده اللَّه في السماء وخلقه في الأرض [ (5) ] . وخرج أبو نعيم من حديث إسحاق بن عبد اللَّه بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان عهد الجاهلية إذا ولد لهم المولود من تحت الليل رموه تحت الإناء فلا ينظرون إليه حتى يصبحوا، فلما ولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم طرحوه تحت البرمة، فلما أصبحوا اشتغلوا بأمه، فلما أتوا البرمة إذا هي قد انفلقت ثنتين، وعيناه إلى السماء، فعجبوا من ذلك، فأرسلوا إلى جده وهو حيّ فجاء فنظر   [ (1) ] زيادة للسياق من رواية (البيهقي) . [ (2) ] في (خ) : «وجدن» . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (البيهقي) : «باثنتين» ، «فوجدنه» . [ (4) ] في بعض النسخ: «مفتوح العينين» . [ (5) ] (دلائل النبوة للبيهقي) : 1/ 113، ونقله ابن كثير في (البداية والنهاية) ، عن (تهذيب تاريخ ابن عساكر) ، وابن الجوزي في (صفة الصفوة) : 1/ 25 والبرمة: قدر من الحجر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 فعجب منه وقال: ادفعوا ابني هذا فإنه منّا، ودفع إلى امرأة من بني بكر ترضعه، فلما أرضعته دخل عليها الخير من كل جانب، وكان لها شويهات [عجاف] فبارك اللَّه فيها فنمت وزادت زيادة حسنه. ومن حديث الصلت بن محمد أبي همام قال: حدثنا مسلمة بن علقمة، حدثنا داود بن أبي هند قال: توفى أبو النبي عليه السلام وأمه حبلى به، فلما وضعته نارت الظراب [ (1) ] لوضعه، واتقى الأرض بكفيه حين وقع، وأصبح يتأمل السماء بعينيه، وكفئوا [ (2) ] عليه برمة ضخمة فانفلقت عنه فلقتين [ (3) ] .   [ (1) ] الظراب: الروابي. [ (2) ] في (خ) : «وكفوا» . [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 138، حديث رقم (80) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 وأما ولادته مختونا مسرورا فخرج البيهقي من حديث الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه تعالى عنه قال: ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مختونا مسروا، [قال] [ (1) ] فأعجب جده عبد المطلب، وحظي عنده وقال: ليكونن لا بني هذا شأن، فكان له شأن [ (2) ] . ولأبي نعيم من حديث الحسن بن عرفة قال: حدثنا هشيم [ (3) ] بن بشير عن يونس [ (4) ] بن عبيد عن الحسن [عن أنس بن مالك] [ (5) ] عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي [ (6) ] . وله من حديث علي بن محمد المدائني قال: حدثنا سلمة [ (7) ] بن محارب [بن سلم] [ (8) ] بن زياد عن أبيه عن أبي بكرة، أن جبريل ختن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين طهّر قلبه [ (9) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من رواية (البيهقي) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 1/ 114، و (طبقات ابن سعد) : 1/ 103. [ (3) ] في (خ) : «هيثم» . [ (4) ] في (خ) : «موسى» . [ (5) ] في (خ) : الحسن بن مالك. [ (6) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 154، حديث رقم (91) ، بيان رضاعه وفصاله وأنه ولد مختونا مسرورا صلّى اللَّه عليه وسلم، والمسرور: مقطوع السّرّة. [ (7) ] في (خ) : «مسلمة» . [ (8) ] زيادة للنسب من (دلائل أبي نعيم) . [ (9) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 155/ حديث رقم (93) . قال القسطلاني في (المواهب) : قال الحاكم في (المستدرك) : تواترات الأخبار أنه صلّى اللَّه عليه وسلم ولد مختونا. وتعقبه الحافظ الذهبي فقال: ما أعلم صحة لذلك، فكيف يكون متواترا؟ وأجيب: باحتمال أن يكون أراد بتواتر الاخبار اشتهارها وكثرتها في السير، لا من طريق السند المصطلح عليه عند أئمة الحديث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 وأما استبشار الملائكة وتطاول الجبال وارتفاع البحار وتنكيس الأصنام وحجب الكهان ونحو ذلك فخرج أبو نعيم من حديث أبي أحمد الزبيري قال: حدثنا سعيد بن محمد المدني عن عمرو بن قتيبة قال: سمعت أبي وكان من أوعية العلم قال: لما حضرت الولادة آمنة قال اللَّه لملائكته: افتحوا أبواب السماء كلها، وأمر اللَّه الملائكة بالحضور، فنزلت تبشر بعضها بعضا، وتطاولت جبال الدنيا، وارتفعت البحار وتناثر أهلها، فلم يبق ملك إلا حضر.   [ () ] وقد حكى الحافظ زين الدين العراقي، أن الكمال بن العديم ضعّف أحاديث كونه ولد مختونا، وقال إنه لا يثبت في هذا شيء من ذلك. وأقرّه عليه، وبه صرّح ابن القيم في (الهدي النبوي) ثم قال: ليس من خصائصه، إن كثيرا من الناس ولد مختونا. ويحكى الحافظ ابن حجر أن العرب تزعم أن الغلام إذا ولد في القمر، فسحت قلفته- أي اتسعت- فيصير كالمختون. وفي (الوشاح) لابن دريد: قال ابن الكلبي: بلغني أن آدم خلق مختونا، واثنى عشر نبيا من بعده خلقوا مختونين، آخرهم محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، وهم: شيث، وإدريس، ونوح، وسام، ولوط، ويوسف، وموسى، وسليمان، وشعيب، ويحيى، وهود، وصالح صلوات اللَّه عليهم أجمعين. وفي هذه العبارة تجوّز، لأن الختان هو القطع، وهو غير ظاهر، لأن اللَّه تعالى يوجد ذلك على هذه الهيئة من غير قطع، فيحمل الكلام باعتباره أنه على صفة المقطوع. الخلاصة في ختانه صلّى اللَّه عليه وسلم: وقد حصل من الاختلاف في ختانه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ولد مختونا كما تقدم. الثاني: أنه ختنه جده عبد المطلب يوم سابعه، وصنع له مأدبة وسماه محمدا. رواه الوليد ابن مسلم بسنده إلى ابن عباس، وحكاه ابن عبد البر في (التمهيد) . الثالث: أنه ختن عند حليمة، كما ذكره ابن القيم، والدمياطيّ إن جبريل عليه السلام ختنه حين طهّر قلبه. وكذا أخرجه الطبراني في (الأوسط) ، وأبو نعيم من حديث أبي بكرة. قال الذهبي وهذا منكر. (المواهب اللدنية) 1/ 133- 136. وللقسطلاني في المرجع السابق بحث في فقه الختان ص 136- 138 وهو بحث نفيس، فليراجع هناك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 وأخذ الشيطان فغلّ سبعين غلا، وألقي منكوسا في لجة البحر الخضراء، وغلّت الشياطين والمردة، وألبست الشمس يومئذ نورا عظيما، وأقمن على رأسها سبعون ألف حوراء في الهواء ينتظرن ولاده محمد صلّى اللَّه عليه وسلم. وكان قد أذن اللَّه ملك السنة لنساء الدنيا أن يحملن ذكورا كرامة لأحمد، وأن لا تبقي شجرة إلا حملت، ولا خوف إلا عاد أمنا. فلما ولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم امتلأت الدنيا كلها نورا، وتباشرت الملائكة وضرب في كل سماء عمود من زبرجد، وعمود من ياقوت، وقد استنار به، وهي معروفة في السماء، قد رآها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ليلة أسرى به، قيل: ما ضرب استبشارا بولادتك. وقد أنبت اللَّه ليلة ولد على شاطئ الكوثر سبعين ألف شجرة من المسك الأذفر، وجعلت ثمارها بخور أهل الجنة، وكل أهل السموات يدعون اللَّه بالسلامة. ونكست الأصنام كلها، وأما اللات والعزى فإنّها أخرجا من خزانتهما وهما يقولان: ويح قريش، جاءهم الأمين، جاءهم الصديق، لا تعلم قريش ماذا أصابها. وأما البيت: فسمعوا أياما من جوفه صوتا وهو يقول: الآن يرد عليّ نوري ... الآن يجيئني زوّاري ... الآن أطهر من أنجاس الجاهلية.. أيتها العزى هلكت. قال: ولم تسكن زلزلة البيت ثلاثة أيام بلياليها، وهذه أول علامة رأت قريش من مولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال كاتبة: هكذا أورد الحافظ أبو نعيم هذا الحديث، وهو من تلفيق القصاص وتنميقهم، وحكى أبو الربيع بن سالم الكلاعي أن تقي بن مخلد ذكر في تفسيره أن إبليس رنّ أربع رنّات: رنّة حين لعن، ورنّة حين أهبط، ورنّة حين ولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ورنّة حين أنزلت فاتحة الكتاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 وأما ارتجاس إيوان كسرى وسقوط شرفاته وخمود نار فارس ورؤيا الموبذان فخرج الحافظ أبو نعيم وأبو بكر البيهقي- والسياق للبيهقي- من حديث علي ابن حرب قال: حدثنا أبو أيوب يعلي بن عمران البجلي، حدثنا مخزوم بن هانئ المخزومي [ (1) ] عن أبيه وأتت عليه خمسون ومائة سنة قال: لما كانت الليلة [ (2) ] التي ولد فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى -[هو كسرى أنوشروان بن قباذ بن فيروز] [ (3) ]- وسقطت منه أربع عشرة شرفة [ (4) ] ، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، ورأى المؤبذان. إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها [ (5) ] ، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك [ (6) ] وتصبر عليه تشجعا، ثم رأى أن لا يدخر [ (7) ] ذاك عن وزرائه ومرازبته [حين عيل صبره، فجمعهم] [ (8) ] لبس تاجه، وقعد على سريره، ثم بعث إليهم، فلما اجتمعوا عنده قال: أتدرون فيما بعثت لكم؟ قالوا: لا، إلا أن يخبرنا الملك بذلك، فبينا هم كذلك إذ أتاه كتاب بخمود نار فارس، فازداد غما إلى غمه، ثم أخبرهم بما هاله، فقال الموبذان: وأنا- أصلح اللَّه الملك- قد رأيت في هذه الليلة، ثم قص عليه رؤياه في الإبل، قال: أي نبي [ (9) ] يكون هذا يا موبذان؟ وكان أعلمهم في أنفسهم، قال: يحدث من [ (10) ] ناحية العرب، فكتب كسرى عند ذلك:   [ (1) ] في (خ) : «المخزوم» . [ (2) ] في (دلائل البيهقي) : «لما كانت ليلة ولد فيها» ، وقال محقق (دلائل أبي نعيم) : «لعل الصواب «لما كانت الليلة التي .... » ، وهي رواية النسخة (خ) ، وأيضا رواية (دلائل البيهقي) . [ (3) ] زيادة من (خ) . [ (4) ] في (أبي نعيم) : «شرّافة» . [ (5) ] في (أبي نعيم) : «في بلاده» . [ (6) ] في أبي نعيم: «أفزعه ما رأى» . [ (7) ] في (خ) : «يكتم» . [ (8) ] ما بين الحاصرتين في (خ) ، و (دلائل البيهقي) وليس في دلائل أبي نعيم، والمرازبة: جمع مرزبان، وهو دون الملك في المرتبة. [ (9) ] في (دلائل البيهقي) : «أي شيء» . [ (10) ] في (دلائل البيهقي) : «حدث يكون» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 «من ملك الملوك كسرى إلى النعمان بن المنذر، أما بعد فوجه إليّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه» ، فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني، فلما قدم عليه قال الملك: ألك علم أخبرته، وإلا دللته على من يعلمه، قال: فأخبره بما رأى. قال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح، قال: فاذهب إليه فاسأله وائتني بتأويل ما عنده، فنهض عبد المسيح حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت فسلم عليه وحياه، فلم يجد جوابا، فأنشد عبد المسيح يقول: أصمّ أم يسمع غطريف اليمن ... أم فاد فازلمّ به شأو العنن يا فأصل الخطة أعيت من ومن ... وكاشف الكربة عن وجه غضن أتاك شيخ الحي من آل سنن ... وأمه من آل ذئب بن حجن أزرق بهم الناب صوّار الأذن ... أبيض فضفاض الرداء والبدن رسول قيل العجم يسرى بالرّسن ... لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن تجوب بي الأرض علنداة شزن ... ترفعني وجنا [ (1) ] وتهوي بي وجن حتى أتى عاري الجآجي والقطن ... تلفه في الريح بوعاء الدّمن كأنما حثحث من حضني ثكن [قال] [ (2) ] : ففتح عينيه ثم قال: عبد المسيح، على جمل مسيح، جاء إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، [يا] [ (2) ] عبد المسيح! إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وخمدت نار فارس وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه، فنهض عبد المسيح إلى رحله وهو يقول:   [ (1) ] في (خ) : «وجن» ، وفي سائر النسخ: «وجنا» . [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 شمّر فإنك ماضي الهم شمّير ... لا يفزعنك تفريق وتغيير إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم ... فإن ذا الدهر أطوار دهارير [ (1) ] فربّما ربّما أضحوا بمنزلة ... يهاب صولهم [ (2) ] الأسد المهاصير منهم أخو الصرح بهرام وإخوته ... والهرمزان وسابور وسابور والناس أولاد علّات فمن علموا ... أن قد أقلّ فمحقور ومهجور وهم بنو الأم أما إن رأوا نشبا ... فذاك بالغيب محفوظ ومنصور والخير والشّرّ مقرونان في قرن ... فالخير متّبع والشّرّ محذور فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بقول سطيح فقال: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا كانت أمور، فملك منهم عشرة في أربع سنين، والباقون إلى أن قتل عثمان رضي اللَّه عنه [ (3) ] .   [ (1) ] في (دلائل البيهقي) : «فإن ذلك أطوار دهارير» . [ (2) ] في (دلائل البيهقي) : «صولتها» . [ (3) ] هذا الخبر أورده كل من: الطبري في (التاريخ) : 2/ 166- 168. الذهبي في (تاريخ الإسلام) : 2/ 35- 38، وقال: هذا حديث منكر غريب. البيهقي في (الدلائل) : 1/ 126- 129. ابن سيد الناس في (عيون الأثر) : 1/ 28- 29. ابن عبد ربه في (العقد الفريد) : 1/ 293- 295. أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 139- 141، حديث رقم (82) . ابن كثير في (البداية والنهاية) : 2/ 327- 329، وقال: أما هذا الحديث فلا أصل له في شيء من كتب الإسلام المعهودة، ولم أره بإسناد أصلا. معاني مفردات الأبيات: شأو العنن: يريد الموت وما عنّ منه. وفاد: مات، يقال منه: فاد يفود. صرار الأذن: صرّها: نصبها وسوّاها. قيل: ملك. علنداة: القوية من النوق. شزن: تمشي من نشاطها على جانب. الوجن: الأرض الصلبة ذات الحجارة. ثكن: اسم جبل بالحجاز. الجآجي: جمع جؤجؤ، وهو الصدر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 وأما صرف أصحاب الفيل عن مكة المكرمة فقد قال اللَّه جل جلاله في كتابه لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلم- وقريش بأجمعها تسمعه، والعرب شاهدة له، والحرب بينهم راكدة، والتكذيب منهم ظاهر-: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ* تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [ (1) ] ، فلولا أن قصة الفيل كانت عندهم كالعيان، وكان العهد قريبا، والأمر مشهورا مستفيضا، لاحتجوا فيه بغاية الاحتجاج، والقوم في غاية العداوة والإرصاد، وفي غاية المباينة والتكذيب، وهم الذين عناهم اللَّه تعالى بقوله: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا [ (2) ] ، وقال: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [ (3) ] ، وقال: فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ [ (4) ] ، وقال: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ [ (5) ] . قوله: أَلَمْ تَرَ: قال الفراء: ألم تخبر، وقال ابن عباس: ألم تسمع، وهو استفهام معناه التقرير، والخطاب للرسول ولكنه عام، ومعناه: ألم تروا ما فعلت بأصحاب الفيل؟ وكيدهم: هو ما أرادوا من تخريب الكعبة، في تضليل: أي في ذهاب. والمعنى: أنّ كيدهم ضل عما قصدوا له، فلم يصلوا إلى مرادهم. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً: أي وأرسل الرب عليهم، وهذا عطف على معنى أَلَمْ يَجْعَلْ لا على لفظه.   [ () ] القطن: أصل ذنب الطائر، وأسفل الظهر من الإنسان، ومنه: [الفقرات القطنية] . البوغاء: التراب الناعم. الدّمن: ما تدمّن منه، أي: تجمّع وتلبّد. وقد ورد هذا الخبر في المراجع السابقة بسياقات مختلفة، في بعضها تقديم وتأخير واختلاف يسير في عدد الأبيات. قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، محقق كتاب (المصنوع في معرفة الحديث الموضوع) ، في المقدمة ص 18: «فهذا الحديث ليس بصحيح، ولا يجوز قوله ولا إنشاده، ويزيده منعا أنه يتعلق بشأن من شئون النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وبأمور خارقة للعادة، ولا يغرنّك ذكر بعض العلماء له في كتب السيرة أو التاريخ» ، وله في ذلك بحث طويل فليراجع هناك. [ (1) ] سورة الفيل كلها. [ (2) ] مريم: 97. [ (3) ] الزخرف: 58. [ (4) ] الأحزاب: 19. [ (5) ] إبراهيم: 46. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 وقال ابن مسعود: الأبابيل: المتفرقة من هاهنا وهاهنا، وتبعه عليه الأخفش. وقال ابن عباس ومجاهد ومقاتل: هي التي يتبع بعضها بعضا. وقال الحسن وطاووس: هي الكثيرة. وقال عطاء وأبو صالح وأبو عبيدة وابن قتيبة والزجاج: إنها الجمع بعد الجمع، والأبابيل: جماعات في تفرقة. وقال زيد بن أسلم: هي المختلفة الألوان. وقوله: تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، قيل: حجارة من طين، وقال عبد الرحمن بن أبزي [ (1) ] : من سجيل، من السماء، وهي الحجارة التي نزلت على قوم لوط. وقيل: من الجحيم، وهي سجين. وقال الزجاج: من سجيل، أي مما يكتب عليهم أن يعذبوا به، وهو مشتق من السجل الّذي هو الكتاب، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ: أي فجعل اللَّه أصحاب الفيل كورق الزرع إذا أكلته الدواب، فرمت به من أسفل ويبس وتفرقت أجزاؤه. وقال عكرمة: فصاروا كالحب إذا أكله الدود فصار أجوف. وقال ابن عباس: المراد به قشر البر، يعني الغلاف الّذي يكون فوق حبة البر. ويروى أن الحجر كان يقع على أحدهم فيخرج كل ما [في] جوفه، فيبقى كقشر الحنطة إذا خرجت منه الحبة. ثم قال تعالى لِإِيلافِ قُرَيْشٍ [ (2) ] ، أي فعل ذلك ليؤلف قريشا رحلتي   [ (1) ] هو عبد الرحمن بن أبزي الخزاعي، له صحبه، ورواية، وفقه، وعلم. قال صلّى اللَّه عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم (817) ، في صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه: «إن هذا القرآن يرفع اللَّه به أقواما، ويضع به آخرين» ، ويروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: ابن أبزي رفعه اللَّه بالقرآن. (طبقات ابن سعد) : 6/ 63، (الجرح والتعديل) : 5/ 209، (التاريخ الكبير) : 5/ 245، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 1/ 293، (الاستيعاب) : 2/ 822، ترجمة رقم (1388) ، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 201- 202، (تهذيب التهذيب) : 6/ 121، ترجمة رقم (277) . [ (2) ] قريش: 1. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 الشتاء والصيف اللتين بهما تعيّشهم ومقامهم بمكة، تقول: ألفت موضع كذا إذا لزمته وآلفنيه كما تقول: لزمت موضع كذا وألزمنيه اللَّه. وكرر لإيلاف كما تقول: أعطيتك المال لصيانة وجهك صيانته عن كل الناس، فيكرر الكلام للتوكيد. ثم أمرهم بالشكر فقال: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ [ (1) ] في هذا الموضع الجدب من الجوع، وَآمَنَهُمْ فيه والناس يتخطفون حوله مِنْ خَوْفٍ وقال أبو نعيم: وقصة أصحاب الفيل من أشهر القصص، قد نطق القرآن بها [ (2) ] ، ورويت الأشعار فيها [ (3) ] ، ولم يختلف أحد فيها، لا مشرك ولا موحد، وصارت هذه القصة في جملة القصص التي لا يمكن إنكارها، وذلك في العام الّذي ولد فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. فدل ظاهر الحال على أن صرف اللَّه تعالى أصحاب الفيل عن قصدهم في تخريب الكعبة دلالة على تقوية أمر الحج، وتأييد لمن [هو] قائم به، ويدعي أنه شريعة له، فصار أمر الفيل لهذا المعنى بشارة بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وتحقيقا لشريعته، وتأييدا لدعوته وللَّه الحمد.   [ (1) ] قريش: 3- 4. [ (2) ] في (دلائل أبي نعيم) : 1/ 143: «نطق بها القرآن» . [ (3) ] هؤلاء الشعراء هم: [1] عبد اللَّه بن الزّبعرى بن عدي بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم، وله خمسة أبيات. [2] أبو قيس: صيفي بن الأسلت بن جشم بن وائل بن زيد بن قيس بن عامر بن مرة بن مالك بن الأوس، وله ستة أبيات ثم خمسة أبيات أخر. [3] طالب بن أبي طالب بن عبد المطلب، وله بيتان. [4] أبو الصلت بن ربيعة بن وهب بن علاج، وله ثمانية أبيات. [5] الفرزدق، واسمه همام بن غالب، أحد بني مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم، وله خمسة أبيات. [6] عبد اللَّه بن قيس الرقيات، أحد بني عامر بن لؤيّ بن غالب، وله ثلاثة أبيات. وهذه الأشعار ذكرها ابن إسحاق في السيرة، انظر: (سيرة ابن هشام) : 1/ 176- 181، «ما قيل في قصة الفيل من الشعر» ، وابن كثير في (التفسير) : 4/ 586- 591، تفسير سورة الفيل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 وكان مولده صلّى اللَّه عليه وسلم عام الفيل وكان مبعثه بعد الفيل بأربعين سنة، حتى أن قباث بن أشيم [ (1) ] وعائشة رضي اللَّه تعالى عنهم يذكرون من أمر الفيل وسائقه وقائده، فذكروا من أمر حديث محمد ابن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا زكريا بن يحيى الكنائي، حدثنا محمد بن فضيل عن عبد اللَّه بن سعيد بن أبي سعيد عن جده قال: دخل قباث بن أشيم أخو بني المليح على مروان بن الحكم- وقباث يومئذ أكبر العرب- فقال له مروان: أنت أكبر أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أكبر مني وأنا أقدم منه بعشرين سنة، قال: فما أبعد ذكرك؟ قال: أذكر حتى الفيل [ (2) ] . ومن حديث أبي الحويرث قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الليثي: يا قباث! أنت أكبر أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: رسول اللَّه أكبر مني وأنا أسن منه، ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عام الفيل، وتنبأ على رأس أربعين من الفيل، ووقفت بي أمي على روث الفيل محيلا أعقله [ (2) ] . ومن طريق محمد بن إسحاق عن عبد المطلب بن عبد اللَّه بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قال: ولدت أنا ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عام الفيل، وسأل عثمان بن عفان   [ (1) ] هو قباث بن أشيم بن عامر بن الملوّح بن يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن كنانة الليثي، هذا هو المشهور في نسبه، وقيل: هو تميمي، وقيل: كندي، وقال ابن حبان: يعمري ليثي من بني كنانة، له صحبة، وحديثه عند أهل الشام. شهد بدرا مع المشركين، وكان له فيها ذكر، ثم أسلم بعد ذلك، وشهد مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعض المشاهد، وكان على مجنبة أبي عبيده بن الجراح يوم اليرموك (طبقات ابن سعد) : 7/ 411، (الإصابة) : 5/ 407- 408، ترجمة رقم (7061 ز) ، (الاستيعاب) : 3/ 1303- 1304، ترجمة رقم (2165) . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) 1/ 143، حديث رقم (84) ، (المستدرك) : 3/ 2724، حديث رقم (6624/ 2222) ، (الإصابة) : 5/ 407، (الإستيعاب) : 3/ 303، (دلائل البيهقي) : 1/ 78، (سنن الترمذي) : برقم (3623) ، وقال حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق، (البداية والنهاية) : 2/ 321. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 رضي اللَّه عنه قباث بن أشيم أخا بني عمرو بن ليث: أنت أكبر أم رسول اللَّه؟ قال: رسول اللَّه أكبر مني وأنا أقدم منه في الميلاد، ورأيت خذق [ (1) ] الفيل أخضر محيلا [ (2) ] [بعده بعام، ورأيت أمية بن عبد شمس شيخا كبيرا يقوده- إما قال ابنه أو قال غلام له- فقال: يا قباث، أنت أعلم وما تقول] [ (3) ] . ومن حديث محمد بن عمر الواقدي قال: حدثنا أبو بكر بن أبي سبرة عن يزيد بن الهاد عن أبي بكر بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: رأيت قائد الفيل [وسائسه] [ (4) ] بمكة أعميين مقعدين يستطعمان [الناس] [ (5) ] . ومن حديث جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنه قال: أقبل أصحاب الفيل حتى لما أن دنوا من مكة استقبلهم عبد المطلب فقال لملكهم: ما جاء بك إلينا؟ ما عناك إلينا؟ ألا بعثت إلينا فنأتيك بكل ما أردت، فقال: أخبرت بهذا البيت الّذي لا يدخله أحد إلا أمن فجئت أخيف أهله، فقال: إنا نأتيك بكل شيء تريده فارجع، فأبى إلا أن يدخله، وانطلق يسير نحوه. وتخلف عبد المطلب، وقام على جبل فقال: لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله، ثم قال: اللَّهمّ إن لكل إله حلالا فامنع حلالك، لا يغلبن غدا محالهم محالك، اللَّهمّ إن فعلت فأمر ما بدا لك. فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر حتى أظلتهم طير أبابيل، التي قال اللَّه تعالى: تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قال: فجعل الفيل يعج عجيجا فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ. ومن حديث عبد اللَّه بن وهب [ (6) ] قال: أخبرني ابن لهيعة عن عقيل بن خالد   [ (1) ] الخذق: الروث. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 1/ 77 وقال: ورواه محمد بن بشّار عن وهب بن جرير فقال: «خذق الطير أخضر محيلا» . [ (3) ] ما بين الحاصرتين من (تاريخ الطبري) : 2/ 155- 156، باختلاف يسير. [ (4) ] في (خ) : «وسائقه» والتصويب من رواية ابن إسحاق. [ (5) ] زيادة من رواية ابن إسحاق. (سيرة ابن هشام) : 1/ 176. [ (6) ] السند في (دلائل أبي نعيم) : حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 عن عثمان بن المغيرة بن الأخنس أنه قال: كان من حديث أصحاب الفيل أن أبرهة الأشرم الحبشي كان ملك اليمن، وأن ابن ابنته أكشوم بن الصباح الحميري خرج حاجا. فلما انصرف من مكة نزل بكنيسة بنجران فعدا [ (1) ] عليها ناس من أهل مكة، فأخذوا ما فيها من الحلي، وأخذوا متاع أكشوم، فانصرف إلى جده الحبشي مغضبا، فلما ذكر له ما لقي بمكة من أهلها تألّي [ (2) ] أن يهدم البيت، فبعث رجلا من أصحابه يقال له: شمر بن مصفود على عشرين ألفا من خولان ونفرا من الأشعريين، فساروا حتى نزلوا بأرض خثعم، فتنحت خثعم عن طريقهم، فكلمهم التّقتال [الخثعميّ] [ (3) ]- وكان يعرف كلام الحبشة- فقال: [هذان على شمران قوسي، على أكلت وسهمي، قحافة] [ (4) ] وأنا جار لك. فسار معهم وأحبه، فقال له تقتال: إني أعلم الناس بأرض العرب، وأهداه بطريقهم، فطفق في مسيرهم بجيشها الأرض ذات المهمة [ (5) ] حتى تقطعت أعناقهم عطشا، فلما دنا من الطائف خرج إليهم ناس من بني جشم ونصر وثقيف، فقالوا: ما حاجتك إلى طريقنا، وإنما هي قرية صغيرة، ولكنا ندلك على بيت بمكة يعبد، وهو حرز لمن لجأ إليه من ملكه، ثم له ملك العرب، فعليك به ودعنا عنك. فأتاه حتى إذا بلغ المغمّس [ (6) ] ، وجد إبلا لعبد المطلب بن هاشم، مائة ناقة مقلدة فأنهبها بين أصحابه، فلما بلغ ذلك عبد المطلب جاءه- وكان جميلا وكان   [ () ] سليمان، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا عبد اللَّه بن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة عن عقيل بن خالد، عن عثمان بن المغيرة بن الأخنس أنه قال: ... [ (1) ] في (دلائل أبي نعيم) : «فغدا» وما أثبتناه من (خ) ، وهو أجود للسياق. [ (2) ] تألّي: آلى على نفسه بيمين حلفه. [ (3) ] زيادة من (دلائل أبي نعيم) . [ (4) ] كذا في (خ) ، وسياقها مضطرب، ولعلها «هاتان يداي لك على شهران وناعس» ، كما في (الروض الأنف) ، وشهران وناعس: قبيلي خثعم. [ (5) ] في (دلائل أبي نعيم) : «فطفق يجبهم في مسيرهم الأرض ذات المهمة» ، والمهمة: المفازة، الأرض المقفرة. [ (6) ] المغمّس: موضع قرب مكة في طريق الطائف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 له صديق من أهل اليمن يقال له ذو عمير [ (1) ]- فسأله أن يرد إليه إبله، فقال: إني لا أطيق ذلك، ولكن إن شئت أدخلتك على الملك، فقال عبد المطلب: فافعل، فأدخله عليه فقال: إن لي إليك حاجة، قال: قضيت كل حاجة جئت تطلبها، قال: أنا في بلد حرام، وفي سبيل بين أرض العرب وبين أرض العجم، وكانت لي مائة ناقة مقلدة ترعى هذا الوادي بين مكة وتهامة، عليها نمير [ (2) ] أهلنا ونخرج إلى تجارتنا ونتحمل من عدونا، عدا عليها جيشك فأخذوها، وليس مثلك يظلم من جاوره، فالتفت الحبشيّ إلى ذي عمرو ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى عجبا، فقال: لو سألني كل شيء أحرزه أعطيته إياه أما إبلك فقد رددتها عليك، ومثلها، فما يمنعك أن تكلمني في بيتكم هذا وبلدكم هذا؟ فقال له عبد المطلب: أما بيتنا هذا وبلدنا هذا فإن لهما ربا إن شاء أن يمنعهما منعهما، ولكني [إنما] [ (3) ] أكلمك في مالي، فأمر عند ذلك بالرحيل، وتألّى ليهدمنّ الكعبة مكة [ (4) ] ، فانصرف عبد المطلب وقد سمع تأليّه في مكة وقد هرب أهلها، فليس بها إلا عبد المطلب وأهل بيته، فأخبرهم بذلك واندفع يرتجز وهو يطوف حول الكعبة: لاهم [ (5) ] إن المرء يمنع أهله فامنع حلالك [ (6) ] ... لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا [ (7) ] محالك [ (8) ] فإن فعلت فربما أولا فأمر ما بدا لك ... فإن فعلت فإنه أمر يتم به فعالك   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «ذو عمرو» ، وفي ابن هشام: «ذو نفر» . [ (2) ] الميرة: المؤنة، قال تعالى: وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا [يوسف: 65] . [ (3) ] زيادة في (خ) . [ (4) ] في (دلائل أبي نعيم) : «ليهدمن مكة» . [ (5) ] لاهمّ: أصلها: اللَّهمّ، والعرب تحذف منها الألف واللام، وكذلك تقول في «واللَّه إنك» : «لاهنك» ، وذلك لكثرة دوران هذا الاسم على الألسنة. بل قالوا فيما هو دونه- في الاستعمال: «أجنك» في «من أجل أنك» . (سيرة ابن هشام) : 1/ 170 هـ. [ (6) ] الحلال في هذا البيت: الحلول في المكان، والحلال: مركب من مراكب النساء، والحلال أيضا: متاع البيت، وجائز أن يستعيره هاهنا. (المرجع السابق) . [ (7) ] في (خ) و (دلائل أبي نعيم) : «عدوا» وما أثبتناه من (سيرة ابن هشام) ، وغدوا: غدا. [ (8) ] المحال: القوة والشدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 غدوا بجموعهم والفيل كي يبتزوا عيالك ... فإن تركتهم وكعبتنا فوا حزنا هنالك فانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك [ (1) ] وقال [عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ [ (2) ] : لاهمّ أخز الأسود بن مقصود ... الآخذ الهجمة ذات التقليد [ (3) ] بين حراء وثبير فالبيد ... أخفر به رب وأنت المحمود [ (4) ] قد أجمعوا على أن لا يكون عيد ... ويهدموا البيت الحرام المعمود والمروتين والمشاعر السود ... فضحها إلى طماطم سود [ (5) ] فلما توجه شمر [ (6) ] وأصحابه بالفيل- وقد أجمعوا ما أجمعوا- طفق كلما وجهوه أناخ وبرك، وإذا صرفوه عنها من حيث أتى أسرع المسير، فلم يزل كذلك حتى غشيهم الليل. وخرجت عليهم طير من البحر لها خراطيم كأنها البلس [ (7) ] ، شبيهة بالوطاويط حمر وسود، فلما رأوها أشفقوا منها وسقط في أذرعهم، فقال شمر: ما يعجبكم من طير خمال جنبها الليل إلى مساكنها، فرمتهم بحجارة مدحرجة كالبنادق، تقع في [ (8) ] رأس الرجل فتخرج من جوفه.   [ (1) ] وردت هذه الأبيات في (خ) ، (سيرة ابن هشام) ، (دلائل أبي نعيم) ، (تاريخ الطبري) ، (سبل الهدى والرشاد) ، (الروض الأنف) ، بزيادة ونقص، وتقديم وتأخير. وروى ابن هشام هذه الأبيات الثلاثة: لاهم إن العبد يمنع ... رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غدوا محالك إن كنت تاركهم و ... قبلتنا فأمر ما بدا لك ثم قال: هذا ما صحّ له منها. (سيرة ابن هشام) : 1/ 170. [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة من (سيرة ابن هشام) . [ (3) ] الهجمة: ما بين التسعين إلى المائة من الإبل. [ (4) ] حراء وثبير: جبلان بالحجاز، أخفره: أي انقض عزمه وعهده فلا تؤمنه. [ (5) ] طماطم سود: يعني العلوج، ويقال لكل أعجمي كافر: طمطمان، والأعلاج: جمع علج. [ (6) ] هو الأسود بن مفصود. [ (7) ] البلس: الزرازير. [ (8) ] في (خ) : «على» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) ، وهو أجود للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 وكان فيهم أخوان من كندة، أما أحدهما ففارق القوم قبل ذلك، وأما الآخر فلحق بأخيه حين رأى ما رأى، فبينا هو يحدثه عنها إذ رأى طيرا منها فقال: كان هذا منها، فدنا منه الطائر فقذفه بحجر فمات، فقال أخوه الناجي منها: إنك لو رأيت ولن ترانا ... لدى جنب المغمس ما لقينا خشيت اللَّه لمّا بثّ طيرا ... بظل سحابة مرت علينا وما تواكلهم يدعو بحق ... كأن قد كان للحبشان دينا فلما أصبحوا الغد أصبح عبد المطلب ومن معه على جبالهم فلم يروا أحدا غشيهم، فبعث ابنه عبد اللَّه على فرس له سريع ينظر ما لقوا، فإذا القوم مشدّخون [ (1) ] جميعا فرجع يرفع فرسه كاشفا عن فخذه، فلما رأى ذلك أبوه قال: إن ابني أفرس العرب، وما كشف عن فخذه إلا بشيرا ونذيرا. فلما دنا من ناديهم بحيث يسمعهم الصوت، قالوا: ما وراءك؟ قال: هلكوا جميعا، فخرج عبد المطلب وأصحابه فأخذوا أموالهم، فكانت أموال بني عبد المطلب من ذلك المال. وقال عبد المطلب: أأنت منعت الجيش والأفيالا ... وقد رعوا بمكة الأجبالا؟ وقد خشينا منهم القتالا ... وكلّ أمر لهم معضالا شكرا وحمدا لك ذا الجلالا وقال عكرمة بن عامر العبدري: اللَّه ربي وولي الأنفس ... أنت حبست الفيل بالمغمّس فانصرف شمر بن مفصود هاربا وحده، وكان أول منزل نزله سقطت يده اليمنى، ثم نزل منزلا آخر فسقطت رجله [ (2) ] اليسرى، فأتى منزله وقومه وهو حينئذ لا أعضاء له، فأخبرهم بالخبر وقصّ عليهم ما لقيت جيوشه، ثم فاضت نفسه وهم ينظرون.   [ (1) ] الشّدخ: الشّج. [ (2) ] في (دلائل أبي نعيم) : «يده» في الموضعين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 قال أبو نعيم [ (1) ] : رويت قصة أصحاب الفيل من وجوه، وسياق عثمان بن المغيرة أتمها وأحسنها شرحا، وما ذكر أن عبد المطلب بعث بابنه عبد اللَّه فهو وهم من بعض النقلة، لأن الزهري ذكر أن عبد اللَّه بن عبد المطلب كان موته عام الفيل، وأن الحرث بن عبد المطلب كان أكبر ولد عبد المطلب، وكان هو الّذي بعثه على فرسه لينظر ما لقي القوم [ (2) ] . وخرج من حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال: كان من شأن الفيل أن أبرهة الأشرم ملك الحبشة بعث مع أبي يكسوم [ (3) ] فبعث فيهم يريد أن يغزو الكعبة فيهدمها، وساكنها يومئذ قريش، وإن أبا يكسوم أقبل بالفيل ومن معه، حتى إذا أبصر الحرم ودنوا منه، حبس اللَّه الفيل بذي المغمّس [ (4) ] ، فكان إذا ضربوه ليدخل مكة أبي عليهم، وإذا تركوه وجّه راجعا إلى وجهه الّذي جاء منه، فرجعوا ذلك العام، حتى إذا كان [بعد ذلك بعامين خرج رجال من] العرب حتى قدموا على أبرهة فعجزوه في إرساله أول مرة، وأمروه أن يبعث الثانية، فبعث الأسود بن مفصود، وبعث معه بكتيبة عظيمة معها الفيل، حتى إذا دنوا من الحرم ونظروا إليه، بعث اللَّه عليهم بقدرته طيرا أبابيل خرجت من البحر. والأبابيل: من أفواج الطير، وزعموا- واللَّه أعلم- أن لها خراطيم أمثال البلس [ (5) ] ، فلما بلغ ذلك قريشا قام رجال منهم فاستقبلوا الكعبة يدعون اللَّه على الفيل ومن معه، فكان ممن قام في ذلك اليوم عبد المطلب بن هاشم، وعكرمة بن عامر العبدري، فقال عبد المطلب: لاهم فأخز الأسود بن مفصود ... ،   [ (1) ] في (دلائل أبي نعيم) : «قال الشيخ» . [ (2) ] هذا الحديث أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 144- 148، حديث رقم (86) ، وابن سعد في (الطبقات الكبرى) : 1/ 90 من طرق متعددة جمع رواياتها، والحاكم في (المستدرك) : 2/ 583- 584 ، حديث رقم (3974/ 1112) وقال في آخره: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وابن كثير في (التفسير) : 4/ 587- 591، تفسير سورة الفيل. [ (3) ] في هذه العبارة نظر، فأبو يكسوم هو أبرهة، قال ابن إسحاق: ولما هلك أبرهة، ملك الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة، وبه كان يكنى، فلما هلك يكسوم بن أبرهة، ملك اليمن في الحبشة أخوه مسروق ابن أبرهة [سيرة ابن هشام] : 1/ 182، تحت عنوان: «ولدا أبرهة» . [ (4) ] المغمّس: موضع على ثلث فرسخ من مكة. [ (5) ] وزاد ابن كثير في (التفسير) : «وأكفّ كأكفّ الكلاب» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 الأبيات [ (1) ] ، وقال أيضا: فلم أسمع بأرض من رجال ... أرادوا الغزو ينتهكوا حرامك لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك ... لا يغلبن صليبهم ومحالهم فيه محالك وإن تركتهم وكعبتنا فشأ ما بدا لك وقال عكرمة بن عامر حين أهلكوا: أنت منعت الحبش والأفيالا ... وقد رعوا بمكة الأجبالا وقد خشينا منهم القتالا ... كل كريم ماجد بطالا [ (2) ] يمشي يجر المجد والأذيالا ... ولا يبالي جنة المختالا ثم قلبتهم بشر حالا ... وقد لقوا أمرا له مفصالا وكان بين غزوة أصحاب الفيل الأخيرة وبين الفجار أربعون سنة، وإنما سمي الفجار لحرب كانت بين بني كنانة وقيس استحلوا فيها الحرمات وفجروا فيها، وكان بين الفجار وبين بنيان الكعبة خمس عشرة سنة [ (3) ] . وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن عبد اللَّه بن كعب مولى آل عثمان قال في حديث ذكره: خرج أبرهة وهو يكسوم وهو الأشرم، فخرج بمن أراد الحبشة، وقوم من أهل اليمن كثير، وكان فيمن خرج من أهل اليمن ملك حمير ذو نفر، واستعمل على اليمن ابنه يكسوم، فجعل لا يمر بحيّ من العرب إلا استتبعهم فتبعوه، فأقبل في جمع كثير من الحبشة، وحمير، ومن كندة، حتى مرّ ببلاد خثعم، فخرج إليه نفيل بن حبيب الخثعميّ فقال: يميني على شهران وشمالي على ناهس (بطنين من خثعم) . قال الواقدي: فحدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: خرج أبرهة   [ (1) ] سبق ذكرها وشرحها ضمن أحاديث هذا الباب. [ (2) ] هذه الأبيات في (دلائل أبي نعيم) : 1/ 148. وقد خشينا منهم القتالا ... وكل أمر لهم معضالا شكرا وحمدا لك ذا الجلالا [ (3) ] (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا: 1/ 16، هامش (5) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 حتى انتهى إلى بلاد خثعم، فخرج إليه نفيل بن حبيب الخثعميّ في شهران وناهس، ومن أفناء العرب، فاعترضوا ليقاتلوهم فهزمهم أبرهة، وقتل من قتل، وأخذ نفيل أسيرا فأمر أن يضرب عنقه، فقال نفيل: أيها الملك! لا تقتلني، فإنّي أدلّ العرب، وعلى شهران وناهس بالطاعة، فاستحياه، وخرج معه نفيل دليلا ومعه ذو نفر دليلا. فلما افترقت الطريقان، طريق إلى مكة وطريق إلى الطائف تآمر العربيان ومن معهما فقالوا: يذهبون إلى بيت اللَّه الّذي ليس له في الأرض بيت غيره لهدمه؟! ألفتوه واشغلوه بثقيف عسى أن يجد عندهم ما يكره، فمالا به إلى الطائف. قال الواقدي: فحدثني محمد بن أبي سعد الثقفي، عن يعلي عن عطاء عن وكيع بن عدس، عن عمير أبي رزين [ (1) ] قال: كنا نرعى غنما بين دجنا إلى الطائف، فأتى بالطائف مع الشمس ما شعرنا ولا شعر من بها إلا بالأشرم أبرهة قد جاءهم ضحى، معهم الفيلة والدّهم من الناس. فخرج إليه أبو مسعود في رجال من ثقيف فقالوا: أيها الملك! خرجت لأمر تريده، فامض الّذي تريد، أمامك ما عندك مكان يحج إليه، إنما البيت الّذي تحج إليه العرب بمكة، وإنما أتيت من الذين معك، فدعا ذا نفر ونفيلا فقال: قدمتما بي إلى هاهنا؟ فقالا: هؤلاء عدو وأولئك عدو، فقال: إني لم أرد هؤلاء، إنما أردت أن أهدم البيت الّذي يحج إليه العرب وأغيظهم مما صنعوا بكنيستي. قال: فحدثني زيد بن أسلم عن أبيه، قال: خرج إليه مسعود بن معتب. قال الواقدي: هذا أثبت من الّذي يقول: أبو مسعود، قال: ما أنت؟ قال: مسعود منك، ونحن ندلك على البيت الّذي تعبده العرب، فأرشده إلى مكة، وبعث أبا رغال يدله على طريق مكة، فأنزله أبو رغال بالمغمّس، فمات أبو رغال: بالمغمّس، فقبره هناك ترجمه العرب [ (2) ] . قال الواقدي: فحدثني عبد اللَّه بن عثمان عن أبي سليمان عن أبيه قال: خرج   [ (1) ] كذا في (خ) . [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 1/ 166، تحت عنوان: «أبو رغال ورجم قبره» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 أبرهة من اليمن بذي نفر ونفيل بن حبيب فعدلا به إلى الطائف وقالا: لو أتينا مكة هؤلاء وراء ظهورنا فخشينا أن نؤتي من خلفك، فأردنا أن تبدأ بهم حتى لا يكون من ورائك أحد، فصدقهما ثم انصرف عن الطائف. قال الواقدي: وأقبل أبرهة حتى إذا كان عن يسار عرفة، ودنا من الحرم عسكر هناك، وكان أبرهة قد بعث على مقدمته رجلا من الحبشة يقال له: الأسود [ (1) ] ، على خيل يحشر عليه أموال أهل مكة، فدخل الحرم فجمع سوائم ترعى في الحرم فضمها إليه، فأصاب لعبد المطلب مائتي بعير ثم انصرف إلى معسكره فأخبره الخبر، وأنه لم يصدّه أحد عن أخذها. فبعث أبرهة حناطة الحميريّ فقال: سل عن أشرف أهلها فأخبره بأني لم آت لقتال أحد، إنما جئت لهدم هذا البيت لما نذرت وأوحيت على نفسي لما صنعت العرب بكنيستي ثم أنصرف، فإن صددتمونا عنه قاتلناكم، وإن تركتمونا هدمناه وأنصرف عنكم. فقال عبد المطلب: ما عندنا له قتال، وما لنا به طاقة ولا يدان، وسنخلي بينه وبين ما يريد، فإن لهذا البيت ربا مانعه. قال له حناطة: انطلق معي إليه، فركب عبد المطلب على فرس وركب معه ابنه الحرث، فلما دخل عسكره جاء حناطة إلى أبرهة فأخبره بما قال عبد المطلب، وأنه دخل عسكره، فقال له أبرهة: أخبرني عن بيتهم، أي شيء بناؤه؟ قال: حجارة منضودة، فعجب أبرهة من ذلك. وكان عبد المطلب حين دخل العسكر سأل عن ذي نفر الحميري- وكان له صديقا- فدخل عليه فقال: هل عندك من غنى؟ قال: فيما ذا؟ قال: في إبلي التي أخذت، قال: وما عندي من الغنى وأنا أسير في يد رجل عجمي لا أدري   [ (1) ] هو الأسود بن مفصود بن الحارث بن منبه بن مالك بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن خالد بن مذحج، بعثه النجاشيّ مع الفيلة والجيش، وكانت الفيلة ثلاثة عشر فيلا، هلكت كلها إلا [محمود] فيل النجاشي لامتناعه عن التوجه إلى الكعبة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 متى هو قاتلي، ولكن سأكلم لك أنيسا سائس الفيل محمود وإنه صديقي، قال عبد المطلب: فذلك. فقال: هذا سيد قريش الّذي يحمل على الجياد ويهب الأموال ويطعم في السهل، ما هبّت الريح والوحش والطير، وقد أصاب له الملك مائتي بعير، فأحب أن تكلمه حتى يردها عليه. قال: فذكر ذلك أنيس لأبرهة فقال له: قد أتاك سيد قريش الّذي يحمل على الجياد، وقد طلبه الملك قبل ذلك فأرسل إليه حناطة، فوافى عبد المطلب باب الملك وعنده حناطة وأنيس فقال أنيس: هذا صاحب عير مكة، وهو يطعم في السهل والجبل، [ما هبت الريح] والوحش والطير، وقال حناطة: هو سيد أهل مكة فأذن له، فدخل- وكان عبد المطلب من أوسم الناس وجها وأجلهم- فلما رآه أبرهة أجلّه واستبشر برؤيته، وأبرهة على سرير فنزل عنه، وكره أن يكون تحته، وكره أن يجلسه على السرير فيراه الحبشة جالسا معه على سرير ملكه، فنزل أبرهة فجلس على بساط وأجلسه إلى جنبه ورحّب به وقال لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ فقال: حاجتي أن تردّ عليّ مائتي بعير أصابوها إليّ، فلما قال ذلك قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد عجبت حين رأيتك لهيبتك مع ما ذكر لي من شرفك وفعالك وتقدمك على أهل بيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني في مائتي بعير قد غصبنا [منك] ، وتترك ما هو دينك ودين آبائك وعزك وشرفك، وقد جئت لأهدمه [و] لا تكلمني فيه. قال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وإن للبيت الّذي تريد ربّا سيمنعه. فقال أبرهة: ما كان سيمتنع مني. قال عبد المطلب: أنت وذاك. قال: ما أرى القوم يصدقون أنّا نصل إليه، وسيرون نصل إليه أم لا، فإنّي لا أرى أحدا همّ بشيء من هذا قبلي فيقولون قد حيل بينه وبين ذلك. قال أنت وذاك، قد خرجنا عنه وما دونه أحد يصدك عنه، فأمر بإبله فردت عليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 قال: ولما نزل المغمّس جاء مكة أول من جاء بنزوله ابو قحافة ومعمر بن عثمان وعمير بن جدعان، كانوا في إبل عبد اللَّه بن جدعان هناك، فأخبروا الناس، فحف الناس ولحقوا برءوس الجبال وبالشعاب وبطون الأودية. قال الواقدي: وحدثني سيف بن سليمان قال: سمعت مجاهدا يقول: لما ولّى عبد المطلب من عند أبرهة منصرفا، أمر أبرهة أصحابه بالتهيؤ والتعبئة لإقحامهم الحرم، فعبئوا كتيبة القتال، وصفوا الصفوف، وقدّموا الفيلة كما كانوا يصنعون في الحروب، وقدم صاحب مقدمته الأسود بن مفصود، ووقف أبرهة كما كان يقوم في الحروب، معه وجوه أصحابه قد حفوا به من وجوه الحبشة والعرب ممن قد سار به، وقد أخذت صفوف أقطار الأرض بعضها خلف بعض. وكان الفيل إذا حملوا لم يسر ويحرن كحران الدابة ويكرّ كرّ الناس، حتى بلغ أبرهة ذلك، فجاء وهو في أصحابه حتى وقف على دابته فجعل يصيح بسائس الفيل فيضربه، فإذا ألح عليه ربض وصخّ [ (1) ] ، فينخس بالرمح ولا ينثني. قال: وحدثني عبد اللَّه بن عمرو بن زهير عن أبيه، عن عبد اللَّه بن خراش الكعبي عن أبيه قال: أقبل عبد المطلب يومئذ وأقبل أصحاب الفيل، فلما رأى عبد المطلب ما هموا به سار سريعا على فرسه حتى أوفى على حراء، ومعه عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم ومطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، ومسعود بن عمرو الثقفي، ينظرون كلما حمل الحبشة الفيل على الحرم ربض، فيقبل الحبشة بحرابهم ورماحهم وعصيهم يطعنونه بها فيقوم، فإذا حملوه على الحرم برك وصاح، وإذا وجهوه من حيث جاء ولّى وله وجيف [ (2) ] ، وأي وجه شاءوا طاوعهم ما لم يحملوه على الحرم. قالوا: فبينا عبد المطلب وأصحابه على حراء- وهم يحملون الفيل على الحرم-   [ (1) ] صخّ الصوت الأذن يصخّها صخّا، وفي حديث ابن الزبير وبناء الكعبة: فخاف الناس أن تصيبهم صاخّة من السماء، هي الصيحة التي تصخّ الأسماع، أي تقرعها وتصمها. قال ابن سيده: الصاخة صيحة تصخّ الأذن أي تطعنها فتصمها لشدّتها، ومنه سميت القيامة الصاخة. (لسان العرب) : 3/ 33، (النهاية) : 3/ 14، وفي (دلائل أبي نعيم) : «برك وصاح» . [ (2) ] وجيف: اضطراب من سرعة المشي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 ويأبى، إذ قال عمرو بن عائذ لعبد المطلب: انظر! هل ترى شيئا؟ قال: إني لأرى طيرا يأتي من قبل البحر قطعا قطعا، وهي أصغر من الحمام، سود الرءوس، حمر الأرجل والمناقير. قال عمرو: فأقبلت حتى حلقت على القوم، مع كل طائر ثلاثة أحجار: في منقاره حجر، وفي رجليه حجران، وقال عبد المطلب لمسعود: هل ترى شيئا؟ قال: نعم، أرى سوادا كثيرا من قبل البحر كثيفا، قال عبد المطلب: هو طائر، قال مسعود: صدقت، قد واللَّه عرفت حين حلوا بنا أن لو أرادوا الدية لقدروا عليها، فلم أزل أبعث الأشرم وأصرفه حتى ولى إلى ما هاهنا، وعرفت أنه لا يصل إلى البيت حتى لا يعذب، وهذا واللَّه عذابه. قال الواقدي: وحدثني قيس بن الربيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد ابن عمير قال: لما أراد اللَّه أن يهلك أصحاب الفيل، أرسل عليهم طيرا أنشئت من البحر كأنها الخطاطيف، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار مجزعة [ (1) ] : حجر في منقارة وحجران في رجليه، فجاءت حتى صفّت على رءوسهم، فصاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها، فما وقع [ (2) ] حجر على رجل منهم إلا خرج من الجانب الآخر، إذا وقع على رأسه خرج من دبره [ (3) ] [وإذا وقع على جسده خرج من الجانب الآخر، وبعث اللَّه ريحا شديدة فضربت الحجارة فزادت شدة فأهلكوا] .   [ (1) ] مجزعة: مقطعة. [ (2) ] في (دلائل أبي نعيم) : «فما على الأرض حجر وقع على رجل» . [ (3) ] هذا آخر الحديث رقم (88) في (دلائل أبي نعيم) : 1/ 149- 150، وفيه الواقدي وعبد اللَّه ابن خراش متروكان، وما بين الحاصرتين زيادة من (خ) ، وابن كثير في (التفسير) : 4/ 590، وقال ابن كثير: وقد ذكر الحافظ أبو نعيم في كتاب (دلائل النبوة) : من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن عثمان بن المغيرة، قصة أصحاب الفيل، ولم يذكر أن أبرهة قدم من اليمن، وإنما بعث على الجيش رجلا يقال له شمر بن مفصود، وكان الجيش عشرين ألفا، وذكر أن الطير طرقتهم ليلا فأصبحوا صرعى، وهذا السياق غريب جدا، وإن كان أبو نعيم قد قواه ورجحه على غيره، والصحيح أن أبرهة الأشرم قدم من مكة، كما دلّ على ذلك السياقات والأشعار. وهكذا روى عن ابن لهيعة عن الأسود عن عروة، أن أبرهة بعث الأسود بن مفصود على كتيبة معهم الفيل، ولم يذكر قدوم أبرهة نفسه، والصحيح قدومه، ولعل ابن مفصود كان على مقدمة الجيش. واللَّه تعالى أعلم. (تفسير ابن كثير) : 4/ 590. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 وذكر عمر بن شيبة في كتاب (أخبار مكة) : عن أبي عاصم أخبرنا عمرو ابن سعيد قال: سمعت مشيختنا يقولون: حمام مكة من بقية طير أبابيل. قال الواقدي: وحدثني ابن أبي سبرة عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: الحجارة مثل البندق، وبها نضح حمرة مختمه، مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجران في رجليه وحجر في منقاره، حلقت عليهم من السماء ثم أرسلت تلك الحجارة عليهم فلم تعد عسكرهم. وحدثني عمر بن طلحة عن جونة بن عبد عن أمية بن عبد الرحمن قال: سمعت نوفل بن معاوية الديليّ يقول: رأيت الحصا الّذي رمى به أصحاب الفيل، حصا مثل الحمص وأكبر من العدس، حمر مختمة، كأنها جزع ظفار [ (1) ] . وحدثني ابن أبي سبرة عن عمر بن عبد اللَّه العبسيّ قال: قال حكيم بن حزام: كان في المقدار بين الحمصة والعدسة، حصاته نضح أحمر، مختم كالجزع، فلولا أنه عذب به قوم [لأخذت] منه ما أتخذه في مسجدي، أسلمت وهو بمكة كثير في بيوتكم. وحدثنا سعيد بن حسان عن عطاء بن أبي رباح عن حبيب بن ميسرة، عن أم كرز الخزاعية قالت: رأيت الحجارة التي رمي بها أصحاب الفيل حمرا مختمة كأنها جزع ظفار، وحدثني ابن أبي سبرة عن عمر بن عبد اللَّه العيشي عن ابن كعب القرظي قال: جاءوا بفيلين، فأما محمود فربض، وأما الآخر فجثع فحصب. وحدثني رباح بن مسلم عن من سمع وهب بن منبه قال: كانت الفيلة معهم، فكان محمود- وهو فيل الملك- إذا تقدم يربض لتقتدي به الفيلة فجثع منها فيل فحصب فرجعت الفيلة. وحدثني سيف بن سليمان عن مجاهد قال: كان فيل حصب بالمغمّس. وحدثني عبد اللَّه بن عمرو بن زهير الكعبي عن أبي مالك الحميري عن عطاء   [ (1) ] جزع: خرز، وظفار: بلد باليمن قرب صنعاء، ينسب إليها هذا الخرز، وأن به سوادا وبياضا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 ابن يسار قال: حدثني من كلّم قائد الفيل وسائسه قال لهما: أخبراني خبر الفيل. قالا: أقبلنا وهو فيل الملك النجاشي الأكبر، لم يسر به قط إلى جمع إلا هزمهم، فاخترت أنا وصاحبي هذا لجلدنا وحرفتنا بسياسة الفيل، قال: فلما دنونا من الحرم جعلنا كلما وجهناه إلى الحرم يربض، فتارة نضربه فينهض، وتارة نضربه حين برك ثم نتركه، فلما أتينا إلى المغمّس ربض فلم يقم، وطلع العذاب. فقلت: نجا غيركما؟ قالا: نعم، ليس كلهم أصاب العذاب، وولى أبرهة ومن تبعه يريد بلاده، كلما دخلوا أرضا وقع منه عضو، حتى انتهى إلى بلاد خثعم وليس عليه غير رأسه فمات. وحدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: أفلت نفيل والحميري. قال الواقدي: وسمعت أنه لما ولى أبرهة مدبرا جعل نفيل يقول: أين المفر والإله الطالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب [ (1) ] وذكر ابن الكلبي في (الجمهرة) أن ضبّة وعمرا وحميسا أبناء أدّ بن طائحة ابن إلياس بن مضر شهدوا الفيل فهلكوا، وأفلت منهم ستون رجلا، إذا ولد مولود مات منهم رجل. قال الواقدي: وحدثني حزام بن هشام عن أبيه قال: لما رد اللَّه الحبشة عن البيت أعظمت قريشا وقالوا: هؤلاء أهل اللَّه لما كفاهم مؤنة عددهم، وجعلوا يقولون في ذلك الأشعار، وخرجت الحبشة يسقطون في كل طريق ويهلكون في كل منهل. وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم تسقط أنامله أنملة أنملة، كلما سقطت أنملة اتبعتها مدة ودم وقيح، حتى قدموا صنعاء وهو مثل فرخ طير، فمات حين انصدع صدره عن قلبه فيما يقولون [ (2) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 150، (سيرة ابن هشام) : 1/ 172، وقال ابن هشام: قوله: «ليس الغالب» عن غير ابن إسحاق. [ (2) ] (المرجع السابق) : 173. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 وحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحرث قال: دخلت مع أبي على فاطمة بنت المنذر فحدثتنا أحاديث، وكان فيما حدثت أن قالت أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنها تقول: لما قدم أصحاب الفيل بالفيل وأصابهم ما أصابهم، دخل سائقه وقائده مكة، فلم يزالا بها حتى رأيتهما قبل أن ينبأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعميين مقعدين يستطعمان الناس، يكونان حيث يذبح المشركون ذبائحهم، فقال لها: أي أين كانوا يذبحون؟ قالت: على إساف ونائله [ (1) ] . وقد ذكر محمد بن إسحاق أن سبب غزو أبرهة البيت أنه بني القلّيس بصنعاء، فبني كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض، ثم كتب إلى النجاشي ملك الحبشة: إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبق مثلها لمن كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف إليها حاج العرب، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة غضب رجل [من] [ (2) ] النّسأة (أحد بني فقيم بن علي بن عامر بن ثعلبة بن الحرث بن مالك ابن كنانة بن خزيمة) فخرج حتى أتى القليس فقعد فيها (يعني سلح) [ (3) ] ، ثم خرج فلحق بأرضه فأخبر أبرهة بذلك فقال: من صنع هذا؟ فقيل له: صنع هذا رجل من العرب أهل هذا البيت الّذي يحج العرب إليه بمكة لما سمع قولك: «أصرف إليه حاج العرب» ، غضب فجاء فقعد فيها، أي لست لذلك بأهل. فغضب عند ذلك أبرهة، وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه، وتجهزت ثم أمر الحبشة فتهيأت ثم ساروا، وخرج معه بالفيل، وسمعت بذلك العرب فأعظموه وفظعوا به، ورأوا جهاده حقا عليهم لما رأوا أنه يريد هدم الكعبة بيت اللَّه الحرام. فخرج إليه رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له: ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت اللَّه، فأجابه   [ (1) ] (المرجع السابق) : 176، (تفسير ابن كثير) : 4/ 590، وقال: كان اسم قائد الفيل [أنيسا] . [ (2) ] زيادة للسياق، والنسأة: جمع ناسئ، وهم الذين كانوا ينسئون الشهور، أي يؤخرون حرمة أحد الأشهر الحرم، وقد سبق شرح ذلك. [ (3) ] سلح: من السّلاح، وهو النّجو، [وهو الغائط] ، (ترتيب القاموس) : 2/ 592، (دلائل أبي نعيم) : 1/ 151، قال أبو نعيم: «فقعد فيها أي تغوّط فيها) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 من أجابه إلى ذلك، ثم عرض له فقاتله، فهزم ذو نفر وأصحابه، وأخذ فأتي به أسيرا، فلما أراد قتله قال له: لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي خيرا لك. فتركه وحبسه عنده، ثم مضى حتى كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب في قتلى خثعم شهران وناهس [ (1) ] ومن تبعه من قبائل العرب، فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ له أسيرا، فخلى سبيله وخرج معه يدله حتى [إذا] [ (2) ] مرّ بالطائف خرج ابنه مسعود بن معتب [ (3) ] فتجاوز عنهم، وبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة حتى أنزله المغمّس مات أبو رغال، وبعث أبرهة الأسود بن مسعود على خيل إلى مكة، فساق أموال أهل تهامة، وذكر القصة بمعنى ما تقدم. وخرج عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: لما أرسل اللَّه على أصحاب الفيل جعل لا يقع حجر على واحد منهم إلا تفطّر جسده، فذلك أول ما كان الجدري، فأرسل اللَّه سيلا فذهب بهم [ (4) ] فألقاهم في البحر. وعن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصّفاح [ (5) ] ، فأتاهم عبد المطلب جد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: إن هذا بيت اللَّه لم يسلط عليه أحد، قالوا: لا نرجع حتى نهدمه، فكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر. فدعا اللَّه بالطير الأبابيل، فأعطاها حجارة سودا عليها الطين، فلما حاذتهم صفّت عليهم ثم رمتهم، فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة، فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه. وقال قيس عن حصين بن عبد الرحمن في قوله: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً   [ (1) ] يقال: إن خثعم ثلاث: شهران، وناهس، وأكلب، غير أن أكلب عند أهل النسب هو: ابن ربيعة ابن نزار، ولكنهم دخلوا في خثعم وانتسبوا إليهم. (ابن هشام) : 1/ 164. [ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (3) ] هو مسعود بن معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف. [ (4) ] في (خ) : «بها» . [ (5) ] الصّفاح بكسر الصاد: موضع بين حنين وأنصاب الحرم على يسرة الداخل إلى مكة من مشاش. (معجم البلدان) : 3/ 467، موضع رقم (7558) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 أبابيل [ (1) ] قال: طير خرجت من قبل البحر، لها رءوس مثل رءوس السباع ترميهم، فمن أصابت جدر [ (2) ] ، وذلك أول ما كان الجدري، لم ير قبله. وقد روى عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين عليهم السلام: أن قدوم الفيل للنصف من المحرم، وبين الفيل وبين مولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خمس وخمسون ليلة [ (3) ] .   [ (1) ] الفيل: 3. [ (2) ] أصابه داء الجدري. [ (3) ] ذكروا أن الفيل جاء مكة في المحرم، وأنه صلّى اللَّه عليه وسلم ولد بعد مجيء الفيل بخمسين يوما، وهو الأكثر والأشهر، وأهل الحساب يقولون: وافق مولده من الشهور الشمسية نيسان (أبريل) ، فكانت لعشرين مضت منه، وولد بالغفر من المنازل «منازل القمر» . (ابن هشام) : 1/ 394، فصل ولادة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم (هامش) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 وأما الآيات التي ظهرت في مدة رضاعته صلّى اللَّه عليه وسلم فقد روى محمد بن إسحاق عن جهم بن أبي الجهم [ (1) ] ، عن عبد اللَّه بن جعفر [بن أبي طالب] [ (2) ] عن حليمة بنت الحرث السعدية [ (3) ] قالت: أصابتنا سنة شهباء [ (4) ] لم تبق لنا شيئا، فخرجت مع نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء [ (5) ] بمكة على أتان [ (6) ] لي قمراء [ (7) ] ، فلم تبق منا امرأة إلا عرض عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فتأباه، وعرض عليّ فأبيته، ذلك أن الظؤورة [ (8) ] إنما كانوا يرجون الخير من قبل الآباء ويقولون: لا أب له وما عسى أن تفعل أمه، فلم تبق منهن امرأة إلا أخذت رضيعا غيري، وحان انصرافهن إلى بلادهن. فقلت لزوجي: لو أخذت ذلك الغلام اليتيم كان أمثل من أن أرجع بغير رضيع، فأتيت أمه فأخذته ثم جئت بعد ذلك، إلى منزلي، فكان لي ابن صغير واللَّه لن ينام من الجوع، فلما ألقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على ثدي أقبلا عليه بما شاء من   [ (1) ] هو جهم بن أبي جهم مولى الحارث بن حاطب الجمحيّ. [ (2) ] زيادة في النسب من (ابن هشام) . [ (3) ] هي حليمة ابنة أبي ذؤيب، وأبو ذؤيب: عبد اللَّه بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة ابن فصيّة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ابن مضر، قدمت عليه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد تزوج خديجة فشكت إليه جدب البلاد، فكلم خديجة فأعطتها أربعين شاة، وأعطتها بعيرا، ثم قدمت عليه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد النبوة فأسلمت وبايعت، وأسلم زوجها الحارث بن عبد العزى. [ (4) ] سنة شهباء: يعني سنة قحط، لأن الأرض فيها تكون بيضاء. [ (5) ] الرضعاء: جمع رضيع، وهم الأطفال حديثو الولادة. [ (6) ] الأتان: أنثى الحمار. [ (7) ] قمراء: أي يميل لونها إلى الخضرة. [ (8) ] الظؤورة: جمع ظئر، وهي العاطفة على ولد غيرها، المرضعة له، في الناس وغيرهم، للذكر والأنثى، وتجمع على: أظؤر، وأظآر، وظؤور، وظؤورة، وظؤار، وظؤرة. (ترتيب القاموس) : 3/ 119. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 اللبن حتى روي وروي أخوه وناما، وقام زوجي إلى شارف [ (1) ] لنا واللَّه ما أن تبضّ [ (2) ] بقطرة، فلما وقعت يده على ضرعها فإذا هي حافل [ (3) ] ، فحلب ثم أتاني فقال: واللَّه يا ابنة أبي ذؤيب ما أظن هذه النسمة التي أخذتها إلا مباركة! وأخبرني بخبر الشارف وأخبرته بخبر ثديي وما رأيت منهما. ثم أصبحنا فغدونا، فكنت على أتان قمراء، واللَّه ما أن تلحق الحمر ضعفا، فلما أن وضعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عليها جعلت تتقدم الركب فيقولون: واللَّه إن لأتانك هذه لشأنا. قالت: فقدمنا بلادنا- بلاد سعد بن بكر- لا نتعرف من اللَّه إلا البركة، حتى إن كان راعينا لينصرف بأغنامنا حفلا وتأتي أغنام قومنا ما أن تبضّ بقطرة، فيقولون لرعيانهم: ويحكم! ارعوا حيث يرعى راعي ابنة أبي ذؤيب، فلم يزل كذلك. فبينما هما يوما يلعبان في بهم لنا وراء بيوتنا، إذ جاء أخوه يسعى فقال: ذاك أخي القرشي قد قتل، فانطلقت وأبوه فاستقبلنا وهو منتقع اللون، فجعلت أضمه إليّ مرة وأبوه مرة ويقول: ما شأنك؟ فيقول: لا أدري، إلا أنه أتاني رجلان فشقّا بطني وساطها [ (4) ] ، فقال أبوه: ما أظن هذا الغلام إلا قد أصيب، فبادرى به أهله من قبل أن يتفاقم به الأمر. عند ذلك لم يكن له همة إلا أن أتيت مكة [فأتيت به أمه، فقلت: أنا ظئر ابني هذا، وقد فصلته، وخشيت أن تقع عليه العاهة فاقبليه، فقالت: مالك زاهدة فيه؟ وقد كنت قبل اليوم تسأليني أن أتركه عندك لعلك خفت على [ابني] [ (5) ] الشيطان- أو كلام هذا معناه- ألا أخبرك عني وعنه؟ إني رأيت حيث ولدته   [ (1) ] الشارف: الناقة المسنة. [ (2) ] تبضّ: ترشح. [ (3) ] الحافل: الممتلئة الضرع من اللبن، والحفل: اجتماع اللبن في الضرع. [ (4) ] في (خ) : «وساطا» ، وفي (ابن هشام) : «يسوطانه» ولعل ما قد أثبتناه يناسب المعنى، يقال: سطت اللبن أو الدم أسوطه، إذا ضربت بعضه ببعض، والمسوط: عود يضرب به. [ (5) ] السياق مضطرب في (خ) فيما بين الحاصرتين، وقد صوبناه من كتب السيرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 أنه خرج مني نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام [ (1) ] . هذا لفظ زياد ابن عبد اللَّه البكائي عن ابن إسحاق. وفي رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن ابن إسحاق، قالت أمه: إن لابني هذا لشأنا! ألا أحدثك عنه؟ فما زالت بنا حتى أخبرتنا خبره، قالت: إني حملت به، فلم أحمل حملا قط كان أخف منه ولا أعظم بركة منه، إني لقد رأيت نورا كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت له أعناق الإبل ببصرى، ثم وضعته، فما وقع كما يقع الصبيان، وقع واضعا يده بالأرض رافعا رأسه إلى السماء، وألحقا بشأنكما [ (2) ] .   [ (1) ] هذا آخر حديث آمنة في (خ) ، لكنه ليس آخر لفظ زياد بن عبد اللَّه البكائي عن ابن إسحاق، وتمامه: «ثم حملت به، فو اللَّه ما رأيت من حمل قط كان أخف ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض، رافع رأسه إلى السماء، دعيه عنك وانطلقي راشدة» . [ (2) ] حديث حليمة السعدية ورد في كتب السيرة بسياقات مختلفة، بعضها مطول، وبعضها مختصر، وبروايات مختلفة، عن ابن إسحاق، وابن راهويه، وأبو يعلي، والطبراني، والبيهقي، وأبو نعيم، فذكره كل من: * ابن الجوزي في (صفة الصفوة) : 1/ 28- 30، وقال في آخره. وظاهر هذا الحديث يدل [على] أن آمنة حملت غير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال الواقدي: لا يعرف عند أهل العلم أن آمنة وعبد اللَّه ولدا غير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. * القسطلاني في (المواهب اللدنية) : 1/ 150- 153، وقال في آخره: كانت الشيماء أخته من الرضاعة تحضنه وترقصه وتقول: هذا أخ لم تلده أمي ... وليس من نسل أبي وعمي فديته من مخول معمي ... فأنمه اللَّهمّ فيما تنمي وذكر من شعر حليمة ما كانت ترقّص به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يا رب إذا أعطيته فأبقه ... وأعله إلى العلا وأرقه وأدحض أباطيل العدا بحقّه * ابن هشام في (السيرة النبويّة) : 1/ 297- 303. * البيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 133- 136. * الطبري في (التاريخ) : 2/ 158- 160. * ابن سيد الناس في (عيون الأثر) : 1/ 31- 35. * أبو نعيم الأصفهاني في (دلائل النبوة) : 1/ 155- 157. * ابن كثير في (البداية والنهاية) : 2/ 333- 335. * ابن سعد في (الطبقات الكبرى) : 1/ 110- 112. * الدّيار بكري في (تاريخ الخميس) : 1/ 222- 223. * ابن حجر في (الإصابة) : 7/ 722- 733، في ترجمة الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى ابن رفاعة، رقم (11384) ، قال: وذكر محمد بن المعلى الأزدي في كتاب (الترقيص) ، قال: وقالت الشيماء ترقّص النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو صغير: يا ربنا أبق لنا محمدا ... حتى أراه يافعا وأمردا ثم أراه سيد مسوّدا ... واكبت أعاديه معا والحسّدا وأعطه عزا يدوم أبدا قال: فكان أبو عروة الأزدي إذا أنشد هذا يقول: ما أحسن ما أجاب اللَّه دعاءها!. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 وقال الواقدي: وقدم مكة عشرة نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضعاء، وخرجت حليمة بنت عبد اللَّه بن الحرث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة ابن فصية بن نصر بن بكر بن هوازن، واسم أبيه الّذي أرضعه: الحرث بن العزى ابن رفاعة بن ملان [بن ناصرة] [ (1) ] بن فصية بن سعد بن بكر بن هوازن، وإخوته عبد اللَّه بن الحرث، وحذافة بنت الحرث- وهي الشيماء- وكانت الشيماء هي تحضنه مع أمها وتوركه. وخرجوا في سنة حمراء [ (2) ] ، وخرجت بابنها عبد اللَّه ترضعه، وأتان قمراء تدعى سدرة، وشارف دلقاء لا سنّ لها، يقال لها السمراء، لقوح قد مات سقبها [ (3) ] بالأمس، ليس في ضرعها قطرة لبن قد يبس من العجف [ (4) ] ، وقالت أمه آمنة لظئره حليمة: يا ظئر! سلي عن ابنك فإنه يكون له شأن، فإنه لم يزل يذكر أنه يخرج من ضئضئ عبد المطلب نبي، ولقد حملت فما وجدت له ما تجد النساء من المشقة في الحمل، ولقد أتيت فقيل لي: قد حملت بسيد الأنام، ولقد قيل لي ثلاث ليال: استرضعي ابنك في بني سعد ثم في آل أبي ذؤيب. قالت حليمة: فإن أبا هذا الغلام الّذي في حجري أبو ذؤيب وهو زوجي، فطابت نفس حليمة وسرت بكل ما سمعت، ثم قالت: واللَّه إني لأرجو أن يكون مباركا، فخرجت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى منزلها، فتجد حمارها قد قطعت رسنها فهي   [ () ] * ابن سعد في (الطبقات الكبرى) : 1/ 110- 112. * الدّيار بكري في (تاريخ الخميس) : 1/ 222- 223. * ابن حجر في (الإصابة) : 7/ 722- 733، في ترجمة الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى ابن رفاعة، رقم (11384) ، قال: وذكر محمد بن المعلى الأزدي في كتاب (الترقيص) ، قال: وقالت الشيماء ترقّص النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو صغير: يا ربنا أبق لنا محمدا ... حتى أراه يافعا وأمردا ثم أراه سيد مسوّدا ... واكبت أعاديه معا والحسّدا وأعطه عزا يدوم أبدا قال: فكان أبو عروة الأزدي إذا أنشد هذا يقول: ما أحسن ما أجاب اللَّه دعاءها!. [ (1) ] زيادة للنسب. [ (2) ] سنة حمراء: شديدة الجدب. [ (3) ] سقبها: ما قاربها من العمر. [ (4) ] العجف: الضعف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 تجول في الدار، وتجد شارفها قائمة تقصع بجرّتها [ (1) ] ، فقالت لزوجها: إن هذا المولود لمبارك! فقال أبوه: قد رأينا بعض بركته. قال: ثم عمد إلى شاتها فحلبها قعبا فسقى حليمة، ثم حلبها قعبا آخر فشرب حتى روى، ولمس ضرعها فإذا هي بعد حافل، فحلب قعبا آخر فحقنه في سقاء [ (2) ] له ثم حدجوا [ (3) ] أتانها فركبتها حليمة، وركب الحرث شارفهم، وحملت حليمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بين يديها على الأتان فطلعا على صواحبها بوادي السّرر مرتعات وهما يتواهقان في السير، فقلن: هي حليمة وزوجها، ثم قلن: هذا حمار أنجى من حمارتها، وهذا بعير أنجى من بعيرها، وما يقدران على أن يضبطا رءوسهما حتى نزلت معهن فقلن: يا حليمة! ماذا صنعت؟ قالت: أخذت واللَّه خير مولود رأيته قط وأعظمه بركة، فقالت النسوة: أهو ابن عبد المطلب؟ قالت: نعم، وأخبرتهن بما قالت آمنة في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وما أمرتها أن تسأل عنه، وما رأت حليمة من إقبال درّها ودرّ لقوحها وما رأوا من نجاء الأتان واللقحة، فقالت حليمة: فما رحلنا من منزلنا حتى رأيت الحسد في بعض نسائنا [فيمرون بسنح [ (4) ] من هذيل على عراف كبير، فقالت النسوة: سلي هذا، فجاءت حليمة إليه برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأخبرته خبره وما قالت فيه آمنة، فصاح الهذلي: يا آل هذيل! اقتلوه.. اقتلوه، وآلهته ليمكن في الأرض وإنه لينتظر من السماء أمرا، فرحن إلى بلادهن، وإنما اعتاف العائف في قبض النبي صلّى اللَّه عليه وسلم التراب حين ولد] [ (5) ] . قالت: فقدمنا على عشرة أعنز ما يرمن البيت هزالا فإن كنا لتريح الإبل وإنها لحفل، فنحلب ونشرب، ونحلب شارفنا غبوقا وصبوحا [ (6) ] ، وإني لأنظر إلى الشارف قد نضبت في سنامها، وانظر إلى عجز الأتان فكأن فيها   [ (1) ] تقصع بجرتها: تجتر، وذلك يعني أنها كانت قد أكلت فامتلأت. [ (2) ] في (خ) : «سقاية» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] حدجوا: شدوا عليه الحدج، وهو الحمل. [ (4) ] سنح: موضع في طرق من أطراق المدينة وهي منازل بني الحارث بن الخزرج. [ (5) ] ما بين الحاصرتين زيادة من (خ) ، وليس في رواية أبي نعيم. [ (6) ] الغبوق: ما يشرب في المساء، والصبوح: ما يشرب في الصباح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 الأفهار [ (1) ] وإن كان عجزها لدبراء [ (2) ] مما ننخسها، وجعل أهل الحاضر يقولون لرعيانهم: ابلغوا حيث تبلغ غنم حليمة، فيبلغون، فلا تأتي مواشيهم إلا كما كانت تأتي قبل ذلك، ولقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يمس ضرع شاة لهم يقال لها «أطلال» ، فما يطلب منها ساعة من الساعات إلا حلبت غبوقا وصبوحا، وما على الأرض شيء تأكله دابة [ (3) ] . فحدثني عبد الصمد بن محمد السعدي عن أبيه عن جده قال: حدثني بعض من كان يرعى غنم حليمة أنهم كانوا يرون غنمها ما ترفع رءوسها، ويرى الخضر في أفواهها وأبعارها، وما تزيد غنمنا على أن تربض [ (4) ] ، ما تجد عودا تأكله، فتروح الغنم أغرث [ (5) ] منها حين غدت، وتروح غنم حليمة يخاف عليها الحبط [ (6) ] . قالوا: فمكث سنتين صلّى اللَّه عليه وسلم حتى فطم، فكأنه ابن أربع سنين، فقدموا به على أمه زائرين لها، وهم أحرص شيء على رده مكانه، لما رأوا من عظيم بركته، فلما كانوا بوادي السّرر لقيت نفرا من الحبشة وهم خارجون منها، فرافقتهم، فسألوها، فنظروا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نظرا شديدا، ثم نظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه، وإلى حمرة في عينيه، فقالوا: يشتكي أبدا عينيه للحمرة التي فيها؟ قالت: لا، ولكن هذه الحمرة لا تفارقه، فقالوا: هذا واللَّه نبي، فغالبوها عليه، فخافتهم أن يغلبوها، فمنعه اللَّه عزّ وجلّ، فدخلت به على أمه، وأخبرتها بخبره، وما رأوا من بركته، وخبر الحبشة، فقالت أمه: ارجعي بابني فإنّي أخاف عليه وباء مكة، فو اللَّه ليكونن له شأن، فرجعت به.   [ (1) ] أي أن لحمها قد تكتل كتلا من السّمن. [ (2) ] الدبراء: التي بها قرحة. [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 157- 159، حديث رقم (96) ، أخرجه ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 110 مختصرا. [ (4) ] تربض: تطوي قوائمها وتقيم. [ (5) ] أغرث: أكثر جوعا، وفي شعر حسان يعتذر لعائشة رضي اللَّه تعالى عنها: وتصبح غرثي من لحوم الغوافل [ (6) ] الحبط: الانتفاخ من كثرة الأكل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 وقام سوق ذي المجاز فحضرت به وبها يومئذ عراف يؤتى إليه بالصبيان ينظر إليهم من هوازن، فلما نظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وإلى الحمرة التي في عينيه وإلى خاتم النبوة صاح: يا معشر العرب! فاجتمع إليه أهل الموسم فقال: اقتلوا هذا الصبي ولا يرون شيئا قد انطلقت به أمه، فيقال له: ما هو؟ فيقول: رأيت غلاما وآلهته ليغلبن أهل دينكم وليكسرن أصنامكم وليظهرن أمره عليكم. فطلب بذي المجاز [ (1) ] فلم يوجد، ورجعت به حليمة إلى منزلها، فكانت بعد هذا لا تعرضه لأحد من الناس، ولقد نزل بهم عراف، فأخرج إليه صبيان أهل الحاضر وأبت حليمة أن تخرجه إليه، إلى أن غفلت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج من المظلة فرآه العراف فدعاه، فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ودخل الخيمة، فجهد بهم العراف أن يخرج إليه فأبت، فقال: هذا نبي [هذا نبي] [ (2) ] ، قالوا: فلما بلغ أربع سنين كان يغدو مع أخيه وأخته في البهم قريبا من الحي. فبينا هو يوما مع أخيه في البهم، إذ رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد أخذته غمية، فجعل يكلم رسول اللَّه فلا يجيبه، فخرج الغلام يصيح بأمه: أدركي أخي القرشي! فخرجت أمه تعدو، ومعها أبوه فيجدان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قاعدا منتقع اللون، فسألت أمه أخاه: ما رأيت؟ قال: رأيت طائرين أبيضين وقعا [ (3) ] ، فقال أحدهما: أهو هو؟ فقال: نعم، فأخذاه فاستلقياه على ظهره فشقا بطنه فأخرجا ما كان في بطنه، ثم قال أحدهما: ائتني بماء ثلج، فجاء به فغسل بطنه، ثم قال: ائتني بماء برد [ (4) ] ، فجاء به فغسل بطنه ثم أعاده كما هو. قال: فلما رأى أبواه [ (5) ] ما أصابه شاورت أمه أباه وقالت: نرى أن نرده على [ (6) ] أمه، إنا نخاف أن يصيبه عندنا ما هو أشد من هذا فنرده إلى أمه فيعالج،   [ (1) ] في (دلائل أبي نعيم) : «فطلب بعكاظ» . [ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (3) ] في المرجع السابق: «فوقنا» . [ (4) ] في المرجع السابق: «بماء ورد» . [ (5) ] في المرجع السابق: «أبوه» . [ (6) ] في المرجع السابق: «إلى أمه» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 فإنّي أخاف أن يكون به لمم [ (1) ] ، [فقال أبوه: لا واللَّه ما به لمم] [ (2) ] إن هذا أعظم مولود رآه أحد بركة، واللَّه إن أصابه [ما أصابه] [ (2) ] إلا حسد من آل فلان، لما يرون من عظم بركته منذ كان بين أظهرنا [يا حليمة] [ (2) ] . قال أبوه: يا حليمة! أخذناه ولنا عشر أعنز عجاف فغنمنا اليوم ثلاثمائة، قالت: إني أخاف عليه، فنزلت به إلى أمه فذكرت من بركته وخيره، ولكنه قد كان من شأنه فأخبرتها [ (3) ] خبره. قال الواقدي: فحدثني معاذ بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قالت حليمة: إنا لا نرده إلا على جدع أنفنا، ما رأينا مولودا أعظم بركة منه، ولكنا كرهنا أن نحدث به عند ما حدث. قال ابن عباس: فرجعت فكان عندنا سنة أو نحوها، لا تدعه أن يذهب مكانا بعيدا، فغفلت عنه، فجاءتها أخته الشيماء في وقت الظهيرة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في البهم وقد ردت البهم، فخرجت أمه تطلبه حتى وجدته مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أمه! ما وجد أخي حرا، رأيت غمامة تظل عليه، إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع، تقول أمها: أحقا يا بنية؟ قالت: إي واللَّه. قال: تقول حليمة: أعوذ باللَّه من شرّ ما نحذر على ابني، فكان ابن عباس يقول: رجع إلى أمه وهو ابن خمس سنين، وكان غيره يقول: ردّ على أمه وهو ابن أربع سنين، فكان معها إلى أن بلغ ست سنين. وخرّج أبو محمد بن حبان من حديث الصلت بن محمد أبي همام قال: حدثنا   [ (1) ] اللمم: ضرب من الجنون. [ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 159- 162، حديث رقم (97) ، وقال في آخره زيادة عن (خ) : قال ابن عباس: رجع إلى أمه وهو ابن خمس سنين. وكان غيره يقول: ردّ إلى أمه وهو ابن أربع سنين، وكان معها إلى أن بلغ ست سنين، (الخصائص الكبرى) : 1/ 144 وقال: أخرجه أبو نعيم من طريق الواقدي، عن عبد الصمد بن محمد السعدي عن أبيه عن جده، والواقدي متروك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 سلمة بن علقمة، أخبرنا داود بن أبي هند قال: لما ولدت آمنة ذهب عبد المطلب يطلب ظئرا، فوافق امرأة من بني سعد بن بكر يقال لها حليمة بنت الحرث فجاء بها فدفعه إليها وشيعها وهو يقول: يا رب هذا الراكب المسافر ... محمد فاقلب بخير طائر وازجره عن طريقة الفواجر ... واخل عنه كل خلق فاجر أخنس ليس قلبه بطاهر ... وجنّة تصيد بالهواجر إني أراه مكرمي وناصري [ (1) ] فانطلقت به الظّئر، فذكر نحو حديث الجهم.   [ (1) ] هذه الأبيات مضطربة السياق والوزن في (خ) ، وصوبناها من (دلائل أبي نعيم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 وأما معرفة اليهود له وهو غلام مع أمه بالمدينة، واعترافهم إذ ذاك بنبوته فقد قال اللَّه جل جلاله: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [ (1) ] ، أي يعرفون نبوته وصدق رسالته، والضمير عائد على محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، قال مجاهد وقتادة وغيرهما: وخص الأبناء في المعرفة بالذكر دون الأنفس، وإن كانت ألصق، لأن الإنسان يمر عليه في زمنه برهة لا يعرف فيها نفسه، ولا يمر عليه وقت لا يعرف فيه ابنه، وقد روى أن عمر رضي اللَّه عنه قال لعبد اللَّه بن سلام: أتعرف محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم كما تعرف ابنك؟ قال: نعم وأكثر، بعث اللَّه أمينه في السماء إلى أمينه في الأرض فعرفته، وابني لا أدري ما كان من أمه وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ: يعني اليهود الذين أوتوا الكتاب ليكتمون الحق يعني محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم. قال مجاهد وقتادة وخصيف، وهم يعلمون ظاهر كفرهم عنادا. ومثله: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ [ (2) ] ، وقوله: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [ (3) ] . وقال الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحرث، وعبد اللَّه بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وأبو بكر بن عبد اللَّه بن محمد بن أبي سبرة بن أبي رهم العامري، وربيعة بن عبد اللَّه بن الهدير التيمي، وموسى بن يعقوب الزمعي في عدة [ (4) ] ، كل قد حدثه من هذا الحديث بطائفة، قالوا: [وغير هؤلاء المسمين قد حدثوني أيضا أهل ثقة وقناعة] [ (5) ] كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكون مع أمه، فلما بلغ ست سنين خرجت به أمه إلى أخواله بني عدي بن النجار   [ (1) ] البقرة: 146. [ (2) ] النمل: 14. [ (3) ] البقرة: 89. [ (4) ] في (دلائل أبي نعيم) : «عن عدة من شيوخه» . [ (5) ] زيادة في السّند من المرجع السابق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 بالمدينة تزور أخواله، ومعه أم أيمن [ (1) ] ، فنزلت به في دار النابغة- رجل من بني عدي بن النجار- فأقامت به شهرا، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يذكر أمورا كانت في مقامه، ذلك لما نظر إلى أطم بني عدي بن النجار عرفها، قال صلّى اللَّه عليه وسلم: نظرت إلى رجل من يهود يختلف إليّ، ينظر إليّ ثم ينصرف عني، فلقيني يوما خاليا فقال: يا غلام، ما اسمك؟ قلت: محمد، ونظر إلى ظهري فأسمعه يقول: هذا نبي هذه الأمة، ثم راح إلى أخوالي فخبرهم الخبر، فأخبروا أمي فخافت عليّ وخرجنا من المدينة، وكانت أم أيمن تحدث تقول: أتاني رجلان من يهود يوما نصف النهار بالمدينة فقالا: أخرجي لنا أحمد. فأخرجته فنظر إليه وقلّباه مليا، حتى أنهما لينظران إلى سوأته، ثم قال أحدهما لصاحبه: هذا نبي هذه الأمة، وهذه دار هجرته، وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمر عظيم، قالت أم أيمن: فوعيت ذلك كله من كلامهما [ (2) ] .   [ (1) ] وهي بركة، أم أسامة بن زيد، وهي حاضنة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 163- 164، حديث رقم (99) ، وفيه الواقدي، متروك، وموسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث، منكر الحديث، وأبو بكر بن عبد اللَّه بن محمد بن أبي سبرة بن أبي رهم العامري، رموه بالوضع، وأخرجه ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 118 من طريق الواقدي أيضا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 وأما توسم جده فيه السيادة لما كان يشاهد منه في صباه من مخايل [ (1) ] الرّباء [ (2) ] فقال الواقدي: فرجعت به أمه إلى مكة، فلما كان بالأبواء توفيت آمنة، فرجعت به أم أيمن على البعيرين اللذين قدما عليهما إلى مكة وكانت تحضنه. قالوا: فلما توفيت آمنة قبضه عبد المطلب وضمه إليه، فرق له [عبد المطلب] [ (3) ] رقة لم يرقها على ولد، وكان يقربه ويدنيه، وكان عبد المطلب إذا نام لا يدخل عليه أحد إعظاما له، وإذا خلا كذلك أيضا، وكان له مجلس لا يجلس عليه غيره، وكان يفرش له في ظل الكعبة فراش، ويأتي بنو عبد المطلب فيجلسون حول ذلك الفراش ينتظرون عبد المطلب [ (4) ] ، ويأتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [حتى] [ (3) ] يرقى على الفراش فيجلس عليه، فيقول له أعمامه: مهلا يا محمد عن فراش أبيك، فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك: دعوا ابني، إنه ليؤنس ملكا. ويقال: إنه قال: إن ابني ليحدث نفسه بذلك [ (5) ] . وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: حدثني العباس بن عبد اللَّه بن سعيد ابن العباس بن عبد المطلب قال: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأتي حتى يجلس عليه فيذهب أعمامه يؤخرونه، فيقول عبد المطلب: دعوا ابني، ويمسح على ظهره ويقول: إن لابني هذا لشأنا، وإنه ليحس من نفسه بخير، فتوفى عبد المطلب ورسول اللَّه ابن ثماني سنين.   [ (1) ] تفرّس الخير فيه صلّى اللَّه عليه وسلم، (ترتيب القاموس) : 2/ 138. [ (2) ] الربا: الزيادة والنماء، المرجع السابق: 297. [ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (4) ] في المرجع السابق: «ينظرون إلى عبد المطلب» . [ (5) ] هذا الحديث امتداد للحديث رقم (99) من (دلائل أبي نعيم) ولعل إسنادهما واحد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 وروى الأزرقي أحمد بن محمد بن الوليد عن سعيد بن سالم القداح، حدثني ابن جريج قال: كنا جلوسا مع عطاء بن أبي رباح في المسجد الحرام فتذاكرنا ابن عباس وفضله. وقال عطاء: سمعت ابن عباس يقول: سمعت أبي يقول: كان عبد المطلب أطول الناس قامة، وأحسن الناس وجها، ما يراه أحد قط إلا أحبه، وكان له مفرش في الحجر لا يجلس عليه أحد غيره، ولا يجلس عليه معه أحد، وكان الندى من قريش حرم بن أمية فمن دونه يجلسون دون المفرش، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما وهو غلام فجلس على المفرش فجبذه رجل فبكى، فقال عبد المطلب: ما لابني قالوا له: أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه، فقال: دعوا ابني أن يجلس عليه، فإنه يحس من نفسه بشيء، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه غيره قبله ولا بعده. قال: ومات عبد المطلب والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم ابن ثماني سنين، وكان خلف جنازة عبد المطلب يبكي حتى دفن بالحجون. وروى النضر بن سلمة عن محمد بن موسى أبي غزية، عن أبي عثمان سعيد ابن زيد عن ابن بريدة عن أبيه، وعن بريدة بن سفيان الأسلمي قال: لما ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عقّ [ (1) ] عبد المطلب عنه يوم السابع بكبش وسماه محمدا، ولم يسمه بأسماء آبائه، وقال: أردت أن يحمده اللَّه في السماء ويحمده الناس في الأرض. وقد فعل اللَّه تعالى ذلك، واللَّه خير الحامدين.   [ (1) ] عقّ عنه: صنع له عقيقة، وقد سبق شرحها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 وأما إلحاق القافّة [ (1) ] قدمه بقدم إبراهيم عليه السلام وتحدّث يهود بخروج نبي من ضئضئ [ (2) ] عبد المطّلب فقال الواقدي: وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يلعب مع الصبيان حتى بلغ الردم، فرآه قوم من بني مدلج، فدعوه فنظروا إلى قدميه وإلى أثره، ثم خرجوا في إثره فصادفوا عبد المطلب قد لقيه فاعتنقه، وقالوا لعبد المطلب: ما هذا منك؟ قال: ابني، قالوا: احتفظ به، فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم الّذي في المقام منه، فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول، فكان أبو طالب يحتفظ به [ (3) ] . وقالوا: بينا يوما عبد المطلب جالس في الحجر وعنده أسقف نجران- وكان صديقا له- وهو يحادثه ويقول: إنا نجد صفة نبي بقي من ولد إسماعيل هذا [البلد] [ (4) ] مولده، من صفته كذا وكذا، وأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على بقية الحديث، فنظر إليه الأسقف وإلى عينيه وإلى ظهره وإلى قدميه فقال: هو هذا! ما هذا منك؟ قال: ابني، قال الأسقف: لا، ما نجد أباه حيا، قال عبد المطلب: هو ابن ابني، وقد مات أبوه وأمّه حبلى [به] [ (5) ] ، قال: صدقت، فقال عبد المطلب [لبنيه] [ (5) ] : تحفظوا بابن أخيكم، ألا تسمعون ما يقال فيه [ (6) ] ؟ قال: فحدثني موسى بن شيبة عن خارجة، بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك عن أبيه قال: حدثني شيوخ من قومي أنهم خرجوا عمارا وعبد المطلب يومئذ حي   [ (1) ] القافّة: جمع قافّ، وهو الّذي يقتفي الأثر. [ (2) ] الضئضئ: الأصل والمعدن، أو كثرة النسل وبركته. (ترتيب القاموس) : 3/ 3. [ (3) ] جزء من الحديث رقم (92) من (دلائل أبي نعيم) : 1/ 165. [ (4) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (5) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (6) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 165، حديث رقم (100) ، وهو بإسناد الحديث رقم (99) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 بمكة، ومعهم رجل من يهود تيماء [ (1) ] صحبهم للتجارة يريد مكة أو اليمن، فنظر إلى عبد المطلب فقال: إنا نجد في كتابنا الّذي لم يبدّل أنه يخرج من ضئضئي هذا نبي يقتلنا وقومه قتل عاد [ (2) ] . ولأبي داود من حديث إسرائيل عن سماك بن [حرب] عن عكرمة عن ابن عباس قال: أتى نفر من قريش امرأة كاهنة فقالوا: أخبرينا بأقربنا شبها من صاحب هذا المقام، قالت إن جردتم على السّهلة عباءة ومشيتم عليها، أنبئكم بأقربكم شبها، فجردوا عليها عباءة ثم مشوا عليها، فرأت أثر قدم محمد صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: هذا واللَّه أقربكم شبها به. قال ابن عباس رضي اللَّه عنه: فمكثوا بعد ذلك عشرين سنة، ثم بعث محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، قلت: ويؤيد هذا قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: ورأيت إبراهيم فإذا أقربكم شبها به أنا. وذكر هشام بن الكلبي أن الّذي نظر قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: هذه القدم من تلك القدم التي في المقام- يعني قدم إبراهيم عليه السلام- هو كرز بن علقمة ابن هلال [ (3) ] ، الّذي قفا أثر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر حين خرجا إلى الغار.   [ (1) ] تيماء: قرية في أطراف بلاد الشام بين الشام ووادي القرى. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 165- 166، حديث رقم (101) ، وهو من طريق الواقدي وهو متروك، وفيه أيضا موسى بن شيبة لين الحديث. [ (3) ] هو كرز بن علقمة بن هلال بن جريبة بن عبد نهم بن حليل بن حبشيّة بن سلول الخزاعي. أسلم يوم الفتح، وعمّر طويلا، وعمي في آخر عمره، وكان ممن جدّد أنصاب الحرم في زمن معاوية، فهي إلى اليوم. وذكر ابن الكلبي هذه القصة فقال: عمي على الناس بعض أعلام الحرم، وكتب مروان إلى معاوية بذلك، فكتب إليه: إن كان كرز حيا فله أن يقيمك على معالم الحرم، ففعل. وقال أبو سعد في (شرف المصطفى) : أن المشركين كانوا استأجروه لما خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مهاجرا، فقفى أثره حتى انتهى إلى غار ثور، فرأى نسج العنكبوت على باب الغار، فقال: إلى هنا انتهى أثره، ثم لا أدري أخذ يمينا أو شمالا أو صعد الجبل. وهو الّذي قال حين نظر إلى قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: هذه القدم من تلك القدم التي في المقام. (الإصابة) : / 583- 584، ترجمة كرز بن علقمة بن هلال، رقم (7402) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 وأما رؤية عمه أبي طالب منذ كفله ومعرفته بنبوته قال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة عن سليمان بن سحيم عن نافع بن جبير قال: سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أتذكر موت عبد المطلب؟ قال: نعم وأنا ابن ثماني سنين [ (1) ] . قالوا: فلما توفي عبد المطلب ضم أبو طالب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليه وهو يومئذ ابن ثماني سنين، وكان يكون معه، وكان أبو طالب لا مال له، وكان له قطيعة من إبل تكون بعرنة [ (2) ] فيبدو إليها، فيكون [ينشأ فيها] [ (3) ] ويؤتي بلبنها إذا كان حاضرا بمكة. وكان أبو طالب قد رق عليه وأحبه، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شبعوا، وكان إذا أراد أن يعشّيهم أو يغدّيهم يقول: كما أنتم حتى يحضر ابني، فيأتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيأكل معهم، وكانوا يفضلون من طعامهم. وإن كان لبنا شرب رسول اللَّه أولهم، ثم يتناول العيال القعب فيشربون منه، فيروون عن آخرهم من القعب الواحد، وإن كان أحدهم ليشرب قعبا وحده، فيقول أبو طالب: إنك لمبارك، وكان الصبيان يصبحون شعثا رمصا، ويصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دهينا كحيلا [ (4) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 161، حديث رقم (103) حديث مرسل، وهو من رواية الواقدي، وهو متروك. [ (2) ] عرنة: وادي عرفة، والفقهاء يقولون: عرنة بضم الراء، وذلك خطأ. (معجم ما استعجم) : 2/ 935. [ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 166- 167، حديث رقم (104) ، وهو بإسناد الحديث رقم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 قال: فحدثني على بن عمر بن [ (1) ] الحسين عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية، عن عقيل بن أبي طالب قال: سمعته يقول: كنا إذا أصبحنا وليس عندنا طعام لصبوحنا يقول أبو طالب: [أي بني] [ (2) ] ائتوا زمزم، [فنأتي زمزم] [ (2) ] فنشرب منها فنجتزئ به [ (3) ] . قال: فحدثني محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد عن أهله عن أم أيمن قالت: ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شكا جوعا قط ولا عطشا، وكان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربة، فربما عرضنا عليه الغداء فيقول: لا أريد، أنا شبعان [ (4) ] . وخرج أبو نعيم من حديث الحسين بن سفيان قال: حدثنا زهير بن سلام قال: قال عمرو بن محمد: حدثنا طلحة بن عمرو بن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في حجر أبي طالب بعد جده عبد المطلب فيصبح ولد عبد المطلب غمصا [ (5) ] ويصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دهينا صقيلا [ (6) ] . قال أبو نعيم: ورواه محمد بن حميد عن سلمة بن الفضل عن طلحة مثله، وبسند الحسن بن سفيان المذكور عن ابن عباس أن أبا طالب كان يقرب للصبيان يصبحهم فيضعون أيديهم فينتهبون، ويكف محمد صلّى اللَّه عليه وسلم يده، فلما رأى ذلك عمه عزل له طعامه.   [ () ] (99) ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 119، باب ذكر أبي طالب وضمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليه، وخروجه معه إلى الشام في المرة الأولى، (الخصائص الكبرى) : 1/ 205، وقال: أخرجه ابن سعد وابن عساكر من طريق عطاء عن ابن عباس، ومن طريق مجاهد وغيره، [قال: وحدثنا محمد ابن صالح، وعبد اللَّه بن جعفر، وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، دخل بعضهم في حديث بعض، قالوا: لما توفي عبد المطلب ... ] وذكر الحديث باختلاف يسير. [ (1) ] في (خ) : «عمر بن علي بن الحسين» ، «عن ابن الحنفية» . [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 167، حديث رقم (105) وسنده كالحديث رقم (99) . [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 167، حديث رقم (106) ، وهو من طريق الواقدي. [ (5) ] الغمص في العين: ما سال منها من رمص. [ (6) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 167، حديث رقم (107) ، وهو من طريق طلحة بن عمرو، متروك، (طبقات ابن سعد) : 1/ 119. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 وروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال يوما لعمه أبي طالب: إني أرى في المنام رجلا يأتيني معه رجلان فيقولان: هو هو، وإذا بلغ فشأنك به والرجل لا يتكلم، فوصف أبو طالب مقالته هذه لبعض أهل العلم، فلما نظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: هذه الروح الطيبة، هذا واللَّه النبي المنتظر؟ فقال أبو طالب: فأكتم على ابن أخي لا تغري به قومه، فو اللَّه إن قلت ما قلت، لعلّي ما قلت، ولقد أنبأني عبد المطلب أنه النبي المبعوث، وأمرني أن أستر ذلك كيلا تغرى به الأعادي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 وأما تظليل الغمام له في صغره واعتراف بحيرى ونسطورا بنبوته فقد أوردت ذلك بطرقه في ذكر الأماكن التي حلها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال الحافظ أبو نعيم: وما تضمن هذا الفصل من أحواله صلّى اللَّه عليه وسلم حين تزوجت آمنة وحملها به، ووضعها له [ (1) ] ، واسترضاعه وحضانته [ (2) ] هي وحليمة ظئره إلى أن بلغ خمسا وعشرين سنة، المقرونة بالآيات دالة على نبوته صلّى اللَّه عليه وسلم، لخروجها عن التعارف والمعتاد، مع توسّم أهل الكتاب وغيرهم الأمارات التي دوّنت في الكتب المتقدمة والأخبار السالفة بالبشارات به وترقبهم لمبعثه ومخرجه، علامات ودلائل لمن منّ اللَّه عليه بالإيمان، وصار به موقنا، ولنبوته محققا صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] .   [ (1) ] في (دلائل أبي نعيم) : «وحملها ووضعها به» ، وما أثبتناه من (خ) ، وهو أجود للسياق. [ (2) ] في المرجع السابق: «وحضانة حليمة ظئره» . [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 174. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 فصل في رعاية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الغنم قبل النبوة اعلم أن في رعي البهائم العجم التي لا تعقل ولا تعرب عن نفسها، رياضة لحمل أعباء النبوة، فإن راعيها يسوسها ويحوطها من المتالف المخوفة، كالجوع والعطش والسباع، ويكف عادية قويها عن ضعيفها في منعها الرعي في مراتعها، وشرب الماء من مواردها، وإن القيام بذلك لسياسة يصعب معاناتها، ويشق على النفوس ملازمتها. فإذا مرّن الإنسان عليها وتهذبت بها أخلاقه، وصارت سيرة العدل والإحسان ملكة له، تأهل لسياسة العقلاء من البشر بحسن التدبير لهم، وإرشادهم إلى مصالحهم والأخذ بحجزاتهم عما يؤذيهم، والصبر على أذاهم، واحتمال الأفعال عنهم. ولهذا- واللَّه أعلم- كانت الأنبياء صلوات اللَّه عليهم رعاة البهائم أولا، حكمة من اللَّه سبحانه لتتهذب أخلاقهم برعايتها، وتتهذب نفوسهم بسياستها، رياضة لقيامهم بأعباء النبوة، وصبرهم على ما يلقون فيها من مصاعب تكذيب المكذبين، ومشقات أذى المخالفين، وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم. خرج البخاري من حديث عمرو بن يحيى عن جده عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ما بعث اللَّه نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة، ترجم عليه باب رعي الغنم على قراريط [ (1) ] . وخرج النسائي من حديث خالد عن شعبة عن أبي إسحاق عن ابن حزن   [ (1) ] (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا: 1/ 16. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 وخرج النسائي من حديث خالد عن شعبة عن أبي إسحاق عن ابن حزن قال: افتخر أهل الإبل والشاء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بعث موسى وهو راعي غنم، وبعث داود وهو راعي غنم، وبعثت وأنا أرعى غنما لأهلي بأجياد [ (1) ] . ذكره في [تفسير] سورة طه [ (2) ] . وخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق شعبة به مثله. وخرج أبو نعيم من حديث زمعة بن صالح عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر ابن عبد اللَّه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ما من نبي إلا وقد رعاها [ (3) ] . ومن حديث موسى بن يزيد عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نجتني الكباث [ (4) ] فقال: عليكم بما اسود منه فإنه أطيبه، فقلنا: وكنت ترعى الغنم؟ قال: نعم، وهل من نبي إلا وقد رعاها [ (5) ] . قال ابن عبد البر: وهذا الحديث لا أعلمه يروى إلا من حديث أبي سلمة ابن عبد الرحمن، وبعضهم يجعله عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وبعضهم يجعله عن أبي سلمة مرسلا، وبعضهم يجعله عن أبي سلمة عن أبيه، وبعضهم يجعله عن جابر. وخرج من حديث ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن قيس بن مخرمة عن الحسن   [ (1) ] في (خ) : «بجياد» وما أثبتناه من (طبقات ابن سعد) . [ (2) ] هذا الحديث في (طبقات ابن سعد) : 1/ 126 ولفظه: كان بين أصحاب الغنم وأصحاب الإبل تنازع، فاستطال عليهم أصحاب الإبل، قال: فبلغنا- واللَّه أعلم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ... وذكر الحديث. [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 175، حديث رقم (112) ، وأخرجه أيضا البخاري في (الصحيح) من طريق ابن عمرو بن يحيى بن سعيد، عن جده عن أبي هريرة، ومالك في (الموطأ) : 689، باب ما جاء في أمر الغنم، حديث رقم (1770) ، وابن ماجة في (السنن) : 2/ 727، كتاب التجارات باب (5) الصناعات، حديث رقم (249) . [ (4) ] الكباث: النضيج من ثمر الأراك. [ (5) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 174- 175، حديث رقم (111) ، وقد أخرجه أيضا البخاري في (الصحيح) ، ومسلم في (الصحيح) : 13/ 248- 249، كتاب الأشربة، باب (29) فضيلة ما اسود من الكباث، حديث رقم 163- (2050) ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 125- 126. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 ابن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به إلا مرتين من الدهر، كلتيهما يعصمني اللَّه منها، قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام لأهلها نرعاها: أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة كما يسمر الفتيان [ (1) ] . ومن حديث مسعر قال: حدثنا سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبيه قال: مرّ بنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونحن نجتني ثمر الأراك فقال: عليكم بما اسود منه، فإنّي كنت أجتنيه وأنا أرعى الغنم، قالوا: يا رسول اللَّه! أو كنت ترعاها؟ قال: ما من نبي إلا وقد رعاها [ (2) ] . وروى مرسلا.   [ (1) ] وهو حديث طويل سبق الإشارة إليه، وقد أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 186، حديث رقم (128) ، قال في هامشه: أخرجه إسحاق بن راهويه في مسندة، وابن إسحاق، والبزار، والبيهقي، وأبو نعيم، وابن عساكر، كلهم عن على بن أبي طالب، وقال ابن حجر: إسناده حسن، ورجاله ثقات. [ (2) ] سبق توثيقه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 فصل في ذكر اشتهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته بالرسالة من اللَّه تعالى إلى العباد خرج البخاري ومسلم في حديث بدء الوحي أنه صلّى اللَّه عليه وسلم لما أتاه الوحي قال لخديجة: لقد خشيت على نفسي، وأخبرها الخبر فقالت له: كلا، أبشر! فو اللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا، فو اللَّه إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. وفي رواية لغيرهما: إنك لتصدق الحديث، وتصل الرحم، وتؤدي الأمانة [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من حديث ابن إسحاق عن وهب مولى الزبير، سمعت عبد اللَّه بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي: حدثنا يا عبيد كيف كان بدء ما ابتدأ اللَّه به رسوله من النبوة حين جاءه جبريل، فذكره وفيه: فرجع إلى خديجة فقالت: أين كنت؟ قال: قلت: إن الأبعد لشاعر أو مجنون، فقالت: أعيذك باللَّه من ذاك، ما كان اللَّه ليصنع ذلك بك مع صدق حديثك، وعظم أمانتك، وحسن خلقك، وصلتك رحمك [ (1) ] . وله من حديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق [ (2) ] عن محمد بن مسلم ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة   [ (1) ] (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا: 2/ 361، فصل في ذكر بدء الوحي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكيف تراءى الملك له، وإلقاؤه الوحي إليه، وتقريره له أنه يأتيه من عند اللَّه عزّ وجلّ، وأنه قد صار يوحى إليه نبيا ورسولا إلى الناس جميعا. [ (2) ] سنده في (دلائل أبي نعيم) : حدثنا محمد بن أحمد أبو أحمد، قال: حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن شيرويه، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثني أبي عن محمد ابن إسحاق عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قالت ... الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 رضي اللَّه تعالى عنها قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا [بها] [ (1) ] خير جار: النجاشيّ، آمننا على [ (2) ] ديننا، وعبدنا اللَّه لا نؤذي ولا نسمع شيئا نكرهه. فأرسل إلى أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فدعاهم، وكان الّذي كلمه جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه عنه فقال له: أيها الملك! كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار ويأكل القويّ منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث اللَّه إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى اللَّه لنعبده ونوحده، ونخلع ما كان يعبده نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان. وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفحش وقول الزور، وأكل ما اليتيم، وقذف المحصنة. وأمرنا أن نعبد اللَّه ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قالت: فعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من اللَّه، فعبدنا اللَّه وحده فلم نشرك به شيئا، فقال النجاشي: إن هذا والّذي جاء به موسى يخرج من مشكاة واحدة [ (3) ] . ولعظم مقدار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في نفوس قومه كان هو الّذي وضع الحجر الأسود موضعه بيده لما اختلفت قريش في وضعه، فخرج غير واحد من الأئمة   [ (1) ] في المرجع السابق: «جاونا خير جار» . [ (2) ] في المرجع السابق: «أمنّا» . [ (3) ] أخرجه أبو نعيم مطوّلا في (دلائل النبوة) : 1/ 246- 250، حديث رقم (194) ، وفي (الحلية) : 1/ 115- 117 في ترجمة جعفر بن أبي طالب، ترجمة رقم (17) ، والبيهقي في (دلائل النبوة) : 2/ 285- 307، باب: الهجرة الأولى إلى الحبشة ثم الثانية، وما ظهر فيها من الآيات وتصديق النجاشيّ ومن تبعه من القسيسين والرهبان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والإمام أحمد في (المسند) : 1/ 332- 334 ، حديث رقم (1742) ، حديث جعفر بن أبي طالب وهو حديث الهجرة، وابن هشام في (السيرة) : 2/ 176- 182، فصل إرسال قريش إلى الحبشة في طلب المهاجرين إليها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 حديث حماد بن سلمة وقيس وسلام كلهم عن سماك بن حرب، عن خالد عن عرعرة عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما بنت قريش البيت فبلغوا موضع الحجر اختلفوا في وضعه. فقالوا: إن أول من يطلع من الباب، قال: فطلع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: قد طلع الأمين، فبسط ثوبا ووضع الحجر وسطه، وأمر بطون قريش فأخذ كل بطن منهم طرفا من الثوب، ووضعه بيده صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وقد روى من طرق كثيرة عن ابن جريج ومجاهد و [معمر] [ (2) ] بن سليمان، ومحمد بن جبير بن مطعم، وقال: هبيرة بن أبي وهب المخزومي حين جعلت قريش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حكما: لما تشاجرت قريش الأحياء في فصل خطة ... جرت طيرهم بالنحس من سعد أسعد فلاقوا لها بالبغض بعد مودة ... وأوقدوا نارا بينهم شرّ موقد فلما رأينا الأمر قد جد جده ... ولم يبق شيء غير سل المهند رضينا وقلنا العدل أول طالع ... يجيء من البطحاء على غير موعد فلم يفجئنا إلا الأمين محمد ... فقلنا رضينا بالأمين محمد بخير قريش كلها أمسى شيمة ... وفي اليوم مع ما يحدث اللَّه في غد فجاء بأمر لم ير الناس مثله ... أعم وأرضى في العواقب والبدي أخذنا بأكناف الرداء وكلنا ... له حصة من رفعه قبضة اليد فقال ارفعوا حتى إذا ما علت به ... أكف إليه قرّ في خير مسند فكان رضانا ذاك عنه بعينه ... وأعظم به من رأى هاد ومهتد فتلك يد منه علينا عظيمة ... يروح بها ركب العراق ويغتدي   [ (1) ] قال الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 175: ومما يدخل في هذا الباب مما خصّ اللَّه به نبيه في الجاهلية الجهلاء، أن وفقه لوضع الحجر الأسود موضعه بيده، لما اختلفت قريش في وضعه، دلالة بصحة نبوته صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد سبق تخريج وشرح هذا الحديث. [ (2) ] في (خ) : «سليمان بن سليمان» ، وصوابه: «معمر بن سليمان النخعي أبو عبد اللَّه الرقى» ، (تهذيب التهذيب) : 10/ 223. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 وخرج الأئمة أيضا من طريق عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (1) ] ، نادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قريش بطنا بطنا، فقال: أرأيتم لو قلت لكم إن خيلا تغير عليكم أكنتم مصدقيّ؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك من كذب قط، قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تبا لك سائر اليوم، فأنزل اللَّه: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [ (2) ] . ولأبي نعيم وغيره من حديث إسرائيل [ (3) ] عن أبي إسحاق عن عمير وابن ميمون، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا، فنزل على [أبي صوان] [ (4) ] أمية بن خلف- وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد- فقال أمية لسعد: انتظر حتى [إذا] [ (4) ] انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت. فبينا سعد يطوف بالكعبة آمنا، أتاه أبو جهل- خزاه اللَّه تعالى- فقال: من هذا الّذي يطوف بالبيت أمنا؟ فقال سعد: أنا سعد، فقال أبو جهل: تطوف بالبيت آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه؟ فكان بينهما، حتى قال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي. فقال له سعد: واللَّه لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن عليك متجرك إلى الشام، فجعل أميه يقول لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، يسكنه، فغضب سعد وقال: دعني عنك، فإنّي سمعت محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم يزعم أنه قاتلك، قال: إياي؟ قال: نعم، قال: واللَّه ما يكذب محمد.   [ (1) ] الشعراء: 214. [ (2) ] المسد: 1، تبّ: خاب وخسر. [ (3) ] السند في (دلائل أبي نعيم) في تعليقه على الحديث رقم (116) : فمما يقارب هذا الحديث ويوافقه، ما حدثناه سليمان بن أحمد، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عبد اللَّه بن رجاء، قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: ... [ (4) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 فلما خرجوا رجع إلى امرأته فقال: ما علمت ما قال لي أخي اليثربي؟ فأخبرها الخبر فقالت امرأة أمية: ما يدعنا محمد. فلما جاء الصريخ وخرجوا إلى بدر، قالت له امرأته: أما تذكر ما قال لك أخوك اليثربي؟ فأراد أن لا يخرج، فقال له أبو جهل: إنك من أشراف أهل الوادي فسر معنا يوما أو يومين، فسار معهم فقتله اللَّه [ببدر] [ (1) ] . ومن حديث الأعمش عن مجاهد قال: حدثني مولاي عبد اللَّه بن السائب قال: كنت شريك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية، فلما قدمت المدينة قال: تعرفني؟ قلت: نعم، كنت شريكي، فنعم الشريك لا تداري ولا تماري [ (2) ] .   [ (1) ] الحديث أخرجه البخاري من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق بهذا الإسناد، ومن طريق يوسف بن إسحاق عن أبي إسحاق بهذا الإسناد أيضا، (فتح الباري) : 7/ 357- 358، كتاب المغازي، باب (2) ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من يقتل ببدر، حديث رقم (3950) . وأخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 178- 179 . [ (2) ] قال ابن هشام في (السيرة) : السائب بن أبي السائب شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الّذي جاء في الحديث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «نعم الشريك السائب لا يشاري ولا يماري» ، وكان أسلم فحسن إسلامه فيما بلغنا واللَّه تعالى أعلم (سيرة ابن هشام) : 3/ 268، وفي هامشه: وذكر فيمن قتل من المشركين: السائب بن أبي السائب، واسم أبي السائب: صيفي بن عابد، وأنكر ابن هشام أن يكون السائب قتل كافرا، قال: وقد أسلم وحسن إسلامه، وفي الموضوع اضطراب لا يثبت به شيء، ولا تقوم به حجة، واللَّه تعالى أعلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 فصل في ذكر عصمة اللَّه تعالى للرسول صلّى اللَّه عليه وسلم من الجن والإنس والهوام [ (1) ] خرج مسلم من حديث جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن عبد اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما منكم [ (2) ] من أحد إلا وقد وكّل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول اللَّه؟ قال: وإياي إلا أن اللَّه أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير [ (3) ] . ومن حديث سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة [ (4) ] الحديث. ومن حديث ابن وهب قال: أخبرني أبو صخر عن ابن قسيط، حدثه أن عروة حدثه أن عائشة رضي اللَّه عنها حدثته أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج من عندها ليلا، [قالت] [ (5) ] : فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع فقال: مالك يا عائشة؟ أغرت؟ فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟.   [ (1) ] الهوامّ: ما كان من خشاش الأرض، نحو العقارب وما أشبهها، الواحدة: هامّة، لأنها تهمّ، أي تدبّ، وهميمها دبيبها، وروى ابن عباس رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أنه كان يعوّذ الحسن والحسين فيقول: أعيذكما بكلمات اللَّه التامة، من شر كل شيطان وهامّة، ومن شرّ عين لامّة، ويقول: هكذا كان إبراهيم يعوذ إسماعيل وإسحاق عليهم السلام. والهوامّ: الحيّات، وكل ذي سمّ يقتل سمّه، وأما ما لا يقتل: فهو السوامّ مشدّدة الميم، لأنها تسمّ ولا تبلغ أن تقتل، مثل: الزّنبور والعقرب وأشباهها. والقوامّ: هي أمثال القنافذ، والفأر، واليراسيع، والخنافس، فهذه ليست بهوامّ ولا سوامّ، والواحدة من هذه كلها: هامّة، وسامّة، وقامّه. (لسان العرب) : 12/ 661- 662. [ (2) ] في (خ) : «ما فيكم» . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 163، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم- باب (16) تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قرينا، حديث رقم (69) من أحاديث الباب، وأخرجه أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 185، حديث رقم (127) . [ (4) ] المرجع السابق: 163- 164. [ (5) ] زيادة في السياق من المرجع السابق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أقد جاءك شيطانك؟ قلت: يا رسول اللَّه! أو معي شيطان؟ قال: نعم، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم، قلت: ومعك يا رسول اللَّه؟ قال: نعم ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم [ (1) ] . وقال الترمذي: وسمعت علي بن خشرم يقول: قال سفيان بن عيينة في تفسير قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ولكن اللَّه أعانني عليه فأسلم، يعني أسلم أنا منه [ (2) ] . قال سفيان: الشيطان لا يسلم. وقال أبو نعيم: وقوله فأسلم، يعني استسلم وانقاد، فليس بأمر بشر، وقيل: أسلم: أي آمن، فيكون عليه السلام مختصا بإسلام قرينه وإيمانه [ (3) ] . وذكر [من] حديث إبراهيم بن صدقة قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فضلت على آدم بخصلتين: كان شيطاني كافرا فأعانني اللَّه عليه حتى أسلم، وكن أزواجي عونا لي، وكان شيطان آدم كافرا وزوجته عونا له على خطيئته [ (4) ] . وله من حديث الصلت بن مسعود قال: حدثنا عثمان بن مطر عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان ساجدا بمكة، فجاء إبليس فأراد أن يطأ [على] [ (5) ] عنقه، فنفخه جبريل عليه السلام نفخة بجناحيه، فما استقرت   [ (1) ] المرجع السابق: 164، حديث رقم (70) ، قوله: «إلا أن اللَّه أعانني عليه فأسلم» ، «فأسلم» برفع الميم وفتحها، وهما روايتان مشهورتان، فمن رفع قال: معناه أسلم أنا من شرّه وفتنته، ومن فتح قال: أن القرين أسلم من الإسلام، وصار مؤمنا لا يأمرني إلا بخير ... وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان. (مسلم بشرح النووي) : 17/ 163- 164 مختصرا. [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 185، الفصل الثالث عشر، ذكر ما خصه اللَّه به عزّ وجلّ من العصمة، وحماه من التدين بدين الجاهلية، وحراسته إياه عن مكائد الجن والإنس، واحتيالهم عليه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (127) . وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 662، حديث رقم (3792) . [ (4) ] أخرجه البيهقي في (الدلائل) : 5/ 488 وهو من رواية محمد الوليد بن أبان القلانسيّ البغدادي، مولى بني هاشم، عن يزيد بن هارون. قال ابن عديّ: كان يضع الحديث. وقال أبو عرّوبة: كذاب. وقال الدار الدّارقطنيّ: ضعيف، وله أباطيل ذكرها الذهبي في (ميزان الاعتدال) : 4/ 59، ترجمة رقم (8293) . [ (5) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 قدماه على الأرض حتى بلغ الأردن [ (1) ] . قال: ورواه حجاج الصواف عن ثابت. وله من حديث الحسن بن سفيان قال: حدثنا عبيد اللَّه بن عمر بن ميسرة، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا أبو التّيّاح [ (2) ] ، قال: سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش [ (2) ] : كيف صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين كادته الشياطين؟ قال: تحدّرت عليه الشياطين من الجبال والأودية يريدونه [ (3) ] ، [قال:] [ (4) ] وفيهم شيطان بيده مشعلة من نار، يريد أن يحرق بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رآهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فزع منهم. فجاءه [ (5) ] جبريل فقال له: يا محمد، قل: أعوذ بكلمات اللَّه التامات التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شرّ فتنة الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا [ (6) ] يطرق بخير يا رحمان، فقالهن فطفئت نار الشيطان وهزمهم. قال: حدث به أحمد بن حنبل عن سيار بن حاتم عن جعفر مثله، وقال: ابن حبيش [ (7) ] . ولأبي نعيم من حديث الأوزاعي قال: حدثني إبراهيم بن طريف قال: حدثني يحيى بن سعيد قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثني عبد اللَّه بن مسعود قال: كنت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليلة صرف إليه نفر من الجن، فأتى رجل من الجن بشعلة من نار إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال جبريل: يا محمد، ألا أعلمك   [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) 1/ 190- 191، باب: أما حراسة اللَّه عزّ وجلّ إياه صلّى اللَّه عليه وسلم من كيد إبليس وجنوده، حديث رقم (136) ، وأخرجه الطبراني في (الأوسط) ، وفيه عثمان بن مطر، وهو ضعيف. [ (2) ] في (خ) : «أبو السياج» ، «خنيس» ، وفي (مسند أحمد) : «خنيش» . [ (3) ] في (دلائل أبي نعيم) : «يريدون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم» . [ (4) ] زيادة من المرجع السابق. [ (5) ] في المرجع السابق: «فجاء» . [ (6) ] في (خ) : «طارق» ، وما أثبتناه حق اللغة. [ (7) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 191، حديث رقم (137) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 431، من حديث عبد الرحمن بن خنيش رضي اللَّه تعالى عنه. حديث رقم (15034) قال: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا سيار بن حاتم أبو سلمة العنزي، قال: حدثنا جعفر- يعني ابن سليمان- قال: حدثنا أبو التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنيش وكان كبيرا: أدركت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: قلت: كيف صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليلة كادته الشياطين؟ فقال.. وذكر الحديث. وهذا الحديث رجاله ثقات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 كلمات إذا قلتهن طفئت [ (1) ] شعلته وانكب إلى منخره [ (2) ] ؟. قل: أعوذ بوجه اللَّه الكريم وكلماته التامة التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها، ومن شر فتن الليل ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخير يا رحمان [ (3) ] . وله من حديث عبد الأعلى بن حماد قال: حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ونائلة وإساف، لو قد رأينا محمدا لقمنا [ (4) ] إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله. فأقبلت ابنته فاطمة عليها السلام حتى دخلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: هؤلاء الملأ من قومك قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من ديتك [ (5) ] . قال: يا بنية، ائتني بوضوئي [ (6) ] ، فتوضأ ثم دخل المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هو ذا، وخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم وعقروا [ (7) ] في مجالسهم، فلم [ (8) ] يرفعوا إليه أبصارهم [ (9) ] ، ولم يقم منهم إليه رجل، وأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى قام على رءوسهم فأخذ كفا [ (10) ] من تراب فقال: شاهت الوجوه، ثم حصبهم [بها] [ (11) ] ، فما أصاب رجل منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر [كافرا] [ (11) ] .   [ (1) ] في (خ) : «كفيت» . [ (2) ] في (دلائل أبي نعيم) : «لمنخره» . [ (3) ] هذا الحديث انفرد به أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 192، حديث رقم (138) وكذا أشار إليه السيوطي في (الخصائص) : 1/ 313، وله شاهد من أحاديث الباب. [ (4) ] في (خ) : «لقد قمنا» . [ (5) ] في (خ) و (المسند) «من دمك» . [ (6) ] في (خ) : «بوضوء» . [ (7) ] في (خ) : «وعرقوا» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) ، (مسند الإمام أحمد) . [ (8) ] في (خ) : «ولم» . [ (9) ] في (المسند) : «بصرا» . [ (10) ] في (المسند) : «قبضة من تراب» وفي (دلائل أبي نعيم) «حفنة من تراب» . [ (11) ] زيادة للسياق من (المسند) . هذا الحديث أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 192- 193، باب عصمة اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الأعلى، وله من حديث يحيى ابن عبد الحميد قال: حدثنا ابن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [ (1) ] جاءت امرأة أبي لهب [ (2) ] إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومعه أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه: لو تنحيت عنها لا تسمعك شيئا يؤذيك، فإنّها امرأة بذيئة، فقال [صلّى اللَّه عليه وسلم] : سيحال بيني وبينها، فلم تره. فقالت لأبي بكر: هجانا صاحبك، فقال [أبو بكر] [ (3) ] : واللَّه ما ينطق بالشعر ولا يقوله، قالت، إنك لمصدق، فاندفعت راجعة فقال أبو بكر: ما رأتك يا رسول اللَّه؟ قال: كان بيني وبينها ملك يسترني حتى ذهبت [ (4) ] . قال أبو نعيم: كذا رواه ابن فضيل مرسلا، ورواه عبد السلام بن حرب وغيره متصلا عن ابن عباس. وله من حديث سفيان بن عيينة قال: حدثنا الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنها قالت: لما نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وبيدها فهر وهي تقول: مذمما أبينا ... ودينه قلينا وأمره عصينا ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر رضي اللَّه عنه، فلما رآها   [ () ] حين تعاقد المشركون على قتله، حديث رقم (139) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 498- 499، حديث رقم (2757) ، 1/ 607، حديث رقم (3475) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 3/ 170، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (2742/ 340) ، عن ابن عباس عن فاطمة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: اجتمع مشركو قريش في الحجر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا بنية اسكني، ثم خرج فدخل عليهم المسجد فرفعوا رءوسهم ثم نكسوا، فأخذ قبضة من تراب فرمى بها نحوهم ثم قال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلا منهم إلا قتل يوم بدر. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي هامشه: حذفه الذهبي في التلخيص لضعفه. [ (1) ] المسد: 1. [ (2) ] هي العوراء واسمها أروى بنت حرب بن أمية، أخت أبي سفيان، تكنى بأم جميل. [ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (4) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 193- 194، حديث رقم (140) ، والبخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة المسد، باب (4) قوله: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، حديث رقم (4973) (فتح الباري) 8/ 957- 958، (تفسير ابن كثير) : 4/ 604 عند تفسير سورة المسد، (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 14/ 440، كتاب التاريخ، باب المعجزات، حديث رقم (6511) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 أبو بكر قال يا رسول اللَّه قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إنها لن تراني وقرأ قرآنا فاعتصم به، كما قال [تعالى] [ (1) ] : وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [ (2) ] . فأقبلت وقفت على أبي بكر ولم تر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر، إني خبّرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولّت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها [ (3) ] . قال: وعثرت أم جميل وهي تطوف بالبيت في مرطها [فقالت] : تعس مذمم، فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب: إني حصان فما أكلّم، وثقاف فما أعلم، وكلتانا من بني العم، ثم قريش بعد أعلم [ (4) ] . وله من حديث إبراهيم بن سعد وبريد بن أبي حبيب، وشعيب ومعاوية ويحيى وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وعبيد اللَّه بن زياد، كلهم عن محمد بن شهاب الزهري عن سنان بن أبي سنان الدّؤليّ عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: غزونا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوة نجد، فأدركنا القائلة في واد كثير العضاة، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها. قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده، فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: اللَّه، قال: فشام السيف، ها هو ذا [جالس] [ (5) ] لم يعرض [له] [ (5) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ (1) ] في (المستدرك) : «كما قال وقرأ» . [ (2) ] الإسراء: 54. [ (3) ] أخرجه الحاكم في (المستدرك) : 2/ 393، كتاب التفسير تفسير سورة بني إسرائيل، حديث رقم (3376/ 513) ، وقال في آخره: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: (صحيح) ، والحميدي في (المسند) : 1/ 153- 154، أحاديث أسماء بن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنها، حديث رقم (323) ، ابن كثير في (التفسير) : تفسير سورة المسد، 4/ 604، والفهر: الحجر، والولولة: العويل. [ (4) ] هذه الفقرة ضمن الحديث رقم (323) من (مسند الحميدي) ، وأولها: قال: فقال الوليد في حديثه، أو قال غيره تعثرت ... [ (5) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 ورواه أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري، حدثني سنان [ (1) ] بن أبي سنان [الدؤلي] [ (2) ] وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري أخبرهما أنه غزا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوة قبل نجد، فلما قفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة يوما في واد كثير العضاة، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحت ظل [شجرة] فعلق بها سيفه فنمنا تحته كذا، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعونا فأجبناه، فإذا عنده أعرابي جالس فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: اللَّه، فشام السيف فجلس فسلم بعافية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد فعل ذلك [ (3) ] . قال أبو نعيم: ورواه الحسن عن جابر، ورواه معمر والنعمان بن راشد عن الزهري عن أبي سلمة دون سنان. ومن حديث شعبة عن أبي إسرائيل عن جعدة قال: شهدت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأتى برجل فقيل: يا رسول اللَّه! هذا أراد أن يقتلك، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لم ترع لم ترع، لو أردت ذلك لم يسلطك اللَّه على قتلي [ (4) ] . وخرجه الإمام أحمد به نحوه. ولأبي نعيم من حديث عبد اللَّه بن المبارك عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 49- 50، كتاب الفضائل، باب (4) توكله على اللَّه تعالى وعصمة اللَّه تعالى له من الناس، حديث رقم (843) . [ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (14) من أحاديث الباب. والعضاة: كل شجرة ذات شوك. صلتا: مسلولا. شام السيف: غمده ورده في غمده، فهو من الأضداد، والمراد هنا: أغمده. وأخرجه أيضا البخاري في كتاب المغازي، باب (32) غزوة ذات الرقاع حديث رقم (4134) ، (4135) ، واسم الرجل: غورث بن الحارث (فتح الباري) : 7/ 541- 542، والبيهقي في (دلائل النبوة) : 3/ 373 باب عصمة اللَّه عزّ وجلّ رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم عما همّ به غورث بن الحارث من قتله وكيفية صلاة الخوف. [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 194، حديث رقم (143) ، (مسند الإمام أحمد) : 4/ 514، من حديث جعدة رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (15441) ، وأخرجه ابن هشام في (السيرة) : 4/ 159 تحت عنوان: غورث يهم بقتل الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وما نزل فيه من القرآن، وقال في آخره: فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 قال: قال شيبة بن عثمان: لمّا غزا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حنينا تذكرت أبي وعمي قتلهما عليّ وحمزة رضي اللَّه عنهما، فقلت: اليوم أدرك ثأري في محمد، فجئته من خلفه فدنوت منه ودنوت، حتى لم يبق إلا أن أسوره بالسيف، رفع لي شواظ من نار [كأنه] البرق، فخفت أن يحبسني، فنكصت القهقرى فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: تعالى يا شيبة، قال: فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده على صدري فاستخرج اللَّه الشيطان من قلبي، فرفعت إليه بصري وهو أحب إليّ من سمعي وبصري ومن كذا [ (1) ] فذكر الحديث. ومن حديث ابن إسحاق عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن جابر أن رجلا من محارب يقال له غورث بن الحرث قال لقومه: أقتل لكم محمدا، قالوا: كيف تقتله؟ فقال: أفتك به، فأقبل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- وهو جالس وسيفه في حجره- فقال: يا محمد! انظر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم، [وكان محلى بالفضّة] [ (2) ] ، فأخذه فاستله وجعل يهزه ويهم فيكبته اللَّه، فقال: يا محمد! ألا تخافني؟ [ (3) ] قال: لا، وما أخاف منك، قال: أما تخافني وفي يدي السيف؟ قال: لا، يمنعني اللَّه منك، ثم غمد السيف ورده إلى رسول اللَّه [ (4) ] صلّى اللَّه عليه وسلم فأنزل اللَّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [ (5) ]   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 195، حديث رقم (144) ، (الإصابة) : 3/ 371، وقد أورد هذا الحديث بنحوه ضمن ترجمة شيبة بن عثمان، وهو الأوقص بن أبي طلحة بن عبد اللَّه بن عبد العزى ابن عبد الدار القرشي العبدري الحجبيّ، أبو عثمان، قال البخاري وغير واحد: له صحبة، أسلم يوم الفتح، وكان أبوه ممن قتل بأحد كافرا، وكان شيبة ممن ثبت يوم حنين بعد أن كان أراد أن يغتال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقذف اللَّه تعالى في قلبه الرعب. فوضع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يده على صدره فثبت الإيمان في قلبه، وقاتل بين يديه صلّى اللَّه عليه وسلم. رواه ابن أبي خيثمة عن مصعب النميري، وذكره ابن إسحاق في (المغازي) بمعناه. (الإصابة) : 3/ 371، ترجمة رقم (3949) . أخرجه أيضا البيهقي في (دلائل النبوة) : 5/ 128، عن ابن إسحاق والواقدي في (المغازي) : 3/ 910، وقال فيه: فرفعت إليه رأسي وهو أحب إليّ من سمعي وبصري وقلبي ثم قال: يا شيب، قاتل الكفار، فقال: فتقدمت بين يديه أحبّ واللَّه أقيمه بنفسي وبكل شيء، فلما انهزمت هوازن رجع إلى منزله، ودخلت عليه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: الحمد للَّه الّذي أراد بك خيرا مما أردت، ثم حدثني بما هممت به. [ (2) ] زيادة للسياق من (ابن هشام) . [ (3) ] في ابن إسحاق: «أما» . [ (4) ] في (ابن هشام) : «ثم عمد إلى سيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فرده عليه» . [ (5) ] المائدة: 11، والحديث في (سيرة ابن هشام) : 4/ 159، وفي (دلائل أبي نعيم) : 1/ 195، حديث رقم (145) ، وفيه عمرو بن عبيد، وهو معتزلي مشهور، كان داعية إلى بدعة، اتهمه جماعة مع أنه كان عابدا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 ومن حديث سعيد بن سلمة بن أبي الحسام قال: حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر رضي اللَّه عنه قال: خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى سفر فجاء إلى شجرة فقال تحتها وعلق سيفه بها، فجاء أعرابي فسلّ السيف فقام به على رأسه فقال: يا محمد! من يمنعك مني؟ فاستيقظ فقال: اللَّه، فأخذه راجف فوضع السيف وانطلق [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث عفان قال: حدثنا أبان بن يزيد، حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال: أقبلنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع، وكنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول اللَّه، فجاء رجل من المشركين وسيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم معلق بالشجرة، فأخذ سيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاخترطه، فقال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أتخافني؟ قال: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال: اللَّه يمنعني منك، قال: فتهدده أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأغمد السيف وعلقه [ (2) ] . ولأبي نعيم من حديث آدم بن أبي إياس قال: حدثنا حبان بن علي، حدثنا سعد بن طريف الإسكاف عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أراد الحاجة أبعد المشي، فانطلق ذات يوم لحاجته ثم توضأ ولبس أحد خفيه، فجاء طائر أخضر، فأخذ الخف الآخر فارتفع بها ثم ألقاه، فخرج منه أسود [ (3) ] سالخ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هذه كرامة أكرمني اللَّه بها، ثم قال: اللَّهمّ إني أعوذ بك من شر من يمشي على بطنه، وشر من يمشي على رجلين، وشر من يمشي على أربع [ (4) ] .   [ (1) ] ما قبله وما بعده يشهدان على صحته. [ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 339، حديث رقم (14512) وتمامه: فنودي بالصلاة، فصلّى بطائفة ركعتين وتأخروا، وصلّى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتان، وأخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 196، حديث رقم (146) ، وأخرجه الإمام أحمد أيضا في (المسند) : 4/ 248، حديث رقم (23925) من حديث جابر أيضا لكن بسياقة أخرى. [ (3) ] السالخ: الأسود من الحيّات شديد السّواد، وأقتل ما يكون من الحيات إذا سلخت جلدها. (لسان العرب) : 3/ 25. [ (4) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 198، حديث رقم (150) ، والسيوطي في (الخصائص الكبرى) : 2/ 277، وابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 167 عن البيهقي من طريق أخرى غير طريق أبي نعيم عن عكرمة عن ابن عباس أيضا، وانتهى حديثه عن قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «على بطنه» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 ومن حديث إسماعيل بن عباس عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة رضي اللَّه عنه قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بخفيه يلبسهما، فلبس أحدهما ثم جاء غراب فاحتمل الآخر فرمى به، فخرجت منه حية، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما [ (1) ] . ومن حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه، أن رجلا من بني مخزوم قام إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وفي يده فهر ليرمي به رسول اللَّه، فلما أتاه وهو ساجد رفع يده وفيها الفهر ليدفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيبست يده على الحجر فلم يستطع إرسال الفهر من يده. فرجع إلى أصحابه فقالوا: أجبنت عن الرجل؟ قال: لم أفعل، ولكن هذا في يدي لا أستطيع إرساله، فعجبوا من ذلك، فوجدوا أصابعه قد يبست على الفهر، فعالجوا أصابعه حتى خلصوها، وقالوا: هذا شيء يراد [ (2) ] . ومن حديث علي بن عبيد عن النضر [بن عبد الرحمن أبي] [ (3) ] أبي عمرو الخزاز، عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المسجد فيجهر بالقراءة حتى تأذّى به ناس من قريش حتى قاموا ليأخذوه، فإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم، وإذا هم عمي لا يبصرون. فجاءوا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: ننشدك اللَّه والرّحم يا محمد، قال: ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وللنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم فيهم قرابة- فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى ذهب ذلك عنهم فنزلت يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [ (4) ] إلى قوله: وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [ (5) ] ، قال: فلم يؤمن من أولئك النفر أحد [ (6) ] . ومن حديث أبي شيبة الواسطي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أن رجلا من آل المغيرة قال: لأقتلن محمدا فأوثب فرسه في الخندق، فوقع فاندقت رقبته وقالوا: يا محمد، ادفعه إلينا نواريه وندفع إليك ديته، فقال: ذروة، فإنه خبيث، خبيث الدية.   [ (1) ] (كنز العمال) : 15/ 410- 411، حديث رقم (41612) وعزاه إلى الطبراني عن أبي أمامة. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 199، حديث رقم (152) ، انفرد به أبو نعيم كما في (الخصائص) : 1/ 320، وهو مرسل. [ (3) ] زيادة للنسب من (دلائل أبي نعيم) ، (تهذيب التهذيب) . [ (4) ] يس: 1- 3. [ (5) ] يس: 10. [ (6) ] انفرد به أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 199- 200، حديث رقم (153) ، وفيه النضر بن عبد الرحمن أبو عمر، وهو متروك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 ومن حديث ابن إسحاق قال: وحدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس والحسن بن عمارة، عن الحكم بن عيينة عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما عرفت قريش أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد كانت له شيعة وأصحاب من غير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا دارا أصابوا منهم منعة، فحذروا خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليهم وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له في دار الندوة- وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا [إلا] فيها، يتشاورون ما يصنعون في أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين خافوه. فلما اجتمعوا لذلك في ذلك اليوم [ (1) ] الّذي اتعدوا له، وكان ذلك اليوم يسمى الزحمة، اعترض لهم إبليس في هيئة [رجل] [ (2) ] شيخ جليل عليه بت له، فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابهم قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم [له] [ (2) ] فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى أن لا يعدمكم منه رأي ونصح، قالوا: أجل، فادخل فدخل معهم. فذكر الحديث إلى [أن] قال: اجتمعوا له وفيهم أبو جهل، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأخذ حفنة من تراب في يده، قال: وأخذ اللَّه على أبصارهم فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو هذه الآيات: يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [ (3) ] إلى قوله: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [ (4) ] ، حتى فرغ من هؤلاء فلم يبق رجل إلا وضع على رأسه ترابا ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب. فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: ما ينتظر هؤلاء؟ قالوا: محمدا، قال: خيبكم اللَّه!! قد واللَّه خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته، أفلا ترون ما بكم؟ فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب [ (5) ] ، الحديث، وسيأتي مبسوطا في ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكة وهجرته إلى المدينة ونزوله على الأنصار. وقال الواقدي: حدثني قدامة بن موسى عن عبد العزيز بن رمانة عن عروة   [ (1) ] في (خ) : «فلما اجتمعوا في ذلك لذلك اليوم» ، وما أثبتناه (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (3) ] يس: 1- 2. [ (4) ] يس: 9. [ (5) ] هذا الحديث جزء من حديث طويل ذكره أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 201- 204، حديث رقم (154) ، وأخرجه أيضا ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 227- 228. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 ابن الزبير قال: كان النضر بن الحرث يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ويتعرض له، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما يريد حاجته نصف النهار وفي حر شديد، فبلغ أسفل ثنية الحجون [ (1) ] ، فرآه النضر بن الحرث فقال: لا أجده أبدا أخلا منه الساعة فأغتاله. قال: فدنا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم انصرف راجعا مرعوبا إلى منزله، فلقى أبا جهل [ (2) ] فقال: من أين الآن؟ قال النضر: اتبعت محمدا رجاء أن أغتاله وهو وحده ليس معه أحد، فإذا أساود [ (3) ] تضرب بأنيابها على رأسه، فاتحة أفواهها فهالتني، فذعرت منها ووليت راجعا، فقال أبو جهل: هذا بعض سحره [ (4) ] . وقال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه، أن عتبة وشيبة وأبا سفيان بن [حرب] ، والنضر بن الحرث، وأبا البختري والأسود بن عبد المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد اللَّه بن أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، اجتمعوا ومن اجتمع منهم بعد غروب الشمس على ظهر الكعبة فقال بعضهم [إلى بعض] [ (5) ] : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه. فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك، قال: فجاءهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سريعا وهو يظن أن قد بدا لقومه في أمره بداء، وكان عليهم حريصا يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، وذكر القصة. فلما قام عنهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال أبو جهل يا معشر قريش! إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا، وإني أعاهد اللَّه لأجلسنّ له غدا بحجر ما أطيق حمله- أو كما قال- فإذا سجد [في صلاته] [ (5) ] رضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم.   [ (1) ] الحجون: جبل بأعلى مكة. [ (2) ] في (دلائل أبي نعيم) : «فلقيه أبو جهل فقال:» . [ (3) ] أساود: أشباح. [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 204- 205، حديث رقم (155) ، وفيه الواقدي، وهو متروك، وهو حديث مرسل، لأنه عروة بن الزبير من التابعين. [ (5) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 قالوا: واللَّه لا نسلمك لشيء أبدا، فامض لما تريد، فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف، وجلس لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كما كان يغدو، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة وقبلته إلى الشام، فكان إذا صلّى صلّى بين الركنين اليماني والأسود، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد قعدت قريش في أنديتها ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه، مرعوبا، قد يبست يداه على الحجر، فقذف الحجر من يده. وقامت إليه رجال قريش فقالوا: مالك يا أبا الحكم؟! قال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض دونه فحل من الإبل! لا واللَّه ما رأيت مثل هامته ولا قصرته [ (1) ] ولا أنيابه لفحل قط، فهم بأن يأكلني، فذكر لي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ذاك جبريل، لو دنا منه لأخذه. فلما قال لهم أبو جهل ذلك، قام النضر بن الحرث فقال: يا معشر قريش! إنه واللَّه لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله قط [ (2) ] . ولأبي نعيم من حديث إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا بن عمران قال: حدثني عبد اللَّه وعبد الرحمن ابنا زيد بن أسلم عن أبيهما، عن عطاء بن يسار عن ابن عباس، أن أربد بن قيس بن جزع بن جعفر بن خالد بن كلاب، وعامر بن الطفيل بن مالك قدما المدينة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فانتهيا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو جالس فجلسا بين يديه، فقال عامر بن الطفيل: يا محمد! ما تجعل لي إن أسلمت؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، قال عامر: أتجعل لي الأمر إن أسلمت من بعدك؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ليس ذلك لك ولا لقومك ولكن لك أعنة الخيل، قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد، اجعل لي الوبر ولك المدر [ (3) ] ، قال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] : لا، فلما قفا من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال [عامر] [ (4) ] : أما واللَّه لأملأنها عليك خيلا ورجالا، فقال   [ (1) ] قصرته: أصل عنقه. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 205- 206، حديث رقم (156) ، وابن إسحاق في (السيرة) : 1/ 294، والسيوطي في (الخصائص الكبرى) : 1/ 310، ورجاله كلهم ثقات إلا أنه منقطع، (هامش 205 من دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] الوبر: كناية عن أمر البادية، والمدر: كناية عن الحاضرة. [ (4) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يمنعك اللَّه، فلما خرج أربد وعامر، قال عامر: إني أشغل عنك محمدا بالحديث فاضربه بالسيف، فإن الناس إذا قتلت محمدا لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ويكرهوا الحرب، فسنعطيهم الدية، قال أربد: أفعل. فأقبلا راجعين إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال عامر: يا محمد! قم معي أكلمك، فقام معه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكلمه، وسلّ أربد السيف فلما وضع يده على سيفه يبست على قائم السيف فلم يستطع سلّه، وأبطأ أربد على عامر بالضرب، فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع فانصرف عنهما. فلما خرج عامر وأربد من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى إذا كانا بالحرة- حرة وأقم [ (1) ]- نزلا فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقالا: اشخصا يا عدوي اللَّه، لعنكما اللَّه، فقال عامر: من هذا يا سعد؟ قال: هذا أسيد بن حضير الكتائب، [قال] [ (2) ] فخرجا حتى إذا كانا بالرقم [ (3) ] أرسل اللَّه على أربد صاعقة فقتلته. وخرج عامر حتى إذا كان بالخريب أرسل اللَّه عليه قرحة فأخذته، فأدركه الليل في بيت امرأة من بني سلول يرغب أن يموت في بيتها ثم ركب فرسه فأحضره حتى مات عليه راجعا، فأنزل اللَّه فيهما: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ [ (4) ] إلى قوله: وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ [ (5) ] ، قال: المعقبات من أمر اللَّه: يحفطون محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم ثم ذكر أربد وما هم به فقال: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ [ (6) ] الآية إلى قوله: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ [ (7) ] . قال الواقدي: حدثني عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال: قدم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد توافقا على ما توافقا عليه من الغدر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما قدما قال عامر: خالني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يأبى اللَّه ذلك، وأينا قتله، فلما ولى عامر قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل.   [ (1) ] حرة واقم: إحدى قرى المدينة المنورة. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] الرقم: موضع بالمدينة المنورة. [ (4) ] الرعد: 8. [ (5) ] الرعد: 11. [ (6) ] الرعد: 12. [ (7) ] الرعد: 13. والحديث ذكر أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 107- 108، حديث رقم (157) بزيادة ونقصان، لكن رواية (خ) أتم، وفيه عبد العزيز بن عمران وهو متروك، وأخرجه ابن هشام في (السيرة) بدون إسناد، والبخاري في صحيحه، كتاب المغازي- باب غزوة الرجيع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 فلما خرجا قال عامر لأربد: أين ما كنت أوصيتك ووعدتني؟ قال: واللَّه ما كان على الأرض أحد أخوف عندي [على نفسي] [ (1) ] منك، وأيم اللَّه لا أخافك بعد اليوم، قال أربد: لا أبا لك، لا تعجل فو اللَّه ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت [ (2) ] بيني وبينه، حتى لو ضربته بالسيف ما ضربت غيرك، فترى أني كنت ضاربك، لا أبا لك!. قال: فخرجا راجعين إلى بلادهما، حتى إذا كانا ببعض الطريق أصاب عامر الطاعون في عنقه فقتله في بيت امرأة من سلول، ثم خرج أربد ومن معه من أصحابه حين رأوا عامرا قد مات، فقدموا أرض بني عامر فقالت بنو عامر: يا أربد! ما وراءك؟ قال: لا شيء، واللَّه لقد دعاني إلى عبادة شيء ليته الآن عندي فأرميه بمثل هذه- وأشار إلى مكان قريب- حتى أقبله، فخرج أربد بعد ذلك بيوم أو يومين معه جمل له يتبعه، فأرسل اللَّه صاعقة فاحترق هو وجمله، فبكاه لبيد فقال: أخشى على أربد الحتوف ولا.. القصيدة، وذكر القصة أيضا باختصار، وذكرها ابن إسحاق مطولة [ (3) ] . ومن حديث الليث بن سعد عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي فروة، عن أبان ابن صالح عن علي بن عبد اللَّه بن عباس عن أبيه عن العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه قال: كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل فقال: للَّه عليّ إن رأيت محمدا ساجدا أن أطأ على رقبته، فخرجت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبرته بقول أبي جهل، فخرج غضبان حتى جاء المسجد، وعجل أن يدخل من الباب، فاقتحم الحائط فقلت: هذا شر! فائتزرت ثم اتبعته.   [ (1) ] زيادة للسياق من (ابن هشام) . [ (2) ] في (خ) : «إلّا حلت» ، وما أثبتناه من (ابن هشام) . [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 260- 266، قصة عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس في الوفادة على بني عامر، وذكر شعرا كثيرا في بكاء لبيد أربد منه: ما إن تعدّى المنون من أحد ... لا والد مشفق ولا ولد أخشى على أربد الحتوف ولا ... أرهب نوء السّماك والأسد فعين هلا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام النساء في كبد وأخرجه البخاري في (الصحيح) ، حديث رقم (4091) ، انظر (فتح الباري) : 7/ 490- 491- كتاب المغازي باب (29) غزوة الرجيع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 فدخل يقرأ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ [ (1) ] ، فلما بلغ شأن أبي جهل: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [ (2) ] ، قال إنسان لأبي جهل: هذا محمد، فقال [أبو جهل] : ما ترون ما أرى! واللَّه لقد سدّ أفق السماء عليّ، فلما بلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم آخر السورة سجد [ (3) ] . ومن حديث محمد بن عثمان عن أبي شيبة قال: حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يذكر عن نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال أبو جهل: أيعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم، قال: واللَّه لئن رأيته يفعل لأطأن رقبته، ولأعفرن وجهه في التراب. فأتاه وهو يصلي ليطأ على رقبته، فما علم به إلا وهو ينكص على عقبيه ويرجع إلى خلفه ويتقي بيده، فقيل له: مالك؟ قال: رأيت بيني وبينه خندقا من نار وهولا، ورأيت ملائكة ذوي أجنحة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أما لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا، وأنزل اللَّه تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [ (4) ] ، إلى قوله: إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [ (5) ] يعني أبا جهل فَلْيَدْعُ نادِيَهُ [ (6) ] : قومه سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [ (7) ] : الملائكة [ (8) ] . وقد رويت من طرق عن ابن عباس [ (8) ] . وقال الزبير بن بكار: حدثنا أبو يحيى هارون وخرج الترمذي من حديث عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [ (7) ] ، قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لو فعل لأخذته الملائكة عيانا [ (9) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح.   [ (1) ] العلق: 1- 2. [ (2) ] العلق: 6- 7. [ (3) ] (فتح الباري) : 8/ 938، كتاب التفسير، باب (4) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ حديث رقم (4958) ، (دلائل البيهقي) : 2/ 191. [ (4) ] العلق: 6- 7. [ (5) ] العلق: 13. [ (6) ] العلق: 17. [ (7) ] العلق: 18. [ (8) ] أخرجه مسلم في (الصحيح) ، كتاب صفة القيامة، باب إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى، والبخاري في (الصحيح) ، كتاب التفسير، باب كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ، حديث رقم (4958) ، وأبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 208، حديث رقم (185) ، وابن كثير في (التفسير) : 4/ 565، في تفسير سورة العلق، والبيهقي في (الدلائل) : 2/ 1899. [ (9) ] (صحيح الترمذي) : 3/ 132، حديث رقم (2667- 3586) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 وقال الزبير بن بكار: حدثنا أبو يحيى هارون بن عبد اللَّه الزبيري عن عبد اللَّه بن سلمة عن عبد اللَّه بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة بن الزبير قال: حدثني عمرو بن عثمان بن عفان عن أبيه عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه قال: أكثر ما نالت قريش من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أني رأيته يوما- قال عمرو: ورأيت عيني عثمان ذرفتا حين ذكر ذلك. قال عثمان: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- يطوف بالبيت ويده في يد أبي بكر رضي اللَّه عنه، وفي الحجر ثلاثة جلوس: عتبة بن أبي معيط، وأبو جهل، وأمية بن خلف، فمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما حاذاهم أسمعوه بعض ما يكره، فعرف ذلك في وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدنوت منه حتى وسطته، فكان بيني وبين أبي بكر وأدخل أصابعه في أصابعي حتى طفنا جميعا، فلما حاذاهم قالوا: واللَّه ما نصالحك ما بلّ بحر صوفة وأنت تنهانا أن نعبد ما كان يعبد آباؤنا. فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إنا على ذلك، ثم مضى، فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك، حتى إذا كان في الشوط الرابع ناهضوه ووثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجمع ثوبه فدفعته في صدره فوقع على استه، ودفع أبو بكر أمية بن خلف، ودفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عقبة بن أبي معيط ثم انفرجوا عن رسول اللَّه وهو واقف، ثم قال لهم: أما واللَّه لا تنتهون حتى يحلكم اللَّه عقابه عاجلا. قال عثمان رضي اللَّه عنه: فو اللَّه ما منهم رجل إلا وقد أخذه أفكل وهو يرتعد، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: بئس أنتم لنبيكم، ثم انصرف إلى بيته وتبعناه فقال: أبشروا فإن اللَّه مظهر دينه ومتم كلمته وناصر نبيه، إن هؤلاء الذين ترون ممن يذبح اللَّه بأيديكم عاجلا، ثم انصرفنا إلى بيوتنا، قال: فو اللَّه لقد رأيتهم ذبحهم اللَّه بأيدينا [ (1) ] . ومن حديث علي بن مسهر وعبد الأعلى بن عبد الأعلى قالا: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه قال: ما رأيت قريشا أرادوا قتل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [إلا] [ (2) ] يوم [ (3) ] ائتمروا به وهم جلوس في ظل الكعبة،   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 112، (الجامع الكبير المخطوط) : 2/ 16. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] في (خ) وابن حبان: «يوما» ، وما أثبتناه من المرجع السابق، وهو حق اللغة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي عند المقام، فقام إليه عقبة بن أبي معيط فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبتيه ساقطا، وتصايح الناس فظنوا أنه مقتول، فأقبل أبو بكر رضي اللَّه عنه يشتد حتى أخذ بضبعي [ (1) ] رسول اللَّه من ورائه وهو يقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربي اللَّه؟ ثم انصرفوا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقام فصلّى. فلما قضى صلاته مر بهم وهم جلوس في ظل الكعبة فقال: يا معشر قريش! أما والّذي نفسي بيده ما أرسلت إليكم إلا بالذبح- وأشار بيده إلى حلقه- فقال أبو جهل: يا محمد، ما كنت جهولا، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنت منهم. قال أبو نعيم: ورواه سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمرو ابن العاص نحوه، ورواه محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص نحوه وقال: يا معشر قريش! أما والّذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح. قال: فأخذت القوم كلهم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طير واقع، حتى إنّ أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفأه [ (2) ] بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول: انصرف [يا] [ (3) ] أبا القاسم راشدا، فو اللَّه ما كنت جهولا [ (4) ] . ومن حديث داود بن أبي هند عن قيس بن حبتر قال: قالت ابنة الحكم: قلت لجدي الحكم: ما رأيت قوما أعجز منكم ولا أسوأ رأيا يا بني أمية في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: لا تلومينا يا بنية، إني لا أحدثك إلا ما رأيت بعيني هاتين، قلنا: واللَّه لا نزال نسمع قريشا تعلى أصواتها على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في هذا المسجد، تواعدوا له حتى يأخذوه.   [ (1) ] الضبع: ما بين الإبط إلى نصف الفخذ. [ (2) ] رفأ فلانا: أزال فزعه وسكنه من الرعب ونحوه. [ (3) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (4) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 208- 209، حديث رقم (159) من طريقين: عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن محمد بن عمرو بن العاص بهذا الإسناد، (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 14/ 529، كتاب التاريخ، باب كتب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فصل ذكر جعل المشركين رداء المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم في عنقه عند تبليغه إياهم رسالة ربه جلّ وعلا، حديث رقم (6569) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 قال: فتواعدنا فجئنا إليه لنأخذه فسمعنا صوتا ما ظننا أنه بقي جبل بتهامة إلا تفتت. قال: فغشى علينا فما عقلنا حتى قضى صلاته ورجع إلى أهله، ثم تواعدنا له ليلة أخرى، فلما جاء نهضنا إليه فجاء الصفا والمروة حتى التقتا [إحداهما] بالأخرى فحالتا بيننا وبينه، فو اللَّه ما نفعنا ذلك حتى رزقنا اللَّه الإسلام وأذن لنا فيه. ومن حديث محمد بن إسحاق عن عبد اللَّه بن عبد الملك بن أبي سفيان الثقفي- وكان راعية- قال: قدم رجل من إراش [ (1) ] بإبل له مكة، فابتاعها أبو جهل بن هشام فمطله بأثمانها، وأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالس في ناحية المسجد- فقال: يا معشر قريش! من رجل يعينني على أبي الحكم بن هشام، فإنّي رجل غريب ابن سبيل، وقد غلبني على حقي، قال: فقال أهل المجلس: ترى ذلك الرجل؟ - لرسول اللَّه وهم يهزءون به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة- اذهب إليه فهو يعينك عليه. فأقبل الإراشيّ [ (2) ] حتى وقف على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا عبد اللَّه، إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله، وأنا غريب ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يعينني عليه يأخذ لي حقي منه، فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقي منه رحمك اللَّه. قال: انطلق إليه، وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم معه، فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن كان معهم: اتبعه وانظر ماذا يصنع. قال: وخرج رسول اللَّه حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال: من هذا؟ قال: محمد، فاخرج إليّ، فخرج إليه وما في وجهه رائحة كذا قد انتقع لونه، فقال   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 209- 210، باب دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم على مشيخة قريش، حديث رقم (160) ، قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 8/ 227: وأخرجه الطبراني ورجاله ثقات، غير ابنة الحكم ولم أعرفها. وقال السيوطي في (الخصائص الكبرى) : 1/ 321: أخرجه الطبراني وابن منك. [ (2) ] قال الشيخ طه عبد الرءوف سعد في تعليقاته على (سيرة ابن هشام) : هو ابن الغوث أو ابن عمرو ابن الغوث بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبإ، وهو والد أنمار ولد بجيلة وخثعم. قال ابن هشام: ويقال إراشة. وإراشة: بطن من خثعم، وإراشة مذكورة في العماليق، في نسب فرعون صاحب مصر، وفي بلى أيضا: بنو إراشة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 له: أعط هذا الرجل حقه، قال: نعم، لا تبرح حتى أعطيه الّذي له، فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه، ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال للإراشيّ: ألحق بشأنك. فأقبل الإراشيّ حتى وقف على ذلك المجلس فقال: جزاه اللَّه خيرا، فقد واللَّه أخذ لي الّذي لي. قال: وجاء الرجل الّذي بعثوا معه فقالوا: ويحك! ماذا رأيت. قال: رأيت عجبا من العجب، واللَّه إن هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج إليه وما معه روحه فقال: أعط هذا حقه، قال نعم، لا تبرح حتى أخرج إليه حقه، فدخل، فخرج إليه بحقه فأعطاه إياه. قال: ثم لم يلبثوا أن جاءهم أبو جهل فقالوا له: ويلك! مالك؟ واللَّه ما رأينا مثل ما صنعت، فقال: ويحكم! إن هو إلا أن ضرب عليّ بابي وسمعت صوته فملئت منه رعبا ثم خرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل، ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، واللَّه لو أبيت لأكلني [ (1) ] . ورواه أبو يزيد المدني وأبو قزعة الباهلي، أن رجلا كان له على أبي جهل دين فلم يعطه [له] ، فقيل له: ألا ندلك على من يستخرج لك حقك؟ قال: بلى، قالوا: عليك بمحمد بن عبد اللَّه، فأتاه فجاء معه إلى أبي جهل فقال: أعط حقه، قال: نعم، فدخل البيت فأخرج دراهمه فأعطاه إياه، فقالوا لأبي جهل: فرقت من محمد كل هذا؟ قال: والّذي نفسي بيده لقد رأيت معه رجالا معهم حراب تلألأ. وقال أبو قزعة في حديثه: حرابا تلمع، لو لم أعطه لخفت أن تنفخ بها بطني. ورواه ابن حبان عن الحسن بن محمد قال: قال أبو زرعة الرازيّ عن شيبان بن فروخ وقال: حدثنا سلام بن مسكين، حدثنا أبو يزيد المدني وأبو قزعة مثله وقد تقدم قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا تعجبون كيف يصرف اللَّه عني شتم قريش ولعنهم؟ يشتمون   [ (1) ] (دلائل النبوة لأبي نعيم) : 1/ 210- 212، باب ذكر خبر آخر فيما اللَّه تعالى حجّ به أمر نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم لما كلم أبا جهل أن يؤدي غريمه حقه لما تقاعد به، حديث رقم (161) ، (سيرة ابن هشام) : 2/ 233- 235 ، باب أبو جهل والأراشي، (دلائل النبوة للبيهقي) : 2/ 192- 194. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 مذمما ويلعنون مذمما، وأنا محمدا [ (1) ] !   [ (1) ] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب (17) ما جاء في أسماء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقول اللَّه عزّ وجلّ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: 29] ، وقوله تعالى: مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6] ، حديث رقم (3533) ، قال الحافظ في (الفتح) : قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «يشتمون مذمما» ، كان الكفار من قريش من شدة كراهتهم في النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، لا يسمونه باسمه الدال على المدح، فيعدلون إلى ضده، فيقولون: مذمم، وإذا ذكروه بسوء قالوا: فعل اللَّه بمذمم، ومذمم ليس الاسم الدال على المدح، فيعدلون إلى ذكر ضده فيقولون: مذمم، وإذا ذكروه بسوء قالوا: فعل اللَّه بمذمم، ومذمم ليس هو اسمه، ولا يعرف به، فكان الّذي يقع منهم في ذلك مصروفا إلى غيره. قال ابن التين: استدل بهذا الحديث من أسقط حدّ القذف بالتعريض، وهم الأكثر خلافا لمالك، وأجاب بأنه لم يقع في الحديث أنه لا شيء عليهم في ذلك، بل الواقع أنهم عوقبوا على ذلك بالقتل وغيره. (فتح الباري) : 6/ 688- 692. وأخرجه أيضا أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 194، باب عصمة اللَّه رسوله اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين تقاعد المشركون على قتله، حديث رقم (142) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 فصل في ذكر حراسة السماء من استراق الشياطين السمع [ (1) ] عند بعثة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم برسالات اللَّه تعالى لعباده خرج الائمة من حديث أبي عوانة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: ما قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على الجن وما رآهم، انطلق رسول اللَّه في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خير السماء، وأرسل عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما ذاك إلا من أمر حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا واللَّه الّذي خال بينكم وبين خبر السماء. الحديث خرجه البخاري. وسيأتي في إسلام الجن [ (2) ] . وخرج أبو نعيم من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا تسعا، فأما الكلمة فتكون حقا، وأما ما زادوا فتكون باطلا، فلما بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم منعوا مقاعدهم، فذكر ذلك لإبليس- ولم يكن النجوم يرمى بها قبل ذلك- فقال لهم إبليس: هذا لأمر قد حدث في الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائما يصلي بين جبلين، فأتوه فأخبروه فقال: هذا الأمر الّذي قد حدث في الأرض [ (3) ] .   [ (1) ] قال تعالى، حكاية عن الجن: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ: أصل اللمس المسّ، ثم استعير للتطلب، والمعنى: طلبنا بلوغ السماء لاستماع كلام أهلها، فوجدناها ملئت. وقوله: فَوَجَدْناها مُلِئَتْ: يدل على أنها كانت قبل ذلك يطرقون السماء ولا يجدونها قد ملئت. مقاعد جمع مقعد، وقد فسّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صورة قعود الجن أنها كانوا واحدا فوق واحد، فمتى أحرق الأعلى طلع الّذي تحته مكانه، فكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان ويزيدون معها، ثم يزيد الكهان الكلمة مائة كذبة. (البحر المحيط) : 10/ 296. [ (2) ] سيأتي تخريجه وشرحه في مناسبته إن شاء اللَّه تعالى. [ (3) ] ونحوه باختلاف يسير في (تفسير ابن كثير) : 4/ 175- 176 تفسير سورة الأحقاف. قال ابن كثير: ورواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننهما من حديث إسرائيل به، وقال الترمذي: حسن صحيح، وهكذا رواه أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 ومن حديث محمد بن فضيل عن عطاء ابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: لم تكن قبيلة من الجن إلا ولهم مقعد [للسمع] [ (1) ] ، فإذا نزل الوحي سمعت الملائكة صوتا كصوت الحديدة ألقيتها على الصفا [ (2) ] ، قال: فإذا سمعت الملائكة خروا سجدا، فلم يرفعوا رءوسهم حتى ينزل، فإذا نزل قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم؟ فإن كان مما يكون في السماء قالوا: الحق وهو العلي الكبير، وإن كان مما يكون في الأرض من أمر الغيب أو موت أو شيء مما يكون في الأرض تكلموا به، قالوا: يكون كذا كذا، فتسمعه الشياطين فينزلونه على أوليائهم، فلما بعث محمد صلّى اللَّه عليه وسلم دحروا بالنجوم، فكان أول من علم بها ثقيف، فكان ذو الغنم منهم ينطلق إلى غنمه فيذبح كل يوم شاة، وذو الإبل ينحر كل يوم بعيرا، فأسرع الناس في أموالهم فقال بعضهم لبعض: لا تفعلوا، فإن كان النجوم التي تهتدون بها [وإلا] [ (3) ] فإنه أمر حدث، فنظروا فإذا النجوم التي يهتدى بها كما هي لم يزل من منها شيء، فكفوا، وصرف اللَّه الجن فسمعوا القرآن، فلما حضروه [ (4) ] قالوا: أنصتوا، وانطلقت الشياطين إلى إبليس فأخبروه فقال: هذا حدث حدث في الأرض، فأتوني من كل أرض بتربة، فأتوه بتربة تهامة فقال: ها هنا الحدث [ (5) ] . ومن حديث الواقدي قال: فحدثني محمد بن صالح عن ابن أبي حكيم- يعني إسماعيل- عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: لما بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم   [ () ] وكذا رواه العوفيّ عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أيضا بمثل هذا السياق بطوله. وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 2/ 239- 240 باختلاف يسير أيضا. [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] أي كصوت الحديدة إذا ألقيتها على الصفا، والصفا: الحجر الأملس، قال تعالى: كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ [البقرة: 264] والصفوان: جمع الصفا. [ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (4) ] في المرجع السابق: «فلما حضروا» ، وما أثبتناه من (خ) ، وهي كما في التنزيل. [ (5) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 225- 226، باب حراسة السماء من استراق السمع لثبوت بعثته وعلوّ دعوته صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (177) وأخرجه أيضا البيهقي في (دلائل النبوة) : 2/ 240- 241، وقال في آخره: فأتوني من كل تربة أرض، فأتوه بها، فجعل يشمّها فلما شم تربة مكة قال: من هاهنا جاء الحدث، فنصتوا، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد بعث. ورواه ابن كثير في (التفسير) : 4/ 458 تفسير سورة الجن باختلاف يسير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 أصبح كل صنم منكسا، فأتت الشياطين إبليس فقالت له: ما على الأرض من صنم إلا وقد أصبح منكسا، قال: هذا نبي قد بعث، فالتمسوه في قرى الأرياف، فالتمسوه فقالوا: لم نجده، قال: أنا صاحبه، فخرج يلتمس فنودي: عليك بحبة القلب- يعني مكة- فالتمسه بها، فوجده عند قرن الثعالب [ (1) ] ، فخرج إلى الشياطين فقال: قد وجدته معه جبريل، فما عندكم؟ قالوا: نزين الشهوات في أعين أصحابه، ونحببها إليهم، قال: فلا [شيء] [ (2) ] إذا [ (3) ] . وحدثني طلحة بن عمرو عن ابن أبي مليكة عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنه قال: لما كان اليوم الّذي [تنبأ] [ (4) ] فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منعت الشياطين من السماء، ورموا بالشهب، فجاءوا إلى إبليس فذكروا له ذلك فقال: أمر قد حدث، هذا نبي قد خرج عليكم بالأرض المقدسة مخرج بني إسرائيل قال: فذهبوا إلى الشام ثم رجعوا إليه فقالوا: ليس بها أحد، فقال إبليس، أنا صاحبه، فخرج في طلبه بمكة فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بحراء منحدرا ومعه جبريل عليه السلام، فرجع إلى أصحابه فقال: قد بعث أحمد ومعه جبريل، فما عندكم؟ قالوا: الدنيا نحببها إلى الناس [ (5) ] ، قال: فذاك إذا [ (6) ] . وحدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن عمر بن عبد اللَّه العنسيّ عن ابن كعب قال: لم يرم بنجم منذ رفع عيسى ابن مريم عليه السلام حتى [تنبأ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما [تنبأ] رمي بها، فرأت قريش أمرا لم تكن تراه، جعلوا يسيبون أنعامهم ويعتقون أرقّاءهم، يظنون أنه الفناء، فبلغ ذلك من فعلهم أهل الطائف،   [ (1) ] قرن الثعالب: هو قرن المنازل، ميقات أهل نجد، وهو يبعد عن مكة مسيرة يوم وليلة (معجم البلدان) : 4/ 377. موضع رقم (9560) . [ (2) ] في (خ) : «فلا أساء» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 226- 227، حديث رقم (178) ، وأخرجه السيوطي في (الخصائص) : 1/ 273. [ (4) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (5) ] في (خ) : «نحببها للناس» ، وما أثبتناه من المرجع السابق، وهو أجود للسياق. [ (6) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 227، حديث رقم (179) ، و (الخصائص الكبرى) : 1/ 275، وفيه الواقدي وهو متروك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 ففعلت ثقيف مثل ذلك، فبلغ عبد ياليل بن عمرو ما صنعت ثقيف فقال: ولم فعلتم ما أرى؟ قالوا: رمي بالنجوم فرأيناها تتهافت من السماء، قال: إن إفادة المال بعد ذهابه شديد، فلا تعجلوا، وانظروا: فإن تكن نجوما تعرف فهو عند فناء الناس، وإن كانت نجوما لا تعرف فهو عند أمر حدث، فنظروا، فإذا هن لا تعرف، فأخبروه فقال: الأمر فيه مهلة بعد، هذا عند ظهور نبي، فما مكثوا إلا يسيرا حتى قدم الطائف أبو سفيان بن حرب إلى أمواله، فجاء عبد ياليل فذاكره أمر النجوم، فقال أبو سفيان: ظهر محمد بن عبد اللَّه يدعى أنه نبي مرسل، قال عبد ياليل: فعند ذلك رمي بها. وحدثني طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كانت الشياطين يستمعون الوحي، فلما بعث اللَّه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم منعوا، فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: لقد حدث أمر فرمى فوق أبي قبيس- وهو أول جبل وضع على الأرض- فرأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلّى خلف المقام، فقال: أذهب فأكسر عنقه، فجاء يخطر وجبريل عنده فركضه جبريل ركضة طرحه في كذا وكذا، فولى الشيطان هاربا [ (1) ] . ولأبي نعيم من حديث يعقوب الدورقي قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن حجاج بن أبي عثمان الصواف، عن ثابت [البناني] [ (2) ] عن أنس رضي اللَّه عنه قال: إن إبليس ما بين قدميه [ (3) ] إلى كعبيه [ (3) ] مسيرة كذا وكذا، وإن عرشه لعلى البحر، ولو ظهر للناس لعبد، قال: فلما بعث اللَّه محمد صلّى اللَّه عليه وسلم أتاه وهو يجمع بكيده فانقض عليه جبريل فدفعه بمنكبه فألقاه بوادي الأردن [ (4) ] . [وقال الواقدي: فحدثني عمر بن إسحاق أخو محمد بن إسحاق قال: سمعت نافع بن جبير يقول: كانت الشياطين في الفترة تسمع ولا ترى، فلما بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رميت بالشهب] [ (5) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 227- 228، حديث رقم (180) ، (الخصائص الكبرى) : 1/ 278، وفيه الواقدي وهو متروك. [ (2) ] زيادة في النسب من (دلائل أبي نعيم) وكتب الرجال. [ (3) ] في (خ) : «قدمه» ، «كعبه» . [ (4) ] هذا الحديث انفرد به أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 228، حديث رقم (181) ، ونقله عنه السيوطي في (الخصائص الكبرى) : 1/ 287. [ (5) ] ما بين الحاصرتين زيادة من (خ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 فصل في ذكر بعثة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أن الناس قد اختلفوا في بعثة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأنكرها قوم وأقرّ بها قوم، ثم اختلف المعترفون بها فجوزها البراهمة وجعلوا العقل كافيا، وأنكر قوم كون الشرائع من عند اللَّه، وأنكر اليهود والنصارى والمجوس رسالة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم واعترف بعضهم برسالته إلى العرب فقط، ولكل فريق منهم شبهة زينها الشيطان لأوليائه من قدمائهم، وتبعهم مقلدوهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 فأمّا شبهة منكري التكليف فقالوا: التكليف باطل، فالبعثة باطلة، أما الأولى: فلأن أفعال العباد مخلوقة للَّه تعالى، فلا تكون مقدورة لهم، فلا يكلفون بها. وأما الثانية: فلأنه لا فائدة في البعثة إلا توجيه التكاليف على الخلق، فإذا كان المقصود باطلا كان المتبع أولى بالبطلان. وأجيب: أولا: بأن أفعالهم لا تخلو عن قدرتهم واختيارهم كما يعدد في مسألة خلق الأفعال، ولذلك يقولون: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وإنما يلزم من عدم القدرة من جعل الخلق نفس المخلوق، وهم المعتزلة. وأجيب: ثانيا: بمنع انحصار فائدة البعثة في توحيد التكليف كما سيأتي عند ذكر جواز بعثة الرسل. وأما شبهة البراهمة فقالوا: كل ما كان حسنا فعلناه، وكل ما كان قبيحا تركناه، وما لا ندرك حسنه ولا قبحه فإن كنا مضطرين أو محتاجين إليه اكتفينا بالقدر الرافع للضرورة والحاجة، وإن لم يكن بنا حاجة إليه امتنعنا منه احترازا من الخطر. وأجيب: بعد تسليم أن العقل كاف في التعريف، لكن لم لا يجوز أن يكون فائدة البعثة تأكيد ذلك التعريف، ولهذا السبب أكثر اللَّه تعالى من الدلائل على التوحيد، مع أن الواحد منها كاف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 وأما شبهة منكري كون الشرائع من عند اللَّه قالوا: نرى الشرائع من عند اللَّه مشتملة على أشياء لا فائدة فيها، فإن الصلاة والصوم والحج أفعال لا منفعة فيها للمعبود، وهي مصادر متاعب في حق العابد، فكان ذلك عبثا بل سفها، وذلك لا يليق بالحكيم، فوجب أن لا تكون هذه الشرائع من عند اللَّه تعالى، وإنما هي مكر من القدماء. وأجيب: بمنع أنها خالية عن الحكمة والمنفعة، ولا يلزم من عدم اطلاعكم على الحكمة عدمها. وأما شبهة اليهود فهي أن موسى عليه السلام لما بلّغ شرعه إلى أمته لا يخلو في تبليغه من أحد ثلاثة أمور: إما أن يكون قد بين أنه دائم، أو بين أنه مؤقت، أو لا هذا ولا هذا. والثاني باطل، لأنه لو بيّن أنه منقطع وشرح ذلك لأمته لكان معلوما عندهم على سبيل التواتر، ولو كان نقل متواترا كأصل دينه ولم يمكنهم إخفاؤه، لأن ما علم تواترا لا يمكن إنكاره، ومعلوم أن اليهود متفقون في مشارق الأرض ومغاربها على إنكاره. والثالث: باطل أيضا، لأنه لو كان كذلك لوجب أن لا يجب بمقتضى شرعة موسى من الأعمال إلا مرة واحدة، لأن مقتضى الأمر المطلق الفعل مرة واحدة لا التكرار. وبالإجماع هذا باطل، وإذا بين لأمته أن شرعه دائم وجب أن يكون دائما، وإلا لزم نسبته إلى الكذب وزوال البينة عن جميع الشرائع. وأجيب: بجواز أنه بيّن أنه منقطع محدود، وكان ذلك معلوما بالتواتر من دينه، إلا أن قومه هلكوا بالكلية في بخت نصّر، وصار الباقي أقل من عدد التواتر، ولا جرم انقطع هذا النقل، وسنقيم الأدلة بالحجج الواضحة على صحة دين الإسلام وصدق محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 وأما بعثة الرسل هل هي جائزة أو واجبة؟ فاعلم أن المؤمنين بالرسل اختلفوا: هل البعثة جائزة أو واجبة؟ فقال عامة المتكلمين بعثة الرسل جائزة، وعند المحققين أنها واجبة، ولا يعنون أنها تجب على اللَّه تعالى بإيجاب أحد ولا بإيجابه على نفسه، بل يعنون أنها متأكدة الوجود لأنها من مقتضيات الحكمة، فيكون عدمها من باب السفه، وهو محال على الحكيم، وهذا كما أن علم اللَّه وجوده يجب لكون عدمه يوجب الجهل، وهو محال على العليم. ودليل الجواز أن ورود التكليف بالإيجاب والحظر والإطلاق والمنع ممن له الملك في مماليكه ليس مما يأباه العقل أو ندفعه الدلائل، فله أن يتصرف في كل شخص من أشخاص بني آدم بأي شيء شاء من وجوه التصرف، منعا كان أو إطلاقا، حظرا كان أو إيجابا، ثم يعلمهم ذلك إما بتخليق العلم فيهم أو بتخصيص بعض عباده بالعلم من جنسهم أو من خلاف جنسهم، بإفهام صحيح أو بوحي صريح. ودليل الواجب أن في بعثة الأنبياء من الفوائد والحكم ما لا يفى: فمنها: تأكيد دليل العقل بدليل النقل، ومنها قطع عذر المكلف على ما قال اللَّه تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [ (1) ] ، وقال: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا [ (2) ] . ومنها: أن اللَّه عز وجل خلق الخلق محتاجين إلى الغذاء للبقاء، وإلى الدواء للسقام ولحفظ الصحة وإزالة العلل العارضة، وخلق السموم القاتلة، والعقل لا يقف عليها، والتجربة لا تفي بمعرفتها إلا بعد الأدواء، ومع ذلك فيها خطر، وفي بعثة الأنبياء معرفة طبائعها من غير خطر. ومنها: لو فوض كيفية العبادة إلى الخلق لجاز أن تأتي كل طائفة بوضع خاص، ثم أخذوا يتعصبون لها، فيقضي إلى الفتن. ومنها: أن ما يفعله الإنسان بمقتضى عقله يكون كالفعل المعتاد، والمعتاد لا يكون عبادة بخلاف ما يفعله امتثالا فإنه يكون محض العبادة، ولذلك ورد الأمر بالأفعال الغريبة كالحج، والمقادير التي لا تفعل في غير ذلك.   [ (1) ] النساء: 165. [ (2) ] طه: 134، وتمامها لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 وأما الأدلة على صحة دين الإسلام وصدق نبينا محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأحدهما: أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم ادعى النبوة وظهرت المعجزة على وفق دعواه، وكل من كان كذلك كان رسول اللَّه حقا، فمحمد رسول اللَّه حقا، أما دعواه النبوة فمتواترة أيضا لو لم يدّع النبوة لما كان لنزاع الخصم فائدة، وأما ظهور المعجزة فلأنه أتى بالقرآن وهذا متواتر أيضا. وأما أن القرآن معجزة فلأنه تحدى البلغاء، بل الجن والإنس بمعارضته على أبلغ الوجوه فقال: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [ (1) ] ، ثم زاد في التحدي فقال: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [ (2) ] ، ثم بالغ فقال: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (3) ] ، وعجزوا عن معارضته وإلا لم يقابلوه، لأنه المعارضة أسهل. وأما أن كل من أتى بالمعجزة كان صادقا فلا نعلم يقينا أن اللَّه تعالى سامع لدعواه، وأن ما ظهر على يده خارج عن مقدور البشر، فإذا ادّعى الرسالة ثم قال: إلهي، إن كنت صادقا في دعواي الرسالة فأفلق البحر وشق القمر أو غير ذلك مما لا يقدر عليه إلا اللَّه عز وجل ففعل ذلك عقيب سؤاله فعلمنا بالضرورة أنّه صدّقه في دعواه. كما أنّا نقطع بأن رجلا لو قال لقوم: أنا رسول فلان الملك إليكم، ودليل صدقي أنه يخرق على عادته الفلانية لأجلي، مثل أن يقوم عن سريره أو ينزل عن مركبه فيمشي لأجلي، أو ينزع تاجه فيجعله على رأسي، فوجد ذلك من الملك دلّ على صدق مدعي الرسالة. واعترض عليه بوجوه: أحدهما: لم لا يجوز إظهار المعجزة على يد المتنبئ؟ وأجيب: بأنه لا فائدة فيه إلا تكليف اللَّه الخلق بما يخبرهم الكاذب به، ولا شك أنه تعالى قادر على أن يكلفهم بذلك على يد صادق، فعدوله عن تكليف الخلق على يد رسول من عنده إلى تكليفهم على يد الكذاب خال عن الحكمة بالضرورة.   [ (1) ] الإسراء: 88. [ (2) ] هود: 13. [ (3) ] البقرة: 23. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 وأجاب بعضهم بأن في إظهار المعجزة على يد الكاذب إضلال [الخلق] وترك [مصلحتهم] ، ورد هذا بوجهين: أحدهما: أنه لو فرض جواز إظهار المعجزة على يد المتنبئ لم يكن فيه إضلال الخلق بل هدايتهم، لأن إظهار المعجزة والحالة هذه تكون أمرا لهم بما جاءهم به المتنبئ، وأمر اللَّه هداية لا إضلال. والثاني: أن إضلال الخلق وترك [مصلحتهم] إنما لا يجوز إذا لم يكن فيه حكمة، وعدم الحكمة غير معلوم. الاعتراض الثاني: أن المعجزة تشتبه بالسحر، فلا تدل على الصدق، ورد بالفرق بأن التعليم يدخل السحر دون المعجزة. وبأن المعجز هو الّذي لا يأتي أحد من المبارزين والمنازعين بمثله، [إما] لأنه ليس في قوته وإما بمنع اللَّه له عزّ وجلّ، والسحر ليس كذلك. وبأن السحر لا يكون إلا باقتراح المقترحين، بل بحسب ما يعرفه الساحر بخلاف معجزات الأنبياء. وبأن آثار المعجزات حقيقية، كشبع الجماعة من الطعام اليسير، وريهم بالماء القليل، والتزود منها للمستقبل من الزمان، بخلاف السحر فإنه تخييلات لا تروج إلا في أوقات مخصوصة وأمكنة مخصوصة، على أن أحدا من العقلاء لم يجوز انتهاء السحر إلى الموتى، وقلب العصا ثعبانا، وفلق البحر، وشق القمر، وإبراء الأكمه والأبرص ونحوها، ولهم اعتراضات كلها [افتراضات] [ (1) ] بنوها على نفي الفاعل المختار، فلذلك أعرضت عنها.   [ (1) ] هذه الكلمة لم أجد لها توجيها في (خ) ، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 الحجة الثانية محمد صلّى اللَّه عليه وسلم إما ملك ما حق أو نبي صادق، ولكنه ليس ملكا ماحقا، فهو نبي صادق، وإنما قلنا: إما ملك أو نبي لأنه لا قائل بقول ثالث، إذ الخصم وهو اليهود والنصارى- خزاهم اللَّه- يزعمون أن رب العالمين- تعالى عن قولهم- أرسل ملكا ظالما فادعى النبوة وكذب على اللَّه، ومكث زمنا طويلا يقول: أمرني بكذا ونهاني عن كذا، ويستبيح دماء أولياء اللَّه وأبنائه وأحبائه، والرب تعالى يظهره ويؤيده، ويقيم الأدلة والمعجزات على صدقه، ويقبل بقلوب الخلق وأجسادهم إليه، ويقيم دولته على الظهور والزيادة، ويذل أعداؤه أكثر من ثماني مائة سنة، وهذا منهم غاية القدح في الرب- تعالى عن قولهم-. ونحن نقول: إن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم كان نبيا صادقا مؤيدا من اللَّه تعالى، فقام ناموسه بالتأييد الإلهي. وإنما قلنا: أنه ليس ملكا بل نبي صادق لأنا علمنا بالاستقراء التام والتواتر القاطع أن ملكا من ملوك الدنيا لم يبق ناموسه بعده بل سيفنى بموته، وإنما تبقى نواميس الأنبياء بعدهم، ثم رأينا ناموس محمد صلّى اللَّه عليه وسلم باقيا بعده زيادة عن ثماني مائة سنة، فعلمنا أنه من الأنبياء لا من الملوك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 الحجة الثالثة نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم لازمة لنبوة من قبله من الأنبياء جميعهم، ثم قد وجد الملزوم الّذي هو نبوة الأنبياء قبله، فيجب أن يوجد اللازم وهو نبوته، وإنما قلنا: إن نبوته لازمة لنبوة من قبله لأنا أجمعنا وإياكم على أن المقتضى لنبوتهم إرادة اللَّه تعالى، والدليل عليها ظهور المعجز. لكن إرادة اللَّه تعالى خفية عن البشر، لا سبيل إلى معرفتها، فبقي الطريق إلى ثبوت النبوة منحصرا في ظهور المعجز، والعجز مشترك بينه وبينهم بما حققناه، وإنما قلنا: إن وجود الملزوم موجب لوجود اللازم للقطع بأن ملزوما لا لازم له محال الوجود. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 الحجة الرابعة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم أقرّ اليهود والنصارى في شريعته بالجزية مع علمه بأنهم يكذبونه ويقدحون في صدقه، وما كان ذلك منه إلا مراعاة لحرمة كتابهم وأنبيائهم، إنما علم أنهم وإن تصرّفوا فيها بالتبديل والتحريف، فإنّهم لم يحرفوا الجميع، وإنما حرفوا ما كان تحريفه مهما عندهم، فهم على بقايا من شرائعهم، فراعاهم لذلك وجعل عقوبة كفرهم إيقاع الجزية والصّغار عليهم. ومن المعلوم أنه لو كان ملكا محضا لا نبوة له لأخلى الأرض منهم على تكذيبهم له وعدم طاعتهم، لأن هذا من شأن الملوك لا يستبقون من خشوا عاقبته، خصوصا ولم يكن يخفى عليه أنه جنس الملتين يبقى بعده، ويتطرق منهما تشكيك أمته بالشبهات والترهات، وذلك مما يضعف الناموس الملوكي. فلما تركهم بالجزية دل ذلك على أنه مأمور فيهم من اللَّه تعالى بما لا تصبر عليه نفوس البشر، ولا يتجه على هذه الحجة إلا أن يقال: لعله تركهم ليستنبط له من تركهم هذه الشبهة وليحب الناس العدل وأخلاق النبوة. لكن الجواب: أنه لو كان قصده ذلك لكان ذلك يحصل له بأن يقف، عنهم في حياته فقط ولا كان يوصي بهم كما أوصى بأمته حتى قال: أنا بريء ممن وافاني يوم القيامة ولذمي عليه مظلمة، وقال: لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، فلولا أنه مأمور فيهم من اللَّه تعالى لما أبقاهم، ولو كان ملكا محضا يحب الرئاسة وإقامة الناموس لكان استبقاهم حال حياته وسكت عن الوصية فيهم بعد موته، حتى كان المسلمون أخلوا منهم الأرض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 الحجة الخامسة أنه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم. الحديث [ (1) ] ، وإنما قال ذلك لأنه علم أنهم حرفوا بعض كتبهم لا كلها، فمنع تصديقهم خشية أن يكون ما قالوه مما حرّفوه. ومن تكذيبهم خشية أن يكون [ما قالوه] [ (2) ] مما لم يحرفوه، فالأول في غاية الحزم والثاني في غاية العدل، ولو لم يكن نبيا مأمورا فيهم بذلك كما في القرآن: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [ (3) ] ، لأغري الناس بتكذيب [كل ما] [ (4) ] عندهم، وكان ذلك أتم لناموسه، وأذل لأعدائه، لأنا علمنا بالاستقراء من ملوك الدنيا أجمعين أن أحدا منهم لم يترك من آثار من قبله من الملوك ما يحذر منه على ملكه إلا عجزا.   [ (1) ] (ميزان الاعتدال) : 3/ 470، ترجمة رقم (7197) ، محمد بن إسحاق بن يسار، وقال في آخرها: فهذا إذن نبوي في جواز سماع ما تأثرونه في الجملة كما سمع منهم ما ينقلونه من الطب، ولا حجة في شيء من ذلك، إنما الحجة في الكتاب والسنة، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 124، حديث رقم (16774) : عن أبي نملة الأنصاري أخبره: أنه بينما هو جالس عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جاءه رجل من اليهود فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّه أعلم، قال اليهودي: أنا أشهد أنها تتكلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا باللَّه وكتبه ورسله فإن كان حقا لم تكذبوهم، وإن كان باطلا لم تصدقوهم. [ (2) ] زيادة يقتضيها السياق. [ (3) ] النجم: 3- 4. [ (4) ] زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 الحجة السادسة تختص [بالنصارى] [ (1) ] وتقريرها أنكم زعمتم أن المسيح هو اللَّه أو ابن اللَّه، وأنه ظهر إلى العالم لينقذ أهل الإثم من إثمهم وخطاياهم وفداهم بنفسه، ثم بعد ذلك صعد إلى أبيه فهو جالس عن يمينه، فإن كان هذا حقا فقد كان يجب عليه وينبغي له أن يقول لأبيه حين ظهر محمد صلّى اللَّه عليه وسلم بدعوته: أهلك هذا ولا تدعه يفتن الناس ويضلهم، حتى إذا احتاج أن أنزل إليهم واستنقذهم من فتنته، وأقتل وأصلب مرة ثانية، لأن عندكم أن المسيح كامل العلم والقدرة ولا يخفي عنه شيء في ملكه أو ملك أبيه. فبالضرورة أنه علم بظهور محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، فسكوته عن الإنكار والتغيير بحضرة أبيه توجب إما التقصير والرضى بالضلال، والراضي بالضلال ضال، أو أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم على طريق الرّشد والكمال، وقد خيرناكم بين الأمرين، ولا واسطة بين القسمين، فاختاروا لآلهتكم ما شئتم.   [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 الحجة السابعة جرت عادة اللَّه تعالى في خلقه أن يتداركهم على كل فترة برسول يرشدهم إلى الهدى، ويصدهم عن الردى، ولا خلاف أن العرب في جاهليتها عند أوان ظهور محمد صلّى اللَّه عليه وسلم كانت أحوج الخلق إلى ذلك، لما كانت عليه من الظلم والبغي والغارات والبغي بغير حق، وسبي الحريم وظلم الغريم، فالعناية الإلهية يستحيل منها عادة إهمالهم على ذلك من غير معلم يرشدهم ويسددهم، وما رأينا [أحدا] ظهر بناموس قمع تلك الجاهلية وما كانت عليه من المنكرات إلا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، فدل على أنه النبي المبعوث فيها، وإذا ثبتت نبوته بهذا الطريق إلى العرب فالنبي لا يكذب، وقد صح عنه بالتواتر أنه قال: بعثت إلى الناس كافة، وبعثت إلى الأحمر والأسود [ (1) ] ، وبهذا يظهر تغفيل من سلّم من اليهود أنه أرسل إلى العرب خاصة، لا إلى غيرهم.   [ (1) ] سبق تخريج هذا الحديث وشرحه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 الحجة الثامنة لا خلاف عند كل عاقل أن محمّدا صلّى اللَّه عليه وسلم كان من أعلى الناس همة، وأوفرهم حكمة، ولولا ذلك ما انتظم له أمر هذا الناموس [هكذا] [ (1) ] بعد مدة طويلة، مع أنه عند الخصم دعي لا حجة معه، ولا خلاف أن من كان بهذه المثابة من علو الهمة ووفور الحكمة، وهمته تعلو إلى تقدير منصب دائم ورئاسة باقية، فإنه يحتاط بنتاج فكره حتى لا يتوجه عليه ما يفسد حاله ويبخس مآله. ومن المعلوم عند كل حكيم فطن لبيب أن الكذب ينكشف ويستحيل رونقه، ويعود تدبيره تدميرا، خصوصا والمسيح إله النصارى- بزعمهم- يقول: ما من مكتوم إلا سيعلن، ولا خفي إلا سيظهر. فلو لم يكن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم على يقين من صدق نفسه لما أقدم على دعواه خشية أن ينكشف أمره في تضاعيف الأزمان، فيعود عليه سوء الذكر مدى الدهر. وكلامنا في عالي الهمة وافر الحكمة يخشى معرة المآل كما يخشى معرة الحال، ولا يرد علينا من يؤسس رئاسة في حياته بما أمكنه من كذبه وترهاته، ثم لا يبالي ما كان بعد مماته، فإنه ذلك في غاية الخساسة، ويحصل مقصوده برئاسة الملك دون دعوى هذه الرئاسة.   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 الحجة التاسعة لو لم يكن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم صادقا لكان المسيح كاذبا، لكن المسيح ليس بكاذب، فمحمد صادق، [و] [ (1) ] بيان الملازمة أن المسيح عليه السلام قال في الإنجيل: ما من خفي إلا سيظهر، ولا مكتوما إلا سيعلن. وهذه نكتة في سياق النفي فتقتضي العموم، وإن كل خفي لا بد أن سيظهر بعد صدق محمد صلّى اللَّه عليه وسلم في دعواه، إما إن كان ظاهرا أو خفيا، فإن كان ظاهرا كان يجب أن لا يتابعه أحد، وإن تابعه لرهبة أو رغبة فبالظاهر دون الباطن، حتى إذا زالت رغبته أو رهبته بزوال رجع عنه، لأن عاقلا لا يختار الباطل على الحق، ولا الكذب على الصدق، فكيف بهذا الجمع الكثير والجم الغفير في أقطار الأرض يختارون ذلك؟ هذا محال. وإن كان خفيا وجب أن يظهر، لا سيما مع دهاء العرب وذكائهم وفطنتهم وصحة طبعهم وفصاحتهم، فقد كان فيهم الكهنة والمنجمون، والزيارج [ (2) ] والمتطيرون، وأكثرهم يصيبون ولا يخطئون، وأذكياؤهم كثير لا يحصرهم عدد، وقد كانوا يستخرجون بأذهانهم ما يشبه السحر كما هو معروف في أخبارهم، وكفاهم أن ابن المقفع فيلسوف الفرس شهد لهم بالفضيلة على الفرس والروم وسائر الأمم، فمن المحال عادة أن يخفى عليهم أمر محمد صلّى اللَّه عليه وسلم لو كان باطلا. فدل على أنهم ما هرعوا إليه مع كونه أول الإسلام كان في نفر قليل مستضعف إلا وقد علموا صدقه، فصح قولنا: لو لم يكن محمد صادقا لكان المسيح كاذبا، فبالاتفاق منا ومنكم، ولو تورعنا في صدقه لما وافقنا، لأنّا نحن أحق به منكم.   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] في (خ) «الزجازج» ولعل الصواب ما أثبتناه، والزيارج: ضرب من السحر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 الحجة العاشرة من نظر في دين الإسلام فإنه يجده معظما لعيسى وموسى وغيرهما من الرسل، بحيث أن من سب أحدا منهم أو [انتقصه] [ (1) ] قتل، ونرى اليهود [ينتقصون] [ (1) ] من المسيح، وهم [والنصارى] ينتقصون محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم. [واعلم] [ (1) ] أن المسلمين أهل حق لا يشوبه تحامل، وأن اليهود والنصارى أهل عناد وتجاهل، فإن قالت اليهود: إنما غضضنا [ (2) ] من المسيح ومحمد لأنهما كاذبان، قلنا: فالذي يثبت به صدق موسى عليه السلام قد أتى المسيح بما هو أعظم منه، فمقتضى التصديق مشترك، فإما أن تصدقوا الاثنين أو تكذبوهما، أما الفرق فهوى وتحامل. وإن قالت [النصارى] [ (1) ] إنما انتقصنا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم لأنه ليس بصادق، قلنا: يلزمكم مقالة اليهود في أنهم إنما انتقصوا المسيح لأنه ليس بصادق، فإن قالوا: اليهود كفار عاندوا، قلنا: كذلك أنتم بالنسبة إلى [من] [ (1) ] ينتقص محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم. فإن قيل: اليهود عاندوا بعد قيام الحجة بإظهار المعجز، ونحن لم يأتنا محمد بمعجز، قلنا: قد جاءكم بمعجزات سبق تقريرها، ولكن عاندتم أو جهلتم، ولهذا سمي اللَّه تعالى اليهود الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [ (3) ] والنصارى الضالين [ (3) ] ، لأن تكذيب اليهود عناد، وتكذيب النصارى يغلب عليه الجهل، ولو أعطيتم النظر حقه لوفقتم ورشدتم، فثبت بثبوت هذه الأدلة أن محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم المكيّ الهاشمي صلّى اللَّه عليه وسلم [رسول] [ (1) ] حق ونبي صدق.   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] غضضنا: أنقصنا. [ (3) ] آخر سورة الفاتحة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 وأما تقرير نسخ الملة المحمدية لسائر الملل فإنا نقول: أكبر خصومنا في ذلك اليهود، فلنجعل كلامنا معهم فنقول: إن من أعظم تلاعب الشيطان باليهود إصرارهم على الكفر بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم، وحجرهم على اللَّه تعالى في نسخ الشرائع، فحجروا عليه سبحانه أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وجعلوا هذه الشبهة الشيطانية تراسا لهم في جحد نبوته صلّى اللَّه عليه وسلم وقرروا ذلك أن النسخ يستلزم البداء [ (1) ] ، وذلك يقتضي الجهل بعواقب الأمور، وهو على اللَّه تعالى محال، وردّ بمنع لزوم البداء من النسخ، وإنما هو بحسب اختلاف مصالح الخلق متعلقا ذلك كله بالعلم الأزلي- كما يأتي تقريره-.   [ (1) ] «البداء» في اللغة: مصدر الفعل الثلاثي الماضي «بدا» بمعنى ظهر، يقال: بدا الشيء يبدو، إذا ظهر، فهو باد. أورده ابن فارس في (معجم مقاييس اللغة) : 212. ونقله الأزهري في (تهذيب اللغة) : 4/ 202 عن الليث. وحكاه الزبيدي في (تاج العروس) ، وقد نصّ الفيومي على نفس المعنى في (المصباح المنير) : 1/ 55 إلا أنه قال: ويتعدى بالهمزة، فيقال: أبديته، وبدا الشيء يبدو بدوا وبدوّا [بضم الباء والدال وتشديد الواو] وبداء وبدا- الأخيرة عن سيبويه- ظهر، وأبديته أنا، أظهرته. وتدور بقية معاجم اللغة حول نفس المعنى الّذي أثبته هؤلاء بأن كلمة «بداء» تعني الظهور، ودلّلوا على ذلك باشتقاقات لغوية، تشير إلى المعنى المذكور. وإذا أرادت العرب أن ترفع من قيمة الرجل، فهي تصفه بأنه ذو «بدوات» أي ذو آراء تظهر له، فيختار بعضها ويسقط بعضا، ويبدو أن الدلالة تشير إلى تطور فكر المرء في مواقفه إزاء موارد الحياة العامة التي تخضع دائما للتغيير والتباين. يقول أبو دريد: قولهم أبو البدوات، معناه: أبو الآراء التي تظهر له، واحدها: بدأة. وفي القرآن الكريم ورد المعنى إحدى وثلاثين مرة، موزعا على ستة عشرة سورة، يفيد معنى الظهور حسب مدلولات الآيات. أما «البداء» في الاصطلاح: فقد انسحب على الأمور الممكنة التي تقع في عالم «التكوّن» والتي تمتاز بظاهرة «التغيّر» بحيث تبدو هذه الأمور ثابتة أولا، كأنها تسير وفق سنّة واحدة، ولكن سرعان ما يظهر فيها «التبدّل» ، ولهذا اتخذت الحال التي تجري بمقتضاها هذه الحوادث صفة «البداء» ، بحيث يظهر منها خلاف ما كانت عليه أولا. ومن هنا ظهرت مشكلة في غاية التعقيد في تطور الجانب الاصطلاحي للكلمة، فمن المتعارف عليه أن الحياة تسير وفق عناية إلهية تامة، وإن اللَّه لا يجوز عليه التّغيّر أو التبدّل، وهو أمر ثابت لكل من تكلم على الظاهرة نفسها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد يلمس أن هناك تغييرا ملموسا يحدث في دائرة معينة، فهناك تغيّر واضح تسلك بمقتضاه بعض حوادث عالم التكون، ولهذا يتطلب الأمر حلا للمشكلة القائمة بين عدم تغيّر الموقف الإلهي من جانب، وطبيعة التغير الملموس في حوادث عالم التكوين المشمول بالإرادة الإلهية من جانب آخر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 ولنا في جواز النسخ أنه إما بيان أنها مدة الحكم أو رفع الحكم الشرعي بطريق شرعي، وكلاهما لا يلزم منه محال فوجب القول بجوازه، ولأن الشرع للأديان كالطبيب للأبدان، فجاز أن ينهي اليوم عن ما أمر به أمس، كما يصف الطبيب اليوم للمريض ما نهاه عنه أمس، وذلك بحسب المصالح أو إرادة المكلّف- وهو الشارع- ولأنه قد وقع في التوراة في عدة صور، فالقول بجوازه لازم. هذا، وقد أكذبهم اللَّه تعالى في نص التوراة، كما أكذبهم القرآن بقوله: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ (1) ] . فتضمنت هذه الآيات بيان كذبهم في إبطال النسخ، فإنه سبحانه أخبر أن الطعام كله كان حلالا قبل إنزال التوراة سوى ما حرم إسرائيل على نفسه منه، ومعلوم أن بني إسرائيل كانوا على شريعة أبيهم إسرائيل وملته، وأن الّذي كان حلالا لهم إنما هو بإحلال اللَّه لهم على لسان إسرائيل والأنبياء بعده إلى حين نزول التوراة، ثم جاءت التوراة بتحريم كثير من المآكل عليهم، وهي التي كانت حلالا لبني إسرائيل، وهذا محض النسخ.   [ () ] وقد تبلور عن هذا الموقف اتجاهات ثلاثة حددت من خلالها طبيعة اللفظة في جانبها الاصطلاحي: الاتجاه الأول: هذا الاتجاه الّذي يجعل التغيّر في المعلوم دون العلم، فالعلم الإلهي ثابت أزلا وأبدا، وأما التغيّر الملموس فهو في طبيعة المعلوم، وإن هذا التغيّر معلوم به أزلها. الاتجاه الثاني: هذا الاتجاه يرى حدوث التغيّر في ذات العلم لا في ذات المعلوم، أي على عكس الاتجاه الأول، إلا أن هذا الاتجاه يستخدم ظاهرة التأويل في العلم نفسه. الاتجاه الثالث: وهذا الاتجاه يذهب إلى أن البداء هو تغيير في العلم دون تأويل لطبيعة العلم، ولكن من هو الّذي يتغيّر علمه؟ وهل التغيّر هنا بالنسبة للخالق أو للمخلوقين؟ يرى هذا الاتجاه أن العلم المتغيّر ليس علم الخالق، بل هو ما دونه. ولمن أراد الاستزادة في هذا الموضوع بشكل تفصيليّ موسّع فليرجع إلى: (نظرية البداء عند صدر الدين الشيرازي) (979- 1050 هـ) وأما النسخ فسيأتي الكلام عنه إن شاء اللَّه تعالى في فصل (الناسخ والمنسوخ) . [ (1) ] آل عمران: 93- 95. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ متعلق بقوله: كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ، أي كان حلالا لهم قبل نزول التوراة وهم يعلمون ذلك، ثم قال تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، هل تجدون فيها أن إسرائيل حرم على نفسه ما حرمته التوراة؟ أم تجدون فيها تحريم ما خصه بالتحريم وهو لحوم الإبل وألبانها خاصة، وإذا كان إنما حرم هذا وحده وكان ما سواه حلالا له ولبنيه، وقد حرمت التوراة كثيرا من المحلل ظهر كذبكم وافتراؤكم في إنكار نسخ الشرائع والحجر على اللَّه تعالى نسخها، ثم يقال لهم: أتعرفون أنه كان قبل التوراة شريعة أم لا؟ وهم لا ينكرون أن قبل التوراة شريعة، فيقال لهم: فهل رفعت التوراة شيئا من أحكام تلك الشرائع المتقدمة؟ فقد جاهروا بالكذب. وإن قالوا: رفعت بعض الشرائع المتقدمة فقد أقروا بالنسخ، ويقال لهم: أليس اللَّه تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده ثم نهاه عنه؟ وهذا نسخ، أليس أن الأرض لما قسمت بين الأسباط كان غربيّ الشريعة لتسعة أسباط ونصف سبط، وشرقيّه لسبطين ونصف سبط؟ فذلك من قبل الجميع وقسم الجميع، وهذا نسخ، أو ما تزوج إبراهيم بأخته لأبيه فمنع التوراة منه، وتزوج عمران بعمته، وجمع يعقوب بين الأختين وقد منع التوراة منه، وهذا نسخ. ويقال لهم أيضا: هل أنتم اليوم على ما كان عليه موسى عليه السلام؟ فإن قالوا: نعم، قيل لهم: أليس في التوراة أن من مسّ عظم ميت أو وطئ قبرا أو حضر ميتا عند موته فإنه يصير من النجاسة بحال لا مخرج له منها إلا برماد البقرة التي كان الإمام الهاروني يحرقها؟ ولا يمكنهم إنكار ذلك! فيقال لهم: فهل أنتم اليوم على ذلك؟. فإن قالوا: لا نقدر عليه، قيل لهم: فلم جعلتم أن من مس العظم والقبر والميت طاهرا يصلح للصلاة، والّذي في كتابكم خلافه؟ فإن قالوا: لأنا عدمنا أسباب الطهارة- وهي رماد البقرة-، وعدمنا الإمام المستغفر، قيل لهم: فهل أغناكم عدمه عن فعله أو لم يغنكم؟. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 فإن قالوا أغنانا عدمه عن فعله قيل لهم: قد تبدل الحكم الشرعي من الوجوب إلى إسقاطه لمصلحة التعذر، وكذلك يتبدل الحكم الشرعي من الوجوب إلى إسقاطه لمصلحة التعذر بنسخه لمصلحة النسخ، فإنكم إن بنيتم على اعتبار المصالح والمفاسد في الأحكام فلا ريب أن الشيء قد يكون مصلحة في وقت دون وقت، وفي شريعة دون أخرى، كما كان تزوج الأخ بالأخت مصلحة في شريعة آدم عليه السلام، ثم صار مفسدة في سائر الشرائع، وكذلك إباحة العمل يوم السبت، كان مصلحة في شريعة إبراهيم عليه السلام ومن قبله، ومفسدة في شريعة آدم عليه السلام، وأمثال ذلك ذلك كثيرة. وبالجملة فالتحليل والتحريم تبع لمجرد مشيئة اللَّه الّذي لا يسأل عما يفعل، فإن قالوا: لا نستغني في الطهارة عن الطهور الّذي كان عليه أسلافنا، فقد أقروا بأنهم الأنجاس أبدا، ولا سبيل لهم إلى حصول الطهارة، فإن أقروا بذلك قيل لهم: فما بالكم تعتزلون الحائض بعد انقطاع الحيض وارتفاعه سبعة أيام اعتزالا تخرجون فيه عن الحدّ بحيث أن أحدكم إذا لمس ثوبه ثوب المرأة تجنبتموه مع ثوبه؟. فإن قالوا: كل ذلك من أحكام التوراة، قيل لهم: أليس في التوراة أن ذلك يراد به الطهارة؟ فإذا كانت الطهارة قد تعذرت عندكم، والنجاسة التي أنتم عليها لا ترتفع بالغسل فهي إذا أشد من نجاسة الحيض، ثم إنكم ترون أن الحائض طاهرا إذا كانت من غير ملّتكم ولا تنجسون من لمسها ولا الثوب الّذي لمسته، فتخصيص هذا الأمر بطائفتكم ليس في التوراة منه شيء، وهذا الفصل ممّا يحتاج إليه. فافرض أن يهوديا رام مناظرتك أو رمت مناظرته فإنك لم تعلم حقيقة ما هو عليه وما تبطل به قوله من كتابه، وإلا تسلط عليك وتوجهت الملامة من اللَّه ورسوله إليك، فإن قال بعض اليهود: التوراة قد حظرت أمورا كانت مباحة من قبل ولم تأت بإباحة محظور، والنسخ الّذي ننكره ونمنع منه هو ما أوجب إباحة محظور، لأن تحريم الشيء إنما هو لأجل ما فيه من المفسدة، فإذا جاءت شريعة بتحريمة كان ذلك من مؤكداتها ومقرراتها، فإذا جاء من إباحة علمنا بإباحته المفسدة أنه غير نبي، بخلاف تحريم ما كان مباحا، فإنا نكون متعبدين بتحريمه وشريعتكم وردت بإباحة أشياء كثيرة مما حرمته التوراة، مع أنه إنما حرمه اللَّه لما فيه من المفسدة قيل له: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 لا فرق في اقتضاء المصلحة بين تغيّر الإباحة بالتحريم أو التحريم بالإباحة، والشبهة التي عرضت في أحد الموضعين، هي بعينها في الموضع الآخر، فإن إباحة الشيء في الشريعة تابع لعدم مفسدته، إذ لو كانت هناك مفسدة راجحة لم تأت الشريعة بإباحته، فإذا حرمته الشريعة الأخرى وجبت قطعا أن يكون تحريمه فيها هو المصلحة، كما كان إباحته في الشريعة الأولى هي المصلحة، فإن تضمن إباحة المحرم في الشريعة الآخرة إباحة المفسدة- وحاش للَّه- تضمن تحريم المباح في الشريعة الأولى تحريم المصالح، وكلاهما باطل قطعا. فإذا جاز أن تأتي شريعة التوراة بتحريم ما كان إبراهيم تقدمه يستبيحه، فجائز أن تأتي شريعة أخرى بتحليل بعض ما كان في التوراة محظورا، وهذه الشبهة هي التي ردت بها اليهود نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، هي بعينها التي رد بها أسلافهم نبوة المسيح عليه السلام، لا تقر بنبوة من غير التوراة. فيقال لهم: فكيف أقررتم لموسى عليه السلام بالنّبوّة، وقد جاء بتغيير بعض الشرائع [التي] تقدمته، فإن قدح ذلك في المسيح ومحمد صلوات اللَّه عليهما قدح في موسى، فلا [تكون] في نبوتهما بقادح إلا ومثله في نبوة موسى سواء، كما أنكم لا تثبتون نبوة موسى ببرهان إلا وأضعافه شاهد على نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، فمن أبين المحال أن يكون موسى رسولا صادقا ومحمد ليس برسول، أو يكون المسيح رسولا ومحمد ليس برسول. ويقال لليهود أيضا: لا تحلوا المحرم، إما أن يكون تحريمه لعينه وذاته بحيث لم يعهد في زمان من الأزمنة إباحته، وإما أن يكون تحريمه لما يتضمنه من المفسدة في زمان دون زمان، ومكان دون مكان، وحال دون حال، وإن كان الأول لزم أن يكون ما حرمته التوراة محرما على جميع الأنبياء في كل زمان ومكان، من عهد نوح إلى خاتم الأنبياء صلّى اللَّه عليه وسلم. وإن كان الثاني، ثبت أن التحريم والإباحة تابعان للمصلحة، وإنما يختلف باختلاف الزمان والمكان والحال، فيكون الشيء الواحد حراما من ملة دون ملة، ووقت دون وقت، وفي مكان دون مكان، وهذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل عليهم السلام، ولا يليق بحكمة أحكم الحاكمين غير ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 ألا ترى أن تحريم السبت لو كان حراما على نوح وإبراهيم وسائر النبيين، وكذلك ما حرمته التوراة من المطاعم والمناكح وغيرها، لو كان حراما لعينه وذاته لوجب تحريمه على كل نبي وفي كل شريعة، وإذا كان اللَّه تعالى لا حجر عليه بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ويبتلى عباده بما شاء، ويحكم ولا يحكم عليه، فما الّذي يحمل عليه ويمنعه أن يأمر أمة بأمر من أوامر الشريعة ثم ينهي أمة أخرى عنه، أو يحرم على أمة شيئا ويبيحه لأمة أخرى، بل أي شيء يمنعه تعالى؟. ذلك بقوله: ما ننسخ من آية أو [ننساها] [ (1) ] نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ (2) ] ، فأخبر سبحانه أن عموم قدرته وتصرفه في مملكته وخلقه لا يمنعه أن ينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء، كما أنه يمحو من أحكامه القدرية الكونية ما يشاء ويثبت، فهكذا أحكامه الدينية الأمرية ينسخ منها ما يشاء ويثبت ما يشاء، فمن أكفر الكفر وأظلم الظلم أن يعارض الرسول الّذي جاء بالبينات والهدى، ويدفع نبوته ويجحد رسالته بكونه أتى بإباحة بعض ما كان محرما على من قبله، أو بتحريم بعض ما كان مباحا لهم، ومن العجب أن اليهود تحجر على اللَّه تعالى أن ينسخ ما يشاء من شرائعه، وفي توراتهم أن اللَّه- تعالى عن قولهم- يأسف على خلقه الإنسان لأفكارهم الخبيثة، فخلقه أن يبيدهم فأبادهم. ثم لما أرسل الطوفان أسف وندم وقال: ما عدت أهلك الخلق به مرة أخرى، فمن يندم ويتأسف كيف يمتنع عليه البداء على قولهم؟ وهم قد تركوا شريعة موسى عليه السلام في أكثر ما هم عليه، وتمسكوا بما شرعه لهم أحبارهم وعلماؤهم، فمن ذلك: أنهم يقولون في صلواتهم ما هذه ترجمته: اللَّهمّ اضرب ببوق عظيم لعتقنا واقبضنا جميعا من أربعة أقطار الأرض إلى قدسك، سبحانك يا جامع شتات قومة إسرائيل. ويقولون كل يوم ما ترجمته: أردد حكامنا كالأولين، وسيرتنا كالابتداء، وابن أورشليم قرية قدسك وعزنا ببناها، سبحانك يا باني يورشليم. فهذه أقوالهم في صلواتهم مع علمهم بأن موسى وهارون عليهما السلام لم يقولا شيئا من ذلك، ولكنها فصول لفقت بعد زوال دولتهم.   [ (1) ] كذا في (خ) ، وهي رواية ورش عن نافع. [ (2) ] البقرة: 106. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 وكذلك صيامهم: كصوم احتراق بيت المقدس، وصوم كدليا وصوم صلب هامان، ليس شيء منها في التوراة، ولا صامها موسى ولا يوشع، وإنما وضعوها لأسباب اقتضت عندهم وضعها- كما بينته في موضعه من كتاب (المواعظ والاعتبار) [ (1) ] . وهذا مع أنه في التوراة ما ترجمته: لا [تزيدوا] على الأمر الّذي أنا موصيكم به شيئا ولا تنقصوا منه شيئا. وقد تضمنت التوراة أوامر كثيرة جدا، وهم مجمعون على تعطيلها وإلغائها، فإما أن تكون منسوخة بنصوص أخرى من التوراة، أو بنقل صحيح عن موسى عليه السلام، أو باجتهاد علمائهم وأحبارهم، وعلى التّقادير الثلاث فقد بطلت شبهتهم في إنكار النسخ. ثم من العجب أن أكثر تلك الأوامر التي هم مجمعون على عدم القول والعمل بها، إنما يستندون فيها إلى قول علمائهم وآرائهم، وقد اتفقوا على تعطيل رجم الزاني- وهو نص التوراة- ومن مذهبهم: أن الفقهاء إذا أحلوا لهم الشيء صار حلالا، وإذا حرموه صار حراما وإن كان نص التوراة بخلافه!!. وهذا تجويز منهم لنسخهم ما شاءوا من شريعة التوراة، فحجروا على الرب تعالى أن ينسخ ما يريد من شريعته، وجوزوا ذلك لأحبارهم وعلمائهم، فأشبهوا إبليس في أنه تكبر في أن يسجد لآدم، ورأى ذلك نقيصة له، ثم رضى أن يكون قوادا لكل عاص وفاسق من أولاد آدم. وأشبهوا أيضا [عبّاد] الأصنام في أنهم أنفوا أن يكون النبي المرسل من اللَّه تعالى إليهم بشرا ثم رضوا أن يكون إلههم ومعبودهم حجرا نحتوه بأيديهم، وأشبهوا أيضا النصارى فإنّهم نزهوا [بطارقتهم] عن الولد والصاحبة، ولم يتحاشوا من نسبة ذلك إلى اللَّه رب العالمين سبحانه وتعالى. ولم يبق لليهود إلا أن يقولوا: إن موسى عليه السلام نص على دوام شريعته وتأبدها ما دامت السموات والأرض، وهو يقتضي أن لا ناسخ لها، فأحد الأمرين لازم: إما كذب خبر موسى، أو بطلان شرع من بعده.   [ (1) ] كتاب (المواعظ والاعتبار) أحد مؤلفات المقريزي رحمه اللَّه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 وأجيب عن هذا بجوابين: أحدهما: أن هذا من موضوعات ابن الراونديّ وضعه لليهود فتمسكوا به، وهذا جواب ضعيف، لأن النص [عنده] موجود في التوراة، ولا حاجة لهم إلى وضع ابن الراونديّ. الثاني: القدح في تواتر هذا الخبر بأن بخت نصّر لما فتح بيت المقدس حرق التوراة وقتل اليهود حتى أفناهم إلا يسيرا منهم لا تحصل التوراة بخبره، فصار هذا الخبر آحادا لا يقبل في العمليات. وهذا الجواب قريب غير أنه ليس بشاف لأنهم يدّعون أن تواتره تواتر التوراة جميعا ويمنعون ما ذكر من سبب انقطاع التواتر بأن بخت نصّر أسر نحو عشرة آلاف من بني إسرائيل منهم أربعة آلاف من أولاد الأنبياء مثل دانيال ونحوه، وكلهم يحفظ التوراة عن ظهر قلب، وهم منازعون في تصحيح هذه الدعوى، ولا معول لهم في تصحيحها إلا على أنقال [ (1) ] موجودة في كتب لا يقدرون من تصحيحها إلا على مجرد الدعوى. وهب أن ما ادعوه كما قالوا، فقد وقع بهم بعد ذلك عدة ملوك منهم ملك مصر، واستبعدهم سبع سنين ونصب الأوثان والأصنام في محاريبهم ببيت المقدس، فأمر غابيوس قيصر ملك الروم أن تنصب أصنامه هو في محاريب اليهود ومعابدهم، فنصبت، وأحاطت باليهود بلايا كثيرة ووقع فيهم الاختلاف حتى كان بعضهم يقتل بعضا في الأسواق. وفرّ ملكهم أعربماس بن أسربلوس من هردوس من القدس إلى رومية، وأخبر قيصر بما هم عليه من الشر، فبعث عسكرا كثيفا قتل منهم وأسر ملا يحصى كثرة، ونقل أكثرهم إلى أنطاكية ورومية وخربت القدس، ثم بعث قيصر قائدا على جيش كبير لتخريب القدس وقتل جميع اليهود وقد عمروا القدس فحصرهم سنة وخرّب معاملات اليهود وقتلهم ثم سار عنهم، وقدم طيطش فحصر القدس سنتين حتى مات أكثر أهلها جوعا، ووقع بينهم مع ذلك الاختلاف فاقتتلوا وهم محصورون حتى فنى أكثرهم، ثم أخذهم طيطش عنوة وقتل من اليهود ما يجل عن الوصف، حتى   [ (1) ] أنقال ونقول: جمع نقل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 أن عدد من مات منهم في الحصار ألف ألف ومائة ألف. وخرّب المدينة والهيكل وأحرق الجميع بالنار، وسار معه منهم نحو مائة ألف نفس، فأفنى الجميع بأنواع القتل، ولم يبق أحد منهم في بيت المقدس، واشتد الأمر على من بقي منهم برومية ونحوها، حتى لم يكن أحد منهم يظهر إلا قتل، وتراجع منهم أناس إلى بيت المقدس فبعث إليهم ملك الروم جيشا قتل معظمهم، ولم يبق منهم إلا من فرّ. ثم في سنة سبع وأربعين وأربع مائة للإسكندر أخرب ملك الروم ما بقي بالقدس من العمارة، وقتل عامة من به من يهود، و [بنى] عمودا على باب مدينة القدس ونقش عليه: هذه مدينة إلياء، ويعرف اليوم موضع هذا العمود بمحراب داود. ثم عمّر القدس فقدم إليها عدة من اليهود فبعث إليهم ملك الروم عسكرا حصرهم حتى مات أكثرهم جوعا، ثم أخذ المدينة وقتل معظم اليهود، وخرّبها حتى بقيت صحراء. وتبع اليهود فاستأصل شأفتهم وأنزل اليونان بالقدس وذلك بعد تخريب طيطش بثلاث وخمسين سنة. ثم جمع اليهود رجل منهم فبعث ملك الروم جيشا فقتلوا أكثرهم. وفي سنة خمس وعشرون وخمسمائة للإسكندر وقعت حروب بين اليهود والسّامرة قتل فيها من الفريقيين ما يجل عن الوصف، وفي قسطنطين الأكبر أمر أن لا يسكن يهودي الفرس وأدخل الجميع في دين النصرانية، ثم امتحنهم يوم [الفصح] بأكل الخنزير فلم يأكلوه فقتلهم عن آخرهم. وما برحت ملوك النصارى بقتلهم أبرح قتل إلى أن كانت أيام هرقل وقد ظهر دين الإسلام فأوقع باليهود في سائر مملكته ببلاد الشام وأرض مصر وإفريقية وقسطنطينية وأعمالها، وقتل جميعهم حتى لم يبق منهم إلا من اختفى أو فرّ. وقد أفردت في محن اليهود وما أنزل اللَّه بهم من البلاء الّذي تأذّن في كتابه العزيز أن يكون عليهم إلى يوم القيامة جزاء جمعته من كتبهم وكتب النصارى، ليكون أعظم حجة عليهم، فليت شعري، أي تواتر يبقى مع هذه الرزايا المجيحة، والدواهي المبيرة، والمحن التي لا تبقي ولا تذر، إلا أن القوم بهت، وأكثر أصحابنا من الفقهاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 والمحدثين، والنظار والمتكلمين، لا يلمون بأخبار اليهود، فينصبون الكلام معهم جدلا، وإلا فاليهود إذا نوظروا بما في كتبهم من محنهم تبين لمناظرهم أنه ليس معهم خبر يصح، فكيف يدعى فيه التواتر؟ ومع ذلك ففي توراتهم نصوص كثيرة وردت مؤبدة، ثم تبين أن المراد بها التوقيت بمدة مقدرة، كقوله: إذا خربت صور لا تعمر أبدا، ثم عمرت بعد خمسين عاما. ومنها إذا خدم العبد سبع سنين أعتق، فإن لم يقبل العتق استخدم أبدا، ثم أمر بعتقه بعد مدة معينة سبعين سنة، فإذا جاز في هذه النصوص المؤبدة أن يراد بها التوقيت فلم لا يجوز في نص موسى على تأييد شريعته بتقدير صحته؟ وإلا فما الفرق؟. فإن قيل: إذا جاز أن يكون نصّ موسى المؤبد مؤقتا حتى جاز نسخ شرعته، جاز أن يكون نص محمد صلّى اللَّه عليه وسلم على تأبيد شريعته مؤقتا فيجوز نسخها بعده بغيره، وأنتم أيها المسلمون تأبون ذلك؟. قلنا: لا يلزم ذلك، والفرق بين النّصّين أن كتاب موسى الّذي بيدكم الآن قد بينا أنه غير متواتر، بخلاف كتاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم الّذي هو القرآن، فتواتره عندنا وعندكم غير خاف على علمائكم. ونشترك معكم فنقول: قد ورد في توراتكم نصوص بلفظ التأبيد والمراد بها التوقيت كما بينا طرفا منها، بخلاف القرآن فإنه لم يرد بذلك، فلم يرد مثله في نصه- بحمد اللَّه- وها هو قد طبق الأرض، واجتهدتهم أنتم وغيركم في نقضه، فلم تطيقوا ذلك، فإن اللَّه قد حفظه من التحريف والتبديل والتغيير فيه بزيادة أو نقصان، بخلاف توراتكم، وها أنا أبين حقيقة توراتكم وأنها ليست بالتوراة التي أنزلها اللَّه على موسى عليه السلام واللَّه المعين الموفق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 وأمّا أنّ التّوراة التي هي الآن بأيدي اليهود ليست التوراة التي أنزلها اللَّه على موسى عليه السلام فاعلم أن توراة اليهود: بيد اليهود نسخة، وبيد السامرية نسخة، وبيد النصارى نسخة، والنّسخ الثلاث مختلفة في كثير من الأمور غير متوافقة، وكل فرقة تحيل التحريف على غيرها، فالتغيير لازم، ويظهر عند التأمل أن التوراة التي بأيديهم الآن في مشارق الأرض ومغاربها قد زيد فيها وغيرت ألفاظ منها وبدلت، وليست هي التوراة التي أنزلت على موسى، لأن موسى عليه السلام صان التوراة عن بني إسرائيل خوفا من اختلافهم من بعده في تأويلها المؤدي إلى تفرقهم أحزابا وإنما سلمها إلى عشيرته أولاد لاوي. والدليل على ذلك قوله تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ [ (1) ] ، قيل: حرفوه بالتبديل، وقيل: بالتأويل، والحق: أنهم حرفوه بالأمرين، ولعل اختلاف العبارتين في قوله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ومِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ [ (2) ] إشارة إلى ذلك، ويشبه أن تحريفه من بعد مواضعه بالتبديل، وعن مواضعه بالتأويل، لأن التبديل أخص التحريفين، ومن بعد مواضعه أخص العبارتين، فيجعل الأخص للأخص عملا بموجب المناسبة. وقد قال في التوراة: وكتب موسى هذه التوراة ودفعها إلى الأئمة من بني لاوي وكان بنو هارون قضاة اليهود وحكامهم، لأن الإمامة وخدمة القرابين والبيت المقدس كانت موقوفة عليهم، ولم يبذل موسى عليه السلام من التوراة إلا نصف سورة، وهي التي قال فيها: وكتب موسى هذه السورة وعلمها بني إسرائيل- هذا نص التوراة عندهم. قال: وتكون لي هذه السورة شاهدة على بني إسرائيل، وفيها: قال اللَّه: لأن هذه السورة لا تنسى من أفواه أولادهم، وهذه السورة مشتملة على ذم طبائعهم، وأنهم سيخالفون شرائع التوراة، وأن السخط يأتيهم بعد ذلك، ويخرب ديارهم، ويشتتون في البلاد.   [ (1) ] المائدة: 13. [ (2) ] المائدة: 41. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 فهذه السورة تكون متداولة في أفواههم كالشاهد عليهم، الموقف لهم على صحة ما قيل لهم، فلما نصت التوراة على أن هذه السورة لا تنسي من أفواه أولادهم دلّ على أن غيرها من السور ليس [كذلك] . وأنه يجوز أن ينسي من أفواههم. وهذا يدل على أن موسى عليه السلام لم يعط بني إسرائيل من التوراة إلا هذه السورة، وأما التوراة نفسها فدفعها إلى أولاد هارون، وجعلها فيهم، وصانها عن سواهم. وهؤلاء الأئمة الهارونيون الذين كانوا يعرفون التوراة ويحفظون أكثرها قتلهم بخت نصّر يوم فتح بيت المقدس، وحرق التوراة والمزامير كما حرقها نردوش اليوناني لما استولى على القدس. ولم يكن حفظ التوراة فرضا عليهم ولا سنّة بل كان كل أحد من الهارونيين يحفظ فصلا من التوراة، فلما رأى عزرا أن القوم قد احترق هيكلهم، وزالت دولتهم، ورفع كتابهم، جمع من مخطوطاته ومن الفصول التي تحفظها الكهنة ما اجتمعت منه هذه التوراة التي بأيديهم، وذلك بعد حين من السنين، ولذلك بالغوا في تعظيم عزرا هذا غاية المبالغة، وزعموا أن النور الآن يظهر على قبره- وهو على بطائح العراق- لأنه جمع لهم ما يحفظ دينهم، وغلا بعضهم فيه حتى قالوا: هو ابن اللَّه، ولذلك نسب اللَّه تعالى ذلك إلى اليهود بقوله: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [ (1) ] نسبة إلى جنسهم لا إلى كل فرد منهم. فهذه التوراة التي بأيديهم في الحقيقة كتاب عزير، وفيها من التوراة التي أنزلها اللَّه على موسى، وأول دليل على أنها ليست التوراة التي أنزلها اللَّه أنه قال في آخرها: وتوفي هناك موسى عبد اللَّه في أرض موآب بقول الرب، ودفنه في الوادي في عربات موآب [ (2) ] ، ولم يعرف إنسان موضع قبره إلى اليوم، وكان قد أتى على موسى يوم   [ (1) ] التوبة: 30. [ (2) ] موآب أرض للموآبيين، ويقابلها اليوم القسم الشرقي من البحر الميت لمملكة الأردن اليوم، وكان طولها 50 ميلا وعرضها 20 ميلا، وتنقسم إلى قسمين: 1- أرض موآب، وهي ما وقع شرقي البحر الميت وتسمى أيضا بلاد موآب، 2- عربات موآب، وهي ما كان في وادي الأردن مقابل أريحا. (قاموس الكتاب المقدس) : 827- 828. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 توفى مائة وعشرون سنة، ولم يضعف بصره، ولم يتسخ وجهه، [وبكى] على موسى بنو إسرائيل ثلاثين يوما في عربة موآب [ (1) ] . فلما تمت أيام حزنهم على موسى امتلأ يوشع بن نون من روح الحكمة، لأن موسى كان قد وضع يده على رأسه في حياته، وكان بنو إسرائيل يطيعونه ويعملون بأمره، كما أمر الرب موسى. ولم يقم أيضا نبي في بني إسرائيل مثل موسى الّذي عرفه الرب وجها قبل وجهه، وعمل جميع الآيات التي أمره اللَّه أن يعملها بأرض مصر لفرعون، وجميع عبيده وكل أرضه، وأكمل كل البيداء العزيزة مع المنظر العظيم الّذي عاين بنو إسرائيل من فعال موسى. هذا نص التوراة! فتأملوا يا عقلاء بني آدم هذا الفصل، هل يجوز أن يكون منزلا من عند اللَّه على موسى؟ أو هو أخبار مخبر منهم عما جرى بعد وفاة موسى، تجدوه حكايتهم لما جرى، وقد أوردت هذا على حبر من أحبار يهود فانقطع ولم يجر جوابا. ثم إن هذه التوراة تداولتها أمة قد مزّقها اللَّه كل ممزّق، وشتت شملها، وقطّعها في الأرض أمما- أي فرقا متباينين في الأقطار جميعا- فقلّ أرض لا يكون فيها منهم شرذمة، وتأذّن ربك أن يبعث عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، وهذا حالهم، وهم في كل مكان تحت الصّغار والذّل، سواء كان أهل الأرض مسلمين أو نصارى.   [ (1) ] انظر هامش رقم (2) في الصفحة السابقة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 فلحقها ثلاثة أمور [ (1) ] : أحدها: الزيادة والنقصان، والثاني: اختلاف الترجمة، والثالث: اختلاف التأويل والتفسير، ففيها: بالحبشة نهرا يقال له: جيحون محيط بجبالها، وليس بالحبشة نهر يقال له: جيحون أو جيحان، بل النهران أحدهما في أقصى بلاد العجم، والآخر ينزل من جبال الروم وينصب في بحر الروم، فالواقع والرواية متناقضان، والغلط في كتاب اللَّه ممتنع، فالتوراة مغيّرة. ومنها: أن نوحا أخبر أن حاما يكون عبدا لأخويه، ثم ذكروا أن نمروذ بن كنعان من أولاد حام كان ملكا جبارا، وهو أول ملك ضرب المثل بشدته وشجاعته، وأن مصر وقبطها من أولاده وأنهم استعبدوا بني إسرائيل مائتين من السنين، وهم من بني سام، وهذا تناقض. ومنها: أن إسحاق قال لولده عيص: قد صيرت يعقوب عليك سلطانا، وجعلت كل اخوته له عبيدا، ثم ذكر أن يعقوب لما انصرف من عند أخواله لقي عيص وسجد له سبع سجدات، وأسجد أهله له، وخاطبه يعقوب بالعبودية، وأهدى إليه، وهذا تناقض. ومنها: أن يعقوب قال عند وفاته: لا ينقطع من يهود القضيب ولا من نسله قائد، وقد انقطع القضيب والقائد من نسله مرة ست مرات وسنتين، ومرة سبعا وسبعين سنة، وهذه المرة الثالثة، وما اجتمع بعدها شملهم، ولا يجتمع لقوله تعالى: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [ (2) ] ، والمراد القدرة والسلطة. وعن لوط أنه خرج من المدينة وسكن كهف الجبل ومعه ابنتاه، فقالت الصغرى للكبرى: قد شاخ أبونا فارقدي بنا معه لنأخذ منه نسلا، فرقدت معه الكبرى ثم الصغرى- وهو سكران- ثم فعلتا ذلك في الليلة الثانية وحملتا منه   [ (1) ] كذا في (خ) . [ (2) ] المائدة: 64. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 بولدين! فهل يستجير أحد من الناس [أن يصدق] أن يوقع نبيا كريما في مثل هذه الفاحشة العظيمة في آخر عمره ثم يذيعها عنه، ويجعل ذلك وحيا يتلى في المحاريب آلافا من السنين في أقطار الأرض؟ فهذا ما لا يجوّزه أحد له عقل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 ومنها أن اللَّه تجلى لموسى في سيناء وقال له بعض كلام كثير: أدخل يدك في [حجرتك] وأخرجها مبروصة كالثلج! وهذا من النمط الأول، واللَّه لم يتجل لموسى، وإنما أمره أن يدخل يده في جيبه، وأخبره أنها تخرج بيضاء من غير سوء، أي برص. ومنها: أن هارون هو الّذي صاغ لهم العجل حتى عبدوه، وهذا إن لم يكن من افترائهم فهو اسم للسامري لا أخو موسى. ومنها: أن اللَّه رأى كثرة فساد الآدميين في الأرض فندم على خلقهم وقال كلاما في آخره: وإني نادم على خلقهم جدا! تعالى اللَّه وتنزه عن ذلك. ومنها: أن اللَّه- سبحانه وتعالى علوا كبيرا- تصارع مع يعقوب فضرب به يعقوب الأرض، ومنها: أن يهوذا بن يعقوب زوج ابنه الأكبر من امرأة يقال لها: يا مارا، فكان يأتيها مستدبرا فغضب اللَّه من فعله فأماته، فزوج يهوذا ولده الآخر بها، فكان إذا دخل بها أمنى على الأرض، علما بأن [ولدها] كان أول أولاده مدعوا باسم أخيه ومنسوبا إلى أخيه، فكره اللَّه ذلك من فعله فأماته، فأمر بها يهوذا باللحاق ببيت أبيها إلى أن يكبر شيلا ولده ويتم عقله، ثم ماتت زوجة يهوذا وذهب إلى منزل له ليجز غنمه. فلما أخبرت يامارا ولبست زي الزواني وجلست له على طريقه، فلما مر بها خالها زانية فراودها عن نفسها فطالبته بالأجرة، فوعدها بجدي ورمى عندها عصاه وخاتمه، فدخل بها فعلقت منه، ومن ولده هذا داود النبي! فانظر كيف اشتمل هذا الافتراء القبيح على طامتين عظيمتين، إحداهما: أم يهوذا هذا أحد الأسباط الاثني عشر، وقد أثنى اللَّه تعالى عليهم، وذكرهم مع كرام الرسل، فقال اللَّه تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [ (1) ] ، وقوله تعالى:   [ (1) ] البقرة: 136. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً [ (1) ] ، فكيف يجوز أن يخبر اللَّه تعالى عن من أمرنا أن نؤمن بما أنزل إليه وأخبر أنه أوحى إليه بأنه زنى ثم يفضحه أشد الفضيحة بأن يجعل الخبر عنه بزنائه وحيا يتلى آلافا من السنين؟ هذا ما لا يشك من له [أدنى] تأمل بأنه إفك مفترى. والثاني: أنهم جعلوا داود عليه السلام ابن زنا، كما جعلوا المسيح [ابن] مريم- رسول اللَّه وكلمته- ابن زنا! ثم كفاهم ذلك حتى نسبوه إلى التوراة، وليس هذا ببدع من شأنهم فقد نسبوا إلى اللَّه العلي الكبير عظائم منها: أنه استراح في اليوم السابع من خلق السموات والأرض! فأنزل اللَّه تكذيبهم على لسان رسوله محمد صلّى اللَّه عليه وسلم في قوله [تعالى] : وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ [ (2) ] . فقد تبين أن التوراة وقع فيها التحريف والتبديل، والزيادة والنقص في عدة مواضع.   [ (1) ] النساء: 163. [ (2) ] ق: 38. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 وهذه نبذة من مقتضيات غضب اللَّه تعالى عليهم واعلم أن مقتضيات غضب اللَّه على اليهود كثيرة: * منها أن اللَّه تعالى فلق البحر لأسلافهم، وأغرق فرعون عدوّهم، وأنجاهم، فما جفّت أقدامهم حتى قالوا لموسى عليه السلام: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [ (1) ] . * ومنها أن موسى عليه السلام لما ذهب لميقات ربه، لم يمهلوه حتى عبدوا العجل المصنوع بحضورهم. * ومنها أنهم مع مشاهدتهم الآيات والعجائب، كانوا يهمون برجم موسى وهارون- عليهما السلام- في كثير من الأوقات، والوحي بين أظهرهم. * ومنها أن موسى لما ندبهم إلى الجهاد قالوا له: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [ (2) ] . * ومنها أنهم آذوا موسى بأنواع الأذى، حتى قالوا: أنه آدر [ (3) ] ، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا [ (4) ] . * ومنها أن هارون لما مات قالوا لموسى: أنت الّذي قتلته وغيبته، فرفعت الملائكة تابوته بين السماء والأرض حتى عاينوه ميتا. * ومنها أنهم آثروا العودة إلى مصر ليشبعوا من أكل اللحم والبصل، والقثاء والعدس [ (5) ] ، هكذا عندهم، والّذي حكاه عنهم- وهو أصدق القائلين- أنهم آثروا ذلك على المن والسلوى.   [ (1) ] الأعراف: 138. [ (2) ] المائدة: 124. [ (3) ] الأدرة، بالضم: نفخة في الخصية، ورجل آدر: بيّن الأدرة، ومنها الحديث: إن بني إسرائيل كانوا يقولون إن موسى آدر، من أجل أنه كان يغتسل وحده، وفيه نزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب: 69] . [ (4) ] الأحزاب: 69. [ (5) ] إشارة إلى قوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها [البقرة: 61] . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 * ومنها انهماكهم على الزنا وموسى بين أظهرهم، وعدوهم بإزائهم حتى ضعفوا عنهم، ولم يظفروا بهم كما هو معروف عندهم. * ومنها أن يوشع تزوج زانية مشهورة بالزنا، وأن داود زنا بالمرأة، أو زنا وابنه سليمان منها وأن أمنون بن داود افتضّ أخته من أبيه فقتله شقيقها، وأنه أخذ سراري أبيه داود وفسق بهن، وأن سليمان بن داود بنى لنسائه بيوت الأوثان وأباح لهن عبادتها. * ومنها عبادتهم الأصنام بعد عصر يوشع بن نون عليه السلام. * ومنها تحايلهم على صيد الحيتان يوم السبت، حتى مسخوا قردة خاسئين، واقتدى بهم إلى الآن خلفهم في الوفود ليلة السبت، وغير ذلك من الأعمال المحرمة عليهم في السبت. * ومنها قتلهم كل يوم سبعين نبيا ثم يقيمون سوقهم كأنهم جزور وأغنام. * ومنها قتلهم يحيى بن زكريا ونشرهم أباه زكريا بالمنشار. * ومنها اتفاقهم على تغيير كثير من أحكام التوراة. * ومنها رميهم لوطا عليه السلام بأنه زنا بابنتيه وهو سكران. * ومنها رميهم يوسف عليه السلام بأنه حل سراويله وجلس من امرأة العزيز مجلس القابلة من المرأة، فقام وهرب، وهذا لعمري لو رآه أفسق الناس وأفجرهم لقام عن المرأة ولم يقض وطرا. * ومنها طاعتهم للخارج على ولد سليمان بن [داود] [ (1) ] ، لما وضع لهم كبشين من ذهب فعكفت جماعتهم على عبادتها إلى أن جرت حروب بينهم وبين المؤمنين الذين كانوا مع ولد سليمان، قتل منهم في معركة واحدة ألوف مؤلفة- كما ذكر في كتاب (المواعظ والاعتبار) [ (2) ] ، وفي كتاب (عقد جواهر الأسفاط) [ (2) ] . ثم هم مع ذلك يزرون على أهل الإسلام ويقولون: أنها ترى أكثر الفواحش تقع في المسلمين، إلا ممن هو أعلم وأفقه في دينكم، كالزنا واللواط، والخيانة والحسد، والقتل والغدر، والتكبر والخيلاء، وقلة الورع، وقلة اليقين، وقلة الرحمة والمروءة والحمية، وكثرة الهلع، والتكالب على الدنيا، والكسل في الحسنات، وهذا الحال يكذب لسان المقال.   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] من مؤلفات المقريزي رحمه اللَّه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 فيقال لهم: ألا تستحيون من يقين المسلمين الموحدين بذنوبهم؟ أو لا تستحي ذرية قتلة الأنبياء من يقين المجاهدين لأعداء اللَّه وذريتهم؟ فأين ذريته من سيوف آبائهم تقطر من دماء أنبياء اللَّه إلى ذرية من سيوفهم تقطر من دماء أعداء اللَّه الذين كفروا باللَّه وأشركوا به؟. أولا يستحي من يقول لربه في صلاته: انتبه! كم تنام! استيقظ من رقدتك أن يعير من يقول في صلاته: أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ* إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [ (1) ] فيا اللَّه، لو بلغت ذنوب المسلمين عدد الحصا والرمال، والتراب والأنفاس، ما بلغت قتل نبي واحد، ولا بلغت قول اليهود: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ [ (2) ] ، وقولهم: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا [ (3) ] ، وقولهم: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [ (4) ] ، وقولهم: إن اللَّه بكى على الطوفان حتى رقد من البكاء وعادته الملائكة!، وقولهم: إنه تعالى عضّ على أنامله على ذلك، وقولهم: أنه ندم على خلق البشر، وشقّ عليه لما رأى من معاصيهم وظلمهم. وأعظم من هذا كله نسبة هذه العظائم إلى التوراة التي أنزلها اللَّه تعالى على كليمه، وفيها هدى ونور، فو الّذي تقوم السماء بأمره، لو بلغت ذنوب المسلمين ما بلغت، ما كانت في جنب ذلك إلا كقطرة في بحر، أو ذرة في قفر. واللَّه الموفق بمنه.   [ (1) ] الآيات من أول سورة الفاتحة. [ (2) ] آل عمران: 181. [ (3) ] المائدة: 64. [ (4) ] التوبة: 30. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 بحث تاريخي عن الأناجيل التي بين يدي النصارى إن النصارى كلهم: أريوسييهم، وملكانييهم، ونسطورييهم، ويعقوبييهم، ومارونييهم، ويونانييهم، لا يختلفون في أن الأناجيل أربعة، ألفها أربعة رجال في أزمان مختلفة. فأولها: ألّفه متّى [ (1) ] اليوناني تلميذ المسيح عليه السلام، بعد ثماني سنين من رفع المسيح، وكتبه بالسريانية في بلد يهوذا بالشام، وهو نحو ثمان وعشرين ورقة بخط متوسط.   [ (1) ] متّى: من الاسم العبري «مثتيا» ، الّذي معناه «عطية يهوه» وهو أحد الاثني عشر رسولا، وكاتب الإنجيل الأول المنسوب إليه. وكان متّى في الأصل جابيا في كفر ناحوم، ودعي من موضع وظيفته، وكانت وظيفة الجباية محتقرة بين اليهود، إلا أنها أفادت متى خبرة بمعرفة الأشغال، ولم يذكر شيء من أتعابه في العهد الجديد إلا أنه كان من جملة الذين اجتمعوا في العلية بعد صعود المسيح، وزعم يوسيبيوس أنه بشر اليهود، ويرجّح أن مؤلف هذا الإنجيل هو متى نفسه، وذلك للأسباب الآتية: 1- يذكر لوقا أن متى صنع للسيد المسيح وليمة كبيرة في أول عهده بالتلمذة، أما متى فيذكرها بكل اختصار تواضعا. 2- الشواهد والبينات الواضحة من نهج الكتابة بأن المؤلف يهودي متنصّر. 3- لا يعقل أن إنجيلا (خطيرا) كهذا هو في مقدمة الأناجيل، ينسب إلى شخص مجهول، وبالأحرى أن ينسب إلى أحد تلاميذ المسيح. 4- يذكر بابياس- في القرن الثاني الميلادي- أن متى قد جمع أقوال المسيح. 5- من المسلم به أن الجابي عادة يحتفظ بالسجلات، لأن هذا من أهم واجباته لتقديم الحسابات، وكذلك فإن هذا الإنجيليّ قد احتفظ بأقوال المسيح بكل دقة. ويرجع أن هذا الإنجيل كتب في فلسطين لأجل المؤمنين من بين اليهود الذين اعتنقوا الديانة المسيحية. واختلف القول بخصوص لغة هذا الإنجيل الأصلية، فذهب بعضهم إلى أنه كتب أولا في العبرانية، أو الأرامية التي كانت لغة فلسطين في تلك الأيام. وذهب آخرون إلى أنه كتب في اليونانية كما هو الآن. أما الرأي الأول فمستند إلى شهادة الكنيسة القديمة، فإن آباء الكنيسة قالوا: أنه ترجم إلى اليونانية ويستشهدون بهذه الترجمة، فإذا سلمنا بهذا الرأى، التزمنا بأن نسلم بأن متى نفسه ترجم إنجيله، أو أمر بترجمته. أما الرأي بأن متى نفسه ترجم إنجيله العبراني، فيفسّر سبب استشهاد الآباء بالإنجيل اليوناني نفسه، فإن متى يوافق مرقس ولوقا في العظات، ويختلف عنهما أكثر ما يكون في القصة، ثم إن الآيات المقتطفة في العظات، هي من الترجمة السبعينية، وفي بقية القصة هي ترجمات من العبرانية. ولا بد أن هذا الإنجيل قد كتب قبل خراب أورشليم، وذهب بعض القدماء إلى أنه كتب في السنة الثامنة بعد الصعود، وآخرون إلى أنه كتب في الخامسة عشرة، ويظن (البعض) أن إنجيلنا الحالي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 والثاني: [ (1) ] ألفه مارقس الهاروني، ويقال له: مرقس [ (2) ] ، وهو من السبعين، وهو تلميذ شمعون بن يونا، بعد اثنتي عشرة سنة من رفع المسيح، وكتبه باليونانية في بلد إيطاليا من بلاد الروم، وهي أنطاكية، ويقال: كتبه بمدينة رومية، وزعموا أن شمعون هذا هو الّذي ألّفه، ثم محا اسمه من أوله، ونسبه إلى تلميذه مارقس، وهو نحو أربع عشرة ورقة بخط متوسط.   [ () ] كتب بين سنة 60 وسنة 65 م، وأن إنجيل مرقس ولوقا كتبا في تلك المدة نفسها (قاموس الكتاب المقدس) : 832- 833. [ (1) ] في (خ) : «الآخر» . [ (2) ] مرقس: اسم لاتيني، معناه مطرقة، وهو ابن امرأة تقيّة من أورشليم، كانت أختا لبرنابا، وهي التي كان الرسل والمسيحيون الأولون يجتمعون مرارا في دارها للصلاة. وقيل: أنه آمن بواسطة إنذار بطرس الرسول لأنه كان يدعوه ابنا له، وكان مرافقا لبولس وبرنابا في سفرهما الأول للتبشير، حتى وصل إلى برجة، ففارقهما هناك، ورجع إلى أورشليم، ولذلك أبى بولس أن يقبله رفيقا له في سفره الثاني، فانطلق مع برنابا إلى قبرس، وكان حينئذ في أنطاكية، ويحتمل أنه كان قد أرسل إلى هناك من أورشليم من قبل الرسل، غير أنه تصالح مع بولس فيما بعد، وصار رفيقا له، وكان يمدحه بأنه كان نافعا، وأخيرا صحب تيماثاوس إلى رومية وكتب الإنجيل المدعو باسمه. وقيل: إن بطرس أرسله إلى مصر ليبشر فيها باسم يسوع المسيح، وكانت أتعابه ناجحة في ليبية، ومرموريكا، وبنتا بوليس، ثم عاد إلى الاسكندرية وهاج عليه فيها اضطهادات شديدة من جمهور الوثنيين في موسم عيد إله لهم يسمى سيرابيس. ثم مات لشدة ما أنهكه من آلام العذابات الكثيرة، بعد أن حبس ليلة. (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين) 2/ 216. وإنجيل مرقس هو الثاني من ترتيب الأناجيل الأربعة، مع أن هذا لا يعني بالضرورة أنه كتب بعد إنجيل متى. وهو أقصر الأناجيل الأربعة، والمادة التي يقدمها مرقس في إنجيله يقدمها في تفصيل كثير. فيتقدم قصة حياة المسيح، وأعماله ... بسرعة، وفي تصوير رائع، وفي مناظر متعاقبة، الواحد تلو الآخر، وتسير هذه المناظر في ترتيب تاريخي متسلسل، ويوجه مرقس عناية خاصة إلى ما عمله المسيح، أكثر مما يوجهه إلى تعليم المسيح. وكان الاعتقاد السائد في أواخر القرن الأول الميلادي، أن هذا الإنجيل كتب في روما، ووجّه إلى المسيحيين الرومانيين ... وقد ذكر إيريليوس أحد آباء الكنيسة الأولين، أن مرقس كتب البشارة التي تحمل اسمه قائلا: «بعد أن نادى بطرس وبولس بالإنجيل في روما، بعد انتقالهم- أو خروجهما- سلم لنا مرقس كتابة مضمون ما نادى به بطرس» . وإذا كان الأمر كذلك، فربما كتب هذا الإنجيل بين عام 65 وعام 68 م، ويلاحظ أن الجزء الأخير من الإنجيل- وهو ص 16: 9- 20- وجد في بعض المخطوطات القديمة، ولم يوجد في (بعضها) الآخر، مثل المخطوطة السينائية، ومخطوطة الفاتيكان، ولكن يجب أن لا يغرب عن بالنا أن حوادث الظهور الواردة في هذه الأعداد، وكذلك أقوال المسيح المقام المذكورة فيها حقائق دامغة يؤيدها ورودها في الأناجيل الأخرى. (قاموس الكتاب المقدس) : 853- 855 باختصار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 والثالث: ألفه لوقا [ (1) ]- الطبيب الأنطاكي، تلميذ شمعون المذكور- وكتبه باليونانية في بلد [] [ (2) ] وهي الاسكندرية بعد تأليف مارقس، وهو نحو إنجيل متى. والرابع: ألفه يوحنا ابن زبدي [ (3) ] تلميذ المسيح بعد رفعه بثلاثين سنة، وكتبه باليونانية في بلد آسية، وهو نحو أربع وعشرين ورقة، ويوحنا هذا هو الّذي ترجم إنجيل متى من العبرانية إلى اليونانية.   [ (1) ] لوقا: اسم لاتيني ربما كان اختصار «لوقانوس» أو «لوكيوس» وهو صديق بولس ورفيقه، وقد اشترك معه في إرسال التحية والسلام إلى أهل كولوسي، حيث وصفه بالقول «الطبيب الحبيب» . وقيل: إن لوقا البشير كان يهوديا دخيلا من أنطاكية، وزعم بعضهم أنه كان من تلاميذ المسيح السبعين، وليس ذلك بصحيح كما يظهر من مقدمة إنجيله، وكان هذا الرجل صاحبا أمينا لبولس الرسول في أسفاره الكثيرة، وإتعابه وآلامه، كما يتضح من سفر أعمال الرسل، وكانت صناعته الطب. وقيل: إن لوقا استشهد في حكم نيرون الملك الروماني، وهو لا يبعد عن الصواب، لأنه كان غالبا مصاحبا لبولس الّذي قضى نحبه هناك. وهناك رأي آخر يقول: على أن زمن موته وكيفيته لا يعرف أحد منها شيئا، إلا أن هناك تقليدا يذكر أنه مات في بثينية في سن متقدمة، وبثينيّة مقاطعة في الشمال الغربي من آسيا الصغرى، يحدّها شرقا يافلاغونيا، وشمالا البحر الأسود، وجنوبا فريجية وغلاطية، وغربا بحر مرمرة. وإنجيل لوقا هو الإنجيل الثالث، وقد وجّه إلى شخص شريف يدعى ثاوفيلس، يرجح أنه أحد المسيحيين من أصل أممي، وكل الدلائل تشير إلى أن هذه البشارة كتبت حوالي عام 60 ميلادي. (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين) : 2/ 216، (قاموس الكتاب المقدس) : 822- 823. [ (2) ] ما بين الحاصرتين كلمة غير واضحة في (خ) ، وما بعدها فسّرها. [ (3) ] هو يوحنا ابن زبدي، أحد تلاميذ المسيح الاثني عشر، وهو المعروف بيوحنا الحبيب، وقد كان في البداية يعمل صيادا للسمك، ويبدو أنه لم يكن صيادا بسيطا، بل كان على قدر من اليسار، إذا ذكر عنه أنه عند ما دعاه السيد المسيح ترك السفينة والشّباك والأجراء. كتب يوحنا هذا الإنجيل بعد كتابة البشائر الثلاثة الأولى بزمن طويل، والغالب أنه كتب بعد سنة 90 ميلادية، أي بعد رفع السيد المسيح بحوالي 60 عاما، وكانت المسيحية في ذلك الوقت قد بدأت في الانتشار، وبدأت أيضا تقاسي ليس من اضطهاد اليهود فقط، بل أيضا من اضطهاد الدولة الرومانية. وقد كانت اللغة اليونانية هي السائدة في ذلك العصر، وهي لغة المثقفين في كل البلاد، وكان كثير من اليونانيين قد آمنوا بالمسيح، والآخرون يريدون أن يعرفوا هذه الديانة، ولذلك كتب يوحنا إنجيله باللغة اليونانية ليسهل على الجميع قراءته ... ولم يتعرض يوحنا لذكر نسب السيد المسيح لأنه كتب إنجيله لليونانيين، ولا شك أنه كان صعبا على الفكر اليوناني أن يتقبل مسألة الأنساب التي كان اليهود يهتمون بها جدا. (دراسات في الكتاب المقدس) : 1/ إنجيل يوحنا، 6- 11. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 وعدة هذه الأناجيل الأربعة تسعة آلاف واثنان وستون آية، وليس أحد من النصارى يزعم أن هذه الأناجيل الأربعة منزلة من عند اللَّه على المسيح، ولا أن المسيح أتى بها، بل كلهم يرى فيها ما قلنا. ولا يستريب عالم في أن التبديل والتحريف تطرق إلى لفظها وإلى معناها، وهذه الأناجيل الأربعة يخالف بعضها بعضا ومتناقضة، كما ذكر فيها قصة صلب عيسى، وكيف تكون في الإنجيل الّذي أنزل اللَّه على المسيح قصة صلبه وما جرى له، وأنه أصابه كذا وكذا، وصلب يوم كذا وكذا، وقام من القبر، وغير ذلك مما هو من كلام شيوخ النصارى. والإنجيل على قولهم نزل على المسيح قبل صلبه بزعمهم، وغايته أن يكون من كلام الحواريين ثلاثة أناجيل، وسمّوا الجميع إنجيلا وفيها ذكر القول ونقيضه، فمنها أنه قال: إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق غير مقبولة، ولكن غيري يشهد لي. وقال في موضع آخر: إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق، لأني أعلم من أين جئت، وإلى أين أذهب. ومنها أنه لما استشعر بوثوب اليهود عليه قال: جزعت نفسي الآن فماذا أقول يا أبتاه، سلمني من هذا الموقف. ومنها أنه لما رفع على خشبة الصلب صاح صياحا عظيما وقال: يا إلهي! لم أسلمتني؟ فكيف تجمع هذا مع قولهم: إنه هو الّذي اختار نفسه إلى اليهود يصلبوه ويقتلوه، رحمة منه بعباده حتى فداهم بنفسه من الخطايا، وأخرج بذلك آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وجميع الأنبياء عليهم السلام، من جهنم بالحيلة التي دبرها على إبليس. وكيف يبتلى إله العالم بذلك، وكيف يسأل السلامة منه، وهو الّذي اختاره ورضيه، وكيف يشتد صياحه ويقول: يا إلهي! لم اسلمتني؟ وهو الّذي أسلم نفسه، وكيف لم يخلصه أبوه مع قدرته على تخليصه، وإنزال صاعقة على الصليب وأهله؟ أم كان ربا عاجزا مقهورا مع اليهود؟ جلّ اللَّه عن قولهم. ولو أتينا بما حرفوه في الإنجيل لأتينا به أو غالبة، غير أن اللَّه تعالى صرفهم عن بضع وثلاثين موضعا فيها بشارات بنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، وإنما إليه ليكون حجة عليهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 ولهم إنجيل خامس يسمى إنجيل الصبوة، فيه الأشياء التي صدرت من المسيح عليه السلام في حال طفولته، وهو يحكي عن بطرس عن مريم عليها السلام، وفيه زيادات ونقصان، وذكر فيه قدوم المسيح وأمه، ويوسف النجار إلى صعيد مصر ثم عودتهم إلى الناصرة. فقد تبين أن الإنجيل إنما نقله أربعة رجال، منهم اثنان [فقط] [ (1) ] من أصحاب المسيح بل من التابعين لهم، ولا جرم لما نقل هذا الكتاب بلفظ الآحاد وقع فيه الغلط. واللَّه الموفق للصواب وإليه المرجع [والمآب] [ (1) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 [المعجزة في رأي المتكلمين] وأما المعجزة، فإنّها على طريقة المتكلمين أمر يظهر بخلاف العادة في دار التكليف، لإظهار صدق [مدعي النبوة] ، مع نكول من يتحدى به عن معارضته بمثله، وقيد بدار التكليف، لأن ما كان في الآخرة من خلاف العادة لا يكون معجزة، وبإظهار صدق مدّعى النبوة احترازا عما يظهر على يد الولي والمتألّه، إذ في ظهور إخلاف العادة على يد المتأله جائز دون المتنبي، والفرق أن ظهوره على يد المتنبي يوجب انسداد باب معرفة النبي، وأما ظهوره على يد المتأله [لا يوجب] [ (1) ] انسداد باب معرفة الإله، لأن كل عاقل يعرف أن الآدمي لاشتماله على أمارات القصور، لا يكون إلها، ولو رئي منه [أيّ خارق] [ (1) ] للعادة. وقيد بإظهار صدقه لأنه لو ظهر لإظهار كذبه لا يكون معجزة، كما لو ادعى المتنبي أن معجزتي نطق هذه الشجرة فأنطقها اللَّه تعالى بتكذيبه لا تكون معجزة، وقيد بنكول من يتحدى به عن معارضته، لأنها تخرج عند المعارضة عن الدلالة، ووجه دلالة المعجزة ما سبق من العلم، فإن اللَّه سامع لدعواه، وأن ما ظهر على يده لا يقدر عليه إلا اللَّه ... إلى آخره. وقال بعضهم: المعجز هو الأمر الممكن الخارق للعادة المقرون بالتحدي الخالي عن المعارض، وقال آخر: المعجزة فعل يظهر على يد من يدعي النبوة بخلاف العادة في زمان التكليف موافقا لدعواه، وهو يدعو الخلق إلى معارضته ويتحداهم أن يأتوا بمثله فيعجزون عنه، فيتبين به صدق من ظهر على يده. وقال آخر: المعجزة أفعال تعجز البشر عن مثلها فسميت بذلك معجزة، وليست من جنس مقدور العباد، وإنما تقع في غير محل قدرتهم. وللناس في كيفية وقوعها ودلالتها على تصديق الأنبياء خلاف: فقال المتكلمون بناء على القول بالفاعل المختار: هي واقعة بقدرة اللَّه [تعالى] [ (1) ]   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 لا بفعل النبي، وإن كانت أفعال العباد عند المعتزلة صادرة عنهم، إلا أن المعجزة لا تكون من جنس أفعالهم، وليس للنّبيّ فيها عند الجميع إلا التحدي بها بإذن اللَّه، وهو أن يستدل بها النبي قبل وقوعها على صدقة في مدعاه، فتنزل منزلة القول الصريح من اللَّه بأنه صادق، وتكون دلالتها على الصدق قطعية، فالمعجزة الدالة مجموع الخارق والتحدي، ولذلك كان التحدي جزءا منها، والتحدي هو الفارق بينهما وبين الكرامة والسحر، إذ لا حاجة إلى التصديق، ولا وجود للتحدي، إلا أن وجد اتفاقا. وإن وقع التحدي في الكرامة عند من يجيزها وكانت لها دلالة، فإنما هي على الولاية، وهي غير النبوة، ومن هنا منع الأستاذ أبو إسحاق وغيره وقوع الخوارق كرامة فرارا من الالتباس بالنّبوّة عند التحدي بالولاية. ومنع المعتزلة أيضا من وقوع الكرامة، لأن الخوارق عندهم ليست من أفعال العباد، وأفعالهم لهم معادة، ولا خارق. وعند الحكماء: أن الخارق من فعل النبي، ولو كان في غير محل القدرة، وبنوا ذلك على مذهبهم في الإنجاب الذاتي، ووقوع الحوادث بعضها عن بعض متوقف على الشروط والأسباب الحادثة، مستندة أخيرا إلى الواجب بالذات [الفاعل] [ (1) ] لا بالاختيار، وأن النفس النبويّة عندهم لها خواص ذاتية، منها: صدور هذه الخوارق بقدرته وطاعة العناصر له في التكوين، والنبي عندهم مجبول على التصريف في الأكوان، متى توجه إليها واستجمع لها بما جعل اللَّه له من ذلك. والخارق عندهم يقع للنّبيّ، كان التحدي أو لم يكن، وهو شاهد بصدقة من حيث دلالته على تصرف النبي في الأكوان، الّذي هو من خواص النفس النبويّة عندهم، لا تنزل منزلة القول الصريح بالتصديق، فلذلك لا تكون دلالتها قطعية كما هي عند المتكلمين، ولا يكون التحدي جزءا من المعجزة، ولم يصبح فارقا لها عن السحر والكرامة. وفارقها عندهم عن السحر: أن النبي مجبول على أفعال الخير مصروف عن أفعال الشر، ولا يلم الشر بخوارقه.   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 والساحر أفعاله كلها شر، وفي مقاصد الشر، وفارقها عن الكرامة: أن خوارق النبي مخصوصة كصعود السماء، والنفوذ في الأجسام الكثيفة، وإحياء الموتى، وتكليم الملائكة، والطيران في الهواء. وخوارق الولي دون ذلك، كتكثير القليل والحديث عن بعض المستقبل، ونحو ذلك مما هو قاصر عن تصريف الأنبياء، ويأتي النبي بمثل خوارقه، ولا يقدر هو على مثل خوارق الأنبياء. وقد قرر ذلك المتصوفة، فيما كتبوه في طريقهم وفعلوه عن مواجدهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 [الآية] وأما الآية: فإنّها العلامة، والمعجبة، والخارقة للعادة، فهي أعم من المعجزة، لأن من شرط المعجزة التحدي بها، بخلاف الآية، فقد لا يتحدى بها، بل تظهر خارقة للعادة على يد النبي، وإن لم يتحد بها في الحال، فعلى هذا يقال لما تقدم من ذلك البعثة النبويّة، بل وجوده عليه السلام آية، ولا تقال له: معجزة، إلا بنوع من المجاز بنا، على أن المعجزة بمعنى الخارقة في الجملة، ولذلك لما وقع من ذلك بعد وفاته عليه السلام آية، لأن الآية تشمل المعجزة وغيرها. وقد تغلغل بنا الكلام في هذه المهمات، وفيها فوائد تعود بخير لمن وفقه اللَّه إلى سواء السبيل، وهذا حين أشرع في إيراد ما أمكن من معجزات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأقول: اعلم أن معجزات الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم كثيرة جدا، وقد ذكر بعض أهل العلم أن أعلام نبوته تبلغ ألفا [ (1) ] ، وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ [ (2) ] : والنبي إذا عظم قدره عظمت أسماؤه، وأما معجزاته فقد بينا في كتاب- (الأصول والإملاء لأنوار الفجر) [ (3) ] ألف معجزة جمعناها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، منها ما هو في القرآن قد تواتر، ومنها ما نقل آحادا، ومجموعها خرق للعادة على يديه صلّى اللَّه عليه وسلم. وكانت صورة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهيئته وسمته وشمائله، تدل العقلاء على صدقه، ولهذا قال عبد اللَّه بن سلام: فلما رأيت وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب، ولذا كان من سمع كلامه، ورأى آدابه، لم يدخله شك، وقد كان في صغر سنه وبدء [ (4) ] أمره، يعرف بالأمانة والصدق وجميل الأخلاق، كما تقدم ذكره.   [ (1) ] (دلائل النبوة للبيهقي) : 5/ 499- 500. [ (2) ] هو محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد اللَّه بن أحمد، شيخ القاضي عياض (468- 543 هـ) . [ (3) ] من مؤلفات المقريزي رحمه اللَّه. [ (4) ] في (خ) : «وبدو» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 وما أحسن فهم قيصر ملك الروم حيث يقول: ما كان ليترك الكذب على الخلق ويكذب على اللَّه. ومع ذلك فقد أيده اللَّه تعالى بالآيات المعجزات، وما يمتنع عن قدر المخلوقين من براهين النبوة وأعلامها، كسجود الإبل له، وتسليم الصخور عليه، وسعي الأشجار إليه، وكلام الذئاب إياه، وحنين الخشب الموات إلى قربه، وانشقاق القمر حتى رئي الجبل بين فلقتيه، وإخباره بالأمور قبل وقوعها، إلى غير ذلك مما سنورده إن شاء اللَّه من الأحاديث التي تولّاها أهل العدالة والصدق على روايتها، خلفا عن سلف، حتى ينتهي إلى من عاين المعجزات وشاهدها. فجرت عندنا لذلك معجزات رسول الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم مجرى ما شاهدناه ورأيناه، لتوفر دواعي الكافة ننقلها، وكان من أجل أعلام نبوته صلّى اللَّه عليه وسلم ما قصم به أعداءه في حياته، وأبقاه اللَّه حجة على معاندي الحق بعد وفاته، وهو القرآن الّذي تحدى العرب بأن يعارضوه في سورة أو سور فعجزوا. وذلك أن اللَّه تعالى لما بعث موسى عليه السلام إلى قوم جل علمهم السحر، أعطاه من جنس ما يدعون الحذق به: إلقاء العصا حتى تصير ثعبانا، وإخراجه يده من جيبه بيضاء من غير برص، فعارضوا ذلك بسحرهم فبطل عليهم، ولم يصلوا به إلى إقامة الحجة على موسى. ولما بعث بعيسى عليه السلام إلى قوم عظم عملهم الطب، أعطاه من جنس ما يدعون الحذق به: إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، فانقطعوا عن مقاومته. ولما بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم إلى العرب، كان جل علمهم الشعر والسجع والرجز والنثر، والافتنان في القول، أعطاه من جنس ما يدعون الحذق به، القرآن، وقال لهم صلّى اللَّه عليه وسلم بلسان الإشارة: أنتم أرباب الفصاحة والبيان، وأعلم الناس بأفانين المنطق، وأجناس القول: شعره وسجعه، ورجزه ونثره، فعارضوني بمثل سورة من القرآن الّذي نزل بألفاظكم، موفقا للسانكم، لا يخالف لغتكم، ولا يخرج عن معنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 من كلامكم، فرموه بحزوق شعرهم، ومؤلف سجعهم، وبديع نثرهم، فما أحاطوا به تشبيها، ولا قاربوه تأليفا، حتى إنهم جعلوا يستروحون إلى أن يقولوا لصغارهم وأغبيائهم: هذا القرآن شعر! وتقول طائفة أخرى: هو سحر! ليعذروا في تأخرهم عن الجواب والمعارضة. هذا وقد علموا بأنه مخالف للسحر، ومباين للشعر، كما سنورده إن شاء اللَّه بالأسانيد، فهم ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يزل يقرعهم ويوبخهم بانقطاعهم وعجزهم، فيقرأ عليهم قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ (1) ] ، وقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ (2) ] ، وقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ (3) ] ، وقوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [ (4) ] . وهم يألمون لما يسمعون من التوبيخ، وقلقون لما يعلمون من وقوع الحجة بهم عند الاعتراف بالعجز، فلما أبوا إلا عناد الحق، دعاهم ذلك إلى القتال، ولو وصلوا إلى أن يعارضوا لخصموا الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وظهروا عليه، واستغنوا عن قتاله، فلما صبروا للحروب وبذل النفوس، والجلاء عن الديار، وذهاب الأموال والأولاد، كان في ذلك أعظم دليل وأوضح برهان على إعجاز القرآن للعالمين، وامتناعه عن قدر المخلوقين.   [ (1) ] يونس: 38. [ (2) ] هود: 13. [ (3) ] البقرة: 23. [ (4) ] الإسراء: 88. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 تنبيه وإرشاد لأهل التوفيق والرشاد اعلم أن اللَّه جلت قدرته، خص كل نبي من أنبيائه، ورسول من رسله، بما شاء من فضله، وأيدهم بمعجزات تدل على صدقهم فيما ادعوه من رسالة ربهم، وما من فضيلة كانت لنبي، أو معجزة أيد اللَّه تعالى بها رسولا من رسله، إلا وقد أعطى سبحانه نبيه ورسوله محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم مثلها وشبهها، ونحوا منها وأفضل وأجلّ منها، يعرف ذلك من منحه اللَّه تعالى العلم، وورثه التوفيق في الفهم، فكان أول الأنبياء بعثه اللَّه تعالى إلى أهل الأرض، نوح عليه السلام، وكانت آيته التي أوتيها، شفاء غيظه، وإجابة دعوته، في تعجيل نقمة اللَّه تعالى لمن كذبه، حتى هلك من على وجه الأرض من صامت وناطق، إلا من آمن به وركب معه السفينة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 فصل في [ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم ومقابلة ما أوتوا من الآيات بما أوتي عليه السلام] وقد أتى اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك، فإن قريشا لما كذبوه وبالغوا في أذاه وإهانته، دعا عليهم، فاستجاب ربه دعاءه فيهم وقبله، كما خرجه عبد الرزاق، أخبرنا إسرائيل عن إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي عند الكعبة وجمع قريش ينظرون، فقال قائل منهم: ألا ترون إلى هذا المرائي، أيكم يقوم إلى جزور آل فلان، فيعمد إلى فرثها ودمها وسلائها، حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانطلق أشقاهم فجاء به، حتى إذا سجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساجدا، وضحكوا حتى مال بعضهم على بعض، فانطلق منطلق إلى فاطمة رضي اللَّه عنها- وهي جويرية- فأقبلت تسعى، وثبت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ساجدا حتى نحّت عنه، وأقبلت عليهم تسبّهم. فلما قضى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم صلاته استقبل الكعبة فقال: اللَّهمّ عليك بقريش، ثم سماهم فقال: اللَّهمّ عليك بعمرو بن هشام، وشيبة، وعتبة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد، قال عبد اللَّه: والّذي توفّى نفسه، لقد رأيتهم صرعى يسحبون إلى القليب قليب بدر، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ أتبع أهل هذا القليب لعنة: وسيأتي هذا بطرقه. فانظر لمشابهة هذا الخبر ما أوتيه نوح من إجابة دعائه في هلاك قومه، وتأمل ما ميز اللَّه تعالى به محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك، فإن نوحا عليه السلام لما امتلأ غيظا من أذى المكذبين له، وعيل صبره، ابتهل إلى ربه تعالى يسأله أن ينصره، فقال: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [ (1) ] ، فهطلت السماء بماء منهمر، فكانت دعوته دعوة انتقام وانتصار.   [ (1) ] القمر: 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم دعا ربه لما قحطت الأرض فهطلت السماء بدعائه بما منهمر، أغاث اللَّه به العباد والبلاد، فكانت دعوته رحمة وغوثا للأنام، كما كان صلّى اللَّه عليه وسلم رحمة للعالمين وسيأتي خبر استسقائه بطرقه. وقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، يدعوهم ليلا ونهارا، فلم يؤمن به إلا دون المائة، ما بين رجل وامرأة [ (1) ] ، وهم الذين ركبوا معه السفينة، ونبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم كانت مدة دعائه الناس عشرين سنة، فآمن به أمم لا يحصون، ودانت له جبابرة [الأرض] ، خافت ملوكها ككسرى ملك فارس، وقيصر ملك الروم، والنجاشيّ ملك الحبشة، والمقوقس ملك مصر، وإقبال اليمن وملوك البحرين، وحضر موت، وهجر، وعمان، وغيرهم. ودانت له بحمل الإتاوة والجزية: أهل نجران، وهجر، وأيلة، وأكيدر، ودومة، لما أيده اللَّه تعالى به من الرعب الّذي ينزله بقلوب أعدائه، حتى فتح الفتوح الجليلة، ودخل الناس في دين اللَّه أفواجا، فأتوا طائعين راغبين، مصدقين له، مؤمنين بما جاء به، فأي كرامة أعظم، وأي منزلة أرفع من هذا؟ وقد خصّ نوحا عليه السلام بأن نحلة اسما من أسمائه تعالى فقال: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [ (2) ] ، وخصّ محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم باسمين من أسمائه الحسنى، جمعهما له، ولم يشركه فيهما [ (3) ] أحد، قال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (4) ] . هذا مع ما خصه به تعالى من مزيد التشريف والتكريم، حيث خاطبه بصفة من صفات الرفعة والشرف، تقوم مقام الكنية، إذا يقول تعالى مخاطبا له صلّى اللَّه عليه وسلم في كتابه العزيز: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ [ (5) ] ، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ [ (6) ] ، يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (7) ] ،   [ (1) ] قال تعالى: وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود: 40] . [ (2) ] الإسراء: 3. [ (3) ] هما: رءوف، رحيم. [ (4) ] التوبة: 128. [ (5) ] الأنفال: 64، 65، 70، التوبة: 73، الأحزاب: 1، 28، 45، 50، 59، الممتحنة: 12، الطلاق: 1، التحريم: 1، 9. [ (6) ] المائدة: 41، 67. [ (7) ] المدثر: 1. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [ (1) ] . ولم يخاطب سبحانه غيره من الرسل إلا باسمه، فقال تعالى: يا آدَمُ [ (2) ] ، يا نُوحُ [ (3) ] ، يا إِبْراهِيمُ [ (4) ] ، يا مُوسى [ (5) ] ، يا يَحْيى [ (6) ] ، يا داوُدُ [ (7) ] ، يا عِيسى [ (8) ] ، وكل ذي عقل سليم يرى أن الخطاب للرجل بكنية أجل وأعظم من دعائه وخطابه به [من] [ (9) ] ندائه باسمه. ولما رماه صلّى اللَّه عليه وسلم المشركون بما رموا به من قبله من رسل اللَّه تعالى منذ عهد نوح فقالوا: مجنون، وساحر، وشاعر، ونحو ذلك من افترائهم الّذي نزه اللَّه عنه رسله عليهم السلام، احتمل صلّى اللَّه عليه وسلم أذاهم، وصبر على تكذيبهم له، ثقة منه بأن اللَّه تعالى تولى نصرته، وأنه وليه وظهيره، ولم يسلك مسلك من تقدمه من الرسل، في انتصارهم لأنفسهم، كقول نوح لما قال له قومه: إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (10) ] ، فقال مجيبا عن نفسه: يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ [ (11) ] ، وكقول هود لما قال له قومه: إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ [ (12) ] فقال دفعا عن نفسه: يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ [ (13) ] ، [و] [ (14) ] كما قال [فرعون] [ (15) ] لموسى: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً [ (16) ] ، فنصر نفسه بنفسه فقال: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [ (17) ] ، ولما قال المشركون لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم: أَإِنَّا لَتارِكُوا [ (18) ] آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ [ (19) ] ، وقالوا: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [ (20) ] ، سكت صلّى اللَّه عليه وسلم صابرا محتسبا. فتولى اللَّه تعالى نصرته بوحي يتلى على مر الأيام إذا يقول: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ   [ (1) ] المزمل: 1. [ (2) ] البقرة: 33، 35، الأعراف: 19، طه: 117. [ (3) ] هود: 46، 48. [ (4) ] هود: 76، الصافات: 104. [ (5) ] طه: 11، 17، 19، 36، 40، 83، النمل: 9، 10، القصص: 30، 31. [ (6) ] مريم: 12. [ (7) ] ص: 26. [ (8) ] آل عمران: 55، المائدة: 110، 116. [ (9) ] زيادة للسياق. [ (10) ] الأعراف: 60. [ (11) ] الأعراف: 61. [ (12) ] الأعراف: 66. [ (13) ] الأعراف: 67. [ (14) ] زيادة للسياق. [ (15) ] زيادة للسياق. [ (16) ] الإسراء: 101. [ (17) ] الإسراء: 102. [ (18) ] في (خ) : «لتاركوا» . [ (19) ] الصافات: 36. [ (20) ] الحجر: 6. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (1) ] ، وإذ يقول اللَّه تعالى: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [ (2) ] ، وكذلك لما قالت قريش: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [ (3) ] ، وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ [ (4) ] ، أعرض عنهم امتثالا لأمر ربه تعالى، إذ قال: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا [ (5) ] ، فأنزل اللَّه تعالى براءته من ذلك، ودافع عنه ونصره، إذ يقول سبحانه: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ (6) ] ، وإذ يقول: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [ (7) ] ، في آيات أخر، ولهذا المعنى مزيد بيان فيما يأتي.   [ (1) ] يس: 69. [ (2) ] القلم: 2. [ (3) ] النحل: 103. [ (4) ] الفرقان: 4، وفي (خ) . «وقالوا إن هذا» . [ (5) ] النجم: 29. [ (6) ] الفرقان: 6. [ (7) ] الشعراء: 193. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 وأما إبراهيم عليه السلام فإن اللَّه تعالى اختصه بمقام الخلّة، فقال تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [ (1) ] ، وكسّر عليه السلام أصنام قومه التي كانت آلهتم التي يعبدونها من دون اللَّه غضبا لربه تعالى، وحجبه من نمروذ بحجب ثلاثة، وقصم عليه السلام نمروذ ببرهان نبوته فبهته، وبنى عليه السلام البيت. وقد آتى اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك كله بمزيد شرف وأجل تكريم، فالخلة مقامه صلّى اللَّه عليه وسلم، فيها أكمل مقام، ثبت من طرق عديدة عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل اللَّه. وقد ثبت في صحيح مسلم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة، ومن طريق أبي مالك عن ربعي بن خراش، عن حذيفة قالا: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يجمع اللَّه الناس فيقوم المؤمنون حتى يزلف لهم الجنة، فيأتون آدم عليه السلام فيقولون: يا أبانا، استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟ لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى أبيكم إبراهيم خليل اللَّه، قال: فيقول إبراهيم عليه السلام: لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلا من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى الّذي كلمه اللَّه تكليما، فيأتون موسى عليه السلام، فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة اللَّه وروحه، فيقول عيسى عليه السلام: لست [بصاحب] [ (2) ] ذلك، فيأتون محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم فيقوم، فيؤذن له [ (3) ] ... وهذا يدل على أنه صلّى اللَّه عليه وسلم أعطى [أعلى من] مقام الخلة، لأنه رفع له الحجاب، وكشف له الغطاء، ولو كان خليلا من وراء وراء، لاعتذر كما اعتذر إبراهيم عليه السلام، فإذا منصب المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم هو [الأعلى] ، من مفهوم قول إبراهيم عليه السلام: إنما كنت خليلا من وراء وراء ولم يشفع، فدلّ [على] أنه إنما يشفع من كان خليلا لا من وراء وراء، مع الكشف والعيان، وقرب المكانة من حضرة القدس لا المكان، وذلك مقام المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ (1) ] النساء: 125. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] سبق تخريجه وشرحه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 وقد تقدم في بعض طرق الإسراء، أنه صلّى اللَّه عليه وسلم لما بلغ سدرة المنتهى قيل له: اسأل، فقال: إنك اتخذت إبراهيم خليلا، إلى أن قال له ربه عز وجلّ: قد اتخذتك حبيبا، ولذلك كسّر الأصنام، فإن الّذي أعطاه اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك، أفضل مما أعطاه إبراهيم عليه السلام، وذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلم رمى هبل من [أعلى] الكعبة، وأشار يوم فتح مكة إلى ثلاثمائة وستين صنما فوقعت وكسرت بأسرها بمحضر أهل نصرها، وذلك بإشارته صلّى اللَّه عليه وسلم بقضيب ليس مما يكسر مثله عادة، وكان كسر إبراهيم عليه السلام للأصنام بمعول يكسر مثله عادة. وكان كسره عليه السلام لتلك الأصنام التي كسرها بمعوله عند غيبة قومه عن أصنامهم، ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلم إنما كسرها وقريش الحماة الأبطال، تراها وهي تتساقط على وجوهها، وقد كانوا أمس يرونها آلهة تجلب لهم النفع وتردّ عنهم الضّرّ، فما انتطح في كسرها عنزان، ولا نطق بنصرها ذو لسان. قال عبد اللَّه بن عمر العمري، عن نافع [عن ابن] عمر رضي اللَّه [عنهما] قال: وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما قد ألزمها الشيطان بالرصاص والنحاس، فكان كلما دنا منها مخصرته، تهوى من غير أن يمسها ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (1) ] فتساقط لوجوهها، ثم أمر بهن فأخرجن إلى المسبل. وقد حجب اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم عمن أرادوا قتله بخمسة حجب: ثلاثة منها في قوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [ (2) ] ، وواحد في قوله تعالى: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [ (3) ] ، والخامس في قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ [ (4) ] ، ويتبين لك معنى كون هذه الحجب إذا نظرت في الهجرة النبويّة، ومكر الذين كفروا به صلّى اللَّه عليه وسلم وخروجه من منزله وهم قيام يريدونه فلم يروه.   [ (1) ] الإسراء: 81. [ (2) ] يس: 9. [ (3) ] الإسراء: 45. [ (4) ] يس: 8. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 وقد قصم صلّى اللَّه عليه وسلم ببرهان نبوته الّذي أتاه مكذبا بالبعث بعد الموت- وهو أبي ابن خلف- وقد حمل عظاما باليا، وفركه ثم قال: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ فأنزل اللَّه تعالى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [ (1) ] ، فانصرف عدو اللَّه مبهورا. كما بهت الّذي كفر- وهو نمروذ- إذ يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [ (2) ] . وقد اختلف في هذا القائل، فقال مجاهد وقتادة: هو أبي بن خلف، وقال سعيد بن جبير [عن ابن] [ (3) ] عباس: هو العاص بن وائل، وصححه الحاكم، وروى [عن أبيه] عباس: أنه عبد اللَّه بن أبي [ابن] [ (4) ] سلول. وإبراهيم عليه السلام، وإن كان له في بناية البيت الحرام شرفا يميز به على من عداه، فإن أعظم ما في البيت: الحجر الأسود، وقد أعطى اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك، فإن قريشا لما بنت البيت في جاهليتها، اختلفت فيمن يضع الحجر، حتى أشير عليهم بتحكيم أول من يطلع عليهم، فطلع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحكموه، فوضع الحجر في رداء، وأمر كل قبيلة أن ترفع منه شيئا، ثم وضعه صلّى اللَّه عليه وسلم بيده، كما تقدم ذلك بطرقه. ثم انظر قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [ (5) ] ، يظهر لك أن الخليل عليه السلام كان وصوله بواسطة، وأين ذلك من قوله تعالى في حق محمد صلّى اللَّه عليه وسلم: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى [ (6) ] . وانظر قوله تعالى عن الخليل [عليه السلام] : وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [ (7) ] ، تجد بينه وبين قوله تعالى لنبينا محمد [صلّى اللَّه عليه وسلم] :   [ (1) ] يس: 79. [ (2) ] البقرة: 258. [ (3) ] ، (4) زيادة للسياق. [ (5) ] الأنعام: 75. [ (6) ] النجم: 8- 10. [ (7) ] الشعراء: 82. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [ (1) ] بونا كبيرا: ذلك طمع في المغفرة، وهذا غفر له بيقين. وكذا قوله [تعالى عن الخليل عليه السلام] [ (2) ] : وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ [ (3) ] ، مع قوله [تعالى عن نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] : يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [ (4) ] ، تجده ابتدأ محمدا [صلّى اللَّه عليه وسلم] بالبشارة قبل السؤال. وكذا قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ [ (5) ] والخليل قال: حَسْبِيَ اللَّهُ [ (6) ] ، تجد بين المقامين بونا كبيرا. وكذلك قول الخليل: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [ (7) ] ، مع قوله تعالى لمحمد [صلّى اللَّه عليه وسلم] : وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (8) ] ، يظهر لك شرف مقامه، لأنه أعطي بلا سؤال. [وكذا] [ (9) ] قول الخليل: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [ (10) ] ، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم قيل له: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (11) ] وفي ذلك تنبيه على علوّ مقام المصطفى ورفيع مكانته صلّى اللَّه عليه وسلم. وأما الذبيح: فإن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم حصل له من شق صدره المقدس ما هو من جنس ما أوتيه الذبيح، فإن الذبيح إسماعيل عليه السلام، صبر على مقدمات الذبح: شد وثاقه، وتله للجبين، وإهواء أبيه بالمدية إلى منحره، [فوفى] [ (12) ] بما وعد به من قوله: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [ (13) ] . وكان لنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك أوفى مقام من الصبر وأجلّ، لأن الّذي حصل من الذبيح إنما هو الصبر على مقدمات الذبح فقط، والمصطفى [صلّى اللَّه عليه وسلم صبر] [ (14) ] على شق صدره، واستخراج قلبه، ثم شقه، ثم استخراج العلقة، ثم غسله، ثم إطباقه، ثم وضعه، ثم إحاطة صدره.   [ (1) ] الفتح: 2. [ (2) ] زيادة للبيان. [ (3) ] الشعراء: 87. [ (4) ] التحريم: 8. [ (5) ] الأنفال. [ (6) ] الزمر: 38. [ (7) ] الشعراء: 84. [ (8) ] الشرح: 4. [ (9) ] زيادة للسياق. [ (10) ] إبراهيم: 35. [ (11) ] الأحزاب: 33. [ (12) ] زيادة للسياق. [ (13) ] الصافات: 102. [ (14) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 وأين الصبر على مقدمات جز المنحر بالمدية، من الصبر على شق الصدر وإخراج القلب وشقه، فإن صبر الذبيح إنما كان على ما أصابه من صورة القتل لا على فعله، وصبر المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم إنما كان على مقاتل عدوه، ولكن انخرقت العادة ببقاء الحياة، وأدل دليل على مقاساته صلّى اللَّه عليه وسلم الألم في شق صدره قوله: فأقبل وهو ممتقع اللون أو منتقع اللون، ومعناه أنه صار كلون النقع، وهو الغبار، وهو شبيه بلون الأموات، هذا يدل على غاية المشقة، فكان ابتلاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم بشق الصدر وما معه أعظم من ابتلاء الذبيح بما ذكر عنه باعتبارين: أحدهما: أنه ابتلي بذلك فصبر عليه وهو طفل صغير منفرد عن أمه ويتيم من أبيه. والآخر: مقاساة حقيقة الشق للصدر والقلب، وغاية ما ابتلى به الذبيح التعريض بذبحه وبين المقامين في الصبر بون بعيد فتأمله. وأمر آخر: وهو أن الذبيح توطنت نفسه على ما انتابه بقوله أبيه: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [ (1) ] ، والرسول صلّى اللَّه عليه وسلم فجئه ذلك البلاء العظيم على غفلة، فإنه أختطف من الأطفال وفعل به ما فعل، وأين حال من هو مع أبيه وقد أنذره بما يفعل به، ممن يختطفه من لا يعرفه، وينزل به ذلك البلاء العظيم، فإن البغتة أشد على النفس، والفجاءة أقوى رعبا.   [ (1) ] الصافات: 102. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 وأما هود عليه السلام فإن اللَّه تعالى نصره على قومه الذين عادوه إذ كذبوه بالريح العقيم، وقد أعطى اللَّه سبحانه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم أفضل من ذلك، فانتصر من أعدائه بالريح يوم الخندق، قال تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [ (1) ] ، فكانت ريح هود ريح سخط وانتقام: ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [ (2) ] ، وريح محمد صلّى اللَّه عليه وسلم ريح رحمة، قال تعالى: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [ (3) ] ، وقال حفص بن غياث، عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه [عنهما] [ (4) ] ، قال: لما كان يوم الأحزاب، انطلقت الجنوب إلى الشمال، فقالت: انطلقي بنا ننصر محمدا رسول اللَّه، فقالت الشمال للجنوب: إن الحرة لا تسري بليل، فأرسل اللَّه عليهم الصّبا، فذلك قوله تعالى: [فَأَرْسَلْنا] [ (4) ] عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [ (5) ] .   [ (1) ] الأحزاب: 9. [ (2) ] الذاريات: 42. [ (3) ] الأحزاب: 9. [ (4) ] زيادة للسياق. [ (5) ] الأحزاب: 9. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 وأما صالح عليه السلام فإن اللَّه تعالى أخرج له ناقة لتكون حجة له على قومه، وآية لنبوته، لها شرب ولقومه شرب يوم معلوم، وقد أعطى اللَّه سبحانه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك ما لم يؤت صالحا، وذلك أن ناقة صالح عليه السلام لم تكلمه ولا شهدت له بالنّبوّة، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم أتاه البعير الناد شاكيا إليه ما همّ به صاحبه من نحره. خرج أبو بكر بن أبي شيبة من طريق إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبيري عن جابر رضي اللَّه عنه قال: سرنا ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بين أظهرنا كأن على رءوسنا الطير، فأتاه جمل ناد، حتى إذا كان بين السماطين خرّ ساجدا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: من صاحب هذا الجمل؟ فإذا فتية من الأنصار قالوا: هو لنا يا رسول اللَّه، قال فما شأنه؟ قالوا: سقينا عليه منذ عشرين سنة وكانت به مشيخة، فأردنا أن ننحره فنقسمه بين علمائنا فانفلت منا، قال: تبيعونه؟ قالوا: لا، بل هو لك يا رسول اللَّه، قال: أما فأحسنوا إليه حتى يأتي أجله. وسيأتي هذا الحديث بطرقه إن شاء اللَّه تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 وأما إدريس عليه السلام فإن اللَّه تعالى قال في حقه: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا، والعلوّ من الأمور النسبية، فتارة يكون علوّ مكان، وتارة وتارة يكون علوّ مكانة، فعلوّ المكان: مقام إدريس عليه السلام، وهو على ما روى الفلك الرابع، رفعه اللَّه إليه. وأما علو المكانة: فهو الّذي خص اللَّه تعالى به المقام المحمدي، قال تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ [ (1) ] ، فهو سبحانه وتعالى [منّزه] عن المكان لا عن المكانة، وعلو المكانة أجلّ من علو [المكان] [ (2) ] ، وقد خصّ اللَّه سبحانه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم من علو المكانة بما لم ينله أحد غيره، قال تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (3) ] ، فرفع اللَّه تعالى ذكره صلّى اللَّه عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا صاحب صلاة إلا ينادي: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، فقرن تعالى اسمه الكريم باسمه صلّى اللَّه عليه وسلم في توحيده والشهادة بربوبيته، في مشارق الأرض ومغاربها، وجعل ذلك مفتاحا للصلوات المفروضات. روى [عن] [ (4) ] ابن لهيعة، عن دراج عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه في قوله تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (5) ] قال: قال لي جبريل عليه السلام: قال اللَّه: إذا ذكرت ذكرت معي. وقال عثمان بن عطاء الزهري، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما فرغت مما أمرني اللَّه به من أمر السموات والأرض قلت: يا رب، إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد كرّمته، جعلت إبراهيم خليلا، وموسى كليما، وسخرت لداود الجبال، ولسليمان الريح والشياطين، وأحييت لعيسى الموتى، فما جعلت لي؟ قال: أو ليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كله؟ أن لا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرءون ظاهرا، ولم أعطها أمة، وأنزلت عليك كلمة من كنوز عرشي (لا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم) .   [ (1) ] محمد: 35. [ (2) ] زيادة للبيان. [ (3) ] الشرح: 4. [ (4) ] زيادة للسياق. [ (5) ] الشرح: 4. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 وأما يعقوب عليه السلام فإن اللَّه تعالى قال: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ [ (1) ] ، فكانت الأسباط من سلالة يعقوب ومريم ابنة عمران من ذريته، والهداة منه كانوا، فعظم من الخير نصيبه، حتى قال تعالى في أولاده: وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ* وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ [ (2) ] ، وقال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ* وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ [ (3) ] . وقد أعطى اللَّه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم من الخير أوفر الحظّ وأرفع الذكر، وأجزل النصيب، فجعل ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين، وجعل من ذريته الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، روي عن محمد بن حجادة عن عمران بن كثير عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: حسبك من نساء العالمين أربع: فاطمة بنت محمد، وخديجة بنت خويلد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم. وجاء من عدة طرق عن ابن عباس وأبي سعيد الخدريّ مرفوعا: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. وعن الشعبي عن أبي جحيفة عن علي رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجنة غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد، فتمر وعليها ريطتان خضراوان. وقال حفص بن غياث عن العرزميّ عن عطاء عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إذا كان يوم القيامة [نادى] [ (4) ] مناد من وراء الحجب: يا أيها الناس غضوا أبصاركم ونكسوا، فإن فاطمة بنت محمد تجوز الصراط إلى الجنة [ (5) ] .   [ (1) ] العنكبوت: 27. [ (2) ] الجاثية: 16- 17. [ (3) ] السجدة: 23- 24. [ (4) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (5) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 605، باب غضّ البصر حين اجتياز فاطمة على الصراط، حديث رقم (550) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 وقال بشر بن إبراهيم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبيه عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إنما سميت فاطمة لأن اللَّه فطم من أحبها من النار. وقال علي بن عمر بن علي: إن اللَّه يغضب لغضبك ويرضى لرضاك- وقال عمر ابن غياث عن عاصم عن عبد اللَّه يرفعه: أن فاطمة أحصنت فرجها، فحرمها اللَّه وذريتها على النار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 وأما ذرية يعقوب عليه السلام الذين هم بنو إسرائيل فإن اللَّه تعالى سخط عليهم بسوء أعمالهم، وضرب عليهم الذلة والمسكنة، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، وأنزل فيهم الكتاب، وجعل منهم القردة والخنازير، وقطعهم في الأرض أمما، وجعل الذين اتبعوا الحق فوقهم إلى يوم القيامة، فبان بهذا أن الّذي آتاه اللَّه تعالى من الخير لنبيا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم أجل وأعظم مما أوتيه يعقوب عليه السلام، وكذلك تميز نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم على يعقوب في محنته، وذلك أن كلا منهما ابتلى بفقد ولده. فأما يعقوب فإنه حزن على فقد يوسف حتى كاد يكون حرضا من الحزن، فإن حزنه كان حزن إيلاف ومضض واشتياق ووجد، بدليل قوله: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ [ (1) ] ، فأصابه بفقد ولد واحد من جملة اثنى عشر ولدا هذا الأسف، ونبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم فجع بوحيده من الدنيا، وقرّة عينه في حياته، فلم يجزع بل صبر واحتسب، ووفى بصدق الاختيار، مسلّما إلى ما سبقت به الأقدار، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون. فكان سلوكه صلّى اللَّه عليه وسلم في ذلك وفي جميع أحواله منهج الرضا عن اللَّه تعالى، والاستسلام له فيما يقضي ويحكم، ولم يتأسف، بل رضى واستسلم، ففاق صبره صلّى اللَّه عليه وسلم على صبر يعقوب عليه السلام، لفضل قوته وعلو مقداره ومكانته صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ (1) ] يوسف: 84. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 وأما يوسف عليه السلام فإنه فاق في الحسن على جميع الخلق، وقد بلغ نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك ما لا غاية فوقه، وذلك أن يوسف عليه السلام قد ثبت أنه أوتي شطر الحسن، فزعم زاعم أنه عليه السلام اختص بالشطر من الحسن، واشترك الناس جميعا في [الشطر] الآخر، وليس كذلك، بل إنما أوتي شطر الحسن الّذي أوتيه المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم بلغ الغاية، وهو عليه السلام بلغ شطر الغاية، بدليل ما خرجه الترمذي من طريق قتادة، عن أنس رضي اللَّه عنه قال: ما بعث اللَّه نبيا إلا حسن الوجه وحسن الصّوت، وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا. ويؤيد ذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلم وصف بأنه كالشمس الطالعة، وكالقمر ليلة البدر، وأحسن من القمر، ووجهه كأن مذهبة يستنير كاستنارة القمر، وكان عرقه صلّى اللَّه عليه وسلم له رائحة كرائحة المسك الإذخر، وقد تقدم ذلك بطرقه. وقد قاسي يوسف عليه السلام مرارة الغربة، وامتحن بمفارقة أبويه، والخروج عن وطنه، وكان الّذي قاسي نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك أعظم، فإنه اغترب وفارق أهله وولده، وعشيرته وأحبته، كما هاجر من حرم اللَّه وأمنه، حيث مسقط رأسه مضطرا لا مختارا، فاستقبل البيت مستعبرا متلهفا حزينا، وقال: إني أعلم أنك أحب البلاد إلى اللَّه، ولولا أني أخرجت منك ما [خرجت] [ (1) ] ، وخرج ليتأوّلها، فلما بلغ الجحفة أنزل اللَّه عليه: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [ (2) ] وأراه اللَّه تعالى رؤيا أزال بها الحزن عنه، كما أري يوسف عليه السلام رؤيا صدق تأويلها. قال تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ [ (3) ] ، فدخل صلّى اللَّه عليه وسلم مكة آمنا، وصدق وعد اللَّه له، كما جاء تعالى بأبوي يوسف تأويلا لرؤياه من قبل. وقد ابتلى يوسف عليه السلام بالسجن توقيا للمعصية، إذ قال: رب   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] القصص: 85. [ (3) ] الفتح: 27. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [ (1) ] ، وكذلك ابتلى نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم بالسجن في الشّعب وضيق عليه فيه أشد الضيق مدة ثلاث سنين، حتى صنع اللَّه بكيد أضعف خلقه وتسليطها على صحيفة مكر قريش التي عقدوها في قطيعته صلّى اللَّه عليه وسلم، فكان لنبينا من ذلك ما لم يكن ليوسف عليه السلام، لأن يوسف كانت محنته بالسجن من أجل أن امرأة العزيز دعته إلى نفسها فاستعصم، وكانت محنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالإلجاء إلى الشّعب قطيعة من ذوي رحمه، لأنه دعاهم إلى توحيد اللَّه تعالى، وترك عبادتهم الأصنام، وشتان بين هذين المقامين من البون. وعلّم اللَّه يوسف من تأويل الأحاديث- يعني عبارة الرؤيا- ولم يقص تعالى عنه سوى تعبير ثلاث منامات، ونقل عن نبينا من ذلك شيء كثير جدا، مما رآه ومما عبّره لغيره فجاء كفلق الصبح. ومكن تعالى ليوسف في الأرض- يعني أرض مصر خاصة- ونبينا مكّن اللَّه له ولأمته في الأرض كلها، وملك يوسف أهل مصر في زمن الغلاء، وقد ملك نبينا [صلّى اللَّه عليه وسلم] يوم الفتح جلة العرب وصناديد الحجاز وسمّاهم الطلقاء، فأحرز صلّى اللَّه عليه وسلم خصائص يوسف عليه السلام وزاد عليها، ولهذا ترقى عليه ليلة الإسراء ما شاء اللَّه.   [ (1) ] يوسف: 33. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 وأما موسى عليه السلام فإن اللَّه تعالى أيده بالعصا، واليد البيضاء، وتفجير الماء من الحجر، وقال تعالى: وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا [ (1) ] ، ومقام المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم في المناجاة أرفع، فإن موسى عليه السلام، إنما سمع الكلام والمناجاة على الطور، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم سمع الكلام وقد أسرى به، والملأ الأعلى فضله على الأرض. فأما العصي الخشب الموات فإنّها تصير بإذن اللَّه تعالى ثعبانا تتلقف إفك سحرة فرعون، ثم تعود إلى معناها، وخاصتها من مآرب موسى عليه السلام، وقد أتى اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم أعجب من ذلك، فإنه أشار بقضيب في يده يوم الفتح إلى الأصنام المشدودة بالرصاص شدا محكما إلى الكعبة فيما حولها، وعدتها ثلاثمائة وستون صنما، فكان إذا أشار إليها بالقضيب وقال: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ [ (2) ] سقط الصنم وتكسر جذاذا، فكانت عصا موسى مسلطة على آلة آل فرعون، وقضيب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم سلّط على ما اتخذته قريش آلهة، وأين التسليط على الآلة، من التسلط على الآلهة؟ وأيضا فإن اللَّه تعالى قال عن موسى عليه السلام: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [ (3) ] فسلط عصاه على ذلك التخيل، وقضيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تسلط على أمر حقيقي، وأين الخيال من الحقيقة؟ وقد حنّ لنبينا [محمد] [ (4) ] صلّى اللَّه عليه وسلم الجذع اليابس، وخار، وهذا أعجب من حالات عصا موسى عليه السلام، فإن موسى إنما جعل النّبات حيوانا غير ناطق، ونبينا [محمد] [ (4) ] صلّى اللَّه عليه وسلم جعل النبات حيوانا ناطقا، فشارك موسى في قلب الأعيان على وجه أتم، لأن الناطق أتم من غير الناطق، وأبلغ في الأعجوبة إجابة الأشجار واجتماعها لدعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما دعاها، ورجوعها إلى أمكنتها بعد أن أمرها. وكان من معجزات موسى عليه السلام، أن يضرب بعصاه الحجر فينفجر منها اثنتا عشرة عينا بعدد الأسباط الاثنا عشر، وقد أيد اللَّه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك   [ (1) ] مريم: 52. [ (2) ] الإسراء: 81. [ (3) ] طه: 66. [ (4) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 بأعجب وأبدع وأغرب، فإنه بعث سهما ليوضع في عين كانت تبض بماء قليل، فلما وضع السهم فيها استخرج الماء بإذن اللَّه تعالى من تخوم الأرض، وصارت معينا غرس عليها جنان، واشتق منها أنهار. ونبع الماء من بين أصابعه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهذا أعجب من العجب، فإن نبع الماء من الحجر لم يزل معهودا مشهورا في العالم، بخلاف نبع الماء من بين أنامل ركبت من عظم ولحم ودم، فإن هذا لم يعط قط مثله إلا لنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، فإنه كان يفرج بين أصابعه في مخضب فينبع من بين أصابعه الماء، فيشرب منها الناس ويستقون، وهم يعاينون ماء عذبا جاريا، يروي الأعداد الكثيرة من النّاس والخيل والإبل، ويملئون منه قربهم وأدواتهم، كما سيرد بطرقه إن شاء اللَّه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 وأما ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق وجازه بأصحابه فقد ورد أن بين السماء والأرض بحرا مكفوفا، تكون بحار الأرض بالنسبة إليه كالقطرة بالنسبة إلى البحر المحيط، فعلى هذا يكون ذلك البحر قد انفلق لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم حتى جاوزه ليلة الإسراء، وذلك أعظم وأفخم من انفلاق بحر القلزم لموسى عليه السلام. وقد أوتي نظير ما أوتى موسى من ذلك: أن العلاء بن الحضرميّ رضي اللَّه عنه، لما كان بالبحرين واضطر إلى عبور البحر، فعبر هو ومن معه من المسلمين، ولم يبتل لهم ثوب ببركة اتباعهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كما سيأتي ذكره إن شاء اللَّه بطرقه. وأما بياض يد موسى عليه السلام من غير سوء- وهو النور- فنظيره لنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم أنه نور ينقل في الأصلاب، كما مرّ أنه كان نورا في جبهة أبيه عبد اللَّه ابن عبد المطلب. ولما بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الطفيل بن عمرو الدوسيّ يدعو قومه إلى الإسلام، دعي له فسطع نور بين عينيه فقال: يا رسول اللَّه! أخاف أن يقولوا مثله؟ فتحول النور إلى رأس سوطه، وكان كأنه شمعة [مضيئة] [ (1) ] آية للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم، فكانت كاليد البيضاء، وصارت كعصا موسى التي ذكر في الأخبار أنها كانت تضيء. وأما تفجير الماء من يده صلّى اللَّه عليه وسلم فهو بياض معنوي، فأيّ يد بيضاء أغنى غناء وأبيض ماء من يد كان البحر في الإحسان دونها، والسحب تضاهي معينها؟ وقد ذكر أيضا أن عصا موسى عليه السلام هزم بها الألوف من قوم فرعون، وقد أتى اللَّه تعالى نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أعجب من ذلك، إذ تناول يوم حنين كفا من تراب أو حصى، ورمى به في وجوه هوازن، وقال: شاهت الوجوه، فلم يبق أحد منهم إلا أصاب عينه شيء من ذلك، وولوا منهزمين. وكان من كرامة موسى المناجاة، ولكنها عن ميعاد واستعداد، وكرامة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم بالمناجاة كانت على سبيل المفاجأة، بدليل قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: (بينا أنا) [ (2) ] . وأما   [ (1) ] زيادة للبيان. [ (2) ] بداية كثير من الأحاديث النبويّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 قوله: فرج سقف بيتي، ولا أبلغ في المناجاة من ذلك، فقد حمل عنه صلّى اللَّه عليه وسلم ألم الانتظار كما حمل عنه ألم الاعتذار في قول موسى عليه السلام: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [ (1) ] . ولا شك أن في منحه هاتين الكرامتين مزيد اختصاص وأجل كرامة. وقد أتى موسى إلى فرعون بالعذاب الأليم، من الجراد والقمل والضفادع والدم، فقد أرسل اللَّه سبحانه على قريش بتكذيبهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الدخان، فكان آية بينة، ونعمة بالغة، قال تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ [ (2) ] . ودعا رسول اللَّه على قريش فابتلوا بالسنين، وسيأتي ذلك إن شاء اللَّه بطرقه. وقد أنزل اللَّه تعالى على موسى وقومه المن والسلوى، وظلل عليهم الغمام، وقد أتى اللَّه نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أعظم من ذلك، فإن المن والسلوى رزق رزقهم اللَّه كفاهم به السعي والاكتساب له، وقد أحل اللَّه لنبينا وأمته الغنائم التي [كانت] [ (3) ] محرمة على من قبلهم، وجعلها منة باقية لهم إلى يوم القيامة، وأي قدر للمنّ والسلوى في جنب غنائم كسرى وقيصر، والجلالقة والقوط والقبط وغيرهم ممن غنم المسلمون أموالهم وديارهم، وسبوا نساءهم وذراريهم، ومع هذا كله فإن اللَّه تعالى أعطى أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم من جنس ما أعطى موسى وقومه من ذلك، فقذف لهم البحر لما كانوا مع أبي عبيدة في سرية- وقد أصابتهم المجاعة- حوتا يقال له: العنبر، أكلوا منه، وائتدموه نصف شهر بلا سعي ولا طلب. وكان صلّى اللَّه عليه وسلم يشبع النّفر الكثير من الطعام القليل واللبن اليسير، حتى يصيرون شباعا رواء. وكان موسى عليه السلام تنقلب له عصاه ثعبانا تتلقف ما صنعت السحرة، حتى استغاث فرعون بموسى وأخيه رهبة منه وفرقا. وقد أعطى نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أخت هذه الآية بعينها، [وهي] [ (4) ] أن جعل أبا جهل فرعون هذه الأمة احتمل حجرا، وأقبل يريد أن يرضخ به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو ساجد عند الكعبة، وقد عدت قريش ينتظرون ما يصنع، فلما سجد صلّى اللَّه عليه وسلم، احتمل أبو جهل الحجر وأقبل نحوه،   [ (1) ] طه: 84. [ (2) ] الدخان: 10- 11. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 حتى إذا دنا منه رجع مبهوتا منتقعا لونه من [هول] ما قد يبست يداه على حجره، فلما سأله قومه ما له قال: لما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل. لا واللَّه ما رأيت مثل هامته ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط، فهم أن يأكلني. وقد اختار موسى عليه السلام سبعين رجلا من قومه لينفذوا معه إلى ربه تعالى، فلما صاروا في البرية غلب عليه- عليه السلام- روح القرب، فأسرع إلى ربه وترك قومه، فقال له تعالى: وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى * قالَ هُمْ [أُولاءِ] [ (1) ] عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [ (2) ] ، فعبّر عليه السلام عن قصده في العجلة بطلب رضى اللَّه تعالى. ونبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، أعظم اللَّه شأنه في آيتين، أعلمه فيهما رضاه عنه، وأعطاه سؤله ومناه من غير سؤال منه في ذلك ولا رغبة تقدمت منه، فقال تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [ (3) ] ، وقال تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [ (4) ] ، فمنحه اللَّه رضاه، وأعطاه مناه، في جميع ما يهواه ويتمناه، وغيره من الأنبياء سألوا وطلبوا رضا مولاهم، ومع ذلك فقد خصه اللَّه تعالى مع الرضا بالرحمة والرأفة، فقال تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [ (5) ] ، وكان رقيق القلب صلّى اللَّه عليه وسلم فأمر اللَّه تعالى موسى بالملاينة لفرعون لما كان عليه من الغلظة، فقال: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً [ (6) ] ، فذكر تعالى الملاينة، وأمر محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم بضدّ ذلك فقال تعالى: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [ (7) ] ، لما خصّه به من الرحمة والرأفة واللين، كما قال تعالى: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (8) ] . وقد أكرم اللَّه تعالى موسى بأن قال له: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [ (9) ] ، قال بعضهم: أحببت إليك عبادتي. وقال آخر: جعل اللَّه بين عينيه نورا لا ينظر إليه أحد إلا أحبه. وقيل: أسكنت بين عينيك ملاحة تسبى بها من رأيته. وقد أوتي نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم من نظائر هذه الكرامة أشياء منها: أن اللَّه تعالى أقسم بالضحى والليل إذا سجى، أنه ما ودعه وما قلاه.   [ (1) ] تكملة سياق الآية. [ (2) ] طه: 83- 84. [ (3) ] البقرة: 144. [ (4) ] الضحى: 5. [ (5) ] آل عمران: 159. [ (6) ] طه: 44. [ (7) ] التوبة: 73، التحريم: 9. [ (8) ] التوبة: 128. [ (9) ] طه: 39. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 ومنها أنه تعالى افترض على خلقه اعتقاد محبته صلّى اللَّه عليه وسلم حتى جعل ذلك منهاجا إلى طاعته تعالى، ومفتاحا للقربة إليه، وسبيلا إلى الفوز بغفرانه ورحمته. قال تعالى: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [ (1) ] ، وقال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [ (2) ] ، وكيف لا يكون معظما مفضلا على جميع أنبياء اللَّه ورسله، وقد أقسم تعالى بحياته فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [ (3) ] . قال أبو نعيم: حدثنا سفيان الثوري عن الأسود بن قيس عن جندب قال: «اشتكى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة فقالت: يا محمد! ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل اللَّه تعالى: وَالضُّحى * وَاللَّيْلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى [ (4) ] ، أي لم أتركك ولم أبغضك، وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [ (5) ] . وقال عبد اللَّه بن أحمد: حدثني هارون قال: حدثنا جعفر، حدثنا ثابت قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: موسى صفيّ اللَّه وأنا حبيب اللَّه.   [ (1) ] آل عمران: 31. [ (2) ] النور: 54. [ (3) ] الحجر: 72. [ (4) ] الضحى: 1- 3. [ (5) ] الضحى: 4- 5. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 وأما هارون عليه السلام فإن اللَّه تعالى وصفه بفصاحة اللسان فقال: هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً [ (1) ] ، وقد علم أن لغة العرب أفصح اللغات، ولنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم من الفصاحة ما يعرف من مارس كلامه، أنه أوتي فيها [أعلى] مقام، لم يصل إليه أحد من قبله وقد شارك هارون مع ذلك فيما ناله من بني إسرائيل، فإنه لما خلف موسى عليه السلام فيهم عند ما توجه لميقات ربه، افترقوا وتحزّبوا ونقضوا العهد، واستضعفوه وهمّوا بقتله، وعبدوا العجل فلم يقبل توبتهم حتى قتلوا بعضهم بعضا، كما قصّ اللَّه تعالى ذلك في كتابه العزيز [ (2) ] ، فلقى نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم نظير ذلك من بني قريظة والنضير وقينقاع، فإنّهم نقضوا العهد وحزّبوا الأحزاب، وجمعوا وحشدوا، وأظهروا له العداوة بعد ما هموا بإلقاء الرحى عليه، لما أتاهم يستعين بهم في دية بعض أصحابه، فقام صلّى اللَّه عليه وسلم بحربهم، وقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم، وقسم أموالهم، فكان نظير استضعافهم لهارون استضعافهم للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم يوم الأحزاب، حتى لقد قال قائلهم: محمد يخندق على نفسه وأصحابه، ولا يستطيع أحدهم الخروج إلى الغائط، وهو يعدهم بملك كسرى وقيصر، فكان المسلمون كما قال تعالى: وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [ (3) ] ، حتى أيده اللَّه بجنوده، وجعل العاقبة له على اليهود والأحزاب، كما هو مذكور في موضعه من هذا الكتاب [ (4) ] .   [ (1) ] القصص: 34. [ (2) ] في سورتي الأعراف وطه. [ (3) ] الأحزاب: 10. [ (4) ] راجع أبواب المغازي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 وأما داود عليه السلام فخصه اللَّه تعالى بتسبيح الجبال معه، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ [ (1) ] ، وقال تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ* إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ* وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ [ (2) ] ، فسخر اللَّه تعالى الجبال والطير له بالتسبيح، وقد أعطى اللَّه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك من جنسه وزيادة، فسبّح الحصا في كفه، وفي يد من صدّقه واتبعه رفعة لشأنه وشأن مصدقيه، وقد سخرت الطير والبهائم العظيمة كالإبل والسباع العادية الضارية لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم، كسجود البعير الشارد له، والذئب الّذي نطق بنبوته، وقد همهم الأسد لسفينة مولاه لما مرّ به ودله على الطريق، وأخذ الطائر خفه صلّى اللَّه عليه وسلم وارتفع به ثم ألقاه، فخرج منه أسود سالخ!! وقد أوردت ذلك كله بطرقه. وألين لداود عليه السلام الحديد، حتى سرد منه الدروع السوابغ، وقد لانت الحجارة وصمّ الصخور للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم، فعادت له غارا استتر به من المشركين يوم أحد [و] [ (3) ] ، مال برأسه إلى الجبل ليخفي شخصه عنهم، فليّن اللَّه تعالى له الجبل حتى أدخل [رأسه] [ (3) ] ، وهذا أعجب، لأن الحديد تلينه النار، ولم نر النار تلين الحجر. قال أبو نعيم: وذلك بعد ظاهر باق يراه الناس، وكذلك في بعض شعاب مكة حجر أصم استروح صلّى اللَّه عليه وسلم في صلاته إليه، فلان له الحجر حتى أثّر فيه بذراعيه وساعديه، قال أبو نعيم: وذلك مشهور يقصده الحجاج ويرونه، ولانت الصخرة ببيت المقدس ليله أسري به كهيئة العجين، فربط [بها] [ (3) ] دابته البراق، ويلمسونه الناس إلى يومنا هذا باق. قاله أبو نعيم. وكان داود عليه السلام حسن الصوت، بحيث بات عدة ممن سمعه وهو يقرأ الزبور على ذكر، وقد شبه نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم صوت أبي موسى الأشعري رضي اللَّه تعالى   [ (1) ] سبأ: 10. [ (2) ] ص: 17- 19. [ (3) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 عنه بمزامير داود، فقال: لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود، هذا، وما بلغ أبو موسى الحد، فإنه قال: لو علمت أنك تسمع لحبرته تحبيرا، فدل على أنه كان يقدر أن يتلو بنجي من ذلك. وأما الموت من موعظة داود عليه السلام، فإن القوة في الأمة المحمدية أعظم منها في بني إسرائيل، فلهذا تفاوت حالها عند سماع الموعظة وعند تركها، ولذلك لم يمت داود لأنه كان قويا وهو الواعظ. وقد قال بعض الأمة المحمدية: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا [أعلى] [ (1) ] ما بقوة مقامه. وأمر آخر، وهو أن خلقا من هذه الأمة ماتوا في مجالس الوعظ كما هو معروف في كتب الأخبار، وقد تقرر أن كل كرامة لولي في علم أو عمل، فهي بالنسبة إليه كرامة، وإلى الرسول معجزة، وقد جاء في الحديث: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل.   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 وأما سليمان عليه السلام فإن اللَّه تعالى وهب له ملكا لا ينبغي لأحد من [بعده] [ (1) ] ، وقد أعطى اللَّه نبيّنا صلّى اللَّه عليه وسلم خزائن الأرض، فأباها وردّها اختيارا للنقل من الدنيا، واستصغارا لها بحذافيرها، وآثر مرتبته ورفعته عند ربه تعالى على ما يغني، ورضي بالقوت اليسير، فكان له من ذلك أعظم ما لسليمان لعلوّ مقامه. وقد سخر اللَّه تعالى لسليمان الريح، فسارت به في بلاد اللَّه، وكان غدوّها شهرا ورواحها شهرا، فأعطى اللَّه سبحانه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم أعظم من ذلك فأكثر، لأنه سار في ليلة واحدة من مكة إلى بيت المقدس مسيرة شهر، وخرج به في ملكوت السموات مسيرة خمسين ألف سنة في أقل من ثلث ليلة، فدخل السموات سماء سماء، ورأى عجائبها ووقف على الجنة والنار، وعرض عليه أعمال أمته صلّى اللَّه عليه وسلم، وصلّى بالأنبياء وبملائكة السموات، وخرق الحجب، ودلى له الرفرف الأخضر، وأوحى إليه ربه تعالى ما أوحى، وأعطاه خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش، وعهد إليه أن يظهر دينه على الأديان، حتى لا يبقى في شرق الأرض وغربها إلا دينه، أو يؤدون إليه وإلى أهل دينه الجزية عن صغار، وفرض عليه الصلوات الخمس. ولقي موسى عليه السلام وما له [من] [ (1) ] مراجعة ربه في التخفيف عن أمته، وهذا كله في ليلة واحدة، فأيما أعجب وأكثر من هذا، أو الريح غدوها شهر ورواحها شهر، ومع ذلك فإن الصّبا سخّرت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وكانت من جملة أجناده، ولهذا قال: نصرت بالصّبا، ومع ذلك فإن سليمان سأل ذلك فقال: رَبِّ [اغْفِرْ لِي وَ] [ (2) ] هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ (3) ] ، ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلم حباه اللَّه تعالى بذلك من غير تعرض منه له، وأين مقام من [يعطي] [ (1) ] حسب سؤاله، من مقام من تأتيه المنح الإلهية مخطوبا لها ومسئولا بها؟   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] زيادة للسياق لتصويب النّص. [ (3) ] ص: 35. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 وقد خص اللَّه المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم بأن جعل الرعب يسير بين يديه مسيرة شهر، وأين غدو الريح بسليمان شهرا من تقدم الرعب بين يدي المصطفى شهرا، وقد سخر اللَّه تعالى لسليمان الجن، لكنها كانت تعتاص عليه حتى يصفدها ويعذبها بالأعمال الشاقة وغيرها، ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أتته الجن راغبة فيه، طائعة له، معظّمة لشأنه، مصدقة بما جاءه من ربه، مؤمنة به، متبعة له، ضارعة خاضعة، مستمدة مستمنحة منه زادها ومأكلها، فجعل لها كل روثة تصيبها تعود علفا لدوابها، وكل عظم يعود طعاما لها. وسخرت له صلّى اللَّه عليه وسلم عظماء الجن وأشرافها التسعة، الذين قال تعالى فيهم: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ [ (1) ] ، وقال: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً [ (2) ] ، وأقبلت إليه صلّى اللَّه عليه وسلم ليلة الجن الألوف منها مبايعين له على الصوم والصلاة والنصح للمسلمين، واعتذروا بأنهم قالوا على اللَّه شططا. فشملت بعثته ورسالته الإنس والجن، وهم لا يحصون عددا، وأين ما أعطيه سليمان من هذا، وما قدر ملكه في جنب هذا الأمر العظيم، وأين تصفيد سليمان الجن من أسر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العفريت من الجن لما تفلّت عليه، وأين المقام السليماني من المقام المحمدي، فإن سليمان كانت تخدمه الجن، ونبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم كانت الملائكة المقربون أعوانه، يقاتلون أعداءه بين يديه، ويدفعون عنه من يريده بسوء، وقد قبض أبو أسيد على الغول لما خالفته إلى سيره بسوق نمرة، حتى علمته آية الكرسي، وقبض أيضا أبو أيوب الأنصاري على الغول، وأسر معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه جنّيّا من جن نصيبين، وصارع عمار بن ياسر رضي اللَّه عنه الجن لما التقيا على الماء، ومع هذا فقد ضرب جبريل عليه السلام بجناحه لما توفي النجاشي بالحبشة الجبال، حتى قام المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم هو وأصحابه فصلّى عليه وهو صلّى اللَّه عليه وسلم ينظر إليه من المدينة. وكذلك لما توفي معاوية بن معاوية، ضرب جبريل بجناحه، ورفع له صلّى اللَّه عليه وسلم   [ (1) ] الأحقاف: 29. [ (2) ] الجن: 1- 2. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 جنازة معاوية حتى نظر إليه وصلّى عليه، وأين تسخير سليمان عليه السلام الجن يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ [ (1) ] ، من تسخير اللَّه سبحانه جبريل الروح الأمين، الرسول الكريم، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [ (2) ] ، لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم حين نزل على قريش يقاتل يوم بدر، فكان عمل الجن المردة والقردة الكفرة الفسقة لسليمان في أمور الدنيا، وعمل الملائكة المقربين الكرام البررة لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم من غير استقصاء، قال تعالى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ [ (3) ] ، وقال تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (4) ] ، ولم يؤيد اللَّه تعالى نبيا قبل محمد صلّى اللَّه عليه وسلم بالملائكة تقاتل معه كما قاتلت يوم بدر كفاحا كقتال الناس. قال تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ [ (5) ] ، فلما نزلت الملائكة يوم بدر للقتال، قال صلّى اللَّه عليه وسلم لأبي بكر رضي اللَّه عنه وهو معه في العريش: أبشر يا أبا بكر، أتاك اللَّه بالنصر، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه ... إلى غير ذلك مما قد أوردته بطرقه في أبوابه. وقد كان سليمان عليه السلام يفهم كلام الطير كما في قصة الهدهد، ويفهم كلام النملة، قال تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ [ (6) ] ، وقال تعالى: قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ [ (7) ] ، وقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ [ (8) ] ، وقد أعطى نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك بزيادات، فكلمته البهائم والسباع، وحنّ له الجذع، ورغا له البعير، وكلمته الشجر، وسبّح الحصا في كفه، وسلم عليه الحجر والشجر، وأقر الذئب بنبوته، [ونطقت] [ (9) ] له ذراع الشاة المسمومة، وسخر الطير لطاعته، وشكت إليه الظبية، وكلمه الضّب، وقد أوردت ذلك كله بطرقه.   [ (1) ] سبأ: 13. [ (2) ] التكوير: 20. [ (3) ] آل عمران: 124. [ (4) ] الأنفال: 9. [ (5) ] الأنفال: 12. [ (6) ] النمل: 20. [ (7) ] النمل: 18. [ (8) ] النمل: 16. [ (9) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 وأما يحيى بن زكريا عليهما السلام فإنه أوتي الحكم صبيا، وكان يبكي من غير ذنب، ويواصل الصيام، وقد أعطى اللَّه نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أفضل من هذا، فإن يحيى لم يكن في قوم يعبدون الأوثان والأصنام من دون اللَّه، ولا كان في عصر الجاهلية، بل كان في بني إسرائيل أهل الكتاب، وبيت النبوة، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم كان في عصر الجاهلية، ما جاءهم قبله من نذير، يعبدون الأوثان والأصنام والطواغيت، فأوتي من بينهم الفهم والحكم صبيا بين حزب الشيطان وعبدة الأوثان، فلم يرغب لهم في صنم قط، ولا شهد معهم عيدا، ولم يسمع منه كذب قط، وكانوا يعدونه صدوقا أمينا حليما رءوفا، وكان يواصل الأسبوع صوما ويقول: إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني، وكان يبكي حتى يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، وقد أثنى اللَّه تعالى على يحيى فقال: وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [ (1) ] ، والحصور الّذي لا يأتي النساء، وذلك أن يحيى كان نبيا ولم يكن مبعوثا إلى قومه، وكان منفردا [بمراعاة] [ (2) ] ، ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلم كان رسولا إلى كافة الناس ليقودهم [ويقربهم] [ (3) ] إلى اللَّه تعالى، قولا وفعلا، [فأقام] [ (4) ] اللَّه تعالى به الأحوال المختلفة، والمقامات الغالبة المتفاوتة في تصرفاته، ليقتدي الخلق كلهم بأفعاله وأوصافه. فاقتدى به الصديقون في حالاتهم، والشهداء في مراتبهم، والصالحون في اختلاف أحوالهم، ليأخذ العالي والداني والمتوسط من أفعاله قسطا وحظا، إذ النكاح من أعظم حظوظ النفس وأبلغ الشهوات، فأمر به صلّى اللَّه عليه وسلم وحث عليه لما جبل اللَّه تعالى عليه النفوس البشرية من توقان النفس وهيج الشهوة المطبوع عليها النفس. وأباح ذلك ليتحصّنوا به من السفاح، فشاركوه صلّى اللَّه عليه وسلم في ظاهره، وشملهم الاسم معه، وانفرد صلّى اللَّه عليه وسلم عن مساواته معهم، فقال: تزوجوا فإنّي مكاثر بكم الأمم، فإذا غلب عليه وعلى قلبه ما أفرده ألحق به من قوله: وجعلت قرة عيني   [ (1) ] آل عمران: 39. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ، ولعل الصواب ما أثبتناه. [ (4) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ، ولعل الصواب ما أثبتناه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 في الصلاة، [و] [ (1) ] تلطف صلّى اللَّه عليه وسلم في مرضاتهن فقال لعائشة: ائذني لي أتعبد في هذه الليلة، فقالت: إني لأحب قربك، وهواك أحب إليّ. فقام إلى مصلاه إلى الصباح راكعا وساجدا باكيا، وربما خرج إلى البقيع فتعبد فيه وزار أهله، وربما قام ليلة ثانية إلى الصباح يرددها، فكانت نسبته عن أحكام البشرية ودواعي النفس ممحوة عند انشقاق صدره، لما حشوه بالإيمان والحكمة الّذي وزن أمته فرجحهم، هذا مع ما أنزل اللَّه تعالى من السكينة عليه وعلى قلبه المقدس صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 وأما عيسى عليه السلام فإن اللَّه تعالى خصه بإرسال الروح الأمين إلى أمه فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا [ (1) ] ، ليهب لها غلاما زكيا، فحملت به، وأنه نطق في المهد، وقد أعطى اللَّه نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم ضروبا من هذه الآيات، فبشرت به أمه آمنة وهي حامل به، وظهرت لها الآيات عند وضعها كما تقدم ذكره، وقد قال تعالى عن عيسى: وَرَحْمَةً مِنَّا [ (2) ] . ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلم وصفه اللَّه بأعم الرحمة وأكملها، فقال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (3) ] ، فمن صدقه وآمن به فاز برحمته في الدارين، ومن لم يصدقه أمن في حياته مما عوقب به المكذبون للرسل من الأمم من الخسف والمسخ والقذف، [وأنقذ] [ (4) ] اللَّه ببعثته من آمن من الضلال، وانتعشوا بالإيمان من الدمار، وأمنوا به من البوار، قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ [ (5) ] ، وقال: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً [ (6) ] ، فكان صلّى اللَّه عليه وسلم رحمة مهداة. وقال تعالى عن عيسى. وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ [ (7) ] وقد أوتي نبينا ما يجانس ذلك وأكثر منه وأفضل. قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [ (8) ] ، وقال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ [ (9) ] ، وقال: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [ (10) ] يعني القرآن شرف لك ولهم، وقال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [ (11) ] ، ويقول تعالى للأنبياء: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [ (12) ] ، إلى غير ذلك من الآيات، وكان عيسى يخلق من الطين كهيئة الطير   [ (1) ] مريم: 17. [ (2) ] مريم: 21. [ (3) ] الأنبياء: 107. [ (4) ] زيادة للسياق والبيان. [ (5) ] آل عمران: 164. [ (6) ] الأحزاب: 45. [ (7) ] آل عمران: 48. [ (8) ] الحجر: 87. [ (9) ] النحل: 44. [ (10) ] الزخرف: 44. [ (11) ] سبأ: 28. [ (12) ] إبراهيم: 41. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 فيكون طيرا بإذن اللَّه، وكان لنبينا [صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] نظير ذلك. فإن عكاشة انقطع سيفه يوم بدر، فدفع له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قضيبا من حطب، قال: قاتل بهذا، فعادل سيفا في يده شديد المتن أبيض الحديدة طويل القامة فقاتل به، حتى فتح اللَّه على المسلمين، ثم لم يزل يشهد به المشاهد إلى أيام الردّة. فالمعنى الّذي أمكن به نبينا أن تصير الخشبة حديدا يبقى على الأيام، هو المعنى الّذي خلق به عيسى من الطين كهيئة الطير، بل ذلك أعظم وأبدع، فإنه لم يعهد قط أن الحديد يخرج من الخشب، وقد عهد أن الحيوان يتكون من الطين. وأيضا فإن هذا الحديد القاطع الّذي تولد من الخشب بقي أعواما كثيرة، ولم ينقل أن الطير الّذي خلقه عيسى من الطين بقي لذلك، ومع هذا فقد سمع التسبيح من الحجارة الصم في يد نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم، وشهدت الأشجار والأحجار له بالنّبوّة، واجتمعت الأشجار والتزمت ثم افترقت عن أمره لها، وكل هذا يجانس إحياء الموتى، وطيران الطيور من الطين كهيئة الطير. وقد كان عيسى يبرئ الأكمه والأبرص، ولنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك، فقد ردّ عين قتادة بعد ما ندرت وسالت على خده، ونفث في عيني رجل قد ابيضتا فأبصر، وبصق في عين رفاعة بن رافع وقد فقئت عينه بسهم فلم يؤده منها شيء، وتفل في عين على رضي اللَّه عنه وهو أرمد فبرئ من ساعته وما اشتكى عينيه بعد، ومسح صلّى اللَّه عليه وسلم بيده على عدة من المصابين والمرضى فبرءوا. وقد كان عيسى يحي الموتى بإذن اللَّه، ولنبينا من هذا المعنى ما هو أعجب وأغرب، فقد أحيا شاة جابر، وأحيا اللَّه تعالى لامرأة ولدها ببركته، [وكلمته] [ (2) ] صلّى اللَّه عليه وسلم ذراع الشاة [المسمومة] [ (2) ] ، وتكليم الذراع أغرب، لأن حياة العضو المبان وتكليمه أعجب من حياة الذات الكاملة، لأن الحياة عهدت منها، وقد تكلم جماعة بعد الموت بخلاف العضو من الحيوان، لا سيما بعد طبخه بالنار.   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 وقد كان عيسى يخبر بالغيوب، وينبئ قومه بما يأكلون في بيوتهم ويدخرونه، ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلم له في هذا المقام الّذي لا فوقه: فإن عيسى إنما كان يخبر بما كان من وراء جدار، ونبينا كان يخبر بما كان منه بمسيرة شهر وأكثر، كإخباره بموت النجاشي، وبقتل زيد وجعفر وابن رواحة في مؤتة، وكان يأتيه السائل ليسأله عن شيء فيقول له: إن شئت أخبرتك بما جئت تسأل عنه أو تسأل فأخبرك؟ فيقول: لا، بل أخبرني فيخبره بما في نفسه. وأخبر عمير بن وهب الجمحي بما تواطأ عليه هو وصفوان بن أمية لما قعدا بمكة في الحجر في الفتك به صلّى اللَّه عليه وسلم بعد مصاب أهل بدر. وأخبر عمه العباس لما أسر ببدر وأراد أن يفاديه فقال: ليس لي مال، فقال: أين مالك الّذي أودعته أم الفضل لما أردت الخروج وعهدت إليها فيه؟ وبعث عليا والزبير إلى سارة، وقد حملت كتاب حاطب إلى أهل مكة فأخرجاه منها، وقال لعبد اللَّه بن أنيس لما بعثه إلى الهذلي بوادي عرفة: إذا رأيته هبته، وأطلعه اللَّه في منصرفه من تبوك على موضع ناقته وقد ضلت. وأخبر بموت كسرى في وقت قتله، وأخبر صلّى اللَّه عليه وسلم بأشياء قبل كونها فوقعت كما قال، وبشّر بما يجري على أمته بعد موته، فكان مثل ما وعد به، فمما أخبر بكونه: قول اللَّه تعالى: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ [ (1) ] ، فكفاه اللَّه ووفاه ما وعده من نصره، وأباد المستهزءين. وقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ [ (2) ] ، فكان كما وعده اللَّه، غلبوا وقتلوا، ويحشرون إلى النار. وقوله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ [ (3) ] ، فكان كما وعده.   [ (1) ] البقرة: 137. [ (2) ] آل عمران: 12. [ (3) ] آل عمران: 139. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 وقوله تعالى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ [ (1) ] ، فهزم اللَّه المشركين يوم بدر. وقوله تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [ (2) ] ، وقواه بلا مال ولا عشيرة، حتى ملكت أمته المشرق والمغرب. وقوله تعالى: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ [ (3) ] ، فدخلوا مكة آمنين. وقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [ (4) ] ، فكان كذلك. وقوله تعالى: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ [ (5) ] فلعلمه بكونه ووقوعه، حدّد الوقت فقال: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ [ (6) ] ، وأكده بقوله: وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ [ (7) ] . وقوله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [ (8) ] ، يعني فتح مكة، يبشر بفتح مكة لعظم قدرها مثل كونه، وبدخول الناس في دينه أفواجا، فكان [كذلك] [ (9) ] . وقدمت وفود العرب بإسلام قومهم وانقيادهم لدينه، فلم يمت صلّى اللَّه عليه وسلم حتى طبق الإسلام اليمن إلى شجر العمان وأقصى نجد العراق، بعد تمكنه بالحجاز، وبسط رواقه بالغور مجرى حكم الرسول على أهل مكة والطائف وعمان والبحرين واليمن واليمامة. وقوله تعالى: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها [ (10) ] ، يعني: العجم وفارس، لقوله: وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها [ (11) ] ، يعني فارس والروم، وكان كذلك ملكها اللَّه أمته صلّى اللَّه عليه وسلم. وقوله تعالى: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ [ (12) ] ،   [ (1) ] الأنفال: 7. [ (2) ] الحج: 40. [ (3) ] الحج: 59. [ (4) ] النور: 55. [ (5) ] الروم: 1- 3. [ (6) ] الروم: 3- 4. [ (7) ] الروم: 6. [ (8) ] النصر: 1. [ (9) ] زيادة للسياق. [ (10) ] الفتح: 21. [ (11) ] الأحزاب: 27. [ (12) ] الفتح: 16. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 هم أهل فارس والروم، وبنو حنيفة أصحاب مسيلمة فقاتلهم أبو بكر ثم عمر رضي اللَّه عنهما. ولم يختلف أحد من أهل القبلة في أن المخلفين من الأعراب لم يدعوا إلى شيء من الحروب بعد توليهم عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حتى دعوا في زمن أبي بكر إلى قتال أصحاب مسيلمة، ووعد صلّى اللَّه عليه وسلم بفتح بيضاء المدائن وأخذ كنوز كسرى، وقال لعديّ بن حاتم: لا يمنعنك ما ترى بأصحابي من الخصاصة، فليوشكن أن تخرج الظعينة من الحيرة بغير جوار، فأبصر ذلك عدي بعينه. وتزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأم حبيبة، وأسلم أبوها أبو سفيان، فزالت العداوة وآلت إلى مودة وصلة، وأطلعه اللَّه تعالى على ما أكنه في الصدور، وأضمر به القلوب، فقال تعالى: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [ (1) ] . وقال: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [ (2) ] ، يعني من بعث محمد صلّى اللَّه عليه وسلم لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ [ (3) ] ، فأعلم اللَّه نبيه بذلك، وقال: أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ [ (4) ] . وقال تعالى: وَيُحِبُّونَ [أَنْ يُحْمَدُوا] [ (5) ] بِما لَمْ يَفْعَلُوا [ (6) ] ، وذلك أن اليهود كتموا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما سألهم عنه، وأخبروه بغير الحق، وأوهموه صدقهم ليستحمدوه بذلك، فأعلمه اللَّه بخبرهم. وقال تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا [ (7) ] ، وذلك أن اليهود قالوا: لإخوانهم المنافقين في السير يوم الخندق: على ما تقتلون أنفسكم؟ [هلم] [ (8) ] إلينا، ما ترجون من محمد؟ واللَّه ما تجدون عنده خيرا.   [ (1) ] المائدة: 13. [ (2) ] البقرة: 76. [ (3) ] البقرة: 76. [ (4) ] البقرة: 77. [ (5) ] زيادة لتصويب الآية الكريمة. [ (6) ] آل عمران: 88. [ (7) ] الأحزاب: 18. [ (8) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ [ (1) ] ذلك بأنهم قالوا لبني قريظة والنضير: سنطيعكم في بعض الأمر، فأخرج اللَّه أسرارهم لنبيه. ونظائر ذلك مما أطلع اللَّه عليه نبيه مما أسرّه اليهود والمنافقون في القرآن كثير. وهذا مما لا يجوز أن يكون وقوعه بطريق الاتفاق، ولا هو مما لا تصل قدر البشر إلى معرفته، فلم يبق إلا أن يكون أطلع اللَّه نبيه عليه، مما أسره اليهود والمنافقون وأعلمه به، وأين إعلام المسيح أصحابه بما يأكلون، وإخباره لهم بما [يدخرون] [ (2) ] ، من إعلام الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم هذه الحوادث العظيمة، والغيوب البديعة قبل كونها؟ قال الحافظ أبو نعيم: ووجه الدلالة في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالغيوب على صدق نبوته، وثبوت رسالته، أن مولده ومنشأه في قوم أميين، لم يتعاظموا علما بالنجوم، ولا حكما بالطوالع والكواكب، حسب ما يستنبطه المنجمون، ولا عرف هو بطلب شيء من ذلك في بلده ولا في أسفاره، وكانت الكهانة بطلت بمبعثه، ولم يكن له علم بالغيوب، إلا بوحي يأتيه به جبريل عن اللَّه تعالى. ولو كان في قومه وبلده المنجمون والمستنبطون وهو لم يخالطهم، ولا عرف بالأخذ عنهم، وأخبر ما أخبر به من الغيوب لكان ذلك دلالة على نبوته ومعجزة له إذا أخفى ذلك على عشيرته وخلطائه لمفارقة تلك العادات، وليس بجائز أن يكون إخباره مأخوذا عن الشياطين مع ما جاء به من سبّهم ولعنهم، فثبت بهذا أن الإخبار فيما أخبر به من الغيوب عن اللَّه تعالى. وأما ما اعترض به بعض الملاحدة والكفرة بأنه لم يأت بآية قاطعة محتجا بقوله تعالى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [ (3) ] ، وما أشبهه من الآي، فكيف وقد ورد القرآن بقوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ   [ (1) ] محمد: 25- 26. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] الإسراء: 59. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 [ (1) ] ، وقوله: أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً [ (2) ] ، وقوله: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (3) ] ثم قال: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [ (4) ] الآية، وقال لليهود فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً [ (5) ] . وقال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [ (6) ] الآية، وقال: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ [ (7) ] ، وقال: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ [ (8) ] ، وقال: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى [ (9) ] ، وقال: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ [ (10) ] ، وما في معناه من الآي. وإنما منعوا الآيات التي كانوا يقترحونها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بأن تأتهم الملائكة عيانا فيقولون: لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [ (11) ] ، فأنزل اللَّه تعالى: ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ [ (12) ] ، وقولهم: لولا أنزل عليه ملك فيكون معه نذير* أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها [ (13) ] ، وما في معناه. وأنزل اللَّه تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ (14) ] ، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يعرفهم إنما الآيات عند اللَّه، ولا يرسلها إلا بما يعلم فيه الصلاح، وأن شهوات الكفار والجهال لا نهاية لها، وفيما أنزله من الكتاب المبني على الغيوب كفاية مع ما كان اللَّه تعالى يظهره عليه من الآيات سفرا وحضرا.   [ (1) ] القمر: 1. [ (2) ] الجن: 9. [ (3) ] البقرة: 23. [ (4) ] البقرة: 24. [ (5) ] الجمعة: 6- 7. [ (6) ] النور: 55. [ (7) ] الأنفال: 9. [ (8) ] الشعراء: 197. [ (9) ] طه: 133. [ (10) ] الروم: 1- 4. [ (11) ] الحجر: 7. [ (12) ] الحجر: 8. [ (13) ] الفرقان: 7- 8. [ (14) ] العنكبوت: 51. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 واستفاضت الأخبار به بنقل الأمناء العدول من جهات كثيرة مختلفة، يستحيل فيها على مضي السنين وتطاول المدة، واختلاف همم النقلة ودواعيهم [التواطؤ] [ (1) ] عليها، فحصلت بحمد اللَّه الدلائل خاصا وعاما. والقرآن هو الحجة الباقية بقاء الدهر، التي عجزت العرب مع خصاصتهم وبلاغتهم عن معارضته، مع ما يرجعون إليه من العقول الراجحة، [والافهام] [ (2) ] الكاملة، فليس يخلو تركهم معارضته من أحد أمرين: إما عجزا عنها أو قدرة عليها، فإن كان عجزا فهو ما يقوله، وإن كانوا قادرين على معارضته فلم يعارضوا لصرفة، صرفهم اللَّه عنها، فهي أيضا معجزة، كما لو أن مدعيا ادّعى النبوّة فقال: [آيتي] [ (3) ] أنكم لو أردتم الكلام يومكم هذا لم يمكنكم، فلم يمكنهم الكلام، كان ذلك معجزة له، وآية للصرف التي صرفهم اللَّه عن النطق والكلام، وقد كان أمره صلّى اللَّه عليه وسلم في الانتفاء عن علم الغيب، و [براءته] [ (4) ] من ادعائه ظاهرا منتشرا، وأنه لا يعلم منه إلا ما علمه اللَّه وأنبأه. وذكر من حديث مسدد قال: أخبرنا بشر بن المفضل، أخبرنا خالد بن ذكوان، حدّثتنا الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدخل عليّ صبيحة بني بي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلن جويرات لنا يضربن بالدف من أمامي يوم بدر، إلى أن قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في الغد؟ فقال: دعي هذه وقولي [الّذي] [ (5) ] كنت تقولين. ومن حديث إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني أبي عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مرّ بناس من الأنصار في عرس لهن يتغنين: وأهدى لها [كبشا] [ (6) ] تبجح في المربد ... وزوجك في النادي يعلم ما في غد فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يعلم ما في غد إلا اللَّه عزّ وجلّ، فكانوا أنصاره وأعوانه،   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] زيادة للسياق. [ (5) ] زيادة للسياق. [ (6) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 فمدحهم اللَّه بذلك في كتابه، فقد كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عدة حواريين، منهم الزبير. وقال: لكل نبي حواري، وحواري الزبير، على أن حواري عيسى كان مبلغهم في طاعته أن قالوا: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ [ (1) ] ؟ وكان لحواري رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في خلوص الطاعة وصحة النية وحسن المؤازرة، ومجاهدة النفوس في نصر نبيهم، وتبجيلهم وتعظيمهم له، ومعرفتهم بجلالته ما تقدم ذكره، وسيأتي إن شاء اللَّه، لأن اللَّه تعالى امتحن قلوبهم للتقوى، فكانوا لا يحدّون النظر إليه إعظاما له، ولا يرفعون أصواتهم عليه إجلالا له، ولا يتنخم نخامة إلا ابتدروها يتمسحون بها، ولا سقطت شعرة إلا تنافسوا فيها، حتى إن معاوية أوصى أن يدفن معه شعر من شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وشرب عبد اللَّه بن الزبير محجمة من دمه، وكان إذا حضر من [جفاة] الأعراب من لا يوقره استأذنوه في قتله، وقد ذكرت ذلك كله بطرقه. وقد كان عيسى عليه السلام كثير السياحة، جوابا للقفار والبراري فقد كان لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك ما هو أعظم وأفخم، فإنه ساح في الأرض بأصحابه مجاهدا أعداء اللَّه، فاستنقذ في عشر سنين ما لا يعدّ من حاضر وباد، وافتتح القبائل الكثيرة، فأين سياحة عيسى ليخلو بعبادة ربه، من سياحة محمد المبعوث بالسيف المصلت على أعداء اللَّه لإقامة دين اللَّه؟ فكان لا يداري لغيره بالكلام، ويجاهد في اللَّه ولا ينام إلا على دم، ولا يستقر إلا متجهزا لقتال الأعداء، أو باعثا إليهم سرية في إقامة الدين وإعلاء الدعوة وإبلاغ الرسالة صلّى اللَّه عليه وسلم. وقد كان عيسى زاهدا يتقنّع من دنياه باليسير، ويرضيه منها القليل، فخرج من الدنيا كفافا لا له ولا عليه، وقد كان لنبينا من مقام الزهد ما لا فوقه، فإنه كانت له ثلاث عشرة زوجة سوى سراريه، فما رفعت مائدته قط وعليها طعام، ولا شبع من خبزين ثلاث ليال متتابعة، وكان يربط الحجر على بطنه.   [ (1) ] المائدة: 112. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 وكان لباسه الصوف، وفراشه إهاب شاة، ووسادته من أدم، حشوها ليف، فيأتي عليه الشهران والثلاثة فلا توقد في بيته نار لمصباح، وتوفي ودرعه مرهونة، ولم يترك صفراء ولا بيضاء، هذا وقد عرضت عليه مفاتيح خزائن الأرض، ووطئت له البلاد، ومنح الغنائم الكثيرة، فقسمها حتى أنه فرّق في يوم واحد ثلاثمائة ألف، وأعطى جماعة كل رجل مائتين من الإبل، وأعطى ما بين جبلين من الغنم، وكان يأتيه السائل فيقول: والّذي بعثني بالحق ما أمس في آل محمد صاع من شعير ولا من تمر، وكان يقول: أجوع يوما وأشبع يوما، فإذا جعت تضرعت، وإذا شبعت حمدت. وقد كان عيسى يتقلب في حياطة اللَّه له، ومدافعته عنه المكر والغوائل بحيث كان يمسي ويصبح آمنا ساكن النفس، قال تعالى: وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ [ (1) ] الآية. وكذلك نبينا عصمه اللَّه، فقال: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ (2) ] ، فكان يبرز وحده في سواد الليل وبالأسحار إلى البقيع والأودية، ومعه اليهود أعداؤه المجاهرون بعداوته في بلد واحد، فلم يصلوا منه إلى أي شيء، وهو يقتلهم ويسبي ذراريهم ونساءهم. ودفع اللَّه تعالى عنه كيد قريش وهو بمكة، وأنبت على الغار له شجرة وأقام الحمام فعشش عليه، والعنكبوت فنسج على بابه، وقد رفع اللَّه عيسى إلى السماء، ولنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك [أعلى] [ (3) ] مقام فإنه عرض عليه عند وفاته البقاء فاختار ما عند اللَّه وقربه تعالى على البقاء في الدنيا، فقبضه اللَّه تعالى ورفع روحه، ولو اختار البقاء، لكان كعيسى والخضر وإلياس عند اللَّه في سماواته، وفي عالمه في أرضه، لأن عيسى عليه السلام مقيم في السماء والخضر وإلياس يتجولان في السموات والأرض على ما قيل. ومع هذا فإن جماعة من أمة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم رفعوا كما رفع المسيح، وذلك أعجب،   [ (1) ] المائدة: 110. [ (2) ] المائدة: 67. [ (3) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 فرفع اللَّه عامر بن فهيرة والناس ينظرون، ودفن العلاء بن الحضرميّ لما مات في خلافة أبي بكر رضي اللَّه عنه بأرض اليمن في أرض العدو، فخافوا أن ينبش قبره ويستخرج، فذهبوا يطلبونه لينقل من أرض العدو في يومهم الّذي دفنوه فيه، فلم يقدروا عليه ولا دروا أين ذهب به. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: أخبرنا جعفر بن عون، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن الزهري قال: أخبرني جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعثه وحده عينا إلى قريش، قال: فجئت إلى خشبة خبيب وأنا أتخوف العين، فرقيت فيها فحللت خبيبا، فوقع إلى الأرض فانتبذت غير بعيد، ثم التفت فلم أر خبيبا، كأنما ابتلعته الأرض، فما رئي خبيب إلى الساعة، قال أبو بكر بن أبي شيبة: وقد كان جعفر بن عون قال: عن جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه عن جدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 أمّا القرآن الكريم فقال ابن الأنباري: سمي قرآنا لأنه جمع السور وضمّها من قوله: فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [ (1) ] ، أي إذا [ألّفنا] منه شيئا فاعمل به. وقيل: سمي قرآنا لأن القارئ يلقنه من فيه من قولهم: ما قرأت هذه الناقة علي قط، أي ما رمت. وقال أبو زيد: قرئت القرآن فهو مقريء. وقال اللحياني: قرأت القرآن قرءا مثل قرعا، وقراءة وقرآنا وهو الاسم. وقال ابن دريد: من قال قران (بلا همز) جعله من قريت الشيء بعضه إلى بعض، فالقرآن والكتاب اسمان علمان على المنزل على محمد صلّى اللَّه عليه وسلم ووصفان له لأنه يقرأ ويكتب، فحيث جاء بلفظ التعريف فهو العلم، وحيث جاء بوصف النكرة فهو الوصف، وإن شئت قلت: هما يجريان مجرى واحد كالعباس وابن العباس، فهو في الحالين اسم العلم. فالقرآن الكريم حجة على الملحدين، وبيان للموحدين، قائم بالحلال المنزل، والحرام المفصل، وفصل بين الحق والباطل، يرجع إليه العالم والجاهل، وإمام تقام به الفروض والنوافل، وسراج لا يخبو ضياؤه، ومصباح لا يخمد ذكاؤه، وشهاب لا يطفأ نوره، وبحر لا يدرك غوره، ومعجز لا يزال يظفر رموزه، ومعقل يمنع من الهلكة والبوار، ومرشد يدل على طريق الجنة والنار، وهاد يدل على المكارم، وزاجر يصد عن المحارم. ظاهره أنيق، وباطنه عميق، وهو حبل اللَّه الممدود، وعهده المعهود، وصراطه المستقيم، وحجته الكبرى، ومحجته الوسطى، وهو الواضح سبيله، الراشد دليله، الّذي من استضاء بصباحه أبصر ونجا، ومن أعرض عنه زلّ وهوى. وفضائل القرآن لا تستقصي في ألف قرآن، حجة اللَّه ووعده ووعيده، به   [ (1) ] القيامة: 18. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 يعلم الجاهل، ويعمل به العامل، وينتبه الساهي، ويتذكر اللاهي، بشير الثواب ونذير العقاب، وشفاء الصدور وجلاء الأمور، ومن فضائله أنه يقرأ دائما ويكتب، ويمل ولا يمل، يتجدد على الابتذال، ويزكو على الإنفاق. والقرآن حجة اللَّه على خلقه لما اشتمل عليه من حجج التوحيد والنبوات، وغير ذلك، وهو برهان لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم، على رسالته، إذ القرآن معجز، فهو برهان على صدق من جاء به، وهو محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، فالقرآن من حيث هو حجة، حجة للَّه ولرسوله، يسمى برهانا، ومن حيث هو مرشد الخلق إلى مصالح معاشهم ومعادهم، كاشف عنهم العمى، قائد لهم إلى الهدى يسمى نورا. والقرآن أعظم معجزات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأشرفها وأوضحها دلالة، لأن المعجزات تقع في الغالب مغايرة للوحي [المدعي] [ (1) ] ، وهو الخارق المعجز، فدلالته في عينه، ولا يفتقر إلى دليل أجنبي عنه كسائر الخوارق مع الوحي، فهو أوضح دلالة لاتحاد الدليل والمدلول فيه. واعلم أن المعجزات على قسمين. أحدهما: ما اشتهر نقله وانقرض عصره بموت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. والثاني: ما تواردت الأخبار بصحته وحصوله، واستفاضت بثبوته ووجوده، ووقع لسامعها العلم بذلك ضرورة، ومن شرطه أن يكون الناقلون له خلقا [كثيرا] وجما غفيرا، وأن يكونوا عالمين بما نقلوه علما ضروريا، وأن يستوي في النقل أولهم وآخرهم ووسطهم في كثرة العدد، حتى يستحيل عليهم التواطؤ على الكذب، وهذه صفة نقل القرآن، ونقل وجود رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن الأمة لم تزل تنقل القرآن خلفا عن سلف، والسلف عن سلفه، إلى أن يتصل ذلك برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والمعلوم وجوده بالضرورة، وصدقه بالأدلة والمعجزات. والرسول صلّى اللَّه عليه وسلم أخذه عن جبريل عليه السلام، عن رب العزة جلّت قدرته،   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 فنقل القرآن الكريم في الأصل رسولان كريمان معصومان من الزيادة والنقصان، ونقله إلينا بعدهما أهل التواتر، الذين لا يجوز عليهم الكذب فيما ينقلونه ويسمعونه لكثرة العدد، فلذلك وقع لنا العلم الضروريّ بصدقهم فيما نقلوه من وجود محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ومن وجود ظهور القرآن على يديه، وتحديه به، ونظير ذلك من علم الدنيا علم الإنسان بما نقل إليه من وجود البلدان التي لم يرها، كالبصرة والعراق وخراسان والهند، ونحو ذلك من الأخبار الكثيرة المتواترة. ولنورد هنا وجه إعجاز القرآن، وكيفية نزوله، والمدة التي أنزل فيها، وجمعه، والأحرف التي أنزل عليها، فالقرآن معجزة نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم الباقية بعده إلى يوم القيامة، ومعجزة كل نبي انقرضت بانقراضه، أو دخلها التبديل والتغيير، كالتوراة والإنجيل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 أمّا إعجاز القرآن الكريم فقد اختلف فيه، هل هو من جهة البلاغة أو الصرفة؟ ثم اختلف القائلون بأنه من جهة البلاغة، فقال قوم: الإعجاز باعتبار أسلوب البلاغة، وقال آخرون: بل بشرف البلاغة. والفرق بين الأسلوب والشرف، أن الأسلوب هو النمط الخارج عن الأنماط المألوفة عندهم، كالخطابة، والمناظرة، والقصيد، والرجز، والخصومة، والرقي، والعوذ. وشرف البلاغة يدخل منه المعنى الّذي هو سبق الكلام له، ومن ذهب إلى هذا جعل وجوه الإعجاز عشرة: أحدها: النظم البديع المخالف لكل نظم معهود في لسان العرب وفي غيرها، لأن نظمه ليس من نظم الشعر في شيء، ولذلك قال اللَّه تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (1) ] . وفي صحيح مسلم: أن أنيسا أخا أبا ذر رضي اللَّه عنه قال لأبي ذر: لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن اللَّه أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون شاعر [و] كاهن [و] ساحر، - وكان أنيس أحد الشعراء- قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على [إقراض] الشعر فلم يلتئم على [قول] [ (2) ] أحد بعدي أنه شعر، واللَّه إنه لصادق، وإنهم لكاذبون. [وكذلك] [ (2) ] أخبر عتبة بن ربيعة أنه ليس بسحر ولا شعر، لما قرأ عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: حم [ (3) ] فصّلت، فإذا اعترف عتبة على موضعه من اللسان والفصاحة والبلاغة بأنه ما سمع مثل القرآن قط، كان في هذا القول مقرا بإعجاز   [ (1) ] يس: 69. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] فصّلت: 1. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 القرآن له ولغرمانة من المتحققين بالفصاحة، والقدرة على التكلم بجميع أجناس القول وأنواعه. ثانيها: غرابة الأسلوب العجيب، والاتّساق الغريب، الخارج عن أعارض النظم، وقوانين النثر، وأسجاع الخطب، وأنماط الأراجيز. ثالثها: حسن التركيب، وبديع ترتيب الألفاظ، وعذوبة مساقها وجزالتها، وفخامتها وفصل خطابها. وهذه الوجوه الثلاثة من النظم والأسلوب والجزالة، لازمة بكل سورة، بكل آية، وبهذه الثلاثة يتميز مسموع كل آية وكل سورة عن سائر كلام البشر، وبها وقع التحدي والتعجيز، فكل سورة تنفرد بهذه الثلاث من غير أن يضاف إليها أمر إلا من الوجوه العشرة، فهذه سورة الكوثر، بثلاث آيات قصار، وهي أقصر سورة في القرآن، قد تضمنت الإخبار عن معنيين: أحدهما: الإخبار عن الكوثر، وهذا يدلك على أن المصدقين به أكثر من أتباع الرسل. والثاني: الإخبار عن الوليد بن المغيرة، وقد كان عند نزول الآية ذا مال وولد، فأهلك اللَّه ماله وولده وانقطع نسله. رابعها: التصرف في لسان العرب على وجه لا يستقل به عربي، حتى يقع منهم الاتفاق بل جميعهم على إصابته في وضع كل كلمة وحرف في موضعه. خامسها: الإخبار عن الأمور التي تقدمت من أول الدنيا إلى وقت نزوله، من أمّيّ ما كان يتلو من قبله من كتاب ولا يخطه بيمينه [ (1) ] ، فأخبرنا بما كان من قصص الأنبياء مع أممها، والقرون الحالية في دهرها، وذكر ما سأله أهل الكتاب عنه، وتحدوه به من قصة أهل الكهف، وشأن موسى والخضر [ (2) ] ، وحال ذي   [ (1) ] إشارة إلى قوله تعالى في سورة العنكبوت: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ آية: (48) . [ (2) ] شأن موسى والخضر عليهما السلام: راجع سورة الكهف: 60- 82. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 القرنين، فجاءهم وهو أمّيّ من أمّة أميّة، ليس لها بذلك علم بما عرفوا من الكتب السالفة صحته، فتحققوا صدقه. وهذا دليل على صحة نبوته، وتقريره أن محمدا قد أخبر بغيب لم يحضره، ولم يخبره به مخبر سوى اللَّه تعالى، وكل من أخبر بغيب [كذلك] [ (1) ] فهو نبي صادق، فمحمد نبيّ صادق. أما الأول فلأنه أخبرهم بما كان ولم يحضره قطعا، ولم يخبره به سوى اللَّه، إذ لم يكن كاتبا ولا مؤرخا، ولا خالط أحدا ممن هو كذلك حتى يخبره. وأما [الثاني] [ (2) ] فلأن من كان [كذلك] [ (3) ] يعلم قطعا أنه علم ذلك الغيب بوحي، وكل من أوحي إليه الوحي الحقيقي فهو نبي. قال القاضي أبو الطيب: ونحن نعلم ضرورة أن هذا مما لا سبيل إليه إلا عن تعلم، وإذا كان معروفا أنه لم يكن ملابسا لأهل الآثار وحملة الأخبار، ولا مترددا إلى التعلم منهم، ولا كان ممن يقرأ، فيجوز أن يقع إليه كتاب فيأخذ منه علم، إنه لا يصل إلى علم ذلك إلا بتأييد من جهة الوحي. سادسها: الوفاء بالوعد المدرك بالحس في العيان، في كل ما وعد اللَّه تعالى، وهي تنقسم إلى أخباره المطلقة، كوعده بنصر رسوله، وإخراج الذين أخرجوه من وطنه، وإلى وعد مقيد بشرط لقوله وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [ (4) ] ، ووَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [ (5) ] ووَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [ (6) ] وإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [ (7) ] ، وشبه ذلك. سابعها: الإخبار عن المغيبات في المستقبل، التي لا يطلع عليها إلا بوحي، فمن ذلك: ما وعد اللَّه نبيه أنه سيظهر دينه على الأديان بقوله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ (8) ] ، ففعل ذلك، فكان   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] الطلاق: 3. [ (5) ] التغابن: 11. [ (6) ] الطلاق: 2. [ (7) ] الأنفال: 65. [ (8) ] التوبة: 33، الفتح: 28، الصف: 9. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 أبو بكر ثم عمر رضي اللَّه عنهما إذا [غزا] [ (1) ] واحد منهما بجيوشه عرّفهم ما وعد اللَّه من إظهار دينه ليثقوا بالنصر، وليستيقنوا بالنجح، فلم يزل الفتح يتوالى شرقا وغربا، وبرا وبحرا. وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [ (2) ] ، وقال: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [ (3) ] ، وقال: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ [ (4) ] ، وقال: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [ (5) ] ، فهذه كلها أخبار عن الغيوب التي لا يقف عليها إلا ربّ العالمين، أو من أوقفه اللَّه رب العالمين عليها، فدل على أن اللَّه تعالى قد أوقف عليها رسوله، ليكون دلالة على صدقه. ثامنها: ما تضمنه القرآن من العلم الّذي هو قوام جميع الأنام، في الحلال والحرام، وسائر الأحكام. تاسعها: الحكم البالغة التي لم تجر العادة بأن تصدر في كثرتها وشرفها من أمّيّ. عاشرها: التناسب في جميع ما تضمنه ظاهرا وباطنا من غير اختلاف، قال اللَّه تعالى: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [ (6) ] ، وذلك أن الكفار لما طعنوا في القرآن وقالوا: ليس هو من عند اللَّه، وإنما هو من كلام محمد أو أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها [ (7) ] [ولما] [ (8) ] لم يكن لهم على ذلك برهان أكثر من التهمة المجردة، بيّن اللَّه بطلان دعواهم بهذه الملازمة المذكورة وتقديرها: لو كان القرآن من عند غير اللَّه لوقع الاختلاف فيه، لكن لم يقع الاختلاف فيه فليس من عند غير اللَّه، فوقوع الاختلاف فيه لازم لكونه من عند غير اللَّه،   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] النور: 55. [ (3) ] الفتح: 27. [ (4) ] الأنفال: 7. [ (5) ] الروم: 1- 3. [ (6) ] النساء: 82. [ (7) ] الفرقان: 5. [ (8) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 وقد [انتفى] [ (1) ] فيبقى ملزومه. وقد اعترض الملاحدة على هذا بوجهين. أحدهما: منع الملازمة، قالوا: لا نسلّم أنه لو كان من عند غير اللَّه لاختلف [فيه] [ (1) ] ، لأن كثيرا من الناس تكلموا فلم يختلف كلامهم لتحرزهم عن المتناقض فيما يقولونه، فجاز أن يكون محمد [كذلك] [ (1) ] أنشأ القرآن وتحرز من اختلافه، ولا جرم [جاء متسقا] [ (1) ] غير مختلف. الثاني: منع انتفاء اللازم، قالوا: لا نسلم أن الاختلاف لم يقع فيه، بل فيه اختلاف كثير قد قرره الطاعنون. والجواب عن الأول: أن مراد الكفار يعني اللَّه في قولهم: القرآن من عند غير اللَّه هو محمد، ومن أملى عليه القرآن كرحمان اليمامة ونحوه فيما زعموا، وهذان الرجلان كانا أميين، لا أنسة لهما بالكتب، ولا بدراسة الحكمة، وخلوّ كلام مثلهما عن الاختلاف. وإن لم يكن محالا لذاته فهو محال في العادة أن أميا يأتي بمثل هذه المعاني المفحمة، في مثل هذه الألفاظ الجزلة، والجمل الكثيرة، ولا يقع الاختلاف في كلامه، وقلّ في العالم متكلم لم يستند إلى تأييد إلهي تكلم فلم يختلف كلامه، فلما رأينا هذا الكلام على قرب تناوله، وبعد مغزاة، وكثرته في نفسه غير مختلف، استدللنا بحكم العادة على أنه ليس من عند غير اللَّه. والجواب عن الثاني: أن ما ظنه الطاعنون اختلافا في القرآن ليس اختلافا في نفس الأمر، لأن شرط الاختلاف والتناقض بين كل قضيتين، أن يتفقا في الزمان، والمكان، والموضوع، والشرط، والجزاء، والكل، والقوة، والفعل، ونحو ذلك من شروط التقابل إن وجد، وليس في القرآن قضيتان تقابلتا [كذلك] [ (1) ] ، بل لا بدّ من اختلافهما بزمان أو مكان أو غيره من الشروط.   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 نعم، فيه العام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والناسخ والمنسوخ، ولا تناقض في شيء من ذلك، ولكن الطاعنون في القرآن أخطأ ظنهم لجهلهم، وقد ذكر مطاعنهم والجواب عنها جماعة من علماء الأمة، كالإمام أحمد ابن حنبل في كتاب مفرد، وأبي عبد اللَّه محمد بن [مسلم] [ (1) ] بن قتيبة في أول [كتاب] [ (1) ] (مشكل القرآن) ، وغيرهما. وذهب النظّام وبعض القدرية وطائفة أخرى، إلى أن وجه الإعجاز هو المنع عن معارضته، والصرفة عند التحدي بمثله، وأن المنع والصرفة هو المعجزة دون ذات القرآن، وذلك أن اللَّه تعالى [صرف] [ (2) ] هممهم عن معارضته مع تحديهم أن يأتوا بسورة مثله بأن سلبوا العلوم التي كانوا بها يتمكنون من المعارضة في وقت مرامهم ذلك. وردّ هذا المذهب بإجماع الأمة قبل حدوث هذا القول، على أن القرآن هو المعجز، فلو قلنا أن المنع والصرفة هو المعجز، لخرج القرآن عن أن يكون معجزا، لأن فصاحته وبلاغته أمر خارق للعادة، إذ لم يوجد قط كلام على هذا الوجه، فلما لم يكن ذلك الكلام مألوفا معتادا منهم، دلّ ذلك على أن مجرد المنع والصرفة لم يكن معجزا، واختلف [في] [ (2) ] من قال بالصرفة على قولين. أحدهما: أنهم صرفوا عن القدرة عليه ولو تعرضوا له لعجزوا عنه. الثاني: أنهم صرفوا عن التعرض له مع كونه في مقدورهم، ولو تعرضوا له لجاز أن يقدروا عليه. وأنت إذا تأملت قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (3) ] وجدت فيها إثبات نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم بتقرير معجزة وهو القرآن، وتقرير الدليل أن محمدا لو لم يكن صادقا في دعوى النبوة لأمكنكم أن تعارضوا معجزة وهو القرآن، ولو بسورة مثله، لكن لا يمكنكم معارضته، فيلزم أنه ليس بكاذب، فهو إذا صادق.   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] البقرة: 23. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 وقوله بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أي من مثل محمد صلّى اللَّه عليه وسلم تنبيه على وجه صدقه، وهو أن صدور مثل هذا الكلام المعجز للخلق عن أمّي لا يقرأ ولا يكتب، يدل على صدقه قطعا، كما أن قلب العصا حيّة، وإحياء الموتى ممن لم يشتغل بعلم السحر ولا الطب يدل على صدقه. وقوله: وَلَنْ تَفْعَلُوا [ (1) ] : معجز معترض في هذا الاستدلال، لأنه إخبار عن غيب، فإنّهم لا يعارضون القرآن، وكان كما قال. ولقد كان هذا مما يقوي دواعيهم في تعاطيهم المعارضة، فلو قدروا عليها لفعلوها ثم يكذبوه في خبره، وقالوا: زعمت أنّا لن نفعل، وها نحن قد فعلنا، فلما لم يعارضوه مع توفر الدواعي على المعارضة، دلّ ذلك على العجز والإعجاز، فقد تبين أن الإعجاز في القرآن بذاته، ويكون أهل البلاغة من العرب صرفوا عن معارضته. وقد ذهب إلى هذا بعض المتأخرين فقال: الإعجاز بالأمرين، إذ لا مناقضة في الجميع، ألا ترى أن القائل بالصرف يقول: صرف اللَّه دواعي الفصحاء عن الفكر في المعارضة لا مع أفكارها؟ وقال ابن عطية: وجه الإعجاز في القرآن إنما هو بنظمه وصحة معانيه، وتوالى فصاحة ألفاظه، ووجه إعجازه أن اللَّه قد أحاط بكل شيء علما، فأحاط بالكلام كله علما، فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته [أية] [ (2) ] لفظة تصلح أن تلي الأولى، ويتبين المعنى بعد المعنى، عم [ذلك] [ (2) ] من أول القرآن إلى آخره. والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول، ومعلوم ضرورة أن بشرا لم يكن قط محيطا، فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة، وبهذا النظر يبطل قول من قال: إن العرب كان في قدرتها أن تأتي بمثل القرآن، فلما جاء محمد صلّى اللَّه عليه وسلم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه. والصحيح أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين،   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يصنع خطبة أو قصيدة، يستفرغ فيها جهده، ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا، ثم [يعطي] [ (1) ] لآخر نظيره فيأخذها بقريحة جامة فيبذل فيها جهده، وينقح، ثم لا يزال [كذلك] [ (1) ] وفيها مواضع للنظر والبدل، وكتاب اللَّه تعالى لو نزعت منه لفظه ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد (انتهى) . فلما عجزت قريش عن الإتيان بمثله وقالت: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تقوّله، أنزل اللَّه تعالى: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ [ (2) ] ، ثم أنزل تعجيزا لهم أبلغ من ذلك فقال: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [ (3) ] ، فلما عجزوا حطهم عن هذا المقدار فقال: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (4) ] ، فأفحموا عن الجواب، وعدلوا إلى المحاربة [ (5) ] ، حتى أظهر اللَّه دينه. ولو قدروا على المعارضة لكان أهون وأبلغ في الحجة، هذا مع كونهم أرباب البلاغة والفصاحة [والبيان] [ (6) ] ، فبلاغة القرآن في [أعلى] [ (1) ] طبقات الإحسان، وأرفع درجات الإعجاز والبيان، وبها قامت الحجة على العرب، وقامت الحجة على العالم، فالعرب إذا كانوا أرباب الفصاحة [وأقاموا] [ (6) ] المعارضة، كما قامت الحجة في معجزة عيسى عليه السلام على الأطباء، ومعجزة موسى عليه السلام على السحرة، فإن اللَّه تعالى إنما جعل معجزات الأنبياء عليهم السلام بالوجه الشهير أبرع ما يكون في زمان النبي الّذي أراد إظهاره، وكان السحر في زمن موسى قد انتهى إلى غايته، [وكذلك] [ (7) ] الطب في زمن عيسى، والفصاحة في زمن محمد صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] الطور: 23- 24. [ (3) ] هود: 13. [ (4) ] البقرة: 23. [ (5) ] في (خ) بعد قوله: «وعدلوا إلى المحاربة» ، وبعدها: «وآثروا» ثم كلمة غير واضحة، ثم «حربهم وأولادهم» ، ولم نجد لها توجيها، وبدونها يستقيم السياق. [ (6) ] ما بين الحاصرتين مطموسة في (خ) ولعل الصواب ما أثبتناه. [ (7) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 وقال القاضي عياض: ومعجزات نبينا أظهر من معجزات الرسل بوجهين: أحدهما: [كثرتها] [ (1) ] ، وأنه لم يؤت نبي معجزة إلا وعند نبينا مثلها أو ما هو أبلغ منها، أما كونها كثيرة فهذا القرآن وكله معجز، وأقل ما يقع الإعجاز فيه عند بعض أئمة المحققين سورة إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [ (2) ] ، أو آية في قدرها، لقوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (3) ] فهو أقل ما تحداهم به، وإذا كان هذا ففي القرآن من الكلمات نحو من سبعة وسبعين ألف كلمة ونيف، وعدد كلمات إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [ (2) ] عشر كلمات، فتجزأ القرآن على نسبة إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [ (2) ] أزيد من سبعة آلاف جزء، وكل واحد منها معجز في نفسه. ثم إعجازه بوجهين: طريق بلاغته، وطريق نظمه، فصار في كل جزء من هذا العدد معجزتان، فتضاعف العدد من هذا الوجه، ثم فيه وجوه إعجاز أخر من الإخبار بعلوم الغيب، فقد يكون في السورة الواحدة من هذه التجزئة، الجزء عن أشياء من الغيب، كل جزء منها بنفسه معجز، فتضاعف العدد كرة أخرى. ثم وجوه الإعجاز الأخرى توجب التضعيف، هذا في حق القرآن، ولا يكاد يأخذ العدد معجزاته، ولا يحوي الحصر ماهيته. ثم الأحاديث الواردة، والأخبار الصادرة عنه صلّى اللَّه عليه وسلم في هذه الأبواب، وعما دلّ على أمره بتبليغ [نحو] [ (1) ] من هذا. الوجه الثاني: في وضوح معجزاته صلّى اللَّه عليه وسلم، فإن معجزات الرسل كانت بقدر همم أهل زمانهم، وبحسب الفن الّذي سما فيه قرنه، ثم بين ذلك بمعنى ما تقدم ذكره، من غلبة السحر في زمان موسى، والطب في أيام عيسى، والبلاغة في العرب الذين بعث اللَّه فيهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] الكوثر: 1. [ (3) ] البقرة: 23. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 وأما كيفية نزوله والمدة التي أنزل فيها فإن اللَّه تعالى أنزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا، ثم فرّقه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في عشرين سنة، وكانت السورة تنزل في أمر يحدث، والآية تنزل جوابا لمستخبر يسأل، [ويوقف] [ (1) ] جبريل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على موضع السورة والآية، فاتسقت سور القرآن كما اتسقت آياته وحروفه عن محمد صلّى اللَّه عليه وسلم عن اللَّه رب العالمين، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخذ ترتيب القرآن عن جبريل عليه السلام، يقف على مكان الآيات. خرج النسائي [ (2) ] من حديث جرير عن منصور عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه، قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [ (3) ] ، قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا، ثم كان اللَّه تبارك وتعالى ينزل على رسوله بعضه في إثر بعض، قال: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [كَذلِكَ] [ (4) ] لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وخرجه الحاكم [ (5) ] وقال: صحيح على شرطهما. وللحاكم من حديث عبد [الأعلى] بن عبد [الأعلى] قال: حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، وكان اللَّه إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه، أو يحدث في الأرض منه شيئا أحدثه. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (6) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] لم أجده في (سنن النسائي) ، ولعله في الكبرى. [ (3) ] القدر: 1. [ (4) ] زيادة لتصويب الآية الكريمة. [ (5) ] (المستدرك) : 2/ 242، حديث رقم (2878/ 7) ، وقال فيه: «إلى السماء الدنيا بموقع النجوم» ، والآية رقم 32 من سورة الفرقان. قال الحاكم: ... على شرطها ولم يخرجاه. [ (6) ] المرجع السابق، حديث رقم (2877/ 6) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 وله من حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك بعشرين سنة: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [ (1) ] ووَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [ (2) ] ، قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (3) ] . وله من حديث سفيان عن الأعمش، عن حسان بن حريث، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا، فجعل جبريل عليه السلام ينزله على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ويرتله ترتيلا. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (4) ] . وله من حديث عبد الوهاب بن عطاء قال، حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، وقال عز وجل: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [ (5) ] ، وقال: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [ (6) ] . قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (7) ] . وله من حديث هيثم عن حصين عن [حكيم] [ (8) ] بن حزام، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: تنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين، قال: [وتلا] [ (9) ] هذه الآية: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [ (10) ] . قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (11) ] .   [ (1) ] الفرقان: 33. [ (2) ] الإسراء: 106. [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 242، حديث رقم (2879/ 8) . [ (4) ] المرجع السابق: حديث رقم 2881/ 10، ونحوه باختلاف يسير حديث رقم (4216/ 226) ، وقال في آخره: «قال سفيان: خمس آيات ونحوها» . [ (5) ] الفرقان: 33. [ (6) ] الإسراء: 106. [ (7) ] (المستدرك) : 2/ 242، حديث رقم (2879/ 8) . [ (8) ] زيادة للبيان وفي (المستدرك) : حكيم بن جبير. [ (9) ] زيادة للبيان. [ (10) ] الواقعة: 75. [ (11) ] (المستدرك) : 2/ 578، حديث رقم (3959/ 1097) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 وأمّا جمع القرآن الكريم فقد وقع ثلاث مرات الأولى: عند ما أنزله اللَّه تعالى على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم فكان يمليه في كتّابه فيكتبون في العظام وغيرها، حتى اجتمعت سور القرآن وآياته. والجمع الثاني: في خلافة أبي بكر رضي اللَّه عنه، جمعه من العظام وغيرها في صحف، قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن سفيان عن السدي، عن ابن عبد خير، قال: قال علي رضي اللَّه عنه يرحم اللَّه أبا بكر، هو أول من جمع من اللوحين. حدثنا قبيصة، حدثنا ابن عيينة، عن مجالد، عن الشعبيّ، عن صعصعة قال: أول من جمع من اللوحين وورّث الكلالة [ (1) ] أبو بكر رضي اللَّه عنه. والجمع الثالث: في خلافة عثمان رضي اللَّه عنه، نسخ الصحف المذكورة وما أجمع عليه الصحابة في مصحف، وجعله خمس نسخ: أقر مصحفا بالمدينة، وبعث مصحفا إلى مكة، ومصحفا إلى الكوفة، ومصحفا إلى البصرة، ومصحفا إلى الشام، وحرّق ما عدا ذلك. فأجمع الصحابة رضي اللَّه عنهم على أن ما في مصحف عثمان رضي اللَّه عنه هو كلام اللَّه الّذي نزل به جبريل عليه السلام من رب العالمين على محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وصار كل ما يخالف المصحف العثماني لا يعتد به. قال ابن عائذ في كتاب (المغازي) : حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد اللَّه بن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير قال: لما أصيب المسلمون من المهاجرين   [ (1) ] الكلالة: الرجل لا والد له ولا ولد. وقيل: ما لم يكن من النسب لحما، وقيل: الورثة كلهم سوى الوالدين والأولاد، وقيل: من تكلل نسبه بنسبك كإبن العم وشبهه، وقيل: هي الإخوة لأمّ، وقيل: هي من العصبة من ورث معه الإخوة للأمّ، وقيل: هم بنو العمّ الأباعد، وقال ابن عباس: هي اسم لما عدا الوالد. وروي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سئل عن الكلالة فقال: «من مات وليس له ولد ولا والد» ، فجعله اسم الميّت، وهو صحيح أيضا، فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث جميعا، وقيل: اسم لكل وارث. (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) : 4/ 373- 374. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 والأنصار باليمامة، وقتل عامة المسلمين وفقهاؤهم، فزع أبو بكر رضي اللَّه عنه إلى القرآن فدعا به الناس، وخاف أن يهلك منه، وإنما هو في العسب والرقاع، وكان رجال قد قرءوه كله، منهم أبي بن كعب، وسالم مولى حذيفة، وكان أول من جمع القرآن في مصحف خلف [] [ (1) ] حتى يكتبه أجمع في مصحف وأشفقوا منه أن يزاد فيه أو ينقص منه، فجمعوه على رجل أبي بكر رضي اللَّه عنه وبأمره. فلما أخرجوه للناس ولا يسمونه يومئذ المصحف، قال أبو بكر رضي اللَّه عنه: التمسوا له اسما، فقال بعضهم. إنجيلا، فكرهوا ذلك لما ذكر اللَّه تعالى في الإنجيل، وقال بعضهم: سموه سفرا، فقالوا: اسما يدعوه اليهود كتابهم الأسفار، فقال عتبة ابن مسعود- وهو أخو عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه، وكان في مهاجرة الحبشة-: إني سمعت الحبشة يدعون المصحف، فرضوا به. فكان أبو بكر رضي اللَّه عنه أول من جمع القرآن في مصحف، وسماها المصاحف، وذكر هشام عن أبيه محمد بن السائب في كتاب. (الجامع لأنساب العرب) ومنه نقلت أن نافع بن ظريب بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف بن قصي هو الّذي كتب المصاحف لعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، وكذا ذكر الزبير بن بكار في كتاب: (نسب قريش) فقال: حدثني أبو الحسن الأثرم عن هشام بن محمد بن السائب، قال نافع بن ظريب الّذي كتب المصاحف لعمر بن الخطاب، وهو نافع بن ظريب بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف. وخرج النّسائي والترمذي من حديث يحيى بن سعيد، قال في رواية النسائي: حدثنا يزيد الفارسيّ قال: قال لنا ابن عباس: قلت لعثمان، وقال الترمذي حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عذي، وسهل ابن يوسف، حدثنا عوف بن أبي جميلة، حدثنا يزيد الفارسيّ، حدثنا ابن عباس قال: قلت لعثمان رضي اللَّه عنهما: ما حملكم أن عهدتم إلى الأنفال وهي من المثاني،   [ (1) ] ما بين الحاصرتين كلمة مطموسه في (خ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 وإلى بَراءَةٌ [ (1) ] ، وهي من المئين [فقرنتم] بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ (2) ] ، ووضعتموهما في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان رضي اللَّه عنه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وإذا نزلت عليه الآية يقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدينة، وكانت بَراءَةٌ [ (3) ] من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ (4) ] ، فوضعتها في السبع الطّول. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث عوف عن يزيد الفارسيّ [ (5) ] . وخرّجه الحاكم [ (6) ] وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وللحاكم من حديث يحيى بن أيوب قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن عبد الرحمن بن شماسة حدثه عن زيد بن ثابت رضي اللَّه عنه قال: كنا حول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نؤلف القرآن إذ قال: طوبى للشام، فقيل له: ولم؟ قال: إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليهم [ (7) ] . وفي رواية: كنا عند رسول اللَّه نؤلّف القرآن وفي رواية: كنا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع [ (8) ] . قال: هذا   [ (1) ] أول سورة التوبة. [ (2) ] أول سورة الفاتحة. [ (3) ] أول سورة التوبة. [ (4) ] أول سورة الفاتحة. [ (5) ] يزيد الفارسيّ من التابعين من أهل البصرة، (تحفة الأحوذي) : 8/ 379، حديث رقم (3282) . [ (6) ] (المستدرك) : 2/ 241، حديث رقم (2875/ 4) ، ص 260، حديث رقم (3272/ 389) . وعن علي بن عبد اللَّه بن عباس قال: سمعت أبي يقول: سألت عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه: لم لم تكتب في بَراءَةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؟ قال: لأن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أمان، وبَراءَةٌ نزلت بالسيف ليس فيها أمان (المرجع السابق) ، حديث رقم (3273/ 390) . [ (7) ] (المستدرك) : 2/ 249، حديث رقم (2900/ 29) . [ (8) ] (المستدرك) : 2/ 249، حديث رقم (2901/ 30) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وخرجه الإمام أحمد بهذا السّند، ولفظه: بينما نحن عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع [ (1) ] . الحديث. قال الحاكم: وفيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة، فقد جمع بعضه بحضرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم جمع بحضرة أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه، والجمع الثالث هو ترتيب السور، كان في خلافة أمير المؤمنين عثمان رضي اللَّه عنه [ (2) ] . وقال الشعبي: أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه أول من جمع المصحف، وقال مجالد الشعبي عن صعصعة بن صوحان قال: أبو بكر أول من جمع المصحف، وقال سفيان عن [من حدثه] [ (3) ] ، عن عبد خير عن علي رضي اللَّه عنه أنه قال: رحم اللَّه أبا بكر، أول من جمع المصحف. وفي رواية: أول من جمع من اللوحين. وخرج الحاكم من حديث شريك، عن عبد اللَّه بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أبي ذر رضي اللَّه عنه أنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة- والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب- فجلست قريبا من أبي بن كعب، فقرأ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سورة بَراءَةٌ [ (4) ] ، فقلت لأبي: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتجهمني ولم يكلمني. [قال وذكر] [ (5) ] الحديث [ (6) ] . وله من حديث إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن [ابن] عباس رضي اللَّه عنه قال: أي القراءتين ترون كان آخر القراءة؟ قالوا: قراءة زيد، قال: لا، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يعرض القراءة كل سنة على جبريل عليه السلام،   [ (1) ] (مسند أحمد) : 6/ 236، حديث رقم (21096) ، وحديث رقم (21097) ، كلاهما عن زيد بن ثابت رضي اللَّه عنه. [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 249، تعقيبا على الحديث رقم (2901/ 30) . [ (3) ] زيادة ليستقيم السياق حيث لم أتبين اسم الراويّ. [ (4) ] أول سورة التوبة. [ (5) ] زيادة من (المستدرك) . [ (6) ] (المستدرك) : 2/ 250، حديث رقم (2902/ 31) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 فلما كانت السنة التي قبض فيها عرضه عرضتين، فكانت قراءة ابن مسعود آخرهن [ (1) ] . قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة، وفائدة الحديث ذكر عبد اللَّه بن مسعود. وله من حديث حجاج بن المنهال [ (2) ] قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة عن الحسن، عن سمرة قال: عرض القرآن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عرضات، فيقولون: إن قراءتنا هذه هي العرضة الآخرة [ (3) ] . قال: هذا حديث صحيح، على شرط البخاري بعضه، وبعضه على شرط مسلم ولم يخرجاه. وخرج البخاري من حديث إبراهيم بن سعد قال: حدثنا ابن شهاب عن عبيد ابن السبّاق، أن زيد بن ثابت قال، أرسل إليّ أبو بكر رضي اللَّه عنه مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحّرّ يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى إن استحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر، كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال عمر: هذا واللَّه خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح اللَّه صدري لذلك، ورأيت في ذلك الّذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر رضي اللَّه عنه: إنك رجل شابّ عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فتتبّع القرآن فأجمعه، فو اللَّه لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن! قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال: هو واللَّه خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح اللَّه صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر [رضي اللَّه عنهما] [ (4) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 250، حديث رقم (2903/ 32) . [ (2) ] في (خ) : «محتاج بن منهال» ، وما أثبتناه من (المستدرك) . [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 250، حديث رقم (2904/ 33) . [ (4) ] زيادة من رواية البخاري. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره، لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ] [ (1) ] حتى خاتمة بَراءَةٌ [ (2) ] ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه اللَّه تعالى، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر [رضي اللَّه عنه] [ (1) ] . ذكره في كتاب فضائل القرآن، وترجم عليه جمع القرآن [ (3) ] ، وفي كتاب الأحكام [ (4) ] ، وفي كتاب التفسير [ (5) ] ، وخرجه الترمذي في التفسير [ (6) ] . وللبخاريّ من حديث هشام بن يوسف، أن ابن جريج أخبرهم قال: وأخبرني يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة [أم المؤمنين] [ (7) ] رضي اللَّه عنها، إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت ويحك! وما يضرك؟ قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: [لعلي] [ (7) ] أؤلف القرآن عليه فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيّه قرأت، قيل: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصّل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلّى اللَّه عليه وسلم وإني لجارية ألعب: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [ (8) ] ، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له الصحف وأملت عليه-   [ (1) ] زيادة من رواية البخاري. [ (2) ] أول سورة التوبة. [ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 12- 13، حديث رقم (4986) . [ (4) ] (فتح الباري) : 13/ 227، باب (37) يستحبّ للكاتب أن يكون أمينا عاقلا، حديث رقم (7191) . [ (5) ] (فتح الباري) : 8/ 437، باب (20) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ من الرأفة، حديث رقم (4679) . [ (6) ] (تحفة الأحوذي) : 8/ 405، باب تفسير سورة التوبة، حديث رقم (3302) ، وقال في آخره: هذا حديث حسن صحيح. [ (7) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (8) ] القمر: 46. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 أي السور [ (1) ] . وله من حديث شعبة عن أبي إسحاق، سمعت عبد الرحمن بن يزيد، سمعت ابن مسعود رضي اللَّه عنه يقول في بني إسرائيل [ (2) ] ، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، أنهن من العتاق [ (3) ] الأول، وهي من تلادي [ (4) ] . وذكره في تفسير سورة بني إسرائيل [ (2) ] ، ولم يذكر فيه طه والأنبياء [ (5) ] . وذكر في تفسير سورة الأنبياء من حديث غندر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق، سمعت عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد اللَّه قال: بني إسرائيل [ (2) ] ، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، هن من العتاق الأول، وهن من تلادي [ (6) ] . وذكر في باب تأليف القرآن من حديث الوليد قال: حدثنا شعبة، أنبأنا أبو إسحاق، سمع البراء قال: تعلمت سورة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ [الْأَعْلَى] قبل أن يقدم النبي [ (7) ] . وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: ولقد قرأت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بضعا وسبعين سورة [ (8) ] وفي رواية: واللَّه لقد قرأت من في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بضعا وسبعين سورة [ (9) ] وصح أنه جمع القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة.   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 46- 47، كتاب فضائل القرآن، باب رقم (6) تأليف القرآن، حديث رقم (4993) . [ (2) ] سورة بني إسرائيل، وهي سورة الإسراء. [ (3) ] العتاق: جمع عتيق، وهو القديم، أو هو كل ما بلغ الغاية في الجودة. [ (4) ] التلاد: قديم الملك، أي مما حفظ قديما، ومراد ابن مسعود أنهن من أول ما تعلم من القرآن، وأن لهن فضلا لما فيهن من القصص، وأخبار الأنبياء والأمم، مختصرا من (فتح الباري) . [ (5) ] (فتح الباري) : 8/ 495، كتاب التفسير، باب (17) سورة بني إسرائيل، حديث رقم (4708) . [ (6) ] (فتح الباري) : 8/ 556، كتاب التفسير، باب (21) سورة الأنبياء حديث رقم (4739) ، 9/ 47، كتاب فضائل القرآن، باب (6) تأليف القرآن، حديث رقم (4994) . وتأليف القرآن: أي جمع آيات السورة الواحدة، أو جمع السور مرتبة في المصحف. [ (7) ] (فتح الباري) : 9/ 47، كتاب فضائل القرآن، باب (6) تأليف القرآن، حديث رقم (4995) . [ (8) ] (المستدرك) : 2/ 247- 248، حديث رقم (2896/ 25) ، (2898/ 27) . [ (9) ] المرجع السابق، حديث رقم (2897/ 26) ، وفي (خ) : «لقد أخذت» ، وما أثبتناه من المرجع السابق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن سفيان عن السدي، عن عبد خير قال: سمعت عليا رضي اللَّه عنه يقول: [رحمة] اللَّه على أبي بكر، كان أول من جمع ما بين اللوحين. وحدثنا ابن مهدي عن سفيان به فذكره. وللبخاريّ من حديث إبراهيم، حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان رضي اللَّه عنه- وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق- فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد اللَّه بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحرث ابن هشام، فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان رضي اللَّه عنه للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصّحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق مصحفا مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق [ (1) ] . قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت، سمع زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة [بن ثابت] [ (2) ] الأنصاري: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [ (3) ] ، فألحقناها في سورتها من المصحف [ (4) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 13، كتاب فضائل القرآن، باب (3) جمع القرآن، حديث رقم (4987) . [ (2) ] زيادة في النسب من المرجع السابق. [ (3) ] الأحزاب: 23. [ (4) ] (فتح الباري) : 9/ 13، كتاب فضائل القرآن، باب (3) جمع القرآن، حديث رقم (4988) . و (صحيح سنن الترمذي) : 3/ 260 أبواب تفسير القرآن، حديث رقم (2480- 3315) تفسير سورة التوبة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 وأخرجه الترمذي في التفسير بنحوه وقال: قال الزهري: فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه [ (1) ] ، فقال: التابوت، وقال زيد: التابوه، فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال: اكتبوه التابوت، فإنه نزل بلسان قريش، قال الزهري: فأخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، أن عبد اللَّه بن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف وقال: يا معشر المسلمين، أعزل عن نسخ كتابة المصاحف ويتولاها رجل، واللَّه لقد أسلمت وإنه [ (2) ] لفي صلب رجل كافر، يريد زيد بن ثابت. [ولذلك] [ (3) ] قال عبد اللَّه بن مسعود: يا أهل العراق، اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها، فإن اللَّه يقول: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ [ (4) ] ، فالقوا [ (5) ] اللَّه بالمصاحف. قال الزهريّ: فبلغني أن ذلك كرهه من مقالة [ابن] [ (6) ] مسعود رجال من أفاضل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. قال هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث إبراهيم ابن سعد عن الزهري، لا نعرفه إلا من حديثه [ (7) ] . وأخذ خالد بن عرفطة مصاحف ابن مسعود، فأغلى الزيت وطرحها فيه، وكان عثمان بن عفان قد [بعثه] [ (8) ] إلى الكوفة، وكانت له صحبه، وقاتل مع معاوية، فلما كانت أيام المختار بن أبي عبيد، أخذه فأغلى له زيتا وطرحه فيه. وقال البخاري في باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: وأخبرني أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: فأمر عثمان زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد اللَّه بن الزبير، وعبد الرحمن بن   [ (1) ] التابوه: قراءة في التابوت. [ (2) ] في (خ) : «وإني» والتصويب من (صحيح سنن الترمذي) . [ (3) ] زيادة من المرجع السابق. [ (4) ] آل عمران: 161. [ (5) ] في (خ) : «فاتقوا» ، والتصويب من المرجع السابق. [ (6) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (7) ] (تحفة الأحوذي) : 8/ 409، حديث رقم (3303) . [ (8) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 الحرث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم، ففعلوا. هكذا ذكره مختصرا [ (1) ] . وذكر ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب، عن سالم وخارجة، أن أبا بكر الصديق رضي اللَّه عنه كان قد جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك، فأبى عليه حتى استعان عليه بعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه ففعل، وكانت تلك الكتب عند أبي بكر، ثم كانت عند عمر حتى توفي، ثم كانت عند حفصة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأرسل إليها عثمان رضي اللَّه عنه فأبت أن تدفعها إليه حتى عاهدها ليردها إليه، فبعثت بها إليه فنسخها ثم ردّها إليها، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها. وقيل: لما تولى مروان المدينة أرسل إلى حفصة في الصحف ليمزقها فمنعته، فلما ماتت [أعطاها] [ (2) ] عبد اللَّه أخوها فمزقها. وقال مسعد بن سعد: أدركت الناس وقت جمع عثمان المصحف، فما رأيت المهاجرين والأنصار اختلفوا في تصويبه. وقد روى من طريق حسن الجعني، عن زائدة، عن حجاج، عن عمير بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب: لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الّذي فعل عثمان. ومن طريق عفان قال: حدثنا محمد بن أبان، حدثنا علقمة عن سويد [ (3) ] بن علقمة قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه يقول: واللَّه لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الّذي فعل. وفيه قصة.   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 10، كتاب فضائل القرآن باب (2) نزل القرآن بلسان قريش والعرب، قُرْآناً عَرَبِيًّا- بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ. حديث رقم (4984) . [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] السياق مضطرب في (خ) فيما بين «علقمة وسويد» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 وأما الأحرف التي أنزل عليها القرآن الكريم فقد صح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف [ (1) ] ، من رواية أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب وأبي بن كعب. وفي الباب عن عبد اللَّه بن عباس وأبي هريرة، وعبد اللَّه بن مسعود، وأبي جهيم الأنصاري، وأبي بكرة، وسمرة، وغيره. فأما حديث عمر رضي اللَّه عنه فرواه مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عبد الرحمن عن عبد الأعلى، ورواه معمر ويونس عن عقيل وشعيب بن أبي حمزة، ومحمد بن عبد اللَّه بن مسلم- وهو ابن أخي محمد بن شهاب الزهري-، عن عروة بن الزبير، عن المسور وعبد الرحمن بن عبد القاري، جميعا عن عمر رضي اللَّه عنه [ (2) ] . وخرج حديث مالك هذا، البخاري [ (3) ] ...   [ (1) ] على سبعة أحرف: أي على سبعة أوجه، يجوز أن يقرأ بكل وجه منها، وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه، بل المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة سبعة. (فتح الباري) : 9/ 28 كتاب فضائل القرآن، شرح الحديث رقم (4992) : «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه» ، وبسط القول في القراءات السبعة، في (النشر في القراءات العشر) : 1/ 19- 54. [ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 27، كتاب فضائل القرآن، باب (5) أنزل القرآن على سبعة أحرف، حديث رقم (4991) . [ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 28، كتاب فضائل القرآن، باب (5) أنزل القرآن على سبعة أحرف، حديث رقم (4992) ، 5/ 92، كتاب الخصومات باب (4) كلام الخصوم بعضهم في بعض، حديث رقم (2419) ، 9/ 107، كتاب فضائل القرآن، باب (27) من لم ير بأسا أن يقول: سورة البقرة وسورة كذا وكذا، حديث رقم (5041) ، 12/ 375، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب (9) ما جاء في المتأولين، حديث رقم (6936) ، 13/ 636، كتاب التوحيد، باب (53) قول اللَّه تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ، حديث رقم (7550) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 ومسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] والنسائي [ (3) ] وغيرهم من الحفاظ، فخرجه البخاري في كتاب الخصومات عن عبد اللَّه بن يوسف، وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، وأخرجه أبو داود عن القعنبي، وأخرجه النسائي عن محمد بن سلمة، والحرث بن مسكين عن أبي القثم عن مالك، وقد رواه مالك في الموطأ [ (4) ] عن محمد بن شهاب عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه، ثم جئت به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أرسله. ثم قال: اقرأ يا هشام، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هكذا أنزلت. ثم قال لي: اقرأ، فقرأتها، فقال: هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه. وخرج البخاري ومسلم والنسائي حديث المسور، وعبد الرحمن بن عبد القاري فقال البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، في باب ما جاء في المنافقين [ (5) ] . وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب، أخبرني عروة بن الزبير، أن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبد القاري، أخبراه أنهما سمعا عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 346، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (48) بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، حديث رقم (270- 818) . [ (2) ] (صحيح سنن أبي داود) : 1/ 276، باب (357) أنزل القرآن على سبعة أحرف، حديث رقم (1308- 1475) . [ (3) ] (سنن النسائي بشرح السيوطي) : 2/ 487- 489، باب (37) جامع ما جاء في القرآن، حديث رقم (935) ، (936) ، (937) . [ (4) ] (شرح الزرقاني على الموطأ) : 2/ 14، كتاب الصلاة، باب (133) ما جاء في القرآن، حديث رقم (474) . [ (5) ] سبق الإشارة إليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [كذلك] ، فكدت أساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلم، فلما سلم لببته بردائه أو بردائي، فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت له: كذبت، فو اللَّه إن رسول اللَّه أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرأها، فانطلقت أقوده إلى رسول اللَّه، فقلت: يا رسول اللَّه! إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أرسله يا عمر، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأها، قال رسول اللَّه: هكذا أنزلت، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اقرأ يا عمر، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت، ثم قال: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه. وخرجه أيضا في آخر كتاب التوحيد في باب فاقرءوا ما تيسر من القرآن [ (1) ] . وخرجه في فضائل القرآن [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن المسوّر بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبد أخبراه أنهما سمعا عمر يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان، فذكره. وخرجه أيضا من حديث إسحاق بن إبراهيم، وعبد الرحمن بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، كرواية يونس بإسناده. وخرجه النسائي من حديث يونس عن ابن شهاب بإسناد الليث. قال الحافظ أبو عمر عبد اللَّه بن عبد البر: في رواية معمر تفسير لرواية مالك في قوله: يقرأ سورة الفرقان، لأن ظاهر السورة كلها أو جملتها، فبان في رواية معمر أن ذلك في حروف منها بقوله: على حروف كثيرة. وقوله: يقرأ سورة الفرقان على حروف لم يقرئنيها، وهذا مجمع عليه أن القرآن [وآياته كلها] [ (2) ] لا يجوز في حروفه وكلماته أن يقرأ على سبعة أحرف ولا شيء   [ (1) ] سبق الإشارة إليه. [ (2) ] زيادة للبيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 منها، ولا يمكن ذلك فيها، بل لا يوجد في القرآن كلمة تحتمل أن يقرأ على سبعة أحرف إلا قليلا، مثل: وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [ (1) ] وتَشابَهَ عَلَيْنا [ (2) ] وبِعَذابٍ بَئِيسٍ [ (3) ] ونحو ذلك، وذلك يسير جدا، وهذا بين واضح يغني عن الإكثار منه. وأما حديث أبي بن كعب رضي اللَّه عنه فخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنّسائي، وقاسم بن أصبغ، وعدة من الحفاظ. فلمسلم من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن عبد اللَّه بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن جده عن أبيّ ابن كعب قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا [جميعا] [ (4) ] على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقرءا، فحسّن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية. فلما رأى رسول اللَّه ما قد غشيني، ضرب في صدري ففضت عرقا، وكأنما انظر إلى اللَّه عز وجل فرقا، فقال لي: يا أبي! أرسل إليّ أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فردّ إليّ الثانية أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فردّ إليّ الثالثة أن اقرأه سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: اللَّهمّ اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم ترغب إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم [ (5) ] . وله من حديث شعبة، عن الحكم عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن أبيّ بن كعب، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان عند أضاة [ (6) ] بني غفار، قال: فأتاه جبريل عليه   [ (1) ] المائدة: 60. [ (2) ] البقرة: 70. [ (3) ] الأعراف: 165. [ (4) ] زيادة من صحيح مسلم. [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 350، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (48) بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، حديث رقم (273) - (820) . [ (6) ] هي الماء المستنقع كالغدير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 السلام فقال: إن اللَّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف، قال: أسأل اللَّه عز وجل معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم أتاه الثانية فقال: إن اللَّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال: أسأل اللَّه معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الثالثة فقال: إن اللَّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال: أسأل اللَّه معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الرابعة فقال: إن اللَّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا [ (1) ] . وخرج أبو داود [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث شعبة بنحو ذلك، وقال النسائي بعد إيراده هذا الحديث: منصور خالف الحكم في هذا الحديث، رواه عن مجاهد عن عبيد بن عمير مرسلا. وخرجه قاسم بن أصبغ من حديث أبي معمر عن عبد الوارث عن محمد بن جحاده، عن الحكم بن عيينة إلى آخره بمعناه. وخرجه النسائي أيضا من حديث يحيى عن حميد عن أنس عن أبيّ قال: ما حاك في صدري منذ أسلمت أني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال الآخر: أقرأنيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا نبيّ اللَّه، أقرأتني آية كذا وكذا، قال: نعم وقال الآخر: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: نعم، إن جبريل وميكائيل أتياني، فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، قال ميكائيل: استزده، حتى بلغ   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) 6/ 352، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (48) بيان أن القرآن على سبعة أحرف، وبيان معناه، حديث رقم (274- 821) ، قال الإمام النووي: معناه لا يتجاوز أمتك سبعة أحرف، ولهم الخيار في السبعة، ويجب عليهم نقل السبعة إلى من بعدهم بالتخير فيها، وأنها لا تتجاوز واللَّه أعلم. [ (2) ] (سنن أبي داود) : 2/ 160، باب (357) أنزل القرآن على سبعة أحرف، حديث رقم (1478) . [ (3) ] (سنن النسائي) : 2/ 490، كتاب (11) الافتتاح، باب (37) جامع ما جاء في القرآن، حديث رقم (938) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 سبعة أحرف، فكل حرف شاف كاف [ (1) ] . وخرج الترمذي من حديث شيبان عن عاصم عن زرّ بن حبيش، عن أبيّ ابن كعب قال: لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جبريل، فقال يا جبريل إني بعثت إلى أمة أمّيين، منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل الّذي لم يقرأ كتابا قط، قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف [ (2) ] . قال الترمذي: وفي الباب عن عمر وحذيفة بن اليمان، وأم أيوب- وهي امرأة أبي أيوب، وسمرة، وابن عباس، وأبي جهيم بن الحرث بن الصمة، وعمرو بن العاص وأبي بكرة، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، قد روى من غير وجه عن أبيّ بن كعب. وقال ابن عبد البر: وأما حديث عاصم عن زرّ عن أبيّ، فاختلف على عاصم فيه، وقد جاء بيان الرجل الّذي رآه أبيّ يقرأ في رواية همام بن يحيى عن قتادة، عن يحيى بن يعمر، عن سليمان بن صرد، عن أبيّ بن كعب قال: قرأ أبيّ آية، وقرأ ابن مسعود خلافها، وقرأ رجل آخر خلافها، فأتينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: ألم تقرأ آية كذا وكذا، وكذا وكذا؟ وقال ابن مسعود: ألم تقرأ آية كذا وكذا؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: كلكم محسن مجمل، قال: ما كلنا أحسن ولا أجمل! قال: فضرب صدري وقال: يا أبي، إني أقرئت القرآن فقلت: على حرف أو حرفين؟ فقال لي الملك الّذي عندي: على حرفين، فقلت: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الّذي [عندي] [ (3) ] : على ثلاثة، هكذا حتى بلغ سبعة أحرف، ليس منها إلا شاف كاف، قلت: غفورا رحيما، أو قلت: سميعا حكيما، أو قلت: عليما حكيما، أو عزيزا حكيما، أي ذلك قلت فإنه [كذلك] [ما لم تختم آية عذاب   [ (1) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (940) ، قوله: «ما حاك في صدري» . أي ما أثّر، أي أثر شك في صدري، ولا وقع، وقد جاء صريحا أنه وقع في صدره يومئذ شك عصمه اللَّه تعالى منه ببركة نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 178، كتاب القراءات (47) ، باب (11) . [ (3) ] زيادة للبيان والسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 برحمة، أو آية رحمة بعذاب] [ (1) ] . وزاد بعضهم في هذا الحديث: ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب. قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وإذا ثبتت هذه الرواية، حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ، فلا يجوز للناس أن يبدلوا أسماء اللَّه تعالى في موضع بغيره، مما يوافق معناه أو يخالف. وقال ابن عبد البر: أما قوله في هذا الحديث: قلت سميعا عليما أو غفورا رحيما، أو عليما حكيما، فإنما أراد به ضرب المثل للحروف التي يقرأ القرآن عليها، أنها معان متفق مفهومها، مختلف مسموعها، لا تكون في شيء معنى وضده، ولا وجه وخلاف معناه، خلاف بنفسه ومضاده، كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده، والسورة التي أنكر فيها- أي القراءة- سورة النحل. وذكر ذلك الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن عبيد اللَّه بن عمر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيّ بن كعب قال ... ، الحديث. وأما حديث عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنه، فخرجه مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة أن ابن عباس حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيد فيزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف، قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الّذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام [ (2) ] . وأما حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه فخرجه أبو داود وقاسم بن أصبغ من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال:   [ (1) ] تكملة من (سنن أبي داود) : 2/ 160، كتاب الصلاة، باب (357) أنزل القرآن على سبعة أحرف، حديث رقم (1477) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 348، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (48) بيان أن القرآن على سبعة أحرف، وبيان معناه، حديث رقم (272- 819) ، (سنن أبي داود) : 2/ 160 كتاب الصلاة، باب (357) أنزل القرآن على سبعة أحرف، حديث رقم (1476) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 أنزل القرآن على سبعة أحرف، غفورا رحيما، عزيزا حكيما، عليما حكيما [ (1) ] ، وربما قال: سميعا بصيرا. وخرجه قاسم بن أصبغ من حديث ابن أبي أويس قال: حدثني أخي سليمان ابن بلال عن محمد بن عجلان عن [ابن جرير] [ (2) ] ، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة [ (3) ] . وأما حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه، فروى جرير بن عبد الحميد عن مغيرة، عن واصل ابن حبان عن عبد اللَّه بن أبي الهذيل عن أبي الأحوص عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل آية منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد ومطلع [ (4) ] . وأما حديث أبي جهيم، فخرج ابن وهب من حديث سليمان بن بلال بن يزيد بن عبد اللَّه بن حضيعة، عن بشر بن سعيد أن أبا جهيم الأنصاري رضي اللَّه عنه أخبره بأن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فقال: هذا تلقيتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال الآخر: لقّنتها من رسول اللَّه، فسئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عنها فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ولا تماروا في القرآن، فإن المراء [ (5) ] فيه كفر [ (6) ] . وأما حديث أبي بكرة، فخرجه الطحاوي من حديث حماد قال: أخبرني علي ابن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة رضي اللَّه عنه قال:   [ (1) ] وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 635، مسند أبي هريرة، حديث رقم (8190) . [ (2) ] تكملة من (كنز العمال) . [ (3) ] (كنز العمال) : 2/ 56، حديث رقم (3102) ، وقال فيه: «ولكن لا تجمعوا» ، وقال في آخره: (ابن جرير عن أبي هريرة) . [ (4) ] (كنز العمال) : 2/ 53، حديث رقم (3086) وقال فيه: «لكل حرف منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد ومطلع» وقال في آخره: (طب عن ابن مسعود) . [ (5) ] المراء: المجادلة والخصام الشديد الّذي يولد الحقد والبغضاء. [ (6) ] (كنز العمال) : 2/ 52، حديث رقم (3082) وقال فيه: «فإنّ مراء في القرآن كفر» ، وقال في آخره: (حم عن أبي جهيم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 [أتي] [ (1) ] جبريل عليه السلام إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، قال: فقال ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأه فكل شاف كاف إلا أن يخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو: هلم، ويقال: وأقبل واذهب وأسرع وعجّل [ (2) ] . وأما حديث سمرة، فخرج الحاكم من حديث عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد ابن سلمة، حدثنا قتادة عن الحسن، عن سمرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أنزل القرآن على ثلاثة أحرف [ (3) ] ، قال الحاكم [ (4) ] : وهذا حديث صحيح وليس له علة. وقد اختلف الناس في معنى ذلك اختلافا كثيرا، فقال بعضهم: هي سبعة أحرف أودعها اللَّه تعالى في كتابه، قام بها إعجازه، وقال قوم: هي زجر، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. وقيل: هي حلال، وحرام، وأمر، ونهي، وزجر، وخبر ما كان قبل، وخبر ما هو كائن بعد، وأمثال. وقيل: هي وعد، ووعيد، وحلال، وحرام، ومواعظ، وأمثال، واحتجاج. وقيل: هي أمر، ونهي، وبشير، ونذير، وإخبار، وأمثال. وقيل: هي محكم، ومتشابه، وناسخ، ومنسوخ، وخصوص، وعموم، وقصص.   [ (1) ] في (كنز العمال) : «أتاني جبريل وميكائيل» . [ (2) ] (كنز العمال) : 2/ 50، حديث رقم (3075) باختلاف يسير، حتى «كلها كاف شاف» . وقال في آخره (حم وعبد بن حميد عن أبي بن كعب) ، (حم طب عن أبي بكرة) ، (ابن الضريس عن عبادة بن الصامت) . [ (3) ] (كنز العمال) : 2/ 53، حديث رقم (3087) ، وقال في آخره: (حم طب ك عن سمرة) . [ (4) ] (المستدرك) : 2/ 243، حديث رقم (2884/ 13) ، قال الحاكم: قد احتجّ البخاري برواية الحسن عن سمرة، واحتجّ مسلم بأحاديث حماد بن سلمة، وهذا الحديث صحيح، وليس له علة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 وقيل: هي أمر، ونهي، وحد، وعلم، وسر، وظهر، وبطن. وقيل: ناسخ، ومنسوخ، ووعد، ووعيد، ورجم، وتأديب، وإنذار. وقيل: حلال، وحرام، وافتتاح، وإضمار، وفضائل، وعقوبات. وقيل: أوامر، وزواجر، وأمثال، وأنباء، وعتب، ووعظ، وقصص. وقيل: الحلال، والحرام، والمنصوص، والقصص، والإباحات. وقيل: الظهر، والبطن، والفرض، والندب، والخصوص، والعموم، والأمثال. وقيل: الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، والإباحة، والإرشاد، والاعتبار. وقيل: هي مقدم، ومؤخر، وفرائض، وحدود، ومواعظ، ومتشابه، وأمثال. وقيل: هي تفسير، ومجمل، ومقتضى، وندب، وحتم، وأمثال. وقيل: هي أمر حتم، وأمر ندب، ونهي حتم، ونهي ندب، وأخبار، وإباحات. وقيل: الفرض، والنهي الحتم، والأمر الندب، والنهي المرشد، والوعد، والوعيد، والقصص. وقيل: هي سبع جهات لا يتعداها الكلام، إذ العرب تسمي الحرف جهة. وقيل: هي لفظ خاص أريد به العام، ولفظ يغني تنزيله عن تأويله، ولفظ لا يعلم فقهه إلا العلماء، ولفظ لا يعلم معناه إلا الراسخون في العلم. وقيل: هي سبع لغات متفرقة لجميع العرب، فكل حرف منها لقبيلة مشهورة، وبعض الأحياء أسعد من بعض، مثل قريش، لأن القرآن أنزل بلغتها. وقيل: هي سبع لغات: أربع منها لعجز هوازن، وثلاثة لقريش، وعجز هوازن: سعد بن بكر، وجثم بن بكر، ومضر بن معاوية. وقيل: قال [ابن] عباس: نزل القرآن بلغة الكعبيين: كعب قريش وكعب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 خزاعة، قيل له: وكيف ذلك؟ قال: كانت دارهم واحدة، قال أبو عبيدة: يعني أن خزاعة جيران قريش. وقال صالح بن نضر بن مالك الخزاعي: مرّ بي شعبة بن الحجاج فقال لي: يا خزاعيّ، ألا أحدثك حديثا في قومك؟ حدثنا قتادة عن أبي الأسود الدّؤليّ قال: نزل القرآن بلسان الكعبين: كعب بن عمرو، وكعب بن لؤيّ. وقال قتادة عن [ابن] عباس: نزل القرآن بلسان قريش ولسان خزاعة، وذلك أن الدار واحدة، هي سبع لغات: لقريش لغة، ولليمن لغة، ولجرهم لغة، ولهوازن لغة، ولقضاعة لغة، ولتميم لغة، ولطىّ لغة. وقيل: هي لغة الكعبين: كعب بن عمرو، وكعب بن لؤيّ ولها سبع لغات. وقيل: هي اللغات المختلفة لأحياء العرب في معنى الواحد، مثل قولك: هلم، هات، تعال، أقبل، هاهنا، عندي، اعطف عليّ. وقيل: هي قراءات سبعة من الصحابة هم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عباس، وأبي بن كعب رضي اللَّه عنهم. وقيل: هي ما في اللغة مثل: الهمز، والفتح، والكسر، والإمالة، والتفخيم، والمد، والقصر. وقيل: هي تصريف، ومصادر، وعروض غريب، وسجع، ولغات مختلفة في شيء واحد، كلها لغة العرب. وقيل: هي كلمة واحدة تعرب بسبعة أوجه حتى يكون المعنى واحدا وإن اختلف اللفظ فيها. وقيل: هي أمهات الهجاء: الألف، والباء، والجيم، والدال، والراء، والسين، والعين، لأن عليها يدور جميع كلام العرب. وقيل: هي أسماء الرب تعالى مثل: الغفور، الرحيم، السميع، البصير، العليم، الحكيم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 وقيل: هي آية في الذات، وآية تفسيرها في آية أخرى، وآية بيانها في السنة الصحيحة، وآية في وصف الأنبياء والرسل، وآية في خلق اللَّه تعالى الأشياء، وآية في وصف الجنة، وآية في وصف النار. وقيل: هي آية في وصف الصانع سبحانه، وآية في إثبات الوحدانية للصانع تعالى، وآية في إثبات صفاته، وآية في إثبات رسله، وآية في إثبات كتبه، وآية في إثبات الإسلام، وآية في إثبات الكفر. وقيل: هي سبع جهات من صفات الذات للَّه تعالى التي لا يقع عليها التكييف. وقيل: هي إثبات الإيمان باللَّه ومباينة الشرك، وإثبات الأوامر ومجانبة الزواجر والثبات على الإيمان، وتحريم ما حرّم اللَّه، وطاعة رسوله. وقيل: هي إظهار الربوبية وإثبات الوحدانية، وتعظيم الألوهية، والتعبد للَّه تعالى، ومجانبة الشرك بغير اللَّه، والترغيب في الثواب، والترهيب من العقاب. وقد ذكر هذه الأقوال كلها- ما عدا القول الأول- أبو حاتم محمد بن حبان البستي، ثم قال: هذه آخر خمسة وثلاثين قولا لأهل العلم واللغة في معنى قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» ، وهي أقاويل يشبه بعضها بعضا وهي كلها محتملة وتحتمل غيرها. قال: والّذي عندي أن لقوله: أنزل القرآن على سبعة أحرف معنيين: أحدهما: علم القراءات للقرآن، والآخر: علم تأويله بصحة البيان، فأما المعنى الّذي هو وجه [القراءات] [ (1) ] للقرآن: فإنه يؤدي إلى سبعة أحرف على ما قاله المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم: أولها: التأنيث والتذكير: مثل قوله: لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ [ (2) ] ، ولا تقبل منها، ولا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ [ (3) ] ، ولا تحل لك. وثانيها: الجمع والوحدان: كقوله: وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] البقرة: 48. [ (3) ] الأحزاب: 52. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 وكتبه [ (1) ] ، وو كتابه، وكقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ [ (2) ] ، وشهادتهم [ (3) ] ، وما أشبه ذلك. وثالثها: الخفض والرفع: مثل قوله تعالى: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [ (4) ] ، محفوظ، وهَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [ (5) ] ، وغير اللَّه، وما أشبه ذلك. ورابعها: الأدوات والآلات، مثل النون إذا شددتها، والألف إذا كسرتها أو فتحتها ونصبت ما بعدها، مثل قوله تعالى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى [ (6) ] ، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ (7) ] ، وما أشبه ذلك. وخامسها: الإعراب والتصريف: كقوله: يَعْرِشُونَ [ (8) ] ، ويَعْرِشُونَ، ويَعْكُفُونَ [ (9) ] ، ويَعْكُفُونَ، وما أشبه ذلك. وسادسها: تغيير اللفظ واللفظ: كقوله تعالى: نُنْشِزُها [ (10) ] ، ونُنْشِزُها (بالراي والزاي) ، وما أشبه ذلك. وسابعها: ما يدخل في اللفظ وحورته اللغة، مثل القصر والمد، والتفخيم والإمالة، والكسر والفتح، لأن هذه الأشياء عليها يدور جوامع كلام العرب، وهذا المعنى الّذي ذكرناه هو وجه القراءات للقرآن، أعني قوله صلّى اللَّه عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف. وقال أبو عبد اللَّه محمد بن أبي الفضل عبد اللَّه المرسي، في كتاب (ري الظمآن) : وهذه الوجوه أكثرها متداخلة، ولا أدري مسندها ولا عمّن نقلت، ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر، مع أن كلها موجود في القرآن، ولا أدري معنى التخصيص، وفيها أشياء لا أفهم معناها على   [ (1) ] التحريم: 12. [ (2) ] المعارج: 32. [ (3) ] المعارج: 33. [ (4) ] البروج: 22. [ (5) ] فاطر: 3. [ (6) ] البقرة: 189. [ (7) ] الأنفال: 17. [ (8) ] الأعراف: 137، النحل: 68. [ (9) ] الأعراف: 138. [ (10) ] البقرة: 259. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 الحقيقة، وأكثرها يعارضها حديث عمر رضي اللَّه عنه، فذكره ثم قال: وهذا يقتضي أن الحروف السبعة ليس كما ذكروا: زاجر، وآمر، وحلال وحرام، ومحكم، ومتشابه، [وكذلك] [ (1) ] أكثر الوجوه التي ذكروها في معنى: أنزل القرآن على سبعة أحرف. وهذا لا يقتضي أن يخالف بعضهم بعضا فيه، لأن الخلاف لا يتصوّر فيه، فإنّهم يقرءون ما في القرآن من هذه الوجوه وهي لا [تختلف] [ (1) ] ، فكيف يخالف بعضهم بعضا؟ هذا لا أدري معناه. وقال أبو عمر بن عبد البر: وقد اختلف الناس في معنى هذا الحديث اختلافا كثيرا، فقال الخليل بن أحمد: معنى قوله: سبعة أحرف: سبع قراءات، والحرف هاهنا القراءة. وقال غيره: هي سبعة، إنما كل نحو منها جزء، ومن أجزاء القرآن خلاف [كثير في] [ (2) ] غيرها، وقد ذهبوا إلى أن كل حرف منها هو صنف من الأصناف، نحو قول اللَّه عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [ (3) ] ، وكان معنى الحرف الّذي يعبد اللَّه عليه هو صنف من الأصناف، ونوع من الأنواع التي يعبد اللَّه عليها، فمنها ما هو محمود عنده تبارك وتعالى، ومنها ما هو خلاف ذلك، فذهب هؤلاء في قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، إلى أنها سبعة أنحاء وأصناف منها: زاجر، وآمر، ومنها حلال، ومنها حرام، ومنها محكم، ومنها متشابه، ومنها أمثال. واحتجوا بحديث يرويه سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، عن ابن مسعود، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على وجه واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أوجه: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] ما بين الحاصرتين غير واضح في «خ» ، ولعلّ الصواب ما أثبتناه. [ (3) ] الحج: 11. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 حرامه، واعتبروا بأمثاله، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [ (1) ] . وهذا حديث لا يثبت لأنه يرويه حيوة بن شريح، عن عقيل بن خالد عن سلمة هكذا، ويرويه الليث عن عقيل، عن ابن شهاب عن سلمة بن أبي سلمة عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مرسلا، وأبو سلمة لم يلق ابن مسعود، وابنه سلمة ليس ممن يحتج به، وهذا الحديث [مجمع] [ (2) ] على ضعفه من جهة إسناده، وقد رده قوم من أهل النظر، منهم: أحمد بن أبي عمران قال: من قال في تأويل السبعة الأحرف هذا القول فتأويله فاسد، لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه، أو يكون حلالا لا ما سواه، لأنه يجوز أن تكون القراءة تقرأ على أنه حلال كله، أو حرام كله، أو أمثال كله. ذكره الطحاوي عن أحمد بن أبي عمران، سمعه منه، وهو كما قال ابن أبي عمران. قال: واحتج ابن أبي عمران بحديث أبيّ بن كعب، أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف فاستزاده حتى بلغ سبعة أحرف، الحديث. وقال قوم: هي سبع لغات في القرآن مفرقات على لغات العرب كلها، يمنها وبرارها، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يجهل شيئا منها، وكان قد أوتي جوامع الكلم، وإلى هذا ذهب أبو عبيد في تأويل هذا الحديث. قال: ليس معناه أن يقرأ الحرف على سبعة أوجه، هذا معنى غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل على سبع لغات مفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف منها بلغة قبيلة أخرى سوى الأولى، والثالثة سواهما، كذلك إلى السبعة. قال: وبعض الأحياء أسعد بها، وأكثر حظا فيها من بعض، وذكر حديث ابن شهاب عن أنس، أن عثمان رضي اللَّه عنه قال لهم حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم. وذكر   [ (1) ] آل عمران: 7. [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 حديث ابن عباس رضي اللَّه عنه أنه قال: نزل القرآن بلغة الكعبين: كعب قريش وكعب خزاعة جيران قريش فأخذوا بلغتهم، وذكر أخبارا قد ذكرنا أكثرها في هذا الباب. وقال آخرون: هذه اللغات كلها السبعة، إنما تكون لمضر، واحتجوا بقوله: نزل القرآن بلسان مضر، وقالوا: جائز أن يكون منها لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لطيّئ، ومنها لقيس، فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات على هذه المراتب. وقد روى عن ابن مسعود أنه كان يحب الذين يكتبون المصاحف من مضر، وأنكر آخرون أن تكون كلها في مضر، وقالوا: مضر شواذ لا يجوز أن يقرأ القرآن عليها، مثل كشكشة قيس، وعنعنة تميم، فأما كشكشة قيس: فإنّهم يجعلون كاف المؤنث شيئا، فيقولون في [قوله تعالى] [ (1) ] : قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [ (2) ] ، قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، وأما عنعنة تميم: فيقولون في أن: عن، فيقرءون في قوله تعالى: [فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ] [ (3) ] ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ، وبعضهم يبدل السين تاءا، فيقول في الناس: النات، وفي أكياس: أكيات، وهذه لغات يرغب بالقرآن عنها، ولا يحفظ عن السلف شيء منها. وقال آخرون: أما بدل الهمزة عينا، وبدل حروف الحلق [ (4) ] بعضها من بعض، فمشهور عن الفصحاء، وقد فسروا به [العنعنة] [ (5) ] ، واحتجوا بقراءة ابن مسعود: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ [ (6) ] ، وبقول ذي الرمة: فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... ولونك إلا عنّها غير طائل يريد «إلا أنها» .   [ (1) ] زيادة للبيان والسياق. [ (2) ] مريم: 24. [ (3) ] المائدة: 52. [ (4) ] حروف الحلق سبعة يجمعها قول الناظم: همز فهاء ثم عين حاء ... مهملتين ثم غين خاء [ (5) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ، ولعل الصواب ما أثبتناه. [ (6) ] يوسف: 35. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 وذكر من طريق أبي داود حديث هيثم عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن كعب الأنصاري، عن أبيه عن جده: أنه كان عند عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فقرأ رجل بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ، فقال عمر: من أقرأكها؟ قال: أقرأنيها ابن مسعود، فقال له عمر. حتى حين، وكتب إلى ابن مسعود: أما بعد، فإن اللَّه أنزل القرآن بلسان قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل. والسلام. قال ابن عبد البر: ويحتمل أن يكون هذا من عمر رضي اللَّه عنه على سبيل الاختيار، لأن ما قرأ به ابن مسعود لا يجوز أن يمنع منه، وإذا أبيح لنا قراءته على كل ما أنزل فجائز الاختيار فيما أنزل. واللَّه أعلم. وقد روي عن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه مثل قول عمر هذا، أن القرآن نزل بلغة قريش بخلاف الرواية الأولى، وهذا أثبت عنه لأنه من رواية ثقات المدينة، وذكر حديث ابن شهاب عن أنس، أن حذيفة قدم على عثمان، وقول عثمان رضي اللَّه عنه: فإن اختلفتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم. وقال القاضي أبو بكر بن الطيب: معنى قول عثمان: فإنه نزل بلغة قريش، يريد معظمة وأكثره، ولم تقم دلالة قاطعة على أن القرآن بأسره نزل بلغة قريش فقط، إذ فيه كلمات وحروف بخلاف لغة قريش، وقد قال تعالى: جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [ (1) ] ، ولم يقل قرشيا، وهذا يدل على أنه منزل بجميع لسان العرب، وليس لأحد أن يقول: أنه أراد قريشا من العرب دون غيرها، كما أنه ليس له أن يقول: أراد لغة عدنان دون قحطان، أو ربيعة دون مضر، لأن اسم العرب يتناول جميع هذه القبائل تناولا واحدا. وقال ابن عبد البر: قول من قال: إن القرآن نزل بلغة قريش، معناه عندي الأغلب، واللَّه أعلم، لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القرآن من تحقيق   [ (1) ] الزخرف: 3. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 الهمزات ونحوها، وقريش لا تهمز. وقد روى الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف، صار في عجز هوازن منها خمسة، قال أبو حاتم: عجز هوازن: ثقيف، وبنو سعد بن بكر، وبنو جثم، وبنو نضر بن معاوية. قال أبو حاتم: خصّ هؤلاء دون ربيعة وسائر العرب لقرب جوارهم من مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومنزل الوحي، وإنما مضر وربيعة أخوان. قال: وأحب الألفاظ واللغات إلينا أن نقرأ بها لغات قريش، أدناهم من بطون مضر. قال ابن عبد البر: هو حديث لا يثبت من جهة النقل، وقد روى عن سعيد بن المسيب أنه قال: أنزل القرآن على لغة هذا الحي من ولد هوازن وثقيف. وإسناد حديث سعيد هذا غير صحيح. وقال الكلبي في قوله: أنزل القرآن على سبعة أحرف قال: خمسة منها لهوازن، وحرفان لسائر الناس، وأنكر أهل العلم [معنى] [ (1) ] حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف: سبع لغات، وقالوا: هذا لا [معنى] [ (1) ] له، لأنه لو كان [كذلك] [ (1) ] لم ينكر القوم في أول الأمر بعضهم على بعض، لأنه من كانت لغته شيئا قد جبل عليه وفطر لم ينكر عليه. وفي حديث مالك عن ابن شهاب المذكور في هذا الباب، ردّ قول من قال: سبع لغات، لأن عمر رضي اللَّه عنه قرشي عدوي، وهشام بن حكيم بن حزام قرشيّ أسديّ، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته، كما محال أن [يقرئ] [ (1) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم واحدا منهما بغير ما يعرفه من لغته، والأحاديث الصحاح المرفوعة كلها تدل على نحو ما يدل عليه حديث عمر هذا. وقال قوم: إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل، وتعال، وهلم. وعلى هذا أكثر أهل العلم، وذكر حديث أبي جهيم وحديث ابن مسعود، وحديث أبيّ بن كعب ثم قال: وهذا   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 كله يعضد قول من قال: إن معنى السبعة الأحرف المذكورة في الحديث سبعة أوجه من الكلام المتفق معناه، المختلف لفظه، نحو: هلم، وتعال، وعجل، وأسرع، وانظر، واجر، ونحو ذلك. وسنورد من الآثار وأقوال علماء الأمصار في هذا الباب ما يبين لك به أن ما اخترناه هو الصواب فيه إن شاء اللَّه، وأنه أصح من قول من قال: سبع لغات متفرقات، كما قدمنا ذكره، وكما هو موجود في القرآن بإجماع من كثرة اللغات المختلفات المتفرقات فيه، حتى لو تقصيت لكثير عددها. وللعلماء في لغات القرآن مؤلفات تشهد لما قلنا، وذكر من طريق أبي داود حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف: غفورا رحيما، عزيزا حكيما، عليما حكيما. ومن طريق النسائي: حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن شقير العبديّ [ (1) ] ، عن سليمان بن صرد، عن أبي بن كعب قال: سمعت رجلا يقرأ فقلت: من أقرأك فقال: رسول اللَّه، فقال: انطلق إليه، فانطلقنا إليه فقلت: أستقرئه يا رسول اللَّه، قال: اقرأ، فقرأ، فقال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أحسنت، فقلت: أو لم تقرئني كذا وكذا؟ قال: بلى، وأنت قد أحسنت، فقلت: [تقول] [ (2) ] : قد أحسنت قد أحسنت؟ قال: فضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بيده في صدري ثم قال: اللَّهمّ أذهب عن أبيّ الشك، قال: نقضت عرقا، وامتلأ جوفي فرقا، قال: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: يا أبي: إن ملكين أتياني فقال أحدهما: اقرأ على حرف، قال الآخر: زده، قلت: زدني، قال: اقرأ على حرفين، قال الآخر: زده، قلت زدني، قال: اقرأ على ثلاثة أحرف، قال الآخر: زده، قلت: زدني، قال اقرأ على أربعة أحرف، قال الآخر: زده، قلت: زدني، قال: اقرأه على خمسة أحرف، قال الآخر: زده، قلت: زدني، قال اقرأه على ستة أحرف، قال الآخر: زده، قلت زدني، قال اقرأه على سبعة أحرف، فالقرآن أنزل على سبعة أحرف. وذكر طرقا [ (3) ] .   [ (1) ] لم أجده فيمن روى عن سليمان بن صرد. [ (2) ] زيادة يقتضيها السياق. [ (3) ] سبق الإشارة إلى هذه الأحاديث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 ثم قال: وهذه الآثار كلها تدل على أنه لم يقرئه على سبع لغات على ما تقدم ذكرنا له، وإنما هي أوجه تتفق معانيها، وتتسع ضروب الألفاظ فيها، إلا أنه ليس منها ما يخالف معنى إلى ضده، كالرحمة بالعذاب، وشبهه. وذكر يعقوب بن شيبة قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية، عن عاصم بن أبي النجود، عن زرّ، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: أتيت المسجد فجلست إلى ناس وجلسوا إليّ، فاستقرأت رجلا منهم سورة ما هي إلا ثلاثون آية [ (1) ] وهي حم [ (2) ] ، الأحقاف، فإذا هو يقرأ حروفا لا أقرأها، فقلت من أقرأك؟ قال: أقرأني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قلت: وأنا الّذي أقرأني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وما أنا بمفارقكما حتى أذهب بكما إلى رسول اللَّه، فانطلقت بهما حتى أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وعنده علي رضي اللَّه عنه فقلت: يا رسول اللَّه! إنا اختلفنا في قراءتنا، قال: فتغير وجهه حين ذكرت الاختلاف وقال: إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف، وقال عليّ: إن رسول اللَّه يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علّم، ولا أدري أسرّ إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما لم يسمع، أو علم الّذي كان في نفسه فتكلم به. وكذلك رواه الأعمش وأبو بكر بن عياش وإسرائيل وحماد بن سلمة وأبان العطار، عن عاصم بإسناده ومعناه، ولم يذكر [الأعمش] [ (3) ] حماد وأبان وعليا، وقالا: رجل. وقال الأعمش في حديثه: ثم أسرّ إلي عليّ في حديثه فقال عليّ: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأمركم أن تقرءوا كما علمتم. وقال أبو جعفر الطحاوي في حديث عمر وهشام بن حكيم المذكور في هذا الباب: قد علمنا أن كل واحد منهما إنما أنكر على صاحبه ألفاظا قرأها الآخر، ليس في ذلك حلال ولا حرام، ولا زجر ولا أمر، وعلمنا بقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هكذا أنزلت، أن السبعة الأحرف التي نزل القرآن بها لا تختلف في أمر ولا نهي،   [ (1) ] كذا في (خ) ، لكن سورة الأحقاف خمسة وثلاثون آية. [ (2) ] أول سورة الأحقاف. [ (3) ] هذه الكلمة مطموسة في (خ) ، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 ولا حلال ولا حرام، وإنما هي كمثل قول الرجل للرجل: أقبل، وتعال، وادن، وهلم، ونحو هذا. وأكثر أحاديث هذا الباب حجة لهذا المذهب، وذكر حديث أبي بكرة الّذي تقدم ذكره. ومن طريق عبد الرزاق، أخبرنا معمر، قال: قال الزهري: إنما هذه الأحرف السبعة هي في الأمر الواحد الّذي لا اختلاف فيه. وروي الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: إني سمعت القراءة فرأيتهم متقاربين، فاقرءوا كما علّمتم، وإياكم والتنطع والاختلاف، فإنما هو كقول أحدكم: هلم، وتعال. وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب أنه كان يقرأ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا [ (1) ] . للذين آمنوا أمهلونا، للذين آمنوا أخرونا، للذين آمنوا ارقبونا. وبهذا الإسناد عن أبيّ أنه كان يقرأ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ [ (2) ] مروا فيه، سعوا فيه، كل هذه الحروف كان يقرأها أبيّ بن كعب، فهذا معنى الحروف المراد بها الحديث. واللَّه أعلم، إلا أن مصحف عثمان الّذي هو بأيدي الناس اليوم، هو منها حرف واحد، وعلى هذا أهل العلم، فاعلم. وذكر ابن وهب في كتاب (الترغيب والترهيب) قال: قيل لمالك رحمه اللَّه: [أترى] أن تقرأ بمثل ما قرأ عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: ذلك جائز، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، فاقرءوا منه ما تيسر، ومثل تعلمون، ويعلمون، وقال: مالك: لا أرى باختلافهم في مثل هذا الباب بأسا. قال: وقد كان الناس ولهم مصاحف، والستة الذين أوصى إليهم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه كانت لهم مصاحف، قال ابن وهب: وسألت مالكا رحمه اللَّه عن مصحف عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، قال: وأخبرني مالك بن أنس قال: أقرأ عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه رجلا: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ   [ (1) ] الحديد: 13. [ (2) ] البقرة: 20. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 طَعامُ الْأَثِيمِ [ (1) ] ، فجعل الرجل يقول: طعام اليتيم، فقال له عبد اللَّه بن مسعود: طعام الفاجر، فقلت لمالك: أترى أن تقرأ كذلك؟ قال: نعم أرى ذلك واسعا. قال ابن عبد البر: معناه عندي أن يقرأ به في غير الصلاة، وإنما ذكرنا ذلك عن مالك تفسيرا لمعنى الحديث، وإنما لم تجز القراءة في الصلاة لأن ما عدا مصحف عثمان رضي اللَّه عنه لا يقطع عليه، وإنما يجري مجرى السنن التي نقلها الآحاد، لا يقدم أحد على القطع في رده. وقد روى عيسى عن ابن القاسم في المصحف بقراءة ابن مسعود قال: أرى أن يمنع الإمام من تبعه، ويضرب من قرأ به، ويمنع من ذلك. وقد قال مالك: إن من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود وغيره من الصحابة مما يخالف المصحف لم يصلّ وراءه، وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك، إلا قوما شذوا لا [يتابع] [ (2) ] عليهم، منهم: الأعمش سليمان بن بهزان. وهذا كله يدلك على أن السبعة الأحرف التي أشير إليها في الحديث ليس بأيدي الناس منها إلا حرف زيد ابن ثابت الّذي جمع عليه عثمان المصاحف. وذكر من حديث محمد بن عبد اللَّه الأصبهاني المقرئ، حدثنا أبو علي الحسن ابن صافي الصفّار، أن عبد اللَّه بن سليمان قال: حدثنا أبو الظاهر قال: سألت سفيان بن عيينة عن الاختلاف في قراءة المدنيين والعراقيين، هل تدخل في السبعة الأحرف فقال: لا، وإنما السبعة الأحرف: كقولهم: أقبل، تعال، أي ذلك قلت أجزأك، قال أبو الطاهر: وقاله ابن وهب. قال أبو بكر بن عبد اللَّه الأصبهاني المقرئ: ومعنى سفيان هذا: إن اختلاف العراقيين والمدنيين راجع إلى حرف واحد من الأحرف السبعة، وبه قال محمد بن جرير الطبري. وقال أبو جعفر الطحاوي: كانت هذه السبعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القراءة على غيرها، لأنهم كانوا أميين لا يكتبون إلا القليل منهم،   [ (1) ] الدخان: 43. [ (2) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 فكان يشق على كل ذي لغة منهم أن يتحول إلى غيرها من اللغات، ولو دام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة، فوسّع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا، فكانوا كذلك حتى كبر من يكتب منهم، وحتى عادت لغاتهم إلى لسان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقرءوا بذلك على تحفظ ألفاظه، فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها. وبان بما ذكرنا أن تلك السبعة الأحرف إنما كانت في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلك الضرورة، فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد. واحتج بحديث أبي بن كعب المذكور في هذا الباب من رواية ابن أبي ليلى عنه، قوله فيه: إن أمتي لا تطيق ذلك في الحرف والحرفين والثلاثة، حتى بلغ السبعة، واحتج بحديث عمر مع هشام بن حكيم، واحتج بجمع أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه للقرآن في جماعة الصحابة، ثم كتاب عثمان رضي اللَّه عنه لذلك، وكلاهما عول فيه على زيد بن ثابت. فأما أبو بكر رضي اللَّه عنه فأمر زيدا بالنظر فيما جمع منه، وأما عثمان رضي اللَّه عنه فأمره بإملائه من تلك الصحف التي كتبها أبو بكر، وكانت عند حفصة رضي اللَّه عنها. وقال بعض المتأخرين من أهل العلم بالقرآن: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة، منها ما يتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته، مثل: أَطْهَرُ لَكُمْ [ (1) ] ، وأطهر لكم، ووَ يَضِيقُ صَدْرِي [ (2) ] ، وو يضيق صدري، ونحو هذا. ومنها ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ولا يتغير صورته، مثل قوله: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا [ (3) ] ، وربنا باعد بين أسفارنا. ومنها ما يتغير معناه بالحروف واختلافها بالإعراب ولا يتغير صورته، مثل قوله: إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها [ (4) ] ، وننشرها.   [ (1) ] هود: 78. [ (2) ] الشعراء: 13. [ (3) ] سبأ: 19. [ (4) ] البقرة: 259. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 ومنها ما يتغير صورته ولا يتغير معناه، كقوله: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [ (1) ] ، وكالصوف المنقوش. ومنها ما يتغير صورته ومعناه، مثل قوله: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [ (2) ] ، وو طلع منضود. ومنها بالتقديم والتأخير، مثل: وجاءت سكرة الحق بالموت [ (3) ] ، ووَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ. ومنها بالزيادة والنقصان، مثل: [لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً] [ (4) ] ، وتسع وتسعون نعجة أنثى. قال ابن عبد البر: وهذا وجه حسن من وجوه معنى الحديث، وفي كل وجه منها حروف كثيرة لا تحصى عددا، فمثل قوله: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [ (1) ] ، والصوف المنفوش، قراءة عمر رضي اللَّه عنه، فامضوا إلى ذكر اللَّه [ (5) ] وهو كثير. ومثل قوله: نعجة أنثى [ (6) ] ، قراءة ابن مسعود وغيره، فلا جناح عليه ألا يطوف بهما [ (7) ] ، وقراءة أبي بن كعب: فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها [ (8) ] ، وهذا كثير أيضا. وهذا يدلك على قول العلماء أن ليس بأيدي الناس من الحروف السبعة التي نزل القرآن عليها إلا حرف واحد، وهو صورة مصحف عثمان، وما دخل فيه بما يوافق صورته من الحركات واختلاف اللفظ من سائر الحروف. ثم ذكر أبو [عمرو] [ (9) ] عدة قراءات من الشواذ بأسانيدها وقال: وقد أجاز   [ (1) ] القارعة: 5. [ (2) ] الواقعة: 29. [ (3) ] ق: 19. [ (4) ] ص: 23. [ (5) ] وهي في قراءة حفص عن عاصم: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9] . [ (6) ] زيادة على قراءة حفص عن عاصم [ص: 23] . [ (7) ] وهي في قراءة حفص عن عاصم: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [البقرة: 158] . [ (8) ] وهي في قراءة حفص عن عاصم: بدون قوله: وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها [يونس: 24] . [ (9) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 مالك القراءة بهذا ومثله، وذلك محمول عند أهل العلم اليوم على القراءة في غير الصلاة على وجه التعليم، والوقوف على ما روى في ذلك من علم الخاصة. وأما حرف زيد: فهو الّذي عليه الناس في مصاحفهم اليوم، وقراءتهم من بين سائر الحروف، لأن عثمان رضي اللَّه عنه جمع المصاحف بمحضر جمهور الصحابة. قال: وقد تقدم عن الطحاوي أن أبا بكر وعثمان رضي اللَّه عنهما عوّلا على زيد بن ثابت في ذلك، وأن الأمر عاد فيما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد، وهو الّذي عليه جماعة الفقهاء فيما يقطع عليه، وتجوز الصلاة به. وقال القاضي أبو محمد عبد الحق بن أبي بكر بن عطية: اختلف الناس في معنى هذا الحديث اختلافا شديدا، فذهب فريق من العلماء إلى أن تلك الحروف السبعة هي فيما يتفق أن يقال على سبعة أوجه فما دونه، كتعال، وأقبل، وإليّ، ونحوي، وقصدي، أقرب، وجيء، وكاللغات التي في أب، والحروف التي هي في كتاب اللَّه فيها قراءات كثيرة، وهذا قول ضعيف. قال ابن شهاب في كتاب (مسلم) : بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الّذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام، وهذا كلام محتمل. قال فريق من العلماء: أن المراد بالسبعة الأحرف: معاني كتاب اللَّه، وهي أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، وعبادات، وأمثال. وهذا أيضا ضعيف لأن هذه لا تسمى أحرفا، وأيضا [فالإجماع] [ (1) ] أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا في تحليل حرام، ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة. وحكى صاحب (الدلائل) عن بعض العلماء، وقد حكى نحوه القاضي أبو بكر الطيب قال: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة، فذكر ما تقدم، قال: وذكر القاضي أبو بكر الطيب في معنى هذه السبعة الأحرف: حدثنا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: نهي، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلّوا حلاله وحرموا   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 حرامه. الحديث. قال القاضي: فهذا تفسير منه صلّى اللَّه عليه وسلم للأحرف السبعة ولكن ليست هذه التي أجاز لهم القراءة بها على اختلافها، وإنما الحرف في هذه بمعنى الجهة والطريقة، ومنه قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [ (1) ] ، أي على وجه وطريقة، هي شك وريب، فكذلك يعني هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل وتحريم وغير ذلك. وذكر القاضي أيضا أن أبيّا رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: إني قرأت القرآن على حرف أو حرفين، ثم زادني الملك حتى بلغ سبعة أحرف، ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت: غفور رحيم، سميع عليم، أو عليم حكيم. وكذلك ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب. وقد أسند ثابت بن قاسم نحو هذا الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وذكر من كلام ابن مسعود نحو قول القاضي ابن الطيب: وهذه سبعة غير السبعة التي هي قراءات، ووسع فيها، وإنما هي سبعة أوجه أسماء اللَّه تعالى، وإذا ثبتت هذه الرواية حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ، ولا يجوز للناس أن يبدلوا أسماء اللَّه تعالى في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه. قال القاضي: وزعم قوم أن كل كلمة تختلف القراءة بها فإنّها على سبعة أوجه، وإلا بطل معنى الحديث. قالوا: ونعرف بعض الوجوه لمجيء [الخبر به] [ (2) ] ، ولا يعرف بعضها إذ لم يأت به خبر. قال: وقال قوم: ظاهر الحديث يوجب تواجد في القرآن كلمة أو كلمتان تقرءان على سبعة أوجه، فإذا حصل ذلك تم معنى الحديث. قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وقد زعم قوم أن معنى هذا الحديث أنه أنزل على سبع لغات مختلفات، وهذا باطل إلا أن يريد الوجوه المختلفة التي تستعمل في القصة الواحدة، والدليل على ذلك أن لغة عمر بن الخطاب، وأبي بن كعب،   [ (1) ] الحج: 11. [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 وهشام بن حكيم وابن مسعود واحدة، وقراءتهم مختلفة، وخرجوا فيها إلى المناكرة. فأما الأحرف التي صوّب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم القراءة بجميعها، وهي التي راجع فيها قراءته، وسهل عليه بعلمه تعالى بما هم عليه من اختلافهم في اللغات، فإنّها سبعة أوجه وسبع قراءات مختلفات بطرائق يقرأ بها على اختلافها في جميع القرآن، ومعظمه حسب ما تقتضيه القراءة. [و] [ (1) ] العبارة في قوله: أنزل القرآن: فإنما أريد به الجميع أو المعظم، فجائز أن يقرأ بهذه الوجوه على اختلافها، ويدل على ذلك قول الناس: حرف أبي، وحرف [ابن] [ (1) ] مسعود، ويقول في الجملة: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف من اللغات والإعراب، وتغيير الأسماء والصور، وأن ذلك متفرق في كتاب اللَّه تعالى ليس موجودا في حرف واحد وسورة واحدة يقطع على اجتماع ذلك فيها. قال ابن عطية: انتهى ما جمعت من كلام القاضي أبي بكر، وإطلاقه البطلان على القول الّذي حكاه فيه نظر، لأن المذهب الصحيح الّذي قرره أجزاء من قوله، ونقول في الجملة: إنما فتح وترتب من جهة الاختلاف ليس بشديد التباين، حتى يجهل بعضهم ما عند بعض في الأكثر، وإنما هو أن قريشا استعملت في عبارتها شيئا، واستعملت هذيل في ذلك المعنى شيئا غيره، وسعد بن بكر غيره، والجميع كلامهم في الجملة ولغتهم. واستدلال القاضي بأن لغة عمرو، وأبي، وهشام، وابن مسعود واحدة، فيه نظر، لأن ما استعملته قريش في عبارتها، ومنه عمر وهشام، وما استعملته الأنصار ومنهم أبي، وما استعملته هذيل ومنهم ابن مسعود قد تختلف، ومن ذلك النحو من الاختلاف هو الاختلاف في كتاب اللَّه تعالى، فليست لغتهم واحدة في كل شيء. وأيضا فلو كانت لغتهم واحدة، بأن نفرضهم جميعا من قبيلة واحدة، لما كان اختلافهم حجة على من قال: إن القرآن أنزل على سبع لغات، لأن مناكرتهم   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 لم تكن لأن المنكر سمع ما ليس فيه لغته فأنكره، وإنما كانت لأنه سمع خلاف ما أقرأه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وعساه قرأ قراءة ما ليس من لغته واستعمال قبيلته. فقال القاضي رحمه اللَّه: إنما أبطل أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قصد في قوله: على سبعة أحرف بعدد اللغات التي تختلف بجملتها، وأن تكون سبعا متباينة لسبع قبائل، تقرأ كل قبيلة القرآن كله بحرفها، ولا تدخل عليها لغة غيرها، بل قصد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، عنده عدّ الوجوه والطرائق المختلفة في كتاب اللَّه، مرة من جهة لغة، ومرة من جهة إعراب، وغير ذلك. ولا مرية أن هذه الوجوه إنما اختلفت لاختلاف في العبارات بين الجملة التي نزل القرآن بلسانها، وذلك يقال فيه اختلاف لغات. وصحيح أن يقصد عليه السلام عدّ الأنحاء والوجوه التي اختلفت في القرآن بسبب اختلاف عبارات اللغات، وصحيح أن يقصد عدّ الجماهير والرءوس من الجملة التي نزل القرآن بلسانها، وهي قبائل مضر، فجعلها سبعة، وهذا القول أكثر توسعة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم لأن الأنحاء تبقى غير محصورة، فعسى أن الملك قد أقرأه بأكثر من سبعة طرائق ووجوه. قال القاضي أبو بكر في كلامه المتقدم: فجائز أن يقرأ بهذه الوجوه على اختلافها. قال ابن عطية: والشرط الّذي يصح به هذا القول: هو أن يروى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال كثير من أهل العلم، كأبي عبيد وغيره: إن معنى الحديث أنه أنزل على سبع لغات لسبع قبائل، أتيت فيها كل لغة منها. وهذا القول المتقرر من كلام القاضي أبي بكر. وقد ذكر بعضهم قبائل من العرب روما منهم أن يعينوا السبع التي يحسن أن تكون مراده عليه السلام، نظروا في ذلك بحسب القطر ومن جاور منشأ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. واختلفوا في التسمية، لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قرشيّ واسترضع في بني سعد، ونشأ فيهم ثم ترعرع، [] [ (1) ] وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا،   [ (1) ] ما بين الحاصرتين كلمتان غير واضحتين في (خ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 وخزاعة وأسدا وضبّة وألفافها لقربهم من مكة، وتكرارهم عليها، ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط الجزيرة. فلما بعثه اللَّه تعالى ويسّر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة، وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف، وهي اختلافات في العبارات حسب ما تقدم. قال ثابت بن قيس: لو قلنا من هذه الأحرف لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لضبة وألفافها، ومنها لقيس، لكان قد أتى على قبائل مضر في سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن، وهذا نحو ما ذكرناه. وهذه الجملة هي التي انتهت إليها الفصاحة، وسلمت لغاتها من الدّخل، ويسّرها اللَّه لذلك، لتظهر آيات نبيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه، وسبب سلامتها: أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز، ونجد، وتهامة، لم تطرقها الأمم، فأما اليمن وهو جنوب الجزيرة، فأفسدت كلام عربه خلطه الحبشة والهنود، على أن أبا عبيد القاسم بن سلام، وأبا العباس المبرد قد ذكرا أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلسانها. قال ابن عطية: وذلك عندي إنما هو فيما استعملته عرب الحجاز من لغة اليمن، كالعرم والفتاح، فأما ما انفرد به كالرجيح، والغلوب ونحوه، فليس في كتاب اللَّه منه شيء، وأما ما [والى] [ (1) ] العراق من جزيرة العرب، وهي بلاد ربيعة وشرقيّ الجزيرة، فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنّبط، ونصارى الحيرة وغير ذلك، وأما الّذي يلي الشام وهو شمال الجزيرة وغيرهم فأفسدها مخالطة الروم، وكثير من بني إسرائيل، وأما غربي الجزيرة، فهو جبال سكن بعضها هذيل وغيرهم، وأكثرها غير معمور، فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات، لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم. ويقوي هذا النوع أنه لما اتسع نطاق الإسلام، وداخلت الأمم العرب وتجرد   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 أهل المصرين: البصرة والكوفة لحفظ لسان العرب وكتب لغتها، لم يأخذوا إلا عن هذه القبائل الوسيطة المذكورة ومن كان معها، وتجنبوا اليمن والعراق والشام، فلم يكتب عنهم حرف واحد، ولذلك تجنبوا حواضر الحجاز: مكة والمدينة والطائف، لأن السبي والتجار من الأمم كثروا فيها وأفسدوا اللغة، وكانت هذه الحواضر في مدة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سليمة لقلة المخالطة. فمعنى قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها، فنزل القرآن فيعبّر عن المعنى فيه بعبارة قريش [مرة] ، ومرة بعبارة هذيل، ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة، ألا ترى أن «فطر» معناها عند غير قريش ابتدأ خلق الشيء وعمله، فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس رضي اللَّه عنه حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قوله تعالى: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ (1) ] ، وقال أيضا: ما كنت أدري معنى قوله: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا [ (2) ] حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك، أي أحاكمك [ (3) ] . وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه وكان لا يفهم معنى قوله تعالى: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [ (4) ] فوقف به فتى فقال: إن أبي يتخوفني حقي، فقال عمر: اللَّه أكبر، أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ، أي على تنقص [ (5) ] لهم. وكذلك اتفق لقطبة بن مالك، إذ سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في الصلاة:   [ (1) ] فاطر: 1. [ (2) ] الأعراف: 89. [ (3) ] وقال الفرّاء: أهل عمان يسمون القاضي: الفاتح. (البحر المحيط) : 5/ 115، تفسير سورة الأعراف: 89. [ (4) ] النحل: 47. [ (5) ] قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك. وقال ابن قتيبة: يقال: خوّفته وتخوّفته، إذا تنقصته وأخذت من ماله وجسمه، وقال الهيثم بن عديّ: هو النقص بلغة أزد شنوءة. وفي حديث لعمر أنه سأل عن التخوف، فأجابه شيخ: بأنه التنقص في لغة هذيل. (المرجع السابق) : 6/ 535، تفسير سورة النحل: 47. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [ (1) ] ، ذكره مسلم [ (2) ] في باب: القراءة في صلاة الفجر. إلى غير ذلك من الأمثلة. خرج مسلم [ (2) ] من حديث أبي عوانة، عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك قال: صليت وصلّى بنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقرأ ق* وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ (3) ] ، حتى قرأ: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [ (1) ] ، قال: فجعلت أرددها ولا أدري ما قال. فأباح اللَّه تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة، وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الّذي فيه الإعجاز وجودة الوصف، ولم تقع الإباحة في قوله عليه السلام: فاقرءوا بما تيسر منه بأن يكون كل أحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات، جعلها من تلقاء نفسه، ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن، وكان معرضا أن يبدّل هذا وهذا، حتى يكون غير الّذي نزل من عند اللَّه، وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم ليوسّع بها على أمّته، فقرأ مرة لأبيّ بما عارضة به جبريل، ومرة لابن مسعود بما عارضة به أيضا. وفي صحيح البخاري عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: قال: أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى بي إلى سبعة أحرف. وعلى هذا تجيء قراءة عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه لسورة الفرقان، وقراءة هشام بن حكيم لها، وإلا فكيف يستقيم أن يقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في كل قراءة منها وقد اختلفتا: هكذا أقرأني جبريل، هل ذلك إلا أنه أقرأه بهذه مرة وبهذه مرة. وعلى هذا يحمل قول أنس بن مالك حين قرأ: إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا [ (4) ] ، فقيل له: إنما تقرأ: وَأَقْوَمُ قِيلًا [ (4) ] ، فقال: أصوب وأقوم واحد، فإنما معنى هذا أنها مروية عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وإلا فلو كان   [ (1) ] ق: 10. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 422، كتاب الصلاة باب (35) القراءة في الصبح، حديث رقم (165- (457)) . [ (3) ] ق: 1- 2. [ (4) ] المزمل: 6. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 هذا لأحد من الناس أن يضعه، لبطل معنى قول اللَّه تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (1) ] ، ثم إن هذه الرواية الكثيرة لما انتشرت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وافترق الصحابة في البلدان، وجاء الخلف، وقراء القرآن كثير من غير العرب، ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة بن اليمان رضي اللَّه عنه. وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة أرمينية، فقرأت كل طائفة بما روى لها، فاختلفوا وتنازعوا حتى قال بعضهم لبعض: أنا كافر بما تقرأ به، فأشفق حذيفة بما رأى منهم. فلما قدم حذيفة المدينة- فيما ذكر البخاري وغيره- دخل إلى عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه قبل أن يدخل بيته فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك، قال: [في ماذا] ؟ قال: في كتاب اللَّه، إني حضرت هذه الغزوة وجمعت ناسا من العراق ومن الحجاز، ومن الشام، فوصف له ما تقدم، وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلفت اليهود والنصارى، قال عثمان: أفعل، فتجرد الأمر واستناب الكفاءة من العلماء الفصحاء في أن يكتبوا القرآن، ويجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأفصح اللغات، وقال لهم: إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش. فمعنى هذا: إذا اختلفتم فيما روي وإلّا فمحال أن يحملهم على اختلافهم من قبلهم، فكتبوا في القرآن من كل اللغات السبع، مرة من هذه، ومرة من هذه، وذلك مقيد بأن الجميع مما روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وقرئ عليه، واستمر الصحابة رضي اللَّه عنهم على هذا المصحف المتخيّر، وترك ما سواه ممّا كان كتب تفسيرا ونحوه، سدا للذريعة، وتغليبا لمصلحة الألفة، وهي المصاحف التي أمر عثمان رضي اللَّه عنه أن تحرق أن تمزق. ألا ترى أن ابن مسعود رضي اللَّه عنه أبى أن يزال مصحفه؟ فترك، ولكن أبى العلماء قراءته سدا للذريعة، ولأنه روي أنه كتب فيه [سورة] [ (2) ] النساء على   [ (1) ] الحجر: 9. [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 جهة التفسير، فظنها قوم من التلاوة، فاختلط الأمر فيه، ولم يسقط مما ترك معنى من معاني القرآن، لأن المعنى جزء من الشريعة، وإنما تركت ألفاظ معانيها موجودة في الّذي أثبت. ثم إن القراء في الأمصار تتبّعوا ما روي لهم من اختلاف لا يخالف خط المصحف المتميز، فقرءوا بذلك حسب اجتهاداتهم، فلذلك ترتب أمر القراء السبعة وغيرهم، ومضت الأعصار والأمصار على قراءة السبعة، وبها يصلي لأنها ثبتت بالإجماع. وأما شاذ القراءات فلا يصلي به، وذلك لأنه لم يجمع الناس عليه، فأما المروي منه عن الصحابة وعن علماء التابعين، فلا نعتقد منهم إلا أنهم رووه، وأما ما يؤثر عن [غيرهم] [ (1) ] فلا يوثق به. وقال أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد القرطبي في تفسيره: قال كثير من علمائنا: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست إلا هي حرف السبعة التي اتسعت القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة، وهو الّذي جمع عليه عثمان رضي اللَّه عنه المصحف. وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القراء، وذلك أن كل واحد منهم اختار مما روي وعلم وجهه من القراءات ما هو الأحسن عنده والأولى، فالتزمه طريقة ورواه، وأقرأ به فاشتهر عنه وعرف به ونسب إليه، فقيل: حرف نافع، وحرف ابن كثير ... ، ولم يمنع واحدا منهم اختيار الآخر ولا أنكره، بل سوّغه، وجوّزه، وكل واحد من هؤلاء السبعة روي عنه اختياران وأكثر، وكل صحيح. وقد أجمع المسلمون في هذه الأعصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورواه من القرآن، وكتبوا ذلك في مصنفات، فاستمر الإجماع على الصواب، وحصل ما وعد اللَّه تعالى به من حفظ الكتاب، وعلى هذه الأئمة المتقدمون والقضاة، والمحققون، كالقاضي أبي بكر بن الطيب، والطبري وغيرهما.   [ (1) ] ما بين الحاصرتين غير واضح في (خ) ولعلّ ما أثبتناه يناسب السياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 [الناسخ والمنسوخ] وأما النسخ فإنه إذا أطلق يراد به شيئان: أحدهما: بمعنى التحويل والنقل، ومنه نسخ الكتاب، وهو أن يحول من كتاب إلى كتاب، فعلى هذا الوجه جميع القرآن منسوخ، لأنه نسخ من اللوح المحفوظ، وأنزل إلى بيت العزة في سماء الدنيا، وهذا لا مدخل له في قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ [نُنْسِها] [ (1) ] الآية، ومنه قوله تعالى: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ (2) ] ، أي نأمر بنسخة وإثباته. والثاني: يكون بمعنى الرفع والإزالة، وهو على ضربين: أحدهما: رفع الشيء وزواله، ومنه قولهم: نسخت الشمس الظل، وانتسخته: أي أزالته وذهبت به وأبطلته، [و] [ (3) ] [نسخت الريح آثار الدار، ومن هذا المعنى قوله تعالى:] [ (3) ] فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ [ (4) ] ، أي يزيله بلا شيء، ولا يثبت في المصحف بدله، وزعم أبو عبيد أن هذا النسخ الثاني كان ينزل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم السورة فترفع ولا تتلى ولا تكتب، فعلى القسم الأول يكون بعض القرآن ناسخا، وبعضه منسوخا، وهو المراد من قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ [نُنْسِها] [ (3) ] نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [ (1) ] . وقد اختلف في القرآن، هل نسخ منه ما ليس في مصحفنا اليوم أو لا؟ فمن قال نسخ منه شيء جعل النسخ على ثلاثة أوجه: أحدها: ما نسخ خطه وحكمه وحفظه، فنسي: يعنى رفع خطه من المصحف وليس حفظه على وجه التلاوة، ولا يقطع بصحته على اللَّه تعالى، ولا يحكم به اليوم أحد، وذلك نحو ما روي أنه كان يقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم. ومنها قوله: لو أن لابن آدم واديا من ذهب [لا بتغى] [ (5) ] إليه ثانيا ولو أن له ثانيا [لا بتغى] [ (5) ] إليه ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم   [ (1) ] البقرة: 106. [ (2) ] الجاثية: 29. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] الحج: 25. [ (5) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 إلا التراب ويتوب اللَّه على من تاب [ (1) ] ، ويقال: إن هذا كان في سورة ص [ (2) ] . ومنها قوله: بلّغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا. وهذا من حديث مالك عن إسحاق عن أنس أنه قال: أنزل اللَّه في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنا ثم نسخ بعد: بلغوا قومنا ... ، وذكره. ومنها قول عائشة رضي اللَّه عنها: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهن مما يقرأ، إلى أشياء في مصحف أبي بن كعب، وعبد اللَّه بن مسعود، وحفصة أم المؤمنين، وغيرهم مما يطول- ذكره. ومن هذا الباب قول من قال: أن سورة الأحزاب كانت نحو سورة البقرة أو الأعراف. روى سفيان وحماد عن عاصم، عن زر بن حبيش قال: قال لي أبي بن كعب كانت تقرأ سورة الأحزاب أو كانت نعدها قلت: ثلاثة وسبعين آية، قال: قط؟ لقد رأيتها وإنها لتعدل البقرة. ولقد كان فيما قرأنا: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من اللَّه واللَّه عزيز حكيم. وقال مسلم بن خالد، عن عمرو بن دينار قال: كانت سورة الأحزاب تقارب سورة البقرة. وروي أبو نعيم من حديث الفضل بن دكين قال: حدثنا سيف (هو ابن أبي سليمان، أو ابن سليمان) عن مجاهد قال: كانت الأحزاب مثل سورة البقرة وأطول، ولقد ذهب يوم مسيلمة قرآنا. حدثنا عبد اللَّه بن الأجلح عن أبيه عن عدي بن عدي بن عميرة بن بردة عن أبيه عن جده عميرة بن بردة، أن عمر ابن الخطاب رضي اللَّه عنه قال لأبيّ بن كعب- وهو إلى جنبه-: أو ليس كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اللَّه: الولد للفراش وللعاهر الحجر فيما فقدنا من كتاب اللَّه؟ فقال أبي: بلى [ (3) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 146، كتاب الزكاة، باب (39) لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا، حديث رقم (119- (1050)) . وفيه ذم الحرص على الدنيا وجب المكاثرة بها، والرغبة فيها، ومعنى لا يملأ جوفه إلا التراب: أنه لا يزال حريصا على الدنيا حتى يموت، ويمتلئ جوفه من تراب قبره. (المرجع السابق) . [ (2) ] ص: 1. [ (3) ] هذه الفقرة مختصرة من (خ) لعدم وضوح بعض الكلمات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 الوجه الثاني: أن ينسخ خطه [ويبقى] [ (1) ] حكمه، وذلك نحو قول عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: لولا أن يقول قوم: زاد عمر في كتاب اللَّه لكتبتها بيدي، الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما بما قضيا من اللذة نكالا من اللَّه واللَّه عزيز حكيم [ (2) ] ، لقد قرأناها على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فهذا مما نسخ ورفع خطه من المصحف، وحكمه باق في الثيب من الزنا إلى يوم القيامة إن شاء اللَّه تعالى عند أهل السنة. ومن هذا ما رواه مالك في الموطأ، عن زيد بن أسلم، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس مولى عائشة، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: أمرتني عائشة رضي اللَّه عنها أن أكتب لها مصحفا، وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذنّي: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [وصلاة العصر] وقوموا للَّه قانتين [ (3) ] ثم قالت: سمعتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقد تأول قوم في قول عمر رضي اللَّه عنه: قرأنا على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أي تلوناها، والحكمة تتلى، بدليل قول اللَّه تعالى: وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [ (4) ] ، وبين أهل العلم في هذا تنازع يطول ذكره.   [ (1) ] زيادة للسياق من صحيح مسلم. [ (2) ] (روائع البيان بتفسير آيات الأحكام) : 2/ 25، وقال فيه: إن اللَّه بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، يعني بها قوله تعالى: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من اللَّه واللَّه عزيز حكيم، فقرأناها ووعينا، ورجم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ورجمنا بعده، وأخشى أن يطول بالناس زمان فيقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب اللَّه تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه عزّ وجلّ في كتابه، ألا وإن الرجم حق على من زنى إذا أحصن، من الرجال أو النساء وقامت البينة، أو كان حمل أو اعتراف واللَّه لولا أن يقول الناس: زاد في كتاب اللَّه لكتبتها، (تفسير التحرير والتنوير) : 18/ 194. [ (3) ] (شرح الزرقاني على الموطأ) : 1/ 402، كتاب الصلاة، باب (83) الصلاة الوسطى، حديث رقم (311) : حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا ثم قالت إذا بلغت هذه الآية فآذنّي: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ، فلما بلغتها آذنتها فأملت عليّ: حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى وصلاة العصر وقوموا للَّه قانتين. قالت عائشة: سمعتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وحديث رقم (312) : وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع أنه قال: كنت أكتب مصحفا لحفصة أم المؤمنين فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ. والآية من سورة البقرة: 238. [ (4) ] الأحزاب: 34. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 والوجه الثالث: أن ينسخ حكمه ويبقى خطه يتلى في المصحف، وهذا كثير نحو قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ [ (1) ] الآية، نسختها: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [ (2) ] الآية، وهذا من الناسخ والمنسوخ [المجمع] عليه، ومن هذا الباب: آية الوصية للأقارب، وآية التخفيف في القتال، وهو نسخ الثبات لعشرة بالثبات لاثنين، وهو نسخ الأثقل إلى الأخف، وعكسه: نسخ الأخف إلى الأثقل، كنسخ صوم يوم عاشوراء بصوم رمضان، وقد ينسخ الشيء لا إلى بدل، كصدقة النجوى [ (3) ] ، والصلاة إلى بيت المقدس لم تكن في القرآن، وإنما كانت في السنة. ومنه أيضا: آية الممتحنة، وهي قوله تعالى: فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ [ (4) ] ، فإن رجوعهن إنما كان بصلح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لقريش، وقد أبت طائفة أن يكون شيء من القرآن إلا ما بين الوحي مصحف عثمان رضي اللَّه عنه، واحتجوا بقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (5) ] ، وأجمع العلماء أن ما في مصحف عثمان بن عفان، وهو الّذي بأيدي المسلمين اليوم في أقطار الأرض حيث كانوا، هو القرآن المحفوظ الّذي لا يجوز لأحد أن يتجاوزه، ولا تحل الصلاة لمسلم إلا بما فيه. قالوا: قوله في حديث عائشة: والصلاة الوسطى وصلاة العصر، ليس في شيء من معنى الناسخ والمنسوخ [ (6) ] ، وإنما هو من معنى السبعة الأحرف التي أنزل اللَّه القرآن عليها، نحو قراءة عمر، وابن مسعود: فامضوا إلى ذكر اللَّه، وقراءة ابن مسعود: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، وقراءة أبي وابن عباس: وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين [ (7) ] ، وقراءة ابن مسعود وابن عباس:   [ (1) ] البقرة: 240. [ (2) ] البقرة: 234. [ (3) ] المجادلة: 8، 10، 12. [ (4) ] الممتحنة: 10. [ (5) ] الحجر: 9. [ (6) ] قوله: «سمعتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم» : قال الباجي: يحتمل أنها سمعتها على أنها قرآن ثم نسخت كما في حديث البراء، فلعل عائشة لم تعلم بنسخها، أو اعتقدت أنها مما نسخ حكمه وبقي رسمه، ويحتمل أنه ذكرها صلّى اللَّه عليه وسلم على أنها من غير القرآن لتأكيد فضيلتها، فظنتها قرآنا فأرادت إثباتها في المصحف لذلك، أو أنها اعتقدت جواز إثبات غير القرآن معه، على ما روي عن أبي وغيره من الصحابة، أنهم جوزوا إثبات القنوت وبعض التفسير في المصحف وإن لم يعتقدوه قرآنا. (الزرقاني على الموطأ) : 2/ 403. [ (7) ] وهي في قراءة حفص: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ [الكهف: 80] . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 فلما خرّ تبينت الإنس أن لو كانت الجن يعلمون الغيب [ (1) ] ، ونحو ذلك من القراءات المضافة إلى الأحرف السبعة. قالوا: فكل ما روي من القراءات في الآثار عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أو عن أحد من الصحابة مما يخالف مصحف عثمان لا يقطع بشيء من ذلك على اللَّه، ولكن ذلك في الأحكام يجري في العمل مجرى خبر الواحد، وإنما حلّ مصحف عثمان هذا المحل لإجماع الصحابة وسائر الأمة عليه، ولم يجمعوا على ما سواه، وبيان ذلك أن من أنكر شيئا مما في مصحف عثمان كفر، ومن أنكر أن يكون التسليم من الصلاة، أو قراءة أم القرآن، أو تكبيرة الإحرام فرضا لم يكفر [] [ (2) ] ، فإن بان له في الحجة وإلا عذر إذا قام له دليله، وإن لم يقم له على ما [ادعى] [ (3) ] ، دليل محتمل هجر ويدع، وكذلك ما جاء من الآيات المضافات إلى القرآن في الآثار. فقف على هذا الأصل فإنه أصل عظيم في معناه، واللَّه الموفق لا رب سواه. وصلى اللَّه على سيدنا محمد وسلم.   [ (1) ] وهي في قراءة حفص: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ [سبأ: 14] . [ (2) ] ما بين الحاصرتين كلمة مطموسة في (خ) . [ (3) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 [القراءات التي يقرأ بها القرآن] وأما القراءات التي يقرأ بها القرآن، فإن الّذي استقر عليه العمل، أنها ثلاثة أقسام: متواترة، ومشهورة، وشاذة، فالقراءات المتواترة: هي القراءات السبع وما يفرع منها، وهي التي نقلت عن الأئمة القراء السبعة. والقراءات المشهورة: هي قراءة يعقوب ويزيد القاري وابن محيصن. والقراءات الشاذة: ما نقلت بطريق الآحاد، وفيها للناس مقالات سنورد منها ما تيسر إن شاء اللَّه تعالى، وقد عني جماعة من الصحابة رضي اللَّه عنهم بجمع القرآن وحفظه كله، حتى عرفوا به، فجمع القرآن منهم مع كثرتهم اثنا عشر رجلا، وهم: أمير المؤمنين أبو عمرو، وأبو عبد اللَّه عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، جمع القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقرأ عليه المغيرة بن أبي شهاب المخزومي، ويقال: قرأ عليه ابن عامر، وليس بشيء، إنما قرأ علي المغيرة عنه. وأمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، رضي اللَّه عنه، جمع القرآن بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال الشعبي: لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء الأربعة إلا عثمان. وقال أبو بكر بن عياش عن عاصم قال: ما أقرأني أحد حرفا إلا أبو عبد الرحمن السلمي، وكان قد قرأ على عليّ رضي اللَّه عنه، فكنت أرجع من عنده، فأعرض على زرّ وكان زرّ قد قرأ على عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه، وهذا يرد على الشعبي قوله، إلا أن يريد: لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء الأربعة إلا عثمان، أي في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فإنه صحيح. وقال علي بن رباح: جمع القرآن في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة: علي، وعثمان، وأبي بن كعب، وعبد اللَّه بن مسعود. وقال حماد بن زيد: أخبرنا أيوب عن [ابن] سيرين قال: مات أبو بكر رضي اللَّه عنه ولم يختم القرآن. وقال ابن علية، عن منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي: قبض أبو بكر وعمر وعلي، رضي اللَّه عنهم ولم يجمعوا القرآن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 وقال يحيى بن آدم: قلت لأبي بكر بن عياش: إن عليا لم يقرأ القرآن؟ قال: أبطل من قال هذا. وروي عن عاصم بن أبي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: ما رأيت أحدا كان أقرأ من علي رضي اللَّه عنه، وقال ابن سرين: يزعمون أن عليا كتب القرآن على تنزيله، فلو أصيب ذلك الكتاب لكان فيه علم كثير. وأبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن أبي النجار أبو المنذر الأنصاري رضي اللَّه عنه أقرأ الأمة، عرض على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم القرآن، وأخذ عنه القراءة عبد اللَّه بن عباس، وأبو هريرة، وعبد اللَّه بن السائب، وعبد اللَّه بن عياش بن أبي ربيعة، وأبو عبد الرحمن السلميّ. وعبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه جمع القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأقرأه، وكان يقول: حفظت من في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبعين سورة، قرأ عليه علقمة، ومسروق، والأسود، وزرّ بن حبيش، وأبو عبد الرحمن السّلمي. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأ قراءة ابن أم عبد، قال: استقرءوا القرآن من أربعة: عبد اللَّه بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب. وقال عبد اللَّه بن مسعود: ولقد [كان] أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أقرأهم لكتاب اللَّه، وقال ابن الأنباري: الشائع الذائع المتعالم عند أهل الرواية والنقل: أن عبد اللَّه بن مسعود تعلم بقية القرآن بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال بعض الأئمة: مات قبل أن يختم القرآن كله. قال يحيى بن آدم عن أبي بكر، عن أبي إسحاق قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: قرأت من في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثنتين وسبعين سورة، أو ثلاثا وسبعين سورة، وقرأت عليه من البقرة إلى: يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [ (1) ] . قال أبو إسحاق: وتعلم عبد اللَّه بقية القرآن من مجمع بن جارية الأنصاري، وقال زكريا عن أبي إسحاق عن معديكرب قال: أتيت عبد اللَّه ليعلمني: طسم [ (2) ] المبين، فقال: لست أقرأها، وأمرني أن آتي [] [ (3) ] .   [ (1) ] البقرة: 222. [ (2) ] أول سورة القصص. [ (3) ] بياض في (خ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 وقال زهير عن أبي إسحاق قال: سألت الأسود ما كان عبد اللَّه يصنع في سورة الأعراف فقال: ما كان يعلمها حتى قدم الكوفة. وقال أبو عثمان سعيد بن عيسى صاحب الجيش: سمعت يزيد بن هارون يقول: المعوذتان بمنزلة البقرة وآل عمران، من زعم أنهما ليستا من القرآن فهو كافر باللَّه العظيم، فقيل له: يقول عبد اللَّه بن مسعود فيهما، فقال: لا خلاف بين المسلمين في أن عبد اللَّه بن مسعود مات وهو لا يحفظ القرآن كله. وزيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري، جمع القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وجمعه في مصحف لأبي بكر رضي اللَّه عنه، ثم تولى كتابة مصحف عثمان رضي اللَّه عنه، الّذي بعث به عثمان نسخا إلى الأمصار، وقرأ عليه أبو هريرة، وعبد اللَّه بن عباس في قول. وقال سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: افتخر الحيان- الأوس والخزرج- فقالت الأوس: منا عسيل الملائكة حنظلة بن الراهب، ومنا من حمت له الدبر، ومنا من اهتز لموته عرش الرحمن- سعد بن معاذ-، ومنّا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين- خزيمة بن ثابت، فقال الخزرج: منا الأربعة الذين جمعوا القرآن- لم يجمعه غيرهم- زيد، وأبو زيد، ومعاذ، وأبي، رضي اللَّه عنهم. وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر- يعني الواقدي- حدثني الضحاك ابن عثمان عن الزهري قال: قال ثعلبة بن أبي مالك: سمعت عثمان رضي اللَّه عنه يقول: من يعذرني من ابن مسعود؟ أغضب إذ لم أوّله نسخ القرآن، فهلا غضب علي أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما وهما عزلاه عن ذلك ووليا زيدا فاتبعت أمرهما؟ وقال الشعبي: غلب زيد الناس على القرآن والفرائض. وقال داود بن أبي هند عن الشعبي: لم يجمع القرآن في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غير ستة، كلهم من الأنصار: زيد بن ثابت، وأبو زيد الأنصاري، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، ونسي السادس، فرواه إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، فسمى السادس، سعد بن عبيد، وزاد آخر، وهو مجمع بن جارية، فقال: قرأ أيضا القرآن إلا سورة أو سورتين أو ثلاثا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 وقال أبو عمر البزار حفص بن سليمان بن المغيرة، عن عاصم بن أبي النجود، وعطاء بن السائب، ومحمد بن أيوب الثقفي، وابن أبي ليلى، عن عبد الرحمن السلمي أنه قال: كانت قراءة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، والمهاجرين، والأنصار رضي اللَّه عنهم جميعا واحدة. وأبو موسى الأشعري رضي اللَّه عنه حفظ القرآن والعلم، قرأ عليه أبو رجاء العطاردي، وحطان الرقاش. قال مسلم بن إبراهيم: حدثنا قرة عن أبي رجاء قال: كان أبو موسى يطوف علينا في هذا المسجد- مسجد البصرة- فيقعدنا خلفا فيقرئنا القرآن، فكأني انظر إليه بين ثوبين له أبيضين، وعنه أخذت هذه السورة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (1) ] ، وكانت أول سورة أنزلها اللَّه عزّ وجلّ على محمد صلّى اللَّه عليه وسلم. وأبو الدرداء رضي اللَّه عنه قرأ القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يقال أن عبد اللَّه بن عامر قرأ عليه. قال سويد بن عبد العزيز: كان أبو الدرداء إذا صلّى الغداة في جامع دمشق، اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريفا، ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفهم، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء فيسأله عن ذلك، وكان ابن عامر عريفا على عشرة، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر. وعن مسلم بن مشكم قال: قال لي أبو الدرداء: أعدد من يقرأ عندي القرآن، فعددتهم ألفا وستمائة ونيفا، وكان لكل عشرة منهم مقرئ، وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائما، وإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء، فهؤلاء الذين روى الحفاظ أنهم حفظوا القرآن في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأخذ عنهم القرآن عرضا، وعليهم دارت أسانيد قراءة الأئمة العشرة. وقد جمع القرآن من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غير من سمينا، وهم: معاذ بن جبل، وأبو زيد، وسالم مولى أبي حذيفة، وعبد اللَّه بن عمر، وعقبة بن عامر، ولكن لم يتصل بنا قراءتهم. وقال ابن الكلبي: وقيس بن سكن بن قيس بن زيد بن حزام، [يكنى] أبا زيد، وقتل يوم [جسر أبي عبيد] [ (2) ] ، وهو أحد القراء الذين جمعوا القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ (1) ] أول سورة العلق. [ (2) ] ما بين الحاصرتين غير واضح في (خ) ، وأثبتناه من (الإصابة) : 5/ 471 ترجمة قيس بن السكن رقم (7186) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 وبعد هؤلاء طبقة ثانية عرضوا القرآن على بعض المذكورين، وهم: أبو هريرة، وعبد اللَّه بن عباس، وقرأ على أبي بن كعب، وقرأ عليه مجاهد، وسعيد ابن جبير، والأعرج، وعكرمة بن خالد، وسليمان بن منية شيخ عاصم الجحدري، وأبو جعفر وغيرهم. قال ابن عباس: جمعت المفصل على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وعبد اللَّه بن السائب بن أبي السائب، صيفي بن عائذ بن عمر بن مخزوم المخزومي، قارئ أهل مكة، له صحبة، قرأ على أبي بن كعب، وعرض عليه القرآن مجاهد، وعبد اللَّه بن كثير فيما قيل، والمغيرة بن شهاب المخزومي قرأ على أمير المؤمنين عثمان رضي اللَّه عنه، وقرأ عليه عبد اللَّه بن عامر، وكان يقرئ أهل الشام في أيام معاوية، ولا يكاد يعرف إلا من قراءة ابن عامر عليه. وحطان بن عبد العزيز بن المغيرة بن ربيعة بن عمر بن مخزوم الرقاشيّ- ويقال السدوس البصري- قرأ على أبي موسى الأشعري، وقرأ عليه الحسن البصري وعلقمة ابن قيس بن عبد اللَّه النّخعيّ، أبو شبل، قرأ على ابن مسعود، قرأ عليه يحيى ابن وثاب، وعبيد بن نضلة، وأبو إسحاق، وطائفة. وأبو عبد الرحمن السلمي واسمه: عبد اللَّه بن حبيب، عرض على عثمان، وعليّ وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب. وأخد القراءة عنه عرضا: عاصم بن أبي النجود، ويحيى بن وثاب، وعطاء ابن السائب، وعبد اللَّه بن عيس بن أبي ليلى، ومحمد بن أيوب أبو عون الثقفي، وعامر الشعبي، وإسماعيل بن أبي خالد، وعرض عليه الحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهم، وأقرأ الناس بالمسجد الأعظم بالكوفة أربعين سنة. وعبد اللَّه بن عياش بن ربيعة المخزومي أبو الحرث، قرأ على أبي بن كعب، وقرأ عليه مولاه أبو جعفر يزيد بن القعقاع، ويزيد بن رومان، وشيبة بن نصاح، ومسلم بن جندب وغيرهم، وكان أقرأ أهل المدينة في زمانه. وأبو رجاء العطاردي، واسمه: عمران بن تيم البصري، أخذ القراءة عرضا عن عبد اللَّه بن عباس، وتلقن القرآن من أبي موسى الأشعري، وقرأ عليه أبو الأشهب العطاردي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 وأبو الأسود الدؤلي، واسمه: ظالم بن عمر، وقرأ على عليّ بن أبي طالب، وأبو العالية رفيع بن مهران الرباحيّ، قرأ على أبيّ بن كعب، أخذ القراءة عليه عرضا، وعرض على زيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن عباس، ويقال قرأه على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي اللَّه عنهم أجمعين. قرأ عليه شعيب بن الحبحاب، والربيع بن أنس، وسليمان بن مهران الأعمش، ويقال: قرأ عليه أبو عمر، فهؤلاء الذين دارت عليهم أسانيد القراءات العشرة، ممن أدرك حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ثم بعد هؤلاء طبقة ثالثة من التابعين، ثم بعدهم [تابعو] التابعين، ثم من بعدهم قرنا بعد قرن، وكانت المدن التي سكنها هؤلاء القراء الذين أخذ عنهم القراءات: المدينة النبويّة، ومكة، والبصرة، ودمشق، والشام، والكوفة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 [التابعون بالمدينة المنوّرة من القراء] فأما التابعون بالمدينة الذين كثرت عنايتهم بقراءة القرآن والعلم بقراءاته: فسعيد ابن المسيب [ (1) ] ، وأبان بن عثمان [ (2) ] ، وعروة بن الزبير [ (3) ] ، وسالم بن عبد اللَّه بن عمر [ (4) ] ، وسليمان بن يسار [ (5) ] ، ومحمد بن كعب القرظي [ (6) ] .   [ (1) ] هو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ، سيد التابعين، ولد لسنتين مضتا- وقيل لأربع- من خلافة عمر، ليس في التابعين أنبل منه، وهو أثبتهم في أبي هريرة. مات سنة أربع وتسعين وقيل: ثلاث وتسعين. له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 4/ 74، ترجمة رقم (145) ، (طبقات الحفاظ) : 25، ترجمة رقم (37) ، (تذكرة الحفاظ) : 1/ 54، (طبقات ابن سعد) : 5/ 88. [ (2) ] هو أبان بن عثمان بن عفان، الإمام الفقيه، الأمير، أبو سعد بن أمير المؤمنين أبي عمرو الأموي، المدنيّ. سمع أباه، وزيد بن ثابت، حدّث عنه الزهريّ، وأبو الزناد، وجماعة وله أحاديث قليلة، ووفادة على عبد الملك. قال ابن سعد: ثقة، له أحاديث عن أبيه، توفي سنة خمس ومائة. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 5/ 151، (تاريخ البخاري) : 1/ 450، (المعارف) : 201، (الجرح والتعديل) : القسم الأول من المجلد الأول 295، (تهذيب الأسماء واللغات) : القسم الأول من الجزء الأول 97، (شذرات الذهب) ، 1/ 131، (سير أعلام النبلاء) ، 4/ 351، ترجمة رقم (133) . [ (3) ] هو عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبو عبد اللَّه المدني، فقيه عالم، كثير الحديث، صالح، لم يدخل في شيء من الفتن. قال هشام: ما تعلمنا جزءا من ألف جزء من أحاديثه، وهو أحد الفقهاء السبعة. وقال الزهريّ: أربعة من قريش وجدتهم بحورا: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة ابن عبد الرحمن، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه. وقال ابن عيينة: إن أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة، القاسم ابن محمد، وعروة، وعمرة بنت عبد الرحمن، ولد سنة ثلاث أو تسع وعشرين، ومات سنة إحدى وتسعين أو بعدها، على خلاف بين أهل التاريخ. له ترجمة في: (طبقات الحفاظ) : 29 ترجمة رقم (49) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 132، (شذرات الذهب) : 1/ 103، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 421. [ (4) ] هو سالم بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب أبو عمر، أو أبو عبد اللَّه، أو أبو عبيد اللَّه المدني الفقيه، أشبه ولد أبيه به، أحد الفقهاء السبعة، من أفضل زمانه، مات في ذي القعدة أو الحجة سنة ستة ومائة أو سبع أو ثمان. له ترجمة في: (طبقات الحفاظ) : 40 ترجمة رقم (75) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 207، (حلية الأولياء) : 2/ 193، (شذرات الذهب) : 1/ 133، (طبقات ابن سعد) : 5/ 144، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 457. [ (5) ] هو سليمان بن يسار أبو أيوب، أو أبو عبد الرحمن، أو أبو عبد اللَّه، من فقهاء المدينة وعلمائهم وصلحائهم، كثير الحديث، مات سنة سبع ومائة. له ترجمة في (طبقات الحفاظ) : 1/ 91، (طبقات ابن سعد) 5/ 130، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 444. [ (6) ] هو محمد بن كعب القرظيّ، وقال ابن سعد: محمد بن كعب بن حيّان بن سليم، الإمام العلامة الصادق أبو حمزة، وقيل: أبو عبد القرظيّ المدنيّ، من حلفاء الأوس، وكان أبوه كعب من سبي بني قريظة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 ودونهم في الرتبة: أبو جعفر يزيد بن القعقاع [ (1) ] ، وشيبة بن نصاح [ (2) ] ، وعمر بن عبد العزيز [ (3) ] ، ومعاذ بن الحرث القاري [ (4) ] ، وعبد اللَّه بن عياش [ (5) ] ،   [ () ] سكن الكوفة، ثم المدينة، كان من أوعية العلم، ثقة، مدني تابعي، رجل صالح، عالم بالقرآن. له ترجمة في: (طبقات خليفة) : 264، (التاريخ الكبير) : 1/ 216، (الجرح والتعديل) : 8/ 67، (حلية الأولياء) : 3/ 212، (شذرات الذهب) : 1/ 136. [ (1) ] هو أبو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ، مولى عبد اللَّه بن عياش، ويعرف أبو جعفر المذكور بالمدني، أخذ القراءة عرضا عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنه. قال سليمان بن مسلم: أخبرني أبو جعفر يزيد بن القعقاع أنه كان يقرئ الناس في مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل الحرة، وكانت الحرة على رأس ثلاث وستين سنة من مقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المدينة، وقال نافع بن أبي نعيم: لما غسّل أبو جعفر يزيد ابن القعقاع القارئ بعد وفاته، نظروا ما بين نحره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف، فما شك أحد ممن حضره أنه نور القرآن. مات سنة ثمان وعشرون ومائة، له ترجمة في: (المعارف) : 528، (ميزان الاعتدال) : 4/ 511، (تاريخ خليفة) : 614، (شذرات الذهب) : 1/ 176، (وفيات الأعيان) : 6/ 274- 276. [ (2) ] هو شيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب المخزومي المدني القارئ، مولى أم سلمة، أتي به إليها وهو صغير فمسحت رأسه وكان ختن يزيد بن القعقاع، قال الدراوَرْديّ: كان قاضيا بالمدينة، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الواقدي: كان ثقة قليل الحديث: مات زمن مروان ابن محمد سنة ثلاثين ومائة. له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 4/ 330، ترجمة رقم (644) ، (الثقات لابن حبان) : 4/ 368. [ (3) ] هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب، الإمام الحافظ العلامة المجتهد الزاهد العابد، السيد أمير المؤمنين حقا، أبو حفص القرشيّ الأموي، المدني، ثم المصري، مات سنة إحدى ومائة له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 5/ 114- 148 ، ترجمة رقم (48) ، (سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم) ، (سيرة عمر بن عبد العزيز للآجري) ، (تاريخ الخلفاء) : 228، (شذرات الذهب) : 1/ 119. [ (4) ] هو معاذ بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاريّ النجاريّ، أخو عوف، ورافع، ورفاعة، وأمهم عفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك النجار. كان شهد بدرا، وشهد العقبتين جميعا، وآخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينه وبين معمر بن الحارث الجمحيّ، أحد البدريين، ومات معاذ بعد مقتل عثمان، وله عقب. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 2/ 491، (طبقات خليفة) : 90، (تاريخ خليفة) : 202، (شذرات الذهب) : 1/ 71، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 358، ترجمة رقم (72) . [ (5) ] هو عبد اللَّه بن عياش بن عباس، الإمام العالم الصدوق، أبو حفص القتباني المصريّ، حدّث عن عبد الرحمن بن هرمز عن الأعرج، وأبي عشّاشة المعافري، ويزيد بن أبي حبيب، ووالده، وجماعة. وعنه ابن وهب، وزيد بن الحباب، وأبو عبد الرحمن المقرئ وآخرون، احتج به مسلم والنسائي، توفي سنة سبعين ومائة. له ترجمة في: (التاريخ الكبير) : 5/ 151، (المعارف) : 539، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 ومسلم بن جندب [ (1) ] ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج [ (2) ] ، ومحمد بن شهاب الزهري [ (3) ] ، وزيد بن أسلم [ (4) ] ، وأبو الزناد [ (5) ] .   [ () ] (الجرح والتعديل) : 5/ 126، (خلاصة تذهيب الكمال) : 209، (تهذيب التهذيب) : 5/ 307، ترجمة رقم (603) . [ (1) ] هو مسلم بن جندب الهذلي أبو عبد اللَّه القاضي. ذكره ابن حبان في الثقات وقال: مات سنة ست ومائة. وقال ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة: مات في خلافة هشام، وكان يقضي بغير رزق. وقال العجليّ: تابعيّ ثقة، وقال ابن مجاهد: كان من فصحاء الناس، وكان معلم عمر بن عبد العزيز، وكان عمر يثني عليه وعلى فصاحته بالقرآن، له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 10/ 112، ترجمة رقم (224) ، (ثقات ابن حبان) : 5/ 393. [ (2) ] هو الأعرج عبد الرحمن بن هرمز أبو داود المدني، كثير الحديث، وقال ابن المديني: أعلى أصحاب أبي هريرة سعيد بن المسيب، وبعده أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو صالح السمان، وابن سيرين، قيل: فالأعرج، قال: ثقة، وهو دون هؤلاء، مات سنة سبع عشرة ومائة. له ترجمة في: (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 45، ترجمة رقم (87) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 305، (شذرات الذهب) : 1/ 153، (سير أعلام النبلاء) : 5/ 69 ترجمة رقم (25) ، (مرآة الجنان) : 1/ 350. [ (3) ] هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن شهاب الزهري المدني، أحد الأعلام. قال ابن منجويه: رأى عشرة من الصحابة، وكان من أحفظ أهل زمانه، وأحسنهم سياقا لمتون الأخبار، فقيها فاضلا. وقال الليث: ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب ولا أكثر علما منه. مات سنة أربع وعشرين ومائة. له ترجمة في: (شذرات الذهب) : 2/ 122، (سير أعلام النبلاء) : 5/ 326. [ (4) ] هو الإمام الحجة القدوة أبو عبد اللَّه، العدوي، العمري، المدني، الفقيه. حدث عن والده أسلم مولى عمر، وعن عبد اللَّه بن عمر، وجابر بن عبد اللَّه، وسلمة بن الأكوع، وأنس بن مالك، وعن عطاء بن يسار، وعلي بن الحسين، وابن المسيب، وخلق، حدث عنه مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وخلق كثير. وكان له حلقة للعلم في مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وهو من العلماء العاملين. وفاته في ذي الحجة من سنة ست وثلاثين ومائة، ظهر لزيد من المسند أكثر من مائتي حديث. له ترجمة في: (طبقات خليفة) : 263، (التاريخ الكبير) : 3/ 287، (التاريخ الصغير) : 2/ 32، (الجرح والتعديل) : 3/ 554، (حلية الأولياء) : 3/ 221، (شذرات الذهب) : 1/ 194، (سير أعلام النبلاء) : 5/ 316- 317 ترجمة رقم (153) . [ (5) ] هو عبد اللَّه بن ذكوان، الإمام الفقيه، الحافظ المفتي، أبو عبد الرحمن القرشي المدني، ويلقب بأبي الزناد، مولده في نحو سنة خمس وستين في حياة ابن عباس، وثقه أحمد وابن معين، وقال الذهبي: انعقد الإجماع على أن أبا الزناد ثقة رضي. مات لسبع عشر خلت من رمضان، وهو ابن ست وستين سنة، في سنة ثلاثين ومائة. له ترجمة في: (طبقات خليفة) : 259، (التاريخ الكبير) : 5/ 83، (التاريخ الصغير) : 2/ 72، (الجرح والتعديل) : 5/ 49، (ميزان الاعتدال) : 2/ 418، (شذرات الذهب) : 1/ 182، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 445، ترجمة رقم (199) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 وأخذ هؤلاء عن نافع أبو عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي مولاهم، مولى جعونة ابن شعوب الليثي، أبو رويم، على الأشهر، إمام أهل المدينة في القراءات، وأحد الأئمة قراء السبعة، قرأ على سبعين من تابعي أهل المدينة، فيهم من سمينا، وأقرأ الناس [سنة عشرين ومائة] [ (1) ] فقرأ عليه الإمام مالك بن أنس وقال: قراءة نافع سنّة، وقرأ عليه إسماعيل بن جعفر، وعيسى بن وردان الحذاء، وقالون، وورش [وإسحاق بن محمد المسيبي] وقال: تركت من قراءة أبي جعفر سبعين حرفا، وفي رواية: قرأت على هؤلاء فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته، وما شذ فيه واحد تركته، حتى ألفت هذه القراءة. وتوفي سنة تسع وستين ومائة على الأشهر [قبل مالك بعشر سنين] [ (1) ] ، وعلى قراءته تعول أهل المدينة [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان من كتب التراجم. [ (2) ] له ترجمة في: (التاريخ الكبير) : 8/ 87، (ميزان الاعتدال) : 4/ 242، (شذرات الذهب) : 1/ 270، (سراج القارئ) : 9. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 [التابعون بمكة المشرّفة من القراء] أما التابعون بمكة الذين اعتنوا بعلم القراءات حتى فاقوا أقرانهم، فعطاء بن أبي رباح [ (1) ] ، ومجاهد بن جبير [ (2) ] ، وسعيد بن جبير [ (3) ] ، وعكرمة [ (4) ] ، ...   [ (1) ] هو عطاء بن أبي رباح، مفتي الحرم، أبو محمد القرشي، مولاهم المكيّ، نشأ بمكة، ولد في خلافة عثمان، حدّث عن عائشة، وأم سلمة، وأم هاني، وأبي هريرة، وابن عباس، وطائفة، كان من أوعية العلم، حدّث عنه الزهري، وقتادة، والأعمش، وأمم سواهم، مات عطاء سنة أربع عشرة ومائة أو خمس وعشرة. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 5/ 467، (طبقات خليفة) : 280، (تاريخ البخاري) : 6/ 463، (التاريخ الصغير) : 1/ 277، (الجرح والتعديل) : 6/ 330، (وفيات الأعيان) : 3/ 261، (ميزان الاعتدال) : 3/ 70، (شذرات الذهب) : 1/ 147، (سير أعلام النبلاء) : 5/ 78. [ (2) ] هو مجاهد بن جبير، الإمام، شيخ القراء والمفسرين، أبو الحجاج المكيّ، الأسود، مولى السائب بن أبي السائب المخزومي، ويقال: مولى عبد اللَّه بن السائب القارئ. روي عن ابن عباس، فأكثر وأطاب، وعنه أخذ القرآن، والتفسير، والفقه، وعن أبي هريرة، وعائشة، وسعد بن أبي وقاص، وعبد اللَّه بن عمرو، وابن عمر، وعدة. قال يحيى بن معين وطائفة: مجاهد ثقة. مات وهو ساجد سنة ثنتين ومائة، وقيل غير ذلك. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 5/ 466، (طبقات خليفة) : ت 2535، (تاريخ البخاري) : 7/ 411، (المعارف) : 444، (حلية الأولياء) : 3/ 279، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 83، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 42 ت (81) ، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 449، ترجمة رقم (175) . [ (3) ] هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي أبو محمد أو أبو عبد اللَّه الكوفي، كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول: أليس فيكم ابن أم الدهماء؟ يعنيه، وقال عمرو بن ميمون عن أبيه: لقد مات سعيد بن جبير وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه. قتله الحجاج- لعنه اللَّه- في شعبان سنة اثنتين وتسعين، وهو ابن تسع وأربعين سنة. له ترجمة في (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 38 ترجمة رقم (71) ، (حلية الأولياء) : 4/ 272، (شذرات الذهب) : 1/ 108، (طبقات ابن سعد) : 6/ 178، (المعارف) : 445، (وفيات الأعيان) : 1/ 204، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 321. [ (4) ] هو العلامة، الحافظ، المفسر، أبو عبد اللَّه، القرشيّ، مولاهم، المدني، البربري الأصل، مكيّ، تابعيّ، ثقة، كان من أهل العلم، قال البخاري: ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكرمة، مات عكرمة بالمدينة سنة أربعة ومائة، وقيل: غير ذلك. له ترجمة مطولة في: (سير أعلام النبلاء) : 5/ 12- 36 ، ترجمة رقم (9) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 287، (طبقات خليفة) : 280، (التاريخ الصغير) : 1/ 257، 258، (حلية الأولياء) : 3/ 326، 346، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 340، (وفيات الأعيان) : 3/ 265، (ميزان الاعتدال) : 3/ 93، (شذرات الذهب) : 1/ 130، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 43، ترجمة رقم (85) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 وعبيد بن عمير [ (1) ] ، وعبد الرحمن بن [أبزي] [ (2) ] ، وعبد اللَّه بن أبي مليكة [ (3) ] . وأخذ عن هؤلاء القراءات بمكة: عبد اللَّه بن كثير [ (4) ] ، وحميد بن قيس [ (5) ]   [ (1) ] هو عبيد بن عمير بن قتادة الليثي الجندعي المكيّ، الواعظ المفسّر، قاضي أهل مكة، ولد في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وحدّث عن أبيه، وعن عمر بن الخطاب، وعلي، وأبي ذرّ، وعائشة، وأبي موسى الأشعري، وابن عباس. حدث عنه: ابنه عبد اللَّه بن عبيد، وأبو الزبير، وجماعة، وكان من ثقات التابعين وأئمتهم بمكة، توفي سنة أربع وسبعين. له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 4/ 156، (طبقات ابن سعد) : 5/ 463، (طبقات خليفة) : ت (2524) ، (تاريخ البخاري) : 5/ 455، (المعارف) : 434، (الجرح والتعديل) : 2/ 409، (حلية الأولياء) : 3/ 266، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 22، ترجمة رقم (28) . [ (2) ] هو عبد الرحمن بن أبزي الخزاعي، له صحبة ورواية، وفقه وعلم، وهو مولى نافع بن عبد الحارث، كان نافع مولاه استنابه على مكة حين تلقى عمر بن الخطاب إلى عسفان، فقال له: من استخلفت على أهل الوادي؟ يعني مكة، قال، ابن أبزي، قال: ومن ابن أبزي، قال: إنه عالم بالفرائض، قارئ لكتاب اللَّه، قال: أما إن نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن هذا القرآن يرفع اللَّه به أقواما ويضع به آخرين، عاش إلى سنة نيف وسبعين. له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 3/ 201- 203، ترجمة رقم (43) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 462، (طبقات خليفة) : ت (677) ، (945) ، (2527) ، (التاريخ الكبير) : 5/ 245، (الجرح والتعديل) : 5/ 209، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 293. [ (3) ] هو عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي مليكة بن عبد اللَّه بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. أمه ميمونة بنت الوليد بن أبي حسين بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، واسم أبي مليكة: زهير ولم يكن لعبد اللَّه بن عبيد اللَّه عقب. نافع ابن عمر قال: قال لي ابن أبي مليكة، وسمع أناسا يستثقلون قراءة قرائهم فقال: قد كنت أقوم بسورة الملائكة في ركعة واحدة فما شكا ذلك أحد. قال محمد ابن عمر: وكان ابن أبي مليكة يقوم بالناس في شهر رمضان بمكة بعد عبد اللَّه بن السائب. وتوفي عبد اللَّه ابن أبي مليكة بمكة سنة سبع عشرة ومائة، وكان قد روى عن ابن عباس، وعائشة، وابن الزبير، وعقبة ابن الحارث، وكان ثقة كثير الحديث. (طبقات ابن سعد) : 5/ 472- 473. [ (4) ] هو عبد اللَّه بن كثير بن عمر بن عبد اللَّه بن زاذان بن فيروزان، بن هرمز، الإمام العلم، مقرئ مكة، وأحد القراء السبعة أبو معبد الكناني الداريّ المكيّ مولى عمرو بن علقمة الكناني، وقيل: يكنى أبا عباد، وقيل: أبا بكر، فارسيّ الأصل. قرأ على مجاهد ودرباس مولى ابن عباس، وقد حدّث عن ابن الزبير وأبي المنهال عبد الرحمن بن مطعم وغيرهم. وهو قليل الحديث. روى عنه أيوب وابن جريج وآخرون. وثّقه علي بن المديني وغيره، ولد بمكة سنة (48) ومات سنة عشرين ومائة. له ترجمة في: (طبقات خليفة) : 2282، (التاريخ الكبير) : 5/ 181، (التاريخ الصغير) : 1/ 304، 305، (الجرح والتعديل) : 5/ 144، (سير أعلام النبلاء) : 5/ 318- 322، ترجمة رقم (155) . [ (5) ] هو حميد بن قيس الأعرج المكيّ أبو صفوان القارئ الأسدي مولاهم، وقيل: مولى عفراء. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وكان قارئ أهل مكة، وقال أبو طالب: سألت أحمد عنه فقال: هو ثقة وقال الدوري وغيره عن ابن معين: حميد بن قيس الأعرج ثقة. قال ابن حبان: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 ومحمد بن عبد الرحمن بن محيصن [ (1) ] ، وشبل بن عباد [ (2) ] ، وأخذ عن هؤلاء إسماعيل ابن عبد اللَّه بن قسطنطين، وعليه قرأ الإمام الشافعيّ-[رحمة] اللَّه عليه- القرآن، فصار مرجع [قراءة] أهل مكة إلى عبد اللَّه بن كثير بن المطلب، إلى معبد مولى عمرو بن علقمة الكناني، الداريّ المكيّ، إمام أهل مكة في القراءات، وأحد الأئمة السبعة، قرأ عليه عبد اللَّه بن السائب المخزومي، وعلي مجاهد ودرباس، مولى عبد اللَّه بن عباس، وتصدر للإفتاء، وصار إمام أهل مكة في ضبط القرآن، قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء، وشبل بن عباد، ومعروف بن مشكان، وإسماعيل ابن قسطنطين، وطائفة. وتوفي سنة عشرين ومائة، وقيل: سنة اثنتين وعشرين.   [ () ] مات سنة (130) ، وقال ابن سعد: توفي في خلافة أبي العباس. له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 5/ 486، (ثقات ابن حبان) : 6/ 189. [ (1) ] هو محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي المكيّ المقرئ، قارئ أهل مكة مع ابن كثير، ولكن قراءته شاذة، فيها ما ينكر وسنده غريب، وقد اختلف في اسمه على عدة أقوال. قرأ على مجاهد، وسعيد بن جبير، ودرباس مولى ابن عباس، وعنه ابن جريج، وشبل بن عباد، وعبد اللَّه بن المؤمل المخزومي، وهشيم، وابن عيينة وآخرون، وقرأ عليه أبو عمرو بن العلاء، وشبل، وعيسى بن عمر. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة. له ترجمة في: (الوافي بالوفيات) : 3/ 223، (تاريخ الإسلام) : 4/ 220- 221 (شذرات الذهب) : 1/ 162. [ (2) ] هو شبل بن عباد المكيّ، روى عن عمرو بن دينار وقيس بن سعد، وعبد اللَّه بن كثير، وابن أبي نجيح. روى عنه ابن عيينة، وابن المبارك، وأبو أسامة، وأبو نعيم. وشبل بن عباد المكيّ ثقة، مات سنة ثمان وأربعين ومائة. له ترجمة في: (الجرح والتعديل) : 4/ 380، ترجمة رقم (1659) ، (ثقات ابن حبان) : 8/ 312، (تهذيب التهذيب) : 4/ 268، ترجمة رقم (532) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 [التابعون بالبصرة من القراء] وأما التابعون بالبصرة الذين اعتنوا بالقراءات، واجتهدوا في تعلم الأحرف، فهم: أبو رجاء العطاردي [ (1) ] ، والحسن بن أبي الحسن [ (2) ] ، وأبو العالية [ (3) ] ، وغيرهم.   [ (1) ] هو أبو رجاء العطاردي، الإمام الكبير، شيخ الإسلام، عمران بن ملحان التميمي البصري، من كبار المخضرمين، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد فتح مكة، ولم ير النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حدّث عن عمر، وعليّ، وعمران بن حصين، وعبد اللَّه بن عباس، وسمرة بن جندب، وأبي موسى الأشعري، وتلقن عليه القرآن، ثم عرضه على ابن عباس، وهو أسنّ من ابن عباس، قرأ عليه أبو الأشهب العطاردي وغيره، وحدث عنه أيوب، وابن عون، وخلق كثير. قال ابن عبد البر وغيره: مات أبو رجاء سنة خمس ومائة. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 7/ 138، (طبقات خليفة) : ت 1564، (تاريخ البخاري) : 6/ 410، (المعارف) : 427، (الجرح والتعديل) : 3/ 303، (حلية الأولياء) : 2/ 304، (الاستيعاب) : 4/ 1657، ت 2949، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 32، ت 55، (شذرات الذهب) : 1/ 130، (تهذيب التهذيب) : 8/ 124، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 253- 257، ترجمة رقم (93) . [ (2) ] هو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت، وقيل: جابر بن عبد اللَّه، وقيل: أبو اليسر، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، قال أبو بردة: أدركت الصحابة فما رأيت أحدا أشبه بهم من الحسن. وقال خالد بن رباح الهذلي: سئل أنس بن مالك عن مسألة فقال: سلوا مولانا الحسن، فقيل له في ذلك، فقال: إنه سمع وسمعنا، فحفظ ونسينا، وقال سليمان التيمي: الحسن شيخ أهل البصرة، مات في رجب سنة عشر ومائة، له ترجمة مطولة في: (طبقات ابن سعد) : 7/ 128، (تهذيب التهذيب) : 2/ 231- 236، ترجمة رقم (488) ، (حلية الأولياء) : 2/ 131، (شذرات الذهب) : 1/ 136، (ميزان الاعتدال) : 1/ 527، (وفيات الأعيان) : 2/ 69- 73، ترجمة رقم (156) . [ (3) ] هو أبو العالية رفيع بن مهران، الإمام المقرئ، الحافظ المفسّر، أبو العالية الرياحيّ البصري، أحد الأعلام، أدرك زمان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو شاب، وأسلم في خلافة أبي بكر الصديق، ودخل عليه، وسمع من عمر، وعلي، وأبيّ، وأبي ذرّ، وابن مسعود، وعائشة، وأبي موسى، وأبي أيوب، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعدّة. وحفظ القرآن، وقرأه على أبيّ بن كعب، وتصدر لإفادة العلم، مات أبو العالية في شوال سنة تسعين، وقال البخاري وغيره: مات سنة ثلاث وتسعين. له ترجمة في: (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 29 ت (49) ، (شذرات الذهب) : 1/ 102، (طبقات ابن سعد) : 7/ 112- 117 ، (اللباب في تهذيب الأنساب) : 1/ 483، (الزهد للإمام أحمد) : 302، (طبقات خليفة) : ت (1634) ، (تاريخ البخاري) : 3/ 326، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 251، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 207- 213، ت (85) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 وأخذ عنهم جماعة مثل: قتادة [ (1) ] ، وجابر بن زيد [ (2) ] ، [وهو] أبو الشعثاء [ (3) ] في آخرين. وأخذ عن هذه الطبقة: أبو عمرو بن العلاء [ (4) ] ، وأيوب السّختياني [ (5) ] ،   [ (1) ] هو قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب الأكمه، أحد الأعلام. روى عن أنس، وعبد اللَّه بن سرجس، وأبي الطفيل، وسعيد بن المسيب، والحسن، وابن سيرين، وخلق. وعنه أبو حنيفة وأيوب، وشعبة، ومسعر، والأوزاعي، وحماد بن سلمة، وأبو عوانة، وخلق. قال سعيد بن المسيب: ما أتاني عراقيّ أحفظ من قتادة. وقال أحمد: كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لم يسمع شيئا إلا حفظه، وكان من العلماء، ولد سنة ستين، ومات سنة سبع عشرة ومائة. له ترجمة في: (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 54، ت (104) ، (طبقات ابن سعد) : 7/ 229، (طبقات خليفة) 213، (تاريخ الخليفة) : 332 و 348، (التاريخ الكبير) : 7/ 185، (التاريخ الصغير) : 1/ 282، (المعارف) : 462، (الجرح والتعديل) : 7/ 133، (جمهرة الأنساب) : 318، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 57، (وفيات الأعيان) : 4/ 85- 86، (تهذيب التهذيب) : 8/ 315، (ميزان الاعتدال) : 3/ 385، (شذرات الذهب) : 1/ 153، (سير أعلام النبلاء) : 5/ 269- 283، ترجمة رقم (132) . [ (2) ] هو جابر بن زيد أبو الشعثاء الأزدي اليحمدي الجوفيّ. قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علما من كتاب اللَّه. وقال الزيات: سألت ابن عباس عن شيء فقال: تسألوني وفيكم جابر بن زيد، وهو أحد العلماء؟ مات سنة ثلاث وتسعين، أو ثلاث ومائة أو أربع ومائة. له ترجمة في: (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 35، ت (65) ، (تهذيب التهذيب) : 2/ 38، (شذرات الذهب) : 1/ 101، (طبقات ابن سعد) : 7/ 130، (اللباب) : 1/ 254، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 481- 483، ت (184) . [ (3) ] في (خ) : «وأبو الشعثاء» . [ (4) ] هو أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان التميمي، ثم المازني البصري، شيخ القراء والعربية، وأمه من بني حنيفة. اختلف في اسمه على أقوال: أشهرها زبّان، وقيل العريان، مولده في نحو سنة سبعين، وكان من أشراف العرب، ومن أهل السنة، قال يحيي بن معين: ثقة. توفي في سنة أربع وخمسين ومائة، وقيل سنة سبع وخمسين ومائة. له ترجمة في: (تاريخ البخاري) : 9/ 55، (وفيات الأعيان) : 1/ 466- 470، (فوات الوفيات) : 1/ 231، (تهذيب التهذيب) : 12/ 197، (طبقات القراء لابن الجزري) : 1/ 288، (سير أعلام النبلاء) : 6/ 407- 410، ترجمة رقم (167) . [ (5) ] أيوب السّختياني، الإمام الحافظ، سيد العلماء، أبو بكر بن أبي تميمة كيسان العنزي، عداده في صغار التابعين، سمع من أبي بريد عمرو بن سلمة الجرميّ، وأبي عثمان النهدي، وسعيد بن جبير، وخلق سواهم. حدّث عنه الزهري وقتادة- وهم من شيوخه- وشعبة، وسفيان، ومالك، وأمم سواهم. مولده عام توفي ابن عباس سنة ثمان وستين، قال محمد بن سعد: كان أيوب ثقة، ثبتا في الحديث، جامعا، كثير العلم، حجّة، عدلا، وقال الذهبي: إليه المنتهى في الإتقان. توفي سنة إحدى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 وعمرو بن عبيد [ (1) ] ، ورجع أهل البصرة إلى حاتم سهل بن محمد السجستاني [ (2) ] ، غير أن الاعتماد في القراءة على أبي عمرو بن العلاء المازني المقرئ النحويّ البصري، واسمه على الأصح: زبان بن العلاء بن عمار، وأخذ القراءة عن أهل الحجاز وأهل البصرة، فعرض بمكة على مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة بن خالد وابن كثير، وقيل: أنه قرأ على أبي العالية ولم يصح، وقيل: أنه عرض بالمدينة على أبي جعفر يزيد بن القعقاع، وعلى يزيد بن رومان، وشيبة بن نصاح، وعرض بالبصرة على يحيى بن يعمر، ونصر ابن عاصم، والحسن البصري وغيرهم. قرأ عليه خلق كثير منهم: يحيى بن المبارك اليزيدي، وعبد الوارث بن سعيد السوري، وعبد اللَّه بن المبارك، وجماعات. وإليه انتهت الإمامة في القراءة بالبصرة، وكان قد عرف القراءات، فقرأ من كل قراءة مما استحسنه وتختار العرب، وما بلغة من لغة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وجاء تصديقه في كتاب اللَّه تعالى. قال يونس: لو كان ينبغي لأحد أن يؤخذ قوله كله، لكان ينبغي أن يؤخذ قول أبي عمرو، ولكن ليس من أحد إلا وأنت تأخذ من قوله وتترك. وأخافه الحجاج، فاستتر لأن عمه كان عاملا له فهرب، فطلب الحجاج أبا عمرو فاختفى وقال: ما رأيت أعلم مني. مات سنة أربع وخمسين ومائة.   [ () ] وثلاثين ومائة بالبصرة، زمن الطاعون، وله ثلاث وستون سنة، وآخر من روي حديثه عاليا: أبو الحسن ابن البخاري. له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 6/ 15- 26، ترجمة رقم (15) ، (طبقات ابن سعد) : 7/ 246، (حلية الأولياء) : 3/ 2- 14، (تهذيب التهذيب) : 1/ 397، (شذرات الذهب) : 1/ 181، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 59، ترجمة رقم (115) . [ (1) ] هو عمرو بن عبيد الزاهد، العابد، القدريّ، كبير المعتزلة وأولهم، أبو عثمان البصري، وعنه الحمادان وابن عيينة وآخرون. وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن المبارك: دعا إلى القدر فتركوه. اغترّ بزهده وإخلاصه، وأغفل بدعته. مات بطريق مكة سنة ثلاث. وقيل سنة أربع وأربعين ومائة. له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 6/ 104- 106، ترجمة رقم (27) ، (ثقات ابن حبان) : 3/ 147، (تاريخ بغداد) : 12/ 166- 188، ترجمة رقم (6652) ، (وفيات الأعيان) : 3/ 460- 462، (ميزان الاعتدال) : 3/ 273، (البداية والنهاية) : 8/ 19، 10/ 131- 133، (تهذيب التهذيب) : 8/ 30، (شذرات الذهب) : 1/ 210. [ (2) ] هو أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد الجشميّ السّجستاني النحويّ اللغوي المقرئ، نزيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 [التابعون بالشام من القراء] وأما التابعون بالشام الذين عنوا بالقراءات ومعرفة اللغات، فمنهم: المغيرة بن أبي شهاب [ (1) ] ، ويعلي بن شداد بن أوس [ (2) ] ، وميمون بن مهران [ (3) ] ، وشهر بن حوشب [ (4) ] ، وأخذ عنهم القراءات عبد اللَّه بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة، أبي عمران على الأصح، أدرك [صحبة] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقرأ على معاذ بن جبل، وأبي الدرداء، ومعاوية بن أبي سفيان، ووائلة بن الأصبغ، وقرأ على المغيرة بن أبي شهاب   [ () ] البصرة وعالمها، كان إماما في علوم الآداب، وعنه أخذ علماء عصره. قال المبرّد: سمعته يقول: قرأت كتاب سيبويه على الأخفش مرتين، وكان كثير الرواية عن أبي زيد الأنصاري، وأبي عبيدة والأصمعي، عالما باللغة والشعر، وكان صالحا عفيفا، يتصدق كل يوم بدينار، ويختم القرآن في كل أسبوع، وكانت وفاته في المحرم، وقيل رجب ما بين سنة ثمان وأربعين وخمس وخمسين ومائتين، على خلاف بين أهل التواريخ. له ترجمة في: (وفيات الأعيان) : 2/ 430- 433، ترجمة رقم (282) ، (تهذيب التهذيب) : 4/ 257، (شذرات الذهب) : 2/ 121. [ (1) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (2) ] هو يعلي بن شداد بن أوس، شيخ مستور محلّه الصدق، بعض الأئمة توقف في الاحتجاج بخبره، يروي عن أبيه شداد بن أوس، وعبادة بن الصامت، حدث عنه سليمان بن يسير، وأبو سنان عيسى بن سنان، وجماعة، وقد وثق. له ترجمة في: (ميزان الاعتدال) : 4/ 457 ترجمة رقم (9835) . [ (3) ] هو ميمون بن مهران، الإمام الحجة، عالم الجزيرة ومفتيها، أبو أيوب الجزري الرّقي، أعتقته امرأة من بني نصر بن معاوية بالكوفة فنشأ بها، ثم سكن الرّقة. حدّث عن أبي هريرة، وعائشة، وابن عباس، وابن عمر، وعدة. روى عنه ابنه عمرو، وحميد الطويل، وسليمان الأعمش، وخلق سواهم، كان ولى خراج الجزيرة وقضاءها، وكان من العابدين، قال ابن سعد: ثقة، كثير الحديث، وقال العجليّ والنسائي: ميمون ثقة. توفي سنة سبع عشر ومائة، له ترجمة في (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 175، ترجمة رقم (654) ، (حلية الأولياء) : 4/ 82- 97، ترجمة رقم (251) ، (شذرات الذهب) : 1/ 154، (تهذيب التهذيب) : 10/ 349، ترجمة رقم (703) ، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 46. [ (4) ] هو شهر بن حوشب، أبو سعيد الأشعري الشامي، مولى الصحابية أسماء بنت يزيد الأنصارية، كان من كبار علماء التابعين، حدّث عن مولاته أسماء، وعن أبي هريرة، وعائشة، وابن عباس، وعبد اللَّه بن عمرو، وأم سلمة، وأبي سعيد الخدريّ، وعدة، حدّث عنه: قتادة، ومعاوية بن مرة، وعبد الحميد بن بهرام، توفي سنة مائة، وقيل: غير ذلك. له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 4/ 372- 378، ترجمة رقم (151) ، (طبقات ابن سعد) : 7/ 449، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (2931) ، (تاريخ البخاري) : 4/ 258، (المعارف) : 448، (حلية الأولياء) : 6/ 59، (شذرات الذهب) : 1/ 119. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 صاحب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، وقيل: عرض على عثمان، وقرأ على فضالة بن عبيد، وروى عنه القراءة عرضا يحيى بن الحرث الذّماريّ. مات سنة ثمان وعشر ومائة [ (1) ] .   [ (1) ] له ترجمة مستوفاة في: (طبقات القراء) ، 1/ 423، (طبقات خليفة) : 235، (التاريخ الصغير) : 1/ 100، 164، (ميزان الاعتدال) : 2/ 499، (تهذيب التهذيب) : 5/ 240، (سير أعلام النبلاء) : 5/ 292- 293، ترجمة رقم (138) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 [التابعون بالكوفة من القراء] وأما التابعون بالكوفة، الذين اجتهدوا في علم القراءات، فجماعة منهم: علقمة بن قيس [ (1) ] ، والربيع بن خثيم [ (2) ] ، ومسروق بن الأجدع [ (3) ] ، والأسود بن يزيد [ (4) ] ، ...   [ (1) ] هو علقمة بن قيس بن عبد اللَّه بن مالك بن علقمة بن سلامان بن كهل، وقيل: ابن كهيل بن بكر ابن عوف، ويقال: ابن المنتشر بن النخع، النخعي، الكوفي، فقيه الكوفة وعالمها ومقرئها، عم الأسود بن يزيد، وأخيه عبد الرحمن، وخال فقيه العراق إبراهيم النخعي، ولد في أيام الرسالة المحمدية، وعداده في المخضرمين، وتصدى للإمامة والفتيا بعد عليّ وابن مسعود، وكان طلبته يسألونه ويتفقهون به والصحابة متوافرون. مات علقمة في خلافة يزيد سنة إحدى وستين، وقيل غير ذلك. وقد عاش تسعين سنة. له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 4/ 53- 61، ترجمة رقم (14) ، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (1054) ، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 20، ترجمة رقم (24) ، (تاريخ البخاري) : 7/ 41، (المعارف) : 431، (الجرح والتعديل) : 3/ 404، (حلية الأولياء) : 2/ 98، (تاريخ بغداد) : 12/ 296، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 324، (مرآة الجنان) : 1/ 137، (شذرات الذهب) : 1/ 70. [ (2) ] هو الربيع بن خثيم بن عائذ، الإمام القدوة العابد، أبو يزيد الثوري الكوفي، أحد الأعلام. أدرك زمان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأرسل عنه، وروى عن عبد اللَّه بن مسعود، وأبي أيوب الأنصاري، وعمرو ابن ميمون، وهو قليل الرواية إلا أنه كبير الشأن، حدث عنه الشعبي وآخرون، وكان يعد من عقلاء الرجال، توفي قبل سنة خمس وستين. له ترجمة في (طبقات ابن سعد) : 6/ 118، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم 992، (تاريخ البخاري) : 3/ 269، (المعارف) : 497، (الجرح والتعديل) : 2/ 459، (حلية الأولياء) : 2/ 105، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 258- 262، ترجمة رقم (95) ، (تهذيب التهذيب) : 3/ 210. [ (3) ] هو مسروق بن الأجدع، الإمام القدوة، العلم، أبو عائشة الوداعيّ، الهمدانيّ، الكوفي، وهو مسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية بن عبد اللَّه بن مرة بن سليمان بن معمر، ويقال: سلامان ابن معمر بن الحارث بن سعد بن عبد اللَّه بن وداعة بن عمر بن ناشح بن دافع بن مالك بن جشم ابن حاشد بن جشم بن حيوان بن نوف بن همدان. وعداده في كبار التابعين وفي المخضرمين الذين أسلموا في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، مات سنة اثنتين وستين، وقيل: سنة ثلاث وستين، له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 4/ 63- 69، ترجمة رقم (17) ، (طبقات ابن سعد) : 6/ 76، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (1066) ، (تاريخ البخاري) : 8/ 35، (المعارف) : 432، (الجرح والتعديل) : 4/ 396، (حلية الأولياء) : 2/ 95، (تاريخ بغداد) : 13/ 232، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 88، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 21، ترجمة رقم (206) . [ (4) ] هو الأسود بن يزيد بن قيس، الإمام، القدوة، أبو عمرو النخعيّ الكوفيّ، وقيل: يكنى أبا عبد الرحمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 وأبو وائل شقيق بن سلمة [ (1) ] ، وعامر بن شراحبيل الشعبي [ (2) ] ، وأبو عبد الرحمن السّلمي [ (3) ] ،   [ () ] وهو أخو عبد الرحمن بن يزيد، ووالد عبد الرحمن بن الأسود، وابن أخي علقمة بن قيس، وخال إبراهيم النخعي، فهؤلاء أهل بيت من رءوس العلم والعمل. وكان الأسود مخضرما، أدرك الجاهلية والإسلام. وحدّث عن معاذ بن جبل، وبلال، وابن مسعود، وعائشة، وحذيفة بن اليمان، وطائفة سواهم. حدّث عنه ابنه عبد الرحمن، والشعبي وآخرون، وهو نظير مسروق في الجلالة، والعلم، والثقة، والسنّ، يضرب بعبادتهما المثل. نقل العلماء في وفاة الأسود أقوالا أرجحها سنة خمس وسبعين. له ترجمة في: (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (1255) ، (تاريخ البخاري) : 1/ 449، (المعارف) : 432، (الجرح والتعديل) : 1/ 291، (حلية الأولياء) : 2/ 102، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 122، (تهذيب التهذيب) : 1/ 299، (شذرات الذهب) : 1/ 82، (الاستيعاب) : 1/ 92، ترجمة رقم (53) ، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 22، ترجمة رقم (29) . [ (1) ] هو شقيق بن سلمة، الإمام الكبير شيخ الكوفة، أبو وائل الأسديّ، أسد خزيمة الكوفي، مخضرم أدرك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وما رآه. قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: أبو وائل ثقة، لا يسأل عن مثله. مات سنة اثنتين وثمانين. له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 4/ 161- 166، ترجمة رقم (59) ، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (1114) ، (تاريخ البخاري) : 4/ 245، (المعارف) : 449، (الجرح والتعديل) : 2/ 371، (حلية الأولياء) : 4/ 101، (الاستيعاب) : ترجمة رقم (1201) ، (تاريخ بغداد) : 9/ 268، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 247، (وفيات الأعيان) : 2/ 476، ترجمة رقم (296) ، (تهذيب التهذيب) : 4/ 317، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 28، ترجمة رقم (44) . [ (2) ] هو الشعبي عامر بن شراحبيل بن عبد بن ذي كبار- وذو كبار: قيل من أقيال اليمن- الإمام العلامة، أبو عمرو الهمدانيّ ثم الشعبي، ويقال: هو عامر بن عبد اللَّه، وكانت أمه من سبى جلولاء. مولده في إمرة عمر بن الخطاب لستّ سنين خلت منها، وقيل: ولد سنة إحدى وعشرين، وقيل: سنة ثمان وعشرين، رأى عليا رضي اللَّه تعالى عنه وصلّى خلفه، وسمع من عدة من كبراء الصحابة. قال ابن عيينة: علماء الناس ثلاثة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه. وقال الواقدي: مات سنة خمس ومائة عن سبع وسبعين سنة، له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 6/ 247، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (1144) ، (تاريخ البخاري) : 6/ 450، (المعارف) : 449، (الجرح والتعديل) : 3/ 322، (حلية الأولياء) : 4/ 310، (تاريخ بغداد) : 12/ 227، (وفيات الأعيان) : 3/ 12، ترجمة رقم (317) ، (اللباب) : 2/ 21، (تهذيب التهذيب) : 5/ 57، (شذرات الذهب) : 1/ 26، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 40، ترجمة رقم (74) . [ (3) ] هو أبو عبد الرحمن السلمي مقرئ الكوفة، الإمام العلم، عبد اللَّه بن حبيب بن ربيّعة الكوفي، من أولاد الصحابة، مولده في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. قرأ القرآن وجوّده ومهر فيه، وعرض على عثمان، وعلى عليّ، وابن مسعود، وقد كان ثبتا في القراءة، وفي الحديث، حديثه مخرّج في الكتب الستة، توفي سنة أربع وسبعين، وقيل غير ذلك. له ترجمة في: (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 27، ترجمة رقم (41) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 وزر بن حبيش [ (1) ] ، وأخذ عنهم طبقة دونهم: كإبراهيم النخعي [ (2) ] ، وسماك بن حرب [ (3) ] ،   [ () ] (تهذيب التهذيب) : 5/ 161، (طبقات ابن سعد) : 6/ 172، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (1102) ، (تاريخ البخاري) : 5/ 72، (المعارف) : 528، (الجرح والتعديل) : 2/ 37، (حلية الأولياء) : 4/ 191، (تاريخ بغداد) : 9/ 430، (تهذيب التهذيب) : 5/ 161 ترجمة رقم (317) ، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 267- 272، ترجمة رقم (97) . [ (1) ] هو زرّ بن حبيش بن حباشة بن أوس، الإمام القدوة، مقرئ الكوفة مع السّلمي، أبو مريم الأسدي الكوفي، ويكنى أيضا أبا مطرف، أدرك أيام الجاهلية، وقرأ على ابن مسعود وعليّ، وتصدّر للإقراء، فقرأ عليه يحيى بن وثاب، وأبو إسحاق والأعمش، وغيرهم وحدّثوا عنه. قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، وقال عاصم: من أعرب الناس، كان ابن مسعود يسأله عن العربية، مات سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وله ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 4/ 166- 170، ترجمة رقم (60) ، (طبقات ابن سعد) : 6/ 104، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (983) ، (تاريخ البخاري) : 3/ 447، (المعارف) : 427، (الجرح والتعديل) : 2/ 622، (حلية الأولياء) : 4/ 181، (الاستيعاب) : ترجمة رقم (869) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 196، (تهذيب التهذيب) : 3/ 277، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 26، ترجمة رقم (39) ، (شذرات الذهب) : 1/ 91. [ (2) ] هو إبراهيم النّخعيّ، الإمام الحافظ، فقيه العراق، أبو عمران، إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود ابن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن سعد بن مالك النخعي، اليماني ثم الكوفي، أحد الأعلام، وهو ابن مليكة أخت الأسود بن يزيد، ولم نجد له سماعا من الصحابة المتأخرين الذين كانوا معه بالكوفة، وكان بصيرا بعلم ابن مسعود، واسع الرواية، فقيه النفس، كبير الشأن، كثير المحاسن، كان مفتي أهل الكوفة هو والشعبي في زمانهما، وكان رجلا صالحا، متوقيا، قليل التكلف وهو مختف من الحجاج، مات سنة ست وتسعين. له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 4/ 520- 529، ترجمة رقم (213) ، (طبقات ابن سعد) : 6/ 270، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (1140) ، (تاريخ البخاري) : 1/ 333، (المعارف) : 463، (الجرح والتعديل) : 1/ 144، (حلية الأولياء) : 4/ 219، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 104، (وفيات الأعيان) : 1/ 25، (تهذيب التهذيب) : 1/ 110، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 36: ترجمة رقم (68) . [ (3) ] هو سماك بن حرب بن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية بن حارثة، الحافظ، الإمام الكبير، أبو المغيرة الذهلي، البكري الكوفي، أخو محمد وإبراهيم، له نحو مائتي حديث، وقال النسائي: ليس به بأس، وفي حديثه شيء، وقال عبد الرحمن بن خراش: في حديثه لين، وقال آخر، كان فصيحا مفوها، يزين الحديث منطقه. مات سنة ثلاث وعشرين ومائة. له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 4/ 204، (سير أعلام النبلاء) : 5/ 245- 248، ترجمة رقم (109) ، (طبقات ابن سعد) : 6/ 323، (طبقات خليفة) : 161، (تاريخ خليفة) : 363، (التاريخ الكبير) : 4/ 173، (الجرح والتعديل) : 4/ 279، (المجروحين والضعفاء) : 2/ 249، (ميزان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 وطلحة بن مصرف [ (1) ] ، وأبي إسحاق السبيعي [ (2) ] في آخرين. وعنهم أخذ عاصم بن أبي النجود [ (3) ] ، ويحيى بن وثاب [ (4) ] ، وأبان بن تغلب [ (5) ]   [ () ] (الاعتدال) : 2/ 232، (الثقات) : 3/ 103، (خلاصة تذهيب الكمال) : 155، (شذرات الذهب) : 1/ 161. [ (1) ] هو طلحة بن مصرّف بن عمرو بن كعب، الإمام الحافظ المقرئ، المجوّد، شيخ الإسلام، أبو محمد اليامي الهمدانيّ الكوفي، تلا على يحيى بن وثّاب وغيره، وحدث عن أنس بن مالك، وعبد اللَّه بن أبي أوفى، ومرّة الطيب، وزيد بن وهب، ومجاهد، وخيثمة بن عبد الرحمن، وذرّ الهمدانيّ، وأبي صالح السمان وطائفة. حدّث عنه ابنه محمد بن طلحة، ومنصور، والأعمش، وشعبة، وخلق كثير، توفي طلحة في آخر سنة اثنتي عشرة ومائة، له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 9/ 308، (طبقات خليفة) : 162، (التاريخ الكبير) : 4/ 346، (التاريخ الصغير) : 1/ 271، (الجرح والتعديل) : 4/ 473، (حلية الأولياء) : 5/ 14، (تهذيب التهذيب) : 5/ 23، (خلاصة تذهيب الكمال) : 180، (شذرات الذهب) : 1/ 145، (سير أعلام النبلاء) : 5/ 191- 192، ترجمة رقم (70) . [ (2) ] هو أبو إسحاق السبيعي، عمرو بن عبد اللَّه بن ذي يحمد، وقيل: عمرو بن عبد اللَّه بن على الهمدانيّ الكوفي الحافظ، شيخ الكوفة وعالمها ومحدثها، كان رحمه اللَّه من العلماء العاملين، ومن جلة التابعين، قال: ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، ورأيت علي بن أبي طالب يخطب، كان طلّابة للعلم، كبير القدر، وهو ثقة حجة بلا نزاع، وقد كبر وتغير حفظه تغيّر السّنّ، ولم يختلط، وحديثه محتج به في دواوين الإسلام. قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: ثقة. توفي أبو إسحاق في سنة سبع وعشرين ومائة. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 6/ 313، - 315، (طبقات خليفة) : 162، (التاريخ الكبير) : 6/ 347، (التاريخ الصغير) : 1/ 326، (الجرح والتعديل) : 6/ 242- 243، (ميزان الاعتدال) : 3/ 270، (تهذيب التهذيب) : 8/ 56، (خلاصة تذهيب الكمال) : 291، (شذرات الذهب) : 1/ 174، (طبقات الحفاظ للسيوطي) : 50، ترجمة رقم (97) . [ (3) ] له ترجمة في: (طبقات خليفة) : 159، (التاريخ الكبير) : 6/ 487، (التاريخ الصغير) : 912، (الجرح والتعديل) : 6/ 340، (وفيات الأعيان) : 3/ 9، (ميزان الاعتدال) : 2/ 357، (تهذيب التهذيب) : 5/ 35، (خلاصة تذهيب الكمال) : 182، (سراج القارئ المبتدي) : 11. [ (4) ] هو يحيى بن وثّاب الإمام القدوة، المقرئ الفقيه، شيخ القراء، الأسديّ الكاهلي، مولاهم الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، وتلا على أصحاب عليّ وابن مسعود، حتى صار أقرأ أهل زمانه. حدّث عن ابن عباس، وابن عمر، وروى مرسلا عن عائشة، وأبي هريرة وابن مسعود، قرأ عليه الأعمش وطائفة، وحدّث عنه عاصم، وقتادة، والأعمش، وعدة. قال العجليّ: هو تابعيّ ثقة، مقرئ يؤمّ قومه. مات سنة ثلاث ومائة. له ترجمة في (طبقات ابن سعد) : 6/ 299، (طبقات خليفة) ترجمة رقم 1116، (تاريخ البخاري) : 8/ 308، (المعارف) : 529، (الجرح والتعديل) : 4/ 193، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 159، (تهذيب التهذيب) : 11/ 258، (شذرات الذهب) : 1/ 125. [ (5) ] هو أبان بن تغلب، الإمام المقرئ أبو سعد، وقيل: أبو أمية الرّبعيّ، الكوفيّ، الشّيعيّ، لم يعدّ في التابعين، حدّث عنه عدد كثير، وهو صدوق في نفسه، عالم كبير، وبدعته خفيفة، لا يتعرض للكبار، وحديثه يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 ومنصور بن المعتمر [ (1) ] ، وسليمان بن مهران الأعمش [ (2) ] ، وعنهم أخذ القراءات بالكوفة: حمزة، والكسائي، فصار مرجع علم القراءات بالكوفة إلى ثلاثة منهم هم: عاصم، وحمزة، والكسائي. فأما عاصم بن أبي النجود [ (3) ]- واسمه بهدلة على الصحيح- فإنه أسديّ بالولاء، مولى بني جذيمة بن مالك بن نضر بن معين بن أسد، [يكنى] أبا بكر، قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وزر بن حبيش، وتصدر للإقراء، فقرأ عليه خلق كثير، منهم الأعمش، والمفضل بن محمد الضبي، وحماد بن شعيب، وأبو بكر بن عياش، وحفص بن سليمان، ونعيم بن ميسرة، وانتهت إليه الإمامة في القراءة بالكوفة، بعد شيخه أبي عبد الرحمن السلمي، وذلك لما مات أبو عبد   [ () ] نحو المائة، لم يخرج له البخاري، توفي سنة إحدى وأربعين ومائة. له ترجمة في: (طبقات خليفة) : (166) ، (تاريخ البخاري) : 1/ 453، (الجرح والتعديل) : 2/ 396، (الكامل في التاريخ) : 5/ 508، (الوافي بالوفيات) : 5/ 330، (تهذيب التهذيب) : 1/ 81، (خلاصة تذهيب الكمال) : 14- 15، (سير أعلام النبلاء) : 6/ 308. [ (1) ] هو منصور بن المعتمر، الحافظ الثبت القدوة، أبو عتاب السّلمي الكوفي أحد الأعلام، قال أبو عبيد القاسم ابن سلام: هو من بني بهثة بن سليم، من رهط العباس بن مرداس السّلميّ. كان من أوعية العلم، صاحب إتقان وتألّه وخير، حدّث عنه خلق كثير، منهم شعبة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة. مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة. له ترجمة في (طبقات ابن سعد) : 6/ 2337، (طبقات خليفة) : 164، (تاريخ خليفة) : 404، (التاريخ الكبير) : 7/ 346، (الجرح والتعديل) : 8/ 177، (حلية الأولياء) : 5/ 40، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 114- 115، (خلاصة تذهيب الكمال) : 388، (شذرات الذهب) : 1/ 189، (سير أعلام النبلاء) : 5/ 402. [ (2) ] هو سليمان بن مهران الأعمش، الإمام شيخ الإسلام، شيخ المقرءين والمحدثين، أبو محمد الأسدي، الكاهلي، مولاهم الكوفي الحافظ، أصله من نواحي الري، ولد في سنة إحدى وستين، فقد رأى أنس بن مالك وحكى عنه، وروى عنه، وعن عبد اللَّه بن أبي أوفى، وهو علامة الإسلام، كان صاحب ليل وتعبّد، عزيز النفس، قنوعا. وعن ابن عيينة: سبق الأعمش الناس بأربع: كان أقرأهم للقرآن، وأحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض، وذكر خصلة أخرى. قال ابن معين: ثقة، وقال النّسائي: ثقة ثبت. مات الأعمش سنة سبع وأربعين ومائة وقيل: سنة ثمان وأربعين. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 6/ 342، (تاريخ خليفة) : 232، 424، (طبقات خليفة) : 164، (التاريخ الصغير) : 2/ 91، (الجرح والتعديل) : 4/ 146، (حلية الأولياء) : 5/ 46، (تاريخ بغداد) : 9/ 3، (الكامل في التاريخ) : 5/ 589، (وفيات الأعيان) : 2/ 400- 403، (ميزان الاعتدال) : 2/ 224، (تهذيب التهذيب) : 4/ 195، (خلاصة تذهيب الكمال) : 155، (شذرات الذهب) : 1/ 220- 223. [ (3) ] انظر هامش رقم (3) بالصفحة السابقة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 الرحمن، جلس عاصم يقرئ الناس، قال أبو عمرو حفص بن سليمان الدوري: قال لي عاصم: ما كان من القراءة التي أقرأتك بها، فهي القراءة التي [أقرئت] [ (1) ] بها على أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، وما كان من القراءة التي أقرأت بها أبا بكر بن عياش، فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر بن حبيش، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه. وقال أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال: قال شهر بن عطية: في مسجدنا رجلان، أحدهما أقرأ الناس بقراءة عبد اللَّه بن مسعود، والآخر أقرأ الناس بقراءة زيد بن ثابت، فالذي أقرأ الناس بقراءة ابن مسعود: الأعمش، والّذي هو أقرأ الناس بقراءة زيد: هو عاصم بن أبي النجود. وقال أبو عمر البزار حفص بن سليمان، عن عاصم بن أبي النجود، وعطاء ابن السائب، وشهر بن أيوب الثقفي، وابن أبي ليلى، عن أبي عبد الرحمن السلميّ: أنه قرأ عامة القرآن على عثمان بن عفان، وكان عثمان والي أمر الأمة، فقال: إنك تشغلني عن النظر في أمور الناس، فامض إلى زيد بن ثابت فإنه فارغ لهذا الأمر، يجلس فيه للناس فاقرأ عليه، فإن قراءتي وقراءته واحدة، ليس بيني وبينه فيها خلاف، فمضيت إلى زيد فقرأت عليه. وكنت ألقى عليّ بن أبي طالب فأسأله فيخبرني ويقول لي: عليك بزيد بن ثابت، فأقمت على زيد ثلاث عشرة سنة أقرأ عليه فيها القرآن. قال أبو عمر البزار: وكان عطاء بن السائب، ومحمد بن أيوب الثقفي، وابن أبي ليلى يذكرون لعاصم في القراءة، ويعترفون بتقدمه عليهم، وإذا غيّر شيئا قبلوه وأخذوه عنه. توفي عاصم آخر سنة سبع، وقيل أول سنة ثمان وعشرين ومائة. وأما حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل، أبو عمارة الكوفي الزيات [ (2) ] ، مولى آل عكرمة بن زنجي التميمي، كوفي، فإنه قرأ القرآن عرضا على الأعمش، وحمران ابن أعين، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ومنصور، وأبي إسحاق وغيرهم.   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 6/ 358، (التاريخ الكبير) : 3/ 52، (المعارف) : 529، (الجرح والتعديل) : 3/ 209- 210، (وفيات الأعيان) : 2/ 216، (ميزان الاعتدال) : 1/ 605- 606، (تهذيب التهذيب) : 3/ 24، (خلاصة تذهيب الكمال) : 93، (شذرات الذهب) : 1/ 240، (سراج القارئ المبتدي) : 12، (سير أعلام النبلاء) : 7/ 90- 92. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 وقرأ أيضا على طلحة بن مطرف، وجعفر بن محمد الصادق، وتصدّر للإقراء مدة، وقرأ عليه عدد كثير منهم: الكسائي، وسليم بن عيسى، وهما أجل الصحابة، وقرأ عليه عبد الرحمن بن أبي حماد، وعائذ بن أبي عائذ، والحسن بن عطية في آخرين. وكان إماما حجة قيما بكتاب اللَّه، له عدة فضائل، وصار [أعظم] [ (1) ] أهل الكوفة إلى قراءته. وقال: ما قرأت حرفا إلا بأثر، وقال عبد اللَّه بن موسى: قرأ حمزة على الأعمش، وقرأ الأعمش على يحيى بن وثاب، وقرأ يحيى بن وثاب على علقمة بن قيس، وقرأ علقمة على عبد اللَّه بن مسعود، وقرأ عبد اللَّه بن مسعود على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال خلف بن هشام عن سليم: قرأ حمزة على الأعمش وابن أبي ليلى، فما كان من قراءة الأعمش فهي عن ابن مسعود، وما كان عن ابن أبي ليلى فهي عن علي بن أبي طالب. وقال هارون بن حاتم: حدثنا الكسائي قال: قلت لحمزة: على من قرأت؟ قال: على ابن أبي ليلى وحمران بن أعين، قلت: فحمران على من قرأ؟ قال: [قرأ على] [ (1) ] عبيد بن نضلة، وقرأ عبيد على علقمة عن ابن مسعود، وقرأ ابن أبي ليلى على المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب. وقال عبد اللَّه بن موسى والحسن بن عطية وغيرهما: قرأنا على حمزة، وقرأ حمزة على حمران بن أعين، وعلي بن أبي ليلى، والأعمش، وأبي إسحاق، فأما حمران فقرأ على يحيى بن وثاب، وأما الأعمش فقرأ على زر وزيد بن وهب، والمنهال ابن عمرو، وقرأ زر على عبد اللَّه بن مسعود. وقال الأعمش: قرأ يحيى بن وثاب على علقمة، والأسود وعبيد بن فضيلة، ومسروق وعبيدة، وكان الأعمش يقول: يحيى أقرأ الناس، قالوا: قرأ الأعمش على إبراهيم النخعي، فأما أبو إسحاق، فقرأ على أصحاب علي وابن مسعود، وأما ابن أبي ليلى فقرأ على الشعبي، وجاءت أخبار تؤذن بقراءته على الأعمش أيضا، ثم جاءت أخبار بخلاف ذلك، قال محمد بن يحيى الأزدي: قلت لداود: قرأ حمزة على الأعمش؟ قال: من أين قرأ عليه؟ إنما سأله عن حروف.   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 وقال أحمد بن جبير: حدثنا حجاج بن محمد، قلت لحمزة، قرأت على الأعمش؟ قال: لا، ولكني سألته عن هذه الحروف حرفا حرفا. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثني عدة من أهل العلم، عن حمزة أنه قرأ على حمران، وكانت هذه الحروف التي يرويها حمزة عن الأعمش، إنما أخذها [من] [ (1) ] الأعمش أخذا، ولم يبلغنا أنه قرأ عليه القرآن من أول النهار إلى آخره. وقال يوسف بن موسى: قلت لجرير بن عبد الحميد: كيف أخذتم هذه الحروف عن الأعمش؟ قال: كان إذا جاء شهر رمضان، جاء أبو حيان التميمي، وحمزة الزيات، مع كل واحد منهما مصحف، فيمسكان على الأعمش، ويقرأ فيسمعون قراءته، فأخذنا الحروف من قراءته. توفي حمزة آخر سنة ست وخمسين ومائة على الصحيح، فرأى أعرابي كثرة الناس على جنازته فقال: ما رأيت أرفع لخسيس من عمل صالح. وأما علي بن حمزة بن عبد اللَّه بن مهران بن فيروز الكسائي [ (2) ] ، أبو الحسن الأسدي مولاهم، أحد الأعلام، فإنه قرأ القرآن وجوّده على حمزة الزيات، وعيسى ابن عمر الهمذاني، وقرأ على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واختار لنفسه قراءة، ورحل إلى البصرة، وأخذ العربية عن الخليل بن أحمد، وأخذ الحروف أيضا عن أبي بكر بن عياش وغيره، وقرأ عليه أبو عمرو الدوري، وأبو الحرث الليثي، ونصير ابن يوسف الرازيّ، وقتيبة بن مهران الأصبهاني، وأبو عبيدة القاسم بن سلام، وخلائق، وانتهت إليه الإمامة في القراءة والعربية، وكان يتخير القراءات، وأخذ من قراءة حمزة وترك. ومات في سنة تسع وثمانين ومائة. فهؤلاء الأئمة القراء السبعة [ (3) ] ، هم الذين اشتهرت بالآفاق قراءتهم، واعتمد   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] له ترجمة في: (التاريخ الكبير) : 6/ 268، (التاريخ الصغير) : 2/ 247، (المعارف) : 545، (الجرح والتعديل) : 6/ 182، (تاريخ بغداد) : 11/ 403، (وفيات الأعيان) : 3/ 3995، (مرآة الجنان) : 1/ 421، (تهذيب التهذيب) : 7/ 275 (شذرات الذهب) : 1/ 321، (سراج القارئ المبتدي) : 12، (معجم مصنفي الكتب العربية) : 345، (سير أعلام النبلاء) : 9/ 131- 134، ترجمة رقم (44) . [ (3) ] جمعهم الإمام العالم أبو محمد قاسم بن فيرة بن أبي القاسم، خلف بن أحمد الرعينيّ الشاطبي، في قصيدته اللامية المنظومة من الضرب الثاني من بحر الطويل، المسماة (حرز الأماني ووجه التهاني) ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 عليها الناس في صلاتهم وتلاوتهم، وردّوا ما عداها من القرآن، وكفّروا من زاد فيها حرفا أو أسقط منها حرفا متعمدا لذلك، لأنها تواترت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وعلم كل أحد أنها صحت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ () ] المشهورة (بمتن الشاطبية) ، وهي أسهل ما يتوصل به إلى علم القراءات من التصانيف والمنظومات، وعدة أبياتها كما يقول ناظمها: وقد وفّق اللَّه الكريم بمنّه ... لإكمالها حسناء ميمونة الجلا وأبياتها ألف تزيد ثلاثة ... ومع مائة سبعين زهرا وكمّلا يقول رحمه اللَّه عن القراء السبعة: جزى اللَّه بالخيرات عنّا أئمّة ... لنا نقلوا القرآن عذبا وسلسلا فمنهم بدور سبعة قد توسّطت ... سماء العلاء والعدل زهرا وكمّلا لها شهب عنها استنارت فنوّرت ... سواد الدّجى حتى تفرّق وانجلى وسوف تراهم واحدا بعد واحد ... مع اثنين من أصحابه متمثّلا تخيرهم نقادهم كلّ بارع ... وليس على قرآنه متأكّلا فأما الكريم السّرّ في الطيب نافع ... فذاك الّذي اختار المدينة منزلا وقالون عيسى ثم عثمان ورشهم ... بصحبته المجد الرّفيع تأثّلا ومكّة عبد اللَّه فيها مقامه ... هو ابن كثير كاثر القوم معتلا وروى أحمد البزّي له ومحمد ... على سند وهو الملقّب قنبلا وأمّا الإمام المازنيّ صريحهم ... أبو عمرو البصريّ فوالده العلا أفاض على يحيي اليزيديّ سيبه ... فأصبح بالعذب الفرات معلّلا أبو عمر الدّوريّ وصالحهم أبو ... شعيب هو السّوسيّ عنه تقبّلا وأمّا دمشق الشام دار ابن عامر ... فتلك بعبد اللَّه طابت محلّلا هشام وعبد اللَّه وهو انتسابه ... لذكوان بالإسناد عنه تنقّلا وبالكوفة الغراء منهم ثلاثة ... أذاعوا فقد ضاعت شذا وقرنفلا فأمّا أبو بكر وعاصم اسمه ... فشعبة راويه المبرّز أفضلا وذاك ابن عيّاش أبو بكر الرّضا ... وحفص وبالإتقان كان مفضّلا وحمزة ما أزكاه من متورّع ... إماما صبورا للقران مرتّلا روى خلف عنه وخلّاد الّذي ... رواه سليم متقنا ومحصّلا وأما عليّ فالكسائيّ نعته ... لما كان في الإحرام فيه تسربلا روى ليثهم عنه أبو الحارث الرضا ... وحفص هو الدّوريّ وفي الذّكر قد خلا أبو عمرهم واليحصبيّ ابن عامر ... صريح وباقيهم أحاط به الولا لهم طرق يهدي بها كلّ طارق ... ولا طارق يخشى بها متمحّلا ومتن الشاطبية هذا، له شروح كثيرة، أحسنها الشرح المعروف باسم (سراج القارئ المبتدئ، وتذكار المقرئ المنتهي) للإمام أبي القاسم على بن عثمان بن محمد بن أحمد بن الحسن، القاصح، العذري، البغدادي، من علماء القرن الثامن الهجريّ، وقد أشرف على طبعه ومراجعته فضيلة الشيخ علي محمد الضباع شيخ المقارئ المصرية الأسبق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 قال حسين بن علي الجعفي: حدثنا ابن عيينة عن علي بن زيد، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: قراءتنا التي جمع عثمان رضي اللَّه عنه الناس عليها، هي على العرضة الآخرة. وقال إسماعيل بن عياش، عن شعيب بن دينار، وعن محمد ابن المنكدر قال: القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول. وقال أبو الزناد عن خارجة ابن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابت قال: القراءة سنّة من السنن فاقرءوا القرآن كما أقرأتموه: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [ (1) ] فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [ (2) ] . وقال ابن وهب عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن عروة بن الزبير، قال: القراءة سنة يأخذها آخر عن أول. وقال سفيان عن حصين، قال: سمعت أبا عبد اللَّه السلمي يقول: كنت أقرئ الحسن والحسين فمر بي أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأنا أقرئهما: وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (3) ] ، فقال لي: يا عبد اللَّه بن حبيب، قلت: لبيك، قال: أقرئهما: وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (3) ] بفتح التاء، واللَّه الموفق للصواب.   [ (1) ] طه: 63. [ (2) ] المنافقون: 10. [ (3) ] الأحزاب: 40. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 [القراءات المشهورة] وأما القراءات المشهورة، فإنّها أربع قراءات غير هذه القراءات السبعة، منسوبة لثلاثة من الأئمة وهم: أبو جعفر، وابن محيصن، ويعقوب، وخلف. وقد اختلف في قراءة أبي جعفر وابن محيصن ويعقوب وخلف وشبههم، هل هي من الشواذ أم من المتواتر أم قسم ثالث؟ فذهب أبو عمر بن أبي بكر بن يونس بن الحاجب، والشيخ محيي الدين أبو زكريا يحيي بن شرف بن مري النووي، وأبو عمرو عثمان ابن عبد الرحمن بن عثمان بن الصلاح، وغيرهم إلى تحريم القراءة بالشواذ، وهي عندهم ما عدا القراءات السبع. وهذه مسألة تكلم فيها أهل الكلام والفقهاء، فتكلم أهل الكلام فيها من جهة كونها قرآنا، وأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وتكلم فيها الفقهاء من جهة أنه إن كان قرآنا صحت به الصلاة وتعليق الإيمان وغير ذلك، وإلا فلا. ولقائل أن يقول: لا ريب أن أبا جعفر يزيد بن القعقاع أحد العشرة، وشيخ نافع، كان من سادات التابعين، وأخذ قراءته عن ابن عباس وأبي هريرة، وصلّى بعبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنه، ولم يكن من هو بهذه المثابة ليقرأ كتاب اللَّه تعالى بشيء محرم قراءته، وكيف وقد تلقن القرآن بمدينة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم غضا رطبا، قبل أن تطول الأسانيد، ويدخل فيها النقلة غير الضابطين، هذا، وهم عرب آمنون من اللحن. ولم تزل قراءة الأئمة متداولة في أمصار الإسلام، حتى اختار أبو بكر بن مجاهد هؤلاء السبعة وسمّاهم، فغلب الكسل، وقصرت الهمم على بعض الناس، وأراد اللَّه تعالى نقص العلم، فاقتصروا على السبعة، ثم اقتصروا من السبعة في هذه البلاد على السبعة المعينة، ثم اقتصروا من السبعة المعينة على الطريقة المشهورة اليوم التي ذكرناها. وقد كان شيخ شيوخنا العلامة [جمال] [ (1) ] الدين أبو حيان رحمه اللَّه يقول: دخلت هذا البلد- يعني مصر- وغالب من فيها يظن أن السبعة ما في الشاطبية [ (2) ] فقط، حتى أخبرته بما صنف الناس في السبعة، وأن في كتبهم أشياء تخالف ما في الشاطبية فرجع عن ذلك.   [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموسة في (خ) ، وأثبتناها من (المقفى الكبير) : 7/ 426، ترجمة رقم (3630) . [ (2) ] هي المنظومة التي سبق الإشارة إليها نسبة إلى الإمام الشاطبي المعروفة باسم (حرز الأماني ووجه التهاني) وقد سبق أن أشرنا إليها تفصيلا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 وأما ابن محيصن فلم تشتهر الرواة عنه اشتهارهم عن يعقوب، لأن يعقوب اشتهر عنه تسعة رجال، رويس، وروح، والوليد بن حسان، وأبو الوليد بن حسان، وأبو أيوب الذهبي، ومحمد بن عبد الخالق، وأبو حاتم السجستاني، وفضل بن أحمد، وأبو المهلب عامر بن عبد [الأعلى] [ (1) ] الدلالة. وأبو علي يزيد بن أحمد ابن إسحاق الحضرميّ هو ابن أخي يعقوب. وهكذا اشتهر عن كل واحد من هؤلاء الرواة عن يعقوب جماعة، فقراءته أقرب للسبعة. وأما قتيبة بن مهران الأذاذاني الأصبهاني- صاحب الإمالة- فإن له إمالات عجيبة، من أجلها عرف بالممال، فإنه انتهت إليه رئاسة الإقراء بأصبهان، وكان رفيق الدوري، وأبي الحرث، وقرأ على الكسائي، ونقل عنه، وربما قال: حدثنا فلان عنه، فحكمه حكم محيصن وأضرابه، وإنما جرى في هؤلاء السبعة نوع مما جرى في الفقهاء الأربعة أرباب المذاهب، فقد غلب على أكثر الناس اعتقاد أن لا مذهب إلا لهؤلاء الأربعة فقط، وقياس قول هؤلاء أن يكون ما قرأه على بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن مسعود، ومن بعدهم مثل الحسن البصري، والأعمش، وغيرهم، ممن يطول تعداده، ليس بقرآن، والشأن إنما هو فيما صح الاستناد به، وتواتر سليما من معرة اللحن والخطأ والتصحيف ونحو ذلك. وليس لنا فتح باب نطعن به على سادات السلف من الصحابة والتابعين، وإن كنا نقول: أنه يحرم القراءة بالشواذ التي هي ليست من متن القرآن، ولا تواترت تواتره، وإنما يوجد في كتب القراءات والتفاسير أن فلانا قرأ بها بتلك الأسانيد المفصلة، التي لا نظم لها ولا أزمّة [ (2) ] ، وهذه بواطيل وتحرم القراءة بها، وليست من قبيل ما كنا فيه، أولا، كما سيأتي ذكره إن شاء اللَّه تعالى. والبلية كلها غلبة الجهل، وتقليد الآباء والمشيخة، والاكتفاء بما حضر وعرف عند أهل البلد فقط، ولذلك ظن غالب الناس أن لا سبعة إلا هذه التي في الشاطبية ونحوها، كما هو ظن الغالب أن الفقهاء الأربعة ما عدا مذهبهم باطل، ويلزم القول بذلك: إبطال ديانة سفيان [الثوري] ، والأوزاعي، وعبد اللَّه بن المبارك،   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] أزمّة: جمع زمام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 وإسحاق بن راهويه، ومن كان بالشام والأندلس على مذهب الأوزاعي، حتى اشتهر مذهب مالك وغيره، وإبطال ديانة من كان ببلاد المشرق على مذهب سفيان وغيره من الأئمة، ومن كان على مذهب أهل الحديث الذين لا يتعدونه، كأتباع داود ابن علي، ومن خالف أتباع داود في بعض المسائل، وبناء مذهبهم على وجوب الاجتهاد على من تأهّل لوجه استخراج الحكم الشرعي من كتاب اللَّه وسنة رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم، وأوتي أهلية النظر في الأسانيد، بمراجعته لكتب النقل وتواريخ الرواة، والنظر في التعديل والتجريح، وإن كلا عليه الاجتهاد بحسب ما بلغ من ذلك. وأما الذين حرموا القراءة بما بالسبعة التي في المختصرات، فإنّهم كانوا في قرن السبع مائة، وما زال المسلمون يقرءون بما عدا ذلك شرقا وغربا، ينقلها خلف الأمة عن سلفها، إلى أن ضاعت من المتأخرين، وصنفت في ذلك كتب، وعللت في كتب، علم ذلك من له اطلاع على هذا الفن علم اليقين، وقد كان المسلمون يصلون خلف أصحاب هذه القراءات كالحسن البصري، ويعقوب، وطلحة بن مصرف، وابن محيصن، والأعمش، وأضرابهم، فلم ينكر ذلك أحد من فقهاء الأمصار وأئمة الإسلام من أهل الفتوى، حتى كان زمن أحمد بن محمد بن شنبوذ، فإنه في منقولاته أشياء تخالف رسم مصحف أمير المؤمنين عثمان رضي اللَّه عنه مخالفة كثيرة، وكان بينه وبين أبي بكر أحمد بن موسى بن مجاهد شيخنا [عداوة] [ (1) ] يعرفها جهابذة أهل النقل، وكانت لابن مجاهد رئاسة وتمكن في الدولة العباسية ببغداد، وله مع ذلك شهرة عند الكافة، [فألّب] [ (2) ] على ابن شنبوذ فيمن ألب عليه، حتى جرى من ضربه وهو حاضر مجلس الوزير أبي علي بن مقلة ما جرى، وذلك بضع وعشرين وثلاثمائة، كما ذكرت في كتاب التاريخ الكبير: (المقفى) [ (3) ] وابن مجاهد، هذا الّذي قصر الناس على السبعة وصنف فيها، وإليه كانت رحلة الناس في القراءات فاشتهرت السبعة بالتمييز عن غيرها من عهده، إلى أن صارت عند الناس هي القرآن.   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] زيادة للسياق والبيان. [ (3) ] كتاب (المقفى الكبير) من مؤلفات المقريزي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 [تحريم الصلاة بالقراءة الشاذة] وأما تحريم الصلاة بالشاذ [من القراءات] [ (1) ] ، فهو المعروف في كتب المتقدمين [من أن علم هذه المسألة] [ (1) ] عند الفقهاء الفروعية أجدر بها، لأنها تحتاج إلى مواد: من حديث، وفقه قديم، واطلاع على عمل السلف، وتحقيق قول أئمة التفسير، ومعرفة بما صحت أسانيده من القراءات وما اختلف من ذلك، ولا ريب أن فقهاء زماننا عن هذا بمعزل إلا القليل منهم. وأما الشواذ، فإنّها مأخوذة من: شذّ الشيء، ويشذّ شذا وشذوذا، أي ندر عن جمهوره، فسميت [القراءة] [ (1) ] شاذة لأنها فارقت ما عليه القراءات وانفردت عن ذلك، وهي على قسمين: أحدهما: ما روى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة رضي اللَّه عنهم بإسناد صحيح. والثاني: ما لم يصح سنده، وللناس في هذه الشواذ مذهبان: أحدهما: أنه يقرأ في غير الصلاة. والثاني: أنه لا يجوز أن يقال له قرآن. فأما من جوّز تلاوته، فقد تقدم ما نقله عن ابن وهب، عن الإمام مالك رحمه اللَّه أنه قيل له: أترى أن تقرأ بمثل ما قرأ عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: «فامضوا إلى ذكر اللَّه» [ (2) ] ؟ فقال: ذلك جائز، وأنه قال: لا أرى باختلافهم في مثل هذا بأسا، قد كان الناس ولهم مصاحف، والستة الذين أوصى إليهم عمر رضي اللَّه عنهم كانت لهم مصاحف، وأنه قال في قراءة ابن مسعود: «طعام الفاجر» [ (2) ] ، فقلت لمالك: أترى أن تقرأ كذلك؟ قال: نعم أرى ذلك واسعا، وأن ابن عبد البر قال: معناه عندي: أن تقرأ به في غير الصلاة، لأن ما عدا مصحف عثمان رضي اللَّه عنه [لا] [ (1) ] يقطع عليه بالصحة، وإنما يجري مجرى   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] صوابهما في القراءة المعتمدة: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ، طَعامُ الْأَثِيمِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 السنة التي نقلها بطريق الآحاد، لكنه لا يقدم أحد على القطع في ردّه، وأن ابن القثم قال في مصحف ابن مسعود: أرى أن الإمام يمنع من تبعه، ويصرف من قرأ به، ويمنع من ذلك. وقد قال مالك: إن من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة ممن خالف المصحف [ (1) ] لم يصلّ وراءه. قال ابن عبد البر: وعلماء [المسلمين] [ (2) ] مجمعون على ذلك، إلا قوما شذوا، لا [يعول] [ (2) ] عليهم، منهم الأعمش سليمان بن مهران، وأما من منع أن يكون الشواذ قرآنا فإنّهم قالوا: لا ينطلق اسم القرآن إلا على ما بين دافتي مصحف عثمان رضي اللَّه عنه. وأما آحاد القراءات فإنّها غير متواترة، ولهذا قيل لها شاذة لخروجها عما عليه الجمهور. وقال ابن مهدي: لا يكون إماما في العلم من أخذ بالشاذ من العلم، وقال خلاد بن يزيد الباهلي: قلت ليحيى بن عبد اللَّه بن أبي مليكة بن عبد اللَّه: إن نافعا حدثني عن أبيك عن عائشة رضي اللَّه عنها، أنها كانت تقرأ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ [ (3) ] وتقول: إنما هو من ولق الكذب، فقال يحيى: ما يضرك أن لا تكون سمعته عائشة؟ نافع ثقة عن أبي، وأبي ثقة عن عائشة، وما [يضرني] [ (2) ] أن قرأتها هكذا، ولو كذا وكذا، قلت: ولم أنت تزعم أنها قد قالت؟ قال: لأنه غير قراءة الناس، ونحن لو وجدنا رجلا يقرأ بما ليس بين اللوحين، ما كان بيننا وبينه إلا التوبة أو نضرب عنقه، نجيء به عن الأئمة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عن جبريل عن اللَّه، وتقولون أنتم: حدثنا فلان عن فلان الأعمش؟ ما أدري ماذا أن ابن مسعود قرأ غير ما بين اللوحين؟ إنما هو واللَّه ضرب العنق والتوبة. وقال هارون بن موسى: ذكرت ذلك لأبي عمرو- يعني القراءة عن عائشة رضي اللَّه عنها- فقال: سمعت هذا قبل أن تولد ولكنا لا نأخذ به. وقال محمد ابن صالح: سمعت رجلا يقول لأبي عمرو: وكيف تقرأ: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ* وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ [ (4) ] ؟ قال: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ [ (4) ] ، فقال له الرجل: كيف وقد جاء عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ [ (4) ] ؟ فقال   [ (1) ] يعني مصحف عثمان رضي اللَّه تعالى عنه. [ (2) ] زيادة للسياق والبيان. [ (3) ] النور: 15. [ (4) ] الفجر: 25- 26. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 له أبو عمرو: لقد سمعت الرجل الّذي قال سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وما أخذته عنه، وتدري لم ذلك؟ لأني أتهم الواحد بالشاذ، وإذا كان على خلاف ما جاءت به العامة. قال كاتبه: هذا الحديث خرجه الحاكم من حديث علي بن الحسن [ (1) ] بن شقيق قال: حدثنا عبد اللَّه بن المبارك، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عمن أقرأه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ* وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ، وقال [الحاكم] [ (2) ] : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، والصحابي الّذي لم يسمه قد سماه غيره، وهو مالك بن الحويرث، وهذه القراءة إنما أنكرها أبو عمر، لأنها لم تبلغه على وجه التواتر، وإن كانت تثبت عند غيره. وقال أبو حاتم السجستاني: أول من تتبع بالبصرة من وجوه القرآن [وألّفها] [ (2) ] ، وتتبع الشاذ منها، فبحث عن إسناد: هارون بن موسى الأعور، وكان من العتيك مولى، وكان من القراء، فكره الناس ذلك وقالوا: قد أساء حين ألّفها، وذلك أن القراءة إنما يأخذها قرن وأمة عن أفواه أمة، ولا يلتفت منها إلى ما جاء من وراء وراء. وقال الأصمعي عن هارون هذا: كان ثقة مأمونا، قال: وكنت أشتهي أن يضرب لمكان تأليفه الحروف، وكان الأصمعي لا يذكر أحدا بسوء إلا من عرف ببدعة. وقال الأصمعي: سمعت نافعا يقرأ: يَقُصُّ الْحَقَّ [ (3) ] ، فقلت له: إن أبا عمر يقرأ يقضي الحق، وقال: القضاء مع الفضل، فقال نافع: وي [ (4) ] يا أهل العراق! [تعبثون] [ (2) ] في القرآن؟. قال يزيد بن هاشم: إياكم أن تأخذوا القراءة [ (5) ] على قياس العربية، إنما أخذناها بالرواية. وقال بعض أصحاب سليم: قلت لسليم في حرف من القرآن: من أي وجه كان كذا وكذا؟ فرفع كمه وضربني به، وغضب وقال: اتّق اللَّه، لا تأخذون في شيء من هذا، إنما يقرأ القرآن على الثقات من الرجال الذين قرءوه على الثقات.   [ (1) ] في (خ) : «الحسين» ، وصوبناه من (المستدرك) . [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] الأنعام: 57. [ (4) ] كلمة تعجب. [ (5) ] في (خ) : «القرآن» . وما أثبتناه أجود للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 وقال الكسائي: لو قرأت على قياس العربية لقرأت كبره [ (1) ] برفع الكاف، لأنه أراد عظمه، لكنني قرأت على الأثر. وقال يحيى بن آدم: أخبرنا أبو بكر بن عياش بحروف عاصم في القراءات وقال: سألته عنها حرفا حرفا، فحدثني بها ثم قال: أقرأنيها عاصم كما حدثتك بها حرفا حرفا، فتعلمتها منه بعد أن اختلفت إليه نحوا من ثلاث سنين، كل غداة في البرد والأمطار، حتى إني لأستحيي من أهل مسجد بني كاهل في الصيف والشتاء، وأعملت نفسي [فيه] [ (2) ] سنة بعد سنة، فلما قرأت عليه قال لي: احمد اللَّه فإنك قد جئت وما تحسن شيئا، فتعلمت القرآن من عاصم كما يتعلم الغلام في الكتّاب ما أحسن غير قراءته. وقال أبو عبيد بن القاسم بن سلام: ما يروى من الحروف التي تخالف المصحف الّذي عليه الإجماع من الحروف التي تعرف أسانيدها الخاصة دون العامة، مما نقلوا فيه عن أبيّ بن كعب: «وما كان ليهلكها إلا بذنوب أهلها» ، وعن ابن عباس: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج» . ومما يحكون عن عمر رضي اللَّه عنه: أنه قرأ: «غير المغضوب عليهم وضرّ الضالين» ، مع نظائر لهذه الحروف كثيرة لم ينقلها أهل العلم، على أن الصلاة بها تحل، ولا على أنها معارض بها مصحف عثمان رضي اللَّه عنه، لأنها حروف، لو جحد جاحد ألفا من القرآن لم يكن كافرا. والقرآن الّذي جمعه عثمان بموافقة أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم له، لو أنكر بعضه منكر كان كافرا، حكمه حكم المرتد، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه. وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري- وقد ذكر ما ينقل عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أنه قرأ: «والعصر* ونوائب الدهر* إن الإنسان لفي خسر» -: قول أبي بكر بن عياش، قال لي عاصم بن أبي النجود: ما أقرأني أحد من الناس حرفا إلا أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو عبد الرحمن قرأ على عليّ رضي اللَّه عنه، وكنت أرجع من عند أبي عبد الرحمن فأعرض على زرّ بن حبيش، وزرّ بن حبيش قرأ على عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه.   [ (1) ] النور: 11. [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 قال ابن الأنباري: وإذا روى أبو عبد الرحمن السلمي عن علي رضي اللَّه عنه: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [ (1) ] ، كما يقرأ المسلمون جميعا بشهادة عاصم على أبي عبد الرحمن، فرواية أبي عبد الرحمن تنسخ كل رواية في القراءة عن علي، لموضع أبي عبد الرحمن بن علي، وضبطه عنه، وأنه كان يقرئ الحسن والحسين رضي اللَّه عنهما، فهذه جهة تبطل رواية من روى عن علي رضي اللَّه عنه: «والعصر* ونوائب الدهر» . الجهة الثانية: أن عليا لما أفضت الخلافة إليه بعد عثمان رضي اللَّه عنه، وكان إمام المسلمين وقدوتهم، لو علم أن «والعصر» في مصحف عثمان الّذي أجمع عليه المسلمون تنقص «ونوائب الدهر» ، لم يستحل ترك خلل في المصحف، ونقص ألفاظ تنقص بها من ثواب القارئ حسنات، ويزول من جهتها معنى أراده اللَّه وقصد له، فترك عليّ وَالْعَصْرِ [ (2) ] في مصاحف المسلمين على ما لا يعرف غيره، هو الدليل على أن من روى: «والعصر* ونوائب الدهر» كذب أو نسي. والجهة الثالثة: أن المسلمين أجمعوا على أن هذا هو القرآن الّذي أنزله رب العالمين على نبيه محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، لا زيادة فيه ولا نقصان، فمن ادعى زيادة أو نقصانا منه فقد أبطل الإجماع، وبهّت الناس وردّ ما قد صح عن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان كمن قال: الصلوات المفروضات خمسون صلاة، وتزوّج تسع من النساء؟ حلال، وفرض اللَّه أياما فصام مع شهر رمضان، فإذا ردّ جميع هذا الإجماع، كان الإجماع على القرآن أثبت وأوكد، والبناء عليه أولى. وعليّ رضي اللَّه عنه داخل في الإجماع غير خارج منه. وأيضا فقد كان علي يصلي بالمسلمين صلاة المغرب، وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح، فيقرأ والناس وراءه يستمعون قراءته. فلو خالف عثمان وأبا بكر وعمر في حرف واحد أو أكثر، لسارع الناس إلى سؤاله عنه، وقبوله منه، وتغييره من المصاحف بمحضر منه، فلما سمعوا قراءته طول خلافته، فلم ينكروا حرفا ولم يغيروا مما سمعوا منه شيئا من المصحف، كان هذا هو الدليل على أن قراءة عليّ هي قراءة أبي بكر وعمر وعثمان، والحجة واضحة برواية أبي عبد الرحمن السلمي، عنه ما يوافق قراءتنا ولا يخالفها   [ (1) ] العصر: 1- 2. [ (2) ] العصر: 1. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 فالقرآن الّذي حصّله عنه أبو عبد الرحمن، هو الّذي كان يؤم الناس به في صلاته، فيجدونه موافقا قرآن أبي بكر وعمر وعثمان وسائر المسلمين، ولو وقفوا فيه على زيادة كلمة أو نقصان لفظة، لوافقوا [عليا] [ (1) ] عليها وأثبتوها في المصاحف على قوله، وما يأمر به من رسمه لعلو درجته وارتفاع منزلته، فقد حصّلوا في كلامه المنثور ضمة في حرف وياء في كلمة، فتابعوا حكايتهما عنه، ونسبتهما إليه، فأحد الحرفين الدّهقان [ (2) ] بضم الدال، والآخر نيرز من النيروز. قال عياش بن القدح الرياشي: حدثنا أبو عاصم عن معاذ بن العلاء- أخي أبي عمرو بن العلاء- عن أبيه عن جده قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة، أهداها إليّ الدّهقان بضم الدال، ثم أتى بيت المال فقال: خذ خذ، وأنشأ يقول: [أفلح] [ (3) ] من كانت له قوصرّة [ (4) ] ... يأكل منها كل يوم مرة وقال سليمان بن حرب: حدثني حماد بن مسلمة بن زيد عن التميمي قال: أهدى إلى عليّ فالوذج [ (5) ] في جام [ (6) ] يوم النيروز، فقال: ما هذا؟ قال: هذا يوم النيروز، فقال: نيرز، وأكل. يوم بالياء، قال: فمن ضبط من لفظ عليّ وحصّل من كلامه ضمة نادرة، وياء نادرة، فهو صفيق بأن لا يغفل من قراءته كلمة تنبت، ولفظة تسقط، وحركة تغير، فمن ادعى أن ألفاظه في منثور كلامه ضبطت، وكلماته في قراءته القرآن أضيعت، فقد أخبر بمحال لا يقبله عليم، ولا يشهد بصحته حكيم. وذكر ابن الأنباري ما ينقل عن أبي بن كعب رضي اللَّه عنه، أنه قرأ كأن   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] الدّهقان، والدّهقان: التاجر، فارسىّ معرّب. (لسان العرب) : 10/ 107. [ (3) ] زيادة للسياق والبيان من المرجع السابق. [ (4) ] القوصرّة: وعاء من قصب يرفع فيه التمر من البوادي. قال ابن الأعرابي: العرب تكني عن المرأة بالقارورة والقوصرّة قال ابن بري: وهذا الرجز ينسب إلى الإمام علي عليه السلام، وقالوا: أراد بالقوصرة المرأة، وبالأكل النكاح. (المرجع السابق) : 5/ 104. [ (5) ] نوع من الحلوى. [ (6) ] الجام: هو إناء من فضة، عربي صحيح، قاله ابن سيده. (اللسان) : 12/ 112. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ [ (1) ] ، «وما كان اللَّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها» ، ثم إن الحسن ابن الحيان حدثنا قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد القاسم بن نافع ابن أبي برة قال: قرأت القرآن على عكرمة بن سليمان أنه قرأ على شبل بن عباد، وإسماعيل بن عبد اللَّه بن قسطنطين، وأنهما أخبراه أنهما قرءا على عبد اللَّه بن كثير، وأن عبد اللَّه بن كثير أخبره أنه قرأ على مجاهد [وأن مجاهد] [ (2) ] أخبره أنه قرأ على عبد اللَّه بن عياش، وأن ابن عياش قرأ القرآن على أبيّ بن كعب، فقرأه ابن كثير بهذا الإسناد عن أبي بن كعب: حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ [ (1) ] ، كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ [ (3) ] ، فهذا الإسناد يبطل الإسناد الضعيف الّذي نقل به عن أبيّ. وحدثنا حسن بن الحباب، حدثنا محمد بن عبد الحكم، حدثنا الشافعيّ قال: قرأت على ابن قسطنطين، وأخبرني ابن قسطنطين أنه قرأ على ابن شبل بن عباد، وأخبر شبل بن عباد أنه قرأ على عبد اللَّه بن كثير، وأخبر ابن كثير أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عياش، وأخبر ابن عياش أنه قرأ على أبيّ بن كعب، وقرأ أبيّ بن كعب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فهذا السند الّذي نقلته أهل العدالة والصيانة، ما يثبت ما عليه الجماعة في البناء على مصحف عثمان، ويوجب على من خالفه خلاف الرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن هذا السند متصل بالرسول، ولذا صح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمر لم يؤخذ بحديث يخالفه. وحدثنا الحسن بن الحباب، حدثنا الطيب بن إسماعيل المقرئ، حدثنا يحيى ابن المبارك اليزيدي قال: قرأت القرآن على أبي عمرو بن العلاء، وقرأ أبو عمرو على مجاهد، وقرأ مجاهد على ابن عياش، وقرأ ابن عياش على أبيّ بن كعب، وقرأ أبيّ على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فتصحيح هذا الخبر قراءة العامة كتصحيح الخبر الّذي قبله، وكلاهما يوجب أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يقرأ: «وما كان اللَّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها» ، فمن جحد أن هذه الزيادة أنزلها اللَّه تعالى على نبيه فليس بكافر ولا آثم.   [ (1) ] يونس: 24. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] الأعراف: 58. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 وذكر ما نقل عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه أنه قرأ: «وليس له شراب إلا من غسلين من عين تجري من تحت الجحيم» ، وأنه قرأ: «في جيدها حبل من ليف» ، ثم قال: وما نعلم أن سندا يتصل بعبد اللَّه بن مسعود في أنه قرأ ذلك، ولا يصح من هذا في مصحف مكتوب، إذا لم يصحّحه إجماع أو أسانيد معروفة الأهل، مشهورون بصحة النقل، فلو أن حديثا للرسول صلّى اللَّه عليه وسلم أورده مورد في مصحف بسند لا يعرف، لم يحكم على الرسول به، ولم يقبله عليه، فكيف يقبل على اللَّه رب العالمين أنه قال في القرآن: «من عين تجري من تحت الجحيم» ، والصحابة متفقون على إبطال ذلك، وروايتهم عن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم ما يخالفه، وفيهم من أتقن القرآن من أوله إلى آخره، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حيّ، فلو أسقط عثمان حرفا لعارضه الحفاظ الذين حفظوا جميع القرآن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما وافقوه كان في هذا أوضح برهان على أن جميع ما يخالف ما مع المسلمين من القرآن، من كلام الشياطين ووضع إبليس. وما لعبد اللَّه بن مسعود مما دخل فيه على بن أبي طالب، فذكر من طريق الحسن ابن عرفة قال: حدثنا عيسى بن يونس عن مجالد عن الحسن بن سعد عن قيس بن عبد، قال: قرأت عند عليّ أو قرئت عند على شك مجالد: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [ (1) ] ، فقال علي رضي اللَّه عنه: ما قال الطلح، أما يقرأ وطلع؟ ثم قال: وطلع نضيد، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتحكها من المصحف؟ فقال: لا، لا يهاج القرآن اليوم. قال: ومعنى هذا: أنه رجع إلى ما في المصحف، وعلم أنه هو الصواب، وأبطل الّذي كان فرط من قوله، فما يلحق عبد اللَّه بن مسعود نقص برجوعه عما كان يقرأ به إلى قراءة عثمان كما رجع إليها عليّ، وعثمان مشهود له بحفظ جميع القرآن وإتقانه. قالت نائلة بنت العرائض: لما دخل المضريون على عثمان [قالوا] [ (2) ] إن شئتم فاقتلوه وإن شئتم فاتركوه، فقد كان يقرأ القرآن من أوله إلى آخره في ركعة. وقال يحيى بن زكريا الأنصاري، عن يعلي عن عمر بن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: ما رأيت قرشيا كان أقرأ لكتاب اللَّه عزّ وجل منك يا ابن أبي طالب.   [ (1) ] الواقعة: 29. [ (2) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 وقال يحيى بن آدم عن ما نقل عن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: ما رأيت أحدا أقرأ لكتاب اللَّه عزّ وجلّ من علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، ولا يجوز أن يحكم على عبد اللَّه بن مسعود بكتاب في رق، يدعي مدعي أنه مصحف عبد اللَّه، لأن الخط ليس بشاهد عدل، ما رأينا نقلة الأنساب وأصحاب الأخبار صححوا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما يرى مكتوبا في صحيفة، حتى يشهد على الصحيفة عدول، فما [ينفي] [ (1) ] عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بضعف مذهب، فنفيه عن رب العالمين أولى، إذ الإجماع من أهل الإسلام كافة على صحة ما بأيدينا من مصحف عثمان، وكل ما يرد أنه في مصحف ابن مسعود مما يخالف ما عليه الكافة، ليس معه إجماع ولا له شهود ورواة فهو مردود، ولإبطال إجماع الأمة له، وإن حمزة وعاصما يرويان عن عبد اللَّه بن مسعود، ما عليه جماعة من المسلمين، وإلينا على سندين [موافقين] [ (1) ] الإجماع أولى من الأخذ بواحد يخالفه إجماع الأمة. فإن قيل: إن عبد اللَّه بن مسعود طالبه عثمان لما جمع المصحف بدفع مصحفه إليه فامتنع، ولم يكن امتناعه إلا لخلاف بين المصحفين، فكره عبد اللَّه أن يحمل مصحفه على مصحف عثمان، [فأبى] [ (1) ] إلا احتجابه والإقامة عليه وأن لا يخرجه، وقد قال خلاد القارئ، عن قيس بن الربيع عن الأعمش قال: ليس بين مصحف عبد اللَّه وبين ثابت خلاف في حلال وحرام إلا في حرفين: في سورة الأنفال: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [من] المهاجرين في سبيل اللَّه [ (2) ] ، وفي سورة الحشر: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [والمهاجرين في سبيل اللَّه] [ (3) ] . وقد قال أبو عبيد: حدثنا معاذ عن ابن عون عن عمر بن قيس، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: جاءني جاء وأنا أصلي فقال: ثكلتك أمك! أتصلي وقد أمر بكتاب اللَّه أن يمزق؟ فتحورت في صلاتي وأتيت الدار وزقت وكنت لا   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] الأنفال: 41، وما بين الحاصرتين وجه اختلاف القراءتين. [ (3) ] الحشر: 7، وما بين الحاصرتين وجه اختلاف القراءتين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 أحبس، فرأيت أبا موسى الأشعري، وعبد اللَّه بن مسعود، وحذيفة [يتقاولون] [ (1) ] ، وحذيفة يقول لعبد اللَّه بن مسعود: أعطهم، وعبد اللَّه يقول: واللَّه لا أدفعه إليهم، قرأت من في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بضعا وسبعين سورة وأدفعه إليهم؟ واللَّه لا أدفعه إليهم. فالامتناع الّذي كان منه للحذر الّذي حاذره من أن يحمل مصحفه على مصحف عثمان، أجيب عن هذا بأن عثمان جمع المصاحف وطالب عبد اللَّه بمصحفه بعد حصول مصحف المسلمين الّذي اجتمعت على صحته الصحابة كلهم، بعد تصحيح أبي بكر وعمر إشفاقا من أن يكون في بعضها منسوخ لم يقف صاحب المصحف [عليه] [ (1) ] لوقوفه هو وسائر المسلمين على ما يلحقه ويدخل عليه. وكان امتناع عبد اللَّه من دفع مصحفه إشفاقا على تغيير يدخله، يخالف ما [قد] [ (1) ] رواه وأتقنه، وكان هذا الّذي حاذره زائلا ساقطا مأمونا منه، فبعد ذلك حين وقف على إتقان المصحفين، واجتماع الروايتين، قرأ وأقرأ بمثل قراءة المسلمين، على أنه قد كان [آخر] [ (1) ] من تولى زيد بن ثابت جمع المصحف وقال: أنا أحق بهذه المنزلة لتقدمي في القراءة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأخذي عنه، وزيد في صلب أبيه. ولم يكن الاختيار لزيد من جهة أبي بكر وعمر وعثمان، على عبد اللَّه بن مسعود في جمع القرآن، وعبد اللَّه بن مسعود أفضل من زيد، وأقدم في الإسلام، وأكثر سوابق، وأعظم فضائل، إلا لأن زيدا كان أحفظ للقرآن من عبد اللَّه، إذ وعاه كله، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حيّ، والّذي حفظه منه عبد اللَّه في حياة رسول اللَّه نيف وسبعون سورة، ثم تعلم الباقي بعد وفاة الرسول، فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حيّ، أولى بجمع المصحف، وأحق بالإيثار والاختيار، ولا ينبغي أن يظن بأن هذا طعنا على عبد اللَّه بن مسعود، لأن زيدا إذا كان أحفظ للقرآن منه فليس ذلك موجبا تقدمته عليه، لأن أبا بكر وعمر كان زيد أحفظ [منهما] [ (1) ] للقرآن، وليس هو خير [منهما] [ (1) ] ، ولا مساويا لهما في الفضائل والمناقب، فحسن اختيار أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لمن أسندوا إليه جمع القرآن واضح، والّذي لحق عبد اللَّه ابن مسعود من الغضب، وما أبداه من الإنكار غير معول عليه، ولا مأخوذ   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 به، لأنهم كانوا يرجعون عنه إذا رضوا، وقد قال زيد بن ثابت: كنا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع، فإذا تقدم زيد في هذا ورسول اللَّه حيّ، كان أحق الناس بالجمع بعد وفاته، وما اختلف أهل العلم في أن زيدا ضم القرآن وحفظه في حياة رسول اللَّه، وأن عبد اللَّه بن مسعود قبض رسول اللَّه وهو غير حافظ لجميع القرآن، وقراءة عبد اللَّه هي قراءة زيد، لا نعلم بينهما خلافا أخل بمعنى ولا [يفسده] [ (1) ] وما يروى مما يخالف ذلك لا [يخلو] [ (1) ] من أن يكون موضوعا على جهة العناد لعثمان وبقية الصحابة، وللتشكيك [فيما] [ (1) ] قد صح من كتاب اللَّه الّذي قد [جمعه صحابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] ، ولم يحصل ما روى، أو أن يكون الحديث المتضمن له واهي السند منقطعة، لا يقوم بمثله حجة. وذكر ما نقل عن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه أنه قرأ: وجاءت سكرة الحق بالموت [ (3) ] ، ثم قال: رويت عنه روايتان: إحداهما موافقة للمصحف، فعليها العمل، والأخرى مرفوضة، تجري مجرى النسيان منه إن كان قالها، أو الغلط من بعض من نقل الحديث عنه، وأورد حديث جرير عن منصور، عن أبي وائل عن مسروق قال: لما حضر أبو بكر رضي اللَّه عنه أرسل إلى عائشة رضي اللَّه عنها، فلما دخلت عليه قالت: هذا كما قال الشاعر: إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر فقال لها أبو بكر رضي اللَّه عنه: ألا قلت كما قال اللَّه تعالى: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ الحديث. وذكر ما نقل عن عمر بن الخطاب وعبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنهما، أنهما قرءا: فامضوا إلى ذكر اللَّه، ثم قال: إن الأمة اجتمعت على: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [ (4) ] ، برواية ذلك عن رب العالمين ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأما عبد اللَّه ابن مسعود، فما صح عنه: «فامضوا» ، لأن السند غير متصل، إذ إبراهيم النخعي   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ) ، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق. [ (3) ] ق: 19، وقراءتها على رواية حفص عن عاصم: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ [ (4) ] الجمعة: 9. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 لم يسمع من عبد اللَّه، إنما ورد: «فامضوا [إلى ذكر اللَّه [ (1) ]] » عن عمر رضي اللَّه عنه وحده، فإذا انفرد واحد بما يخالف الأمة والجماعة كان ذلك نسيانا منه، ويدل على ذلك أن الصحف التي كتبها أبو بكر رضي اللَّه عنه ونسخ منها مصحف عثمان كانت عند عمر مكتوبا فيها فَاسْعَوْا، وهي أمامه، وهو أرضى الناس بما فيها لنفسه وللمسلمين، فلو علم وقت قوله: «فامضوا» ، أن المصحف فيها: فَاسْعَوْا ما استجار الخلاف لها، ولرجع إلى ما فيها، لكنه غلب عليه نسيان البشر، وطبع الآدميين، وإنما كتب القرآن في المصاحف ليحفظ على الناس، ويرجع إليه الناسي، ويوقف بما فيه على غلط الغالط وتغيير المغيّر، وليس من آدمي يسلم من النسيان والغفلة. وذكر ما نقل من قراءة عبد اللَّه بن عياش رضي اللَّه عنه: «والشمس تجري لا مستقر لها» ، ثم قال: هذا باطل مردود على من نقله، لأن أبا عمرو روى عن مجاهد عن ابن عياش، وابن كثير روى عن مجاهد عن ابن عياش: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [ (2) ] فهذان السندان عن ابن عياش اللذان [يشهد] [ (1) ] بصحتهما الإجماع ببطلان ما ورد بالسند الضعيف مما يخالف مذهب الجماعة وما اتفقت عليه الأمة. وذكر ما نقل عن ابن عباس أنه قرأ: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج» ، ثم قال أبو عمرو وابن كثير: سنديهما المنضم إليهما الإجماع عن ابن عباس لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ [ (3) ] ، فأبطل هذان الإسنادان غيرهما، وحمل الحديث الآخر على أن ابن عباس قال: «في مواسم الحج» مفسّرا لمعنى القرآن، فحمل التفسير بعض الناقلين على أنه من القرآن فأدخله فيه غالطا أو غافلا. وهذا بمنزلة حديث سفيان عن عمرو عن ابن عباس أنه قرأ: «يا حسرة للعباد» ، وبمنزلة حديث سفيان عن عمرو عن ابن عباس، أنه قرأ، «وإن عزموا السراح» ، قال: فالسراح تفسير الطلاق، غلط فيه بعض الناقلين. ومثله حديث مالك عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضي اللَّه عنه، أنه قرأ: «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن» ، قال: فما يحمل ذا إلا على أن ابن عمر   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] يس: 38. [ (3) ] البقرة: 198. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 ذكر «لقبل» تفسيرا لمعنى القرآن، فتوهم بعض من نقل الحديث أنه من القرآن فأدخله فيه، وإجماع الأمة يدل على صحة هذا التأويل. قال: وكل ما يحتج به مما يحكى عن الأئمة من خلاف المصحف المجمع عليه لا تقوم به حجة، ولا يجوز أن يستعمل شيء منه في صلاة ولا غيرها، لأنه لا [يخلو] من أن يكون الحرف المخالف تفسيرا لمعنى القرآن، فأدخله بعض الناقلين في القرآن، بقصور علمه، أو يكون بعض الرواة لم يضبط ما نقل، ولم يصحح ما آثر، أو يكون المنقول عنه غلط كما يغلط البشر، فقرأ بحرف يقدّر أنه مثبت في المصحف فلم يصح تقديره. وذكر ما نقل عن عكرمة عن ابن عباس أنه قرأ «أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء اللَّه [لهدى] الناس جميعا» [ (1) ] ، ثم قال هذا باطل عن ابن عباس، لأن مجاهد وسعيد ابن جبير حكيا الحرف عن ابن عباس على ما في المصحف بقراءة أبي عمرو وروايته عن مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس، يرفعه إلى أبيّ، ويبلغ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال الحسن بن عيسى المقرئ: حدثنا هارون الكوفي، حدثنا أبو العباس حسن الليثي قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء: على من قرأت؟ فقال: على مجاهد وسعيد ابن جبير، والقراءة عندهم سنّة، يأخذها آخر عن أول، قال: فكل واحد من الأئمة- أئمة الأمصار- قراءته روايته، ونقل الإسناد الّذي يذكره ويفصح به. وذكر ما نقل عن عطاء عن ابن عباس أنه قرأ: «فلا جناح عليه ألا يطوف بهما» [ (2) ] ، ثم قال: هو باطل، من قرأه عامدا في صلاته فقد أفسدها، وحكى عن اللَّه تعالى ما لم ينقل بإجماع المسلمين على خلافه، واحتجاج عائشة رضي اللَّه عنها خاصة، على ما قرأته، وإبطالها مذهبه. وذكر حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قلت لعائشة وأنا حديث السن: أرأيت قول اللَّه تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [ (2) ] ، فقد تطوف الناس بهما، وما أرى على أحد شيئا أن لا يطّوف بهما، فقالت: كلا يا بني، لو كانت كما تقول   [ (1) ] الرعد: 31، وقراءة حفص: أَفَلَمْ يَيْأَسِ. [ (2) ] البقرة: 158، وقراءة حفص: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 لكانت: «فلا جناح عليه ألا يطوف بهما» ، وإنما هذه الآية في الأنصار، وكانوا يهلون لمناة [ (1) ] ، وكانت مناة على قديد [ (2) ] ، وكانوا يتحرجون من الطواف بالصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن ذلك، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [ (3) ] .   [ (1) ] اسم صنم. [ (2) ] اسم جبل. [ (3) ] البقرة: 158. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 [ترتيب نزول القرآن بمكة] أول ما نزل من القرآن خمس آيات من سورة العلق بلا خلاف، كما قاله القشيريّ في أول تفسيره، قال: ثم نزل بعد ذلك ن وَالْقَلَمِ، ثم يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، ثم يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، ثم تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ، ثم إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، ثم سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ [الْأَعْلَى] ، ثم وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى، ثم وَالْفَجْرِ، ثم وَالضُّحى، ثم أَلَمْ نَشْرَحْ، ثم وَالْعَصْرِ، ثم وَالْعادِياتِ، ثم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ثم وَالنَّجْمِ إلى قوله: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى [ (1) ] ، ثم عَبَسَ، ثم إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، ثم وَالشَّمْسِ وَضُحاها، ثم وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ، ثم وَالتِّينِ، ثم لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، ثم الْقارِعَةُ، ثم لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ، ثم الهمزة، ثم وَالْمُرْسَلاتِ، ثم ق، ثم لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ، ثم الطارق، ثم اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، ثم ص، ثم الأعراف، ثم الجن، ثم يس، ثم الفرقان، ثم الملائكة، ثم مريم، ثم طه، ثم الْواقِعَةُ، ثم الشعراء، ثم النمل، ثم القصص إلى قوله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ الآية [ (2) ] ، فإنّها نزلت بالجحفة، ثم بني إسرائيل غير قوله: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ [ (3) ] ، وقوله: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ [ (4) ] ، ثم يونس، ثم الحجر، ثم الأنعام إلا قوله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [ (5) ] ، ثم وَالصَّافَّاتِ، ثم لقمان، ثم سبأ، ثم الزمر غير قوله: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ... [ (6) ] الآية، ثم حم المؤمن [ (7) ] ، ثم حم فصّلت، ثم حم عسق [ (8) ] ، ثم الزخرف، ثم الدخان، ثم الجاثية، ثم الأحقاف إلا قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ   [ (1) ] النجم: 33. [ (2) ] القصص: 85. [ (3) ] الإسراء: 76. [ (4) ] الإسراء: 80. [ (5) ] الأنعام: 91. [ (6) ] الزمر: 53. [ (7) ] سورة غافر. [ (8) ] أول الشورى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 [ (1) ] ، ثم وَالذَّارِياتِ، ثم الغاشية، ثم الكهف غير قوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ [ (2) ] ، ثم النحل غير قوله: وَإِنْ عاقَبْتُمْ [ (3) ] ، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم الأنبياء، ثم المؤمنون، ثم الم تَنْزِيلُ [ (4) ] ، ثم الطور، ثم تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ، ثم الْحَاقَّةُ، ثم سَأَلَ سائِلٌ [ (5) ] ، ثم عَمَّ يَتَساءَلُونَ [ (6) ] ، ثم إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ، ثم إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ، ثم الرُّومُ، فهذه خمس وثمانون سورة نزلت بمكة. [آخر ما نزل بمكة] وقال ابن عباس رضي اللَّه عنه: آخر ما نزل بمكة العنكبوت، وقال الضحاك وعطاء: المؤمنون، وقال مجاهد: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. وقيل فيما ذكر البغوي: إن سورة المطففين، وسورة القدر، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ أنزلت بالمدينة، وقال الزمخشريّ: المعوذتان مكيتان [ (7) ] ، وقال البغوي: مدنيتان.   [ (1) ] الأحقاف: 10. [ (2) ] الكهف: 28. [ (3) ] النحل: 126. [ (4) ] سورة السجدة. [ (5) ] سورة المعارج. [ (6) ] سورة النبأ. [ (7) ] (الكشاف) : 4/ 243- 244. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 [ترتيب نزول القرآن بالمدينة] قال أبو القاسم القشيري: أول ما نزل بالمدينة «البقرة» ، ثم «الأنفال» إلا قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ [ (1) ] ، ثم «آل عمران» ، ثم «الأحزاب» ، ثم «الممتحنة» ، ثم «النساء» ، ثم إِذا زُلْزِلَتِ، ثم «الحديد» ، ثم «سورة محمد» ، ثم «الرعد» ، ثم الرَّحْمنُ، ثم هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ، ثم «الطلاق» ، ثم لم يكن، ثم «الحشر» ، ثم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، ثم «النور» ، ثم «الحج» ، غير قوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلى قوله: عقيم، ثم «المنافقون» غير قوله: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ، ثم «المجادلة» ، ثم «الحجرات» ، ثم لِمَ تُحَرِّمُ [ (2) ] ، ثم «الصف» ، ثم «الجمعة» ، ثم «التغابن» ، ثم «الفتح» ، ثم «المائدة» ، ومنهم من يقدم المائدة على التوبة، وقرأها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في خطبته يوم حجة الوداع وقال: يا أيها الناس، إن آخر القرآن نزولا سورة المائدة، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها، واختلف في وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، فعن ابن عباس، هي مدنية، وقال الباقون: مكية. فهذه تسع وعشرون سورة [نزلت بالمدينة] [ (3) ] ، وأكثرهم على أن الفاتحة مكية، وقال مجاهد وغيره: نزلت بالمدينة. وخرج الحاكم من حديث يحيى بن معين، حدثنا وكيع عن أبيه عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: ما كان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نزل بالمدينة، وما كان يا أَيُّهَا النَّاسُ فبمكة. ومن حديث وكيع، أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قرأنا المفصل حينا وحججا، ليس فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. قال الحاكم: صحيح على شرح الشيخين [ (4) ] . ومن حديث معتمر بن سليمان، عن مثنى بن   [ (1) ] الأنفال: 64. [ (2) ] سورة التحريم. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] (المستدرك) : 3/ 20، كتاب الهجرة، حديث رقم (4296/ 40) ، وله أيضا من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد اللَّه رضي اللَّه تعالى عنه قال: قرأنا المفصل بمكة حججا ليس فيه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. (المرجع السابق) : 2/ 244، حديث رقم (2889/ 18) وقال الحاكم في آخره: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 الصباح، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا نزل جبريل فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ علم أنها سورة [ (1) ] . قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (2) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 2/ 11، حديث رقم (4218/ 228) . [ (2) ] زيادة من (المرجع السابق) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 [تتمّة مفيدة] اختلف السلف في أي سورة من القرآن أنزلت أولا، فقيل: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (1) ] ، وقيل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (2) ] ، خرج البخاري في كتاب التفسير، من حديث وكيع عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما أنزل من القرآن قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (1) ] ، قلت: يقولون: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (2) ] ، فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد اللَّه عن ذلك، وقلت له مثل الّذي قلت، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا، فأتيت خديجة فقلت: دثريني وصبّوا عليّ ماء باردا، فنزلت: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [ (1) ] . وذكر من حديث عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: جاورت بحراء ... [ (3) ] ، فذكره. ومن حديث عبد الصمد، حدثنا حرب، حدثنا يحيى، سألت أبا سلمة: أي القرآن نزل أول؟ فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فقلت: أنبئت أنه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد اللَّه: أي القرآن أنزل أول؟ فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فقلت: أنبئت أنه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، فقال: لا أخبرك إلا بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: جاورت في حراء، فلما قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وعن شمالي، فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض فأتيت خديجة فقلت: دثروني وصبوا عليّ ماء باردا، وأنزل عليّ: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ.   [ (1) ] أول سورة المدثر. (3) المدثر: 1- 3. [ (2) ] أول سورة العلق. [ (3) ] سبق شرح وتخريج هذا الحديث في باب كيف كان بدء الوحي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 وخرج مسلم في كتاب الإيمان، من حديث الأوزاعي قال: سمعت يحيى يقول: سألت أبا سلمة: أيّ القرآن أنزل؟ قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فقلت: أو اقْرَأْ؟ قال جابر: أحدثك ما حدثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وعن شمالي، فلم أر أحدا، ثم نوديت، فرفعت رأسي، فإذا هو علي العرش في الهواء- يعني جبريل عليه السلام- فأخذتني رجفة شديدة، فأتيت خديجة فقلت: دثروني، فدثروني، فصبّوا عليّ ماء، فأنزل اللَّه عز وجل: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ [ (1) ] . وخرجه من حديث علي بن المبارك عن يحيى بهذا الإسناد، قال: فإذا هو جالس على العرش بين السماء والأرض. وثبت في الصحيحين وغيرها، من حديث يونس بن يزيد قال: أخبرني ابن شهاب أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان [يخلو] بغار حراء فيتحنث فيه، قال: والتحنث: التعبد الليالي ذوات العدد. وقال مسلم: أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقْرَأْ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ، فرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يرجف فؤاده، حتى دخل على خديجة. الحديث بطوله [ (2) ] . وخرجاه من حديث ابن شهاب قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: أخبرني [ (3) ] جابر بن عبد اللَّه، أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ثم فتر الوحي عني فترة، فبينا أنا أمشي سمعت صوتا بين السماء والأرض، فرفعت رأسي، فإذا الملك   [ (1) ] المدثر: 1- 4. [ (2) ] سبق شرحه وتخريجه في باب كيف كان بدء الوحي. [ (3) ] في (خ) : «أخبرنا» ، وما أثبتناه من (صحيح مسلم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 الّذي بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فخبئت منه فرقا حتى هويت إلى الأرض، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فدثروه- وقال مسلم: فدثروني- فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ، الحديث. وقال سفيان بن عيينة: عن ابن إسحاق، إن أول شيء نزل من القرآن اقْرَأْ. وقال سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: أول ما نزل من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، [ن] وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ [ (1) ] ، وقال وكيع، عن مرة بن خالد، عن أبي رجاء قال: أول سورة أنزلت على محمد صلّى اللَّه عليه وسلم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، وقال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني معمر بن راشد عن الزهري، عن محمد بن عباد عن جعفر قال: سمعت بعض علمائنا يقول: كان أول ما أنزل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ، فهذا صدرها الّذي أنزل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حراء، ثم نزل آخرها بعد ذلك بما شاء اللَّه. قال النووي: قوله: إن أول ما نزل: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، ضعيف، بل باطل، والصواب: إن أول ما نزل على الإطلاق: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، كما صرح به في حديث عائشة رضي اللَّه عنها، وأما يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فكان نزولها بعد فترة الوحي، كما صرح به في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر، والدلالة صريحة فيه في قوله: فإذا الملك الّذي جاءني بحراء، ثم قال: وأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، ومنها قوله: ثم تتابع يعني بعد فترته، والصواب: أن أول ما نزل [على الإطلاق] [ (2) ] : اقْرَأْ، وأول ما نزل بعد فترة الوحي: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، وأما قول من قال: أول ما نزل الفاتحة، فبطلانه أظهر من أن يذكر. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن مجاهد عن أبي هريرة قال: أنزلت فاتحة الكتاب بالمدينة. حدثنا أبو أسامة عن زائدة، عن منصور، عن مجاهد عن أبي هريرة قال: أنزلت فاتحة الكتاب بالمدينة. حدثنا أبو أسامة عن زائدة، عن منصور عن مجاهد قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أنزلت بالمدينة.   [ (1) ] أول سورة القلم. [ (2) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 حدثنا أبو معاوية عن هشام، عن أبيه قال: ما كان من حج أو فريضة فإنه نزل بالمدينة، وما كان من ذكر الأمم والقرون والعذاب فإنه نزل بمكة. حدثنا وكيع عن سلمة عن الضحاك: [ما كان] [ (1) ] يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [نزل] [ (1) ] في المدينة. حدثنا وكيع عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة قال: كل شيء في القرآن يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أنزل في المدينة، وكل شيء في القرآن يا أَيُّهَا النَّاسُ نزل بمكة. حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد اللَّه- يعني ابن مسعود- رضي اللَّه عنه قال: قرأنا المفصّل حججا ونحن بمكة ليس فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب، عن عكرمة قال: كل سورة فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فهي مدنية. حدثنا أبو أحمد عن مسعر عن النضر بن قيس، عن عروة قال: ما كان يا أَيُّهَا النَّاسُ [نزل] [ (1) ] بمكة وما كان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [نزل] [ (1) ] بالمدينة. حدثنا وكيع عن ابن عون قال: ذكروا عند الشعبي قوله تعالى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ [ (2) ] ، فقيل: عبد اللَّه بن سلام، فقال: كيف يكون ابن سلام وهذه السورة مكية. حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه قال: إني لا أعلم ما نزل من القرآن بمكة وما نزل بالمدينة، فأما ما نزل بمكة فضرب الأمثال وذكر القرون، وأمّا ما نزل بالمدينة فالفرائض والحدود والجهاد. حدثنا وكيع عن سفيان، عن ابن نجيح عن مجاهد قال: أول سورة نزلت اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، ثم ن. حدثنا وكيع عن شعبة عن عمرو بن دينار قال: سمعت عبيد بن عمير يقول: أول ما نزل من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، ثم ن. حدثنا وكيع عن قرة عن أبي رجاء قال: أخذت عن أبي موسى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، وهي أول سورة أنزلت على محمد صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] الأحقاف: 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق، عن البراء قال: آخر سورة نزلت كاملة: بَراءَةٌ [ (1) ] ، وآخر آية نزلت من القرآن: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [ (2) ] ، حدثنا ابن نمير، حدثنا ابن شيبة، حدثنا مالك عن أبي السّفر عن البراء قال: آخر آية نزلت يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [ (2) ] ، حدثنا وكيع عن إسماعيل عن أبي خالد عن السّديّ قال: آخر آية نزلت: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [ (3) ] ، حدثنا ابن نمير، حدثنا مالك بن معون عن عطية العوفيّ قال: آخر آية نزلت: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [ (3) ] ، واللَّه يفعل ما يريد.   [ (1) ] أول سورة التوبة. [ (2) ] النساء: 176. [ (3) ] البقرة: 281. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 [فصل في ذكر أخذ القرآن ورؤية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالقلوب حتى دخل كثير من العقلاء في الإسلام في أول ملاقاتهم له] خرج أبو نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا منجاب ابن الحرث، أخبرنا علي بن مسهر، عن الأجلح عن الذّيال بن حرملة، عن جابر ابن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: اجتمعت قريش يوما فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الّذي قد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه فلينظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: أنت يا أبا الوليد، فأتاه عتبة فقال: يا محمد! أنت خير أم عبد اللَّه؟ فسكت، ثم قال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم قال: أنت خير أم هاشم؟ فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] فقال: وإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك، فقد عبدوا الآلهة التي عبتها. وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك، فرقت جماعتنا، وشتّت أمرنا، وفضحتنا في العرب، حتى طار في العرب أن في قريش ساحرا، وأن في قريش كاهنا، واللَّه ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى، أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى [نتفانى] [ (2) ] ، أيها الرجل! إن كان إنما بك الباءة [ (3) ] فاختر أي نساء قريش فلنزوجك عشرا، وإن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فرغت؟ قال، نعم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيراً وَنَذِيراً [ (4) ] ، حتى قرأ: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ، فقال عتبة: حسبك حسبك، ما عندك غير هذا؟ قال: لا، فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءك؟ فقال: ما تركت شيئا أرى   [ (1) ] ما بين الحاصرتين من (أبي نعيم) . [ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (3) ] الباءة: القدرة على الزواج. [ (4) ] فصلت: 1- 13 بما فيها المحذوف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 أنكم تكلمونه إلا وقد كلمته، قالوا: فهل أجابك؟ قال نعم، قال: لا والّذي نصبها بنية [ (1) ] ، ما فهمت شيئا مما قال، غير أنه قال: أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ، قالوا: ويلك! يكلمك رجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: لا واللَّه ما فهمت شيئا مما قال، غير ذكر الصاعقة [ (2) ] . وخرجه البيهقي من حديث محمد بن فضيل قال: حدثنا الأجلح عن الذّيال ابن حرملة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال أبو جهل والملأ من قريش: لقد انتشر علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر، فكلمه ثم أتانا من أمره، فقال عتبة: لقد سمعت بقول السحرة والكهّان والشعراء، وعلمت من ذلك علما، وما يخفى عليّ إن كان كذلك، فأتاه. فلما أتاه قال له عتبة: يا محمد! أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد اللَّه؟ فلم يجبه، قال: فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا؟ فإن كنت إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك، فكنت رأسا ما بقيت، وإن كان الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي أبيات قريش شئت، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني بها أنت وعقبك من بعدك، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساكت لا يتكلم. فلما فرغ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فقرأ حتى بلغ: أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ، فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: يا معشر قريش، واللَّه ما نرى عتبة إلا وقد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته انطلقوا بنا إليه، فأتوه فقال أبو جهل: واللَّه يا عتبة ما حسبنا إلا   [ (1) ] يقسم بالكعبة. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) 1/ 230- 231، حديث رقم (182) ، وأخرجه السيوطي في (الخصائص الكبرى) : 1/ 283 وقال: أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم (18409) ، والبيهقي في (دلائل النبوة) : 2/ 202- 204. وقال في (مجمع الزوائد) : 6/ 120 رواه أبو يعلي، وفيه الأجلح الكندي وثقه ابن معين وغيره، وضعفه النسائي وغيره، وبقية رجاله ثقات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب وأقسم باللَّه لا يكلم محمدا أبدا، وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا، ولكني أتيته، فقص عليهم القصة، فأجابني بشيء واللَّه ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة، قرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ حتى بلغ: فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ، فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب [ (1) ] . وخرجه من حديث ابن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن زيادة مولى بني هاشم، عن محمد بن كعب قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة [ (2) ]- وكان سيدا حكيما- قال: ذات يوم وهو جالس في نادي قريش، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالس في المسجد وحده، يا معشر قريش، ألا أقوم إلى هذا فأكلمه، فأعرض عليه أمورا لعله يقبل منا بعضها، ويكف عنا؟ قالوا: بلى يا أبا الوليد، فقام عتبة ابن ربيعة حتى جلس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فذكر الحديث فيما قال له عتبة، وفيما عرض عليه من المال والملك وغير ذلك، حتى إذا فرغ [عتبة قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أفرأيت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع منّي، قال: أفعل] [ (3) ] قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا، فمضى رسول اللَّه يقرأها عليه، فلما سمعها عتبة أنصت لها، وألقى بيديه خلف ظهره معتمدا عليهما يستمع منه، حتى انتهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى السجدة [ (4) ] فسجد فيها، ثم قال: سمعت يا أبا الوليد؟ قال: سمعت، قال: فأنت وذاك. فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف باللَّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الّذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال:   [ (1) ] انظر التعليق السابق. [ (2) ] عتبة بن ربيعة (2 هـ 624 م) . [ (3) ] ما بين الحاصرتين تكملة من (دلائل البيهقي) . [ (4) ] وهي قوله تعالى في ذات السورة: فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ، آية: 38 فصلت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 ورائي أني واللَّه سمعت قولا ما سمعت بمثله قط، واللَّه ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، يا معشر قريش! أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه، فو اللَّه ليكونن لقوله الّذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك واللَّه يا أبا الوليد بلسانه، فقال: هذا رأيي لكم، فاصنعوا ما بدا لكم، ثم ذكر شعرا يمدح به عتبة فيما قال [ (1) ] . وله من حديث المثنى بن زرعة، عن محمد بن إسحاق، عن نافع عن ابن عمر قال: لما قرأ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على عتبة بن ربيعة: حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أتى أصحابه فقال لهم: يا قوم، أطيعوني في هذا اليوم واعصوني فيما بعده، فو اللَّه لقد سمعت من هذا الرجل كلاما ما سمعت أذناي قط كلاما مثله، وما دريت ما أردّ عليه [ (2) ] . وله من حديث يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني الزهري قال: حدثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق، خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته، وأخذ كل رجل منهم مجلسا ليستمع فيه وكلا لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق، فتلاوموا وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثانية فإذا كل رجل منهم في مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا. فلما كانت الليلة الثالثة أخذ كل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود، وتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا، فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 204- 205. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 205- 206. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 حتى [أتى] [ (1) ] أبا سفيان في بيته قال: أخبرني يا أبا حنظلة، أخبرني عن رأيك فيما سمعت من محمد، فقال: يا أبا ثعلبة، واللَّه لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، فقال الأخنس: وأنا والّذي حلفت به. ثم خرج من عنده حتى [أتى] [ (1) ] أبا جهل، فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيت فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن [وبنو] عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى تدرك هذه؟ واللَّه لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه، فقام عنه الأخنس [بن شريق] [ (1) ] . وله من حديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، عن المغيرة بن شعبة قال: إن أول يوم عرفت رسول اللَّه، أني أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقّة مكة، إذ لقينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال لأبي جهل: يا أبا الحكم، هلمّ إلى اللَّه وإلى رسوله أدعوك إلى اللَّه، قال: يا محمد! هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد أن نشهد إلا أن قد بلّغت، فنحن نشهد أن قد بلغت، فو اللَّه لو أني أعلم أن ما تقول حقا ما اتبعتك، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأقبل عليّ فقال: واللَّه إني لأعلم أن ما يقول حق، ولكن بني قصي قالوا: فينا الحجابة، فقلنا: نعم، فقالوا: فينا الندوة، فقلنا: نعم، قالوا: فينا اللواء، فقلنا: نعم، قالوا: فينا السقاية، فقلنا نعم، ثم أطعمنا، حتى إذا تحاكّت الركب قالوا: منا نبيّ، واللَّه لا أفعل [ (2) ] . ولأبي نعيم من حديث سعيد، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش، وكان ذا سن فيهم، وقد حضر الموسم، فقال لهم: يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا   [ (1) ] زيادات من (دلائل البيهقي) : 2/ 206- 207. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 207. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيا واحدا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا، ويرد قولكم بعضه [بعضا] [ (1) ] ، قالوا: فأنت يا عبد شمس، قم وأقم لنا رأيا نقل به، فقال: بل أنتم تقولوا وأسمع، قالوا: نقول: إنه كاهن، قال: فما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكهان ولا سجعهم، قالوا: فنقول: إنه مجنون، قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه ولا بتخالجه ولا وسوسته، قالوا: فنقول إنه شاعر، قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله، رجزه وهزجه، وقريضه، ومقبوضة ومبسوطه، فما هو بالشاعر، قالوا: فنقول ساحر، قال: ما هو بساحر، لقد رأينا [السحرة] [ (1) ] وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده، فقالوا: فما نقول يا عبد شمس؟ قال: واللَّه إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لمغدق، وإن فرعه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه أن يقولوا: هو ساحر يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، [وبين المرء] [ (2) ] وزوجه، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 232- 233، حديث رقم (183) ، وقال في آخره: [رواه يونس ابن بكير عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس] ، ولولا ذلك لكان الحديث مرسلا، حيث قد وصله أبو نعيم بذلك. وأخرجه أيضا البيهقي في (دلائل النبوة) : 2/ 200- 201، وزاد فيه: [فجعلوا يجلسون للناس حين قدموا الموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم من أمره، فأنزل اللَّه عز وجل في الوليد بن المغيرة، وذلك من قوله: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً- إلى قوله: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ] ، [الآيات (11- 26) من سورة المدثر،] . [وأنزل اللَّه عز وجل في النفر الذين كانوا معه، ويصنعون له القول في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيما جاء به من عند اللَّه: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ* فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، أولئك النفر الذين يقولون ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لمن لقوا من الناس قال وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها.] ، [الآيتان (20- 21) من سورة الحجر] . وأخرجه أيضا ابن إسحاق في (السيرة) و (سيرة ابن هشام) : 2/ 105- 106. ذكر ابن إسحاق قول اللَّه تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً.. الآيات التي نزلت في الوليد، وفيها تهديد ووعيد شديد، لأن معنى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ أي دعني وإياه، فسترى ما أصنع به، كما قال: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ. (المرجع السابق) . وأخرجه أيضا الحاكم في (المستدرك) 2/ 550، كتاب التفسير، تفسير سورة المدثر، حديث رقم (3872/ 1009) ، وقال في آخره: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 وله من حديث سفيان بن عمرو عن عكرمة، أن الوليد بن المغيرة قال: قد سمعت الشعر رجزه وقريضه ومخمّسه، فما سمعت مثل هذا الكلام يعني القرآن- ما هو بشعر، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن له لنورا، وإن له لفرعا، وإنه يعلو ولا [يعلى] [ (1) ] . وللبيهقي من حديث عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب السجستاني، عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه، أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا، قال: لم؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا تبلغ قومك أنك منكر له أو كاره له، قال: وماذا أقول؟ فو اللَّه ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيدة مني، ولا بأشعار الجن مني، واللَّه ما يشبه الّذي يقول شيئا من هذا، واللَّه إن لقوله الّذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما [يعلى] ، وإنه ليحطم ما تحته. فقال: واللَّه لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر فيه، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر، أي يأثره عن غيره، فنزلت فيه: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [ (2) ] . قال البيهقي: هكذا حدثنا موصولا. وفي حديث حماد بن زيد عن أيوب، عن عكرمة قال: جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال له: اقرأ عليّ، فقرأ عليه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ (3) ] ، قال: أعد، فأعاد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: [أي الوليد] :   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) : 1/ 234- 235، حديث رقم (186) ، وقد انفرد به أبو نعيم وهو حديث مرسل، وهو بعض حديث ابن عباس الّذي أخرجه الحاكم في (المستدرك) : 2/ 550، حديث رقم (3872/ 1009) في كتاب التفسير/ تفسير سورة المدثر. [ (2) ] المدثر: 11. [ (3) ] النحل: 90. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 واللَّه إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما يقول هذا بشر. قال: وكذلك رواه معمر عن عباد بن منصور، عن عكرمة مرسلا، ورواه أيضا معتمر بن سليمان عن أبيه، فذكره أتم من ذلك مرسلا، وكل ذلك يؤكد بعضه بعضا. وله من حديث يونس بن بكير عن ابن إسحاق [قال: حدثني محمد بن أبي محمد عن ابن عباس] [ (1) ] ، أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش- وكان ذا سنّ فيهم- وقد حضر الموسم فقال: إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيا واحدا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا، ويرد قول بعضكم بعضا. فقالوا: أنت يا أبا عبد شمس، فقل وأقم لنا رأيا نقوم به، فقال: بل أنتم، فقولوا أسمع، فقالوا: نقول كاهن، فقال ما هو بكاهن، لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسحره، فقالوا: نقول مجنون، فقال: ما هو بمجنون، ولقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه ولا مخالجته ولا وسوسته، قال: فنقول شاعر، قال: ما هو بشاعر، قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه، ومقبوضة ومبسوطه، فما هو بالشعر، قال: فنقول ساحر، فما هو بساحر، قد رأينا السّحار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده، قالوا: ما تقول يا أبا عبد شمس؟ قال: واللَّه إن لقوله حلاوة، إن أصله لمغدق، وإن فرعه لجني، فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول لأن تقولوا: ساحر، فيقولوا: ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين المرء وبين أخيه، وبين المرء وبين [زوجه] ، وبين المرء وبين عشيرته، فيتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون للناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم من أمره، فأنزل اللَّه تعالى في الوليد ابن المغيرة [من] قوله: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً إلى قوله: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ، وأنزل اللَّه في النفر الذين كانوا معه ويطيعون له القول في رسول اللَّه فيما جاء به من هدي اللَّه: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ، أي أصنافا، فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، أولئك النفر الذين يقولون ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لمن أتوا من   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) : 2/ 198- 199، باب اعتراف مشركي قريش بما في كتاب اللَّه تعالى من الإعجاز، وأنه لا يشبه شيئا من لغاتهم، مع كونهم من أهل اللغة وأرباب اللسان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 الناس قال: وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها [ (1) ] . وله من حديث يونس عن ابن إسحاق، عن شيخ من أهل مصر، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قام النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ فقال: يا معشر قريش، واللَّه لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله، لقد كان فيكم محمد غلاما حدثا، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر، لا واللَّه ما هو بساحر، قد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم: شاعر، لا واللَّه ما هو بشاعر، لقد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها، هزجه ورجزه وقريضه، وقلتم: مجنون، ولا واللَّه ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه، يا معشر قريش! انظروا في شأنكم، فإنه واللَّه لقد نزل بكم أمر عظيم، وكان النضر من شياطين قريش وممن كان يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وينصب له العداوة [ (2) ] . وخرج مسلم من حديث عبد [الأعلى] [وهو أبو همام [ (3) ]] قال: حدثنا داود عن عمرو بن سعيد عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه: أن ضمادا قدم مكة، وكان من أزد شنوءة، وكان يرقي من هذه الريح، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل اللَّه يشفيه على يدي، قال: فلقيه فقال: يا محمد، إني أرقي من هذه الريح، وإن اللَّه يشفي علي يدي من شاء، فهل لك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن الحمد للَّه، نحمده ونستعينه، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد، قال: فقال: أعد عليّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاث مرات، قال: فقال: [لقد] [ (3) ] سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر، فقال: هات يدك   [ (1) ] المرجع السابق: 201. [ (2) ] المرجع السابق: 201- 202. [ (3) ] زيادة من (صحيح مسلم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 أبايعك على الإسلام، قال: فبايعه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: وعلى قومك؟ قال: وعلى قومي، قال فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سريّة فمروا بقومه، فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت مطهرة، فقال: ردوها، فإن هؤلاء قوم ضماد [ (1) ] . وقال الواقدي: حدثنا محمد بن سليط عن أبيه عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن العدوي قال: قال ضماد: قدمت مكة معتمرا، فجلست مجلسا فيه أبو جهل، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، فقال أبو جهل: هذا الرجل الّذي فرق جماعتنا، وسفّه أحلامنا، وضلل من مات منا، وعاب آلهتنا، فقال أمية: الرجل مجنون غير شك، قال ضماد: فوقعت في نفسي كلمته وقلت: إني رجل أعالج من هذه الريح، فقمت من ذلك المجلس وأطلب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم أصادفه ذلك اليوم، حتى كان الغد فجئته فوجدته جالسا خلف المقام يصلي، فجلست حتى فرغ، ثم جلست إليه فقلت: يا ابن عبد المطلب! فأقبل عليّ فقال: ما تشاء؟ فقلت: إني أعالج من الريح، فإن أحببت عالجتك، ولا يكثرن ما بك، فقد عالجت من كان به أشدّ مما بك فبرأ، وسمعت قومك يذكرون فيك خصالا سيئة، من تسفيه أحلامهم، وتفريق جماعتهم، وتضليل من مات منهم، وعبت آلهتهم، فقلت: ما فعل هذا إلا رجل به جنه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: الحمد للَّه أحمده، وأستعينه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال ضماد: فسمعت كلاما لم أسمع كلاما قط أحسن منه، فأستعيده الكلام فأعاد عليّ، فقلت: إلى ما تدعو؟ قال: إلى أن تؤمن باللَّه وحده لا شريك له، وتخلع الأوثان من رقبتك، وتشهد أني رسول اللَّه، فقلت: فماذا إليّ إن فعلت؟ قال: لك الجنة، قلت: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأخلع الأوثان من رقبتي، وأبرأ منها، وأشهد أنك عبد اللَّه ورسوله، فأقمت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم علمت سورا كثيرة من القرآن، ثم رجعت إلى قومي، قال عبد اللَّه بن عبد الرحمن   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 405- 406، كتاب الجمعة باب (13) تخفيف الصلاة والخطبة، حديث رقم 46- (868) ، (دلائل البيهقي) : 2/ 223- 224، باب إسلام ضماد وما ظهر له فيما سمع من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من آثار النبوة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 العدوي: فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه في سرية، فأصابوا عشرين بعيرا بموضع كذا، واستاقوها، وبلغ علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أنهم قوم ضماد، فقال: ردوها إليهم، فردّت. وخرج البخاري ومسلم من حديث مالك عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير ابن مطعم، عن أبيه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ بالطور في المغرب [ (1) ]- وقال البخاري: قرأ في المغرب بالطور- ترجم عليه: باب الجهر في المغرب. وخرجه مسلم من حديث أبي بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، قالا: حدثنا سفيان. ومن حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس. ومن حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، كلهم عن الزهري بهذا الإسناد مثله. وخرجه البخاري في كتاب التفسير [ (2) ] من حديث الحميدي، حدثنا سفيان، حدثوني عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ* أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [ (3) ] ، كاد قلبي أن يطير، قال سفيان: فأما أنا فإنما سمعت الزهري يحدث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، لم أسمعه الّذي قالوا لي. وخرج في كتاب المغازي في غزوة بدر، من حديث عبد الرزاق، حدثنا معمر عن الزهري، عن محمد بن جبير عن أبيه قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي، وذكره في كتاب الجهاد في باب فكاك الأسير، من حديث عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن محمد بن جبير عن أبيه- وكان جاء في أسارى بدر- قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور [ (4) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 315، كتاب الأذان، باب (99) الجهر في المغرب، حديث رقم (765) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 776، كتاب التفسير، باب (1) ، حديث رقم (4854) ، 7/ 410، كتاب المغازي: باب (12) ، حديث رقم (4023) ، 6/ 206، كتاب الجهاد والسير، باب (172) فداء المشركين، حديث رقم (3050) . [ (3) ] الطور: 35- 37. [ (4) ] (فتح الباري) : 7/ 410، كتاب المغازي، باب (12) حديث رقم (4023) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 قال أبو عمر بن عبد البر- وقد ذكر حديث مالك-: وفي هذا الحديث شيء سقط من رواية ابن شهاب، وهو شيء حسن من الفقه، وذلك أن جبير ابن مطعم سمع هذا الحديث من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو كافر، وحدث به وهو مسلم. قال: وقد روى هذه القصة فيه عن مالك عن علي بن الربيع بن الركين، وإبراهيم بن علي التميمي المقرئ، جميعا عن مالك عن الزهري، عن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في فداء أسارى بدر، فسمعته يقرأ في المغرب بالطور، ولم أسلم يومئذ، فكأنما صدع قلبي، وقال لو كان مطعم حيا وكلمني في أسارى بدر لتركتهم له، ولم نتابع هذان على سياقه هذا الحديث بهذا اللفظ عن مالك. وقد رواه كذلك عن ابن شهاب، أسامة بن زيد الليثي وغيره، روى ابن وهيب عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب أسامة بن زيد الليثي وغيره: روى ابن وهب عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، أنه جاء في فداء أسرى بدر قال: فوافقت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب بالطور وكتاب مسطور، فأخذني من قراءته كالكرب، فكان ذلك أول ما سمعت من أمر الإسلام. وذكر من طريق قاسم بن أصبغ حديث سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري يحدث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، قال سفيان: قال سمعته يقول: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ قال: فكاد يطير قلبي. قال: ورواه يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب، فجعل موضع المغرب العتمة، إلا أنه من رواية ابن لهيعة، فذكر حديث أسد بن موسى قال: حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا يزيد بن أبي حبيب، أن ابن شهاب كتب إليه قال: حدثني محمد ابن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قدمت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في فداء أسارى بدر، فسمعته يقرأ في العتمة بالطور. ورواه سفيان بن حسين- على الشك- في العتمة أو المغرب، فذكر حديث أبي عبيد قال: حدثنا هيثم، أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري، قال هيثم: ولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 أظني إلا وقد سمعته من الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأكلمه في أسارى بدر، فوافقته وهو يصلي بأصحابه المغرب، أو العشاء، فسمعته وهو يقول أو يقرأ- وقد خرج صوته من المسجد- إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ [ (1) ] ، قال: فكأنما صدع قلبي، فلما فرغ من صلاته كلمته في أسارى بدر فقال: شيخك أو الشيخ لو كان أتانا فيهم شفعناه، يعني أباه المطعم بن عدي. قال أبو عبيد: قال هيثم وغيره: كانت له عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدا، قال ابن عبد البر: كانت يد المطعم بن عدي عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في شأن الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم، وهو أيضا أجار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين قدم من الطائف من دعاء ثقيف، أجاره هو ومن كان معه يومئذ. وخرج أبو نعيم من حديث أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما: لما أمر اللَّه نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج إلى [منى] وأنا معه وأبو بكر رجلا نسّابة [ (2) ] ، فوقف على منازلهم، فسلم عليهم فردوا السلام، وكان في القوم مفروق بن عمرو، وهاني بن قبيصة، والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك، وكان أقرب القوم إلى أبي بكر مفروق، وكان مفروق قد غلب عليهم بيانا ولسانا، فالتفت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال له: إلى ما تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجلس، وقام أبو بكر رضي اللَّه عنه يظله بثوبه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأني رسول اللَّه، وأن تؤووني وتمنعوني وتنصروني، حتى أؤدي عن اللَّه الّذي أمرني به، فإن قريشا قد تظاهرت على أمر اللَّه، فكذبت رسوله، واستغنت بالباطل عن الحق، واللَّه هو الغني الحميد، قال له: وإلى ما تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فتلا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ إلى قوله: وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ (3) ] ،   [ (1) ] الطور: 7- 8. [ (2) ] نسّابة: عالم بالأنساب. [ (3) ] الأنعام: 151- 153 [آيات الوصايا العشر] . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 فقال له مفروق: وإلى ما تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فو اللَّه ما هذا من كلام أهل الأرض، ولو كان من كلامهم لعرفناه، فتلا عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [ (1) ] الآية، فقال له مفروق: دعوت واللَّه يا قريشيّ إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك، وقال هانئ بن قبيصة: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، وصدقت قولك، وقال المثنى ابن حارثة: قد سمعت مقالتك واستحسنت قولك، وأعجبني ما تكلمت به. ثم قال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أرأيتم أن تلبثوا إلا يسيرا حتى يمنحكم اللَّه تعالى بلادهم وأموالهم- يعني أرض فارس وأنهار كسرى- ويفرشكم بناتهم، أتسبحون اللَّه وتقدسونه؟ قال له النعمان بن شريك: وأي ذلك لك يا أخا قريش؟ فتلا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [ (2) ] ، الآية. ثم نهض قابضا على يد أبي بكر رضي اللَّه عنه، ولما سمع أكثم بن صيفي قول اللَّه سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [ (3) ] ، استجاب للإسلام أول ما قرئ عليه القرآن، وقال: إنه يأمر بمكارم الأخلاق [ (4) ] . وخرج الحرث بن أبي أسامة من حديث داود بن المحبّر، حدثنا أبو الأشهب عن الحسن عن قيس بن عاصم المنقري، أنه قدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رآه قال: هذا سيد ذي وبر، قال: فسلمت عليه فقلت: يا رسول اللَّه، المال الّذي لا ينفقه [علي منه في ضيف أضافه] [ (5) ] أو عيال وإن كثروا؟ قال: نعم، المال الأربعون، فإن كثر فستون، ويل لأصحاب المئين، ويل لأصحاب المئين، إلا من أدى حق اللَّه في رسلها ونجدتها، وأطرق فحلها وأفقر ظهرها، وحمل على ظهرها ومنح   [ (1) ] النحل: 7- 8. [ (2) ] الأحزاب: 45- 46. [ (3) ] النحل: 90. [ (4) ] حديث أبان بن عبد اللَّه البجلي في عرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نفسه على قبائل العرب، وقصة مفروق ابن عمرو وأصحابه، ذكره البيهقي في (دلائل النبوة) : 2/ 422- 427، أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 282- 288، حديث رقم (214) ، ذكره أبو نعيم مطولا، وقال ابن حجر: وأخرجه الحاكم، والبيهقي في (الدلائل) بإسناد حسن. [ (5) ] كذا في (خ) ، ولا يخفى اضطراب السياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 عزيزها، ونحر سمينها، وأطعم القانع والمعتر، فقلت: يا رسول اللَّه! ما أكرم هذه الأخلاق وأحسنها، ثم قال: يا قيس، أما لك أحب إليك أم مولاك؟ قال: قلت: بل مالي، قال: فإنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت، وما بقي فلوارثك، قلت: واللَّه يا نبي اللَّه، لئن بقيت لأدعن عددها قليلا. قال الحسن: ففعل رحمه اللَّه. قال أبو نعيم: رواه زناد الجصاص عن الحسن مثله. وخرج أبو نعيم من حديث السّدي، عن أبي مالك عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قدم [ (1) ] ملوك حضرموت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، بنو وليعة حمد ومخوس ومشرح وأبضعة، وأختهم العمردة، وفيهم الأشعث بن قيس- وهو أصغرهم- فقالوا: أبيت اللعن [ (2) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لست ملكا، أنا محمد بن عبد اللَّه، قالوا: لا نسميك باسمك، قال: لكن اللَّه سماني، وأنا أبو [القاسم] [ (3) ] ، قالوا: يا أبا القاسم، إنا قد خبأنا لك خبئا [ (4) ] فما هو؟ وكانوا قد خبئوا [لرسول اللَّه] [ (5) ] عين جرادة في حميت [ (6) ] سمن- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: سبحان اللَّه! إنما يفعل ذلك بالكاهن [ (7) ] ، وإن الكاهن والكهانة والتكهن في النار، فقالوا: كيف نعلم أنك رسول اللَّه؟ فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كفا من حصباء فقال: هذا يشهد أني رسول اللَّه، فسبح الحصباء في يده وقالوا: نشهد أنك رسول اللَّه، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه بعثني بالحق، وأنزل علي كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أثقل في الميزان من الجبل العظيم، وفي الليلة الظلماء في مثل نور الشهاب.   [ (1) ] في (دلائل أبي نعيم) : «وفد» . [ (2) ] أبيت اللعن: يدخل به على الملوك. قال النابغة الذبيانيّ: أتاني أبيت اللعن أنك لمتني ... وتلك التي أهتمّ منها وأنصب [ (3) ] زيادة للسياق من (أبي نعيم) . [ (4) ] في (خ) : «خبيئا» ، وما أثبتناه من المرجع السابق، وبها جاء التنزيل، قال تعالى: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النمل: 25] . [ (5) ] زيادة للسياق من (أبي نعيم) . [ (6) ] الحميت: إناء للسمن أو الزيت. [ (7) ] في المرجع السابق: «إنما يفعل ذلك الكهان» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 قالوا: فأسمعنا منه، فتلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا [ (1) ] حتى بلغ وَرَبُّ الْمَشارِقِ [ (1) ] ، ثم سكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وسكن روعه، فما يتحرك منه شيء، ودموعه تجري على لحيته، فقالوا: إنا نراك تبكي! أفمن مخافة من أرسلك تبكي؟ قال: إن خشيتي منه أبكتني، بعثني على صراط مستقيم في مثل حد السيف، إن زغت عنه هلكت، ثم تلا: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [ (2) ] إلى آخر الآية [ (3) ] . واللَّه يؤتي فضله من يشاء.   [ (1) ] الصافات: 1- 5، وفي (خ) ، «المشارق والمغارب» وهو خطأ من الناسخ. [ (2) ] الإسراء: 86. [ (3) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) 1/ 237- 238، حديث رقم (190) ، والسيوطي في (الخصائص) : 2/ 305 عنه، وفيه الحكم بن ظهير متروك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي ّ [ (1) ] وروى إبراهيم بن سعيد عن محمد بن إسحاق، وروى الواقدي أيضا من حديث عبد اللَّه بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون الدوسيّ- وله حلف في قريش- قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة، ويدعوهم إلى النجاة [مما] [ (2) ] هم فيه، وجعلت قريش حين منعه اللَّه منهم يحذرونه الناس، ومن قدم عليهم من العرب. وكان الطفيل بن عمرو الدوسيّ يحدث أنه قدم مكة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بها، ومشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا، فقالوا له: يا طفيل! إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الّذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وفرق جماعتنا، وإنما قوله كالسّحرة، يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه ولا تسمع منه، قالوا: فو اللَّه ما زالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه، حتى حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا [ (3) ] ، فرقا أن يبلغني من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه. قال: فغدوت المسجد، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، قال: فقمت قريبا منه، فأبى إلا أن يسمعني بعض قوله، قال: فسمعت كلاما حسنا قال: فقلت في نفسي: وا ثكل أمي، واللَّه إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الّذي يأتي به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته، قال: فمكثت حتى انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بيته، فأتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد! إن قومك قالوا لي: كذا وكذا، فو اللَّه ما برحوا يخوفوننى أمرك حتى سددت أذني   [ (1) ] هو الطّفيل بن عمرو الدوسيّ، صاحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، كان سيدا مطاعا من أشراف العرب، ودوس بطن من الأزد، وكان الطفيل يلقب ذا النور، أسلم قبل الهجرة بمكة. له ترجمة مطولة في: (سير أعلام النبلاء) : 1/ 344- 347، ترجمة رقم (75) ، (طبقات ابن سعد) : 4/ 237، (طبقات خليفة) : 13/ 224، (تاريخ خليفة) : 111، (الجرح والتعديل) : 4/ 489. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] الكرسف: القطن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 بكرسف لأن لا أسمع قولك، ثم أبي اللَّه أن يسمعنيه، فسمعت قولا حسنا فاعرض عليّ أمرك، قال: فعرض عليّ الإسلام، وتلا علي القرآن، قال: فو اللَّه ما سمعت قولا قط أحسن ولا أمرا أعدل منه. قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي اللَّه، إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم داعيهم إلى الإسلام، فادع اللَّه أن يجعل لي آية تكن لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: اللَّهمّ اجعل له آية، فخرجت إلى قومي، حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر، وقع نور بين عيني مثل المصباح، فقلت: اللَّهمّ في غير وجهي، فإنّي أخشى أن يظنوا أنها مثله وقعت في وجهي لفراقي دينهم. قال: فتحول، فوقع في رأس سوطي، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأنا أنهبط إليهم من الثنية، حتى جئتهم وأصبحت فيهم، فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخا كبيرا فقلت: إليك عني [يا أبت] [ (1) ] ، فلست منك ولست مني، قال: ولم أي بني؟ قال: قلت أسلمت وتابعت دين محمد، قال: فديني دينك، واغتسل وطهر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم. قال: ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني، فلست منك ولست مني [قالت] [ (2) ] لم؟ بأبي أنت وأمي، قال: قلت: فرق بين وبينك الإسلام، أسلمت وتابعت دين محمد، قالت: فديني دينك، فأسلمت، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطئوا عليّ، ثم جئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة فقلت: يا نبي اللَّه! إنه قد غلبني على دوس الزنا [ (3) ] ، فادع اللَّه عليهم، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا، ارجع إلى قومك فادعهم وأرفق بهم، فرجعت فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة، وقضى بدرا وأحدا والخندق، ثم قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمن أسلم من قومي، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «قد غلبني دوس فادع اللَّه عليهم» . [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 238- 240، حديث رقم (191) ، (طبقات ابن سعد) : 4/ 237- 240، (سيرة ابن هشام) : 2/ 226- 229. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 وقال هشام بن محمد، عن أبيه محمد بن السائب الكلبي: وطفيل بن ذي النون بن طريف بن العاص، وفد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: نبي اللَّه! إن دوسا قد غلب عليها الزنا فادع اللَّه عليهم، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا، فقال: يا رسول اللَّه، ابعثني إليهم ففعل، فقال: اجعل لي آية يهدون بها، فقال: اللَّهمّ نوّر له، فسطع نور بين عينيه، فقال: يا رب، أخاف أن يقولوا: مثله، [فحوّله] [ (1) ] إلى طرف سوطه، وكان يضيء في الليلة الظلماء، فقال يا رسول اللَّه، اجعلنا ميمنتك، واجعل شعارنا مبرور بفعله، فشعار الأزد اليوم كلها مبرور. ثم قتل يوم اليمامة، وقتل ابنه عمرو بن الطفيل يوم اليرموك [ (2) ] . وخرج أبو نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الحميد ابن صالح، حدثنا محمد بن أبان، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن أبان بن صالح، عن مجاهد عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: سألت عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، وخرجت بعده بثلاثة أيام، فإذا فلان بن فلان بن فلان المخزومي، فقلت له: أرغبت عن دين آبائك واتبعت دين محمد؟ قال: إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقا مني، قلت: من هو؟ قال: أختك وختنك [ (3) ] ، قال: فانطلقت فوجدت الباب مغلقا وسمعت همهمة، قال: ففتح لي الباب، فدخلت فقلت: ما هذا أسمع عندكم؟ قالوا: ما سمعت شيئا، فما زال الكلام بيني وبينهم حتى أخذت برأس ختني، فضربته ضربة وأدميته، فقامت إليّ أختي فأخذت برأسي فقالت: قد كان ذلك على رغم أنفك، فاستحييت [ (4) ] حين رأيت الدم، فجلست وقلت: أروني هذا الكتاب، فقالت أختي: إنه لا يمسه إلا المطهرون، فإن كنت صادقا فقم فاغتسل، قال: فقمت واغتسلت وجئت فجلست، فأخرجوا إلي صحيفة فيها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [قلت: أسماء طاهرة طيبة [ (5) ]] ، طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 288. [ (3) ] الختن: زوج الأخت. [ (4) ] في (خ) : «فاستخبئته» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) . [ (5) ] كذا في (خ) ، وفي (أبي نعيم) : «قلت: أما ظاهره طيب» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 [الْقُرْآنَ] لِتَشْقى [ (1) ] إلى قوله: الْأَسْماءُ الْحُسْنى [ (1) ] ، فتعظمت في صدري وقلت: من هذا أفرّت قريش؟ ثم شرح اللَّه صدري إلى الإسلام فقلت: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، قال: فما في الأرض نسمة أحب إليّ من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قلت: أين رسول اللَّه؟ قالت: عليك عهد اللَّه وميثاقه أن لا تجبهه بشيء يكره؟ قلت: نعم، قالت: فإنه في دار أرقم بن أبي الأرقم، في دار عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في البيت، فضربت الباب، فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قال: افتحوا له، فإن قبل قبلنا منه، وإن أدبر قتلناه، قال: فسمع ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قال: فخرج رسول اللَّه فأخذ بمجامع ثيابه، ثم نتره نترة فما تمالك أن يقع على ركبتيه في الأرض، فقال: ما أنت [بمنته يا عمر! قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فكبّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد. قلت: يا رسول اللَّه، ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا؟ قال: بلى- والّذي نفسي بيده- إنكم لعلى الحق إن متّم وإن حييتم، قال: فقلت: فيم الاختفاء؟! والّذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين [ (2) ] حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إليّ قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: الفاروق، أفرق بين الحق والباطل] [ (3) ] . [قال ابن إسحاق: حدثني عبد اللَّه بن أبي نجيح المكيّ عن أصحابه: عطاء، ومجاهد أو عمن روى ذلك، أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه، أنه كان يقول: كنت للإسلام مباعدا، وكنت صاحب خمر في الجاهلية، أحبها وأسرّ بها] [ (4) ] ، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة، عند دور آل عمر بن عبد   [ (1) ] طه: 1- 8. [ (2) ] كناية عن إثارة الغبار أثناء مشيهم. [ (3) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) : 1/ 241- 243، باب إسلام عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (192) ، (حلية الأولياء) : 1/ 40. [ (4) ] ما بين الحاصرتين سقط في (خ) ، وما أثبتناه من (سيرة ابن هشام) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 ابن عمران المخزومي، قال: فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك، قال: فجئتهم، فلم أجد فيه منهم أحدا، فقلت: لو أني جئت فلانا الخمار، وكان بمكة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها، قال: فخرجت، فجئته فلم أجده. قال: فقلت: لو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين، قال: فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يصلي، وكان إذا صلّى استقبل الشام، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، وكان مصلاه بين الركنين: الركن الأسود، والركن اليماني. قال: فقلت حين أتيته: واللَّه لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول، فقلت: لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنّه، فجئت من قبل الحجر، فدخلت تحت ثيابها، فجعلت أمشي رويدا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن، حتى قمت في قبلته مستقبله، ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة. قال: فلما سمعت القرآن رقّ له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام، فلم أزل قائما في مكاني ذلك، حتى قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صلاته ثم انصرف، وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين، وكان طريقه حتى يجزع [ (1) ] المسعى، ثم يسلك بين دار عباس بن عبد المطلب، وبين دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري، ثم على دار الأخنس بن شريق، حتى يدخل بيته، وكان مسكنه صلّى اللَّه عليه وسلم في الدار الرقطاء [ (2) ] التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان. قال عمر رضي اللَّه تعالى عنه: فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر أدركته، فلما سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حسي عرفني، فظن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أني إنما تبعته لأوذيه فنهمني [ (3) ] ثم قال: ما جاء بك يا ابن الخطاب هذه الساعة؟ قال: قلت: لأؤمن باللَّه وبرسوله، وبما جاء به من عند اللَّه. قال: فحمد اللَّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم قال: قد هداك اللَّه يا عمر، ثم مسح صدري، ودعا لي بالثبات. ثم انصرفت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بيته [ (4) ] .   [ (1) ] يجزع: يقطع. [ (2) ] الرقطاء: الملونة. [ (3) ] نهمني: زجرني. [ (4) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 191- 192 فصل: ما رواه عطاء ومجاهد عن إسلام عمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 واعلم أن من أمهات شرائعه وقبولها وانقياده له عليه السلام، من أوضح الدلائل، وتتضمن هذه القصة أيضا إسلام عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، رضي اللَّه عنهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 [الهجرة الأولى إلى الحبشة] وخرج البيهقي من حديث يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام [المخزوميّ] [ (1) ] ، عن أم سلمة [بنت أبي أمية بن المغيرة] [ (1) ] ، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنها قالت: لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في منعة من قومه ومن عمه، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه. فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل اللَّه لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه، فخرجنا إليه أرسالا، حتى اجتمعنا بها، فنزلنا خير دار إلى خير جار، أمنا على ديننا ولم نخش منه ظلما. فلما رأت قريش أنا قد أصبنا دارا وأمنا، اجتمعوا على أن يبعثوا إليه فينا فيخرجونا من بلاده، وليردونا عليهم، فبعثوا عمرو بن العاص، وعبد اللَّه بن أبي ربيعة، فجمعوا له هدايا ولبطارقته، فلم يدعوا منهم رجلا إلا هيئوا له هدية على حدة، وقالوا لهم: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا فيهم، ثم ادفعوا إليه هداياه، وإن استطعتما أن يردهم عليكم قبل أن يكلمهم فافعلوا. فقدما عليه، فلم يبق بطريق من بطارقته إلا قدّموا إليه هديته وكلموه، فقالوا له: إنا قدمنا على هذا الملك في سفهاء من سفهائنا، فارقوا أقوامهم في دينهم، فلم يدخلوا في دينكم، فبعثنا قومهم ليردهم الملك عليهم، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل، فقالوا: نفعل. ثم قدّموا إلى النجاشيّ هداياه، وكانت من أحب ما يهدى إليه من مكة الأذفر [ (2) ] ، فلما أدخلوا عليه هداياه قالوا: أيها الملك، إن فئة منا سفهاء فارقوا   [ (1) ] زيادة في النسب من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] في المرجع السابق: «الأدم» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لجئوا إلى بلادك، فبعثنا إليك فيهم عشائرهم وآباؤهم وأعمامهم وقومهم، لتردهم عليهم، فهم أعلى بهم عينا [ (1) ] وأعلم بما عابوه عليهم. فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك، لو رددتهم عليهم كانوا هم أعلى بهم عينا [ (1) ] ، وأعلم بما عابوه عليهم، فإنّهم لم يدخلوا في دينك فتمنعهم بذلك، فغضب ثم قال لعمرو: واللَّه لا أردهم إليهم حتى أدعوهم فأكلمهم وانظر ما أمرهم، قوم لجئوا لبلادي، واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما تقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم، لم أخل ما بينهم وبينهم، ولم أنعمهم عينا. فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم، ولم يكن شيء أبغض إلى عمرو بن العاص وعبد اللَّه بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم، فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم فقال: ماذا تقولون؟ قالوا: وماذا نقول؟ نقول: واللَّه ما نعرف وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاءنا به نبينا كائن في ذلك ما كان. فلما دخلوا عليه كان الّذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، فقال له النجاشيّ: ما هذا الدين الّذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا في يهودية ولا نصرانية، فما هذا الدين؟ فقال جعفر: أيها الملك، كنا قوما على الشرك، نعبد الأوثان ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، ولا نحل شيئا ولا نحرمه، فبعث اللَّه إلينا نبيا من أنفسنا، نعرف وفاءه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد اللَّه وحده لا شريك له، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلي للَّه ونصوم له، ولا نعبد غيره. قال: فقال: هل معك شيء مما جاء به؟ - وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله- فقال له جعفر: نعم فقال: هلم فاتل عليّ ما جاء به، فقرأ   [ (1) ] أي أبصر بهم من غيرهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 عليه صدرا من كهيعص [ (1) ] ، فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكوا أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى عليه السلام، انطلقوا راشدين، لا واللَّه لا أردّهم عليكم ولا أنعمكم عينا. فخرجنا من عنده وكان أبقى الرجلين فينا: عبد اللَّه بن أبي ربيعة، فقال عمرو ابن العاص: واللَّه لآتيه غدا بما أستأصل به خضراءهم، ولأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الّذي يعبد- عيسى ابن مريم- عبد، فقال له عبد اللَّه بن أبي ربيعة: لا تفعل، فإنّهم وإن كانوا خالفونا، فإن لهم رحما ولهم حق، فقال: واللَّه لأفعلن. فلما كان الغد، دخل عليه فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما، فأرسل إليهم فاسألهم عنه، فبعث إليهم ولم ينزل بنا مثلها، فقال بعضنا لبعض: ماذا تقولون له في عيسى إن هو سألكم عنه؟ فقال: نقول واللَّه الّذي قاله فيه، والّذي أمرنا به نبينا أن نقول فيه، فدخلوا عليه وعنده بطارقته، فقال: ما تقولون في عيسى [ابن] [ (2) ] مريم؟ فقال له جعفر: نقول: هو عبد اللَّه ورسوله، وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فدلى النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عويدا بين إصبعيه فقال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العويد [ (3) ] ، فتناخرت [ (4) ] بطارقته فقال: وإن تناخرتم [ (4) ] واللَّه، اذهبوا فأنتم سيوم- والسّيوم الآمنون- من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم (ثلاثا) ، ما أحب أن لي دبرا، أو أني آذيت رجلا منكم- والدّبر بلسانهم: الذهب- فو اللَّه ما أخذ اللَّه مني الرشوة حين ردّ عليّ ملكي، فآخذ الرشوة فيه ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه؟ ردّدوا عليهما هداياهما ولا حاجة لي بها واخرجا من بلادي.   [ (1) ] مريم: 1. [ (2) ] زيادة للسياق والبيان. [ (3) ] العويد: تصغير عود. [ (4) ] نخر: صوّت من خياشيمه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 فرجعا مردودين مقبوحين، مردودا عليهما ما جاءا به، وأقمنا مع خير جار في خير دار، فلم ينشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فو اللَّه ما علمنا حربا قط كان أشد منه فرقا من أن يظهر ذلك الملك عليه، فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرفه، فجعلنا ندعوا اللَّه ونستنصره للنجاشي، فخرج إليه سائرا، فقال أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعضهم لبعض: من رجل يخرج [فيحضر] [ (1) ] الوقعة ينظر على ما تكون؟ فقال الزبير- وكان من أحدثهم سنا-: أنا، فنفخوا له قربة جعلها في صدره، ثم خرج فسبح عليها في النيل حتى خرج من شقه الآخر إلى حيث التقى الناس، فحضر الوقعة، فهزم اللَّه ذلك الملك وقتله، وظهر النجاشي عليه. فجاءنا الزبير فجعل يليح إلينا بردائه ويقول: ألا أبشروا، فقد أظهر اللَّه النجاشي، فو اللَّه ما علمنا فرحنا بشيء قط فرحنا بظهور النجاشيّ، ثم أقمنا عنده حتى خرج من خرج منا راجعا إلى مكة، وأقام من أقام. وقد رويت قصة الهجرة إلى الحبشة وإسلام النجاشيّ من طرق عديدة، مطولة ومختصره [ (2) ] . وقال محمد بن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن راشد مولى حبيب ابن أوس، عن حبيب قال: حدثني عمرو بن العاص، حدثه من فيه إلى أذني قال: لما انصرفنا من الخندق جمعت رجالا من قريش يسمعون مني فقلت لهم: أترون رأيي وتسمعون مني؟ قالوا: نعم، قلت: إني أرى أمر محمد يعلو الأمور كلها علوا شديدا، وإني قد رأيت [رأيا] [ (3) ] ما ترون فيه؟ قالوا: ما هو؟ قلت: أرى أن ألحق في النجاشي، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فنكون تحت يديه أحب إلينا [من] [ (3) ] أن نكون تحت يدي محمد، وإن ظهر قومنا على محمد، فهم من قد [عرفتموهم] [ (3) ] ولا رأينا منهم إلا خيرا، فقالوا: إن هذا للرأي، فقلت: فأجمعوا هدايا نهدها له- وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم.   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 301- 304، (دلائل أبي نعيم) : 1/ 247- 250، حديث رقم (194) ، (حلية الأولياء) 1/ 115. [ (3) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 قال: فجمعنا أدما كثيرا، وخرجنا حتى قدمنا عليه، فو اللَّه إنا لعنده حتى جاء عمرو بن أمية الضمريّ- وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد بعثه في شأن جعفر وأصحابه- قال: فدخلوا عليه ثم خرجوا من عنده، فقلت لهم: - يعني أصحابه- هذا عمرو بن أمية الضمريّ، فلو قد دخلت عليه، فقدمنا إليه هداياه فسألته إياه لأعطانيه نقتله، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت حين قتلت رسول محمد. قال: فدخلت عليه فسجدت له كما كنا نصنع به، فقال: مرحبا بك، هل أهديت لي من بلادك شيئا؟ قلت: نعم، أهديت لك أيها الملك أدما كثيرا، قال: فقربته إليه فاشتهاه وأعجبه، فقلت: أيها الملك، إني رأيت رجلا خرج من عندك الآن، هو رسول رجل هو عدو لنا فأعطنيه فأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا، فغضب الملك ومد يده فضرب الأنف ضربة، ظننت أنه كاسره. قال فلو انشقت الأرض عند ذلك لدخلت فيها، فقلت: أيها الملك، واللَّه لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه، قال: أتسألني أن أعطيك رجلا لتقتله، رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الّذي يأتي موسى، فقلت: أو كذلك هو؟ قال: نعم، ثم قال: أطعني واتبعه، فو اللَّه إنه لعلى الحق، وليظهر على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده، فقلت له: أفتبايعني له على الإسلام؟ قال نعم، فبسط يده فبايعته على الإسلام. ثم خرجت من عنده وقد مال رأيي إلى غيره، فلقيت خالد بن الوليد فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: واللَّه لقد استقام الميسم، إن الرجل لعلى الحق وأنا أذهب فأسلم، قلت: وأنا أيضا، قال: فقدمنا المدينة فأتينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فتقدم خالد فأسلم وبايع، وتقدمت أنا فقلت: وأنا أبايع، وذكرت ما تقدم من ذنبي ولا أذكر ما أستأخر، فقال: بايع، فإن الإسلام يجب ما كان قبله، والهجرة تجب ما كان قبلها، فبايعته. ولأبي نعيم من طريق إسحاق بن راهويه قال: حدثنا النضر بن شميل، حدثنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: استأذن جعفر بن أبي طالب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 فقال ائذن لي أرضا أعبد اللَّه فيها لا أخاف أحدا، فأذن له فأتى النجاشيّ، قال عمير: فحدثني عمرو بن العاص قال: لما رأيت مكانه حسدته فقلت: لأستقبلن لهذا وأصحابه، فأتيت النجاشي فقلت: إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا، وإنه يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد، وإنك إن لم تصله وأصحابه لم أقطع إليك هذه النطفة أنا ولا أحد من أصحابي أبدا، قال: أدعه، قلت إنه لا يجيء فأرسل معي رسولا، فانتهينا إلى الباب فنادينا، فقلت: اندب لعمرو بن العاص، ونادى هو خلفي، ائذن لحرب اللَّه، فسمع صوته فأذن له من قبل، فدخل هو وأصحابه، ثم أذن لي فجلست، فذكر أين كان مقعده من السرير، قال: فذهبت حتى قعدت بين يديه وجعلته خلفي، وجعلت بين كل رجلين من أصحابه رجلا من أصحابي، فقال النجاشي: بحروا، قال عمير: أي تكلموا. فقلت: إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا، ويزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد، وإنك إن لم تقتله وأصحابه لم يقطع إليك هذه النطفة، أنا ولا أحد من أصحابي أبدا، فقال جعفر: صدق، هو ابن عمي وأنا على دينه، فصاح وقال: أوه! حتى قلت: ما لابن الحبشة لا يتكلم؟ وقال: أناموس مثل ناموس موسى؟ فقال: ما تقول في عيسى ابن مريم؟ قال: نقول: هو روح اللَّه وكلمته، فتناول شيئا من الأرض وقال: ما أخطأ في أمره مثل هذا، واللَّه أولى بملكي لأتبعنكم، وقال: ما أبالي أن لا تأتيني أنت ولا أحد من أصحابك أبدا، أنت آمن في أرضي، فمن ضربك قتلته، ومن سبّك غرّمته، ثم قال لآذنه: متى استأذنك هذا فأذن له إلا أن أكون عند أهلي فأخبره أني عند أهلي، فإن أبي فأذن له. قال: فتفرقنا، ولم يكن أحد ألقاه خاليا أحب إليّ من جعفر، فاستقبلني في طريق مرة، فنظرت خلفه فلم أر أحدا، ونظرت خلفي فلم أر أحدا، فدنوت منه فقلت له: أتعلم أني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؟ قال قد هداك اللَّه فاثبت، وتركني وذهب، وأتيت أصحابي فكأنما شهدوه معي، فأخذوا قطيفة أو ثوبا فجعلوه عليّ حتى غموني فيها، فجعلت أخرج رأسي من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 هذه الناحية مرة، ومن هذه الناحية مرة، حتى أفلتّ وما علي قشره، قال: فمررت بحبشيّة فأخذت متاعها فجعلته على عورتي، فقالت: كذا وكذا، فقلت: كذا وكذا، قال: فأتيت جعفر فقال ما لك؟ فقلت: أخذ مني كل شيء حتى ما ترك عليّ قشرة، فأتيت حبشية فأخذت متاعها فجعلته على عورتي، قال: فانطلق، فانطلقت معه حتى انتهينا إلى باب الملك، فقال جعفر لآذنه: استأذن لي، فقال: إنه عند أهله، قال: استأذن لي، فأذن له، فقال: إن عمرا تابعني على ديني، فقال: كلا، فقال بلى، فقال لإنسان: اذهب معه، فإن فعل فلا يقولن شيئا إلا كتبته، قال: فجاء فقال: نعم، قال: فجعلت أقول ويكتب كل شيء حتى القدح، قال: ولو شئت أن آخذ من أموالهم إلى أموالي لفعلت [ (1) ] .   [ (1) ] لم أجد هذا الخبر فيما بين يدي من كتب السيرة، وعلامات الوضع لائحة فيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 [إسلام أبي ذر] وأما إسلام أبي ذر رضي اللَّه عنه، فخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: لما بلغ أبا ذرّ مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة، قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي هذا الرجل الّذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، فاسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الآخر حتى قدم مكة وسمع من قوله ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاما ما هو بالشعر، فقال: ما شفيتني فيما أردت، فتزوّد وحمل شنة [ (1) ] له فيها ماء حتى قدم مكة. فأتى المسجد فالتمس النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه- يعني الليل- فاضجع فرآه عليّ رضي اللَّه عنه فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به عليّ فقال: ما آن للرجل أن يعلم منزله؟ فأقامه فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالث فعل مثل ذلك، فأقامه عليّ معه ثم قال له: أما تحدثني ما الّذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت، ففعل. فأخبره فقال: فإنه حق وهو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتبعني، فإنّي إن رأيت شيئا أخاف عليك، قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي، ففعل، فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ودخل معه، فسمع من قوله وأسلم مكانه، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، فقال: والّذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم.   [ (1) ] الشّنّ بفتح الشين: القربة البالية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه، فأتى العباس، فأكب عليهم وقال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجاركم إلى الشام عليهم؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد بمثلها وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس فأنقذه. هذا لفظ مسلم [ (1) ] . ولفظ البخاري قريب منه، قال فيه: الّذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، وقال: فأطلق الأخ. وقال: أما نال للرجل أن يعلم منزله؟ ترجم عليه. إسلام أبي ذر [ (2) ] . وذكره مسلم في المناقب. وخرج البخاري في صدر كتاب المناقب [ (3) ] ، من حديث أبي قتيبة مسلم بن قتيبة قال: حدثني المثنى بن سعيد القصير قال: حدثني أبو جمرة قال: قال لنا ابن عباس رضي اللَّه عنه: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قال: قلنا: بلى، قال: قال أبو ذر: كنت رجلا من غفار فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل كلمه وأتني بخبره، فانطلق فلقيه ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ فقال واللَّه لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر، فقلت له: لم تشفني من الخبر، فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد. قال: فمر بي عليّ رضي اللَّه عنه فقال: كأنّ الرجل غريب؟ قال: نعم، قال فانطلق إلى المنزل، قال: فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره، فلما أصبح غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء. قال: فمر بي عليّ فقال: أما نال للرجل يعرف منزله بعد؟ قلت: لا، قال:   [ (1) ] (صحيح مسلم بشرح النووي) : 16/ 265، كتاب فضائل الصحابة، باب (28) من فضائل أبي ذرّ رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (1313) . [ (2) ] (فتح الباري) : 18/ 219، كتاب مناقب الأنصار، باب (33) إسلام أبي ذرّ الغفاريّ رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (3861) . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 681، كتاب المناقب، باب (10) قصة إسلام أبي ذرّ الغفاريّ رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (3522) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 انطلق معي، قال: فقال: ما أمرك وما أقدمك هذه البلدة؟ قال: قلت له: إن كتمت عليّ أخبرتك، قال: فإنّي أفعل، قال: قلت له: بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه، فقال: أما إنك قد رشدت، هذا وجهي إليه فاتبعني، أدخل حيث أدخل، فإنّي إن رأيت أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامض أنت، فمضى ومضيت معه، حتى دخل ودخلت معه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت له: اعرض عليّ الإسلام، فعرضه عليّ فأسلمت مكاني، فقال لي: يا أبا ذر، اكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل، فقلت: والّذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه فقال: يا معشر قريش! إني أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابيء، فقاموا فضربت لأموت، فأدركني العباس فأكبّ علي ثم أقبل عليهم، فقال: ويلكم! تقتلون رجلا من غفار، ومتجركم وممركم على غفار؟ فأقلعوا عني، فلما أصبحت الغد رجعت فقلت مثلما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابيء، فصنع بي مثل ما صنع بالأمس، وأدركني العباس فأكبّ عليّ وقال مثل مقالته بالأمس، فكان هذا أول إسلام أبي ذر رحمه اللَّه. وخرج مسلم في كتاب المناقب من حديث سليمان بن المغيرة، قال: حدثنا حميد بن هلال عن عبد اللَّه بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا، فحسدنا قومه فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس، فجاء خالنا فنثا [ (1) ] علينا الّذي قيل له، فقلت له: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك في ما بعد، فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا بثوبه فجعل يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فناخر أنيس عن صرمتنا [ (2) ] وعن مثلها، فأتينا الكاهن فخيّر أنيسا، فأتانا   [ (1) ] نثا: أشاع وأفشى. [ (2) ] الصّرمة بكسر الصاد: القطعة من الإبل أو الغنم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 أنيس بصرمتنا [ (1) ] ومثلها معها. قال: وقد صلّيت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بثلاث سنين فقلت: لمن؟ قال: للَّه تعالى، قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء [ (2) ] حتى تعلوني الشمس، فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني، فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث [ (3) ] عليّ ثم جاء فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن اللَّه أرسله! قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر- وكان أنيس أحد الشعراء- قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو قولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، واللَّه إنه لصادق وإنهم لكاذبون، قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر، قال: فأتيت مكة فتضعّفت [ (4) ] رجلا منهم فقلت: أين هذا الّذي تدعونه الصابيء؟ فأشار إلى فقال: الصابيء!! فمال عليّ أهل الوادي بكل مدرة وعظمه حتى خررت مغشيا عليّ، قال: فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب [ (5) ] أحمر، قال: فأتيت زمزم فغسلت عني الدماء وشربت من مائها، ولقد لبثت بابن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم، وما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسّرت عكن [ (6) ] بطني، وما وجدت على كبدي سخفة [ (7) ] جوع، قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء [ (8) ]   [ (1) ] الصّرمة بكسر الصاد: القطعة من الإبل أو الغنم. [ (2) ] الخفاء: غثاء السيل. [ (3) ] راث عليّ: أبطأ عليّ. [ (4) ] تضعّفت: نظرت إلى أضعفهم فسألته، لأن الضعيف مأمون الغائلة غالبا. [ (5) ] نصب أحمر: يعني من كثرة الدماء، وهو الحجر الّذي كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده فيحمّر بالدم. قال تعالى: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة: 3] . [ (6) ] يعني انثنت وتكسرت لكثرة السمن وانطوت. [ (7) ] سخفة الجوع بفتح السين وضمها وإسكان الخاء: رقة الجوع وضعفه وهزاله. [ (8) ] قمراء: مقمرة طالع قمرها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 إضحيان [ (1) ] ، إذ ضرب على أسمختهم [ (2) ] ، فما يطوف بالبيت أحد، وامرأتان منهم تدعوان إسافا ونائلة [قال: فأتتا عليّ في طوافهما فقلت: أنكحا أحدهما الأخرى، قال: فما تناهتا [ (3) ] عن قولهما، قال: فأتتا عليّ فقلت: هن مثل الخشبة [ (4) ] غير أني لا أكني] [ (5) ] فانطلقنا تولولان وتقولان: لو كان هنا أحد من أنفارنا، قال: فاستقبلهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر رضي اللَّه عنه وهما هابطان عن الخيل، قالا: ما لكم؟ قالتا: الصابيء بين الكعبة وأستارها، قالا: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال كلمة تملأ الفم، قال: فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلّى فلما قضى صلاته قال أبو ذرّ: وكنت أنا أول من حيّاه بتحية الإسلام، فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه، فقال: وعليك ورحمة اللَّه، ثم قال: من أنت؟ قال: قلت: أنا من غفار، قال: فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده فقد عني صاحبه- وكان أعلم به مني- ثم رفع رأسه فقال: متى كنت هاهنا؟ قال: [قلت] : كنت هاهنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم، قال: فمن كان يطعمك؟ قال: قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما أجد على كبدي سخفة جوع، قال: إنها مباركة، إنها طعام طعم، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: ائذن لي في طعامه الليلة، فانطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر، فانطلقت معهما، ففتح أبو بكر بابا فجعل يفيض لنا من زبيب الطائف، وكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غبرت ما غبرت، ثم أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: إنه قد وجّهت إلي أرض ذات نخل لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك؟ عسى اللَّه أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم، فأتيت أنيسا فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت   [ (1) ] إضحيان بكسر الهمزة والحاء: مضيئة، ويقال: ليلة أضحيان، وأضحيانة، وضحياء، ويوم ضحيان. [ (2) ] أسمختهم: جمع سماخ، وهو الخرق الّذي في الأذن يفضي إلى الرأس، يقال: صماخ وسماخ، وبالصاد أفصح، والمراد بأصمختهم هنا آذانهم أي ناموا، قال تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ [الكهف: 11] أي أنمناهم. [ (3) ] ما تناهتا: ما انتهتا. [ (4) ] كناية عن الفرج والذكر، وأراد بذلك سب إساف ونائلة، وغيظ الكفار بذلك. [ (5) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ) ، وصوبناه من (صحيح مسلم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 أني قد أسلمت وصدقت، قال: ما بي رغبة عن دينك فإنّي قد أسلمت وصدقت، فأتينا أمنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإنّي أسلمت وصدقت، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة الغفاريّ وكان سيدهم، وقال نصفهم: إذا قدم رسول اللَّه المدينة أسلمنا، فقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المدينة فأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول اللَّه: إخوتنا نسلم على ما أسلموا عليه فأسلموا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: غفار غفر اللَّه لها، وأسلم سالمها اللَّه [ (1) ] . وخرجه أيضا [من حديث] حميد بن هلال بهذا الإسناد، وزاد بعد قوله: فاكفني حتى أذهب فأنظر قال نعم، وكن على حذر من أهل مكة فإنّهم قد شنفوا له وتجهموا [ (2) ] . وله أيضا من حديث سليمان بن المغيرة قال: حدثنا حميد عن عبد اللَّه بن الصامت قال: قال أبو زناد: يا ابن أخي صليت سنين قبل مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: قلت: فأين كنت توجه؟ قال: حيث وجهني اللَّه، واقتصّ الحديث بنحو حديث سليمان بن المغيرة، وقال في الحديث: فتنافرا إلى رجل من الكهان. قال: فلم يزل أخي أنيس يمدحه ويثني عليه حتى غلبه، قال: فأخذنا صرمته فضممناها إلى صرمتنا. وقال أيضا في حديثه: قال: فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام، قال: فأتيته فإنّي لأول الناس حيّاه بتحية الإسلام، قال: قلت: السلام عليك يا رسول اللَّه، قال: وعليك السلام من أنت؟ وفي حديثه أيضا فقال: منذ كم أنت هاهنا قال: قلت: منذ خمس عشرة. وفيه: فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: ألحقني بضيافته الليلة [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 253- 256، حديث رقم (197) ، (مسلم بشرح النووي) : 16/ 260، كتاب الفضائل، باب (28) من فضائل أبي ذر رضي اللَّه عنه، حديث رقم (132) . [ (2) ] (المرجع السابق) : ص 264. [ (3) ] (المرجع السابق) : ص 264. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 وخرج البيهقي من حديث يحيى بن يحيى [ (1) ] قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سألوه عن الروح، فنزلت: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [ (2) ] ، قالوا: نحن لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة فيها حكم اللَّه، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا، قال: فنزلت قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً [ (3) ] . وله من حديث يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني رجل من أهل مكة، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، أن مشركي قريش بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنّهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار اليهود عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ووصفا لهم أمره ببعض قوله، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم؟ فإنه كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها وما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش! قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، وأخبروهم بها، فجاءوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: يا محمد! أخبرنا، فسألوه عن   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : وهو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، خالد بن ميمون بن فيروز الهمدانيّ الوداعي مولاهم أبو سعيد الكوفي (تهذيب التهذيب) : 11/ 183. [ (2) ] الإسراء: 85. [ (3) ] الكهف: 109، (دلائل البيهقي) : 2/ 269، باب ذكر أسولتهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة، (تحفة الأحوذي) : 8/ 456- 458، أبواب تفسير القرآن، سورة بني إسرائيل، حديث رقم (3349) ، وقال الترمذي في آخره: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 ما أمروهم به، فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أخبركم بما سألتم عنه غدا، ولم يستثن [ (1) ] ، فانصرفوا عنه، فمكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث اللَّه إليه في ذلك وحيا، ولم يأته جبريل [عليه السلام] حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا، واليوم خمس عشرة يوما، قد أصبحنا فيها لا يخبرنا فيها بشيء مما سألناه عنه، حتى أحزن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة. ثم جاءه جبريل من اللَّه عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، كذا يقول تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [ (2) ] . قال ابن إسحاق: فبلغني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم افتتح السورة فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ [ (3) ] ، يعني محمدا، إنك لرسول اللَّه نبي تحقيقا لما سألوه من نبوته، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً [ (3) ] أي معتدلا لا اختلاف فيه، لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ [ (4) ] قال: عاجل عقوبة في الدنيا وعذاب في الآخرة، أي من عند ربك الّذي بعثك رسولا [ (5) ] . قال البيهقي: كذا في هذه الرواية أنهم سألوا عن الروح أيضا، وحديث ابن مسعود يدل على أن سؤال اليهود عن الروح ونزول الآية فيه كان بالمدينة [ (6) ] .   [ (1) ] لم يستثن: لم يقل: إلا أن يشاء اللَّه. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 269- 270. [ (3) ] الكهف: 1- 2. [ (4) ] الكهف: 2. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 271، (سيرة ابن هشام) : 2/ 139 وما بعدها، فصل [قريش تسأل أحبار اليهود في شأنه عليه الصلاة والسلام] . [ (6) ] حديث عبد اللَّه بن مسعود: أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالسنة باب (3) ما يكره من كثرة السؤال، ومن تكلف ما لا يعنيه، وقوله تعالى: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، حديث رقم (7297) ، (فتح الباري) : 13/ 330، وأخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب (4) سؤال اليهود النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عن الروح وقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، حديث رقم (2794) ، (مسلم بشرح النووي) : 17/ 143. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 [ذكر إسلام عمرو بن عبسة السّلمي وما أخبره أهل الكتاب من بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم] وخرج أبو نعيم من حديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن عمرو السّيباني، عن أبي سلام الدمشقيّ، وعمرو بن عبد اللَّه الشيبانيّ، أنهما سمعا أبا أمامة الباهليّ يحدّث عمرو بن عبسه السّلمي قال: رغبت عن [عبادة] [ (1) ] آلهة قومي في الجاهلية ورأيت أنها الباطل، يعبدون الحجارة [ (2) ] والحجارة لا تضر ولا تنفع، قال: فلقيت رجلا من أهل الكتاب فسألته عن أفضل الدين فقال: يخرج رجل من مكة فيرغب عن آلهة قومه [ويدعوهم] [ (3) ] إلى غيرها، وهو يأتي بأفضل الدين، فإذا سمعت به فاتبعه، فلم يكن لي همّ إلا مكة آتيها فأسأل: هل حدث فيها أمر؟ فيقولون: لا، فأنصرف إلى أهلي- وأهلي من الطريق غير بعيد- فأعترض الركبان خارجين من مكة فأسألهم: هل حدث فيها خبر أو أمر؟ فيقولون: لا، فإنّي لقاعد على الطريق [إذ] مرّ بي ركب فقلت: من أين جئت؟ قال: من مكة، قلت: هل حدث فيها خبر؟ قال: نعم، رجل رغب عن آلهة قومه ودعا إلى غيرها، قلت: صاحبي الّذي أريد. فشددت راحلتي فجئت منزلي الّذي كنت أنزل فيه، فسألت عنه فوجدته مستخفيا بشأنه، ووجدت قريشا عليه جرآء [ (4) ] ، فتلطفت له حتى دخلت عليه فسلمت عليه وقلت له: ما أنت؟ قال: نبي اللَّه، قلت: وما نبي اللَّه؟ قال: رسول اللَّه، قلت: ومن أرسلك؟ قال: اللَّه تعالى، قلت: وبماذا أرسلك؟   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «الحجارة لا تضر..» . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «يدعو إلى غيرها» . [ (4) ] جرآء: جمع جريء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 قال: أن توصل الأرحام، وتحقن الدماء، وتأمن السبيل، وتكسّر الأوثان، وتعبد اللَّه لا تشرك به شيئا، قال: قلت: نعم ما أرسلك به، أشهدك أني قد آمنت بك وصدقت، أفأمكث معك، أم ماذا ترى؟ قال: قد ترى كراهة الناس لما جئت به، فامكث في أهلك، فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجا فاتبعني. فلما سمعت به خرج إلى المدينة سرت حتى قدمت عليه ثم قلت: يا نبي اللَّه! أتعرفني؟ قال: نعم، أنت السّلميّ الّذي جئتني بمكة، فقلت لي: كذا وكذا، وقلت لك: كذا وكذا، فقمت من ذلك المجلس فعرفت أنه لا يكون الدهر أفرغ منه في ذلك المجلس فقلت: يا نبي اللَّه! أي الساعات أسمع للدعاء؟ قال: جوف الليل الآخر والصلاة مشهودة متقبلة [ (1) ] [حتى تخرج الشمس] [ (2) ] . وله من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد اللَّه بن العلاء قال: حدثني أبو سلام الأسود، عن عمرو بن عبسة قال: ألقي في روعي أن عبادة الأوثان باطل، وأن الناس في جاهلية، فقال لي قائل: إن رجلا بمكة يقول نحوا مما تقول، يقول: إنه رسول اللَّه. قال: فقدمت مكة فسألت عن رسول اللَّه فقيل لي: لا تلقاه إلا ليلا عند الكعبة، فمكثت له بين الكعبة وأستارها، إذ سمعت حسّه وتهليله فخرجت إليه فقلت ما أنت؟ قال: رسول اللَّه، قلت: اللَّه أرسلك؟ قال: نعم، قلت: بماذا؟ قال: بأن يعبد اللَّه ولا يشرك به شيئا، وتكسر الأوثان وتحقن الدماء وتوصل الأرحام، قلت: أبايعك عليه؟ قال: نعم، فبسط يده فبايعته، فلقد رأيتني وأنا في تلك الحال وأنا ريع الإسلام فقلت: من تبعك على هذا الأمر؟ قال: حرّ وعبد، قلت: أقيم معك؟ قال: بل ألحق بقومك، فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجا   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 257، باب ذكر إسلام عمرو بن عبسة السلمي، وما أخبره أهل الكتاب من بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (198) ، وأخرجه أيضا من طرق مختلفة: ابن سعد في (الطبقات) : 4/ 217، ابن عبد البر في (الاستيعاب) : 3/ 1192، ترجمة رقم (1937) ، والحاكم في (المستدرك) : 3/ 714- 715، حديث رقم (6584/ 2182) ، وقال في آخره: هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. [ (2) ] ما بين الحاصرتين من (خ) فقط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 فاقدم عليّ. قال: فرجعت إلى قومي فمكثت فيهم حتى إذا سمعت بمهاجره إلى المدينة قدمت عليه، فسلمت فردّ عليّ، فقلت: أتعرفني يا رسول اللَّه؟ قال: نعم، أنت السلمي القادم عليّ بمكة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 تنبيه مفيد كتب أبو بكر بن فهد الهاشمي سوى القرآن معجزات شهيرات، وآيات على صدق نبوّته بينات، وجدت منه صلّى اللَّه عليه وسلم في مواطن مختلفة، وأحوال متغايرة، بلغ مجموعها التواتر الّذي يورث علما ضروريا، كشجاعة عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، وجود حاتم الطائي، ومع ذلك فهذا القرآن الكريم بأيدينا، نتلوه بألسنتنا، ونحفظه في صدورنا، لا نرتاب فيه، معجزة قائمة أبدا، ينادي على منار التحدي: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [ (1) ] ، ثم إذعان الملوك للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم مع ضعف حاله وعدم ماله، وإقرار أهل الكتاب بصفته، واجتماع العرب [بأسرها] [ (2) ] على نصرته وموالاته، بعد تنافرها وتقاطعها، وتدابرها في ذات نفسها، وشدة محاربتها له، ومبالغتها في عداوته، من أكبر الدلالة على صدقة صلّى اللَّه عليه وسلم، ومن أراد أن يعلم كيفية نقل الكافة الّذي لا يجوز فيه الغلط، ولا يمكن فيه الكذب، ولا يدخله الخلل ولا الخطأ بوجه من الوجوه البتة. فينظر كيف نقل القرآن الكريم، وكيف نقلت أحوال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأعلامه التي ذكرت في القرآن، من الرمية التي رماها، وإنذاره بالغيوب، ودعائه اليهود إلى تمني الموت، ودعائه النصارى إلى المباهلة، ودعائه جميع مشركي العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وتوبيخهم بالعجز، وتوبيخ اليهود بأنهم لا يتمنوا الموت، علما منه صلّى اللَّه عليه وسلم بأنهم عاجزون عن ذلك، ممنوعون عن النطق به. وقصة رمي أصحاب الفيل بالطير الأبابيل، فإن هذا نقله اليماني، وهو عدوّ مضر الذين هم رهط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأهله، ونقله المضري واليماني، وهم كلهم أعداء متضادون متنافرون.   [ (1) ] البقرة: 23. [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 ومع ذلك فإن كل من في الأرض ما بين أقصى السند إلى أقاصي خراسان، إلى ثغور الديلم والجزيرة والشام، إلى منتهى بلاد الأندلس، إلى سواحل البربر إلى بلاد السودان، وما بين ذلك من الأمم، كلهم ينقلون القرآن كما هو، ولم يكن ممنوعا ولا مكتوما عن أحد. وكل من ذكرناه كانوا أعداء متباينين، وأحزابا متجانبين، وقوما لقاحا لا ملك عليهم لأحد عليهم، فانقادوا لظهور الحق، وآمنوا برسوله صلّى اللَّه عليه وسلم وهم لا يخافون منه، كباذان الملك بصنعاء اليمن، وحيفر وعياذ ابني الجلندي، والملكين بعمان، والنجاشي ملك الحبشة، وصاروا إخوة كبني أب وأم، وانحل كل من أمكنه منهم عن ملكه، وأرسله إلى ولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، طوعا، كذي الكلاع وذي ظليم، وذي روذ، وذي مران وغيرهم من ملوك اليمن، وملك عمان والبحرين، وشهر بن باذام، إلا من لا يمكنه ذلك خوف قومه كالنجاشي، وهذا أمر مشهور منقول بنقل الكواف، وأذعن سائر من ذكرنا بغلبة سيوف الحق، دون مال أعطاه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولا ملك منّى به من نصره، بل حضّهم بأجمعهم على الصبر، وأنذر بالأثرة عليهم أنصاره. ولم يكن إسلام الأنصار الذين هم الأوس والخزرج، وإسلام أكثر أهل مكة، وأهل البحرين، إلا لما بهرهم من المعجزات، وهو صلّى اللَّه عليه وسلم حينئذ مطرد مشرد، لا ملك له، ولا عوان، لا يقرأ ولا يكتب، قد نشأ في بلاد الجهل، بينما لا مال له، بل كان يرعى غنم قومه على قراريط يتقوت بها، فعلمه اللَّه تعالى الحكمة دون توسط معلم، ولا تدرج يتعلم، وعصمه من كل ما أراد على كثرة أعدائه، دون حرس ولا ستور ولا أعوان، وحماة الدنيا وزينتها، واختار تعالى له أرفع الدرجات من الدعاء إلى ربه وإلى دينه فقط. فهذه هي الحقائق المشهورة، لا ما تدعيه النصارى فيما بأيديهم من الإنجيل أنه منقول بنقل الكواف، وأن الملوك دخلت في دينهم اختيارا فإن الأمر بخلاف ذلك، وبيانه أن الإنجيل ما هو إلا كتاب كتبه أربعة: اثنان من الحواريين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 بزعمهم، وهما متى ويوحنا، واثنان من التلامذة، وهما [لوقا] [ (1) ] الطبيب تلميذ شمعون الصفا، والآخر مارقس تلميذ شمعون أيضا، وزعموا أن أناجيلهم الأربعة منقولة عن هؤلاء الأربعة بنقل الكواف. وزعموا أيضا أن كتابها عندهم معصومون، وأنهم أجلّ من الأنبياء، وفي صدر إنجيل متى نسب المسيح عليه السلام، وقد ساقه رجلا رجلا، حتى وقف على يوسف النجار، فذكر نيفا وخمسين اسما، فأخرج نسبه إلى الملوك من ولد صيعام ابن سليمان بن داود عليهما السلام، وبعد صدر من إنجيل لوقا هذا النسب بعينه بأسماء غير تلك الأسماء، وذكر نحو أربعين اسما فقط، وأخرج نسبه إلى ماثان بن داود عليهما السلام. ومثل هذا من التناقض الفاحش لا يقع من قوم معصومين، وإنما يقع من الآحاد الذين يجوز عليهم الغلط والنسيان وتعمد الكذب، وما كان منقولا كهذا فلا يتدين به عاقل في توحيده، ولا فيما يوجب يقين العلم، وإنما يؤخذ بمثل هذا فيما جرى مجرى الشهادات التي تعيد العلم دون العمل. وأول ملك تنصر قسطنطين بعد أزيد من مائتي عام وستين عاما شمسية من رفع المسيح عليه السلام، فأي آية رأى وشاهد بعد هذه المدة الطويلة، وقد علم كل ذي بصر بالأخبار سبب [تنصره] [ (1) ] ، وهو أن أمه كانت نصرانية بنت نصراني، تزوجها أبوه فولدت له قسطنطين وربته على دينها، وقد علم كل ذي عقل قوة تأثير النشأة فيمن نشأ على دين من الأديان، وما استطاع إظهار النصرانية حتى دخل على رومة مسيرة شهر ونصف، وبني [برنطية] [ (2) ] فغرقت بالقسطنطينية، ثم أكره الناس على النصرانية بالسيف [والعصا] [ (1) ] ، وكان من عهوده المحفوظة ألا يولي أحدا من الناس ولاية من الولايات إلا من تنصّر، والناس سراع إلى الدنيا، نافرين عما يؤذيهم. ولكن هذا من دعوى النصارى مناف إلى ما يدّعونه من أنهم بعد هذه المدة   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] كذا في (خ) ولم أجد لها توجيها ولعلها «بزنطية» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 الطويلة، وبعد خراب بيت المقدس مرة بعد مرة، وبقائه خرابا لا ساكن فيه أزيد من مائتي عام وسبعين عاما، وجدوا الشوك الّذي وضع على رأس المسيح عليه السلام، ووجدوا المسامير التي ضربت في يده، والدم الّذي طار من جسده، والخشبة التي صلب عليها بزعمهم. فلا يدري العاقل ممن العجب؟ أممن اخترع مثل هذه الكذبة، وتجاسر على الحديث بها؟ أم ممن قبلها وصدق بها ودان باعتقادها؟ فيا ليت شعري، كيف بقي ذلك الشوك وذلك الدم وتلك المسامير والخشبة طول تلك المدة؟ وأهل ذلك مطرودون مقتولون بالسيف والرجم بالحجارة والإحراق بالنار لقتل من تستّر بالزندقة في زماننا. ومع ذلك فإن تلك المدينة خراب منذ عشرات الأعوام لم يسكنها أحد إلا السباع والوحش، وقد شوهد ملوك جلة لهم أعوان وأتباع وأولاد، وشيع وأقارب صلبوا، فما مضت إلا مدة يسيرة حتى لم يبق لأخشابهم التي صلبوا عليها أثر، فكيف بأمر لا طالب له، وبدول قد انقطعت، وبلاد قد أقفرت وخلت، ونسيت أخبارها. وأما ديانة اليهود: فإنه لم تصف نيّات بني إسرائيل- وموسى عليه السلام حيّ بن أظهرهم- وما زالوا مائلين إلى عبادة الأوثان، وتكذيب شريعتهم كلهم بعد وفاته عليه السلام، إلى انقطاع دولتهم، فكيف أن [يذعن] [ (1) ] لهم غيرهم؟ ولا خلاف بين اليهود والنصارى وسائر الملل كلها في أن بني إسرائيل كانوا في مصر في أشد عذاب يمكن أن يكون من قبل أولادهم، وتسخيرهم في عمل الطوب، والضرب العظيم، والذل الّذي لا يصبر عليه كلب مطلق، فأتاهم موسى عليه السلام يدعوهم إلى فراق هذا الأسر الّذي قتل النفوس أخف منه، وإلى الحرية والملك والغلبة والأمن، ومن المعلوم أن من كان في أقل من تلك الحال فإنه   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 يسارع إلى كل من طمع على يديه بفرح، وأن يستجيب إلى كل ما دعي إليه، وإن أكثر من في هذا البلاء يستجيز عبادة من أخرجه منه إلى العز والحرمة، ومع هذا فقد كان بنو إسرائيل أهل عسكر مجتمع، يمكن منهم التواطؤ. وأما عيسى عليه السلام فما اتبعه إلا نحو اثني عشر رجلا معروفين ونساء قليل، وعدد لا يبلغ المائة، وكانوا مع هذه القلة مشردين غير ظاهرين، ولا يقوم بمثل هذا ضرورة يقين العلم. وأما محمد صلّى اللَّه عليه وسلم فلا يختلف أحد من أهل شرق الأرض وغربها، في أنه أتى إلى قوم لئام، لا يقرون ملك، ولا يطيعون لأحد، ولا ينقادون لرئيس، نشأ على هذا أجدادهم وأسلافهم، منذ ألوف من الأعوام، وقد سرى الفخر والنخوة، والكبر والظلم، والأنفة في طباعهم، وهم أعداد عظيمة، قد [ملكوا] [ (1) ] جزيرة العرب، وهي نحو مسيرة شهرين في شهرين، فدعاهم بلا مال ولا أتباع، بل قد خذله قومه إلى أن ينحطوا من ذلك العز إلى غرم الزكاة، ومن الحرية إلى جري الأحكام عليهم، ومن طول الأيدي بقتل من أحبوا، أو أخذ ماله إلى القصاص من النفس [والأعضاء] [ (1) ] ، واللطمة من أجلّ من فيهم لأقل علج [ (2) ] دخل فيهم، وإلى إسقاط الأنفة والفخر، وإلى ضرب الظهور بالسياط أو بالنّعال إن شربوا خمرا، أو إن قذفوا إنسانا، وإلى الرجم بالحجارة حتى يموتوا إن زنوا. وانقاد أكثرهم طوعا، ما منهم أحد أخذ بغلبة إلا مكة فقط، فتبدلت به صلّى اللَّه عليه وسلم طبائعهم من الظلم إلى العدل، ومن الجهل إلى العلم، ومن العسف والقسوة إلى الرأفة والرحمة، وسيرة العدل العظيم الّذي لا يبلغه أكابر الفلاسفة. فقد رأى الناس كيف كانت سيرة أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، وكيف كانت طاعة العرب لهما، كل ذلك بلا رزق جار، ولا عطاء [دائر] [ (1) ] ، ولا غلبة ملوكية، إلا بغلبة من اللَّه تعالى على نفوسهم، وكسر لطبائعهم، كما قال تعالى: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] العلج: الرجل من كفار العجم وغيرهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 بينهم [ (1) ] ، ثم بقي صلّى اللَّه عليه وسلم كذلك بين أظهرهم بلا حرس ولا ديوان جند ولا بيت مال، معصوما محروسا. وهكذا نقلت أعلامه ومعجزاته بخلاف معجزات سائر الأنبياء، فإنّها لم تصح إلا ما نقله هو صلّى اللَّه عليه وسلم، لصحة الطريق إليه، وارتفاع دواعي الكذب والعصبية جملة عن أتباعه فيه، فلقد كان جمهورهم غريبا من غير قومه، ولا يمنيهم بدنيا، ولا وعدهم بملك، وهذا ما لا ينكره أحد من الناس. وأيضا فإن ابتداء أمره صلّى اللَّه عليه وسلم أنه وقف على الصفا ونادى: يا صباحاه ... يا صبحاه، فجاءوا يهرعون، فقالوا: ما دهمك؟ ما طرقك؟ قال: ما تعرفونني؟ قالوا: محمد الأمين، قال: أرأيتم إن قلت لكم [إن خيلا تغير عليكم خلف هذا الوادي] [ (2) ] ، وإن عسكرا قد غشيكم من الصبح، أكنتم تصدقوني؟ قالوا: اللَّهمّ نعم، ما جربنا عليك كذبا قط، قال: [فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد من اللَّه، قولوا: لا إله إلا اللَّه، واشهدوا أني رسول اللَّه، واتبعوني يحببكم اللَّه، فإنه تعالى ناصري] [ (2) ] ، وقال لي: استخرجهم كما استخرجوك، وابعث جيشا أبعث خمسة أمثاله، وضمن لي أنه ينصرني بقوم منكم، وقال لي: قاتل بمن أطاعك من عصاك، وضمن لي أن يغلب سلطاني سلطان كسرى وقيصر. وقالت له قريش مرة: أتابعك من هؤلاء الموالي، كبلال وعمار وصهيب خير من قصي بن كلاب وعبد مناف وهاشم بن عبد شمس؟ فقال: نعم واللَّه، لئن كانوا قليلا ليكثرن، ولئن كانوا وضعاء ليشرفن حتى يصيروا نجوما يهتدى بهم ويقتدى، فيقال: هذا قول فلان وذكر فلان، فلا تفاخروني بآبائكم الذين موتوا في الجاهلية، فما يذهب الجعل بمنخره خير من آبائكم الذين موتوا فيها، فاتبعوني أجعل لكم أنسابا، والّذي نفسي بيده، لتقسمن كنوز كسرى وقيصر، فقال له عمه أبو طالب: أبق عليّ وعلى نفسك، وظن صلّى اللَّه عليه وسلم أنه خاذله، فقال: يا عم!   [ (1) ] الأنفال: 63. [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق وحيث أن سياق هذه الفقرة مضطرب فقد صوبناه من (البحر المحيط) : 10/ 566، تفسير سورة المسد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 واللَّه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره اللَّه أو أهلك فيه ما تركته، ثم استعبر باكيا ثم قام، فلما ولى ناداه: أقبل يا ابن أخي، فقال: اذهب وقل ما شئت، فو اللَّه لا أسلمتك لسوء أبدا. هذا، وقد كان صلّى اللَّه عليه وسلم يذكر ما لقي من قومه من الجهد والشدة، فقال لقد مكثت أياما وهذا صاحبي- يشير إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه- بضع عشر ليلة، ما لنا طعام إلا الثريد في شعيب الجبال. وكان عتبة بن غزوان يقول إذا ذكر البلاء والشدة التي كانوا عليها بمكة: لقد مكثنا أياما ما لنا طعام إلا ورق البشام [ (1) ] ، أكلناه حتى تقرحت أشداقنا، ولقد وجدت يوما تمرتين فجعلتهما بيني وبين سعد، وما فينا اليوم أحد إلا وهو أمين على كورته، وكانوا يقولون فيمن وجد تمرة فقسمها بينه وبين صاحبه: إن أسعد الرجلين من حصلت له النواة في قسميها يلوكها يومه وليلته، وعدم القوت. وكذا قال صلّى اللَّه عليه وسلم: لقد رعيت غنيمات أهل مكة لهم بالقراريط، وجاء صلّى اللَّه عليه وسلم يوما ليدخل الكعبة، فدفعه عثمان بن طلحة العبدولي، فقال: لا تفعل يا عثمان! فكأنك بمفتاحها بيدي أضعه حيث شئت، فقال له: [ذلت] [ (2) ] يومئذ قريش وقلّت، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: بل كثرت وعزّت. ثم غزا صلّى اللَّه عليه وسلم تبوك في ثلاثين ألفا، فهذا من قبل اللَّه عزّ وجلّ، الّذي يجعل من لا شيء كل شيء، ويجعل كل شيء مالا شيء، يجمد المائعات، ويميع الجامدات، يجمد البحر، ثم يفجر الصخر، وما مثله صلّى اللَّه عليه وسلم في ذلك إلا كمثل من قال: هذه الزجاجة الرقيقة السخيفة، أصك بها هذه الجبال الصلدة الصلبة المتينة، فقرضها ونقضها، وهذه النملة الضعيفة اللطيفة، تهزم العساكر الكثيرة المعدة [ (3) ] . وكذا حقيقة أمره صلّى اللَّه عليه وسلم، حتى قال عروة بن مسعود الثقفي لقريش- وكان   [ (1) ] شجر عطر الرائحة، ورقه يسوّد الشعر، ويستاك بقضبه. (ترتيب القاموس) : 1/ 279. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] المعدّة: من العتاد وآله الحرب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 رسولهم إليه صلّى اللَّه عليه وسلم بالحديبية-: لقد وردت على النجاشي وقيصر وكسرى، ورأيت حديثهم وأتباعهم، [فما] [ (1) ] رأيت أطوع ولا أوقر ولا أهيب من أصحاب محمد لمحمد، [هم] [ (1) ] حوله وكأن الطير على رءوسهم، فإن أشار بأمر بادروا إليه، وإن توضأ اقتسموا وضوءه، وإن تنخم دلكوا بالنخامة وجوههم وجلودهم، وكانوا له صلّى اللَّه عليه وسلم بعد موته أطوع منهم في حياته، حتى لقد قال بعض أصحابه: لا تسبوا أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، فإنّهم قوم أسلموا من خوف اللَّه، وأسلم الناس من خوف أسيافهم. فتأمل- رحمك اللَّه- كيف استفتح صلّى اللَّه عليه وسلم دعوته وهو ضعيف وحده بأن قال: هذا سيكون فكان كما قال، بحيث رآه العدوّ والوليّ، وما كان مثله في ذلك إلا مثل من قال: هذه الهباءة تعظم وتصير جبلا يغطي الأرض كلها، ثم أنذر الناس بها في حال ضعفها، فكان كما أنذر، فعلم أن ذلك من فعل اللَّه الّذي لا يقدر عليه سواه، ولا يفعله إلا إياه جلّت قدرته. فإن سيرة محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة، وتشهد أنه رسول اللَّه، فلو لم تكن له معجزة غير سيرته لكفى، وذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلم نشأ في بلاد الجهل، لا يقرأ ولا يكتب، ولا خرج عن تلك البلاد إلا مرتين: إحداهما وهو صبي مع عمه إلى أول الشام، والأخرى أيضا إلى أول الشام، ولم يطل بها المقام، ولا فارق قومه، ثم أوطأه اللَّه تعالى رقاب العرب فلم تتغير نفسه، ولا مالت به. ومات صلّى اللَّه عليه وسلم ودرعه- ذات الفضول- مرهونة في أصواع [ (2) ] من شعير، [و] [ (3) ] لم يتسبب صلّى اللَّه عليه وسلم إلى شيء من أذى اليهود- وهم أعداؤه- ولا يعرض لذم أحد منهم وإلى ماله، بل ودا [ (4) ] الأنصاري من عند نفسه مائة ناقة، وهو صلّى اللَّه عليه وسلم يحتاج إلى بعير واحد يتقوى به، وهذا أمر لا تسمح به نفس ملك من ملوك الأرض وأهل الدنيا بوجه من الوجوه.   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] جمع صاع. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] ودا: دفع دية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 ولا يقتضي أيضا هذا ظاهر السيرة في السياسة، فصح يقينا أنه صلّى اللَّه عليه وسلم متبع لما أمره به ربه تعالى، وسواء كان ذلك الأمر مضرا به في ظاهر الأمر غاية الإضرار أو غير مضر به، وهذا أحب الناس إليه، وابن عم أبيه من أخص الناس به، وهو مع ذلك زوج ابنته التي لا ولد له غيرها، وله منها ابنان ذكران، وكل من عمه وابن عمه اللذين هما أقرب الناس إليه، له من الفضل والسياسة والعقل وخلال الخير ما يستحق به سياسة العالم كله، فلم يحابهما وهما من أحب الناس إليه وأشدهم [غنى] [ (1) ] عنه، إذ كان غيرهما متقدما عليهما في الفضل، وإن كان بعيد النسب عنه، بل فوض الأمر إليه قاصدا إلى أمر الحق، واتباع ما أمر به، ولم يورث صلّى اللَّه عليه وسلم ورثته فلسا فما فوقه، وهم أحب الناس إليه، وأطوعهم له، وهذه أمور لمن تدبرها كافية مغنية. قال الأعمش عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ذكروا عند عبد الرحمن- يعني ابن مسعود رضي اللَّه عنه- أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم وإيمانهم، فقال عبد اللَّه: إن أمر محمد كان بينا لمن رآه، والّذي لا إله غيره، ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، [ثم قرأ] [ (1) ] : الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ [ (2) ] إلى قوله: يُؤْمِنُونَ [بِالْغَيْبِ] [ (3) ] . قال الحاكم: فقد صح ما ذكرنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وشريعته التي أتى بها، هي التي وضحت براهينها، واضطرت دلائلها إلى تصديقها، والقطع على أنها الحق الّذي لا حق سواه، وأنها من اللَّه تعالى الّذي لا دين له في العالم غيره، والحمد للَّه الّذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللَّه، لقد جاءت رسل ربنا بالحق.   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] البقرة: 1- 3. [ (3) ] زيادة لتصويب الآية الكريمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 [فصل جامع في معجزات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على على سبيل الإجمال] [ (1) ] وكان له صلّى اللَّه عليه وسلم مع هذه الفضائل الباهرة من المعجزات البينات: إبطال الكهانة وانشقاق القمر، وردّ الشمس بعد غروبها، وانقياد الشجر، وانقلاب العود والقضيب سيفا جيدا، وتسليم الأشجار والأحجار عليه، وتحرك الجبل لأجله وسكونه بأمره، [وحثا] [ (2) ] يوم حنين وجوه المشركين كفّا من تراب فملأ أعينهم، وإشارته إلى الأصنام وسقوطها، وإلانة الصخر له، وتسبيح الحصا في كفه، وتأمين اسكفة الباب وحوائط البيت على دعائه. ونبع الماء من بين أصابعه، وظهور بركته في تكثير الماء القليل الّذي كان في الميضأة، فشرب منه أهل العسكر كلهم وهم عطاش وتوضئوا، كل ذلك من قدح صغير ضاق عن أن يبسط فيه يده المكرمة، وفي مزادتي المرأة، وفي الماء بالحديبية، وفي العين التي بتبوك، وقد أهرق عليه وضوءه فيهما، ولا ماء فيهما، فجاشتا بالماء، فشرب من عين تبوك أهل الجيش وهم ألوف، حتى رووا كلّهم وفاضت بعد ذلك، وشرب من بئر الحديبيّة ألف وأربعمائة حتى رووا، ولم يكن فيها قبل ذلك ماء. وأمطرت بطريق تبوك عند دعائه وقد اشتد عطش الناس، واستسقى وقد قحط المطر فسقوا بدعائه، وظهرت بركته في ركي قليل الماء حتى صارت نهرا تجري، وفي بئر بقباء، وفي بئر قليلة الماء بعث إليها بحصباء فألقيت فيها فغزر ماؤها. وأفاق جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه وقد أغمى عليه لما صبّ من وضوئه عليه، ونشط بعير قد أعيا ببركة وضوئه لمّا رشّه عليه وسقاه منه، وعذب الماء   [ (1) ] هذا العنوان ليس في (خ) . [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 بريقه، وحبس الدمع بما نضحه في وجه امرأة، وذهب حزن امرأة ببركة ما شربته بعد ما غمس فيه يده، ومضمض ودعا في بقية الزاد مرجعه من الحديبيّة، ومرجعه من تبوك، فنما وزاد بعد قلته، حتى أشبع قياما من الناس. وكثر طعام جابر يوم الخندق ببركة يده، وكثر طعام أكل منه قصعة، وأكل مائة وثلاثون رجلا من صاع واحد، وأخذ كل منهم جزأه من سواد بطن شاة، وظهرت البركة في طعام بدار أبي بكر رضي اللَّه عنه، ورزق اللَّه تعالى أهل بيت من الأنصار ذوي حاجة من حيث لم يحتسبوا ببركته، وأكل سبعون أو ثمانون رجلا في بيت أبي طلحة رضي اللَّه عنه من قليل أقراص خبز شعير مأدوم بسمن حتى شبعوا، وبقيت كما هي ببركته، وأكل أهل الصفة من كسر يسيرة حتى شبعوا وفضل عنهم فضله، وأكل بضع وسبعون رجلا من حيس عملت من نحو مدّ تمر وفضل عنهم قدر ما كان قبل أكلهم. وأكل أربعون رجلا من صاع طعام ورجل شاة حتى شبعوا ولم ينقص منه شيء- ومن عادة الواحد منهم أن يأكل الجذعة ويشرب الفرق- وأخذ أربعمائة رجل ما أحبوا من تمر قليل، فلم ينقص من أخذهم شيئا، وأكل مائة وثلاثون رجلا من الأنصار حتى صدروا بعد ما جاعوا، من طعام صنعه أبو أيوب الأنصاري رضي اللَّه عنه. وأكل طائفة في بيت عائشة رضي اللَّه عنها حيسا يسيرا وشربوا لبنا حتى شبعوا ورووا، وغرس صلّى اللَّه عليه وسلم نخلا لسلمان الفارسيّ رضي اللَّه عنه فأطعم من سنته، ودعا لأبي هريرة رضي اللَّه عنه في تمرات يسيرة فنمت حتى كمل منها عدة أو ساق سوى ما أكل وأطعم. وترك عند عائشة رضي اللَّه عنها شطر شعير فأكلت منه حتى طال عليها ثم كالته، وأطعم رجلا شطر وسق من شعير، فما زال يأكل منه وامرأته حتى كالاه، ودفع لنوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلاثين صاعا من شعير فطعم منه وأهله نصف سنة، ثم كاله فوجده بحاله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 وأطعم أعرابيا كسرة كانت [عنده] [ (1) ] فشبع بما أكل منها وأفضل، وأمر قوما كانوا لا يشبعون بالاجتماع على طعامهم، فأكلوا وشبعوا، ودفع إلى أم شريك ثلاثين صاعا من شعير وعكة سمن قد فرغ ما فيها فوجدتها ملآنة سمنا، وأكلت من الشعير دهرا ثم كالته فلم ينقص منه شيئا. وبعث أبا أمامة رضي اللَّه عنه إلى أهله فإذا هم يأكلون الدم فتنزه عنه ونام، فأتي في منامه بشربة لبن فشربها فشبع وروي بعد انتباهه، ونزل به صلّى اللَّه عليه وسلم ضيف ولا شيء عنده، فدعا اللَّه فأعانه بشاة مصلية، وقعد على تمر خلفه عبد اللَّه بن عمرو بن حزام، وأمر أن يكال منه لغرمائه، فكالوا حقهم وبقي التمر كما هو. وسمع أصحابه تسبيح الطعام وهو يؤكل، ومسح ضرع شاة أم معبد فدرّت باللبن بعد جهدها، ومسح ضرع عناق ودعا اللَّه تعالى فأنزلت لبنا، وحلب لبنا من شاة لم [ينز] [ (2) ] عليها فحل قط، واحتاج ليلة إلى الغذاء فلم يجد شيئا، فقام المقداد ليذبح له عنزا، فإذا هي وأخواتها حفل، فحلب له وسقاه حتى روى، ومسح [ظهر] [ (2) ] عناق لم تنتج فتدلى ضرعها وحلب منها لبنا كثيرا، [وسقى] [ (2) ] أهل الصفة من لبن في قدح حتى رووا، وأروت الجند وقد عطشوا في سفر فشربوا من حلب عنز أتى اللَّه بها ثم لم تر بعد ذلك. وأهدت إليه أم سليم عكة سمن فأفرغها ثم ردّها إليها فوجدتها مملوءة سمنا، فأتدمت به شهرا أو شهرين بعد ما فرقت منها، وأهدت له أم مالك البهزية عكة سمن فأفرغها وردها، فما زالت تجد فيها السمن حتى عصرتها، وبعثت عمرة ابنة رواحة إلى زوجها وأخيها بجفنة تمر- وهم يحفرون الخندق- فأمر بها فصبت في كفه فما ملأته، فدحاها على ثوب ودعا أهل الخندق [بأسرهم] [ (2) ] فأكلوا منه حتى صدروا، وإنه ليسقط من أطراف الثوب. وشهد له الذئب بالرسالة، وأتاه الذئب ليفرض له في شياه أصحابه، فلم   [ (1) ] زيادة للسياق حيث أنها مطموسة بالأصل. [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 يفرضوا له شيئا فأمره أن يخالسهم فذهب، وكلمته ظبية في إرضاع حشفها وقد [شدها] [ (1) ] أعرابي في وثاق فأطلقها حتى مضت ثم عادت، وشهد له الضب بالرسالة، وسجدت له الغنم، وربض له الوحش لما أحسّ به، وسجد له البعير، وشكى إليه ما به، وازدلفت البدن إليه ليبدأ بنحرها، وخاطبه الحمار. ونسج العنكبوت على الغار الّذي اختفى فيه، ووقف الحمام به، وقامت شجرة على بابه ليستتر عن أعين المشركين وقد أتوا ليأخذوه، ووقفت له حية وسلمت عليه، وشكت إليه حمرة ما فجعت به من أخذ فرخها، وسخر اللَّه تعالى الأسد لمولاه سفينة تكرمه له، وسخر له صلّى اللَّه عليه وسلم طيرا من السماء، وكثر اللَّه تعالى غنم هند بنت [عتبة] [ (1) ] بدعائه لها بالبركة، وأحيا له شاة جابر بن عبد اللَّه بعد ما ذبحها وطبخها وأكل لحمها، وأحيا [اللَّه] [ (1) ] تعالى حمار رجل أقبل من اليمن ليجاهد في سبيل اللَّه بعد ما مات تكرمة له صلّى اللَّه عليه وسلم، [و] [ (1) ] أحيا ولد [امرأة] [ (1) ] أتت مهاجرة بعد موته، وسقى العلاء بن الحضرميّ ومن معه من المسلمين وقد عطشوا، [وفرق] [ (1) ] لهم البحر حتى مروا فوقهما لقتال المشركين، ومشى أبو مسلم الخولانيّ على الماء بدجلة وهي ترمي الخشب من فوقها، كل ذلك كرامة له صلّى اللَّه عليه وسلم. وشهد له ميت بعد موته بالرسالة، وشهد له الرضيع والأبكم بالرسالة، وكان حيث سلك توجد رائحة الطيب، ويسجد له ما يمر به من حجر أو شجر، ومجّ بعد ما تمضمض في دلو مسكا أو أطيب من المسك. وكان إذا قعد لحاجته ابتلعت الأرض ما يخرج منه، وكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه، ويرى في الظلمة كما يرى في النور، وأضاءت عصا أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر لما خرجا من عنده في ليلة مظلمة حتى مشيا في ضوئها، كرامة له صلّى اللَّه عليه وسلم. وسهر ومعه عمر بن الخطاب عند أبي بكر ثم خرجا في ليلة مظلمة، وخرج معه أبو بكر فأضاءت عصا أحدهما حتى بلغوا المنزل، وأضاءت عصا أبو عيسى   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 الأنصاري وقد رجع بعد ما صلّى معه صلّى اللَّه عليه وسلم، فنور له حتى دخل دار أبي حارثة، وأعطى قتادة بن النعمان عرجونا فأضاء له من بين يديه ومن خلفه صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرج الحسن بن علي من عنده ليلا إلى أمه، فجاءت برقة من السماء فمشى في ضوئها حتى بلغ إلى أمه، وأضاءت إصبع حمزة بن عمرو الأسلمي حتى جمع ما سقط من متاع رحله صلّى اللَّه عليه وسلم. وتفرق من إبل أصحابه في ليلة مكر فيها المنافقون بالرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وهو بطريق تبوك، وأرى أنس بن مالك وقد خرج معه ليلا إلى المسجد نورا بأيدي قوم يدعون اللَّه بدعائه له أن يريه اللَّه ذلك، [وكانت] [ (1) ] الملائكة تسلم على عمران بن حصين، ونزلت السكينة والملائكة عند قراءة البراء القرآن، كان ذلك تكرمة له صلّى اللَّه عليه وسلم. وانقلبت بضعة لحم حجرا في بيت أم سلمة، وذهبت صورة مصورة بوضع يده عليها، وكان اللَّه تعالى يعطيه ما سأل ما لم تجر به العادة، ويلهمه جواب ما يسأله عنه السائلون وهو في مقامه، وأمر أبا هريرة أن يبسط بردة كانت عليه، ثم قبضها فلم ينس بعد ذلك شيئا سمعه منه صلّى اللَّه عليه وسلم. وضرب في صدر أبي عثمان بن أبي العاص فما نسي شيئا بعد أن حفظه، ودعا اللَّه أن يهدي أم أبي هريرة فأسلمت بعد إبائها، ومسح وجهه بمنديل فلم تعمل فيه النار بعد ذلك إذا وضع فيها، وأعيا بعير جابر بن عبد اللَّه وهو في سفر حتى أراد أن يسيبه، فتحسسه أو ضربه صلّى اللَّه عليه وسلم فسار عنه سيرا لم يسر مثله، وركب فرس أبي طلحة- وكان ثبطا قطوفا- فكان بعد ذلك لا يجاري، وضرب فرس جعيل بمخفقة وكانت ضعيفة عجفاء وقال: اللَّهمّ بارك له فيها، فصارت تتقدم الركب، وباع من نتاجها باثني عشر ألفا، وضرب برجله ناقة لا تكاد تسير فصارت سابقة، ودعا لرجل أن يحمله بعيره فمكث عنده عشرين سنة. وذهب الجوع عن فاطمة الزهراء بدعائه، وكفى على بن أبي طالب الحر والبرد بدعائه، ووعك عليّ مرة فقال [صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] : اللَّهمّ عافه: فما اشتكى وجعه ذاك   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 بعد، وبصق في عين عليّ وقد رمد في خيبر فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع، وضرب في صدره وقد بعثه قاضيا باليمن وقال: اللَّهمّ اهد قلبه وسدد لسانه، فما شك في قضاء بعد. وصرف اللَّه ألوفا عن المدينة ونقل حمّاها إلى الجحفة بدعائه، ومرض سعد ابن أبي وقاص فوضع يده على جبهته ومسح وجهه وقال: اللَّهمّ اشف سعدا وأتمم هجوته، فما زال يجد برده على كبده، وأصاب أسماء ورم في رأسها ووجهها، فوضع يده على وجهها ورأسها من فوق الثياب وسمى اللَّه ودعا، فذهب الورم، وجاءته امرأة بابن لها فدعا له فشفي وعمّر حتى جاهد في سبيل اللَّه. وأتته امرأة بابن لها وبه جنون فمسح رأسه ودعا له، فخرج منه مثل الجرو الأسود يسعى، وكانت أم زفر تتكشّف فاصرعت، فدعا لها فلم تتكشّف، وشكى عبد اللَّه بن رواحة وجع ضرسه، فوضع يده على خده ودعا له فشفاه اللَّه قبل أن يبرح، ومسح بطن رافع أو رفاعة بن رافع وقد اشتكى بطنه فلم يشتك بطنه بعد ذلك. وعاد عمه أبا طالب وقد مرض، فدعا له فقام كأنما نشط من عقال، ومسح ساق علي بن الحكم السلمي وقد تقنطر عن فرسه فدق جدار الخندق ساقه، فما نزل عنها حتى بريء، وأتته امرأة من خثعم بصبي لها به بلاء لا يتكلم، فشفاه ماء غسل فيه يده [ومضمض] [ (1) ] فاه فبرأ وعقل عقلا ليس كعقول الناس، ونفث في فم غلام يأخذه الجنون كل يوم مرارا فذهب عنه، وأتاه الوازع بابن له مجنون فمسح وجهه ودعا له فلم يكن في الوفد أحد يفضل عليه. وشكى إليه عثمان بن أبي العاص سوء حفظه فتفل في فيه ووضع يده على صدره وقال: يا شيطان اخرج من صدر عثمان، فما سمع شيئا بعد ذلك إلا حفظه، وكان الشيطان يلبس عليه صلاته فتفل في فمه وضرب في صدره وقال: اخرج عدوّ اللَّه، فلم يعرض له بعد ذلك، وردّ اللَّه على الأعمى بصره بدعاء علّمه إياه، وردّ بصر   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 من كانت عيناه مبيضتين بنفثه فيهما. ورد عين قتادة بعد ما سالت على خده، ونفث في يد محمد بن حاطب وقد احترقت فبرأ في الحال، ووضع يده على شامة في كف شرحبيل الجعفي وقد نفث فيها، فما رفع يده حتى لم يبق لها أثر، وضرب حبيب بن إساف يوم بدر فمال شقه فتفل عليه ورده فانطبق، وضرب بقدح سلعة في كف أبي سبرة ومسحها فذهبت، ومسح وجه أبيض بن جمال وقد التمعت وجهه قوبا فما أمسى وله أثر، وأصابت يد حبيب بن إساف ضربة فتفل عليها فبرأت، ودعا لعمرو بن أخطب أن يحمله اللَّه فأناف عن التسعين ولم يشب رأسه ولا لحيته. وقال لعمرو بن الحمق: اللَّهمّ متعه بشبابه، فبلغ الثمانين ولم تر شعرة بيضاء، وأخذ له يهودي من لحيته فقال: اللَّهمّ جمله، فاسودت لحية اليهودي بعد ما كانت بيضاء، ودعا للسائب بن مزيد وهو شاك فأناف على التسعين وهو جلد معتدل ممتع بحواسه، ومسح بيده على رأسه وقال: اللَّهمّ بارك فيك فلم يشب. ومسح رأس محمد بن أنس فلم يشب موضع يده، ومسح رأس حنظلة بن حديم وقال له: بورك فيك، فكان حنظلة إذا تفل في يده ووضعها على ورم ذهب، ومسح رأس أبي سفيان بدلوك فلم يبيض شعر ما مسه بيده صلّى اللَّه عليه وسلم. ودعا لعبد اللَّه بن عتبة ولولده بالبركة فلم يهرم منهم أحد، ومسح وجه عمرو ابن ثعلبة الجهنيّ فمات عمرو وقد أتت عليه مائة سنة وما شابت منه شعرة، ووضع يده على رأس مالك بن عمير ووجهه فلم يشب، ومسح على ظهر عتبة بن فرقد بيده فصار أطيب أهله ريحا، ومسح وجه قتادة بن ملحان، فصار كأن على وجهه دهان من وضاءته. وقال للنابغة: لا يفضض اللَّه فاك فنيف على المائة وما ذهب له سن، وأصيب ساق سلمة بن الأكوع بضونة في خيبر فنفث فيها فما اشتكاها بعد، وأعيت قرحة برجل رجل فوضع إصبعه عليها وسمى ورقاها فبرأت، وتفل في فم عبد اللَّه بن عامر فكان لا يعالج أيضا إلا ظهر له الماء، وكان يتفل في أفواه الرضعاء فيقوم مقام الغذاء لهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 وبزق في فم محمد بن ثابت بن قيس وحنّكه فلم يحتج إلى إرضاع يومين والثالث، وأخذ بجلدة ما بين عيني فراء بن عمرو، وقد أصابه صداع شديد، فذهب ولم يصدع بعد، ودعا لأهل المسجد أن يذهب عنهم البرد فأذهبه اللَّه عنهم، ودعا لحذيفة بن اليمان في ليلة شديدة البرد وقد بعثه ليأتيه بخبر الأحزاب، فمشى كأنه في حمام. واستأذنت عليه الحمى فبعث بها إلى أهل قباء لتكون كفارة لهم فلقوا منها شدة، وذهبت الحمى عن عائشة بدعاء علمها إياه، وأمر امرأتين وقد اغتابتا أن يتقيئا، فتقيأتا لحما وقيحا ودما، وكان صلّى اللَّه عليه وسلم يسمع أصوات أهل القبور، ويسمع أطيط السماء، وجعل خالد بن الوليد في قلنسوته ناصية الرسول لما حلق، فلم يشهد قتالا وهي معه إلا نصر، واقتمح السم فلم يضره. وقال لابن عباس: اللَّهمّ فقّهه في الدين، فصار حبر الأمة، وقال لأنس بن مالك: اللَّهمّ أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته، فكثر ماله، وصار له نحو المائة من الولد، وكان بستانه يحمل الفاكهة في السنة مرتين، ودعا لامرأة في لسانها فضل فظهرت بركة دعائه، ودعا لرجل بخيل جبان كثير النوم، فاشتد بأسه في الحرب، وسخت نفسه، وقلّ نومه، وقال لأبي طلحة وقد جامع امرأته- بارك اللَّه لكما في سائر ليلتكما، فحملت وولدت غلاما. وضرب في صدر أبي بن كعب ودعا له فزال عنه الشك، وقال لسعد بن أبي وقاص: اللَّهمّ استجب له إذا دعاك، فما دعا إلا أجيبت دعوته، وعلم أبا بكر رضي اللَّه عنه دعاء [فوفىّ] [ (1) ] اللَّه عنه دينا كان عليه لما دعا به، وقال لعبد الرحمن بن عوف: بارك اللَّه لك فكثرت أمواله، ودعا لعروة البارقي بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب لربح فيه، وقال لعبد اللَّه بن جعفر: اللَّهمّ بارك له في تجارته، فما باع شيئا ولا اشترى إلا بورك فيه، ودعا لعبد اللَّه بن هشام بالبركة فكثر ربحه.   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 وقال لأبي أمامة- وقد بعثة في غزاة-: اللَّهمّ سلّمهم وغنّمهم [فسلموا وغنموا] [ (1) ] ، ومسح ضروع شويهات كان يرعاهن أبو قرصافة، ودعا فيهن بالبركة فامتلأت شحما ولبنا، وقال له جوير بن عبد اللَّه: إني لا أثبت على الخيل، فصك في صدره وقال: اللَّهمّ ثبته، فما سقط عن فرس بعد، وأتاه المقداد بن عمرو بسبعة عشر دينار قد ظفر بها فقال: بارك اللَّه لك فيها فصار عنده منها غرائر ورق، ولقي صلّى اللَّه عليه وسلم العدو فقال: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، فلقد رأيت الرجال تصرع تضربها الملائكة، وأمسك لسان شاب عن الشهادة وقد احتضر لغضب أمه عليه، فلما استرضاها فرضيت نطق بالشهادتين. وقال ليهودي- لما عطس وشمته-: هداك اللَّه، فأسلم، وكثر مال صخر الماردي لامتثاله أمره في بعثة غلمانه بالتجارة بكرة، وتحاب امرأة وزوجها بعد البغضاء بدعائه، وأقبل اللَّه بأهل اليمن وأهل الشام وأهل العراق بدعائه، ودعا على مضر لما عتوا حتى قحطوا، ثم دعا لهم حتى سقوا، ودعا لأهل جرش برفع قتل صرد بن عبد اللَّه وأصحابه فنجوا بدعائه، ومكن اللَّه تعالى لقريش العز والشرف بدعائه، وأيد اللَّه من كان معه وأجاب دعاءه حتى صرع ركانة بن عبد يزيد، ولم يكن أحد يصرعه لشدته. وقال لمسعود الضحاك: أنت مطاع في قومك، فكان يأخذ الراية إذا وقع بين القبائل شر فيصلح بينهم، وأراد عامر بن الطفيل وأربد بن قيس أن يغدرا به وهو يقول: لأملأنها عليك خيلا عامر، فحيل بينهما وبين ذلك، وخرج وهو يقول: لأملأنها عليك خيلا عامر ورجالا، فقال: اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل، فقتله اللَّه، ونزلت صاعقة على أربد فقتلته، وأمر رجلا قد أكل بشماله أن يأكل بيمينه فقال [الرجل] [ (1) ] : لا أستطيع، فقال [صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] : لا قد استطعت، فما رفعها إلى فيه. وقال للحكم بن أبي العاص وقد اختلج كأنه يحاكيه: كن كذلك، فلم يزل   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 يختلج حتى مات، ودعا على رءوس قريش وقد تظافروا عليه بمكة فقتلهم اللَّه بسيوفه يوم بدر، ومرّ بين يديه في صلاته رجل فقال: قطع اللَّه أثره فأقعد، ومر كليب بين أيديهم وهم يصلون مع الرسول صلاة العصر، فدعا عليه رجل منهم، فما بلغت رجله الأرض حتى مات، وقال لرجل: لا أقرته الأرض، فما استقر بعدها بأرض، وقال لمعاوية بن أبي سفيان: لا أشبع اللَّه بطنه، فما شبع بطنه أبدا. وقال لرجل: ضرب اللَّه [عنقك] [ (1) ] ، فقال: في سبيل اللَّه يا رسول اللَّه؟ فقال: في سبيل اللَّه، فضربت عنقه في سبيل اللَّه، وقال: من احتكر طعاما ضربه اللَّه بالجذام، فلم يعبأ رجل بذلك فجزم، وقال لأبي ثروان: اللَّهمّ أطل شقاءه وبقاءه، فشاخ حتى تمنى الموت، وقال لعتبة بن أبي لهب: اللَّهمّ سلط عليه كلبك، فافترسه الأسد، وقصده سراقة بن مالك لما خرج مهاجرا، فساخت يدا فرسه إلى الركبتين وخرّ عنها. ولما مزّق كسرى ملك فارس كتابه الّذي كتب إليه، دعا عليهم أن يمزقوا كل ممزق، فلم تبق لهم باقية، وهزم اللَّه المشركين يوم بدر وقتلهم بدعائه عليهم في العريش، وقال هذا مصرع فلان غدا، ووضع يده على الأرض وهو يسميهم واحدا واحدا، فما جاوز أحد منهم موضع يده. وأخبر بمكة أنه يقتل أبا جهل فقتله اللَّه بسيوفه يوم بدر، وقتل أمية بن خلف ببدر أيضا بدعائه عليه، وألقاه ومعه صناديد قريش بالقليب، فأنجز اللَّه وعده، وقال عن عقبة بن أبي معيط: اللَّهمّ كبه لمنخره واصرعه، فجمح به فرسه يوم بدر فأخذ وضربت عنقه، وقال: اللَّهمّ اكفني نوفل بن خويلد، فأسر يوم بدر وقتله علي بن أبي طالب. وقال للعباس بن عبد المطلب لما أسر ببدر أين مالك الّذي وضعت بمكة عند أم الفضل وليس معكما أحد؟ فقال: والّذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيري وغير عمير بن وهب وصفوان بن أمية وهما خاليان في الحجر أن همّوا بقتل الرسول،   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 وقدم إلى المدينة ليقتله، فلما دخل به عليه حدّثه بما جرى بينه وبين صفوان فأسلم عند ذلك. وانهزم قباث بن أشيم يوم بدر فيمن انهزم، وحدث نفسه بشيء ثم قدم المدينة بعد مرة، وأتى الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وهو بعرفة، فقال له: يا قباث بن أشيم! أنت القائل يوم بدر كذا؟ فأسلم عند ذلك، ولما أسر سهيل بن عمرو يوم بدر قال عمر: يا رسول اللَّه! انزع ثنيته، فقال: لعله يقوم مقاما لا تكرهه، فقام حين جاءه وفاة الرسول بخطبة أبي بكر رضي اللَّه عنه، ولما خرج إلى بدر ودعا لأصحابه أن يحملهم اللَّه ويكسبهم ويشبعهم ويغنيهم، فما رجع أحد منهم إلا كذلك. ولما اشتد [أذى] [ (1) ] كعب بن الأشرف له قال: اللَّهمّ اكفني ابن الأشرف بما شئت، فقتله اللَّه، وقام دعثور بن الحرث على رأسه- وقد نام- ليقتله بالسيف، فدفع جبريل في صدر دعثور، فوقع السيف وأخذه الرسول، فأسلم دعثور، وخرج إلى بني النضير وجلس في ناديهم مستندا إلى بعض بيوتهم فهموا بقتله وأن يطرح عليه عمرو بن جحاش صخرة من فوق البيت، فأتاه خبر السماء بذلك، فقام وترك أصحابه ودخل المدينة. وقال لأبي بن خلف وهو بمكة: أنا أقتلك إن شاء اللَّه، فلما كان يوم أحد، قدم فخدشه صلّى اللَّه عليه وسلم في عنقه خدشة لطيفة هلك منها، وقال عن عتبة بن أبي وقاص: اللَّهمّ لا تحل عليه الحول، فمات دون ذلك كافرا، وقال عن ابن قميئة ومن وافقه: اللَّهمّ لا [تحل] [ (1) ] الحول على أحد منهم فهلكوا دون الحول، وغسلت الملائكة حنظلة بن أبي عامر لما قتل بأحد شهيدا ورئي رأسه يقطر ماء فإنه خرج جنبا. وغشي النعاس المؤمنين يوم أحد مع قرب العدو منهم وقال إن قزمان من أهل النار فقتل نفسه بجراحة المنية، وصنعت امرأة سعد بن الربيع طعاما يكفي رجلا أو رجلين، فأطعم منه صلّى اللَّه عليه وسلم زيادة على عشرين رجلا حتى شبعوا ولم ينقص، وقتل المشركون عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وأرادوا أخذ شيء من جسده، فبعث   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 اللَّه عليه مثل الظلة من الدّبر- وهي الزنابير- فحمته فلم يقدر على قطع شيء من لحمه، ثم جاء السيل فحمله فلم نعرف له مكان، وذلك أنه كان نذر أنه لا يمسّ مشركا ولا يمسه، فوفّى اللَّه نذره تكرمة لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلم. وبعث أبو سفيان بن حرب أعرابيا لقتال الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رآه الرسول قال: هذا الرجل يريد غدرا، واللَّه حائل بينه وبين ما يريد، وأخذ فظهر أمره، وأخبر بما جاء به، فخلى عنه وأسلم. ولما قتل عامر بن فهيرة ببئر معونة رفع إلى السماء بعد قتله، وأعلم اللَّه نبيه بما همّ به المشركون من الميل عليهم وهم في الصلاة، فصلّى بأصحابه صلاة الخوف، ونزلت [] تحت شجرة وعلق بها سيفه ونام، فقام غورث على رأسه والسيف في يده وقال: من يمنعك مني؟ فقال: اللَّه! ولم يعاقبه، ولما حفر الخندق ضرب عدة ضربات وقال في كل ضربه: هذه الضربة يفتح اللَّه بها كذا، فما [سمى] شيئا إلا فتحه اللَّه على أمته. وقال يوم الأحزاب عن المشركين: نغزوهم ولا يغزونا، فما غزوة بعدها، ولما نزل على بني قريظة قذف اللَّه الرعب في قلوبهم حتى أخذهم، وخرج سعد ابن معاذ يوم الأحزاب فقال: اللَّهمّ لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة، فاستمسك حتى حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيهم وقد نزلوا على حكمه، فحكم بقتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم. وتبين لثعلبة وأسيد ابني سعية وأسد بن عبيد بما عندهم من العلم صدق الرسول فآمنوا به، وامتنع عمرو بن سعدي القرظي من الدخول مع بني قريظة في غدرهم وخرج عنهم، وقتل اللَّه أبا رافع بن أبي الحقيق بتحريضه على الرسول، وأخبر عبد اللَّه بن أنيس وقد بعثه لقتل سفيان بن نبيح وكان لا يعرفه بأنه إذا رآه فرق منه، فكان كذلك، وقتله اللَّه على يد ابن أنيس، وقد جمع لحرب الرسول. وهبت ريح شديدة مرجعه من المريسيع، فقال: مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة، فلذلك عصفت الريح، فكان ذلك زيد بن رفاعة بن التابوت، وضلت ناقته فتكلم زيد بن اللصيت كلام منافق مع أصحابه، فجاء الوحي بكلامه إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول اللَّه، وأخبر بمكان ناقته فأتوا بها من ذلك المكان. وشجّ عبد اللَّه بن أنيس في قتله أسيد بن رزام، فنفث في شجته فلم تقح، وأمر في مسيره إلى الحديبيّة باصطناع الطعام، و [أوقدت] [ (1) ] أكثر من خمسمائة نار، فخاف الصحابة أن يرى المشركون نيرانهم فقال: إنهم لن يروكم، إن اللَّه سيغيبكم عنهم، فكان كذلك ولم يروهم، وأخبر بقدوم أهل اليمن فقدموا، وأخبر بأن اللَّه غفر للركب جميعا إلا رويكبا على جمل أحمر، فطلب فوجد ولم يؤمن وهلك، ولما نزل بخيبر شكى إليه الجهد، فدعا اللَّه أن يفتح عليهم أعظم حصن [و] [ (1) ] أكثره طعاما وودكا ففتح اللَّه من الغد حصن الصعب بن معاذ أكبر حصون خيبر، وأكثرها طعاما وودكا منه. وقال عن أبي اليسر: اللَّهمّ متعنا به، فعمّر عمرا طويلا، ورمى حصن البزار [وقد] [ (1) ] استعصى بكف من حصا فرجف الحصن بمن فيه ثم ساخ في الأرض، فأخذوا أهله أخذا، ولما نزل عيينة بن حصن بخيبر مددا ليهود صاح به وبقومه صائح فلحقوا بأهاليهم وتركوا يهود، ورأى عيينة مناما فأخبره الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم بما رأى، وكان معه رجل بخيبر يقاتل قتالا شديدا وهو يخبر عنه أنه من أهل النار، فخرج ولم يصبر فقتل نفسه. وغلّ بعض من شهد خيبر من الغنيمة شيئا فأخبره بما غلّ منها، وأهدت إليه يهودية شاة قد سمتها فأخبره عضو من أعضاء الشاة أنها مسمومة، وقتل رجل رجلا أسلم بحرمات فلم تقله الأرض لما دفن وأصبح على وجه الأرض، وقد صدقت رؤياه صلّى اللَّه عليه وسلم في دخوله المسجد الحرام فدخله عام القضية وعام الفتح وفي حجة الوداع، وقالت قريش لما قدم لعمرة القضاة: قد وهنتهم حمى شرب فأطلعه اللَّه على ذلك، فأمر أصحابه بالرمل في طوافهم ليظهر لقريش قوتهم. وكان تعيينه في غزاة مؤتة زيد بن حارثة أميرا، فإن قتل فجعفر، فإن قتل   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 فعبد اللَّه بن رواحة، إشارة إلى أنهم يقتلوا في غزاتهم، فلما قتلوا نعاهم في اليوم الّذي قتلوا فيه، وبينه وبينهم مسيرة ليالي وأيام. ونحر عوف بن مالك الأشجعي جزورا لقوم في غزاة ذات السلاسل، وأخذ منها جزءا عن أجرته، فأنكر عليه سادات الصحابة أن أخذ على المعروف أجرا، فلما قدم كان الرسول أخبره خبر الجزور. وبعث أبا عبيدة بن الجراح على سرية، فلما اشتد بهم الجوع قذف لهم البحر حوتا أكلوا منه حتى شبعوا وادخروا، ونعى النجاشيّ ملك الحبشة في اليوم الّذي مات فيه، وأخبر بنصر بني كعب على بني بكر فكان كذلك، وسأل اللَّه تعالى أن يعمي على قريش خبره حتى يبعثهم لما توجه لفتح مكة فلم يعلموا به حتى قدم بطن مر. وأطلعه اللَّه على كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش بمسيره إليهم، وأطلعه على مقالة الأنصار يوم الفتح، وأخبر أن مكة لا تغزى بعد فتحه لها، فحق اللَّه ذلك، وأرى اللَّه عثمان بن طلحة صدق رسول اللَّه في أخذه مفتاح الكعبة منه ووضعه حيث يشاء، وأخبره اللَّه تعالى عقالات قريش عند أذان بلال، وعفا عن سهيل ابن عمرو مع سوء أثره يوم الحديبيّة، وأخبر بإسلام ابن الزبعري حيث نظر إليه مقبلا. وألقى اللَّه محبته في قلب هند بنت عتبة بعد العداوة الشديدة، وأخبر أبا سفيان ابن حرب بما حدّث به نفسه في يوم الفتح من عوده إلى المحاربة، وبما قال لهند. وأخبر بمجيء عكرمة بن أبي جهل مسلما قبل قدومه، وحقق اللَّه تعالى لصفوان ابن أمية صدق رسالة المصطفى، وأنجز له تعالى وعده بدخول الناس أفواجا في الدين بعد الفتح. وصدق رسوله بأن العزّى لا تعبد بأرض العرب، وكفاه أمر الّذي أراد قتله بالقرب من أوطاس، وكفاه كيد شيبة في يوم حنين، وهداه بعد كفره إلى الإيمان وأخبر عيينة بن حصن بما قاله لأهل حصن الطائف، وسمع الناس تسبيح سارية كانت في مصلاه، وأجيبت دعوته في رجل بحصن الطائف، وهدي اللَّه ثقيفا وأتي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 بهم إليه بدعائه. وصدقت مقالته عن ذي الخويصرة وأصحابه بأنهم يمرقون من الدين فكانت منهم الخوارج، وظهر صدقه في إخباره عروة بن مسعود أن قومه يقتلونه، واستجيبت دعوته على حارثة بن عمرو، وأخبر عمار بن ياسر بما قاله المنافقون وهم سائرون إلى تبوك. وصدق قوله لأبي ذر بأنه يموت وحده، وبخرص حديقة المرأة، وبأن ريحا ستهب، وصلّى بتبوك على معاوية بن معاوية وقد مات بالمدينة، وصدق قوله لخالد ابن الوليد عن أكيدر دومة بأن يجده يصيد البقر. وأطعم بتبوك طائفة من سبع تمرات حتى أشبعهم غير مرة ولم تنقص، وأجيبت دعوته لذي البجاد أن يحرم اللَّه دمه على الكفار، وأخبر بقدوم وفد عبد القيس قبل مجيئهم، وصدق اللَّه لعدي بن حاتم ما أخبره به. وصدق في إخباره بقدوم أهل اليمن، واستجيب دعاؤه في قدوم معاوية بن جيدة، وشهدت أساقفة نجران بأنه النبي الّذي كانوا ينتظرونه، واستمع من دعاه منهم إلى ما [دعا إليه] [ (1) ] خوفا من الهلاك، وتيقن عبد اللَّه بن سلام صدق رسالته صلّى اللَّه عليه وسلم، وعرف الخبر من يهود صؤاب ما أجابه به وصدقه في نبوته. وأقر عصابة من يهود بأنه أصاب في قوله، وعلم [يهوديان] [ (1) ] بأنه صادق في نبوته، واعترف يهود بنبوته لما أتوه يسألونه عن حد الزاني، وشهد ابن صوريا على يهود بمعرفته، واعترفت اليهود بأن صفته عندهم في التوراة. وأظهر اللَّه تعالى معجزته الباهرة لليهود لما دعاهم إلى تمني الموت، وأخبرهم لما دعاهم إلى ذلك أنهم لا يتمنونه أبدا فما أحد منهم تمناه، تحقيقا لصدق مقالته، واعترف قوم من اليهود بأن سورة يوسف موافقة لما في التوراة، وصدقته يهود في إخباره بأسماء النجوم التي رآها يوسف عليه السلام في منامه، وأهلك اللَّه تعالى   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 رجلا خالف أمره. وأهلك مشركا لما سأل عن كيفية اللَّه تعالى، وأهلك رجلا كذب على رسوله، وصدقت مقالته لرجل بما حدثته به نفسه وبما يؤول أمره إليه، وأخبر امرأة قد صامت بما كان منها في صومها، وأغنى اللَّه تعالى أبا سعيد الخدريّ ببركة دعائه في التعفف مقالة الرسول، وأخبر وابصة بما جاء يسأله عنه. وأخبر رجلين أتياه ليسألاه بما يريدان أن يسألاه عنه، وأخبر رجالا من أهل الكتاب أتوه ليسألوه عن ذي القرنين بما أرادوا أن يسألوه عنه، كل ذلك قبل أن يسأل، وأخبر بما هو مدفون مع أبي رعان، وأخبر عن أمر السفينة، وأخبر بإسلام أبي الدرداء قبل أن يسلم. وأخبر بحال الرجل الّذي نحر نفسه، وأشار إلى ما صار إليه أمر ماعز من الرجم، وأخبر رجلا عما قال في نفسه من الشعر، وأخبر أبا شهم بما كان منه، وأخبر عن شاة دعي لأكلها بأنها أخذت بغير إذن أهلها. وأخبر عن سحابة أمطرت باليمن، وأخبر بوقعة ذي قار في يوم الوقعة، وأخبر بغدر الحطيم، وأخبر بالفتن التي وقعت بعد وفاته، وأخبر بأن اللَّه تعالى يتم أمره ويظهر دينه على الدين كله. وأخبر بما فتح اللَّه من بعده لأمته من ممالك الأرض، وأخبر بأن القبط يكون، وأن ملك أمته يبلغ ما روى له فيها، فكان ذلك، وبلغ ملكهم لأول المشرق من بلاد السند والترك، إلى آخر بلاد العرب من سواحل البحر المحيط بالأندلس وبلاد البربر، ولم يتسعوا في الجنوب والشمال كل الاتساع كما أخبر سواء. وأخبر بقيام الخلفاء من بعده، وأخبر بقيام ملوك بعد الخلفاء، وأخبر عن مدة الخلافة ثم يكون ملكا، وأخبر باختيار اللَّه خلافة أبي بكر، وأراه اللَّه في منامه مدة خلافة أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما وأشار إلى الفتن الواقعة في زمن عثمان وعلي- رضي اللَّه عنهما- والاختلاف عليهما. وأخبر عن جماعة من أصحابه أنهم شهداء، وأخبر عن ثابت بن قيس بأنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 شهيد، وأنذر بما كان من الردة بعده، وبسوء عاقبة الرجال، وأجيبت دعوته في مجيء ثمامة بن أثال، وأدركت لعنته الأربعة وأختهم، وأنذر بقتال أصحابه بعضهم بعضا. وأخبر فاطمة الزهراء رضي اللَّه عنها أنها أول أهل بيته لحوقا به، وأن اللَّه تعالى يبر قسم البراء بن مالك، وأن عمر بن الخطاب من المحدثين، وأن أول نسائه لحوقا به أطولهن يدا، وأخبر عن أويس بن القرني، وعن صلة بن أشيم، وأخبر على بن أبي طالب بولادة غلام له يسميه محمدا. وأخبر أم ورقة بأنها تدرك الشهادة، وأنذر بالطاعون الّذي وقع بعده، وأنذر بفتنة تموج موج البحر، وأنذر عثمان بما أصابه من البلاء، وأنذر بأن أقواما يؤخرون الصلاة عن وقتها، وصدق اللَّه مقالته أن [أدخل] [ (1) ] عقبة بن أبي معيط النار، وأنذر بما وقع من الفتن من بعده، وأن بعض نسائه تنبحها كلاب الحوأب، وأن الزبير بن العوام يقاتل على بن أبي طالب. وأخبر زيد بن صوحان أنه يموت شهيدا، وأنذر بوقعة صفين، وأن عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية، وأنذر بالحكمين الذين حكما بين على ومعاوية، وأخبر عن الخوارج وقتال على لهم، وأخبر أن علي بن أبي طالب يقتل، وأنه يمحى اسمه، وأن الحسن بن علي سيد، وأن اللَّه يصلح به بين فئتين عظيمتين. وأخبر بتملك معاوية بن أبي سفيان، وأن ميمونة تموت بغير مكة، وأن أم حرام بنت ملحان تركب البحر للغزاة في سبيل اللَّه، وأخبر أن رجلا يتكلم بعد موته، وأن نفرا من المسلمين يقتلون بعذراء من أرض الشام. وأخبر عمرو بن الحمق بمن يقتله، وأخبر كيف يموت سمرة بن جندب، وأن عبد اللَّه بن سلام يموت على الإسلام ولا يستشهد، وأن رافع بن جريج يستشهد، وأن هلاك أمته على يد أغيلمة من قريش، وأن قيس بن خرشة لا يضره بشر، وأن الحسين بن علي رضي اللَّه عنه يقتل، وأنذر بقتل أهل الحرة، وبتحريق   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 الكعبة، وذهاب بصر عبد اللَّه بن سلام، وعمى زيد بن أرقم. وأخبر بالكذابين من بعده، وربما يلقي عبد اللَّه بن الزبير وما يصيب الناس منه، وبخروج الحجاج بن يوسف- وهو المبيرة- وأن معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين، وأن الشر يقع بعد الخير الّذي جاء به. وأخبر بما يكون من أحداث يزيد بن معاوية، وبتملك بني أمية، وبسوء سيرة الوليد، وأشار إلى خلافة عمر بن عبد العزيز، وأخبر بوهب بن منبه، وبغيلان القدري، ومحمد بن كعب القرظي، وبانخرام القرن الّذي كان هو فيه على رأس مائة سنة، وصدق اللَّه قوله في تعيين عمر إنسان وهلاك آخر. وأخبر بتملك بني العباس على الناس وبما نزل بأهل بيته من البلاء، وبقيام اثنى عشر خليفة، وبظهور الجور والمنكرات، وأن قريشا يسلط عليهم من ينزع الملك منهم بذنوبهم. وأخبر باتساع الدنيا على أمته، وتنافسهم فيها، وتقاتلهم عليها، وبوقوع ما بين أمته بينهم، وأن السيف إذا وقع فيهم لا يرتفع عنهم، وبظهور المعاون، وأخبر بمجيء قوم بأيديهم سياط يضربون بها الناس، وبنساء كاسيات عاريات، وأشار إلى أن بغداد تبني مدينة، وأخبر عن البصرة. وأخبر بما يكون من الفجور وتناول الحرام، والتسرع إلى القتل، وعن قوم يؤمنون به ولم يروه، وأن أقصى أماني أمته من بعده أن تراه، وبتبليغ الصحابة ما سمعوا منه من يأتيهم بعده، وتفقههم في الدين، وأنذر بظهور الاختلاف في أمته، وأنها تتبع طرائق الأمم من قبلها، وأن العلم يذهب ويظهر الجهل، وأن أهل الزيغ يتبعون ما تشابه من القرآن وتظهر الروافض والقدرية، وأن يكذب عليه، وأن الناس يتغيرون بعد اتباع القرون، وأن طائفة من الأمة لا تزال متمسكة بالدين، وأن الأنصار يرون بعده أثره. وأخبر بخروج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، وأن أحجار الزيت بالمدينة تغرق من الدم، وأخبر بما يكون بعده من الخسف، وأن الأمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 يوسد إلى غير أهله، وأن الإسلام يعود غريبا كما بدأ، وأن التّرك تتغلب على أهل الإسلام. فما أخبر بشيء من ذلك إلا وقع كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم، وهذه أشياء لا تعرف البتة بشيء ووجوه تقدمة المعرفة، لا بنجوم، ولا بكيف، ولا بخط، ولا بزجر تم بحمد اللَّه تعالى وحسن توفيقه الجزء الرابع من إمتاع الأسماع للمقريزي ويليه بمشيئة اللَّه الجزء الخامس وأوله: [فصل جامع في معجزات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على سبيل التفصيل] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 [ المجلد الخامس ] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم فصل جامع في معجزات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على سبيل التفصيل [ (1) ] أولا: إبطال الكهانة [ (1) ]] فأما إبطال اللَّه تعالى الكهانة بمبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حتى انقطعت بعد ما كانت ظاهرة موجودة، قال ابن سيده: كهن له يكهن، وكهن كهانة، وتكهن تكهينا وتكهّنا: قضى له بالغيب، ورجل كاهن من قوم كهنة وكهان، وحرفته الكهانة. واعلم أن الكهانة من خواص النفس الإنسانية، وذلك أن للنفس الإنسانية استعداد للانسلاخ عن البشرية إلى الروحانية التي فوقها، وأعلا هذا الانسلاخ صنف الأنبياء، فإنّهم فطروا على ذلك، فيحصل لهم من غير اكتساب ولا استعانة بشيء من المدارك، ولا من التصورات، ولا من الأفعال البدنية، ولا بأمر من الأمور، إنما هو انسلاخ من البشرية إلى [الملائكية] [ (2) ] بالفطرة الإلهية في لحظة أقرب من لمح البصر، فاقتضت القسمة العقلية حركتها الفكرية بالإرادة، عند ما يتبعها النزوع لذلك، وهي ناقصة عن إدراك الأنبياء بالجبلة، وعند ما يعوقها العجز عن ذلك، فإنّها تتشبث بأمور جزئية محسوسة أو متخيلة تنظر فيها، كالأجسام الشفافة، وعظام الحيوان، وتتكلم بالسجع، أو ترى ما ينسلخ من طير أو حيوان، فلا تزال تستعين بذلك في الانسلاخ الّذي تقصده، فيكون كالمشيع له..، وهذه القوة التي في هذا الصنف مبدأ لذلك الإرادي، هي الكهانة. ولما كانت هذه النفوس مفطورة على النقص والقصور عن الكمال، كان إدراكها في الجزئيات أكثر من الكليات، وصارت متشبثة بها، غافلة عن الكليات، ولذلك تكون القوة المتخيلة فيهم في غاية القوة، لأنها آلة الجزئيات فتنفذ فيها نفوذا   [ (1) ] هذه العناوين ليست في (خ) . [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 تاما، إما في النوم أو في اليقظة، وتكون عندها أبدا حاضرة تحضرها المتخيلة حضورا يكون لها كالمرآة ينظر فيها دائما، ولا يقوى الكاهن على الكمال في إدراك المعقولات، لأن ما يوحى إليه من الشياطين. وأرفع أحوال الكهان من يستعين بالكلام المسجوع الموزون، ليشتغل به عن الحواس، ويقوى على ذلك الاتصال الناقص، فيهجس في قلبه عن تلك الحركة، والّذي يشيعها من ذلك الأجنبي ما يقذفه على لسانه، فربما صدق ووافق الحق، وربما كذب، لأنه يتمم نقصه بأمر أجنبي عن ذاته المدركة، ومباين لها غير ملائم، فيعرض له الصدق والكذب جميعا، ويكون غير موثوق به جميعا، وربما فزع إلى الظنون والتخمينات، حرصا منه على الظفر بالإدراك، وتمويها على السائلين له. وأصحاب السجع أخف من سائر المعينات من المرئيات والمسموعات، فإن خفة المعين تدل على قرب ذلك الاتصال والإدراك، كما أن البعد فيه عجز ما، وإذا تقرر ذلك فنقول: قال اللَّه جل جلاله: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً* وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً* وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً* وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً* وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً* وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً* وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً* وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً [ (1) ] . [ومعنى] هذه الآيات: قل يا محمد لأمتك: أوحى اللَّه إليّ على لسان جبريل، أنه استمع إليّ نفر من الجن- والنفر: الرهط كالحليل ما بين ثلاثة إلى عشرة- فقالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا، أي في فصاحته، وقيل عجبا في بلاغة مواعظه، وقيل: عجبا في عظيم بركته، وقيل: قرآنا عزيزا لا يوجد مثله، يهدي   [ (1) ] الجن: 1- 10. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 إلى الرشد، أي إلى مراشد الأمور، وقيل: إلى معرفة اللَّه، فآمنا به أي فاهتدينا به، وصدقنا أنه الّذي من عند اللَّه، ولن نشرك بربنا أحدا، أي لا نرجع إلى إبليس ولا نطيعه، لأنه الّذي كان بعثهم ليأتوه بالخبر [لما] [ (1) ] رمى الجن بالشهب. وقيل: لا نتخذ مع اللَّه إلها آخر لأنه المنفرد بالربوبية، وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا، أي عظمته وجلاله. قاله عكرمة ومجاهد وقتادة، وعن مجاهد أيضا ذكره. وقال أنس بن مالك والحسن وعكرمة أيضا عنهم. وقال أبو عبيد: أي ذي الغناء منك الغنى. وقال ابن عباس: قدرته. وقال الضحاك: فعله. وقال القرطبي والضحاك أيضا: آلاؤه ونعمه على خلقه. وقال أبو عبيد والأخفش: ملكه وسلطانه. وقال السّدي: أمره. وقال سعيد بن جبير: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا أي تعالى ربنا. وقيل غير ذلك. ومعنى الآية: وأنه تعالى جلال ربنا أن يتخذ صاحبة أو ولدا للاستئناس بهما أو الحاجة إليهما، فإن الرب يتعالى عن ذلك، كما يتعالى عن الأنداد والنظراء وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا أي إبليس. قاله مجاهد وابن جريج وقتادة. ورواه أبو بردة ابن أبي موسى عن [أبيه] [ (1) ] ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: سفيهنا: المشركون من الجن، والشّطط والاشتطاط: الغلو في الكفر. وقيل: الجور. وقيل: هو الكذب وَأَنَّا ظَنَنَّا أي حسبنا أن لن تقول الإنس والجن على اللَّه كذبا، فلذلك صدقناهم أن للَّه صاحبة وولدا، حتى سمعنا القرآن وتبينا به الحق، وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ أي أن [الرجل] [ (1) ] كان إذا نزل بواد قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في جواره حتى يصبح، وكان أول من تعوذ بالجن قوم من أهل اليمن، ثم من بني حنيفة، ثم فشا ذلك في العرب، فلما جاء اللَّه بالإسلام تعوذوا باللَّه وتركوهم، فَزادُوهُمْ رَهَقاً أي إثما، وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً أي ظنت الجن كما ظنت الإنس أن لن يبعث اللَّه رسولا إلى خلقه، يقيم به الحجة عليهم، وكان هذا هو توكيد الحجة على قريش، أي إذا آمن هؤلاء الجن بمحمد فأنتم أحق بذلك، وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ أي طلبنا خبرها كما جرت عادتنا، فوجدناها قد ملئت حرسا   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 شديدا أي حفظة، يعني الملائكة، وشهبا جمع شهاب، وهو انقضاض الكواكب المحرقة لهم عند استراق السمع، وشديدا: من نعت الحرس، أي ملئت ملائكة شدادا، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ أي من السماء، مقاعد أي مواضع يقعد في مثلها لاستماع الأخبار من السماء، يعني أن مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهنة، فحرسها اللَّه حين بعث رسوله محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم بالشهب المحرقة، فقالت الجن حينئذ: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً، يعني بالشهاب: الكوكب المحرق. وقيل لم يكن انقضاض الكواكب إلا بعد مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو آية من آياته، وأنه كان من مبعثه أن رأت قريش النجوم يرمى بها في السماع عشرين يوما، وقد اختلف السلف: هل كانت الشياطين تقذف قبل المبعث؟ أو كان ذلك أمرا حدث لمبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم؟ وقيل: كان ذلك قبل المبعث، وإنما زادت بمبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إنذارا بحاله، وهو معنى قوله تعالى: [مُلِئَتْ] [ (1) ] أي زيد في حرسها، وهو قول الأكثرين، وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أي هذا الحرس الّذي حرست به لشر أريد بأهل الأرض أم أراد بهذا ربهم بهم رشدا؟ أي خيرا. أخرج البخاري في التفسير من حديث سفيان، حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة رضي اللَّه عنه قال: إن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا قضى اللَّه الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قال للذي قال: الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه [ (2) ] فوق بعض، ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدّد بين أصابعه، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال يوم كذا وكذا وكذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] في (خ) : «بعضهم» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 التي سمع [ (1) ] من السماء [ (2) ] . وقال تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ* وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ* لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ* دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ* إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ [ (3) ] وقال: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [ (4) ] ، وقال: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ* وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ* إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ [ (5) ] . وخرج عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري، عن يحيى بن عروة بن الزبير عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قلت: يا رسول اللَّه! إن الكهان قد كانوا يحدثوننا بالشيء فنجده [ (6) ] حقا، قال: تلك الكلمة الحق [ (7) ] يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه ويزيد [ (8) ] فيها أكثر من مائة كذبة. خرجه مسلم [ (9) ] عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق، وخرجه البخاري [ (10) ] من وجه آخر عن معمر. وقال الأوزاعي: حدثني ابن شهاب عن علي بن حسين، عن عباس رضي اللَّه عنه قال: حدثني رجال من الأنصار أنهم بيناهم جلوس مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذ رمي بنجم فاستنار، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما كنتم تقولون في الجاهلية إذ   [ (1) ] (خ) : «سمعت» . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 689- 690، كتاب التفسير، باب (1) حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، حديث رقم (4800) . [ (3) ] الصافات: 6- 10. [ (4) ] الملك: 5. [ (5) ] الحجر: 16- 18. [ (6) ] (خ) : «فيكون» وهي رواية البخاري. [ (7) ] (خ) : «من الحق» وهي رواية البخاري. [ (8) ] في (خ) : «فيزيد» وهي رواية البخاري. [ (9) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 475، كتاب السلام، باب (35) تحريم الكهانة وإتيان الكهان، حديث رقم (2228) . [ (10) ] (فتح الباري) : 10/ 266، كتاب الطب، باب (46) الكهانة، حديث رقم (5762) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 رمي بمثل هذا؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، ومات الليلة رجل عظيم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فإنّها [ (1) ] لا يرمي بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا عز وجل [ (2) ] إذا قضى أمرا سبحت [ (3) ] حملة العرش، ثم سبحت [ (3) ] أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا، ثم يقول الذين يلون حملة العرش [لحملة العرش:] [ (4) ] ماذا قال ربكم، [فيخبرونهم ماذا قال] [ (4) ] فيستخبر أهل السموات بعضهم بعضا حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا، فيخطف الجن السمع فيلقونه إلى أوليائهم ويرمون به، فما جاءوا به على وجهه فهو الحق، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون. وفي رواية يونس بن يزيد عن الزهري: ولكنهم يرقون فيه ويزيدون. أخرجه مسلم من حديث الوليد بن مسلم عن الأوزاعي [ (5) ] . ورواه محمد بن إسحاق عن الزهري عن علي بن الحسين عن علي، عن عبد اللَّه بن عباس عن نفر من الأنصار، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لهم: ما كنتم تقولون في هذا النجم الّذي يرمي به؟ قالوا: يا رسول اللَّه كنا نقول حين رأيناها يرمى بها: مات ملك ملّك ملك، ولد مولود مات مولود، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليس ذلك لذلك، ولكن اللَّه تبارك وتعالى، كان إذا قضى في خلقه أمرا سمعه حملة العرش فسبحوا، فسبح من تحتهم لتسبيحهم، فسبح من تحت ذلك، ولا يزال التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا فيسبحوا. ثم يقول بعضهم لبعض: مم سبحتهم؟ فيقولون: سبح من فوقنا فسبحنا لتسبيحهم، فيقولون: ألا تسألون من فوقكم مم سبحوا؟ فيقولون مثل ذلك حتى   [ (1) ] في (خ) : «فإنّه» . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (مسلم) : «ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه» . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (مسلم) : «سبّح» . [ (4) ] زيادة للسياق والبيان. [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 476- 477، كتاب السلام، باب (35) تحريم الكهانة وإتيان الكهان، حديث رقم (2229) وأخرجه الترمذي في صحيحه، في تفسير سورة سبإ، والإمام أحمد في (المسند) : 1/ 360، حديث رقم (1886) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 ينتهوا إلى حملة العرش، فيقولون لهم: مم سبحتم؟ فيقولون: قضى اللَّه في خلقه كذا وكذا- للأمر الّذي كان- فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء، حتى ينتهي إلى السماء الدنيا فيتحدثوا به فيسترقه الشياطين بالسمع على توهم واختلاف، ثم يأتوا به الكهان من أهل الأرض فيحدثوهم فيخطئوا ويصيبوا، فيتحدث به الكهان فيصيبوا بعضا ويخطئوا بعضا، ثم إن اللَّه حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها، فانقطعت الكهانة اليوم ولا كهانة [ (1) ] . قال ابن إسحاق: وحدثني عمرو بن أبي جعفر، عن محمد بن عبد الرحمن ابن لبينة، عن علي بن الحسين، بمثل حديث شهاب عنه، وقد روى هذا الحديث [عبد] الرزاق عن معمر عن الزهري وقال في آخره: قال: فقلت للزهري: أو كان يرمى به في الجاهلية؟ فقال: نعم، قلت: يقول اللَّه تعالى: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً، قال: غلّظت واشتد أمرها حين بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. قال البيهقي: وهذا يوافق ظاهر الكتاب لأنه قال خبرا عن الجن: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً، فأخبرت الجن أنه زيد في حراس السماء وشهبها، حتى امتلأت منها، وفي ذلك دليل على أنه كان قبل ذلك فيها حراس وشهب معدة معهم، والشهاب في (لسان العرب) [ (2) ] النار المتوقدة. ثم ذكر الحديث البخاري ومسلم والترمذي، من طريق أبي عوانة، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على الجن ولا رآهم [ (3) ] ، انطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 235- 236، باب بيان الوجه الّذي كان يخرج قول الكهان عليه حقا، ثم بيان أن ذلك انقطع بظهور نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أو انقطع أكثره. [ (2) ] (لسان العرب) : 1/ 510. [ (3) ] قال النووي: لكن ابن مسعود أثبت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قرأ على الجن: فكأن ذلك كان مقدما على نفي ابن عباس، وقد أشار إلى ذلك مسلم، فأخرج في (الصحيح) في كتاب الصلاة، حديث رقم (450) عقب حديث ابن عباس هذا حديث ابن مسعود عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: أتاني داعي الجن فانطلقت معه فقرأت عليه القرآن. قال الحافظ: ويمكن الجمع بالتعدد. قال العلماء هما قضيتان، وحديث ابن عباس في أول الأمر، وأول النبوة، ثم أتوا وسمعوا قُلْ أُوحِيَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، فقال: ما حال بيننا وبين خبر السماء إلا من [شيء] [ (1) ] حدث، فاضربوا مشارق الأرض، ومغاربها، فانظروا ما هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السماء، قال: فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الّذي حال بينهم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو بنخلة، عامدا إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الصبح، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا واللَّه الّذي حال بينكم وبين خبر السماء، قال: فهنا لك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً، فأنزل اللَّه على نبيه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [ (2) ] ، [وإنما أوحي إليه قول الجن] [ (3) ] . هذه سياقة الترمذي، وقال: حسن صحيح. قال البيهقي: فقد ذكرنا أن ذلك في أول ما علموا به. وأما قولهم حيل بيننا وبين خبر السماء، فإنما أرادوا بما زيد في الحرّاس والشهب، واستدل لذلك بحديث يونس بن بكير، عن يونس بن عمرو عن أبيه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنّ الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء فيستمعون الكلمة من الوحي فيهبطون بها إلى الأرض، فيزيدون معها تسعا، فيجد أهل الأرض تلك الكلمة حقا والتسع باطلا، فلم يزالوا بذلك حتى بعث اللَّه   [ (1) ] زيادة للسياق من (جامع الأصول) . [ (2) ] الجن: 1- 2. [ (3) ] قال الحافظ: هذه الزيادة من كلام ابن عباس، كأنه يقرر فيه ما ذهب إليه أولا: أنه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يجتمع بهم، وإنما أوحى اللَّه إليه بأنهم استمعوا، ومثله قوله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا [الأحقاف: 49] ، ولكن لا يلزم من عدم ذكر اجتماعه بهم حين استمعوا، أن لا يكون اجتمع بهم بعد ذلك. وهذا الحديث أخرجه البخاري في تفسير سورة الجن، وفي صفة الصلاة، باب الجهر بقراءة صلاة الفجر، ومسلم في الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح والترمذي في التفسير، باب: ومن سورة الجن، والبيهقي في (دلائل النبوة) : 2/ 225- 226، 239، والإمام أحمد في (المسند) : 1/ 417، حديث رقم (2271) ، من مسند عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تعالى عنه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم، فمنعوا تلك المقاعد، فذكروا ذلك لإبليس فقال: لقد حدث في الأرض حدث، فبعثهم فوجدوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يتلو القرآن بين جبلي نخل، قالوا: هذا واللَّه الحدث، وإنهم ليرمون، فإذا توارى النجم عنكم فقد أدركه لا يخطئ أبدا ولكنه لا يقتله، يحرق وجهه، جنبه، يده [ (1) ] . وخرجه الترمذي من حديث إسرائيل، حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فذكره بمعناه ثم قال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . واستدل البيهقي أيضا بحديث آدم بن أبي إياس قال: حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [ (3) ] ، قال: كان لكل قبيل من الجن مقعد من السماء يستمعون منه الوحي، وكان إذا نزل الوحي سمع له صوت كإمرار السلسلة عل الصفوان، فلا ينزل على أهل سماء إلا صعقوا، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، وهو العلي الكبير، ثم يقول: يكون العام كذا، ويكون [كذا] [ (4) ] ، فتسمعه الجن فيخبرون الكهنة به، والكهنة [يقولون للناس] [ (5) ] : يكون كذا [و] [ (4) ] كذا فيجدونه كذلك، فلما بعث اللَّه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم دحروا، فقالت العرب حين لم تخبرهم الجن بذلك: هلك من في السماء، فجعل صاحب الإبل ينحر كل يوم بعيرا، وصاحب البقر ينحر كل يوم بقرة، وصاحب الغنم شاة، حتى أسرعوا في أمواله، فقالت ثقيف- وكانت أعقل العرب-: أيها الناس، أمسكوا على أموالكم، فإنه لم يمت من في السماء، وإن هذا ليس بانتثار ألستم ترون معالمكم من النجوم كما هي؟ والشمس والقمر والليل والنهار، قال: فقال إبليس: لقد حدث اليوم في الأرض حدث، فأتوني من تربة كل أرض،   [ (1) ] (دلائل النبوة للبيهقي) : 2/ 239- 240، وقال في هامشه: أخرجه أحمد في (المسند) ، ونقله ابن كثير في (البداية والنهاية) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 398، كتاب تفسير القرآن، حديث رقم (3324) ، وأخرجه أيضا النسائي في (الكبرى) ، في التفسير. [ (3) ] سبأ: 33. [ (4) ] زيادة للسياق من (البيهقي) . [ (5) ] زيادة للبيان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 فأتوه بها، فجعل يشمها، فلما شم تربة مكة قال: من هاهنا جاء الحدث، فنصتوا فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد بعث [ (1) ] . وقال محمد بن إسحاق: وأما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين من الجن فيما تسترق من السمع، إذ كانت وهي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم، وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره صلّى اللَّه عليه وسلم، ولا تلقي العرب لذلك فيه بالا حتى بعثه اللَّه، ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها، فلما تقارب أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع، وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها، فرموا بالنجوم، فعرفت الجن أن ذلك لأمر حدث من أمر اللَّه في العباد، يقول اللَّه تعالى لنبيه- حين بعثه وهو يقص عليه خبر الجن إذ حجبوا عن السمع فعرفوا ما عرفوا وما أنكروا من ذلك حين رأوا ما رأوا- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ ... فذكر الآيات، فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك، لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم من اللَّه فيه لوقوع الحجة وقطع التهمة، فآمنوا وصدقوا، ثم ولوا إلى قومهم منذرين، قالوا: يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ [ (2) ] الآية. قال ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، أنه حدّث أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم حين رمي بها هذا الحي من ثقيف، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له: عمرو بن أمية- أحد بني علاج- قال: وكان أدهى العرب وأمكرها رأيا، فقالوا له: يا عمرو! ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم؟ قال: بلى، فانظروا، فإن كانت معالم النجوم التي [يهتدى] [ (3) ] بها في البر والبحر، وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هي التي يرمى بها، فهو واللَّه طيّ الدنيا وهلاكها، وهلاك هذا الخلق الّذي فيها،   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 240- 241. [ (2) ] الأحقاف: 30. [ (3) ] زيادة للسياق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 وإن كانت نجوما غيرها وهي ثابتة على حالها فهذا لأمر أراد اللَّه به الخلق [ (1) ] . وخرج البيهقي من طريق سعيد بن منصور قال: حدثنا خالد عن حصين عن عامر الشعبي قال: كانت النجوم لا ترمى حتى بعث اللَّه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم، فرمي بها فسيبوا أنعامهم، وأعتقوا رقيقهم، فقال عبد يا ليل: انظروا، فإن كانت النجوم التي تعرف فهي عند فناء الناس، وإن كانت لا تعرف فهو من أمر حدث، فنظروا فإذا هي لا تعرف، قال: فأمسكوا ولم يلبثوا إلا يسيرا حتى جاءهم خروج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . وخرّج من حديث عطية بن سعد العوفيّ، عن ابن عباس قال: لم تكن سماء الدنيا تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد، وكانوا يقعدون منها مقاعد للسمع، فلما بعث اللَّه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم حرست السماء حرسا شديدا، ورجمت الشياطين فأنكروا ذلك وقالوا: لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً [ (3) ] . فقال إبليس لقد حدث في الأرض حدث [ (4) ] ، واجتمعت إليه الجن فقال: تفرقوا في الأرض فأخبروني ما هذا الخبر الّذي حدث في السماء؟. وكان أول بعث بعث ركب أهل نصيبين، وهم أشراف الجن وسادتهم، فبعثهم إلى تهامة، واندفعوا حتى بلغوا الوادي- وادي نخلة- فوجدوا نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي صلاة الغداة ببطن نخلة، فاستمعوا، فلما سمعوه يتلو القرآن قالوا: أنصتوا- ولم يكن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم علم أنهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن- فلما قضى، يقول: فلما فرغ من الصلاة ولّوا إلى قومهم منذرين، يقول: مؤمنين [ (4) ] . وقال عكرمة رحمه اللَّه: والسورة التي كان يقرأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ... ، قال البيهقي: فهذا يوافق الحديث الثابت عن أبي اليسر عن   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 241. [ (3) ] الجن: 10. [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 241- 242. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 سعيد بن جبير، عن ابن عباس، إلا أن فيه زيادة ينفرد بها عطية العوفيّ، وهي قوله: لم تكن سماء الدنيا تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد. وروى ذلك عن غير ابن عباس، ويحتمل أن يكون المراد بذلك أنها لم تكن تحرس الحراسة الشديدة حتى بعث نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم، فملئت حرسا شديدا وشهبا [ (1) ] . وقال ابن قتيبة: إن الرجم كان قبل مبعثه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولكنه لم يكن مثله في شدة الحراسة بعد مبعثه، وكانت تسترق في بعض الأحوال، فلما بعث صلّى اللَّه عليه وسلم منعت من ذلك أصلا، وعلى هذا وجدنا الشعر القديم قاله بشر بن أبي حازم- وهو جاهلي-: والعير يرهقها الغبار وحجبها ... ينقضّ خلفهما كانقضاض الكوكب وقال أويس بن حجر- وهو جاهلي-: فانقض كالدرى يتبعه ... نقع بنور يخالطه طيبا وقال عوف بن الجزع- وهو جاهلي-: يرد علينا العير من دون الغدا ... والنور كالدري يتبعه الدم وفي أيدي الناس كتب من كتب الأعاجم وسيرهم تنبئ عن انقضاض النجوم في كل عصر وكل زمان. وقال السهيليّ: وإن وجد اليوم كاهن ولا يدفع ذلك بما أخبره اللَّه تعالى من طرد الشياطين عن استراق السمع، فإن التغليظ والتشديد كان في زمن النبوة، ثم بقيت منه- أعني استراق السمع- بقايا يسيرة، بدليل وجودهم على الندور في بعض الأزمنة وفي بعض البلاد. وقد سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الكهان فقال: ليسوا بشيء، فقيل: إنهم يتكلمون بالكلمة فيكون كما قالوا: فقال: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة- بالدال- والزجاجة بالزاي أولى لما ثبت في الصحيح: فيقرها في أذن وليه   [ (1) ] المرجع السابق: 242. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 كما تقر القارورة، ومعنى يقرها، يصيبها ويفرغها. قال الراجز: لا تقرعن في أذني بعدها ... ما يستقر فأريك فقدها وفي تفسير ابن سلام عن ابن عباس قال: إذا رأى الشهاب الجنّيّ لم يخطئه ويحرق ما أصاب ولا يقتله. وعن الحسن: يقتله في أسرع من طرفة العين. قال: والّذي انقطع اليوم وإلى يوم القيامة: أن تدرك الشياطين ما كانت تدركه في الجاهلية الجهلاء، وعند تمكنها من سماع أخبار السماء، وما يوجد اليوم من كلام الجن على ألسنة المجانين، إنما هو خبر منهم عما يرونه في الأرض مما لا نراه نحن، كسرقة سارق أو خبيئة في مكان خفي أو نحو ذلك، وإن أخبر أنما سيكون، كان [تخرصا] [ (1) ] وتظنينا، فيصيبون قليلا ويخطئون كثيرا. وذلك القليل الّذي يصيبون فيه هو مما تتكلم به الملائكة في العنان، كما في حديث البخاري، فيطردون بالنجوم، فيضيفون إلى الكلمة الواحدة أكثر من مائة كذبة، - كما قال صلّى اللَّه عليه وسلم في الحديث-. فإن قيل: قد كان صاف بن صياد، وكان يتكهن ويدعي النبوة، وخبأ له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خبيئا فعلمه، وهو الدخان، فقال: الدّخ، فأين انقطاع الكهانة في ذلك الزمان؟ قلنا: عن هذا جوابان. أحدهما: ذكره الخطابي في أعلام الحديث، قال: الدخ نبات يكون بين النخل، وخبّأ له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ [ (2) ] ، فعلى هذا لم يصب ما خبّأ له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. الثاني: أن شيطانه كان يأتيه بخبر السماء لمكان القذف والرجم، فإن كان أراد بالدخ الدخان، فليس هذا من أخبار السماء، إذ يمكن أن يكون قرب من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين ذكر الآية سرا، فسمع منها ذكر الدخان بقوة جعلت في أسماعهم   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] الدخان: 10. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 ليست لنا، فألقى الكلمة على لسان صاف وحدها، إذ لم يمكن للجني سماع سائر الآية، ولذلك قال له صلّى اللَّه عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك، أي لن تعدو منزلتك من العجز عن علم الغيب، وإنما الّذي يمكن في حقه هذا القدر دون مزيد عليه. على هذا فسره الخطابي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 ثانيا: انشقاق القمر] وأما انشقاق القمر، فإنه أول آيات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو غيظ لأهل الإلحاد، قال اللَّه تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [ (1) ] . خرج عبد الرزاق من حديث ابن عيينة ومحمد بن أبي نجيح عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: رأيت القمر منشقا شقتين مرتين بمكة قبل مخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، شقة على أبي قيس وشقة على السويداء، فقالوا سحر القمر، فنزلت: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، يقول: كما رأيتم القمر منشقا فإن الّذي أخبركم عن اقتراب الساعة حق. وقال وهب بن جرير عن شعبة عن الأعمش، عن مجاهد عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما في قوله عزّ وجل: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، قال: قد كان ذلك على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، انشق فلقتين: فلقة من دون الجبل، وفلقة من خلف الجبل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اشهد. وقال هشيم: أخبرنا حصين عن جبير بن محمود بن جبير بن مطعم، عن أبيه عن جده في قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، قال: انشق القمر ونحن بمكة على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وحديث انشقاق القمر رواه جماعة من الصحابة [منهم] : عبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عمر، وحذيفة رضي اللَّه عنهم، وعلى هذا جميع أئمة التفسير إلا ما روى عثمان بن عطية عن أبيه أنه قال: معناه: سينشق القمر، وهو قول الحسن، وأهل العلم بالحديث والتفسير جميعهم على   [ (1) ] القمر: 1- 2. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 خلافه. وحكى النقاش عن بعضهم أنه قال: انشقاقه: كسوفه على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهذا خلاف لما في التنزيل، ولما جاءت به الأحاديث الصحيحة، ولو كان كسوفا لما قالت قريش: هذا سحر. والأحاديث الصحيحة الثابتة بنقل الثقات ناطقة بأن هذه الآية قد مضت، ويؤيد ذلك قوله تعالى. وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، فأتى بلفظ ماض، وحمل الماضي على المستقبل يحتاج إلى قرينة ودليل، فإنه لا يعدل عن ظاهر النص إلا بدليل. وفي قوله تعالى: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [ (1) ] دليل على أن انشقاق القمر وقع في هذه الدار، لأن انشقاقه في الآخرة لا يكون آية ومعجزة للعباد، لأن الآخرة ليست بدار تكليف، ولو كان قوله: انْشَقَّ، بمعنى سينشق، لكان معنى اقتربت: ستقترب، وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر، لأن انشقاقه من علامات نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، ونبوته وزمانه من علامات اقتراب الساعة، ولا مدفع بعد ظاهر القرآن وثبوت الأحاديث بكونه وحصوله. فإن قيل: لو انشق القمر لتواتر الخبر به، قلنا: هذه آية لتسليه، ولم تكن في مجلس غاص بأهله، بل جرى مع طائفة في جنح ليل ومعظم الناس نيام، والّذي شاهده من مشركي قريش عدد يمكن تواطؤهم مع كتمانه، أو أنهم اعتقدوا أنه تخييل، ومعظم الخلق في ذلك الوقت كانوا نياما، والقمر قد يعارضه غيم في بعض البلدان ولا يرى وهو في تلك الحالة، يرى في موضع آخر، كما يكون السحاب المطبق والمطر الوابل في بلد في يوم واحد، وفي ساعة واحدة، ولا يكون في بلد آخر. قيل: هذا مما لا يلزم فيه نقل التواتر، ولا تقضي العادة والعرف فيه بوجوب التواتر، فهو كغيره من المعجزات ما عدا القرآن، ثم رب شيء ينتقل تواتره مدة ثم يندرس، ومع ذلك فقد روى هذه الآية من الصحابة الأعلام جماعة تقدم ذكرهم، ورواه عن كل واحد منهم عدد كثير.   [ (1) ] القمر: 3. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 وقد جاء القرآن الكريم بأن عيسى عليه السلام تكلم في المهد، والنصارى تنكر ذلك، فإذا قيل لنا: لو كان هذا حقا لتواتر الخبر به، قلنا: عدم التواتر في انشقاق القمر مثل ذلك، ومعنى اقتربت: دنت، والساعة: القيامة. قال الفراء: فيه تقديم وتأخير تقديره: انشق القمر واقتربت الساعة. وقرأ بعضهم: اقتربت الساعة وقد انشق القمر، وهذا يؤيد قول الجمهور. خرج البخاري في التفسير من حديث سعيد وسفيان عن الأعمش، عن إبراهيم عن أبي معمر، عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فرقتين، فرقة فوق الجبل وفرقة دونه، فقال رسول اللَّه: اشهدوا [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث شعبة عن الأعمش بهذا السند ولفظه: انشق القمر على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلقتين فستر الجبل فلقة، [وكانت] [ (2) ] [فلقة] [ (3) ] فوق الجبل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اشهد [ (4) ] . وخرجه من طرق، وفي بعضها فقال: [اشهد] [ (3) ] واشهدوا، وفي بعضها عن عبد اللَّه بن مسعود قال: بينما نحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمنى إذ انفلق القمر فلقتين، فكانت فلقة وراء الجبل وفلقة دونه، فقال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اشهدوا [ (5) ] . وخرجه البخاري ولفظه: عن عبد اللَّه قال انشق القمر ونحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمنى، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم اشهدوا. وخرج البخاري ومسلم من حديث سفيان ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد اللَّه قال: انشق القمر على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشقتين، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اشهدوا. ذكره   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 794، كتاب التفسير باب (1) وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا، حديث رقم (4864) . [ (2) ] في (خ) : «وصارت» . [ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 150، كتاب صفة المنافقين وأحكامهم، باب (8) انشقاق القمر، حديث رقم (45) . [ (5) ] المرجع السابق، حديث رقم (44) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 البخاري في المناقب [ (1) ] ، وذكره في التفسير أيضا، ولفظه: عن عبد اللَّه، انشق القمر ونحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فصار فرقتين فقال لنا اشهدوا [ (2) ] . وخرج الحاكم هذا الحديث من طريق عبد الرزاق قال: حدثنا ابن عيينة، ومحمد ابن مسلم، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: رأيت القمر منشقا بشقين مرتين في مكة قبل مخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، شقة على أبي قبيس، وشقة على السويداء فقالوا: سحر القمر فنزلت: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، يقول: كما رأيتم القمر منشقا فإن الّذي أخبرتكم عن اقتراب الساعة حق. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما اتفقا على حديث أبي معمر عن عبد اللَّه مختصرا [ (3) ] . وخرج أبو عوانة عن المغيرة عن أبي الضحى عن مسروق، عن عبد اللَّه قال: انشق القمر على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة، قال: انتظروا ما يأتيكم به السّفار، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، قال: فجاء السّفار فقالوا كذلك. ورواه هشيم عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد اللَّه قال: انشق القمر ونحن بمكة فقالت كفار قريش: سحر سحركم ابن أبي كبشة، فانظروا إلى السّفار يأتوكم، فإن أخبروكم أنهم رأوا مثل ما رأيتم فقد صدق، قال: فما قدم عليهم أحد من وجه من الوجوه إلا أخبروهم أنهم رأوا مثل ما رأوا. ورواه عمرو بن أبي قبيس عن مغيرة مثله، وخرجه الحسن بن علي بن الوليد.   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 5783، كتاب المناقب، باب (27) سؤال المشركين أن يريهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر، حديث رقم (3636) ، (3637) ، (3638) . [ (2) ] المرجع السابق: 8/ 794، كتاب التفسير، حديث رقم (4865) . [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 512، كتاب التفسير، باب (54) تفسير سورة القمر، حديث رقم (3756/ 893) ، وزاد في آخره: وهذا حديث لا نستغني فيه عن متابعة الصحابة بعض لبعض، لمغايظة أهل الإلحاد، فإنه أول آيات الشريعة، فنظرت فإذا في الباب مما لم يخرجاه: عن عبد اللَّه ابن عباس، وعبد اللَّه بن عمرو، وجبير بن مطعم، رضي اللَّه تعالى عنهم، ولم يخرجاه منها إلا من حديث أنس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 الفسوي فقال: حدثنا سعيد بن سليم، [حدثنا] هشيم عن مغيرة، عن الشعبي عن مسروق، عن عبد اللَّه قال: انشق القمر فرقتين ونحن بمكة، فقال كفار قريش: هذا سحر سحركم ابن أبي كبشة، انظروا إلى السفّار، فإن كانوا قد رأوا ما رأيتم وإلا فإنه سحر سحركم، قال: فسئل السفار- وقدموا من غير وجه- فقالوا: قد رأينا ما رأيتم. وقال محمد بن إسحاق الثقفي: حدثنا قتيبة، أخبرنا جرير عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: خمس قد مضين: الدخان، واللزام [ (1) ] ، والروم، والبطشة الكبرى، وانشقاق القمر. وعن مسلم بن صبيح قال: سمعت مسروقا يقول: سمعت عبد اللَّه يقول: خمس قد مضين: القمر، والبطشة، والروم، والدخان واللزام [ (2) ] . وقال أسباط بن نصر عن سماك، عن إبراهيم عن الأسود، عن عبد اللَّه قال: رأيت الجبل من فرج القمر حين انشق القمر. وقال محمد بن يوسف الفريابي، حدثنا إسرائيل عن سماك بن حرب، عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد النخعي، عن عبد اللَّه قال: انشق القمر فأبصرت الجبل بين فرجتي القمر [ (3) ] . وخرجه الحاكم بهذا السند، ولفظه: عبد اللَّه في قوله عزّ وجلّ: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، قال: رأيت القمر وقد انشق، فأبصرت الجبل من بين فرجتي القمر [ (3) ] ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [بهذه السياقة و] [ (4) ] بهذا اللفظ.   [ (1) ] اللزام: العذاب اللازم. (لسان العرب) : 12/ 541، قال تعالى: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى وقال تعالى: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً [طه: 129، الفرقان: 77] . [ (2) ] (الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف) 3/ 148، حديث رقم (384) ، (الكشاف للزمخشري) : 3/ 430، عند تفسير سورة الدخان. وسياق بداية الفقرة مضطرب وقد صوبناه. [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 512، تفسير سورة القمر، حديث رقم (3756/ 893) . [ (4) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 وقال المنصور بن المعتمر، عن يزيد بن وهب، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: رأيت القمر واللَّه منشقا فلقتين بينهما حراء. وقال الليث بن سعد: حدثنا هشام بن سعيد، عن عتبة بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن مسعود قال: انشق القمر ونحن بمكة، فلقد رأيت أحد شقيه على الجبل الّذي [بمنى] ونحن بمكة [ (1) ] . وخرج البخاري في التفسير من حديث يونس بن محمد قال: حدثنا شيبان عن قتادة، عن أنس رضي اللَّه عنه: سأل أهل مكة أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر [ (2) ] . وخرجه مسلم بهذا السند، ولفظه: عن أنس أن أهل مكة سألوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر [ (3) ] . وخرجه في البعث، وخرجه في التفسير من حديث شعبة عن قتادة، عن أنس ابن مالك قال: انشق القمر فرقتين [ (4) ] . وخرجه مسلم عن شعبة بمثله، وفي حديث أبي داود: انشق القمر على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (5) ] . وخرج البخاري في المناقب [ (6) ] وفي التفسير [ (7) ] ، من حديث بكر بن مضر   [ (1) ] قال الحاكم في (المستدرك) : 2/ 513: هذه الشواهد لحديث عبد اللَّه بن مسعود كلها صحيحة على شرط الشيخين ولم يخرجاه. [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 794، حديث رقم (4867) في تفسير سورة القمر. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 151، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب (8) انشقاق القمر، حديث رقم (2802) . [ (4) ] (فتح الباري) : 8/ 794، حديث رقم (4868) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 151، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب (8) انشقاق القمر، حديث رقم (47) من أحاديث الباب. [ (6) ] (فتح الباري) : 6/ 783، كتاب المناقب، باب (27) سؤال المشركين أن يريهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم آية، فأراهم انشقاق القمر، حديث رقم (3638) . [ (7) ] (فتح الباري) : 8/ 794، كتاب التفسير، حديث رقم (4866) تفسير سورة القمر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 قال: حدثنا جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن عبيد اللَّه بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: إن القمر انشق في زمان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرجه مسلم بهذا السند وقال: على زمان رسول اللَّه [ (1) ] . ولأبي نعيم من حديث موسى بن عبد الرحمن، عن ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس، وعن مقاتل عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قال ابن عباس: اجتمع المشركون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، منهم الوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، والعاصي بن وائل، والعاصي بن هشام، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وزمعة بن الأسود، والنضر بن الحارث، ونظراؤهم كثير، فقالوا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: إن كنت صادقا فشقّ القمر فرقتين: نصفا على أبي قبيس [ (2) ] ، ونصفا على قعيقعان [ (3) ] ، فقال لهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إن فعلت تؤمنوا؟ قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر، فسأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اللَّه عز وجل أن يعطيه ما سألوا، فأمسى القمر قد مثل نصفا على أبي قبيس، ونصفا على قعيقعان، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ينادي: يا أبا سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم، اشهدوا [ (4) ] !!. وله من حديث إسماعيل بن أبي زياد، عن ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس قال: انتهى أهل مكة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: هل من آية نعرف بها أنك رسول اللَّه؟ فهبط جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! قل لأهل مكة أن يحتفلوا هذه الليلة، فسيروا آية إن انتفعوا بها، فأخبرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمقالة جبريل عليه السلام، فخرجوا ليلة أربعة عشر، فانشق القمر نصفين، نصفا على الصفا ونصفا على المروة، فنظروا ثم قالوا بأبصارهم فمسحوها، ثم أعادوا النظر، ثم مسحوا   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 151، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب (8) انشقاق القمر، حديث رقم (2803) . [ (2) ] أبو قبيس: جبل بمكة. [ (3) ] قعيقعان: جبل بالأهواز. [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 279- 280، فصل فأما انشقاق القمر فكان بمكة لما افتتح المشركون أن يريهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (209) . ولم أجده عند غير أبي نعيم، وقال الحافظ في الفتح: إسناده ضعيف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 أعينهم، ثم نظروا، فقالوا: يا محمد! ما هذا إلا سحر ذاهب، فأنزل اللَّه تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وله من حديث الزبير بن عدي، عن الضحاك عن ابن عباس قال: جاءت أحبار اليهود إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: أرنا آية حتى نؤمن، فسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ربه عز وجل أن يريهم آية، فأراهم القمر قد انشق فصار قمرين، أحدهما على الصفا والآخر على المروة، قدر ما بين العصر إلى الليل ينظرون إليهما، ثم غاب القمر فقالوا: هذا سحر مستمر [ (1) ] . وعن داود بن أبي هند عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قال: قد مضى كان قبل الهجرة انشق حتى رآه الناس شقين [ (2) ] . وخرج الترمذي من حديث شعبة عن الأعمش، عن مجاهد عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: انفلق القمر على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اشهدوا. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وذكره في كتاب الفتن، وذكره أيضا في التفسير بهذا اللفظ وهذا الإسناد وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (3) ] . وذكر بعده من حديث سليمان بن كثير عن حصين، عن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه قال: انشق القمر على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى صار فرقتين على هذا الجبل وعلى هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، فقال بعضهم: لئن كان سحرنا ما كان يستطيع أن يسحر الناس كلهم، قال أبو عيسى: وقد روى بعضهم   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 280، حديث رقم (210) ، ولم أجده عند غير أبي نعيم، وفيه بشر ابن الحسين، وهو متروك. [ (2) ] في المرجع السابق عن عبد اللَّه بن مسعود: انشق القمر فرأيته فرقتين حديث رقم (207) ، قال الحافظ في الفتح: أخرجه الطبراني. [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 414، كتاب الفتن، باب (20) ما جاء في انشقاق القمر، حديث رقم (2182) ، وفي آخره: قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود، وأنس، وجبير بن مطعم، وهذا حديث حسن صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 هذا الحديث عن جبير بن مطعم نحوه [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من حديث سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وعبد الحميد ابن الحسن الهلالي، وخالد بن عبد اللَّه، وهمام بن يحيى، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي قالوا- كلهم عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال-: خطبنا حذيفة بن اليمان رضي اللَّه عنه بالمدائن، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد أدنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق، فلما كانت الجمعة الثانية، انطلقت مع أبي إلى الجمعة، فحمد اللَّه وقال مثله وزاد: إلا وإن السابق من سبق إلى الجنة. ورواه حماد بن زيد عن عطاء مثله. وله من حديث وهب عن جرير قال: حدثنا شعبة، أخبرنا الأعمش عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمرو في قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، قال: كان ذلك على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلقتين، فلقة دون الجبل، وفلقة وراء الجبل، وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اشهدوا [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 370، كتاب التفسير، باب (54) ومن سورة القمر، حديث ابن مسعود رقم (3285) ، (3287) ، حديث أنس رقم (3286) ، وحديث ابن عمر رقم (3288) ، وحديث جبير بن مطعم رقم (3289) ، وقال أبو عيسى في آخره: وقد روى بعضهم هذا الحديث عن حصين، عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه عن جده جبير بن مطعم نحوه. [ (2) ] (الصحيح المسند من دلائل النبوة) : 182، فصل (15) ومن دلائل النبوة انشقاق القمر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 [ثالثا: رد الشمس بعد غروبها] وأما رد الشمس بعد غروبها بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقد روى من حديث أبي هريرة، وأسماء بنت عميس، وجابر بن عبد اللَّه، وعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهم [ (1) ] .   [ (1) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 185، (مشكل الآثار) : 4/ 388- 389. * وفيه ما يدل على التغليظ في فوت العصر، فوقى اللَّه عليا ذلك بدعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لطاعته وكرامته لديه. * وفيه لعلى المقدار الجليل والرتبة الرفيعة. * وفيه إباحة النوم بعد العصر، وإن كان مكروها عن بعضهم بما روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: «من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه» ، لأن هذا منقطع، وحديث أسماء متصل، ويمكن التوفيق بأن نفس النوم بعد العصر مذموم، وأما نوم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان لأجل وحي يوحى إليه، وليس غيره كمثله فيه. والّذي يؤيد الكراهة قول عمرو بن العاص: النوم منه خرق، ومنه خلق، ومنه حمق، يعني الضحى، والقائلة، وعند حضور الصلوات، ولأن بعد العصر يكون انتشار الجن، وفي الرقدة يكون الغفلة. وعن عثمان: الصبحة تمنع الرزق. وعن ابن الزبير أن الأرض تعجّ إلى ربها من نومة العلماء بالضحى، مخافة الغفلة عليهم، فندب اجتناب ما فيه الخوف، واللَّه أعلم. (المرجع السابق) . قال بعض المحققين: هذا الحديث ليس بصحيح، وإن أوهم تخريج القاضي عياض له في (الشفاء) عن الطحاوي في (مشكل الآثار) من طريقين، فقد ذكره ابن الجوزي في (الموضوعات) : 1/ 355- 357 ، وقال إنه موضوع بلا شك، وفي سنده أحمد بن داود وهو متروك الحديث كذاب، كما قال الدار الدّارقطنيّ. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث. قال ابن الجوزي: وقد روى هذا الحديث ابن شاهين، فذكره ثم قال: وهذا حديث باطل، قال: ومن تغفل واضعه أنه نظر إلى صورة فضيلة، ولم يلمح عدم الفائدة فيها، فإن صلاة العصر بغيبوبة الشمس تصير قضاء، ورجوع الشمس لا يعيدها أداء. وقد أفرد ابن تيمية تصنيفا مفردا في الرد على الروافض، ذكر فيه الحديث بطرقه ورجاله، وأنه موضوع، والعجب من القاضي عياض مع جلالة قدرة، وعلو خطره في علوم الحديث، كيف سكت عنه موهما صحته، ناقلا ثبوته، موثقا رجاله. وقال أحمد: لا أصل له، وتبعه ابن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 فأما حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه: فمن طريق يحيى بن يزيد بن عبد الملك، عن أبيه عن داود بن فراهيج عن أبي هريرة، وعن عمارة بن فيروز، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنزل عليه حين انصرف من العصر- وعلي بن أبي طالب قريب منه، ولم يكن علي أدرك الصلاة- فاقترب عليّ إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلم يسرّ عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى غابت الشمس، فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: من هذا؟ فقال: عليّ يا رسول اللَّه، أنا لم أصل العصر وقد غابت الشمس! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اردد الشمس على عليّ، فرجعت الشمس لموضعها الّذي كانت فيه حتى صلى علي رضي اللَّه عنه، وبعض أصحابه يمينا وشمالا يقولون: صل يا عليّ، فإنّ رحمك وقرابتك من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لن تغني عنك من اللَّه شيئا، فأخبر عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بذلك، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من بين ظهرانيّ الناس فقال: من آذى ذوي رحم الرجل وقرابته فقد آذاه- مرارا يقولها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- ومن آذاني فقد آذى اللَّه عز وجل. وأما حديث أسماء بنت عميس رضي اللَّه عنها فله طرق: أحدها: من طريق أحمد بن الوليد بن برد الأنطاكي، حدثنا محمد بن إسماعيل ابن أبي فديك قال: حدثني محمد بن موسى عن عون بن محمد، عن أمه أم جعفر، عن جدتها أسماء ابنة عميس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صلى الظهر بالصهباء ثم أنفذ عليا في حاجة، فرجع وقد صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العصر، فوضع رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غابت الشمس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ إن عبدك عليا احتسب بنفسه على نبيه، فردّ عليه شرقها، قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض، فقام على فتوضأ وصلى العصر ثم غابت الشمس، وذلك في الصهباء في غزوة خيبر.   [ () ] الجوزي فأورده في الموضوعات. ولكن قد صححه الطحاوي والقاضي عياض، وأخرجه ابن مندة وابن شاهين من حديث أسماء بنت عميس، وابن مردويه من حديث أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه. ورواه الطبراني في معجمه الكبير بإسناد حسن، كما حكاه شيخ الإسلام ابن العراقي في شرح التقريب، عن أسماء بنت عميس (المواهب اللدنية) 2/ 528- 530 مختصرا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 [وثانيها] : من طريق أحمد بن صالح قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: أخبرني محمد بن موسى، عن عون بن محمد، عن أمه أمّ جعفر، عن أسماء ابنة عميس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صلى الظهر بالصهباء، ثم أرسل عليا في حاجة، فرجع وقد صلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم العصر، فوضع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غابت الشمس، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ إن عبدك عليا احتسب بنفسه على نبيه، فردّ عليه شرقها، قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض فقام علي وتوضأ، فصلى العصر ثم غابت، وذلك بالصهباء في غزوة خيبر، قال أحمد بن صالح: هذه دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلا تستكثر، وهي فضيلة لعلي رضي اللَّه عنه. [و] ثالثها: من طريق عبد الرحمن بن شريك، حدثنا أبي حدثنا عروة بن عبد اللَّه بن قشيرة قال: دخلت على فاطمة ابنة علي الأكبر- وهي عجوز كبيرة- فرأيت في عنقها خرزات، وفي يدها مسكين غليظين، فقلت: ما هذا؟ فقالت: إنا معشر النساء نكره أن نتشبه بالرجال، وقالت: حدثتني أسماء ابنة عميس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أوحي إليه فستره عليّ بثوبه حتى غابت الشمس، فلما سرّي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يا علي! صليت العصر؟ قال: لا، قال: اللَّهمّ رد الشمس على عليّ، قالت: فرجعت الشمس حتى رأيتها في نصف الحجرة. أو قالت: نصف حجرتي. [و] رابعها: من طريق فضيل بن مرزوي عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن، عن فاطمة ابنة الحسن، عن أسماء ابنة عميس قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوحى إليه ورأسه في حجر علي فلم [يصل] العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعليّ: صليت؟ قال: لا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ إنه في طاعة رسولك، فاردد عليه الشمس، قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت. وقال فضيل، عن إبراهيم ابن الحسن عن فاطمة عن أسماء: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يكاد [يغشى] عليه، فأنزل عليه يوما ورأسه في حجر علي حتى غابت الشمس، فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رأسه وهو في حجر علي فقال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 له: صليت العصر يا عليّ؟ قال: لا يا رسول اللَّه، فدعى اللَّه فردّ عليه الشمس حتى صلى العصر، قالت: فرأيت الشمس بعد ما غربت حين ردّت حتى صلى العصر. [و] خامسها: من طريق صبّاح [ (1) ] المري، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن الحسن عن أمه فاطمة ابنة حسين، عن أسماء ابنة عميس قالت: اشتغل عليّ مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قسمة الغنائم يوم خيبر حتى غابت الشمس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا عليّ! هل صليت العصر؟ قال: لا يا رسول اللَّه، قال: فتوضأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وجلس في المسجد، فتكلم بكلمتين أو ثلاثة كأنها من كلام الحبش، فارتجعت الشمس كهيئتها في العصر، فقام عليّ فتوضأ وصلى العصر، ثم تكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمثل ما تكلم به قبل ذلك، فرجعت إلى مغربها، فسمعت لها صريرا كالمنشار في الخشبة، وطلعت الكواكب. وقال صبّاح أيضا: عن عبد اللَّه بن الحسن بن جعفر، عن حسين المبتول عن فاطمة بنت على، عن أم الحسن بنت علي، عن أسماء بنت عميس قالت: لما كان يوم خيبر شغل عليّ بما كان من قسمة الغنائم حتى غابت الشمس أو كادت، فسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عليا: هل صليت العصر؟ قال: لا، فدعا اللَّه عزّ وجل فارتفعت حتى توسطت المسجد فصلى عليّ، فلما صلى غابت. قالت: فسمعت لها صريرا كصرير المنشار في الخشب. وقال صبّاح [ (1) ] : عن أبي سلمة مولى آل عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل، عن محمد بن جعفر بن محمد بن عليّ، عن أمه أم جعفر بنت محمد، عن جدتها أسماء بنت عميس، قالت: كانوا أقبلوا من ضيعة لهم حتى نزلوا إلى جبل، فقامت أسماء تصلي، فلما فرغت من صلاتها قالت: يا باي يا باي، قلت: يا جدة! لم تقولي يا باي وليس عندك أحد؟ قالت يا بنية ذكرت عليا، قلت: يا جدة، ما ذكرت من عليّ؟ مرتين أهلك فوجدت في نفسي إن ذكرت عليا وتركت أبي، قالت: شيء   [ (1) ] لم أقف له على ذكر في كتب الرجال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 كان من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو في هذا المكان ومعه علي، إذ أغمي عليه فوضع رأسه في حجر عليّ، فلم يزل كذلك حتى غابت الشمس، ثم إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أفاق، فقعد فقال: يا علي! هل صليت؟ قال: لا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ إن عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس، قالت: فخرجت من تحت هذا الجبل كأنما خرجت من تحت سحابة، فقام علي فصلى، فلما فرغ آبت مكانها. قال: فخرجت فلقيت أبا جعفر فذكرت ذلك له فقال: أنت سمعت هذا من أم جعفر؟ قلت نعم، فأخذ بيدي حتى استأذن عليها فقال: حدثيني الحديث الّذي حدثت هذا، فحدثته فخرج وهو مستبشر. وأما حديث جابر: فمن طريق الوليد بن عبد الواحد، حدثنا معقل بن عبيد اللَّه عن أبي الزبير عن جابر بن عبد اللَّه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أمر الشمس أن تتأخر ساعة من النهار فتأخرت ساعة من النهار. وأما حديث علي: فمن طريق يحيى بن عبد اللَّه بن حسين بن حسن بن عليّ ابن أبي طالب قال: لما كنا بخيبر شهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قتال المشركين، فلما كان من الغد وكان مع صلاة العصر حمية، ولم أصل صلاة العصر، فوضع رأسه في حجري فنام فاستثقل، قال: فلم ينتبه حتى غربت الشمس، فلما استيقظ مع غروب الشمس قلت: يا رسول اللَّه! ما صليت صلاة العصر كراهية أن أوقظك من نومك، فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده إلى اللَّه عزّ وجل ثم قال: اللَّهمّ إن عبدك تصدق بنفسه على نبيك، فاردد عليه شروقها، قال: فرأيتها على الحال في وقت العصر بيضاء نقية، حتى قمت ثم توضأت ثم صليت ثم غابت. وقال إسحاق بن إبراهيم التيمي: حدثنا محل الضّبي عن إبراهيم النخعي، عن علقمة عن أبي ذر رضي اللَّه عنه قال: قال عليّ رضي اللَّه عنه يوم الشورى: أنشدتكم اللَّه هل فيكم من رفعت الشمس عندي حين نام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وجعل رأسه في حجري حتى غابت الشمس، فانتبه فقال: يا عليّ! صليت العصر؟ قلت: اللَّهمّ لا، فقال: اللَّهمّ ارددها عليه، فإنه كان في طاعتك وطاعة رسولك. وأما ردها حين تبين لمكذبيه صدقه، فخرج البيهقي من طريق يونس بن بكير، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 عن أسباط بن نصر الهمدانيّ، عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال: لما أسري برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأخبر قومه بالرفقة والعلامة في العير قالوا: فمتى تجيء؟ قال: يوم الأربعاء، فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد ولى النهار ولم تجيء، فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس. فلم تردّ على أحد إلا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [يومئذ] [ (1) ] وعلى يوشع بن نون حين قاتل الجبارين يوم الجمعة، فلما أدبرت الشمس خاف أن تغيب قبل أن يفرغ منهم، ويدخل السبت، ولا يحل له قتالهم فيه، فدعا اللَّه فردّ عليه الشمس حتى فرغ من قتالهم [ (2) ] . قال الحاكم أبو عبد اللَّه الحافظ النيسابورىّ في كتاب (الجامع لذكر أئمة الأمصار المزكين لرواة الأخبار) : قرأت على قاضي القضاة أبي الحسن محمد بن صالح الهاشمي، حدثنا عبد اللَّه بن الحسين بن موسى، حدثنا عبد اللَّه بن علي المديني   [ (1) ] زيادة للسياق من (سنن البيهقي) . [ (2) ] قال الحافظ ابن كثير: فيه أن هذا كان من خصائص يوشع، فيدل على ضعف الحديث الّذي رويناه أن الشمس رجعت حتى صلى عليّ بن أبي طالب، وقد صححه أحمد بن صالح المصري، ولكنه منكر، ليس في شيء من الصحاح والحسان، وهو مما تتوافر الدواعي على نقله، وتفردت بنقله امرأة من أهل البيت، مجهولة لا يعرف حالها. (المواهب اللدنية) : 2/ 530. وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 2/ 404، (السيرة الشامية) : 3/ 133. ويحتمل الجمع: بأن المعنى لم تحبس الشمس على أحد من الأنبياء غيري إلا ليوشع. وكذا روى حبس الشمس لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أيضا يوم الخندق، حين شغل عن صلاة العصر، فيكون حبس الشمس مخصوصا بنبينا وبيوشع، كما ذكره القاضي عياض في (الإكمال) ، وعزاه (لمشكل الآثار) ، ونقله النووي في (شرح مسلم) في باب حل الغنائم عن القاضي عياض، وكذا الحافظ ابن حجر في باب الأذان، في (تخريج أحاديث الرافعي) ، ومغلطاي في (الزهر الباسم) ، وأقروه. وذكر البغوي في تفسيره: أنها حبست لسليمان عليه السلام أيضا لقوله: رُدُّوها عَلَيَّ [ص: 33] ، ونوزع فيه بعدم ذكر الشمس في الآية، فالمراد: الصافنات الجياد. واللَّه تعالى أعلم. قال القاضي عياض: واختلف في حبس الشمس المذكور هنا: * فقيل: ردت على أدراجها. * وقيل: وقفت ولم ترد. * وقيل: بطء حركتها، قال: وكل ذلك من معجزات النبوة. (المواهب اللدنية) : 2/ 530- 531 . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 قال: سمعت أبي يقول: خمسة أحاديث يروونها ولا أصل لها عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث: لو صدق السائل ما أفلح من ردّه [ (1) ] ، وحديث: لا وجع إلا وجع العين ولا غم إلا غم الدّين [ (2) ] ، وحديث: إن الشمس طلعت على عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه [ (3) ] ، وحديث: أنه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أنا أكرم على اللَّه من أن يدعني تحت الأرض مائتي عام [ (4) ] ، وحديث: أفطر الحاجم والمحجوم [ (5) ] ...   [ (1) ] روى كما قال ابن عبد البر في (الاستذكار) : من جهة جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده مرفوعا، ومن جهة يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة رفعه أيضا: «لولا أن السؤال يكذبون ما أفلح من ردهم» . وحديث عائشة عند القضاعي بلفظ: «ما قدس» ، قال ابن عبد البر: وأسانيدها ليست بالقوية، وسبقه ابن المديني فأدرجه في خمسة أحاديث. قال إنه لا أصل لها، وكذا رواه العقيلي في (الضعفاء) من حديث عائشة وابن عمر، وقال: إنه لا يصح في هذا الباب شيء. وعند الطبراني بسند ضعيف أيضا، من حديث أبي أمامة مرفوعا: «لولا أن السائلين يكذبون ما أفلح من ردهم» ، (المقاصد الحسنة) : 547، (الفوائد المجموعة) : 64، حديث رقم (13) ، (الأسرار المرفوعة) : 289، حديث رقم (378) ، (الموضوعات لابن الجوزي) : 355، باب فضائل عليّ عليه السلام. [ (2) ] البيهقي في (شعب الإيمان) ، والطبراني في (الصغير) ، من حديث سهل بن قرين عن أبيه، حدثنا ابن أبي ذئب، عن خالد بن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رفعه به. وقال البيهقي: أنه منكر، وقرين- وهو بفتح القاف أو ضمها- منكر الحديث كذبه الأزدي، وأبوه لا شيء، (المقاصد الحسنة) : 728، حديث رقم (1316) ، (كشف الخفا) : 2/ 240، ترجمه سهل بن قرين رقم (3591) ، (الموضوعات لابن الجوزي) : 2/ 244، باب تعظيم أمر الدين، (الأسرار المرفوعة) : 386، حديث رقم (597) . [ (3) ] قال الإمام أحمد: لا أصل له، وقال ابن الجوزي: موضوع، لكن خطّئوه، ومن ثم قال السيوطي: أخرجه ابن مندة وابن شاهين، عن أسماء بنت عميس، وابن مندة وابن مردويه عن أبي هريرة، وإسنادهما حسن، وصححه الطحاوي والقاضي عياض. قال القاري: ولعل المنفي ردها بأمر على والمثبت بدعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، (كشف الخفا) : 1/ 220، حديث رقم (670) ، (الموضوعات لابن الجوزي) : 1/ 355- 356، (الأسرار المرفوعة) : 121، حديث رقم (77) ، (الفوائد المجموعة) : 350، حديث رقم (53) . [ (4) ] (كشف الخفا) : 1/ 200، حديث رقم (608) ، قال الصّغاني: موضوع، ولفظه: «أنا أكرم على اللَّه من أن يتركني في التراب ألف عام» . [ (5) ] يروى كما علقه البخاري بصيغة التمريض عن الحسن: عن غير واحد مرفوعا، ثم قال: وقال لي عياش: حدثنا عبد الأعلى، حدثنا يونس، عن الحسن مثله، فقيل له: عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم ثم قال: اللَّه أعلم. وهذا بعينه قد رواه في تاريخه، ومن جهته البيهقي في سننه فقال: حدثني عياش ... وذكره، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 [إنهما كانا يغتابان] [ (1) ] .   [ () ] وبه يستدل على أن البخاري إذا قال: قال لي، يكون محمولا على السماع. وللبيهقي أيضا، وكذا النسائي، من حديث علي بن المديني، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسن، عن غير واحد من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال- وذكره. قال على بن المديني: رواه يونس عن الحسن، عن أبي هريرة، ورواه قتادة، عن الحسن، عن ثوبان، ورواه عطاء بن السائب، عن الحسن، عن معقل بن يسار، ورواه مطر، عن الحسن، عن علي. قال البيهقي: ورواه أشعث عن الحسن عن أسامة. وقال الحافظ ابن حجر: ورواه قتادة أيضا، عن الحسن، عن علي، أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه، ورواه أبو حرّة، عن الحسن، عن غير واحد من الصحابة، ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وآخرون، كالحارث من حديث ثوبان وشداد مرفوعا في حديث. وقال أحمد والبخاري: إنه عن ثوبان أصح. وصححه عن شداد إسحاق بن راهويه، وصححهما معا البخاري متبعا لابن المديني، ورواه الترمذي عن رافع بن خديج، ورواه غيرهم عن آخرين. وتأوله بعض العلماء المرخصين في الحجامة على أن معناه: إن تعرضا للإفطار أما المحجوم فللضعف، وأما الحاجم فلأنه لا يأمن من أن يصل إلى جوفه شيء بالمص: ولكن جزم الشافعيّ في (الأم) بأنه منسوخ. (المقاصد الحسنة) : 131، حديث رقم (139) ، (فتح الباري) : 4/ 217- 218 ، كتاب الصوم، باب (32) الحجامة والقيء للصائم، (سنن الدارميّ) : 2/ 14، باب الحجامة تفطر الصائم، (تلخيص الحبير) : 2/ 205، باب ذكر الإشارة إلى طرق حديث أفطر الحاجم والمحجوم، (كشف الخفا) : 1/ 156، حديث رقم (461) ، (الأم للشافعي) : 2/ 93، (سنن أبي داود) : 2/ 770، كتاب الصوم، باب (28) في الصائم يحتجم، (صحيح سنن ابن ماجة) : 1/ 281، باب (18) ، حديث رقم (1361) ، (1362) ، (1363) ، (صحيح سنن الترمذي) : 1/ 234، باب (59) كراهية الحجامة للصائم، حديث رقم (621) ، (سنن البيهقي) : 4/ 264، كتاب الصوم باب الحديث الّذي روى في الحجامة. (المستدرك) : 1/ 428- 429، حديث رقم (1561/ 30) ، (1562/ 31) (1563/ 32) ، (1564/ 33) ، (1565/ 34) ، (1566/ 35) ، (1567/ 36) . [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة من (خ) وليست في باقي المراجع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 [رابعا: انقياد الشجر] وأما انقياد الشجر، فخرج مسلم من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب ابن مجاهد أبي حزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا، فذكر الحديث [ (1) ] إلى أن قال: عن جابر بن عبد اللَّه، وسرنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح، فذهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقضي حاجته، فاتبعته بأداوة من ماء، فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به، فإذا شجرتان [ (2) ] بشاطئ الوادي، فانطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى إحداهما [ (3) ] ، فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي عليّ بإذن اللَّه، فانقادت معه [كالبعير المخشوش الّذي يصانع قائدة، حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي عليّ بإذن اللَّه فانقادت معه كذلك] [ (4) ] حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما، لأم بينهما- يعني جمعهما- فقال: التئما عليّ بإذن اللَّه فالتأمتا، قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحسّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بقربي فيبتعد، فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفته، فإذا أنا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مقبلا   [ (1) ] قال ابن الأثير الجزريّ: هذا حديث عبادة بن الوليد عن أبي اليسر وجابر: قد مرّ أوله في كتاب «الدّين والقرض» من حرف الدال، وبعضه في كتاب «فضيلة المسجد» ، وبعضه في كتاب «السّب واللعن» ، وبعضه في كتاب «الصلاة» ، لأن كل واحد من أحاديثه حديث منفرد مستقل بنفسه، وقد جاءت في بعض الصحاح متفرقة، قد ذكرناها كذلك، وسردها مسلم حديثا واحدا، وأوردها الحميدي في مسند أبي اليسر، وكان معظم معاني الحديث يتضمن ذكر المعجزات، فأوردناه بطوله في هذا الباب لئلا يخلو الكتاب من ذكر الحديث مسرودا على حالته وإن كان قد جاء مفرقا في أبوابه. (جامع الأصول) : 11/ 384. [ (2) ] في (خ) : «وإذا بشجرتين» ، وما أثبتناه من رواية مسلم. [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي رواية مسلم: «إلى إحداهما» ، وكلاهما صحيح. [ (4) ] ما بين الحاضرتين سقط في (خ) ، وأثبتناه من رواية مسلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقف وقفة فقال برأسه هكذا- وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا- ثم أقبل، فلما انتهى إليّ قال: يا جابر، هل رأيت مقامي؟ قلت: نعم يا رسول اللَّه، قال فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا فأقبل بهما، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك، قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته فانذلق لي، فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقت فقلت: قد فعلت يا رسول اللَّه نعم ذاك، قال: إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفّه عنهما ما دام الغصنان رطبين [ (1) ] . وذكر الحديث. وخرج البيهقي وغيره من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان بالحجون وهو كئيب [حزين] [ (2) ] لما آذاه المشركون، فقال: اللَّهمّ أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها، قال: فأمر فنادى شجرة من قبل عقبه أهل المدينة، فأقبلت تخد الأرض حتى انتهت إليه [فسلمت عليه] [ (3) ] ، قال: ثم أمرها فرجعت إلى موضعها، فقال: ما أبالي من كذبني بعد هذا من قومي [ (4) ] . وفي رواية: فنادى شجرة من جانب الوادي فأقبلت تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه [ (5) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 351- 352، كتاب الزهد والرقاق، باب (18) حديث جابر الطويل، وقصة أبي اليسر، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 196- 197، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 392، حديث رقم (296) . [ (2) ] في (خ) : «كان على الحجون كثيبا، وما أثبتناه من رواية أبي نعيم في (دلائل النبوة) . [ (3) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 389- 390، حديث رقم (290) ، (الخصائص الكبرى) : 1/ 302، والحجون: موضع بأعلى مكة، (دلائل البيهقي) : 6/ 13. [ (5) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 198. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 ومن حديث أبي معاوية عن الأعمش، عن أبي سفيان عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- وهو خارج من مكة قد خضبه أهل مكة بالدماء- فقال: مالك؟ قال: خضبني هؤلاء بالدماء، وفعلوا وفعلوا، قال: تريد أن أريك آية؟ قال: نعم، قال: ادع تلك الشجرة، فدعاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجاءت تخط الأرض حتى قامت بين يديه، قال: مرها فلترجع، قال: فارجعي إلى مكانك فرجعت إلى مكانها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: حسبي [ (1) ] . ومن حديث يونس بن بكير عن المبارك بن فضالة عن الحسن قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى شعاب مكة- وقد دخله من الغم ما شاء اللَّه من تكذيب قومه إياه- فقال: رب أرني ما أطمئن إليه ويذهب عني هذا الغم، فأوحى اللَّه إليه: أدع أي أغصان هذه الشجرة شئت، فدعى غصنا فانتزع من مكانه، ثم خدّ في الأرض حتى جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ارجع إلى مكانك، فرجع الغصن فخدّ في الأرض حتى استوى كما كان، فحمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وطابت نفسه ورجع، وقد كان قال المشركون: أتضلل [ (2) ] آباءك وأجدادك يا محمد؟ فأنزل اللَّه عزّ وجل: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ، إلى قوله. وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [ (3) ] . قال البيهقي: وهذا المرسل لما تقدم من الموصول شاهد، وقد سخر اللَّه تعالى الشجرة لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم حتى جعلها آية لنبوته لمن طلب منه آية، وشهدت له الشجرة بالنّبوّة في بعض الرواية. فذكر من طريق محمد بن فضيل عن أبي حبان عن عطاء، عن ابن عمر رضي اللَّه عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر، فأقبل أعرابي فلما دنا منه   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 154، باب مبتدإ البعث والتنزيل، وما ظهر عند ذلك من تسليم الحجر والشجر، وتصديق ورقة ابن نوفل إياه، (سنن الدارميّ) : 1/ 12- 13، باب كيف كان أول شأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، (المواهب اللدنية) : 2/ 539، (مسند أحمد) : 3/ 555- 556، حديث رقم (11702) . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «أفضّلت» . [ (3) ] الزمر: 164، والحديث أخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 14. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أين تريد؟ قال: إلى أهلي، قال: هل لك إلى خير؟ قال: ما هو؟ قال: تشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، قال: هل من شاهد على ما تقول؟ قال: هذه الشجرة، فدعاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهي على شاطئ الوادي، فأقبلت تخدّ الأرض خدّا، فقامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا، فشهدت له كما قال ثم رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه فقال: إن يتبعوني آتيك بهم، وإلا رجعت إليك فكنت معك [ (1) ] . وخرجه أبو محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن الدارميّ، عن محمد بن طريف قال: حدثنا محمد بن فضيل بنحو ما أخرجه البيهقي. وخرج البيهقي من حديث شريك عن سماك عن أبي ظبيان، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: بم أعرف أنك رسول اللَّه؟ قال أرأيت لو دعوت هذه العذق من هذه النخلة، فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض، ثم جعل ينقر حتى أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم قال له: ارجع، فرجع حتى عاد إلى مكانه، فقال: أشهد أنك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وآمن [ (2) ] . [و] رواه البخاري في (التاريخ) عن محمد بن سعيد بن الأصبهاني قال: أخبرني شريك فذكره. وخرج البيهقي من حديث أبي معاوية عن الأعمش، عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: أتى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم رجل من بني عامر فقال: إني من أطب الناس، فإن كان بك جنون داويتك! فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أتحب أن أريك آية؟ قال: نعم، قال: فادع ذاك العذق، فدعاه، فجاء ينقر على ذنبه حتى قام بين يديه، ثم قال: ارجع، فرجع، فقال: يا بني عامر! ما رأيت أسحر من هذا [ (3) ] . وله من حديث الأعمش، عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: جاء رجل من   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 14- 15. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 15، (المستدرك) : 2/ 620 وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، حديث رقم (4237/ 247) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 15- 16. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 بني عامر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن عندي طبا وعلما فما تشتكي؟ هل يريبك من نفسك شيء؟ إلى من تدعو؟ قال: أدعو إلى اللَّه عزّ وجل والإسلام، قال: إنك لتقول قولا، فهل لك من آية؟ قال: نعم إن شئت أريتك آية- وبين يديه شجرة- فقال لغصن منها: تعال يا غصن، فانقطع الغصن من الشجرة ثم أقبل ينقر حتى قام بين يديه، فقال: ارجع إلى مكانك فرجع، قال العامري: يا آل عامر بن صعصعة، لا [ألومك] [ (1) ] على شيء قلته أبدا [ (2) ] . ومن طريق الأعمش عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا الّذي يقول أصحابك؟ قال: - وحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعذاق- قال: فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هل لك أن أريك آية؟ قال: فدعا عذاقا منها فأقبل يخد الأرض ويسجد، ويرفع رأسه حتى وقف بين يديه، ثم أمره فرجع، قال: فخرج العامري وهو يقول: يا آل عامر بن صعصعة! واللَّه لا أكذبه بشيء يقوله أبدا [ (3) ] . قال البيهقي: كذا قال سالم بن أبي الجعد، وذكر في هذه الرواية تصديق الرجل إياه، كما هو في رواية سماك، ويحتمل أنه توهمه سحرا ثم علم أنه ليس بساحر، فآمن وصدّق، وروى في ذلك عن بريدة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] . وخرج البيهقي من حديث يونس بن بكير، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير، عن جابر قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه [أحد] [ (1) ] فنزلنا منزلا بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر، فقال لي: يا جابر خذ الإداوة وانطلق بنا، فملأت الإداوة ماء فمشينا حتى لا نكاد نرى. فإذا شجرتان بينهما أذرع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا جابر، انطلق فقل لهذه الشجرة: يقول لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما،   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 16. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 17. [ (4) ] المرجع السابق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 ففعلت، فرجعت حتى لحقت بصاحبتها، فجلس خلفهما حتى قضى حاجته. ثم رجعنا [ (1) ] [فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما علينا الطير يظلّنا، فإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ومعها صبي تحمله، فقالت يا رسول اللَّه! إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه، فوقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فتناوله، فجعله بينه وبين مقدمة الرحل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اخسأ عدوّ اللَّه! أنا رسول اللَّه، قال: فأعاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك ثلاث مرات، ثم ناولها إياه، فلما رجعنا فكنا بذلك الماء، عرضت لنا المرأة معها كبشان تقودهما والصبي تحمله، فقالت: يا رسول اللَّه، اقبل مني هديتي، فو الّذي بعثك بالحق إن عاد إليه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: خذوا أحدهما وردوا الآخر] [ (2) ] وخرجه أبو محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن الدارميّ [ (3) ] . وخرج البيهقي من حديث زمعة بن صالح [عن زياد] [ (4) ] ، عن أبي الزبير، أنه سمع يونس بن خبّاب الكوفي يحدث أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه كان في سفر إلى مكة، فذهب إلى الغائط فكان يبعد حتى لا يراه أحد، قال: فلم يجد شيئا يتوارى به، فبصر بشجرتين، فذكر قصة الشجرتين وقصة الجمل بنحو من حديث جابر، وحديث جابر أصح، قال البيهقي: وهذه الرواية ينفرد به زمعة بن صالح عن زياد، أظنه ابن سعد عن أبي الزبير [ (5) ] . وله من حديث يونس بن بكير، عن الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن يعلي ابن مرة عن أبيه قال: سافرت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سفرا، فرأيت أشياء عجبا، نزلنا منزلا فقال: انطلق إلى هاتين الأشاءتين فقل: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول لكما   [ (1) ] في (خ) : «ثم رجعنا» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين تكملة الحديث من المرجع السابق. [ (3) ] (سنن الدارميّ) : 1/ 10- 11، وقال فيه: ثم رجعتا إلى مكانهما فركبنا رواحلنا فسرنا ... إلخ الحديث. [ (4) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 20. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 أن تجتمعا، فانطلقت فقلت لهما ذلك، وانتزعت كل واحدة منهما من أصلها، فنزلت كل واحدة إلى صاحبتها فالتقتا جميعا، فقضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حاجته من ورائها ثم قال: انطلق فقل لهما: فلتعد كل واحدة إلى مكانها، فأتيتهما فقلت لهما ذلك، فنزلت كل واحدة حتى عادت إلى مكانها. وأتته امرأة فقالت: إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه في كل يوم مرتين، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أدنيه، فأدنته منه، فتفل في فيه وقال: اخرج عدوّ اللَّه، أنا رسول اللَّه، ثم قال لها: إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع، فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم استقبلته [ (1) ] ومعها كبشان وأقط وسمن فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: خذ هذا الكبش فأخذ منه ما أراد، فقالت: والّذي أكرمك، ما رأينا به شيئا منذ فارقتنا. ثم أتاه بعير فقام بين يديه فرأى عينيه تدمعان، فبعث إلى أصحابه فقال: ما لبعيركم هذا يشكوكم؟ فقالوا: كنا نعمل عليه فلما كبر وذهب عمله تواعدنا لننحره غدا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فلا تنحروه واجعلوه في الإبل يكون فيها [ (2) ] . وخرج من حديث وكيع عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن [يعلي] ابن مرة عن أبيه قال: رأيت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أشياء: فذكر الحديث بمعنى رواية يونس، إلا أنه زاد: خذ أحد الكبشين ورد الآخر، وخذ السمن والأقط. مرة بن يعلي هو مرة بن أبي مرة الثقفي، وقيل: فيه عن يعلي نفسه أنه قال: رأيت ... فذكر من طريق وكيع عن الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن يعلي بن مرة قال: رأيت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عجبا: خرجت معه في سفر فنزلنا منزلا، فأتته امرأة بصبي لها به لمم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اخرج عدو اللَّه أنا رسول اللَّه، قال: [فبرأ] [ (3) ] ، فلما رجعنا جاءت أم الغلام بكبشين وشيء من أقط وسمن، فقال   [ (1) ] في المرجع السابق: «فاستقبله ومعه» ، وما أثبتناه من (خ) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 20- 21. [ (3) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: يا يعلي، خذ أحد الكبشين ورد عليها الآخر، وخذ السمن والأقط، قال: ففعلت [ (1) ] . هذا أصح، والأول وهم. قاله البخاري، يعني روايته عن أبيه وهم، إنما هو عن يعلي نفسه، وهم في وكيع مرة، ورواه على الصحة مرة. قال البيهقي: وقد وافقه فيما زعم البخاري أنه وهم يونس بن بكير، فيحتمل أن يكون الوهم من الأعمش واللَّه أعلم. وخرج من حديث شريك عن عمر بن عبد اللَّه بن يعلي بن مرة عن أبيه، عن جده قال: رأيت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أشياء ما رآها أحد قبلي: كنت معه في طريق مكة ... الحديث. قال: ورواه عطاء بن السائب عن عبد اللَّه بن حفص، عن يعلي بن مرة الثقفي قال: ثلاثة أشياء رأيتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينا نحن نسير معه ... ، فذكر قصة البعير وقال: ثم سرنا حتى نزلنا منزلا، فنام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ ذكرت له فقال: هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول اللَّه فأذن لها [ (2) ] ، ثم ذكر قصة المرأة. وخرج الإمام أحمد هذا الحديث من طريق عبد الرزّاق قال: أخبرنا معمر عن عطاء.. فذكره [ (1) ] . قال البيهقي: الرواية الأولى عن يعلي بن مرة في أمر الشجرتين أصح لموافقتها رواية جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، إلا أن يكون أمر الشجرة في هذه. الرواية حكاية عن واقعة أخرى [ (3) ] . وخرج من حديث معاوية بن يحيى الصدفي قال: أخبرني الزهري عن خارجة ابن زيد، قال: قال أسامة بن زيد: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الحجة التي حجها، حتى إذا كنا ببطن الروحاء ... ، فذكر قصة المرأة بزيادة ثم قال: يا أسيم،   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 21- 22، (مسند أحمد) : 5/ 182 حديث رقم (17113) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 23- 24، (المواهب اللدنية) : 2/ 540- 541، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 391، حديث رقم (293) ، (مسند أحمد) : 5/ 183، حديث رقم (17115) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 24. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 انظر هل ترى من خمر لمخرج رسول اللَّه؟ فقلت: يا رسول اللَّه، قد دحس الناس الوادي فما فيه موضع، فقال: انظر هل ترى من نخل أو حجارة؟ فقلت: يا رسول اللَّه قد رأيت نخلات متفرقات ورجما من حجارة، قال: انطلق إلى النخلات فقل لهن: إن رسول اللَّه يأمر كن أن تدانين لمخرج رسول اللَّه، وقل للحجارة مثل ذلك، قال: فأتيتهن فقلت ذاك لهن، فو الّذي بعثه [ (1) ] بالحق نبيا، لقد جعلت انظر الى النخلات يخددن الأرض خدا حتى اجتمعن، وانظر إلى الحجارة يتقافزن حتى صرن رجما خلف النخلات، فأتيته فقلت ذاك له، قال: خذ الإداوة وانطلق، فلما قضى حاجته وانصرف قال: يا أسيم، عد إلى النخلات والحجارة فقل لهن: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأمركن أن ترجعن إلى مواضعكن [ (2) ] . وخرج أبو نعيم من حديث حيان بن علي، عن صالح بن حيّان عن ابن بريدة عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! قد أسلمت فأرني شيئا أزدد به يقينا، قال: ما الّذي تريد؟ قال: ادع تلك الشجرة فلتأتك، قال: اذهب فادعها، فأتاها الأعرابي فقال: أجيبي رسول اللَّه قال فمالت على جانب من جوانبها فقطعت عروقها، ثم مالت على الجانب الآخر فقطعت عروقها، ثم أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: السلام عليك يا رسول اللَّه، فقال الأعرابي: حسبي حسبي، فقال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ارجعي فرجعت فجلست على عروقها [وفروعها] [ (3) ] .   [ (1) ] في المرجع السابق: «بعثك» . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 25- 26، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 393- 394، حديث رقم (298) ، (المطالب العالية) : 4/ 8- 10، حديث رقم (3830) ، (الخصائص الكبرى) : 2/ 302. [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 390، حديث رقم (291) ، وصالح بن حيان ضعيف، وما بين الحاصرتين زيادة من المرجع السابق، وزاد بعدها: فقال الأعرابي: ائذن لي يا رسول اللَّه أن أقبل رأسك ورجليك، ففعل، ثم قال: ائذن لي أن أسجد لك، قال: لا يسجد أحد لأحد، ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها، (المستدرك) : 4/ 190، حديث رقم (7326/ 87) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص) : بل واه، وفي إسناده صالح بن حيان: متروك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 وروى يحيى بن أبي عمرو [السيباني] [ (1) ] قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن مسعر عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللَّه قال: قال لي مسروق: أخبرني أبوك أن شجرة أنذرت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالجن [ (2) ] .   [ (1) ] تصويب للنسب من (تهذيب التهذيب) : 11/ 228، ترجمة رقم (425) . [ (2) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 197. لكن قال ابن أبي حاتم في (علل الحديث) : 2/ 392- 393 حديث رقم (2687) : سمعت أبي رضي اللَّه عنه ذكر حديثا رواه ابن فضيل عن أبي حيان، عن عطاء عن ابن عمر قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر، فأقبل أعرابي، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: هل لك إلى خير من الذهاب؟ قال: نعم، قال: تشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأني رسول اللَّه، قال الأعرابي فمن يشهد لك؟ قال هذه الشجرة ... الحديث، قال أبي: وقد حدثنا على الطنافسىّ وعبد المؤمن بن علي، عن ابن فضيل هكذا، وأنا أنكر هذا، لأن أبا حيان لم يسمع من عطاء، ولم يرو عنه، وليس هذا الحديث من حديث عطاء، قلت: من تراه؟ قال: لحديث أبي جناد أشبه. * وللَّه درّ الإمام الأبوصيريّ حيث قال: جاءت لدعوته الأشجار ساجدة ... تمشي إليه على ساق بلا قدم فكأنما سطرت سطرا لما كتبت ... فروعها من بديع الخط في اللقم واللقم: بفتح اللام والقاف: أوسط الطريق. فشبّه أثار مشي الشجر لما جاءت إليه صلّى اللَّه عليه وسلم بكتابة كانت أوقعها على نسبة معلومة، في أسطر منظومة. وإذا كانت الأشجار تبادر لامتثال أمره صلّى اللَّه عليه وسلم حتى تخر ساجدة بين يديه، فنحن أولى بالمبادرة لامتثال ما دعا إليه، زاده اللَّه شرفا لديه. وتأمل قول الأعرابي: «ائذن لي أن أسجد لك» لما رأى من سجود الشجرة، فرأى أنه أحرى بذلك حتى أعلمه صلّى اللَّه عليه وسلم أن ذلك لا يكون إلا للَّه، فحق على كل مؤمن أن يلازم السجود للرب المعبود، ويقوم على ساق العبوديّة، وإن لم يكن له قدم كما قامت الشجرة. (بردة المديح للإمام الأبوصيري) ، (حاشية الباجوري على متن البردة) ، المواهب اللدنية) : 2/ 541- 542. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 [خامسا: انقلاب العود والقضيب سيفا جيدا] وأما انقلاب العود والقضيب سيفا جيدا: قال الواقدي: فحدثني عمر بن عثمان الحجني عن أبيه عن عمته قالت: [قال] عكّاشة بن محصن: انقطع سيفي في يوم بدر، فأعطاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عودا فإذا هو سيف أبيض طويل، فقاتلت به حتى هزم اللَّه المشركين، فلم يزل عنده حتى هلك [ (1) ] . وقال يونس عن ابن إسحاق في تسمية من شهد بدرا، قال: وعكاشة بن محصن وهو الّذي قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع في يده، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأعطاه جذلا [ (2) ] من حطب فقال: قاتل بهذا يا عكّاشة، فلما أخذه من يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هزّه فعاد سيفا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح اللَّه على رسوله، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى قتل- يعني في قتال أهل الردة- وهو عنده، فكان ذلك، السيف يسمى العون [ (3) ] . قال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد، عن داود بن الحصين، عن رجال من بني الأشهل عدة، قالوا: انكسر سيف سلمة بن سالم بن حربش يوم بدر، فبقي أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب [ (4) ] ، فقال: اضرب به، فإذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد [ (5) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 93. [ (2) ] الجذل: أصل الشجرة. [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 185، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 219. [ (4) ] ابن طاب: ضرب من الرطب. [ (5) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 93- 94. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي قال: أخبرنا أشياخنا أن عبد اللَّه بن جحش [ (1) ] جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوم أحد وقد ذهب سيفه، فأعطاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عسيبا من نخل، فرجع في يده سيفا [ (2) ] .   [ (1) ] في (خ) : «جحيش» ، وصوبناه من (الشفا) . [ (2) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 219. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 [سادسا: حنين الجذع] وأما حنين الجذع: فإنه من الآيات المشهورة، والأعلام الثابتة، التي نقلها خلف الأمة عن سلفها، خرج البخاري من حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضي اللَّه عنه، أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول اللَّه! ألا تجعل لك شيئا تقعد عليه؟ فإن لي غلاما نجارا، قال: إن شئت، قال: فعملت له المنبر، فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على المنبر الّذي صنع، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أخذها، فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الّذي يسكّت حتى استقرت، قال: بكت على ما كانت تسمع من الذكر. ذكره في كتاب البيوع في باب النجار [ (1) ] . وخرج في باب علامات النبوة من حديث يحيى بن سعيد قال: أخبرني حفص ابن عبيد اللَّه بن أنس بن مالك أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل، فكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر فكان عليه، سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فوضع يده عليها فسكت. وذكره في الجمعة في باب الخطبة على المنبر [ (2) ] . قال البيهقي: ولهذا الحديث طرق، عن جابر بن عبد اللَّه، فذكر من طريق الشافعيّ رحمه اللَّه، قال: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج قال:   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 400، كتاب البيوع، باب (32) النجار، حديث رقم (2095) ، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 199. [ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 504- 505، كتاب الجمعة، باب (26) الخطبة على المنبر، حديث رقم (918) ، (فتح الباري) : 6/ 746، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3584) ، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 199. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلما صنع المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة، حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم واعتنقها فسكنت [ (1) ] . وله من حديث آدم بن أبي إياس قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق الهمذاني عن سعد بن أبي كرب، عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب أسند ظهره إلى خشبة، فلما صنع له المنبر فقدته الخشبة فحنت حنين الناقة الخلوج إلى ولدها، فأتاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت [ (2) ] . ومن طريق الأعمش عن أبي صالح، عن جابر قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلما جعل له المنبر خطب عليه حنت الخشبة حنين الناقة الخلوج [ (3) ] ، فاحتضنها فسكنت [ (4) ] . ومن طريق أبي عوانة عن الأعمش، عن أبي صالح عن جابر عن أبي إسحاق عن ابن أبي كرب عن جابر قال: كانت خشبة في المسجد فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب عليها فقلنا له: لو جعلنا لك مثل العريش فقمت عليه، ففعل، فحنت الخشبة كما تحن الناقة، فأتاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاحتضنها ووضع يده عليها [ (5) ] . ومن حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن جابر قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقوم إلى جذع نخلة فيخطب قبل أن يوضع المنبر، فلما وضع المنبر صعد   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 561، (سنن البيهقي) : 3/ 195 باب مقام الإمام في الخطبة. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 560، (فتح الباري) : 2/ 504- 505، حديث رقم (918) من كتاب الجمعة، باب (26) الخطبة على المنبر. [ (3) ] ناقة خلوج: جذب عنها ولدها بذبح أو موت، فحنت إليه، وقلّ لذلك لبنها، وقد يكون في غير الناقة، وفي ذلك ذهاب إلى قوله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج] ، لسان العرب) : 2/ 256. [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 562. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 562، وقال في هامشه: هذا الخبر رواه الطبراني في (الكبير) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [عليه] فحنّ ذلك الجذع حتى سمعنا حنينه، قال: فأتاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضع يده عليه فسكن [ (1) ] . ومن حديث يحيى بن سعيد عن ابن المسيب عن جابر مثله، غير أنه قال: فحنّ حنين العشار [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث يحيى بن كثير أبي غسان، حدثنا أبو حفص عمر ابن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء، قال: سمعت نافعا عن ابن عمر قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه [ (2) ] . وقال عبد الحميد: أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا معاذ بن العلاء عن نافع بهذا، ورواه أبو عاصم أيمن بن أبي داود عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث حماد بن أبي سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع حتى أتاه فاحتضنه فسكن. قال: لو لم احتضنه لحن إلى يوم القيامة [ (3) ] . وخرج البيهقي من حديث سليمان بن بلال، عن سعد بن سعيد بن قيس، عن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إذا خطب إلى خشبة ذات فرضتين، أراها من دوم كانت في مصلاه فكان يتكىء إليها، فقال له أصحابه: يا رسول اللَّه! إن الناس قد كثروا فلو اتخذت شيئا تقوم عليه إذا خطبت يراك الناس، فقال: ما شئتم، قال سهل: ولم يكن بالمدينة إلا   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 556. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 557، ورواه الإمام البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، عن محمد بن المثنى، عن أبي غسان يحيى بن كثير.، وبهذا الإسناد أخرجه الترمذي في صلاة الجمعة، باب ما جاء في الخطبة على المنبر، حديث رقم (918) ، (فتح الباري) : 2/ 504- 505 . [ (3) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 199. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 نجار واحد، قال: فذهبت أنا وذلك النجار إلى الغابة فقطعنا هذا المنبر من أثلة، قال: فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحنت الخشبة فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا تعجبون من هذه الخشبة؟ فأقبل الناس عليها فرقّوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأتاها فوضع يده عليها فسكنت، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بها فدفنت تحت منبره أو جعلت في السقف [ (1) ] . ومن حديث عكرمة بن عمار قال: حدثني إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقوم مسندا ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يوم الجمعة، فخطب الناس فجاءه روميّ فقال: يا رسول اللَّه! ألا أصنع لك شيئا تقعد عليه كأنك قائم؟ فصنع له منبرا درجتين ويقعد على الثالثة، فلما قعد على المنبر خار الجذع كخوار الثور حتى ارتج المسجد بخوراه، فنزل إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فالتزمه فسكن، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: والّذي نفسي بيده، لو لم ألتزمه لما زال كذا إلى يوم القيامة حزنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم أمر به فدفن [ (2) ] . ومن حديث ابن المبارك قال: حدثنا مبارك بن فضالة قال: حدثني الحسن عن أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة ويسند ظهره إلى خشبة، فلما كثر الناس قال: ابنوا لي منبرا، فسوي له منبرا إنما كانت له عتبتين، فتحول من الخشبة إلى المنبر، قال: فحنت واللَّه الخشبة حنين الواله [ (2) ] ، قال أنيس: وأنا في المسجد أسمع ذلك، قال: فو اللَّه ما زالت تحن حتى نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من المنبر فمشى إليها فاحتضنها فسكنت، فبكى الحسن وقال: يا معشر المسلمين! الخشبة تحن إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شوقا إليه! أفليس الرجال الذين يرجون لقاءه أحق أن يشتاقوا إليه [ (3) ] ؟   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 559- 560. [ (2) ] في (خ) «حنين الوالدة» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 559، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 200. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 ومن حديث إسحاق الأزرق، عن شريك بن عبد اللَّه، عن عمار الدهني، [ (1) ] عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت: كان لرسول صلّى اللَّه عليه وسلم خشبة يستند إليها إذا خطب، فصنع له كرسي أو منبر، فلما فقدته خارت كما يخور الثور حتى سمعها أهل المسجد، فأتاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاحتضنها فسكنت [ (2) ] . وخرج أبو محمد الدارميّ قال: حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا عبيد اللَّه بن عمرو عن عبد اللَّه بن محمد عن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يصلي [ (3) ] ، إلى جذع [ويخطب عليه إذا كان المسجد عريشا] [ (4) ] ، فقال [له] رجل [ (4) ] من أصحابه [ (5) ] : ألا نجعل لك عريشا [ (6) ] تقوم   [ (1) ] في (خ) : «الذهبي» ولعله تصحيف وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) ، و (تهذيب التهذيب) : 7/ 355. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 563 ثم قال: هذه الأحاديث التي ذكرناها في أمر الحنانة كلها صحيحة، وأمر الحنانة من الأمور الظاهرة، والأعلام النيرة، التي أخذها الخلف عن السلف، ورواية الأحاديث فيه كالتكليف، والحمد للَّه على الإسلام والسنة، وبه العياذ والعصمة. ثم قال محققه: أحاديث حنين الجذع: رويت عن أنس، وجابر، وسهل بن سعد في البخاري، وحديث أبي بن كعب أخرجه ابن ماجة، وعبد اللَّه بن أحمد في زياداته على المسند، وحديثا ابن عباس وأم سلمة: أخرجهما الطبراني في (الكبير) . وقد روى أحاديث حنين الجذع أيضا البيهقي في (السنن الكبرى) ، وأبو نعيم في (الدلائل: بأسانيده عن جابر، وعن أبيّ بن كعب، وعن سهل بن سعد، وعن أبي سعيد الخدريّ وعن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها. وفي الباب أحاديث كثيرة، وصحح كثير من العلماء بالسنة أن حديث حنين الجذع من الأحاديث المتواترة، لوروده عن جماعة من الصحابة من طرق كثيرة، تفيد القطع بوقوع ذلك. وقال الحافظ ابن حجر: حنين الجذع وانشقاق القمر، نقل كل منهما نقلا مستفيضا، يفيد القطع عند من يطلع على طرق ذلك من أئمة الحديث دون غيرهم، ممن لا ممارسة له في ذلك. (دلائل البيهقي) : 2/ 563. [ (3) ] في (خ) : «يخطب» وصوبناه من (سنن الدارميّ) . [ (4) ] زيادة للسياق المرجع السابق. [ (5) ] في (خ) : «من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم» ، وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (6) ] في (خ) : «هل لك أن نجعل لك منبرا» وما أثبتناه من المرجع السابق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس وتسمع من خطبتك؟ قال: نعم، قال: فصنع له ثلاث درجات [هن اللواتي على المنبر] [ (1) ] ، فلما صنع المنبر ووضع في موضعه، وأراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يقوم على المنبر [مرّ عليه فلما جاوزه] [ (2) ] ، خار [ (3) ] حتى تصدع وانشق، فنزل [ (4) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمسحه بيده حتى سكن، ثم رجع إلى المنبر، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فكان [ (5) ] عنده في داره حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتا [ (6) ] . ومن حديث صالح بن حيان قال: حدثني ابن بريدة عن أبيه قال: قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب قام فأطال القيام، فكان يشق عليه قيامه، فأتي بجذع نخلة فحفر له وأقيم إلى جنبه [قائما للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (7) ] ، فكان إذا خطب فطال القيام عليه استند إليه فاتكأ عليه، فبصر به رجل كان ورد المدينة [فرآه قائما إلى جنب ذلك الجذع] [ (7) ] فقال لمن يليه من الناس: لو أعلم أن محمدا يحمدني في شيء يرفق به لصنعت له مجلسا يقوم عليه، فإن شاء جلس ما شاء، وإن شاء قام. فبلغ ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ائتوني به، فأتوه به فأمره أن يصنع له هذه المراقي [الثلاث أو الأربع هي الآن في منبر المدينة] [ (7) ] ، فوجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في ذلك راحة، فلما فارق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الجذع وعمد إلى هذه التي صنعت له [ (8) ] ، جزع الجذع فحن كما تحن الناقة حين فارقه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فزعم ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين سمع حنين الجذع رجع إليه فوضع يده عليه وقال: اختر أن أغرسك في المكان الّذي كنت فيه فتكون كما كنت، وإن شئت [أن] [ (7) ] أغرسك في   [ (1) ] في (خ) : «وتسمعهم خطبتك» وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (2) ] زيادة للسياق من (سنن الدارميّ) . [ (3) ] خرج منه صوت كصوت الثور. [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «فرجع إليه» . [ (5) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «فلم يزل عنده» . [ (6) ] (مسند الدارميّ) : 1/ 17- 18، باختلاف يسير. [ (7) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (8) ] في (خ) : «إلى الّذي صنع له» ، وما أثبتناه من المرجع السابق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 الجنة فتشرب من أنهارها وعيونها فيحسن نبتك وتثمر فيأكل كل أولياء اللَّه من ثمرك فعلت، فزعم أنه سمع من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يقول له: نعم قد فعلت مرتين، فسئل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: اختار أن أغرسه في الجنة [ (1) ] . وقال البغوي وعبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: حدثنا عيسى بن سالم أبو سعيد الشاشي، حدثنا عبيد اللَّه بن عمر- يعني الرقي عن وهب عن عبد اللَّه بن محمد ابن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي إلى جذع [وكان المسجد عريشا] [ (2) ] ، فقال رجال من أصحابه: ألا نجعل شيئا تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس وتسمع خطبتك؟ فقال: نعم، فصنع له ثلاث درجات فقام عليها كما كان يقوم، فصغى [ (3) ] إليه الجذع فقال له: اسكن، ثم [ (4) ] قال لأصحابه: [هذا الجذع حنّ إليّ، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اسكن] [ (5) ] إن تشأ غرستك [ (6) ] في الجنة فيأكل منك الصالحون، وإن تشأ أعيدك [ (7) ] رطبا كما كنت، فاختار الآخرة على الدنيا، فلما قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دفع إلى أبيّ فلم يزل عنده حتى أكلته الأرضة [ (8) ] . قال البيهقي رحمه اللَّه: هذه الأحاديث التي ذكرناها في أمر الحنانة كلها صحيحة، وأمر الحنانة من الأمور الظاهرة، والأعلام النيرة التي أخذها الخلف عن السلف، ورواية الأحاديث فيه كالتكليف، والحمد للَّه على الإسلام والسنة، وبه العياذ والعصمة [ (9) ] .   [ (1) ] (سنن الدارميّ) : 1/ 16. [ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (3) ] في (خ) : «فأصغى» ، وما أثبتناه من (المسند) . [ (4) ] في (خ) : «ثم التفت فقال» ، وما أثبتناه من (المسند) . [ (5) ] زيادة للسياق من (المسند) . [ (6) ] في (خ) : «أن أغرسك» وما أثبتناه من (المسند) . [ (7) ] في (خ) : «أن أعيدك» وما أثبتناه من (المسند) . [ (8) ] (مسند أحمد) : 6/ 167، حديث رقم (20751) ، ورقم (20741) ، (20745) ، من حديث الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه. [ (9) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 563. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 وقال أبو [] [ (1) ] ابن عقيل: لا ينبغي أن يتعجب من حنين الجذع ومجيء الأشجار إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فإن من جعل في المغناطيس خاصية تجذب الحديد إليه، يجوز أن يجعل في الرسول خاصية تجذب ذلك إليه. وقال عمرو بن سواد: قال لي الشافعيّ رحمه اللَّه: ما أعطى اللَّه عزّ وجلّ نبيا ما أعطى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت: أعطى عيسى عليه السلام إحياء الموتى، فقال: أعطى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم الجذع الّذي كان يخطب إلى جنبه حتى هيئ له المنبر، فلما هيئ له المنبر حن الجذع حتى سمع صوته، فهذا أكبر من ذاك [ (2) ] .   [ (1) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ، ولم أجدها في كني الرجال. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 68. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 [سابعا: تسليم الأحجار والأشجار عليه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما تسليم الأحجار والأشجار عليه: فخرج مسلم من حديث سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إني لأعرف [حجرا بمكة] كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن [ (1) ] . وفي لفظ: إن بمكة لحجرا كان يسلم علي ليالي بعثت، إني لأعرفه إذا مررت عليه [ (2) ] وخرج الحاكم من حديث الوليد بن أبي ثور عن السّدي، عن عباد بن عبد اللَّه، عن علي رضي اللَّه عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة، فخرج في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (3) ] . وقال يونس بن بكير: عن إسحاق حدثني عبد الملك بن عبد الملك بن عبد اللَّه بن أبي سفيان بن العلاء بن حارثة الثقفي- وكان واعية عن بعض أهل العلم-   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 43، كتاب الفضائل، باب (1) فضل نسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، حديث رقم (2277) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] وقد اختلف في هذا الحجر، فقيل: هو الحجر الأسود، وقيل: حجر غيره بزقاق يعرف به بمكة، والناس يتبركون بلمسه، ويقولون: إنه هو الّذي كان يسلم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم متى اجتاز به. وقد ذكر الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن رشيد- بضم الراء- في رحلته مما ذكره في (شفاء الغرام) عن علم الدين أحمد بن إسماعيل بن خليل قال: أخبرني عمي سليمان قال: أخبرني محمد بن إسماعيل ابن أبي الصيف قال: أخبرني أبو حفص الميانشي قال: أخبرني كل من لقيته بمكة أن هذا الحجر هو الّذي كلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو الحجر المبني في الجوار المقابل لدار أبي بكر المشهورة بسوق الليل. (المواهب اللدنية) : 2/ 534. [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 677، حديث رقم (4238/ 249) ، قال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين أراد اللَّه كرامته، وابتدأه بالنّبوّة، كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه وسمع منه، فيلتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خلفه وعن يمينه وعن شماله، فلا يرى إلا الشجر وما حوله من الحجارة، وهي تحييه بتحية النبوة: السلام عليك يا رسول اللَّه وخرج الطبراني من حديث إبراهيم بن طهمان، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لما كانت ليالي بعثت، ما مررت بشجر ولا حجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه [ (1) ] . وقال الواقدي: حدثنا علي بن محمد بن عبيد اللَّه بن عمر بن الخطاب، عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه صفية بنت شيبة، عن برة بنت أبي بحراة قالت: لما ابتدأ اللَّه تعالى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم بالنّبوّة، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى شيئا، وأفضى إلى الشعاب والأودية، ولا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه، فكان يلتفت عن يمينه وعن شماله، وخلفه فلا يرى أحدا [ (1) ] . وتقدم عن قريب حديث ابن بريدة عن أبيه قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول اللَّه، قد أسلمت فأرني شيئا أزدد به يقينا، قال: ما الّذي تريد؟ قال: ادع تلك الشجرة فلتأتك، قال: اذهب فادعها، فأتاها فقال: أجيبي رسول اللَّه، فمالت على جانب من جوانبها، فقطعت عروقها، ثم مالت على الجانب الآخر فقطعت عروقها، حتى أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: السلام عليك يا رسول اللَّه. وحديث يعلي ابن مرة أنه قال: سرنا حتى نزلنا منزلا، فقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ ذكرت له، فقال، هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأذن لها [ (2) ] .   [ (1) ] أحاديث الباب تشهد على صحتهما. [ (2) ] سبق تخريجه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 [ثامنا: تحرك الجبل لأجله وسكونه بأمره] وأما تحرك الجبل لأجله وسكونه بأمره، فخرج البخاري في مناقب أبي بكر رضي اللَّه عنه من حديث سعيد عن قتادة، أن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه حدثهم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم، فقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان [ (1) ] . وذكر الترمذي هذا الحديث بهذا الإسناد، ونحو هذا اللفظ وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . وخرجه البخاري في مناقب عمر رضي اللَّه عنه ولفظه: عن أنس قال: صعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحدا [ (3) ] ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف [بهم فضربه برجله] ، وقال: اثبت فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد [ (4) ] . وخرجه في مناقب عثمان رضي اللَّه عنه ولفظه: إن أنسا حدثهم قال: صعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف، فقال: أسكن أحد- أظنه ضربه برجله- فليس عليك [إلا نبي] وصديق وشهيدان [ (5) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 25- 26، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، باب (5) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا، حديث رقم (3675) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 583، كتاب المناقب، باب (19) في مناقب عثمان بن عفان رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (3697) . [ (3) ] في (خ) : «حراء» ، وما أثبتناه من (فتح الباري) . [ (4) ] (فتح الباري) : 7/ 51، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، باب (6) مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشيّ العدوي رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (3686) . [ (5) ] (فتح الباري) : 7/ 66، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم باب (7) ، مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشيّ رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (3697) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 وخرج مسلم [ (1) ] والترمذي [ (2) ] من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان، وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اهدأ [ (3) ] ، إنما عليك وقال مسلم: فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [ (4) ] . وخرج مسلم عن يحيى بن سعيد، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان على جبل حراء فتحرك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسكن حراء، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، وعليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنهم [ (5) ] . قال أبو عبد اللَّه محمد بن نصر الحميدي: كذا عند مسلم في ما رأينا من نسخ كتابه. وفي رواية سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، لم يذكر عليا   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 199، كتاب فضائل الصحابة، باب (6) من فضائل طلحة والزبير رضي اللَّه تعالى عنهما، حديث رقم (2417) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 582، كتاب المناقب، باب (19) في مناقب عثمان بن عفان رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (3696) . قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان، وسعيد بن زيد، وابن عباس، وسهل بن سعد، وأنس بن مالك، وبريدة، وهذا حديث صحيح. [ (3) ] في (خ) : «اهدئي» . [ (4) ] وفي هذا الحديث معجزات لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منها: إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم أن هؤلاء شهداء، وماتوا كلهم غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر شهداء، فإن عمر، وعثمان، وعليا، وطلحة، والزبير رضي اللَّه تعالى عنهم، قتلوا ظلما شهداء، فقتل الثلاثة مشهور، وقتل الزبير بوادي السباع بقرب البصرة منصرفا تاركا للقتال، وكذلك طلحة اعتزل الناس تاركا القتال، فأصابه سهم فقتله، وقد ثبت أن من قتل ظلما فهو شهيد، والمراد شهداء في أحكام الآخرة، وعظيم ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم. وفيه بيان فضيلة هؤلاء، وفيه إثبات التمييز في الحجاز، وجواز التزكية والثناء على الإنسان في وجهه، إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه، وأما ذكر سعد بن أبي وقاص في الشهداء في الرواية الثانية، فقال القاضي: إنما سمي شهيدا لأنه مشهود له بالجنة. (مسلم بشرح النووي) : 15/ 199- 200. [ (5) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي السابق من أحاديث ذات الباب بدون رقم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 رضي اللَّه عنه وزاد سعدا، وهكذا أخرجه أبو بكر البرقاني في كتابه من حديث سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد، كما أخرجه مسلم، وأخرجه البرقاني أيضا من رواية معاوية بن صالح، عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان على حراء، ومعه أبو بكر وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد اللَّه، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فتحرك الجبل فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اسكن حراء، فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، فسكن الجبل. قال الحميدي: في هذا الحديث زيادة فوائد حسنة، وإسناده على شرط مسلم. وخرج النسائي [ (1) ] من حديث جرير عن حصين عن هلال، عن عبد اللَّه بن ظالم قال: دخلت على سعيد بن زيد فقلت: ألا تعجب من هذا الظالم؟ أقام خطباء يشتمون عليا، فقال: أوقد فعلوها؟ أشهد على التسعة إنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لصدقت، كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على حراء فتحرك، فقال: اثبت فما عليك إلا نبي أو صدّيق أو شهيد، قلت: ومن كان على حراء؟ قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، قلنا: فمن العاشر؟ قال: أخبرنا هلال بن يساف لم يسمعه من عبد اللَّه ابن ظالم. وذكره النسائي [ (1) ] من حديث ابن إدريس عن حصين بهذا الإسناد مثله، وذكره [أيضا من حديث سفيان] عن منصور عن هلال بن يساف عن ابن حبان عن عبد اللَّه بن ظالم، عن سعيد بن زيد قال: تحرك حراء فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ... ، فذكر مثله. وخرجه الترمذي من حديث هشيم قال: أخبرنا حصين عن هلال بن يساف [عن عبد اللَّه بن ظالم] [ (2) ] المازني، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنه قال: أشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم، قيل: وكيف ذاك؟   [ (1) ] (السنن الكبرى للنسائي) ، كتاب المناقب، باب طلحة بن عبيد اللَّه، رضي اللَّه تعالى عنهم. [ (2) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ... ، الحديث. وقال: هذا حديث حسن [صحيح] [ (1) ] . قال القاضي عياض: وتحرك الجبل وكلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم له، وقوله: اهدأ فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد، كله من آيات نبوته وإخباره بالغيوب، وانخراق العادات له، فكل من كان عليه بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والصديق ماتوا شهداء، وفيه كرامة عظيمة لهؤلاء الذين كانوا عليه وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وفيه أن من قتل ظلما في غير معترك شهيد، له اسم الشهيد وأجره، وإن لم يكن حكمه في الصلاة والغسل حكمه [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 609، كتاب المناقب، باب (28) مناقب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (3757) ، وأخرجه أيضا أبو داود في السنة، (سنن أبي داود) : 5/ 40، حديث رقم (4651) . [ (2) ] وقد روى أنه صلّى اللَّه عليه وسلم حين طلبته قريش قال له ثبير: اهبط يا رسول اللَّه، فإنّي أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذبني اللَّه، فقال حراء: إليّ يا رسول اللَّه. وروى ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قرأ على المنبر: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ثم قال: يمجد الجبار نفسه يقول: أنا الجبار أنا الجبار، أنا الكبير المتعال، فرجف المنبر حتى قلنا: ليخرن عنه. (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 202، وثبير وأحد: جبلان متقابلان والوادي بينهما، وهو على يسار السالك إلى منى، وحراء قبلي ثبير مما يلي شمال الشمس. (المواهب اللدنية) : 2/ 538. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 [تاسعا: رقم اسمه صلّى اللَّه عليه وسلم على صفحات المخلوقات] وأما رقم اسمه صلّى اللَّه عليه وسلم على صفحات المخلوقات: فقال الفقيه الأديب أبو عبد اللَّه محمد بن عمر بن محمد بن أسيد في رحلته: حدثنا شيخنا الفقيه أبو عبد اللَّه محمد المصري قال: ولد عندنا [بتوزر] [ (1) ] ليلة غرة رجب الفرد من عام أربعة وسبعين وستمائة، جدّي أسود غرته بيضاء على شكل الدائرة، وفيها مكتوب: محمد، بخط في غاية الحسن والبيان، فأفلت في ذلك تأليفا سميته: (الغرة اللائحة والمسكة الفائحة في الحظوظ الصمدية والمفاخر المحمدية) ، ونظمت في ذلك قصائد، منها قولي: جدي غدا كالجدي أشرف جنسه ... فمحله فوق السماك الأعزل رقمت به الأقدار صفحة وجهه ... رقما بديعا باسم لأكرم مرسل فتلألأت أنواره الشريف موحد ... إلا وقبّل منه خير مقبّل رويت به [الأنباء] كأنما ... وردت به الأفواه عذب منهل عجب [أتى] رجب به فتأكدت ... بركاته في قلب كل مؤمّل فكأن من قد قال: عش رجبا ترى ... عجبا عناه بالزمان المجمل يا غرة كالصبح نمنم حسنها ... خط من الليل البهيم الأليل أشهى وأحلى في النفوس من الكرى ... وألذ من عذب الدلال التعلل طرز به ازدان الزمان بأسره ... في الحال والماضي وفي المستقبل يا توزر الغراء فزت بغرّة ... غراء في زمن أغر محجّل   [ (1) ] توزر- بالفتح، ثم السكون، وفتح الزاي، وراء- مدينة في أقصى إفريقية. (معجم البلدان) : 2/ 67، موضع رقم (2680) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 جرى ذيول العز من مرح بها ... جرّ الفتاة ذيول برد مسبل أعطيت ما لم يعط مثلك مثله ... شكرا لمولاك العلي المفضل شرف خصصت به وفضل باهر ... يبقى على مر الزمان الأطول هذا طراز الحسن لا ما قاله ... حسّان في حسن الطراز الأول قال جامعه- رحمه اللَّه تعالى-: أخبرني القاضي الأديب يعقوب بن يوسف ابن علي المكناسي قال: شاهدت بمدينة بجابة من بلاد إفريقية رجلا ببياض عينه اليمنى من أسفل [مكتوب بعرق أحمر] كتابة مليحة: محمد رسول اللَّه، وهذه الكتابة لا تظهر حتى يجبذ جفن عينه الأسفل، وأما ما دامت عينه على حالها فلا تظهر الكتابة فإن الجفن يسترها. وقال الحافظ أبو القاسم يحيى بن علي بن محمد بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن هارون، المعروف بابن الصواف وبابن الطحان الحضرميّ المصري في كتاب (أخبار علماء مصر) ، وتوفي سنة ست عشرة وأربعمائة: حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ابن علي قال: سمعت أبا عمران موسى بن إبراهيم الوراق بالرملة يقول: سمعت أحمد ابن أحمد الطبري بطرسوس يقول: ظهر عندنا بطبرستان قوم يقولون: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، فأما محمد فلا نقرّ بنبوّته، واتفقنا طائفة أهل العلم على خلافهم، وكثروا وكثر الغوغاء منهم، وعمل جماعة منا على الرحيل من طبرستان خوفا منا على أنفسنا، وكان الرجل يهجر أباه، وأخاه، وولده، فنحن كذلك في يوم شديد الحر، إذ أظلتنا سحابة بيضاء شديدة البياض، فلم يزل ينشأ حتى أخذت ما بين الخافقتين، وأحالت بين السماء وبين البلد، فلما كان وقت الزوال ظهر في السحابة بخط [مونق] [ (1) ] : لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، فلم يزل كذلك إلى وقت العصر، فتاب كل من كان افتتن، وأسلم أكثر من كان عندنا من اليهود والنصارى [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] قام التليفزيون المصري بعرض صورة مشابهة قام بتسجيلها أحد المراصد، وكان ذلك يوم 12 أكتوبر 1993 حيث ظهرت عبارة لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، مكتوبة بقلم القدرة، مداده السحاب وذلك لمدة ثماني ساعات على مساحة قدرها (000، 700، 2) مليونان وسبعمائة ألف كيلومتر مربع، كما قدرتها أجهزة المرصد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 وذكر أن في سنة أربع وخمسين وأربعمائة عصفت ريح شديدة بخراسان كريح عاد، انقلعت فيها الجبال وفرت الوحوش، فظن الناس أن القيامة قد قامت، وخافوا وهلعوا هلعا شديدا، وابتهلوا إلى اللَّه تعالى بالدعاء، ونظروا، فإذا نور عظيم قد نزل من السماء على جبل من تلك الجبال، ثم تأملوا الوحوش فإذا هي منصرفة إلى ذلك الجبل الّذي سقط فيه ذلك النور، فصاروا معها إليه، فوجدوا صخرة طولها ذراع في عرض ثلاث أصابع، وفيها ثلاثة أسطر: سطر فيه: لا إله إلا أنا فاعبدون، وسطر فيه: محمد رسول اللَّه القرشي، وسطر ثالث فيه: احذروا وقعة المغرب فإنّها تكون من سبعة أو تسعة، والقيامة قد أزفت. ذكر ذلك في كتاب (عجائب الحكايات وغرائب الماجريات) . وذكر أيضا عن الحافظ السلفي قال: سمعت أبا الحسن الحمامي يقول: رأيت ببلاد سيلان شجرة لها أوراق خضر، وعلى كل ورقة مكتوب بخط أشد خضرة من لون الورق: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، وكان مقدمهم من الأكابر، وكانوا عبدة أوثان فكانوا يقطعونها ويعقون [ (1) ] آثارها، فترجع إلى ما كانت عليه في أقرب وقت، فأذابوا الرصاص وأقلبوه في أصلها، فخرج من حول الرصاص أربع فروع، على كل فرع: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، فصاروا يتبركون بها ويستشفون من المرض إذا اشتد، [ويخلّقونها] [ (2) ] بالزعفران وأجلّ الطيب.   [ (1) ] يعفون: يمحون. [ (2) ] يخلقونها: يطيبونها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 [عاشرا: تظليل الغمام له] وأما تظليل الغمام له، فقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر- يعني الواقدي- قال: حدثني معاذ بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: خرجت حليمة تطلب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وقد بدت إليهم تقيل، فوجدته مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أماه، ما وجد أخي حرا، رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف، وإذا سار سارت معه حتى انتهى إلى هذا الموضع [ (1) ] . أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا محمد بن صالح بن عبد اللَّه بن جعفر قال: وحدثنا ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين قالوا: لما خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في المرة الأولى وهو ابن ثنتي عشرة سنة، فلما نزل بصرى من الشام، وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه، فلما نزلوا ببحيرا- وكانوا كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم- حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته، قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مرّوا، فصنع لهم طعاما ثم دعاهم، وإنما حمله [على دعائهم] أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من بين القوم، حتى نزلوا تحت شجرة ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت على تلك الشجرة، ثم أظلت أغصان الشجرة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام، فأتى به، وأرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم، ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا، حرا ولا عبدا، فإن هذا شيء تكرموني به، فقال رجل: إن لك لشأنا   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 152، باب ذكر علامات النبوة في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل أن يوحى إليه، (البداية والنهاية) : 2/ 335 عن الواقدي أيضا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 يا بحيرا! ما كنت تصنع بنا هذا، فما شأنك اليوم؟ قال: إني أحببت أن أكرمكم ولكم حق، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنّه- ليس في القوم أصغر منه- في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرى إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف، ولا يجد لها عنده، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ويراها مختلفة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال بحيرى: يا معشر قريش! لا يتخلفن منكم أحد عن طعامي، قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنّا في رحالهم، فقال: أدعوه فليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد، مع أني أراه من أنفسكم، فقال القوم: هو واللَّه أوسطنا نسبا، وهو ابن أخي هذا الرجل- يعنون أبا طالب- وهو من ولد عبد المطلب، فقال: الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف: واللَّه إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرى يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء في جسده، قد كان يجدها عنده من صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم، قام إليه الراهب فقال: يا غلام! أسألك باللات والعزى ألا أخبرتني عما أسألك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تسلني باللات والعزى، فو اللَّه ما أبغضت شيئا بغضهما، قال فباللَّه إلا أخبرتني عما أسألك عنه، قال: سلني عما [بدا لك، فجعل] [ (1) ] يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده، تم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضع الصفة التي عنده، قال: فقبّل موضع الخاتم، وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرا.. وذكر الحديث [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) . [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 1/ 319- 322، قصة بحير، (طبقات ابن سعد) : 1/ 153- 155، (دلائل أبي نعيم) : 1/ 168 حديث رقم (108) باب ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الشام في المرة الأولى، وما اشتمل عليه ذلك من الدلائل المتقدمة لنبوته وهو ابن عشر سنين، (تاريخ الإسلام للذهبي) : جزء السيرة النبويّة باب سفره مع عمه ص 58- 60، (دلائل البيهقي) : 2/ 24- 25 ، (سنن الترمذي) : كتاب المناقب باب (3) ما جاء في بدء نبوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (3620) وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا موسى بن شيبة عن عميرة بنت عبد اللَّه بن كعب ابن مالك، عن أم سعد بنت سعد عن نفيسة بنت منية أخت يعلي بن منية قالت: لما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خمسا وعشرين سنة- فذكر الحديث في خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في تجارة لخديجة بنت خويلد، ومعه غلامها ميسرة، إلى أن قال-: وكان ميسرة يرى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا كانت الهاجرة واشتد الحرّ يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره، وكان اللَّه قد ألقى على رسوله المحبة في ميسرة، فكان كأنه عبدا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رجعوا وكانوا بمر الظهران قال: يا محمد! انطلق إلى خديجة فاسبقني فأخبرها بما صنع اللَّه لها على وجهك، فإنّها تعرف ذلك لك، فتقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين دخل وهو راكب على بعيره وملكان يظلان عليه، فأرته نساءها فعجبن لذلك، ودخل عليها فخبرها بما ربحوا في وجههم، فسرت بذلك، فلما دخل ميسرة عليها أخبرته بما رأت، فقال: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام..، الحديث [ (1) ] .   [ (1) ] (تاريخ الطبري) : 2/ 280، باب ذكر تزويج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة رضي اللَّه تعالى عنها، (دلائل أبي نعيم) : 1/ 172- 174 باب ذكر خروج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الشام ثانيا مع ميسرة غلام خديجة رضي اللَّه تعالى عنها وقصة نسطورا الراهب، (سيرة ابن هشام) : 2/ 5، باب حديث تزويج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة رضي اللَّه عنها، (طبقات ابن سعد) : 1/ 129- 130، باب ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الشام في المرة الثانية، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 242. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 [حادي عشر: رميه صلّى اللَّه عليه وسلم وجوه المشركين كفا من تراب فملأ أعينهم] وأما رميه صلّى اللَّه عليه وسلم وجوه المشركين كفا من تراب فملأ أعينهم، قال موسى بن عقبة في غزوة حنين: ولما غشي رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] القتال قام في الركابين وهو على البغلة ويقولون: نزل فرفع يديه إلى اللَّه يدعوه يقول: اللَّهمّ إني أنشدك ما وعدتني، اللَّهمّ لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا، ونادى على أصحابه فذمّرهم [ (1) ] : يا أصحاب البيعة يوم الحديبيّة، يا أصحاب سورة البقرة، يا أنصار اللَّه وأنصار رسوله، يا بني الخزرج. وقبض قبضة من الحصى فحصب بها وجوه المشركين ونواصيهم كلها وقال: شاهت الوجوه، فأقبل إليه أصحابه سراعا يبتدرونه، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: الآن حمي الوطيس، فهزم اللَّه أعداءه في كل ناحية حصبهم فيها رسول اللَّه، وأتبعهم المسلمون يقتلونهم، وغنمهم اللَّه نساءهم [وذراريهم] [ (2) ] وشاءهم وإبلهم [ (3) ] . وخرج مسلم والنسائي من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب. قال: حدثني كثير بن عباس بن عبد المطلب قال: قال عباس رضي اللَّه   [ (1) ] ذمّرهم: حثهم على القتال، قال عنترة. لما رأيت القوم أقبل جميعهم* يتذامرون كررت غير مذمّم [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 131- 132 وقال: هذا لفظ حديث موسى بن عقبة، وليس في رواية عروة: قيامه في الركابين، ولا قوله: يا أنصار اللَّه، وقال في الحصباء: فرمى من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، لا يرمي ناحية إلا انهزموا، وانهزم المشركون، وعطف أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين هزمهم اللَّه، واتبعهم المسلمون ... فذكره. قال محققه: رواية موسى بن عقبة ذكرها ابن عبد البر باختصار شديد في (الدرر) : 226. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 عنه: شهدت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار. وقال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول اللَّه أكفها إرادة أن لا يسرع، وأبو سفيان أخذ بركاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أي عباس! ناد أصحاب الشجرة، فقال عباس- وكان رجلا صيتا-: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فو اللَّه لكان عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك، قال: فاقتتلوا [هم] [ (1) ] والكفار، والداعين [ (2) ] في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار.. ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج [فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج] [ (3) ] فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم وقال: هذا حين حمي والوطيس. قال: ثم أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: انهزموا ورب محمد، قال: فذهبت انظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فو اللَّه ما هو إلا أن رماهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بحصياته [ (4) ] فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا [ (5) ] . زاد النسائي بعد هذا: حتى يعني هزمهم اللَّه. لفظهما فيه متقارب. ذكره النسائي في الجهاد وترجم عليه: رمي الحصا في وجوه الكفار [ (6) ] .   [ (1) ] زيادة في (خ) . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي رواية (مسلم) : «والدعوة» . [ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (4) ] في (خ) : «بحصيات» . [ (5) ] (مسلم بشرح النوي) : 12/ 355- 359، كتاب الجهاد والسير، باب (28) غزوة حنين، حديث رقم (1775) : وقوله: «على بغلة بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجزامي» ، قال القاضي: واختلفوا في إسلامه، فقال الطبري: أسلم وعمّر طويلا، وقال غيرهم لم يسلم وقد أطال النووي في (شرح مسلم) الكلام في قبول هدية الكافر، فليراجع هناك. [ (6) ] لم أجده في (سنن النسائي) ولعله في (الكبرى) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 وخرج مسلم من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه غير أنه قال: فروة بن نعامة الجذامي، وقال: انهزموا ورب الكعبة، انهزموا ورب الكعبة، وزاد في الحديث: حتى هزمهم اللَّه، قال: وكأني انظر إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته [ (1) ] . وذكره أيضا من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري قال: أخبرني كثير بن العباس عن أبيه قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حنين.. وساق الحديث، غير أن حديث يونس وحديث معمر أكبر منه وأتم [ (2) ] . وله من حديث عكرمة بن عماد قال: حدثني إياس بن سلمة قال: حدثني أبي قال: غزونا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حنينا، فلما واجهنا العدو تقدّمت فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من العدو فأرميته بسهم، فتوارى عني فما دريت ما صنع، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا مع [ (3) ] أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فولى أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأرجع منهزما وعليّ بردتان متزرا بإحداهما، مرتديا بالأخرى، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا، ومررت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منهزما وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لقد رأى ابن الأكوع فزعا، فلما غشوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل به وجوههم فقال: شاهت الوجوه، فما خلق اللَّه منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا من [ (4) ] تلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم اللَّه، وقسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين [ (5) ] . وخرج البيهقي من حديث حماد بن سلمة، عن يعلي بن عطاء، عن عبد اللَّه ابن يسار- ويكنى أبا همام- عن أبي عبد الرحمن الفهري قال: كنا مع رسول   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 359، حديث رقم (17) . [ (2) ] المرجع السابق، ص 360. [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي رواية (مسلم) : «فالتقوا هم وصحابة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم» ، «فولى صحابة» . [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (مسلم) «بتلك» . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 364، حديث رقم (1777) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 صلّى اللَّه عليه وسلم في حنين، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظلال الشجر، فلما زالت الشمس لبست لأمتي وركبت فرسي، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو في فسطاطه فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، قد حان الرواح يا رسول اللَّه، قال: أجل، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا بلال، فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طير فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، قال: أسرج لي فرسي فأتاه برفّتين من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر. قال: فركب فرسه ثم سرنا يومنا، فلقينا العدو وتشامّت الخيلان، فقاتلناهم فولى المسلمون مدبرين، كما قال اللَّه عزّ وجلّ، قال: فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: يا عباد اللَّه! أنا عبد اللَّه ورسوله، يا أيها الناس! إني أنا عبد اللَّه ورسوله، واقتحم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن فرسه. وحدّث من كان أقرب إليه مني أنه أخذ حفنة من تراب فحثى بها في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه، قال يعلي [ (1) ] بن عطاء: فأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم [ (2) ] أنهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب، وسمعنا صلصلة من السماء كمرّ الحديد على الطست الحديد، فهزمهم اللَّه عزّ وجلّ [ (3) ] . ولأحمد، من حديث عفان بن مسلم قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الحارث بن حصين، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال ابن مسعود: كنت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حنين، فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار فنكصنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما، ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل اللَّه عليهم السكينة، قال: ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على بغلته يمضي قدما، فحادت بغلته فمال عن السرج فقلت: ارتفع رفعك اللَّه، فقال: ناولني كفا من تراب، فناولته، فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا، ثم قال: أين المهاجرون   [ (1) ] في (خ) : «يحيى» . [ (2) ] في (خ) : «عن نسائهم» . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 141، باب رمي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وجوه الكفار والرعب الّذي ألقي في قلوبهم، ونزول الملائكة، وما ظهر في كل واحد من هذه الأنواع من آثار النبوة، (مسند أحمد) : 6/ 387، حديث رقم (21961) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 والأنصار؟ قلت: هم هنا [ (1) ] ، قال: اهتف بهم، فهتفت بهم، فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم كأنهم الشهب، وولى المشركون أدبارهم [ (2) ] . وله من حديث أبي قلابة قال: حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن الطائفي قال: أخبرني عبد اللَّه بن عياض بن الحارث الأنصاري عن أبيه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أتى هوازن في اثنى عشر ألفا. فقتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر، قال: فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كفّا من حصباء فرمى بها وجوهنا فانهزمنا. قال البيهقي: رواه البخاري في التاريخ عن أبي عاصم ولم ينسب عياضا [ (3) ] . وله من حديث البصري عن رجل من قومه شهد ذاك يوم حنين، وعمرو ابن سفيان الثقفي قالا: انهزم المسلمون يوم حنين ولم يبق مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلا عباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث، قال: فقبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبضة من الحصباء فرمى بها في وجوههم، قال: فانهزمنا فما خيّل إلينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا، قال الثقفي: فأعجرت على فرسي حتى دخلت الطائف [ (4) ] . وله من حديث السائب بن يسار عن يزيد بن عامر الشوائي أنه قال: عند انكشافه انكشف المسلمون يوم حنين فتبعهم الكفار، أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبضة من الأرض ثم أقبل على المشركين فرمى بها وجوههم وقال: حم لا ينصرون، فانهزم القوم وما رميناهم بسهم ولا طعناهم برمح، وفي رواية: فما خلق اللَّه منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا. وخرج الحاكم من حديث يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن عثمان بن عبد الرحمن، عن عائشة بنت سعد عن أبيها سعد بن أبي وقاص قال: لما جال   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (المسند) : «هم أولاء» . [ (2) ] (مسند أحمد) : 2/ 36، حديث رقم (4324) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 142. [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 143. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 الناس عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تلك الجولة يوم أحد، تنحيت فقلت: أذود عن نفسي فإما أن أستشهد وإما أن أنجو حتى ألقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فبينا أنا كذلك إذا برجل مخمر الوجه لا أدري [ (1) ] من هو، فأقبل المشركون حتى قلت قد ركبوه، ملأ يده من الحصباء ثم رمى به في وجوههم فتنكبوا على أعقابهم القهقرى حتى يأتوا الجبل، ففعل ذلك مرارا ولا أدري من هو، وبيني وبينه المقداد بن الأسود، فبينا أنا أريد أن أسأل المقداد عنه إذ قال المقداد: يا سعد! هذا رسول اللَّه يدعوك، فقلت: وأين هو؟ [فأشار المقداد] [ (2) ] إليه، فقمت وكأني لم يصبني شيء من أذى، فقال: أين كنت اليوم يا سعد؟ فقلت: حيث رأيت يا رسول اللَّه، فأجلسني أمامه فجعلت أرمي وأقول: اللَّهمّ سهمك فارم به عدوك، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: اللَّهمّ استجب لسعد، اللَّهمّ سدد رميته، [إيها سعد] [ (2) ] فداك أبي وأمي، فما من سهم أرمي به إلا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ سدد رميته وأجب دعوته إيها سعد، حتى فرغت من كنانتي، نثر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما في كنانته، فنبلني سهما نضيا، قال: وهو الّذي قد ريش، وكان أشد من غيره. قال الزهري: إن السهام التي رمى بها سعد يومئذ كانت ألف سهم [ (3) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وللبزار من حديث يونس بن أرقم، حدثنا الأعمش عن سماك بن حرب، عن ابن عباس أن عليا ناول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم التراب فرمى به في وجوه المشركين يوم حنين.   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (المستدرك) : «فحمر وجهه ما أدري» . [ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 28- 29، حديث رقم (4314/ 18) من كتاب المغازي والسرايا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 [ثاني عشر: إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الأصنام وسقوطها] وأما إشارته إلى الأصنام وسقوطها، فخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن أبي معمر عن عبد اللَّه قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ [إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً] [ (1) ] جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ ذكره البخاري في باب: أين ركز النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الراية يوم الفتح. وذكره في التفسير. وذكره مسلم من طرق في بعضها: بدل نصب صنما، وذكر بعضها مطولا، وفيه: ثم طاف بالبيت، قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه، قال: وفي يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قوس- وهو آخذ بسية القوس- فلما أتى على الصنم جعل يطعن في عينه ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ [ (2) ] . وقال ابن إسحاق: حدثنا عبد اللَّه بن أبي بكر، عن علي بن عبد اللَّه بن عباس، عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة وعلى الكعبة ثلاثمائة صنم، قال: فأخذ قضيبه فجعل يهوي به إلى صنم صنم، وهو يهوي حتى مر عليها كلها [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة لتكملة الآية الكريمة. [ (2) ] رواه البخاري في المغازي، باب أين ركز النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الراية يوم الفتح، وفي المظالم، باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر أو تخرق الزقاق، وفي تفسير سورة بني إسرائيل، باب: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً. وأخرجه مسلم برقم (1781) في الجهاد، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة، والترمذي في التفسير برقم (3137) ، باب ومن سورة بني إسرائيل. [ (3) ] (سيرة ابن هشام) 5/ 80. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 وذكر أبو الربيع بن سالم عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم الفتح على راحلته فطاف عليها وحول الكعبة أصنام مشددة بالرصاص، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يشير بقضيب في يده وهو يقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع، فقال تميم بن أوس الخزاعي: وفي الأصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثواب أو العقابا [ (1) ] وخرج البيهقي من طريق سويد، قال القاسم بن عبد اللَّه عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما دخل مكة وجد بها ثلاثمائة وستين صنما، فأشار إلى كل صنم بعصا وقال: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً، فكان لا يشير إلى صنم إلا سقط من غير أن يمسه بعصا. قال البيهقي: هذا الإسناد وإن كان ضعيفا فالذي قبله يؤكده [ (2) ] . وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن إسحاق المسيبي، حدثنا عبد اللَّه بن نافع، حدثنا عاصم بن عمر، عن ابن دينار عن ابن عمر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما دخل مكة وجد بها ثلاثمائة وستين صنما، فأشار بعصاه إلى كل صنم منها وقال: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً، فسقط الصنم ولا يمسه [ (2) ] . وقال الواقدي- رحمة اللَّه عليه، وقد ذكر فتح مكة بأسانيده-: ثم طاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالبيت على راحلته آخذ بزمامها محمد بن مسلمة، وحول الكعبة ثلاثمائة صنم وستون صنما، مرصصة بالرصاص وكان هبل أعظمها، وهو وجاه الكعبة على بابها، ويساف ونائلة حيث ينحرون ويذبحون الذبائح، فجعل رسول   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 72. [ (2) ] (الإحسان) : 14/ 452 حديث رقم (6522) ، وهذا الحديث إسناده ضعيف، عاصم بن عمر: هو العمري، ضعّفه أحمد وابن معين، وغيرهم، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الواقدي: متروك. (المرجع السابق) : هامش ص 453 تعليقا على الحديث السابق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كلما مر بصنم منها يشير بقضيب في يده [ويقول] [ (1) ] جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (2) ] ، فيقع الصنم لوجهه [ (3) ] . قال [الواقدي] [ (1) ] : حدثني ابن أبي سبرة عن حسين بن عبد اللَّه، عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما يزيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على أن يشير بالقضيب إلى الصنم، فيقع لوجهه [ (3) ] . وخرج أبو نعيم من حديث عبد اللَّه بن عمر العمري، عن نافع عن ابن عمر قال: وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما قد ألزقها الشياطين بالنحاس والرصاص، فكان كلما دنا منها بمخصرته تهوي من غير أن يمسها ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً، فتساقط على وجوهها [ (4) ] ، ثم أمر بهن فأخرجن إلى المسيل [ (5) ] . وقال ابن عائذ: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن بشير عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير قال: لما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مكة كان أول شيء صنعه أي البيت، وكان حوله أصنام اتخذ كل بطن من قريش صنما وكان إساف ونائلة لخزاعة، وكان بين الركن الأسود واليماني، فصرعهما وهو يقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ [ (2) ] ، ثم طاف بالبيت.   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] الإسراء: 81. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 832. [ (4) ] في (خ) «لوجوهها» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) . [ (5) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 519، باب ذكر ما كان في فتح مكة، حديث رقم (446) ، وأخرجه ابن حبان مختصرا (1702) من طريق عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر، وأخرجه الفاكهي، والطبراني، من حديث ابن عباس وفيه: فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه، مع أنها كانت ثابتة بالأرض، قد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 [ثالث عشر: إلانة الصّخر له صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما إلانة الصخر له، فخرج البخاري في غزوة الخندق، عن عبد الواحد ابن أيمن عن أبيه قال: أتيت جابرا فقال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كيدة شديدة، فجاءوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: هذه كيدة عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم المعلول، فضرب في الكدية فعاد كثيبا أهيل أو أهيم [ (1) ] . الحديث. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: وكان في الخندق أحاديث في تصديق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وتحقيق نبوته، وعاين ذلك المسلمون منه، وكان مما بلغني: أن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما كان يحدث أنه اشتد عليهم في بعض الخندق كدية [ (2) ] فشكوها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثم دعا بما شاء اللَّه أن يدعو به، ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية [ (2) ] ، فقال من حضرها: فو الّذي بعثه بالحق نبيا لا نهالت حتى عادت كالكثيب ما ترد فأسا ولا مسحاة [ (3) ] . وللبيهقي من حديث يونس بن بكير، عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي قال: حدثني أيمن المخزومي قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول: كنا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه كدانة- وهي الجبل- فقلنا: يا رسول اللَّه! إن كدانة قد عرضت فيه، فقال: رشّوا عليها، ثم قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأتاها وبطنه معصوب بحجر من الجوع، فأخذ المعول أو المسحاة فسمّى ثلاثا ثم ضرب، فعادت كثيبا   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 502، حديث رقم (4101) ، باب (30) غزوة الخندق. [ (2) ] الكدية: الأرض الصلبة، والجمع: كدي، وهذا الجمع سمّي به موضع بأسفل مكة، وفي (خ) : «كداية» . [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 174 باب ظهور الكدية والتغلب عليها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 أهيل. الحديث [ (1) ] . وله من حديث يونس عن ابن إسحاق قال: حدّثت عن سلمان قال: ضربت في ناحية من الخندق، فعطف عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو قريب مني، فلما رآني أضرب ورأي شدة المكان عليّ نزل وأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة فلمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب ضربة أخرى فلمعت تحته برقة أخرى، ثم ضرب به الثالثة فلمعت تحته برقة أخرى، فقلت: يا رسول اللَّه! بأبي وأمي، ما هذا الّذي رأيت يلمع تحت المعول وأنت تضرب به؟ فقال: هل رأيت ذلك يا سلمان؟ قلت: نعم، فقال: أما الأولى فإنّ اللَّه عزّ وجلّ فتح عليّ [بها] [ (2) ] اليمن، وأما الثانية فإنّ اللَّه عزّ وجلّ فتح عليّ بها الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن اللَّه فتح عليّ بها المشرق [ (3) ] . قال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم، عن أبي هريرة أنه كان يقول: في زمن عمر وزمن عثمان وما بعده: افتتحوا ما بدا لكم، فو الّذي نفس أبي هريرة بيده، ما افتتحتم من مدينة ولا تفتتحونها إلى يوم القيامة إلا اللَّه عزّ وجل قد أعطى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم مفاتحها. قال البيهقي: وهذا الّذي ذكره محمد بن إسحاق بن يسار من قصة سلمان قد ذكرنا معناه منقولا عن معاذ بن أبي الأسود، عن عروة، ومغازي موسى ابن عقبة [ (4) ] . قال جامعه رحمه اللَّه: وسيأتي لهذا الحديث طرق إن شاء اللَّه. وقال أبو نعيم الأصفهاني رحمه اللَّه: لما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الغار مال برأسه إلى الجبل ليخفي شخصه عنهم، فلين اللَّه الجبل حتى أدخل فيه رأسه، واستروح إلى الجبل من حجر أطم فلان له حتى أثّر فيه بذراعيه وساعده، وذلك مشهور يقصده [الحجاج] يزورونه. وعادت صخرة بيت المقدس كهيئة العجين، فربط دابته، والناس يلتمسون ذلك الموضع إلى اليوم.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 418، ورواه ابن هشام في (السيرة) . [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 418، ورواه ابن هشام في (السيرة) . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 417- 418، وابن هشام في (السيرة) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 وقال محمد بن حزم- وقد ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الغار-: فلما فقدته قريش اتبعته بقائف معروف [فقفا] الأثر حتى وقف عند الغار، فقال: هنا انقطع الأثر، فنظروا فإذا العنكبوت قد نسج على فم الغار من وقته، فأيقنوا أن لا أحد فيه فرجعوا، وفتح اللَّه تعالى في الوقت في جانب الغار بابا واسعا خرجا منه في صخرة صلبة صماء، لا تؤثر فيها المعاول، فأما لها اللَّه عزّ وجل إلى اليوم ظاهرة، لا يشك من رآها أنها لو ردّت لسدت المكان، ولا يختلف أحد أن ذلك الباب لو كان هنالك حينئذ لرأته قريش جهارا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 [رابع عشر: تسبيح الحصا في كفه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما تسبيح الحصا في كفه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البيهقي وغيره، من قريش بن أنس قال: حدثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري، عن رجل يقال له سويد بن يزيد قال: سمعت أبا ذر رضي اللَّه عنه يقول: لا أذكر عثمان إلا بخير، تقدمني رأيته كنت أتتبع خلوات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فرأيته يوما جالسا وحده فاغتنمت خلوته، فجئت حتى جلست إليه، فجاء أبو بكر رضي اللَّه عنه فسلم ثم جلس عن يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم جاء عمر رضي اللَّه عنه فسلم ثم جلس عن يمين أبي بكر رضي اللَّه عنه، ثم جاء عثمان رضي اللَّه عنه فسلم وجلس عن يمين عمر رضي اللَّه عنه، وبين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبع حصيات- أو قال: تسع حصيات- فأخذهن فوضعهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم أخذهن فوضعهن في يد أبي بكر رضي اللَّه عنه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عمر رضي اللَّه عنه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان رضي اللَّه عنه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هذه خرفة نبوة. قال البيهقي: وكذلك رواه محمد بن بشار عن قريش بن أنس عن صالح بن أبي الأخضر، وصالح لم يكن حافظا، والمحفوظ رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كبير السن، كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة، ذكر له فذكر هذا الحديث عن أبي [ (1) ] ذر رضي اللَّه عنه.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6- 64- 65، باب ما جاء في تسبيح الحصيات في كفّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم في كف بعض أصحابه، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 201، فصل ومثل هذا في سائر الجمادات، والخبر ذكره ابن كثير في (البداية والنهاية) عن البيهقي، والسيوطي في (الخصائص الكبرى) ، والطبراني في (الأوسط) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 وخرج أبو نعيم من حديث أبي اليمان قال: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، قال الوليد- وفي رواية: ذكر الوليد بن سويد- أن رجلا من سليم كبير السن ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر أنه بينما هو قاعد يوما في مجلس وأبو ذر في ذلك المجلس، إذ ذكر عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، قال السّلمي: وأنا أظن في نفسي أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لإنزاله إياه بالربذة، فلما ذكر له عثمان عرض له بعض أهل المجلس بذلك، وهو يظن أن في نفسه عليه معتبة، فلما ذكر قال أبو ذر: لا تقل في عثمان إلا خيرا، فإنّي أحبه، لقد رأيت منه منظرا، وشهدت منه مشهدا لا أنساه حتى الموت: كنت رجلا ألتمس خلوات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لأسمع منه ولآخذ، فهجرت يوما من الأيام فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد خرج من بيته، فسألت عنه الخادم فأخبرني أنه في بيت، فأتيته وهو جالس ليس عنده أحد من الناس، وكان حينئذ أرى أنه في وحي، فسلمت عليه فردّ عليّ السلام وقال لي: ما جاء بك، فقلت: جاء بي اللَّه ورسوله، فأمرني أن أجلس فجلست إلى جنبه لا أسأله عن شيء ولا يذكره لي، فمكثت غير كثير ثم جاء أبو بكر رضي اللَّه عنه مسرعا فسلم، فرد السلام ثم قال: ما جاء بك؟ قال: جاء بي اللَّه ورسوله، فأشار إليه بيده أن أجلس إلى ربوة مقابل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الطريق بينه وبينها، حتى إذا استوى أبو بكر جالسا أشار بيده فجلس إلى جنبي عن يميني، ثم جاء عمر رضي اللَّه عنه ففعل مثل ذلك، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك، وجلس إلى جنب أبي بكر على تلك الربوة، ثم جاء عثمان رضي اللَّه عنه فسلم فرد عليه السلام، فقال: ما جاء بك؟ قال: جاء بي اللَّه ورسوله، فأشار إليه بيده فقعد إلى الربوة، ثم أشار إليه فجلس إلى جنب عمر رضي اللَّه عنه فتكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بكلمة لم أفقه غير أنه قال: قليل ما تبقين، ثم قبض على حصيات سبع أو تسع أو قريب من ذلك فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النحل في كف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم ناولهن أبا بكر رضي اللَّه عنه فسبحن في كفه. كما سبحن في كف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم أخذهن منه، فوضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عمر رضي اللَّه عنه فسبحن في كفه كما سبحن في كف أبي بكر رضي اللَّه عنه، ثم أخذهن منه فوضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عثمان رضي اللَّه عنه فسبحن في كفه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 كما سبحن في كف عمر رضي اللَّه عنه، ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن. وقد روى هذا الحديث من وجه آخر عن أبي ذر [ (1) ] . وخرج الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر من حديث عمرو بن حماد الفراهيدي قال: حدثنا محرز الغيّاث عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أخذ سبع حصيات في يده فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد أبو بكر، فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد عمر رضي اللَّه عنه فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد عثمان فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في أيدينا رجلا رجلا فما سبحت حصاه منهن. وذكر من طريق يوسف بن الصباح قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد،   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 431- 432، تسبيح الحصى، حديث رقم (338) ، (339) باختصار شديد. قال الحافظ في (الفتح) : وقد اشتهر تسبيح الحصى، ففي حديث أبي ذر قال: «تناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبع حصيات فسبحن في يده حتى سمعت لهن حنينا، ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن، ثم وضعهن في يد عمر فسبحن، ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن» أخرجه البزار والطبراني في (الأوسط) ، وفي رواية الطبراني: «فسمع تسبيحهن في الحلقة» وفيه «ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا» . قال البيهقي في (الدلائل) : كذا رواه صالح بن أبي الأخضر- ولم يكن بالحافظ- عن الزهري، عن سويد بن يزيد السلمي عن أبي ذر، والمحفوظ ما رواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: «ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كان كبير السن ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر له عن أبي ذرّ بهذا» (فتح الباري) : 6/ 734، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام. فائدة: ذكر ابن الحاجب عن بعض الشيعة: أن انشقاق القمر، وتسبيح الحصى، وحنين الجذع، وتسليم الغزالة، مما نقل آحادا مع توافر الدواعي على نقله، ومع ذلك لم يكذب رواتها، وأجاب بأنه استغنى عن نقلها تواترا بالقرآن. وأجاب غيره بمنع نقلها آحادا، وعلى تسليمه فمجموعها يفيد القطع كما تقدم في أول هذا الفصل، والّذي أقول: إنها كلها مشتهرة عند الناس، وأما من حيث الرواية فليست على حد سواء، فإن حنين الجذع وانشقاق القمر، نقل كل منهما نقلا مستفيضا، يفيد القطع عند من يطلع على طرق ذلك من أئمة الحديث دون غيرهم ممن لا ممارسة له في ذلك. وأما تسبيح الحصى فليست له إلا هذه الطريق الواحدة مع ضعفها وأما تسليم الغزالة فلم نجد له إسنادا لا من وجه قوي ولا من وجه ضعيف، واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) : 734- 735. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 حدثنا سعيد عن الحسن عن أنس قال: تناول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من الأرض سبع حصيات فسبحن في يده، ثم ناولهن أبا بكر رضي اللَّه عنه فسبحن في يده كما سبحن في يد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم ناولهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عمر رضي اللَّه عنه فسبحن في يده كما سبحن في يد أبي بكر، ثم ناولهن عثمان رضي اللَّه عنه فسبحن في يده كما سبحن في يد أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهم أجمعين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 [خامس عشر: تأمين أسكفّة [ (1) ] الباب وحوائط البيت على دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما تأمين أسكفّة الباب وحوائط البيت على دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البيهقي من حديث محمد بن يونس الكديمي [ (2) ] قال: حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن إسحاق بن سعيد بن أبي وقاص الوقاصيّ، حدثنا جدي أبو موسى مالك بن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري، عن أبي أسيد الأنصاري، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه: يا أبا الفضل، لا ترم منزلك غدا أنت وبنوك حتى آتيكم فإن لي فيكم حاجة، فانتظروا حتى جاء [بعد ما أضحى فدخل عليهم] [ (3) ] فقال: السلام عليكم، قالوا: وعليك السلام ورحمة اللَّه وبركاته، قال: كيف أصبحتم؟ قالوا: أصبحنا بخير نحمد اللَّه، فكيف أصبحت بأبينا وأمنا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: أصبحت بخير، أحمد اللَّه، فقال تقاربوا تقاربوا ليزحف بعضكم إلى بعض ثلاثا، حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته وقال: يا رب، هذا عمي وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه، قال: فأمّنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين ... آمين ... آمين [ (4) ] . قال البيهقي: تفرد به عبد اللَّه بن عثمان الوقاصي هذا، وهو ممن سأل عنه عثمان الدارميّ يحيى بن معين فقال: لا أعرفه.   [ (1) ] أسكفة الباب: عتبته. [ (2) ] الكديمي: وضّاع. [ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 71- 72، باب ما جاء في تأمين اسكفة الباب وحوائط البيت على دعاء نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم لعمه العباس رضي اللَّه عنه ولبني عمه إن صحت الرواية، (ضعيف سنن ابن ماجة للألباني) : 299- 300، كتاب الأدب، باب (18) الرجل يقال له: كيف أصبحت، حديث رقم (812- 3711) ، قال الألباني: ضعيف- التعليق على ابن ماجة، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 432- 433 ، باب تأمين اسكفة الباب، حديث رقم (340) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 قال المؤلف رحمه اللَّه: هذا الحديث خرجه ابن ماجة، وعبد اللَّه هذا يروي عن جده لأمه مالك بن حمزة، وصباح الرومي، ويروي عنه إبراهيم بن عبد اللَّه الهروي، وأحمد بن أخي ابن وهب، والكديمي وجملة. قال أبو حاتم: شيخ يروي أحاديث مشتبهة. وقد خرجه ابن ماجة رحمه اللَّه تعالى في الأدب، عن إسحاق ابن إبراهيم بن عبد اللَّه بن حاتم الهروي، عن عبد اللَّه الوقاصي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 [سادس عشر: نبع الماء من بين أصابعه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما نبع الماء من بين أصابعه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث حماد بن زيد عن ثابت، عن أنس رضي اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دعا بماء- وقال البخاري: بإناء من ماء- فأتى بقدح رحراح فيه شيء من ماء فوضع أصابعه فيه، قال أنس رضي اللَّه عنه فجعلت انظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه. قال أنس: فحزرت من توضأ ما بين السبعين إلى الثمانين، وقال مسلم: فأتى بقدح رحراح فجعل القوم يتوضءون فحزرتهم ما بين السبعين إلى الثمانين. ذكره البخاري في كتاب الطهارة في باب الوضوء من التور، وذكره مسلم في أول المناقب. وللبخاريّ من حديث يزيد قال: أخبرنا حميد عن أنس قال: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار إلى أهله [ (3) ] ، وبقي قوم، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمخضب من حجارة فيه ماء، [فوضع كفه] [ (4) ] فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه، [فضم أصابعه فوضعها في المخضب] [ (5) ] فتوضأ القوم كلهم [جميعا] [ (5) ] ، قلت: كم   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 402، كتاب الوضوء، باب (46) الوضوء من التّور، حديث رقم (200) ، رحراح: متسع الفم. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 43، كتاب الفضائل، باب (3) في معجزات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2279) قوله في هذه الأحاديث في نبع الماء من بين أصابعه صلّى اللَّه عليه وسلم وتكثيره، وتكثير الطعام، هذه كلها معجزات ظاهرات، وجدت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مواطن مختلفة، وعلى أحوال متغايرة، وبلغ مجموعها التواتر. وأما تكثير الماء فقد صحّ من رواية أنس، وابن مسعود، وجابر، وعمران ابن الحصين. (المرجع السابق) : 43، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 413، حديث رقم (321) بسياقة أخرى وسند آخر. [ (3) ] في (خ) : «قريب الدار من المسجد يتوضأ» وما أثبتناه من رواية (البخاري) . [ (4) ] زيادة من (خ) . [ (5) ] زيادة من (خ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 كانوا [ (1) ] ؟ قال: ثمانون رجلا [ (1) ] . ذكره في باب علامات النبوة في الإسلام، وذكره [في كتاب] الطهارة في باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، من حديث عبد اللَّه بن بكر قال: حدثنا حميد عن أنس ... الحديث، وقال: فقام من كان قريب الدار من أهله، وقال في آخره: قلنا: كم كنتم؟ قال: ثمانين وزيادة [ (2) ] . وله من حديث عبد الرحمن بن المبارك قال: حدثنا حزم قال: سمعت الحسن [يقول:] حدثنا أنس قال: خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بعض مخارجه ومعه ناس من أصحابه، فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلاة ولم يجدوا ماء يتوضءون، فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فتوضأ ثم مد أصابعه الأربع على القدح ثم قال: قوموا فتوضئوا، فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء، وكانوا سبعين أو نحوه. ذكره في باب علامات النبوة في الإسلام [ (3) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أنه قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحانت [ (4) ] صلاة العصر فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بوضوء فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده في ذلك الإناء [ (5) ] ، وأمر الناس أن يتوضئوا منه، قال: فرأيت الماء   [ (1) ] في (البخاري) : «قال: كم كنتم» ، «ثمانين وزيادة» ، والمخضب، بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الضاد المعجمة: هو الإناء الّذي يغسل فيه الثياب وقد يطلق على الإناء صغيرا أو كبيرا. (فتح الباري) : 1/ 398 كتاب الوضوء باب (45) الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، حديث رقم (195) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 721، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3575) ، والتصويبات، السابقة منه. [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 720- 721، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3574) . [ (4) ] في (خ) : «وجاءت» . [ (5) ] في (خ) : «في ذلك الإناء يده» ، وما أثبتناه من (البخاري) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 ينبع من تحت أصابعه صلّى اللَّه عليه وسلم، [فتوضأ الناس] [ (1) ] حتى توضئوا من عند آخرهم. ذكره البخاري في المناقب [ (2) ] ، وفي الطهارة في باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة [ (3) ] . وخرجه الترمذي في المناقب وقال: حديث حسن صحيح [ (4) ] . وخرج البخاري [ (5) ] ومسلم [ (6) ] من حديث ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة، عن أنس قال: أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم. قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة. وخرج مسلم من حديث معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه بالزوراء قال: والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد فيها، ثم دعا بقدح فيه ماء فوضع كفه فيه فجعل ينبع بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه، قال: قلت: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال: كانوا زهاء الثلاثمائة [ (6) ] . وخرج من حديث [سعيد] عن قتادة عن أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان بالزوراء، فأتى بإناء ماء لا يغمر أصابعه أو قدر ما يواري أصابعه، ثم ذكر نحو حديث هشام [ (7) ] .   [ (1) ] زيادة من (خ) في رواية أخرى. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 720، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام. حديث رقم (3573) . [ (3) ] (فتح الباري) : 1/ 359- 360، كتاب الوضوء، باب (32) التماس الوضوء إذا حانت الصلاة، حديث رقم (169) . [ (4) ] (تحفة الأحوذي) : 10/ 75- 76، أبواب المناقب، باب (31) ، حديث رقم (3874) ، وقال: وفي الباب عن عمران بن حصين، وابن مسعود، وجابر. (قال أبو عيسى) : حديث حسن صحيح. [ (5) ] (فتح الباري) : 6/ 720، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3572) . [ (6) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 44، كتاب الفضائل، باب (3) في معجزات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (6) . [ (7) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 وخرج البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثنا أخي عن سليمان- وهو ابن بلال- عن عبيد اللَّه بن عمر عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى قباء فأتى من بعض بيوتهم بقدح صغير، قال: فأدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يده فلم يسعه القدح، فأدخل أصابعه الأربع ولم يستطع أن يدخل إبهامه ثم قال للقوم: [هلموا] إلى الشراب، قال أنس: بصر عينيّ نبع الماء من بين أصابعه، فلم يزل القوم يردون القدح حتى رووا منه جميعا [ (1) ] . قال البيهقي: هذه الروايات عن أنس تشبه أن يكون كلها خبرا عن واقعة [واحده، وذلك حين خرج إلى قباء، ورواية قتادة عن أنس تشبه أن تكون خبرا عن واقعة أخرى، واللَّه أعلم] [ (2) ] . وخرج عن الرزاق من حديث معمر عن ثابت وقتادة، عن أنس قال: نظر بعض أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وضوءا فلم يجدوا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم هاهنا ماء، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وضع يده في الإناء الّذي فيه الماء، ثم قال: توضئوا باسم اللَّه، قال: فرأيت الماء يفور من بين أصابعه والقوم يتوضئون حتى توضئوا من آخرهم، قال ثابت: قلت لأنس: كم تراهم كانوا؟ قال: نحوا من سبعين [ (3) ] . وخرج البخاري من حديث حصين عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: عطش الناس يوم الحديبيّة والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم بين يديه ركوة، فجهش الناس نحوه، قال: ما لكم؟ قالوا ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم قال: لو كنا مائة ألف لكفانا،   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 123، باب ذكر البيان أن خروج الماء من بين أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان غير مرة، وزيادة ماء البئر ببركة دعائه، كانت له عادة، وكل واحد فيهما دليل واضح من دلائل النبوة. [ (2) ] ما بين الحاصرتين تصويب للسياق من المرجع السابق. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 124، وأخرجه البخاري بنحو منه في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام وقد سبق ذكره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 كنا خمس عشرة مائة. ذكره في باب علامات النبوة [ (1) ] ، وذكره في عمرة الحديبيّة [ (2) ] أيضا، وقال: عن جابر عطش الناس ... الحديث إلى آخره بنحوه، وقال فيه: فجعل الماء يفور، وفيه: كم كنتم يومئذ ... الحديث مثله. وخرج في كتاب الأشربة من حديث الأعمش قال: حدثني سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد اللَّه هذا الحديث قال: قد رأيتني مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وقد حضرت العصر وليس معنا ماء غير فضلة، فجعل في إناء فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم به، فأدخل يده فيه وفرج أصابعه ثم قال: حي على أهل الوضوء والبركة من اللَّه، فلقد رأيت الماء ينفجر من بين أصابعه، فتوضأ الناس وشربوا، فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه، فعلمت أنه بركة. قلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألف وأربعمائة. تابعه عمرو بن دينار عن جابر، وقال حصين عن جابر. ترجم عليه: باب شرب البركة والماء المبارك [ (3) ] . وخرج البيهقي من حديث أبي عوانة، عن الأسود عن قيس عن نبيح [ (4) ] العنزي قال: قال جابر بن عبد اللَّه: غزونا أو سافرنا [ونحن] [ (5) ] مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونحن يومئذ بضع عشرة مائة، فحضرت الصلاة فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هل في القوم من طهور؟ فجاء رجل يسعى باداوة فيها شيء من ماء ليس في القوم ماء غيره، وصب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قدح ثم توضأ فأحسن الوضوء، ثم انصرف وترك القدح، قال: فركب الناس ذلك القدح وقال: تسمحوا تمسحوا، فقال   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 721، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3576) ، جهش: أسرعوا لأخذ الماء. [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 560، كتاب المغازي، باب (36) غزوة الحديبيّة، وقول اللَّه تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18] ، حديث رقم (4152) . [ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 125، كتاب الأشربة، باب (31) ، شرب البركة والماء المبارك، حديث رقم (5639) . [ (4) ] في (خ) : «نباح» وصوبناه من (دلائل البيهقي) ، (تهذيب التهذيب) : 10/ 372، وهو نبيح ابن عبد العنزي أبو عمرو الكوفي. [ (5) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: على رسلكم حين سمعهم يقولون ذلك، قال: فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كفه في الماء والقدح وقال: سبحان اللَّه! ثم قال: أسبغوا الوضوء. فو الّذي ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون: عيون الماء تخرج من بين أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولم يرفعها حتى توضئوا أجمعون [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب بن مجاهد، عن عباد ابن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم [ (2) ] ، فذكر الحديث إلى أن قال: فأتينا العسكر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يا جابر ناد بوضوء، فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال: قلت: يا رسول اللَّه ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الماء في أشجاب له على حمارة من جريد، قال: فقال لي: انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟ قال: فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه. فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسة، فقال: اذهب فأتني به، فأتيته به فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ويغمزه بيده، ثم أعطانيه فقال: يا جابر، ناد بجفنة، فقلت: يا جفنة الركب، فأتيت بها تحمل فوضعتها بين يديه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بيده الجفنة هكذا فبسطها وفرق بين أصابعه ثم وضعها في قعر الجفنة وقال: خذ يا جابر فصب عليّ وقل: باسم اللَّه، فصببت عليه وقلت: باسم اللَّه، فرأيت الماء يتفوّر من بين أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم فأرت الجفنة ودارت حتى أمتلأت، ثم قال: يا جابر، ناد من كان له حاجة بماء، قال: فأتى الناس فاستقوا   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 117- 118، باب ما ظهر في الحديبيّة بخروج الماء من بين أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين لم يكن لأصحابه ماء يشربونه ويتوضئون به من دلالات النبوة، والأشبه أن ذلك كان مرجعهم عام الحديبيّة حين دعا في أزوادهم بالبركة، (سنن الدارميّ) : 13- 14، باب ما أكرم اللَّه به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من تفجير الماء من بين أصابعه باختلاف يسير. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 343، كتاب الزهد والرقاق، باب (18) حديث جابر الطويل، حديث رقم (3006) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 حتى رووا، قال: فقلت: هل بقي أحد له حاجة؟ فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى [ (1) ] . وذكر الحديث. وخرج البيهقي- رحمه اللَّه- من حديث عبد اللَّه بن يزيد المقري قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن نعيم الحضرميّ قال: [ (2) ] سمعت زياد بن الحرث الصّدائي [صاحب رسول اللَّه] [ (3) ] ، يحدث قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فبايعته على الإسلام فذكر الحديث [إلى أن قال] [ (3) ] ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعتشى من أول الليل- أي سار من أول الليل- فلزمته وكنت قويا، وكان أصحابه ينقطعون عنه ويستأخرون، حتى لم يبق معه أحد غيري، فلما كان أذان صلاة الصبح أمرني فأذّنت، فجعلت أقول: أقيم يا رسول اللَّه؟ فجعل ينظر إلى ناحية المشرق إلى الفجر فيقول: لا، حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرّز ثم انصرف إليّ وقد تلاحق أصحابه فقال: هل من ماء يا أخا صداء؟ فقلت: لا، إلا شيء قليل لا يكفيك، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اجعله في إناء ائتني به، ففعلت، فوضع كفه في الماء، قال الصدائي: فرأيت بين إصبعين من أصابعه عينا تفور!! فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لولا أني استحيي من ربي لسقينا واستقينا، ناد في أصحابي من كان له حاجة في الماء، فناديت فيهم، فأخذ من أراد منهم. فذكر الحديث [ (4) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 352- 353، كتاب الزهد والرقاق، باب (18) حديث جابر الطويل، حديث رقم (3013) . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «حدثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: حدثنا زياد بن نعيم الحضرميّ، قال:» . [ (3) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 125- 127، باب ذكر البيان أن خروج الماء من بين أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان غير مرة، وزيادة ماء البئر ببركة دعائه كانت له عادة، وكل واحد منها دليل واضح من دلائل النبوة. والحديث أخرجه أيضا الترمذي في الصلاة، باب ما جاء أن من أذّن فهو يقيم، حديث رقم (199) مختصرا، وأبو داود في الصلاة، باب الرجل يؤذن ويقيم آخر، حديث رقم (514) مختصرا من طريق عبد اللَّه بن عمر بن غانم، ابن ماجة في كتاب الأذان، باب (3) السنة في الأذان، حديث رقم (717) ، ورواه البيهقي في (السنن) : 1/ 381، 1/ 399. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 وخرج الإمام أحمد من حديث أبي كدينة عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم وليس في العسكر ماء، فقال رجل: يا رسول اللَّه ليس في العسكر ماء، قال: هل عندك شيء؟ قال: نعم، فأتى بإناء فيه شيء من ماء، قال: فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أصابعه في فم الإناء، وفتح أصابعه، قال: فلقد رأيت العيون تنبع من بين أصابعه، قال: فأمر بلالا ينادي في الناس: الوضوء المبارك [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللَّه بن مسعود قال: كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا، كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر، فقلّ الماء فقال: اطلبوا فضله من ماء، فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من اللَّه، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. ذكره في باب علامات النبوة [ (2) ] . قال الحفاظ أبو عمر بن عبد اللَّه بن عبد البر: الّذي أوتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من هذه الآية المعجزة، أوضح في آيات الأنبياء وأعلامهم مما أعطي موسى عليه السلام إذ ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتي عشرة عينا، وذلك أن الحجارة مما يشاهد انفجار الماء منها، ولم يشاهد قط أحد من الآدميين يخرج من بين أصابعه الماء إلا نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد برع بنحو ما قلت المزني وغيره. قال الإمام الحافظ أبو نعيم: وهذه الآية من أعجب الآيات أعجوبة، وأجلها معجزة، وأبلغها دلالة، شاكلت دلالة موسى عليه السلام في تفجر الماء من الحجر حين ضرب بعصاه، لا بل هذا أبلغ من الأعجوبة، لأن نبع الماء من بين اللحم والعظم أعظم من خروجه من الحجر، لأن الحجر سنخ [ (3) ] من أسناخ الماء، مشهور في المعلوم، مذكور في المتعارف، وما رئي وما سمع بماء قط في ماضي   [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 416، حديث رقم (2268) ، (دلائل البيهقي) : 4/ 127- 128. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 728، كتاب المناقب، باب (25) دلائل النبوة، حديث رقم (3579) . [ (3) ] السنخ: الأصل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 الدهور نبع وانفجر من أجساد بني آدم، حتى صدر عنه الجم الغفير من الناس والحيوان رواء، وانفجار الماء من الأحجار ليس بمنكر ولا بديع، وخروجه وتفجره من بين الأصابع معجز بديع [ (1) ] . قال المؤلف رحمه اللَّه: وحديث تفجر الماء من بين أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يرتاب في صحته إلا فاسد العقيدة مدخول في دينه، فقد روي من طرق كثيرة عن عشرة من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنهم شاهدوا ذلك، هم: عبد اللَّه بن مسعود، وجابر بن عبد اللَّه، وأبو قتادة، وأنس بن مالك، وعبد اللَّه بن عباس، وأبو ليلى، والبراء بن عازب، وأبو رافع، وعبد اللَّه بن أبي أوفى، وسلمة بن الأكوع، رضي اللَّه عنهم. قال القاضي عياض- رحمه اللَّه- ومثل هذا في هذه المواطن الحفلة، والجموع الكثيرة، لا تتطرق التهمة إلى المتحدث بها، لأنهم كانوا أسرع شيء إلى تكذيبه لما جبلت عليه النفوس من ذلك، لأنهم كانوا ممن لا يسكت على باطل، فهؤلاء قد رأوا هذا وأشاعوه، ونسبوا حضور الجماعة الغفير له، ولم ينكر أحد من الناس عليهم ما حدثوا به عنهم أنهم فعلوه، فصار كتصديق جميعهم له [ (2) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 405، الفصل الحادي والعشرون: في فوران الماء من بين أصابعه صلّى اللَّه عليه وسلم سفرا وحضرا. [ (2) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 188، فصل في نبع الماء بين أصابعه، وتكثيره ببركته صلّى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 [سابع عشر: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في تكثير الماء القليل] وأما ظهور بركته في تكثير الماء القليل الّذي كان في الميضأة، فخرج مسلم من حديث سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت عن عبد اللَّه بن رباح، عن أبي قتادة قال: خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم، وتأتون الماء إن شاء اللَّه غدا، فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد، قال أبو قتادة: فبينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسير حتى ابهارّ [ (1) ] الليل وأنا إلى جنبه. قال: فنعس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمال عن راحلته، فأتيته فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته، قال: ثم سار حتى تهوّر [ (2) ] الليل مال عن راحلته، قال: فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته، قال: ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشد من الأوليين حتى كاد ينجفل، فأتيته فدعمته، فرفع رأسه فقال: من هذا؟ قلت: أبو قتادة، قال: متى كان هذا مسيرك مني؟ قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة، قال: حفظك اللَّه بما حفظت به نبيه، ثم قال: هل ترانا نخفي على الناس؟ ثم قال: هل ترى من أحد؟ قلت: هذا راكب آخر [ثم قلت هذا راكب آخر] [ (3) ] حتى اجتمعنا فكنا سبعة ركب. قال: فمال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الطريق [فوضع رأسه] [ (3) ] ثم قال: احفظوا علينا صلاتنا، فكان أول من استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والشمس في ظهره، قال: فقمنا فزعين، ثم قال: اركبوا، فركبنا فسرنا حتى ارتفعت الشمس، ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء، قال: فتوضأ منها وضوءا دون وضوء، قال:   [ (1) ] ابهارّ الليل: انتصف. [ (2) ] تهوّر الليل: ذهب أكثره. [ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 وبقي فيها شيء من ماء، ثم قال لأبي قتادة: احفظ علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ، ثم أذن بلال بالصلاة، فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ركعتين، ثم صلى الغداة، فصنع كما يصنع كل يوم، قال: وركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وركبنا معه. قال: وجعل بعضنا يهمس إلى بعض: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ ثم قال: ما لكم فيّ أسوة؟ ثم قال: ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها، ثم قال: ما ترون الناس صنعوا؟. قال: ثم قال: أصبح الناس فقدوا نبيهم، فقال أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما: يا رسول اللَّه، بعدكم لم يكن ليخلفكم، وقال الناس: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بين أيديكم، فإن تطيعوا أبا بكر وعمر ترشدوا، قال: فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمى كل شيء وهم يقولون: يا رسول اللَّه! هلكنا عطشا، فقال: لا هلك عليكم، ثم قال: أطلقوا إلي غمري. قال: ودعا بالميضأة، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقيهم، فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة، تكابوا عليها، فقال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أحسنوا الملأ، كلكم سيروى، قال: ففعلوا، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصب وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: ثم صب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال لي: اشرب، فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول اللَّه، فقال: ساقي القوم آخرهم. قال: فشربت وشرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: وأتى الناس الماء جامين [ (1) ] . رواء، قال: فقال عبد اللَّه بن رباح: إني لأحدث هذا الحديث في المسجد الجامع، إذ قال عمران بن حصين: انظر أيها الفتى كيف تحدث، فإنّي أحد الركب تلك الليلة، قال: قلت: فأنت أعلم بالحديث، فقال من أنت؟ قلت: من الأنصار، قال: حدّث فأنت أعلم بحديثكم، قال: فحدثنا القوم، فقال عمران: لقد   [ (1) ] جامين: نشاطا مستريحين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته [ (1) ] . وخرجه البيهقي من حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت عن عبد اللَّه بن رباح، عن أبي قتادة قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر فقال: أن لا تدركوا الماء تعطشوا؟ فانطلق سرعان الناس يريد الماء، ولزمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تلك الليلة، فمالت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم راحلته، فنعس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمال فدعمته فادّعم، ومال فدعمته فادّعم، ثم مال [فدعمته] فادّعم ثم مال حتى كاد أن ينجفل عن راحلته فدعمته فانتبه فقال: من الرجل؟ فقلت: أبو قتادة، فقال: حفظك اللَّه بما حفظت به رسول اللَّه، ثم قال: لو عرسنا، فمال إلى شجرة فنزل فقال: انظر هل ترى أحدا؟ فقلت: هذا راكب، هذا راكبان، حتى بلغ سبعة، فقال: احفظوا علينا صلاتنا. قال: فنمنا فما أيقظنا إلا حرّ الشمس، فانتبهنا فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وسار وسرنا هنيهة ثم نزل فقال: أمعكم ماء؟ فقلت: نعم ميضأة فيها شيء من ماء، قال: فأتني بها فأتيته بها فقال: صبوا منها، فتوضأ القوم وبقي في الميضأة جرعة فقال: ازدهر بها يا أبا قتادة، فإنه سيكون لها شأن. ثم أذن بلال فصلى الركعتين قبل الفجر، ثم ركب وركبنا، فقال بعضنا لبعض: فرطنا في صلاتنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما تقولون؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإليّ، قلنا: يا رسول اللَّه! فرطنا في صلاتنا، قال لا تفريط في النوم، إنما التفريط في اليقظة، فإذا كان ذلك فصلوها من الغد لوقتها، ثم قال: ظنوا بالقوم فقلنا: إنك قلت بالأمس: أن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا، فأتى الناس الماء، فقال: أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم. فقال بعض القوم: إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا، فأتى الناس الماء وفي القوم أبو بكر وعمر قالا: أيها الناس، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يكن ليسبقكم إلى   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) 5/ 1910- 193، كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب (55) قضاء الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، حديث رقم (681) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 الماء ويخلّفكم، وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا- قالها ثلاثا- فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللَّه! هلكنا عطشا، انقطعت الأعناق، قال: لا هلاك عليكم اليوم، ثم قال: يا أبا قتادة، ائتني بالميضأة، فأتيته بها، فقال: حل لي عن غمري- يعني قدحه- فحللته فأتيته به، فجعل يصب فيه ويسقي الناس، فقال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أحسنوا الملأ فكلكم سيصدر عن ري، فشرب القوم حتى لم يبق غيري ورسول اللَّه، فصب لي فقال: اشرب يا أبا قتادة، قلت: اشرب أنت يا رسول اللَّه، فقال: إن ساقي القوم آخرهم، فشربت ثم شرب بعدي، وبقي في الميضأة نحو مما كان فيها، وهم يومئذ ثلاثمائة ... الحديث. قال حماد: وحدثنا حميد عن بكر بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن رباح، عن أبي قتادة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مثله وزاد فيه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا عرس وعليه ليل توسد يمينه، فإذا عرس قرب الصبح وضع رأسه على كفه اليمنى وأقام ساعده [ (1) ] . وخرجه أيضا من طريق الحافظ أبي أحمد عبد اللَّه بن عدي قال: أخبرنا أبو يعلي، حدثنا شيبان بن سعيد بن سليمان- يعني الضّبعيّ- حدثنا أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جهز جيشا إلى المشركين فيهم أبو بكر رضي اللَّه عنه، فقال لهم: اغذوا السير، فإن بينكم وبين المشركين ماء، إن سبق المشركون إلى ذلك الماء شق على الناس وعطشتم عطشا شديدا أنتم ودوابكم، قال: وذكر الحديث [ (2) ] . قال البيهقي: وتمام الحديث فيما ذكر شيخنا أبو عبد اللَّه الحافظ، عن أبي محمد المزني، عن أبي يعلى بهذا الإسناد، وقال تخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في ثمانية أنا تاسعهم، قال لأصحابه: هل لكم أن نعرّس قليلا ثم نلحق بالناس؟ قالوا: نعم   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 132- 134، باب حديث الميضأة وما ظهر في ذلك من آثار النبوة ودلالات الصدق. [ (2) ] المرجع السابق: 134- 135. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 يا رسول اللَّه، فعرسوا فما أيقظهم إلا حرّ الشمس، فاستيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، واستيقظ أصحابه فقال لهم: تقدموا واقضوا حاجتكم، ففعلوا ورجعوا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال لهم: هل مع أحد منكم ماء؟ قال رجل منهم: يا رسول اللَّه. معي ميضأة فيها شيء من ماء، قال: جيء بها، فأخذها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمسحها بكفه ودعا بالبركة فيها، فقال لأصحابه: تعالوا فتوضئوا، فجاءوا فجعل يصبّ عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى توضئوا، وأذن رجل منهم وأقام، فصلى بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال لصاحب الميضأة: ازدهر بميضأتك فسيكون لها نبأ. وركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل الناس وقال لأصحابه: ما ترون الناس فعلوا؟ قال: اللَّه ورسوله أعلم، فقال لهم: فيهم أبو بكر وعمر وسيرشد الناس، وقد سبق المشركون إلى ذلك الماء فشق على الناس وعطشوا عطشا شديدا، ركائبهم ودوابهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أين صاحب الميضأة؟ قال: هو ذا يا رسول اللَّه، قال جئني بميضأتك، فجاء بها وفيها شيء من ماء، فقال لهم: تعالوا فاشربوا، فجعل يصب لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى شرب الناس كلهم، وسقوا دوابهم وركائبهم، وملئوا كل إداوة وقربة ومزادة، ثم نهض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه إلى المشركين، فبعث اللَّه ريحا، فهرب وجوه المشركين، وأنزل اللَّه نصره وأمكن من أدبارهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا أسارى واستاقوا غنائم كثيرة، فرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والناس وافرين صالحين [ (1) ] . وقال الواقدي: حدثني [عبد اللَّه بن عبد] [ (2) ] العزيز أخو عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد اللَّه بن أبي صعصعة المازني، عن خلاد بن سويد عن أبي قتادة قال: بينا نحن نسير مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الجيش ليلا وهو قافل من تبوك وأنا معه، إذ خفق خفقة وهو على راحلته، فمال على شقة فدنوت منه فدعمته، فانتبه فقال: من هذا؟ قلت: أبو قتادة يا رسول اللَّه، خفت أن تسقط فدعمتك، فقال: حفظك اللَّه كما حفظت رسوله، ثم سار غير كثير ففعل مثلها فدعمته فانتبه فقال:   [ (1) ] المرجع السابق: 134- 135. [ (2) ] زيادة للنسب من (مغازي الواقدي) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 يا أبا قتادة، هل لك في التعريس؟ فقلت: ما شئت يا رسول اللَّه، فقال: انظر من خلفك، فنظرت فإذا رجلان أو ثلاثة، فقال: ادعهم، فقلت: أجيبوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجاءوا فعرّسنا ونحن خمسة برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وبقي إداوة فيها ماء وركوة لي أشرب فيها، فما انتبهنا إلا بحر الشمس، فقلت: إنا للَّه! فاتنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لنغيظن الشيطان كما غاظنا، فتوضأ من الإداوة ففضل فضلة فقال: يا أبا قتادة، احتفظ بما في الإداوة والركوة فإن لها شأنا، ثم صلى بنا الفجر بعد طلوع الشمس، فقرأ بالمائدة، فلما انصرف من الصلاة قال: أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا، وذلك أن أبا بكر وعمر رضي اللَّه عنهما أرادا أن ينزلا بالجيش على الماء فأبوا عليهما، فنزلوا بفلاة من الأرض على غير ماء بفلاة من الأرض، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلحق الجيش عند زوال الشمس ونحن معه، وقد كادت تقطع أعناق الرجال والدواب عطشا، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالركوة فأفرغ ما في الإداوة فيها، فوضع أصابعه عليها، فنبع الماء من بين أصابعه، وأقبل الناس فاستقوا وفاض الماء حتى رووا هم ورواحلهم [ (1) ] ، وكان في العسكر اثنى عشر ألف بعير، ويقال: خمسة عشر ألف بعير، والناس ثلاثون ألفا، والخيل عشرة آلاف. وذلك قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأبي قتادة: احتفظ بالركوة والإداوة [ (2) ] .   [ (1) ] في (مغازي الواقدي) : «حتى تروّوا وأرووا خيلهم وركابهم» . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1040- 1041. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 [ثامن عشر: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في مزادتي [ (1) ] المرأة] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في مزادتي المرأة، فخرج البخاري ومسلم من حديث سلم بن زرير العطاردي قال: سمعت أبا رجاء العطاري عن عمران بن حصين قال: كنت مع نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مسيرته، فأدلجنا ليلتنا حتى إذا كان في وجه الصبح عرّسنا، فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس- وقال البخاري حتى ارتفعت الشمس- قال: فكان أول من استيقظ منا أبو بكر رضي اللَّه عنه، وكنا لا نوقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من منامه إذا نام حتى يستيقظ، ثم استيقظ عمر رضي اللَّه عنه فقام عند نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رفع رأسه ورأى الشمس قال: ارتحلوا، فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة، فاعتزل رجل من القوم ولم يصل معنا، فلما انصرف قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا فلان! ما منعك أن تصلي معنا؟ فقال: يا نبي اللَّه أصابتني جنابة، فأمره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فتيمم بالصعيد فصلى، ثم عجلني في ركب بين يديه، نطلب الماء وقد عطشنا عطشا شديدا، فبينما نحن نسير، إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين [ (1) ] ، فقلنا لها: أين الماء؟ قلت: أيهاه أيهاه [ (2) ] ، لا ماء لكم، قلنا: فكم بين أهلك وبين الماء؟ قالت مسيرة يوم وليلة، قلنا: انطلقي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قالت: وما رسول اللَّه؟ فلم نملكها من أمرها شيئا حتى انطلقنا بها، فاستقبلنا بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فسألها فأخبرته مثل الّذي أخبرتنا به، وأخبرته أنها مؤتمة لها   [ (1) ] المزادتان: حمل البعير، سميت مزادة لأنه يزاد فيها من جلد آخر من غيرها. [ (2) ] أيهاه أيهاه: بمعنى هيهات هيهات، ومعناه: البعد من المطلوب واليأس منه، كما قالت بعده: لا ماء لكم، أي ليس لكم ماء حاضر ولا قريب، وفي هذه اللفظة بضع عشرة لغة ذكرها الإمام النووي كلها مفصّلة، واضحة متقنة، مع شرح معناها وتصريفها، وما يتعلق بها، في (تهذيب الأسماء واللغات) : 4/ 185- 188، فليراجع لك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 صبيان أيتام، فأمر بروايتيها فأنيخت، فمجّ في العزلاوين العلياوين [ (1) ] ، ثم بعث براويتها فشربنا ونحن أربعون رجلا عطاش حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وإداوة، وغسّلنا صاحبنا [ (2) ] ، غير أنا لم نسق بعيرا وهي تكاد تنضرج [ (3) ] من الماء- يعني المزادتين- ثم قال: هاتوا ما كان عندكم، فجمعنا لها من كسر وتم، وصرّ لها صرّة فقال لها: اذهبي فأطعمي هذا عيالك، واعلمي أنا لم نرزأ من مائك، فلما أتت أهلها قالت: لقد لقيت أسحر البشر أو أنه نبي كما زعم، كان من أمره ذيت وذيت، فهدى اللَّه ذلك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا [ (4) ] . اللفظ لمسلم، ذكره في كتاب الطهارة [ (5) ] ، وهو أتم من لفظ البخاري وأكثر. وقال البخاري في حديثه: فاستيقظ عمر فقعد أبو بكر عند رأسه فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فنزل وصلى بنا الغداة، فاعتزل رجل. وقال فيه: فقلنا لها: أين الماء؟ فقالت: إنه لا ماء، ولم يقل: أيهاه أيهاه، ولم يقل فيه: غسلنا صاحبنا، وقال فيه: وهي تكاد من الماء. ذكره في باب علامات النبوة [ (6) ] . وأخرجاه من حديث عوف بن أبي جميلة الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي، عن عمران بن الحصين قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر، فسرنا ليلة حتى إذا كنا من آخر الليل قبيل الصبح، وقعنا تلك الوقعة التي لا وقعة عند المسافر أحلى منها، فما أيقظنا إلا حر الشمس. وساق الحديث بنحو حديث سلم بن زرير،   [ (1) ] العزلاء بالمد: هو المشعب الأسفل للمزادة الّذي يفرغ منه الماء، ويطلق أيضا على فمها الأعلى. [ (2) ] يعني الجنب: وفيه دليل على أن المتيمم عن الجنابة إذا أمكنه استعمال الماء اغتسل. [ (3) ] تنضرج: تتشقق. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 194- 196، كتاب المساجد ومواضع الصلاة فيها، باب (55) قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها، حديث رقم (862) . [ (5) ] كذا في (خ) ، والصواب ما أثبتنا في التعليق السابق. [ (6) ] (فتح الباري) : 6/ 719- 720، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3571) ، (فتح الباري) : 1/ 589- 590، كتاب التيمم، باب (6) الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء، حديث رقم (344) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 وزاد ونقص، وقال في الحديث: فلما استيقظ عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه رأى ما أصاب الناس- وكان أجوف جليدا- فكبر ورفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لشدة صوته بالتكبير، فلما استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شكوا إليه الّذي أصابهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا ضير، ارتحلوا، واقتصّ الحديث. لم يزد مسلم على هذا [ (1) ] . وخرجه البخاري من حديث عوف قال، حدثنا أبو رجاء عن عمران قال: كنا في سفر مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة، ولا وقعة عند المسافر أحلى منها، فما أيقظنا إلا حر الشمس، فكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان يسميهم أبو رجاء، فنسي عوف ثم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه الرابع، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو المستيقظ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس- وكان رجلا جليدا فكبر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما استيقظ صلّى اللَّه عليه وسلم شكوا إليه الّذي أصابهم فقال: لا ضير أو لا يضير، ارتحلوا فارتحل، فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة بالناس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصلّ مع القوم، فقال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك، ثم سار رسول اللَّه فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل فدعا فلانا، - كان يسميه أبو رجاء، نسيه عوف- ودعا عليا رضي اللَّه عنه فقال: اذهبا فابتغيا الماء، فانطلقا فلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة ونفرنا خلوفا، قالا لها: انطلقي إذا، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قالت إلى الّذي يقال له الصابيء؟ قالا: هو الّذي تعنين، فانطلقي، فجاءا بها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.. وحدثنا الحديث. قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 197، كتاب المساجد ومواضع الصلاة فيها باب (55) ، قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها، الحديث الّذي يلي الحديث رقم (862) من أحاديث الباب بدون رقم: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين وأوكأ أفواههما، وأطلق العزالي ونودي في الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من شاء واستقى من شاء وأعطى، وكان آخر ذاك أن أعطى الّذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال: اذهب فأفرغه عليك، وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها، وأيم اللَّه لقد أقلع عنها، وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أجمعوا لها، فجمعوا لها ما بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما فجعلوها في ثوب وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، قال لها: تعلمين ما رزئنا من مائك شيئا ولكن اللَّه هو الّذي أسقانا، فأتت أهلها- وقد احتبست عنهم- قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب! لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الرجل الّذي يقال له الصابيء، ففعل كذا وكذا، واللَّه إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه، وقالت بإصبعيها الوسطى، والسبابة، فرفعتهما إلى السماء تعنى السماء والأرض، أو إنه لرسول اللَّه حقا، فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين، ولا يصيبون الصّرم الّذي هي منه، فقالت يوما لقومها: ما أدري أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدا، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام [ (1) ] . وخرج عبد الرزاق من حديث معمر، عن عوف عن أبي رجاء، عن عمران قال: سرى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر هو وأصحابه، قال: فأصابهم عطش شديد، فأقبل رجلان من أصحابه- قال: أحسبه عليا والزبير رضي اللَّه عنهما أو غيرهما- قال: إنكما ستجدان امرأة بمكان كذا وكذا، معها بعير عليه مزادتان فأتيا بها، قال: فأتيا المرأة فوجداها قد ركبت بين مزادتين على البعير، فقالا لها: أجيبي رسول اللَّه، قالت: ومن رسول اللَّه؟ أهذا الصابيء؟ قالا: هو الّذي تعنين وهو رسول اللَّه حقا، فجاءا بها، فأم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فجعل في إناء من مزادتيها ثم قال فيه ما شاء اللَّه أن يقول، ثم أعاد الماء في المزادتين ثم أمر بعزلاء المزادتين ففتحتا، ثم أمر الناس فملئوا آنيتهم وأسقيتهم، فلم يدعوا يومئذ إناء ولا سقاء إلا ملئوه، قال عمران:   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 589- 590، كتاب التيمم، باب (6) الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء، حديث رقم (344) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 فكان يخيل إليّ أنها لم تزدد إلا امتلاء. قال: فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بثوبها فبسط، ثم أمر أصحابه فجاءوا من زادهم حتى ملئوا لها ثوبها، ثم قال لها: اذهبي فإنا لم نأخذ من مائك شيئا، ولكن اللَّه عزّ وجلّ سقانا، قال فجاءت أهلها فأخبرتهم فقالت: جئت من عند أسحر الناس أو أنه لرسول اللَّه حقا، قال: فجاء أهل ذلك الصّرم [ (1) ] حتى أسلموا كلهم. وخرج البيهقي رحمه اللَّه من حديث يونس بن بكير، عن عباد بن منصور الناجي قال: حدثني أبو رجاء العطاردي، عن عمران بن حصين، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج في سبعين راكبا فسار بأصحابه، وأنهم عرّسوا قبل الصبح، فنام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه حتى طلعت الشمس، فاستيقظ أبو بكر رضي اللَّه عنه فرأى الشمس قد طلعت فسبّح وكبّر، كأنه كره أن يوقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى استيقظ عمر رضي اللَّه عنه، فاستيقظ رجل جهير الصوت، فسبح وكبر ورفع صوته جدا، حتى استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رجل من أصحابه: يا رسول اللَّه! فاتتنا الصلاة، قال: لم تفتكم، ثم أمرهم فركبوا وساروا هنيهة، ثم نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ونزلوا معه، وكأنه كره أن يصلي في المكان الّذي نام فيه عن الصلاة، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ائتوني بماء، فأتوه بجريعة من ماء في مطهرة، فصبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في إناء ثم وضع يده في الماء ثم قال لأصحابه: توضئوا، فتوضأ قريب من سبعين رجلا، ثم أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن ينادى بالصلاة، فنودي بها، ثم قام فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما انصرف إذا رجل من أصحابه قائم، فلما رآه قال له: ما منعك أن تصلي؟ قال: يا رسول اللَّه أصابتني جنابة، قال: فتيمم بالصعيد، فإذا فرغت فصل، وإذا أدركت الماء فاغتسل.   [ (1) ] الصّرم: الأبيات المجتمعة من الناس، وقال الحافظ في (الفتح) : وفي هذه القصة مشروعية تيمم الجنب، وفيها جواز الاجتهاد بحضرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن سياق القصة يدل على أن التيمم كان معلوما عندهم، ولكنه صريح في الآية عن الحدث الأصغر، بناء على أن المراد بالملامسة ما دون الجماع، وأما الحدث الأكبر فليست صريحة فيه. فكأنه كان يعتقد أن الجنب لا يتيمم، فعمل بذلك مع قدرته على أن يسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عن هذا الحكم، ويحتمل أنه كان لا يعلم مشروعية التيمم أصلا، فكان حكمه حكم فاقد الطهورين، ويؤخذ من هذه القصة أن للعالم إذا رأى محتملا أن يسأل فاعله عن الحال فيه ليوضح له وجه الصواب، وفيه التحريض على الصلاة في الجماعة، وفيه حسن الملاطفة، والرّفق في الإنكار. مختصرا من (فتح البخاري) : 1/ 594. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 وأصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه لا يدرون أين الماء منهم، فبعث عليا رضي اللَّه عنه معه نفر من أصحابه يطلبون له الماء، فانطلق في نفر فسار يومه وليلته، ثم لقي امرأة على راحلة بين مزادتين، فقال لها علي رضي اللَّه عنه: من أين أقبلت؟ فقالت: [إني استقيت] [ (1) ] لأيتام، فلما قالت له وأخبرته أن بينه وبين الماء مسيرة ليلة وزيادة على ذلك، قال عليّ واللَّه لئن انطلقنا لا نبلغ حتى تهلك دوابّنا ويهلك من هلك منا، ثم قال: ننطلق بهاتين المزادتين إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى ينظر في ذلك، فلما جاء عليّ وأصحابه، وجاءوا بالمرأة على بعيرها بين مزادتين، قال عليّ: يا رسول اللَّه، بأبي وأمي، إنا وجدنا هذه بمكان كذا وكذا، فسألتها عن الماء فزعمت أن بينها وبين الماء مسيرة ليلة وزيادة، فظننا أن لم نبلغه حتى يهلك منا من هلك. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنيخوا لها بعيرها، فأناخوا لها بعيرها، فأقبلت عليهم فقالت: استقيت لأيتام وقد احتبست عنهم جدا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ائتوني بإناء، فقال: افتحوا عزلاء هذه المزادة فخذوا منها ماء يسيرا، ثم افتحوا عزلاء هذه فخذوا منها ماء يسيرا أيضا ففعلوا، ثم إن رسول اللَّه دعا فيه وغمس يده فيه وقال: افتحوا لي أفواه المزادتين ففتحوا، فحثا في هذه قليلا وفي هذه قليلا ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لأصحابه: اشربوا، فشربوا حتى رووا، ثم قال: اسقوا ظهرهم، فسقوا الظهر حتى روى، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هاتوا ما كان لكم من قربة أو مطهرة فاملئوها، فجاءوا بقربهم ومطاهرهم فملئوها، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شدوا عزلاء هذه وعزلاء هذه ثم قال: ابعثوا البعير فبعثوها، فنهضت وإن المزادتين لتكادان تقطران من ملئهما. ثم أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كساء المرأة ثم قال لأصحابه: هاتوا ما كان عندكم من شيء، فجعلوا يجيئون بالكسرة، من الخبز والشيء من التمر حتى جمع لها، ثم أخذ كساءها ذلك فشده ثم دفعه إليها ثم قال: خذي هذه لأيتامك، وهذا ماؤك وافرا.   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 فجعلت تعجب مما رأت، ثم انطلقت حتى أتت أهلها فقالوا: [قد] [ (1) ] احتبست علينا! فما حبسك؟ قالت: حبسني أني رأيت عجبا من العجب، أرأيتم مزادتي هاتين؟ فو اللَّه لقد شرب منها قريب من سبعين نفرا، وأخذوا من القرب والمزاد والمطاهر ما لا أحصي، ثم لهما الآن أوفر منهما يومئذ، فلبثت شهرا أو نحوا من ذلك عند أهلها، ثم أقبلت في ثلاثين راكبا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأسلمت وأسلموا [ (2) ] . قال المؤلف- عفى اللَّه عنه-: وقد اختلف في نوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن صلاة الصبح في سفره، فروى مالك في (الموطأ) عن زيد بن أسلم أنه قال: عرّس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليلة بطريق مكة، ووكل بلالا أن يوقظهم للصلاة ... ، الحديث [ (3) ] . قال ابن عبد البر: وأظنها قصة واحدة لم يعرض إلا مرة واحدة فيما تدل عليه الآثار، واللَّه أعلم أن بعضها فيه مرجعه من حنين، وبعضها فيه مرجعه من خيبر، لذلك قال ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب في حديثه هذا هو أقوى ما يروى في ذلك، وهو الصحيح إن شاء اللَّه. وفي حديث ابن مسعود: من يوقظنا؟ فقلت: أنا أوقظكم، وليس في ذلك دليل على أنها غير قصة بلال، لأنه لم يقل له أيقظنا، ويحتمل أن لا يجيبه إلى ذلك ويأمر بلالا. وقال ابن مسعود في هذا الحديث زمن الحديبيّة، وهو زمن واحد في عام واحد، لأنه منصرفه من الحديبيّة مضى إلى خيبر في عامه ذلك ففتحها اللَّه عليه، وفي الحديبيّة نزلت: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً [ (4) ] يعني خيبر، وكذلك فتحها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على أهل الحديبيّة.   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 279- 281، باب ذكر حديث عمران بن حصين وما ظهر في خبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عن صاحبة المزادتين، ثم في ماء المزادتين حين أتي به وفي بقية الماء التي كانت معه من علامات النبوة ودلالات الصدق. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 273. [ (4) ] الفتح: 20. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 وروى خالد بن شمير [ (1) ] عن عبد اللَّه بن رباح عن أبي قتادة في هذا الحديث أنه كان في جيش الأمراء، وهذا وهم عند الجميع، لأن جيش الأمراء كان في غزاة مؤتة، وكانت سرية لم يشهدها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كان الأمير عليها زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبد اللَّه بن رواحة، وفيها قتلوا- رضي اللَّه عنهم- وقد روى هذا الحديث ثابت البناني وسليمان التيمي عن عبد اللَّه بن رباح على غير ما رواه خالد بن شمير [ (1) ] ، وما قالوه فهو عند العلماء الصواب دون ما قاله خالد ابن شمير، وقد قال عطاء بن يسار أنها كانت في غزوة تبوك وهذا لا يصح، والآثار الصحاح على خلاف قوله مسندة ثابتة وقوله مرسل. ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني سعيد بن إبراهيم، عن عطاء ابن يسار أنها غزوة تبوك، وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمر بلالا فأذن في [العسكر] [ (2) ] ، ثم مشوا قليلا ثم أقام فصلوا الصبح. وقال البيهقي: وقد روينا عن يونس بن بكير عن المسعودي هذه القصة، بعد ذكر نزول سورة الفتح مرجعهم من الحديبيّة، فيشبه أن يكون التاريخ لنزول السورة دون هذه القصة، فإن كان التاريخ لهما جميعا فيشبهه، واللَّه أعلم أن يكون نومهم عن الصلاة وقع مرجعهم من الحديبيّة ثم وقع مرجعهم من خيبر، وقد روى عمران ابن حصين وأبو قتادة الأنصاري نومهم عن الصلاة وذكرا في تلك القصة حديث الميضأة، فلا أدري أكان ذلك مرجعهم من الحديبيّة أو مرجعهم من خيبر أو وقتا آخر [ (3) ] . قال: وقد زعم الواقدي في قصة أبي قتادة أنها كانت مرجعهم من غزوة تبوك، وروى زافر بن سليمان عن شعبة عن جامع بن شداد في قصة ابن مسعود أن   [ (1) ] في (خ) «خالد بن سمير» ، وصوبناه من (تهذيب التهذيب) : 3/ 84، وهو خالد بن شمير السدوسي البصري. [ (2) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق. [ (3) ] ثم قال الإمام البيهقي بعد ذلك: «واستخرت اللَّه تعالى في استخراج حديثهما هاهنا، فوقعت الخيرة على ذلك. وباللَّه التوفيق» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 ذلك كان في غزوة تبوك. واللَّه تعالى أعلم [ (1) ] . وقال الواقدي رحمة اللَّه عليه: وكان في تبوك أربعة أشياء، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسير منحدرا إلى المدينة وهو في قيظ شديد، عطش العسكر بعد المرتين الأوليين عطشا شديدا حتى لا يوجد للشّفة ماء قليل ولا كثير، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأرسل أسيد بن الحضير في يوم صائف وهو متلثم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: عسي أن تجد لنا ماء، فخرج أسيد وهو بين الحجر وتبوك فجعل يضرب في كل وجه، فيجد راوية من ماء امرأة من بلى، فكلمها أسيد فخبرها خبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد وصفت لهم الماء، وبينهم وبين الطريق هنية، فلما جاء أسيد بالماء دعا فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، بالبركة ثم قال: هلموا أسقيتكم، فلم يبق معهم شيئا إلا ملئوه، ثم دعا بركابهم وخيولهم فسقوها حتى نهلت [ (2) ] . ويقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمر بما جاء به أسيد فصبه في قعب عظيم من عساس [ (3) ] أهل البادية، فأدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيه يديه، وغسل وجهه ويديه ورجليه، ثم صلى [ركعتين] [ (4) ] ، ثم رفع يديه مدا ثم انصرف، وإن القعب ليفور، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للناس: زوّدوا، فاتسع الماء وانبسط حتى يصف عليه المائة والمائتان فأرووا وإن القعب ليجيش بالرّواء، ثم راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [مبردا] [ (4) ] متروّيا من الماء. قال الواقدي: وحدثني أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبي [سهل] [ (5) ] عن عكرمة قال: خرجت الخيل في كل وجه يطلبون الماء، فكان أول من طلع به وبخبره صاحب فرس أشقر، ثم الثاني أشقر، ثم الثالث أشقر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ بارك في الشّقر [ (6) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 275. [ (2) ] في (خ) : «حتى فصلت» ، وما أثبتناه من (مغازي الواقدي) . [ (3) ] العساس: جمع العس، وهو القدح الكبير. (النهاية) : 2/ 95. [ (4) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) . [ (5) ] في (خ) : «إسماعيل» وصوبناه من المرجع السابق. [ (6) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1041- 1042. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 [تاسع عشر: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في الماء بالحديبية] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في الماء بالحديبية، فخرج البخاري من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق، عن البراء رضي اللَّه عنه [ (1) ] قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة [ (2) ] ، وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبيّة، كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أربع عشر مائة، والحديبيّة بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ، ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها، فتركناها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا [ (3) ] ، وفي رواية قال: نزلنا يوم الحديبيّة وهي بئر فوجدنا الناس قد نزحوها فلم يدعوا فيها قطرة، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، فدعا بدلو فنزع منها ثم أخذ منه بفيه فمجه، ودعا اللَّه فكثر ماؤها حتى صدرنا وركائبنا ونحن أربع عشرة مائة [ (4) ] . وخرج مسلم من حديث عكرمة بن عمار العجليّ عن سلمة بن الأكوع قال: أخبرني أبي قال: قدمنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الحديبيّة ونحن أربع عشرة مائة وعليها خمسون شاة لا ترويها، قال: فقعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على جبا الركية، فإمّا دعا وإمّا بصق فيها فجاش، فسقينا واستقينا [ (5) ] . وللبخاريّ من حديث معمر قال: أخبرني الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة، وهارون يصدق كل منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم زمن الحديبيّة فذكر الحديث إلى أن قال: فعدل عنهم حتى نزل   [ (1) ] في (خ) : «عن أنس» وما أثبتناه من البخاري. [ (2) ] في (خ) : «بعد أن تم لنا الفتح فتح مكة» . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 559، كتاب المغازي، باب (36) غزوة الحديبيّة، وقول اللَّه تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18] ، حديث رقم (4147) . [ (4) ] المرجع السابق، حديث رقم (4148) باختلاف يسير. [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 416، كتاب الجهاد والسير، باب (45) غزوة ذي قرد وغيرها، حديث رقم (1807) ، وهذا المقطع جزء صغير من حديث طويل جدا، وجبا الركية: يعني حول البئر، وجاشت: ارتفعت وفاضت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 لهم فيه، قال: فو اللَّه ما زال يجيش بالري حتى صدروا عنه [ (1) ] . وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: حدثنا الزهري عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم، ولمسور بن مخرمة أنهما حدثاه جميعا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج يريد زيارة البيت لا يريد حربا، فذكر الحديث وقال فيه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أيها الناس انزلوا، فقالوا: يا رسول اللَّه ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس، فأخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فقال له: انزل في بعض هذه القلب [ (2) ] فاغرزه في حرفه، ففعل، فجاش بالماء والرواء حتى ضرب الناس [عنه] [ (3) ] بعطن [ (4) ] . وخرج البيهقي من حديث ابن لهيعة قال: حدثنا أبو الأسود قال: قال عروة: فذكر خروج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: وخرجت قريش من مكة فسبقوه إلى بلدح وإلى الماء فنزلوا عليه، فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قد سبق نزل على الحديبيّة وذلك في حر شديد وليس بها إلا بئر واحدة، فأشفق القوم من الظمأ، والقوم كثير، فنزل فيها رجال يميجونها، ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بدلو من ماء فتوضأ في الدلو ومضمض فاه ثم مج فيها وأمر أن يصب في البئر، ونزع سهما من كنانته فألقاه في البئر، ودعا اللَّه ففارت بالماء، حتى جعلوا يغترفون بأيديهم وهم جلوس على شفتيها [ (5) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 412- 413، كتاب الشروط، باب (5) الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، حديث رقم (2731) ، (2732) ، (مسند أحمد) : 5/ 430- 431، حديث رقم (18449) من حديث المسور بن مخرمة، (عون المعبود) : 8/ 317، كتاب الجهاد، باب (167) في صلح العدو، حديث رقم (2762) ، رواه أبو داود مختصرا ولم يذكر فيه معجزة تكثير الماء، قال الخطابي: «ثمد» بفتح المثلثة والميم، أي حفيرة فيها ماء مثمود، أي قليل الماء، وقوله: «قليل الماء» : تأكيد لدفع توهم أن يراد لغة من يقول: إن الثمد الماء الكثير. [ (2) ] القلب: جمع قليب، وهو البئر. [ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 111- 112، باب ما ظهر في البئر التي دعا فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهي الحديبيّة من دلالات النبوة، والعطن برك الإبل. [ (5) ] المرجع السابق: 112. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 وقال ابن إسحاق رحمه اللَّه: حدثني بعض أهل العلم عن رجال من أسلم، أن الّذي نزل البئر بسهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ناجية بن جندب الأسلمي صاحب بدن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد زعم بعض أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول: أنا الّذي نزلت بسهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: وأنشدت أسلم أبيات شعر قالها ناجية، فزعمت أسلم أن جارية من الأنصار أقبلت بدلوها- وناجية في القليب يميح [ (1) ] [علي] [ (2) ] الناس: فقالت: يا أيها المائح دلوي دونكا ... إني رأيت الناس يحمدونكا [يثنون خيرا ويمجدونكا] [ (2) ] فقال ناجية وهو في القليب يميح على الناس: قد علمت جارية يمانية ... أنى أنا المائح واسمي ناجية وطعنة [ (3) ] ذات رشاش واهيه ... طعنتها تحت صدور العادية وذكر موسى بن عقبة أن الّذي نزل في البئر خلّاد بن عبّاد الغفّاري، ودلّاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعمامته [فماح في البئر] [ (2) ] فكثر الماء حتى روى الناس، ويقال: بل المائح في البئر ناجية بن جندب الأسلمي [ (4) ] . وقال الواقدي رحمه اللَّه: حدثني معمر وعبد الرحمن بن عبد العزيز، عن الزهري عن المسور بن مخرمة قال: وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما دنا من الحديبيّة، فذكر الحديث إلى أن قال: حتى نزل بالناس على ثمد من ثماد الحديبيّة، ظنون [ (5) ] قليل الماء، يتبرض ماؤه تبرضا [ (6) ] ، فاشتكى الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قلة الماء، فانتزع سهما من كنانته فأمر به فغرز في الثمد، فجاشت لهم بالرواء حتى صدروا   [ (1) ] يميح على الناس: يملأهم الدلاء. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] في (خ) : «وقصعة» ، وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (4) ] المرجع السابق: 113- 114، (ابن هشام) : 4/ 277- 278. [ (5) ] الظنون: البئر لا يدري أفيها ماء أم لا. [ (6) ] برض الماء من العين إذا خرج وهو قليل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 عنه بعطن، قال: وإنهم ليغترفون بآنيتهم جلوسا على شفير البئر. ثم ذكر في الّذي نزل بالسهم مثل ما تقدم عن ابن إسحاق، ثم قال: وحدثني الهيثم بن واقد، عن عطاء بن أبي مروان، عن أمه قال: حدثني أربعة عشر [ (1) ] رجلا من أسلم من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أن ناجية بن الأعجم، وكان ناجية بن الأعجم يحدث- يقول: دعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين شكي إليه قلة الماء، فأخرج سهما من كنانته ودفعه إليّ، ودعا بدلو من ماء البئر، فجئته به فتوضأ، فقال: مضمض فاه ثم مجّ في الدلو، والناس في حرّ شديد، وإنما هي بئر واحدة- وقد سبق المشركون على بلدح فغلبوا على مياهه- فقال: انزل بالماء فصبه وأثر [ (2) ] ماءها بالسهم. ففعلت، فو الّذي بعثه بالحق ما كدت أخرج حتى كاد يغمرني، وفأرت كما يفور القدر حتى طمّت واستوت بشفيرها، يغترفون من جانبها حتى نهلوا من آخرهم. قال: وعلى الماء يومئذ نفر من المنافقين: الجدّ بن قيس، وأوس، وعبد اللَّه ابن أبيّ، وهم جلوس ينظرون إلى الماء، والبئر تجيش بالرواء وهم جلوس على شفيرها، فقال أوس بن خولى: ويحك يا أبا الحباب! أما آن لك أن تبصر ما أنت عليه أبعد هذا شيء؟ وردنا بئرا يتبرض ماؤها تبرضا، يخرج في القعب جرعة ماء، فتوضأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الدلو ومضمض فاه في الدلو ثم أفرغ الدلو فيها ونزل بالسهم فحثحثها فجاشت بالرواء. قال: يقول ابن أبي قد رأيت مثل هذا، [ (3) ] فقال أوس: قبّحك اللَّه وقبّح رأيك فيقبل ابن أبي يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أي أبا الحباب أرأيت مثل ما رأيت اليوم؟ فقال: ما رأيت مثله قط، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فلم قلت ما قلت؟ قال ابن أبي: استغفر اللَّه، قال ابنه: يا رسول اللَّه استغفر له، فاستغفر له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ (1) ] كذا في (خ) : وفي (مغازي الواقدي) : «حدثني رجل من أسلم» . [ (2) ] أثر في الشيء: ترك فيه أثرا. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 587- 589. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 [عشرون: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في العين التي بتبوك] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في العين التي بتبوك، [فخرج مسلم] من حديث مالك، عن أبي الزبير المكيّ، أن أبا الطفيل عامر بن وائلة أخبره أن معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه. أخبره قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عام غزوة تبوك، فكان يجمع الصلاة فصلى الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا حتى إذا كان يوما أخّر الصلاة ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل ثم خرج بعد ذلك، فصلى المغرب والعشاء جميعا. ثم قال: إنكم ستأتون غدا إن شاء اللَّه [عينا] بتبوك [ (1) ] ، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها [شيئا] حتى آتي. فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبضّ بشيء من ماء، قال: فسألها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هل مسستما من مائها شيئا؟ قالا: نعم، فسبهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال لهما ما شاء اللَّه أن يقول، قال: فغرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء، قال: وغسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيه يديه ووجهه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء منهمر- أو قال: غزير- قال: فاستقى الناس ثم قال: يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد مليء جنانا [ (2) ] . قال البيهقي: وروينا زيادة ماء تلك العين بمضمضته فيها، عن عروة بن الزبير، وقال: فهي كذلك حتى الساعة. وروى ابن عبد البر عن أبي وضاح أنه قال: أنا رأيت ذلك الموضع كله [حول] تلك العين جنانا خضرة نضرة. وخرج أبو نعيم من حديث ابن لهيعة، عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (صحيح مسلم) : «عين تبوك» . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 46، كتاب الفضائل باب (3) في معجزات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (706) ، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 522، حديث رقم (450) ، (دلائل البيهقي) : 5/ 236، باب إخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عن وقت إتيانهم عين تبوك، وما ظهر في ذلك، وفي وضوئه من تلك العين حتى كثر ماؤها، وفيما قال لمعاذ فكان كما قال من آثار النبوة، (مسند أحمد) : 6/ 315، حديث رقم (21565) من حديث معاذ بن جبل رضي اللَّه تعالى عنه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 في قصة تبوك قال: وخرج حين خرج وهو يريد الروم، فكان أقصى أثره منزله من تبوك، وكان ذلك في زمان قل ماؤه، فاغترف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غرفة بيده فمضمض بها فاه، وبصق فيها ففارت عينه حتى امتلأت، وهي كذلك حتى الساعة [ (1) ] . وخرج من حديث إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق قال: أقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها، ثم انصرف قافلا إلى المدينة، وكان في الطريق ماء يخرج من وشل، ما يروى الراكب والراكبين والثلاث، بواد يقال له: واد المشقّق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقينّ منه شيئا حتى نأتيه. فسبقه إليه نفر من المنافقين، فاستقوا ما فيه، فلما أتاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم ير فيه شيئا قال: من سبقنا إلى هذا الماء؟ قيل: فلان وفلان [ (2) ] ، قال: أو لم ننهاهم أن يستقوا منه شيئا حتى نأتيه؟ ثم لعنهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ودعا اللَّه عليهم. ثم نزل، فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده ما شاء اللَّه أن يصب، ثم نضحه به ومسحه بيده، ودعا اللَّه بما شاء اللَّه أن [يدعو] به، فانخرق الماء كما يقول من سمعه: إن له حسا كحس الصواعق، فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لئن بقيتم- أو من بقي منكم- ليسمعن بهذا الوادي، وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه [ (3) ] ، [وذلك الماء فوارة تبوك إلى اليوم] [ (4) ] . وقال الواقدي في غزوة تبوك: وأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قافلا حتى إذا كان بين تبوك وواد يقال له: وادي الناقة، وكان فيه وشل [ (5) ] يخرج منه في أسفله قدر ما يروى الراكبين والثلاثة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من سبقنا إلى ذلك الوشل فلا يستقين منه شيئا حتى نأتي.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 237. [ (2) ] قال السهلي: ذكر لي الواقدي قال: سبقه إليها أربعة من المنافقين هم: معتب بن قشير، والحارث ابن يزيد الطائي، ووديعة بن ثابت، وزيد بن اللصيت. [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 208- 209، وادي المشقق وماؤه، والتعليق السابق منه. [ (4) ] ما بين الحاصرتين زيادة من (خ) . [ (5) ] الوشل: حجر أو جبل يقطر منه الماء قليلا قليلا، والوشل أيضا القليل من الماء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 فسبق إليه أربعة من المنافقين: معتب بن قشير، والحرث بن يزيد الطائي حليف بني عمرو بن عوف، ووديعة بن ثابت، ويزيد بن اللصيت، فاستقوا ما فيه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألم أنهكم؟ ولعنهم ودعا عليهم، ثم نزل ووضع يده في الوشل، ثم مسحه بإصبعه حتى اجتمع في كفه منه ماء قليل، ثم نضحه به، ثم مسحه بيده، ثم دعا بما شاء اللَّه أن يدعو به، فانخرق [ (1) ] الماء. قال معاذ بن جبل: والّذي نفسي بيده، لقد سمعت له من شدة انخراقه مثل الصواعق، فشرب الناس ما شاءوا، وسقوا ما شاءوا، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لئن بقيتم- أو من يبقى منكم- ليسمعن بهذا الوادي، وهو أخصب ما بين يديه ومما خلفه، قال: واستقى الناس وشربوا، قال سلامة [ (2) ] بن وقش: قلت لوديعة ابن ثابت: ويلك أبعد ما ترى شيء؟ أما تعتبر؟ فقال: قد كان يفعل مثل هذا قبل هذا. [ (3) ] .   [ (1) ] انخرق: اشتدّ واتّسع. [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (مغازي الواقدي) : «سلمة بن سلامة بن وقش» . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1039. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 [حادي وعشرون: نزول المطر بطريق تبوك عند دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم، وإخباره بموضع ناقته لما ضلت، وبما قال أحد المنافقين] وأما [نزول] المطر بطريق تبوك عند دعائه وقد اشتد عطش الناس، وإخباره بموضع ناقته لما ضلت، وبما قال المنافق، فخرج البيهقي من حديث ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال، عن عتبة بن أبي عتبة، عن نافع بن جبير، عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنه، قيل لعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: حدثنا من شأن ساعة العسرة. فقال عمر رضي اللَّه عنه: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، وحتى إن كان الرجل يذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى إن كان الرجل ينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما يبقى على كبده، فقال أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، إن اللَّه عزّ وجلّ قد عودك في الدعاء خيرا، فادع اللَّه لنا، قال: أتحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلت، ثم سكبت، فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر، فلم نجدها قد جاوزت العسكر [ (1) ] . وخرجه ابن حبان [ (2) ]- رحمه اللَّه- من حديث سعيد بن أبي هلال، عن نافع ابن جبير، فسقط بين سعيد وبين نافع رجل، وهو عتبة بن أبي عتبة، كما رواه البزار في مسندة، والطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك [ (3) ] ، قال الطبراني:   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 231، باب تسمية غزوة تبوك بالعسرة، وما ظهر بدعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بقية الأزواد وفي الماء، وإخباره عن قول المنافقين في غيبته، ثم بموضع ناقته من آثار النبوة، ورواه أيضا الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 6/ 194- 195، وقال: رواه البزار، والطبراني في الأوسط، ورجال البزار ثقات. [ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 4/ 223، كتاب الطهارة، باب (19) النجاسة وتطهيرها، ذكر الخبر الدال على أن فرث ما يؤكل لحمه غير نجس، حديث رقم (1383) ، وقال في هامشه: إسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين خلا حرملة بن يحيى، فإنه من رجال مسلم فقط. [ (3) ] (المستدرك) : 1/ 263، كتاب الطهارة، حديث رقم (566/ 121) ، وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد ضمّنه سنّة غريبة، وهو أن الماء إذا خالط- الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 لم يروه عن نافع بن جبير إلا عتبة لعروبة بن سعيد، وسئل عند الدار الدّارقطنيّ في (العلل) فذكر الاختلاف في زيادة عتبة فيه وسقوطه وقال: القول قول من ذكر عتبة بن أبي عتبة، وهو عتبة بن مسلم. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وخرج البيهقي من حديث يونس عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: أصبح الناس [ولا ماء معهم] ، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدعا اللَّه تعالى فأرسل سحابة فأمطرت، حتى [ارتوى] الناس واحتملوا حاجتهم من الماء. قال عاصم: وأخبرني رجال من قومي أن رجلا من المنافقين كان معروفا نفاقه، كان يسير مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حيث سار، فلما كان من أمر الناس بالحجر ما كان، ودعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين دعا، فأرسل اللَّه تعالى سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، فأقبلنا عليه فقلنا: ويحك! هل بعد هذا من شيء؟ قال: سحابة مارة [ (1) ] . وقال الواقدي- عفا اللَّه عنه ورحمه-: وارتحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما أصبح ولا ماء معهم، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على غير ماء، قال عبد اللَّه بن أبي حدره: فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم استقبل القبلة فدعا، ولا واللَّه ما أرى في السماء سحابا، فما برح يدعو حتى لأني انظر إلى السماء تأتلف من كل ناحية، فما رام مقامه حتى سحت علينا السماء بالرواء، فكأني أسمع تكبير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في المطر، ثم كشفت السماء عنّا من ساعتها، وإن الأرض لغدر تناخس [ (2) ] ، فسقى الناس وارتووا من آخرهم، وأسمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أشهد أني رسول اللَّه. فقلت لرجل من المنافقين: ويحك! بعد هذا شيء؟ فقال سحابة مارة، وهو أوس بن قيظي، ويقال زيد بن اللّصيت. قال: ثم ارتحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم موجّها لماء تبوك فأصبح في منزل، فضلت   [ () ] فرث ما يؤكل لحمه لم ينجسه، فإنه لو كان ينجس الماء لما أجاز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لمسلم أن يجعله على كبده حتى ينجس يديه. [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 231- 232، (سيرة ابن هشام) : 5/ 202. [ (2) ] غدر: جمع غدير، تناخس: أي يصب بعضها في بعض، (النهاية) : 4/ 133. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 ناقة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [القصواء] ، فخرج أصحابه في طلبها، وعند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عمارة ابن حزم [عقبى بدريّ قتل يوم اليمامة شهيدا] [ (1) ] ، وكان في رحله زيد بن أبي اللصيت أحد بني قينقاع، كان يهوديا فأسلم ونافق، وكان فيه خبث اليهود وغشّهم- وكان مظاهرا لأهل النفاق- فقال زيد وهو في رحل عمارة، وعمارة عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء؟ وهو لا يدري أين ناقته!!. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن منافقا يقول: إن محمدا يزعم أنه نبي وهو يخبركم بأمر السماء؟ ولا يدري أين ناقته!! وإني واللَّه لا أعلم إلا ما علمني اللَّه، وقد دلني عليها، وهي في الوادي في شعب كذا وكذا- أشار لهم إليه- حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوا بها، فذهبوا فجاءوا بها، فرجع عمارة بن حزم إلى رحله فقال: العجب من شيء حدثناه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم آنفا عن مقاله قائل أخبره اللَّه عنه، قال: كذا وكذا للذي قال زيد، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائل هذه المقالة زيد قبل أن يطلع علينا، قال: فأقبل عمارة على زيد بن اللصيت يجأه [ (2) ] في عنقه ويقول: واللَّه إن في رحلي لداهية، وما أدري، أخرج يا عدو اللَّه من رحلي. وكان الّذي أخبر عمارة بمقالة زيد أخوه عمرو بن حزم، وكان في الرحل مع رهط من أصحابه، والّذي ذهب فجاء بالناقة من الشعب الحارث بن خزمة الأشهلي، وجدها وزمامها قد تعلق في شجرة، فقال زيد بن اللصيت: لكأنّي لم أسلم إلا اليوم، قد كنت شاكا في محمد، وقد أصبحت وأنا فيه ذو بصيرة، فأشهد أنه رسول اللَّه، فزعم الناس أنه تاب، وكان خارجة بن زيد بن ثابت ينكر توبته ويقول: لم يزل فسلا [ (3) ] حتى مات [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) . [ (2) ] يجأه: أي يضربه. [ (3) ] الفسل من الرجال: الرذل. [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1008- 1010، (سيرة ابن هشام) : 5/ 202- 203، تقوّل ابن اللصيت، عن ابن إسحاق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 [ثاني وعشرون: استقاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد قحط المطر، فسقاهم اللَّه تعالى ببركة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما استسقاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد قحط المطر فسقاهم اللَّه ببركة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج أبو داود من حديث يونس عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: شكا الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، قالت عائشة رضي اللَّه عنها: فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر فكبر وحمد اللَّه تعالى ثم قال: إنكم شكوت جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم اللَّه جل وعز أن تدعوه، وقد وعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد للَّه رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، لا إله إلا اللَّه يفعل ما يريد، اللَّهمّ أنت اللَّه لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت إلينا قوة وبلاغا إلى حين. ثم رفع يديه فلم ينزل الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلّب أو حوّل رداءه وهو رافع يده، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ اللَّه عزّ وجل سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن اللَّه فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكنّ ضحك حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أن اللَّه على كل شيء قدير وأني عبد اللَّه ورسوله [ (1) ] . وذكر ابن عساكر أنه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج من بقيع الغرقد متعمما بعمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين يديه، والآخر بين كتفيه، ممسكا قوسا عربية، فاستقبل القبلة فكبر، وصلى بأصحابه ركعتين جهر بالقراءة [فيهما] ، قرأ في الأولى إذا   [ (1) ] (عون المعبود) : 4/ 25- 27، جمّاع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها، باب (258) رفع اليدين في الاستسقاء، حديث رقم (1170) ، قال أبو داود: هذا حديث غريب إسناده جيد. أهل المدينة يقرءون ملك يوم الدين، وإن هذا الحديث حجّة لهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [ (1) ] ، والثانية وَالضُّحى [ (2) ] ، ثم قلب رداءه، ثم حمد اللَّه وأثنى عليه، ثم رفع يديه فقال ... ، الحديث. ذكره من حديث أحمد بن [] [ (3) ] ، حدثنا سعيد بن مسلم حدثني سلامة بن سليم- يقال: ابن سلمة- عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قحط الناس على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج من المدينة إلى بقيع الغرقد ... وخرج مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء [ (4) ] ، وخرجه أبو داود أيضا ولفظه: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يستسقي هكذا- يعني ومد يديه وجعل بطونها مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه [ (5) ] . [وللإمام أحمد من حديث هارون بن معروف قال: قال ابن وهب: أخبرنا حيوة، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التميمي، عن عمير مولى أبي اللحم، أنه رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت [ (6) ] قريبا من الزوراء قائما يدعو، يستسقي رافعا كفيه لا يجاوز بهما رأسه، مقبل بباطن كفّيه إلى وجهه] [ (7) ] . وخرجه الترمذي من حديث قتيبة قال: حدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن يزيد بن عبد اللَّه، عن عمير مولى آبى اللحم، عن آبى اللحم، أنه رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عند أحجار الزيت [ (6) ] يستسقي، وهو مقنع بكفيه [ (8) ] يدعو [ (9) ] .   [ (1) ] التكوير: 1. [ (2) ] الضحى: 1. [ (3) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 442، كتاب الاستسقاء، باب (1) رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء، حديث رقم (896) . [ (5) ] (عون المعبود) : 4/ 24، جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها، باب (258) رفع اليدين في الاستسقاء، حديث رقم (1167) ، (1168) . [ (6) ] أحجار الزيت: موضع بالمدينة من الحرة، سميت بذلك لسواد أحجارها، كأنها طليت بالزيت. [ (7) ] (مسند أحمد) : 6/ 293، حديث رقم (21437) ، وفي (خ) سياقه مضطرب ونسبه الناسخ للإمام مسلم. [ (8) ] في (خ) : «مقنعا بكفيه يدعو» ، وما أثبتناه من رواية الترمذي. [ (9) ] (تحفة الأحوذي) : 3/ 107- 108، باب صلاة الاستسقاء، حديث رقم (554) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 قال أبو عيسى: هكذا قال قتيبة في هذا الحديث عن آبي اللحم، ولا نعرف له عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد، وعمير مولى آبي اللحم قد روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحاديث وله صحبة [ (1) ] . وخرج البخاري ومسلم والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر، عن شريك بن أبي نمر، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أنّ رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائما يخطب، فاستقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائما ثم قال: يا رسول اللَّه! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع اللَّه يغيثنا، فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يديه ثم قال: اللَّهمّ أغثنا ... اللَّهمّ أغثنا ... اللَّهمّ أغثنا .... قال أنس: ولا واللَّه ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التّرس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا واللَّه ما رأينا الشمس ستّا، قال: دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائما فقال: يا رسول اللَّه! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع اللَّه يمسكها عنا. قال: فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يديه ثم قال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، اللَّهمّ على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر، قال: فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ فقال: ما أدري [ (2) ] . ترجم عليه البخاري باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة، وقال فيه مسلم: اللَّهمّ حولنا ولا علينا.   [ (1) ] آبى اللحم بالمد: اسم رجل من قدماء الصحابة، سمى بذلك لامتناعه عن أكل اللحم أو لحم ما ذبح على النصب في الجاهلية، اسمه عبد اللَّه بن عبد الملك، استشهد يوم حنين. وأخرجه أيضا النسائي في (السنن) : 3/ 177، حديث رقم (193) ، وأبو داود في (السنن) : 4/ 22، أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها، باب (258) رفع اليدين في الاستسقاء، حديث رقم (1165) . [ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 645، كتاب الاستسقاء، باب (7) الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة، حديث رقم (1014) ، (مسلم بشرح النووي) : 6/ 443، كتاب صلاة الاستسقاء، باب (2) الدعاء في الاستسقاء، حديث رقم (897) ، (سنن النسائي) : 3/ 179- 180، كتاب الاستسقاء، باب (10) ذكر الدعاء، حديث رقم (1517) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 وخرجه البخاري من حديث أنس بن عياض قال: حدثنا شريك بن عبد اللَّه ابن أبي نمرّ، سمع أنس بن مالك يذكر أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائما فقال: يا رسول اللَّه ... ، الحديث إلى آخره بنحو حديث إبراهيم بن جعفر غير أنه قال: اللَّهمّ اسقنا.. اللَّهمّ اسقنا.. اللَّهمّ اسقنا، وقال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، اللَّهمّ على الآكام والجبال، والظراب والأودية ومنابت الشجر، [فانقطعت] [ (1) ] ... ، الحديث. وخرج البخاري [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث مالك، عن شريك بن عبد اللَّه بن أبي نمر، عن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع اللَّه، فدعا فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة، فجاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! تهدمت البيوت وتقطعت السبل، وهلكت المواشي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ على ظهور الجبال والآكام، وبطون الأودية ومنابت الشجر، فانجابت عن المدينة انجياب الثوب. ترجم عليه البخاري باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقي لهم لم يردهم. وخرج في باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء، وقال فيه: فقال: تهدمت البيوت وتقطعت السبل، وهلكت المواشي، فقال: اللَّهمّ على الآكام والظراب والأودية [ (4) ] ... ، الحديث. وخرجه في باب الدعاء إذا انقطعت السبل من كثرة المطر، وقال فيه: فدعا   [ (1) ] (المرجع السابق) : 636- 637، باب (6) الاستسقاء في المسجد الجامع حديث رقم (1013) . [ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 647، كتاب الاستسقاء، باب (12) إذا استسقوا إلى الإمام ليستسقي لهم لم يردهم، حديث رقم (1019) . [ (3) ] (سنن النسائي) : 3/ 177، كتاب الاستسقاء، باب (9) كيف يرفع، حديث رقم (1514) . [ (4) ] (فتح الباري) : 2/ 646، كتاب الاستسقاء، باب (9) من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء حديث رقم (1016) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمطروا من جمعة إلى جمعة، فجاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه ... ، الحديث، غير أن فيه: ورءوس الجبال [ (1) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث الأوزاعي، قال: حدثني إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: أصاب الناس سنة على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فبينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، قام أعرابي- وقال مسلم: فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب الناس على المنبر يوم الجمعة إذا قال [أعرابي يا رسول اللَّه] ! هلك المال وضاع العيال فادع اللَّه لنا، فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة ماء، فو الّذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال. ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد ومن بعد الغد، والّذي يليه حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي- أو قام غيره- فقال يا رسول اللَّه! تهدم البناء وغرق المال، فادع اللَّه لنا، فرفع يديه [وقال] : اللَّهمّ حوالينا لا علينا، فما يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجونة، وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود. ترجم عليه البخاري باب: الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة. وقال فيه مسلم: فما يشير إلى ناحية إلا تفرجت حتى رأيت المدينة في مثل الجونة، وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجيء أحد من ناحية إلا أخبر بجود. وخرجه البخاري أيضا في الاستسقاء في باب من تمطّر في المطر حتى يتحادر على لحيته، [بنحوه] أو قريب منه [ (2) ] . وخرج البخاري ومسلم والنسائي رضي اللَّه عنهم من حديث ثابت عن أنس   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 646، كتاب الاستسقاء، باب (10) الدعاء إذا انقطعت السبل من كثرة المطر، حديث رقم (1017) . [ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 524- 525، كتاب الجمعة، باب (35) الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة، حديث رقم (933) ، 2/ 660، كتاب الاستسقاء، باب (24) من تمطر في المطر حتى يتحادر على لحيته، حديث رقم (1033) ، وقوله: «تمطّر» بتشديد الطاء، أي تعرض لوقوع المطر، (مسلم بشرح النووي) : 6/ 445، كتاب صلاة الاستسقاء، باب (2) الدعاء في الاستسقاء، حديث رقم (9) من أحاديث الباب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 ابن مالك قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقام الناس فصاحوا فقالوا: يا رسول اللَّه! قحط المطر واحمرّت الشجر وهلكت البهائم، فادع اللَّه لنا أن يسقينا، فقال: اللَّهمّ اسقنا مرتين، وأيم اللَّه ما نرى في السماء قزعة من سحاب، فنشأت سحابة وأمطرت، ونزل عن المنبر فصلى، فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها، فلما قام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب، صاحوا إليه: تهدمت البيوت وانقطعت السبل، فادع اللَّه يحبسها عنا. فتبسّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، فكشطت المدينة فجعلت تمطر حولها، ولا تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفي شكل الإكليل. ترجم عليه البخاري باب الدعاء إذا كثر المطر حوالينا ولا علينا [ (1) ] . وخرجه مسلم بنحوه وزاد: وألف اللَّه بين السحاب ومكثنا، حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسه أن يأتي أهله [ (2) ] ، وخرجه من حديث أسامة أن حفص ابن عبد اللَّه بن أنس حدثه أنه سمع أنس بن مالك يقول: جاء أعرابي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم الجمعة وهو على المنبر ... ، واقتصّ الحديث وزاد: فرأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين تطوى [ (3) ] . وخرج البخاري [ (4) ] ، وأبو داود [ (5) ] وقاسم بن أصبغ من حديث حماد عن عبد   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 651، كتاب الاستسقاء، باب (14) الدعاء إذا كثر المطر: «حوالينا ولا علينا» ، حديث رقم (1021) ، (مسلم بشرح النووي) : 6/ 446، كتاب صلاة الاستسقاء، باب (2) الدعاء في الاستسقاء، حديث رقم (10) من أحاديث الباب، والإكليل بكسر الهمزة: قال أهل اللغة: هي العصابة، وتطلق على كل محيط بالشيء، (سنن النسائي) : 3/ 178- 179، كتاب الاستسقاء، باب (10) وذكر الدعاء، حديث رقم (1516) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 447، كتاب صلاة الاستسقاء، باب (2) الدعاء في الاستسقاء، حديث رقم (12) من أحاديث الباب. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 447، كتاب صلاة الاستسقاء، باب (2) الدعاء في الاستسقاء، حديث رقم (12) من أحاديث الباب. [ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 729، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3582) . [ (5) ] (عون المعبود) : 4/ 27- 28، جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها، باب (258) رفع اليدين في الاستسقاء، حديث رقم (1171) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فبينما هو يخطب بهم جمعة، إذ قام رجل فقال: يا رسول اللَّه، هلك الكراع وهلك الشاء، فادع اللَّه لنا أن يسقينا، فمد يديه فدعا، قال أنس: وإن السماء كمثل الزجاجة، فهاجت ريح أنشأت سحابا، ثم اجتمع، ثم أرسلت السماء عز اليها. فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم نزل نمطر إلى الجمعة الأخرى، فقام إليه ذلك الرجل فقال: يا رسول اللَّه! تهدمت البيوت فادع اللَّه أن يحبسه، فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم قال: حوالينا ولا علينا، فنظرت إلى السحاب تصدع حول المدينة كأنه إكليل. ولفظهم فيه متقارب جدا، وانتهى قاسم إلى قوله: إلى الجمعة الأخرى، ثم أحاله على حديث مالك المتقدم. وخرج البخاري من حديث أبي عوانة، عن قتادة عن أنس، ومن حديث سعيد عن قتادة عن أنس، أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يخطب بالمدينة فقال: قحط المطر فاستسق ربك، فنظر إلى السماء وما نرى من سحاب، فاستسقي فنشأ السحاب بعضه إلى بعض ثم مطروا حتى سالت مثاعب المدينة، فما زالت إلى الجمة المقبلة ما تقلع. ثم قام ذلك الرجل أو غيره والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب، فقال: غرقنا، فادع ربك يحبسها عنا، فضحك ثم قال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا- مرتين أو ثلاثا- فجعل السحاب يتصدع عن المدينة يمينا وشمالا، يمطر ما حوالينا ولا يمطر منها على شيء، يريهم اللَّه كرامة نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم وإجابة دعوته. ذكره في كتاب الأدب في باب التبسم والضحك [ (1) ] ، وذكره في [كتاب] الدعاء في باب الدعاء غير مستقبل القبلة من حديث أبي عوانه [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 618، كتاب الأدب، باب (68) التبسم والضحك، حديث رقم (6093) ، قال أهل اللغة: التبسم مبادئ الضحك، والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة، وإلا فهو الضحك، وإن كان بلا صوت فهو التبسم، وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك، وهي الثنايا والأنياب، وما يليها وتسمى النواجذ. [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 172، كتاب الدعوات، باب (24) الدعاء غير مستقبل القبلة، حديث رقم (6342) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 وخرج قاسم بن أصبغ من حديث سهل بن يوسف، عن حميد قال: سئل أنس: هل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء؟ فقال: نعم، شكى الناس إليه ذات جمعة فقالوا يا رسول اللَّه! قحط المطر وأجدبت الأرض وهلك المال، قال: فرفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه، وما في السماء قزعة سحابة، فما صلينا حتى أن الشاب القوي القريب المنزل ليهمنه الرجوع إلى منزله، قال: فدامت علينا جمعة، قال: فقالوا: يا رسول اللَّه؟ تهدمت الدور واحتبس الركبان، قال: فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من سرعة ملالة ابن آدم فقال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، فأصحت السماء. وذكر البخاري- غفر اللَّه ذنوبه- في باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء، من حديث سليمان بن بلال قال: قال يحيى بن سعيد: سمعت أنس ابن مالك [يقول:] أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم الجمعة فقال: يا رسول اللَّه! هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يديه يدعو، ورفعوا أيديهم معه يدعون، قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا، فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى، فأتى الرجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، يشق المسافر ومنع الطريق [ (1) ] . وذكر أبو عمر بن عبد البر- رحمة اللَّه عليه- عن موسى بن عقبة، أن أعرابيا جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وقد أجدبت عليهم السنة، فقال: يا رسول اللَّه! إنه مرت بنا سنون كسنى يوسف، فادع اللَّه لنا، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المنبر يجر رداءه وحوّله عن كتفه ثم قال: اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا هزجا نجحا، فما استتم الدعاء حتى استقلت سحابة تمطر سحا، فلم يزل كذلك حتى قدم أهل الأسافل يصيحون: الغرق، فضحك عليه السلام حتى بدت نواجذه ثم قال: للَّه درّ أبو طالب! لو كان حاضرا لقرت عيناه، أما منكم أحد ينشدني شعره؟ فقام علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 656، كتاب الاستسقاء، باب (21) ، رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء، حديث رقم (1029) ، وقد تضمنت هذه الترجمة الرد على من زعم أنه يكتفي بدعاء الإمام في الاستسقاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 فقال: لعلك تريد [يا] رسول اللَّه قوله: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ربيع اليتامى عصمة للأرامل فقال الأعرابي- وكان من مزينة-: للَّه الحمد والحمد ممن شكر ... سقينا بوجه النبي المطر دعا ربه المصطفى دعوة ... فأسلم معها إليه البصر فلم يك إلا أن ألقى أفردا ... وأسرع حتى لقينا الدرر ولم ترجع الكف عند الدعا ... إلى النحر حتى أفاض الغدر سحاب وما في أديم السما ... سحاب يراه الحديد النظر فكان كما قال عمه ... وأبيض يسقي به ذو غدر به ينزل اللَّه غيث السما ... فهذا العيان لذاك الخبر فمن يشكر اللَّه يلقى المزيد ... ومن يكفر اللَّه [يلق] الغبر قال موس بن عقبة: فأمر له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم راحلتين وكساه صلّى اللَّه عليه وسلم ثوبا. قال أبو عمر- رضي اللَّه عنه-: وقد روي هذا الخبر عن مسلم الملائي، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه بغير هذه الألفاظ، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! أتيناك وما لنا صبي يصطبح، ولا بعير يئط [ (1) ] ، وأنشد: أتيناك والعذراء يدمي لبانها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل وألقى بكفيه وخرّ استكانة ... من الجوع هرما ما يمر وما يحلى ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ... سوى الحنظل العافي والغلمة الفشل وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلا إلى الرسل؟ فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر، فرفع يديه ثم قال: اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا مريا مريعا طبقا واسعا، نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث، تملأ به الضرع وتنبت به الزرع، وتحيي به الأرض بعد موتها، وكذلك تخرجون.   [ (1) ] يئط: بفتح أوله وكسر الهمزة، وفي رواية: يغط بالمعجمة، والأطيط: صوت البعير المثقل، والغطيط: صوت النائم كذلك، وكنّى بذلك عن شدة الجوع، لأنهما إنما يقعان غالبا عن الشبع، (فتح الباري) : 2/ 629. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 قال: فما ردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يديه حتى التفت السماء بأزواجها، وجاء أهل البطاح يضجون: الغرق ... الغرق، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل، فضحك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: للَّه در أبي طالب، لو كان حيا لقرت عيناه، من ينشدني قوله: فقال علي رضي اللَّه عنه: أنا يا رسول اللَّه، لعلك تريد قوله: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل يطيف به الهلّال من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل كذبتم وبيت اللَّه يبزي محمدا ... ولما نقاتل حوله ونناضل ونسلمه حتى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أجل، فقام رجل من كنانة فقال: لك الحمد والحمد ممن شكر ... [سقينا بوجه النبي المطر] فذكر الأبيات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن بك شاعرا حسن، فقد أحسنت. وخرج البخاري- رضي اللَّه عنه ورحمه- من حديث عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار، عن أبيه، سمعت أن عمر يتمثل بشعر أبي طالب يقول: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل [ (1) ] وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبيه، ربما ذكرت قول الشاعر وأنا انظر إلى وجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يستسقى، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل وهو قول أبي طالب [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 628، كتاب الاستسقاء، باب (3) سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، حديث رقم (1008) . [ (2) ] المرجع السابق، حديث رقم (1009) ، قال الحافظ في (الفتح) : قال السهيليّ: فإن قيل: كيف قال أبو طالب: «يستسقى الغمام بوجهه» ، ولم يره قط استسقى، إنما كان ذلك منه بعد الهجرة؟ وأجاب بما حاصله: إن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم معه غلام. ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه، وإن لم يشاهد- الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 هكذا أورد البخاري- رحمه اللَّه تعالى- هذا الحديث تعليقا، وقد أسنده تقي ابن مخلد فقال: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا أبو النصر، حدثنا أبو عقيل عبد اللَّه بن عقيل، حدثنا علي بن حمزة، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تعالى عنهما- حدثنا سالم عن أبيه- رحمة اللَّه تعالى عليه- قال: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا انظر إلى وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على المنبر يستسقى، فما ينزل- عليه الصلاة والسلام- حتى يجيش كل ميزاب، فأذكر قول الشاعر حيث يقول- وهو قول أبي طالب-: وأبيض [ (1) ] يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال [ (2) ] اليتامى عصمة [ (3) ] للأرامل [ (4) ]   [ () ] وقوعه. وذكر ابن التين أن في شعر أبي طالب هذا دلالة على أنه كان يعرف نبوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قبل أن يبعث، لما أخبره بحيرا أو غيره من شأنه. ومعرفة أبي طالب بنبوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جاءت في كثير من الأخبار، وتمسك بها الشيعة في أنه كان مسلما. ورأيت لعلي بن حمزة البصري جزءا جمع فيه شعر أبي طالب، وزعم في أوله أنه كان مسلما، وأنه مات على الإسلام، وأن الحشوية تزعم أنه مات على الكفر، وأنهم لذلك يستجيزون لعنه، ثم بالغ في سبهم والردّ عليهم، واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه. وقد بين الحافظ ابن حجر فساد ذلك كله في: - ترجمة أبي طالب من كتاب (الإصابة) . - ترجمة أبي طالب من كتاب مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في شرح البخاري، (فتح الباري) : 2/ 631 مختصرا. [ (1) ] قوله: «وأبيض» بفتح الضاد، وهو مجرور بربّ مقدّرة، أو منصوب بإضمار أعنى أو أخص، والراجح أنه بالنصب عطفا على قوله: «سيدا» في البيت الّذي قبله: وما ترك قوم لا أبا لك سيدا ... يحوط الذمار بين بكر ووائل [ (2) ] قوله: «ثمال» بكسر المثلثة وتخفيف الميم: هو العماد، والملجأ، والمطعم، والمعين، والمغيث، والمكافئ، وقد أطلق على كل من ذلك. [ (3) ] عصمة: أي يمنعهم مما يضرهم. [ (4) ] الأرامل: جمع أرملة، وهي الفقيرة التي لا زوج لها، وقد يستعمل في الرجل أيضا مجازا. وهذا البيت من أبيات قصيدة طويلة، ذكرها ابن إسحاق في السيرة بطولها، [وهي أكثر من تسعين بيتا] ، أولها: ولما رأيت القوم لاودّ فيهم ... وقد قطعوا كلّ العرى والوسائل وآخرها فإن تك كعب من لؤيّ صقيبة ... فلا بدّ يوما مرة من تزايل قال ابن هشام بعد أن أوردها كاملة وشرح غريبها: هذا ما صح لي من هذه القصيدة، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها. (سيرة ابن هشام) : 2/ 108- 116، شعر أبي طالب في معاداة خصومه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 وخرج أبو محمد بن حبان من حديث مروان بن أبي معاوية قال: حدثنا محمد ابن أبي ذؤيب المدني، عن عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن حاطب الجمحيّ، عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السلمي [ (1) ] قال: لما قفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من غزوة تبوك، أتاه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلا، فيهم: خارجة بن حصن، والجدّ [ (2) ] ابن قيس- وهو أصغرهم، ابن أخي عيينة بن حصن- فنزلوا في دار رملة بنت الحارث من الأنصار، وقدموا على إبل ضعاف عجاف وهم مسنتون، فأتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مقرين بالإسلام فسألهم عن بلادهم فقالوا: يا رسول اللَّه أسنتت بلادنا، وأجدب جنابنا، وعريت عيالنا، وهلكت مواشينا، فادع ربك أن يغيثنا وتشفّع لنا إلى ربك ويشفع ربك إليك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبحان اللَّه!! ويلك، أنا شفعت إلى ربي، فمن ذا الّذي يشفع ربنا إليه، لا إله إلا العظيم، وسع كرسيه السموات والأرض، وهو يئط من عظمته وجلاله كما يئط الرّحل الجديد [ (3) ] .   [ (1) ] هو يزيد بن عبيد أبو وجزة- بفتح الواو وسكون الجيم بعدها زاي، كما في (التقريب) - السعديّ المدني الشاعر، ذكره ابن حبان في (الثقات) ، وقال الواقدي ومحمد بن عبد اللَّه بن نمير وغيرهما: مات سنة ثلاثين ومائة، وذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة، وقال: كان ثقة قليل الحديث، شاعرا عالما، وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة. وحكى المرزباني قولا: أن اسم أبيه مسلم. (تهذيب التهذيب) : 11/ 305، ترجمة رقم (569) . ويزيد بن عبيد هذا له في (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) حديثان: رقم (5211، 5215) ، ليس من بينهما هذا الحديث. (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 18/ 272، فهرس الرواة. [ (2) ] في (دلائل البيهقي) : «الحرّ بن قيس» مضبوطة بضم الحاء والراء، وهو خطأ، وما أثبتناه من (خ) ، وابن هشام في (السيرة) ، والجد بن قيس هذا هو الّذي قال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: يا جدّ، هل لك العام في جلاد بني الأصفر- يعني الروم- فقال: يا رسول اللَّه، أو تأذن لي ولا تفتني؟ فو اللَّه لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشدّ عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر، فأعرض عنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال: قد أذنت لك. ففي الجدّ بن قيس نزلت هذه الآية: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [التوبة: 49] ، أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر، وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة أكبر، بتخلفه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والرغبة بنفسه عن نفسه. (سيرة ابن هشام) : 5/ 195- 196. غزوة تبوك. [ (3) ] إنما هو كلام تقريب، أريد به تقريب عظمة اللَّه عزّ وجلّ، وفي الحديث: العرش على منكب إسرافيل وإنه ليئطّ أطيط الرّحل الجديد، يعني كور الناقة أي أنه ليعجز عن حمله وعظمته، إذ كان- الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن اللَّه ليضحك من شعثكم وأذاكم وقرب غياثكم، فقال الأعرابي: أو يضحك ربنا يا رسول اللَّه؟ قال: نعم، فقال الأعرابي: لن نعدم يا رسول اللَّه من رب يضحك خيرا، فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قوله، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فصعد المنبر، وتكلم بكلمات ورفع يديه- وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء- فرفع يديه صلّى اللَّه عليه وسلم رئي بياض إبطيه، وكان مما حفظ من دعائه: اللَّهمّ اسق بلدك وبهيمتك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا، مريا مريعا، طبقا واسعا، عاجلا غير آجل، نافعا غير ضار، اللَّهمّ سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم ولا غرق ولا محق، اللَّهمّ اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء. فقام أبو لبابة بن عبد المنذر فقال: يا رسول اللَّه! إن التمر في المرابد فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا فقال أبو لبابة: يا رسول اللَّه إن التمر في المرابد [ثلاث مرات] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره. قال: فلا واللَّه ما في السماء من قزعة سحاب، وما بين المسجد وسلع [ (1) ] من بناء ولا دار، فطلعت من وراء سلع [ (1) ] سحابة مثل التّرس، فلما توسطت السماء انتشرت وهم ينظرون ثم أمطرت، فو اللَّه ما رأوا الشمس ستّا، فقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره لئلا [يخرج] [ (2) ] التمر منه. فقال الرجل- يعني الّذي سأله أن يستسقى لهم-: [يا رسول اللَّه] [ (2) ] هلكت الأموال وانقطعت السبل، فصعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المنبر، فدعا ورفع يديه مدا حتى رئي بياض إبطيه ثم قال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر، فانجابت السحابة عن المدينة انجياب الثوب [ (3) ] .   [ () ] معلوما أن أطيط الرّحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله، وفي حديث الاستسقاء: لقد أتيناك وما لنا بعير يئطّ، أي يحنّ ويصيح، يريد ما لنا بعير أصلا، لأن البعير لا بدّ أن يئط. وفي المثل: لا آتيك ما أطّت الإبل. (لسان العرب) : 7/ 256. [ (1) ] اسم جبل. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 143- 144، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 449، حديث رقم (371) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 ولأبي عبد الرحمن بن أبي حاتم، من حديث عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد ابن المسيب، عن أبي لبابة: عن عبد اللَّه بن المنذر الأنصاري [ (1) ] ، قال: استسقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يوم الجمعة فقال: اللَّهمّ اسقنا، [اللَّهمّ اسقنا] [ (2) ] ، فقام أبو لبابة فقال: يا رسول اللَّه، إن التمر في المرابد وما في السماء سحاب نراه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا، فقام أبو لبابة فقال: يا رسول اللَّه، إن التمر في المرابد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا حتى يقوم أبو لبابة يسد ثعلب مربده بإزاره، فأزبدت السماء وأمطرت، وصلى بنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم طاف الأنصار بأبي لبابة يقولون له: يا أبا لبابة، إن السماء واللَّه لن تقلع حتى تقوم عريانا تسد ثعلب مربدك بإزارك كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال فقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده [ (3) ] بإزاره، فأقلعت السماء [ (4) ] . وخرج البيهقي من حديث يحيى بن أيوب قال: حدثنا ابن زحر، عن علي ابن يزيد عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي قال: قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما ضحى في المسجد، فكبر ثلاث تكبيرات ثم قال: اللَّهمّ اسقنا- ثلاثا- اللَّهمّ ارزقنا سمنا، ولبنا، وشحما، وما نرى في السماء سحابا، فثارت ريح وغبرة، ثم اجتمع سحاب فغمت السماء، فصاح أهل الأسواق، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وانصرفت أمشي بمشيه وهو يقول: هذا أحدثكم عهدا بربه [ (5) ] . وخرج من حديث شبابة قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة: عن سالم ابن أبي الجعد، بن السبط قال لكعب بن مرة- أو مرة بن كعب- البهري، حدّثنا بحديث سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للَّه أبوك، واحذر، قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على مضر، فأتاه أبو سفيان فقال: يا رسول اللَّه! إن قومك قد هلكوا فادع اللَّه لهم، قال شعبة: وزاد حبيب بن أبي ثابت فيه بهذا الإسناد، أن أبا سفيان قال   [ (1) ] في (دلائل البيهقي) : «عن أبي أمامة بن عبد المنذر الأنصاري» . [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] ثعلب المربد: مكان خروج الماء منه، والمربد: ما يجمع فيه التمر. [ (4) ] المرجع السابق: 145. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 145. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: إني أتيتك من عند قوم لم يخطم لهم فحل ولم يتزود له راع، ثم رجع إلى حديث عمرو، فقال [النبي] صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا غيثا، مغيثا، غدقا طبقا مريعا نافعا، غير ضار، عاجلا غير رائث، قال شعبة: وزاد حبيب بن أبي ثابت قال: فما لبثنا غير جمعة حتى مطرنا [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من حديث جرير [بن حازم] قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قال: بينا نحن عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في بعض أسفاره إذ احتاج الناس إلى وضوء، فالتمسوا في الركب ماء فلم يجدوا، فجاءني عمي معوذ بن عفراء فقال لي: يا بنية هل في إداوتك ماء يتوضأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقلت: لا، والّذي بعثه بالحق ما فيها شيء، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال: ما في الركب ماء، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأمطرت حتى استقى الناس وسقوا.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 145- 146. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 [ثالث وعشرون: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في ركي قليل الماء حتى صارت نهرا يجري] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في ركي قليل الماء حتى صارت نهرا يجري، فخرج الإمام أحمد من حديث حميد، عن يونس عن البراء بن عازب رضي اللَّه عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مسير، فأتينا على ركي ذمة- يعني قليلة الماء- فنزل فيها ستة أنا سادسهم ماحة، قال: فأدليت إلينا دلو، قال: ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على شفة الركى، فجعلنا فيها نصفها أو قراب ثلثيها، فرفعت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [قال البراء: فكدت بإنائي هل أجد شيئا أجعله في حلقي؟ فما وجدت. فرفعت الدلو إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] فمس يده فيها فقال ما شاء اللَّه أن يقول، فأعيدت إلينا الدلو بما فيها، قال: فلقد رأيت أحدنا أخرج بثوب خشية الغرق، قال: ثم ساحت، يعني جرت نهرا [ (2) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (مسند أحمد) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 5/ 372- 373، حديث رقم (18111) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 [رابع وعشرون: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في البئر بقباء] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في البئر بقباء، فخرج البيهقي من حديث ابن هيثم بن طهمان، عن يحيى بن سعيد أنه حدثه أن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أتاهم بقباء فسألهم عن بئر هناك، قال: فدللته عليها فقال: لقد كانت هذه وإن الرجل لينضح على حماره فينزح [ (1) ] ، فيستخرجها له، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأمر بذنوب [ (2) ] فسقى، فإما أن يكون توضأ منه أو تفل فيه، ثم أمر به فأعيد في البئر، قال: فما نزحت [ (3) ] بعد، قال: فرأيته بال ثم جاء فتوضأ ومسح على خفيه ثم صلى [ (4) ] .   [ (1) ] في (خ) : «فيستريح» . [ (2) ] الذنوب: هو الدلو. [ (3) ] في (خ) : «فما برحت» . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 136، باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته صلّى اللَّه عليه وسلم، (البداية والنهاية) : 6/ 101. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 [خامس وعشرون: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في بئر قليلة الماء، بعث إليها بحصيات ألقيت فيها فغزر ماؤها] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في بئر قليلة الماء، بعث إليها بحصيات ألقيت [فيها] فغزر ماؤها، فخرج أبو نعيم من حديث الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقري، حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن [أنعم] عن زياد بن نعيم الحضرميّ، عن زياد بن الحارث الصدائي قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فبايعته على الإسلام، ثم أتى وفد من قومي بإسلامهم، ثم قالوا: يا رسول اللَّه! إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها فاجتمعنا إليه، فإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا، وإنا لا نستطيع أن نتفرق اليوم [ولنا عدو] ، فادع اللَّه لنا أن يسقينا ماؤها، فدعى بسبع حصيات فعركهن بيده ودعا، ثم قال: إذا أتيتموها فألقوها واحدة واحدة واذكروا اسم اللَّه عليها، قال: فما استطاعوا أن ينظروا إلى قعرها بعدها [ (1) ] وسيأتي حديث ابن زياد هذا بطوله. وقال الواقدي في غزوة تبوك: قالوا: وقدم نفر من بني سعد هذيم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللَّه! إنا قدمنا عليك وتركنا أهلنا على بئر لنا قليل ماؤها، وهذا القيظ ونحن نخاف إن تفرقنا أن تقطع، لأن الإسلام لم يفش حولنا بعد، فادع اللَّه لنا في ماء بئرنا، وإن روينا به فلا قوم أعزّ منا، لا يعير بنا أحد مخالف لديننا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أبلغوني حصيات! فتناولت ثلاث حصيات فدفعتهن إليه، فعركهن بيده ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيات إلى بئركم، فاطرحوها واحدة واحدة وسمّوا اللَّه. قال: فانصرفوا من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ففعلوا ذلك، فجاشت بئرهم بالرواء، ونفوا من قاربهم من المشركين ووطئوهم، فما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة حتى أوطئوا من حولهم غلبة ودانوا بالإسلام [ (2) ] .   [ (1) ] ذكره أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 2/ 412- 413، حديث رقم (321) بسنده لكن بسياقة أخرى. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1034- 1035. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 قال المؤلف- عفى اللَّه عنه ورحمه: في حديث زياد بن الحرث الصدائي أنها بئر قومه، فإما أن يريد قبيلته من صداء، فهم بطن من مدحج، وصداء حلفاء بني الحرث بن كعب بن عمرو بن علة، وإما أن يريد بقومه اليمن، فإن صداء حي من اليمن، وأما الّذي خبّر الواقدي رحمه اللَّه: فإن البئر لسعد هذيم، وسعد هذيم من قضاعة، وقضاعة من اليمن، فإنّهم بنو سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، وهذيم عبد حبشيّ حضن سعدا ورباه فغلب عليه فقيل: سعد هذيم، ومن بني سعد هذيم بنو عذرة، فاحتمل أن يكون ما في حديث زياد بن الحارث وما في خبر الواقدي قصة واحدة، واحتمل أن يكون ذلك كان مرتين في بئرين، واللَّه أعلم أيّ ذلك كان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 [سادس وعشرون: إفاقة جابر بن عبد اللَّه] وأما إفاقة جابر بن عبد اللَّه- وقد أغمي عليه- لما صب عليه من وضوئه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر، سمع جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: مرضت فأتاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر يعوداني ماشيين، فأغمي عليّ فتوضأ ثم صب عليّ من وضوئه فأفقت فقلت: يا رسول اللَّه! كيف أقضي في مالي؟ فلم يردّ عليّ شيئا حتى نزلت آية الميراث: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [ (1) ] . وفي لفظ البخاري: عن محمد بن المنكدر، سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: مرضت فعادني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر وهما ماشيان، فأتاني وقد أغمي عليّ، فتوضأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فصبّ عليّ وضوءه فأفقت فقلت: يا رسول اللَّه! كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني [النبي] صلّى اللَّه عليه وسلم حتى نزلت آية الميراث. وذكره في أول كتاب الفرائض [ (2) ] ، وذكره في كتاب المرضى [ (3) ] في باب عيادة المغمى عليه بنحو منه.   [ (1) ] هذا لفظ مسلم، ذكره في كتاب الفرائض، باب (2) ميراث الكلالة، حديث رقم (1616) وذكره أيضا من طرق كلها عن محمد بن المنكدر (مسلم بشرح النووي) : 11/ 60- 62، وفي هذا الحديث فضيلة عيادة المريض واستحباب المشي فيها* وفيه التبرك بآثار الصالحين وفضل طعامهم وشرابهم ونحوهما، وفضل مؤاكلتهم ومشاربتهم ونحو ذلك* وفيه ظهور آثار بركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم* وفيه الاستدلال على طهارة الماء المستعمل في الوضوء والغسل، ردا على أبي يوسف القائل بنجاسته، وهي رواية عن أبي حنيفة، وفي الاستدلال به نظر، لأنه يحتم أنه صب من الماء الباقي في الإناء، ولكن قد يقال البركة العظمى فيما لاقى أعضاءه صلّى اللَّه عليه وسلم في الوضوء* وفيه جواز وصية المريض وإن كان يذهب عقله في بعض أوقاته، بشرط أن تكون الوصية في حال إفاقته وحضور عقله* وفيه دليل على عدم جواز اجتهاد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الأحكام، حيث لم يردّ عليه شيئا رجاء أن ينزل الوحي. (المرجع السابق مختصرا) ، والآية: 176. النساء. [ (2) ] (فتح الباري) : 12/ 1، كتاب الفرائض، باب (1) قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، حديث رقم (6723) والآية: 11 من سورة النساء. [ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 140- 141، باب (5) عيادة المغمى عليه، حديث رقم (5651) ، و «المغمى عليه» أي الّذي يصيبه غشي تتعطل معه قوته الحساسة. قال ابن المنير: فائدة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 وخرج البخاري ومسلم والنسائي، من حديث هشام بن أبي جريج، أخبرهم قال: أخبرني ابن المنكدر عن جابر قال: عادني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين، فوجدني النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش عليّ فأفقت فقلت: يا رسول اللَّه! ما تأمرني أن أصنع في [مالي؟ فنزلت] : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ الآية [ (1) ] . وخرجه مسلم والنسائي من حديث حجاج بن محمد قال: حدثنا محمد بن جريج، فذكراه بنحو أو قريب منه [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث شعبة قال: أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ فصبوا عليّ من وضوئه [فعقلت، فقلت] : يا رسول اللَّه! إنما ترثني كلالة، فنزلت آية الميراث فقلت لمحمد بن المنكدر: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ قال: هكذا أنزلت. ذكره البخاري في مواضع، من كتاب الفرائض وغيره [ (3) ] .   [ () ] الترجمة أن لا يعتقد أن عيادة المغمى عليه ساقطة الفائدة لكونه لا يعلم بعائده، ولكن ليس في حديث جابر التصريح بأنهما علما أنه مغمى عليه قبل عيادته، فلعله وافق حضورهما. قال الحافظ ابن حجر: بل الظاهر من السياق وقوع ذلك حال مجيئهما وقبل دخولهما عليه، ومجرد علم المريض بعائده لا تتوقف مشروعية العيادة عليه، لأن وراء ذلك جبر خاطر أهله، وما يرجى من بركة دعاء العائد، ووضع يده على المريض، والمسح على جسده، والنفث عليه عند التعويذ، إلى غير ذلك. (المرجع السابق) : 141. [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 308، كتاب التفسير، باب (4) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ، حديث رقم (4577) ، (مسلم بشرح النووي) : 11/ 61، كتاب الفرائض، باب (2) ميراث الكلالة، حديث رقم (6) من أحاديث الباب، (سنن النسائي) : 1/ 93، كتاب الطهارة، باب (103) الانتفاع بفضل الوضوء، حديث رقم (136) . [ (2) ] في (مسلم) : الحديث رقم (7) ، (8) من أحاديث الباب، وفي (النسائي) : الحديث رقم (138) من أحاديث الباب. ر: التعليق السابق. [ (3) ] سبقت الإشارة إليه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 [سابع وعشرون: نشاط البعير الّذي قد أعيا ببركة وضوئه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما نشاط البعير الّذي قد أعيا ببركة وضوئه صلّى اللَّه عليه وسلم لما رشّه عليه وسقاه من وضوئه، فقال الواقدي في (كتاب المغازي) : حدثني عبيد بن يحيى عن معاذ بن رفاعة، عن أبيه قال: خرجت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بدر، وكان كل ثلاثة يتعاقبون بعيرا، فكنت أنا وأخي خلاد بن رافع على بكر لنا، ومعنا عبيد بن يزيد بن عامر، فكنا نتعاقب، فسرنا حتى إذا كنا بالروحاء [ (1) ] أذم بنا بكرنا فبرك علينا وأعيا، فقال أخي: اللَّهمّ إن لك عليّ نذرا لئن رددتنا المدينة لأنحرنّه. قال: فمر بنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ونحن على تلك الحال، فقلنا يا رسول اللَّه برك علينا بكرنا، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بماء، فمضمض وتوضأ في إناء، قال: افتحا فاه، ففعلنا ثم صبّه في فيه، ثم على رأسه، ثم على عنقه، ثم على حاركه [ (2) ] ، ثم على سنامه، ثم على عجزه، ثم على ذنبه، ثم قال: اركبا، ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلحقناه أسفل المنصرف [ (3) ] ، وإن بكرنا لينفر بنا حتى إذا كنا بالمصلى [ (4) ] راجعين من بدر برك علينا، فنحره أخي فقسم لحمه وتصدق به [ (5) ] .   [ (1) ] الروحاء: موضع على ليلتين من مكة بينهما أحد وأربعون ميلا. [ (2) ] الحارك: أعلى الكاهل، وهو عظم مشرف من جانبيه، ومنبت أدنى العرف إلى الظهر الّذي يأخذ به من يركبه. [ (3) ] المنصرف: موضع بين مكة وبدر، وبينهما أربعة برد. [ (4) ] المصلى: لغة: موضع الصلاة، وهو هنا موضع بعينه في عقيق المدينة كما ذكر ياقوت الحموي في (معجم البلدان) : 5/ 168، موضع رقم (11309) . [ (5) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 25. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 [ثامن وعشرون: عذوبة الماء بريقه المبارك] فخرج أبو نعيم من حديث محمد بن عبد اللَّه الأنصاري قال: حدثني أبي عن ثمامة، عن أنس رضي اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي فيطيل القيام، وإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بزق في بئر داره، قال: فلم يكن في المدينة بئر أعذب منها، قال: وكانوا إذا حضروا استعذب لهم منها، وكانت تسمى في الجاهلية البرود [ (1) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 444، باب بوله وغائطه، حديث رقم (366) وقال فيه: «بال في بئر داره» ، وما أثبتناه من (خ) ، وهذا الحديث انفرد به أبو نعيم، حيث لم أجده عند غيره. والبرود: بالفتح ثم الضم وسكون الواو ودال مهملة، قال يعقوب: البرود فيما بين ملل وبين طرف جبل جهينة. قال: والبرود أيضا بطرف حرة النار أودية يقال لهن البوادر. والبرود: واد فيه بئر بطرف حرة ليلى، قال: والبرود قرب رابغ، ورابغ بين الجحفة وودّان، (معجم البلدان) : 1/ 481، موضع رقم (1823) ، والبرود، اسم ماء لبني بدر، من بني ضمرة، (معجم ما استعجم) : 1/ 246. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 [تاسع وعشرون: حبس الدمع بما نضحه صلّى اللَّه عليه وسلم في وجه امرأة] وأما حبس الدمع بما نضحه صلّى اللَّه عليه وسلم في وجه امرأة، فخرج أبو نعيم من حديث بشار بن عبد الملك قال حدثتني جدتي أم حكيم قالت: سمعت أم إسحاق تقول: هاجرت مع أخي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة، فلما كنت في بعض الطريق قال لي أخي: اقعدي يا أم إسحاق [ (1) ] ، فإنّي نسيت نفقتي بمكة، فقلت: إني أخشى عليك الفاسق زوجي، قال: كلا إن شاء اللَّه، قالت: فأقمت أياما فمرّ بي رجل قد عرفته ولا أسميه، فقال: يا أم إسحاق! ما يجلسك هاهنا؟ قلت: انتظر إسحاق، قال: لا إسحاق لك، قد قتله زوجك، فتحملت حتى قدمت المدينة، فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يتوضأ، فقمت بين يديه فقلت: يا رسول اللَّه! قتل إسحاق، وجعلت كلما انظر إليه نكّس [في الوضوء] [ (2) ] ثم أخذ كفا من ماء فنضحه في وجهي. قال: قالت جدتي: فقد كانت تصيبها المصيبة فنرى الدموع في عينيها فلا تسيل على خديها [ (3) ] . [قال ابن عبد البر: أم إسحاق الغنوية هاجرت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يروي عنها أهل البصرة] [ (4) ] ، [حديثها فيمن أكل ناسيا غريب الإسناد] [ (5) ] .   [ (1) ] اسمها فاطمة، وقيل: جويرية، وهي التي هاجرت الهجرتين: إلى أرض الحبشة وإلى المدينة. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 467- 468، قصة أم إسحاق، حديث رقم (399) ، وذكره البخاري في (التاريخ الكبير) : 2/ 129، ترجمة رقم (1931) ، وبشار بن عبد الملك ذكره ابن حبان في (الثقات) : 6/ 113. [ (4) ] زيادة من (خ) . [ (5) ] زيادة من (الاستيعاب) : 4/ 1925، ترجمة رقم (4120) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 [ثلاثون: ذهاب الحزن وسرور النفس ببركة ما غمس فيه يده الكريمة صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما ذهاب الحزن وسرور النفس ببركة ما غمس فيه يده الكريمة صلّى اللَّه عليه وسلم، ومضمض فاه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال الواقدي- رحمه اللَّه- في غزوة بدر: بينا حارثة بن سراقة كارعا [ (1) ] في الحوض، إذ أتاه سهم غرب، فوقع في نحره، فلقد شرب القوم آخر النهار من دمه، فبلغ أمه وأخته- وهم بالمدينة- مقتله، فقالت أمه: واللَّه لا أبكي عليه حتى يقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأسأله، فإن كان ابني في الجنة لم أبك عليه، وإن كان ابني في النار بكيته [لعمر اللَّه] [ (2) ] فأعولته. فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من بدر، جاءت أمه فقالت: يا رسول اللَّه، قد عرفت موقع حارثة من قلبي [فأردت أن] [ (2) ] ، أبكي عليه، ثم قلت لا أفعل حتى أسأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فإن كان في الجنة لم أبك عليه وإن كان في النار بكيته فأعولته، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أهبلت!؟ جنة واحدة، إنها جنان كثيرة، والّذي نفسي بيده إنه لفي الفردوس الأعلى، قالت: فلا أبكي عليه أبدا، ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بإناء من ماء، فغمس يده فيه ومضمض فاه، ثم ناول أم حارثة فشربت، ثم ناولت ابنتها فشربت، ثم أمرهما فنضحتا في جيوبهما ففعلتا، فرجعتا من عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وما بالمدينة امرأتان أقر عينا منهما ولا أسرّ. هكذا أورد محمد بن عمر الواقدي هذا الحديث في (كتاب المغازي) بغير إسناد [ (3) ] . وقد خرج الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري في (كتاب الجامع الصحيح) ، في كتاب الرقاق، في باب صفة الجنة والنار، من حديث إسحاق عن   [ (1) ] كل خائض ماء شرب أو لم يشرب. (اللسان) : 8/ 308. [ (2) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 94، وقد ذكره الواقدي معطوفا على الخبر الّذي قبله ولعلّ الخبرين بإسناد واحد وهو: «حدثني أسامة بن زيد عن داود بن الحصين: عن رجال عن بني عبد الأشهل عدة ... » . وقد ذكره الإمام البخاري في الفقرة التالية مما يؤكد على صحته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 حميد قال: سمعت أنسا يقول: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه! قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يك بالجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع؟ فقال: ويحك! أهبلت؟ أو جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس [ (1) ] ومن حديث إسماعيل بن جعفر، عن حميد عن أنس، أن أم حارثة أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد هلك حارثة يوم بدر- أصابه سهم غرب- فقالت: يا رسول اللَّه! قد علمت موقع حارثة من قلبي، فإن كان في الجنة لم أبك عليه، وإلا سوف ترى ما أصنع، فقال لها: أجنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في الفردوس الأعلى [ (2) ] . وحارثة هذا هو حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأمه أم حارثة عمه أنس بن مالك. قتله حبان ابن العرقة يوم بدر بسهم وهو يشرب من الحوض- وكان خرج نظّارا- رماه فأصاب حنجرته فقتله.   [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 506، كتاب الرقاق، باب (51) صفة الجنة والنار، حديث رقم (6550) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 509- 510، حديث رقم (6567) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 [حادي وثلاثون: عذوبة الماء ببركته عليه السلام] وأما عذوبة الماء ببركته صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال الزبير بن بكار: حدثني إبراهيم بن حمزة عن إبراهيم بن قسطاس، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي قال: مرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة ذي قرد على ماء يقال له بيسان [ (1) ] ، فسأل عنه فقيل: اسمه يا رسول اللَّه بيسان [ (1) ] ، وهو مالح، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا بل هو نعمان وهو طيب، فغيّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اسمه، وغيّر اللَّه تبارك وتعالى الماء ببركته صلّى اللَّه عليه وسلم، فاشتراه طلحة بن عبيد اللَّه رضي اللَّه عنه [ثم تصدق به] [ (2) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم! ما أنت يا طلحة إلا فيّاض، فبذلك سمى رضي اللَّه عنه: طلحة الفياض. وضبطه البكري- رحمة اللَّه تعالى عليه- بفتح أوله وبالسين المهملة [ (3) ] .   [ (1) ] موضعان: أحدهما بالشام، والثاني بالحجاز. [ (2) ] زيادة للسياق من المرجع التالي. [ (3) ] ذكره ياقوت الحموي في (معجم البلدان) : 1/ 625، موضع رقم (2354) ، وأبو عبيدة البكري في (معجم ما استعجم) : 1/ 292، كلاهما عن الزبير بن بكار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 [ثاني وثلاثون: زيادة بقية أزواد القوم ببركة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما زيادة بقية أزواد القوم ببركة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم عند مرجعه من الحديبيّة ومرجعه من تبوك، فخرج البخاري ومسلم من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال: خفّت أزواد الناس وأملقوا، فأتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في نحر إبلهم فأذن لهم، فلقيهم عمر رضي اللَّه عنه، فأخبروه فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: [ناد] الناس فيأتون بفضل أزوادهم، فبسط لذلك [نطعا] فجعلوه فوق النطع، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فدعا وبرّك، ثم دعاهم بأوعيتهم، فاجتنى الناس حتى فرغوا، ثم قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه [ (1) ] . وخرج مسلم والنسائي من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم قال: حدثنا عبيد اللَّه الأشجعي، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في مسير، قال: فنفدت أزواد القوم، قال: حتى هموا بنحر بعض حمائلهم، قال: فقال عمر رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت اللَّه عليها؟ قال: ففعل، قال: فجاءه ذو البر ببرّه، وذو التمر بتمره، قال: وقال مجاهد: وذو النواة بنواه، قلت: وما كانوا يصنعون بالنوى؟ قال: يمصونه ويشربون عليه الماء، قال: فدعا عليها، قال: حتى ملأ القوم أزودتهم، قال: فقال عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، لا يلقى اللَّه بهما عبد غير شاك إلا دخل الجنة [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 161- 162، كتاب الشركة، باب (1) الشركة في الطعام والنهد والعروض، حديث رقم (2484) ، (فتح الباري) : 6/ 159- 160، كتاب الجهاد والسير باب (123) حمل الزاد في الغزو، وقول اللَّه عز وجل: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى [البقرة: 197] ، حديث رقم (2982) ، وقول عمر رضي اللَّه عنه: «ما بقاؤكم بعد إبلكم» أي لأن توالي المشي ربما أفضى إلى الهلاك. قال ابن بطال: استنبط منه بعض الفقهاء أنه يجوز للإمام في الغلاء إلزام من عنده ما يفضل عن قوته أن يخرجه للبيع، لما في ذلك من صلاح الناس، وفيه جواز المشورة على الإمام بالمصلحة، وإن لم يتقدم منه الاستشارة. مختصرا من (فتح الباري) : 6/ 161. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 1/ 332- 336، كتاب الإيمان، باب (10) الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، حديث رقم (27) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 وخرجه النسائي من حديث أبي أسامة عن مالك- وهو ابن مغول- عن طارق أبي صالح قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مسير إذ نفذت أزواد القوم ... ، وساق الحديث مرسلا. ذكره في الجهاد [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة- أو عن أبي سعيد، شك الأعمش- قال: لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة فقالوا: يا رسول اللَّه! لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلناها وادّهنّا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: افعلوا، قال: فجاء عمر فقال: يا رسول اللَّه! إن فعلت قال الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع اللَّه عليها بالبركة، لعل اللَّه أن يجعل في ذلك. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: نعم، قال: فدعا بنطع فبسطه، ثم دعي بفضل أزوادهم، قال: جعل الرجل يجيء بكف ذره، قال: ويجيء الآخر بكف تمر، قال: ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، قال: فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالبركة وقال: خذوا في أوعيتكم، قال: فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه، قال: فأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه، لا يلقى اللَّه بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة [ (2) ] . وخرج أيضا في آخر كتاب اللقطة [ (3) ] من حديث النّضر بن محمد اليمامي قال: حدثني عكرمة- وهو ابن عمار- قال: حدثنا إياس بن سلمة عن أبيه قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة، فأصابنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا، فأمر نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجمعنا أزوادنا، فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم على النطع، فتطاولت لأحرزه كم هو؟ فحزرته كربضة العنز، ونحن أربع عشرة مائة   [ (1) ] لعله في (السنن الكبرى) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 1/ 337- 339، حديث رقم (45) من أحاديث الباب، وفي هذا الحديث جواز خلط المسافرين أزوادهم وأكلهم مجتمعين، وإن كان بعضهم يأكل أكثر من بعض، وقد نصّ أصحابنا على أن ذلك سنة. واللَّه تعالى أعلم (المرجع السابق) . [ (3) ] في (خ) : «الأقضية» ، وهو خطأ من الناسخ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 قال: فأكلنا حتى شبعنا، ثم حشونا جربنا، فقال نبيّ اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فهل من وضوء؟ قال: فجاء رجل بإداوة فيها نطفة ماء فأفرغها في قدح، فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشر مائة، قال: ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا: هل من طهور؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فرغ الوضوء [ (1) ] . وقال البيهقي- رحمة اللَّه عليه-: ورواه عاصم بن عبيد اللَّه، عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، وقال في غزوة تبوك، وروى عن عبد الرحمن ابن أبي عمرة الأنصاري عن أبيه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة، وروى عن أبي حبيش الغفاريّ قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة تهامة حتى كنا بعسفان، فذكر القصة وزاد: ثم أذن بالرحيل فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا، فنزل ونزلوا، وشربوا من ماء السماء. والأحاديث كلها متفقة في دعائه في بقية الأزواد، وإجابة اللَّه تعالى دعاءه بظهور البركة فيها حتى ملئوا أوعيتهم وفضلت فضلة [ (2) ] . وخرج مسلم من طريق موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: قال ابن عباس رضي اللَّه عنه: لما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الحديبيّة، كلمه بعض أصحابه فقالوا: جهدنا وفي الناس ظهر فانحره لنا فنأكل من لحومه، ولندهن من شحومه، ولنحتذي من جلوده، فقال عمر بن الخطاب: لا تفعل يا رسول اللَّه، فإن الناس إن يكن   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 276- 278، كتاب اللقطة، باب (5) استحباب خلط الأزواد إذا قلت والمؤاساة فيها، حديث رقم (1729) ، وربضة العنز: أي كمبركها، أو كقدرها وهي رابضة، قوله: ندغفقه دغفقة: أي نصبّه صبّا شديدا، وفي هذا الحديث معجزتان ظاهرتان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هما تكثير الطعام، وتكثير الماء هذه الكثرة الظاهرة، قال المازري في تحقيق المعجزة: في هذا أنه كلما أكل منه جزء أو شرب جزء، خلق اللَّه تعالى جزءا آخر، وفي هذا الحديث استحباب المواساة في الزاد، وجمعه عند قلته، وجواز أكل بعضهم مع بعض في هذه الحالة، وليس هذا من الربا في شيء، وإنما هو من نحو الإباحة، وكل واحد مبيح لرفقته الأكل من طعامه، وسواء تحقق الإنسان أنه أكل أكثر من حصته أو دونها أو مثلها، فلا بأس بهذا، لكن يستحب له الإيثار والتعلل، ولا سيما إن كان في الطعام قلة، واللَّه تعالى أعلم، مختصرا من (المرجع السابق) : 287- 288، (دلائل البيهقي) : 4/ 118- 119. [ (2) ] (دلائل البيهقي) 5/ 230- 231. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 معهم بقية ظهر أمثل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أبسطوا أنطاعكم وعباءكم، ففعلوا، ثم قال: من كان عنده بقية من زاد وطعام فلينتره، ودعا لهم ثم قال: قربوا أوعيتكم فأخذوا ما شاء اللَّه [ (1) ] . وخرج البيهقي من حديث عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن أبي الطفيل، عن عبد اللَّه بن عباس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما نزل مرّ في صلح قريش، قال أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه، لو انتحرنا من ظهورنا فأكلنا من لحومها وشحومها وحسونا من المرق وأصبحنا غدا إذا غدونا عليهم وبنا جمام، قال: لا، [ولكن ائتوني] [ (2) ] بما فضل من أزوادكم، فبسطوا أنطاعا ثم صبوا عليها فضول ما فضل من أزوادهم، فدعا عليهم [ (3) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالبركة، فأكلوا حتى تضلعوا، [شبعا] [ (2) ] ثم لفّفوا ما فضل من أزوادهم في جربهم [ (4) ] . وقال الواقدي في مغازيه: قام [ (5) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالحديبية بضعة عشرة يوما- ويقال: عشرين ليلة- فلما انصرف من الحديبيّة نزل بمر الظهران، ثم نزل عسفان فأرملوا [ (6) ] من الزاد، فشكى الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنهم قد بلغوا [ (7) ] الجهد من الجوع، [وفي الناس ظهر وقالوا:] [ (8) ] ، ننحر يا رسول اللَّه وندّهن من شحومه، ونتخذ من جلوده حذاء، فأذن لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخبر بذلك عمر ابن الخطاب، فجاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! لا تفعل، فإن يكن في الناس بقية ظهر يكن أمثل، ولكن ادعهم بأزوادهم، ثم ادع اللَّه فيها، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالأنطاع فبسطت، ثم نادى مناديه: من كان عنده بقية من زاد   [ (1) ] لم أجده بهذه السياقة في (صحيح مسلم) ، ولكن أحاديث الباب تؤيده وتشهد على صحته، وقد رواه البيهقي في (دلائل النبوة) : 4/ 119. [ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (3) ] في (خ) : «عليها» . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 120. [ (5) ] في (خ) : «وأقام» . [ (6) ] أرمل القوم: إذا نفد زادهم. [ (7) ] كذا في (خ) ، وفي (مغازي الواقدي) : «قد بلغوا من الجوع» . [ (8) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 فلينثره على الأنطاع، قال أبو شريح الكعبيّ: فلقد رأيت من يأتي بالتمرة الواحدة، وأكثرهم لا يأتي بشيء، ويؤتي بالكف من الدقيق والكف من السويق، وذلك كله قليل، فلما اجتمعت أزوادهم، وانقطعت موادّهم، مشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليها، فدعا فيها بالبركة، ثم قال: قربوا أوعيتكم فجاءوا بأوعيتهم. قال أبو شريح: فأنا حاضر، فيأتي الرجل فيأخذ ما شاء من الزاد، حتى أن الرجل ليأخذ ما لا يجد له محملا، ثم أذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالرحيل، فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا وهم صائفون، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونزلوا معه، فشربوا من ماء السماء [ (1) ] ، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخطبهم، فجاء ثلاثة نفر، فجلس اثنان مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وذهب واحد معرضا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا أخبركم خبر الثلاثة؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: أما الأول فاستحيا، فاستحيا اللَّه منه، وأما الآخر فتاب فتاب اللَّه عليه، أما الثالث فأعرض فأعرض اللَّه عنه [ (2) ] . وخرج الإمام أحمد- رحمه اللَّه- من حديث الأوزاعي قال: حدثني أبي قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة، فأصاب الناس مخمصة فاستأذن الناس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في نحر بعض ظهرهم وقالوا: يبلغنا اللَّه به، فلما رأى عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد همّ أن يأذن لهم في نحر ظهرهم. قال: يا رسول اللَّه! كيف بنا إذا لقينا العدو غدا جياعا رجالا، ولكن إن رأيت يا رسول اللَّه، أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم، فتجمعها ثم تدعو اللَّه فيها بالبركة، فإن اللَّه تبارك وتعالى سيبلغنا بدعوتك- أو قال: سيبارك لنا في دعوتك- فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الناس ببقايا أزوادهم. فجعل الناس يجيئون بالحفنة- وقال بعضهم: بالحثية- من الطعام وفوق ذلك، وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم قام فدعا ما شاء اللَّه أن يدعو، ثم دعا الجيش بأوعيتهم، وأمرهم أن يجيشوا [ (3) ] ، فما   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «من الماء» . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 616- 617. [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (مسند أحمد) : «يحتثوا» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 بقي في الجيش وعاء إلا ملئوه وبقي مثله، فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، لا يلقى اللَّه بهما عبد مؤمن بهما إلا حجبته عن النار [ (1) ] . وخرج البيهقي- رحمه اللَّه تعالى- من حديث سعيد بن سلمة قال: حدثني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن [عبد اللَّه بن] [ (2) ] أبي ربيعة، أنه سمع أبا خنيس الغفاريّ يقول: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة تهامة، حتى إذا كنا بعسفان جاء أصحابه فقالوا: يا رسول اللَّه! جهدنا الجوع فأذن لنا في الظّهر أن نأكله، قال: نعم، فأخبر بذلك عمر رضي اللَّه عنه فقال: يا نبي اللَّه! ما صنعت؟ أمرت الناس أن يأكلوا الظهر، فعلام يركبون؟ قال: فما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: أن تأمرهم- وأنت أفضل رأيا- فيجمعوا فضل [ (3) ] أزوادهم في ثوب، ثم تدعو اللَّه لهم، فإنّ اللَّه يستجيب لك. فأمرهم فجمعوا فضل أزوادهم في ثوب، ثم دعا اللَّه لهم ثم قال: ائتوا بأوعيتكم، فملأ كل إنسان وعاءه، ثم أذن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالرحيل، فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا، ونزل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ونزلوا معه، وشربوا من ماء السماء وهم بالكراع، ثم خطبهم به، فجاء ثلاثة، فجلس اثنان مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وذهب آخر معرضا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما واحد فاستحيا من اللَّه فاستحيا اللَّه منه، وأما الآخر فأقبل تائبا إلى اللَّه فتاب اللَّه عليه، وأما الآخر فأعرض فأعرض اللَّه عنه [ (4) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 429، حديث رقم (15023) ، ونحوه أو قريب منه في (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 14/ 464- 465، حديث رقم (6530) . [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] في المرجع السابق: «أفضل» . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 122، والجزء الأخير من هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب العلم (فتح الباري) : 1/ 207، باب (8) من فعد حيث ينتهي به المجلس، ومن رأى فرجه في الحلقة فجلس فيها، حديث رقم (66) ، وفي كتاب الصلاة، باب (84) الحلق والجلوس في المسجد، حديث رقم (474) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 وقال الواقدي في مغازيه: فلما أجمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المسير من تبوك أرمل الناس إرمالا شديدا فشخص على ذلك الحال حتى جاء الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يستأذنونه أن ينحروا ركابهم فيأكلوها، فأذن لهم، فلقيهم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه وهم على نحرها، فأمرهم أن يمسكوا عن نحرها، ثم دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في خيمة له فقال: أذنت للناس في نحر [حمولتهم يأكلونها] [ (1) ] ؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: شكوا إلى ما بلغ منهم من الجوع، فأذنت لهم ينحر الرفقة البعير والبعيرين، ويتعاقبون فيما فضل من ظهرهم وهم قافلون إلى أهليهم، قال: يا رسول اللَّه! لا تفعل، فإن يك في الناس فضل من ظهر يكون خيرا، فالظهر اليوم رقاق [ (2) ] ، ولكن ادع بفضل أزوادهم ثم اجمعها، فادع فيها بالبركة، كما فعلت في منصرفنا من الحديبيّة حيث أرملنا، فإن اللَّه سبحانه وتعالى مستجيب لك. فنادى منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من كان عنده فضل زاد فليأت به، وأمر بالأنطاع فبسطت، فجعل الرجل يأتي بالمد الدقيق والسويق أو التمر، أو القبضة من الدقيق والسويق والتمر والكسر، فيوضع كل صنف من ذلك على حدة، وكل ذلك قليل، فكان جميع ما جاءوا به من الدقيق والسويق والتمر ثلاثة أفراق [ (3) ] حرزا [ (4) ] ، ثم قام فتوضأ وصلى ركعتين، ثم دعا اللَّه تعالى أن يبارك فيه. فكان أربعة من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يحدثون جميعا حديثا واحدا، حضروا ذلك وعاينوه: أبو هريرة، وأبو حميدي الساعدي، وأبو زرعة الجهنيّ معبد بن خالد، وسهل بن سعد الساعدي، قالوا: ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فنادى مناديه [هلموا] [ (1) ] إلى الطعام خذوا منه حاجتكم. فأقبل الناس فجعل كل من جاء بوعاء ملأه، فقال بعضهم: لقد طرحت يومئذ كسرة من خبز، وقبضة من تمر، ولقد رأيت الأنطاع تفيض، وجئت بجرابين فملأت أحدهما سويقا والآخر خبزا، وأخذت في ثوبي دقيقا ما كفاني إلى المدينة،   [ (1) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) . [ (2) ] رقاق: جمع رقيق أي ضعيف. [ (3) ] الأفراق: جمع فرق، وهو مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع، أو يسع ستة عشر رطلا أو أربعة أرباع. [ (4) ] الحرز: التقدير والخرص. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 فجعل الناس يتزودون الزاد حتى نهلوا عن آخرهم، حتى كان آخرهم ذلك أن أخذت الأنطاع ونثرنا [ (1) ] ما عليها، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول- وهو واقف-: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأني عبده ورسوله، وأشهد أنه لا يقولها أحد من حقيقة قلبه إلا وقاه اللَّه حر النار [ (2) ] . وقد رويت هذه القصة من طرق: فرواها [أبو نعيم] من طريق عاصم بن عبيد اللَّه ابن عاصم بن عمر عن أبيه، عن جده عمر قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى إذا كنا بعين الروم- التي يقال لها غزوة تبوك- يقول: أصحابنا جوع شديد فقلت: يا رسول اللَّه! نلقى العدو غدا وهم شباع ونحن جياع، فخطب الناس ثم قال: من كان عنده فضل طعام فليأتنا به، وبسط نطعا فأتى بتسع وعشرين صاعا فجلس ودعا بالبركة، ثم دعا الناس وقال: خذوا، فأخذوا حتى جعل الرجل يربط كم قميصه ثم يأخذ فيه، ففضل فضلة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، لا يقولها رجل فيدخل النار [ (3) ] . وفي رواية ابن إسحاق رضي اللَّه عنه، عن يزيد مولى نوفل بن الحارث، عن عاصم بن عبيد اللَّه، عن عاصم بن عمر، عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة تبوك، فقلت: يا رسول اللَّه! يخرج إلينا الروم وهم شباع ونحن جياع، وأرادت الأنصار أن ينحروا نواضحهم. فإذا منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ينادي في الناس: من كان عنده فضل من زاد فليأتنا به، فحرزنا جميع ما جاءوا به فوجدناه سبعا وعشرين صاعا، فجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى جنبه فدعا فيه ثم قال: أيها الناس، خذوا ولا تنتبهوا، قال: فأخذوا في الجرب والغرائر، حتى جعل الرجل يعقد قميصه فيأخذ فيه حتى صدروا، وإنه نحو مما كانوا أخذوه.   [ (1) ] في (مغازي الواقدي) : «ونثر» . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1037- 1039، وهذه القصة جزء من حديث طويل سنده: حدثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعيد، عن عرباض بن سارية قال: كنت ألزم باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الحضر والسفر ... ، وساق القصة من أولها. (المرجع السابق) 1036. [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 418- 419، حديث رقم (325) ، (326) من الفصل الثاني والعشرين، في ربو الطعام بحضرته وفي سفره، لكن بسياقات مختلفة، وأسانيد مختلفة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 قال القاضي عياض- رحمه اللَّه- وقد أجمع على معنى حديث هذا الفصل بضعة عشر من الصحابة، رواه عنهم أضعافهم من التابعين، ثم من لا يعد من بعدهم، وأكثرها في قصص مشهورة، ومجامع مشهودة، لا يمكن التحدث عنها إلا بالحق، ولا يسكت المحاضر لها على ما أنكر و [منها] [ (1) ] ، واللَّه تعالى أعلم [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (الشفا) . [ (2) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 195، فصل ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه صلّى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 [ثالث وثلاثون: تكثير طعام صنعه جابر بن عبد اللَّه بالخندق] وأما تكثير طعام صنعه جابر بن عبد اللَّه بالخندق، فخرج البخاري في غزوة الخندق، من حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال: أتيت جابرا فقال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كيدة شديدة، فجاءوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا، هذه كيدة عرضت الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولنا ثلاثة أيام لا نذوق ذوقا، فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيبا أهيل- أو أهيم- فقلت: يا رسول اللَّه؟ ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا ما في ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيّم لي، فقم أنت يا رسول اللَّه ورجل أو رجلان، قال: كم هو؟ فذكرت له، فقال: كثير طيب، قال: قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي، قال: قوموا، فقام المهاجرون. فلما دخل على امرأته قال لها: ويحك! جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم، قال: ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم، ويخمّر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، فقال: كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة [ (1) ] . وخرج البخاري في غزوة الخندق، ومسلم في الأشربة [ (2) ] من حديث أبي قاصم، أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان، أخبرنا سعيد بن مينا، سمعت جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: لما حفر الخندق رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خميصا، فانكفأت إلى امرأتي فقلت: هل عندك شيء؟ فإنّي رأيت رسول   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 502- 503، كتاب المغازي، باب (30) غزوة الخندق وهي الأحزاب، قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع، حديث رقم (4101) ، والكيدة: القطعة الشديد الصلبة من الأرض. [ (2) ] في (خ) : الأطعمة، والصواب ما أثبتناه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خمصا شديدا فأخرجت إلى جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن، فذبحتها وطحنت الشعير، وفرغت إلى فراغي، وقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: لا تفضحني برسول [ (1) ] اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وبمن معه. قال: فجئته فساررته فقلت: يا رسول اللَّه! ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعا من شعير كان عندنا، فتعال أنت [ونفر] [ (2) ] معك، فصاح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا أهل الخندق، إن جابرا قد صنع سورا [فحي هلا] [ (2) ] بكم، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء. قال: فجئت وجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي، فقالت: بك وبك، فقلت: قد فعلت الّذي قلت لي، فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ثم قال: ادع خابزة فلتخبز معي، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها، وهم ألف، فأقسم باللَّه لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجينا ليخبز [كما هو] [ (1) ] لفظهما فيه متقارب [ (3) ] .   [ (1) ] في (خ) : «مع رسول» ، وما أثبتناه من رواية البخاري. [ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 503، كتاب المغازي، باب (30) غزوة الخندق وهي الأحزاب، حديث رقم (4102) ، قوله: «فعاد كثيبا» أي رملا، قوله: «أهيل أو أهيم» شك من الراويّ، في رواية الإسماعيلي «أهيل» بغير شك، وكذا عند يونس، وفي رواية أحمد «كثيبا يهال» ، والمعنى أنه صار رملا يسيل ولا يتماسك. قال تعالى: وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا، [المزمل: 4] ، وأخرجه أيضا البخاري في كتاب الجهاد والسير باب (188) من تكلم بالفارسية والرطانة، وقول اللَّه عزّ وجلّ: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ [الروم: 22] ، وقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: 4] ، حديث رقم (3070) ، وذكره الإمام مسلم في (الصحيح) ، كتاب الأشربة، باب (20) جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه ذلك، ويتحقق تحققا تاما، واستحباب الاجتماع على الطعام، حديث رقم (2039) . وشرح الغريب: (الخمص والخميص) : الضامر البطن. (البهيمة) : تصغير البهمة، وهي ولد الضأن، ويقع على المذكر منها والمؤنث، والسخال: أولاد المعزي، فإذا اجتمعت البهائم والسّخال، قلت لها جميعا: بهام وبهم. (الداجن) : الشاة التي تألف البيت وتتربى فيه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 وقال الواقدي رحمه اللَّه: فحدثني محمد بن زياد بن أبي هنيدة، عن محمد ابن إبراهيم بن الحارث، عن جابر بن عبد اللَّه قال: أصاب الناس كدية يوم الخندق فضربوا فيها جميعا بمعاولهم حتى انكسرت، فدعوا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لها فدعا بماء فصبه عليها فعادت كثيبا. قال جابر: فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يحفر ورأيته خميصا، ورأيت بين كعنه الغبار، فأتيت امرأتي فأخبرتها بما رأيت من خمص بطن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: واللَّه ما عندنا شيء إلا هذه الشاة، ومدّ من شعير، قال جابر: فاطحني وأصلحي، فطبخنا، وشوينا بعضها وخبزنا الشعير ثم أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمكثت حتى رأيت أن الطعام قد بلغ، فقلت يا رسول اللَّه! قد صنعت لك طعاما فأت أنت ومن أحببت من أصحابك، فشبك أصابعه في أصابعي ثم قال: أجيبوا جابرا يدعوكم. قال: فأقبلوا معه فقلت: واللَّه إنها الفضيحة! فأتيت المرأة فأخبرتها فقالت: أنت دعوتهم أو هو دعاهم؟ فقلت: بل هو دعاهم، قالت: دعهم فهو أعلم. قال: فأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأمر أصحابه فكانوا فرقا عشرة عشرة، ثم قال لنا، اغرفوا وغطوا البرمة، وأخرجوا من التنور الخبز ثم غطوه، ففعلنا، فجعلنا نغرف ونغطي البرمة، ثم نفتحها فما نراها نقصت شيئا، ونخرج الخبز من التنور ثم نغطيه فما نراه ينقص شيئا، فأكلوا حتى شبعوا، وأكلنا وأهدينا،   [ () ] (السور) : لفظة فارسية معناها: الوليمة، والطعام الّذي يدعى إليه، قال الأزهري: في هذا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قد تكلم بالفارسية. (حيهلا) : كلمتان جعلتا في كلمة واحدة، ومعناها: تعالوا وعجلوا، وفي حديث الأذان: «أن يحوقل بين الحيعلتين» . (اقدحي) : قدحت القدر: إذا ما غرفت ما فيها، والقديح: المرق، فعيل بمعنى مفعول، والمقدحة: المغرفة. (لتغط) : غطّت القدر تغط: غلت، وغطيطها: صوتها. (الكدية) : حجر صلب يعرض لحافر البئر فيتعبه حفره. (الكثيب) : المجتمع من الرمل. (أهيل) : انهل وانهال الرمل: إذا سال وجرى، وهلته أنا فانهال، وأهلته: لغة فيه، وأما «أهيم» فهو من الهيام، وهو الرمل الّذي يكون ترابا دقاقا يابسا (جامع الأصول) : 11/ 353- 356، حديث رقم (8909) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 فعمل الناس يومئذ كلهم، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم معهم، وجعلت الأنصار ترجز وتقول: نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ لا خير إلا خير الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة [ (1) ] وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، من حديث عبد الرحمن بن محمد البخاري، عن عبد الرحمن بن أيمن عن أبيه، عن جابر بمعناه، ثم قال: أخبرني جابر أنهم كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة- شك أيمن.   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 452- 453. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 [رابع وثلاثون: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في الأكل من القصعة] وأما ظهور بركته في الأكل من القصعة، فخرج الترمذي من حديث يزيد ابن هارون، قال: حدثنا سليمان التيمي عن أبي العلاء، عن سمرة بن جندب قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نتداول في قصعة من غدوة حتى الليل، يقوم [ (1) ] عشرة ويقعد [ (1) ] عشرة، [قلنا فما كانت] [ (2) ] تمد؟ قال: من أي شيء تعجب ما كانت تمد إلا من هاهنا- وأشار بيده إلى السماء- قال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو العلاء اسمه يزيد بن عبد اللَّه بن الشّخّير [ (3) ] . وخرجه النسائي [ (4) ] بهذا الإسناد في الأطعمة، وخرجه البيهقي [ (5) ] والحاكم [ (6) ] وصححه من حديث عبد الأعلى بن حماد النّرسيّ قال: حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه، عن أبي العلاء عن سمرة بن جندب، أن قصعة كانت عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فجعل الناس يأكلون منها. قال: فكلما شبع قوم قاموا وجلس مكانهم أناس آخرون، كذلك إلى صلاة الأولى، فقال رجل: أما كانت تمد بشيء؟ فقال سمرة فمم تعجب؟ لو كانت تمد بشيء لم تتعجب، ما كانت تمد إلا من هاهنا- فأومأ إلى السماء- أو كما قال.   [ (1) ] في (خ) : «نقوم» ، و «نقعد» . [ (2) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 553، كتاب المناقب، باب (5) في آيات إثبات نبوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وما قد خصه اللَّه عزّ وجلّ به، حديث رقم (3625) . [ (4) ] لم أجده في (سنن النسائي) ، ولعله في (الكبرى) . [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 93، وفي (خ) : «فأوحى إلى السماء» . [ (6) ] المستدرك) : 2/ 675، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، باب ذكر أخبار سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب المصطفى، صلوات اللَّه وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، حديث رقم (4233/ 243) ، قال الحاكم، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم. وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 648، حديث رقم (19684) ، وحديث رقم (19622) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 وخرج أبو بكر بن شيبة من حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا سليمان التيمي عن أبي العلاء، عن سمرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أتى بقصعة من ثريد فوضعت بين يدي القوم، فتعاقبوها إلى الظهر من غدوة، يقوم قوم ويجلس آخرون، فقال رجل لسمرة: أكانت تمد؟ فقال سمرة: من أي شيء تعجب؟ ما كانت تمد إلا من هاهنا- وأشار بيده إلى السماء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 [خامس وثلاثون: أكل مائة وثمانون رجلا من صاع طعام] وأما أكل مائة وثمانين رجلا من صاع طعام وأخذ كل منهم حزّة من سواد بطن شاه، فخرج البخاري ومسلم من حديث المعتمر بن سليمان قال: حدثنا أبي عن أبي عثمان، حدث أيضا عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: [ (1) ] كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاثين ومائة، فقال النبي: هل مع أحد منكم طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أبيع أم عطية- أو قال: أم هبة- قال: لا بل بيع، فاشترى منه شاة فصنعت، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسواد البطن أن يشوي. قال: وأيم اللَّه ما في الثلاثين ومائة إلا حزّ له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حزّة من سواد بطنها، إن كان شاهدا أعطاه إياه، وإن كان غائبا خبأه له، قال: وجعل منها قصعتين فأكلنا منها أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين فحملته على البعير، أو كما قال. ذكره البخاري في كتاب الأطعمة في باب من أكل حتى شبع، وذكره في كتاب الهبة في باب قبول الهدية من المشركين، قال بعقبه في رواية المستملي: مشقان طويل جدا فوق الطول. واللَّه تعالى أعلم.   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 516، كتاب البيوع، باب (99) الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب، حديث رقم (2216) ، 5/ 287- 288، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (28) قبول الهدية من المشركين، حديث رقم (2618) ، 9/ 658 كتاب الأطعمة، باب (6) من أكل حتى شبع، حديث رقم (5382) ، مشقان: إذا كان منتفش الشعر ثائر الرأس، سواد البطن: الكبد، (جامع الأصول) : 11/ 363. حديث رقم (8912) ، (مسلم بشرح النووي) : 14/ 260- 261 ، كتاب الأشربة، باب (32) إكرام الضيف وفضل إيثاره، حديث رقم (2056) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 [سادس وثلاثون: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في طعام أبي بكر] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في الطعام الّذي كان في دار أبي بكر رضي اللَّه عنه، فخرج البخاري في باب علامات النبوة في الإسلام، وخرج مسلم في كتاب الأشربة [ (1) ] ، من حديث المعتمر بن سليمان قال أبي: حدثنا أبو عثمان أنه حدثه عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء، وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، بسادس، أو كما قال، وأن أبا بكر رضي اللَّه عنه جاء بثلاثة، وانطلق نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعشرة، وأبو بكر بثلاثة، قال: فهو أنا وأبي وأمي، فلا أدري هل قال وامرأتي وخادم بين بيتنا وبيت أبي بكر. قال: وإن أبا بكر رضي اللَّه عنه تعشى عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم لبث حتى صلى العشاء ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء اللَّه. قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ - أو قالت: ضيفك- قال: وما عشيّتيهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء، قد عرضوا عليهم فغلبوهم، قال: فذهبت أنا فاختبأت فقال: يا غنثر، فجدّع وسبّ وقال له: كلوا لا هنيئا، فقال: واللَّه لا أطعمه أبدا، قال وأيم اللَّه ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، قال: [يعني حتى شبعوا] [ (2) ] ، فصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر رضي اللَّه عنه فإذا هي كما هي أو أكثر، قال لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا؟ قالت: لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات، فأكل منها أبو بكر رضي اللَّه عنه وقال: إنما كان ذلك من الشيطان- يعني يمينه- ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأصبحت عنده، قال: وكان بيننا وبينهم عهد فمضى الأجل ففرقنا اثنا عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس اللَّه أعلم كم مع كل   [ (1) ] في (خ) : «الأطعمة» ، وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (2) ] زيادة للسياق من (البخاري) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 رجل، غير أنه بعث معهم، قال فأكلوا منها أجمعون أو كما قال [ (1) ] . وخرجه البخاري في كتاب الصلاة في باب السمر مع الأهل والضيف، وقال فيه: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن أربع فخامس أو سادس، وأن أبا بكر رضي اللَّه عنه جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعشرة، قال: فهو أنا وأبي وأمي، فلا أدري هل قال: وامرأتي وخادم. الحديث، وقال فيه [ثم حملها] إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين قوم عقد] [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 728- 729، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (87) ، ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف، حديث رقم (6140) . [ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 95- 96، كتاب مواقيت الصلاة، باب (41) السمر مع الضيف والأهل، حديث رقم (602) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق مه، (مسلم بشرح النووي) : 13/ 261، كتاب الأشربة، باب (32) ، إكرام الضيف وفضل إيثاره حديث رقم (2057) قوله: «غنثر» : هو ذباب أزرق، شبهه به لتحقيره. قوله: «فجدع وسب» : أي دعا عليه بالجدع، وهو قطع الأذن، أو الأنف، أو الشفة. قوله: «يا أخت بني فراس» خاطب أبو بكر بذلك امرأته أم رومان، وبنو فراس- بكسر الفاء وتخفيف الراء وآخره مهملة- ابن غنم بن مالك بن كنانة، وقال النووي: يا من هي من بني فراس، أو المعنى: يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس. وفي هذا الحديث من الفوائد: * التجاء الفقراء إلى المساجد عند الاحتياج إلى المواساة، إذا لم يكن في ذلك إلحاح، ولا إلحاف، ولا تشويش على المصلين. * وفيه استحباب مواساتهم عند اجتماع هذه الشروط. * وفيه جواز الغيبة عن الأهل، والولد، والضيف، إذا أعدت لهم الكفاية. * وفيه تصرف المرأة فيما تقدم للضيف، والإطعام بغير إذن خاص من الرجل. * وفيه جواز سب الوالد للولد على وجه التأديب، والتمرين على أعمال الخير وتعاطيه. * وفيه جواز الحلف على ترك المباح. * وفيه توكيد الرجل الصادق لخبره بالقسم، وجواز الحنث بعد عقد اليمين. * وفيه التبرك بطعام الأولياء والصلحاء. * وفيه عرض الطعام الّذي تظهر فيه البركة على الكبار وقبولهم ذلك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 [سابع وثلاثون: رزق اللَّه تعالى أهل بيت من الأنصار ذوي حاجة ببركته صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما رزق اللَّه تعالى أهل بيت من الأنصار ذوي حاجة من حيث لا يحتسبوا ببركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البيهقي من حديث أبي بكر بن عياش، عن هشام بن حسّان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: أتى رجل أهله فرأى ما بهم من الحاجة، فخرج إلى البرية فقالت امرأته: اللَّهمّ ارزقنا ما نعجن ونختبز، قال: فإذا الجفنة ملأى خميرا، والرحى تطحن، والتنور ملأى خبزا وشواء، فجاء زوجها فقال: هل عندكم [ (1) ] شيء؟ قالت: نعم، رزق اللَّه [ (2) ] ، فرفع الرحى فكنس ما حوله، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: لو تركها لدارت إلى يوم القيامة [ (3) ] . ومن حديث أبي صالح عبد اللَّه بن صالح قال: حدثني الليث بن سعد رضي اللَّه عنه ورحمه، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رجلا من الأنصار كان ذا [ (4) ] حاجة، فخرج يوما وليس عنده أهله شيء،   [ () ] * وفيه العمل بالظن الغالب، لأن أبا بكر ظن أن عبد الرحمن فرّط في أمر الأضياف، فبادر إلى سبه، وقوى القرينة عنده اختباؤه منه. * وفيه ما يقع من لطف اللَّه تعالى بأوليائه. وذلك أن خاطر أبي بكر تشوش، وكذلك ولده وأهله، وأضيافه، بسبب امتناعهم من الأكل وتكدر خاطر أبي بكر من ذلك حتى احتاج إلى ما تقدم ذكره من الحرج بالحلف، وبالحنث، وبغير ذلك. فتدارك اللَّه ذلك، ورفعه عنه، بالكرامة التي أبداها له، فانقلب ذلك الكدر صفاء، والنكد سرورا، وللَّه الحمد والمنة. (فتح الباري) : 6/ 745، مختصرا. وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 103- 104، باب ما جاء في البركة التي ظهرت في الطعام الّذي قدّم في دار أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه إلى أضيافه في زمان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «عندكم شيء» . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «رزق فرفع» . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 105، باب ما جاء في دعاء المرأة بالرزق في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ودعاء الآخر برد إبله وابنه عليه، وقول اللَّه عزّ وجلّ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 3] ، والحديث نقله ابن كثير في (التاريخ) عن البيهقي. [ (4) ] في (خ) : «في حاجة» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 فقالت امرأته: لو أني حركت رحاي وجعلت في تنوري سعفات، فسمع جيراني صوت الرحى ورأوا الدخان فظنوا أن عندنا طعاما وليس بنا [ (1) ] خصاصة، فقامت إلى تنورها فأوقدته وقعدت [ (2) ] تحرك الرحى، فأقبل زوجها وسمع الرحى، فقامت إليه لتفتح له الباب، فقال: ما كنت تطحنين؟ فأخبرته فدخل، وإن رحاهما لتدور وتصب دقيقا، فلم يبق في البيت وعاء إلا مليء، ثم خرجت إلى تنورها فوجدته مملوءا خبزا، فأقبل زوجها فذكر ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فما فعلت الرحى؟ قال: رفعتها ونفضتها، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: لو تركتموها ما زالت كما هي لكم حياتكم [ (3) ] .   [ (1) ] في (خ) : «وما بنا» . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «وقد تحرك الرحى» . [ (3) ] (المرجع السابق) : 105- 106، والحديث نقله ابن كثير في التاريخ عن البيهقي أيضا، وقال: «هذا الحديث غريب سندا ومتنا» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 [ثامن وثلاثون: أكل سبعين رجلا من قليل أقراص خبز شعير] وأما أكل سبعين أو ثمانين رجلا في بيت أبي طلحة الأنصاري من قليل أقراص خبز شعير قد فتّ وأدم بيسير من أدام حتى شبعوا، وبقيت كما هي ببركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البخاري ومسلم من حديث مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك رضي اللَّه عنه يقول: قال أبو طلحة لأم سليم رضي اللَّه عنها، لقد سمعت صوت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير، ثم أخذت خمارا لها فلفّت الخبز ببعضه ثم دسّته تحت ثوبي، وردّتني [ (1) ] ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فذهبت به فوجدت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أرسلك أبو طلحة؟ فقلت: نعم، فقال: بطعام؟. وقال البخاري: قالت: بطعام؟ - فقلت: نعم، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لمن معه: قوموا، قال: فانطلق وانطلقت بين يديه حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: اللَّه ورسوله أعلم، قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. فأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم معه، حتى دخلا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هلمّي ما عندك يا أم سليم فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ففتّ وعصرت عليه أم سليم عكّة لها فأدمته، ثم قال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما شاء اللَّه أن يقول، ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم أذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون رجلا أو ثمانون. وقال البخاري: والقوم ثمانون رجلا [ (2) ] .   [ (1) ] ردّتني: أي جعلت بعضه رداء على رأسي. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 727، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3578) ، 9/ 658، كتاب الأطعمة، باب (6) من أكل حتى شبع، حديث رقم (5381) ، باب (48) من أدخل الضيفان عشرة عشرة، والجلوس على الطعام عشرة عشرة، 11/ 698- 699، كتاب الأيمان والنذور، باب (22) إذا حلف أن لا يأتدم فأكل تمرا بخبز، وما يكون منه الأدم، حديث رقم (6688) ، (مسلم بشرح النووي) : 13/ 266، كتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 وخرجه البخاري أيضا في المناقب، في باب علامات النبوة في الإسلام، بهذا الإسناد وقال فيه: ثم دسّته تحت يدي ولاثتنى ببعضه، وقال: قال بطعام؟ قلت: نعم، وفي آخره: والقوم سبعون أو ثمانون رجلا [ (1) ] . وخرجه في كتاب الأيمان والنذور، في باب إذا حلف أن لا يأدم فأكل تمرا بخبز، وما يكون منه الأدم بنحو ذلك وقال: والقوم سبعون أو ثمانون رجلا [ (1) ] . وخرجه أبو عيسى الترمذي من حديث معن قال: عرضت على مالك بن أنس عن إسحاق إلى آخره، وقال: والقوم سبعون رجلا. وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . وخرجه البخاري في الصلاة، في باب من دعي لطعام في المسجد، من حديث مالك، وقال فيه: وجدت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في المسجد ومعه ناس فقمت،   [ () ] الأشربة، باب (20) جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه ذلك، ويتحقق تحققا تاما، واستحباب الاجتماع على الطعام، حديث (2040) ، (تحفة الأحوذي) : 10/ 73، أبواب المناقب، باب (30) بدون ترجمة، حديث رقم (3873) ، (شرح الزرقاني على الموطأ) : 4/ 375، كتاب الجامع، باب (646) جامع ما جاء في الطعام والشراب، حديث رقم (1789) ، (دلائل البيهقي) : 6/ 88، باب ما جاء في دعوة أبي طلحة الأنصاري- رضي اللَّه عنه- رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وما ظهر في طعامه ببركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من آثار النبوة. قوله: «سمعت صوت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع» ، كأنه لم يسمع في صوته لما تكلم إذ ذاك الفخامة المألوفة منه، فحمل ذلك على الجوع بقرينة الحال التي كانوا فيها. وفيه ردّ على دعوى ابن حبان أنه لم يكن يجوع، واحتج بحديث: «أبيت يطعمني ربي ويسقيني» ، وتعقب بالحمل على تعدد الحال: فكان يجوع أحيانا ليتأسى به أصحابه، ولا سيما من لا يجد مددا وأدركه ألم الجوع صبر فضوعف له. قال الطبراني: غير أن الشبع وإن كان مباحا فإن له حدا ينتهي إليه، وما زاد على ذلك فهو سرف، والمطلق منه ما أعان الآكل على طاعة ربه، ولم يشغله ثقله عن أداء ما وجب عليه. وفيه دليل على جواز الشبع، وما جاء من النهي عنه محمول على الشبع الّذي يثقل المعدة، ويثبط صاحبه عن القيام للعبادة، ويفضي إلى البطر والأشر، والنوم والكسل، وقد تنتهي كراهته إلى التحريم بحسب ما يترتب عليه من المفسدة. وذكر الكرماني تبعا لابن المنير أن الشبع المذكور محمول على شبعهم المعتاد منهم، وهو أن الثلث للطعام، والثلث للشراب، والثلث للنفس، ويحتاج في دعوى أن تلك عبادتهم إلى نقل خاص. (فتح الباري) : 9/ 659- 660 مختصرا. [ (1) ] انظر هامش رقم (2) في الصفحة السابقة. [ (2) ] انظر التعليق السابق، وأخرجه أيضا أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 2/ 415، الفصل الثاني والعشرون في ربوّ الطعام بحضرته وفي سفره لإمساسه بيده صلّى اللَّه عليه وسلم ووضعها عليه، حديث رقم (322) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 فقال لي: أرسلك أبو طلحة؟ فقلت: نعم، فقال: لطعام؟ قلت: نعم، قال لمن معه: قوموا، فانطلق وانطلقت بين أيديهم [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث ابن نمير قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن سعيد قال: حدثني أنس بن مالك قال: بعثني أبو طلحة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [لأدعوه] [ (2) ] ، وقد جعل طعاما، قال: فأقبلت ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مع الناس، فنظر إليّ فاستحييت، فقلت: أجب أبا طلحة، فقال للناس: قوموا، فقال أبو طلحة: يا رسول اللَّه! إنما صنعت لك شيئا. فمسّها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ودعا فيها بالبركة ثم قال: أدخل [نفرا] [ (2) ] من أصحابي عشرة وقال: كلوا، وأخرج لهم شيئا من بين أصابعه، فأكلوا حتى شبعوا فخرجوا، فقال: أدخل عشرة، فأكلوا حتى شبعوا [ (3) ] ، فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل فأكل حتى شبع، ثم هيأها فإذا هي مثلها حين أكلوا منها [ (4) ] . وخرجه أيضا من حديث سعيد بن يحيى الأموي قال: حدثنا أبي قال: حدثني سعيد بن سعيد قال: سمعت أنس بن مالك قال: بعثني أبو طلحة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وساق الحديث بنحو حديث ابن نمير، غير أنه قال في آخره: ثم أخذ ما بقي فجمعه، ثم دعا فيه بالبركة، قال: فعاد كما كان، ثم قال: دونكم هذا [ (5) ] . وأخرجه أيضا من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ويحيى بن عمارة، وعبد اللَّه بن أبي عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، وفي حديث بعضهم: ثم   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 681، كتاب الصلاة، باب (43) من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب منه، حديث رقم (422) . [ (2) ] زيادة للسياقة من (صحيح مسلم) . [ (3) ] في (خ) : «خرجوا» وما أثبتناه من (صحيح مسلم) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 229- 230، كتاب الأشربة، باب (20) جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه، حديث رقم (143) من أحاديث الباب. [ (5) ] (المرجع السابق) : 231 الحديث الّذي بعده من أحاديث الباب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 أكل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأكل أهل البيت، وأفضلوا ما بلّغ [ (1) ] جيرانهم [ (2) ] . وخرج من حديث حجاج بن الشاعر، عن موسى بن محمد المؤدب قال: حدثنا حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس قال: قالت أم سليم: اذهب إلى نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن رأيت أن تغدى عندنا فافعل، فقال: ومن عندي؟ فقلت: نعم، قال: فجئت فدخلت على أم سليم وأنا مدهش لمن أقبل مع نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت أم سليم: ما صنعت يا أنس؟ فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على أثر ذلك، فذكرت له الّذي أرسلتني إليك، وهذا غداؤك، قال: هل عندك سمن؟ قالت: نعم، قد كان عندي منه عكة، وفيها شيء من سمن. قال: فأتها، قال: فجئته بها، ففتح رباطها فقال: بسم اللَّه، اللَّهمّ أعظم فيه البركة، فقال: أقلبيها، فأقلبتها، فعصرها نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يسمي، فأخذت [منها] [ (3) ] ، قدر، فأكل منها بضع وثمانون رجلا وفضل منها، فدفعها إلى أم سليم فقال: كلي وأطعمي جيرانك [ (4) ] .   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (صحيح مسلم) : «ما أبلغوا جيرانهم» . [ (2) ] (المرجع السابق) : 233. [ (3) ] هذه الكلمة مطموسة في (خ) ، ولعل الصواب يناسب السياق. [ (4) ] (المرجع السابق) : 234- 235 مختصرا جدا عن (خ) ، قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «أرسلك أبو طلحة فقلت: نعم» ، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «الطعام فقلت: نعم» ، هذان علمان من أعلام النبوة، وذهابه صلّى اللَّه عليه وسلم بهم علم ثالث، وتكثير الطعام علم رابع. * وفيه ما تقدم من حديث أبي هريرة وحديث جابر من ابتلاء الأنبياء صلوات اللَّه عليهم وسلامه، والاختبار بالجوع وغيره من المشاق ليصيروا، فيعظم أجرهم ومنازلهم، * وفيه ما كانوا عليه من كتمان ما بهم. * وفيه ما كانت الصحابة- رضي اللَّه تعالى عنهم- عليه من الاعتناء بأحوال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. * وفيه استحباب بعث الهدية وإن كانت قليلة بالنسبة إلى مرتبة المبعوث إليه، لأنها وإن قلت فهي خير من العدم. * وفيه جلوس العالم لأصحابه يفيدهم ويؤدبهم، واستحباب ذلك في المساجد. * وفيه انطلاق صاحب الطعام بين يدي الضيفان، وخروجه ليتلقاهم. * وفيه منقبة لأم سليم رضي اللَّه تعالى عنها، ودلالة على عظيم فقهها، ورجحان عقلها، لقولها: اللَّه ورسوله أعلم، ومعناه أنه قد عرف الطعام، فهو أعلم بالمصلحة، فلو لم يعلمها في مجيء الجمع العظيم لم يفعلها فلا تحزن من ذلك. * وفيه استحباب فتّ الطعام واختيار الثريد على الغمس باللقم. وقوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «فإنّ اللَّه سيجعل فيه البركة» * فيه علم ظاهر من أعلام النبوة، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «ثم أكل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأكل أهل البيت» * فيه أنه يستحب لصاحب الطعام وأهله أن يكون أكلهم بعد فراغ الضيفان، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 13/ 232- 234 مختصرا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 قال المؤلف- رحمه اللَّه- هذا الحديث من الأحاديث التي اشتهرت عند أهل العلم، فرواه عن أنس بن مالك سوى من ذكرنا: يعقوب بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، ومحمد بن كعب، وعمرو بن يحيى بن عمارة المازني عن أبيه، وبكر بن عبد اللَّه، وثابت البناني، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومحمد بن سيرين، والجعد أبو عثمان، وسنان أبو ربيعة، كلهم عن أنس، يزيد بعضهم وينقص. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 [تاسع وثلاثون: أكل أصحاب الصفة من كسر يسيرة حتى شبعوا] وأما أكل أهل الصفة من كسر يسيرة حتى شبعوا، فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث هشام بن علي قال: حدثنا أبو حفص عمر بن الدرفس قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي قسيمة عن واثلة بن الأسقع الليثي رضي اللَّه عنه، أنه حدثه قال: كنا في محرس يقال له الصفة- وهم عشرون رجلا- فأصابنا جوع، وكنت من أحدث أصحابي سنا، فبعثوا بي إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أشكو جوعهم. فالتفت في بيته فقال: هل من شيء؟ فقالوا: نعم، هاهنا كسرة أو كسر، أو شيء من لبن، فأتى به ففت فتا رقيقا، ثم صب عليه اللبن، ثم جبنه بيده حتى جعله [كالثريد] [ (1) ] ، ثم قال: يا واثلة، أدع لي عشرة من أصحابك وخلّف عشرة، [ففعلت] [ (1) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اجلسوا [بسم اللَّه] [ (1) ] ، فجلسوا، وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم برأس الثريد فقال: كلوا بسم اللَّه من حواليها وأعفوا رأسها. فإن البركة تأتيها من فوقها وإنها تمدّ، قال: فرأيتهم يأكلون ويتخللون أصابعهم [ (2) ] حتى تملئوا شبعا. فلما انتهوا قال لهم: انصرفوا إلى مكانكم وابعثوا أصحابكم، فانصرفوا، فقمت متعجبا لما رأيت، فأقبل علي العشرة، فأمرهم بمثل الّذي أمر به أصحابهم وقال لهم مثل الّذي قال لهم، فأكلوا منها حتى [ (3) ] تملئوا شبعا وحتى انتهوا، وإن فيها فضلة [ (4) ] . وخرج من حديث إسماعيل بن عياش قال: حدثنا سليمان بن حبان العذري قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: كنت من أصحاب الصفة، فشكى أصحابي   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] في (خ) : «أصابعه» ، وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق «حتى انتهوا» . [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 241- 422، حديث رقم (328) ، وقال في هامشه: أخرجه الطبراني وابن عساكر، وقال في مجمع الزوائد 8/ 315، رواه الطبراني بإسنادين، وإسناده حسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 الجوع فقالوا: يا واثلة، اذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاستطعم لنا، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه، إن أصحابي يشكون الجوع، فقال: يا عائشة، هل عندك من شيء؟ فقالت: يا رسول اللَّه، ما عندي إلا فتات خبز، قال: هاته. فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بصحفة فأفرغ الخبز في [الصحفة] [ (1) ] ، ثم جعل يصلح الثريد بيده وهو يربو، حتى امتلأت [الصحفة] [ (1) ] ، فقال: يا واثلة، أذهب فجيء بعشرة من أصحابك وأنت عاشرهم، فذهبت فجئت بعشرة من أصحابي أنا عاشرهم، فقال: اجلسوا، خذوا بسم اللَّه، خذوا من حواليها ولا تأخذوا [من أعلاها] ، فإن البركة تنحدر من أعلاها. فأكلو حتى شبعوا، ثم قاموا وفي الصحفة مثل ما كان فيها، ثم جعل يصلحها بيده وهي تربو حتى امتلأت، فقال: يا [واثلة] [ (1) ] ، اذهب فجئ بعشرة من أصحابك، فذهبت فجئت بعشرة فقال: اجلسوا، فجلسوا، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قاموا، فقال: اذهب فجئ بعشرة من أصحابك، فذهبت فجئت بعشرة، ففعلوا مثل ذلك، فقال: هل بقي أحد؟ قلت: نعم، عشرة، قال: اذهب فجيء بهم، فذهبت فجئت بهم، فقال: اجلسوا، فجلسوا فأكلوا حتى شبعوا، ثم قاموا، وبقي في [الصحفة] [ (1) ] مثل ما كان، ثم قال: يا واثلة، اذهب بها إلى عائشة رضي اللَّه عنها. وخرج الحاكم من طريق واثلة هذا، من طريق محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا عبد اللَّه بن يوسف التنيسي، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه أنه حدثه عن واثلة بن الأسقع، فذكره بمعناه وسياقة غير هذه السياقة، ثم قال: هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه] [ (2) ] . وخرج من حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن أنيس بن أبي يحيى، عن إسحاق بن سالم، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: خرج   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 130، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7119/ 48) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الذهبي في (التلخيص) : خالد وثقه بعضهم، وقال النسائي: ليس بثقة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما فقال لي: ادع أصحابك من أصحاب الصفة، فجعلت أتتبعهم رجلا رجلا حتى جمعتهم، فجئنا باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاستأذنا، فأذن لنا. قال أبو هريرة: ووضعت بين أيدينا صحفة إن فيها قدر مدّ من شعير، قال: فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده فقال: خذوا باسم اللَّه، فأكلنا ما شئنا ثم رفعنا أيدينا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين وضعت [الصحفة] : والّذي نفس رسول اللَّه بيده، ما أمسى في آل محمد طعام ليس ترونه، قيل لأبي هريرة: قدركم كانت حين فرغتم؟ قال: مثلها حين وضعت، إلا أن فيها أثر الأصابع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 [أربعون: أكل بضع وسبعين رجلا من حيس فيه قدر مدّ تمر] وأما أكل بضع وسبعين رجلا من حيس فيه قدر مد تمر وفضل عنهم [كما كان] قبل أكلهم، فخرج الطبراني من حديث شيبان بن فروخ، حدثنا محمد بن عيسى العندلي، حدثنا ثابت البناني قال: قلت لأنس بن مالك رضي اللَّه عنه أخبرني بأعجب شيء رأيته، قال: نعم يا ثابت. خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عشر سنين فلم يعيّر عليّ في شيء أسأت فيه، قال: فأعجب شيء رأيته منه ما هو؟. قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش رضي اللَّه عنها قالت لي أمي: يا أنس، إن نبي اللَّه أصبح عروسا ولا أرى أصبح له غذاء، فهلمّ تلك العكة وتمرا قدر مدّ، فجعلت له حيسا [ (1) ] فقالت: يا أنس، اذهب بهذا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وامرأته، فلما أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بتور من حجارة فيه ذلك الحيس، قال: ضعفه في ناحية البيت، واذهب فادع أبا بكر وعمر وعثمان وعليا، ونفرا من أصحابه، ثم ادع لي أهل المسجد ومن رأيت في الطريق، فجعلت أتعجب من قلة الطعام وكثرة من يأمرني أن يدعو من الناس، وكرهت أن أعصيه، فدعوتهم حتى امتلأ البيت والحجرة، فقال: يا أنيس، هل ترى من أحد؟ فقلت: لا يا نبي اللَّه، فقال: هلمّ ذلك، فجئت بذلك التّور إليه، فجعلته قدامه، فغمس ثلاثة أصابعه في التّور، فجعل التّور يربو ويرتفع، فجعلوا يتغدون ويخرجون حتى إذا فرغوا أجمعون بقي في ذلك التّور نحو ما جئت به. [ (2) ] قال: ضعه قدام زينب، فخرجت، فأصفقت الباب عليها بابا من جريد، قال ثابت: فقلت: يا أبا حمزة! كم ترى كانوا الذين يأكلون من ذلك التّور؟ قال: أحسبه قال: واحد وسبعين أو اثنان وسبعون.   [ (1) ] الحيس: طعام يصنع من تمر ينزع نواه، ويدق مع أقط ويعجنان بالسمن، وربما جعل معه سويق. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 424، الفصل الثاني والعشرون في ربوّ الطعام بحضرته وفي سفره لإمساسه بيده. ووضعها عليه، حديث رقم (330) ، (فتح الباري) : 8/ 676- 677، كتاب التفسير، باب (8) تفسير سورة الأحزاب، حديث رقم (4793) ، 9/ 282- 283، كتاب النكاح، باب (65) الهدية للعروس، حديث رقم (5163) ، (تحفة الأحوذي) : 9/ 59- 60، أبواب تفسير القرآن، سورة الأحزاب، حديث رقم (3436) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 574- 575. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 [حادي وأربعون: أكل أربعين رجلا من صاع طعام ورجل شاة حتى شبعوا ولم ينتقص منه شيء] وأما أكل أربعين رجلا من صاع طعام ورجل شاة حتى شبعوا ولم ينتقص منه شيء، وإن منهم لمن يأكل الجذعة [ (1) ] ويشرب الفرق [ (2) ] : فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث المنهال بن عمرو، عن عبد اللَّه بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب، عن عبد اللَّه بن عباس، عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: لما نزلت هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (3) ] ، دعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا علي، إن اللَّه تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، قال: فضقت لذلك ذراعا، وعلمت أني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فضقت عليها حتى جاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا علي، فاصنع لنا صاعا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واجمع لنا عسّا [ (4) ] من لبن، واجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له- وهم يومئذ أربعون رجلا أو ينقصون- منهم أعمامه: أبو طالب وحمزة وأبو لهب، فلما اجتمعوا دعاني بالطعام الّذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [حذية] [ (5) ] من اللحم فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة وقال: خذوا [باسم اللَّه] ، فأكل القوم حتى ما [بقي] [ (5) ] لهم بشيء من حاجة، وما أرى إلا مواضع   [ (1) ] الجذعة: هي التي أوجبها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في صدقة الإبل إذا جاوزت ستين، وأما الجذع من الضّأن- وهو المراد في هذا الحديث- فإنه يجزئ في الضحية، وقد اختلفوا في وقت إجذاعه، فقال أبو زيد: في أسنان الغنم المعزى خاصة إذا أتى عليها الحول، وقال ابن الأعرابي: الجذع من الغنم لسنة. (لسان العرب) : 48/ 44. [ (2) ] الفرق والفرق: مكيال ضخم لأهل المدينة معروف، وقيل: هو أربعة أرباع، وقيل: هو ستة عشر رطلا، والجمع فرقان. (المرجع السابق) : 10/ 305- 306. [ (3) ] الشعراء: 214. [ (4) ] العسّ: القدح الكبير. [ (5) ] زيادة للسياقة من (دلائل أبي نعيم) ، وهي القطعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 أيديهم، ثم قال: اسقهم، فجئت بذلك العسّ فشربوا حتى رووا منه جميعا، وأيم اللَّه الّذي نفسي بيده، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله. فلما أراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يكلمهم، بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: يا قوم! لقد سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال الغد: يا علي، إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت [من القول] [ (1) ] ، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا من الطعام مثل ما صنعت، ثم اجمعهم لي، قال: ففعلت ثم جمعتهم، ثم دعا بالطعام فقربته لهم كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما [بقي] [ (1) ] لهم منه حاجة، ثم قال: اسقهم، فجئت بذلك العسّ فشربوا حتى رووا منه جميعا، ثم تكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، عن شريك، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد اللَّه الأسدي، وعبد اللَّه بن عباد الأسدي عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (3) ] ، قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 425- 426، الفصل الثاني والعشرون في ربوّ الطعام بحضرته وفي سفره، لإمساسه بيده ووضعها عليه، حديث رقم (331) ، قال محققه، وفيه عبد الغفار بن قاسم، رافضي، ليس بثقة، قال عنه ابن المديني: كان يضع الحديث، وقال الهيثمي بعد أن أخرج نحو حديث الباب: رواه البزار واللفظ له، وأحمد في (المسند) باختصار شديد: 1/ 178، حديث رقم (885) ، مسند علي بن أبي طالب، 2/ 637، حديث رقم (8197) ، مسند أبي هريرة، 3/ 325، حديث رقم (10347) ، مسند أبي هريرة أيضا، 6/ 51، حديث رقم (20082) من، حديث قبيصة بن مخارق، البيهقي في (السنن الكبرى) : 6/ 280، باب الوصية للقرابة، من كتاب الوصايا، 371، كتاب قسم الفيء والغنيمة باب إعطاء الفيء على الديوان ومن يقع به البداية. وأما ما تكلم به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقد ذكره كل من الإمام أحمد في (المسند) على النحو السابق، والإمام البيهقي في (السنن الكبرى) ولفظه: يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من اللَّه، لا أغنى عنكم من اللَّه شيئا، يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من اللَّه شيئا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من اللَّه شيئا، يا صفية عمة رسول اللَّه، لا أغني عنك من اللَّه شيئا، يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت، لا أغني عنك من اللَّه شيئا. رواه البخاري في (الصحيح) عن أبي اليمان، وأخرجه مسلم من وجه آخر عن الزهري. وهذا الحديث حجة في دخول بني الأعمام في الأقربين. والعسّ: القدح الكبير. [ (3) ] الشعراء: 214. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 يا علي، اصنع رجل شاه بصاع من طعام، وأعد قعبا من لبن، ففعلت، قال: اجمع بني عبد المطلب، فجمعتهم وهم يومئذ أربعون رجلا- يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا-. قال: فوضعت بينهم الطعام فأكلوا حتى شبعوا وإن منهم لمن يأكل الجذعة ويشرب العس- ثم جئت بالقعب فشربوا حتى رووا عنه، فقال بعضهم: ما رأينا كالسحر اليوم- ترون أنه أبو لهب- ثم قال: يا علي، اصنع لنا غداء مثل ما صنعت، فأكلوا مثل ما أكلوا في المرة الأولى، وشربوا [مثل] ما شربوا، ثم عرض عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما عرض. وخرجه من حديث أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي اللَّه عنه قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (1) ] جمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون، منهم العشرة يأكلون المسنّة [ (2) ] ويشربون العس، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عليا برجل شاة فصنعها لهم، ثم قربها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخذ منها بضعة، فأكل منها ثم تتبع بها جوانب القصعة ثم قال: ادنوا، فدنا القوم عشرة عشرة. فأكلوا حتى صدروا، ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعا فناولهم فقال: اشربوا باسم اللَّه، فشربوا حتى رووا عن آخرهم، فقطع أبو لهب كلامهم فقال لهم: ما سحركم مثل هذا الرجل، فأسكت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ فلم يتكلم، ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك الطعام والشراب، ثم بدرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالكلام [ (3) ] . وخرجه من حديث أبي عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي صادق عن ربيعة ابن ناجذ، عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، جمع بني عبد المطلب، وأمرني فصنعت مدا من طعام- ومنهم نفر يأكل كل واحد منهم الجذعة ويشرب الفرق- فأكلوا وكأن   [ (1) ] الشعراء: 214. [ (2) ] سنّت البدنة: إذا نبتت أسنانها. [ (3) ] الحديث السابق يشهد على صحته، وقد سبق ذكر كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعشيرته الأقربين في التعليق السابق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 لم ينقص منه شيء، وأتوا بالغمر- وهو زي الراكب- فشربوا وكأن لم ينقص منه شيء، ثم قال: يا بني عبد المطلب، إني بعثت إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي؟ قال علي رضي اللَّه عنه: فقلت: أنا، فقال: اجلس، فلما كان آخر ذلك ضرب يده على يدي [ (1) ] .   [ (1) ] الحديث السابق يشهد على صحته، وقد سبق ذكر كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعشيرته الأقربين في التعليق السابق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 [ثاني وأربعون: أخذ أربعمائة رجل ما أحبوا من تمر قليل ولم ينقض] وأما أخذ أربعمائة رجل ما أحبوا من تمر قليل ولم ينقص، فخرج أبو نعيم من حديث الحميدي ويحيى بن عبد الحميد قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا إسماعيل قال: سمعت قيسا يقول: حدثني دكين بن سعيد قال: أتينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أربعمائة راكب نسأله الطعام فقال: يا عمر، اذهب فأطعمهم، فقال: يا رسول اللَّه! ما عندي إلا آصع [ (1) ] تمر مما يقتات عيالي، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: اسمع وأطع، فقال عمر رضي اللَّه عنه: سمعا وطاعة. فانطلق حتى أتى عليّة، فأخرج مفتاحا من حزّته [ (2) ] فقال للقوم: ادخلوا، فدخلوا- وكنت آخر القوم دخولا- فقال: خذوا، فأخذ كل رجل منهم ما أحب، ثم التفتّ إليه وإني لمن آخر القوم، وكأنا لم نرزأ تمرة قال أبو نعيم: رواه عيسى بن يونس، وعبد اللَّه بن نمير، ووكيع، ويعلي، ومحمد أبناء عبيد، والمعتمر في آخرين عن إسماعيل مثله [ (3) ] .   [ (1) ] في (خ) : «صاع» . [ (2) ] حزّته: عنقه. [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 427، حديث رقم (333) ، (مسند أحمد) : 5/ 185- 186، من حديث دكين بن سعيد الخثعميّ، حديث رقم (17126) ، وقال فيه: ونحن أربعون وأربعمائة، وحديث رقم (17127) ، وحديث رقم (17128) ، وحديث رقم (17129) ، وحديث رقم (17130) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 [ثالث وأربعون: أكل مائة وثمانين رجلا من الأنصار حتى صدروا من طعام صنعه أبو أيوب الأنصاري] أما أكل مائة وثمانون رجلا من الأنصار حتى صدروا من طعام صنعه أبو أيوب الأنصاري لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولأبي بكر رضي اللَّه عنه قدر ما يكفيهما، فخرج الحافظان أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد الأصبهاني، وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي من حديث عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن سعيد الجريريّ، عن أبي الورد، عن أبي محمد الحضرميّ، عن أبي أيوب الأنصاري قال: صنعت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولأبي بكر طعاما قدر ما يكفيهما فأتيتهما به. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اذهب فادع لي بثلاثين من أشراف الأنصار، فشق ذلك عليّ وقلت: ما عندي شيء أزيده، فكأني تثاقلت، فقال: اذهب فادع لي بثلاثين من أشراف الأنصار، فدعوتهم فجاءوا، فقال: أطعموا، فأكلوا [حتى صدروا] [ (1) ] ثم شهدوا أنه رسول اللَّه، ثم بايعوه قبل أن يخرجوا. ثم قال: اذهب فادع لي ستين من أشراف الأنصار، فدعوتهم، فو اللَّه لأنا بالستين أخوف مني بالثلاثين، قال: فدعوتهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ترفعوا، فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول اللَّه، فبايعوه قبل أن يخرجوا. ثم قال: اذهب فادع لي تسعين من الأنصار، فلأنا أخوف بالتسعين والستين من الثلاثين، قال: فدعوتهم، فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول اللَّه، وبايعوه قبل أن يخرجوا، قال: فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلا كلهم من الأنصار [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (الدلائل) . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 428، حديث رقم (334) ، (دلائل البيهقي) : 6/ 94، باب ما جاء في دعوة أبي أيوب الأنصاري وما ظهر في طعامه ببركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 [رابع وأربعون: أكل نفر حتى شبعوا من طعام يسير صنعه صهيب] وأما أكل نفر حتى شبعوا من طعام يسير صنعه صهيب، فخرج أبو نعيم من حديث محمد بن المثنى قال: حدثنا سالم بن نوح عن الجريريّ، عن أبي السليل، عن صهيب رضي اللَّه عنه قال: صنعت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طعاما فأتيته به وهو في نفر من أصحابه جالس، فقمت حياء له، فلما نظر إليّ أو مات إليه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: وهؤلاء؟ فقلت: لا، فسكت وقمت مكاني، فلما نظر إليّ أومأت إليه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: وهؤلاء- مرتين أو ثلاثا- قال: فقلت: نعم، وإنما كان شيئا يسيرا صنعته لك- صلى اللَّه وسلم عليك- فأكلوا، قال: فأحسبه وفضل منهم [ (1) ] .   [ (1) ] لم أجده في النسخة المحققة من (دلائل أبي نعيم) ، لكن أحاديث الباب تشهد على صحته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 [خامس وأربعون: أكل طائفة في بيت عائشة من حيس يسير وشربهم لبنا حتى شبعوا ورووا] وأما أكل طائفة في بيت عائشة رضي اللَّه عنها من حيس يسير وشربهم لبنا حتى شبعوا ورووا، فخرج أبو نعيم من حديث يونس بن حبيب قال: حدثنا أبو داود، حدثنا ابن أبي ذؤيب، عن الحرث بن عبد الرحمن قال: بينما أنا مع [أبي] [ (1) ] سلمة بن عبد الرحمن، إذ طلع رجل من بني غفار ابن لعبد اللَّه بن طهفة، فقال أبو سلمة: حدثنا حديثك عن أبيك. فقال: حدثني عبد اللَّه بن طهفة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا اجتمع الضيفان قال: لينقلب كل رجل بضيفه حتى إذا كان في ليلة اجتمع في المسجد ضيفان كثيرة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لينقلب كل رجل مع جليسه، قال: فكنت أنا ممن انقلب مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما دخل قال: يا عائشة، هل من شيء؟ قالت نعم، حويسة [ (2) ] كنت أعددتها لإفطارك، قال: فأتيني بها، فأتت بها في قعيبة لهم. فأكل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم منها شيئا ثم قدمها إلينا ثم قال: باسم اللَّه كلوا، فأكلنا منها حتى واللَّه ما ننظر إليها، ثم قال: هل عندك من شراب؟ قالت: لبينة أعددتها لإفطارك، قال: هاتيها [ (3) ] ، فجاءت بها، فشرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم منها شيئا ثم قال: باسم اللَّه اشربوا، فشربنا حتى واللَّه ما ننظر إليها، ثم خرجنا إلى الصلاة- وكان صلّى اللَّه عليه وسلم يوقظنا [ (4) ] إذا خرج- فقال: الصلاة الصلاة، فرأى رجلا متكئا على وجهه فقال: من هذا؟ قلت: أنا عبد اللَّه، قال: إنها ضجعة يكرهها اللَّه عزّ وجلّ [ (5) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (2) ] الحويسة: تصغير حيس، وهو طعام يتخذ من التمر والسمن والأقط. والأقط: هو اللبن المجفف، وطهفة: هو طخفة بن قيس الغفاريّ، وفي بعض المراجع طهفة وفي بعضها الآخر طخفة. [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق «هلميها» . [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق «يوقظ أهله» . [ (5) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 429- 430، حديث رقم (336) ،. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 وخرج من حديث هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي سلمة، عن يعيش بن طخفة [بن قيس الغفاريّ] [ (1) ] قال: كان أبي من أهل الصفة، قال: فأمرهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فجعل الرجل يذهب برجل، والرجل يذهب بالرجلين، حتى بقيت خامس خمسة، فقال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: انطلقوا. فانطلقنا معه إلى منزل عائشة رضي اللَّه عنها، فقال: يا عائشة أطعمينا، فجاءت بحشيشة فأكلنا، ثم جاءت بحيسة مثل القطاة فأكلنا، ثم قال: يا عائشة: اسقينا، فجاءت بعسّ فشربنا، ثم قال: يا عائشة اسقينا، فجاءت بقدح صغير من لبن فشربنا، ثم قال: إن شئتم بتمّ وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد، فقلنا: لا، بل ننطلق إلى المسجد [ (2) ] ، قال أبو نعيم: رواه ابن علية، وعبد الوهاب، وعبد الصمد، عن هشام مثله ورواه الأوزاعي وشيبان ومعمر ومحمد بن جابر عن يحيى بن أبي كثير على اختلاف بينهم فيه.   [ (1) ] زيادة للنسب من (مسند أحمد) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 448، حديث رقم (15115) ، من حديث طخفة بن قيس الغفاريّ، رضي اللَّه تعالى عنه، وزاد فيه بعد قوله: بل ننطلق إلى المسجد: فبينا أنا من السحر مضطجع على بطني، إذا رجل يحركني برجله فقال: إن هذه ضجعة يبغضها اللَّه تبارك وتعالى، فنظرت فإذا هو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وذكره ابن حبان في (الإحسان) : 12/ 358- 359، حديث رقم (5550) ، كتاب التطيّب والزينة، باب (1) آداب النوم، ذكر بغض اللَّه جل وعلا النائمين على بطونهم، وقال محققه: إسناده ضعيف لجهالة ابن قيبس بن طهفة ويقال: ابن طخفة، لكنه يتقوى بما قبله، وقد سماه ابن حبان في (الثقات) : 5/ 59: عبد اللَّه، وهو في عداد المجهولين، وأخرجه النسائي في الوليمة من (الكبرى) . وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 301- 302، كتاب الأدب، حديث رقم (7708/ 30) ، وقال في آخره: هذا حديث مختلف في إسناده على يحيى بن أبي كثير، وآخره أن الصواب قيس بن طخفة الغفاريّ، وشاهده حديث أبي هريرة، رضي اللَّه عنه، والبخاري في (التاريخ الكبير) : 4/ 365- 366، ترجمة طخفة الغفاريّ رقم (3167) ، (الإصابة) : 3/ 544، ترجمة رقم (4300) ، (الاستيعاب) : 2/ 774، ترجمة رقم (1294) ، حيث قال ابن عبد البر: طهفة الغفاريّ اختلف فيه اختلافا كثيرا، واضطرب فيه اضطرابا شديدا، فقيل: طهفة بن قيس بالهاء، وقيل: طخفة بن قيس بالخاء، وقيل: طغفة بالغين، وقيل: طقفة بالقاف والفاء، وقيل: قيس بن طخيفة، وقيل: يعيش بن طخفة عن أبيه، وقيل: عبد اللَّه بن طخفة عن أبيه، ... ثم قال: وإنه صاحب القصة، حديثه عند يحيى بن أبي كثير، وعليه اختلفوا فيه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 [سادس وأربعون: غرسه لسلمان الفارسيّ نخلا أطعم من سنته] وأما غرسه صلّى اللَّه عليه وسلم لسلمان الفارسيّ رضي اللَّه عنه نخلا أطعم من سنته، فخرج البيهقي من حديث عبد اللَّه بن أبي شيبة قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن الحسين ابن واقد قال: حدثني عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه، أن سلمان رضي اللَّه عنه لما قدموا إلى المدينة أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بهدية على طبق، فوضعها بين يديه فقال: ما هذا يا سلمان؟ قال: صدقة عليك وعلى أصحابك، قال: إني لا آكل الصدقة. فرفعها ثم جاءه من الغد بمثلها فوضعها بين يديه فقال: ما هذا؟ قال: هدية لك، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأصحابه: كلوا، قالوا: لمن أنت؟ قال: لقوم، قال: فاطلب إليهم أن يكاتبوك، قال: فكاتبوني على كذا وكذا نخلة أغرسها لهم، ويقوم عليها سلمان حتى تطعم، فجاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فغرس النخل كله إلا نخلة واحدة غرسها عمر رضي اللَّه عنه، فأطعم نخله [ (1) ] من سنته إلا تلك النخلة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: من غرسها؟ قالوا: عمر، فغرسها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بيده فحملت من عامها. قال البيهقي: وروينا عن أبي عثمان عن سلمان أنه قال: فجعل يغرس إلا واحدة غرستها بيدي، فعلقن جميعا إلا واحدة [ (2) ] . قال المؤلف رحمه اللَّه: قد خرج الحاكم [ (3) ] من حديث أبي عثمان أن هذا من طريق عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن سليمان وعلي بن يزيد   [ (1) ] في (خ) : «النخل» . [ (2) ] أخرج البيهقي طرفا من هذا الحديث مختصرا في (دلائل النبوة) : 2/ 90، باب ذكر إسلام سلمان الفارسيّ رضي اللَّه تعالى عنه، ثم ذكره بتمامه في (دلائل النبوة) : 6/ 97- 98، باب ما ظهر في النخل التي غرسها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لسلمان الفارسيّ رضي اللَّه عنه، وأطعمت من سنته من آثار النبوة، واستبرائه عند قدومه عليه، وما وصف له من حاله. [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 237، كتاب المكاتب، حديث رقم (2862/ 4) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 عن أبي عثمان النّهدي، عن سلمان قال: كاتبت أهلي على أن أغرس لهم خمسمائة فسيلة، فإذا علقت فأنا حرّ، فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: اغرس واشترط لهم، فإذا أردت الغرس فأذني، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجعل يغرس إلا واحدة غرستها بيدي، فعلقت جميعا إلا الواحدة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح من [حديث عاصم] [ (1) ] بن سليمان الأحول، على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقد خرجه الإمام أحمد [ (2) ] من حديث عفان به نحوه.   [ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 614 من حديث سلمان الفارسيّ، حديث رقم (23218) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 [سابع وأربعون: ظهور البركة في تمرات يسيرة بمزود [ (1) ] أبي هريرة] وأما ظهور البركة في تمرات يسيرة بمزود أبي هريرة حتى حمل منها عدة أوساق فخرج البيهقي من حديث علي بن المديني قال: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا المهاجر- مولى آل أبي بكرة- عن أبي العالية، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بتمرات فقلت: ادع لي فيهن بالبركة. قال فقبضهن ثم دعا فيهن بالبركة ثم قال: خذهن فاجعلهن في مزود، أو قال في مودك، فإذا أردت أن تأخذ منهن فأدخل يدك فخذ ولا تنثرهن نثرا، قال: فحملت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا، في سبيل اللَّه، وكنا نأكل ونطعم، وكان المزود معلقا بحقوي [ (2) ] ، لا يفارق حقويّ، فلما قتل عثمان رضي اللَّه عنه انقطع [ (3) ] . وخرج من حديث أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة، فأصابهم عوز من الطعام، فقال: يا أبا هريرة، عندك شيء؟ قال: قلت: شيء من تمر في مزود لي، قال: جيء به، قال: فجئت بالمزودة، قال: هات نطعا، فجئت بالنطع فبسطته، فأدخل يده الشريفة فقبض على التمر، فإذا هو إحدى [ (4) ] وعشرين تمرة. ثم قال: باسم اللَّه، فجعل يضع كل تمرة ويسمي، حتى أتى على التمر فقال: به هكذا فجمعه، وقال: ادع فلانا وأصحابه، فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا، ثم   [ (1) ] المزود: هو وعاء من جلد وغيره، يجعل فيه الزاد. [ (2) ] الحقو: الوسط، والمراد: موضع شد الإزار. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 109، باب ما جاء في مزود أبي هريرة رضي اللَّه عنه، وما ظهر فيه ببركة دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من آثار النبوة، وأخرجه الترمذي في مناقب أبي هريرة، وقال: هذا حديث حسن غريب، وقد روى من غير هذا الوجه عن أبي هريرة، (سنن الترمذي) : 5/ 643، 644، كتاب المناقب باب (47) مناقب أبي هريرة، حديث رقم (3839) . [ (4) ] في (خ) : «واحد» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 قال: به هكذا فجمعه، وقال: ادع فلانا وأصحابه، فأكلوا وشبعوا وخرجوا، وفضل تمر فقال لي: اقعد، فقعدت، فأكل وأكلت، قال: وفضل تمر فأخذه فأدخله في المزودة فقال لي: يا أبا هريرة إذا أردت شيئا فأدخل يدك فخذ، ولا تكفأ فيكفأ عليك، قال: فما كنت أريد تمرا إلا أدخلت يدي فأخذت منه خمسين وسقا في سبيل اللَّه، وكان معلقا خلف رجلي، فوقع في زمن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه [فذهب] [ (1) ] . وخرجه من حديث سهل بن أسلم العذريّ، عن زيد بن أبي منصور، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: أصبت بثلاث مصائب في الإسلام لم أصب بمثلهن: بموت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود، قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟ قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر، فقال: يا أبا هريرة أمعك شيء؟ قال: قلت: تمر في مزود، قال: جيء به، فأخرجت منه تمرا فأتيته به، قال: فمسّه فدعا فيه ثم قال: ادع عشرة، فدعوت عشرة، فأكلوا حتى شبعوا، ثم كذلك حتى أكل الجيش كله وبقي تمر المزود، قال: يا أبا هريرة، إذا أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكبّه [ (2) ] . قال: فأكلت منه حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأكلت منه حياة أبي بكر رضي اللَّه عنه كلها، وأكلت منه حياة عمر رضي اللَّه عنه كلها، وأكلت منه حياة عثمان رضي اللَّه عنه كلها، فلما قتل عثمان انتهب ما في بيتي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه؟ أكلت منه أكثر من مائتي وسق [ (3) ] [لفظ حديث المقرئ] [ (4) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 110، باب ما جاء في مزود أبي هريرة رضي اللَّه عنه وما ظهر فيه ببركة دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من آثار النبوة، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] في (خ) : «تكفئه» . [ (3) ] (المرجع السابق) : 110- 111، ذات الباب. [ (4) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 [ثامن وأربعون: امتلاء النّحي [ (1) ] الّذي أهريق ما فيه] [وأما امتلاء النحى الّذي أهريق ما فيه] فخرج البيهقي من حديث سفيان ابن حمزة، عن كثير بن يزيد، عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي، عن أبيه قال: كان طعام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدور على أصحابه، على هذا ليلة، وعلى هذا ليلة، فدار عليّ فعلمت طعام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم ذهبت به فتحرك النحي فأهريق ما فيه، فقلت: على يدي أهريق طعام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اجلس، فقلت: لا أستطيع يا رسول اللَّه، فرجعت فإذا النحي يقول: قب قب، فقلت: فضلة فضلت فيه، فاجتبذته فإذا هو قد مليء إلى يديه فأوكيته، ثم جئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: أما إنك لو تركته لملئ إلى فيه فأوكه [ (2) ] .   [ (1) ] النّحى: زقّ السمن. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 112، باب ما جاء في امتلاء النحي الّذي أهريق ما فيه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 [تاسع وأربعون: البركة التي ظهرت في الشعير الّذي خلّفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد وفاته في بيت عائشة رضي اللَّه عنها] وأما البركة التي ظهرت في الشعير الّذي خلفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد وفاته في بيت عائشة رضي اللَّه عنها، فخرج البخاري في باب فضل الفقر من كتاب الرقاق، وخرج مسلم من حديث أبي أمامة، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: لقد توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- وقال مسلم-: توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وما في رفّي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفّ لي، فأكلت منه حتى طال عليّ فكلته ففني. لفظهما فيه سواء [ (1) ] . وذكره البخاري أيضا بهذا الإسناد في كتاب فرض الخمس في باب نفقة نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعد وفاته [ (2) ] ، وقال: توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال: وما في بيتي من شيء ... ، والحكمة من ذلك أن كثيره مضاد للتوكل، فعوقب فاعله بزواله.   [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 329، كتاب الرقاق، باب (16) فضل الفقر، حديث رقم (6451) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 257، كتاب فرض الخمس، باب (3) نفقة نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعد وفاته، حديث رقم (3097) ، (مسلم بشرح النووي) : 18/ 316- 317، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (2793) ، (سنن الترمذي) : 4/ 554، كتاب صفة القيامة والرقاق والورع باب (31) ، حديث رقم (2467) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى قولها: شطر: تعني شيئا، (دلائل البيهقي) : 6/ 113، باب ما ظهر فيما خلّف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على عائشة رضي اللَّه عنها من الشعير ... ، وزاد في آخر روايته المسندة: وليتني لم آكله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 [خمسون: البركة التي حلت في شطر وسق شعير دفعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لرجل استطعمه] وأما البركة التي حلت في شطر وسق شعير دفعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لرجل استطعمه، فخرج مسلم من حديث سلمة بن شبيب قال: حدثنا الحسن بن محمد بن أعين، حدثنا معقل عن أبي الزبير عن جابر رضي اللَّه عنه، أن رجلا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم [ (1) ] . ذكره في المناقب.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 45- 46، كتاب الفضائل، باب (3) في معجزات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2281) ، (دلائل البيهقي) : 6/ 114. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 [حادي وخمسون: أكل نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعياله من شعير دفعه له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نصف سنة لم ينقص لما كاله] وأما أكل نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعياله من شعير دفعه له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نصف سنة ولم ينقص لما كاله، فخرج البيهقي من حديث ابن لهيعة قال: حدثنا يونس بن يزيد، حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن الحرث بن عكرمة عن جده نوفل ابن الحرث بن عبد المطلب، أنه استعان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في التزويج، فأنكحه امرأة فالتمس شيئا فلم يجده، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبا رافع وأبا أيوب رضي اللَّه عنهما بدرعه فرهناه عند رجل من اليهود بثلاثين صاعا من شعير، فدفعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليه، قال: فطعمنا منه نصف سنة ثم كلناه، فوجدناه كما أدخلناه، قال نوفل: فذكرت ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: لو لم تكله لأكلت منه ما عشت [ (1) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 114. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 [ثاني وخمسون: شبع أعرابي بشيء من كسرة قد يبست] وأما شبع أعرابي بشيء من كسرة قد يبست، فخرج البيهقي من حديث حفص ابن غياث، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: ضاف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [أعرابي] [ (1) ] ، قال: فطلب له شيئا فلم يجد إلا كسرة في كوة، قال: فجزّأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أجزاء ودعا عليها وقال: كل، فأكل وأفضل، قال: فقال: يا محمد، إنك لرجل صالح، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أسلم، قال: إنك لرجل صالح [ (2) ] . وفي رواية، قال: أتى أعرابي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فسأله، فدخل فلم يجد إلا كسرة قد يبست في جحر، فأخرجها ففتها أجزاء، ثم وضع يده عليها، ثم دعا، ثم قال: كل يا أعرابي، فجعل الأعرابي يأكل حتى شبع وفضل منه فضلة، فجعل الأعرابي يرفع رأسه ينظر إليه ويقول: إنك لرجل صالح، وجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، ويقول: إنك لرجل صالح [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (2) ] كلا الروايتين بسندهما في (دلائل البيهقي) : 6/ 117- 118. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 [ثالث وخمسون: أمره قوما كانوا لا يشبعون بأن اجتمعوا] وأما أمره قوما كانوا لا يشبعون بأن اجتمعوا إذا أكلوا، ففعلوا فشبعوا بامتثالهم أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج أبو داود من حديث الوليد بن مسلم، حدثنا وحشي ابن حرب، عن ابنه عن جده، أن أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قالوا: يا رسول اللَّه! إنا نأكل ولا نشبع، قال: فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم، قال فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم اللَّه عليه، يبارك لكم فيه [ (1) ] .   [ (1) ] (عون المعبود) : 10/ 170، كتاب الأطعمة، باب (15) في الاجتماع على الطعام، حديث رقم (3758) ، (سنن ابن ماجة) : 2/ 1093، كتاب الأطعمة، باب (17) الاجتماع على الطعام، حديث رقم (3286) ، وأخرج ابن ماجة أيضا حديث رقم (3287) بسنده، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «كلوا جميعا ولا تفرقوا، فإن البركة مع الجماعة» . وخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 560، من حديث وحشي الحبشي، حديث رقم (15648) ، والبيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 119، باب ما جاء في القوم الذين كانوا لا يشبعون، فأمرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالاجتماع على الطعام وتسمية اللَّه تعالى عليه ففعلوا فشبعوا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 [رابع وخمسون: ظهور البركة في شعير أم شريك] وأما ظهور البركة في شعير أم شريك وعكتها، وريها من عند اللَّه ببركة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البيهقي من حديث يونس بن بكير، عن عبد الأعلى، عن أبي المساور القرشي، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كانت امرأة من دوس يقال لها: أم شريك، أسلمت في رمضان، فأقبلت تطلب من يصحبها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلقيت رجلا من اليهود فقال: ما لك يا أم شريك؟ قالت: أطلب رجلا يصحبني إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فتعالي فأنا أصحبك، قالت: فانتظرني حتى أملأ سقائي ماء، قال: معي ماء، لا تريدين ماء. قال: فانطلقت معهم فساروا يومهم حتى أمسوا، فنزل اليهودي ووضع سفرته فتعشّى وقال: يا أم شريك، تعالي إلى العشاء، فقالت: اسقني من الماء فإنّي [عطشى] [ (1) ] ، ولا أستطيع أن آكل حتى أشرب، فقال: لا أسقيك حتى تهودي، فقالت: لا جزاك اللَّه عني خيرا، غررتني [ (2) ] ومنعتني أن أحمل ماء، فقال: لا واللَّه لا أسقيك منه قطرة حتى تهودين، فقالت: لا واللَّه لا أتهود أبدا بعد أن هداني اللَّه إلى الإسلام، وأقبلت إلى بعيرها فعقلته، ووضعت رأسها على ركبته فنامت، قالت: فما أيقظني إلا [برد] [ (3) ] دلو قد وقع على جبيني. فرفعت رأسي فنظرت إلى ماء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، فشربت حتى رويت، ثم نضحت على سقائي حتى ابتل، ثم ملأته، ثم رفع بين يدي وأنا انظر حتى توارى مني في السماء، فلما أصبحت جاء اليهودي فقال: يا أم شريك، قلت: واللَّه قد سقاني اللَّه، فقال: من أين؟ أنزل عليك من السماء؟ قلت: نعم، واللَّه لقد أنزل اللَّه عزّ وجلّ عليّ من السماء، ثم رفع بين يدي حتى توارى عني في السماء. ثم أقبلت حتى دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقصت عليه القصة، فخطب إليها نفسها، فقالت: يا رسول اللَّه، لست أرضى نفسي لك، ولكن بضعي لك،   [ (1) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «غربتني» . [ (3) ] في (خ) : «تردد» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 فزوجني من شئت، فزوجها زيدا، وأمر لها بثلاثين صاعا وقال: كلوا ولا تكيلوا، وكان معها عكة سمن هدية لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت لجارية لها: بلغي هذه العكة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قولي: أم شريك تقرئك السلام، وقولي: هذه عكة سمن هديتها لك، فانطلقت بها فأخذوها ففرغوها، وقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم علقوها ولا توكوها [ (1) ] ، فعلقوها في مكانها. فدخلت أم شريك فنظرت إليها مملوءة سمنا، فقالت: يا فلانة! أليس أمرتك أن تنطلقي بهذه العكة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت: قد واللَّه انطلقت بها كما قلت، ثم أقبلت بها أصوبها ما يقطر منها شيء، ولكنه قال: علقوها ولا توكوها، فعلقتها في مكانها، وقد أوكتها أم شريك حين رأتها مملوءة، فأكلوا منها حتى فنيت، ثم كالوا الشعير، فوجدوه ثلاثين صاعا لم ينقص منه شيء [ (2) ] . [قلت: وقد روى ذلك من وجه آخر، ولحديثه في العكة شاهد صحيح عن جابر بن عبد اللَّه في أم مالك.] [ (3) ] .   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «ولا يأكلوها» ، ورواية (خ) أقرب وأنسب للسياق. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 123، باب فيما ظهر من الكرامات على أم شريك في هجرتها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وما ظهر من دلالات النبوة في العكة التي أهدتها له. [ (3) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 [خامس وخمسون: إشباع أبي أمامة تكرمة له صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما إشباع اللَّه تعالى أبي أمامة رضي اللَّه عنه تكرمة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البيهقي من حديث علي بن الحسن بن شقيق بن دينار- أبي عبد اللَّه المزوي- قال: أنبأنا الحسين ابن واقد قال: حدثني أبو غالب عن أبي أمامة قال: أرسلني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- أظنه قال: إلى أهله- وهم على طعام- يعني الدم في خوان- فقالوا لي: كل، قال: قلت: إني لأنهاكم عن هذا الطعام، وأنا رسول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليكم، وكذبوني وزبروني، قال: فانطلقت [عن ذا] [ (1) ] وأنا جائع ظمآن، وقد نزل بي جهد فنمت، فأتيت في منامي بشربة من لبن فشبعت ورويت وعظم بطني، فقال القوم: أتاكم رجل من خياركم وأشرافكم فرددتموه؟ اذهبوا إليه فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي، فأتوني بطعام، قال: قلت: لا حاجة لي في طعامكم، فإن اللَّه عزّ وجلّ قد أطعمني وسقاني، فانظروا إلى حالتي التي أنا عليها، فآمنوا بي وبما جئتهم من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرجه من حديث صدقة بن هرمز، عن أبي غالب، عن أبي أمامة رضي اللَّه عنه قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى قومي، فانتهيت إليهم وأنا طاو، وهم يأكلون الدم، فقالوا: هلم، فقلت: إنما جئتكم لأنهاكم عن هذا، قال: فاستهزءوا بي، وكنت [مجهدا] [ (2) ] ، فسمعتهم يقول بعضهم لبعض: أتاكم رجل من سراة قومكم فما لكم بد من أن تسقوه [ (3) ] ولو مذقة، قال: فوضعت رأسي فنمت، فأتاني آت في منامي فناولني إناء فأخذته فشربته فاستقيت وقد كظّني بطني، فناولوني إناء قالوا: خذ، قلت: لا حاجة لي فيه، قالوا: قد رأيناك بجهد، قلت: إن اللَّه عزّ وجلّ أطعمني وسقاني، فأريتهم بطني، فأسلموا عن آخرهم [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «وكنت بجهد» . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «تطعموه» . [ (4) ] (دلائل البيهقي) 6/ 126- 127، باب ما جاء فيما ظهر على أبي أمامه حين بعث رسولا إلى قومه من الكرامات. وأخرجه أيضا الحاكم في (المستدرك) : 3/ 744، كتاب معرفة الصحابة، ذكر أبي أمامة الباهلي رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (6705/ 2303) ، قال الذهبي في (التلخيص) : صدقة بن هرمز ضعفه ابن معين. وأبو غالب قد وثقه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 [سادس وخمسون: إغاثة اللَّه له صلّى اللَّه عليه وسلم عند ما نزل به ضيف] وأما إغاثة اللَّه عز وجل نبيه الكريم صلّى اللَّه عليه وسلم عند ما نزل به ضيفه وليس عنده ما يقربه، فخرج البيهقي من حديث عبيد اللَّه بن موسى، عن مسعر عن زبيد عن مرة، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: أضاف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ضيفا، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما، فلم يجد عند واحدة منهن شيئا، فقال: اللَّهمّ إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنه لا يملكها إلا أنت، قال: فأهديت إليه شاة مصلية [ (1) ] فقال: هذه من فضل اللَّه عزّ وجل، ونحن ننتظر الرحمة. قال البيهقي: والصحيح عن زبيد قال: أضاف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. مرسلا من قول زبيد [ (2) ] . وخرج من حديث الوليد بن سليمان بن أبي السائب، حدثنا واثلة بن الخطاب عن أبيه عن جده واثلة بن الأسقع رضي اللَّه عنه قال: حضر رمضان، ونحن في أهل الصفة، فصمنا فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجلا من أهل الصفة فأخذه فانطلق به فعشّاه، فأتت علينا ليلة لم يأتنا أحد [ (3) ] ، فانطلقنا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبرناه بالذي كان من أمرنا، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها: هل عندك شيء؟ فما بقيت منهن امرأة إلا أرسلت تقسم: ما أمسى في [بيتها] [ (4) ] ما يأكل ذو كبد، فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: [اجتمعوا،] فاجتمعوا، فدعا وقال: اللَّهمّ إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنّهما بيدك لا يملكهما أحد غيرك، فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن، وإذا بشاة مصلّية ورغف، فأمر بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا، فقال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إنا سألنا اللَّه من فضله ورحمته فهذا فضله، وقد ذخر لنا عنده رحمته [ (2) ] .   [ (1) ] وفي رواية المقرئ: فأهوت إليه شاة مصلية. (دلائل البيهقي) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 128- 129، باب ما جاء في إجابة اللَّه تعالى دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين ضافه ضيف ولم يكن عنده شيء. [ (3) ] [فأصبحنا صياما، ثم أتت علينا القائلة فلم يأتنا أحد] . (المرجع السابق) . [ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 [سابع وخمسون: ظهور البركة في التمر الّذي خلفه عبد اللَّه بن عمرو بن حرام] وأما ظهور البركة في التمر الّذي خلفه عبد اللَّه بن عمرو بن حرام رضي اللَّه عنه، حتى قضى دينه ولم يكد ينقص، فخرج البخاري من حديث أبي عوانه، عن مغيرة عن عامر، عن جابر رضي اللَّه عنه قال: أصيب عبد اللَّه وترك عيالا ودينا، فطلبت إلى أصحاب الدين أن يضعوا بعضا من دينه، فأبوا، فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فاستشفعت به عليهم فأبوا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: صنف تمرك كل شيء منه على حدته، عذق ابن زيد على حدة، واللين على حدة، والعجوة على حدة، ثم أحضرهم حتى آتيك، ففعلت، ثم جاء صلّى اللَّه عليه وسلم فقعد عليه وكال لكل رجل حتى [استوفى] [ (1) ] وبقي التمر كما هو كأنه لم يمس [ (2) ] . وغزوت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على ناضح لنا فأزحف الجمل فتخلف عليّ، فوكزه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من خلفه، قال: بعنيه ولك ظهره إلى المدينة، فلما دنونا استأذنت قلت: يا رسول اللَّه! إني حديث عهد بعرس، قال: فما تزوجت؟ بكرا أم ثيبا؟ قلت: ثيبا، قلت: أصيب عبد اللَّه وترك جواري صغار، فتزوجت ثيبا تعلّمهنّ وتؤدبهن، ثم قال: ائت أهلك، فقدمت فأخبرت خالي ببيع الجمل فلامني، فأخبرته بإعياء الجمل وبالذي كان من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ووكزه إياه، فلما قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم غدوت إليه بالجمل فأعطاني ثمن الجمل، والجمل، وسهمي مع القوم. ترجم عليه باب: الشفاعة في وضع الدين [ (3) ] . وخرج البخاري في كتاب البيوع، في باب الكيل على البائع والمعطى، وفخرج النسائي في كتاب الوصايا، كلاهما من حديث جرير عن مغيرة عن الشعبي، عن   [ (1) ] زيادة للسياق من رواية (البخاري) . [ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 85- 86، كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب (18) الشفاعة في وضع الدين، حديث رقم (2405) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2406) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 جابر رضي اللَّه عنه قال: توفى عبد اللَّه بن حرام وعليه دين، فاستعنت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على غرمائه أن يضعوا من دينه، فطلب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إليهم فلم يقبلوا، فقال لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم اذهب فصنف تمرك أصنافا: العجوة على حدة، وعذق ابن زيد [ (1) ] على حدة، ثم أرسل إليّ، ففعلت، ثم أرسلت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فجاء فجلس إلى أعلاه- أو في وسطه- ثم قال: كل للقوم، فكلتهم حتى أوفيتهم الّذي لهم وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء [ (2) ] . وقال النسائي: فاستشفعت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على غرمائي أن يضعوا من دينه شيئا، فطلب إليهم وأبوا [ (3) ] . وخرجه البخاري في غزوة أحد من حديث عبيد اللَّه بن موسى، حدثنا شيبان أبو معاوية [ (4) ] عن فراس عن الشعبي فذكره [ (5) ] . وخرجه في آخر كتاب الوصايا، من حديث شيبان عن فراس قال: قال الشعبي: حدثني جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضي اللَّه عنه أن أباه استشهد يوم أحد وترك ستّ بنات وترك عليه دينا، فلما حضره جذاذ النخل أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه! قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد وترك عليه دينا كثيرا، وإني أحب أن يراك الغرماء، قال: اذهب فبيدر كل تمر على ناحية ففعلت، ثم دعوته، فلما نظروا إليه كأنما أغروا بي تلك الساعة، فلما رأى ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه، ثم قال: ادع أصحابك، فما زال يكيل لهم حتى أدى اللَّه أمانة والدي، وأنا واللَّه راض أن يؤدي اللَّه أمانة والدي ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة، فسلم واللَّه البيادر كلها حتى انظر إلى البيدر الّذي كان عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،   [ (1) ] ابن زيد: شخص نسب إليه النوع المذكور من التمر، وتمر المدينة أصنافه كثيرة جدا تزيد على الستين، والتمر الأحمر أكثر من الأسود عندهم. [ (2) ] (فتح الباري) : 4/ 432- 433، باب (51) الكيل على البائع والمعطي، حديث رقم (2127) . [ (3) ] (سنن النسائي) : 6/ 556، كتاب الوصايا، باب (4) قضاء الدين قبل الميراث، وذكر اختلاف الناقلين لخبر جابر فيه، حديث رقم (3640) . [ (4) ] زيادة للسياق من (البخاري) . [ (5) ] (فتح الباري) : 7/ 453- 454، كتاب المغازي، باب (18) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، حديث رقم (4053) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 كأنه لم ينقص تمرة واحدة [ (1) ] . قال أبو عبد اللَّه: أغروا بي: يعني هيجوا بي. فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ ترجم عليه في الوصايا باب قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة وذكره في غزوة أحد [ (2) ] : حتى أدى اللَّه عن والدي أمانته، وأنا أرضى أن يؤدي اللَّه أمانة والدي، ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة، فسلم اللَّه البيادر كلها.. حتى [آخر] الحديث. وقال في باب علامات النبوة في الإسلام: حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكريا قال: حدثني عامر، قال: حدثني جابر أن أباه توفي وعليه دين، فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: إن أبي ترك عليه دينا وليس عندي إلا ما يخرج نخله، ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه، فانطلق معي لكي لا يفحش عليّ الغرماء، فمشى حول بيدر من بيادر التمر فدعا، ثم أخّر ثم جلس عليه فقال: انزعوه، فأوفاهم الّذي لهم، وبقي مثل ما أعطاهم [ (3) ] . وخرج في كتاب الأطعمة، من حديث أبي حازم، عن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن أبي ربيعة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان بالمدينة يهودي وكان يسلفني في [تمري] إلى الجذاذ، وكان لجابر الأرض التي بطريق رومة، فجلست فخلا عاما، فجاءني اليهودي عند الجذاذ ولم أجد منها شيئا، فجعلت استنظره إلى قابل فيأبى، فأخبر بذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال لأصحابه: امشوا نستنظر لجابر من اليهودي، فجاءوني في نخلي، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يكلم اليهودي، فيقول يا أبا القاسم لا أنظره، فلما رأى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم قام فطاف في النخل، ثم جاءه فكلمه فأبى، فقمت فجئت بقليل من رطب، فوضعته بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأكل ثم قال: أين عريشك يا جابر؟ فأخبرته فقال: افرش لي فيه، ففرشته فدخل فرقد ثم استيقظ، فجئته بقبضة أخرى، فأكل منها ثم قام فكلم اليهودي فأبى عليه، فقام في الرّطاب في النخل   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 518- 519، كتاب الوصايا، باب (36) ، حديث رقم (2781) قضاء الوصي دين الميت بغير محضر الورثة. [ (2) ] سبق الإشارة إليه تعليق رقم (5) من الصفحة السابقة [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 728، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3580) ، ونحوه في (دلائل أبي نعيم) : 2/ 435- 436، باب قصة غرماء جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه، حديث رقم (435) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 الثانية ثم قال: يا جابر، خذ واقض، فوقف في الجذاذ، فجذذت منها ما قضيته وفضل منه، فخرجت حتى جئت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فبشرته فقال: أشهد أني رسول اللَّه [ (1) ] . قال أبو عبد اللَّه: عرش وعريش: بناء، وقال ابن عباس: معروشات ما يعرش من الكروم وغير ذلك، ويقال: عروشها: أبنيتها، وقال أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف: [قد وقع] [ (2) ] في هذا الحديث إشكال في لفظه ومعناه، أما المعنى: فلأن جابر لم يداين أولئك اليهود، وإنما كان أبوه مات وترك الدين عليه، وهي قضية مشهورة. وخرج البيهقي من حديث محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكيم قال: أخبرنا عروة عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد اللَّه أنه أخبره أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود، فاستنظره جابر فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ليشفع إليه، فجاءه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] فكلم اليهودي ليأخذ تمر نخله بالذي له فأبى، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمشى فيها ثم قال: يا جابر، جذّ له فأوفه الّذي له، فجذّ بعد ما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأوفاه ثلاثين وسقا وفضلت له سبعة عشرة وسقا. فجاء جابر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليخبره بالذي فعل، فوجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي العصر، فلما انصرف [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] جاءه فأخبره أنه قد وفّاه، وأخبره بالفضل الّذي فضل له، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أخبر ذلك ابن الخطاب، فذهب جابر إلى عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فأخبره، فقال عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليباركن اللَّه عزّ وجلّ فيها [ (3) ] . قال البيهقي: رواه البخاري في الصحيح عن إبراهيم بن المنذر، عن أنس بن   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 706- 707، كتاب الأطعمة، باب (41) الرطب والتمر، وقول اللَّه تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا، حديث رقم (5443) . [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 150، باب دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في التمر الموروث عن عبد اللَّه بن عمرو بن حرام رضي اللَّه عنه حتى قضى منه دينه وكأنه لم ينقص منه شيء، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 عياض، وهذا لا يخالف الأول، فإن الأول في سائر الغرماء الذين حضروا وحضر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أوفاهم ديونهم، وهذا في اليهودي الّذي أتاه بعدهم، وطالب بدينه، فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جابراً بجذ ما بقي على النخلات وإيفائه حقه، واللَّه أعلم [ (1) ] . وقال الواقدي- وقد ذكر غزوة ذات الرقاع-: وحدثني إسماعيل بن عطية ابن عبد اللَّه بن أنيس [عن أبيه] عن جابر بن عبد اللَّه قال: لما انصرفنا راجعين فكنا بالشّقرة، قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا جابر، ما فعل دين أبيك؟ فقلت: عليه انتظرت يا رسول اللَّه أن يجذّ له نخله، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا جذذت فأحضرني، قال: قلت: نعم، ثم قال: من صاحب دين أبيك؟ فقلت: أبو الشحم اليهودي، له على أبي سقة [ (2) ] من تمر، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فمتى تجذّها؟ قال: قلت: غدا، قال: يا جابر، إذا جذذتها فاعزل العجوة على حدتها، وألوان التمر على حدتها. قال: ففعلت، فجعلت الصّيحانيّ على حدة، وأمهات الجرادين على حدة، والعجوة على حدة، ثم عمدت إلى جمّاع من التمر مثل نخبة وقرن وشقحة وغيرها من الأنواع- وهو أقل التمر- فجعلته حبلا [ (3) ] واحدا، ثم جئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبرته فانطلق ومعه عليه أصحابه، فدخلوا الحائط، وحضر أبو الشحم. قال: فلما نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى التمر مصنفا قال: اللَّهمّ بارك له، ثم انتهى إلى العجوة فمسها بيده، وأصناف التمر، ثم جلس وسطها، ثم قال: ادع غريمك. فجاء أبو الشحم، فقال: اكتل، فاكتال حقه كله من حبل واحد وهو العجوة، وبقية التمر كما هو، فقال: يا جابر، هل بقي على أبيك شيء؟ قال: قلت:   [ (1) ] المرجع السابق. [ (2) ] سقة من تمر: قال ابن الأثير: السقة جمع وسق، وهو الحمل، وقدّره الشرع بستين صاعا، وقد صحّفه بعضهم بالشين المعجمة وليس بشيء، مختصرا من (النهاية) : 2/ 169. [ (3) ] الحبل: قطعة من الرمل ضخمة ممتدة، (المرجع السابق) : 1/ 197. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 لا، قال: وبقي سائر التمر فأكلنا منه دهرا وبعنا منه حتى أدركت الثمرة من قابل، ولقد كنت أقول: لو بعت أصلها ما بلغت ما على أبي من دين، فقضى اللَّه ما كان على أبي من الدين، فلقد رأيتني والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم ليقول لي: ما فعل دين أبيك؟ فقلت: قد قضاه اللَّه، قال: اللَّهمّ اغفر لجابر، فاستغفر لي في ليلة خمسا وعشرين مرة [ (1) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 401- 402. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 [ثامن وخمسون: سماع الصحابة تسبيح الطعام وهم يأكلونه] وأما سماع الصحابة رضي اللَّه عنهم تسبيح الطعام وهم يأكلونه مع المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البخاري في باب علامات النبوة في الإسلام، من حديث إسرائيل عن منصور، عن إبراهيم عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: كنا نعد الآيات بركة وكنتم تعدونها تخويفا، كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر فقل الماء، فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال: حيّ على الطهور المبارك والبركة من اللَّه، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيع الطعام وهو يؤكل [ (1) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 728، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3579) ، (دلائل البيهقي) : 6/ 62- 63، باب ما جاء في تسبيح الطعام الّذي كانوا يأكلون مع نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، وما في ذلك من آثار النبوة، (سنن الترمذي) : 5/ 557، كتاب المناقب، باب (5) في إثبات نبوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وما قد خصّه اللَّه عز وجل، حديث رقم (3633) ، وقال في آخره: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 [تاسع وخمسون: مسحه ضرع شاة أم معبد فدرّت باللبن] وأما مسحه صلّى اللَّه عليه وسلم ضرع شاة أم معبد فدرت باللبن، بعد ما كانت في جهد لا تبض بقطرة، فخرجه الأئمة الحفاظ: خرجه الحرث بن أبي أسامة، وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، من حديث أبي أحمد بشر بن محمد السكري المزوي قال: حدثنا عبد الملك بن وهب المذحجي، حدثنا الحرّ بن الصباح، عن أبي معبد الخزاعي [ (1) ] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج ليلة هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر رضي اللَّه عنه وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، ودليلهم عبد اللَّه بن أريقط الليثي، فمروا بخيمتي أم معبد الخزاعية [ (1) ]- وكانت أم معبد امرأة برزة جلدة، تحتبي [ (2) ] وتجلس بفناء الخيمة، فتطعم وتسقى- فسألوها: هل معها لحم أو لبن يشتروا منها؟ فلم يجدوا عندها شيئا من ذلك، فقالت: لو كان عندنا شيئا ما أعوزكم القرى، وإذا القوم مرملون مسنتون. فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فإذا شاة في كسر الخيمة، فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ فقالت شاة خلفها الجهد عن الغنم، قال: فهل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذاك، قال: تأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: إن كان بها حلب فاحلبها، قال: فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالشاة فمسحها، وذكر اسم اللَّه ومسح ضرعها، وذكر اسم اللَّه ودعا بإناء لها يربض الرهط فتفاجت [ (3) ] ودرّت واجترت، فحلب فيه   [ (1) ] أم معبد الخزاعية، هي عاتكة، بنت خالد بن منقذ بن ربيعة بن أصرم، وقيل: عاتكة بنت خالد ابن خليف، بن منقذ بن ربيعة، وهي أخت حبيش بن خالد الأشعر الخزاعي القديدي، وله صحبة ورواية، وهو راوي حديثها. وزوجها أبو معبد الخزاعي مختلف في اسمه، وتوفى في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان يسكن قديدا، وهي موضع قرب مكة، وفي (معجم ما استعجم) : 3/ 1054، أن هذه القرية سميت قديدا لتقدد السيول بها، وهي لخزاعة. [ (2) ] تحتبي: تجلس على أليتها، وتضم فخذيها إلى بطنها بذراعيها لتستند. [ (3) ] تفاجّت: فرّجت ما بين رجليها للحلب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 ثجا حتى علاه البهاء، فسقاها وسقى أصحابه فشربوا جميعا حتى أراضوا، وشرب صلّى اللَّه عليه وسلم آخرهم وقال: ساقي القوم آخرهم، ثم حلب فيه ثانيا عودا على بدء فغادره عندها ثم ارتحلوا، قال: فقل ما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا حيلا عجافا يتساوكن هزلا [ (1) ] ، فلما رأى اللبن عجب وقال: من أين هذا اللبن يا أم معبد ولا حلوبة في البيت والشاة عازب؟ فقالت: لا واللَّه، إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت وكيت. قال: صفيه لي يا أم معبد، فو اللَّه إني أراه صاحب قريش الّذي يطلب، فقالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة حسن الخلق، مبلج الوجه، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، قسيم وسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره عطف، وفي صوته صهل، أحور أكحل، أزجّ أقرن، في عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سماه وعلاه البهاء، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هزر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدّرن، أبهى الناس وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة، لا تشنأه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أجمل الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفنّد. قال: هذا واللَّه صاحب قريش الّذي تطلب، ولو صادفني لالتمست أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا. قال: وأصبح صوت بمكة عاليا بين السماء والأرض، يسمعونه ولا يدرون من يقوله وهو ينشد ويقول: جزى اللَّه ربّ الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلا بالبرّ وارتحلا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد فيال قصي ما روى اللَّه عنكم ... به من فعال لا تجاري وسؤدد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد   [ (1) ] ضعافا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 فغادرها رهنا لديها لحالب ... يردّدها في مصدر ثم مورد قال: فأصبح الناس وقد فقدوا نبيهم، فأخذوا على خيمتي أم معبد حتى لحقوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: وأجابه حسان بن ثابت يقول: لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسرى إليهم ويغتدى ترحّل عن قوم فزالت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجدّد هداهم به بعد الضلالة ربهم ... وأرشدهم من يتبع الحق يرشد وهل يستوي ضلال قوم تسكعوا ... عمى، وهداة يقتدون بمهتدى لقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب اللَّه في كل مشهد وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في صحوة اليوم أو غد ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد اللَّه يسعد ويهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمسلمين بمرصد [ (1) ]   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 337- 340، حديث رقم (238) ، وقال في آخره: قال أبو أحمد بن بشر بن محمد، حدثنا عبد الملك بن وهب: بلغني أن أم معبد هاجرت وأسلمت، ولحقت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ورواه أبو أمية محمد بن إبراهيم بن بشر بن محمد مثله. حدثنا سليمان بن أحمد، إملاء وقراءة، قال حدثنا على بن عبد العزيز قال: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: البرزة من النساء: الجلدة، التي تظهر للناس، ويجلس إليها القوم. مرملين مسنتين: المرمل الّذي قد نفد زاده، والمسنت الّذي أصابته السّنة، وهي الأزمة والمجاعة. قال أبو عبيد: إذا قال: يال فلان: فذلك في الاستغاثة بالفتح، ويال المسلمين. وإذا أراد التعجب والنداء قال: بال فلان بالكسرة. كسر الخيمة: وهو مؤخرها، وفيه لغتان: كسر، وكسر. وقال بعضهم: الكسر هو في مقدم الخيمة. فتفاجّت عليه: يعني فرجت رجليها كما تفعل التي تحلب. بإناء يربض الرهط: أي ينهنههم مما يجتريهم لكثرته إذا شربوه. فحلب فيها ثجا: يعني سيلا، وكذلك كل سيل، ومنه قوله صلّى اللَّه عليه وسلم وقد سئل عن الحجّ فقال: العجّ والثّجّ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 وخرج قاسم بن أصبغ من حديث أبي هاشم محمد بن سليمان بن الحكم، عن جده أيوب بن الحكم عن حرام بن هشام عن أبيه هشام، عند جده حبيش ابن خالد صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فذكره بمعناه.   [ () ] فالعجّ: رفع الصوت بالتلبية، والثّجّ: سيل دماء الهدي، وقال تعالى: ماءً ثَجَّاجاً [النبأ: 14] . أراضوا: أصل هذا في صبّ اللبن على اللبن، ومعنى قولها: أراضوا: هو شرب لبن صبّ على لبن. فغادره عندها: تركه عندها. تساوكن هزلا: التساوك: المشي الضعيف. الشاة عازب: يعني قد عزبن عن البيت فخرجن إلى المرعى. الحيّل: التي ليست بحوامل. وقولها في صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ظاهر الوضاءة: يعني الجمال، والوضيء: الجميل. المتبلّج الوجه: الّذي فيه إضاءة ونور. رجل مبلّج وأبلج، قال الأعشى: حكّمتوه فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الباهر لم تعبه ثجلة: ومعناه عظم البطن، تقول: فليس هو كذلك. لم تزر به صعلة: تريد صغر الرأس، يقال: رجل صعل. وسيم قسيم: كلاهما هو الجمال. في عينيه دعج: وهو سواد الحدقة، يقال: رجل أدعج، امرأة دعجاء. في أشفاره عطف: كان بعض الناس يظنها معطوفة، وأنا أظنها وطفا، وكذلك كل مستطيل مسترسل، وأيضا السحابة الدانية من الأرض وطف. في صوته صهل: إنه صحل، وهو شبيه بالبحح، وليس بالشديد منه، ولكنه حسن، وبذلك توصف الظباء. في عنقه سطع: هو الطول، يقال منه رجل أسطع، وامرأة سطعاء، وهذا مما يمدح به الناس. الأزجّ: هو المقوس الحاجبين، والأقرن: هو الّذي التقى حاجباه بين عينيه. منطقه لا نزر ولا هزر: فالنزر: القليل: والهزر: الكثير، تقول: قصد بين ذلك. لا تقتحمه عين من قصر: تقول: لا تزدريه فتنبذه ولكن تقبله وتهابه. محفود محشود: فالمحفود: المخدوم، قال اللَّه عزّ وجل: بَنِينَ وَحَفَدَةً، ومحشود: هو الّذي قد حشده أصحابه وحفّوا حوله، (المرجع السابق) ، (دلائل البيهقي) : 2/ 491- 496، باب اجتياز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمرأة وابنها، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة، 6/ 84- 86، باب ما جاء في ظهور بركته في الشاة التي لم يكن فيها لبن حتى نزل لها لبن، وقد مضى ذلك في ذكر نزوله بمخيمتي أم معبد، ونزوله قبل ذلك بالأغنام التي كان يرعاها ابن أم معبد، (المستدرك) : 3/ 10- 12، كتاب الهجرة، حديث رقم (4274/ 18) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ويستدل على صحته وصدق رواته بدلائل: منها: نزول المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم بالخيمتين متواترا في أخبار صحيحة ذوات عدد. ومنها: أن الذين ساقوا الحديث على وجهه أهل الخيمتين من الأعاريب الذين لا يهتمون بوضع الحديث، والزيادة والنقصان، وقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكة، لم يعلم أهل مكة أين وجّه، حتى سمعوا مغردا بين أخشبي [ (1) ] مكة يقول: جزى اللَّه خيرا والجزاء بكفه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلا بالهدى واهتديا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد ليهنئ بني كعب مكان فنائهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد [ (2) ] قال ابن إسحاق: فعرف أهل مكة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم توجه قبل المدينة. وقال الواقدي: حدثني حزام بن هشام عن أبيه عن أم معبد- واسمها عاتكة بنت خالد بن حبيب- قالت: لما طلعوا الأربعة على راحلتين، نزلوا بنا، فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشاة أريد أن أذبحها، فإذا هي ذات در، فأدنيتها منه فلمس ضرعها فقال: لا نذبحها، فأرسلتها وجئت بأخرى فذبحتها فطبخت لهم، فأكل هو وأصحابه، قلت: ومن معه؟ قالت: ابن أبي قحافة ومولى ابن أبي قحافة وابن أريقط- وهو على شركه بعد- قالت: فتغدى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، منها وأصحابه، وسفرتهم منها، ما وسعته سفرتهم، وأبقى عندنا لحمها أو أكثره. فبقيت الشاة التي لمس ضرعها عندنا حتى كان زمان الرمادة، زمان عمر بن   [ () ] أخذوه لفظا بعد لفظ، عن أبي معبد وأم معبد، ومنها: أن له أسانيد كالأخذ باليد أخذ الولد عن أبيه، والأب عن جده، لا إرسال ولا وهن في الرواة. ومنها: أن الحرّ بن الصباح النخعي، أخذه عن أبي معبد، كما أخذه ولده عنه، فأما الإسناد الّذي رويناه بسياقة الحديث عن الكعبيين، فإنه إسناد صحيح عال للعرب الأعاربة، وقد علونا في حديث الحرّ بن الصباح، (عيون الأثر) : 1/ 190، (سيرة ابن هشام) : 3/ 14، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 337- 343، حديث رقم (238) . [ (1) ] الأخشبان: جبلان بمكة. [ (2) ] هذه الأبيات في (عيون الأثر) : 1/ 188- 189، هكذا: جزى اللَّه خيرا والجزاء بكفه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما رحلا بالحق وانتزلا به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبر وأوفى ذمة من محمد وأكسي لبرد الحال قبل ابتذاله ... وأعطى برأس السابح المتجرد ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد وفي بعض المراجع: «السانح» بدلا من «السابح» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 الخطاب رضي اللَّه عنه، وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة، كنا نحلبها صبوحا وغبوقا، وما في الأرض قليل ولا كثير. قال حزام: وكانت أم معبد يومئذ مسلمة. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: هكذا أورد أبو نعيم هذا الخبر من حديث أم معبد- رضي اللَّه عنها- عن الواقدي، وفيه ما يخالف ما تقدم، على أن فيه علما من أعلام النبوة. وخرج أبو نعيم من حديث إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق قال: حدّثت عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنه أنها قالت: لما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر، أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر رضي اللَّه عنه فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قلت: لا أدري واللَّه أين أبي، قالت: فرفع أبو جهل يده- وكان فاحشا خبيثا- فلطم خدي لطمة خرم قرطي. قالت: ثم انصرفوا، فمضى ثلاث ليال ما ندري أين توجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة، يغني بأبيات شعر غنى بها العرب، وأن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه، حتى خرج بأعلى مكة: جزى اللَّه رب الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلا بالهدى واهتديا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبرّ وأوفى ذمة من محمد وأكسي لبرد الحال قبل ابتذاله ... وأغطى برأس السانح المتجرد قالت: فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر وعامر ابن فهيرة، وعبد اللَّه بن أريقط دليلهما [ (1) ] . وخرج البيهقي من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: سمعت عبد الرحمن بن   [ (1) ] (عيون الأثر) : 1/ 189، حيث رواه بعد حديث أم معبد ثم قال في آخره: وبه قال أبو بكر الشافعيّ: حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان، حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، قال: حدّثت عن أسماء ... ، وساق الحديث، وزاد بيتين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 أبي ليلى يحدث عن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكة فأتينا إلى حيّ من أحياء العرب، فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بيت منتحيا فقصد إليه، فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة فقالت: يا عبدي اللَّه، إنما أنا امرأة وليس عندي أحد، فعليكما بعظيم الحي إن أردتم القرى، قال: فلم يجبها- وذلك عند المساء- فجاء ابن لها بأعنز له يسوقها فقالت له: انطلق يا بني بهذه العنز والشاة إلى هذين الرجلين فقل لهما: تقول لكما أمي: اذبحا هذه وكلا وأطعمانا. فلما جاء، قال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: انطلق بالشفرة وجئني بالقدح، قال: إنها عزبت وليس لها لبن، قال: انطلق، فانطلق فجاء بقدح، فمسح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ضرعها ثم حلب حتى ملأ القدح ثم قال: انطلق به إلى أمك، فشربت حتى رويت، ثم جاء به فقال: انطلق بهذه وجئني بأخرى، ففعل بها كذلك، ثم جاء بأخرى فسقا أبا بكر، ثم جاء بأخرى ففعل بها كذلك، ثم شرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فبتنا ليلتنا ثم انطلقنا، فكانت تسمية المبارك. وكثرت غنمها حتى جلبت جلبا إلى المدينة، فمر أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه فرآه ابنها فعرفه، فقال: يا أماه، إن هذا الرجل الّذي كان مع المبارك، فقامت إليه فقالت: يا عبد اللَّه، من الرجل الّذي كان معك؟ قال: وما تدرين من هو؟ قالت: لا، قال: هو النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قالت فأدخلني عليه، قال: فأدخلها عليه فأطعمها وأعطاها [ (1) ] . وفي رواية: قالت: دلني عليه، فانطلقت معي وأهدت له شيئا من أقط ومتاع الأعراب، قال: فكساها وأعطاها، قال: ولا أعلم إلا قال: أسلمت [ (2) ] . قال البيهقي- رحمة اللَّه عليه-: هذه القصة وإن كانت تنقص عما روينا في قصة أم معبد وتزيد في بعضها فهي قريب منها، وتشبه أن تكونا واحدة، وقد ذكر   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 491- 492 باب اجتياز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمرأة وابنها- وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. [ (2) ] هي رواية ابن عبدان كما صرح بذلك البيهقي في المرجع السابق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 محمد بن إسحاق بن يسار من قصة أم معبد شيئا يدل على أنها وهذه القصة قصة واحدة سواء بها [ (1) ] . وذكر من حديث يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: لما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بخيمتي أم معبد- وهي التي غرد بها الجن بأعلى مكة- واسمها عاتكة بنت حنيف بن منقذ بن ربيعة بن أصرم، فأرادوا القرى، قالت: واللَّه ما عندنا طعام ولا منحة ولا لنا شاة إلا حائل، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ببعض غنمها، فمسح ضرعها بيده، ودعا اللَّه، وحلب في العس حتى رغى وقال: اشربي يا أم معبد، فقالت: اشرب فأنت أحق به، فردّه عليها فشربت. ثم دعا بحائل أخرى، ففعل بها مثل ذلك فشرب، ثم دعا بحائل أخرى، ففعل بها مثل ذلك فسقى دليله، ثم دعا بحائل أخرى، ففعل بها مثل ذلك فسقى عامرا، ثم يروح. وطلبت قريش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى بلغوا أم معبد فسألوها عنه، فقالوا: رأيت محمدا وحليته كذا؟ فوصفوه لها فقالت: ما أدري ما تقولون، قد ضافني حالب الحائل، قالت قريش: فذاك الّذي نريد] . [قال البيهقي: فيحتمل أن يكون أولا، أي التي في كسر الخيمة، كما روينا في حديث أم معبد، ثم رجع ابنها بأعنز، كما روينا في حديث ابن أبي ليلى، ثم لما أتى زوجها وصفته له، واللَّه تعالى أعلم] [ (2) ] . وخرج الحاكم قصة أم معبد من طريق [أبي سعيد، أحمد بن محمد بن عمرو الأخمسيّ بالكوفة، حدثنا الحسين بن حميد بن الربيع الخزار، حدثنا سليمان بن الحكم   [ (1) ] (المرجع السابق) ، وقد رجح هذا أيضا الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) : 3/ 238. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 493- 494، وما بين الحاصرتين مطموس في (خ) وقد أثبتناه منه. وقد سجّل شاعر العروبة والإسلام [أحمد محرم] في (ديوان مجد الإسلام) هذا الحدث الجليل من خيمة أم معبد فقال: ما حديث لأمّ معبد تستقيه ... ظمأى النفوس عذبا نميرا سائل الشاة كيف درّت وكانت ... كزّة الضرع لا ترجّى الدرورا بركات السّمح المؤمّل يقرى ... أمم الأرض زائرا أو مزورا مظهر الحق للنّبوّة سبحانك ... ربّا فرد الجلال قديرا وما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من كتب السيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 ابن أيوب بن سليمان بن ثابت بن بشار الخزاعي، حدثنا أخي أيوب بن الحكم، وسالم بن محمد الخزاعي، جميعا، عن حزام بن هشام، عن أبيه حزام بن حبيش ابن خويلد صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة، وأبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه، ومولى أبي بكر: عامر بن فهيرة، ودليلهما: الليثي عبد اللَّه بن أريقط، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية- وكانت امرأة برزة جلدة، تحتبي بفناء الخيمة، ثم تسقي وتطعم- فسألوها لحما وتمرا ليشتروا منها، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين. فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الشاة في كسر الخيمة فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم، قال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك، قال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلبا فاحلبها، فدعا بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وسمى اللَّه تعالى، ودعا لها في شاتها، فتفاجت عليه ودرّت فاجترّت. فدعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيه ثجا، حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم حتى أراضوا، ثم حلب فيه الثانية على هدة حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها، وارتحلوا عنها. فقلّ ما لبث حتى جاء زوجها أبو معبد ليسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزالا، مخّهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن أعجبه، قال: من أين لك هذا يا أم معبد والشاء عازب حائل، ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا واللَّه إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي يا أم معبد، قالت: - رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزريه صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صهل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزجّ أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حلو المنطق،] [ (1) ]   [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من كتب السيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 فصلا لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة، لا تشنأه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال سمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند. قال أبو معبد: هذا واللَّه صاحب قريش الّذي ذكر لنا من أمره ما ذكر، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا. وأصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول: جزى اللَّه ربّ الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلا بالهدى واهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد فيال قصي ما زوى اللَّه عنكم ... به من فعال لا تجازي وسؤدد ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد اللَّه يسعد وليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت ... عليه صريحا ضرة الشاة مزبد فغادره رهنا لديها لحالب ... يرددها في مصدر بعد مورد] [فلما سمع حسان الهاتف بذلك شبب يجاوب الهاتف فقال رضي اللَّه تعالى عنه: لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدّس من يسري إليهم ويغتدى ترحل عن قوم فضلت عقولهم ... وحلّ على قوم بنور مجدّد هداهم به بعد الضلالة ربهم ... فأرشدهم من يتبع الحق يرشد وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا ... عمى، وهداة يهتدون بمهتدي وقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب اللَّه في كل مشهد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد [ (1) ] قال ابن هشام: وأم معبد هي: أم معبد بنت كعب، امرأة من بني كعب، من خزاعة] [ (2) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 10- 11، حديث رقم 4274/ 18، وقال في آخره: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التخليص) : صحيح، ونزول المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بالخيمتين متواترا في أخبار صحيحة، ولذلك دلائل منها: أن الذين ساقوا الحديث على وجهه أهل الخيمتين من الأعاريب الذين لا يتهمون، وقد أخذوه عن أبي معبد وأم معبد. ومنها: أن له أسانيد كالأخذ باليد أخذ الولد عن أبيه، لا إرسال ولا وهن في الرواة، ومنها: أن الحرّ بن الصباح النخعي أخذه عن أبي معبد، كما أخذه ولده عنه. وقد سبق شرح غريب هذا الحديث. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 14، وأم معبد اسمها: عاتكة بنت خالد، إحدى بنى كعب من خزاعة، وهي أخت حبيش بن خالد، وله صحبة ورواية، ويقال له الأشقر، وأخوها حبيش بن خالد وخالد الأشعر أبو هما، هو ابن حنيف بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية بن كعب ابن عمرو، وهو أخو خزاعة. (هامش المرجع السابق) . وما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من كتب السيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 [ستون: حلبة صلّى اللَّه عليه وسلّم عناقا [ (1) ] لا لبن فيها مع عبد يرعى غنما] وأما حلبة صلّى اللَّه عليه وسلّم عناقا لا لبن فيها مع عبد يرعى غنما، فخرج البيهقي من حديث محمد بن غالب، حدثنا أبو الوليد: حدثنا عبيد اللَّه بن إياد بن لقيط، عن قيس ابن النعمان قال: لما انطلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر رضي اللَّه عنه مستخفين، مروا بعبد يرعى غنما، فاستسقياه اللبن فقال: ما عندي شاة تحلب، غير أن هاهنا عناقا حملت أول الشتاء وقد أخدجت [ (2) ] وما بقي لها لبن، فقال: ادع بها، فاعتقلها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومسح ضرعها، ودعا اللَّه حتى أنزلت. قال: وجاء أبو بكر رضي اللَّه عنه بمجن فحلب صلّى اللَّه عليه وسلّم فسقى أبا بكر، ثم حلب فسقى الراعي، ثم حلب فشرب، فقال الراعي: باللَّه من أنت؟ فو اللَّه ما رأيت مثلك قط! قال: أو تراك تكتم عليّ حتى أخبرك؟ قال: نعم، قال: فإنّي محمد رسول اللَّه. قال: أنت الّذي تزعم قريش أنه صابئ؟ قال: إنهم ليقولون ذلك، قال: فأشهد أنك نبي، وأشهد أن ما جئت به حق، وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي، وأنا متبعك. قال: إنك لن تستطيع ذلك يومك، فإذا بلغك أني قد ظهرت فأتنا [ (3) ] . وخرجه أبو داود الطيالسي من حديث عبد اللَّه بن إياد بن لقيط، فذكره وقال في آخره: فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ما ظهر بالمدينة. وخرجه الحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد [ (4) ] .   [ (1) ] العناق: هي الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة. [ (2) ] أخدجت: ولدت قبل أوانها. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 497، باب اجتيازه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع صاحبه بعبد يرعى غنما، وما ظهر عند ذلك من آثار النبوة. [ (4) ] (المستدرك) : 3/ 9- 10، حديث رقم 4273/ 17، وقال في آخره: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح، (البداية والنهاية) : 3/ 238 نقلا عن البيهقي، (عيون الأثر) : 1/ 190- 191. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 [حادي وستون: حلبة صلّى اللَّه عليه وسلّم اللبن من شاة لم ينز عليها الفحل] وأما حلبة صلّى اللَّه عليه وسلّم اللبن من شاة لم ينز عليها الفحل، فخرج أبو نعيم من حديث أبي داود قال: حدثنا حماد [بن سلمة] [ (1) ] عن عاصم، عن زرّ عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعتبة بن أبي معيط بمكة، فأتى عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه- وقد فرا من المشركين- فقال: يا غلام، عندك لبن تسقينا؟ فقال: إني مؤتمن، [ولست بساقيكما، قالا: هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد؟ قلت: نعم، فأتيتهما بها، فاعتقلها أبو بكر، وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الضرع فمسحه، ودعا، فحفل الضرع، وأتى أبو بكر بصخرة منقعرة، فحلب فيها، ثم شرب هو وأبو بكر، ثم سقياني، ثم قال للضرع: اقلص، فقلص، فلما كان الغد، أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: علّمني هذا القول الطيب- يعني القرآن- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنك غلام معلّم، فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد] [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للنسب من (دلائل أبي نعمي) . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 329، حديث رقم 233، (البداية والنهاية) : 3/ 238- 239 عن البيهقي، (مسند أحمد) : 1/ 626، حديث رقم (3587) ، حديث رقم (3588) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 150- 151، باب: ومن حلفاء بني زهرة بن كلاب من قبائل العرب: عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. وما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، وقد أثبتناه من كتب السيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 [ثاني وستون: ظهور الآية في اللبن للمقداد رضي اللَّه عنه] وأما ظهور الآية في اللبن للمقداد- رضي اللَّه عنه- فخرج مسلم من حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المقداد قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فليس أحد منهم يصلنا، فأتينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله، فإذا ثلاثة أعنز، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: احتلبوا هذا اللبن بيننا، فكنا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه، ونرفع للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم نصيبه. قال فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما، [ويسمع اليقظان، قال: ثم يأتي المسجد فيصلي، ثم يأتي شرابه، فأتاني الشيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي، فقال: محمد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم، ما به حاجة إلى هذه الجرعة، فأتيتها فشربتها، فلما أن وغلت في بطني، وعلمت أنه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشيطان، فقال: ويحك ما صنعت! أشربت شراب محمد، فيجيء فلا يجده، فيدعو عليك فتهلك، فتذهب دنياك وآخرتك؟ وعليّ شملة، إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النوم، وأما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت، قال: فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلم كما كان يسلّم، ثم أتى المسجد فصلى، ثم أتى شرابه، فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا، فرفع رأسه إلى السماء، فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك، فقال: اللَّهمّ أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني. قال: فعمدت إلى الشملة فشددتها عليّ وأخذت الشفرة فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإذا هي حافلة، وإذا هنّ حفّل كلهن، فعمدت إلى إناء لآل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ما كانوا يطعمون أن يحتلبوا فيه، قال: فحلبت فيه حتى علته رغوة، فجئت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أشربتم شرابكم الليلة؟. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 قال: قلت: يا رسول اللَّه اشرب، فشرب، ثم ناولني، فقلت: يا رسول اللَّه اشرب، فشرب ثم ناولني، فلما عرفت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قد روى، وأصبت دعوته، ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض، قال: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إحدى سوءاتك يا مقداد، فقلت: يا رسول اللَّه! كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما هذه إلا رحمة من اللَّه، أفلا كنت آذنتني، فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها، قال: فقلت: والّذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من الناس] [ (1) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 257- 260، كتاب الأشربة، باب (32) إكرام الضيف وفضل إيثاره، حديث رقم (174) ، وفي هذا الحديث: آداب السلام على الأيقاظ في موضع فيه نيام أو من في معناهم، وأنه يكون سلاما متوسطا بين الرفع والمخافتة، بحيث يسمع الأيقاظ ولا يهوش به على غيرهم، وفيه: الدعاء للمحسن والخادم، ولمن سيفعل خيرا، وفيه: ما كان عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الحلم، والأخلاق والمحاسن المرضية، وكرم النفس، والصبر، والإغضاء عن حقوقه، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يسأل عن نصيبه من اللبن. والشاة الحافل: الممتلئ ضرعها باللبن، (دلائل البيهقي) : 6/ 84- 86، باب ما جاء في ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلّم في الشاة التي لم يكن فيها لبن، حتى نزل لها لبن، (طبقات ابن سعد) : 1/ 184، وما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من كتب السيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 [ثالث وستون: سرعة سير الإبل بعد جهدها بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما سرعة سير الإبل بعد جهدها بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج أبو نعيم من حديث المعتمر قال: سمعت أبي يقول: حدثنا أبو نضرة عن جابر، وحدثنا محمد بن أحمد بن حمدان، قال: حدثنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا أبو كامل [الجحدريّ] ، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا الجريريّ عن أبي نضرة، عن جابر رضي اللَّه عنه، وحدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي، قال: حدثنا جميل بن الحسن قال: حدثنا غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد أبي سلمة، عن أبي نضرة، عن جابر رضي اللَّه عنه قال:] [كنا في مسير مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: وأنا على ناضح لي، إنما هو في أخريات الناس، قال: فضربه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو نخسة، أراه قال: بشيء كان معه، قال: فجعل بعد ذلك يتقدم الناس ينازعني حتى أني لأكفّه [ (1) ] .] . [وخرّج من حديث أحمد بن محمد بن الحسن الماسرجسي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا جرير عن مغيرة، عن الشعبي، عن جابر رضي اللَّه عنه، قال:] [غزوت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتلاحق بي وتحتي ناضح لي قد أعيا، ولا يكاد يسير، قال: فقال لي: ما لبعيرك؟ قلت: عليل، قال: فتخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فزجره ودعا له، فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير، قال: فكيف ترى بعيرك؟ قال: قلت: بخير قد أصابته بركتك [ (2) ] .] . وخرّج من حديث سليمان بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن داود المكيّ قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا الصعق بن حزن، وأبو هلال الراسبي، قالا: حدثنا سيار أبو الحكم عن الشعبي، عن جابر قال:]   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 437- 438، باب قصة البعير المتخلف لجابر بن عبد اللَّه وأبي طلحة رضي اللَّه عنهما، حديث رقم (348) ، وأخرجه البخاري ومسلم وأحمد. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 438، حديث رقم (349) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 [كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزاة، وأنا على بعير لي قطوف [ (1) ] ، فمر بي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فغمز بعيري بعصا في يده، فإذا هو في أول الركاب [ (2) ] . وخرج من حديث يوسف القاضي قال: حدثنا أبو الربيع، حدثنا حماد، حدثنا أيوب عن أبي الزبير، عن جابر قال:] . [أتى عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد أعيى بعيري، قال: فنخسه فوثب، قال: فكنت أحبس بعد ذلك خطامه فما أقدر عليه [ (3) ] .] . [ومن حديث جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تعالى عنه قال: فزع الناس، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا لأبي طلحة بطيئا، ثم خرج يركض وحده، فركب الناس يركضون خلفه، فقال: لن تراعوا وإنه لبحر، قال: فو اللَّه ما سبق بعد ذلك اليوم [ (4) ]] . [وخرج البيهقي من حديث أبي نعيم، حدثنا زكريا، قال: سمعت عامرا يقول: حدثني جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه: أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فأراد أن يسيّبه فقال: فلحقني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فضربه ودعا له، فسار سيرا لم يسر مثله. ثم قال: بعنيه بأوقية، قلت: لا، قال: بعنيه بأوقيتين، فبعته واشترطت حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه، ثم انصرفت، فأرسل على أثري وقال: أترى أني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك، ودراهمك، فهو لك [ (5) ]] . [وخرج من حديث حماد بن زيد، حدثنا أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر   [ (1) ] قطوف: بطيء. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 438، حديث رقم (350) ولم أجده عند غير أبي نعيم. [ (3) ] المرجع السابق، حديث رقم (351) ، وأخرجه مسلم. [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 439، حديث رقم (352) ، وأخرجه البخاري بسند حديث الباب، كما أخرجه من حديث أنس من طرق أخرى بألفاظ متقاربة. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 151، باب دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعير جابر بن عبد اللَّه وقد أعيا، حتى صار ببركة دعائه في أول الركب ... ، وقد أخرجه البخاري في (54) كتاب الشروط، (4) باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة، ومسلم في (22) كتاب المساقاة، (21) باب بيع البعير واستثناء ركوبه، (الإحسان) : 14/ 450، باب ذكر البيان بأن جابر بن عبد اللَّه استثنى حملان راحلته التي وصفناها إلى المدينة بعد البيع، حديث رقم (6519) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 رضي اللَّه عنه قال: أتى عليّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد أعيا بعيري، فنخسه فوثب، فكنت بعد ذلك أحبس خطامه فما أقدر عليه، فلحقني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: بعنيه، فبعته منه بخمس أواق، قلت: على أن لي ظهره إلى المدينة، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولك ظهره إلى المدينة، فلما قدمت المدينة، أتيت فزادني أوقية، ثم وهبه لي. [ (1) ]] . [وله من حديث عبد اللَّه بن أبي الجعد الأشجعي، عن جعيل الأشجعي، قال: غزوت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض غزواته وأنا على فرس لي جعفاء ضعيفة، قال: فكنت في أخريات الناس، فلحقني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: سر يا صاحب الفرس، فقلت: يا رسول اللَّه! جعفاء ضعيفة، قال: فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مخفقة معه، فضربها بها، وقال اللَّهمّ بارك له فيها، قال: فلقد رأيتني ما أمسك رأسه إن تقدم الناس، قال فلقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا] [ (2) ] . وله من حديث أبي سهل بن زياد القطان، حدثنا محمد بن شاذان الجوهري، حدثنا زكريا بن علي، حدثنا مروان بن معاوية، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال:] . جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- أو قال: فتى- فقال: إني تزوجت امرأة فقال: هل نظرت إليها؟ فإن في أعين الأنصار شيئا، قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ فذكر شيئا، قال: فكأنكم تنحتون الذهب والفضة من عرض هذه الجبال، ما عندنا اليوم شيء نعطيكه، ولكن سأبعثك في وجه تصيب فيه، فبعث بعثا إلى بني عبس، وبعث الرجل فيهم فأتاه فقال: يا رسول اللَّه، أعيتني ناقتي أن تنبعث، قال: فناوله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كالمعتمد عليه للقيام، فأتاها، فضربها برجله، قال أبو هريرة: والّذي نفسي بيده، لقد رأيتها تسبق القائد [ (3) ]] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 152، وأخرجه مسلم أيضا. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 153، (التاريخ الكبير) : 2/ 249، ترجمة رقم (2356) ، جعيل، قال رافع بن زياد بن أبي الجعد، أخى سالم بن أبي الجعد، قال: حدثني جعيل، قال: غزوت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا في أخريات الناس .... [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 154، (صحيح مسلم) : (16) كتاب النكاح، (12) باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد النكاح، حديث رقم (75) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 [وله من حديث جعفر بن عوف، قال: أنبأنا الأعمش، عن مجاهد، أنّ رجلا اشترى بعيرا، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إني اشتريت بعيرا، فادع اللَّه أن يبارك لي فيه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ بارك له فيه، فلم يلبث إلا يسيرا أن نفق، ثم اشترى بعيرا آخر، فأتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه! إني اشتريت بعيرين، فدعوت اللَّه أن يبارك لي فيهما، فادع اللَّه أن يحملني عليه، قال: فقال: اللَّهمّ احمله عليه، قال فمكث عنده عشرين سنة] [ (1) ] . [قال البيهقي: هذا مرسل، ودعاؤه صار إلى أمر الآخرة في المرتين الأوليين، ثم سأله صاحب البعير الدعاء بأن يحمله عليه، وقعت الإجابة إليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل زكاة، وأطيبها، وأنماها] [ (1) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 154- 155. وما بين الحاصرتين مطموس في (خ) واستدركناه من كتب السيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 [رابع وستون: شرب أهل الصفة من قدح لبن حتى رووا] [وأما شرب أهل الصفة من قدح لبن حتى رووا، فخرج البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد اللَّه إسحاق بن محمد بن يوسف السوسيّ قراءة عليه من أصله، حدثنا أبو جعفر: محمد بن محمد بن عبد اللَّه البغدادي، أنبأنا عل بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا عمرو بن ذر، حدثنا مجاهد أن أبا هريرة كان يقول:] [ (1) ] . [واللَّه الّذي لا إله إلا هو، إن كنت لاعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون فيه، فمرّ بي أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب اللَّه، ما سألته إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر، فسألته عن آية من كتاب اللَّه، ما سألته إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلّى اللَّه عليه وسلّم فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي، وما في وجهي. ثم قال: يا أبا هر! قلت: لبيك يا رسول اللَّه، قال: ألحق، ومضى فاتبعته، فدخل واستأذنت، فأذن لي، فدخلت، فوجد لبنا في قدح، فقال: من أين هذا اللبن؟ قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة. قال: أبا هر! قلت: لبيك يا رسول اللَّه، قال: ألحق بأهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهل ولا مال، إذا أتته صدقة يبعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتتهم هدية أرسل إليهم، فأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك. قلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، وإني لرسول، فإذا جاءوا أمرني أن أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة اللَّه وطاعة رسوله بد، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا حتى استأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم   [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من كتب السيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 من البيت، فقال: يا أبا هر! قلت: لبيك يا رسول اللَّه، قال: خذ فأعطهم، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل، فيشرب حتى يروى، ثم يردّ عليّ القدح، فأعطيه للآخر فيشرب حتى يروى، ثم يردّ عليّ القدح، حتى انتهيت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد روى القوم كلهم. فأخذ القدح فوضعه على يده، ونظر إليّ وتبسّم وقال: يا أبا هر! قلت: لبيك يا رسول اللَّه، قال: بقيت أنا وأنت، قلت: صدقت يا رسول اللَّه! قال: اقعد فاشرب، فقعدت وشربت فقال: اشرب، فشربت، فقال: اشرب، فشربت، فما زال يقول اشرب، فأشرب، حتى قلت: لا والّذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا، قال: فأرني فأعطيته القدح فحمد اللَّه وسمّى، وشرب الفضلة] [ (1) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 101- 102، باب ما جاء في دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أهل الصفة على لبن يسير، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة، وأخرجه البخاري في صحيحه عن أبي نعيم، في (81) كتاب الرقاق، (17) باب كيف كان عيش النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6452) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 [خامس وستون: وجود عنز في مكان لم تعهد فيه] [وأما وجود عنز في مكان لم تعهد فيه، فخرج البيهقي من حديث محمد بن الفرج الأزرق، حدثنا عصمة بن سليمان الخزاز، حدثنا خلف بن خليفة، عن أبي هاشم الرماني، عن نافع، وكانت له صحبة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال:] . [كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر لنا كنا أربعمائة رجل، فنزلنا في موضع ليس فيه ماء، فشقّ ذلك على أصحابه فقالوا: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعلم، قال: فجاءت شويهة [ (1) ] لها قرنان، فقامت بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحلبها، فشرب حتى روى، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم قال: يا نافع! أملكها الليلة، وما أراك تملكها، قال: فأخذتها فوتدت لها وتدا، ثم قمت في بعض الليل فلم أر الشاة، ورأيت الحبل مطروحا، فجئت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبرته من قبل أن يسألني، فقال يا نافع! ذهب بها الّذي جاء بها] [ (2) ] . وفي كتاب محمد بن سعد: أنبأنا خلف بن الوليد أبو الوليد الأزدي، حدثنا خلف بن خليفة، عن أبان بن بشير، عن شيخ من أهل البصرة، عن نافع فذكره] . [ (3) ] [وخرّج البيهقي أيضا من حديث العباس بن محمد بن العباس، حدثنا أحمد ابن سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو حفص الرماحيّ، حدثنا عامر بن أبي عامر الخزار، عن أبيه، عن الحسن بن سعد- يعني مولى أبي بكر- قال:   [ (1) ] شويهة: تصغير شاة. وما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من كتب السيرة. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 137، باب ما جاء في الشاة التي ظهرت، فحلبت، فأروت، ثم ذهبت، فلم توجد، (البداية والنهاية) : 6/ 112- 113، نقلا عن البيهقي من المرجع السابق، وقال في آخره: حديث غريب جدا، إسنادا، ومتنا، (طبقات ابن سعد) : 1/ 179- 180. [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 7/ 70- 71، عند ترجمة نافع بن الحارث بن كلدة بن عمرو. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 [قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: احلب لي العنز، قال: وعهدي بذلك الموضع لا عنز فيه، قال فأتيت بعنز حافل، قال: فاحتلبتها وأوصيت بها، قال: فاشتغلت بالرحلة ففقدت العنز، فقلت: يا رسول اللَّه! فقدت العنز، قال: فقال إن لها ربا] [ (1) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 138، (البداية والنهاية) : 6/ 113، نقلا عن البيهقي من المرجع السابق، وقال في آخره: حديث غريب جدا، إسنادا ومتنا، وفي إسناده من لا يعرف حاله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 [سادس وستون: ظهور البركة في السمن الّذي كان لأم سليم [ (1) ]] [قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن سليمان إملاء، حدثنا يحيى بن محمد الحنائي قال: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا محمد بن زياد البرجمي، قال: حدثنا أبو ظلال، عن أنس بن مالك، عن أمه أم سليم قالت: كانت لي شاة فجمعت سمنها في عكّة، فبعثت بها مع زينب، فقلت: يا زينب، أبلغي هذه العكّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأتدم بها، فجاءت زينب بها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه، هذه عكّة سمن قد بعثت بها إليك أمّ سليم. قال: فرغوا لها عكتها، ففرّغت العكة، ودفعت إليها، فجاءت- وأم سليم ليست في البيت- فعلقت في وتد، فجاءت أم سليم، فرأت العكة ممتلئة تقطر سمنا، وقالت:   [ (1) ] هي أم سليم بنت ملحان، واسمها: سهله، ويقال: رميلة، ويقال رميثة، ويقال: أنيثة، ويقال: مليكة. وهي والدة أنس بن مالك، وزوج أبي طلحة الأنصاري، يقال: أنها هي الغميصاء، أو الرميصاء، ثبت ذلك في البخاري، في حديث ابن المنكدر، عن جابر، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة. وفي صحيح مسلم، من حديث ثابت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: دخلت الجنة فسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذه الرميصاء. وفي رواية: الرميصاء بنت ملحان، أم أنس بن مالك. روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعنها ابنها أنس بن مالك، وعبد اللَّه بن عباس، وعمرو بن عاصم الأنصاري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. قال ابن عبد البر: كانت تحت مالك بن النضر في الجاهلية، فولدت له أنسا، فلما جاء اللَّه تعالى بالإسلام أسلمت، وعرضت على زوجها الإسلام فغضب عليها، وخرج إلى الشام فهلك، فتزوجت بعده أبا طلحة، خطبها وهو مشرك، فأبت عليه إلا أن يسلم، فأسلم، فولدت له غلاما كان أعجب به، فمات صغيرا وأسف عليه، وقيل: إنه أبو عمير صاحب التغير، ثم ولدت له عبد اللَّه بن أبي طلحة، فبورك فيه، وهو والد إسحاق بن أبي طلحة الفقيه، وإخوته كانوا عشرة، كلهم حمل عنه العلم، وروى عن أم سليم قالت: لقد دعا لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى ما أريد زيادة. ومناقبها كثيرة وشهيرة. (تهذيب التهذيب) : 12/ 497، ترجمة رقم 2953، (الإصابة) : 8/ 227، ترجمة رقم (12073) ، (الاستيعاب) : 4/ 1940- 1941، ترجمة رقم (4163) . والعكّة: من السمن والعسل، قال ابن الأثير في (النهاية) : وهي وعاء من جلود مستدير يختصّ بهما، وهو بالسمن أخصّ. (لسان العرب) : 10/ 469. وما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من كتب السيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 يا زينب! أليس أمرتك أن تبلّغي هذه العكّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأتدم بها؟ قالت: قد فعلت، فإن لم تصدقيني فتعالي معى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فذهبت أمّ سليم وزينب معها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللَّه! إني قد بعثت إليك بعكة فيها سمن. فقال: قد جاءت بها، فقالت: والّذي بعثك بالهدى ودين الحق، إنها ممتلئة سمنا تقطر، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتعجبين يا أم سليم؟ إن اللَّه أطعمك كما أطعمت نبيّه] . قال أبو نعيم: زاد البغوي عن شيبان: كلي وأطعمي، قالت: فجئت إلى بيتي، فقسمتها في قعب [ (1) ] لنا كذا وكذا، وتركت فيها ما ائتدمنا به شهرا أو شهرين] [ (2) ] .   [ (1) ] القعب: القدح الضخم الغليظ. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 558- 559، باب قصة أم سليم، حديث رقم (499) ، (البداية والنهاية) : 6/ 113، باب تكثيره صلّى اللَّه عليه وسلّم السمن لأم سليم، (الخصائص الكبرى) : 2/ 247، وفي بعض النسخ «ربيبة بدلا من «زينب» ، ومحمد بن زياد البرجمي غير محمد بن زياد اليشكري الكذاب، واللَّه تعالى أعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 [سابع وستون: امتلاء عكّة أم مالك الأنصارية سمنا] [قال أبو نعيم: حدثنا أحمد بن إسحاق: وعبد اللَّه بن محمد، قالا: حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن يحيى بن جعدة، عن جدته قالت:] . [جاءت أم مالك الأنصارية [ (1) ] بعكّة سمن إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بلالا فعصرها، ثم دفعها إليها، فرجعت، فإذا هي مملوءة، فأتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: نزلت فيّ شيء يا رسول اللَّه؟ قال: وما ذاك يا أم مالك؟ قالت: رددت عليّ هديتي، قال: فدعا بلالا فسأله عن ذلك، فقال: والّذي بعثك بالحق لقد عصرتها حتى استحييت، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هنيئا لك يا أمّ مالك، هذه بركة عجّل اللَّه لك ثوابها [ (2) ] ، [ثم علمها تقول في دبر كل صلاة: سبحان اللَّه عشرا، والحمد للَّه عشرا، واللَّه أكبر عشرا] [ (3) ] .   [ (1) ] لها ذكر في صحيح مسلم، في حديث جابر بن عبد اللَّه أنها كانت تهدي للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في عكة لها سمنا، وروى عبد الرحمن بن سابط الجمحيّ عن أم مالك الأنصارية (تهذيب التهذيب) : 12/ 505، ترجمة رقم (2984) ، (الاستيعاب) : 4/ 1956، ترجمة رقم (4206) ، (الإصابة) : 8/ 298، ترجمة رقم (12238) . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 559، حديث رقم (500) ، (الخصائص الكبرى) : 2/ 247 وقال السيوطي: أخرجه ابن أبي شيبة برقم (11809) ، والطبراني، وأبو نعيم، عن يحيى بن جعدة، عن رجل حدثه عن أم مالك الأنصارية. [ (3) ] ما بين الحاصرتين تكملة من (الإصابة) : 8/ 298، ترجمة أم مالك الأنصارية رقم (12238) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 [ثامن وستون: امتلاء عكّة أم أوس البهزية] [قال البيهقي: أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا علي بن نجيح القطان، حدثنا خلف بن خليفة، عن أبي هاشم الرماني، عن يوسف بن خالد، عن أوس بن خالد، عن أم أوس البهزية [ (1) ] ، قالت:] . [سليت سمنا لي، فجعلته في عكّة، وأهديته للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقبله وترك في العكة قليلا، ونفخ فيه ودعا بالبركة ثم قال: ردّوا عليها عكتها، فردوها عليها وهي مملوءة سمنا، فظننت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يقبلها، فجاءت ولها صراخ، قالت: يا رسول اللَّه! إنما سليته لك لتأكله، فعلم صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قد استجيب له. فقال: اذهبوا فقولوا لها: فتأكل سمنها، وتدعو بالبركة، فأكلت بقية عمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وولاية أبي بكر- رضي اللَّه تعالى عنه- وولاية عمر- رضي اللَّه تعالى عنه- وولاية عثمان- رضي اللَّه تعالى عنه، حتى كان من أمر علي- رضي اللَّه تعالى عنه- ومعاوية ما كان] [ (2) ] .   [ (1) ] هي أم أوس البهزية، روى أوس بن خالد حديثها من أعلام النبوة، وأخرج الطبراني وابن مندة من طريق عصمة بن سليمان، عن خلف بن خليفة، عن أبي هاشم الرّمّاني، عن أوس بن خالد البهزي، عن أم أوس بن خالد البهزية، أنها أسلت سمنا لها، فجعلته في عكة، ثم أهدته إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ... (الإصابة) : 8/ 168- 169، ترجمة رقم (11895) ، (الاستيعاب) : 4/ 1925، ترجمة رقم (4122) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 115، (الخصائص الكبرى) : 2/ 54، وعزاه للطبراني والبيهقي، (البداية والنهاية) : 6/ 113- 114، نقلا عن البيهقي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 [تاسع وستون: أكل أهل الخندق من حفنة تمر] [قال الواقدي: حدثني عمر بن عبد اللَّه بن رياح الأنصاري، عن القاسم ابن عبد الرحمن بن رافع- من بني عديّ بن النجار- قال: كان المسلمون قد أصابتهم مجاعة شديدة، فكان أهلوهم يبعثون إليهم بما قدورا عليه، فأرسلت عمرة بنت رواحة ابنتها بجفنة تمر عجوة في ثوبها، فقالت: يا بنية اذهبي إلى أبيك بشير ابن سعد، وخالك عبد اللَّه بن رواحة بغدائهما. فانطلقت الجارية حتى تأتي الخندق، فتجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا في أصحابه وهي تلتمسهما، فقال: تعالي يا بنية، ما هذا معك؟ قالت: بعثتني أمي إلى أبي وخالي بغدائهما. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هاتيه! قالت: فأعطيته، فأخذه في كفيه، ثم أمر بثوب فبسط له، وجاء بالتمر فنشره عليه فوق الثوب، فقال لجعال ابن سراقة: ناد بأهل الخندق أن هلمّ إلى الغداء، فاجتمع أهل الخندق عليه يأكلون منه، حتى صدر أهل الخندق، وإنه ليفيض من أطراف الثوب] [ (1) ] . [وحدثني شعيب، عن عبد اللَّه بن معتب، قال: أرسلت أمّ عامر الأشهلية بقعبة فيها حيس [ (2) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو في قبته وهو عند أم سلمة، فأكلت أمّ سلمة حاجتها، ثم خرج بالبقية، فنادى منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عشائه، فأكل أهل الخندق حتى نهلوا، وهي كما هي] [ (3) ] . [قال أبو نعيم: حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أحمد ابن محمد بن أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني سعيد بن ميناء، أنه حدّث أن ابنة لبشير بن سعد، أخت النعمان بن بشير قالت:]   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 276. [ (2) ] الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط، فيعجن شديدا، ثم يندر منه نواه، وربما جعل فيه سويق. (القاموس المحيط) . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 476- 477. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 [دعتني عمرة بنت رواحة [زوج بشير بن سعد] ، فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت: يا بنية، اذهبي إلى أبيك وخالك عبد اللَّه بن رواحة بغدائهما، قالت: فأخذتها فانطلقت بها، فمررت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأنا ألتمس أبي وخالي، فقال: تعالي يا بنية، ما هذا معك؟ فقلت: يا رسول اللَّه، هذا تمر، بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد، وخالي عبد اللَّه بن رواحة يتغديان به. قال: هاتيه، فصببته في كفّي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما ملأهما، ثم أمر بثوب فبسط، ثم دحا التمر عليه، فتبدد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: اصرخ في أهل الخندق هلمّ إلى الغداء، فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب [ (1) ] . [قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس عن ابن إسحاق، قال: حدثنا سعيد بن مينا، عن ابنة بشير بن سعد، قالت: بعثتني أمي بتمر في طرف ثوبي إلى أبي وخالي وهم يحفرون الخندق، فمررت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فناداني فأتيته، فأخذ التمر مني في كفيه، وبسط ثوبا فنثره عليه، فتساقط في جوانبه، ثم أمر بأهل الخندق، فاجتمعوا، وأكلوا منه حتى صدروا عنه] [ (2) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 499- 500، حديث رقم (431) ، (سيرة ابن هشام) : 4/ 174، فصل ما تحقق من البركة في تمر ابنة بشير، وما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من كتب السيرة. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 427، (البداية والنهاية) : 4/ 113- 114، نقلا عن البيهقي، وما بين الحاصرتين مطموس في (خ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 [سبعون: شهادة الذئب له صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة] [قال أبو نعيم: حدثنا فاروق الخطابي، قال: حدثنا عباس، قال: حدثنا هشام بن علي السيرافي، قال: حدثنا هريم بن عثمان، وأبو عمر الحوضيّ، وهدب ابن خالد، وحدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا عباس الأسفاطي، قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قالوا: حدثنا القاسم بن الفضل الحداني، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، قال] : بينما راع يرعى بالحرّة، إذ انتهز الذئب شاة فتبعه الراعي، فحال بينه وبينها، فأقبل الذئب على الراعي فقال: يا راعي، ألا تتقي اللَّه؟ تحول بيني وبين رزق ساقه اللَّه إليّ؟ فقال الراعي: العجب من ذئب مقع على ذنبه يكلمني بكلام الإنس! فقال الذئب: ألا أخبرك بما هو أعجب من هذا؟ هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الحرّتين يدعو الناس إلى أنباء ما قد سبق، فساق الراعي شاءه حتى أتى إلى المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره بما قال الذئب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صدق الراعي، ألا إنه من أشراط الساعة كلام السباع الإنس، والّذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس، وحتى يكلم الرجل شراك نعله، ويحدثه سوطه، ويخبره بما أحدث أهله بعده] [ (1) ] . [وقال: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الأشعث بن عبد اللَّه، عن شهر بن حوشب، عن   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 373- 374، الفصل الثامن عشر في ذكر الأخبار من شكوى البهائم والسباع، وسجودها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما حفظ من عهده من كلامها حديث رقم (270) ، (مسند أحمد) : 3/ 504، حديث رقم (11383) ، (المستدرك) : 4/ 514، حديث رقم (8442/ 150) ، (8444/ 152) وقال الذهبي في (التخليص) : «كلاهما» على شرط مسلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال:] [جاء ذئب إلى غنم فأخذ منها شاة، فطلبها الراعي حتى انتزعها من فيه، فصعد الذئب على تلّ فأقعى، ثم قال: عمدت إلى رزق رزقنيه اللَّه فأخذته مني، فقال الرجل: واللَّه ما رأيت مثل اليوم قط، ذئب يتكلم! فقال [الذئب] : أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبر بما مضى، وبما هو كائن بعدكم، فأتى الرجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره وأسلم، فصدقه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إنها أمارة من أمارات ما بين يدي الساعة، قد يوشك أن يخرج الرجل فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه بما أحدث أهله بعده] [ (1) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 374، حديث رقم (271) ، (الخصائص الكبرى) : 2/ 267، (الإحسان) : 14/ 418- 419، حديث رقم (6494) ، (دلائل البيهقي) : 6/ 42- 43، من طرق كلها عن أبي سعيد الخدريّ، (تحفة الأحوذي) : 6/ 340- 341، أبواب الفتن، باب (17) ما جاء في كلام السباع، حديث رقم (2272) ، ولم يذكر فيه قصة الذئب، وقال في آخره: وهذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل، والقاسم بن الفضل ثقة مأمون عند أهل الحديث، وثّقه يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، (دلائل البيهقي) : 6/ 41- 43، وما بين الحاصرتين مطموس في (خ) واستدركناه من كتب السيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 [حادي وسبعون: مجيء الذئب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما مجيء الذئب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج أبو نعيم والبيهقي من حديث محمد بن إسحاق عن الزهري، عن محمد بن خالد الأنصاري، عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جنازة رجل من الأنصار إلى البقيع، فإذا الذئب مفترش ذراعيه على الطريق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هذا أويس يستفرض فأفرضوا له، قالوا: رأيك يا رسول اللَّه، قال: من كل سائمة شاة في كل عام، قالوا: كثير، فأشار إليه أن خالسهم، فانطلق الذئب [ (1) ] . ولأبي نعيم من حديث محمد بن كثير قال: حدثنا سفيان، أخبرنا الأعمش عن شمر بن عطية، عن رجل من مزينة أو جهينة قال: أتت وفود الذئاب قريبا من مائة ذئب حين صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الفجر فأقعين فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذه وفود الذئاب جئنكم يسألنكم لتفرضوا لهن من قوت طعامكم وتأمنوا على ما سوى ذلك، فشكوا إليه الحاجة، قال: فأدبروهم، قال: فخرجن ولهن عواء [ (2) ] . وله من طريق الواقدي، عن رجل سماه، عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس بالمدينة في أصحابه، إذ أقبل ذئب فوقف بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوي بين يديه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا وافد السباع إليكم، فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره، وإن أحببتم تركتموه [واحترزتم] منه، فما أخذ فهو رزقه، فقالوا: يا رسول اللَّه، ما تطيب أنفسنا له بشيء، [فأومأ] إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصابعه الثلاث، أن خالسهم، فولّى وله عسلان [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 40، باب ما جاء في مجيء الذئب مجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يطلب شيئا، (البداية والنهاية) : 6/ 161، باب حديث آخر عن أبي هريرة في الذئب، ونقله ابن كثير عن البيهقي. [ (2) ] (البداية والنهاية) : 6/ 161- 162، عن الواقدي. [ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 161- 162، وقال فيه: «وله عواء» . بدلا من «عسلان» ، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 374- 375، حديث رقم (272) ، (سنن الدارميّ) : 1/ 12 باب ما أكرم اللَّه به نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم من إيمان الشجر به والبهائم والجن، (طبقات ابن سعد) : 1/ 359، باب وفد السباع، من حديث محمد بن عمر الواقدي. والعسلان: الاضطراب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 قال الواقدي: وحدثني داود بن خالد، عن يعقوب بن عنبة، عن سليمان ابن يسار قال: أشرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الحرة، فإذا الذئب واقف بين يديه، فقال: هذا أويس يسأل من كل سائمة شاة، قالوا: يا رسول اللَّه! ما تطيب له أنفسنا بشيء، [فأومأ] إليه بأصابعه فولى [ (1) ] . وخرج البيهقي من حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا شعبة عن عبد الملك ابن عمير عن الحارثي، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: إني لست أنا أصلى في نعلي، ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلى في نعليه، إني لست أنا الّذي أنهي [عن صيام] يوم الجمعة ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى، قال: وجاء ذئب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقفا غير بعيد، ثم جعل كأنه يطلب شيئا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا ليريد شيئا، فقال رجل: لا نجعل له يا رسول اللَّه نصيبا في أموالنا، فأخذ حجرا فرماه به، فانطلق الذئب يسعى وهو يعوى، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الذئب وما الذئب [ (2) ] . قال البيهقي: الحارثي هذا هو أبو الأدبر، اسمه زياد. وخرجه أيضا من حديث عبد الملك بن عمير، عن أبي الأدبر الحارثي، عن أبي هريرة قال: أتاه رجل فقال: يا أبا هريرة! أنت الّذي نهيت الناس ... فذكر الحديث. قال: وجاء الذئب ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس، فأقعى بين يديه، ثم جعل يبصبص بذنبه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا وافد الذئاب جاء يسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئا، قالوا: لا واللَّه لا نفعل، وأخذ رجل من القوم حجرا فرماه به، فأدبر الذئب وله عواء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الذئب وما الذئب [ (3) ] . قال أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا جرير، عن عبد الملك بن عمير، عن رجل من بني الحرث بن كعب يقال له: أبو الأدبر، قال: كنت قاعدا عند أبي هريرة ... ، فذكر قصة ثم أنشأ يحدث قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما جالسا،   [ (1) ] نحوه مختصرا في (دلائل البيهقي) : 6/ 40. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 39، باب ما جاء في مجيء الذئب مجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يطلب شيئا. [ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 49- 40. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 وجاء ونحن عنده إذا جاءه الذئب حتى أقعى بين يديه، ثم بصبص بذنبه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هذا الذئب وهذا وافد الذئاب، فما ترون؟ أتجعلون له في أموالكم شيئا؟ فقال الراعي: لا واللَّه يا رسول اللَّه، لا نجعل له من أموالنا شيئا، فقام إليه رجل من الناس فرماه بحجر، فأدبر وله عواء، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الذئب وما الذئب ثلاث مرات [ (1) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 40، (البداية والنهاية) : 6/ 161، باب حديث آخر عن أبي هريرة في الذئب، نقلا عن المرجع السابق. قال القسطلاني في (المواهب اللدنية) في باب معجزات كلام الحيوانات: ومنها قصة كلام الذئب، وشهادته له بالرسالة، ثم قال: اعلم أنه قد جاء حديث قصة كلام الذئب في عدة طرق من حديث أبي هريرة، وأنس، وابن عمر، وأبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنهم. فأما حديث أبي سعيد، فرواه الإمام أحمد بإسناد جيد، وأما حديث ابن عمر، فأخرجه أبو سعيد الماليني والبيهقي، وأما حديث أنس، فأخرجه أبو نعيم في (الدلائل) ، وأما حديث أبي هريرة، فرواه سعيد بن منصور في سننه، ورواه البغوي في (شرح السنة) ، وأحمد وأبو نعيم بسند صحيح عن أبي هريرة أيضا، قال: جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منه شاة ... الحديث، (المواهب اللدنية) : 2/ 552. وقال القاضي عياض: وفي بعض الطرق عن أبي هريرة: فقال الذئب: أنت أعجب مني، واقفا على غنمك، وتركت نبيا لم يبعث اللَّه قط أعظم منه عنده قدرا، وقد فتحت له أبواب الجنة، وأشرف أهلها على أصحابه ينظرون قتالهم، وما بينك وبينه إلا هذا الشعب، فتصير من جنود اللَّه. قال الراعي: من لي بغنمي؟ قال الذئب: أنا أرعاها حتى ترجع، فأسلم الرجل إليه غنمه ومضى، وذكر قصته وإسلامه ووجوده النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقاتل، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عد إلى غنمك تجدها بوفرها، فوجدها كذلك، وذبح للذئب شاة منها. وقد روى ابن وهب مثل هذا، أنه جرى لأبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، مع ذئب وجداه أخذ ظبيا، فدخل الظبي الحرم، فانصرف الذئب، فعجبا من ذلك، فقال الذئب: أعجب من ذلك: محمد بن عبد اللَّه بالمدينة! يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار، فقال أبو سفيان: واللات والعزى، لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنها خلوفا. (المواهب اللدنية) : 2/ 552- 553، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 204- 205، فصل في الآيات في ضروب الحيوانات، خلوفا- بضم الخاء المعجمة- أي فاسدة متغيرة، بمعنى الفساد والتغير في أهلها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 [ثاني وسبعون: كلام الظبية لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما كلام الظبية لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج أبو نعيم من حديث زكريا بن خلاد قال: أخبرنا حبان بن أغلب بن تميم السعدي قال: حدثني أبي عن هشام بن حبان، عن الحسين عن ضبة بن المحصن، عن أم سلمة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بينما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صحراء، إذا هاتف يهتف به: يا رسول اللَّه! فاتبعت الصوت فهجمت عليّ ظبية مشدودة في وثاق، وإذا أعرابي منجدل في شملة نائم في الشمس، فقالت الظبية لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا الأعرابي صادني قبيل، ولي خشفان في هذا الجبل، فإن رأيت أن تطلقني حتى أرضعهما ثم أعود إلى وثاقي! قال: وتفعلين؟ قالت: عذبني اللَّه عذاب العشّار إن لم أفعل. فأطلقها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمضت وأرضعت الحشفين، قال: فبينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوثقها إذ انتبه الأعرابي فقال: يأبى أنت وأمي، إني أصبتها قبيلا فلك فيها حاجة؟ قلت: نعم، قال: هي لك، وأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء فرحا وهي تضرب برجلها الأرض وهي تقول: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه. قال أبو نعيم: رواه آدم بن أبي إياس، عن نوح بن الهيثم- ختنه- قال: حدثني ختني الصدوق نوح بن الهيثم، عن حبان بن أغلب، عن أبيه، ولم يجاوز به هشاما [ (1) ] . وخرج أبو نعيم والبيهقي من حديث أبي حفص عمرو بن على الفلاس قال: أخبرنا [ (2) ] يعلى بن إبراهيم الغزال، أخبرنا [ (2) ] الهيثم بن حماد، عن أبي كثير، عن زيد ابن أرقم رضي اللَّه عنه قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض سكك المدينة،   [ (1) ] (البداية والنهاية) : 6/ 163، باب حديث الغزالة. والعشّار: هو صاحب المكس، الّذي يقف في مداخل المدن، فلا يدع أحدا من التجار ونحوهم يدخلها، إلا أخذ منه شيئا ليس له به حق. [ (2) ] (في دلائل أبي نعيم) : «حدثنا» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 فمررنا بخباء أعرابي فإذا ظبية مشدودة إلى الخباء فقالت: يا رسول اللَّه! إن هذا الأعرابي صادني ولي خشفان [ (1) ] في البرية، وقد انعقد هذا اللبن في أخلافي [ (2) ] ، فلا هو يذبحني فأستريح ولا يدعني فأرجع إلى خشفيّ [ (1) ] في البرية، فقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن تركتك ترجعين؟ قالت: نعم، وإلا عذبني اللَّه بعذاب العشّار. فأطلقها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلم يلبث أن جاءت تلمّظ [ (3) ] ، فشدها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الخباء، فأقبل الأعرابي ومعه قربة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتبيعنيها؟ قال: هي لك يا رسول اللَّه، فأطلقها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال زيد بن أرقم: فأنا واللَّه رأيتها تسبح في الأرض وهي تقول: [أشهد أن] [ (4) ] لا إله إلا اللَّه [وأن] [ (4) ] محمدا رسول اللَّه [ (5) ] . ولأبي نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا إبراهيم بن محمد [محمود] [ (1) ] بن ميمون، أخبرنا [ (6) ] عبد الكريم بن هلال الجعفي، عن صالح المري، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: مر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] الخشف: ولد الظبي أول ما يولد. [ (2) ] أخلاف: مفردها خلف بكسر الخاء، وهو حلمة الثدي. [ (3) ] لمّظ: أخرج لسانه بعد الأكل أو الشرب فمسح به شفتيه. [ (4) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) ، وفي (البيهقي) بدون هذه الزيادة. [ (5) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 273، فصل في ذكر الظبي والضب، حديث رقم 273، (دلائل البيهقي) : 6/ 34- 35، باب ما جاء في كلام الظبية التي فجعت بخشفها، وشهادتها لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة، (البداية والنهاية) : 6/ 163- 165، باب حديث الغزالة، وقد نقله عن أبي نعيم والبيهقي، وذكر له طرق أخرى، والسيوطي في (الخصائص) عن أنس بن مالك، وعن أم سلمة، وغيرهما. وقال الذهبي: يعلى بن إبراهيم الغزال: لا أعرفه، له خبر باطل، عن شيخ واه، أخبرنا تسعة عشر، أخبرنا ابن عبد الدائم، أخبرنا يحيى حضورا، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا أبو على الصواف من أصله، أخبر بسر بن موسى، حدثنا عمر بن على الفلاس، حدثنا يعلى بن إبراهيم، حدثنا الهيثم بن حماد عن أبي كثير، عن زيد بن أرقم، قال: كنت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمرّ بخباء، فإذا ظبية مشدودة ... الحديث. (ميزان الاعتدال) : 4/ 456، ترجمة يعلى بن إبراهيم الغزال رقم (9844) وقد أخرجه أيضا القاضي عياض في (الشفا) من حديث أم سلمة، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 207. قال ابن كثير: وفي بعضه نكارة واللَّه أعلم. (البداية والنهاية) : 6/ 164. [ (6) ] في (دلائل أبي نعيم) : «حدثنا» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 على قوم قد اصطادوا ظبية، فشدوها على عمود فسطاط، فقالت: يا رسول اللَّه! إني أخذت ولي خشفان، فاستأذن لي أرضعهما وأعود، فقال: أين صاحب هذه؟ قال القوم: نحن يا رسول اللَّه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: خلوا عنها حتى [تأتي] [ (1) ] خشفيها ترضعهما وترجع إليكم، قالوا: ومن لنا بذلك [يا رسول اللَّه] [ (1) ] ؟ قال: أنا، فأطلقوها، فذهبت فأرضعت ثم رجعت إليهم فأوثقوها، فمر بهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أين صاحب هذه؟ قالوا: هو ذا يا رسول اللَّه، قال تبيعونها؟ قالوا: يا رسول اللَّه هي لك، قال خلوا عنها، فأطلقوها فذهبت [ (2) ] . وللبيهقي من حديث أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاريّ قال: حدثنا على ابن قادم، حدثنا أبو العلاء خالد بن طهمان، عن عطية، عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه قال: مرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بظبية مربوطة إلى خباء، فقالت يا رسول اللَّه! حلّني حتى أذهب فأرضع خشفيّ، ثم أرجع فتربطني، فقال رسول   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 376، فصل في ذكر الضب والظبي، حديث رقم 274. وصالح المري هو: صالح بن بشير بن وادع بن أبي الأقعس، أبو بشر البصري القاصّ، المعروف بالمري- بضم الميم وتشديد الراء- قال عباس عن ابن معين: ليس به بأس. وقال المفضل الغلابي وغيره عن ابن معين: ضعيف. وقال محمد بن إسحاق الصغاني وغيره عن ابن معين: ليس بشيء. وقال جعفر الطيالسي، عن يحيى: كان قاصّا، وكان كل حديث يحدث به عن ثابت باطلا. وقال عبد اللَّه بن علي المديني: ضعفه أبي جدا. وقال محمد بن عثمان بن أبي ثابت، عن علي: ليس بشيء، ضعيف، ضعيف. وقال عمرو بن علي: ضعيف الحديث، يحدث بأحاديث مناكير عن قوم ثقات، وكان رجلا صالحا، وكان يتهم في الحديث. وقال الجوزجاني: كان قاصا واهي الحديث. وقال البخاري منكر الحديث. وقال أبو إسحاق الحربي: إذا أرسل فبالحرىّ أن يصيب، وإذا أسند فاحذروه. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وقال عفان: كنا عند ابن علية، فذكر المريّ فقال: رجل ليس بثقة، فقال له آخر: مه! اغتبت الرجل، فقال ابن علية: اسكتوا، فإنما هذا دين. وقال الدار الدّارقطنيّ: ضعيف. له ترجمة في: (الضعفاء والمتروكين) : 2/ 46، ترجمة رقم (1653) ، (المغني في الضعفاء) : 1/ 302، ترجمة رقم (2817) ، (الضعفاء الكبير) : 2/ 199، ترجمة رقم (723) ، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 4/ 60، ترجمة رقم (5/ 912) ، (المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين) : 1/ 371- 372، (التاريخ الكبير للبخاريّ) : 4/ 273 ترجمة (2782) ، (الجرح والتعديل) : 4/ 395- 396، ترجمة رقم (1730) ، (تهذيب التهذيب) : 4/ 334- 335، ترجمة رقم (651) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صيد قوم وربيطة قوم، قال: فأخذ عليها فحلفت له، فحلها. فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها، فربطها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم أتى خباء أصحابها فاستوهبها منهم فوهبوها له، فحلها، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو علمت البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا أبدا [ (1) ] . [وروى من وجه آخر ضعيف] [ (2) ] . وروى ابن شاهين من حديث يحيى بن حبيب بن عديّ قال: حدثنا حماد بن زيد عن منصور بن طاووس عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: مرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم في بعض شأنه، فإذا هو بظبية في رحال قوم، فنادته: يا رسول اللَّه! فوقف وقال: ما شأنك؟ قالت: يا رسول اللَّه إن لي خشفين وهما جياع فأطلقني لأنطلق فأرويهما وأرجع فتشدني، فقال: رحال قوم وربيطة قوم، وأراد أن يولى فنادته ثانيا: يا رسول اللَّه! لي خشفان وهما جياع فحلني أنطلق فأرويهما وارجع إليك فتشدني ثانيا، فقال: أتفعلين؟ قالت: نعم وإلا يعذبني اللَّه عذاب العشار. فحلها وجلس مكانه، فما لبثت أن رجعت وضرعها فارغ من اللبن، فرق لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاستوهبها من الرجل فوهبها له، فأطلقها [ (3) ] .   [ (1) ] في (خ) : «ما أكلتم سمينها أبدا» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين من (المرجع السابق) ، والحديث أخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 34، ونقله عنه ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 164، والسيوطي في (الخصائص الكبرى) : 2/ 61 عن البيهقي أيضا. [ (3) ] لم أجده فيما بين يدي من كتب السيرة بهذه الألفاظ أو السياقة. قال على القاري في (المصنوع في معرفة الحديث الموضوع) : حديث تسليم الغزالة: اشتهر على الألسنة، وفي المدائح النبويّة. قال ابن كثير: وليس له أصل، ومن نسبه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد كذب، وقال في هامشه: وقال ابن حجر في (فتح الباري) : وأما تسليم الغزالة فلم نجد له إسنادا، لا من وجه قوي، ولا من وجه ضعيف. وقال السخاوي في (المقاصد الحسنة) بعد نقله كلام الحافظ ابن كثير، وإقراره له: ولكن قد ورد الكلام- يعني: ورد تكليم الغزالة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تسليمها- في الجملة في عدة أحاديث يتقوى بعضها ببعض أوردها شيخنا- الحافظ بن حجر- في المجلس الحادي والستين من (تخريج أحاديث المختصر) ، ويعني (مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 وقد روى أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لقي في سفره قانصا قد صاد ظبية، فقال: ما اسمك؟ قال: عبد هبل، فغضب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال الأعرابي: أنت الّذي جئت بالسّحر؟ فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أرأيت إن آمنت جيداؤك هذه أتؤمن؟ قال: نعم، وإلا فلا. فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده المباركة عليها وقال: أيتها الجيداء الغيداء! من أنا؟ قالت: أنت رسول اللَّه وأنا ظبية ذات غيداء، أفزعني هذا الأعرابي فقصدت عسكرك عائذة بك، فأدركني فمره يطلقني أحدث بخشفيّ عهدا، وله عليّ أن أرجع إليه، فقال الأعرابي: أتكلمك ظبية وأعاندك؟ فأسلّم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هبّ يستحكم إيمانك فيما شيئا، ومضت الظبية فلاذ بها خشفان، وأخبرتهما بما كان، فبكى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [وقال] : لولا أن أحرم ما أحل اللَّه لحرمت قنص ظباء هذا الموضع [ (1) ] .   [ () ] قال محقق (الموضوعات الصغرى) : هي أحاديث ضعيفة واهية، لا يصح الاعتماد عليها في إثبات ما هو خرق للعادة، وإذا كانت لتعدد طرقها لا يحكم الحديثيّ عليها بالوضع، فإن إثبات مضمونها لا يقبل ولا يثبت إلا بالحديث الصحيح الرجيح، ولدى النظر في أسانيدها، يتبين أنها لا تخلو من مطاعن شديدة مردية، فلا تغفل. وبالنظر في متونها يتبدى تعارض شديد فيما بينها، وفي الجمع بينها تعسّف ظاهر، كما أشار إليه العلامة الزرقاني في (شرح المواهب اللدنية) . ويبعد أن يكون الحافظ ابن كثير أراد بكلامه المذكور أن هذا المعنى- تسليم الغزالة أو تكليمها- لا أصل له. كما فهمه المؤلف عليّ القاري رحمه اللَّه تعالى في شرحه على (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض: 1/ 639، واللَّه تعالى أعلم. (المصنوع في معرفة الحديث الموضوع) : 80، حديث تسليم الغزالة رقم (91) . [ (1) ] انظر الهامش السابق ص (241) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 [ثالث وسبعون: شهادة الضّبّ برسالة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما شهادة الضّبّ برسالة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج أبو نعيم من حديث أبي بكر بن أبي عاصم قال: أخبرنا يحيى بن خلف، أخبرنا معمر قال: سمعت كهمس يحدث عن داود بن أبي هند، عن عامر قال: صحبت ابن عمر سنتين فما سمعته يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا حديث الضّبّ، وكان إذا حدثنا يحدثنا عن عمر، ولم يكن يحدث إلا عن فقه، قال أبو نعيم: كذا رواه يحيى بن خلف عن معتمر مختصرا، وطوله محمد بن عبد الأعلى. وخرج من حديث محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا معتمر بن سليمان، حدثنا كهمس بن الحسن، أخبرنا داود بن أبي هند، قال: حدثنا عامر الشعبي قال: حدثنا عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه بحديث الضب، قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان في محفل من أصحابه، إذ جاء أعرابي من بني سليم قد أصاب ضبا وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله فيأكله، فقال على من هذه الجماعة؟ قالوا: على هذا الّذي يزعم أنه نبيّ، فشقّ الناس ثم أقبل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا محمد، ما اشتملت النساء على ذي لهجة أكذب منك ولا أبغض إليّ منك، ولولا أن تسميني عجولا لعجلت عليك فقتلتك فسررت بقتلك الناس جميعا! فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، دعني أقتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عمر لو علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا. ثم أقبل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: واللات والعزى لا آمنت بك، قال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولم يا أعرابي؟ ما حملك على الّذي قلت ما قلت؟ وقلت غير الحق ولم تكرم مجلسي؟ فقال: وتكلمني أيضا- استخفافا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم-، واللات والعزى لا آمنت بك إلا أن يؤمن بك هذا الضّبّ- فأخرج الضب من كمه فطرحه بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إن آمن بك هذا الضّبّ آمنت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا ضب، فتكلم الضب بلسان عربي مبين يفهمه القوم جميعا: لبيك وسعديك يا رسول رب العالمين! فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ومن تعبد يا ضبّ؟ قال: اللَّه الّذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عذابه. قال: فمن أنا يا ضبّ؟ قال: أنت رسول رب العالمين، وخاتم المرسلين، قد أفلح من صدقك وقد خاب من كذبك، فقال الأعرابي: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك رسول اللَّه حقا، واللَّه لقد أتيتك وما على وجه الأرض أحد هو أبغض إليّ منك، [و] واللَّه لأنت الساعة أحب إليّ من نفسي ومن ولدي، وقد آمنت بشعري وبشري، وداخلي وخارجي، وسرّي وعلانيتي. فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الحمد للَّه الّذي هداك إلى هذا الدين، الّذي يعلو ولا يعلى، لا يقبله اللَّه إلا بالصلاة، ولا تقبل الصلاة إلا بالقرآن، فعلمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحمد، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فقال: يا رسول اللَّه! ما سمعت في البسيط ولا في الرّجز أحسن من هذا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا كلام رب العالمين وليس بشعر، فإذا قرأت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فكأنما قرأت ثلث القرآن، وإذا قرأت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مرتين، فكأنما قرأت ثلثي القرآن، وإذا قرأت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثلاث مرات فكأنما قرأت القرآن كله. فقال الأعرابي: نعم الإله إلهنا، يقبل اليسير ويعطي الجزيل، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أعطوا الأعرابي، فأعطوه حتى أبطروه. فقام عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول اللَّه، إني أريد أن أعطيه ناقة أتقرب بها إلى اللَّه عز وجل، دون البختي [ (1) ] وفوق العربيّ، وهي عشراء تلحق ولا تلحق أهديت لي. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد وصفت ما تعطي، أفأصف لك ما يعطيك اللَّه عزّ وجل جزاء؟ قال: نعم، فقال: لك ناقة من درة جوفاء، قوائمها من الزبرجد   [ (1) ] البختيّ: جمعها بخاتي: وهي الإبل الخراسانية، وفي رواية البيهقي: وفوق الأعرى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 الأخضر، عليها الهودج من السندس والإستبرق، وتمرّ بك على الصراط كالبرق الخاطف. فخرج الأعرابي من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فلقيه ألف أعرابي على ألف دابة، بألف رمح وألف سيف، فقال لهم: أين تريدون، فقالوا: نقاتل هذا الّذي يكذب ويزعم أنه نبيّ، فقال الأعرابي: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، فقالوا: صبوت؟ قال: ما صبوت، وحدثهم الحديث، فقالوا بأجمعهم: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأشهد أن محمدا رسول اللَّه. فبلغ ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتلقاهم، فنزلوا عن ركبهم يقبلون ما ولوا منه [ (1) ] وهم يقولون: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، قالوا: مرنا بأمر تحب يا رسول اللَّه، قال: تكونون تحت راية خالد بن الوليد، قال: فليس أحد من العرب آمن منهم ألف رجل إلا من بني سليم [ (2) ] . قال كاتبه: إن الوضع بين على هذا الحديث. قال البيهقي: وروى ذلك في حديث عائشة وأبي هريرة، وما ذكرناه هو أمثل الإسناد فيه [ (3) ] .   [ (1) ] في (خ) : «منهم» وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 376- 379، حديث رقم (275) (دلائل البيهقي) : 6/ 36- 38، باب ما جاء في شهادة الضب لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة، وما ظهر في ذلك من دلالات النبوة، وقال البيهقي: قد أخرجه شيخنا أبو عبد اللَّه الحافظ في (المعجزات) ، بالإجازة عن أبي أحمد بن عدي الحافظ، فقال: كتب إليّ أبو عبد اللَّه بن عدي الحافظ يذكر أن محمد بن علي بن الوليد السّلمى حدثهم، فذكره وزاد في آخره: قال أبو أحمد: أنبأنا محمد بن علي السلمي، كان ابن عبد الأعلى يحدث بهذا مقطوعا، وحدثنا بطوله من أصل كتابه مع رعيف الوراق. (دلائل البيهقي) : 6/ 38. [ (3) ] المرجع السابق، وقال الذهبي: محمد بن علي بن الوليد السلميّ البصري، عن العدني محمد بن أبي عمر، عن محمد بن عبد الأعلى، وعنه الطبراني، وابن عبدي، روى أبو بكر البيهقي حديث الضب من طريقه بإسناد ضعيف، ثم قال البيهقي: الحمل فيه على السّلميّ هذا، قلت: صدق واللَّه البيهقي، فإنه خبر باطل. (ميزان الاعتدال) : 3/ 651، ترجمة محمد بن عليّ بن الوليد السلميّ، رقم (7964) . وقال عليّ القاري: حديث الضبّ وشهادته له عليه الصلاة والسلام، قيل: إنه موضوع، وقال المزيّ: لا يصح إسنادا ولا متنا، لكن رواه البيهقي بسند ضعيف، وذكره القاضي عياض في (الشفا) ، فغايته الضعف لا الوضع، (الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة) : 238، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 وروى عثمان بن أبي شيبة، من حديث ابن نمير عن مجالد عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: خرج أعرابي من بني سليم يبتدأ في البرية، فإذا هو بضب فاصطاده، ثم جعله في كمه، وجاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فناداه: يا محمد! أنت الساحر؟ لولا أني أخاف أن قومي يسموني العجول لضربتك بسيفي هذا، فوثب إليه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه ليبطش به، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلس يا أبا حفص، فقد كاد الحليم أن يكون نبيا، ثم التفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الأعرابي وقال له: أسلّم تسلّم من النار، فقال: واللات والعزى لا أؤمن بك حتى يؤمن بك هذا الضب، ثم رمى الضب عن كمه، فولى الضب هاربا، فناداه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيها الضب! أقبل، فأقبل، فقال له: من أنا؟ قال: أنت محمد بن عبد اللَّه، ثم أنشأ الضب يقول: ألا يا رسول اللَّه إنك صادق ... فبوركت مهديا وبوركت هاديا شرعت لنا دين الحنيفة بعد ما ... عبدنا كأمثال الحمير الطواغيا فيا خير مدعو ويا خير مرسل ... إلى الجن ثم الإنس لبيك داعيا أتيت ببرهان من اللَّه واضح ... فأصبحت فينا صادق القول واعيا فبوركت في الأحوال حيا وميتا ... وبوركت مولودا وبوركت ناشيا ثم سكت الضب، فقال الأعرابي: وا عجبا! ضبا اصطدته من البرّ، ثم أتيت [به في] كمي، يكلم محمدا هذا الكلام، ويشهد له بهذه الشهادة، أنا لا أطلب أثرا بعد عين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فأسلّم وحسن إسلامه، ثم التفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أصحابه فقال: ألا علّموا الأعرابي سورا من القرآن [ (1) ] .   [ () ] حديث رقم (272) ، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 204، فصل في الآيات في ضروب الحيوانات. وذكره ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 165- 166، وترجم عليه: حديث الضب على ما فيه من النكارة والغرابة!!، نقلا عن البيهقي. [ (1) ] لم أجد هذا الخبر بهذه السياقة فيما بين يدي من كتب السيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 [رابع وسبعون: سجود الغنم له صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما سجود الغنم له، فخرج أبو نعيم من حديث جعفر بن محمد [الفريابي] [ (1) ] قال: أخبرنا [ (2) ] إبراهيم بن العلاء الزبيدي، حدثنا عباد بن يوسف الكندي، أخبرنا [ (2) ] أبو جعفر الرازيّ عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حائطا للأنصار، ومعه أبو بكر وعمر- رضي اللَّه عنهما- في رجال من الأنصار، وفي الحائط غنم فسجدن له، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه [يا رسول اللَّه كنا] [ (1) ] نحن أحق بالسجود لك من هذه الغنم، فقال: إنه لا ينبغي من أمتي أن يسجد أحد لأحد، لو كان ينبغي أن يسجد أحد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للنسب من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] في (دلائل البيهقي) : «حدثنا» . [ (3) ] انفرد به أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 2/ 379، حديث رقم (276) ، وعنه نقله ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 158، وقال: غريب، وفي إسناده من لا يعرف. وذكره بمعناه من حديث أنس بن مالك، القاضي عياض في (الشفا) : 1/ 206، وعنه نقله القسطلاني في (المواهب اللدنية) : 2/ 551. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 [خامس وسبعون: سكون الوحش إجلالا له صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما الوحش الّذي أحسّ بالمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج أبو نعيم من حديث الحسن ابن سفيان، أخبرنا [ (1) ] هشام بن عمارة، حدثنا عيسى بن يونس عن أبيه، أنه حدثه عن مجاهد عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان لآل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحش، فإذا خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قفز ولعب، فإذا أحسّ برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربض [ (2) ] . وخرجه البيهقي من حديث أبي نعيم قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان لأهل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحش، فإذا خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقبل وأدبر، وإذا أحس برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربض فلم يترمرم [ (3) ] . ومن حديث محمد بن فضيل عن يونس، عن مجاهد عن عائشة قالت: كان لآل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحش، فإذا خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعب وذهب وجاء، فإذا جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربض فلم يترمرم ما دام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في البيت [ (3) ] . قال أبو نعيم: رواه ابن فضيل وعمر بن الهيثم في آخرين، عن يونس عن مجاهد، وذكره أيضا من حديث المعافي بن عمران، وأبي أحمد الزبير عن يونس عن مجاهد.   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : «حدثنا» . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 380، حديث رقم (277) ، ونقله عنه ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 162، وترجم عليه: قصة الوحش الّذي كان في بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان يحترمه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويوقره ويجله، وقال في آخره: وهذا الإسناد على شرط الصحيح ولم يخرجوه، وهو حديث مشهور واللَّه أعلم، وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 163، حديث رقم (24297) ، 7/ 215، حديث رقم (24643) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 31، باب ذكر الوحش الّذي كان يقبل ويدبر فإذا أحس برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربض فلم يترمرم. أي سكن ولم يتحرك، وقال في حاشيته: أخرجه الإمام أحمد في (مسندة) ورواه الهيثمي في (مجمع الزوائد) وعزاه لأحمد، وأبي يعلي والبزار، والطبراني في (الأوسط) ، وذكره السيوطي في (الخصائص) عن البيهقي، وأبي نعيم، وأحمد- وأبي يعلي، والبزار، والدار الدّارقطنيّ، وابن عساكر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 [سادس وسبعون: سجود البعير وشكواه للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما سجود البعير وشكواه ما به للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج أحمد من حديث عفان، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان في نفر من المهاجرين والأنصار، فجاء بعير فسجد له، فقال أصحابه: يا رسول اللَّه! تسجد لك البهائم والشجر، فنحن أحق أن نسجد لك، فقال: اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم، ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أمرها أن تنتقل من جبل أصفر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أبيض كان ينبغي لها أن تفعله [ (1) ] . وعن ابن ماجة بعضه بغير هذا السياق [ (2) ] . وخرج مسلم في المناقب من حديث مهدي بن ميمون قال: حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب، عن الحسن ابن سعد- مولى الحسن بن علي- عن عبد اللَّه بن جعفر رضي اللَّه عنهما قال: أردفني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم خلفه، فاسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من الناس، هكذا ذكره مسلم في المناقب، وذكره في الطهارة [ (3) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 111- 112، حديث رقم (23950) ، وسنده في (المسند) : حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا عبد الصمد وعفان، قالا: حدثنا حماد قال عفان: أنبأنا المعنى عن علي بن زيد، عن سعيد. عن عائشة. [ (2) ] لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد ... قال في (الزوائد) : في إسناده علي بن زيد وهو ضعيف، لكن للحديث طرق أخر. وله شاهدان من حديث طلق بن علي، رواه الترمذي والنسائي، ومن حديث أم سلمة، رواه الترمذي وابن ماجة وفي ابن ماجة: «لكان نولها أن تفعل» أي حقها والّذي ينبغي لها. والحديث في (صحيح ابن ماجة) : 1/ 311، كتاب النكاح، باب (4) حق الزوج على المرأة، حديث رقم (1502- 1852) ، قال الألباني: ضعيف، لكن الشطر الأول منه صحيح. (ضعيف سنن ابن ماجة) : 143، كتاب النكاح، باب (4) حق الزوج على المرأة، حديث رقم (406- 1852) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 274- 275، كتاب (3) الحيض، باب (20) ما يستتر به لقضاء الحاجة، حديث رقم (79) ، 15/ 206- 207، كتاب (44) فضائل الصحابة باب (11) فضائل عبد اللَّه بن جعفر رضي اللَّه عنهما، حديث رقم (68) ، وتمامه: وكان أحبّ ما استتر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحاجته هدف أو حائش نخل، قال ابن أسماء في حديثه: يعني حائط نخل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 وخرجه أبو داود وزاد فيه: وكان أحب ما استتر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحاجته هدف أو حايش نخل، بعد هذا قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، قال: فأتاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومسح سراته إلى سنامه وذفراه فسكن، فقال: من ربّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول اللَّه، قال: أفلا تتقي اللَّه في هذه البهيمة التي ملكك اللَّه إياها؟ فإنه قد شكى إليّ أنك تجيعه وتدئبه. ذكره أبو داود في باب: ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم [ (1) ] . وخرج أبو بكر بن أبي شيبة، من حديث أبي نمير قال: حدثنا الأجلح عن [الدربال] بن حرمة، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: أقبلنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من سفر، حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بني النجار، إذا جمل قطم- يعني هائجا- لا يدخل الحائط أحد عليه. قال: فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أتى الحائط فدعى البعير فجاء واضعا مشفره في الأرض حتى برك بين يديه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هاتوا خطاما فخطمه، ودفعه إلى أصحابه، ثم التفت إلى الناس، وقال: إنه ليس بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول اللَّه غير عاصي الجن والإنس. وخرجه الإمام أحمد من حديث مصعب بن سلام قال: حدثنا الأجلح.. فذكره. وخرجه أحمد بن عمرو بن أحمد بن عبد الخالق البزار قال: حدثنا محمد بن المستنير الكندي، أخبرنا الوليد بن القثم، أخبرنا الأجلح عن أبي الزبير، عن جابر [ (2) ] . قال أبو نعيم: ورواه شريك [بن عبد اللَّه] [ (3) ] بن أبي نمر عن جابر قال: خرجنا في غزوة ذات الرقاع ثم أقبلنا حتى إذا كنا بمهبط من الحرة أقبل جمل يرقل [ (4) ] حتى برك بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومد جرانه [ (5) ] .. فذكره [ (6) ] .   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 3/ 50، كتاب (9) الجهاد، باب (47) ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، حديث رقم (2549) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 335، حديث رقم (1748) . [ (3) ] زيادة للنسب من أبي نعيم. [ (4) ] في (دلائل أبي نعيم) : «يرقد، وارقدّ بتشديد الدال: أسرع، وأما رواية (خ) ، كما في مجمع الزوائد: «يرقل» أي يعدو. [ (5) ] الجران من البعير: مقدم العنق. [ (6) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 381، حديث رقم (280) ، وقد أخرجه الطبراني في الأوسط، مطولا والبزار مختصرا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 وخرجه أبو نعيم من حديث أبي بكر بن عياش عن الأجلح عن الذّيال بن حرملة. عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: جاء قوم إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: إن بعيرا لنا قطن في حائط لنا قد غلبنا، فجاء إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: تعالى، فجاء مطأطئا رأسه حتى خطمه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأعطاه أصحابه، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! كأنه علم أنك نبي، فقال ما بين لابتيها أحد إلا يعلم أني نبي، إلا كفرة الجن والإنس [ (1) ] . قال: كذا في كتاب (الذيال) عن ابن عباس، والحديث مشهور بالذيال عن جابر [ (2) ] . وخرج من حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد اللَّه بن موسى، أخبرنا [ (3) ] إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير عن جابر قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، ثم سرنا ورسول اللَّه بيننا كأنما على رءوسنا الطير تظلنا، فإذا جمل نادّ [ (4) ] ، حتى إذا كان بين السماطين [ (5) ] خرّ ساجدا فجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه ثم قال [على الناس] [ (6) ] : من صاحب هذا الجمل؟ فإذا فتية من الأنصار فقالوا: هو لنا يا رسول اللَّه، قال: فما شأنه؟ قالوا: أسنينا [ (7) ] عليه منذ عشرين سنة فكانت به شحيمة [ (8) ] ، فأردنا أن ننحره فيقسم [ (9) ] بين غلماننا فانفلت عنا، قال: تبيعونيه؟ قالوا: لا، بل هو لك يا رسول اللَّه، قال: أما لا، فأحسنوا   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 380- 381، حديث رقم (279) ، (مسند أحمد) : 4/ 248، حديث رقم (13923) ، لكن بسياقة أخرى قريبة، وهي رواية جابر بن عبد اللَّه، (البداية والنهاية) : 6/ 150، برواية ابن عباس وقال: هذا من هذا الوجه عن ابن عباس غريب جدا، والأشبه رواية الإمام أحمد عن جابر، إلا أن يكون الأجلح قد رواه عن الذيال عن جابر، (دلائل البيهقي) : 6/ 30، باب ذكر البعير الّذي سجد للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأطاع أهله بعد ما امتنع عليهم ببركته، وذكر رواية ابن عباس. [ (2) ] انظر تعليق رقم (1) . وقطن: أقام. [ (3) ] في (دلائل أبي نعيم) : «حدثنا» . [ (4) ] ندّ البعير: نفر وذهب شاردا. [ (5) ] السماط: الصف. [ (6) ] زيادة للسياق من (أبي نعيم) . [ (7) ] (في أبي نعيم) : «أسنيناه» ، أي هو عندنا نستقي عليه منذ عشرين سنة. [ (8) ] الشحيمة: السمنة. [ (9) ] في (أبي نعيم) : «فنقسمه» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 إليه حتى يأتيه أجله [ (1) ] . ومن حديث الحسن بن بشر، حدثنا أبي عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير عن جابر قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سرية، ورسول اللَّه فينا وكأنما على رءوسنا الطير، فأقبلنا حتى إذا ساوينا المدينة فإذا بعير مقبل فجاء يضرب بنفسه الأرض بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [أيكم صاحب] هذا البعير؟ فقام فتية من الأنصار فقالوا: نحن يا رسول اللَّه، قال: إن بعيركم هذا يشكوكم، يزعم أنكم استعملتموه شابا حتى إذا كبر أردتم نحره. فقالوا: يا رسول اللَّه! إن فيه شحيمة فأردنا أن نقسمها [بين رعائنا] ، قال: فتبيعونيه؟ قالوا: لا، بل هو لك يا رسول اللَّه، فقلنا: هذا البعير يا رسول اللَّه سجد لك، فنحن أحق أن نسجد لك، فقال: لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد، ولو أمرت بذلك لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها [ (2) ] . وخرج من حديث يحيى بن بكير قال: حدثني الليث بن سعد، عن [ابن] [ (3) ] الهاد عن ثعلبة بن أبي مالك [ (4) ] قال: اشترى إنسان من بني سلمة جملا   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 381- 382، حديث رقم (281) ، (دلائل البيهقي) : 6/ 18، باب ذكر المعجزات الثلاث التي شهدهن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري وغيره في الشجرتين، والصبي، والجمل، وما كان في كل واحدة منهن من آثار النبوة، وزاد فيه: قالوا: يا رسول اللَّه نحن أحق أن نسجد لك من البهائم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن، ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 155- 156، وقال في آخره: وهذا إسناد جيد، ورجاله ثقات، (سنن أبي داود) : 1/ 14، كتاب الطهارة باب (1) التخلي عند قضاء الحاجة، حديث رقم (2) ، ذكره مختصرا جدا، ولم يذكر فيه قصة سجود الجمل، (سنن ابن ماجة) : 1/ 121، كتاب الطهارة وسننها، باب (22) التباعد للبزار في الفضاء، حديث رقم (335) ، ذكره مختصرا جدا، ولم ينكر فيه قصة سجود الجمل، أما مطولا، فقد ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 9/ 7- 8، لكن باختلاف يسير، عن جابر، وقال: في الصحيح بعضه، ورواه الطبراني والبزار مختصرا. [ (2) ] لم أجده بهذه السياقة، ولكن أحاديث الباب تشهد له. [ (3) ] زيادة للسياق من (أبي نعيم) . [ (4) ] ثعلبة بن مالك: تابعيّ ثقة، حديثه مرسل، ذكره ابن حبان في الثقات، وترجمته في (تهذيب التهذيب) : 2/ 22- 23، ترجمة رقم (39) ، (الإصابة) : 1/ 407، ترجمة رقم (953) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 ينضح عليه، فأدخله في مربد [ (1) ] فجرد كيما يحمل عليه، فلم يقدر أحد أن يدخل عليه إلا يخبطه، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال: افتحوا عنه، فقالوا: إنا نخشى عليك يا رسول اللَّه [منه] [ (2) ] ، فقال: افتحوا عنه، ففتحوا، فلما رآه الجمل خرّ ساجدا فسبح [ (3) ] القوم وقالوا: يا رسول اللَّه! نحن كنا أحق بالسجود من هذه البهيمة، قال: لو ينبغي لشيء من الخلق أن يسجد لشيء دون اللَّه، لا نبغى [ (4) ] للمرأة أن تسجد لزوجها [ (5) ] . وخرج من طريق [ابن] أبي شيبة، وأحمد بن حنبل قالا: حدثنا عبد اللَّه ابن نمير، حدثنا عثمان بن حكيم قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن يعلي ابن مرة قال: رأيت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثا ما رآهن أحد قبلي ولا يراها أحد بعدي، قال: كنت معه ذات يوم حتى جاء جمل فضرب بجرانه بين يديه ثم ذرفت عيناه فقال: انظر [] لمن هذا الجمل إن له لشأنا، قال: فخرجت فالتمست صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار، فدعوته إليه فقال: ما شأن جملك هذا؟ قال: وما شأنه؟ قال: لا أدري ما شأنه؟ قال: عملنا عليه ونضحنا حتى عجز عن السقاية، فأتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه، قال: فلا تفعل، هبه لي أو بعنيه، قال: بل هو لك يا رسول اللَّه، فوسمه سمة الصدقة، ثم بعث به [ (6) ] . ومن حديث أحمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن عطاء بن السائب، عن عبد اللَّه بن حفص، عن يعلي بن مرة الثقفي قال: ثلاثة أشياء رأيتهن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسن [ (7) ] عليه، فلما رآه البعير جرجر [ (8) ] ووضع جرانه، فوقف عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أين صاحب هذا البعير؟ فجاء، فقال: بعنيه، فقال: لا بل أهبه، فقال: لا، بل بعنيه، قال: لا بل أهبه لك،   [ (1) ] المربد: مكان جلوس الإبل. [ (2) ] زيادة في (خ) . [ (3) ] في (خ) : «فضج» . [ (4) ] في (أبي نعيم) : «ينبغي» وما أثبتناه من (خ) . [ (5) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 382، حديث رقم (282) ، ونقله عنه السيوطي في (الخصائص) : 2/ 257. [ (6) ] (مسند أحمد) : 5/ 170- 171، حديث رقم (17097) ، وابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 153- 154 ، وما بين الحاصرتين بياض بالأصل (خ) . [ (7) ] يسنى: يستقى عليه. [ (8) ] جرجر: ردّد صوته في حنجرته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 وإنه لأهل بيت ما لهم معيشة غيره، قال: أما [إذ] [ (1) ] ذكرت هذا من أمره، فإنه شكا كثرة العمل وقلّة العلف، فأحسنوا إليه [ (2) ] . وخرجه من حديث حجاج بن منهال وهدبة بن خالد قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء عن يعلي قال: رأيت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا لم يره أحد إلا من كان معي: كنا في سفر حتى إذا كنا بمكان كذا وكذا، جاء بعير فجرجر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل تدرون ما يقول؟ قلنا: وما قال؟ قال: شكا أهله، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أهله فقال: أتبيعونيه؟ قالوا: نهبه لك، ثم قال: أتبيعونيه؟ قالوا: بل نهبه لك- مرتين أو ثلاثا- قلنا: ما لنا غيره، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فافعلوا به معروفا- أو قال: خيرا. وخرجه من حديث شريك، عن عمر بن عبد اللَّه بن يعلي بن مرة، عن أبيه عن جده قال: رأيت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أشياء ما رآها أحد قبلي: كنت معه في طريق مكة: فمر عليه بعير ماد جرانه، فقال: عليّ بصاحب هذا، فجيء به فقال: هذا يقول: نتجت عندهم فاستعملوني، حتى إذا كبرت عندهم أرادوا أن ينحروني، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما من شيء إلا يعلم أني رسول اللَّه، إلا كفرة أو فسقة الجن والإنس [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من أبي نعيم. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 382- 383، حديث رقم (283) ، وأخرجه الإمام أحمد والبيهقي وابن كثير بالرواية التامة، وذكروا فيها الأشياء الثلاثة (مسند أحمد) : 5/ 183، حديث رقم (17115) ، ورجاله رجال الصحيح، (دلائل البيهقي) : 6/ 22- 24 باب ذكر المعجزات الثلاث التي شهدهن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري وغيره في الشجرتين، والصبي، والجمل، وما كان في كل واحدة منهن من آثار النبوة، وذلك بروايتين ثم قال: الرواية الأولى عن يعلي بن مرة في أمر الشجرتين أصح، لموافقتها رواية جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، إلا أن يكون أمر الشجرة في هذه الرواية حكاية عن واقعة أخرى، (البداية والنهاية) : 6/ 152، رواية يعلي بن مرة الثقفي من طريق أخرى عنه. [ (3) ] ذكره البيهقي مطولا في (دلائل النبوة) : 6/ 22- 23، ونقله عنه ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 154، (سنن الدارميّ) : 1/ 11، (المستدرك) : 2/ 674- 675، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه الصياغة، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح، أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 2/ 380- 381، حديث رقم (279) لكن بسياقة أخرى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 وخرجه من حديث الأعمش، عن المنهال بن عمرو قال: حدثني ابن يعلي عن مرة عن أبيه. ومن حديث وكيع قال: حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلي بن مرة. وقال وكيع: مرة عن أبيه. ومن حديث يحيى بن سليم عن عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن يونس بن حراب، عن يعلي بن مرة، فذكره وقال: رواه الثوري والعرزميّ [عن أبي الزبير] نحوه [ (1) ] . وحدث مطلب بن زيادة قال: حدثنا عمر بن عبيد اللَّه بن يعلي بن مرة حكاية، كذا عن يعلي بن [مرة قال] : خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما فجاء بعير يرغو حتى سجد له، فقال المسلمون: نحن أحق أن نسجد للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير اللَّه لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، أتدرون ما يقول هذا؟ زعم أنه خدم مواليه أربعين سنة، حتى إذا كبر أنقصوا من علفه وزادوا في عمله، حتى إذا كان لهم عرس أخذوا الشّفار لينحروه، فأرسل إلى مواليه فقصّ عليهم، فقالوا: صدق يا رسول اللَّه، قال إني أحب أن تدعوه لي فتركوه [ (2) ] . وخرجه من حديث علياء بن أحمر، عن علي عن عبد اللَّه بن بريدة، أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا رسول اللَّه، إن لنا جملا [شارد] في الدار وليس أحد منا يستطيع أن يقربه أو يدير أنفه، فقام معه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقمنا معه، فأتى ذلك الباب ففتحه، فلما رآه الجمل جاء إليه فسجد له، ووضع جرانه فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم برأسه فمسحه، ثم دعا بالخطام فخطمه، ثم دفعه إلى أصحابه، فقال له أبو بكر رضي اللَّه عنه: قد عرفك يا رسول اللَّه أنك نبي، واللَّه إنك رسول اللَّه، فقال: إنه ليس من شيء إلا يعرف أني رسول اللَّه غير كفرة الجن والإنس [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 383، حديث رقم (284) ، والسيوطي في (الخصائص) : 2/ 258، وفيه عمر بن عبد اللَّه بن يعلي بن مرة، ضعّفه أحمد، ويحيى، والنسائي، وقال الدّارقطنيّ: متروك. [ (2) ] انظر هامش رقم (3) في الصفحة السابقة. [ (3) ] نحوه باختلاف ألفاظ في (سنن الدارميّ) : 1/ 11، في روايته عن الأجلح عن الذيال بن حرملة: «إلا عاصي الجن والإنس» . وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من كتب السيرة، ونحوه باختلاف يسير في (دلائل أبي نعيم) : 2/ 380- 381 حديث رقم (279) وقد سبق الإشارة إليه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 ومن حديث معلّى [ (1) ] بن منصور قال: حدثني شبيب بن شبيبة قال: حدثني بشر بن عاصم، عن غيلان بن سلمة الثقفي قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض أسفاره فرأينا عجبا، من ذلك: أنا مضينا فنزلنا منزلا فجاء رجل فقال: يا نبي اللَّه! إنه كان لي حائط فيه عيشي وعيش عيالي، ولي فيه ناضحان فاغتلما عليّ [ (2) ] ، فمنعاني أنفسهما وحائطي وما فيه، فلا يقدر أحد أن يدنو منهما، فنهض نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصحابه حتى أتى الحائط، فقال لصاحبه: افتح، فقال: يا نبي اللَّه! أمرهما أعظم من ذلك، قال افتح، فلما حرك الباب أقبلا لهما جلبة كحفيف الريح، فلما انفرج الباب، ونظرا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بركا ثم سجدا. فأخذ نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برءوسهما، ثم دفعهما إلى صاحبهما، فقال: [استعملهما] [ (3) ] وأحسن علفهما، فقال القوم: يا نبي اللَّه! تسجد لك البهائم؟ فبلاء اللَّه عندنا بك أحسن حين هدانا من الضلالة، واستنقذنا بك من الهلكة [ (4) ] ، أفلا تأذن [لنا] [ (3) ] في السجود لك؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن السجود ليس إلا للحي الّذي لا يموت، ولو كنت آمرا أحدا من هذه الأمة بالسجود لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها [ (5) ] . ومن حديث النضر بن شميل، حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل حائطا من حوائط الأنصار، فإذا   [ (1) ] في (خ) : «يعلي» ، وصوبناه من هامش أبي نعيم و (الإصابة) وغيرهما. [ (2) ] اغتلما عليّ: تمردا عليّ. [ (3) ] زيادة للسياق من أبي نعيم. [ (4) ] كذا في (خ) وفي أبي نعيم: «من المهالك» . [ (5) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 383- 384، حديث رقم (285) ، وأخرجه الطبراني، وفيه شبيب ابن شيبة بن عبد اللَّه بن عمرو بن الأهتم، واسمه سنان بن شمر بن سنان بن خالد بن منقر التميمي المنقري الأهتمي، أبو معمر البصري الخطيب. قال الدوري عن ابن معين: ليس بثقة، وقال أبو زرعة أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال أبو داود: ليس بشيء، وقال النسائي والدار الدّارقطنيّ والبرقاني: ضعيف. وقال صالح بن محمد البغدادي: صالح الحديث، وقال الساجي: صدوق يتّهم، وقال ابن المبارك: خذوا عنه فإنه أشرف من أن يكذب ... ، له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 4/ 270، ترجمة رقم (535) ، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 4/ 31- 32، ترجمة رقم (12/ 892) ، (تاريخ بغداد) : 9/ 274، ترجمة رقم (4836) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 فيه جملان يصرمان ويواعدان، فاقترب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منهما فوضعا جرانيهما بالأرض، فقال من معه: نسجد له؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما ينبغي لأحد [أن] يسجد لأحد، ولو كان أحد ينبغي أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، لما عظّم اللَّه تعالى عليها من حقه [ (1) ] . ومن حديث خلف بن خليفة، عن حفص بن أخي أنس- وهو حفص بن عمر بن عبد اللَّه بن أبي طلحة- عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه، قال: كان أهل بيت من الأنصار، وإنه كان لهم جمل يسنون عليه، وإن الجمل استصعب عليهم ومنعهم ظهره، فجاءت الأنصار إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه! إنه كان لنا جمل نسنى عليه، وإنه قد استصعب علينا، ومنعنا ظهره، وقد يبس النخل والزرع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه: قوموا. فقاموا معه، فجاء إلى الحائط، والجمل قائم في ناحية، فجاء يمشي نحوه، فقالوا: يا رسول اللَّه! إنه صار مثل الكلب [الكلب] [ (2) ] ، وإنا نخاف عليك صولته، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليس عليّ منه بأس، فجاء الجمل يمشي حتى خرّ ساجدا بين يديه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال أصحابه: هذه بهيمة لا تعقل، ونحن نعقل، فنحن أحق أن نسجد لك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقّه عليها [ (3) ] ، [والّذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد، ثم استقبلته فلحسته، ما أدت حقّه] [ (4) ] . وخرجه من حديث سلام بن أبي الصهباء، عن أبي الضلال قال: حدثني أنس ابن مالك أن رجلا من الأنصار كان له بعير قد شرد عليه، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال:   [ (1) ] ذكره ابن كثير بسياقة أخرى وسند آخر عن ابن عباس في (البداية والنهاية) : 6/ 150، وقال في آخره: هذا إسناد غريب ومتن غريب. [ (2) ] زيادة للسياق من (المسند) ، (البداية والنهاية) . [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 385، حديث رقم (287) ، (مسند أحمد) : 3/ 633، حديث رقم (12203) ، (البداية والنهاية) : 6/ 149، باب ما يتعلق بالحيوانات من دلائل النبوّة: قصة البعير النادّ وسجوده له صلّى اللَّه عليه وسلّم، وشكواه إليه. [ (4) ] زيادة للسياق من (المسند) ، (دلائل البيهقي) : 6/ 29 بسياقة أخرى وسند آخر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 يا رسول اللَّه، إن لي بعيرا قد شرد عليّ وهو في أقصى أرضي، وأنا لا أستطيع أن أدنو منه خشية أن يتناولني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: انطلقوا بنا إليه. فلما مشى الأنصاريّ هنيهة، استرجع ثم قال: ما صنعت يا رسول اللَّه؟ أخاف عليك البعير. قال: فبينما هم يمشون إذ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلا يا فلان، إن لو قد رآني رأيت منه، فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأرض ودخلوا، مشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ نظر البعير إليه، فأقبل يحمحم، فألقى بجرانه حتى برك عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وجعلت عيناه تسيلان، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم، يا فلان! بعيرك يشكوك فأحسن إليه، فجاء بحبل فألقاه في رايته ثم قال: ها دونك أحسن إليه [ (1) ] . وخرجه من حديث مكي، حدثنا فائد أبو الورقاء عن عبد اللَّه بن أبي أوفى قال: بينما نحن قعود مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذ أتاه آت فقال: يا رسول اللَّه! ناضح [آل فلان] [ (2) ] قد أتى عليهم، فنهض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونهضنا معه فقلنا: يا رسول اللَّه! لا تقربه فإنا نخافه عليك، فدنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من البعير، فلما رآه البعير سجد له، ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وضع يده على رأس البعير فقال: هات الشفار، فجيء بالشفار فوضعه في رأسه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادعوا [إليّ صاحب البعير] [ (2) ] فدعي، فقال له أصحابه: يا رسول اللَّه! بهيمة من البهائم تسجد لتعظيم حقك؟ فنحن أحق أن نسجد لك، قال: لا، لو كنت آمرا أحدا من أمتي أن يسجد بعضهم لبعض، لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن [ (3) ] . ومن حديث العرمري وسفيان الثوري- كلاهما عن أبي الزبير عن جابر- قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نسير، إذا أقبل بعير فسجد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم   [ (1) ] لم أجده بهذه السياقة، وله شواهد من أحاديث الباب. [ (2) ] زيادة يقتضيها السياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 384، حديث رقم (286) ، وعنه نقله السيوطي في (الخصائص) 2/ 255، (دلائل البيهقي) : 6/ 29، وفيه فائد أبو الورقاء: قال البخاري: منكر الحديث، وتركه أحمد، وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 ذلك جرانه بالأرض وأرخى عينيه وبكى وجرجر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتدرون ما يقول هذا البعير؟ قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، قال يزعم أنه كان لبني سلمة بكرا صغيرا يحتطبون عليه وينتضحون عليه، فلما كبرت سنه ورقّ عظمه، أرادوا أن ينحروه على عروس لهم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابغوني بعض بني سلمة، فإذا رجل منهم قد أقبل، فقال: لمن هذا البعير؟ فقال الرجل: لي يا رسول اللَّه، قال: ومتى كان لك؟ قال: كان لي بكرا صغيرا، قال: فما كنت تعمل عليه؟ قال: كنا نحتطب وننتضح عليه، قال: فما أردتم به؟ قال: أردنا أن ننحره على عروس لنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بعنيه، فقال: لا، بل هو لك يا رسول اللَّه، فردّد عليه: بعنيه، فقال: هو لك يا رسول اللَّه، قال: فإنّي قد قبلته على أن تعمل عليه ما كنت تعمل عليه أولا فيما خلا، قال: نعم. فأخذ برأسه وولى، فقلنا: يا رسول اللَّه! هذه بهيمة تسجد لك، فنحن أحق بالسجود، فقال: لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد، ولو كان ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون اللَّه لسجدت المرأة لزوجها لما له عليها من الفضل [ (1) ] . وخرج البيهقي من حديث عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة قال: سمعت شيخا من قيس يحدث عن أبيه أنه قال: جاءنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعندنا بكرة صعبة لا يقدر عليها، قال: فدنا منها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمسح ضرعها، فحفل فاحتلب فشرب [ (2) ] . ومن حديث يونس بن بكير، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي [الزبير] [ (3) ] عن جابر قال: خرجت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، وكان رسول اللَّه   [ (1) ] ذكره أبو نعيم مختصرا عن يعلي بن مرة، وفيه عمر بن عبد اللَّه بن يعلي بن مرة: ضعفه أحمد ويحيى والنسائي، وقال الدار الدّارقطنيّ: متروك، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 383، حديث رقم (284) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 29، باب ذكر البعير الّذي سجد للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وأطاع أهله بعد ما امتنع عليهم ببركته، ونقله السيوطي عنه في (الخصائص) : 2/ 57. [ (3) ] زيادة يقتضيها السياق من البيهقي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد، فنزلنا منزلا بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر، فقال لي: يا جابر، خذ الإداوة وانطلق بنا، فملأت الإداوة ماء [فانطلقنا] [ (1) ] فمشينا حتى لا نكاد نرى، فإذا شجرتان بينهما أذرع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يا جابر، انطلق فقل لهذه الشجرة: يقول لك رسول اللَّه: ألحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما، [ففعلت فرجعت] [ (1) ] حتى لحقت بصاحبتها، فجلس خلفهما حتى قضى حاجته. ثم رجعنا فركبنا رواحلنا، فسرنا كأنما علينا الطير تظلنا، فإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، معها صبي تحمله فقالت: يا رسول اللَّه! إنّ ابني هذا يأخذه الشيطان ثلاث مرات كل يوم لا يدعه، فوقف [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرّحل، فقال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] : اخسأ عدوّ اللَّه، أنا رسول اللَّه، وأعاد ذلك ثلاث مرات ثم ناولها إياه. فلما رجعنا فكنا بذلك الماء، عرضت لنا المرأة معها كبشان تقودهما، والصبي تحمله، فقالت: يا رسول اللَّه! [اقبل من هديتي] [ (1) ] ، فو الّذي بعثك بالحق إن عاد إليه بعد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خذوا أحدهما منها وردّوا الآخر. ثم سرنا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، بيننا، فجاء جمل نادّ، فلما كان بين السماطين خرّ ساجدا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيها الناس، من صاحب هذا الجمل؟ فقال فتية من الأنصار: هو لنا يا رسول اللَّه، قال: فما شأنه؟ قالوا: سنونا عليه منذ عشرين سنة، فلما كبرت سنّه وكانت عليه شحيمة [و] [ (2) ] أردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تبيعونيه؟ فقالوا: يا رسول اللَّه، هو لك، قال: فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله- قالوا: يا رسول اللَّه: نحن أحق أن نسجد لك من البهائم، فقال: لا ينبغي لأحد [ (3) ] أن يسجد لأحد [ (3) ] ، ولو كان ذلك لكان النساء لأزواجهن [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق من البيهقي. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] في المرجع السابق: «لبشر» . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 18- 19، باب ذكر المعجزات الثلاث التي شهدن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري وغيره، في الشجرتين، والصبي، والجمل، وما كان في كل واحد منهن من آثار النبوة، وأخرجه ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 155- 156، وقال في آخره: وهذا إسناد جيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 وخرج من حديث زمعة بن صالح، عن زياد عن أبي الزبير، أنه سمع يونس ابن خبّاب الكوفي يحدث: أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنه كان في سفر إلى مكة، فذهب إلى الغائط- وكان يبعد حتى لا يراه أحد- قال: فلم يجد شيئا يتوارى به، فبصر بشجرتين ... ، فذكر قصة الشجرتين وقصة الجمل بنحو من حديث جابر. قال البيهقي: وحديث جابر أصحّ، وهذه الرواية ينفرد بها زمعة بن صالح عن زياد، أظنه ابن سعد عن أبي الزبير [ (1) ] .   [ () ] رجاله ثقات. وبهذا الإسناد أخرجه أبو داود في أول كتاب الطهارة مختصرا، وابن ماجة في كتاب الطهارة باب (22) التباعد للبراز في الفضاء، حديث رقم (335) مختصرا أيضا. أما مطولا، فقد ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 9/ 7- 8، باختلاف يسير عن جابر، وقال: في الصحيح بعضه، ورواه الطبراني والبزّار باختصار كثير. والخبر يبدو أن به نقصا في آخره في قصة سجود الجمل له صلّى اللَّه عليه وسلّم، ذكرها الهيثمي عن أنس بن مالك قال: وعن ابن عباس قال: جاء قوم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه، إن لنا بعيرا فطم في حائط، فجاء إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: تعال، فجاء مطأطأ رأسه حتى خطمه وأعطاه أصحابه، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! كأنه علم أنك نبي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما بين لابتيها أحد إلا يعلم أني نبي، إلا كفرة الجن والإنس. رواه الطبراني، وو رجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف، (دلائل البيهقي) : 6/ 19 «هامش» . وعن ابن عباس، أن رجلا من الأنصار كان له فحلان فاغتلما، فأدخلهما حائطا، فسدّ عليهما الباب، ثم جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأراد أن يدعو له والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قاعد مع نفر من الأنصار، فقال: يا نبي اللَّه، إني جئت في حاجة، وإن فحلين لي اغتلما، وإني أدخلتهما، حائطا وسددت عليهما الباب، فأحب أن تدعو لي أن يسخرهما اللَّه لي، فقال لأصحابه: قوموا معنا، فذهب حتى أتى الباب فقال: افتح، فأشفق الرجل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: افتح، ففتح الباب، فإذا أحد الفحلين قريب من الباب، فلما رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سجد له، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ائتني بشيء أشدّ برأسه وأمكنك منه، فجاء بخطام فشدّ رأسه وأمكنه منه، ثم مشى إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر، فلما رآه وقع له ساجدا، فقال للرجل: ائتني بشيء أشدّ رأسه، فشدّ رأسه وأمكنه منه، ثم قال: اذهب فإنّهما لا يعصيانك، فلما رأى أصحاب النبي ذلك قالوا: هذان فحلان لا يعقلان سجدا لك! أفلا نسجد لك؟ قال: لا آمر أحدا أن يسجد لأحد، ولو أمرت أحدا يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. رواه الطبراني، وفيه أبو عزّة الدباغ، وثّقه ابن حبان، واسمه الحكم بن طهمان، وبقية رجاله ثقات. (المرجع السابق) : 6/ 20. [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 20، وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) ، وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار بنحوه، إلا أنه قال: في غزوة حنين وزاد فيه: ثم أصاب الناس عطش شديد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 وخرج من حديث يونس بن بكير عن الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن يعلي بن مرة عن أبيه قال: سافرت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سفرا فرأينا منه أشياء عجبا: نزلنا منزلا فقال: انطلق إلى هاتين الأشاءتين فقل: إن رسول اللَّه يقول لكما: أن تجتمعا، فانطلقت فقلت لهما ذلك، فانتزعت كل واحدة منهما من أصلها، فنزلت كل واحدة إلى صاحبتها فالتفتا جميعا، فقضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاجته من ورائهما ثم قال: انطلق فقل لهما: [فلتعد] كل واحدة إلى مكانها، فأتيتهما فقلت لهما ذلك، فنزلت كل واحدة حتى عادت إلى مكانها. وأتته امرأة فقالت: إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين، يأخذه في كل يوم مرتين، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أدنيه، فأدنته منه، فتفل في فيه وقال: أخرج عدوّ اللَّه، أنا رسول اللَّه، ثم قال لها صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع. فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استقبلته ومعه كبشان وأقط وسمن، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خذ هذا الكبش، فأخذ منه ما أراد، فقالت: والّذي أكرمك ما رأيناه به شيئا منذ فارقتنا. ثم أتاه بعير فقام بين يديه فرأى عينيه تدمعان، فبعث إلى أصحابه فقال: ما لبعيركم، هذا يشكوكم؟ فقالوا: كنا نعمل عليه فلما كبر وذهب عمله تواعدنا لننحره غدا، فقال: لا تنحروه واجعلوه في الإبل يكون فيها [ (1) ] . وخرجه من حديث وكيع عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن يعلي بن مرة عن أبيه قال: رأيت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أشياء ... ، فذكر الحديث،   [ () ] فقال لي: يا عبد اللَّه، التمس لي ماء، فأتيته بفضل ماء وجدته في إداوة، فأخذه فصبه في ركوة، ثم وضع يده فيها وسمّى، فجعل الماء يتحادر من بين أصابعه، فشرب الناس وتوضّئوا ما شاءوا. ورواه البزار بنحوه، وفي إسناد الأوسط زمعة بن صالح، وقد وثّق على ضعفه، وبقية رجاله حديثهم حسن وأسانيد الطريقين ضعيفة. [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 20- 21، ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 9/ 6، وقال: رواه أحمد بإسنادين، والطبراني بنحوه، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح، (مسند أحمد) : 6/ 182- 183، حديث رقم (17113) ، (17114) ، (17115) ، (17117) ، بسياقات مختلفة، كلها من حديث يعلي بن مرة الثقفي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 يعنى رواية يونس، إلا أنه زاد: خذ أحد الكبشين ورد الآخر، وخذ السمن والأقط [ (1) ] . قال البيهقي: مرة أبو يعلى هو مرة بن أبى مرة الثقفي، وقيل فيه عن يعلى نفسه أنه قال: رأيت ... ، فذكر من طريق وكيع عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة قال: رأيت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عجبا: خرجت معه في سفر، فنزلنا منزلا فأتته امرأة بصبي لها به لمم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أخرج عدوّ اللَّه، أنا رسول اللَّه، قال: فبرأ، فلما رجعنا جاءت أم الغلام بكبشين وشيء من أقط وسمن، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا يعلى، خذ أحد الكبشين ورد عليها الآخر، وخذ السمن والأقط، قال: ففعلت [ (2) ] . قال البيهقي: هذا الأصح، والأول وهم. قاله البخاري: يعنى روايته عن أبيه وهمّ، إنما هو عن يعلى نفسه، وهم فيه وكيع مرّة، ورواه على الصحة مرّة. قال البيهقي: وقد وافقه فيما زعم البخاري أنه وهم يونس بن بكير، فيحتمل أن يكون الوهم عن الأعمش. واللَّه أعلم [ (2) ] . وذكر البيهقي من طرق ثم قال: ولما روينا من حديث يعلى بن مرة في أمر البعير الّذي شكى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حاله بإسناد صحيح، وكأنه غير البعير الّذي أرادوا نحره، واللَّه أعلم [ (3) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 22، (مجمع الزوائد) : 9/ 5- 6، والحاكم في (المستدرك) : 2/ 674- 675، حديث رقم (4232/ 242) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 6/ 22. [ (3) ] (المرجع السابق) 6/ 26. قال الحافظ ابن كثير: وقد اعتنى الحافظ أبو نعيم بحديث البعير في كتابه (دلائل النبوة) ، وطرقه من وجوه كثيرة. (البداية والنهاية) : 6/ 155. وقال الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) : فيما تضمنت هذه الأخبار من الآيات والدلائل الواضحة، من سجودهن، وشكايتهن، وما في معناه، ليس يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أعطى علما بنغم هذه البهائم وشكايتهن، كما أعطى سليمان عليه السلام علما بمنطق الطير، فذلك له آية كما كان نظيرها لسليمان عليه السلام، أو أنه علم ذلك بالوحي، وأي ذلك كان فيه أعجوبة، وآية ومعجزة. فإن اعترض بعض الطاعنين فزعم أن فيه قسما ثالثا، وهو أنه استدلّ بالحال على سوء إمساكهم، قيل: هذا محتمل، لكن الاستدلال لا يعلم به أن صاحب البهيمة رجل من بنى فلان، وأنه استعملها كذا سنة، وأنه يريد لينحرها للعرس، فإن ذلك لا يصل إليه بالاستدلال بالحال، فهذا قسم باطل. (دلائل أبي نعيم) : 2/ 386. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 [سابع وسبعون: مخاطبة الناقة له صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما مخاطبة الناقة له صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج الحاكم من حديث يحى بن عبد اللَّه المصري، حدثنا عبد الرزاق عن معمر [عن] [ (1) ] الزهري، عن سالم عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: كنا جلوسا حول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ دخل عليه أعرابى جهوريّ [الصوت] [ (2) ] بدويّ يمانيّ على ناقة حمراء، فأناخ بباب المسجد، فدخل فسلّم [على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] ثم قعد ثم قضى نحبه، قالوا: يا رسول اللَّه إن الناقة التي تحت الأعرابي سرقه، قال: أثمّ بيّنة؟ قالوا: نعم يا رسول اللَّه، قال: يا على، خذ حق اللَّه من الأعرابي إن قامت عليه البينة، وإن لم تقم فردّه إليّ. قال فأطرق الأعرابي ساعة، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: قم يا أعرابي لأمر اللَّه وإلا فأدل بحجتك، فقالت الناقة من خلف الباب: والّذي بعثك بالكرامة يا رسول اللَّه! إنّ هذا ما سرقني وما يملكني أحد سواه، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أعرابى! بالذي أنطقها بعذرك ما الّذي قلت؟ قال: قلت: اللَّهمّ إنك لست برب استحدثناك، ولا معك إله أعانك على خلقنا، ولا معك رب فنشكّ في ربوبيتك، أنت ربنا كما تقول، وفوق ما يقول القائلون، أسألك أن تصلى على محمد وأن تريني براءتي [ (3) ] ، فقال له النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم والّذي بعثني بالكرامة يا أعرابى، لقد رأيت الملائكة يبتدرون أفواه الأزقة يكتبون مقالتك، فأكثر الصلاة عليّ [ (4) ] . قال الحاكم: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات، ويحى بين عبد اللَّه المصري هذا، لست أعرفه   [ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (2) ] ليست في المرجع السابق. [ (3) ] كذا في (خ) . وفي المرجع السابق: «أن تبرئنى ببراءتي» . [ (4) ] (المستدرك) : 2/ 676، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، فصل: ومن كتاب آيات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم التي هي دلائل النبوة، حديث رقم (4236/ 246) . وقال الذهبي في (التلخيص) بعد أن ساق جزءا من الخبر: وذكر باقي الخبر وهو كذب، قال الحاكم: رواة هذا الحديث ثقات، ويحى لست أعرفه بعدالة ولا جرح، قلت: هو الّذي اختلقه. قال محققه: يحى بن عبد اللَّه بن بكير القرش المخزومي، مولاهم أبو زكريا، المصري الحافظ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 أعرفه بعدالة ولا جرح.   [ () ] وقد ينسب إلى جده. روى عن مالك والليث وبكر بن مضر، وحماد بن زيد، وعبد اللَّه بن سويد المصري، وعبد اللَّه بن لهيعة ومغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، ويعقوب بن عبد الرحمن القارئ وعبد العزيز الدراوَرْديّ وعون بن سليمان القاضي، ومفضل بن فضالة، وضمرة بن ربيعة، وجماعة. روى عنه البخاري، وروى مسلم وابن ماجة له بواسطة محمد بن عبد اللَّه هو الذهلي، ومحمد بن عبد اللَّه بن نمير، ومحمد بن إسحاق الصغاني، وسهل بن زنجلة، وحرملة بن يحيى، وأبو زرعة الرازيّ، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ومات قبله ابنه عبد الملك بن يحى بن بكير، ويحى بن معين، ودحيم ويونس ابن عبد الأعلى الصدفي، وبقي بن مخلد، وإسماعيل سمويه، ويحى بن أيوب بن بادى العلاف، ومحمد ابن إبراهيم البوشنجي، وأبو على الحسن بن الفرج الغزى وآخرون. قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وكان يفهم في هذا الشأن، وقال النسائي: ضعيف، وقال في موضع آخر: ليس بثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. قال ابن حجر في (تهذيب التهذيب) : وقال أبو داود: سمعت يحى بن معين يقول: أبو صالح أكثر كتبا، ويحى بن بكير أحفظ منه. وقال الساجي: قال ابن معين: سمع يحى بن بكير الموطّأ بعرض حبيب كاتب الليث، وكان شرّ عرض، كان يقرأ على مالك خطوط الناس، ويصفح ورقتين ثلاثة، وقال يحى: سألني عنه أهل مصر فقلت: ليس بشيء. وقال الساجي: هو صدوق، روى عن الليث فأكثر، وقال ابن عدي: كان جار الليث بن سعد، وهو أثبت الناس فيه، وعنده عن الليث ما ليس عند أحد. وقال مسلمة بن قاسم: تكلم فيه، لأن سماعه من مالك إنما كان بعرض حبيب. وقال الخليلي: كان ثقة، وتفرد عن مالك بأحاديث. وقال البخاري في تاريخه الصغير: ما روى ابن بكير عن أهل الحجاز، في التاريخ فإنّي أنفيه. وقال ابن قانع: مصرى ثقة. له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 11/ 208، ترجمة رقم (388) ، (الجرح والتعديل) : 9/ 165، ترجمة رقم (682) ، (المغنى في الضعفاء) : 2/ 739، ترجمة رقم (7005) ، (لسان الميزان) : 6/ 2325 ترجمة رقم (92/ 9166) ، وقال: شيخ مصرى عن عبد الرزاق، فذكر حديثا باطلا بيقين فلعله افتراه، والحديث المذكور أورده الحاكم في (المستدرك) في علامات النبوة ... وهذا موضوع على الإسناد المذكور، (ميزان الاعتدال) : 4/ 391، ترجمة رقم (9564) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 [ثامن وسبعون: ازدلاف البدن إلى المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم ليبدأ بنحرهنّ] وأما ازدلاف البدن إلى المصطفى ليبدأ بنحرهن، فخرج أبو نعيم من حديث أبي عاصم النبيل، ويحى بن سعيد القطان، عن نور بن يزيد، عن راشد بن سعد، عن عبد اللَّه بن يحى، عن عبد اللَّه بن قرط قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أفضل الأيام عند اللَّه يوم النحر، ثم يوم القر [يستقر فيه الناس- وهو الّذي يلي يوم النحر] وقدم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه بدنات خمس أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ بها فلما وجبت جنوبها قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمة خفيفة لم أفهمها، فقلت للذي إلى جنبي، ما قال؟ قال: من شاء اقتطع [ (1) ] . وخرجه الحاكم من حديث مسدد، حدثنا يحى عن ثور به نحوه، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . قال أبو نعيم: فما تضمنت هذه الأخبار من الآيات والدلائل الواضحة من سجود الإبل وشكايتهن وازدلافهن وما في معناه، لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أعطى علما [بمنطق] هذه البهائم وشكايتهن كما أعطى سليمان عليه السلام علما بمنطق الطير، فذلك له آية كما كان يظهرها لسليمان آية، أو علم ذلك بالوحي، وأي ذلك كان، ففيه أعجوبة [وآية] ومعجزة. فإن اعترض بعض الطاعنين فزعم أن فيه قسما ثالثا وهو أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم استدل بالحال على سوء إمساكهم، قيل: هذا يحتمل، ولكن الاستدلال لا يعلم به أن صاحب البهيمة رجل من بنى فلان، وأنه استعملها [كذا] سنة، وأنه مريد لنحرها، فإن ذلك لا يتوصل إليه بالاستدلال، فهذا القسم باطل، وأحد الأولين ثابت صحيح، واللَّه أعلم، حسبنا اللَّه تعالى ونعم الوكيل، والحمد للَّه [ (3) ] .   [ (1) ] لم أجده في (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 246، كتاب الأضاحي، حديث رقم (3522/ 6) ، وما بين الحاصرتين زيادة من (خ) ، وقال الحاكم: «أعظم الأيام» ، وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 386، عقب الحديث رقم (287) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 [تاسع وسبعون: مخاطبة الحمار له صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما مخاطبة الحمار له، فخرج أبو نعيم من حديث إبراهيم بن سويد الجدوعى قال: حدثني عبد اللَّه بن أذينة الطائي، عن تور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه قال: أتى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بخيبر حمار أسود فوقف بين يديه فقال: من أنت؟ قال: أنا عمرو بن فلان، كنا سبعة إخوة. كلّنا ركبنا الأنبياء عليهم السلام، وأنا أصغرهم وكنت لك، فملكنى رجل من اليهود، فكنت إذا ذكرتك كبوت به فيوجعنى ضربا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأنت يعفور [ (1) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 386- 387، حديث رقم (288) ، وقد انفرد به أبو نعيم، قال الحافظ ابن كثير: وقد أنكره غير واحد من الحفاظ الكبار، فقال أبو محمد بن عبد اللَّه بن حامد: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن حمدان السحركى، حدثنا عمر بن محمد بن بجير، حدثنا أبو جعفر محمد بن يزيد- إملاء- أنبأنا أبو عبد اللَّه محمد بن عقبة بن أبى الصهباء، حدثنا أبو حذيفة عن عبد اللَّه بن حبيب الهذليّ، عن أبى عبد الرحمن السلمي، عن أبى منظور قال: لما فتح اللَّه على نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر، أصابه من سهمه أربعة أزواج بغال، وأربعة أزواج خفاف، وعشر أواق ذهب وفضة، وحمار أسود، ومكتل، قال: فكلم النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم الحمار فكلمه الحمار، فقال له: ما اسمك؟ قال: يزيد بن شهاب، أخرج اللَّه من نسل جدي ستين حمارا، كلهم لم يركبهم إلا نبي، لم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، وقد كنت قبلك لرجل يهودىّ، وكنت أعثر به عمدا، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: سميتك يعفور يا يعفور، قال لبيك، قال تشتهي الإناث؟ قال: لا، فكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يركبه لحاجته، فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل، فيأتى الباب فيقرعه برأسه، فإذا خرج إليه صاحب الدار، أومأ إليه أن أجب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما قبض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، جاء إلى بئر كانت لأبى الهيثم بن التيهان فتردى فيها، فصارت قبره، جزعا منه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. (البداية والنهاية) : 6/ 166- 167 باب حديث الحمار. ويعفور: على وزن عصفور: اسم ولد الظبي، وسمى به لسرعته. قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع. فلعن اللَّه واضعه، فإنه لم يقصد إلا القدح في الإسلام، والاستهزاء به. قال أبو حاتم بن حبان: لا أصل لهذا الحديث، واسناده ليس بشيء، ولا يجوز الاحتجاج بمحمد بن يزيد. (الموضوعات) : 1/ 293، باب تكليم حماره يعفور له. قال القسطلاني: ومن ذلك حديث الحمار: أخرج ابن عساكر عن أبى منظور قال، لما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر، أصاب حمارا أسود ... ثم ذكر الحديث، وقال: لكن الحديث مطعون فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 [ثمانون: نسج العنكبوت على الغار] وأما نسج العنكبوت على الغار، فخرج أبو نعيم من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال: أخبرنى عثمان الجزرىّ، أن مقسما مولى ابن الحارث [ (1) ] أخبره عن ابن عباس رضي اللَّه عنه في قوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ... [ (2) ] الآية. قال: فتشاورت قريش بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق- يريدون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه. فأطلع اللَّه نبيه على ذلك، فبات عليّ رضي اللَّه عنه على فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تلك الليلة، وخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليا- يحسبون أنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.   [ () ] (المواهب اللدنية) : 2/ 554. قال الزرقاني في شرحه على (المواهب) : لا أصل له. (شرح الزرقاني على المواهب اللدنية) : 8/ 297. وقال كمال الدين الدميري بعد قصة الحمار هذه: قال الإمام الحافظ أبو موسى: هذا حديث منكر جدا، إسنادا، ومتنا، لا يحل لأحد أن يرويه إلا مع كلامي عليه. (حياة الحيوان الكبرى) : 1/ 319. وقال الذهبي: عبد اللَّه بن أذينه، عن ثور بن يزيد، قال ابن حبان: حدثنا حمزة بن داود، حدثنا إسماعيل بن عيسى بن زاذان الأيلي، حدثنا عبد اللَّه بن أذينة بنسخة لا يحلّ ذكرها إلا على سبيل القدح ... (ميزان الاعتدال) : 2/ 391 ترجمة رقم (4204) ترجمة عبد اللَّه بن أذينة. وقال ابن عدي: هو عبد اللَّه بن عطارد بن أذينة الطائي، بصريّ منكر الحديث، وقال الأزدي: قال أبو زكريا في (تاريخ أهل الموصل) : قال خضر بن حسّان: أتيت عليّ بن حرب أسأله عن ابن أذينة فضعّفه. وقال الحاكم: والنقاش: روى أحاديث موضوعة، وقال الدار قطنى: متروك الحديث. (لسان الميزان) : 3/ 321، ترجمة رقم (131/ 4482) ، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 4/ 214، ترجمة رقم (54/ 1021) . [ (1) ] هذه الكلمة مطموسة في (خ) ، وأثبتناها من (تهذيب التهذيب) : 10/ 256 ترجمة (509) ، مقسم بن بجرة، ويقال: ابن نجدة، أبو القاسم، ويقال: أبو العباس للزومه له. [ (2) ] سورة الأنفال الآية: 30. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوه عليا ردّ اللَّه مكرهم فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدرى، فاقتفوا [ (1) ] أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم الأمر، فصعدوا في الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه [ (1) ] ثلاثا [ (2) ] . وخرج من طريق الواقدي قال: فحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: لما فقدت قريش النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، طلبوه بمكة في أعلاها وأسفلها، وبعثوا إلى قائفين [ (3) ] يتبعان أثره: أحدهما كرز بن علقمة، والآخر رجل من خزاعة، فذهب الخزاعي قبل حراء أو ثور.، وذهب كرز بن علقمة فأصاب أثره قبل ثور، فلم يزل عليه يتبعه، فلما انتهوا إلى ثور انقطع أثره ومعه جماعة. قال: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين دخل الغار، ضرب العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض، فلما انتهوا إلى الغار قال قائل منهم: أدخل الغار، فقال أمية بن خلف: وما أربكم إلى الغار؟ إن عليه لعنكبوت كان قبل ميلاد [محمد] ، ثم قام فبال في صدع الغار حتى سال بوله بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبى بكر رضي اللَّه عنه، فنهى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ عن قتل العنكبوت وقال: إنها جند من جنود اللَّه. وقال أبو جهل: أما واللَّه إني لأحسبه قريبا يرانا، ولكن بعض سحره قد أخذ على أبصارنا، فانصرفوا، ورجع اليهم الخزاعي بين ثور وحراء [ (4) ] .   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي ابن كثير: «فاقتصوا» ، «ثلاث ليال» . [ (2) ] (تفسير ابن كثير) : 2/ 314- 316، تفسير سورة الأنفال. [ (3) ] هم قصّاص الأثر. وقال ابن كثير بعد أن ذكره: وهذا إسناد حسن، وهو من أجود ما روى في قصة نسج العنكبوت على فم الغار، وذلك من حماية اللَّه لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، (البداية والنهاية) : 3/ 221. [ (4) ] لم أجده بهذه السياقة، لكن أحاديث الباب تشهد له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 [حادي وثمانون: وقوف الحمام بفم الغار، وقيام شجرة على باب الغار] وأما وقوف الحمام بفم الغار، وقيام شجرة على باب الغار، فخرج الأئمة: أبو نعيم والبيهقي وغيرهما من حديث مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا عون بن عمر القيسي قال: سمعت أبا مصعب المكيّ يقول: أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة رضي اللَّه عنهم، فسمعتهم يحدثون أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الغار، أمر اللَّه سبحانه وتعالى شجرة فنبتت في وجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسترته، وأمر اللَّه سبحانه العنكبوت فنسجت في وجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسترته، وأمر اللَّه حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار. وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل، بعصيّهم وهراواتهم وسيوفهم، حتى إذا كانوا من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قدر أربعين ذراعا، فعجل بعضهم لينظر في الغار، فرأى حمامتين بفم الغار، فعرفت أنه ليس فيه أحد، فسمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قال، فعلم أن اللَّه عزّ وجلّ درأهم عنه بهما، فدعا لهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وسمّت عليهنّ وفرض جزاءهن، وانحدرن إلى الحرم، وأفرخ ذلك الزوج كل شيء في الحرم [ (1) ] . يشعر قوله: وأفرخ ذلك الزوج كل شيء في الحرم، أن حمام الحرم كله من هذا الزوج، وفيه نظر، فإنه روى في قصة نوح عليه السلام: أنه بعث الحمامة من السفينة لتأتيه بخبر الأرض، فوقعت بوادي الحرة، فإذا الماء قد نضب من موضع الكعبة، وكانت طينتها حمراء فأخضبت رجليها ثم جاءته، فمسح عنقها [وطوقها]   [ (1) ] (عيون الأثر) : 1/ 182، حديث الغار، (طبقات ابن سعد) : 1/ 228- 229، ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبى بكر رضي اللَّه عنه إلى المدينة، عن مسلم بن إبراهيم بسنده وفيه زيادة قصة العنكبوت، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 325، باب ومما ظهر من الآيات في مخرجه إلى المدينة، وفي طريقه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (229) ، (دلائل البيهقي) : 2/ 481- 482، وقال ابن كثير في (السيرة) : 1/ 240: رواه ابن عساكر عن طريق يحى بن محمد بن صاعد، عن عمرو بن على، عن عمرو بن عون، فذكره ثم قال: هذا حديث غريب جدا من هذا الوجه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 ووهب لها الحمرة في رجليها وأسكنها الحرم، ودعا لها بالبركة. وفي شعر الحارث ابن فنحاص الّذي أوله: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر ويبكى لبيت ليس يؤذى حمامه ... تظل به أمنا وفيه العصافر ففي هذا أن الحمام كانت في الحرم من عهد جرهم. وقال ابن عائذ: أخبرنى الوليد قال: أخبرنى طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبى رباح قال: خرجت عليهم من البحر فوجا فوجا، قال: فسألت طلحة: أي طير هو؟ قال: سمعت أشياخنا يقولون: حمام الحرم بقية منه، يعنى بقية من الطير الأبابيل التي أرسلها اللَّه على أصحاب الفيل. وخرج أبو نعيم من حديث الحكم بن عيينة، عن مقسم عن [ابن عباس] رضي اللَّه عنه قال: لما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الليل فلحق بغار ثور، قال: وتبعه أبو بكر رضي اللَّه عنه، فلما سمع رسول اللَّه حسّه خلفه، خاف أن يكون الطلب، فلما رأى أبو بكر رضي اللَّه عنه تنحنح، فلما سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عرفه، فقام له حتى تبعه، فأتيا الغار فأصبحت قريش في طلبه، فبعثوا إلى رجل قافة من بني مدلج فتبع الأثر حتى انتهى إلى الغار وعلى بابه شجرة، فبال في أصلها القائف ثم قال: ما جاز صاحبكم الّذي تطلبون هذا المكان. قال: فعند ذلك حزن أبو بكر رضي اللَّه عنه، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا، قال: فمكث هو وأبو بكر في الغار يختلف إليهما بالطعام عامر بن فهيرة، وعليّ رضي اللَّه عنه يجهزهم [ (1) ] . ومن طريق الواقدي قال: فحدثني موسى بن محمد عن أبيه قال: لما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغار، دعا شجرة كانت أمام الغار، فقال: ائتيني، فأقبلت حتى وقفت على باب الغار، فقامت على باب الغار وهم يطوفون بالجبل، فأقبل بعضهم فبال [مستقبل باب] الغار، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: ما نراه يرانا، فقال   [ (1) ] لم أجده عند أبي نعيم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو رآنا ما استقبلنا بفرجه [ (1) ] ، [سيعيننا اللَّه عليهم] . قال: فكان الّذي بال عقبة بن أبى معيط، قال: فلم يلق أحد من الجزع بخروج رسول اللَّه ما لقي الخبيث أبو جهل، وبعث مناديا ينادى أسفل مكة وأعلاها: من جاء بمحمد فله مائة بعير أو دل عليه، أو جاء بابن أبى قحافة أو دلّ عليه فله مائة بعير.   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 14، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب مناتب المهاجرين وفضلهم منهم. أبو بكر عبد اللَّه بن أبى قحافة التيمي رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (3652) تعليقا، نقلا عن (السير للواقدي) : وما بين الحاصرتين زيادة من (خ) ، (المطالب العالية) : 4/ 206، باب هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة حديث رقم (4292) ، وقال فيه: «لم يستقبلنا بعورته» وعزاه الأبي يعلى، (كنز العمال) : 16/ 661، كتاب الهجرتين من قسم الأفعال حديث رقم (46280) وأشار إلى ضعفه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 [ثانى وثمانون: وقوف الحية له وسلامها عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما وقوف الحية له وسلامها عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال الواقدي في كتاب المغازي- وقد ذكر غزوة تبوك-: قالوا: وعارض الناس في مسيرهم حية ذكر من عظمها وخلقها وانصاع الناس عنها، فأقبلت حتى واقفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على راحلته طويلا والناس ينظرون إليها، ثم التوت حتى اعتزلت الطريق، فقامت قائمة. فأقبل الناس حتى لحقوا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال لهم: هل تدرون من هذا؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم! قال: فإن هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفدوا يستمعون القرآن [ (1) ] ، فرأى عليه من الحق حين ألمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببلده أن يسلم عليه، وها هو [ذا] [ (2) ] يقرئكم السلام فسلّموا عليه، فقال الناس جميعا. وعليه السلام ورحمة اللَّه، يقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجيبوا [ (3) ] عباد اللَّه من كانوا [ (4) ] .   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (مغازي الواقدي) : «الذين يريدون أن يسمعوا القرآن» . [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة من المرجع السابق. [ (3) ] في (خ) : «أحبوا» ، وما أثبتناه من المرجع السابق. [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1015. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 [ثالث وثمانون: شكوى الحمّرة حالها للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم لما فجعت بفرخيها] وأما شكوى الحمرة [ (1) ] حالها للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم لما فجعت بفرخيها، فخرج أبو داود من حديث الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود، عن عبد اللَّه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فدخل رجل غيضه [ (2) ] فأخرج بيضة حمرة، فجاءت الحمرة ترفرف على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، فقال: أيكم فجع هذه؟ فقال رجل من القوم: أنا أخذت بيضتها، فقال: [ردّه رحمة] [ (3) ] لها [ (4) ] . وخرجه البخاري في الأدب المفرد ولفظه: عن عبد اللَّه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نزل منزلا، فأخذ رجل بيض حمرة فجاءت ترفرف على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أيكم فجع هذه ببيضتها؟ فقال رجل: أنا يا رسول اللَّه أخذت بيضتها، فقال النبي: اردده رحمة لها [ (4) ] . وخرجه البيهقي من حديث أبى معاوية، عن أبى إسحاق الشيباني، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود عن أبيه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فمررنا بشجرة فيها فرخا حمرة، فأخذناهما، فجاءت الحمرة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي تعرض، فقال: من فجع هذه بفرخيها؟ قال: فقلنا: نحن، قال ردوهما، قال: فرددناهما   [ (1) ] الحمّرة والحمرة: طائر من العصافير، وفي (الصحاح) : الحمّرة ضرب من الطير كالعصافير، وجمعها الحمر والحمّر، والتشديد أعلى. وفي الحديث: نزلنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجاءت حمّرة، هي بضم الحاء وتشديد الميم وقد تخفف: طائر صغير كالعصفور. (القاموس) 4/ 214- 215. [ (2) ] الغيضة: مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر، وفي حديث عمر رضي اللَّه تعالى عنه: لا تنزلوا المسلمين الغياض، والغياض جمع غيضة، وهي الشجر الملتف، لأنهم إذا نزلوها تفرقوا فيها فتمكّن منهم العدو. قال ابن الأثير: الغابة غيضة ذات شجر كثير. وهي على تسعة أميال من المدينة (المرجع السابق) : 7/ 202. [ (3) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (4) ] (صحيح سنن أبى داود) : 2/ 508، باب (122) في كراهية حرق العدو بالنار، حديث رقم (2675) وقال الألباني: وأخرجه أيضا في كتاب الأدب بنفس الإسناد السابق، حديث رقم (5268) ، وقال الألباني: صحيح. (صحيح سنن أبى داود) : 3/ 988، باب (176) في قتل الذرّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 إلى مواضعهما. قال البيهقي: كذا في كتابي: تعرض، وقال غيره: تفرش، يعنى تقرب إلى الأرض وترفرف بجناحيها [ (1) ] . وخرجه الحاكم من حديث عثمان بن أبى شيبة، حدثنا أبو معاوية، حدثنا أبو إسحاق الشيباني، حدثنا الحسين بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه عن أبيه فذكره قريبا منه ثم قال: حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . وقال الواقدي- وقد ذكر غزوة ذات الرقاع-: فكان جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه يقول: إنا لمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ جاء رجل من أصحابه بفرخ طائر، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر إليه، فأقبل أبواه أو أحدهما حتى طرح نفسه بين يدي الّذي أخذ فرخه، فرأيت الناس عجبوا من ذلك! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتعجبون من هذا الطائر؟ أخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة لفرخه، واللَّه لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 32- 33، باب ما جاء في الحمرة التي فجعت ببيضتها أو بفرخيها، فشكت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حالها. وقال فيه قوله: وترفرف بجناحيها: ورواه أبو إسحاق الفزارىّ، عن أبى إسحاق الشيباني، عن الحسن بن سعد، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه، عن أبيه، وقال في الحديث: فجعلت تفرش، وهو في السادس والثلاثين من سنن أبى داود. وأخرجه ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 167، باب حديث الحمرة وهو طائر مشهور عن البيهقي، والسيوطي في (الخصائص الكبرى) : 2/ 63، وعزاه للبيهقي، وأبى نعيم، وأبى الشيخ في (كتاب العظمة) كلهم عن ابن مسعود. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 217، حديث رقم (7599/ 30) وزاد: ولم يخرجاه، ذكره في آخر كتاب الذبائح. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 398. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 [رابع وثمانون: تسخير الأسد لسفينة (أحد الموالي) كرامة للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما تسخير الأسد لسفينة [ (1) ]- أحد الموالي- كرامة للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج البيهقي وغيره من حديث أسامة بن زيد، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن المنكدر، عن سفينة- مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- قال: ركبت سفينة في البحر فانكسرت، فركبت لوحا منها فأخرجنى إلى أجمة [ (2) ] فيها أسد، إذ أقبل الأسد فلما رأيته قلت: يا أبا الحارث [ (3) ] ! أنا سفينة مولى رسول اللَّه، فأقبل نحوي حتى ضربني بمنكبه، ثم مشى معى حتى أقامنى على الطريق، ثم همهم [ (4) ] ساعة وضربني بذنبه، فرأيت أنه يودعنى [ (5) ] .   [ (1) ] مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبو عبد الرحمن، كان عبدا لأم سلمة رضي اللَّه تعالى عنها، فأعتقته، وشرطت عليه خدمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما عاش. روى له في (مسند بقي) أربعة عشر حديثا وحديثه مخرّج في الكتب سوى صحيح البخاري. وسفينة لقب له. واسمه مهران، وقيل: رومان، وقيل قيس. قيل: إنه حمل مرة متاع الرفاق، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ما أنت إلا سفينة» ، فلزمه ذلك. توفى بعد سنة سبعين، في زمن الحجاج. له ترجمة في: (طبقات خليفة) : ت 32، 117، (التاريخ الكبير) : 4/ 209، 7/ 427، (التاريخ الصغير) : 1/ 197، (المعارف) : 146- 147 (الجرح والتعديل) : 4/ 320، 8/ 300، (المستدرك) : 3/ 606، (الاستيعاب) 684- 685، ترجمة رقم (1135) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 225، (تاريخ الإسلام) : 2/ 484، (الإصابة) : 3/ 132، ترجمة رقم (3336) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 137، (المطالب العالية) : 4/ 125- 126، ترجمة رقم (4127) ، (تهذيب التهذيب) : 4/ 110، ترجمة رقم (212) ، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 172- 173، ترجمة رقم (29) . [ (2) ] الأجمة: المكان الّذي فيه شجر مجتمع كثير كثيف. [ (3) ] أبو الحارث: اسم من أسماء الأسد. [ (4) ] همهم: ردّد زئيره في صدره. [ (5) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 583- 584، قصة سفينة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (535) ، (حلية الأولياء) : 1/ 369، ترجمة سفينة أبو عبد الرحمن رقم (74) ، المطالب العالية: 4/ 125- 126، باب سفينة، حديث رقم (4127) ، (دلائل البيهقي) : 6/ 45، باب ما جاء في تسخير اللَّه عزّ وجلّ الأسد لسفينة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كرامة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما روى في معناه، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 ومن طريق عبد اللَّه بن وهب، عن أسامة بن زيد أن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو ابن عثمان حدثه عن محمد بن المنكدر، أن سفينة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ركبت البحر فانكسرت بى سفينتي التي كنت فيها، فركبت لوحا من ألواحها فطرحني اللوح إلى أجمة فيها الأسد، فدخلت فخرج إليّ الأسد فأقبل إليّ، فقلت: يا أبا الحارث: أنا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فطأطأ رأسه وأقبل إليّ يدفعني بمنكبيه، فأخرجنى من الأجمة، ووقفني على الطريق ثم همهم فظننت أنه يودعنى، فكان هذا آخر عهدي به [ (1) ] . وخرجه الحاكم به نحوه وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ (2) ] . ومن طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الحجبي، عن ابن المنكدر، أن سفينة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخطأ الجيش بأرض الروم أو أسر بأرض الروم، فانطلق هاربا يلتمس الجيش فإذا هو بالأسد! قال له: يا أبا الحارث، إني مولى رسول اللَّه، كان من أمرى كيت وكيت، فأقبل الأسد يبصبصه حتى قام إلى جنبه كلما سمع صوتا أهوى إليه ثم أقبل يمشى إلى جنبه، فلم يزل كذلك حتى بلغ الجيش ثم رجع الأسد [ (3) ] .   [ () ] (المستدرك) : 2/ 675- 676، كتاب تواريخ المتقدمين، من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4235/ 245) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 46 ذات الباب المذكور في التعليق السابق ونقله عنه ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 162- 163. [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 702، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6550/ 2148) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 46 ذات الباب المذكور في التعليق السابق ونقله عنه ابن كثير أيضا في (البداية والنهاية) : 6/ 163. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 [خامس وثمانون: احتمال سفينة ما ثقل من متاع القوم ببركته صلّى اللَّه عليه وسلّم] وظهرت في سفينة معجزة أخرى خرجها النسائي والحاكم [وصحح روايتها] من حديث سعيد بن [جمهان قال] : قلت لسفينة: ما اسمك؟ قال: ما أنا بمخبركم، ثم قال: سماني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سفينة، قلت: ولم سمّاك سفينة؟ قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ابسط كساءك، فبسطته، فجعلوا فيه متاعهم فحملوه عليّ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم احمل فإنما أنت سفينة، فلو حملت من يومئذ. وقر بعير، أو بعيرين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة، أو ستة، أو سبعة، ما ثقل عليّ [ (1) ] . [إلا أن يخفوا] [ (2) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 47، باب ما جاء في معجزة أخرى ظهرت له في مولاه سفينة، وبذلك سمّى سفينة، (المستدرك) : 3/ 701، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر سفينة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (6548/ 2146) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح، (حلية الأولياء) : 1/ 369) ترجمة سفينة أبو عبد الرحمن رقم (74) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة من كتب السيرة. وقال أبو تميلة يحى بن واضح، عن أبى طيبة عبد اللَّه بن مسلم، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فثقل على القوم بعض متاعهم، فجعلوا يطرحونه عليّ، فمرّ بى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أنت زاملة. والزاملة البعير الّذي يحمل عليه الطعام والمتاع. وقال حشرج بن نباتة، عن سعيد بن جمهان: سمعت سفينة يقول: ثقل على القوم متاعهم ... وذكر الحديث. (تاريخ الإسلام) : 2/ 484، باب في مزاحه ودماثة أخلاقه الزكية صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 [سادس وثمانون: إحياء شاة جابر بعد ما طبخت وأكلت] وأما إحياء شاة جابر بعد ما طبخت وأكلت، فقال الحافظ أبو نعيم: فان قلت إن عيسى عليه السلام كان يحى [الموتى بإذن] [ (1) ] اللَّه، فأعجب منه ما رفع اللَّه تعالى به شأن محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وجعله [ (2) ] آية بينة شهدها الجماعة الكثيرة على [ (3) ] إحياء شاة جابر بن عبد اللَّه، وما أحيا اللَّه لامرأة من الأنصار ابنها على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم آية عجيبة لنبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] . ثم ذكر من حديث أبى برّة [ (5) ] محمد بن أبى هاشم مولى بنى هاشم [بمكة] [ (1) ] قال: حدثنا أبو كعب البداح بن سهل الأنصاري، عن أبيه سهل بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه كعب بن مالك قال: أتى جابر بن عبد اللَّه النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلم عليه فرد عليه السلام، قال: جابر فرأيت وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متغيرا، وما أحسب وجه رسول اللَّه تغير إلا من الجوع [ (6) ] ، فأتيت منزلي فقلت للمرأة: ويحك! لقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلمت عليه فردّ عليّ السلام، فرأيت [ (7) ] وجهه متغيرا، وما أحسب وجه رسول اللَّه متغيرا إلا من الجوع، فهل عندك من شيء؟ فقالت: واللَّه ما لنا إلا هذا الداجن وفضلة من زاد نعلّل بها الصبيان. قال: فقلت لها هل لك أن نذبح هذا الداجن وتصنعين ما كان عندك ثم نحمله إلى رسول اللَّه؟ قالت: أفعل من ذلك ما أحببت، فذبحت الداجن وصنعت ما   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] في (المرجع السابق) : «وجعلت له آية ... » . [ (3) ] في (المرجع السابق) «في» . [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 616، فصل ما أوتى عيسى عليه السلام. [ (5) ] في (خ) : «برزة» وصوبناه من المرجع السابق. [ (6) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «من جوع» . [ (7) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «ووجهه متغيرا» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 كان عندها، وطحنت وخبزت، ثم ردنا في جفنة لنا، فوضعت الداجن ثم حملتها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوضعناها بين يديه، فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت: يا رسول اللَّه! أتيتك فسلمت عليك فرأيت وجهك متغيرا، فظننت أن وجهك لم يتغير إلا من الجوع، فذبحت داجنا كانت لنا، ثم حملتها إليك. قال: يا جابر، اذهب فاجمع لي قومك، قال: فأتيت أحياء العرب فلم أزل أجمعهم فأتيته بهم، ثم دخلت إليه فقلت: يا رسول اللَّه، هذه الأنصار قد اجتمعت، فقال: أدخلهم عليّ أرسالا، فأدخلتهم عليه أرسالا فكانوا يأكلون منها، فإذا شبع قوم خرجوا ودخل آخرون، حتى أكلوا جميعا، وفضل في الجفنة شبيه ما كان فيها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لهم: كلوا ولا تكسروا عظما. ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جمع العظام في وسط الجفنة، ووضع يده عليها، ثم تكلم بكلام لم أسمعه إلا أنى أرى شفتيه تتحركان، فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها، فقال لي: خذ شاتك يا جابر، بارك اللَّه لك فيها. فأخذتها ومضيت، وإنها لتنازعنى أذنها حتى أتيت بها البيت، فقالت لي المرآة: ما هذا يا جابر؟ قلت: واللَّه هذه شاتنا التي ذبحناها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، دعا اللَّه فأحياها لنا، قالت: أنا أشهد أنه رسول اللَّه، أنا أشهد أنه رسول اللَّه، أنا أشهد أنه رسول اللَّه، صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 616- 617، حديث رقم (560) ، وذكره السيوطي في (الخصائص الكبرى) : 2/ 283، وعزاه إلى أبى نعيم. وقال ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 325: قلت: وقد ذكرت في قصة سخلة جابر يوم الخندق وأكل الألف منها ومن قليل شعير ما تقدم، وقد أورد الحافظ محمد بن المنذر المعروف بيشكر في كتابه (الغرائب والعجائب) بسنده كما سبق أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جمع عظامها ثم دعا اللَّه تعالى فعادت كما كانت، فتركها في منزله. واللَّه تعالى أعلم. وقد أخرج البخاري في صحيحه قصة شاة جابر لكن بغير معجزة إحيائها. (فتح الباري) : 7/ 503، كتاب المغازي، باب (30) غزوة الخندق وهي الأحزاب، حديث رقم (4102) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 [سابع وثمانون: تسخير الطائر له صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما تسخير الطائر له، فخرج البيهقي من حديث حبان قال: حدثنا أبو سعيد البقال، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد الحاجة أبعد، قال: فذهب يوما فبعد تحت سمرة فنزع خفيه ولبس أحدهما، فجاء طائر فأخذ الخف الآخر فحلّق به في السماء، فانسلت منه أسود سالخ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذه كرامة أكرمنى اللَّه بها، اللَّهمّ إني أعوذ بك من شر ما يمشى على رجلين، ومن شر ما يمشى على أربع، ومن شر ما يمشى على بطنه [ (1) ] .   [ (1) ] ونقله ابن كثير عن البيهقي بسنده ولفظه في (البداية والنهاية) : 6/ 167 وعنوان له: حديث آخر في ذلك وفيه غرابة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 [ثامن وثمانون: كثرة غنم هند [بنت عتبة] [ (1) ] بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما كثرة غنم هند بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال أبو الوليد الواقدي: حدثني عبد اللَّه ابن يزيد عن أبى حصين الهذليّ قال: لما أسلمت هند بنت عتبة، أرسلت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بهدية وهو بالأبطح مع مولاة [ (2) ] لها، بجديين مرضوفين [ (3) ] وقد [ (4) ] ، فانتهت الجارية إلى خيمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فسلّمت واستأذنت فأذن لها، فدخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بين نسائه: أم سلمة [زوجته] [ (5) ] وميمونة، ونساء من نساء بنى عبد المطلب، فقالت: إن مولاتي أرسلت إليك بهذه الهدية، وهي معتذرة إليك وتقول: إن غنمنا اليوم قليلة الوالدة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بارك اللَّه لكم في غنمكم، وأكثر والدتها. فرجعت المولاة إلى هند فأخبرتها بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسرت بذلك، فكانت المولاة تقول: لقد رأينا من كثرة غنمنا ووالدتنا ما لم نكن نرى قبل ولا   [ (1) ] هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية، والدة معاوية بن أبى سفيان. أخبارها قبل الإسلام مشهورة، وشهدت أحدا، وفعلت بحمزة ما فعلت، ثم كانت تؤلب على المسلمين إلى أن جاء اللَّه تعالى بالفتح فأسلم زوجها، ثم أسلمت هي يوم الفتح. ومن طرق ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح مرسل عن الشعبي، وعن ميمون بن مهران، ففي رواية الشعبي لما سمعت قوله تعالى: وَلا يَزْنِينَ، قالت هند: وهل تزني الحرة، وعند قوله تعالى: وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ، قالت هند: أنت قتلتهم، وفي رواية نحوه، لكن قالت: وهل تركت لنا ولدا يوم بدر؟ وسؤالها عن أخذها من مال زوجها بغير إذنه ما يكفيها، وهل عليها فيه من حرج؟ مخرّج في الصحيحين، وفيه: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وولدك، وهو من رواية هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة، ترجمتها في: (الإصابة) : 8/ 2155 ترجمة رقم (11856) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 170، (الاستيعاب) : 4/ 1922- 1923، ترجمة رقم (4113) . [ (2) ] في (خ) : «مولاتها» وما أثبتناه من (مغازي الواقدي) . [ (3) ] المرضوف: الّذي يشوى على الرضف، والرضف الحجارة المحماة على النار. (النهاية) : 2/ 85. [ (4) ] القدّ: جلد السخلة. (القاموس المحيط) . [ (5) ] زيادة من (مغازي الواقدي) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 قريبا، فتقول هند: هذا دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبركته، فالحمد للَّه الّذي هدانا للإسلام، ثم تقول: لقد كنت أرى في النوم أنى في الشمس أبدا قائمة والظلّ منىّ قريب لا أقدر عليه، فلما دنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منا رأيت كأنى دخلت الظل [ (1) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 868- 869. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 [تاسع وثمانون: إحياء الحمار الّذي نفق] وأما الّذي أحيا اللَّه تعالى له حماره، فخرج البيهقي من حديث الحسن بن عرفة، حدثنا عبد اللَّه بن إدريس، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن أبى سبرة النخعي قال: أقبل رجل من أهل اليمن، فلما كان في بعض الطريق نفق حماره فقام فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قال: اللَّهمّ إني خرجت من الدثينة [ (1) ] مجاهدا في سبيلك [و] ابتغاء مرضاتك، وأشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور، لا تجعل لأحد عليّ اليوم منّة، أطلب إليك أن تبعث لي حماري، فقام الحمار ينفض أذنيه [ (2) ] . قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، ومثل هذا يكون كرامة لصاحب الشريعة، حيث يكون في أمته مثل هذا. وقد رواه محمد بن يحى الذهلي، وغيره، عن محمد ابن عبيد عن إسماعيل، عن الشعبي [ (2) ] . [وكأنه سمعه منهما] [ (3) ] . وخرجه من طريق أبى بكر بن أبى الدنيا قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، وأحمد بن بجير وغيرهما، قالوا: حدثنا [ (4) ] محمد بن عبيد عن إسماعيل بن أبى خالد، عن الشعبي، أن قوما أقبلوا من اليمن متطوعين في سبيل اللَّه، فنفق حمار رجل منهم، فأرادوه أن ينطلق معهم [فأبى] [ (3) ] ، قال: فقام فتوضأ وصلى وقال: اللَّهمّ إني جئت من الدثينة- أو قال- الدفينة- مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك، وإني أشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور، لا تجعل لأحد عليّ منّة، وإني أطلب إليك أن تبعث لي حماري، ثم قام إلى الحمار فضربه، فقام الحمار ينفض أذنيه، فأسرجه ثم ألجمه ثم ركبه، [فأجراه فلحق] [ (5) ] بأصحابه، فقالوا: ما شأنك؟   [ (1) ] كذا في (خ) ، (دلائل البيهقي) ، وفي (البداية والنهاية) : «الدفينة» . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 48، باب ما جاء في المجاهد في سبيل اللَّه الّذي بعث حماره بعد ما نفق. [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «أنبأنا» . [ (5) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 قال: شأنى [ (1) ] أن اللَّه بعث لي حماري [ (2) ] . قال الشعبي: فأنا رأيت الحمار بيع أو يباع بالكناسة [ (3) ] ، قال ابن أبى الدنيا: أخبرنى العباس بن هشام عن أبيه عن جده، عن مسلم [ (4) ] بن عبد اللَّه بن شريك النخعي، أن صاحب الحمار رجل من النخع يقال له: نباته بن يزيد، خرج في زمن عمر رضي اللَّه عنه غازيا، حتى إذا كان بسرّ [ (5) ] عميرة نفق حماره، فذكر القصة غير أنه قال: فباعه [بعد] [ (6) ] بالكناسة، فقيل له: تبيع حمارا أحياه اللَّه لك؟ قال: فكيف أصنع؟ فقال رجل من رهطه ثلاثة أبيات فحفظت هذا البيت: ومنّا الّذي أحيا الإله حماره ... وقد مات منه كل عضو ومفصل [ (7) ] وفي كتاب (الجمهرة لابن الكلبي) : وولد عامر بن سعد بن مالك بن النخع عوفا ومالكا والحارث وحزنا، منهم نباته بن يزيد الّذي أحيا اللَّه حماره في زمن عمر بن الخطاب وقد نفق بسنّ سميرة فأحياه اللَّه حتى غزا قزوين ثم رجع فباعه بعد بالكوفة [ (8) ] وذكر البكري أن سنّ سميرة بالقرب من عانات [ (9) ] .   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «قال: ما شأني» وما أثبتناه أجود للسياق، وهو حق اللغة. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 49، باب ما جاء في المجاهد في سبيل اللَّه الّذي يعث حماره حق بعد ما نفق. [ (3) ] الكناسة: موضع مشهور بالكوفة. [ (4) ] في (خ) : «سلمة» ، وصوبناه من (المرجع السابق) . [ (5) ] في (خ) : «ببئر» ، وصوبناه من (المرجع السابق) . [ (6) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (7) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 49، في ذات الباب، وعنه نقله ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 169، 170 باب حديث فيه كرامة لولىّ من هذه الأمة، ثم قال: وقد ذكرنا في باب رضاعه عليه السلام، ما كان من حمارة حليمة السعدية، وكيف كانت تسبق الركب في رجوعها لما ركب معها عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو رضيع، وقد كانت أدمت بالركب في مسيرهم إلى مكة، وكذلك ظهرت بركته عليه في شارفهم- وهي الناقة التي كانوا يحلبونها- وشياههم، وسمنهم، وكثرة ألبانها، صلوات اللَّه وسلامه. عليه. [ (8) ] (اللباب) : 2/ 306، قال: وقد فاته عامر بن سعد بن مالك بن النخع، بطن من النخع، ومنهم نباته بن يزيد الّذي أحيا اللَّه حماره ... [ (9) ] (معجم ما استعجم) : 2/ 761. قال كثيّر: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 [تسعون: إحياء اللَّه ولد المهاجرة بعد موته، وإجابة دعاء العلاء بن الحضرميّ [ (1) ]] وأما إحياء اللَّه ولد المهاجرة بعد موته، وإجابة دعاء العلاء بن الحضرميّ حتى سقى اللَّه المسلمين وقد عطشوا، وحتى جاز بهم البحر للقاء عدوهم، ومشي مسلم الخولانيّ على الماء تكرمة للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج البيهقي من طريق أبى أحمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا محمد بن طاهر بن أبى الدميك، حدثنا عبيد اللَّه بن عائشة، حدثنا صالح المري، حدثنا ثابت عن أنس قال: عدنا شابا من الأنصار وعنده أم له عجوز عمياء، قال فما برحنا أن فاض- يعنى مات- ومددنا على وجهه الثوب وقلنا لأمه: يا هذه، احتسبي مصابك عند اللَّه، قالت: أمات ابني؟ قلنا نعم. قالت: اللَّهمّ إن كنت تعلم أنى هاجرت إليك وإلى نبيك رجاء أن تعينني عند كل شديدة، فلا تحمل على هذه المصيبة اليوم. قال أنس، فو اللَّه ما برحت حتى   [ () ] خيل بعانات فسنّ سميرة ... له لا يردّ الذائدون نهالها وعانات: موضع من أرياف العراق، قال الخليل: مما يلي ناحية الجزيرة تنسب إليه الخمر الجيدة. (المرجع السابق) : 2/ 914. [ (1) ] هو العلاء بن الحضرميّ، وكان اسمه عبد اللَّه بن عماد [أو عباد أو هنماد] بن أكبر بن ربيعة بن مالك ابن عوين الحضرميّ، وكان عبد اللَّه الحضرميّ أبوه قد سكن مكة، وحالف حرب بن أمية والد أبى سفيان، وكان للعلاء عدة إخوة، منهم عمرو بن الحضرميّ، وهو أول قتيل من المشركين، وماله أول مال خمّس في المسلمين، وبسببه كانت وقعة بدر، واستعمل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم العلاء على البحرين، وأمّره أبو بكر، ثم عمر. مات سنة أربع عشرة، وقيل سنة إحدى وعشرين. روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وروى عنه من الصحابة السائب بن يزيد، وأبو هريرة، وكان يقال: أنه مجاب الدعوة، وخاض البحر بكلمات قالها، وذلك مشهور في كتب الفتوح. له ترجمة في: (الإصابة) : 4/ 541، ترجمة رقم (5646) ، (الاستيعاب) : 3/ 1085، ترجمة رقم (1841) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 227- 228، ترجمة رقم (313) ، (تهذيب التهذيب) ، 8/ 159 ترجمة رقم (320) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 كشف الثوب عن وجهه وطعم وطعمنا معه [ (1) ] . ومن طريق ابن أبى الدنيا قال: حدثنا خالد بن خداش بن عجلان المهلبي، وإسماعيل بن إبراهيم بن بسام قالا: حدثنا صالح المري عن ثابت البناني عن أنس ابن مالك قال: عدت شابا من الأنصار فما كان أسرع من أن مات فأغمضناه ومددنا عليه الثوب فقال بعضنا لأمه: احتسبيه، قالت: وقد مات؟ قلنا: نعم، قالت: أحق ما تقولون؟ قلنا نعم. فمدت يدها إلى السماء وقالت: اللَّهمّ إني آمنت بك وهاجرت إلى رسولك، فإذا نزلت بى شديدة دعوتك ففرجتها، فأسألك اللَّهمّ لا تحمل عليّ هذه المصيبة اليوم، قال: فكشف الثوب عن وجهه، فما برحنا حتى أكلنا، وأكل معنا [ (2) ] . قال البيهقي: صالح بن بشير المري من صالحي أهل البصرة وقصاصهم، تفرد بأحاديث مناكير عن ثابت وغيره [ (3) ] ، وقد روى هذا من وجه آخر مرسلا بين ابن عون وأنس بن مالك، فذكر حديث أبى حمزة إدريس بن يونس قال: حدثنا محمد ابن يزيد بن مسلمة، حدثنا عيس بن يونس، عن عبد اللَّه بن عون عن أنس قال: أدركت في هذه الأمة ثلاثا لو كان [ (4) ] مثلها في بنى إسرائيل [لما تقاسمتها الأمم] [ (4) ] ولكان عجبا، قلنا [ (5) ] ما هن يا أبا حمزة؟   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 50، باب ما جاء في المهاجرة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم التي أحياء اللَّه تعالى بدعائها ولدها بعد ما مات، وما جاء في الكرامات التي ظهرت على العلاء الحضرميّ وأصحابه، (دلائل أبي نعيم) : 2/ 617- 618 ، حديث رقم (561) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 50- 51، وفي (خ) : «خالد بن خداش» . [ (3) ] صالح بن بشير المري: بصرى، واعظ شهير، ضعفه ابن معين، والدار قطنى، والعقيلي، وابن حبان، وقال أحمد: هو صاحب قصص، ليس هو بصاحب حديث ولا بعرف الحديث، وقال الفلاس: منكر الحديث جدا، وقال النسائي: متروك. له ترجمة في: (التاريخ الكبير) : 4/ 273، ترجمة رقم (2782) ، (الضعفاء الكبير للعقيليّ) : 2/ 199، ترجمة رقم (723) ، (المجروحين) : 1/ 371، (الميزان) : 2/ 289، ترجمة رقم (3773) . [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «كانوا» . [ (5) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «قلن» ، وما أثبتناه أجود للسياق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 قال: كنا في الصفة عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ، فأضاف المرأة إلى النساء وأضاف ابنها إلينا، فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة، فمرض أياما ثم قبض، فغمّضه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمر بجهازه، فلما أردنا أن نغسّله قال: يا أنس، ائت أمّه فأعلمها، قال: فأعلمتها، فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت بهما ثم قالت اللَّهمّ إني أسلمت لك طوعا، وخلعت الأوثان زهدا، وهاجرت إليك رغبة، اللَّهمّ لا تشمت بى عبدة الأوثان، ولا تحملني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحملها. قال: فو اللَّه [ما انقضى] [ (1) ] كلامها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه، وعاش حتى قبض اللَّه رسوله وحتى هلكت أمه، ثم [قال:] [ (2) ] جهز عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يعنى جيشا- واستعمل عليه العلاء بن الحضرميّ. قال: وكنت في غزاته فأتينا مفازة [ (3) ] فوجدنا القوم قد نذروا بنا فعفوا آثار الماء، قال: والحرّ شديد فجهدنا [العطش] [ (2) ] ودوابّنا، وذلك يوم الجمعة [قال:] [ (2) ] [فلما مالت] [ (2) ] الشمس لقرنها [ (4) ] صلى بنا ركعتين ثم مد يده وما نرى في السماء شيئا، قال: فو اللَّه ما حط يده حتى بعث اللَّه ريحا وأنشأ سحابا. فأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب، فشربنا، وسقينا واستقينا، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجا في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال: يا عليّ يا عظيم [يا حليم] [ (2) ] يا كريم، ثم قال: أجيزوا بسم اللَّه. قال: فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فأصبنا العدوّ غيلة، فقتلنا، وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج، فقال مثل مقالته، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا. فلم يلبث إلا يسيرا حتى رئي في دفنه، فحفرنا له وغسّلناه ودفنّاه. فجاء رجل يعدو [بعد] فراغنا من دفنه فقال: من هذا؟ فقلنا: هذا خير البشر.   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «ما تقضّى» . [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «مغازينا» . [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «لغربها» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 هذا ابن الحضرميّ، فقال: إن هذه الأرض تلفظ الموتى، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين إلى أرض تقبل الموتى، فقلنا: ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله؟ قال: فاجتمعنا على نبشه، فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه. وإذا اللحد مدّ البصر نورا [ (1) ] يتلألأ، فأعدنا التراب إلى القبر ثم ارتحلنا. قال البيهقي: وقد روى عن أبى هريرة في قصة العلاء بن الحضرميّ واستسقائه ومشيهم على الماء، دون قصة الموت بنحو من هذا، وقال في الدعاء: يا عليم يا حليم يا عظيم يا على، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك، فاسقنا غيثا نشرب منه ونتوضأ، وإذا تركناه فلا تجعل لأحد فيه نصيبا غيرنا. وقال في البحر: فاجعل لنا سبيلا إلى عدوك. وقال في الموت: أخف جثتي ولا تطلع على عورتي أحد فلم يقدر عليه [ (2) ] . وخرج أيضا من حديث ابن نمير عن الأعمش، عن بعض أصحابه قال: انتهينا إلى دجلة، وهي مادّة والأعاجم خلفها، فقال رجل من المسلمين: بسم اللَّه، ثم اقتحم فرسه فاندفع على الماء، فقال الناس: بسم اللَّه، ثم اقتحموا فارتفعوا على الماء، فلما ظهر إليهم الأعاجم قالوا: ديوان ديوان، ثم ذهبوا على وجوههم، فما فقدوا إلا قدحا كان معلقا بعذبة سرج، فلما خرجوا أصابوا الغنائم فاقتسموها، فجعل الرجل يقول: من يبادل صفراء بيضاء؟ [ (3) ] .   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق «نور» ، وما أثبتناه أجود للسياق فهو حق اللغة. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 53. [ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 53- 54، ثم قال البيهقي: قلت: كل هذا يرجع إلى إكرام اللَّه تعالى نبيه وإعزازه دينه الّذي بعث به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتصديقه ما وعده من إظهاره وإظهار شريعته. وعن البيهقي ذكر ابن كثير قصة العلاء بن الحضرميّ في (البداية والنهاية) : 6/ 171- 172، وذكرها أبو نعيم في (الحلية) : 1/ 807، وذكر أيضا في (دلائل النبوة) : 2/ 573، الفصل التاسع والعشرون: ما جرى على يدي أصحابه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعده، كعبور العلاء بن الحضرميّ وجيش سعد على البحر، وما جرى على يد خالد في أيام أبى بكر، ونوحة الجن، وغيره، حديث رقم (521) . قال محققا (دلائل النبوة لأبى نعيم) : هذا الفصل يتحدث لنا عن الأمور الخارقة لقوانين الطبيعة التي حصلت لبعض أصحاب نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد وفاته، والخوارق على خمسة أنواع: أ- فإن ظهرت لرسول قبل بعثته سميت إرهاصا، أي تأسيسا للرسالة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 وقال سيف بن عمر عن الصعب بن عطية بن بلال، عن سهم بن منجاب، عن منجاب بن راشد، قال: بعث أبو بكر رضي اللَّه عنه العلاء بن الحضرميّ على قتال أهل الردة بالبحرين، فذكره إلى أن قال: وخرج مع العلاء سعد والرباب مثل عسكره، وسلك بنا الدّهناء حتى إذا كنا في بحبوحتها [والحنّانات والعزافات] [ (1) ] ، أرادا اللَّه عزّ وجل أن يرينا آية [ (2) ] ، نزل وأمر الناس بالنزول فنفرت الإبل في جوف الليل، فما بقي عندنا بعير ولا ناد ولا مزاد، ولا بناء إلا ذهب عليها في عرض الرمل، وذلك حين نزول الناس وقبل أن يحطوا، فما علمت جمعا هجم عليهم من الهم والغم ما هجم علينا، وأوصى بعضنا إلى بعض، ونادى منادى العلاء: اجتمعوا، فاجتمعنا إليه فقال: ما هذا الّذي قد ظهر فيكم وغلب عليكم؟ فقال الناس [وكيف] [ (1) ] نلام ونحن غدا لم تحم شمسه [ (3) ] حتى نصير حديثا؟ فقال: أيها الناس! لا تراعوا، ألستم [ (4) ] مسلمين؟ ألستم في سبيل اللَّه؟ ألستم أنصار اللَّه قالوا: [بلى] ، قال: فأبشروا، فو اللَّه لا يخذل اللَّه من كان [في] [ (1) ]   [ () ] ب- وإن ظهرت لرسول بعد بعثته سميت معجزة. ج- وإن ظهرت لمؤمن ظاهر الصلاح ولم يدّع النبوة سمّيت كرامة، وهذا ما يسمى ب «كرامات الأولياء» ، وإنما قلنا: «ظاهر الصلاح» لأن العصمة لا تكون إلا للأنبياء، والأولياء يخطئون، لكنهم سرعان ما يهرعون إلى التوبة، والمذكور في هذا الفصل كله كرامات لأولئك الصفوة الأخيار من أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإن كنا نؤمن بوجود الكرامة إلا أننا نلحّ في إثبات صحتها بالسند الصحيح، لأن الخرافة قد شاعت وانتشرت، فيجب تمييز الكرامة عنها بالنقل الصحيح. ج- وإن ظهرت الخوارق لمن ظاهره الفسق كان استدراجا، حيث يملى اللَّه تعالى له، فيتمادى في غيّه، حتى إذا أخذه اللَّه كان أخذه له شديدا، [قال تعالى: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ* وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم 44- 45] . هـ- وإن ظهرت الأمور الخارقة على يد رجل على نقيض ما يريد، كمن تفل في عين أرمد ليبرئها فاعوّرت العين، كانت إخزاء وتبكيتا. وذكرها الذهبي في (تاريخ الإسلام) : 3/ 235- 236، في ترجمة العلاء بن الحضرميّ. [ (1) ] زيادة للسياق من (تاريخ الطبري) . [ (2) ] في (خ) : «إبانة» وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (3) ] في (خ) : «شمسها» وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (4) ] في (خ) : «السنا» وما أثبتناه من (المرجع السابق) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 مثل حالكم ونادى المنادي بصلاة الصبح حين طلع الفجر، [فصلى] [ (1) ] بنا- ومنا المتيممون [ (2) ] ومنا من لم يزل على طهوره- فلما قضى صلاته جثا لركبتيه وجثا الناس، فنصب في الدعاء [ (3) ] ، ونصبوا معه، فلمع [لهم] [ (1) ] سراب [مع] [ (4) ] الشمس، فالتفت إلى الصف فقال: رائد ينظر ما هذا؟ ففعل ثم رجع [فقال سراب] [ (5) ] ، فأقبل على الدعاء، ثم لمع لهم آخر فكذلك، ثم لمع لهم آخر، فقال: ماء، فقام وقام الناس، فمشينا إليه حتى نزلنا عليه، فشربنا واغتسلنا، فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل تكرد [ (6) ] من كل وجه، فأناخت إلينا، فقام رجل إلى ظهره [فأخذه] [ (7) ] ، فما فقدنا سلكا [ (8) ] فأرويناها وأسقيناها العلل بعد النّهل، وتروينا ثم تروحنا. وكان أبو هريرة رضي اللَّه عنه رفيقي، فلما غبنا عن ذلك المكان قال لي: كيف علمك بموضع ذلك الماء؟ فقلت: أنا من أهدى العرب بهذه البلاد، قال: فكرّ معى حتى يقيمنى عليه، قال فكررت به، فأتيت [به] [ (7) ] على ذلك المكان [بعينه، فإذا هو لا غدير به، ولا أثر للماء، فقلت له] [ (9) ] : واللَّه لولا الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان، وما رأيت بهذا المكان ماء ناقعا قبل اليوم، وإذا إداوة مملوءة، فقال: يا أبا سهم! هذا واللَّه [ذلك] [ (10) ] المكان، ولهذا رجعت ورجعت بك، ملأت إداوتي ثم وضعتها على شفيره، فقلت: إن كان منا من المنّ وكانت آية عرفتها، وإن كان غياثا عرفته، فإذا من من المنّ فحمد اللَّه ثم سرنا حتى ننزل هجر، فذكر سيف الخبر إلى أن قال: وندب الناس إلى   [ (1) ] زيادة للسياق من (تاريخ الطبري) . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «المتيمم» . [ (3) ] نصب في الدعاء: إذا تعب فيه واجتهد، قال تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ [الشرح: 7] . [ (4) ] زيادة في (خ) . [ (5) ] زيادة للسياق من (تاريخ الطبري) . [ (6) ] الكرد: الطرد. [ (7) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (8) ] السلك: جمع سلكة وهو الخيط الّذي يخاط به الثوب. [ (9) ] ما بين الحاصرتين سقط في (خ) ، واستدركناه من (المرجع السابق) . [ (10) ] زيادة من (خ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 دارين. ثم جمعهم فخطبهم وقال: إن اللَّه عزّ وجلّ قد جمع لكم أحزاب الشياطين وشرّد الحرب في هذا البحر، وقد أراكم من آياته في البر لتعتبروا بها في البحر، فانهضوا إلى عدوكم، ثم استعرضوا البحر اليهم، فإن اللَّه عز وجلّ قد جمعهم فقالوا: نفعل ولا نهاب واللَّه بعد الدّهناء هؤلاء ما بقينا، فارتحل وارتحلوا حتى إذا أتى ساحل البحر اقتحموه على الصاهل [ (1) ] والجامل [ (2) ] ، والشاحج [ (3) ] والناهق، والراكب والراجل، ودعا ودعوا، وكان دعاؤه ودعاؤهم: يا أرحم الراحمين يا كريم يا حليم، يا أحد يا [صمد] [ (4) ] يا حىّ يا محيي الموتى، يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت يا ربّنا، [فأجازوا ذلك] [ (4) ] الخليج بإذن اللَّه جميعا، يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء [يغمر] [ (4) ] أخفاف الإبل، وإنما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن [ (5) ] البحر في بعض الحالات، فالتقوا بها فاقتتلوا [قتالا شديدا] [ (4) ] فما تركوا بها مخبرا [ (6) ] وسبوا الذراري واستاقوا الأموال، فبلغ نفل الفارس ستة آلاف، والراجل، ألفين قطعوا ليلهم [ (7) ] ، وساروا يومهم، فلما فرغوا رجعوا عودهم على بدئهم حتى عبروا، وقال في ذلك [ (8) ] عفيف بن المنذر: ألم تر أن اللَّه ذلّل بحرة ... وأنزل بالكفّار إحدى الجلائل دعونا الّذي شقّ البحار فجاءنا ... بأعجب من فلق البحار الأوائل قال: وكان مع المسلمين راهب في هجر فأسلّم يومئذ [ (9) ] ، فقيل [له] [ (10) ] :   [ (1) ] الصاهل: الفرس، والصهيل صوته. [ (2) ] الجامل: القطيع من الإبل. [ (3) ] الشاحج: البغل، والشحيح صوته. [ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (5) ] في (خ) : «بسقن» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (6) ] مخبرا، أي أحدا يخبر بما كان، يريد أنهم استأصلوهم. [ (7) ] في (خ) : «إليهم» ، وصوبناه من (المرجع السابق) . [ (8) ] في (خ) : «إليهم» ، وصوبناه من (المرجع السابق) . [ (9) ] في (خ) : «أياسئذ» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (10) ] زيادة من (خ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 ما دعاك إلى الإسلام؟ قال: ثلاثة أشياء، خشيت أن يمسخنى اللَّه بعدها إن أنا لم أفعل: فيض في الرمال، وتمهيد أثياج البحار، ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء من السّحر، قالوا وما هو؟ قال: اللَّهمّ أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك، والبديع ليس قبلك شيء، والدائم غير الغافل، والحىّ الّذي لا يموت، خالق ما يرى وما لا يرى، وكل يوم أنت في شأن، وعلمت اللَّهمّ كلّ شيء بغير تعليم، فعلمت أن القوم لم يغاثوا [ (1) ] بالملائكة إلا وهم على أمر اللَّه، فلقد كان أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسمعون من ذلك الهجريّ بعد. وكتب العلاء إلى أبى بكر رضى اللَّه عنه: أما بعد، فإن اللَّه عز وجل فجّر لنا الدّهناء فيضا لا ترى غواربه، وأرانا آية وعبرة بعد غمّ وكرب، لنحمد اللَّه ونحمده، فادع اللَّه واستنصره لجنوده وأعوان دينه، فحمد [أبو بكر] [ (2) ] اللَّه ودعاه وقال: ما زالت العرب [فيما] [ (2) ] تحدث عن بلدانها، يقولون: إن لقمان حين سئل عن الدّهناء: أيحتفرونها أو يدعونها؟ نهاهم وقال: لا تبلغها الأرشية، ولم تقر العيون، وقال: إن شأن هذا الفيض من عظيم الآيات، وما سمعنا به في أمة قبلنا، اللَّهمّ اخلف محمدا فينا [ (3) ] ، فلما عبر العلاء البحر إلى دارين [ (4) ] كتب إليه:   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق: «لم يعانوا» . [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] (تاريخ الطبري) : 3/ 301 وما بعدها، من أحداث سنة (11 هـ) ، ذكر خبر أهل البحرين، وردّة الحطم، ومن تجمع معه بالبحرين، وقال فيه بعد قول أبى بكر: اللَّهمّ اخلف محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم فينا: ثم كتب إليه العلاء بهزيمة أهل الخندق، وقتل الحطم، قتله زيد ومعمر: أما بعد، فإن اللَّه تبارك اسمه سلب عدوّنا عقولهم، وأذهب ريحهم بشراب أصابوه من النهار، فاقتحمنا عليهم خندقهم، فوجدناهم سكارى، فقتلناهم إلا الشريد، وقد قتل اللَّه الحطم. فكتب إليه أبو بكر: أما بعد، فإن بلغك عن بنى شيمان بن ثعلبة تمام على ما بلغك، وخاض فيه المرجفون، فابعث إليهم جندا فأوطئهم، وشرّد بهم من خلفهم، فلم يجتمعوا، ولم يصر ذلك من إرجافهم شيء. (المرجع السابق) 3/ 313، (الكامل في التاريخ) : 2/ 368- 372، ذكر ردّة، أهل البحرين. [ (4) ] دارين: فرضة بالبحرين تجلب إليها المسك من الهند، والنسبة إليها: داريّ. قال الفرزدق. كأن تريكة من ماء مزن ... ودارىّ الزكىّ من المدام وفي كتاب سيف: أن المسلمين اقتحموا إلى دارين البحر مع العلاء بن الحضرميّ فأجازوا ذلك الخليج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 أما بعد، فإن اللَّه عزّ وجلّ حفظ محمدا فيمن لزم عهده، وقام على أمره، وكفاهم فقده، وأحسن عليهم الخلافة من بعده، فكنا فيمن حفظ منه، ومنا كمن كان معه نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيمن قبلنا، وانتهينا إلى البحر فتوكلنا على اللَّه فركبناه، فمهّد لنا أثباجه، وأرانا آياته، فعبرنا إلى عدونا بدارين، فلم ندع مقاتلا إلا قتلناه، وسبينا الذراري والنساء، وقسمنا ذلك على المسلمين، فبلغ سهم الفارس ستة آلاف والراجل ألفين، سوى ما نفلت من الأخماس أهل البلاد، وبعث إليه بالخمس. قال كاتبه: تأمل كتاب العلاء بن الحضرميّ إلى أبى بكر رضي اللَّه عنهما تجده قد عدّ عبورهم إلى البحر معجزة، وعلما من أعلام نبوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتصديقه ما وعده من إظهاره وإظهار شريعيه [ (1) ] . وخرج من حديث أبى العباس السراج، حدثنا الفضل بن سهل وهارون بن عبد اللَّه قالا: حدثنا أبو النضر، حدثنا سليمان بن المغيرة أن أبا مسلم الخولانيّ رحمه اللَّه، جاء إلى الدجلة وهي ترمى الخشب من مدها، فمش على الماء والتفت إلى أصحابه وقال: هل تفقدون من متاعكم شيئا فندعوا اللَّه؟ قال البيهقي: هذا إسناد صحيح [ (1) ] .   [ () ] بإذن اللَّه جميعا يمشون على رملة ميثاء فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل ... ثم قال ياقوت الحموي: وهذه صنفة أوال، أشهر مدن البحرين اليوم، ولعل اسمها أول ودارين، واللَّه أعلم، فتحت في أيام أبى بكر رضي اللَّه تعالى عنه سنة (12 هـ) . (معجم البلدان) : 2/ 492، موضع رقم (4658) ، وقال في هامشه: قال محمد بن عبد المنعم الحميري في كتاب (الروض المعطار) : 230: دارين: وبعضهم يقول دارون، قرية في بلاد فارس على شاطئ البحر، فيقال مسك دارين وطيب دارين، وليس بدارين، طيب. قال الأصمعي: سأل كسرى عن هذه القرية من بناها. فقالوا: دارين، أي عتيقة بالفارسية، وقيل: بل كسرى قال: دارين لما لم يدر أوليتها. [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 54، وعنه نقلها ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 173. والعبارة السابقة على هذا الخبر من كلام المقريزي رحمه اللَّه، ولعله اقتبسها من كلام البيهقي، حيث قال في ذات الموضع: قلت: كل هذا يرجع إلى إكرام اللَّه تعالى نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإعزازه دينه الّذي بعث به رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم وتصديقه ما وعده من إظهاره وإظهار شريعته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 [حادي وتسعون: شهادة الميّت للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة] وأما شهادة الميت للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة، فخرج البيهقيّ وغيره من حديث القعنبيّ، قال: حدثنا سليمان بن بلال عن يحى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن زيد بن خارجة الأنصاري، من بنى الحارث بن الخزرج، توفى زمن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه فسجى في ثوبه [ (1) ] ، ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الصديق الضعيف في نفسه القوى في أمر اللَّه في الكتاب الأول، صدق صدق عمر بن الخطاب القول الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان بن عفان على منهاجهم، مضت أربع وبقيت اثنتان، أتت الفتن، وأكل الشديد الضعيف، وقامت الساعة وسيأتيكم من جيشكم خبر بئر أريس [ (2) ] ، وما بئر أريس [ (3) ] .   [ (1) ] في (خ) : «بقوبه» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] بئر أريس: يفتح الهمزة، وكسر الراء، وسكون الياء آخر الحروف، وسين مهملة: بئر بالمدينة، ثم بقباء مقابل مسجدها، قال أحمد بن يحى بن جابر: نسبت إلى أريس رجل من المدينة من اليهود، عليها مال لعثمان بن عفان رضى اللَّه عنه، وفيها سقط خاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من يد عثمان، في السنة السادسة من خلافته، واجتهد في استخراجه بكل ما وجد إليه سبيلا، فلم يوجد إلى هذه الغاية، فاستدلوا بعد به على حادث في الإسلام عظيم، وقالوا: إن عثمان لما مال عن سيرة من كان قبله، كان أول ما عوقب به ذهاب خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من يده، وقد كان قبله في يد أبى بكر، ثم يد عمر، ثم في يد عثمان. وقصة خاتم عثمان مذكورة في (صحيح مسلّم) كتاب اللباس والزينة، باب لبس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خاتما من ورق، من حديث ابن عمر، وسيأتي ذلك في موضعه مفصلا إن شاء اللَّه تعالى. ولبئر أريس أيضا من الفضل أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يضع رجليه فيها، ويتوضأ منها، وعندها بشّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان بالجنة، رضي اللَّه عنهم أجمعين، كما ورد ذلك في (صحيح البخاري) ، وسيأتي ذلك في موضعه مفصلا إن شاء اللَّه تعالى. والأريس في لغة أهل الشام: الفلّاح، وهو الأكار، وجمعه أريسيون، وأرارسة وأرارس، في الأصل جمع أرّيس بتشديد الراء، وأظنها لغة عبرانية، وأحسب أن الرئيس مقدم القرية تعريبه، وفي كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى هرقل عظيم الروم: «وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين» . (معجم البلدان) : 1/ 354، موضع رقم (1209) ، (المصباح المضيء) : 2/ 74 [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 55، باب ما جاء في شهادة الميت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة والقائمين بعده بالخلافة، والرواية في ذلك صحيحه ثابتة، وفي ذلك دلالة ظاهرة من دلالات النبوة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 قال يحى: قال سعيد: ثم هلك رجل من بنى خطمة فسجّى بثوبه، فسمع جلجله في صدره ثم تكلم فقال: إن أخا بنى الحارث بن الخزرج صدق صدق [ (1) ] . قال البيهقي: وهذا صحيح وله شواهد، فذكر من طريق أبى بكر بن أبى الدنيا قال: حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، حدثنا عبد اللَّه بن إدريس، عن إسماعيل بن أبى خالد قال: جاءنا يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم بن عبد الرحمن [بكتاب أبيه] [ (2) ] النعمان بن بشير: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من النعمان بن بشير إلى أم عبد اللَّه بنت أبى هاشم، سلام عليك فإنّي أحمد إليك اللَّه الّذي لا إله إلا هو، فإنك كتبت إلى لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة، وأنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه، وهو يومئذ من أصحّ أهل المدينة، فتوفى بين صلاة الأولى وصلاة العصر، فأضجعناه لظهره وغشّيناه بردين وكساء، فأتانى آت في مقامي وأنا أسبّح بعد العصر فقال: إن زيدا تكلم بعد وفاته، فانصرفت إليه مسروعا وقد حضره قوم من الأنصار وهو يقول- أو يقال على لسانه-: الأوسط أجلد القوم الّذي كان لا يبالي في اللَّه عز وجل لومة لائم، كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، عبد اللَّه أمير المؤمنين صدق صدق، كان ذلك في الكتاب الأول، قال: ثم قال: عثمان أمير المؤمنين وهو يعافى الناس من ذنوب كثيرة، خلت ليلتان وبقي [ (3) ] أربع، ثم اختلف الناس وأكل بعضهم بعضا فلا نظام، وأبيحت الأحماء ثم ارعوى المؤمنون وقالوا: كتاب اللَّه وقدرة الناس، أقبلوا على أميركم واسمعوا وأطيعوا، فمن تولى فلا يعهدنّ [ذما] [ (4) ] ، وكان أمر اللَّه   [ (1) ] (المرجع السابق) . والخبر نقله ابن كثير عن البيهقي في (البداية والنهاية) : 6/ 173، قصة زيد ابن خارجة وكلامه بعد الموت وشهادته بالرسالة لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبالخلافة لأبى بكر الصديق، ثم لعمر، ثم لعثمان رضي اللَّه تعالى عنهم. [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «وهي أربع» . [ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 قدرا مقدورا، اللَّه أكبر، هذه الجنة وهذه النار، وهؤلاء النبيون والصديقون، سلام عليكم يا عبد اللَّه ابن رواحة، هل احتسبت [ (1) ] لي خارجة لأبيه؟ وسعدا للذين قتلا يوم أحد، كَلَّا إِنَّها لَظى * نَزَّاعَةً لِلشَّوى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى* وَجَمَعَ فَأَوْعى. ثم خفض صوته فسألت الرهط عما سبقني من كلامه فقالوا: سمعناه يقول: أنصتوا أنصتوا، فنظر بعضنا إلى بعض فإذا الصوت من تحت الثياب، فكشفنا عن وجهه فقال: هذا أحمد رسول اللَّه، سلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، ثم قال: أبو بكر الصدّيق الأمين خليفة رسول اللَّه، كان ضعيفا في جسمه، قويا في أمر اللَّه، صدق صدق، وكان في الكتاب الأول [ (2) ] . وذكر من حديث المعافى بن سليمان قال: حدثنا زهير بن معاوية قال: أخبرنا [ (3) ] إسماعيل بن أبى خالد ... ، فذكره بإسناده ومعناه، وزاد في وسط الحديث: وكان ذلك على تمام سنتين خلتا من إمارة عثمان، وقال في آخره: فأما قوله: خلت ليلتان وبقي أربع، فالسنتان: اللتان خلتا من إمارة عثمان، قال: فلم أزل أحفظ العدة للأربع البواقي وأتوقع ما هو كائن فيهن، فكان فيهن انتزاء أهل العراق وخلافهم، وإرجاف المرجفين وطعنهم على أميرهم الوليد بن عقبة، والسلام ورحمة اللَّه [ (4) ] . قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، وروى أيضا عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير، وذكر فيه بئر أريس، كما ذكر في رواية ابن المسيب، قال: والأمر فيها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما وكان في يده، ثم كان في يد أبى بكر رضي اللَّه عنه من بعده، ثم كان في يد عمر رضي اللَّه عنه، ثم كان في يد عثمان رضي اللَّه عنه حتى وقع في بئر أريس بعد ما مضى من خلافته ست سنين، فعند ذلك تغيرت   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «أحسست» . [ (2) ] (المرجع السابق) : 6/ 56- 57. [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (المرجع السابق) : «أنبأنا» . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 57. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 عماله، وظهرت الفتن كما قيل على لسان زيد بن خارجة [ (1) ] . قال البخاري في كتاب التاريخ: زيد بن خارجة الخزرجي الأنصاري، شهد بدرا، توفى في زمن عثمان، هو الّذي تكلم بعد الموت [ (2) ] . قال البيهقي: وقد روى في التكلم بعد الموت عن جماعة بأسانيد صحيحة، فذكر من طريق ابن أبى الدنيا قال: حدثنا خلف بن هشام البزار، حدثنا خالد الطحان، عن حصين عن عبد اللَّه بن عبيد الأنصاري، أن رجلا من قتلى مسيلمة تكلم فقال: محمد رسول اللَّه، أبو بكر الصديق، عثمان الأمين الرحيم، لا أدرى أيش قال لعمر [ (3) ] . ومن حديث على بن عاصم قال: أخبرنا حصين [بن عبد الرحمن] [ (4) ] بن عبد اللَّه بن عبيد الأنصاري قال: بينما هم يصورون القتلى يوم صفين أو يوم الجمل، تكلم رجل من الأنصار من القتلى فقال: محمد رسول اللَّه، أبو بكر الصديق، عمر الشهيد، عثمان الرحيم، ثم سكت [ (5) ] . قال البيهقي: خالد الطحان أحفظ من على بن عاصم وأوثق. واللَّه أعلم [ (5) ] . قال كاتبه: وقد صنّف أبو بكر بن أبى الدنيا كتابا فيمن عاش بعد الموت.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 57. [ (2) ] (المرجع السابق) ، (التاريخ الكبير) : 3/ 383، ترجمة رقم (1281) ، ونقله ابن كثير عن البيهقي في (البداية والنهاية) : 6/ 173. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 58. [ (4) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 58، ونقله ابن كثير عن البيهقي في (البداية والنهاية) : 6/ 175. وأما زيد بن خارجة: فهو زيد بن خاجة بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري، شهد بدرا، وتوفى في زمن عثمان، وهو الّذي يقال أنه تكلم بعد الموت، وأبوه من شهداء أحد، وكان أبو بكر تزوج أخته، فولدت له أم كلثوم، وكذا ذكره في البدريين وأنه المتكلم بعد الموت: ابن سعد، وابن أبى حاتم، والترمذي، ويعقوب بن سفيان، والبغوي، والطبري، وأبو نعيم، وغيرهم. له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 3/ 353- 354، ترجمة رقم (747) ، (الإصابة) 2/ 223، ترجمة والده خارجة بن زيد رقم (2138) ، 603 ترجمة رقم (2896) ، 3/ 53، ترجمة أخيه سعد بن خارجة رقم (3145) (أسماء الصحابة الرواة) : الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 [ثانى وتسعون: شهادة الرضيع والأبكم برسالة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما شهادة الرضيع والأبكم برسالة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج البيهقي من حديث محمد بن يونس الكديمي [ (1) ] قال: حدثنا شاصونة بن عبيد أبو محمد اليماني، وانصرفنا من عدن بقرية يقال لها الحردة، قال: حدثني معرّض بن عبد اللَّه بن معرّض بن معيقيب اليماني، عن أبيه عن جده قال: حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة، فرأيت فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ووجهه مثل دارة القمر، وسمعت منه عجبا: جاءه رجل بغلام يوم ولد، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا غلام! من أنا؟ قال: رسول اللَّه، قال: صدقت بارك اللَّه فيك، قال: ثم إن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شبّ، قال: قال أبي: فكنا نسميه مبارك اليمامة، قال شاصونة بن عبيد: وكنت قد أمرّ على معمر فلا أسمع منه [ (2) ] . ومن حديث أبى الحسين محمد بن أحمد بن جميع الغساني [بثغر صيدا] [ (3) ] قال: حدثنا العباس بن محبوب بن عثمان بن عبيد أبو الفضل، حدثنا أبى حدثنا جدي شاصونة بن عبيد قال: حدثني معرّض بن عبد اللَّه بن معيقيب عن أبيه عن جده قال: حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة، فرأيت فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (441،) ] ترجمة رقم (767) ، (الثقات) : 3/ 140، (التاريخ الكبير) : 3/ 383، ترجمة رقم (1281) ، (الاستيعاب) : 2/ 547، ترجمة رقم (844) ، (مسند أحمد) : 1/ 327، حديث رقم (1716) ، (جمهرة أنساب العرب) 3640، (الكامل في التاريخ) : 3/ 199 ذكر خلافة عثمان، (تاريخ الإسلام) : 3/ 340- 341. [ (1) ] محمد بن يونس الكديمي أحد المتروكين، كان يضع الحديث على الثقات وضعا، ولعله وضع أكثر من ألف حديث. وسئل عنه الدار قطنى فقال: يتهم بوضع الحديث، وأورد له في (الميزان) عددا من منكراته، وذكره ابن عراق في (الوضاعين) عن ابن عدي وابن حبان. (المجروحين) : 2/ 312- 313، (ميزان الاعتدال) : 4/ 74. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 59، باب شهادة الرضيع والأبكم لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة إن صحت فيه الرواية. [ (3) ] زيادة للسياق من المرجع السابق، وفيه: «أنبأنا العباس» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 وجهه كدارة القمر، فسمعت منه عجبا: أتاه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد وقد لفّه في خرقة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا غلام! من أنا؟ فقال: أنت رسول اللَّه، فقال له: بارك اللَّه فيك، ثم إن الغلام لم يتكلم بعدها [ (1) ] . قال البيهقي: ورواه أبو الفضل أحمد بن خلف بن محمد المقرئ القزويني، عن أبى الفضل العباس بن محبوب بن شاصونة، قال: ولهذا الحديث أصل من حديث الكوفيين بإسناد مرسل بخلافه في وقت الكلام، فذكر من حديث إبراهيم بن عبد اللَّه العبسيّ قال: أخبرنا [ (2) ] وكيع بن الجراح عن الأعمش عن شمر بن عطية، عن بعض أشياخه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى بصبىّ قد شبّ لم يتكلم قط، فقال: من أنا؟ قال: أنت رسول اللَّه [ (3) ] . ومن حديث يونس بن بكير عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن بعض أشياخه قال: جاءت امرأة بابن لها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد تحرك، فقالت: يا رسول اللَّه! إن ابني هذا لم يتكلم منذ ولد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادنيه، فأدنته منه، فقال: من أنا؟ فقال: أنت رسول اللَّه [ (4) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 60، وعنه نقله ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 175- 176 باب في كلام الأموات وعجائبهم، وقال: هذا الحديث مما تكلم الناس في محمد بن يونس الكديمي بسببه، وأنكروه عليه، واستغربوا شيخه هذا، وليس هذا مما ينكر عقلا ولا شرعا، فقد ثبت في الصحيح في قصة جريج العابد أنه أستنطق ابن تلك البغي، فقال له: يا أبا يونس، ابن من أنت؟ قال: ابن الراعي، فعلم بنو إسرائيل براءة عرض جريج مما كان نسب إليه ... على أنه قد روى هذا الحديث من غير طريق الكديمي، إلا أنه بإسناد غريب أيضا. [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل البيهقي) : «أنبأنا» . [ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 60- 61. [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 61، (البداية والنهاية) : 6/ 176 نقلا عن المرجع السابق. والحديث مرسل، وشمر بن عطية الأسدي الكاهلي، الكوفي: وثقه النسائي وابن حبان، ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن نمير، وابن معين، والعجليّ. (تهذيب التهذيب) : 4/ 319، ترجمة رقم (625) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 [ثالث وتسعون: وجود رائحة الطيب حيث سلك] وأما وجود رائحة الطيب حيث سلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طريقا، وسجود ما يمرّ به من حجر أو شجر له، ومجّه أطيب من المسك في الدلو، فخرج البيهقي من حديث إسحاق بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنى المغيرة بن عطية عن أبى الزبير عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خصال: لم يكن في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه أو ريح عرقه- الشك من إسحاق- ولم يكن مرّ بحجر ولا شجر إلا سجد له [ (1) ] . ومن حديث أبى أسامة عن مسعر، عن عبد الجبار بن وائل الحضرميّ عن أبيه قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يمضمض في دلو مجّ فيه مسكا أو أطيب من المسك، قال: أبو أسامة: يقول في ذلك الماء استنثر خارجا منه [ (2) ] . وقد تقدم شيء من ذلك.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 69، باب ما جاء في وجود رائحة الطيب من كل طريق سلكه نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسجود الحجر والشجر الّذي يمر عليه ومجّه مسكا أو أطيب من المسك في الدلو الّذي كان يشرب منه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] (المرجع السابق) : 6/ 69، وقال أبو نعيم بسنده: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس قال: كنا نعرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أقبل بطيب ريحه. (دلائل أبي نعيم) : 2/ 443، حديث رقم (362) ، ومن حديث إسحاق بن الفضل الهاشميّ، حدثنا المغيرة بن عطية، عن أبى الزبير، عن جابر قال: كان في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خصال، لم يكن في طريق فسلكه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيب عرفه، أو ريح عرقه، وبالسند السابق ذكره الدارميّ في (السنن) : 1/ 32، باب في حسن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 398- 399، باب حبّب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من النساء والطيب، والسيوطي في (الخصائص الكبرى) : 1/ 166. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 [رابع وتسعون: ابتلاع الأرض ما يخرج منه إذا ذهب لحاجته صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما ابتلاع الأرض ما يخرج منه إذا ذهب لحاجته، فخرج الدار قطنى من حديث عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قلت يا رسول اللَّه، إني أراك تدخل الخلاء ثم يجيء الّذي يدخل بعدك فلا يرى لما يخرج منك أثرا، فقال: يا عائشة! أما علمت أن اللَّه أمر الأرض أن تبتلع ما خرج من الأنبياء؟ [ (1) ] . وخرجه أبو نعيم [ (1) ] من حديث إسماعيل بن أبان، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن ابن محمد بن زاذان، عن أم سعد عن عائشة قالت: قلت: يا رسول اللَّه! تأنى الخلاء فلا نرى شيئا من الأذى؟ قال: يا عائشة! أما علمت أن الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء فلا يرى منه شيء؟ وقال ابن السائب عن أبى صالح عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: لم يحدث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في موضع قط إلا ابتلعته الأرض. وخرج البيهقي من حديث الحسين بن علوان قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل الغائط دخلت في إثره فلا أرى شيئا إلا أنى كنت أشم رائحة الطيب، فذكرت ذلك له فقال: يا عائشة! أما علمت أن أجسادنا نبتت على أرواح أهل الجنة، وما خرج منها من شيء ابتلعته   [ (1) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 2/ 443- 444، حديث رقم (364) تحت عنوان: بوله وغائطه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال السيوطي في (الخصائص الكبرى) 1/ 176: لهذا الحديث عدة طرق، هذه التي أخرجها أبو نعيم، وأخرى أخرجها البيهقي من طريق حسين بن علوان، وأخرى أخرجها الحاكم في (المستدرك) ، وطريق رابع أخرجه الدار قطنى في (الأفراد) ، قال: حدثنا محمد بن سليمان الباهلي، حدثنا محمد بن حسان الأموي، حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة، فذكر نحوه، ثم قال ابن ادحية في (الخصائص) بعد إيراده: هذا سند ثابت، محمد بن حسان بغدادي ثقة صالح، وعبدة من رجال الشيخين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 الأرض؟ [ (1) ] . قال البيهقي: فهذا من موضوعات الحسين بن علوان، لا ينبغي ذكره، ففي الأحاديث الصحيحة والمشهورة في معجزاته كفاية عن كذب ابن علوان [ (2) ] . قال كاتبه: هو الحسين بن علوان أبو على الكوفي الكلبي، قال ابن معين: كذاب، وقال النّسائى متروك الحديث، وقال ابن عدي: وللحسين هذا أحاديث كثيرة، وعامتها موضوعة، وهو في عدد من يضع الحديث [ (3) ] . وخرج أبو نعيم من حديث شهاب بن معمر العوفيّ، حدثنا عبد الكريم الخزار، حدثنا أبو عبد اللَّه المديني، عن ليلى- حاجبة عائشة وخادمتها ومولاتها- قالت: قلت: يا رسول اللَّه! إنك تدخل الخلاء، فإذا خرجت دخلت إثرك فما أرى شيئا إلا أنى أجد رائحة المسك، قال: إنا معشر الأنبياء بنيت أجسادنا على أرواح الجنة، فما خرج منا شيء إلا ابتلعته الأرض [ (4) ] . وذكر ابن سبع في (كتاب الشفا) عن بعض الصحابة أنه قال: صحبته صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فلما أراد قضاء حاجته عاينته وقد وجد مكانا فقضى حاجته، فدخلت في الموضع الّذي خرج منه فلم أر له أثر غائط ولا بول، ورأيت في ذلك   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 70. [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] هو الحسين بن علوان. من أهل الكوفة، كان يضع الحديث على هشام بن عروة وغيره من الثقات وضعا، لا تحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب، كذبه أحمد بن حنبل- رحمه اللَّه- روى عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أكثر الحيض عشرة وأقله ثلاثة. وروى عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أربع لا يشبعن من أربع: أرض من مطر، وعين من نظر، وأنثى من ذكر، وطالب علم من علم. [ (4) ] وروى غير ذلك من الأحاديث التي أوردها الحافظ محمد بن حبان بن أحمد أبى حاتم في كتاب (المجروحين) ، ثم قال: وليس لهذه الأحاديث كلها أصول، لأنها كلها موضوعة إلا حديث السخاء، فإنه يعرف من حديث الأعرج عن أبى هريرة. (المجروحين) : 1/ 244- 246، وقال الذهبي: قال يحى: كذاب، وقال عليّ: ضعيف جدا، وقال أبو حاتم، والنسائي، والدار قطنى: متروك الحديث. (ميزان الاعتدال) : 1/ 542- 543، ترجمة رقم (2027) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 الموضع ثلاثة أحجار، فأخذتهن في كفى فتعلقت رائحتهن رائحة طيب عطرة [ (1) ] .   [ (1) ] راجع التعليق رقم (1) ، من أحاديث هذا الباب. وذكر ابن الجوزي في (العلل المتناهية) : 1/ 187- 188، باب ابتلاع الأرض لحدثه صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث عائشة رضي اللَّه عنها من طريقين ثم قال: هذا لا يصح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 [خامس وتسعون: رؤيته صلّى اللَّه عليه وسلّم من خلفه كما يرى من أمامه] وأما أنه يرى من خلفه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما يرى من أمامه، فخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الوارث قال: حدثنا عبد العزيز- وهو ابن صهيب- عن أنس رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتموا الصفوف فإنّي أراكم خلف ظهري. وقال البخاري: أقيموا الصفوف. ذكره في باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث زهير، عن حميد عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أقيموا صفوفكم، فإنّي أراكم من وراء ظهري، وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه. ترجم عليه باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف [ (2) ] قال: النعمان بن بشير رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه [ (3) ] . وخرج في باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف من حديث زائدة ابن قدامة، حدثنا حميد الطويل، حدثنا أنس بن مالك قال: أقيمت الصلاة   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 263، كتاب الأذان، باب (71) تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها، حديث رقم (718) ، قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم «فإنّي أراكم» ، فيه إشارة إلى سبب الأمر بذلك، أي إنما أمرت بذلك لأني تحققت منكم خلافه. قال الزين بن المنير: لا حاجة إلى تأويلها لأنه في معنى تعطيل لفظ الشارع من غير ضرورة. وقال القرطبي: بل حملها على ظاهرها أولى، لأن فيه زيادة في كرامة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 268، كتاب الأذان، باب (76) إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف، حديث رقم (725) . [ (3) ] قوله: «وقال النعمان بن بشير» هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود، وصححه ابن خزيمة من رواية أبى القاسم الجدلي، واسمه حسين بن الحارث، قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: أقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الناس بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم ثلاثا، واللَّه لتقيمن صفوفكم، أو ليخالفن اللَّه بين قلوبكم، قال: فلقد رأيت الرجل منا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وكعبه بكعبه. واستدل بحديث النعمان هذا، على أن المراد بالكعب في آية الوضوء. العظم الناتئ في جانبي الرّجل- وهو عند ملتقى الساق والقدم- وهو الّذي يمكن أن يلزق بالذي جنبه، خلافا لمن ذهب إلى أن المراد بالكعب مؤخر القدم، وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية، ولم يثبته محققوهم، وأثبته بعضهم في مسأله الحج لا الوضوء، وأنكر الأصمعي قول من زعم أن الكعب في ظهر القدم- (فتح الباري) : 2/ 269. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 فأقبل علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم وتراصّوا فإنّي أراكم من وراء ظهري [ (1) ] . ومن حديث إسماعيل عن حميد عن أنس قال: أقبل علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بوجهه حين قام إلى الصلاة يريد أن يكبر، فقال مثله سواء [ (2) ] . وخرج مسلّم من حديث أبى أمامة عن الوليد- يعنى ابن كثير- قال: حدثني سعيد بن أبى سعيد المقبري، عن أبيه عن أبى هريرة رضي اللَّه عنه قال: صلى [رسول اللَّه] صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما ثم انصرف فقال: يا فلان! ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلى إذا صلى كيف يصلى؟ فإنما يصلى لنفسه، إني واللَّه لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي [ (3) ] . وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث مالك بن أنس عن أبى الزناد عن الأعرج، عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: هل ترون قبلتي هاهنا؟   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 264، كتاب الأذان، باب (72) إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف، حديث رقم (719) . [ (2) ] وفي هذا الحديث: جواز الكلام بين الإمامة والدخول في الصلاة، وفيه: مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة. و (مسلم بشرح النووي) : 4/ 399، كتاب الصلاة، باب (28) نسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها، وتقديم أولى الفضل وتقريبهم من الإمام، حديث رقم (125) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 392، كتاب الصلاة، باب (24) الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها، حديث رقم (108) ، قال العلماء: معناه أن اللَّه تعالى خلق له صلّى اللَّه عليه وسلّم إدراكا في قفاه يبصر به من ورائه، وقد انخرقت العادة له صلّى اللَّه عليه وسلّم، بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره، فوجب القول به. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه تعالى وجمهور العلماء: هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقة، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأراكم من بعدي، أي من ورائي كما في الروايات الباقية. قال القاضي عياض: وحمله بعضهم على بعد الوفاة، وهو بعيد عن سياق الحديث. [ (4) ] (فتح الباري) : 2/ 286، كتاب الأذان، باب (88) الخشوع في الصلاة، حديث رقم (741) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 392، كتاب الصلاة، باب (24) الأمر بتحسين الصلاة، حديث رقم (109) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 فو اللَّه ما يخفي عليّ ركوعكم ولا خشوعكم- ولم يذكر السجود-. وأخرجا معا من حديث شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أقيموا الركوع والسجود، فو اللَّه إني أراكم من بعدي- وربما قال: من بعد ظهري- إذا ركعتم أو سجدتم. ذكره البخاري في باب الخشوع في الصلاة [ (1) ] . وخرج مسلم بعد حديث شعبة، من حديث معاذ- يعنى ابن هشام- ومن حديث ابن أبى عدي عن سعيد، كلاهما عن قتادة عن أنس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أتموا الركوع والسجود، فو اللَّه إني لأراكم من بعد ظهري إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم. وفي حديث سعيد: إذا ركعتم أو سجدتم [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: أتموا الركوع والسجود، فو الّذي نفسي بيده إني لأراكم من بعد ظهري إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم. ذكره في كتاب الأيمان [والنذور] في آخر باب كيف كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . وخرج في باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة، من حديث فليح بن سليمان، عن هلال بن على عن أنس بن مالك قال: صلى لنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة ثم رقى المنبر فقال: في الصلاة وفي الركوع، إني أراكم من ورائي كما أراكم. وقال سيف بن عمرو، عن عمرو بن محمد عن الشعبي، عن مسروق قال: سألت عائشة عن [إطباق عبد اللَّه بن مسعود] بيديه بين ركبتيه إذا ركع، فقال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، زيادة من اللَّه عزّ وجل، زادها إياه في حجته، فرأى أناسا يصنعون كما يصنع البرهان فحولهم من ذلك إلى   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 286- 287، كتاب الأذان، باب (88) الخشوع في الصلاة، كتاب الصلاة، باب (24) الأمر بتحسين الصلاة وإتمام الخشوع فيها، حديث رقم (110) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (111) . [ (3) ] (فتح الباري) : 11/ 644، كتاب الأيمان والنذور، باب (10) كيف كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ حديث رقم (6644) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 ما عليه الناس اليوم من إطباق الركب بالأكفّ، وتفريج الأصابع. قال الشافعيّ- رحمة اللَّه عليه-: في رواية حرملة قوله: إني لأراكم من وراء ظهري، كرامة من اللَّه أبانه بها من خلفه. وقال الأثرم: قلت لأبى عبد اللَّه- يعنى أحمد بن حنبل رحمه اللَّه-: قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إني لأراكم من وراء ظهري فقال: كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، قلت له: إن إنسانا قال لي: هو في ذلك مثل غيره، وإنما كان يراهم كما ينظر الإمام من عن يمينه، فأنكر ذلك إنكارا شديدا. وقال أبو عمر يوسف بن عبد البر هذا كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا سبيل إلى كيفية ذلك، وهو علم من أعلام نبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم وخرج من طريق قاسم بن أصبغ عن سفيان عن داود وحميد وابن أبى نجيح، عن مجاهد، [في] قوله عزّ وجل: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [ (1) ] قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى من خلفه في الصلاة كما يرى من بين يديه. وخرج البيهقي من حديث فضيل عن عبد الملك بن أبى سليمان، عن قيس عن مجاهد، في قوله تعالى: الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [ (1) ] ، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى من خلفه من الصفوف كما يرى من بين يديه [ (2) ] وقال الحبر أبو زكريا النووي- رحمه اللَّه-: قال العلماء: معناه أن اللَّه تعالى خلق له صلّى اللَّه عليه وسلّم إدراكا في قفاه يبصر به من ورائه، وقد انخرقت العادة له صلّى اللَّه عليه وسلّم بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به [ (3) ] .   [ (1) ] سورة الشعراء الآية: 219. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 74. وقال مجاهد: المراد تقلب بصره في من يصلي خلفه. (البحر المحيط) : 8/ 198، وقال مجاهد أيضا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى من خلفه كما يرى من أمامه. ويشهد لذلك ما صح في الحديث: «سوّوا صفوفكم فإنّي أراكم من وراء ظهري» (تفسير ابن كثير) : 3/ 365. [ (3) ] (شرح الإمام النووي على صحيح مسلم) : 4/ 392- 393، كتاب الصلاة، باب (24) الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها، شرح الحديث رقم (108) ، (109) ، (110) ، (111) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 قال القاضي- يعنى أبا الفضل عياض [بن موسى اليحصبى] قال أحمد بن حنبل وجمهور العلماء: هذه الرؤية بالعين حقيقة [ (1) ] ، فخرج الحافظ أبو أحمد بن عدي من حديث زهير بن عباد قال: حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن المغيرة، عن المعلى بن علاء، عن هشام بن عروة عن عبد اللَّه عن عائشة رضي اللَّه عنها. قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء [ (2) ] . وأورده البيهقي من طريق ابن عدي ثم قال: وهذا إسناد فيه ضعف [ (3) ] . قال كاتبه: محمد بن المغيرة أبو الحسن، قال ابن عدي: وسائر أحاديثه مما لا يتابع عليه، ومع ضعفه يكتب حديثه. قال البيهقي: وروى في ذلك من وجه آخر ليس بالقوى، فذكر من حديث مغيرة بن مسلم عن عطاء، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى بالليل في الظلمة كما يرى في النهار في الضوء [ (4) ] . وخرج الحافظ أبو بكر بن ثابت البغدادي، من حديث زهير بن عباد الروائى، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه   [ (1) ] انظر التعليق السابق والمرجع السابق. [ (2) ] (كنز العمال) : 7/ 160، حديث رقم (18519) ، وعزاه إلى البيهقي في (دلائل النبوة) عن ابن عباس، وابن عدي عن عائشة. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 74- 75. [ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 75، قال ابن عدي في (الكامل) : 4/ 217- 218، في ترجمة عبد اللَّه بن محمد بن المغيرة رقم (28/ 1025) : وهذا الحديث عن هشام بن عروة، يرويه ابن المغيرة، وعنه زهير بن عباد، وقال عنه ابن حجر في (لسان الميزان) : 3/ 410: هو عمّ علان بن المغيرة. وقال أبو حاتم: ليس بقوى، وقال ابن يونس: منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، ثم أورد في أحاديثه: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء» . ترجمة عبد اللَّه بن محمد بن المغيرة الكوفي رقم (391/ 4742) من المرجع السابق. وأورده ابن الجوزي في (العلل المتناهية) : 1/ 173- 174، باب أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبصر في الظلمة، حديث رقم (266) ثم قال: هذا حديث لا يصح، قال العقيلي: عبد اللَّه بن محمد بن المغيرة يحدث بما لا أصل له، وعباس بن الوليد كان المديني يتكلم فيه. ثم قال محقق (العلل المتناهية) : وثقه الدار قطنى، وابن قانع، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال ابن معين: صدوق كما في (التهذيب) ، وتليين ابن المديني مبهم فلا يعتبر به. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء. رواه عن زهير عن حسين بن صالح بن أبى الدواهي، وعنه محمد بن عبد اللَّه بن سليمان الحضرميّ وقال: لم أكتب عنه غير هذا الحديث. مات سنة إحدى ومائتين. أهـ وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن عن القسم بن عبد اللَّه، عن حسين بن عبد اللَّه عن أبيه عن جده، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خطب أم سلمة فقال: كيف يا رسول اللَّه ورجالي بمكة؟ قال: يزوجك ابنك ويشهد لك رجال من أصحاب رسول [اللَّه] ، ثم دخل عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الظلمة، فوطئ على ابنتها زينب فصاحت، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما هذا؟ قالوا: زينب، ثم دخل عليها في ليلة أخرى في ظلمة فقال: انظروا، زنى بكم بهذه، لا أضاء عليها؟؟ قال السهيليّ: وفي هذا الحديث توهين لرواية من روى أنه كان يرى بالليل كما يرى بالنهار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 [سادس وتسعون: إضاءة طرف سوط الطفيل بن عمرو الدوسيّ] وأما إضاءة طرف سوط الطفيل بن عمرو الدوسيّ، فخرج ابن الكلبي في نسب دوس بن عدنان بن عبد اللَّه بن زهران بن كعب بن الحرث بن كعب بن عبد اللَّه ابن مالك بن نضر بن الأزد: وطفيل بن ذي النون واسمه عمرو بن طريف بن العاص ابن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس. وفد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن دوسا قد غلب عليها الزنا، فادع اللَّه عليهم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اهد دوسا، فقال: يا رسول اللَّه، ابعثني إليهم، ففعل، فقال: اجعل لي آية يهدون بها، فقال: اللَّهمّ نور له، فسطع نور بين عينيه، فقال: يا رب! أخاف أن يقولوا مثله، فتحول إلى طرف سوطه، فكان يضيء في الليلة الظلماء، فقال: يا رسول اللَّه! اجعلنا يمنتك واجعل شعارنا مبرور، ففعل، فشعار الأزد اليوم كلها مبرور، ثم قتل يوم اليمامة، وقتل ابنه عمرو بن الطفيل يوم اليرموك. [ (1) ] وقد خرج أبو عمر بن عبد البر هذا الحديث في ترجمة الطفيل من طريق هشام ابن الكلبي [ (2) ] كما أوردته، على ما نقلته في كتاب (الجامع) ، ثم قال أبو عمر: للطفيل بن عمرو الدوسيّ في معنى ما ذكر ابن الكلبي خبر عجيب، ذكره الأموي في مغازيه عن الكلبي عن أبى صالح، عن ابن عباس عن الطفيل بن عمرو. وذكره ابن إسحاق عن عثمان بن الحويرث، عن صالح بن كيسان، عن   [ (1) ] لم أجد هذه السياقة في (جمهرة النسب) للكلبي. برواية السكرى عن ابن حبيب، (جمهرة أنساب العرب) لابن حزم: 382، باب: وهؤلاء بنو سليم بن فهم بن غنم بن دوس، (التعريف بالأنساب) : 176. [ (2) ] لعله برواية أخرى غير رواية السّكّرى عن ابن حبيب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 ابن عمرو، قال: كنت رجلا شاعرا سيدا في قومي، قال: فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات قريش فقالوا: يا طفيل، إنك امرؤ شاعر مطاع في قومك، وإنا قد خشينا أن يراك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر، فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك كما دخل علينا وعلى قومنا، فإنه يفرق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وابنه، فو اللَّه ما زالوا يحدثون في شأنه وينهوني أن أسمع منه شيئا حتى قلت: واللَّه لا أدخل المسجد إلا وأنا سادّ أذنى، قال: فعمدت إلى أذني فحشوتهما كرسفا [ (1) ] ثم غدوت إلى المسجد، فإذا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قائما في المسجد. قال: فقمت منه قريبا، وأبى اللَّه أن لا يسمعني، فقال: فقلت في نفسي: واللَّه إن هذا لمعجزة، واللَّه إني امرؤ [ثبتت] [ (2) ] عليّ الأمور، وما يخفى حسنها ولا قبيحها، واللَّه لأسمعن منه، فإن كان أمره رشدا أخذت منه، وإن كان غير ذلك اجتنبته. قال: فقلت بالكرسفة [ (3) ] فنزعتها من أذنى فألقيتها ثم استمعت له، فلم أسمع كلاما قط أحسن من كلام يتكلم به، قال: فقلت في نفسي: - يا سبحان اللَّه! ما سمعت كاليوم لفظا أحسن منه ولا أجمل، قال: ثم انتظرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى انصرف، فاتبعته فدخلت معه بيته فقلت له: يا محمد! إن قومك جاءوني فقالوا لي: كذا وكذا- فأخبرته بالذي قالوا- وقد أبى اللَّه إلا أن يسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق، فأعرض عليّ دينك وما تقول. وما تأمر به، وما تنهى عنه. قال: فعرض عليّ الإسلام فأسلمت ثم قلت: [يا رسول اللَّه] [ (3) ] ، إني راجع إلى دوس وأنا فيهم مطاع. وأنا داعهم إلى الإسلام، لعل اللَّه أن يهديهم، فادع اللَّه أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: اللَّهمّ اجعل   [ (1) ] الكرسف: القطن ونحوه. [ (2) ] كذا في (خ) ، في (الاستيعاب) : «واللَّه إني امرؤ ثبت، ما يخفى عليّ من الأمور حسنها ولا قبيحها» . [ (3) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 له آية تعينه على ما ينوى من الخير. قال: فخرجت حتى أشرفت [على ثنية أهلي] [ (1) ] ، التي تهبط بى على حاضرة دوس، قال: وأبى هناك شيخ كبير وامرأتي وولدى، قال: فلما علوت الثنية، وضع اللَّه بين [عيني] [ (1) ] نورا [كالشهاب] [ (2) ] يتراءاه [ (3) ] الحاضر في ظلمة الليل وأنا منهبط [من الثنية] [ (1) ] ، فقلت: اللَّهمّ في غير وجهي، فإنّي أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم، فتحول فوقع في رأس سوطي، فلقد رأيتني أسير على بعيري إليهم، وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق فيه حتى قدمت عليهم، قال: فأتانى أبى فقلت: إليك عنى فلست منك ولست منى. قال: وما ذاك أي بنىّ؟ قلت أسلمت واتبعت دين محمد، قال: أي بنى، فإن ديني دينك، قال: فحسن إسلامه، ثم أتتني صاحبتي فقلت: إليك عنى، فلست منك ولست منى، قالت: وما ذاك؟ بأبي أنت وأمى، فقلت: أسلمت واتبعت دين محمد، فلست تحلين لي ولا أحل لك، قالت: فديني دينك، قال: فقلت اعهدى إلى هذه المياه فاغتسلي منها وتطهرى وتعالى، ففعلت ثم جاءت فأسلمت وحسن إسلامها، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام، فأبت عليّ وتعاصت. قال: ثم قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة، فقلت: يا رسول اللَّه، غلب على دوس الزنا والربا، فادع اللَّه عليهم فقال: اللَّهمّ اهد دوسا. قال: ثم رجعت إليهم، وهاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة فأقمت [بين ظهرانيهم] [ (1) ] أدعوهم إلى الإسلام حتى استجاب لي منهم من استجاب، وسبقتني بدر، وأحد، والخندق، مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس إلى المدينة، فكنت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى فتح [اللَّه] [ (1) ] مكة، فقلت: يا رسول اللَّه! ابعثني إلى [ذي الكفين] [ (1) ] صنم   [ (1) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) . [ (2) ] زيادة في (خ) . [ (3) ] سياق العبارة مضطرب في هذا الموضع وصوبناه من (المرجع السابق) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 عمرو بن حممة حتى أحرقه، قال: أجل، فاخرج إليه فحرّقه، قال: فخرجت حتى قدمت عليه فجعلت أوقد عليه النار- واسمه ذو الكفين- قال: وأنا أقول: [ (1) ] . يا ذا الكفين لست من [عبادكا] ... ميلادنا أكبر من [ميلادكا] [ (2) ] إني حشوت النار في [فؤادكا] [ (2) ] ثم [قدمت على] رسول اللَّه فأقمت معه حتى قبض. قال: فلما بعث أبو بكر رضي اللَّه عنه بعثه إلى مسيلمة الكذاب، خرجت مع المسلمين ومعى ابني عمرو بن الطفيل، حتى إذا كنا ببعض الطريق رأيت رؤيا، فقلت لأصحابنا: إني قد رأيت رؤيا، عبّروها، قالوا: وما رأيت؟ قلت: رأيت رأسي حلق، وأنه خرج من فمي طائر، وأن امرأة لقيتني وأدخلتنى في فرجها، وكأن ابني يطلبني طلبا حثيثا فحيل بيني وبينه، قالوا: خيرا أما واللَّه فقد أولتها: أما حلق رأسي [فقطعه] [ (3) ] وأما الطائر فروحى، وأما المرأة التي أدخلتنى في فرجها فالأرض تحفر لي وأدفن فيها، فقد رجوت أن أقتل شهيدا [وأما طلب ابني إياي فلا أراه إلا سيغدو في طلب الشهادة، ولا أراه يلحق بى في سفرنا هذا، فقتل الطفيل شهيدا يوم اليمامة، وجرح ابنه، ثم قتل باليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطاب شهيدا] [ (4) ] .   [ (1) ] في (خ) : «أقول، وهو يشتعل بالنار» وما أثبتناه رواية ابن عبد البرّ في (الاستيعاب) . [ (2) ] نصويبات من (الاستيعاب) . [ (3) ] في (خ) : «فقتلى» ، وما أثبتناه من (الاستيعاب) . [ (4) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ) ، واستدركناه من (المرجع السابق) ، (الاستيعاب) : ترجمة الطفيل بن عمرو الدوسيّ رقم (4258) ، وقال في نسبه: الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس الدوسيّ. وقيل: هو ابن عبد عمرو بن عبد اللَّه بن مالك بن عمرو بن فهم لقبه: ذو النور (طبقات ابن سعد) : 4/ 237- 240، باب الطفيل بن عمرو، وفيه «أنا حششت النار (سيرة ابن هشام) : 2/ 226- 229، باب إسلام الطفيل بن عمرو الدوسيّ، من رواية ابن إسحاق، (دلائل البيهقي) : 5/ 359- 363، باب قصة دوس والطفيل بن عمرو رضي اللَّه عنه وما ظهر بين عينيه من النور، ثم رأس سوطه، وما كان في رؤياه وفي دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من براهين الشريعة، (فتح الباري) : 8/ 127، باب (76) قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسيّ، حديث رقم (6392) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 وقد روى هذا الحديث من طريق أبى نعيم [ (1) ] ، إلا أن هذه السياقة أتمّ وأكثر فائدة، واللَّه أعلم.   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 238، الفصل الخامس عشر: ذكر أخذ القرآن ورؤية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالقلوب، حتى دخل كثير من العقلاء في الإسلام في أول ملاقاة، حديث رقم (191) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 [سابع وتسعون: إضاءة عصا أسيد بن حضير [ (1) ] وعباد بن بشر [ (2) ]] وأما إضاءة عصا أسيد بن حضير وعباد بن بشر لما خرجا من عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] هو أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم ابن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأشهلي. اختلف في كنيته، فقيل فيها خمسة أقوال: أبو عيسى، وأبو يحيى، وأبو عتيك، وأبو الحضير، وأبو الحصين. قال ابن عبد البر: وأخشى أن يكون تصحيفا، والأشهر أبو يحيى، وهو قول ابن إسحاق وغيره. أسلم قبل سعد بن معاذ على يدي مصعب بن عمير، وكان ممن شهد العقبة الثانية، وهو من النقباء ليلة العقبة، وكان بين العقبة الأولى والثانية سنة، ولم يشهد بدرا. كذلك قال ابن إسحاق. وغيره يقول: إنه شهد بدرا، وشهد أحدا، وما بعدهما من المشاهد، وجرح يوم أحد سبع جراحات، وثبت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين انكشف الناس. وكان أسيد بن حضير أحد العقلاء الكلمة من أهل الرأي، وآخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بينه وبين زيد بن حارثة، وكان أسيد بن حضير من أحسن الناس صوتا بالقرآن، وحديثه في استماع الملائكة قراءته حين نفرت فرسه حديث صحيح، جاء عن طرق صحاح من نقل أهل الحجاز والعراق. وذكر البخاري عن عبد العزيز الأويس، عن إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: ثلاثة من الأنصار لم يعتد أحد عليهم فضلا، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر. توفى أسيد بن حضير في شعبان سنة عشرين، وقيل: سنة إحدى وعشرين، وحمله عمر بن الخطاب بين العمودين من عبد الأشهل، حتى وضعه بالبقيع، وصلى عليه. وأوصى إلى عمر بن الخطاب، فنظر عمر في وصيته فوجد عليه أربعة آلاف دينار، فباع نخله أربع سنين بأربعة آلاف، وقضى دينه. وقيل: إنه حمل نعشه بنفسه بين الأربعة أعمدة وصلى عليه.. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 1/ 92، باب أسيد، ترجمة رقم (54) ، (الإصابة) : 1/ 83، ذكر من اسمه أسيد بالضم، ترجمة رقم (185) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 135، (تاريخ الإسلام) : 2/ 33، (تهذيب التهذيب) : 1/ 347، (خلاص تذهيب الكمال) : 38، (كنز العمال) : 13/ 277- 280 ، (شذرات الذهب) : 1/ 31، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 340- 343، ترجمة رقم (74) . [ (2) ] هو عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي، يكنى أبا بشر، ويكنى أبا الربيع. قال أبو عمر: لا يختلفون أنه أسلم بالمدينة على يد مصعب بن عمير، وذلك قبل إسلام سعد ابن معاذ، وأسيد بن حضير، وشهد بدرا، وأحدا، والمشاهد كلها، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف اليهوديّ، وكان من فضلاء الصحابة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 في ليلة مظلمة حتى مشيا في ضوئهما كرامة للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج البخاري في كتاب الصلاة [ (1) ] ، وفي كتاب المناقب [ (2) ] من حديث معاذ [ (3) ] قال: حدثني أبي عن قتادة، حدثنا أنس رضي اللَّه عنه أن رجلين من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خرجا من عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة مظلمة، ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد، حتى أتى أهله. وخرج أيضا في مناقب أسيد بن حضير من حديث حبان قال: حدثنا همام قال: أخبرنا قتادة عن أنس، أن رجلين خرجا من عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة مظلمة، فإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا فتفرق النور معهما [ (4) ] . وقال معمر: عن ثابت عن أنس، أن أسيد بن حضير ورجلا من الأنصار، وقال حماد: أخبرنا ثابت عن أنس، كان أسيد بن حضير وعباد بن بشر عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] .   [ () ] روى أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أن عصاه كانت تضيء له إذا كان يخرج من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيته ليلا، وعرض له ذلك مرة مع أسيد بن حضير، فلما افترقا أضاءت لكل واحد منهما عصاه. عن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتدّ عليهم فضلا، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر. هكذا ذكر البخاري. قال ابن إسحاق: شهد بدرا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عباد بن بشر، وقتل يوم اليمامة شهيدا، وكان له يومئذ بلاء وعناء، فاستشهد يومئذ وهو ابن خمس وأربعين سنة. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 2/ 801- 804 ، باب العين بعدها الباء، ذكر من اسمه عبّاد بفتح أوله والتشديد، ترجمة رقم (4458) ، (تاريخ الإسلام) : 1/ 370، (طبقات ابن سعد) : 3/ 16، (التاريخ الصغير) : 36، (الجرح والتعديل) : 6/ 77. [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 734، كتاب الصلاة، باب (79) [فضل المشي إلى المسجد في الليلة المظلمة] ، حديث رقم (465) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 784، كتاب المناقب، باب (28) (بدون ترجمة) ، حديث رقم (3639) . [ (3) ] هو معاذ بن هشام. [ (4) ] (فتح الباري) : 7/ 157- 158، كتاب مناقب الأنصار، باب (13) منقبة أسيد بن حضير، وعباد بن بشر رضي اللَّه عنهما، حديث رقم (3805) ، قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : وفي الصحابة عباد بن بشر بن قيظي، وعباد بن بشر بن نهيك، وعباد بن بشر بن وقش، وصاحب هذه القصة هو هذا الثالث، ووهم من زعم خلاف ذلك. (فتح الباري) : 7/ 158، (دلائل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 [ثامن وتسعون: إضاءة العصا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن معه] وأما إضاءة العصا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن معه، فخرج أبو نعيم من حديث شبابة عن [نضر بن طريف] ، عن ثابت عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعمر رضي اللَّه عنه سهرا عند أبي بكر رضي اللَّه عنه يتحدثان عنده حتى ذهب ثلث الليل ثم خرجا، وخرج أبو بكر معهما في ليلة مظلمة ومع أحدهما عصا، فجعلت تضيء لهما وعليها نور حتى بلغوا المنزل [ (1) ] .   [ () ] أبي نعيم) : 2/ 561، باب ذكر إضاءة العصا وغيرها، حديث رقم (503) ، (مسند أحمد) : 3/ 598، حديث رقم (11996) ، (دلائل البيهقي) : 6/ 77، باب ما جاء في إضاءة عصا الرجلين من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى خرجا من عنده في في ليلة مظلمة، حتى مشيا في ضوئها كرامة لنبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما روى في إضاءة عصا أبي عبس، ثم ما جاء في إضاءة أصابع حمزة بن عمرو الأسلمي حتى جمعوا ظهورهم. [ (1) ] لم أجده عند أبي نعيم أو غيره، وأحاديث الباب الصحيحة تشهد لصحته، واللَّه تعالى أعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 [تاسع وتسعون: إضاءة عصا أبي عبس الأنصاري] وأما إضاءة عصا أبي عبس الأنصاري، فخرج أبو نعيم والبيهقي والحاكم، كلهم من حديث زيد بن الحباب قال: حدثني عبد المجيد بن أبي عبس [بن جبر] [ (1) ] الأنصاري قال: أخبرني ميمون بن زيد بن أبي عبس قال: أخبرني أبي أن أبا عبس كان يصلي مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلوات ثم يرجع إلى بني حارثة، فخرج في ليلة [مظلمة مطرية] [ (1) ] فنورت له عصاه حتى دخل دار بني حارثة [ (2) ] . قال كاتبه: أبو عبس هذا هو ابن جبر اسمه عبد الرحمن بن جبر، ويقال: ابن جابر بن عمرو بن زيد بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج ابن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الحارثي، شهد بدرا وهو ابن ثمان وأربعين سنة، وشهد المشاهد كلها، وهو معدود من كبار الصحابة من الأنصار، مات سنة أربع وثلاثين وهو ابن سبعين سنة بالمدينة، وصلى عليه عثمان رضي اللَّه عنه، روى عنه غيابة بن رافع بن خديج، وكان أبو عبس يكتب بالعربية قبل الإسلام، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للنسب من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 562، باب ذكر إضاءة العصا وغيرها، حديث رقم (504) ، (دلائل البيهقي) : 6/ 78، وقال فيه: «فنور له في عصاه» ، (المستدرك) : 3/ 394، باب ذكر مناقب عبد اللَّه أبي عبس بن جبر الأنصاري الخزرجي، رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (5495/ 1093) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : مرسل. [ (3) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 2/ 827، ترجمة رقم (1396) ، (الإصابة) : 4/ 295، ترجمة رقم (5099) ، 7/ 310، ترجمة رقم (10364) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 [تمام المائة: إضاءة العرجون الّذي أعطاه الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم لقتادة] وأما إضاءة العرجون الّذي أعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لقتادة بن النعمان الأنصاري، فخرج أبو نعيم من حديث فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه قال: كانت ليلة مطيرة، فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لصلاة العشاء برقت برقة، فرأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتادة ابن النعمان، فقال: يا قتادة، إذا صليت فاثبت حتى آمرك، فلما انصرف [من صلاته] [ (1) ] أعطاه العرجون فقال: خذ هذا يضيء لك أمامك عشرا وخلفك عشرا. [ (2) ] [فأضاء له] [ (1) ] . وخرجه الإمام أحمد من حديث يونس وسريج قالا: حدثنا فليح عن سعيد [ابن الحارث] [ (3) ] عن أبي سلمة قال: كان أبو هريرة يحدثنا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: إن في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو في صلاة يسأل اللَّه خيرا إلا أتاه إياه، قال: وقللها أبو هريرة بيده. قال: فلما توفي أبو هريرة قلت: واللَّه لو جئت أبا سعيد فسألته عن هذه الساعة أن يكون عنده منها علم، فأتيته فأجده [ (4) ] ، [يقوّم عراجين] [ (5) ] فقلت: يا أبا سعيد! ما هذه العراجين التي أراك تقوّم؟ قال: هذه عراجين جعل اللَّه لنا فيها بركة، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحبها ويتخصّر بها، فكنا نقومها ونأتيه بها، فرأى بصاقا في قبلة المسجد وفي يده عرجون من تلك العراجين، فحكه وقال: إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبصقن أمامه فإن ربه أمامه، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه، قال: ثم قال سريج: فإن لم يجد مبصقا ففي ثوبه أو نعله، [قال:] [ (6) ] ثم هاجت   [ (1) ] زيادة للسياق من (أبي نعيم) . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 562، حديث رقم (505) . [ (3) ] زيادة في النسب من (المسند) . [ (4) ] في (خ) : «فوجدته» وما أثبتناه من (المسند) . [ (5) ] زيادة للسياق من (المسند) . [ (6) ] زيادة للسياق من (المسند) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 السماء من تلك الليلة، فلما خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لصلاة العشاء الآخرة برقت برقة، فرأى قتادة بن النعمان فقال: ما السّرى يا قتادة [ (1) ] ؟ قال: علمت يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن شاهد الصلاة قليل، فأحببت أن أشهدها، قال: فإذا صليت يا رسول اللَّه فاثبت حتى أمرّ بك، فلما انصرف أعطاني العرجون، قال: خذ هذا فسيضيء لك أمامك عشرا وخلفك عشرا، فإذا دخلت البيت وتراءيت [ (2) ] سوادا في زاوية البيت فاضربه قبل أن تتكلم [ (3) ] فإنه شيطان [ (4) ] ، قال: ففعل، فنحن نحب هذه العراجين لذلك. قلت: يا أبا سعيد، إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة، فهل عندك منها علم؟ فقال: سألت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عنها فقال: إني كنت أعلمها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر. أ. هـ، وحديث أبي هريرة في الساعة التي في الجمعة وقع في الصحيح، وحديث أبي سعيد في البصاق وقع فيه أيضا [ (5) ] .   [ (1) ] في (خ) : «يا أبا قتادة» وما أثبتناه من (المسند) . [ (2) ] في (خ) : «ورأيت» وما أثبتناه من (المسند) . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (المسند) : «يتكلم» . [ (4) ] في (خ) : «الشيطان» وصوبناه من (المسند) . [ (5) ] (مسند أحمد) : 3/ 474، حديث رقم (11230) ، وزاد في آخره: قال: ثم خرجت من عنده فدخلت على عبد اللَّه بن سلام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 [الأول بعد المائة: البرقة التي أضاءت للحسنين رضي اللَّه عنهما] وأما البرقة التي أضاءت للحسنين حتى مشيا لأمهما كرامة لجدهما صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج أبو نعيم من حديث موسى بن عثمان عن الأعمش [ (1) ] ، عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كان الحسن عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة ظلماء، وكان يحبه حبا شديدا، فقال: أذهب إلى أمي، فقلت: أذهب معه يا رسول اللَّه؟ قال: لا، فجاءت برقة من السماء فمشى في ضوئها حتى بلغ أمه [ (2) ] . وخرج أبو نعيم من حديث كامل بن العلاء، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: بينما نحن نصلي مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العشاء، فكان يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين [رضي اللَّه عنهما] [ (3) ] على ظهره، فإذا أراد أن يرفع أخذهما فوضعهما وضعا رفيقا، فإذا عاد عادا حتى قضى صلاته فانصرف ووضعهما على فخذيه، قال أبو هريرة: فقمت إليه فقلت: يا رسول اللَّه! أذهب بهما إلى أمهما؟ قال: لا، فبرقت برقة فقال: الحقا بأمكما [فما زالا يمشيان في] [ (4) ] ضوئها حتى دخلا [ (5) ] . وخرجه الحاكم من حديث كامل بن العلاء وقال: هذا حديث حسن صحيح الإسناد.   [ (1) ] سنده في أبي نعيم: حدثنا عبد الرحمن بن صالح، حدثنا موسى بن عثمان عن الأعمش عن أبي هريرة. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 562- 563، حديث رقم (506) ، وفيه: «أذهب معه يا رسول اللَّه؟ قال: فجاءت برقة..» . قال السيوطي في (الخصائص الكبرى) : 2/ 324: انفرد به أبو نعيم. [ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (4) ] ما بين الحاصرتين سياقة مضطرب، وصوبناه من (دلائل البيهقي) . [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 76، باب ما جاء في البرقة التي برقت لابني ابنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين خرجا من عنده حتى مشيا في ضوئها كرامة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم. (مسند أحمد) : 3/ 315، حديث رقم (10281) باختلاف يسير، حديث رقم (10282) وفيه: «حتى دخلا على أمهما» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 [الثاني بعد المائة: إضاءة أصابع حمزة بن عمرو الأسلمي] وأما إضاءة أصابع حمزة بن عمرو الأسلمي، وهو بطريق مكة حتى جمع ما سقط من متاع رحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما تفرق من إبل أصحابه في الليلة التي مكر المنافقون برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج البيهقي من حديث سفيان بن حمزة عن كثير ابن زيد، عن محمد بن حمزة الأسلمي، عن أبيه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر فتفرقنا في ليلة ظلماء دحمسة [ (1) ] ، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم، وإن أصابعي [ (2) ] لتنير [ (3) ] . وفي رواية قال: نفرت دوابنا في سفر ونحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة ظلماء دحمسة، فأضاءت إصبعي حتى جمعوا عليها ظهورهم، وإن إصبعي لتنير [ (3) ] وخرجه أبو نعيم أيضا [ (4) ] . وقال الواقدي في مغازيه- وقد ذكر غزوة تبوك وعود النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قافلا منها-: قالوا: لما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببعض الطريق مكر به أناس من المنافقين، وأتمروا أن يطرحوه في عقبة في الطريق، فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فأخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبرهم، فقال للناس: اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي، وسلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان أن يسوق من خلفه. فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسري بالعقبة، إذ سمع حسّ القوم قد غشّوه، فغضب وأمر حذيفة أن يردّهم، فرجع حذيفة إليهم- وقد رأوا غضب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، وظن القوم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فساق به.   [ (1) ] دحمسة: شديدة الظلام. [ (2) ] في (خ) : «أصابعهم» . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 79. [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 563، حديث رقم (507) ، وأخرجه البخاري في التاريخ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من العقبة نزل الناس فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا حذيفة، هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول اللَّه، عرفت راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثمين [فلم] [ (1) ] أبصرهم من أجل ظلمة الليل، وكانوا قد أنفروا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فسقط بعض متاع رحله، فكان حمزة بن عمرو الأسلمي رضي اللَّه عنه يقول: فنوّر لي في أصابعي الخمس فأضاءت، حتى كنا نجمع ما سقط: السوط والحبل وأشباههما، حتى ما بقي من المتاع شيء إلا جمعناه، وكان لحق بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في العقبة [ (2) ] . واللَّه أعلم.   [ (1) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1042- 1043. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 [الثالث بعد المائة: رؤية أنس بن مالك النور بأيدي قوم في الدعاء] فخرج أبو نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا عمران بن زيد التغلبي، عن خطاب بن عمير [ (1) ] ، عن الحسن [ (2) ] ، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من البيت إلى المسجد، وقوم في المسجد رافعي أيديهم يدعون اللَّه عزّ وجل [ (3) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أنس! هل ترى ما بأيدي القوم [ (4) ] ؟ قلت: ما ترى بأيديهم نورا [ (5) ] ؟ قلت: ادع اللَّه أن يرينه، قال: فدعا اللَّه فرأيته، فقال: يا أنس [ (6) ] [استعجل بنا حتّى نشرك القوم، فأسرعت مع نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرفعنا أيدينا] [ (7) ] . وخرجه البيهقي من طريق البخاري، قال: حدثنا يوسف بن راشد، حدثنا أحمد ابن عبد اللَّه، حدثنا عمران بن زيد بسنده ومتنه، ثم قال البخاري: لا يتابع عليه [ (7) ] .   [ (1) ] هو خطاب بن عمير الثوري. وقيل: ابن عمر. [ (2) ] هو الحسن بن الحسن الثوري. [ (3) ] في (الضعفاء الكبير) : «فإذا قوم جلوس في المسجد رافعي أيديهم يدعون اللَّه» . [ (4) ] في (خ) : «هل ترى ما أرى بأيدي القوم» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (5) ] في (المرجع السابق) : «قلت ما أرى؟ قال: بأيديهم نور. [ (6) ] ما بين الحاصرتين في (المرجع السابق) : «فقال أسرع حتى تنشر يدك مع القوم، قال: فأسرعنا فنشرنا أيدينا مع القوم» ، وما أثبتناه من (خ) ، ولعلها رواية أبي نعيم. [ (7) ] هذا الحديث ذكره أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي في (الضعفاء الكبير) : 2/ 24- 25، في ترجمة خطاب بن عمير الثوريّ رقم (444) ، عن الحسن ولا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا بهذا الحديث، وذكره البخاري في (التاريخ الكبير) : 3/ 202، ترجمة خطاب بن عمير رقم (692) وقال: ولا يتابع عليه، (لسان الميزان) 2/ 489، ترجمة خطاب بن عمير رقم (109/ 3163) ، وقال: ذكره ابن الجارود في (الضعفاء) ، وابن حبان في (الثقات) : 6/ 272. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 [الرابع بعد المائة: تسليم الملائكة على عمران بن حصين تكرمة للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما تسليم الملائكة على عمران بن حصين تكرمة للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج الإمام أحمد من حديث وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت حميد بن هلال يحدث عن مطرف، عن عبد اللَّه قال: قال لي عمران بن حصين: أنه كان يسلّم عليّ، فلما اكتويت انقطع التسليم، [فقلت له: أمن قبل رأسك كان يأتيك التسليم] أو من قبل رجلك؟ قال: بل من قبل رأسي، فقلت: لا أرى أن تموت حتى يعود ذلك، فلما كان بعد قال [لي] : أشعرت أن التسليم عاد لي؟ ثم لم يلبث يسيرا حتى مات رضي اللَّه عنه [ (1) ] . قال أبو نعيم: وقد رواه شعبة عن قتادة، وحميد بن هلال عن مطرف نحوه، وروى غندر ويحيى بن سعيد عنه. ومن حديث مسدد قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: ما قدم علينا البصرة رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل فضلا من عمران بن حصين، أتت   [ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب (23) جواز التمتع، حديث رقم (167) ، (168) ، وقال في الحديث الأول: «وقد كان يسلّم عليّ حتى اكتويت فتركت، ثم تركت الكيّ فعاد» وقال في الحديث الثاني مخاطبا مطرف: «فإن عشت فأكتم عني، وإن متّ فحدث بها إن شئت، إنه قد سلّم عليّ» . قال الإمام النووي: قوله «وقد كان يسلّم عليّ حتى اكتويت فتركت، ثم تركت الكيّ فعاد» ، فقوله: يسلّم عليّ، بفتح اللام المشددة، وقوله: فتركت، هو بضم التاء، أي انقطع السلام عليّ، ثم تركت- بفتح التاء- أي تركت الكي فعاد السلام عليّ. ومعنى الحديث: أن عمران بن حصين رضي اللَّه تعالى عنه، كانت به بواسير، فكان يصبر على المهمات، وكانت الملائكة تسلّم عليه، فاكتوى، فانقطع سلامهم عليه ثم ترك الكي فعاد سلامهم عليه. أما قوله: فإن عشت فأكتم عني، فأراد به الإخبار بالسلام عليه، لأنه كره أن يشاع عنه ذلك في حياته، لما فيه من التعرض للفتنة، بخلاف ما بعد الموت. (مسلّم بشرح النووي) : 8/ 456- 457. وفي (خ) : «إني لا أرى» ، وما أثبتناه من (الطبقات) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 عليه ثلاثون سنة تسلم عليه الملائكة من حوانيت بيته. قال أبو نعيم: عني يحيى ابن سعيد المستوطنين من الصحابة لا المجتازين [ (1) ] .   [ (1) ] وعمران بن حصين هو: عمران بن الحصين بن عبيد بن خلف بن عبد نهم بن خريبة بن جهمة بن غاضرة بن حبشية بن كعب بن عمرو، ويكنّى عمران أبا نجيد. أسلم قديما هو وأبوه وأخته، وغزا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوات. ولم يزل في بلاد قومه، وينزل إلى المدينة كثيرا إلى أن قبض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومصّرت البصرة فتحول إليها فنزلها إلى أن مات بها سنة ثنتين وخمسين في خلافة معاوية. وحديث تسليم الملائكة عليه مشهور في كتب الطبقات والتراجم، له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 7/ 9- 12 في تسمية من نزل البصرة من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، (الاستيعاب) 3/ 1208، ترجمة رقم (1969) ، (الإصابة) : 4/ 705، ترجمة رقم (6014) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 [الخامس بعد المائة: نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن] وأما نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن في زمن المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج البخاري ومسلم من حديث أبي خيثمة زهير عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين، فغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر له ذلك، فقال: تلك السكينة تنزلت للقرآن. قال البخاري: وإلى جانبه فرس مربوط بشظيين، وقال: فجعلت تدنو وتدنو، وقال: نزلت بالقرآن. ترجم عليه باب فضل [سورة] الكهف [ (1) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 69- 70، كتاب فضائل القرآن، باب (11) فضل [سورة] الكهف، حديث رقم (5011) ، (مسلم بشرح النووي) : 6/ 329، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (36) نزول السكينة لقراءة القرآن، حديث رقم (240) . قوله: «وعنده فرس مربوط بشطنين» ، هو بفتح الشين المعجمة، والطاء، وهما تثنية شطن [وجمعه أشطان] ، وهو الحبل الطويل المضطرب. قال محققه: [قال عنترة] : [لما رأيت القوم أقبل جمعهم ... يتذامرون كررت غير مذمّم] [يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم] قوله: «وجعل فرسه تنفر» ، وفي الرواية الثانية: «فجعلت ينفر» ، وفي الثالثة «وجعل فرسه ينفر» ، غير أنهما قالا: «ينقز، أما الأوليان: فبالفاء والراء بلا خلاف، وأما الثالثة: فبالفاء المضمومة وبالزاي، وحكاه القاضي عياض عن بعضهم وغلّطه، ومعنى «ينقز» بالقاف والزاي: يثب. قوله: «فتغشّته سحابة فجعلت تدور وتدنو، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: تلك السكينة نزلت للقرآن» ، وفي الرواية الأخيرة: «تلك الملائكة كانت تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم» . قد قيل في معنى السكينة هنا أشياء، المختار منها: أنها شيء من مخلوقات اللَّه تعالى، فيه طمأنينة ورحمة، ومعه الملائكة. واللَّه أعلم. وفي هذا الحديث: جواز رؤية آحاد الأمة الملائكة، وفيه فضيلة القراءة، وأنها سبب نزول الرحمة، وحضور الملائكة، وفيه فضيلة استماع القرآن. قوله: «اقرأ يا فلان» ، وفي الرواية الأخرى: «اقرأ» ثلاث مرات، معناه: كان ينبغي أن تستمر على القرآن، وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة، وتستكثر من القراءة التي هي سبب بقائها. قوله: «وفي الرواية السابقة: «أي وثبت» ، وقال هنا: «جالت» ، فأنّث الفرس، وفي الرواية السابقة: «وعنده فرس مربوط» ، فذكّره، وهما صحيحان، والفرس يقع على الذكر والأنثى. (مسلم بشرح النووي) : 6/ 329- 331: باختصار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 وأخرجاه أيضا من حديث شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء، ذكره البخاري في باب علامات النبوة في الإسلام، ولفظهما: قال: سمعت البراء يقول: قرأ رجل سورة الكهف وفي الدار دابة، فجعلت تنفر، فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته. قال: فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اقرأ فلان، فإنّها السكينة تنزلت عند القرآن، أو تنزلت للقرآن، وقال البخاري: فسلم فإذا ضبابة أو سحابة، وقال في آخره: فإنّها السكينة نزلت أو تنزلت للقرآن [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث الليث قال: حدثني يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم، عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت [الفرس] [ (2) ] ، فسكت وسكت [الفرس] [ (2) ] ، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه، فلما اجترّه رفع رأسه [ (3) ] إلى السماء حتى يراها. فلما أصبح حدّث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير، قال: فأشفقت [يا رسول اللَّه] [ (3) ] أن تطأ يحيى- وكان منها قريبا- فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلمة [ (4) ] فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: وتدري ما ذاك؟ [قال: لا] [ (2) ] ، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم [ (5) ] . قال ابن الهاد: وحدثني هذا الحديث عبد اللَّه بن خبّاب، عن أبي سعيد الخدريّ، عن أسيد بن حضير هكذا [ (5) ] . [ذكره غير متصل الإسناد] ، وترجم   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 771، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3614) ، (مسلم بشرح النووي) : 6/ 329، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (36) نزول السكينة لقراءة القرآن، والرواية المذكورة في (خ) ، هي رواية مسلم. [ (2) ] زيادة يقتضيها السياق من (البخاري) . [ (3) ] في (خ) : «طرفة» ، وما أثبتناه من (البخاري) . [ (4) ] في (خ) : «الظلة» ، وما أثبتناه من (البخاري) . [ (5) ] (فتح الباري) : 9/ 77، كتاب فضائل القرآن، باب (15) نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن، حديث رقم (25018) . قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : ودل سياق الحديث على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 عليه باب نزول السكينة والملائكة عند القراءة [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا أبي حدثنا يزيد بن الهاد، أن عبد اللَّه بن خبّاب حدثه أن أبا سعيد الخدريّ حدثه أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده، إذ جالت فرسه، فقرأ، ثم جالت أخرى [ثم جالت أيضا] [ (2) ] ، قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى، فقمت إليها فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السّرج عرجت في الجوّ حتى ما أراها. قال: فغدوت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللَّه! بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي إذ جالت فرسي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقرأ ابن حضير، قال: فقرأت ثم جالت أيضا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقرأ ابن حضير، قال: فانصرفت- وكان يحيى قريبا منها خشيت أن تطأه- فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السّرج، عرجت في الجوّ حتى ما أراها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تلك الملائكة   [ () ] محافظة أسيد على خشوعه في صلاته، لأنه كان يمكنه أول ما جالت الفرس أن يرفع رأسه، وكان كان بلغه حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن رفع المصلى رأسه إلى السماء، فلم يرفعه حتى اشتد به الخطب، ويحتمل أن يكون رفع رأسه بعد انقضاء صلاته، فلهذا تمادي به الحال ثلاث مرات (المرجع السابق) . ولما قال النووي: في هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة للملائكة، كذا أطلق، وهو صحيح، لكن الّذي يظهر التقييد بالصالح مثلا، والحسن الصوت، قال: وفيه فضيلة القراءة، وأنها سبب نزول الرحمة، وحضور الملائكة، فقال الحافظ في (الفتح) : الحكم المذكور أعم من الدليل، فالذي في الرواية إنما نشأ عن قراءة خاصة، من سورة خاصة، بصفة خاصة، ويحتمل من الخصوصية ما لم يذكر، وإلا لو كان على الإطلاق لحصل ذلك لكل قارئ. وقد أشار في آخر الحديث بقوله: «ما يتوارى منهم» ، إلى أن الملائكة لاستغراقهم في الاستماع كانوا يستمرون على عدم الاختفاء الّذي هو من شأنهم، وفيه منقبة لأسيد بن حضير، وفضل قراءة سورة البقرة في صلاة الليل، وفضل الخشوع في الصلاة، وأن التشاغل بشيء من أمور الدنيا ولو كان من المباح قد يفوّت الخير الكثير، فكيف لو كان بغير الأمر المباح؟. [ (1) ] أما عن قول المقريزي رحمه اللَّه: [ذكره غير متصل الإسناد] ، فقد قال الحافظ في الفتح: «عن محمد بن إبراهيم» ، هو التميمي، وهو من صغار التابعين، ولم يدرك أسيد بن حضير، فروايته عنه منقطعة، لكن الاعتماد في وصل الحديث المذكور على الإسناد الثاني. قال الإسماعيلي: محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير مرسل، وعبد اللَّه بن خباب عن أبي سعيد متصل، ثم ساقه عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه، عن يزيد بن الهاد بالإسنادين جميعا وقال: هذه الطريق على شرط البخاري. (فتح الباري) : 9/ 77- 78. [ (2) ] زيادة يقتضيها السياق من (صحيح مسلم) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 كانت تسمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم [ (1) ] . وخرجه أبو نعيم من حديث يحيى بن بكير قال: حدثني الليث بن سعد عن يزيد بن عبد اللَّه، عن أسامة عن عبد اللَّه بن خبّاب، عن أبي سعيد الخدريّ، عن أسيد بن حضير أنه كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، قال: وقرأت ليلة سورة البقرة ... فذكره [ (2) ] . وخرجه من حديث يحيى بن أيوب عن ابن الهاد ... ، الحديث وزاد: اقرأ يا أسيد فقد أوتيت من مزامير آل داود [ (3) ] . وخرجه من حديث عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن يحيى عن أبي سلمة قال: بينا أسيد بن حضير الأنصاري يصلي بالليل، قال: إذ غشيتني مثل السحابة فيها أمثال المصابيح، والمرأة نائمة إلى جانبي، والفرس مربوط في الدار، فخشيت أن ينفر الفرس فتفزع المرأة فتلقى ولدها، فانصرفت من صلاتي، فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حين أصبحت، فقال: اقرأ يا أسيد، فإن ذلك ملك استمع القرآن. وفي رواية تسمّع القرآن. وخرجه أيضا من حديث عبيد اللَّه بن عمر، عن زيد بن أسلم، عن أسيد ابن حضير قال: كنت أصلي في ليلة قمرة وقد أوثقت فرسي، فجالت جولة ففزعت، ثم جالت أخرى فرفعت رأسي، وإذا ظلة قد غشيتني، وإذا هي قد حالت بيني وبين القمر، ففزعت، فدخلت البيت. فلما أصبحت ذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: تلك الملائكة جاءت تسمع قراءتك من آخر الليل [سورة] البقرة، وكان أسيد بن حضير حسن الصوت. وذكره أيضا من عدة طرق بزيادات ونقص، والمعنى متقارب.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 330- 331، كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب (36) نزول السكينة لقراءة القرآن، حديث رقم (242) . وقد سبق شرحه. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 560- 561، قصة فرس أسيد بن حضير، حديث رقم (502) . [ (3) ] سند هذه الفقرة في (دلائل أبي نعيم) : «وفي حديث سليمان بن أحمد» ولم يذكر باقي السند. ذكرها عقب الحديث السابق (502) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 [السادس بعد المائة: انقلاب بضعة لحم فهرا [ (1) ]] وأما انقلاب بضعة لحم فهرا، فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الربيع بن بدر، عن الجريريّ عن بعض أشياخه قال: أهدي لأم سلمة رضي اللَّه عنها بضعة من لحم مشوية، فقالت: ارفعيها [حتى] يأتينا اليوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوافق مسكين بابنا، فقال: بورك فيه ولم تطعمه، فجاء صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: خبيئة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجاءت بها فإذا هي فهر، فقلت: إنا للَّه! واللَّه إنها لبضعة أهدت لنا أم فلان، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلعلك وافقك سائل؟ فقالت: أجل، قال: فإنما وعظتم بذا، قال: فما زال حجرا في ناحيته بيتها تدق به حتى ماتت رضي اللَّه عنها [ (2) ] . قال أبو نعيم: رواه عاصم بن علي، وخارجة بن مصعب، عن الجريريّ- مولى لعثمان- عن أم سلمة. واللَّه أعلم [ (3) ] .   [ (1) ] الفهر: الحجر. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 560، باب انقلاب اللحم إلى حجر، حديث رقم (501) باختلاف في اللفظ، وهذا الحديث انفرد به أبو نعيم ولم أجده عند غيره، وهو منقطع السند، والربيع بن بدر متروك كما قال النسائي، وقال غيره: ضعيف. [ (3) ] هنا ينتهي الجزء الثالث من تقسيم أجزاء النسخة (خ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 فصل في ذكر أبناء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة بنين: القاسم، وعبد اللَّه، وإبراهيم، وفي رواية مدارها على داود بن المحبر- صاحب كتاب (العقل) - أن عائشة رضي اللَّه عنها جاءت بسقط فسماه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عبد اللَّه، وكناها به، وفيه نظر. فالقاسم أمه خديجة بنت خويلد، وهو أكبر ولده، وبه يكنّى، وقد مشى وهو ابن سنتين، وعبد اللَّه أيضا أمّه خديجة، ويقال له الطيب والطاهر، ولد بعد النبوّة، ومات صغيرا بمكة، فقال العاص بن وائل: محمد أبتر لا يعيش له ذكر، فأنزل اللَّه تعالى فيه: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (1) ] . وروى جعفر بن محمد الصادق عن أبيه قال: توفي القاسم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة فمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو آت من جنازته على العاص بن وائل وابنه عمرو ابن العاص، فقال عمرو حين رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأشنؤه، فقال العاص: لا جرم لقد أصبح [أبترا] ، وأنزل اللَّه تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (1) ] .   [ (1) ] الكوثر: 3، شانِئَكَ أي مبغضك يا محمد، ومبغض ما جاءت به من الهدى والحق، والبرهان الساطع، والنور المبين، هُوَ الْأَبْتَرُ الأقل الأذل، المنقطع ذكره. قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة: نزلت في العاص بن وائل، إذا ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: دعوه، فإنه رجل أبتر، لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل اللَّه تعالى هذه السورة. وقال شمر بن عطية: نزلت في عقبة بن أبي معيط، وقال ابن عباس وعكرمة: نزلت في كعب ابن الأشرف، وجماعة من كفار قريش. وقال البزار: حدثنا زيادة بن يحيى الحساني، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة، فقالت له قريش: أنت سيدهم، ألا ترى إلى هذا الصنبر المنبتر من قومه؟ يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة، وأهل السقاية، فقال: أنتم خير منه. قال: فزلت: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ، وهكذا رواه البزار، وهو إسناد صحيح، وعن عطاء قال: نزلت في أبي لهب، وذلك حين مات ابن لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فذهب أبو لهب إلى المشركين، فقال: بتر محمد الليلة، فأنزل اللَّه في ذلك: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ. وعن ابن عباس: نزلت في أبي جهل، وعنه إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ، يعني عدوك، وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم. وقال عكرمة: الأبتر هو الفرد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 ويقال: إن عبد اللَّه غير الطيب وغير الطاهر، وروى معمر عن ابن هشام أنه قال: زعم بعض العلماء أنها ولدت- يعني خديجة- ولدا يسمى الطاهر، وقال ابن إسحاق: ولدت له خديجة: زينب ورقية، وأم كلثوم وفاطمة، والقاسم- وبه كان يكنى- والطاهر والطيب، فأما القاسم والطاهر والطيب فهلكوا في الجاهلية، وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام وأسلمن وهاجرن معه، وقد قيل: بل عبد اللَّه هو الطيب وهو الطاهر. قال قتادة: ولدت له خديجة غلامين وأربع بنات، القاسم- وبه كان يكنى- وعاش حتى مشى، وعبد اللَّه مات صغيرا، ومن النساء: فاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم. وقال الزبير بن بكار: ولد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القاسم- وهو أكبر ولده- ثم زينب، ثم عبد اللَّه، وكان يقال له الطيب ويقال الطاهر، ولد بعد النبوة، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، هكذا الأول ثم الأول، ثم مات القاسم بمكة، وهو أول ميت، ولد بعد الوحي، وزينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة، أمهم كلهم خديجة، فهذا قول مصعب والزبير. وأكثر أهل النسب [على] أن عبد اللَّه هو الطيب والطاهر بثلاثة أسماء، وقال الكلبي [ (1) ] : زينب ثم القاسم ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية ثم عبد اللَّه، وكان يقال له: الطيب والطاهر، قال: وهذا هو الصحيح، وغيره تخليط.   [ () ] وقال السديّ: كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا: بتر، فلما مات أبناء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالوا: بتر، فأنزل اللَّه: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ، وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الّذي مات انقطع ذكره، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه انقطع ذكره. وحاشا وكلا، بل قد أبقى اللَّه ذكره على رءوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رقاب العباد، مستمرا على دوام الآباد، إلى يوم المحشر والمعاد، صلوات اللَّه وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد، (تفسير ابن كثير) : 4/ 598، (تنوير المقباس) : 520، (البحر المحيط) : 10/ 557، (فتح الباري) : 8/ 948- 949، كتاب التفسير: باب (108) سورة إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، (الكشاف: 4/ 237- 238. [ (1) ] (جمهرة النسب للكلبي) : 30. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 وقال ابن حزم [ (1) ] : وروينا من طريق هشام بن عروة عن أبيه، أنه كان له عليه السلام [ولد] اسمه عبد العزى قبل النبوة، قال: وهذا بعيد، والخبر مرسل. ولا حجة في مرسل. وإبراهيم أمه مارية القبطية، ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة بالعالية بالموضع الّذي يقال له: مشربة أم إبراهيم، وكانت قابلتها سلمى مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، امرأة أبي رافع، فبشّر أبو رافع [به] [ (2) ] النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوهب له عبدا، فلما كان يوم سابعه عقّ عنه بكبشين، وحلق رأسه، حلقه أبو هند البياضي من الأنصار، قال الزبير بن بكار: وسماه يومئذ، وتصدق بوزن شعره ورقا على المساكين، وأخذوا شعره فجعلوه في الأرض مدفونا [ (3) ] .   [ (1) ] (جمهرة أنساب العرب لابن حزم) : 16. [ (2) ] زيادة للسياق من (المواهب) . [ (3) ] (المواهب اللدنية) : 2/ 68، وقال ابن الجوزي في ذكر أولاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الذكور من أولاده: القاسم، أمه خديجة، وبه كان يكنى صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو أول من مات من أولاده، وعاش سنتين. وعبد اللَّه: وهو «الطاهر والطيب» ، ولد له في الإسلام- يعني بعد الرسالة- وقال الهيثم بن عدي: حدثني هشام بن عروة عن أبيه قال: ولدت له خديجة عبد العزى، وعبد مناف، والقاسم، قلت لهشام: فأين الطيب والطاهر؟ قال: هذا ما وضحتم أنتم يا أهل العراق، فأما أشياخنا فقالوا: عبد العزى وعبد مناف. قال المصنف: الهيثم كذاب لا يلتفت إلى قوله، قال لنا شيخنا ابن ناصر: لم يسمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد مناف ولا عبد العزى قط، وقال عروة: ولدت خديجة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم القاسم، والطاهر، وعبد اللَّه، والمطيّب. وعن سعيد بن عبد العزيز قال: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أربعة غلمة: إبراهيم، والقاسم، والطاهر، والمطهّر. قال أبو بكر البرقي: إن الطاهر هو الطيب، وهو عبد اللَّه، وفرّق قوم بينهما، ويقال: إن الطيب والمطيّب ولدا في بطن، والطاهر والمطهّر ولدا في بطن. (تلقيح فهوم أهل الأثر) : 30، ذكر أولاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، (الوافي بالوفيات) : 1/ 81، أولاده صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال محققه: ومما يدحض قول من قال: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولدت له خديجة فيمن ولدت من الذكور من تسمى بعبد العزى، ما قاله بحيرا الراهب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا غلام، أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأي حق لهما عندي؟ لا تسألني بحق اللات والعزى، فو اللَّه ما أبغضت شيئا قط بغضهما، وما تأملتهما بالنظر إليهما كراهة لهما، ولكن اسألني باللَّه، أخبرك عما تسألني عنه إن كان عندي علم، قال بحيرا: فباللَّه أسألك، وجعل يسأله عن أشياء من أحواله فيخبره. (دلائل أبي نعيم) : 1/ 168، ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الشام في المرة الأولى، وما اشتمل عليه ذلك من الدلائل المتقدمة لنبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو ابن عشر سنين، حديث رقم (108) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 وقد صحّ من حديث ثابت [البناني] [ (1) ] عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولد لي الليلة غلام فسميته باسم [أبي] [ (1) ] إبراهيم، وتنافست نساء الأنصار في إبراهيم من ترضعه منهن، وأحبوا أن يفرغوا ماريّة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لما يعلمون من ميله إليها، فجاءت أم بردة كبشة بنت المنذر بن زيد بن أسيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، امرأة البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار [ (2) ] [الأنصاري] [ (3) ] فكلمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ترضعه، فأعطاها إياه، فكانت ترضعه بلبن ابنها، فكان إبراهيم في بني مازن بن النجار، إلا أن أمه تؤتي به ثم يعاد إلى منزل ظئرة أم بردة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأتي أم بردة فيقيل عندها، ويخرج إليه إبراهيم فيحمله ويقبله. وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قطعة من غنم ضأن ترعى بالقف، ولقائح بذي الجدر تروح على مارية، وكان يؤتي بلبنها كل ليلة فتشرب منه وتسقي ابنها إبراهيم، فكان جسمها وجسم ابنها حسنا، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما بإبراهيم وهو عند عائشة رضي اللَّه عنها، فقال: انظري إلى شبهه بي! فقالت: ما أرى شبها، قال: ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟ فقالت: من قصرت عليه اللقاح، وسقي ألبان الضأن، سمن وابيضّ. وكانت عائشة رضي اللَّه عنها تقول: ما غرت على امرأة غيرتي على مارية، وذلك لأنها كانت جميلة جعدة الشعر، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معجبا بها، ورزق منها الولد وحرمناه، وأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أم بردة قطعة من نخل [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة للنسب من (صحيح مسلم) . [ (2) ] زيادة للنسب من (الإصابة) . [ (3) ] قال ابن شاهين: عن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن زيد عن رجاله، أنه شهد أحدا وما بعدها، قال: وهو زوج مرضعة إبراهيم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، واسمها خولة بنت المنذر بن زيد (الإصابة) : 1/ 277، ترجمة رقم (616) . [ (4) ] حديث ثابت البناني عن أنس، ذكره المصنف وأضاف إليه سياقات بزيادة ألفاظ وعبارات أخرجته عن النص الّذي ذكره الإمام مسلم في (الصحيح) ونصه: حدثنا هداب بن خالد وشيبان بن فروخ، كلاهما عن سليمان- واللفظ لشيبان- حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولد لي الليلة غلام، فسميته باسم أبي إبراهيم، ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين يقال له: أبو سيف، فانطلق يأتيه واتبعته، فانتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 وروى عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنه أنه قال: لما ولد إبراهيم ابن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أعتق أمّ إبراهيم ولدها [ (1) ] ، وقال: استوصوا بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما [ (2) ] وكانت هاجر أم إسماعيل عليه السلام منهم،   [ () ] قد امتلأ البيت دخانا، فأسرعت المشي بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: يا أبا سيف! أمسك، جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمسك، فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالصبي فضمّه إليه، وقال ما شاء اللَّه أن يقول، فقال أنس: لقد رأيته وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدمعت عينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، واللَّه يا إبراهيم إنا بك لمحزونون. والحديث الّذي يليه: حدثنا زهير بن حرب، ومحمد بن عبد اللَّه بن نمير- واللفظ لزهير- قالا: حدثنا إسماعيل- وهو ابن علية- عن أيوب عن عمرو بن سعيد، عن أنس بن مالك قال: ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: كان إبراهيم مسترضعا له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وإنه ليدخن، وكان ظئره قينا، فيأخذه فيقبله، ثم يرجع، قال عمرو: فلما توفي إبراهيم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة. والقين بفتح القاف: الحداد. وفي الحديث الأول: جواز تسمية المولود يوم ولادته، وجواز التسمية بأسماء الأنبياء صلوات اللَّه عليهم وسلامه، وفيه استتباع العالم الكبير بعض أصحابه إذا ذهب إلى منزل قوم ونحوه، وفيه الأدب مع الكبار، وفيه جواز البكاء على المريض والحزن، وأن ذلك لا يخالف الرضا بالقدر، بل هي رحمة جعلها اللَّه في قلوب عباده، وإنما المذموم الندب والنياحة، والويل والثبور، ونحو ذلك من القول الباطل، ولهذا قال: «ولا نقول إلا ما يرضي ربنا» . وفي الحديث الثاني بيان كريم خلقه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورحمته للعيال والضعفاء، وفيه جواز الاسترضاع، وفيه فضيلة رحمة العيال والأطفال وتقبيلهم. مختصرا من (مسلم بشرح النووي) : 15/ 81- 83، كتاب الفضائل، باب (15) رحمته صلّى اللَّه عليه وسلّم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، حديث رقم (62) و (63) . وسيأتي لذلك مزيد بيان إن شاء اللَّه تعالى في تراجم أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (1) ] أخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 841، كتاب العتق، (2) باب أمهات الأولاد، حديث رقم (2515) : حدثنا على بن محمد، ومحمد بن إسماعيل، قالا: حدثنا وكيع، حدثنا شريك، عن حسين ابن عبيد اللَّه عن عبيد اللَّه بن عباس، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إيماء رجل ولدت أمته منه فهي معتقه عن دبر منه. ثم قال في الحديث الّذي يليه (2516) : ... عن الحسين ابن عبد اللَّه، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ذكرت أم إبراهيم عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أعتقها ولدها. ثم قال تعليقا على الحديثين: في إسناده الحسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عباس، تركه المديني وغيره، وضعّفه أبو حاتم وغيره، وقال البخاري: إنه كان يتّهم بالزندقة. (المرجع السابق) . [ (2) ] (كنز العمال) : 12/ 34019، وقال: في آخره: (ابن سعد عن كعب بن مالك) ، ورقم (34020) : إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإنّهم لهم ذمة ورحما، (البغوي، طب، ك- عن كعب بن مالك. ورقم (34021) : إذا ملكتم القبط فأحسنوا إليهم، فإن لهم ذمة وإن لهم رحما. (ابن سعد عن الزهري مرسلا) ، ورقم (34022) : إن اللَّه سيفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرا فإن لكم منهم صهرا وذمة. (كر- عن عمر) ، ورقم (34023) : اللَّه اللَّه في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل اللَّه (طب- عن أم سلمة) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 وقال: لو عاش إبراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطي [ (1) ] ، ولما ولد إبراهيم أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل عليه السلام فقال له: يا أبا إبراهيم. وتوفي إبراهيم في بني مازن عند أم بردة، وهو ابن ثمانية عشر شهرا في ذي الحجة سنة ثمان، وقيل: بل ولد في ذي الحجة سنة ثمان وتوفي في سنة عشر، وقيل: توفي وهو ابن ستة عشر شهرا وثمانية أيام [ (2) ] ، وقيل: توفي وهو ابن سنة وعشرة أشهر وستة أيام، وقيل: مات وهو له إحدى وسبعون ليلة، والأول أثبت، وذلك سنة عشر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن له لمرضعة تتم رضاعه في الجنة [ (3) ] . وغسلته أم بردة، وقيل غسله الفضل بن العباس- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والعباس رضي اللَّه عنه جالسان على سرير- ثم حمل على سرير صغير، وصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبقيع [ (4) ] ، فقيل له: يا رسول اللَّه- أين ندفنه؟ قال عند فرطنا عثمان ابن مظعون [ (5) ] ، وكان عثمان أول من دفن بالبقيع. وروى ابن إسحاق عن عمر، عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دفن ابنه إبراهيم ولم يصل عليه [ (6) ] والأول أصح، وقيل: معنى لم يصل عليه، يعني في جماعة، أو أمر أصحابه فصلوا عليه ولم يحضرهم [ (7) ] ، لأنه شغل عن الصلاة عليه بأمر كسوف الشمس وصلاته وخطبته. وثبت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكى على ابنه إبراهيم دون رفع الصوت وقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون [ (8) ] ،   [ (1) ] (كنز العمال) : 11/ 470، ذكر إبراهيم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (32206) ، (ابن سعد عن الزهري مرسلا) ، (كنز العمال) : 11/ 472، حديث رقم (32219) ، (ابن عساكر عن البراء) . [ (2) ] (المعارف) : 143، (الاستيعاب) : 1/ 56. [ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 706، كتاب الأدب (109) باب من تسمى بأسماء الأنبياء، حديث رقم (6195) . [ (4) ] (كنز العمال) : 11/ 472، حديث رقم (32218) ، (عن أنس وابن سعد، والروياني عن البراء) . [ (5) ] (الاستيعاب) : 1/ 56. [ (6) ] (المرجع السابق) : 1/ 58. [ (7) ] (المرجع السابق) : 1/ 59، قال ابن عبد البر في (المرجع السابق) : فلا يكون مخالفا لما عليه العلماء في ذلك، وهو أولى ما حمل عليه حديثها في ذلك. واللَّه تعالى أعلم. [ (8) ] (المرجع السابق) : 1/ 57. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 وجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والعباس على شفير قبر إبراهيم، ونزل فيه الفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، وذلك يوم ثلاثاء في آخر شهر ربيع الأول، وقيل: يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، ورأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجة في اللبن فأمر أن تسد، وقال: إنها لا تضر ولا تنفع، ولكنه يقرّ بعين الحي، وإن العبد إذا عمل عملا أحب اللَّه أن يتقنه [ (1) ] . ويروي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج يمشي أمام سرير إبراهيم ثم جلس على قبره، فلما دلى في قبره ووضع دمعت عيناه، فبكى الصحابة حتى ارتفعت أصواتهم، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! أتبكي وأنت تنهى عن البكاء؟ فقال: تدمع العين، وتوجّع القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، ثم دفن، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أحد يأتينا بماء نطهر به قبر إبراهيم؟ فأتى بماء فأمر به فرش به على قبر إبراهيم، وكان أول من رش عليه وختم عليه بيده، وقال عند رأسه: السلام عليك. وفي رواية: أنه وضع يده اليمنى على قبره من عند رأسه وقال: ختمت عليك باللَّه من الشيطان الرجيم، وفي رواية: طبعت عليك باللَّه، وأمر بحجر فوضع عند رأسه [ (1) ] . ووافق موت إبراهيم عليه السلام كسوف الشمس على ثنتي عشرة ساعة من النهار، فقال قوم: إن الشمس انكسفت لموته، [ف] خطبهم صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللَّه لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته [ (2) ] . ويروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال حين حضر قبض إبراهيم وهو مستقبل الجبل: يا جبل! لو بك ما فيّ لهدّك، ولكنا نقول كما أمرنا: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، والحمد للَّه رب العالمين. وخرج ابن عساكر من حديث محمد بن الحسن الأسدي، حدثنا أبو شيبة عن أنس بن مالك قال: لما مات إبراهيم ابن النبي، قال لهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تدرجوه في أكفانه حتى انظر إليه، فجاء فأكب عليه وبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه.   [ (1) ] (الاستيعاب) : 1/ 59 بزيادة ألفاظ ونقصان، لكن المعنى واحد. [ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 58، (مسند أحمد) : 2/ 267، حديث رقم (5960) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 ويقال: إن السرّ في موت ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حياته، أنه لو عاش [لكان نبيا، ولم يكن ليبقى لأن نبيكم آخر الأنبياء] [ (1) ] . وقد أشار حسان بن ثابت إلى هذا في قوله لما مات إبراهيم: مضى ابنك محمود العواقب لم يشن ... بعيب ولم يأثم بقول أو فعل رأى أنه لو عاش ساواك في العلا ... فآثر أن تبقى فريدا بلا مثل [ (2) ] وقد جاء في حديث أن إبراهيم لو عاش لكان نبيا، وليس بقوي. وفي صحيح البخاري عن السدي قال: سألت أنس بن مالك كم كان بلغ إبراهيم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: قد كان بلا مهلة، ولو بقي لكان نبيا، ولكن لم يكن ليبقى لأن نبيكم آخر الأنبياء. وقد روى عيسى بن يونس عن أبي خالد قال: قلت: لا تراني أوفى، أرأيت إبراهيم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: مات وهو صغير، ولو قرأت يكون بعد محمد نبي لعاش، ولكنه لا نبي بعد محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين سياقة مضطرب في (خ) ، وقد استدركناه من كتب السيرة والتراجم. [ (2) ] لم أجدهما في (ديوان حسان بن ثابت) . [ (3) ] قوله: «لو عاش إبراهيم لكان نبيا» ، ورد عن ثلاثة من الصحابة، لكن قال النووي في (التهذيب) ، في ترجمة إبراهيم: وأما ما روى عن بعض المتقدمين: «لو عاش إبراهيم لكان نبيا» ، فباطل، وجسارة على الكلام على المغيبات، ومجازفة، وهجوم على عظيم. ونحوه قول ابن عبد البر في (التمهيد) : لا أدري ما هذا! فقد ولد نوح عليه السلام غير نبيّ، ولو لم يلد النبي إلا نبيا، لكان كل أحد نبيا، لأنهم من ولد نوح. لكن قال الحافظ ابن حجر: ولا يلزم من الحديث المذكور ما ذكره لما يخفى، وكان ابن عبد البر سلف النووي. وقال أيضا: إنه عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة، وكأنه لم يظهر له وجه تأويله، فقال في إنكاره ما قال. وجوابه: أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع، ولا يظن بالصحابي الهجوم على مثل هذا الظن. واعترض الجواب المذكور القاري بأنه بعيد جدا. وقال ابن حجر المكيّ في (الفتاوى الحديثية) : قال السيوطي: صحّ عن أنس أنه سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 [فصل في ذكر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] اعلم أن إجماع من يعتد به انعقد على أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أربع بنات كلهن من خديجة، وهنّ زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة عليهنّ السلام.   [ () ] عن ابنه إبراهيم، قال: لا أدري رحمة اللَّه على إبراهيم لو عاش لكان صدّيقا نبيا. ورواه ابن مندة والبيهقي عن ابن عباس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورواه ابن عساكر عن جابر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وأخرج ابن عساكر أيضا بسنده وقال: فيه من ليس بالقوي عن عليّ بن أبي طالب: لما توفي إبراهيم أرسل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أمه مارية، فجاءته، وغسّلته، وكفّنته، وخرج به، وخرج الناس معه، فدفنه، وأدخل يده في قبره فقال: أما واللَّه إنه لنبي ابن نبي، وبكى المسلمون حوله حتى ارتفع الصوت، ثم قال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يغضب الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون. وروى أبو داود أنه مات وعمره ثمانية عشر شهرا، فلم يصل عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. صححه ابن خزيمة. قال الزركشي: اعتلّ من سلم ترك الصلاة عليه بعلل: منها أنه استغنى بفضيلة أبيه عن الصلاة، كما استغنى الشهيد بفضل الشهادة. ومنها أنه لا يصلي نبي على نبي، وقد جاء لو عاش لكان نبيا. ولا بعد في إثبات النبوة له مع صغره، لأنه كعيسى القائل يوم ولد: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وكيحيى الّذي قال تعالى فيه: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، قال المفسرون: نبّئ وعمره ثلاث سنين، واحتمال نزول جبريل بوحي لعيسى وليحيى يجري في إبراهيم، ويرشحه أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم صام يوم عاشوراء وعمره ثمانية أشهر، ثم قال بعد أن نقل عن السبكي كلاما: وبه يعلم تحقيق نبوة سيدنا إبراهيم في حال صغره، انتهى فأعرفه. وقال في (المقاصد الحسنة) : الطرق الثلاثة: أحدها: ما أخرجه ابن ماجة وغيره عن ابن عباس أنه قال: لما مات إبراهيم ابن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلى عليه وقال: إن له مرضعا في الجنة، ولو عاش لكان صديقا، ولو عاش لاعتقت أخواله من القبط، وما استرق قبطي. وفي سنده إبراهيم بن عثمان الواسطي ضعيف، ومن طريقه أخرجه ابن مندة في (المعرفة) ، وقال: غريب. ثانيها: ما رواه إسماعيل السدّيّ عن أنس قال: كان إبراهيم قد ملأ المهد، ولو بقي لكان نبيا، ولكن لم يكن ليبقى فإن نبيكم آخر الأنبياء. ثالثها: رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لعبد اللَّه بن أبي أوفى أنه قال: رأيت إبراهيم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مات صغيرا، ولو قضي أن يكون بعد محمد نبي عاش إبراهيم ولكن لا نبي بعده. وأخرجه أحمد عن ابن أبي أوفى أنه كان يقول: لو كان بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نبي ما مات ابنه. قال: وعزاه شيخنا للبخاريّ من حديث البراء فيه. وروى أحمد والترمذي وغيرهما، عن عقبة بن عامر رفعه: لو كان بعدي نبي لكان عمر. وورد عن جماعة آخرين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 فزينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت أكبر بناته، ولدت سنة ثلاثين من مولده، ولا خلاف أنها أسن بناته، إلا ما لا يصح ولا يلتفت إليه، وإنما الخلاف بين القاسم وزينب أيهما ولد أولا، فقالت طائفة من أهل العلم بالنسب: أول ولد ولد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القاسم ثم زينب، وقال ابن الكلبي: زينب ثم القاسم.   [ () ] وقال القاري ويشير إلى قوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ: فإنه يومئ إلى أنه لا يعيش له ولد يصل إلى مبلغ الرجال، فإن ولده من صلبه يقتضي أن يكون لبّ قلبه، كما يقال: الولد سرّ أبيه، ولو عاش وبلغ أربعين سنة وصار نبيا، لزم أن يكون نبيا خاتم النبيين. ثم يقرب من هذا الحديث ما رواه أحمد والحاكم عن عقبة مرفوعا: لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب. قلت: ومع هذا لو عاش إبراهيم وصار نبيا لكان من أتباعه، وكذا لو صار عمر نبيا لكان من أتباعه، كعيسى والخضر وإلياس، فلا يناقض قوله تعالى: وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ، إذ المعنى أنه لا يأتي نبي بعده ينسخ ملته، ولم يكن من ملته، وبقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي. وقال النجم: وأورده السيوطي في (الجامع الصغير) بلفظ: لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا، وقال: أخرجه البارودي عن أنس، وابن عساكر عن جابر، وعن ابن عباس، وعن ابن أبي أوفى. (كشف الخفا ومزيل الالتباس) : 2/ 156، حديث رقم (2101) ، (الفوائد المجموعة) : 398، ذكر إبراهيم رضي اللَّه عنه، حديث رقم (135) ، (ضعيف سنن ابن ماجة للألباني) وقال: هذه الروايات وإن كانت موقوفة فلها حكم الرفع، إذ هي من الأمور الغيبية التي لا مجال للرأي فيها، فإذا عرفت هذا يتبين لك ضلال القاديانية في احتجاجهم بهذه الجملة «لو عاش إبراهيم لكان نبيا» ، على دعواهم الباطلة في استمرار النبوة بعده صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنها لا تصح هكذا عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإن ذهبوا إلى تقويتها بالآثار التي ذكرنا، كما صنعنا نحن، فهي تلقمهم حجرا، وتعكس دليلهم عليهم، إذ أنها تصرح أن وفاة إبراهيم عليه السلام صغيرا كان بسبب أنه لا نبي بعده صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولربما جادلوا في ذلك- كما هو دأبهم- وحاولوا أن يوهنوا من الاستدلال بهذه الآثار، وأن يرفعوا عنها حكم الرفع، ولكن لم ولن يستطيعوا الانفكاك مما ألزمناهم به من ضعف دليلهم هذا ولو من الوجه الأول، وهو أنه لم يصح عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرفوعا صراحة (المرجع السابق) : 115- 116، (27) باب ما جاء في الصلاة على ابن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر وفاته، حديث رقم (332) ، وحديث رقم (333) ، (الأسرار المرفوعة) : 290، حديث رقم (379) ، (المقاصد الحسنة) : 547- 548، حديث رقم (893) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 [زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] وكانت زينب عليها السلام عند أبي العاص بن [الربيع] بن عبد العزى بن عبد شمس، وأمه هالة ابنة خويلد، فهو ابن أخت خديجة لأبيها وأمها، وابن خالة زينب، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محبا في زينب، أسلمت وهاجرت حين أتى زوجها أبو العاص أن يسلم، وقد ولدت منه عليا وأمامة، وتوفيت سنة ثمان من الهجرة، وغسلتها سودة بنت زمعة، وأم سلمة رضي اللَّه عنهما. وسبب موتها أنها خرجت من مكة مهاجرة، عهد إليها هبار بن الأسود بن عبد المطلب بن عبد العزى بن قصيّ، ومعه نافع بن عبد قيس- وقيل نافع بن لقيط، وقيل: هو خالد بن عبد قيس، ونافع بن قيس أصحّ، وهو نافع بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن ظرب بن الحرث بن فهد- فدفعها أحدهما على صخرة فأسقطت وأهراقت الدماء، فلم يزل بها مرضها ذلك حتى ماتت. وكان زوجها محبا لها ومن شعره فيها- وقد خرج إلى الشام تاجرا-: ذكرت زينب لما جاورت أرما ... فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما بنت الأمين جزاها اللَّه صالحة ... وكل بعل سينبى بالذي علما [ (2) ]   [ (1) ] لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 8/ 30- 36، (تاريخ خليفة) : 92، (التاريخ الصغير) : 1/ 7، (المعارف) : 72، 127، 140، 141، 142، (المستدرك) : 4/ 45- 50، ذكر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد فاطمة رضي اللَّه عنهن، ذكر زينب بنت خديجة رضي اللَّه عنهما وهي أكبر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، (الإصابة) : 7/ 665- 166، ترجمة (11217) ، وفي هذه التراجم ذكر فدائها أبي العاص بن الربيع بقلادة كانت أدخلتها بها خديجة على أبي العاص حين بنى بها، فلما رآها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رقّ لها رقّة شديدة، قال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الّذي لها. فقد أخرجه ابن سعد من طريق الواقدي، وأخرجه الحاكم من طريق ابن إسحاق وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا: فإن ابن إسحاق قد صرح بالتحديث. [ (2) ] هذان البيتان في (المستدرك) هكذا: ذكرت زينب لما أورثت أرمى ... فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما بنت الأمين جزاها اللَّه صالحة ... وكل بعل سيثنى بالذي علما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 [رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] ورقية اختلف فيها، فقيل: كانت أصغر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: بل ولدت بعد زينب، ولرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة وثلاثون سنة، وكانت عند عتبة بن أبي لهب [ففارقها قبل الدخول] [ (1) ] لما أنزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ بأمر أبويه، فتزوجها عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه بمكة، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، وولدت له عبد اللَّه، وبه كان يكنى، وقدمت معه المدينة، وجاءت تعتب على عثمان فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أحب المرأة تكثر شكاية بعلها، انصرفي إلى بيتك، ومرضت بالحصباء، فتخلف عثمان عن بدر لمرضها، فتوفيت يوم وقعة بدر، ودفنت يوم جاء [زيد بن حارثة] بشيرا بالفتح. وقال قتادة: تزوج عثمان رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتوفيت عنده ولم تلد منه، وهذا وهم من قتادة لم يقله غيره، وكأنه أراد أم كلثوم، فإن عثمان تزوجها بعد رقية فتوفيت عنده ولم تلد منه، هذا قول جمهور أهل النسب. [وفي رواية] عن سعيد بن المسيب قال: أيم عثمان من رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأيمت حفصة من زوجها، فمر عمر وعثمان رضي اللَّه عنهما فقال: هل لك في حفصة؟ - وكان عثمان قد سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يذكرها- فلم يجبه، فذكر ذلك عمر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: هل لك في خير من ذلك؟ أتزوج أنا حفصة، وأزوج عثمان خيرا منها، أم كلثوم. وقد روى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: لما ماتت رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [قال] : لا يدخل القبر رجل قارف [أهله الليلة] [ (2) ] ، فلم يدخل عثمان، وهذا من أوهام حماد، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يشهد دفن رقية، ولا كان   [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، وأثبتناه من (سير أعلام النبلاء) . [ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 ذلك القول منه فيها، وإنما كان ذلك القول منه في أم كلثوم [ (1) ] . وفي البخاري من حديث هلال بن علي، عن أنس قال: شهدنا بنت النبي عليه السلام، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس على القبر، فرأيت عينيه [تدمعان] [ (2) ] ، [قال] [ (2) ] : فقال: هل فيكم [ (3) ] أحد لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا، فقال: انزل في قبرها [ (4) ] . وهذا هو الصحيح في حديث أنس لا قول من ذكر فيه رقية.   [ (1) ] لكن أخرج الحاكم في (المستدرك) : 4/ 51- 52 حديثين في ذكر رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الحديث الأول: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي اللَّه عنه قال: لما ماتت رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة، فلم يدخل عثمان القبر، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، حديث رقم (6851/ 2350) وسكت عنه الذهبي في (التلخيص) . الحديث الثاني: عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: شهدت دفن بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس على القبر، ورأيت عينيه تدمعان فقال: هل منكم رجل لم يقارف الليلة أهله؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول اللَّه، قال: فانزل في قبرها. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، حديث رقم (6853/ 2451) ، قال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] زيادة للسياق من (البخاري) . [ (3) ] وفيه: «هل منكم رجل» في الرواية الثانية، وفيها: «بلال بن علي» . [ (4) ] (فتح الباري) : 3/ 194، كتاب الجنائز، باب (32) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنّته لقول اللَّه تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلكم راع ومسئول عن رعيته، فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة رضي اللَّه عنها: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وهو كقوله تعالى: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ، وما يرخص من البكاء من غير نواح، وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، وذلك أنه أول من سنّ القتل، حديث رقم (1285) . قوله: «شهدنا بنتا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم» ، هي أم كلثوم زوج عثمان، رواه الواقدي عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد، وأخرجه ابن سعد في (الطبقات) في ترجمة أم كلثوم، وكذا الدولابيّ في (الذرية الطاهرة) ، وكذلك رواه الطبري والطحاوي من هذا الوجه، ورواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، فسماها رقية. أخرجه البخاري في (التاريخ الأوسط) ، والحاكم في (المستدرك) ، قال البخاري: ما أدري ما هذا؟ فإن رقية ماتت والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ببدر لم يشهدها قال الحافظ ابن حجر: وهم حماد في تسميتها فقط، ويؤيد الأول ما رواه ابن سعد أيضا في ترجمة أم كلثوم من طريق عمرة بنت عبد الرحمن قالت: نزل في حفرتها أبو طلحة. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لم يقارف» بقاف وفاء، زاد ابن المبارك عن فليح: «أراه يعني الذنب» ، وقيل: معناه لم يجامع تلك الليلة، وبه جزم ابن حزم وقال: معاذ اللَّه أن يتبجح أبو طلحة عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأنه لم يذنب تلك الليلة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 وقال مروان بن محمد الأسدي، عن غزال بن خالد بن يزيد بن عثمان بن عطاء، عن أبيه عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما عزّي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رقية امرأة عثمان قال: الحمد للَّه دفن البنات من المكرمات [ (1) ] ولا خلاف بين أهل السير أن عثمان إنما تخلف عن بدر على امرأته رقية بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وضرب له سهمه وأجره. وذكر عمر بن شيبة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث زيد بن حارثة إلى زينب بنته ليقدم بها عليه المدينة، فخرج بها حتى إذا كانت بسنح أدركها هبار بن الأسود في نفر من قريش، فنخس بها حتى صرعت، فانفكت رجلها، فبلغ عدي بن الربيع- حموها- أخا زوجها أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، فعرض له فرماه بسهم، فخرج السهم في سوأته وأثواه. وقال: عجبت لهبار وأوباش قومه ... يريدون إخفاري ببنت محمد ولست أبالي ما بقيت صحيحها ... إذا استجمعت يوما [ (2) ] يدي بالمهند إذا أنا لم أمنع ظلامة كنتي ... فلا عشت إلا كالخليع المطرّد ألم تر هبارا غداة تبايعت ... به النفس في رأي من الرأي مفنّد مصارعي عن زينب حين رامهت ... على ذي سبب مدمج الحلق أجرد نصبت له مني بقطع مقدم ... على أصفر جبان أسمر محضد فسالت ثمود في دم ... على الخد أحيانا وصفح المقلد قال: ولما نخس هبار بزينب جاء سفيان بن حرب، فأسند ظهره إلى الكعبة ثم قال: أبنت محمد؟.   [ () ] وفي هذا الحديث جواز البكاء كما ترجم له، وإدخال الرجال المرأة قبرها لكونهم أقوى على ذلك من النساء. وحكى عن ابن حبيب أن السرّ في إيثار أبي طلحة على عثمان، أن عثمان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة، فتلطف صلّى اللَّه عليه وسلّم في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريح. وفيه جواز الجلوس على شفير القبر عند الدفن، واستدل به على جواز البكاء بعد الموت، وفيه فضيلة لعثمان لإيثاره الصدق وإن كان عليه فيه غضاضة. وأخرجه البخاري أيضا في كتاب الجنائز، باب (71) من يدخل قبر المرأة، حديث رقم (1342) . [ (1) ] (الاستيعاب) : 4/ 1843، عن عكرمة عن ابن عباس في ترجمة رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رقم (3343) . [ (2) ] في ابن هشام: ولست أبالي ما حييت عديدهم ... وما استجمعت قبضا يدي بالمهنّد وفيه: «كنانة بن الربيع» (سيرة ابن هشام) : 3/ 207- 208 باب شعر هند وكنانة في هجرة زينب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 [أفي] [ (1) ] السلم أعيار [ (2) ] جفاء وغلظة ... وفي الحرب أمثال النساء الحوائض ثم مضى، فأتت هند بنت عتبة بعده- ولا تعلم بموقفه- فأسندت ظهرها إلى الكعبة ثم قالت: أبنت محمد؟. [أفي] السلم أعيار جفاء وغلظة ... وفي الحرب أمثال النساء العوارك [ (3) ] وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث يزيد بن أبي حبيب، عن أبي إسحاق الدوسيّ، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا لقيتم هبار بن الأسود ونافع ابن عبد قيس فحرقوهما بالنار، ثم إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال بعد ذلك: لا يعذب بها إلا اللَّه، ولكن إن لقيتموهما فاقتلوهما [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) . [ (2) ] الأعيار: الحمير. [ (3) ] يقال: عركت المرأة، ودرست، وضحكت، وطمثت: حاضت، قال العوفيّ عن ابن عباس في قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ [هود: 71] : فَضَحِكَتْ أي حاضت. [ (4) ] (الإحسان) : 12/ 425- 426 كتاب الحظر والإباحة، (1) فصل في التعذيب، ذكر الزجر عن أن يعذب أحد من المسلمين بعذاب اللَّه جلّ وعلا، حديث رقم (5611) ، (غوامض الأسماء المبهمة) : 1/ 119، (21) هبار بن الأسود ونافع بن عبد عمرو، (ابن هشام) : 3/ 208 فصل: الرسول يستبيح دم هبّار الّذي روّع ابنته زينب، (سنن الترمذي) : 4/ 117، كتاب السير، باب (20) بدون ترجمة، صفحة رقم (1571) وقال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، وقد ذكر محمد بن إسحاق بين سليمان بن يسار وبين أبي هريرة رجلا في هذا الحديث، وروى غير واحد مثل رواية الليث، وحديث الليث بن سعد أشبه وأصح، (فتح الباري) : 6/ 184، كتاب الجهاد والسير، باب (149) لا يعذب بعذاب اللَّه، حديث رقم (3016) ، قال الحافظ ابن حجر: وعاش هبار هذا إلى خلافة معاوية- وهو بفتح الهاء وتشديد الموحدة- ولم أقف لرفيقه على ذكر في الصحابة، فلعله مات قبل أن يسلم، وفي الحديث جواز الحكم بالشيء اجتهادا ثم الرجوع عنه، واستحباب ذكر الدليل عند الحكم لرفع الالتباس، والاستتابة في الحدود ونحوها، وأن طول الزمان لا يرفع العقوبة عمن يستحقها، وفيه كراهة قتل مثل البرغوث بالنار، وفيه نسخ السنة بالسنة وهو اتفاق. وفيه مشروعية توديع المسافر لأكابر بلده، وتوديع أصحابه أيضا، وفيه جواز نسخ الحكم قبل العمل به أو قبل التمكن من العمل به، وهو الاتفاق إلا عن بعض المعتزلة فيما حكاه أبو بكر بن العربيّ. (المرجع السابق) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 592، حديث رقم (8007) ، 3/ 7، حديث رقم (8256) ، 207، حديث رقم (9534) ، سنن الدارميّ: 2/ 222، باب في النهي عن التعذيب بعذاب اللَّه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 وقال الزبير بن بكار: وهبار بن الأسود هو الّذي نخس بزينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في شقها، من كفار قريش، وكانت حاملا فأسقطت، فذكروا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث سرية وقال: إن لقيتم هبارا فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أحرقوه بالنار، ثم قال: لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا اللَّه، إن وجدتموه فاقتلوه. ثم قدم هبار بعد ذلك مسلما مهاجرا، فاكتنفه ناس من المسلمين يسبونه، فقيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل لك في هبار يسبّ ولا يسبّ؟ وكان هبار في الجاهلية مسباقا، فأتاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا هبار سبّ من يسبّك، فأقبل هبار عليهم فتفرقوا عنه، قال: وقتل زمعة بن الأسود وأخوه عقيل بن الأسود يوم بدر كافرين، وكان هبار بن الأسود مع زمعة ذلك اليوم وابنه الحارث بن زمعة معه أيضا، فجعل زمعة يقول: جار إذا فزعني هبار [ (1) ] . قال الزبير [بن بكار] : وكنانة بن عدي بن ربيعة بن عبد العزى، بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، الّذي خرج بزينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة إلى المدينة، وكانت بدر في رمضان سنة ثنتين من الهجرة كما تقدم، وكان في شأنه علم من أعلام النبوة. قال إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم: إن فتية من الحبشة كانوا قد رأوا رقية وهي هناك مع زوجها عثمان بن عفان، ورأيت فيما يقال: من أحسن البشر كانوا يختلفون إليها ينظرون إليها، ويدرقلون [ (2) ] إذا رأوها بخباء منها، حتى آذاها ذلك في أمرها وهم يبقون أن يؤذوا أحدا منهم لقربه ولما رأوا   [ (1) ] ونحوه في (مغازي الواقدي) : 2/ 858- 859، (البداية والنهاية) : 3/ 400- 401، فصل في قدوم زينب بنت الرسول (ص) من مكة إلى المدينة، (دلائل البيهقي) : 3/ 154، 157، باب ما جاء في زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم امرأة أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى ابن عبد شمس، وهجرتها من مكة إلى أبيها بعد بدر. [ (2) ] درقل القوم درقلة.. إذا مرّوا مرّا سريعا، ودرقل: رقص، قال محمد بن إسحاق: قدم فتية من الحبشة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدرقلون، أي يرقصون.. والدّرقلة: الرقص، والدّرقلة: لعبة للعجم معربة، مختصرا من (لسان العرب) : 11/ 244. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 من حسن جواره، فلما سار النجاشي إلى عدوه ذلك ساروا معه، فقتلهم اللَّه في المعركة لم يفلت منهم رجل واحد [ (1) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 51، كتاب معرفة الصحابة، ذكر رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (6850/ 2448) ، وقال في هامشه: سكت عنه الذهبي في (التلخيص) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 [أم كلثوم بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأم كلثوم- ويقال: اسمها آمنة- ولدت قبل فاطمة عليها السلام، وتزوجها معتب بن أبي لهب، فلم يبن بها حتى بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما بعث فارقها بأمر أبويه، ثم تزوجها عثمان رضي اللَّه عنه بعد موت أختها رقية في ربيع الأول، وبنى عليها في [جمادى الآخرة] من السنة الثالثة، وتوفيت عنده في شعبان سنة تسع، فغسلتها أسماء بنت عميس، وصفية بنت عبد المطلب، وشهدت أم عطية غسلها، وقيل: بل أم عطية هي التي غسّلتها وغسّلت أختها زينب عليهم السلام، وقيل: بل شهدت أم عطية غسل زينب، وحكت قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أغسلها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك ... الحديث. وصلى عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونزل في حفرتها عليّ بن أبي طالب والفضل بن عباس وأسامة بن زيد رضي اللَّه عنهم. وقد روى أن أبا طلحة الأنصاري استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ينزل معهم في قبرها فأذن له [ (1) ] ، وبكى عثمان رضي اللَّه عنه فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما يبكيك؟ قال: انقطاع صهرتي منك يا رسول اللَّه، فقال: كلا، إنه لا يقطع الصهر الموت، إنما يقطعه الطّلاق، ولو كانت عندنا ثالثة لزوجناك، ولم تلد أم كلثوم لعثمان [ (2) ] .   [ (1) ] (الاستيعاب) : 4/ 1952، ترجمة رقم (4201) ، (الإصابة) : 8/ 288، ترجمة رقم (12222) . [ (2) ] ونحوه ما أخرجه الحاكم من حديث عقيل بن خالد، عن ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لقي عثمان بن عفان وهو مغموم، فقال: ما شأنك يا عثمان؟ قال بأبي أنت يا رسول اللَّه وأمي، هل دخل على أحد من الناس ما دخل عليّ؟ توفيت بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحمها اللَّه، وانقطع الصهر فيما بيني وبينك إلى آخر الأبد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتقول ذلك يا عثمان وهذا جبريل عليه السلام يأمرني عن أمر اللَّه عزّ وجلّ أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها وعلى مثل عدتها؟ فزوجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إياها. (المستدرك) : 4/ 54، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6860/ 2458) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 [فاطمة الزهراء بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وقيل لها: الزهراء، كما قيل لزهرة بنت عمرو بن حنتر بن رويبة بن هلال أم خويلد بن أسد الزهراء، وزهرة هذه هي جدة خديجة أم فاطمة عليها وعلى أمها السلام، وسميت البتول أيضا لأنها منقطعة القرين، والبتل القطع، وتكنى أم أبيها، وذكر المطور عن ابن عباس أنها سميت [فاطمة لأن] اللَّه تعالى فطم محبّيها عن النار. وكانت فاطمة وأم كلثوم أصغر بنات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وفاطمة أصغرهما، ولدت سنة [إحدى وأربعين من] مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: ولدت وقريش تبني الكعبة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن خمس وثلاثين، وقيل: ولدت قبل النبوة بخمس سنين، والأول أشبه بالصواب [ (1) ] ، وخطبها أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا أنتظر بها القضاء، ثم خطبها عمر رضي اللَّه عنه فقال له مثل ذلك، فقيل لعلي رضي اللَّه عنه لو خطبت فاطمة، فقال: منعها أبو بكر وعمر، ولا أريد أن يمنعنيها، فحمل على خطبتها فخطبها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في السنة الثانية من الهجرة في رمضان وبنى بها، وقيل: تزوجها في صفر، وقيل: في رجب [ (2) ] وفي (الطبقات) لابن سعد: أنه تزوجها بعد مقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة بخمسة أشهر وبني بها مرجعه من بدر، وهي يوم بنى بها عليّ بنت ثمان عشرة سنة، فباع بعيرا له ومتاعا، فبلغ ثمن ذلك أربعمائة وثمانين درهما، ويقال: أربعمائة درهم، فأمره أن يجعل ثلثها في الطيب وثلثها في المتاع ففعل [ (3) ] .   [ (1) ] (الإصابة) : 8/ 53، ترجمة رقم (11583) . [ (2) ] قال ابن عبد البر: قال السراج: سمعت عبد اللَّه بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي يقول: ولدت فاطمة رضي اللَّه عنها سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأنكح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة عليّ ابن أبي طالب بعد وقعة أحد. وقيل: أنه تزوجها بعد أن ابتنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعائشة بأربعة أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزويجه إياها بتسعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم تزويجها: خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفا، وكانت سنّ على إحدى وعشرين سنة، وخمسة أشهر. (الاستيعاب) : 4/ 1893 ترجمة رقم (4057) . [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 8/ 11. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 وقيل: أصدقها عليّ درعا من حديد وجرد برد- والجرد: الثوب الخلق- وقيل: تزوجها على إهاب شاة وسحق خبزه، وكان علي رضي اللَّه عنه يقول: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحية منه، وتعجن فاطمة على ناحية، وإني لقد تزوجت فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وما لي فراش] غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار وما لي خادم غيرها. وعن عكرمة، استحل على فاطمة ببدن من حديد، وعن علي رضي اللَّه عنه قال: أردت أن أخطب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابنته، فقلت: واللَّه ما لي شيء، ثم ذكرت صلته وعائدته فخطبتها إليه فقال: هل عندك من شيء؟ قلت: لا، قال: فأين درعك [الحطيمة] [ (1) ] التي أعطيتك يوم كذا [وكذا] [ (1) ] ؟ فقلت: هي عندي، قال: [فأعطها] [ (1) ] إياه [ (2) ] ، وكان نكاحها بعد وقعة أحد، وقيل: إنه تزوجها بعد أن بنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعائشة رضي اللَّه عنها بأربعة أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزويجه إياها بتسعة أشهر ونصف وكان سنها يوم تزوجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفا، وسنّ عليّ يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر. وجهّزها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخميل وقربة ووسادة من أدم محشوة بإذخر، فقال عليّ لأمه فاطمة بنت أسد: اكفي بنت رسول اللَّه الخدمة خارجا: سقاية الماء والحاج، وتكفيك العمل في البيت: العجن والطحن [ (3) ] . خرج الحاكم من حديث زائدة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عليّ رضي اللَّه عنه قال: جهز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة عليها السلام في خميل وقربة ووسادة من أدم حشوها ليف. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (4) ] . ويقال: أن سعدا عمل وليمة [فاطمة بكبش] ، وآصع من ذرة أربعة أو خمسة، وولدت لعلي الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، ولم يتزوج عليها حتى ماتت.   [ (1) ] زيادة للسياق من (الإصابة) ، والحطمية التي تحطم السيوف أي تكسرها، وقيل: هي منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع (النهاية) . [ (2) ] (الإصابة) : 8/ 54- 55، ثم قال: وله شاهد عند أبي داود من حديث ابن عباس. [ (3) ] (الاستيعاب) : 4/ 1893- 1894، ترجمة رقم (4057) . [ (4) ] (المستدرك) : 2/ 202، كتاب النكاح، حديث رقم 2755/ 84، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح، (الإصابة) : 8/ 58. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 واختلف في وفاتها، فقيل: بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بستة أشهر، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بثمانية أشهر، وقيل: بسبعين يوما، وقيل: بخمس وسبعين ليلة، وقيل: بستة أشهر إلا ليلتين، وذلك يوم الثلاثاء [لليلات] خلت من رمضان سنة إحدى عشرة [ (1) ] . ولما حضرتها الوفاة أمرت عليا فوضع لها غسلا فاغتسلت وتطهرت، ثم دعت بثياب أكفانها، فأتيت بثياب غلاظ خشنة فلبستها ومسّت من الحنوط، ثم أمرت عليا ألا يكشف عنها إذا قبضت، وأن تدفن كما هي في ثيابها ففعل. وغسلتها أسماء بنت [عميس] وعليّ معا، وصلى عليها عليّ، وقيل: بل صلى عليها العباس رضي اللَّه عنه، وكبّر أربعا، ونزل هو وعلى في قبرها، ودفنت ليلا في دارها التي أدخلها عمر بن عبد العزيز في المسجد، ولم يعلم بها كثير من الناس [ (2) ] .   [ (1) ] (الاستيعاب) : 4/ 1894. [ (2) ] (الإصابة) : 8/ 57- 58. وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، في إسناده ابن إسحاق، وقد كذبه مالك، وهشام ابن عروة، وفيه علي بن عاصم، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرفه بالكذب، وكان أحمد يسيء الرأي فيه، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي متروك الحديث. قال ابن الجوزي: وكيف يكون صحيحا؟ والغسل إنما شرع بحدث الموت فكيف يقع قبله؟ ولو قدرنا خفي هذا عن فاطمة ... فكان يخفى على عليّ، ثم إن أحمد والشافعيّ يحتجان في جواز غسل الرجل زوجته أن عليا غسّل فاطمة عليها السلام. (العلل المتناهية) : 1/ 261- 262، حديث في أنها غسّلت نفسها وماتت. وقال أيضا: وهذا حديث لا يصح. أما محمد بن إسحاق فمجروح، شهد بأنه كذاب مالك، وسليمان التميمي، ووهب بن خالد، وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد. وقال ابن المديني: يحدث عن المجهولين بأحاديث باطلة، وأما عاصم فقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وأما نوح بن يزيد والحكم فكلاهما متشيّع. وأما ابن عقيل فحديثه مرسل، ثم هو ضعيف جدا، قال ابن حبان: كان رديء الحفظ يحدث عن التوهم فيجيء بالخبر على غير سنته، فلما كثر ذلك في أخباره وجب مجانبتها ... هذا لا يصح إضافته إلى عليّ وفاطمة رضي اللَّه عنهما، بل يتنزهون عن مثل هذا. مختصرا من (الموضوعات لابن الجوزي) : 3/ 277، باب ما روى أن فاطمة عليها السلام غسلت بغسلها بعد الموت ولم تغسل قبل الموت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 وقد ذكر عمر بن شيبة عدة أقوال في قبرها، ولم يتحصل منها معرفة موضعه [ (1) ] ، وكان لها يوم توفيت تسع وعشرون سنة، ويقال إحدى وثلاثون سنة وأشهر، و [كانت] أشبه الناس كلاما وحديثا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت إذا دخلت عليه قام لها فقبلها ورحب بها كما كانت هي تصنع به [ (2) ] ، وفضائل فاطمة عليها السلام كثيرة.   [ (1) ] لكن قال الحافظ ابن حجر: وقال الواقدي: قلت لعبد الرحمن بن أبي الموالي: إن الناس يقولون: إن قبر فاطمة بالبقيع، فقال: ما دفنت إلا في زاوية في دار عقيل، وبين قبرها وبين الطريق سبعة أذرع. (الإصابة) : 8/ 60. [ (2) ] عن ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها، ورحّب بها، وكذلك كانت هي تصنع به. قال الذهبي: ميسرة صدوق. وأخرجه أبو داود في (السنن) ، في كتاب الأدب، باب ما جاء في القيام، حديث رقم (5217) ، والترمذي في (الجامع الصحيح) ، في كتاب المناقب، باب مناقب فاطمة بنت محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3871) ، والحاكم في (المستدرك) : 3/ 167، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4732/ 330) وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص) : بل صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 [فصل في ذكر أبناء بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] اعلم أن أبناء بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أربعة: واحد من زينب، وواحد من رقية، واثنان من فاطمة، عليهنّ السلام جميعا. فأما ابن زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإنه علي بن أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، كان مسترضعا في بني غاضرة، فافتصله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبوه يومئذ مشرك، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: من شاركني في شيء فأنا أحق به منه، وأردفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الفتح على راحلته، وقد توفي وقد ناهز الاحتلام [ (1) ] . وأما الّذي من رقية، فعبد اللَّه بن عثمان بن عفان، به كان يكنى عثمان رضي اللَّه عنه، بعد ما كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، وتوفي وقد ناهز الاحتلام وهو ابن ست سنين، ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبره، وذلك سنة أربع من الهجرة [ (2) ] ، ويقال: نقره ديك فمرض من ذلك ومات، ويروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وضعه في حجره ودمعت عينه وقال: إنما يرحم اللَّه من عباده الرحماء، وصلى عليه، ونزل عثمان في حفرته [ (3) ] .   [ (1) ] وقال ابن عساكر: ذهب بعض أهل العلم بالنسب أنه قتل يوم اليرموك، (الإصابة) : 4/ 571، ترجمة رقم (5694) ، (الاستيعاب) : 3/ 1134، ترجمة رقم (1857) ، وذكر الحديث كاملا فقال: من شاركني في شيء فأنا أحق به منه، وأيما كافر شارك مسلما في شيء فالمسلم أحق به منه. [ (2) ] وقال أبو سعيد النيسابورىّ في كتاب (شرف المصطفى) : ذكروا أن عبد اللَّه بن عثمان مات قبل أمه بسنة، قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) : فعلى هذا يكون مات في السنة الأولى من الهجرة إلى المدينة، وقال مصعب الزبيري: لما هاجر عثمان ومعه رقية إلى أرض الحبشة، ولدت له هناك غلاما سماه عبد اللَّه وكني به، وكان قبل ذلك يكنى أبا عمرو. (الإصابة) : 5/ 20، ترجمة رقم (6189 ز) ، وأخرج أبو نعيم من طريق حجاج بن أبي منيع، عن جده، عن الزهري نحوه. (المرجع السابق) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 6/ 265، حديث رقم (21269) ، (السنن الكبرى للبيهقي) : 4/ 65، كتاب الجنائز، باب الرغبة في أن يتعزى بما أمر اللَّه تعالى به من الصبر والاسترجاع، وقال في آخره تعليقا: رواه البخاري في (الصحيح) عن عبدان، وأخرجه مسلم من أوجه عن عاصم، (سنن ابن ماجة) : 1/ 506، كتاب الجنائز، باب (53) ما جاء في البكاء على الميت، حديث رقم (1588) ، (كنز العمال) : 3/ 162، باب الرحمة بالضعفاء والأطفال والشيوخ والأرامل والمساكين وغيرهم، حديث رقم (5967) ، وعزاه إلى الطبراني عن جرير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 وأما ابنا فاطمة فحسن وحسين عليهما السلام وعلى أمهما وأبيهما، [ف] الحسن بن علي بن أبي طالب أبو محمد، سيد شباب أهل الجنة، ولدته فاطمة عليها السلام في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة على الصحيح [ (1) ] ، وعقّ عنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكبش، وأذّن صلّى اللَّه عليه وسلّم في أذنه. خرج الحاكم من حديث عبد اللَّه بن أبي رافع، قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أذّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة [ (2) ] ، رواه أبو داود [ (3) ] والترمذي وقال: حديث صحيح [ (4) ] .   [ (1) ] قال الحافظ ابن حجر: ولد في نصف شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، قاله ابن سعد، وابن البرقي، وغير واحد. وقيل: في شعبان منها، وقيل: ولد سنة أربع، وقيل سنة خمس، والأول أثبت. (الإصابة) : 2/ 68، ترجمة رقم (1721) . وقال ابن عبد البر: ولد في النصف الأول من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة. وهذا أصح ما قيل في ذلك إن شاء اللَّه تعالى، وعقّ عنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم سابعه بكبش، وحلق رأسه، وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة (الاستيعاب) : 1/ 383- 384، باب الأفراد في الحاء، ترجمة رقم (555) . [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 197، كتاب معرفة الصحابة، باب ومن مناقب الحسن والحسين ابني بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4827/ 425) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، لكن قال الذهبي في (التلخيص) : عاصم بن عبد اللَّه ضعّف، ورقم (4828/ 426) وهو قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: زني شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة، وأعطي القابلة رجل العقيقة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، لكن قال الذهبي في (التلخيص) : لا. يعني ليس بصحيح كما قال الحاكم. قال محققه: هذا الحديثان اللذان رواهما أبو عبد اللَّه الحاكم في (المستدرك) كانا في شأن الحسين رضي اللَّه تعالى عنه، ولعل هذا حدث لكل منهما إن صحت الرواية في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [ (3) ] (صحيح سنن أبي داود) : 3/ 961، باب (116) في الصبي يولد فيؤذن في أذنه. [ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 82، كتاب الأضاحي، باب (17) الأذان في أذن المولود، حديث رقم (1514) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، (جامع الأصول) : 1/ 383- 384، حديث رقم (176) ، وقال في آخره: زاد رزين في كتابه: قرأ في أذنه سورة الإخلاص وحنكه بتمرة. ولم أجد هذه الزيادة في الأصول، (شعب الإيمان) : 6/ 389، الباب الستون من شعب الإيمان وهو باب في حقوق الأولاد والأهلين، حديث رقم (8617) ، كلاهما عن عبد اللَّه بن أبي رافع. قال الحافظ البيهقي: فكل من ولد له من المسلمين ذكر أو أنثى فعليه أن يحمد اللَّه جلّ ثناؤه على أن أخرج من صلبه نسمة مثله، تدعى له، وتنسب إليه، فيعبد اللَّه لعبادته، ويكثر به في الأرض أهل طاعته، ثم يؤمر به حدثان مولده بعدة أشياء: أولها: أن يؤذن في أذنيه حين يولد، وذلك بأن يؤذن في أذنه اليمنى ويقيم في أذنه اليسرى. الثانية: أن يحنكه بتمر، فإن لم يجد فبحلو يشبهه، وينبغي أن يتولى ذلك منه من برجى خيره وبركته. والثالثة: أن يعق عنه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 وروى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عقّ عن الحسن والحسين كبشا، ذكره أبو داود، وذكر جرير بن حازم عن قتادة عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عقّ عن الحسن والحسين كبشين [ (1) ] . وذكر يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قال: عقّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الحسن والحسين يوم السابع، وحلق رأسه، وأمر أن يتصدّق بزنته فضة، فوزن شعر أحد الحسنين فوجده ثلثي درهم، وكان قد سماه علي رضي اللَّه عنه حربا، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حسنا [ (2) ] . قال ابن الأعرابي، عن المفضل الضبي، أن اللَّه حجب اسم الحسن والحسين حتى سمي بهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ابنيه الحسن والحسين، قال ابن الأعرابي: فقلت له: فالذين باليمن؟ قال: [] [ (3) ] حسن وحسين، ولا يعرف قبلهما إلا اسم [] [ (3) ] بلاد بني عندها قبل بسطام بن قيس الشيبانيّ، قال ابن غنم:   [ () ] والرابعة: أن يحلق عقيقته وهو شعر رأسه الّذي ولد به. والخامسة: أن يسميه. (المرجع السابق) . وقال الإمام ابن القيم: وسرّ التأذين- واللَّه أعلم- أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقنه كلمة التوحيد عند خروجه منها. وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره وإن لم يشعر، مع ما في ذلك من فائدة أخرى وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو كان يرصده حتى يولد فيقارنه للمحنة التي قدرها اللَّه وشاءها، فيسمع شيطانه ما يصفعه ويغيظه أول أوقات تعلقه به. وفي معنى آخر، وهو أن تكون دعوته إلى اللَّه وإلى دينه الإسلام، وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان، كما كانت فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها، ولغير ذلك من الحكم. (تحفة المودود بأحكام المولود) : ص 16 وما بعدها. [ (1) ] (سنن أبي داود) : 3/ 261، كتاب الأضاحي، باب (21) في العقيقة، حديث رقم (2841) ، وأخرجه النسائي في العقيقة، باب كم يعق عن الجارية، حديث رقم (4225) بلفظ: عق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الحسن والحسين رضي اللَّه عنهما بكبشين كبشين. قاله الخطابي في (معالم السنن) : 3/ 262. [ (2) ] (سنن النسائي) : 7/ 186، كتاب العقيقة، باب (4) كم يعق عن الجارية؟ حديث رقم (4230) مختصرا بسند آخر، ونحوه في (المستدرك) : 3/ 183، حديث رقم (4783/ 381) ، وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح، (الاستيعاب) : 1/ 384، ترجمة رقم (555) ، (مسند أحمد) : 7/ 539، حديث رقم (26655) . [ (3) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) : ولم أجد له توجيها، ولم أجد لهذا الأثر مرجعا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 غداة أضر بالحسن السبيل قال كاتبه: حسن: بفتح الحاء المهملة وسكون السين، وحسين: بفتح الحاء وكسر السين، هما ابنا عمر بن الغوث بن طيِّئ وفي (طبقات ابن سعد) ، عن عمران بن سليمان قال: الحسن والحسين [اسمان] من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية، ولما قتل أبوه عليّ سنة أربعين، بايعه أكثر من أربعين ألفا كلهم قد بايع عليا قبل موته على الموت ليشتدّ بهم إلى حرب معاوية، وكانوا أطوع للحسن وأحب فيه منهم في أبيه، فبلغ الحسن مسير معاوية إليه في أهل الشام، فتجهز هو وذلك الجيش وسار عن الكوفة إلى لقائه، وجعل قيس بن سعد ابن عبادة الأنصاري على مقدمته في اثنى عشر ألفا [ (1) ] . فلما نزل المدائن نادى مناد في العسكر، ألا إن قيس بن سعد قتل فانفروا، فثاروا ونهبوا سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا تحته، فازداد لهم بغضا ومنهم ذعرا، وكتب إلى معاوية أنه يصير الأمر إليه على أن يشترط ألا يطلب أحدا من أهل الحجاز والمدينة والعراق بشيء كان في أيام أبيه، وكاد معاوية يطير فرحا، وبعث إليه برق أبيض وقال: اكتب ما شئت فيه وأنا ألتزمه، فاصطلحا على ذلك، واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر بعده وأن يعطيه ما في بيت مال الكوفة- وهو خمسة آلاف ألف-   [ (1) ] وقيل: بل كان الحسن قد جعل على مقدمته عبد اللَّه بن عباس، (الكامل لابن الأثير) : 3/ 404، ذكر تسليم الحسن بن علي الخلافة إلى معاوية ضمن حوادث سنة إحدى وأربعين. وقيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة أبو الفضل، وقيل: أبو عبد اللَّه، وقيل: أبو عبد الملك الأنصاري الخزرجي الساعدي. أمه فكيهة بنت عبيد بن دليم بن حارثة الخزرجية، توفي سنة (59) ، وقيل: سنة (60) ، كان من فضلاء الصحابة، وأحد دهاة العرب وكرمائهم، وكان من ذوي الرأي الصائب والمكيدة في الحرب، مع النجدة والشجاعة، وكان شريف قومه غير مدافع، ومن بيت سادتهم. له ترجمة في: (أسماء الصحابة الرواة) : 133- 134، ترجمة رقم (139) ، (الإصابة) : 5/ 473، ترجمة رقم (7182) ، (الثقات) : 3/ 339، (تهذيب التهذيب) : 8/ 353، ترجمة رقم (702) ، (الاستيعاب) : 3/ 1289، ترجمة رقم (2134) ، (تلقيح فهوم أهل الأثر) : 368، (طبقات ابن سعد) : 6/ 52، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 102، ترجمة رقم (21) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 61، (تاريخ بغداد) : 1/ 177، ترجمة رقم (17) ، (البداية والنهاية) : 8/ 107، (التاريخ الكبير) : 7/ 141، 154، (صفة الصفوة) : 1/ 363، ترجمة رقم (106) ، (طبقات ابن سعد) : 6/ 52- 53. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 وخراج دارابجرد [ (1) ] من فارس، وألا يشتم عليّ وهو يسمع، فالتزم شروطه كلها [ (2) ] ، وحقق اللَّه بذلك قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحسن: إن ابني هذا سيد، وعسى اللَّه أن يبقيه حتى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين [ (3) ] ، ثم قام الحسن في أهل العراق فقال: يا أهل العراق! إنه سخّى بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي [ (4) ] . وتسلم معاوية الأمر لخمس بقين من ربيع الأول، وقيل من ربيع الآخر، وقيل من جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين، وكانت خلافة الحسن خمسة أشهر ونصف، وقيل: ستة أشهر، ودخل معاوية الكوفة فقال له عمرو بن العاص: لتأمر الحسن أن يقوم فيخطب الناس ليظهر لهم عيه، فخطب معاوية الناس، ثم أمر الحسن أن يخطبهم، فقام فحمد اللَّه بديهة ثم قال:   [ (1) ] دارابجرد: بعد الألف الثانية باء موحدة ثم جيم ثم راء ودال مهملة: ولاية بفارس، ينسب إليها كثير من العلماء، منهم: أبو علي الحسن بن يوسف الدارابجردي الخطيب، ودارابجرد: قرية من كورة إصطخر، وبها معدن الزئبق، ودارابجرد أيضا موضع بنيسابور، ينسب إليه أبو الحسن علي بن الحسين ابن موسى بن ميسرة الدارابجردي، ويقال دارابجرد. (معجم البلدان) : 2/ 478، موضع رقم (4549) ، وقال في هامشه: دارابجرد: كورة بفارس نفيسة، عمّرها داراب بن فارس، قال الإصطخري: بها كهف الموميا، وقال أيضا: بناحية دارابجرد جبال من الملح الأبيض، والأصفر، والأحمر والأسود، ينحت منها الموائد والصحون، والغضائر وغيرها من الظروف، وتهدى إلى سائر البلاد، وبها معدن الزئبق. (هامش المرجع السابق) ، نقلا عن (آثار البلاد) : 188. [ (2) ] قال ابن الأثير وكأن الّذي طلب الحسن من معاوية أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة، ومبلغه خمسة آلاف ألف، وخراج دارابجرد من فارس، وألا يشتم عليا، فلم يجبه إلى الكفّ عن شتم عليّ، فطلب أن لا يشتم وهو يسمع، فأجابه إلى ذلك، ثم لم يف له به أيضا، وأما خراج دارابجرد، فإن أهل البصرة منعوه منه وقالوا: هو فيئنا لا نعطيه أحدا، وكان منعهم بأمر معاوية. (الكامل في التاريخ) : 3/ 405، ذكر تسليم الحسن بن علي الخلافة إلى معاوية. [ (3) ] (مسند أحمد) : 6/ 37، حديث رقم (19994) ، 6/ 27، حديث رقم (19935) ، 6/ 18، حديث رقم (1978) ، (المطالب العالية) : 4/ 73، حديث رقم (4000) ، قال الحافظ: هو في صحيح البخاري من وجه آخر عن الحسن عن أبي بكرة.. وأخرجه البزار برجال الصحيح من حديث جابر رضي اللَّه عنه. ر: (مجمع الزوائد) : 9/ 178. [ (4) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 159، ذكر بيعة الحسن بن عليّ، (الكامل في التاريخ) : 3/ 405. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 أيها الناس، إن اللَّه هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة، وإن الدنيا دول، وإن اللَّه عز وجل قال لنبيه: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ [ (1) ] ، وأشار إلى معاوية، فقال له معاوية: اجلس وحقدها علي عمرو وقال: هذا من رأيك [ (2) ] . ولحق الحسن بالمدينة وأهل بيته، وحثهم فجعل الناس يبكون عند سيرهم، وقيل للحسن: ما حملك على ما فعلت؟ فقال: كرهت الدنيا ورأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم أحد [أبدا] [ (3) ] إلا غلب، ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى، مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر، لقد لقي أبي منهم أمورا [عظاما] [ (3) ] ، فليت شعري، لمن يصلحون [بعدي] [ (3) ] وهي أسرع البلاد خرابا. وعرض له رجل في مسيره عن الكوفة فقال له: يا مسعود وجوه المؤمنين، فقال: لا تعد لي، فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرى بنو أمية ينزون على منبره رجلا رجلا، فساءه ذلك، فأنزل اللَّه تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [ (4) ] ، وهو نهر في الجنة، وإِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ] خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [ (5) ] تملكها بعدك بنو أمية [ (6) ] ، ولم يف معاوية للحسن بشيء ما شرط. [وقالت] [ (7) ] طائفة للحسن [ (8) ] : يا عار المؤمنين، فقال: العار خير من النار [ (9) ] ، وقال له أبو عامر سفيان بن ليلى: السلام عليك يا مذل المؤمنين! فقال له: لا تقل يا أبا عامر، فإنّي لم أذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك [ (10) ] .   [ (1) ] الأنبياء: 111. [ (2) ] (الكامل) : 3/ 407. [ (3) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (4) ] الكوثر: 1. [ (5) ] القدر: 1- 3. [ (6) ] (الكامل) : 3/ 407. [ (7) ] زيادة للسياق. [ (8) ] هم أصحاب الحسن. [ (9) ] (الإصابة) : 2/ 72، ترجمة رقم (1721) ، (الاستيعاب) : 1/ 386، ترجمة رقم: (555) . [ (10) ] (الاستيعاب) : 1/ 387. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 ومات الحسن بالمدينة في ربيع الأول سنة خمس، وقيل: في سنة تسع وأربعين، وقيل سنة إحدى وخمسين [ (1) ] ، ودفن بالبقيع، واتهمت زوجته جعدة بنت الأحنف ابن قيس الكندي أنها سمته بتدسيس معاوية [ (2) ] ، حتى بايع لابنه يزيد، وكان سنة يوم مات ستا وأربعين سنة، وقيل: سبعا وأربعين سنة. وكان أشبههم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأحبهم إليه، وكان رحيما ورعا فاضلا، دعي ورعه وفضله إلى ترك ملك الدنيا رغبة فيما عند اللَّه، ورأى ذلك خيرا من إراقة الدماء في طلبها، وإن كان عند نفسه أحق بها من معاوية [ (3) ] ، وقال: واللَّه ما أحببت منذ علمت ما ينفعني ويضرني أنا إلى أمر أمة محمد، على أن يهراق في ذلك محجمة [ (4) ] دم. وحفظ الحسن عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحاديث ورواها عنه [ (5) ] ، ولم يتكلم بفحش قط، وحج خمس عشرة حجة ماشيا، وخرج من ماله مرتين، وقاسم اللَّه ماله ثلاث مرات، حتى إن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا، ويعطي خفّا ويمسك خفّا، وفضائله كثيرة، وكان له من الولد: الحسن بن الحسن، وفيه العدد والبيت [ (6) ] ، وزيد، وله عقب كثير [ (7) ] ، وعمرو، والحسين، والقاسم، وأبو بكر، وطلحة [ (8) ] ، وعبد الرحمن، وعبد اللَّه، ومحمد، وجعفر، وحمزة، لا   [ (1) ] قال ابن عبد البر: كانت سنه يوم مات ستا وأربعين سنة، وقيل: سبعا وأربعين. (المرجع السابق) : 389. [ (2) ] في هوامش (الاستيعاب) : نسبة السم إلى معاوية غير صحيحة، لما ينقل في (تاريخ ابن خلدون) : إن ما ينقل من أن معاوية دسّ السم مع زوجته جعدة بنت الأحنف فهو من أحاديث الشيعة، وحاشا لمعاوية ذلك. [ (3) ] (الاستيعاب) : 1/ 387. [ (4) ] المحجمة: قدر ما يسيل من الدم أثناء الحجامة. [ (5) ] ذكره ابن حزم في (أسماء الصحابة الرواة) : 143- 144، ترجمة رقم (156) في أصحاب الثلاثة عشر حديثا رضي اللَّه تعالى عنهم، (تلقيح فهوم أهل الأثر) : 369، قال أبو عمر رضي اللَّه عنه: حفظ الحسن بن علي عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحاديث ورواها عنه، منها: حديث الدعاء في القنوت، ومنها: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة. (الاستيعاب) : 391. [ (6) ] أمه خولة بنت منظور بن زبّان الفزارية. [ (7) ] أمه أم بشر بنت أبي مسعود الأنصاري البدريّ. [ (8) ] أمه أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد اللَّه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 عقب لواحد من هؤلاء [ (1) ] .   [ (1) ] إلا أن عمرا كان له ولد فقيه محدّث مشهور، واسمه محمد بن عمرو، انقرض عقبه، فأما عبد اللَّه والقاسم وأبو بكر، فإنّهم قتلوا مع عمهم الحسين، رضي اللَّه تعالى عنهم أجمعين، (جمهرة أنساب العرب) : 38- 39. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 [الحسين بن علي رضي اللَّه عنهما] والحسين بن علي أبو عبد اللَّه سيد شباب أهل الجنة، ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع، وقيل: علقت به فاطمة عليها السلام بعد مولد الحسن رضي اللَّه عنه بخمسين ليلة [ (1) ] ، وقيل: لم يكن بينهما إلا طهر واحد [ (2) ] ، وقيل: ولد بعد الحسن بسنة وعشرة أشهر لخمس سنين وستة أشهر من التاريخ، وعقّ عنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما عق عن أخيه [ (3) ] ، وسماه حسينا، وكان علي سماه حربا كما سمى أخاه، ويروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو يرقص الحسين: خبقه خبقة ترون عين بقّه، خبقة بخاء معجمة، ويروى بحاء مهملة، وقال ابن دريد: هو بالخاء والحاء، إذا صغر إلى نفسه، وقال ابن قتيبة: شبهه في صغره بعين بقة [ (4) ] . فلما مات معاوية بن أبي سفيان وقام بالخلافة بعده ابنه يزيد بن معاوية وكان معاوية قد أراد الحسين على بيعة يزيد فأبى ذلك، وأخذ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عامل معاوية على المدينة الحسين بالبيعة ليزيد بعد موت معاوية، فسار عنها إلى مكة هو وعبد اللَّه بن الزبير في جماعة. فبلغ ذلك أهل الكوفة، فكتبوا إلى الحسين يستدعونه نحوا من مائة وخمسين كتابا، فبعث إليهم بكتابه مع مسلمة بن عقيل بن أبي طالب فدخلوا الكوفة واجتمع إليه الشيعة، فبلغ ذلك يزيد بن معاوية، فولى عبد اللَّه بن زياد بن أبيه الكوفة، وجمع له معها البصرة، وأمره بطلب مسلمة بن عقيل وقتله أو نفيه. وكان الحسين قد كتب إلى أهل البصرة يدعوهم، فضرب عبيد اللَّه بن زياد عنق رسوله، ثم ركب من البصرة ودخل الكوفة وقد بايع مسلم بن عقيل ثمانية   [ (1) ] وهذا قول الواقدي. [ (2) ] وهذه رواية جعفر بن محمد عن أبيه. [ (3) ] وهذا قول قتادة. (الاستيعاب) : 1/ 392- 394، ترجمة رقم (556) ، (الإصابة) : 2/ 76، ترجمة رقم (1726) . [ (4) ] (لسان العرب) : 10/ 24- 25، وفيه: ورقّصت امرأة طفلها فقالت: حزقّة حزقّه، ترقّ عين بقّه، قيل: بقّه اسم حصن، أرادت اصعد عين بقه أي اعلها، وقيل: إنها شبّهت طفلها بالبقة لصغر جثّته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 عشر ألفا، فركب بهم وحاصر عبيد اللَّه فلم يثبتوا وتفرقوا عنه حتى فرّ، فأخذ بعد خطوب وحروب وقتل. وكان قد كتب إلى الحسين بمن بايعه، فخرج من مكة يريد الكوفة يوم الرّوية، فأتاه الخبر بقتل مسلم، فعلم أن أهل الكوفة قد خذلوه، فقام فيمن معه وأعلمهم ذلك فتفرقوا عنه، وبقي معه أهله، وسار فلقيه الحرّ بن يزيد التميمي في ألف فارس، قد بعث به عبيد اللَّه بن زياد، فواقفوه حتى يأخذوه ويأتوا به الكوفة على حكم عبيد اللَّه بن زياد، فامتنع من ذلك، وأراد أن يرجع من حيث أتى فمنعوه ثم ساروا به حتى أنزلوه على غير ماء بموضع من أرض الكوفة يقال له كربلاء- قرب الطف- في يوم الخميس ثاني محرم سنة إحدى وستين. فقدم من الغد عمر بن سعد بن أبي وقاص في أربعة آلاف، وحال بين الحسين وبين الماء ثلاثة أيام، وأصحابه يقاتلون مع الحسين ليصدونهم عن الماء، ثم قدم شموس ذو الجوش على عمر بن سعد بمناجزة الحسين، فنهض شموس في عشية الخميس لتسع مضين من المحرم، وركب عمر بن سعد ليأخذوا الحسين ويأتوا به عبيد اللَّه ابن زياد، فامتنع، وأصبحوا يوم السبت- وقيل: يوم عاشوراء [ (1) ] ومع الحسين اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا. فقاتلوا حتى قتل عليه السلام، وقد اشتد به العطش، وحزت رأسه، وانتهب متاعه، فوجد به ثلاثة وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة [ (2) ] ، ثم طرحت جثته ووطئها الفرسان بخيولها حتى رضوا ظهره وصدره، وقيل معه اثنان وسبعون رجلا، منهم سبعة عشر من ولد فاطمة عليها السلام، وقتل ثلاثة وعشرون. وحملت رأسه إلى عبيد اللَّه بن زياد، وكان قتله إحدى مصائب الإسلام، وكان فاضلا دينا كثير الصوم والصلاة والحج، حج خمسا وعشرين حجة ماشيا [ (3) ] ،   [ (1) ] قال ابن حجر: قال الزبير بن بكار: قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وكذا قال الجمهور، وشذّ من قال غير ذلك. (الإصابة) : 2/ 81 ترجمة الحسين بن علي رقم (1726) . [ (2) ] (الكامل في التاريخ) : 4/ 78- 79. [ (3) ] قاله مصعب الزبيري، (الاستيعاب) : 1/ 397، ترجمة رقم (556) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 وقتل وسنه سبع وخمسون سنة، وقيل ثمان وخمسون سنة، وقيل: أربع وخمسون سنة وستة أشهر [ (1) ] ، وله من الولد على الأكبر، وقتل بالطف [ (2) ] ولا عقب له. وعلي الأصغر وجعفر لا عقب له، وعبد اللَّه قتل صغيرا بالطف [ (2) ] ولا عقب له، فجميع من ينسب إلى الحسين عليه السلام إنما هم من ولد علي بن الحسين، ولا عقب له من أحد سواه [ (3) ] ، وكان [للحسنين] من أمهما فاطمة أخ يقال له: محسّن، مات وهو صغير [ (4) ] .   [ (1) ] قال قتادة: قتل الحسين وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر، وذكر المازني، عن الشافعيّ، عن سفيان بن عيينة، قال: قال لي جعفر بن محمد: توفي عليّ بن أبي طالب، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وقتل الحسين بن علي وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وتوفي عليّ بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وتوفي محمد بن علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة. (الاستيعاب) : 1/ 3974، ترجمة رقم (556) . [ (2) ] الطّفّ: بالفتح والفاء مشدّدة، وهو في اللغة ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. والطّفّ: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية، فيها كان مقتل الحسين بن عليّ رضي اللَّه عنه، وهي أرض بادية قريبة من الريف، فيها عدة عيون ماء جارية، وهناك الموضع المعروف بكربلاء، الّذي قتل فيه الحسين بن علي رضي اللَّه عنه، وبالطفّ كان قصر أنس بن مالك رضي اللَّه عنه، وفيه مات رحمه اللَّه سنة (93 هـ) ، وهو ابن مائة عام وثلاثة أعوام. (معجم البلدان) : 4/ 40- 41، موضع رقم (7939) ، (معجم ما استعجم) : 3/ 891. [ (3) ] قال أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي: ولد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما بنين، قتل بعضهم معه، ومات سائرهم في حياته، ولم يعقب له ولد غير عليّ بن الحسين وحده. (جمهرة أنساب العرب) : 52. [ (4) ] قال صاحب (المرجع السابق) : 38، ذكر ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه من فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أعقب هؤلاء كلهم حاشا المحسّن، فلا عقب له، مات صغيرا جدا إثر ولادته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 [فصل في ذكر بنات بنات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] اعلم أن بنات بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاث: واحدة من زينب، واثنتان من فاطمة، فأما التي من زينب فإنّها أمامة بنت أبي العاص لقيط بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، ولدت على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان يحبها ويحملها على عاتقه وهو في الصلاة، ويضعها إذا سجد [ (1) ] . روى ابن جريج عن ابن أبي عتاب، عن عمرو بن سليم، كانت تلك الصلاة صلاة الصبح، وروى ابن إسحاق عن المقبري عن عمرو بن سليم فقال فيه: في إحدى صلاتي العشي- الظهر أو العصر- وأهدى لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قلادة من جزع متمغة بالذهب ونساؤه مجتمعات في بيت كلهن، وأمامة هذه جارية تلعب في جانب البيت بالتراب، فقال لنسائه: كيف ترون هذه؟ فأخذن القلادة فنظرن إليها وقلن: يا رسول اللَّه! ما رأينا أحسن من هذه قط ولا أعجب، فقال: ارددنها إليّ، فلما أخذها قال: واللَّه لأضعنها في رقبة أحب أهل البيت إليّ، قالت عائشة: فأظلمت الأرض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن، ولا أراهن إلا وقد أصابهن ما أصابني، [ووجمن] جميعا سكونا، فأقبل بها حتى وضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص، فسرى عني [ (2) ] . وأوصى أبو العاص بابنته أمامة إلى الزبير بن العوام وبتركته، فزوجها الزبير   [ (1) ] قال الزبير في كتاب (النسب) : كانت زينب تحت أبي العاص، فولدت له أمامة وعليا، وثبت ذكرها في الصحيحين من حديث أبي قتادة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحمل أمامة بنت زينب على عاتقه فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. أخرجاه من رواية مالك، عن عامر بن عبد اللَّه بن الزبير. (الإصابة) : 9/ 502، ترجمة رقم (10822) . وأخرجه ابن سعد من رواية الليث، عن سعيد المقبري، عن عمرو بن سليم أنه سمع أبا قتادة يقول: بينا نحن على باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ خرج يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، وأمها زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي صبية، فصلى وهي على عاتقه، إذا قام، حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها. (طبقات ابن سعد) : 8/ 168. [ (2) ] (الإصابة) : 7/ 502، ترجمة رقم (10822) ، (الاستيعاب) : 4/ 1789، ترجمة رقم (3236) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 على بن أبي طالب بعد فاطمة رضي اللَّه عنهم، وأوصته بذلك فاطمة، فولدت له محمدا الأوسط. وقال الزبير بن بكار: لم تلد له، وقتل علي وأمامة عنده، فقالت أم الهيثم النخعية [ (1) ] : أشاب ذؤابتي وأذلّ ركني ... أمامة يوم فارقت القرينا تطيف به [ (2) ] لحاجتها إليه [ (2) ] ... فلما استيأست رفعت رنينا وكان علي رضي اللَّه عنه قال لها: تزوجي، فإن أردت التزويج فلا تخرجي من رأي المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب، فحملها عمها عبد الرحمن ابن محرز بن حارثة بن ربيعة من الكوفة إلى المدينة، فكتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره أن يخطبها عليه، ففعل فجاءت إلى المغيرة بن نوفل تستأمره، فقال: أنا خير لك منه، فاجعلي أمرك إليّ، وأشهد عليها برضاها بكل ما صنع. فلما استوثق دعا رجلا وقال: تزوجتها وأصدقتها أربعمائة دينار، فكتب مروان بذلك إلى معاوية، وكتب إليه: هي أملك بنفسها فدعها وما اختارت، وأسرها للمغيرة في نفسه، ثم بعثه إلى الصفراء [ (3) ] فمات بها. وقد ولدت له أمامة يحيى بن المغيرة، وبه كان يكنى، وماتت أمامة، وقال الزبير: ولم تلد له، فليس لزينب عقب [ (4) ] ، وأما اللتان من فاطمة رضي اللَّه عنها   [ (1) ] من المرجعين السابقين. [ (2) ] في (خ) : «بها» ، «إليها» ، وصوبناهما من المرجعين السابقين. [ (3) ] الصّفراء: بلفظ تأنيث الأصفر من الألوان، وادي الصفراء: من ناحية المدينة، وهو واد كثير النخل والزرع والخير في طريق الحاج، وسلكه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غير مرة، وبينه وبين بدر مرحلة. ومن حديث أبي سلمة: عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة بدر الأخيرة، حتى إذا كنا بالأثيل عند الصفراء بين ظهراني الأراك، قال لي: تعالي حتى أسابقك. (معجم البلدان) : 3/ 468، موضع رقم (7567) ، (معجم ما استعجم) : 3/ 836) . [ (4) ] (الإصابة) : 7/ 503، ترجمة رقم (10822) . وقال عمر بن شبة: حدثنا علي بن محمد النّوفلي، عن أبيه، أنه حدثه عن أهله أن عليا لما حضرته الوفاة قال لأمامة بنت العاص: إني لا آمن أن يخطبك هذا الطاغية بعد موتي- يعني معاوية- فإن كان لك في الرجال حاجة فقد رضيت لك المغيرة بن نوفل عشيرا، فلما انقضت عدتها كتب معاوية إلى مروان يأمره أن يخطبها عليه، وبذل لها مائة ألف دينار، فأرسلت إلى المغيرة: إن هذا قد أرسل يخطبني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 فأم كلثوم وزينب.   [ (-) ] فإن كان لك بنا حاجة فأقبل، فخطبها إلى الحسن فزوجها منه. قال الحافظ ابن حجر: النّوفلي ضعيف جدا مع انقطاع الإسناد، والراويّ مجهول فيه، لكن قال أبو عمر: روى هيثم- أو هشيم- عن داود بن أبي هند عن الشعبي، قال: كانت أمامة عند عليّ. فذكر معنى ما تقدم سواء، كذا قال. وأخرجه ابن سعد عن الواقدي بمعناه. وقال ابن سعد: أخبرنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذؤيب، أن أمامة بنت أبي العاس قالت للمغيرة ابن نوفل: إن معاوية خطبني، فقال لها: أتتزوجين ابن آكلة الأكباد؟! فلو جعلت ذلك إليّ، قالت نعم، قال: قد تزوجتك. قال ابن أبي ذؤيب: فجاز نكاحه. وقال الدار الدّارقطنيّ في كتاب (الإخوة) : تزوجها بعد عليّ المغيرة بن نوفل، وقيل: بل تزوجها بعده أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. (الإصابة: 7/ 503- 504، ترجمة رقم (10822) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 [أم كلثوم بنت علي] فأم كلثوم: ابنة علي بن أبي طالب، ولدت قبل وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخطبها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى عليّ، فقال: إنها صغيرة، فقال له: زوجنيها يا أبا الحسن، فإنّي أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد، فقال له علي رضي اللَّه عنه: أنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوجتكها، فبعثها إليه بردّ وقال لها: قولي له: هذا الرّدّ الّذي قلت لك، فقالت: ذلك لعمر، فقال: قولي له: رضيت، رضي اللَّه عنك، ووضع يده على ساقها وكشفها، فقالت: أتفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك- وفي رواية: [للطمت] [ (1) ] عينيك. ثم خرجت حتى جاءت أباها فأخبرته الخبر وقالت: تبعثني إلى شيخ سوء؟ فقال: يا بنية فإنه زوجك، فجاء عمر رضي اللَّه عنه إلى مجلس المهاجرين في الروضة، وكان يجلس فيها المهاجرون الأولون، فجلس إليهم فقال: رفئوني [ (2) ] ! فقالوا: بماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب. سمعت الرفّاء بالمد: الالتئام والاتفاق، ويقال للمتزوج: بالرفاء والبنين، وقد رفأت المملك ترفية وترفياء إذا قلت له ذلك [ (3) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من (الإصابة) : 8/ 293، ترجمة رقم (12233) . [ (2) ] في (خ) : «زفوني» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) : 294. [ (3) ] قال الإمام مجد الدين أبو السادات المبارك بن محمد الجزري بن الأثير: نهى أن يقال للمتزوج: بالرّفاء والبنين، والرّفاء: الالتئام، والاتفاق، والبركة، والنماء، وهو من قوله: رفأت الثوب رفا، ورفوته رفوا، وإنما نهي عنه كراهية لأنه كان من عادتهم، ولهذا سنّ فيه غيره، ومنه الحديث: كان إذا رفّأ الإنسان قال: بارك اللَّه لك وعليك، وجمع بينكما على خير. ويهمز الفعل ولا يهمز، ومنه حديث أم زرع: كنت لك كأبي زرع لأم زرع في الألفة والرّفاء، ومنه الحديث: قال صلّى اللَّه عليه وسلّم لقريش: جئتكم بالذبح، فأخذتهم كلمته، حتى إنّ أشدّهم فيه وضاءة ليرفّئوه بأحسن ما يجد من القول أي يسكنه ويرفق به ويدعو له. (النهاية) : 2/ 240- 241. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: كل نسب وسبب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري، فكان لي به النسب والسبب فأردت أن أجمع إليه الصهر فرفّئوه. وأمهرها عمر رضي اللَّه عنها أربعين ألف درهم، فولدت له زيدا ورقية، تزوج رقية بنت عمر إبراهيم بن نعيم النجار فماتت عنده ولم تترك ولدا، وقتل زيد بن عمر خطأ، قتله خالد بن أسلم مولى عمرو، ولم يترك ولدا، فلا بقية لعمر رضي اللَّه عنه في أم كلثوم بنت علي رضي اللَّه عنها. وقد روى أن زيد بن عمر، وأمه أم كلثوم مرضا جميعا ونقلا ونزل بهما، وأن رجالا مشوا بينهما لينظروا أيهما يقبض أولا فيورّث منه الآخر، وأنهما قبضا في ساعة واحدة، فلم يدر أيهما قبض قبل صاحبه، فكانت في زيد وأمه سنّتان، ماتا في ساعة واحدة، لم يعرف أيهما مات قبل الآخر، فلم يورث واحد منهما من صاحبه، ووضعا معا في موضع الجنائز، وأخرت أمه وقدم زيد مما يلي الإمام [ (1) ] ، فجرت السّنّة في الرجل والمرأة بذلك بعد. وصلى عليهما عبد اللَّه بن عمر [ (2) ] ، ولما قتل عمر رضي اللَّه عنه عن أم كلثوم، تزوجها محمد بن جعفر بن أبي طالب فمات عنها، فتزوجها عون بن جعفر ابن أبي طالب فماتت عنده [ (3) ] ، رحمها اللَّه.   [ (1) ] (الإصابة) : 8/ 295، ترجمة رقم (12233) . وأما قتل زيد خطأ، فإنه كان قد أصيب في حرب كانت بين بني عدي ليلا، كان قد خرج ليصلح بينهم فضربه رجل منهم في الظلمة فشجّه وصرعة، فعاش أياما ثم مات هو وأمه في وقت واحد. وأما السّنّتان اللتان كانتا فيهما فيما ذكروا: لم يورّث واحد منهما من صاحبه، لأنه لم يعرف أولهما موتا، وقدّم زيد قبل أمه مما يلي الإمام (الاستيعاب) : 4/ 1956، ترجمة رقم (4204) . [ (2) ] وأخرج عطاء الخراساني بسند صحيح أن ابن عمر صلى على أم كلثوم وابنها زيد، فجعله مما يليه، وكبّر أربعا، وساق بسند آخر أن سعيد بن العاص هو الّذي صلى عليهما. (الإصابة) : 8/ 295، ترجمة رقم (12233) . [ (3) ] لكن ذكر أبو بشر الدولابي في (الذرية الطاهرة) : أنها تزوجت عوف بن جعفر بن أبي طالب، وذكرها الدار الدّارقطنيّ في كتاب (الأخوة) : أن عوفا مات عنها فتزوجها أخوه محمد، ثم مات عنها فتزوجها أخوه عبد اللَّه بن جعفر، فماتت عنده. (المرجع السابق) : 294، وذكر ابن سعد نحوه، وزاد في آخره: فكانت تقول: إني لأستحي من أسماء بنت عميس، مات ولداها عندي، فأتخوف على الثالث، قال: فهلكت عنده، ولم تلد لأحد منهم. (طبقات ابن سعد) : 8/ 339، (جمهرة أنساب العرب) : 38. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 [زينب بنت عليّ] وزينب بنت علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه [ (1) ] زوجها أبوها علي رضي اللَّه عنه بعبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب، فولدت له عليا، وفيه البقية من ولده وأم كلثوم وتزوجت ولها عقب، ورقية ماتت قبل أن تبلغ الحلم، واللَّه أعلم.   [ (1) ] هي زينب بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية، سبطة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أمها فاطمة الزهراء. قال ابن الأثير: إنها ولدت في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت عاقلة، لبيبة، جزلة، زوجها أبوها ابن أخيه عبد اللَّه بن جعفر فولدت له أولادا، وكانت مع أخيها لما قتل، فحملت إلى دمشق، وحضرت عند يزيد بن معاوية، وكلامها ليزيد بن معاوية حين طلب الشامي أختها مشهور، يدل على عقل وقوة جنان. (الإصابة) : 7/ 684، ترجمة رقم (11261) ، نقلا عن (أسد الغابة) : 5/ 469. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 فصل في ذكر آل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: وآل الرجل أهله، فإما أن تكون الألف منقلبة عن واو، وإما أن تكون بدلا من الهاء، وتصغيره أويل وأهيل، وقد يكون ذلك لما لا يعقل. وأهل الرجل عشيرته وذوو قرباه، والجمع أهلون وأهلات [ (1) ] ، قال: وأهل بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- ويقال لهم آل البيت- قيل: نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقيل: الرجال الذين هم آله، وآل الرجل أهله، وآل اللَّه وآل رسوله أولياؤه، أصلها أهل، ثم أبدلت الهاء بهمزة، فصارت في التقدير آل، فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفا. قال: فلما كانوا بالآل الأشرف الأخص دون الشائع الأعم، حتى لا يقال إلا في نحو قولهم: آل اللَّه، واللَّهمّ [صل] [ (2) ] على محمد وعلى آل محمد، وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [ (3) ] ، قال ولا يقال: آل الخياط، كما يقال أهل الخياط ولا آل الإسكاف [ (4) ] . وقال صاحب الصحاح: وآل الرجل أهله وعياله، وآله أيضا: أتباعه، وقيل: آل الرجل مشتق من يئول إذا رجع، فآل الرجل هم الذين يرجعون إليه ويضافون له، ويليهم أي يسوسهم، فيكون مآلهم إليه ومنه الإيالة وهي السياسة، فآل الرجل هم الذين يسوسهم. ويقال [آل] الرجل له نفسه، وآله لمن يتبعه [ (5) ] ، ويقال: أهل الرجل   [ (1) ] قال ابن منظور: والجمع أهلون، وآهال، وأهلات، وأهلات. (لسان العرب) : 11/ 28. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] سورة غافر: الآية 28. [ (4) ] (لسان العرب) : 11/ 31، (ترتيب القاموس) : 1/ 198، وقال في هامشه: وخصّ أيضا بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات والأمكنة والأزمنة، فيقال: آل فلان، ولا يقال: آل رجل. ولا النكرات ولا آل زمان كذا، ويقال: أهل بلد كذا، وموضع كذا. [ (5) ] قال جار اللَّه أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشريّ: آل الرعيّة يؤولها إيالة حسنة، وهو حسن الإيالة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 لأهله وأقاربه، فمن الأول: قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- لما جاءه أبو أوفى بصدقة-: اللَّهمّ [صل] [ (1) ] على آل أبي أوفى [ (2) ] ، وقوله تعالى: سلام على آل ياسين [ (3) ] ، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم [ (4) ] ، فآل إبراهيم هو إبراهيم، لأن الصلاة المطلوبة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم هي الصلاة على إبراهيم نفسه، وآله تبع له فيها. وقيل لا يكون الآل إلا الأتباع والأقارب، وزعموا أن الأدلة المذكورة المراد بها الأقارب، وأن قوله: كما صليت على آل إبراهيم: آل إبراهيم الأنبياء، والمطلوب من اللَّه تعالى أن يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، كما صلى على جميع الأنبياء والمرسلين من ذرية إبراهيم، لا إبراهيم وحده، كما هو مصرح به في بعض الألفاظ من قوله: على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وكذا في إِلْ ياسِينَ، فإنه قرئ: آل ياسين [ (5) ] ، والمراد أتباعه. والصواب من هذا كله: أن الآل إذا انفرد، دخل فيها المضاف، كقوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [ (6) ] ، ولا ريب في دخوله في آله هنا، وقوله وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ [ (7) ] ، ونظائره، وقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ   [ () ] وأتالها، وهو مؤتال لقومه مقتال عليهم، أي سائس محتكم. (أساس البلاغة) : 25. [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق. [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 202- 204، كتاب الدعوات، باب (23) هل، يصلّى على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ، حديث رقم (6359) . قال الحافظ ابن حجر: ووقع مثله عن قيس بن سعد بن عبادة: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رفع يديه وهو يقول: اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة. أخرجه أبو داود والنسائي وسنده جيد، وفي حديث جابر: أن امرأته قالت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلّ عليّ وعلى زوجي ففعل، أخرجه أحمد مطولا ومختصرا، وصححه ابن حبان، وهذا القول جاء عن الحسن ومجاهد، ونصّ عليه أحمد في رواية أبى داود، وبه قال إسحاق، وأبو ثور، وداود، والطبري، واحتجوا بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ. [ (3) ] سورة الصافات: الآية 130. [ (4) ] (فتح الباري) : 11/ 182- 183، كتاب الدعوات، باب (32) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (6357) . [ (5) ] كذا في قراءة ورش عن الإمام نافع (رواية ورش) : 153. [ (6) ] سورة غافر: الآية 46. [ (7) ] سورة الأعراف: الآية 130. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 [صل] [ (1) ] على آل أبى أوفى، ولا ريب في دخول أبى أوفى نفسه في ذلك، وقوله: اللَّهمّ صلى على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم - هنا أكثر روايات البخاري- وإبراهيم هنا داخل في آله. وأما إذا ذكر الرجل ثم ذكر آله، لم يدخل فيهم، ففرق بين اللفظين المجرد والمقرون، فإذا قلت: أعط هذا الزيد وآل زيد، لم يكن زيد هنا داخلا في آله، وإذا قلت: أعطه لآل زيد تناول زيدا وآله، فعلم أن اللفظ واحد تختلف دلالته بالتجريد والاقتران، كالفقير والمسكين: هما صنفان، إذا قرن بينهما، وصنف واحد إذا أفرد كل منهما، ولهذا كانا في الزكاة صنفين [ (2) ] ، وفي الكفارة صنفا واحدا، وكالإيمان والإسلام، والبر والتقوى، والفحشاء والمنكر، والفسوق والعصيان، ونظائر ذلك في القرآن كثيرة. وقد اختلف في آل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أربعة أقوال، أحدها: أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة، وفيهم ثلاثة أقوال: أحدها، أنهم بنو هاشم وبنو المطلب، وهذا مذهب الشافعيّ وأحمد في رواية عنه، والثاني: أنهم بنو هاشم خاصة، وهذا مذهب أبى حنيفة، وأحد أقوال أحمد، واختيار ابن القاسم من أصحاب مالك، والثالث: أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب، فيدخل فيهم بنو المطلب، وبنو أميه، وبنو نوفل ومن فوقهم من بطون قريش، وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك، على ما حكاه صاحب (الجواهر) عنه.   [ (1) ] يقول الدكتور يوسف القرضاوى في (فقه الزكاة) : والّذي ينفع ذكره هنا: أن الفقير عند الحنفية هو من يملك شيئا دون النصاب الشرعي في الزكاة، أو يملك ما قيمته نصاب أو أكثر من الأثاث، والأمتعة، والثياب، والكتب، ونحوها، مما هو محتاج إليه لاستعماله والانتفاع به، والمسكين عندهم من لا يملك شيئا. وهذا هو المشهور. [ (2) ] والفقير عند الأئمة الثلاثة: من ليس له مال ولا كسب حلال لائق به، يقع موقعا من كفايته، من مطعم، وملبس، ومسكن، وسائر ما لا بد منه، لنفسه ولمن تلزمه نفقته، من غير إسراف ولا تقتير، كمن يحتاج إلى عشرة دراهم كل يوم، ولا يجد إلا أربعة، أو ثلاثة، أو اثنين. والمسكين عندهم من قدر على مال أو كسب حلال لائق، يقع موقعا من كفايته وكفاية من يعوله، ولكن لا تتم به الكفاية، كمن يحتاج إلى عشرة فيجد سبعة أو ثمانية. (فقه الزكاة للقرضاوى) : 2/ 546- 548. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 وحكاه اللخمي في (التبصرة) عن أصبغ لا عن أشهب، وهذا القول في الأول، أعنى أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة، هو منصوص عن الشافعيّ وأحمد، والأكثرين، وهو اختيار جمهور أصحابهما، والدليل عليه ما خرجه البخاري من حديث إبراهيم ابن طهمان، عن محمد بن زياد، عن أبى هريرة رضي اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يؤتى بالتمر عند صرام النخل، فيجيء هذا بتمره وهذا من تمره، حتى يصير عنده كوما من تمر فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه، فنظر إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخرجها من فيه وقال: أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة؟ ترجم عليه باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل، وهل يترك الصبى فيمسّ تمر الصدقة [ (1) ] ؟ وخرجه مسلم من حديث وكيع عن شعبة، عن محمد- وهو ابن زياد- سمع أبا هريرة يقول: أخذ الحسن بن على رضي اللَّه عنه تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كخ كخ! ارم بها، أما علمت أنّا لا تحل لنا الصدقة؟ [ (2) ] ؟ وخرج مسلم من حديث إبراهيم بن علية قال: حدثنا أبو حبّان قال: حدثني يزيد بن حبّان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة، وعمر بن مسلم إلى زيد   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 447، كتاب الزكاة، باب (57) ، حديث رقم (1485) . والصرام- بكسر المهملة: الجداد والقطاف وزنا ومعنى. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ، 7/ 181، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلى آله، هم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، حديث رقم (161) واللذان بعده. قال القاضي في قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «كخ كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة» وفي رواية: «لا تحل لنا الصدقة» : يقال: كخ كخ بفتح الكاف وكسرها، وتسكين الخاء، ويجوز كسرها مع التنوين، وهي كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات، فيقال له: كخ، أي اتركه وارم به. قال الداوديّ: هي عجمية معربة بمعنى بئس، وقد أشار إلى هذا البخاري بقوله في ترجمة باب من تكلم بالفارسية والرطانة. وفي الحديث أن الصبيان يوقون ما يوقاه الكبار، وتمنع من تعاطيه، وهذا واجب على الولي. (مسلم بشرح النووي) : 7/ 181. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أما علمت أنا لا نأكل الصدقة» هذه اللفظة تقال في الشيء الواضح التحريم ونحوه، وإن لم يكن المخاطب عالما به، وتقديره: عجب! كيف خفي عليك هذا مع ظهور تحريم الزكاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلى آله، وهم بنو هاشم وبنو المطلب؟. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 ابن أرقم رضي اللَّه عنه، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت [ (1) ] يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: يا ابن أخي، واللَّه لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فما حدثتكم فاقبلوا، وما [ (2) ] لا فلا تكلفونيه [ (3) ] . ثم قال: قام فينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما [ (4) ] خطيبا بماء يدعى خمّا [ (5) ] بين مكة والمدينة، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتى رسول ربى [ (6) ] فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب اللَّه تعالى، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به، فحث على كتاب اللَّه ورغّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكّركم اللَّه في أهل بيتي، أذكركم اللَّه [في أهل بيتي، أذكركم اللَّه في أهل بيتي] [ (7) ]- ثلاثا [ (8) ] - ثم قال له حصين: ومن أهل بيته   [ () ] هذا مذهب الشافعيّ وموافقيه، أن آله صلّى اللَّه عليه وسلّم هم بنو هاشم وبنو المطلب، وبه قال بعض المالكية. وقال أبو حنيفة ومالك: هم بنو هاشم خاصة. قال القاضي: وقال بعض العلماء: هم قريش كلها، وقال أصبغ المالكي: هم بنو قصي. دليل الشافعيّ أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن بنى هاشم وبنى المطلب شيء واحد، وقسم بينهم سهم ذوى القربى، وأما صدقة التطوع فللشافعى فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تحرم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتحل لآله، والثاني تحرم عليه وعليهم، والثالث: تحل له ولهم. وأما موالي بنى هاشم وبنى المطلب فهل تحرم عليهم الزكاة؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما: تحرم، للحديث الّذي ذكره مسلم بعد هذا، حديث أبى رافع. والثاني: تحل. وبالتحريم قال أبو حنيفة، وسائر الكوفيين، وبعض المالكية. وبالإباحة قال مالك، وادعى ابن بطال المالكي أن الخلاف إنما هو في موالي بنى هاشم، وأما موالي غيرهم فتباح لهم بالإجماع وليس كما قال بل الأصح عند أصحابنا تحريمها على موالي بنى هاشم، وبنى المطلب، ولا فرق بينهما، واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) . [ (1) ] في (خ) : «رأيت» وصوبناه من (صحيح مسلم) . [ (2) ] في (خ) : «وما ألا» وصوبناه من (صحيح مسلم) . [ (3) ] في (خ) : «تكلفنيه» وصوبناه من (صحيح مسلم) . [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (صحيح مسلم) : «ثم قال قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما فينا خطيبا» . [ (5) ] خمّ: اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الحسنة، عندها غدير مشهور يضاف إلى الغيضة، فيقال: غدير خمّ. [ (6) ] يعنى ملك الموت. قال تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ الحج: 75. [ (7) ] زيادة يقتضيها السياق من (صحيح مسلم) . [ (8) ] كذا في (خ) ، وفي (صحيح مسلم) : «فقال» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل على، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة [ (1) ] ؟ قال نعم [ (2) ] . وخرجه من حديث جرير عن أبى حيان به، وزاد فيه: كتاب اللَّه فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأ ضل [ (3) ] . وخرجه من حديث حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق، وعن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال: دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيرا، لقد صاحبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وصليت خلفه، وساق الحديث بنحو حديث أبى حيان، غير أنه قال: ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب اللَّه عز وجل، وهو حبل اللَّه، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة، وفيه: فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا وأيم اللَّه، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده [ (4) ] . وخرجه الترمذي من حديث محمد بن فضل. حدثنا الأعمش عن عطية بن سعد، والأعمش عن حبيب بن أبى ثابت، عن زيد بن أرقم قالا: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. قال: هذا حديث [حسن] غريب [ (5) ] .   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (صحيح مسلم) : «قال كل هؤلاء كل هؤلاء حرم الصدقة بعده» . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 188- كتاب فضائل الصحابة، باب (4) من فضائل على بن أبى طالب رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (36) قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «وأنا تارك فيكم ثقلين فذكر كتاب اللَّه وأهل بيته» ، قال العلماء: سمّيا ثقلين لعظمهما وكبير شأنها، وقيل: لثقل العمل بهما (المرجع السابق) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 189. [ (4) ] (المرجع السابق) : 190، حديث رقم (37) . [ (5) ] (سنن الترمذي) : 5/ 622، كتاب المناقب، باب (32) مناقب أهل بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3788) وقال في آخره: هذا حديث حسن غريب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 وخرجه الحاكم من حديث جرير بن عبد الحميد، عن الحسن بن عبد اللَّه النخعي، عن مسلم بن صبيح، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب اللَّه وأهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض. قال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (1) ] . وقد روى: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب اللَّه وعترتي، كتاب اللَّه حبلا ممدودا من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، قال أبو البقاء: أما كتاب اللَّه وعترتي الأولين فبدلان من الثقلين. وأما كتابا الثاني فهو بدل من كتاب الأول، وجوّد ذلك وحسّنه ما اتصل به من زيادة المعنى، وهو قوله: حبلا ممدودا، وكذلك عترتي أهل بيتي، ونصب حبلا ممدودا على أنه حال أو مفعول ثانى لتارك، ولو روى كتاب اللَّه حبلا ممدودا جاز على أنه مستأنف. وقد ثبت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن الصدقة لا تحل لآل محمد [ (2) ] ، وخرج البخاري ومسلم من حديث الزهري عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه عنها أن فاطمة والعباس رضي اللَّه عنهما أتيا أبا بكر رضي اللَّه عنه يلتمسان ميراثهما من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر رضي اللَّه عنه: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا نورّث، ما تركناه صدقه، إنما يأكل آل محمد من [هذا المال] . قال أبو بكر رضي اللَّه عنه واللَّه لا أدع أمرا رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يصنعه] فيه إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة رضي اللَّه عنها فلم تكلمه حتى ماتت. اللفظ للبخاريّ، خرجه في الفرائض [ (3) ] وخرجه في المغازي [ (4) ] في حديث بنى النضر   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 160- 161، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4711/ 309) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] في (صحيح مسلم) : «الصدقة لا تنبغي لآل محمد» بعض حديث طويل سيأتي الكلام عنه بعد قليل إن شاء اللَّه تعالى. [ (3) ] (فتح الباري) : 12/ 4، كتاب الفرائض، باب (3) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا نورّث ما تركناه صدقة، حديث رقم (6725) ، حديث رقم (6726) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (4) ] (فتح الباري) : 7/ 627- 628، كتاب المغازي، باب (39) ، غزوة خيبر، حديث رقم (4240، 4241) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 وقال في آخره: إنما يأكل آل محمد من هذا المال، واللَّه لقرابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحب إليّ أن أصل من قرابتي، وذكره في كتاب الفيء، أطول من هذا وأشبع من حديث عقيل وصالح بن كيسان ومعمر، وهي كلها مما اتفقا عليه، وقوله: إنما يأكل آل محمد من هذا المال، يعنى مال اللَّه، ليس لهم أن يزيدوا على المأكل، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لهم خواصّ: منها حرمان الصدقة، ومنها أنهم لا يرثونه، ومنها استحقاقهم خمس الخمس، ومنها اختصاصهم بالصلاة عليه. وقد ثبت أن تحريم الصدقة، واستحقاق خمس الخمس، وعدم توريثهم، يختص ببعض أقاربه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكذلك الصلاة على آله خاصة ببعضهم غير عامة لهم. وخرج مسلم من حديث مالك عن الزهري، أن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب، حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا: واللَّه لو بعثنا هذين الغلامين- قال لي وللفضل بن عباس- إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكلماه فأمّرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدى الناس وأصابا ما تصيبه الناس. قال: فبينما هما في ذلك جاء على بن أبى طالب رضي اللَّه عنه فوقف عليهما، فذكرا له ذلك، فقال عليّ: لا تفعلا [فو اللَّه] [ (1) ] ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: واللَّه ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، فو اللَّه لقد نلت صهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما نفسناه عليك، قال عليّ: أرسلوهما، فانطلقا واضطجع عليّ، قال: فلما صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال: أخرجا ما تصررانه، ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش. قال: فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول اللَّه، أنت أبّر الناس وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدى إليك كما يؤدى الناس ونصيب كما يصيبون.   [ (1) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب رضى اللَّه عنها تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه. قال: ثم قال: إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، أدعوا لي محمية- وكان على الخمس- ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب. قال: فجاءاه فقال لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن العباس، فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك لي، فأنكحنى، وقال لمحمية: أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا. قال الزهري: ولم يسمه لي، [ (1) ] وخرجه أيضا من حديث يونس [بن يزيد] [ (2) ] عن ابن شهاب، عن عبد اللَّه   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 183- 185، كتاب الزكاة، باب (51) ترك استعمال آل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الصدقة، حديث رقم (167) . قوله: «فانتحاه ربيعة بن الحارث» هو بالحاء، ومعناه: عرض له وقصده. قوله: «ما تفعل هذا إلا نفاسة منك علينا» معناه حسدا منك لنا، قوله «أخرجا ما تصرران» ، هكذا هو في معظم الأصول ببلادنا، وهو الّذي ذكره الهروي، والمازري، وغيرهما من أهل الضبط، تصرران بضم التاء وفتح الصاد وكسر الراء وبعدها راء أخرى، ومعناه: تجمعانه في صدوركما من الكلام، وكل شيء جمعته فقد صررته. ووقع في بعض النسخ: تسرران بالسين من السر، وذكر القاضي عياض فيه أربع روايات فلتراجع في (مسلم بشرح النووي) : 7/ 184. قوله: «قد بلغنا النكاح» أي الحلم، كقوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ [النساء 6] . قوله: «تلمع إلينا» بضم التاء وإسكان اللام وكسر الميم، ويجوز فتح التاء والميم، يقال: ألمع ولمع إذا أشار بثوبه أو بيده. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد» دليل على أنها محرمة سواء كانت بسبب العمل، أو بسبب الفقر والمسكنة وغيرهما من الأسباب الثمانية [المذكورة في الآية 60 من سورة التوبة] ، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا. وجوّز بعض أصحابنا لبني هاشم وبنى المطلب العمل عليها بسهم العامل لأنه إجارة، وهذا ضعيف أو باطل، وهذا الحديث صحيح في رده. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إنما هي أوساخ الناس» تنبيه على العلة في تحريمها على بنى هاشم وبنى المطلب، وأنها لكرامتهم وتنزيههم عن الأوساخ، ومعنى أوساخ الناس أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم، كما قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها، فهي كغسالة الأوساخ. (مسلم بشرح النووي) : 7/ 185. [ (2) ] زيادة للنسب من (صحيح مسلم) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 ابن الحارث بن نوفل الهاشمي، أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، أخبره أن أباه ربيعة بن الحارث [بن عبد المطلب] [ (1) ] وعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن عباس: ائتيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ... وساق الحديث بنحو حديث مالك وقال فيه: فألقى عليّ رضي اللَّه عنه رداءه ثم اضطجع وقال: أنا أبو حسن القرم، واللَّه لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال في الحديث: ثم قال لنا: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد. وقال أيضا ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادعوا إليّ محمية بن جزء- وهو رجل من بنى أسد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استعمله على الأخماس. قال كاتبه: هكذا وقع، وهو رجل من بنى أسد، وإنما هو من بنى زبيلة. وخرج مسلم وأبو داود من حديث حيوة، أخبرنى أبو صخر عن يزيد بن قسيط عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتى به ليضحّى به فقال: يا عائشة هلمي المدية، ثم قال: اشحذيها بحجر [- وقال أبو داود: أشحثيها بحجر-] [ (2) ] ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه ثم قال: باسم اللَّه، اللَّهمّ تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحى به [ (3) ] . فانظر كيف غاير بين آله وأمته، فإن حقيقة العطف المغايرة، وأمته صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] زيادة للنسب من (صحيح مسلم) . [ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (صحيح مسلم) و (سنن أبى داود) : «اشحذيها» . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 130، كتاب الأضاحي، باب (3) استحباب الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل والتسمية والتكبير، حديث رقم (19) : 7/ 349- 350 كتاب الضحايا، باب (4) ما يستحب من الضحايا، حديث رقم (2789) ، وفي الحديث استحباب التضحية بالأقرن، وإحسان الذبح، وإحداد الشفرة، وإضجاع الغنم في الذبح، قال النووي: واتفق العلماء على أن إضجاعها يكون على جانبها الأيسر، لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين، وإمساك رأسها باليسار أ. هـ والحديث فيه دليل على حواز الأضحية الواحدة عن جميع أهل البيت قال المنذري: أخرجه مسلم. (عون المعبود) : 7/ 350. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 أعمّ من آله، وتفسير الآل بكلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أولى من تفسيره بكلام غيره، وهذا القول من أن آل الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم هم الذين تحرم عليهم الصدقة، هو أصح الأقوال الأربعة. وأرجح ما في هذا القول من الأقوال الثلاثة مذهب الشافعيّ رحمة اللَّه، لما خرج البخاري من حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان رضي اللَّه عنه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلنا: يا رسول اللَّه! أعطيت بنى المطلب وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد [ (1) ] . وقال الليث: حدثني يونس، وزاد قال جبير: ولم يقسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل [شيئا] [ (2) ] . قال ابن إسحاق: وعبد شمس وهاشم والمطلب إخوة لأم- وهي عاتكة بنت مرة- وكان نوفل أخوهم لأبيهم، ذكره البخاري في كتاب فرض الخمس، وفي مناقب قريش في غزوة خيبر. فصح أنه لا يجوز أن يفرق بين حكم هاشم وبنى المطلب في شيء أصلا، لأنهم شيء واحد بنصّ كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فصح أنهم آل محمد، وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام، وخرج بنو عبد شمس وبنو نوفل ابني عبد مناف وسائر قريش عن هذين البطنين وباللَّه التوفيق. واعترض الحنفيون بأن قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، إنما أراد أنهم لم يفترقوا في الجاهلية لأنهم دخلوا مع بنى هاشم الشعب، إذ [كان] [ (3) ] بنو عبد شمس حينئذ حزبا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، [وأهل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هم بنو هاشم] [ (4) ] فقط الذين هم بنو العباس، وبنو طالب، وبنو الحارث، وبنو أبى طالب، وبنو أبى لهب. فإنه لا خلاف أن عقب هاشم انحصر في عبد المطلب   [ (1) ] أخرجه مسلم (عون المعبود) : 7/ 350 (3) ، [ (2) ] أخرجه البخاري في المغازي، باب (239) غزوة خيبر حديث رقم (4229) . [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ) وعالجناه على حسب ما يقتضيه السياق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 فصار بنوه آل محمد بيقين. واعترض الشيعة العلوية على الحنفية وغيرهم بأنه ليس أهل البيت إلا من ذكرهم اللَّه تعالى بقوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (1) ] ، وقد فسرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين سئل: من أهل بيتك؟ فقال: على وفاطمة، والحسن والحسين. خرج الترمذي من طريق يحى بن عبيد، عن عطاء بن أبى رباح، عن عمر بن أبى سلمة [ربيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، وزينب بنت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: نزلت هذه الآية على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (1) ] في بيت أم سلمة رضي اللَّه عنها فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة وحسنا وحسينا رضي اللَّه عنهم فجلّلهم بكساء، وعلى رضي اللَّه عنه خلف ظهره [فجلله بكساء] ثم قال: اللَّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول اللَّه؟ قال: أنت على مكانك وأنت إلى خير [ (2) ] . قال: وهذا حديث غريب من هذا الوجه. ذكره في مناقب آل بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وذكره أيضا بهذا الإسناد في كتاب التفسير وقال: هذا حديث غريب من حديث عطاء عن عمر بن أبى سلمة [ (3) ] . وخرج مسلم من حديث زكريا بن أبى زائدة، عن مصعب بن أبى شيبة، عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة رضي اللَّه عنها: خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] الأحزاب: 33. [ (2) ] (تحفة الأحوذي) : 10/ 196، أبواب المناقب: باب (110) مناقب أهل بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4039) . [ (3) ] (تحفة الأحوذي) : 9/ 48، أبواب تفسير القرآن، سورة الأحزاب، حديث رقم (3422) . قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ قيل: هو الشك، وقيل العذاب، وقيل الإثم. قال الأزهري: الرجس اسم لكل مستقذر من عمل، قاله النووي. قوله «فجللهم بكساء» أي غطاهم به من التجليل. وقوله: «فجلله بكساء» أي كساء آخر، قوله: «قالت أم سلمه وأنا معهم يا نبي اللَّه» بتقدير حرف الاستفهام، قوله: «أنت إلى مكانك وأنت إلى خير» يحتمل أن يكون معناه أنت خير وعلى مكانك من كونك من أهل بيتي ولا حاجة لك في الدخول تحت الكساء، كأنه منعها عن ذلك لمكان عليّ، وأن يكون المعنى أنت على خير وإن تكوني من أهل بيتي، كذا في (اللمعات) . (المرجع السابق) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 [غداة] [ (1) ] وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن على فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله ثم قال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (2) ] . وخرج أبو بكر بن أبى شيبة من حديث محمد بن مصعب قال: حدثنا الأوزاعي عن شداد أبى عمار قال: دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا عليا رضي اللَّه عنه فشتموه، فشتمته معهم، فقال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلت: بلى، قال: أتيت على فاطمة أسألها عن عليّ رضي اللَّه عنه عنهما فقالت: توجه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجلست فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه على وحسن وحسين، أخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل، فدخل علينا وفاطمة، فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبا أو قال: كساء، ثم تلا هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق. وأخرجه الحاكم من حديث بشر بن بكر، حدثنا الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني واثلة بن الأسقع قال: أتيت عليا فلم أجده، فقالت لي فاطمة: انطلق إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعوه، فجاء مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدخلا ودخلت معهما، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحسن والحسين فأقعد كل واحد منهما على فخذيه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها، ثم لفّ عليهم ثوبا وقال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، اللَّهمّ [أهل   [ (1) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 203- 204، كتاب فضائل الصحابة، باب (9) فضائل أهل بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (61) . قوله: «وعليه مرط مرحّل» هو بالحاء المهلة، وقال القاضي: أنه وقع لبعض رواة كتاب مسلم بالحاء، ولبعضهم بالجيم. والمرحّل بالحاء: هو الموشّى المنقوش، عليه صور رحال الإبل، وبالجيم: عليه صور المراجل وهي القدور، وأما المرط فبكسر الميم، وهو كساء جمعه مروط. (المرجع السابق) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 بيتي] [ (1) ] . قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ (2) ] قال البخاري في تاريخه: محمد ابن مصعب القرقساني أبو عبد اللَّه [لم] يسمع الأوزاعي، وكان يحى بن معين يسيء الرأى فيه [ (3) ] . وأخرج الحاكم من طريق عبد الرحمن [بن عبد اللَّه] [ (4) ] بن دينار، عن شريك ابن أبى نمر، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت: في بيتي نزلت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ، قالت: فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي اللَّه عنهم فقال: هؤلاء أهل بيتي. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري [ (5) ] . وخرج أيضا من طريق الحسن بن عرفه قال: حدثني على بن ثابت الجزري، حدثنا بكير بن مسمار- مولى عامر بن سعد- قال: سمعت عامر بن سعد يقول: قال سعد: نزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوحي، فأدخل عليا وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال: [اللَّهمّ] [ (6) ] هؤلاء أهلي وأهل بيتي [ (7) ] . وخرج من طريق أبى بكر بن أبى شيبة [الحزامي] [ (1) ] قال: حدثنا محمد   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 159، كتاب معرفة الصحابة، باب مناقب أهل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4706/ 304) . [ (2) ] الّذي قال: على شرط مسلم هو الحافظ الذهبي في (التلخيص) ، لكن أبو عبد اللَّه الحاكم قال في (المستدرك) : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. [ (3) ] (التاريخ الكبير) : 1/ 239، ترجمة محمد بن مصعب القرقساني رقم (756) . وفيه: سمع الأوزاعي، وكان يحى بن معين سيئ الرأى فيه، قال محققه: وهذا خلاف لما في (خ) ، من أنه لم يسمع الأوزاعي. [ (4) ] زيادة في النسب من (المستدرك) . [ (5) ] (المستدرك) : 3/ 158، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4705/ 303) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري. [ (6) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (7) ] (المستدرك) : 3/ 159، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4708/ 306) ، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على، وبكير تكلم فيهما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 ابن إسماعيل بن أبى فديك، حدثني عبد الرحمن بن أبى بكر المليكي عن إسماعيل ابن عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب، عن أبيه قال: لما نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الرحمة هابطة قال: ادعوا لي ادعوا لي، فقالت صفية: من يا رسول اللَّه؟ قال: أهل بيتي: عليا وفاطمة والحسن والحسين، فجيء بهم فألقى عليهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كساءه، ثم رفع يديه ثم قال: اللَّهمّ [هؤلاء] [ (1) ] آلى فصلّ على محمد وعلى آل محمد، وأنزل اللَّه عزّ وجل إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد صحت الرواية على شرط الشيخين أنه علمهم الصلاة على أهل بيته كما علمهم الصلاة على آله [ (2) ] وذكر من طريق البخاري حديث كعب بن عجرة ثم قال: وإنما خرجته ليعلم المستفيد أن أهل البيت والآل جميعا هم [ (3) ] . وخرج الحاكم من طريق موسى بن هارون، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد عن أبيه قال: لما نزلت هذه الآية: نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ [ (4) ] ، دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [عليا] [ (1) ] وفاطمة، وحسنا وحسينا فقال: اللَّهمّ [هؤلاء] [ (1) ] أهلي. قال الحاكم: هذا   [ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (2) ] (المستدرك) ، 3/ 159- 160، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4709/ 307) ، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : المليكي ذاهب الحديث، قال الحاكم: وصحت الرواية أنه عليه السلام علمهم الصلاة على أهل بيته كما علمهم الصلاة على آله. [ (3) ] وحديث كعب بن عجرة: حدثني عبد اللَّه بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبى ليلى: أنه سمع عبد الرحمن ابن أبى ليلى يقول: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدى لك هدية سمعتها من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلت: بلى، قال: فأهدها إليّ، قال: سألنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: يا رسول اللَّه، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. قال الحاكم: وقد روى هذا الحديث بإسناده وألفاظه حرفا بعد حرف، الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، عن موسى بن إسماعيل في الجامع الصحيح، وإنما خرجته ليعلم المستفيد من أهل العلم أن أهل البيت والآل جميعا هم. وأبو فروة هو عروة بن الحارث الهمدانيّ من أوثق التابعين بالكوفة. (المستدرك) : 3/ 160، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4710/ 308) . [ (4) ] آل عمران: 61. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] . وخرجه ثانيا ثم قال: اتفق الشيخان على صحة هذا الإسناد واحتجّا به ولم يخرجاه وإنما خرجا بهذا الإسناد قصة أبي تراب. وخرج من طريق عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنى حميد وعلى بن زيد، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يمرّ بباب فاطمة رضي اللَّه عنها ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. [ولم يخرجاه] [ (2) ] . واعترض على الشيعة بأن قيل: لا نسلم أن أهل البيت في الآية من ذكرتم، بل هم نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بدليل سياقها، وانتظام ما استدللتم به معه، فإن اللَّه تعالى قال: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ، إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ] [ (3) ] ، ثم استطردها إلى أن قال: وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (4) ] وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [ (5) ] الآية، فخطاب نساء النبي مكتنفا لذكر أهل البيت قبله وبعده منتظما له، فاقتضى أنهن المراد به، وحينئذ لا يكون لكم في الآية متعلق أصلا، ويسقط الاستدلال بها بالكلية، وما أكدتم به قولكم من السنة فأخبار آحاد لا تقولون بها مع أن دلالتها ضعيفة. فأجاب الشيعة بأن قالوا: الدليل على أن أهل البيت في الآية من ذكرنا، النص والإجماع. أما النص فما ثبت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه بقي بعد نزول الآية ستة أشهر   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 163، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4719/ 317) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 172: كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4748/ 346) ، وما بين الحاصرتين زيادة منه، وهذا الحديث سكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . [ (3) ] سورة الأحزاب الآية: 32. [ (4) ] سورة الأحزاب الآية: 33. [ (5) ] سورة الأحزاب الآية: 34: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 يمر وقت صلاة الفجر على بيت فاطمة عليها السلام فينادي: الصلاة يا أهل البيت: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً: رواه الترمذي وغيره وهو تفسير منه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأهل البيت بفاطمة ومن في بيتها، وهو نصّ، وأنصّ منه حديث أم سلمة أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسل خلف فاطمة وعليّ وولديهما، فجاءوا فأدخلهم تحت الكساء، ثم جعل يقول: اللَّهمّ إليك لا أبالى النار أنا وأهل بيتي، اللَّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، وفي رواية: حامتي، اللَّهمّ أذهب عنهم الرجس [وطهرهم] تطهيرا، قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول اللَّه، ألست من أهل بيتك؟ قال: أنت إلى خير، أنت منهم. وأما الإجماع: فلأن الأمة اتفقت على أن لفظ أهل البيت إذا أطلق إنما ينصرف إلى من ذكرناه دون النساء، ولو لم يكن إلا شهرته فيهم كفى، وإذا ثبت بما ذكرناه من النص والإجماع أن أهل البيت عليّ وزوجته وولداه، فما استدللتم به من سياق الآية ونظمه على خلافه لا يعارضه، لأنه مجمل يحتمل الأمرين، وقصارها أنه ظاهر فيما ادعيتم لا يعارضه النص والإجماع، ثم إن الكلام العربيّ يدخله الاستطراد [والاعتراض، والتخلل] الجملة الأجنبية بين الكلام المنتظم المتناسب كقوله تعالى: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ* وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ [ (1) ] ، فقوله: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ جملة معترضة من جهة اللَّه تعالى بين كلام بلقيس، وقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ [ (2) ] ، أي لا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقرآن، وما بينهما اعتراض، وهو كثير في القرآن وغيره من الكلام العربيّ، فلم لا يجوز أن يكون قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ جملة معترضة متخللة لخطاب نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على هذا النهج، وحينئذ يضعف اعتراضكم. وأما ما ذكرناه من اختيار الآحاد، فإنما أكدنا به دليل الكتاب، ثم هي لازمة لكم، فنحن أوردناها إلزاما لا استدلالا.   [ (1) ] النمل: 34- 35. [ (2) ] الوقعة: 75- 77. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 القول الثاني: أن آل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هم ذريته وأزواجه خاصة، قال ابن عبد البر- وقد ذكر حديث مالك عن عبد اللَّه بن أبى بكر، عن عمرو بن سليم، قال-: أرى أبو حميد قد كره استدلال قوم بهذا الحديث، على أن آل محمد هم أزواجه وذريته خاصة، لقوله في حديث مالك، عن نعيم المجمّر وفي غير ما حديث: اللَّهمّ [صل] على محمد وعلى آل محمد. وفي هذا الحديث: اللَّهمّ صل على محمد وأزواجه وذريته فقالوا: هذا يفسّر هذا الحديث، ويبين أن آل محمد هم أزواجه وذريته. قالوا: فجائز أن يقول الرجل لكل من كان من أزواج محمد وذريته: صلى اللَّه عليك إذا واجهه، وصلى اللَّه عليه إذا غاب عنه، ولا يجوز ذلك في غيرهم. قالوا: والآل والأهل سواء، وأهل الرجل وآله سواء، وهم الأزواج والذرية، بدليل هذا [الحديث. وقد] احتج أصحاب هذا القول بما في الصحيحين من حديث أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا [ (1) ]   [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6460) . وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «اللَّهمّ ارزق آل محمد قوتا» ، قال الحافظ في (الفتح) : هكذا وقع هنا، وفي رواية الأعمش عن عمارة عند مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة: «اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا» وهو المعتمد، فإن اللفظ الأول صالح لأن يكون دعاء بطلب القوت في ذلك اليوم، وأن يكون طلب لهم القوت، بخلاف اللفظ الثاني فإنه يعيّن الاحتمال الثاني وهو الدالّ على الكفاف. وعلى ذلك شرحه ابن بطال فقال: فيه دليل على فضل الكفاف، وأخذ البلغة من الدنيا، والزهد فيما فوق ذلك، رغبة في توفر نعيم الآخرة، وإيثار لما يبقى على ما يفنى، فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك. وقال القرطبي: معنى الحديث أنه طلب الكفاف، فإن القوت ما يقوت البدن، ويكف عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعا، واللَّه تعالى أعلم. (فتح الباري) : 11/ 355. وأخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (19) ، قال الإمام النووي في قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا» : قيل: كفايتهم من غير إسراف، وهو بمعنى قوله في الرواية الأخرى كفافا، وقيل: هو سد الرمق. (مسلم بشرح النووي) : 18/ 319. وأخرجه الترمذي في أبواب الزهد، باب (25) ما جاء في معيشة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهله، حديث رقم (2466) ، وقال القرطبي: أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة، ولا يكون فيه فضول يبعث على الترفه والتبسط في الدنيا. (تحفة الأحوذي) : 7/ 22. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) في كتاب الزهد، باب (9) القناعة، حديث رقم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 ومعلوم أن هذه الدعوة المستجابة، ولم [يقل:] كل بنى هاشم ولا بنى المطلب، لأنه كان فيهم الأغنياء وأصحاب الجدة، وأما ذريته صلّى اللَّه عليه وسلّم وأزواجه وكان رزقهم قوتا، وما حصل من الأموال لأزواجه من بعده كن يتصدقن به، ويجعلن رزقهن قوتا، فقد جاء عائشة مال عظيم فقسمته كله في الحال وهي جالسة، فقالت لها الجارية لو تركت لنا منه درهما نشتري به لحما؟ فقالت: لو ذكّرتينى فعلت ومما في الصحيحين عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد من خبز برّ مأدوم ثلاثة أيام حتى قبض [ (1) ] . ثانيه: قالوا: ومعلوم أن العباس وأولاده وبنى المطلب لم يدخلوا في لفظ عائشة ولا مرادها، قالوا: إنما دخلت الأزواج في الآل وخصوصا أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تشبيها بالنسب، لأن اتصاله بهن صلّى اللَّه عليه وسلّم غير مرتفع، فإنّهنّ محرمات على غيره من بعده، وهن زوجاته في الآخرة.   [ () ] (4139) وقال العلامة محمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على هذا الحديث: «قوتا» أي على قدر الحاجة الضرورية. [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 646، كتاب الأطعمة، باب (1) قول اللَّه تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ الآية، وقوله: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ، وقوله: كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، حديث رقم (5374) عن أبى هريرة، باب (23) ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5416) ، 11/ 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6454) عن عائشة، (مسلم بشرح النووي) : 18/ 315- 316، كتاب الزهد والرقائق، حديث رقم (20) : ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ قدم المدينة من طعام برّ ثلاث ليال تباعا حتى قبض، وحديث رقم (22) : ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وحديث رقم (23) : ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم من خبز برّ فوق ثلاث، وحديث رقم (24) : ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم من خبز البر ثلاثا حتى مضى لسبيله، وحديث رقم (25) : ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم يومين من خبز إلا وأحدهما تمر، كلهم عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها، (سنن النسائي) : 7/ 271، كتاب الضحايا، باب (37) الادخار من الأضاحي، حديث رقم (4444) ولفظه: ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق باللَّه عزّ وجلّ، (سنن ابن ماجة) : 2/ 1110، كتاب الأطعمة باب (48) خبز البر، حديث رقم (3344) ولفظه: ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ قدموا المدينة ثلاث ليال تباعا من خبز برّ حتى توفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (49) خبز الشعير، حديث رقم (3346) ولفظه: ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم من خبز الشعير حتى قبض، كلاهما عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 612، حديث رقم (19467) ، 7/ 142، حديث رقم (24144) ، 7/ 184، حديث رقم (24441) . 7/ 286، حديث رقم (25013) ، 7/ 299، حديث رقم (25223) ، 7/ 394، حديث رقم (25835) ، 7/ 64، حديث رقم (23631) ، 7/ 223، حديث رقم (24698) ، 5/ 612، حديث رقم (19467) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 فالنسب الّذي لهن بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قائم مقام النسب، وقد نصّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الصلاة عليهنّ، وقد قال تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ [ (1) ] إلى قوله: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [ (2) ] إلى قوله: وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً* وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [ (3) ] فدخلن في أهل البيت، لأن هذا الخطاب كله في سياق ذكرهن، فلا يجوز إخراجهن من شيء منه. وزعم بعضهم أن الأهل يختص بالزوجات، ويدخل فيه الأولاد، لقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ثم قال بعد [ذلك] : وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ، وهذا بخلاف الأول، فإن الأولاد يدخل فيه. واعترض بأن تنصيصه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأزواج والذرية لا يدل على الاختصاص، بل هو حجة على عدم الاختصاص بهم، لما خرج أبو داود من حديث نعيم المجمر، عن أبى هريرة رضي اللَّه عنه في الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم [إنك حميد مجيد] [ (4) ] فجمع بين الأزواج والذرية والأهل، وإنما نص عليهم بتعيينهم ليبين أنهم حقيقيون بالدخول في الآل، وأنهم ليسوا بخارجين منه، بل هم أحق من دخل   [ (1) ] الأحزاب: 30. [ (2) ] الأحزاب: 32. [ (3) ] الأحزاب: 33، 34. [ (4) ] (عون المعبود) : 3/ 190- 191، كتاب الصلاة، باب (181) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (978) ، وما بين الحاصرتين زيادة يقتضيها السياق منه، وأول الحديث: من سرّه أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللَّهمّ صل على محمد ... قوله: «بالمكيال» بكسر الميم، وهو ما يكال به. وفيه دليل على أن هذه الصلاة أعظم أجرا من غيرها وأوفر ثوابا. قوله: «أهل البيت» ، الأشهر فيه النصب على الاختصاص، ويجوز إبداله من ضمير علينا. قوله: «فليقل: اللَّهمّ صل على محمد» ، قال الإسنوي: قد اشتهر زيادة [سيدنا] قبل محمد عند أكثر المصلين، وفي كون ذلك أفضل نظر، وقد روى عن ابن عبد السلام أنه جعله من باب سلوك الأدب، وهو مبنى على أن سلوك طريق الأدب أحب من الامتثال، ويؤيده حديث أبى بكر حين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاص على العام تنبيها على شرفه وتخصيصا له بالذكر من بين النوع، لأنه أحق أنواع النوع بالدخول فيه، وهنا للناس طريقان، أحدهما: أن ذكر الخاص قبل العام أو بعده قرينة تدل على أن المراد بالعام ما عداه، والطريق الأخرى: أن الخاص ذكر مرتين مرة بخصوصه ومرة بشمول الاسم العام له، تنبيها على مزيد شرفه، وهذا لقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [ (1) ] وقوله: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ [ (2) ] . القول الثالث: أن آله صلّى اللَّه عليه وسلّم أتباعه إلى يوم القيامة، حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم، وأقدم من روى عنه هذا القول جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه، ذكره البيهقي عنه، ورواه عن سفيان الثوري، واختاره بعض أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حكاه عنه أبو الطيب الطبري في تعليقه، ورجحه الشيخ أبو زكريا النووي في شرح مسلم، واختاره الأزهري، والحجة لهذا القول أن آل المعظم المتبوع هم أتباعه على دينه، وأمره قريبهم وبعيدهم، وأن اشتقاق هذه اللفظة تدل عليه، فإنه من آل يؤول إذا رجع، ومرجع الأتباع إلى متبوعهم، لأنه إمامهم [ومولاهم] ، ولهذا   [ () ] أمره صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يثبت مكانه فلم يمتثل وقال: ما كان لابن أبى قحافة أن يتقدم بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكذلك امتناع عليّ رضي اللَّه عنه محو اسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الصحيفة في صلح الحديبيّة بعد أن أمره بذلك وقال: لا أمحو اسمك أبدا. وكلا الحديثين في الصحيح، فتقريره صلّى اللَّه عليه وسلّم لهما على الامتناع من امتثال الأمر تأدبا مشعر بأولويته. والحديث استدل به القائلون بأن الزوجات من الآل، والقائلون إن الذرية من الآل، وهو أدلّ دليلا على ذلك لذكر الآل فيه مجملا ومبينا. والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري، وهو من طريق أبى جعفر محمد بن على بن الحسين بن على، عن المجمّر عن أبى هريرة عنه. وقد اختلف فيه على أبى جعفر، وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن عاصم، عن حبان بن يسار الكلابي، عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي، عن أبى جعفر، عن محمد بن الحنفية، عن أبيه عن عليّ عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بلفظ حديث أبى هريرة. وقد اختلف فيه على أبى جعفر، وعلى حبان بن يسار. مختصرا من (المرجع السابق) : 191. [ (1) ] الأحزاب: 7. [ (2) ] البقرة: 98. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 كان قوله تعالى: إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ [ (1) ] المراد به أتباعه المؤمنون به من أقاربه وغيرهم، وقوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [ (2) ] المراد به أتباعه وشيعته. وقد خرج البيهقي [ (3) ] من حديث واثلة بن الأسقع، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دعا حسنا وحسينا، فأجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة في حجره وزوجها، ثم لف عليهم ثوبه ثم قال: اللَّهمّ هؤلاء أهلي، قال واثلة: فقلت: يا رسول اللَّه! وأنا من أهلك؟ قال: وأنت من أهلي [قال: فإنّها لمن أرجى ما أرجو] [ (4) ] ، قالوا: ومعلوم أن واثلة بن الأسقع من بنى ليث بن بكر بن عبد مناف، وإنما هو من أتباع النبي [ (5) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم.   [ (1) ] القمر: 34. [ (2) ] غافر: 46. [ (3) ] أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 63، باب إليه ينسب أولاد بناته صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يذكر قول واثلة. وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب (4) من فضائل عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، حديث رقم (32) ، ولم يذكر قول واثلة. وأخرجه الذهبي مع قول واثلة في (سير أعلام النبلاء) 3/ 385 في ترجمة واثلة بن الأسقع وقال: هذا حديث حسن غريب، ثم قال في هامشه: وأخرجه الطبري في (التفسير) : 22/ 7 من طريق عبد الكريم بن أبى عمير، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا أبو عمرو الأوزاعي، حدثني شداد أبو عمار. قال: سمعت واثلة بن الأسقع ... وعبد الكريم بن أبى عمير، قال المصنف في (الميزان) : فيه جهالة وباقي رجاله ثقات. [ (4) ] زيادة يقتضيها السياق من (سير أعلام النبلاء) . [ (5) ] هو واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر. وقيل: واثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد ياليل بن ناشب الليثي، من أصحاب الصفة. أسلم سنة تسع، وشهد غزوة تبوك، وكان من فقراء المسلمين. وفي كنيته أقوال: أبو الخطاب، وأبو الأسقع، وقيل: أبو قرصافة، وقيل: أبو شداد، له ستة وخمسون حديثا. روى عنه أبو إدريس الخولانيّ وشداد أبو عمار. وبسر بن عبيد اللَّه، وعبد الواحد النصري، ومكحول، ويونس بن ميسرة ... وخلق آخرهم مولاه معروف الخياط الباقي إلى سنه ثمانين ومائة. وله رواية أيضا عن أبى مرثد الغنوي، وأبى هريرة. وله مسجد مشهور بدمشق. وسكن قرية البلاط، وهي على ثلاثة فراسخ من دمشق. قال هشام بن عمار: حدثنا معروف الخياط قال: رأيت واثلة بن الأسقع يملى عليهم الأحاديث. واختلف في تاريخ وفاته وعمره. روى إسماعيل بن عيّاش، عن سعيد بن خالد: توفى واثلة في سنة ثلاث وثمانين، وهو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 واعترض على هذا القول بأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد رفع الشبهة وأزالها بقوله: إن الصدقة لا تحل لآل محمد، وبقوله: إنما يأكل آل محمد من هذا المال، وبقوله: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا، وهذا لا يجوز أن يراد به عموم الأمة قطعا، فأولى ما حمل عليه الآل في الصلاة الآل المذكورون في سائر ألفاظه، ولا يجوز العدول عن ذلك. وأيضا فإن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم حق له ولآله دون سائر الأمة، ولهذا تجب على وعلى آله عند الشافعيّ وغيره كما تقدم ذكره، وإن كان عندهم في الآل اختلاف، ومن لم يوجب الصلاة عليه فإنه بلا شك يستحبها عليه وعلى آله، ويكرهها ولا يستحبها لسائر المؤمنين، ولا يجوزها لغير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وآله، فمن قال: إن آله في الصلاة هم كل الأمة فقد أبعد غاية البعد، بدليل أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شرع في التشهد السلام والصلاة، فشرع في الصلاة تسليم المصلى على رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أولا، وبعده سلام المصلى على نفسه ثانيا، وعلى سائر عباد اللَّه الصالحين ثالثا، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد اللَّه صالح في الأرض والسماء [ (1) ] .   [ () ] ابن مائة وخمس سنين. وقال أبو مسهر وعدّة: مات سنة خمس وثمانون وله خمس وتسعون سنة. وهو آخر من مات من الصحابة بدمشق. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 7/ 407، (طبقات خليفة) : ت 181، 778، 1349، (التاريخ الصغير) : 1/ 184. (الجرح والتعديل) : 9/ 47. (حلية الأولياء) : 2/ 21 ترجمة رقم (120) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 142، (تهذيب التهذيب) : 11/ 89، ترجمة رقم (174) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 78. ترجمة رقم (59) ، (شذرات الذهب) : 1/ 95، أحداث سنة خمس وثمانين، (خلاص تذهيب الكمال) : 350، (المستدرك) ، 3/ 658- 659، (الإصابة) : 6/ 591، ترجمة رقم (9093) ، (الاستيعاب) : 4/ 1563 ترجمة رقم (2738) ، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 383- 387، ترجمة رقم (57) . [ (1) ] أخرجه أبو نعيم من حديث سليمان بن أحمد، وأحمد بن محمد الحارث قالا: حدثنا عبدان بن أحمد، حدثنا إسماعيل بن زكريا، حدثنا فضل بن عياض، عن سليمان الأعمش، عن أبى وائل، عن عبد اللَّه قال: كنا إذا جلسنا في الصلاة قلنا: السلام على اللَّه قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، فعلمنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم التشهد، فقال: إن اللَّه هو السلام، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين. قال أبو وائل في حديث عبد اللَّه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا قلتها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض، وقال أبو إسحاق في حديث عبد اللَّه: إذا قلتها أصابت كل ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد صالح: أشهد أن إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 وأما الصلاة فلم يشرعها إلا عليه وعلى آله فقط، فدل على أن آله هم أهله وأقاربه، وهذا بين يؤيده أن اللَّه تعالى أمر عباده المؤمنين بالصلاة على نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ذكر حقوقه، وما خصه تعالى به دون أمته: من حل نكاحه لمن تهب نفسها له، ومن تحريم نكاح أزواجه على الأمة بعده، ومن سائر ما ذكر من حقوقه وتعظيمه وتوقيره وتبجيله، ثم قال: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [ (1) ] ، ثم ذكر رفع الجناح عن أزواجه في تكليمهم إياهن وأبناؤهن، ومن ذكر دخولهن عليهنّ، ثم عقب ذلك بما حق من حقوقه الأكيدة على الأمة وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامهم، مستفتحا ذلك الأمر بإخباره تعالى [بأنه] وملائكته يصلون عليه، فسأل الصحابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بأي [صيغة] يؤدون هذا الحق؟ فقال: قولوا: اللَّهمّ [صل] على محمد وعلى آل محمد [ (2) ] ، فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها،   [ () ] قال أبو نعيم: هذا حديث صحيح متفق عليه من حديث الأعمش، عن أبى وائل. رواه عنه إلياس، وحديث فضيل لا نعلمه رواه عنه الإسماعيلي، وكان فضيل يتورع أن يقول: الأعمش، فكان إذا حدّث عنه قال: سليمان بن مهران، وإنما أصحابه وصفوه بالأعمش ليكون أشهر. (حلية الأولياء) : 8/ 115، ترجمة الفضيل بن عياض رقم (397) . [ (1) ] الأحزاب: 53. [ (2) ] (عون المعبود) : 3/ 185، كتاب الصلاة، باب (181) ، الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (972) : حدثنا حفص بن عمر، أخبرنا شعبة عن الحكم، عن ابن أبى ليلى، عن كعب ابن عجرة قال: قلنا أو قالوا: يا رسول اللَّه أمرتنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك، فأما السلام فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد. وحديث رقم (973) : حدثنا مسدد، أخبرنا يزيد بن زريع، أخبرنا شعبة بهذا الحديث قال: صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم. وحديث رقم (974) : حدثنا محمد بن العلاء، أخبرنا ابن بشر عن مسعر، عن الحكم بإسناده هذا قال: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. قال العلامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي: الصلاة الدعاء، والرحمة، والاستغفار، وحسن الثناء من اللَّه تعالى على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو من العباد طلب إفاضة الرحمة الشاملة لخير الدنيا والآخرة من اللَّه تعالى على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد أمر اللَّه تعالى المؤمنين به. وقد أجمعوا على أنه للوجوب، فهي واجبة في الجملة، فقيل: يجب كلما جرى ذكره، وقيل: الواجب الّذي يسقط المأثم هو الإتيان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395   [ () ] بها مرة، كالشهادة بنبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما عدا ذلك فهو مندوب. كذا في (اللمعات) . وقال في (المرقاة) : اعلم أن العلماء اختلفوا في أن الأمر في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً هل هو للندب أو للوجوب؟ ثم هل الصلاة عليه فرض عين أو فرض كفاية؟ ثم هل تتكرر كلما سمع ذكره أم لا؟ ثم إذا تكرر هل تتداخل في المجلس أم لا؟ فذهب الشافعيّ إلى أن الصلاة في القعدة الأخيرة فرض، والجمهور على أنها سنة، والمعتمد عندنا الوجوب والتداخل، والكلام في هذه المسألة طويل، وقد أجاد وأحسن وأطال الشيخ العلامة الخفاجي في (نسيم الرياض) شرح (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض، والإمام شمس الدين ابن القيم في (جلاء الأفهام) . وهو يدل على تأخير مشروعية الصلاة عن التشهد. «فكيف نصلي عليك» : فيه أنه يندب لمن أشكل عليه كيفية ما فهم جملته أن يسأل عنه من له به علم. «قولوا: اللَّهمّ إلخ» : استدل بذلك على وجوب الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، وإلى ذلك ذهب عمر، وابنه عبد اللَّه، وابن مسعود، وجابر بن زيد، والشعبي، ومحمد بن كعب القرظي، وأبو جعفر الباقر، والشافعيّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وابن المواز، واختاره القاضي أبو بكر بن العربيّ. وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب، فهم: مالك، وأبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، والأوزاعي، وآخرون. قال الطبري والطحاوي: إنه أجمع المتقدمون والمتأخرون على عدم الوجوب. قال الشوكانى: دعوى الإجماع من الدعاوي الباطلة، لما عرفت من نسبة القول بالوجوب إلى جماعة من الصحابة، والتابعين، والفقهاء، ولكنه لا يتم الاستدلال على وجوب الصلاة بعد التشهد، بما في حديث الباب من الأمر بها، وبما في سائر أحاديث الباب، لأن غايتها الأمر بمطلق الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو يقتضي الوجوب في الجملة، فيحصل الامتثال بإيقاع فرد منها خارج الصلاة فليس فيها زيادة على ما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً. ولكنه يمكن الاستدلال لوجوب الصلاة في الصلاة، بما أخرجه ابن حبان، والحاكم، والبيهقي. وصححوه، وابن خزيمة في صحيحه، والدار قطنى، من حديث أبى مسعود، بزيادة «كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا» وفي رواية: «كيف نصلي عليك في صلاتنا» وغاية هذه الزيادة أن يتعين بها محل الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو مطلق الصلاة وليس فيها ما يعين محل النزاع. وهو إيقاعها بعد التشهد الأخير. ويمكن الاعتذار عن القول بالوجوب، بأن الأوامر المذكورة في الأحاديث تعليم كيفية، وهي لا تفيد الوجوب، فإنه لا يشك من له ذوق أن من قال لغيره: إذا أعطيتك درهما فكيف أعطيك إياه؟ أسرا أم جهرا؟ فقال له: أعطينيه سرا، كان ذلك أمرا بالكيفية التي هي السرية، لا أمرا بالإعطاء، وتبادر هذا لغة، وشرعا، وعرفا، لا يدفع، وقد تكرر في السنة وكثر، فمنه: إذا قام أحدكم الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين. الحديث. وفي (المرقاة) ، قيل: الآل من حرمت عليه الزكاة كبني هاشم، وبنى المطلب، وقيل: كل تقى آله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: المراد بالآل: جميع أمة الإجابة، وقيل المراد بالآل الأزواج ومن حرمت عليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396   [ () ] الصدقة ويدخل فيهم الذرية، وبذلك يجمع بين الأحاديث. قال ابن حجر المكيّ: هم مؤمنو بنى هاشم والمطلب عند الشافعيّ وجمهور العلماء، وقيل أولاد فاطمة ونسلهم، وقيل: أزواجه وذريته، لانهم ذكروا جملة في رواية. وردّ بأنه ثبت الجمع بين الثلاثة في حديث واحد، وقيل: كل مسلم، ومال إليه مالك، واختاره الزهري وآخرون، وهو قول سفيان الثوري وغيره، ورجحه النووي في (شرح مسلم) . وقال الإمام الشوكانى في (نيل الأوطار) : واستشكل جماعة من العلماء التشبيه للصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالصلاة على إبراهيم- كما وقع في هذه الرواية- أو على آل إبراهيم كما في بعض الرواية، مع أن المشبه دون المشبه به في الغالب، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل من إبراهيم وآله وأجيب عن ذلك بأجوبة: منها: أن المشبّه مجموع الصلاة على محمد وآله بمجموع الصلاة على إبراهيم وآله، وفي آل إبراهيم معظم الأنبياء فالمشبه به أقوى من هذه الحيثية. ومنها: أن التشبيه وقع لأصل الصلاة بأصل الصلاة، لا للقدر بالقدر. ومنها: أن التشبيه وقع في الصلاة على الآل لا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو خلاف الظاهر. ومنها: أنه كان ذلك منه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قبل أن يعلمه أنه أفضل من إبراهيم. ومنها: أن مراده صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتم النعمة عليه كما أتمها على إبراهيم وآله. ومنها: مراده صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبقى له لسان صدق في الآخرين كإبراهيم. ومنها: أنه سأله أن يتخذه اللَّه خليلا كإبراهيم. «وبارك على محمد» : البركة هي الثبوت والدوام، من قولهم: برك البعير إذا ثبت ودام، أي أدم شرفه، وكرامته، وتعظيمه. «إنك حميد مجيد» ، أي محمود الأفعال، مستحق لجميع المحامد، لما في الصيغة من المبالغة، وهو تعليل لطلب الصلاة منه. والمجيد: المتصف بالمجد، وهو كمال الشرف والكرم، والصفات المحمودة. قال المنذري: وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة (عون المعبود) : 3/ 185- 188 مختصرا. وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه، (الإحسان) : 5/ 286 كتب الصلاة، باب (10) باب صفة الصلاة، ذكر وصف الصلاة على المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1957) ، وقال في هامشه: إسناده قوى، وذكر البيان بأن القوم إنما سألوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن وصف الصلاة التي أمرهم اللَّه جلّ وعلا أن يصلوا بها على رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم: 286، حديث رقم (1958) ، وقال في هامشه: إسناده صحيح على شرط الشيخين، ما خلا محمد بن عبد اللَّه الأنصاري، فإنه من رجال مسلم. وهو في (الموطأ) : 1/ 165- 166 في الصلاة، باب ما جاء في الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، (مسند الإمام الشافعيّ) : 42، باب ومن كتاب استقبال القبلة في الصلاة، (مسند الإمام أحمد) : 5/ 97، بقية حديث أبى مسعود الأنصاري، حديث رقم (16624) ، 6/ 368، حديث رقم (21847) ، مسلم (405) في الصلاة، باب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، والبيهقي في (السنن) 2/ 146 وابن ماجة في (السنن) : 1/ 292، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (25) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (903) ، (904) بسياقات مختلفة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 لأن ذلك [مما يرفع اللَّه به قدره] [ (1) ] ، ويزيده اللَّه به شرفا وعلوا صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا ريب أن الأتباع يطلق عليهم لفظ الآل في بعض المواضع بقرينة، ولا يلزم من ذلك أنه حيث وقع لفظ الآل يراد الأتباع بما تقدم من النصوص، واللَّه أعلم. القول الرابع: أن آله صلّى اللَّه عليه وسلّم هم الأتقياء من أمته، حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة، واحتج لهذا القول بما خرجه الطبراني من طريق نعيم بن حماد، حدثنا نوح بن أبى مريم، عن يحى بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من آل محمد؟ فقال: كل تقى [ (2) ] وتلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [ (3) ] ، قال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا نوح، تفرد به نعيم. وقد رواه البيهقي من حديث أحمد بن عبد اللَّه بن يونس، حدثنا نافع أبو هرمز عن أنس فذكره، ونوح هذا ونافع بن هرمز لا يحتج بهما أحد من أهل العلم، قال ابن معين: نوح بن أبى مريم ليس بشيء ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال السعدي: سقط حديثه، وقال ابن عدي: وعامة حديثه لا يتابع، ونافع أبو هرمز السلمي بصرى، قال ابن معين: ليس بشيء، ومرة قال: يروى عن أنس، ليس بثقة. كذاب، وقال أحمد: ضعيف الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه غير محفوظ، والضعف على رواياته بيّن. واحتجوا بأن اللَّه تعالى قال لنوح عليه السلام عن ابنه: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ [ (4) ] ، فأخرجه بشركه أن يكون من أهله، فعلم أن آل   [ (1) ] زيادة للسياق، ومكانها مطموس في (خ) . [ (2) ] (كنز العمال) : 3/ 89، حديث رقم (5624) عن أنس رضي اللَّه عنه، وقد سبق ذكر الآل مشروحا فليراجع. [ (3) ] الأنفال: 34. [ (4) ] هود: 46، وقال سفيان الثوري: عن أبى عامر الهمدانيّ، عن الضحال، عن ابن عباس في قوله تعالى: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ قال: هو ابنه، ما بغت امرأة نبي قط. (تفسير سفيان الثوري) : 130، مسألة رقم (354: 5: 15) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398   [ () ] قال الإمام الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشيّ الدمشقيّ: هذا سؤال استعلام وكشف من نوح عليه السلام عن حال ولده الّذي غرق قال رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي أي وقد وعدتني بنجاة أهلي ووعدك الحق الّذي لا يخلف، فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين؟ قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أي الذين وعدت إنجاءهم، لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك، ولهذا قال: وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره، ومخالفته أباه نبي اللَّه نوح عليه السلام. وقد نصّ غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه. وإنما كان ابن زنية، ويحكى القول بأنه ليس بانه وإنما كان ابن امرأته، عن مجاهد، والحسن، وعبيد بن عمير، وأبي جعفر الباقر، وابن جريج، واحتج بعضهم بقوله: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، وبقوله: فَخانَتاهُما، فممن قاله، الحسن البصري، احتجّ بهاتين الآيتين، وبعضهم بقول: ابن امرأته، وهذا يحتمل أن يكون أراد ما أراد الحسن، أو أراد أنه نسب إليه مجازا لكونه كان ربيبا عنده، واللَّه تعالى أعلم. وقال ابن عباس وغير واحد من السلف: ما زنت امرأة نبي قط، قال: وقوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أي الذين وعدتك نجاتهم، وقول ابن عباس في هذا هو الحق الّذي لا محيد عنه، فإن اللَّه سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة، ولهذا غضب اللَّه على الذين رموا أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه، ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ* لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ* لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ* وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ* إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة وغيره، عن عكرمة عن ابن عباس قال: هو ابنه، غير أنه خالفه في العمل والنية. قال عكرمة في بعض الحروف: إنه عمل عملا غير صالح، والخيانة تكون على غير باب، وقد ورد في الحديث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قرأ بذلك، فقال الإمام أحمد: حدثنا حماد ابن سلمة، عن ثابت، عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرأ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ وسمعته يقول: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، ولا يبالي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا وكيع، حدثنا هارون النحويّ، عن ثابت البناني، عن شهر ابن حوشب، عن أم سلمة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قرأها: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ أعاده أحمد أيضا في مسنده، أم سلمة هي أم المؤمنين، والظاهر- واللَّه أعلم- أنها أسماء بنت يزيد، فإنّها تكنى بذلك أيضا. وقال عبد الرزاق أيضا: أنبأنا الثوري عن ابن عيينة، عن يونس بن أبى عائشة، عن سليمان ابن قبة، قال: سمعت ابن عباس سئل وهو إلى جنب الكعبة عن قول اللَّه تعالى: فَخانَتاهُما قال: أما إنه لم يكن بالزنا، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون، وكانت هذه تدل على الأضياف، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 الرسول هم أتباعه، وأجاب الشافعيّ- رحمه اللَّه- عن هذا بأن المراد إنه ليس من أهلك الذين أمرناك بحملهم ووعدناك نجاتهم، لأن اللَّه تعالى قال له قبل ذلك: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ، فليس ابنه من أهله الذين ضمن له نجاتهم، ويزيد صحة هذا الجواب أن سياق الآية يدل على أن المؤمنين قسم غير أهله الذين هم أهله، لأنه تعالى قال: قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ   [ () ] ثم قرأ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ. قال ابن عيينة: وأخبرنى عمار الذهبي أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال: كان ابن نوح، إن اللَّه لا يكذب، قال تعالى: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ. قال: وقال بعض العلماء: ما فجرت امرأة بنى قط، وكذا روى عن مجاهد أيضا، وعكرمة، والضحاك، وميمون بن مهران، وثابت بن الحجاج، وهو اختيار أبى جعفر بن جرير، وهو الصواب الّذي لا شك فيه. (تفسير ابن كثير) : 2/ 463- 464. وقال الإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: ومعنى قوله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ: نفى أن يكون من أهل دينه واعتقاده، فليس ذلك إبطالا لقول نوح عليه السلام: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، ولكنه إعلام بأن قرابة الدين بالنسبة لأهل الإيمان هي القرابة، وهذا المعنى شائع في الاستعمال قال النابغة يخاطب عيينة بن حصن: إذا حاولت في أسد فجورا ... فإنّي لست منك ولست مني وقال تعالى: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ [سورة التوبة الآية: 56] ، وتأكيد الخبر لتحقيقه لغرابته. وجملة إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ تعليل لمضمون جملة إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ فإن فيه لمجرد الاهتمام. وعَمَلٌ في قراءة الجمهور- بفتح الميم وتنوين اللام- مصدر أخبر به للمبالغة، وبرفع غَيْرُ على أنه صفة عَمَلٌ. وقرأه الكسائي، ويعقوب عَمِلَ- بكسر الميم- بصيغة الماضي وبنصب غيرَ على المفعولية لفعل عمل، معنى العمل غير الصالح: الكفر، وأطلق على الكفر عمل لأنه عمل القلب، ولأنه يظهر أثره في عمل صاحبه- كامتناع ابن نوح من الركوب الدال على تكذيبه بوعيد الطوفان. وتفرع على ذلك نهيه أن يسأل ما ليس له به علم نهى عتاب، لأنه لما قيل له: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ بسبب تعليله بأنه عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، سقط ما مهّد به لإجابة سؤاله، فكان حقيقا بأن لا يسأله وأن يتدبر ما أراد أن يسأله من اللَّه (تفسير التحرير والتنوير) : 12/ 85- 86. وقال العلامة أبو القاسم جار اللَّه محمود بن عمر الزمخشريّ الخوارزمي: قوله تعالى: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، تعليل لانتفاء كونه من أهله، وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب، وأن نسيبك في دينك ومعتقدك من الأباعد في المنصب، وإن كان حبشيا وكنت قرشيا لصيقك وخصيصك، ومن لم يكن على دينك وإن كان أمسّ أقاربك رحما، فهو بعيد منك (الكشاف) : 2/ 219. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 [ (1) ] ، فمن آمن معطوف على المفعول بالحمل وهم أهل، والاثنان من كل زوجين، واحتجوا بحديث واثلة المتقدم، وتخصيص واثلة بذلك أقرب من تعميم الأمة به، وكأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل واثلة في حكم الأهل تشبيها بمن يستحق هذا الاسم. والصواب: أن الأتقياء من أمته صلّى اللَّه عليه وسلّم هم أولياؤه، فمن كان منهم من أقاربه فهو من أوليائه لا من آله، فقد يكون الرجل من آله وأوليائه كأهل بيته والمؤمنين به من أقاربه ولا يكون لا من آله ولا من أوليائه كمن لم يؤمن به، وقد يكون من أوليائه وإن لم يكن من آله، كخلفائه في أمته، الداعين إلى سنته، الذابين عنه، الناصرين لدينه، وإن لم يكن من أقاربه. وقد ثبت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن آل- أبى فلان- ليسوا لي بأولياء، إنّ أوليائي المتقون كانوا ومن كانوا [ (2) ] ، فالمتقون هم أولياء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأولياؤه   [ (1) ] هود: 40. [ (2) ] أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب (14) تبلّ الرحم ببلالها، حديث رقم (5990) ولفظه: حدثني عمرو بن عباس، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس ابن أبى حازم، أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جهارا غير سرّ- يقول: إن آل أبى- قال عمرو في كتاب محمد بن جعفر: بياض- ليسوا بأوليائى، إنما ولىّ اللَّه وصالح المؤمنين. زاد عنبسة ابن عبد الواحد عن بيان، عن قيس، عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ولكن لهم رحم أبلّها ببلالها، يعنى أصلها بصلتها. قوله: «سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جهارا» ، يحتمل أن يتعلّق بالمفعول، أي كان المسموع في حالة الجهر، ويحتمل أن يتعلق بالفاعل، أي أقول ذلك جهارا. وقوله: غير سرّ تأكيد لذلك لدفع توهم أنه جهر به مرة، وأخفاه أخرى، والمراد أنه لم يقل ذلك خفية، بل جهر به وأشاعه. قوله: «إن آل أبى» ، وكذا للأكثر، يحذف ما يضاف إلى أداة الكنية، وأثبته المستملي في روايته لكن كنى عنه فقال: «آل أبى فلان» ، وكذا هو في روايتي مسلم والإسماعيلي، وذكر القرطبي أنه وقع في أصل مسلم موضع «فلان» بياض، ثم كتب بعض الناس فيه «فلان» على سبيل الإصلاح، وفلان كناية عن اسم علم، ولهذا وقع لبعض رواته «إن آل أبى يعنى فلان» ، ولبعضهم «إن آل أبى فلان» بالجزم. قوله: «بياض» : قال عبد الحق في كتاب (الجمع بين الصحيحين) : إن الصواب في ضبط هذه الكلمة بالرفع، أي وقع في كتاب محمد بن جعفر موضع أبيض يعنى بغير كتابة، وفهم منه بعضهم أنه الاسم المكنى عنه في الرواية، فقرأه بالجر على أنه في كتاب محمد بن جعفر إن آل أبى، بياض. وهو فهم سيئ ممن فهمه، لأنه لا يعرف في العرب قبيلة يقال لها آل أبى بياض، فضلا عن قريش. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401   [ () ] وسياق الحديث مشعر بأنهم من قبيلة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي قريش، بل فيه إشعار بأنهم أخصّ من ذلك، لقوله: «إن لهم رحما» ، وأبعد من حمله على بنى بياضه، وهم بطن من الأنصار، لما فيه من التغير أو الرحم على رأى، ولا يناسب السياق أيضا، وقال ابن التين: حذفت التسمية لئلا يتؤذى بذلك المسلمون من أبنائهم. وقال النووي: هذه الكناية من بعض الرواة، خشي أن يصرح بالاسم، فيترتب عليه مفسدة، إما في حق نفسه، وإما في حق غيره، وإما معا. وقال القاضي عياض: إن المكنى عنه هنا هو الحكم بن أبى العاص. وقال ابن دقيق العيد: كذا وقع مبهما في السياق، وحمله بعضهم على بنى أمية، ولا يستقيم مع قوله: آل أبى، فلو كان بنى لأمكن، ولا يصح تقدير آل أبى العاص، لأنهم أخصّ من بنى أمية، والعام لا يفسّر بالخاص. قلت: لعل مراد القائل أنه أطلق العام وأراد الخاصّ، وقد وقع في رواية وهب بن حفص التي أشرت إليها «إن آل بنى» لكن وهب لا يعتمد عليه. وجزم الدمياطيّ في حواشيه بأنها آل أبى العاص ابن أمية، ثم قال ابن دقيق العيد: إنه رأى في كلام ابن العربيّ في هذا شيئا يراجع منه. قلت: قال أبو بكر بن العربيّ في (سراج المريدين) : كان في أصل حديث عمرو بن العاص «إن آل أبى طالب» ، فغير «آل أبى فلان» ، كذا جزم به، وتعقبه بعض الناس وبالغ في التشنيع، ونسبه إلى التحامل على آل أبى طالب. قوله: «ليسوا بأوليائى» كذا للأكثر- وفي نسخة من رواية أبى ذرّ «بأولياء» فنقل ابن التبين عن الداوديّ أن المراد بهذا النفي من لم يسلم منهم، فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض، والمنفي على هذا المجموع لا الجميع. وقال الخطابي: الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص لا ولاية الدين، ورجح ابن التين الأول، وهو الراجح، فإن من جملة آل أبى طالب: عليا، وجعفرا، أو هما أخصّ الناس بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام، ونصر الدين. وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث- لما نسب إلى بعض راويه من النصب، وهو الانحراف عن عليّ رضي اللَّه عنه وآل بيته. قلت: أما قيس بن أبى حازم، فقال يعقوب بن شيبة: تكلم أصحابنا في قيس، فمنهم من رفع قدره وعظمه، وجعل الحديث عنه من أصحّ الأسانيد، حتى قال ابن معين: هو أوثق من الزهري. ومنهم من حمل عليه وقال: له أحاديث مناكير، وأجاب من أطراه بأنها غرائب، وإفراده لا يقدح فيه. ومنهم من حمل عليه في مذهبه وقال: كان يحمل على عليّ، ولذلك تجنب الرواية عنه كثير من قدماء الكوفيين. وأجاب من اطراه بأنه كان يقدم عثمان على عليّ. قلت: والمعتمد عليه أنه ثقة، ثبت، مقبول الرواية، وهو من كبار التابعين، سمع من أبى بكر الصديق فمن دونه، وقد روى عنه حديث الباب إسماعيل بن أبى خالد، وبيان بن بشر، وهما كوفيان، ولم ينسبا إلى النصب. لكن الراويّ عن بيان، وهو عنبسة بن عبد الواحد، أموى قد نسب إلى شيء من النصب، وأما عمرو بن العاص وإن كان بينه وبين على ما كان فحاشاه أن يتهم، وللحديث محل صحيح لا يستلزم نقصا في مؤمني أبى طالب، وهو أن المراد بالنفي المجموع كما تقدم، ويحتمل أن يكون المراد بآل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402   [ () ] أبى طالب أبو طالب نفسه، وهو إطلاق سائغ كقوله في أبى موسى: «إنه أوتى مزمارا من مزامير آل داود، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «آل أبى أوفى» ، وخصه بالذكر مبالغة في الانتفاء ممن لم يسلم، لكونه عمّه، وشقيق أبيه، وكان القيم بأمره، ونصره، وحمايته، ومع ذلك فلما لم يتابع على دينه انتفى من موالاته. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إنما ولى اللَّه وصالح المؤمنين» ، كذا للأكثر بالإفراد وإرادة الجملة، وهو اسم جنس- ووقع في رواية البرقاني: «وصالحوا المؤمنين بصيغة الجمع وقد أجاز بعض المفسرين أن الآية التي في التحريم كانت في الأصل: فإن اللَّه هو مولاه وجبريل [وصالحوا] المؤمنين لكن حذفت الواو من الخط على وفق النطق، وهو مثل قوله تعالى: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ وقوله تعالى: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ، وقوله تعالى: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ. وقال النووي: معنى الحديث أن وليي من كان صالحا وإن بعد منى نسبه، وليس وليي من كان غير صالح وإن قرب منى نسبه. وقال القرطبي: فائدة الحديث انقطاع الولاية في الدين بين المسلم والكافر، ولو كان قريبا حميما. وقال ابن بطال: أوجب في هذا الحديث الولاية بالدين، ونفاها عن أهل رحمه إن لم يكونوا من أهل دينه، فدلّ ذلك على أن النسب يحتاج إلى الولاية التي يقع بها الموارثة بين المتناسبين، وأن الأقارب إذا لم يكونوا على دين واحد، لم يكن بينهم توارث ولا ولاية. قال: ويستفاد من هذا أن الرحم المأمور بصلتها، والمتوعد على قطعها، هي التي شرع لها ذلك فأما من أمر بقطعه من أجل الدين فيستثنى من ذلك ولا يلحق بالوعيد من قطعه، لأنه قطع من أمر اللَّه بقطعه لكن لو وصلوا بما يباح من أمر الدنيا لكان فضلا، كما دعا صلّى اللَّه عليه وسلّم لقريش بعد أن كانوا كذبوه فدعا لهم. قلت: ويتعقب كلامه في موضعين: أحدهما: يشاركه فيه كلام غيره، وهو قصره النفي على من ليس على الدين، وظاهر الحديث أن من كان غير صالح في أعمال الدين دخل في النفي أيضا لتقييده الولاية بقوله: وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ. والثاني: أن صلة الرحم الكافر، ينبغي تقيدها بما إذا أيس منه رجوعا عن الكفر، أو رجى أن يخرج من صلبه مسلم كما في الصورة التي استدل بها، وهي دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لقريش بالخصب، وعلل بنحو ذلك، فيحتاج من يترخص في صلة رحمه الكافر أن يقصد إلى شيء من ذلك وأما من كان على الدين ولكنه مقصّر في الأعمال مثلا فلا يشارك الكافر في ذلك. وقد وقع في (شرح المشكاة) : المعنى أنى لا أوالي أحدا بالقرابة، وإنما أحب اللَّه تعالى لما له من الحق الواجب على العباد، وأحب صالح المؤمنين لوجه اللَّه تعالى، وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح- سواء كان من ذوى رحم أو لا، ولكنى أرعى لذوي الرحم حقهم لصلة الرحم. وقد اختلف أهل التأويل في المراد بقوله تعالى: وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ على أقوال: أحدها: الأنبياء، أخرجه الطبري- وابن أبى حاتم عن قتادة، وذكره ابن أبى حاتم عن سفيان الثوري، وأخرجه النقاش عن العلاء بن زياد. الثاني: الصحابة، أخرجه ابن أبى حاتم عن السدي، ونحوه في تفسير الكلبي، قال: هم أبو بكر، وعمر وعثمان وعلى، وأشباههم ممن ليس بمنافق. الثالث: خيار المؤمنين، أخرجه ابن أبى حاتم عن الضحاك. الرابع: أبو بكر، وعمر، وعثمان، أخرجه ابن أبى حاتم عن الحسن البصريّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403   [ () ] الخامس: أبو بكر، وعمر، أخرجه الطبري وابن مردويه، عن ابن مسعود مرفوعا، وسنده ضعيف. وأخرجه الطبري وابن أبى حاتم عن الضحاك أيضا، وكذا هو في تفسير عبد الغنى بن سعيد الثقفي أحد الضعفاء بسنده عن ابن عباس موقوفا، وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر ضعيف عنه كذلك. قال ابن أبى حاتم: وروى عن عكرمة، وسعيد بن جبير، وعبد اللَّه بن بريدة، ومقاتل ابن حبان كذلك. السادس: أبو بكر خاصة، ذكره القرطبي عن المسيب بن شريك. السابع: عمر خاصة، أخرجه ابن أبى حاتم بسند صحيح عن سعيد بن جبير، وأخرجه الطبري بسند ضعيف عن مجاهد، وأخرجه ابن مردويه بسند واه جدا عن ابن عباس. الثامن: عليّ، أخرجه ابن أبى حاتم بسند منقطع عن عليّ نفسه مرفوعا، وأخرجه الطبري بسند ضعيف عن مجاهد، قال: هو عليّ. وأخرجه ابن مردويه بسندين ضعيفين من حديث أسماء بنت عميس مرفوعا قالت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ على بن أبى طالب. ومن طريق أبى مالك عن ابن عباس مثله موقوفا، وفي سنده راو ضعيف. وذكره النقاش عن ابن عباس، ومحمد بن على الباقر، وابن جعفر بن محمد الصادق، قلت: فإن ثبت هذا، ففيه دفع توهّم من توهّم أن في الحديث المرفوع نقصا من قدر عليّ رضي اللَّه عنه، ويكون المنفىّ أبا طالب ومن مات من آله كافرا، والمثبت من كان منهم مؤمنا، وخصّ عليّ بالذكر لكونه رأسهم، وأشير بلفظ الحديث إلى لفظ الآية المذكورة، ونصّ فيها على عليّ تنويها بقدره، ودفعا لظن من يتوهم عليه في الحديث المذكور غضاضة، ولو تفطن من كنى عن أبى طالب لذلك لاستغنى عما صنع. قوله: «وزاد عنبسة بن عبد الواحد» ، أي ابن أمية بن عبد اللَّه بن سعيد بن العاص بن أبي أحيحة بمهملتين مصغرا، وهو سعيد بن العاص بن أمية، وهو موثوق عندهم، وما له في البخاري سوى هذا الموضوع المعلق، وقد وصله البخاري في كتاب البر والصلة فقال: حدثنا محمد بن عبد الواحد بن عنبسة، حدثنا جدي ... فذكره، وأخرجه الإسماعيلي من رواية نهد بن سليمان عن محمد بن عبد الواحد المذكور، وساقه بلفظ: سمعت عمرو بن العاص بقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينادى جهرا غير سرّ: إن بنى فلان ليسوا بأوليائى، وإنما ولي اللَّه والذين آمنوا، ولكن لهم رحم ... الحديث وقد قدمت رواية الفضل، وإنما الفضل ابن الموفق عن عنبسة من عند أبى نعيم، وأنها أخص من هذا. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ولكن لها رحم أبلها ببلالها، يعنى أصلها بصلتها» ، كذا لهم، لكن سقط التفسير من رواية النسفي، ووقع عند أبى ذر بعده «أبلها ببلالها» وبعده في الأصل: كذا وقع، وببلالها أجود وأصحّ. قال الخطابي وغيره: بللت الرحم بلا وبللا وبلالا، أي نديتها بالصلة، وقد أطلقوا على الإعطاء الندى، وقالوا في البخيل: ما تندى كفه بخير، فشبهت قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بالماء الّذي يطفئ ببرده الحرارة، ومنه الحديث: بلوا أرحامكم ولو بالسلام. وقال الطيبي وغيره: شبه الرحم بالأرض التي إذا وقع عليها الماء وسقاها حتى إذا سقيها أزهرت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 أحب إليه، قال تعالى: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ [ (1) ] ، وسئل صلّى اللَّه عليه وسلّم: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قيل: من الرجال؟ قال: أبوها. متفق عليه [ (2) ] وذلك أن المتقين هم أولياء اللَّه تعالى، كما قال عزّ من قائل: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ [ (3) ] ، فأولياء اللَّه تعالى أولياء رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم. تم بحمد اللَّه تعالى الجزء الخامس ويليه الجزء السادس وأوله: «فصل في ذكر ذرية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» .   [ () ] ورئيت فيها النضارة، فأثمرت المحبة والصفاء، وإذا تركت بغير سقى يبست وبطلت منفعتها، فلا تثمر إلا البغضاء والجفاء، ومنه قولهم سنة جماد لا مطر فيها، وناقة جماد أي لا لبن فيها. وجوّز الخطابي أن يكون معنى قوله: أبلها ببلالها، في الآخرة، أي أشفع لها يوم القيامة، وتعقبه الداوديّ بأن سياق الحديث يؤذن بأن المراد ما يصلهم به في الدنيا، ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق موسى بن طلحة عن أبى هريرة قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قريشا فاجتمعوا، فعمّ وخصّ- إلى أن قال-: يا فاطمة أنقذى نفسك من النار، فإنّي لا أملك لكم من اللَّه شيئا، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها، وأصله عند البخاري بدون هذه الزيادة. وقال الطيبي: في قوله: «ببلالها» مبالغه بديعة، وهي مثل قوله تعالى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها أي زلزالها الشديد الّذي لا شيء فوقه، فالمعنى: أبلها بما اشتهر وشاع، بحيث لا أترك منه شيئا. (فتح الباري) : 10/ 513- 518 مختصرا. وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (93) موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراء منهم، حديث رقم (215) . [ (1) ] التحريم: 4. [ (2) ] أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب (5) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو كنت متخذا خليلا، حديث رقم (3662) ، ولفظه: حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، قال خالد الحذّاء: حدثنا عن أبى عثمان قال: حدثني عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعدّ رجالا. وأخرجه في كتاب المغازي، باب (64) غزوة ذات السلاسل، وهي غزوة لخم وجذام، وزاد في آخره: فسكتّ مخافة أن يجعلني في آخرهم. [ (3) ] يونس: 62- 63. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 [ المجلد السادس ] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم فصل في ذكر ذرية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أن اشتقاق لفظ الذرية [على] ثلاثة أقوال، أحدها: أنها مشتقة من ذرأ، قال الكسائي: وذرية الرجل: النشؤ الذين خرجوا منه، وهو من ذروت وذريت، وليس بمهموز، قال أبو عبيدة: أصله مهموز ولكن العرب تركت الهمز فيه وفي آخر وغيره، وهو في مذهب أبي عبيدة من ذرأ اللَّه الخلق، كما قال تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [ (1) ] أي أنشأهم وخلقهم، قال تعالى: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ [ (2) ] أي يخلقكم، فكأن ذرية الرجل من خلق اللَّه منه ومن نسله، ومن أنشأ من صلبه، وقال ابن فارس في (مقاييسه) : قولهم ذرأنا الأرض بذرناها [ذرءا] ذرىء على فعيل، ومن هذا الباب: ذرأ اللَّه الخلق يذرؤهم ذرءا، خلقهم، وفي التنزيل: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ [ (3) ] ، وقال ثعلب: معناه يكثركم فيه، أي في الخلق والذرية، وكان ينبغي أن تكون مهموزة فكثرت فأسقط الهمز. ثانيها: أنها من الذر الّذي هو النمل الصغار، وهذا قول ضعيف. ثالثها: أنها من ذرأ يذرأ إذا فرق، والقول الأول أصحها، لأن الاشتقاق والمعنى يشهد ان له، قال تعالى: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ [ (3) ] ، وفي الحديث، أعوذ بكلمات اللَّه التامات   [ (1) ] الأعراف: 179. لكن قال ابن الجوزي في حديث «من آل محمد؟ قال: كل مؤمن تقى» : هذا الحديث لا يصح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ونافع يغلب على حديثه الوهم، قال يحى بن معين: لا يكتب حديثه، وضعّفه هو وأحمد بن حنبل، وقال يحى مرة: كذاب، وقال الدار قطنى: متروك، وقال البيهقي: لا يحل الاحتجاج بمثله، نافع السلمي أبو هرمز بصرى، كذبه يحى بن معين، وضعّفه أحمد بن حنبل وغيرهما من الحفاظ. (العلل المتناهية) : 1/ 266- 267، حديث في تفسير آل محمد رقم (429) . [ (2) ،] [ (3) ] الشورى: 11. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 [اللاتي] لا يجاوزهن برّ ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ [ (1) ] ، [قال   [ (1) ] أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 431- 432، من حديث عبد الرحمن بن خنيش التميمي رضى اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (15034) : حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا سيار بن حاتم أبو سلمة العنزي قال: حدثنا جعفر- يعنى ابن سليمان- قال: حدثنا أبو التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنيش التميمي وكان كبيرا: أدركت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: قلت: كيف صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليلة كادته الشياطين؟ فقال: إن الشياطين تحدرت تلك الليلة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الأودية والشعاب، وفيهم شيطان بيده شعلة نار، يريد أن يحرق بها وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فهبط إليه جبريل عليه السّلام فقال: يا محمد قل، قال: ما أقول؟ قال: قل: أعوذ بكلمات اللَّه التامة من شرّ ما خلق، وذرأ، وبرأ، ومن شرّ ما ينزل من السماء، ومن شرّ ما يعرج فيها، ومن شرّ فتن الليل والنهار، ومن شرّ كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان، قال: فطفئت نارهم، وهزمهم اللَّه تبارك وتعالى. وأخرجه الإمام أحمد أيضا من حديث عبد الرحمن بن خنيش التميمي، حديث رقم (15035) لكن باختلاف يسير. وأخرجه البيهقي في (شعب الإيمان) : 4/ 175، باب (33) في تعديد نعم اللَّه عزّ وجلّ وشكرها، فصل في النوم وآدابه، حديث رقم (4710) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو عبد اللَّه محمد بن على الصنعاني، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة، عن أبى رافع، أن خالد بن الوليد جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فشكا إليه وحشة يجدها، فقال له: ألا أعلمك ما علمني الروح الأمين، جبريل عليه السّلام، قال: إن عفريتا من الجن يكيدك، فإذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات اللَّه التامات التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر من شرّ ما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، ومن شرّ ما ذرأ في الأرض، ومن شرّ ما يخرج منها، ومن شرّ طوارق الليل والنهار، ومن شرّ كل طارق يطرق إلا بخير يا رحمان. قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «أعوذ بكلمات اللَّه التامات وأسمائه كلها من شرّ ما ذرأ وبرأ، ومن شرّ كل ذي شرّ، ومن شرّ كل دابة ربى آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم» ، قال الحافظ العراقي: رواه أبو الشيخ في كتاب (الثواب) ، من حديث عبد الرحمن بن عوف: «من قال حين يصبح: أعوذ بكلمات اللَّه التامات التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر من شرّ ما خلق، وبرأ، وذرأ، اعتصم من الثقلين» ، وفيه: «وإن قالهن حين يمسى كن له كذلك حتى يصبح» ، وفيه ابن لهيعة. والكلمات، قال الهروي وغيره: القرآن، وقال أبو داود في (سننه) ، باب في القرآن، وذكر فيه حديث تعويذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الحسن والحسين بكلمات اللَّه التامة. والتامّات، قيل: هي النافعات، الكافيات، الشافيات من كل ما يتعوذ منه. وأخرج ابن أبي الدنيا في (الدعاء) من طريق إبراهيم بن أبى بكر قال: سمعت كعبا يقول: لولا كلمات أقولهن حين أصبح وأمسى، لجعلتنى اليهود من الحمر الناهقة، والكلاب النابحة، والذئاب العادية: «أعوذ بوجه اللَّه الجليل، وبكلماته التامة، الّذي لا يخفر جاره، الّذي يمسك السموات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 تعالى:] وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [ (1) ] وقال تعالى: وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ [ (2) ] ، فالذرية منه بمعنى مفعولة، أي مذرورة، ثم أبدلوها همزها ياء فقالوا: ذرية. ولا خلاف أن الذرية تقال على الأولاد الصغار والكبار، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: الذريات عندنا إذا كانت بالألف: الأعقاب والنسل، فأما الذين في حجورهم خاصة فإنّهم الذرية، انتهى. وقد قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [ (3) ] ، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ [ (4) ] ، وقال تعالى: وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [ (5) ] وقال تعالى: وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [ (6) ] . وهل يقال الذرية على الآباء؟ فيه قولان ليس هذا موضع بسط القول فيهما، فإذا ثبت هذا فالذرية الأولاد وأولادهم، وهل يدخل فيها أولاد البنات؟ فيه قولان، أحدهما: يدخلون، وهو مذهب الشافعيّ وأحد قولي   [ () ] والأرض ومن فيهن أن تقع على الأرض إلا بإذنه، من شرّ ما خلق، وذرأ، وبرأ» . (إتحاف السادة المتقين) : 5/ 384- 385، كتاب الأذكار والدعوات، الباب الخامس، مختصرا. [ (1) ] الأعراف: 179. [ (2) ] النحل: 13. [ (3) ] البقرة: 124. [ (4) ] آل عمران: 34. [ (5) ] الأنعام: 87. [ (6) ] الإسراء: 3. قال الفيروزآبادي: وذرأ الشيء: كثّره، قيل: ومنه الذرية مثلثة الذال، وهو اسم لنسل الثقلين، وقيل: أصلها الصغار أي الأولاد، وإن كان يقع على الصغار والكبار معا في التعارف، ويستعمل للواحد والجمع وأصله للجمع، (بصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز) : 3/ 7. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 أحمد، ودليله إجماع المسلمين على دخول أولاد فاطمة رضى اللَّه عنها في ذرية النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، المطلوب لهم من اللَّه تعالى الصلاة عليهم، لأن أحدا من بناته لم يعقب عقباً باقيا غيرها، فمن انتسب إليه صلّى اللَّه عليه وسلم من أولاد بيته فإنما هو من جهة فاطمة رضى اللَّه عنها خاصة. وقد قال صلّى اللَّه عليه وسلم في الحسن ابن بنته، إن [ابني] هذا سيد [ (1) ] ، فسماه ابنه، ولما نزلت آية المباهلة [وهي قوله تعالى:] [ (2) ] فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ [ (3) ]   [ (1) ] (المطالب العالية) : 4/ 72، حديث رقم (4000) ، وهو في (صحيح البخاري) من وجه آخر عن الحسن، عن أبي بكرة، وأخرجه البزار برجال الصحيح من حديث جابر، (المستدرك) : 3/ 191- 192 ، كتاب معرفة الصحابة، باب: ومن فضائل الحسن بن علي بن أبي طالب رضى اللَّه تعالى عنه، وذكر مولده، ومقتله، حديث رقم (4809/ 407) ، (4810/ 408) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : أخرجهما البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، لكن البخاري من طريق أبى موسى إسرائيل، عن الحسن، (مسند أحمد) : 6/ 17، حديث رقم (19879) ، 6/ 27، حديث رقم (19935) ، 6/ 30، حديث رقم (19960) ، ثلاثتهم من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث ابن كلدة. [ (2) ] زيادة يقتضيها السياق. [ (3) ] آل عمران: 61. قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن داود الملكي، حدثنا بشر بن مهران، حدثنا محمد بن دينار، عن داود بن أبى هند، عن الشعبي، عن جابر، قال: قدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم العاقب والطيب، فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه أن يلاعناه الغداة، فغدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بيد عليّ، وفاطمة، والحسن والحسين، ثم أرسل إليهما، فأبيا أن يجيبا، وأقرّا له بالخراج، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: والّذي بعثني بالحق لو قالا: لا، لأمطر عليهم الوادي نارا. قال جابر: وفيهم نزلت: نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ وقال جابر: أَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعلى بن أبى طالب، وأبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة. وهكذا رواه الحاكم في (المستدرك) : [3/ 163، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مقتل أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضى اللَّه تعالى عنه بأصحّ الأسانيد على سبيل الاختصار، حديث رقم (4719/ 317) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم] . وقد روى عن ابن عباس والبراء نحو ذلك، ثم قال اللَّه تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ أي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 الآية، دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا للمباهلة. وخرج الحاكم من طريق أحمد الإمام ابن عفان، حدثنا وهيب حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن أبي راشد، عن يعلى بن منية الثقفي قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فضمهما إليه ثم قال: إن الولد مبخلة مجبنة محزنة [ (1) ] . قال صحيح على شرط مسلم.   [ () ] هذا الّذي قصصناه عليك يا محمد في شأن عيسى هو الحق الّذي لا معدل عنه ولا محيد وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* فَإِنْ تَوَلَّوْا أي عن هذا إلى غيره فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ أي من عدل عن الحق وولي الباطل فهو المفسد، واللَّه عليم به، وسيجزيه على ذلك شر الجزاء، وهو القادر الّذي لا يفوته شيء، سبحانه، وبحمده، ونعوذ به من حلول نقمته. (تفسير ابن كثير) : 1/ 378- 379 مختصرا، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق. وقد أخرجه الحافظ البيهقي مطولا في (دلائل النبوة) : 5/ 382- 393، باب وفد نجران وشهادة الأساقفة لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم بأنه النبي الّذي كانوا ينتظرونه، وامتناع من امتنع منهم من الملاعنة، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. وانظر أيضا في وفد نجران ما ذكره كل من ابن هشام في (السيرة) ، ابن سعد في (الطبقات) ، البلاذري في (فتوح البلدان) ، وابن كثير في (البداية والنهاية) ، النويرى في (نهاية الأرب) ، الزرقانى في (شرح المواهب اللدنية) . [ (1) ] (المستدرك) 3/ 179، كتاب معرفة الصحابة، باب: ومن مناقب الحسن والحسين ابني بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (4771/ 369) وسكت عنه الذهبي في (التلخيص) ، وقال محقق (المستدرك) ، قال في (الفيض) : أخرجه الحاكم في الفضائل عن الأسود بن خلف بن يغوث القرشي، وقال الحاكم على شرط مسلم، وقال الحافظ العراقي: إسناده صحيح، (كنز العمال) : 16/ 288- 289 ، الباب الثاني في الترهيب عن النكاح، حديث رقم (44512) : أما إن الأولاد مبخلة مجبنة محزنة، الطبراني عن الأشعث بن قيس. وحديث رقم (44513) : لا تقل ذلك، فإن فيهم قرة أعين وأجرا إذا قبضوا، ولئن قلت ذلك فإن فيهم لمجبنة ومحزنة ومبخلة. الطبراني عن أشعث ابن قيس أيضا وزاد فيه: قال: قلت يا رسول اللَّه! ولد لي مولود ولوددت أن يكون لي مكانه شبع اليوم! قال- فذكره، وحديث رقم (44514) : أما إن قلت ذلك إنهم لمجبنة محزنة، ثمرات القلوب وقرأت الأعين. هناد وعن خيثمة مرسلا، وحديث رقم (44515) : إن قلت ذلك إنهم لمجبنة محزنة، وإنهم لثمرة القلوب وقرة الأعين. الحاكم عن الأشعث بن قيس، حديث رقم (44516) : الولد محزنة مجبنة مجهلة مبخلة، وإن آخر وطاءة وطئها اللَّه بوج [موضع بناحية الطائف] وعزاه إلى الطبراني عن خولة بنت حكيم، حديث رقم (44517) إن الولد مبخلة مجبنة محزنة. ابن عساكر والبيهقي، عن يعلى بن أبي أمية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 وفي حديث شريك عن عبد الملك بن عمير قال: دخل يحى بن يعمر على الحجاج، ومن حديث صالح من موسى، حدثنا عاصم بن بهدلة قال: اجتمعوا عند الحجاج فذكر الحسين بن على، فقال الحجاج: لم يكن من ذرية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وعنده يحى بن يعمر فقال له: كذبت أيها الأمير، فقال: لتأتينى على ما قلت بينة ومصداق من كتاب اللَّه تعالى أو لأقتلنّك، فقال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى [ (1) ] إلى قوله تعالى: وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى [ (1) ] فأقرّ اللَّه تعالى أن عيسى من ذرية إبراهيم بأمه، والحسن بن على من ذرية محمد صلّى اللَّه عليه وسلم بأمه، قال: صدقت، فما حملك على تكذيبي في مجلسى؟ قال: ما أخذ اللَّه على الأنبياء ليبيّننّه للناس ولا يكتمونه، قال اللَّه تعالى: فَنَبَذُوهُ وَراءَ [ظُهُورِهِمْ] وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا [ (2) ] ، قال: فنفاه إلى خراسان [ (3) ] .   [ (1) ] الأنعام: 84- 85 وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. [ (2) ] آل عمران: 187. [ (3) ] أورد الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير هذا الخبر هكذا: قال ابن أبي حاتم: حدثنا سهل بن يحى العسكري، حدثنا عبد الرحمن بن صالح، حدثنا على بن عباس، عن عبد اللَّه بن عطاء المكيّ، عن أبي حرب بن أبي الأسود قال: أرسل الحجاج إلى يحى بن يعمر فقال: بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تجده في كتاب اللَّه، وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده؟ قال: أليس تقرأ سورة الأنعام وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ حتى بلغ وَيَحْيى وَعِيسى قال: بلى، قال: أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب؟ قال: صدقت. فلهذا إذا أوصى الرجل لذريته أو وقف علي ذريته أو وهبهم دخل أولاد البنات فيهم، فأما إذا أعطى الرجل بنيه أو وقف عليهم، فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه، وبنو بنيه، واحتجوا بقول الشاعر العربيّ: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأجانب وقال آخرون: ويدخل بنو البنات فيهم أيضا، لما ثبت في صحيح البخاري، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال للحسن بن على: إن ابني هذا سيد، ولعل اللَّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. فسماه ابنا، فدل علي دخوله في الأبناء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 وخرج من طريق عبيد اللَّه بن موسى، أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن عليّ رضى اللَّه عنه قال: لما ولدت فاطمة الحسن رضى اللَّه عنهما، جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أرونى ابني، ما سميتموه؟ قال: قلت: سميته حربا، قال: بل هو حسن، فلما ولدت الحسين رضى اللَّه عنه جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أرونى ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال: بل هو حسين، ثم لما ولدت الثالث جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، [فقال] : أرونى ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال: بل هو محسن، قال: إنما أسميتهم باسم ولد هارون عليه السّلام: شبر، وشبير، ومشبر [ (1) ] . ومن طريق محمد بن إسماعيل بن أبى فديك، حدثنا محمد بن موسى المخزومي، حدثنا عون بن محمد عن أبيه، عن أم جعفر أمه، عن جدتها أسماء، عن فاطمة رضى اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أتاها يوما فقال: أين ابناي؟ فقالت ذهب بهما عليّ، فتوجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوجدهما يلعبان في مشربة وبين أيديهما فضل من تمر، فقال: يا عليّ! ألا تقلب ابنىّ قبل   [ () ] وقال آخرون: هذا تجوّز، وقوله: وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ، ذكر أصولهم، وفروعهم، وذوى طبقتهم، وأن الهداية بالاجتباء شملهم كلهم، ولهذا قال: وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، ثم قال تعالى: ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، أي إنّما حصل لهم ذلك بتوفيق اللَّه وهدايته إياهم. (تفسير ابن كثير) : 2/ 160. وأما رواية (خ) ، فأخرجها الحاكم في (المستدرك) بسياقة قريبة منه: 3/ 180، كتاب معرفة الصحابة، باب: ومن مناقب الحسن والحسين ابني بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (4772/ 370) ، وقد سكت عنه الذهبي في (التلخيص) . [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 180، كتاب معرفة الصحابة، باب: ومن مناقب الحسن والحسين ابني بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (4773/ 371) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح. ونحوه حديث رقم (4783/ 381) لكن باختلاف يسير، وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : مرّ من حديث إسرائيل. وهو الحديث السابق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 الحر؟ .. وذكر باقي الحديث. قال: محمد بن موسى هذا هو ابن مشمول مدينى ثقة، وعون هذا هو ابن محمد بن عبيد اللَّه بن أبي رافع، هو وأبوه ثقتان، وأم جعفر هي ابنة القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وجدّتها أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنهم، وكلهم أشراف ثقات [ (1) ] . وخرج أيضا من طريق وهب بن جرير بن حازم، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب، عن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد، عن أبيه قال: خرج [علينا] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر] وهو حامل [أحد] ابنيه الحسن أو الحسين، فتقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الصلاة فوضعه عند قدمه اليمنى، فسجد رسول اللَّه سجدة أطالها، قال أبى: فرفعت رأسي من بين الناس، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساجد، وإذا الغلام راكب على ظهره، فعدت فسجدت، فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال الناس: يا رسول اللَّه! لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها، أفشيء أمرت به أو كان يوحى إليك؟ قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضى حاجته. قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] . ومن طريق ابن نعيم الفضل بن دكين، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم عن أبى ظبيان.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4774/ 372) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : بل محمد ضعّفوه. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4775/ 373) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 عن سلمان قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: الحسن والحسين ابناي، من أحبهما أحبنى، ومن أحبنى أحبه [اللَّه] ، ومن أحبه اللَّه أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضنى، ومن أبغضنى أبغضه اللَّه، ومن أبغضه اللَّه أدخله النار، قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] . ومن طريق عثمان بن سعيد الدارميّ، حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا عطاء بن عجلان، عن عكرمة، عن ابن عبّاس عن أم الفضل قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا أرضع الحسين بن على بلبن ابن كان يقال له قثم، قلت: فتناوله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فناولته إياه، [فبال] عليه، قالت: فأوهيت بيدي إليه [فقال] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا تزرمى ابني، قالت فرشّه بالماء [ (2) ] . وقد ذكر اللَّه تعالى عسى بن مريم عليه السّلام فيمن ذكر من ذرية إبراهيم عليه السلام، فقال تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى   [ (1) ] (المرجع السابق) : حيث رقم (4776/ 374) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : هذا حديث منكر، وإنما رواه بقي بن مخلد بإسناد آخر واه عن زادان عن سلمان. [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 187- 198، حديث رقم (4829/ 427) ، وزاد في آخره: قال ابن عباس: بول الغلام الّذي لم يأكل يرش، وبول الجارية يغسل. قال الحاكم: هذا حديث قد روى بأسانيد ولم يخرجاه، فأما إسماعيل بن عياش وعطاء بن عجلان، فإنّهما لم يخرجاه، وقد حذفه الذهبي من (التلخيص) ، وما بين الحاضرين زيادة للسياق من (المستدرك) . قال في (اللسان) : زرم دمعه وبوله وكلامه، وازرأم: انقطع، ما انقطع فقد زرم. قال الأصمعي: الإزرام القطع، أي لا تقطعوا عليه بوله، ومنه حديث الأعرابي الّذي بال في المسجد، قال: لا تزرموه. (لسان العرب) : 12/ 263) . وقال الإمام النووي: الواجب في إزالة النجاسة الغسل، إلا في بول صبي لم يطعم، ولم يشرب سوى اللبن، فيكفى فيه الرش، ولا بدّ فيه من إصابة الماء جميع موضع البول، ثم لإيراده ثلاث درجات: الأولى: النضح المجرد الثانية: النضح مع الغلبة والمكاثرة الثالثة: أن ينضم إلى ذلك السيلان، فلا حاجة في الرش إلى الثالثة قطعا، ويكفى الأولى على وجه، ويحتاج إلى الثانية على الأصح، ولا يلحق ببول الصبى بول الصبية، بل يتعين غسله على الصحيح. (روضة الطالبين) : 1/ 41. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ [ (1) ] . وفي ذكر عيسى هنا دليل على أن البنت داخلة في الذرية، وذلك أنه تعالى شك عيسى وسائر الأنبياء المذكورين معه في كونهم من ذرية إبراهيم، مع أن عيسى إنما ينتمى إليه من جهة أمه، فدلّ على ما قلناه. واللَّه أعلم. والقول الثاني: أنهم لا يدخلون، وهو مذهب أبي حنيفة وأحد قولي أحمد، وحجتهم أن ولد البنات إنما ينسبون إلى آبائهم حقيقة، فإن الهذلي والتيمي والعدوىّ إذا أولد هاشمية لم يكن ولده هاشميا، لأن الولد في النسب يتبع أباه، بخلاف الرّقّ والحرية والدين فإنه يتبع أمه، وقد قيل: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد ولو وصى أو وقف على قبيلة لم يدخل فيها أولاد بناتها من غيرها، وأما دخول أولاد فاطمة رضى اللَّه عنها في ذرية النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلشرف هذا الأصل العظيم، والوالد الكريم، الّذي لا يدانيه أحد من العالمين، سرى ونفد إلى أولاد البنات لقوته وجلالته وعظم قدره. وأما دخول عيسى في ذرية إبراهيم عليه السّلام، فإن المسيح لا أب له حتى يرجع إليه، فقامت أمه مقام أبيه، فنسبه اللَّه تعالى إليها، وهكذا كل من انقطع نسبه من جهة أبيه- إما بلعان أو غيره- قامت أمه في النسب مقام أبيه، وكذا في العصبة والولاء، كما هو مذكور في موضعه من كتب الفقه، واللَّه أعلم.   [ (1) ] الأنعام: 83- 85. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 فصل في ذكر عترة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عترة الرجل أسرته وفصيلته، من قول اللَّه تعالى: وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ [ (1) ] . وقيل: عترته- رهطه الأدنون، والعترة: أصل شجرة تبقى بعد القطع، فتنبت من أصولها وعروقها، وقيل: العترة: صخرة عظيمة يتخذ الضب عندها حجرا يأوى إليها ليهتدى، وذلك لقلة هدايته، فكأن عترة الرجل هم أسرته وقومه الذين يأوى إليهم ويعتمد عليهم، ومنه قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه وعترتي، ويروى: كتاب اللَّه وأهل بيتي، وبادلوا في العترة هنا أهل بيته، قالوا: لأنهم أسرته وفصيلته التي تؤويه، ورهطه الأدنون [ (2) ] .   [ (1) ] المعارج: 13. [ (2) ] قال في (اللسان) : عترة الرجل: أقرباؤه من ولد وغيره، وقيل: هم قومه دنيا، وقيل: هم رهطه وعشيرته الأدنون، من مضى منهم ومن غبر، ومنه قول أبي بكر رضى اللَّه عنه: نحن عترة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، التي خرج منها، وبيضته التي تفقأت عنه، وإنما جيبت العرب عنا كما جيبت الرحى عن قطبها، قال ابن الأثير: لأنهم من قريش، والعامة تظن أنها ولد الرجل خاصة، وأن عترة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولد فاطمة رضى اللَّه عنها قول ابن سيده، وقال الأزهري رحمه اللَّه: وفي حديث زيد بن ثابت قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إني تارك فيكم الثقلين خلفي: كتاب اللَّه وعترتي، فإنّهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض. قال: وقال محمد بن إسحاق: وهذا حديث صحيح، ورفعه نحوه زيد بن أرقم، وأبو سعيد الخدريّ، وفي بعضها: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي، فجعل العترة أهل البيت. وقال أبو عبيد وغيره: عترة الرجل وأسرته، وفصيلته رهطه الأدنون. وقال ابن الأثير: عترة الرجل أخص أقاربه. وقال ابن الأعرابي: العترة ولد الرجل، وذريته، وعقبه من صلبه، قال: فعترة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ولد فاطمة البتول عليها السلام. وروى عن أبى سعيد قال: العترة ساق الشجرة، قال: وعترة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عبد المطلب وولده، وقيل: عترته أهل بيته الأقربون، وهم أولاده، وعلى، وقيل: عترته الأقربون والأبعدون منهم، وقيل: عترة الرجل أقرباؤه من ولد عمه دنيا، ومنه حديث أبي بكر رضى اللَّه عنه قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم حين شاور أصحابه في أسارى بدر: عترتك وقومك، أراد بعترته العباس ومن كان فيهم من بنى هاشم، وبقومه قريشا. والمشهور المعروف أن عترته أهل بيته، وهم الذين حرمت عليهم الزكاة والصدقة المفروضة، وهم ذوو القربى الذين لهم خمس الخمس المذكور في سورة الأنفال. (لسان العرب) : 4/ 538. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 خرج الترمذي من حديث زيد بن الحسن- هو الأنماطي- عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في حجته يوم عرفه وهو على ناقته [القصواء] يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم [به] لن تضلوا، كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي. قال: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، قال: وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم [ (1) ] . وخطّأ ابن قتيبة من يقتصر بالعترة على الذرية فقط، ومن يجعل عترة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولد فاطمة خاصة، ثم قال: وعترة الرجل ذريته وعشيرته الأدنون من مضى منهم ومن غبر، ويدلك على ذلك قول أبى   [ (1) ] (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى) : 4/ 355- 361، حديث رقم (1761) : يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي. أخرجه الترمذي: 2/ 308، والطبراني (2680) عن زيد بن الحسن الأنماطي، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: ... فذكره وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه، وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم. قلت: قال أبو حاتم: منكر الحديث، وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال الحافظ: ضعيف. قلت: لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث زيد بن أرقم قال: قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما خطيباً بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد اللَّه، وأثنى عليه، ووعظ وذكر. ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتى رسول ربى فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب اللَّه، فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأ ضل، فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به، فحث على كتاب اللَّه، ورغّب فيه ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم اللَّه في أهل بيتي، أذكركم اللَّه في أهل بيتي، أذكركم اللَّه في أهل بيتي. أخرجه مسلم: 7/ 122- 123، والطحاوي في (مشكل الآثار) : 4/ 368، و (مسند أحمد) : 4/ 366- 367 ، وابن أبى عاصم في (السنة) : 1550، 1551، والطبراني: (5026) ، من طريق زيد بن حبان التميمي عنه. ثم أخرج أحمد: 4/ 371، والطبراني (5040) ، والطحاوي من طريق على بن ربيعة قال: لقيت زيد بن أرقم وهو داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلت له: أسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14   [ () ] يقول: إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي؟ قال: نعم. وإسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح. وله طرق أخرى عند الطبراني: 4969- 4971 و 4980 و 4980- 4982 و 5040، وبعضها عند الحاكم في (المستدرك) : 3/ 109، 148، 533، وصحيح هو والذهبي بعضها. وشاهد آخر من حديث عطية العوفيّ، عن أبى سعيد الخدريّ مرفوعا: إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض. ثم قال الألباني: واعلم أيها القارئ الكريم، أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة، ويلهجون بذلك كثيرا، حتى يتوهم بعض أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك، وهم جميعا واهمون في ذلك، وبيانه ومن وجهين: الأول: أن المراد من الحديث في قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «عترتي» أكثر مما يريده الشيعة، ولا يرده أهل السنة، بل هم مستمسكون به، ألا وأن العترة فيه هم أهل بيته صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد جاء ذلك موضحا في بعض طرقه، كحديث الترجمة: «وعترتي أهل بيتي» ، وأهل بيته في الأصل هم نساؤه صلّى اللَّه عليه وسلم، وفيهم الصديقة عائشة، رضى اللَّه عنهن جميعا، كما هو صريح في قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً* وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً* وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً. وتخصيص الشيعة أهل البيت في الآية بعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضى اللَّه تعالى عنهم دون نسائه صلّى اللَّه عليه وسلم، من تحريفهم لآيات اللَّه تعالى، انتصاراً لأهوائهم، كما هو مشروح في موضعه، وحديث الكساء وما في معناه، غاية ما فيه توسيع دلالة الآية، ودخول على وأهله فيها. والوجه الآخر: أن المقصود من أهل البيت إنما هم العلماء الصالحون منهم، والمتمسكون بالكتاب والسنة، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه اللَّه تعالى: «العترة» هم أهل بيته صلّى اللَّه عليه وسلم الذين هم على دينه وعلى التمسك بأمره. وذكر نحوه الشيخ على القاري في الموضع المشار إليه آنفا ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله: إن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته، وبهذا يصلح أن يكون مقابلا لكتاب اللَّه سبحانه كما قال: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 بكر رضى اللَّه عنه: نحن عترة رسول اللَّه التي خرج منها وبيضته التي تفتات عنه، وإنما جيبت العرب منا كما جيبت الرحا عن قطبها، وما كان أبو بكر ليدعى بحضرة القوم جميعاً إلا يعرفونه. واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.   [ () ] وسماهما «ثقلين» ، لأن الأخذ بهما «يعنى الكتاب والسنة» ، والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس «ثقل» ، فسماهما «ثقلين» إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما» (سلسلة الأحاديث الصحيحة) : 4/ 355- 360 مختصرا، (مشكل الآثار) : 4/ 368، (النهاية) : 1/ 216. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 فصل في ذكر سلالة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال ابن سيده: والسلالة والسليل: الولد، والأنثى سليلة، وقال غيره: السلالة: الصفوة من كل شيء، قال ابن فارس في (المقاييس) : السليل: الولد، كأنه سلّ من أمه سلّا، قالت امرأة في ابنها: سل من قلبي ومن كبدي ... قمر أين دونه قمر وقيل للحسن والحسين رضى اللَّه عنهما: سلالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أي هما الصفوة من ولده، وقيل: السليل: المنتوج، كأنه النقاح الخالص الصافي [ (1) ] . واللَّه أعلم.   [ (1) ] وسلالة الشيء: ما استل منه، والنطفة سلالة الإنسان، قال حسّان بن ثابت: لجاءت به عضب الأديم غضنفرا ... سلالة فرج كان غير حصين وفي التنزيل العزيز وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:] قال الفراء السلالة الّذي سلّ من كل تربة. وقال أبو الهيثم: السلالة ما سلّ من صلب الرجل وترائب المرأة، كما يسلّ الشيء سلا، والسليل: الولد، سمّى سليلا لأنه خلق من السلالة، والسليل: الولد حين يخرج من بطن أمه، وروى عن عكرمة أنه قال في السلالة: إنه الماء يسلّ من الظهر سلا. وقال الأخفش: السلالة: الولد، والنطفة السلالة، وقد جعل الشماخ السلالة الماء في قوله: طوت أحشاء مرتجة لوقت ... على مشج سلالته مهين قال: والدليل على أنه الماء قوله تعالى: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ يعنى آدم، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ ثم ترجم عنه فقال: مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فقوله عزّ وجلّ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ أراد بالإنسان ولد آدم، جعل الإنسان اسما للجنس، وقوله مِنْ طِينٍ، أراد أن تلك السلالة تولدت من طين خلق منه آدم في الأصل. وإلى هذا ذهب الفراء، وقال الزّجاج: مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، سلالة، فعالة والسليل: الولد، والأنثى سليلة، وقال أبو عمرو: السليلة: بنت الرجل من صلبه. (لسان العرب) : 11/ 339. وقال الفيروزآبادي: سلّ السيف من غمده، واستله فانسلّ منه نزعه فانتزع، وسلّ الشعرة من العجبين، فانسلت انسلالا، وانسلّ من المضيق والزحام، واستلّ وتسلّل، وسلّ الشيء من البيت على سبيل السرقة، وسلّ الولد من الأب، ومنه قيل للولد سليل، قال تعالى: يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً [النور: 63] ، وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون: 12] ، أي من الصفو الّذي يسلّ من الأرض، وقيل: السلالة كناية عن النطفة، تصور فيه صفو ما يحصل منه (بصائر ذوى التمييز) : 3/ 251، بصيرة رقم (38) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 فصل في ذكر سبط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الأسباط: ولد يعقوب- وهو إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام- وكانوا اثنى عشر رجلا، وفي الحديث المرفوع: الحسن والحسين سبطاي من هذه الأمة، والقبائل في العرب كالأسباط في بنى إسرائيل، فكان الأسباط قبائل الأنبياء، فلذلك سمى الحسن والحسين: السبطان، لأن أولادهما قبيلتا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أجل أنهما ولد فاطمة الزهراء بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال ابن سيده: والسبط ولد الابن والابنة، ومنه الحسن والحسين سبطا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب، وهم الذين يرجعون إلى أب واحد سمى سبطا ليفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق عليهما السلام، وجمعه أسباط [ (1) ] . خرج أبو بكر بن أبى شيبة وأحمد بن حنبل من حديث عفان قال: حدثنا وهيب، حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن أبى راشد، عن يعلى العامري، أنه خرج مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى طعام دعوا له، فإذا حسين مع غلام يلعب في طريق، فاستقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمام القوم، [وحسين مع الغلمان يلعب فأراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يأخذه [ (2) ]] . فطفق الصبى يفرّها هنا مرة، وهاهنا مرة، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يضاحكه حتى   [ (1) ] قال في (المرجع السابق) : السّبط- بالكسر-: ولد الولد، كأنه امتداد الفروع، والجمع أسباط، والقبيلة من اليهود، والجمع الأسباط أيضا، وقوله تعالى: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً بدل لا تميز، لأن تمييز العدد المركب مفردا لا جمعا (المرجع السابق) : 3/ 179، بصيرة رقم (5) . [ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 أخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه يقبله وقال: حسين منى وأنا من حسين، أحب اللَّه من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط [ (1) ]   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 194- 195، كتاب معرفة الصحابة، أول فضائل أبى عبد اللَّه الحسين بن عليّ الشهيد رضى اللَّه عنهما، ابن فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (4820/ 418) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 نبدة اعلم أن أهل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأحبته في الجملة قسمان: قسم اخترم فأجراه اللَّه تعالى فيهم، كعمه حمزة بن عبد المطلب، وابن عمه جعفر بن أبى طالب، وإبراهيم ابنه ومن أصيب به من خديجة أم المؤمنين، وسائر أصحابه رضى اللَّه عنهم. وقسم أقرّ اللَّه بهم عينه صلّى اللَّه عليه وسلم، كعائشة أم المؤمنين، وزينب أم المؤمنين، وأم سلمة، وجويرية، وسائر أمهات المؤمنين رضى اللَّه عنهنّ، وكفاطمة الزهراء والحسن والحسين، وعلى بن أبى طالب، والعباس بن عبد المطلب، والفضل، وعبد اللَّه والقثم ابنا العباس، وأبى سفيان بن الحرث، وسائر أصحابه رضى اللَّه عنهم، ومنهم له الأحبة. وكل من القسمين يجب محبته وموالاته، وقبول رواياته، وتعظيم حقه، والترضى عنه، لأنه قد رضى اللَّه عنهم، [ووعدهم بالحسنى] . خرج الحاكم من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش، عن أبي سبرة النخعي، عن محمد بن كب [القرظي] ، عن العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه قال: كنا نلقى النفر من قريش وهم يتحدثون فيقطعون حديثهم، فذكرنا ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهلي قطعوا حديثهم، واللَّه لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم للَّه ولقرابتي [ (1) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 4/ 85، كتاب معرفة الصحابة، ذكر فضائل القبائل قريش، حديث رقم (6960/ 2558) ، وقال الحاكم: هذا حديث يعرف من حديث يزيد بن أبي زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث، عن العباس، فإذا حصل هذا الشاهد من حديث أبى فضيل عن الأعمش، حكمنا له بالصحة. وقد سكت عنه الذهبي في (التلخيص) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 وخرجه من حديث محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا يعلى بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد، عن يزيد بن أبى زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث، عن العباس قال: قلت لرسول اللَّه: إذا لقي قريش بعضها بعضا لقوا بالبشارة، وإذا لقيناهم لقونا بوجوه لا نعرفها، قال: فغضبت غضبا شديدا، ثم قال: والّذي بعثني [بالحق] لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم للَّه ولرسوله [ (1) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6961/ 2559) ، وقد سكت عنه الذهبي في (التلخيص) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 فصل [في العقب والعاقب] قال ابن سيده: والعقب والعقب والعاقبة: ولد الرجل وولد ولده الباقون بعده، وقول العرب: لا عقب له، أي لم يبق له ولد ذكر. وقوله تعالى: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ [ (1) ] ، أراد عقب إبراهيم عليه السّلام، يعنى لا يزال من ولده من يوحد اللَّه تعالى، والجمع: أعقاب، وأعقب الرجل إذا ترك عقبا، يقال: كان له ثلاثة أولاد فأعقب منهم رجلان، أي تركا عقبا ودرج واحد. قال: وعقب مكان أبيه يعقب عقبا وعقب إذا خلّف، وكذلك عقبه يعقبه عقبا، الأول لازم والثاني متعدّ، وكل ما خلف شيئا فقد عقبه، وعقبه وعقّبوا من خلفنا وعقبونا: أتوا [ (2) ] .   [ (1) ] الزخرف: 28. [ (2) ] قال في (البصائر) : عاقبة كلّ شيء: آخره، وقولهم: ليس لفلان عاقبة، أي ولد. والعاقبة أيضا: مصدر عقب فلان مكان أبيه عاقبة، أي خلفه، وهم اسم جاء بمعنى المصدر، كقوله تعالى: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ [الواقعة: 2] . وعقب الرجل وعقبه: ولده وولد ولده، وقوله تعالى: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ [الزخرف: 28] أي جعل كلمة التوحيد باقية في ولده. والعقب والعقب- بضمة وبضمتين-: العاقبة، قال اللَّه تعالى: خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً [الكهف: 44] وتقول أيضا: جئت في عقب شهر رمضان، وفي عقبانه: إذا جئت بعد ما يمضى كله. ويعقوب اسم النبي، لا ينصرف للعجمة والتعريف، واسمه: إسرائيل، وقيل له يعقوب، لأنه ولد مع عيصو في بطن واحد، ولد عيصو قبله، ويعقوب متعلق بعقبه، خرجا معا، فعيصو أبو الروم. قاله الليث. والعقبي: جزاء الأمر، وقوله تعالى: وَلا يَخافُ عُقْباها [الشمس: 15] ، أي لا يخاف أن يعقّب على عقوبته من يدفعها، أي يغيّرها. وقيل: لم يخف القاتل عاقبتها، والقاتل هو عاقرها أَشْقاها قدار بن سالف. وأعقبه بطاعته أي جازاه. وقوله تعالى: فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً أي أضلهم بسوء فعلهم عقوبة لهم. والمعقبات في قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 وقال أبو عمر بن عبد البر: وليس ولد البنات من العقب ولا من الولد، إذ ليسوا من العصبات. قال ابن سيده: والعصبة الذين يرثون الرجل عن كلاله [ (1) ] . من غير والد ولا ولد، فأما في الفرائض فكل من لم تكن له فريضة مسماة فهو عصبة، إن يبقى شيء بعد الفرض أخذ.   [ () ] [الرعد: 11] : ملائكة الليل والنهار لأنهم يتعاقبون، وإنما أنّث لكثرة ذلك منهم، نحو نسّابة. وعلّامة. وقيل: ملك معقّب، وملائكة معقّبة، ثم معقبات جمع الجمع. وقوله تعالى: وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ [النمل: 10] ، أي لم يعطف، وقيل: لم يرجع، وقيل: لم يمكث ولم ينتظر، وحقيقته لم يعقّب إقباله إدبارا والتفاتا. وعاقبت الرجل في الراحلة: إذا ركبت أنت مرة وهو مرة. وقوله تعالى: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ [الممتحنة: 1] أي أصبتموهم في القتال حتى غنمتكم. وقوله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل: 126] سمّى الأول عقوبة، وما العقوبة إلا الثانية لازدواج الكلام في الفعل بمعنى واحد، ومثله قوله تعالى: ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ [الحج: 60] ، وكذلك قوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى: 40] ، والمجازاة عليها حسنة، إلا أنها سميت سيئة لأنها وقعت إساءة بالمفعول به، لأنه فعل ما يسوءه، والعقوبة، والمعاقبة، والعقاب، يخص بالعذاب، قال تعالى: فَحَقَّ عِقابِ [ص: 14] . والعقب، مؤخر الرجل. ورجع على عقبه، انثنى راجعا. قال تعالى: فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ [المؤمنون: 66] (بصائر ذوى التمييز) : 4/ 81- 82 بصيرة رقم (32) . [ (1) ] قال في (المرجع السابق) : والكلالة: الرجل لا والد ولا ولد وقيل: ما لم يكن من النسب لحّا [أي لاصق بالنسب] بنسبك، كابن العم وشبهه. وقيل: هي الإخوة لأم، وقيل: هي من العصبة من ورث معه الإخوة لأمّ. وقيل: هم بنو العم الأباعد. وقال ابن عباس رضى اللَّه تعالى عنهما: هي اسم لما عدا الوالد، وروى أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سئل عن الكلالة فقال: «من مات وليس له ولد ولا والد» فجعله اسم الميت، وهو صحيح أيضاً، فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث جميعا، وقيل: اسم لكلّ وارث. (بصائر ذوى التمييز) : 4/ 373- 374 بصيرة رقم (23) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 فصل في ذكر أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خطب ثلاثين امرأة، منهن واحدة وهبت نفسها، وإحدى عشرة امرأة دخل بهن، وسبع عقد عليهنّ ولم يدخل بهن، ومات من نسائه في حياته اثنتان، وتوفي عن تسع، ولم يتزوج بكرا غير واحدة. [أم المؤمنين خديجة بنت خويلد] [ (1) ]   [ (1) ] هي خديجة أم المؤمنين، وسيدة نساء العالمين في زمانها، أم القاسم ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصي بن كلاب، القرشية الأسدية، أم أولاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأول من آمن به وصدقه قبل كل أحد، وثبتت جأشه، ومضت به إلى ابن عمها ورقة ابن نوفل، كما جاء في حديث عائشة في البخاري: بدء الوحي، وفيه أن خديجة، قالت له صلّى اللَّه عليه وسلم: كلا واللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق. وفيه أنها انطلقت إلى ابن عمها ورقة ابن نوفل وقالت له: اسمع من ابن أخيك، وأخبره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الّذي نزّل اللَّه على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ومناقبها جمّة، وهي ممن كمل من النساء، كانت عاقلة، جليلة، ديّنة، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يثنى عليها، ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين، ويبالغ في تعظيمها، بحيث إن عائشة كانت تقول: ما غرت من امرأة ما غرت من خديجة، من كثرة ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لها. ومن كرامتها عليه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه لم يتزوج امرأة قبلها، وجاءه منها عدة أولاد، ولم يتزوج عليها قط، ولا تسرّى إلى أن قضت نحبها، فوجد لفقدها، فإنّها كانت نعم القرين، وكانت تنفق عليه من مالها، ويتجر هو صلّى اللَّه عليه وسلم لها، وقد أمره اللَّه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. والقصب في هذا الحديث: لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف، وقد جاء تفسيره في (كبير الطبراني) من حديث أبي هريرة ولفظه: «بيت من لؤلؤة مجوفة» ، والصّخب: «اختلاط الأصوات» ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24   [ () ] والنصب: التعب. قال الزبير بن بكار: كانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة، وأمها هي فاطمة بنت زائدة العامرية. كانت خديجة أولا تحت أبى هالة زرارة التميمي، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، ثم بعده النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فبنى بها وله خمس وعشرون سنة، وكانت أسنّ منه بخمس عشرة سنة. وقال مروان بن معاوية، عن وائل بن داود، عن عبد اللَّه البهي قال: قالت عائشة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها، واستغفار لها، فذكرها يوما فحملتني الغيرة فقلت: لقد عوضك اللَّه من كبيرة السن! قال: فرأيته غضب غضبا. أسقطت في خلدي، وقلت في نفسي: اللَّهمّ إن أذهبت غضب رسولك عنى لم أعد أذكرها بسوء، فلما رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ما لقيت، قال، واللَّه لقد آمنت بى إذ كذبني الناس، وآوتنى إذ رفضني الناس، ورزقت منها الولد وحرمتموه منى قالت: فغدا رواح عليّ بها شهرا. [الخلد، بالتحريك: الباب والقلب والنفس] . هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، مما كنت أسمع من ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لها، وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين. محمد بن فضيل عن عمارة، عن أبى زرعة، سمع أبا هريرة يقول: أتى جبريل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. متفق على صحته. عبد اللَّه بن جعفر: سمعت عليا: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: خير نسائها خديجة بنت خويلد، وخير نسائها مريم بنت عمران. أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي: باب تزويج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة وفضلها، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضائل خديجة أم المؤمنين، والترمذي في المناقب. وقوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «خير نسائها» ، قال القرطبي: الضمير عائد على غير مذكور، لكنه يفسره الحال والمشاهدة، يعنى به الدنيا، والمعنى أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها. قال ابن إسحاق: تتابعت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المصائب بهلاك أبى طالب وخديجة، وكانت خديجة وزيرة صدق، وهي أقرب إلى قصىّ من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم برجل، وكانت متموّلة فعرضت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن يخرج في مالها إلى الشام، فخرج مع مولاها ميسرة، فلما قدم باعث خديجة ما جاء به، فأضعف، فرغبت فيه، فعرضت نفسها عليه، فتزوجها، وأصدقها عشرين بكرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25   [ () ] قال الشيخ عزّ الدين بن الأثير: خديجة أول خلق اللَّه أسلم بإجماع المسلمين. وقال الزهري، وقتادة، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق. والواقدي، وسعيد بن يحيى: أول من آمن باللَّه ورسوله خديجة، وأبو بكر، وعليّ، رضى اللَّه تعالى عنهم. قال ابن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبى حكيم- أنه بلغه عن خديجة أنها قالت: يا ابن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك؟ فلما جاءوه قال: يا خديجة، هذا جبريل، فقالت: اقعد على فخذي ففعل، فقالت: هل تراه؟ قال: نعم، قالت: فتحول إلى الفخذ اليسرى، ففعل، قالت: هل تراه؟ قال، نعم، فألقت خمارها، وحسرت عن صدرها، فقالت: هل تراه؟ قال: لا، قالت: أبشر، فإنه واللَّه ملك وليس بشيطان. [رجاله ثقات، لكنه منقطع] . حماد بن سلمة، عن حميد، عن عبد اللَّه بن عبيد بن عمير، قال: وجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على خديجة حتى خشي عليه، حتى تزوج عائشة [رجاله ثقات لكنه مرسل] . معمر عن قتادة، وأبو جعفر الرازيّ، عن ثابت، واللفظ لقتادة، عن أس مرفوعا: حسبك من نساء العالمين أربع. [إسناده صحيح وأخرجه الترمذي في المناقب، والحاكم، وأحمد] . الدراوَرْديّ، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم، فاطمة، وخديجة، وامرأة فرعون آسية. [رجاله ثقات] . وروى عروة، عن عائشة قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة، وقال الواقدي: توفيت في رمضان، ودفنت بالحجون. وقال قتادة: ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، وكذا قال عروة. * لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 8/ 52، 1/ 131- 133، (المستدرك) : 3/ 200- 206، كتاب معرفة الصحابة، باب ومنهم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى رضى اللَّه تعالى عنها، الأحاديث من رقم (4834/ 432) إلى رقم (4856/ 454) ، (الاستيعاب) : 4/ 1817- 1825، ترجمة رقم (2311) ، (المعارف) : 59، 70، 132، 144، 150، 219، 311، (جامع الأصول) : 9/ 120- 125، القسم الثاني من الفرع الثاني من الباب الرابع في فضائل النساء الصحابيات رضى اللَّه تعالى عنهن، الأحاديث من رقم (6666) إلى رقم (6670) ، (الإصابة) : / 600- 605 ترجمة رقم (11086) ، (كنز العمال) : 13/ 690- 693 باب فضائل أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مفصلة، أم المؤمنين خديجة رضى اللَّه عنها، الأحاديث أرقام من (37762) إلى (37770) ، (شذرات الذهب) : 1/ 14. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 فأول نسائه خديجة سعيد بن بهم، وأمها: عاتكة ابنة عبد العزى بن قصي، وأمها: الحظيّا بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة [بن كعب بن لؤيّ بن غالب] [ (1) ] ، وأمها نائلة ابنة حذافة بن جمح. وكانت خديجة عند عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، فولدت له جارية يقال لها: أم محمد هند، تزوجها ابن عمة لها يقال له صيفي بن أبى أمية بن عائذ بن عبد اللَّه، وهلك عتيق عن خديجة، فتزوجها أبو هالة هند بن النباش بن زرارة [بن وقدان بن حبيب بن سلامة ابن غوىّ بن جروة] [ (2) ] بن أسيد بن عمرو بن تميم بن مرّ. وطابخة بن إلياس [أمه] [ (2) ] خندف [وهي ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة] [ (2) ] . وقيل: أبو هالة مالك بن إلياس بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن عدي- بضم العين وقيل بفتحها- ابن أسد- بضم الهمزة- ابن عمرو بن تميم بن مرّ بن أسيد، فهو أسيدى بالتخفيف، فإذا نسب إليه قيل: اسيّدىّ بالتشديد على ما قاله سيبويه. وذكر الحافظ أبو محمد بن حزم [ (3) ] أن خديجة كانت عند عتيق فولدت له عبد اللَّه، ثم خلف عليها أبو هالة فولدت له ذكرين هما هند والحرث،   [ (1) ] زيادة للنسب من (جمهرة النسب) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين سياقة مضطرب، وصوبناه من (المرجع السابق) . [ (3) ] قال الكلبي: كان زوج خديجة بنت خويلد قبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فولدت له هند بن هند، وابن ابنه هند ابن هند بن هند، شهد هند بن أبى هالة بدرا، وقالوا: بل أحدا، وقتل هند بن هند بن أبى هالة مع ابن الزبير، وانقرضوا ولا عقب لهم. (جمهرة النسب) لابن الكلبي) : 269، وقال في هامشه: هند بن أبى هالة صحابىّ شهد بدرا وقيل: أحد، قتل مع على في واقعة الجمل. وهند بن هند بن أبى هالة قتل مع مصعب بن الزبير يوم المختار بن أبى عبيد في الكوفة، واختلف في اسم أبى هالة، فقيل: النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن عدي بن جردة بن أسيد، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 وابنة اسمها زينب، وأن هندا شهد أحدا، والحرث قتله أحد الكفار عند الركن اليماني. قال العسكري: هو أول قتيل قتل في الإسلام، ثم تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على ثنتى عشرة أوقية، وهي أول امرأة تزوجها [ (1) ] . وروى أنه أصدقها عشرين بكرة، زوجه إياها عمرو بن أسد بن عبد العزى، وعمرها أربعون، وقيل ست وأربعون، وقيل ثمان وأربعون، وقيل خمسون، [وقيل] أربعون، وقيل ثلاثون، وقيل ثمان وعشرون سنة، فأقامت معه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعا وعشرين سنة، منها قبل الوحي خمس عشرة سنة، وكان عمره صلّى اللَّه عليه وسلم إذ تزوجها إحدى وعشرين، وقيل: كان ابن خمس وعشرين سنة وشهران وعشرة أيام، وهو الأكثر، وقيل ابن ثلاثين. فولدت له أربع بنات [هن:] زينب، وفاطمة، ورقية، وأم كلثوم، وولدت له القاسم وعبد اللَّه، ولم يتزوج عليها حتى ماتت، وهي أول من آمن باللَّه ورسوله على الصحيح، وقيل أبو بكر رضى اللَّه عنه، وكانت وزير صدق له، آزرته على أمره، وثبتته وخففت عنه وهوّنت عليه ما كان يلقى من قومه، وتوفيت قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بأربع سنين، وقيل بثلاث سنين، وهو الأصح، ويقال: توفيت لعشر خلون من رمضان، وهي ابنة خمس وستون سنة، فدفنها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالحجون [ونزل في قبرها ولم يتزوج] [ (2) ] في حياتها بسواها لجلالتها وعظم محلها عنده. وقد اختلف أيهما أفضل، هي أو عائشة؟ فرجح فضل خديجة جماعة من العلماء، وماتت ولرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر، وتركت من الأولاد هند بن أبى هالة، وبنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الأربع،   [ (1) ] (جمهرة أنساب العرب لابن حزم) : 16، 120، 142، 171، 210. [ (2) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 وفضائلها كثيرة رضى اللَّه عنها. قال الواقدي: حدثني موسى بن شيبة، عن عميرة بنت عبد اللَّه بن كعب عن أم سعد بن الربيع، عن نفيسة بنت منية، قالت: لما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الشام دخل مكة، وخديجة رضى اللَّه عنها في عليه لها فرأت ملكين يظلانه، وكانت جلدة حازمة، وهي أوسط قريش نسبا وأوسطهم مالا، وكل قومها حريص على نكاحها لو قدروا على ذلك، قد طلبوا وبذلوا لها الأموال، فأرسلتنى دسيسا إلى محمد صلّى اللَّه عليه وسلم بعد أن رجع من الشام، فقلت: يا محمد، ما منعك أن تتزوج؟ قال: ما بيدي ما أتزوج به، قلت: فإن كنت كذلك ودعيت إلى الجمال، والمال، والشرف، والكفاءة، ألا تجيب؟ قال: فمن هي؟ قلت: خديجة، قال: وكيف لي بذلك؟ قلت عليّ فأنا أفعل، فذهبت فأخبرتها، فأرسلت إليه أن ائت الساعة كذا وكذا، وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها، ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في عمومته، فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة. وذكر أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكريا أن أبا طالب خطب يومئذ، فقال: الحمد للَّه الّذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضيء معدّ، وعنصر مضر، وجعلنا حصنة بيته، وسوّاس حزبه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخى هذا محمد بن عبد اللَّه لا يوزن به رجل إلى رجح به، فإن كان في الكمال قل، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي، وهو واللَّه بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 وقال المطرز: ألقى أبو طالب على ولىّ خديجة حلّة فقبلها، وكان قبول الحلّة تمام التزويج، قال أبو طالب: فجاءنا البشار من زوايا الدار وأعلى الجدر، ولا أدرى ديارا ولا ناثرا. وكانت التي غسّلت خديجة أم أيمن وأم الفضل زوجة العباس، وذلك قبل أن تفرض الصلاة، ولم تكن يومئذ سنّة الجنازة والصلاة عليها، ودفنت بالحجون بمكة، ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حفرتها، واشترى معاوية منزل خديجة فجعله مسجدا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 [أم المؤمنين سودة بنت زمعة] [ (1) ] وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ بن نضر بن مالك   [ (1) ] هي سودة أم المؤمنين- بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية، وهي أول من تزوج بها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعد خديجة، وانفردت به صلّى اللَّه عليه وسلم نحوا من ثلاث سنين أو أكثر، حتى دخل بعائشة رضى اللَّه عنها. وكانت سيدة جليلة، نبيلة، ضخمة، وكانت أولا عند السكران بن عمرو، أخى سهيل بن عمرو العامري. وهي التي وهبت يومها لعائشة رضى اللَّه عنها، رعاية لقلب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت قد فركت [قلّ ميلها للرجال] ، وقد أخرج البخاري في النكاح، باب: المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها، من حديث عائشة رضى اللَّه عنها أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة، وأخرجه أيضا في الهبة، وزاد في آخره: تبتغي بذلك رضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وأخرجه مسلم عن عائشة رضى اللَّه عنها وفيه ... فلما كبرت جعلت يومها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعائشة، قالت: يا رسول اللَّه قد جعلت يومى منك لعائشة. وأخرجه أبو داود من طريق أحمد بن يونس، حدثنا عبد الرحمن بن أبى الزناد- عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: قالت عائشة: يا ابن أختى كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قلّ يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى التي هو يومها، فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت، وفرقت أن يفارقها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه، يومى لعائشة، فقبل ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منها، قالت: تقول في ذلك أنزل اللَّه تعالى، وفي أشباهها، آراه قال: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً [النساء: 128] . لها أحاديث، وخرّج لها البخاري، حدّث عنها: ابن عباس، ويحى بن عبد اللَّه الأنصاري. توفيت في آخر خلافة عمر رضى اللَّه عنه بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين. وقال الواقدي: وهذا الثبت عندنا. وروى عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبى هلال: أن سودة رضى اللَّه عنها توفيت زمن عمر رضى اللَّه عنه. قال ابن سعد: أسلمت سودة وزوجها، فهاجرا إلى الحبشة. وعن بكير بن الأشجّ: أن السكران قدم من الحبشة بسودة، فتوفى عنها فخطبها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. فقالت: أمرى إليك. قال: مري رجلا من قومك يزوجك، فأمرت حاطب بن عمرو العامري، فزوجها، وهو مهاجري بدريّ. هشام الدستوائى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31   [ () ] حدثنا القاسم بن أبى بزّة: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعث إلى سودة بطلاقها، فجلست على طريقه فقالت: أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه، لم طلقتني؟ الموجدة؟ قال: لا، قالت: فأنشدك اللَّه لما راجعتني، فلا حاجة لي في الرجال، ولكن أحب أن أبعث في نسائك فراجعها. قالت: فإنّي قد جعلت يومى لعائشة. [أخرجه ابن سعد، وسنده صحيح، لكنه مرسل، والصحيح أنه لم يطلقها كما تقدم] . الأعمش، عن إبراهيم، قالت سودة: يا رسول اللَّه، صليت خلفك البارحة، فركعت بى، حتى أمسكت بأنفي مخافة أن يقطر الدم، فضحك صلّى اللَّه عليه وسلم. وكانت تضحكه الأحيان بالشيء. صالح مولى التوأمة، عن أبى هريرة، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في حجة الوداع: هذه ثم ظهور الحصر. [ظهور الحصر: منصوب على تقدير: ثم الزمن، والحصر: جمع حصير، وهو ما يفرش في البيوت، والمراد أن يلزمن بيوتهن، ولا يخرجن منها. والحديث أخرجه ابن سعد وأحمد، وسنده قوى، وأبو داود في أول الحج من طريق عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن واقد بن أبى واقد الليثي، عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال لنسائه في حجته: هذه ثم ظهور الحصر. وسنده حسن في الشواهد] . وقالت عائشة رضى اللَّه عنها: استأذنت سودة ليلة المزدلفة، أن تدفع قبل حطمة الناس- وكانت امرأة ثبطة- أي ثقيلة، فأذن لها. [وتمامه: فدفعت قبل حطمة الناس، وأقمنا حتى أصبحنا نحن، ثم دفعنا بدفعه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلأن أكون استأذنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كما استأذنته سودة، أحب إلى من مفروح به، والحطمة بفتح الحاء وسكون الطاء: الزحمة، أي قبل أن يزدحموا، ويحطم بعضهم بعضا. أخرجه ابن سعد، والبخاري، ومسلم، وأحمد، والنسائي] . حماد بن يزيد عن هشام، عن ابن سيرين: أن عمر بعث إلى سودة بغرارة دراهم، فقالت: ما هذه؟ قالوا: دراهم، قالت: في الغرارة مثل التمر! يا جارية، بلّغينى القنع ففرّقتها. يروى لسودة خمسة أحاديث: منها في الصحيحين: حديث واحد عند البخاري. الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن عبد الرحمن، عن ريطة، عن عمرة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لما قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم المدينة بعث زيدا، وبعث معه أبا رافع مولاه، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم، فخرجنا جميعا، وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة، وبأم كلثوم، وبسودة بنت زمعة، وبأم أيمن، وأسامة ابنه. (*) لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 8/ 52- 58، (طبقات خليفة) . 335، (المعارف) : 133، 284، 442، (الاستيعاب) : 4/ 1867 ترجمة رقم (3394) ، (جامع الأصول) : 9/ 145، (تهذيب التهذيب) : 12/ 445 ترجمة رقم (2819) ، (الإصابة) : /، ترجمة رقم () ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 484، ترجمة رقم (87) ، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 265- 269 ترجمة رقم (40) ، (شذرات الذهب) : 1/ 34 و 60. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 ابن حسل بن عدي بن النجار تزوجها السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ- هو أخو سهيل بن عمرو- وهاجرت معه إلى الحبشة ومات، فتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد موت خديجة رضى اللَّه عنها، ولى تزويجها أباه أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس- ويقال أبوها- وهو يومئذ شيخ، وأصدقها أربعمائة درهم، وتزوج بعائشة رضى اللَّه عنها، وقيل: تزوج بعائشة قبلها، وكان تزويجه بسودة [وبناؤه] بها في شهر رمضان سنة عشر من النبوة. وكانت سودة قد رأت في النوم كأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وطئ على عنقها، فأخبرت السكران بذلك، فقال: لئن صدقت رؤياك لأموتن وليتزوجك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: حجرا وسترا! ثم رأت ليلة أخرى كأن قمرا انقضّ عليها من السماء، فتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وذلك أن خولة بنت حكيم بن الأوقص السلمية- امرأة عثمان بن مظعون- قالت: يا رسول اللَّه! إني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة فقال: أجل، أمّ العيال وربة البيت، قال: ألا أخطب عليك؟ قال: بلى، إنك معشر النساء أرفق بذلك، فخطبت عليه سودة بنت زمعة، وخطبت عليه عائشة بنت أبى بكر- وعائشة يومئذ ابنة ست سنين حتى بنى بها حين قدم المدينة-. وكانت امرأة ثقيلة ثبطة، وكان في أذنها ثقل، وأسنّت عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فهمّ بطلاقها، ويقال طلقها في سنة ثمان من الهجرة تطليقة، فجمعت ثيابها وجلست له على الطريق التي كان يسلكها إذا خرج إلى الصلاة، فلما دنا منها بكت وقالت: يا رسول اللَّه! أهل أعتددت عليّ في الإسلام بشيء؟ فقال: اللَّهمّ لا، فقالت: أسألك باللَّه لما راجعتني، فراجعها، وجعلت يومها لعائشة رضى اللَّه عنها، وقالت: واللَّه ما غايتي إلا أن أرى وجهك وأحشر مع أزواجك، وإني لا أريد ما تريد النساء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 فأمسكها حتى توفى عنها مع سائر من توفى عنهن من أزواجه، وفيها نزلت: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ [يُصْلِحا] بَيْنَهُما صُلْحاً [ (1) ] ، وتوفيت سنة ثلاث وعشرين، وصلّى عليها عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، وقيل: إنها توفيت في خلافه عثمان رضى اللَّه عنه، ولها نحو من ثمانين سنة، وكانت قد لزمت بيتها فلم تحج حتى توفيت، وهي أول امرأة وطئها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة.   [ (1) ] النساء: 128. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 [أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر] [ (1) ] وعائشة بنت أبى بكر عبد اللَّه بن أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو   [ (1) ] هي عائشة أم المؤمنين، بنت الإمام الصدّيق الأكبر، خليفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أبى بكر، عبد اللَّه بن أبى قحافة، عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ، القرشية التيمية، المكية، النبويّة، زوجة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أفقه نساء الأمة على الإطلاق، وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر ابن عبد شمس، بن عتاب بن أذينة الكنانية. هاجر بعائشة أبواها، وتزوجها نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل مهاجره، بعد وفاة الصدّيقة خديجة بنت خويلد رضى اللَّه عنها، وذلك قبل الهجرة ببضعة عشر شهرا، وقيل بعامين، ودخل بها في شوال سنة اثنين، منصرفة صلّى اللَّه عليه وسلم من غزوة بدر، وهي ابنة تسع. روت عنه صلّى اللَّه عليه وسلم علما كثيرا طيبا مباركا فيه، وعن أبيها، وعن عمر وفاطمة، وسعد، وحمزة بن عمر الأسلمي، وجدامة بنت وهب، رضى اللَّه تعالي عن الجميع. وروى عنها خلق كثير. بلغ مسند عائشة (2210) ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، اتفق لها البخاري ومسلم على مائة وأربع وسبعين حديثا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين. وعائشة رضى اللَّه عنها ممن ولد في الإسلام، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين، وكانت تقول: لم أعقل أبويّ إلا وهما يدينان بالدين. وذكرت أنها لحقت بمكة سائس الفيل شيخا أعمى يستعطى. وكانت امرأة بيضاء جميلة، ومن ثمّ يقال لها: الحميراء، ولم يتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بكرا غيرها، ولا أحبّ امرأة حبّها، ولا أعلم في أمة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، بل ولا في النساء مطلقا امرأة أعلم منها. وذهب بعض العلماء إلى أنها أفضل من أبيها، وهذا مردود، وقد جعل اللَّه لكل شيء قدرا، بل تشهد أنها زوجة نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فهو فوق ذلك مفخر، وإن كان للصديقة خديجة شأو لا يلحق. قال الحافظ الذهبي: وأنا واقف في أيتهما أفضل، نعم جزم بأفضلية خديجة عليها الأمور ليس هذا موضعها. هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أريتك في المنام ثلاث ليال، جاء بك الملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه، فأقول: إن يك هذا من عند اللَّه يمضه. [والسّرقة بفتح السين والراء والقاف: هي القطعة] . أخرجه أحمد، والبخاري في مناقب الأنصار، باب تزويج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عائشة رضى اللَّه عنها، وفي النكاح، باب النظر إلى المرأة قبل التزويج، وفي التعبير، باب كشف المرأة في المنام، وباب ثياب الحرير في المنام، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. وأخرج الترمذي من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن علقمة المكيّ، عن ابن أبى حسين، عن ابن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35   [ () ] مليكة، عن عائشة: أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة. حسّنه الترمذي وقال: لا نعرفه إلا من حديث عبد اللَّه، ورواه عبد الرحمن بن مهدي عنه مرسلا. [أخرجه الترمذي في المناقب: باب فضل عائشة رضي اللَّه عنها، ورجاله ثقات. وابن أبى حسين: هو عمر بن سعيد بن حسين النوفلي] . بشر بن الوليد القاضي: حدثنا عمر بن عبد الرحمن، عن سليمان الشيباني عن على بن زيد بن جدعان، عن جدته، عن عائشة أنها قالت: لقد أعطيت تسعا ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران: لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكرا، وما تزوج بكرا، ولقد قبض ورأسه صلّى اللَّه عليه وسلم في حجري، ولقد قبرته في بيتي، ولقد خفّت الملائكة بيتي، وإن كان الوحي لينزل عليه وإني لمعه في لحافه، وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عذرى من السماء، ولقد خلقت طيبة عند طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما. [رواه أبو بكر الآجري عن أحمد بن يحيى الحلواني، عنه، وإسناده جيد، إلا أن على بن زيد بن جدعان ضعيف] . وكان تزويجه بها إثر وفاة خديجة، فتزوج بها وبسودة في وقت واحد، ثم دخل بسودة، فتفرد بها ثلاثة أعوام حتى بنى بعائشة، رضى اللَّه عنها في شوال بعد وقعة بدر، فما تزوج بكرا سواها، وأحبها حبا شديدا كان يتظاهر به، بحيث إن عمرو بن العاص- وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة- سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أي الناس أحب إليك يا رسول اللَّه؟ قال: عائشة، قال فمن الرجال؟ قال أبوها. [أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي، باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا، وفي المغازي، باب غزوة السلاسل، وسلم في فضائل الصحابة، باب فضائل أبي بكر رضى اللَّه عنه. وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض، وما كان إلا طيبا، وقد قال: لو كنت متخذا خليلا من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام أفضل. فأحب صلّى اللَّه عليه وسلم أفضل رجل من أمته، وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فهوى حرىّ أن يكون بغيضا إلى اللَّه ورسوله. وحبه عليه السّلام لعائشة كان أمرا مستفيضا، ألا تراهم كيف كانوا يتحرون بهداياهم يومها تقربا إلى مرضاته؟ قال حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت: فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة، فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فقولي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان. فذكرت أم سلمة له ذلك، فسكت، فلم يردّ عليها فعادت الثانية، فلم يردّ عليها، فلما كانت الثالثة قال: يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه واللَّه ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة غيرها.. [متفق على صحته، فقد أخرجه البخاري في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة، وفي الهبة، باب من أهدى إلى أصحابه، وتحرى بعض نسائه دون بعض، من طريق حماد بن زيد، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، وأخرجه مسلم مختصرا في فضائل الصحابة، من طريق عبدة، عن هشام، عن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36   [ () ] أبيه عن عائشة، وأخرجه مطولا من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عائشة، وفيه أن التي أرسلتها فاطمة، وليست أم سلمة] . وهذا الجواب منه صلّى اللَّه عليه وسلم دالّ على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبه لها، وأن ذلك الأمر من أسباب حبه لها صلّى اللَّه عليه وسلم. إسماعيل بن جعفر: أخبرنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن، سمع أنسا يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. [متفق عليه من طرق عن أبى طواله، فقد أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، باب فضل عائشة رضى اللَّه عنها، وفي الأطعمة، باب الثريد، وباب ذكر الطعام، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة رضى اللَّه عنها، وأبو طوالة: هو عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري، راوية عن أنس رضى اللَّه عنه. شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن مرّة، عن أبى مرسى، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. [أخرجه البخاري ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضل خديجة رضى اللَّه عنها] . شعيب، عن الزهري: حدثني أبو سلمة، أن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا عائش، هذا جبريل وهو يقرأ عليك السلام، قالت: وعليه السّلام ورحمة اللَّه، ترى ما لا نرى يا رسول اللَّه. زكريا بن أبى زائدة، عن عامر، عن أبى سلمة، أن عائشة رضى اللَّه عنها حدثته أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال لها: إن جبريل يقرئك السلام، قالت: وعليه السّلام ورحمة اللَّه. [أخرجهما البخاري في فضل عائشة، وفي بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، وفي الأدب، باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا، وفي الإستئذان، باب تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال، وباب إذا قال: فلان يقرئك السلام، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة رضى اللَّه عنها، وأبو داود، والترمذي، وأخرج النسائي من طريق معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة نحو الأول، في عشرة النساء، باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض روى هشام، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: تزوجني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم متوفّى خديجة، وأنا بنت ستّ، وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع، جاءني نسوة وأنا ألعب على أرجوحة وأنا مجمّمة، فهيأننى، وصنعنى، ثم أتين بى إليه صلّى اللَّه عليه وسلم. [أخرجه أبو داود في الأدب، باب الأرجوحة، وإسناده صحيح. والمجممة: ذات جمة، ويقال للشعر إذا سقط عن المنكبين، جمّة، وإذا كان الشعر إلى شحمة الأذنين: وفرة. قال عروة: فمكثت عنده تسع سنين، وأخرج البخاري من قول عروة: أن خديجة رضى اللَّه عنها توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين، فلبث صلّى اللَّه عليه وسلم سنين أو قريبا من ذلك، ونكح عائشة وهي بنت ست سنين. [أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب تزويج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عائشة، وقدومها المدينة وبنائه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37   [ () ] بها، وتمامه: ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين. وفي خبر عروة إشكال أجاب عنه الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) ] . هشام عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: كنت ألعب بالبنات يعنى اللّعب- فيجيء صواحبي فينقمعن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فيخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيدخلن على، وكان يسرّبهن إليّ فيلعبن معى. وفي لفظ: فكن جوار يأتين يلعبن معى بها، فإذا رأين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تقمّعن، فكان يسربهن إليّ. [أخرجه البخاري في الأدب، باب الانبساط إلى الناس، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة، واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات، واللعب من أجل لعب البنات بهن، وخصّ ذلك من عموم النهى عن اتخاذ الصور، وبه جزم القاضي عياض، ونقله عنه الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات. وعن عائشة قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا ألعب بالبنات [أي اللعب] ، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قلت: خيل سليمان ولها أجنحة، فضحك. [أخرجه بهذا اللفظ ابن سعد في (الطبقات) من طريق الواقدي، وأخرجه أبو داود في (السنن) في الأدب، باب اللعب بالبنات، بأطول من هذا، والنسائي في (عشرة النساء) ، عن عائشة قالت: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهواتها ستر، فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا لها جناحان من رقاع فقال: ما هذا الّذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الّذي عليه؟ قالت: جناحان. قال: فرس له جناحان! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ فضحك حتى بدت نواجذه. وإسناده صحيح] . الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: لقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، وإنه ليسترنى بردائه لكي انظر إلى لعبهم، ثم يقف من أجلى حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السنّ الحريصة على اللهو. وفي لفظ معمر، عن الزهري: فما زلت انظر حتى كنت أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السنّ، التي تسمع اللهو. ولفظ الأوزاعي عن الزهري في هذا الحديث قالت: قدم وفد الحبشة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقاموا يلعبون في المسجد، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا انظر إليهم حتى أكون أنا التي أسأم. [أخرجه البخاري في المساجد، باب أصحاب الحراب في المسجد، وفي العيدين، باب الحراب والدرق يوم العيد، وفي النكاح، باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة، ومسلم، وأحمد والنسائي في العيدين، باب اللعب في المسجد يوم العيد، ونظر النساء لذلك، والحميدي في (مسندة) ، والطحاوي في (مشكل الآثار) ، وأخرج النسائي في (عشرة النساء) من حديث يونس بن عبد الأعلى، بسنده عن عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قالت: دخل الحبش المسجد يلعبون، قال لي: يا حميراء، أتحبين أن تنظرى إليهم؟ فقلت: نعم، فقام بالباب وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: حسبك قلت: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38   [ () ] يا رسول اللَّه لا تعجل، فقام لي ثم قال: حسبك، فقلت: لا تعجل يا رسول اللَّه، قالت: وما بى حب النظر إليهم، ولكنى أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه. إسناده صحيح كما قال الحافظ في (الفتح) . يحيى بن يمان، عن الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد اللَّه بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: تزوجني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في شوال، وأعرس بى في شوال، فأى نسائه كان أحظى عنده منى. [وكانت العرب تستحب لنسائها أن يدخلن على أزواجهن في شوال، أخرجه مسلم في النكاح، باب استحباب التزوج والتزويج في شوال، واستحباب الدخول فيه، والدارميّ في النكاح، باب بناء الرجل بأهله في شوال، وأحمد في (المسند) ، وابن سعد في (الطبقات) ، وابن ماجة في النكاح، باب متى يستحب البناء بالنساء، والنسائي في النكاح، باب التزويج في شوال، من طرق عن سفيان بن عيينة، وفيه عندهم: وكانت عائشة رضى اللَّه عنها تستحب أن تدخل نساءها في شوال. وقالت عائشة رضى اللَّه عنها ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يذكرها. [أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم باب تزويج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة وفضلها، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضل خديجة رضى اللَّه عنها. قال الحافظ الذهبي في (سير الأعلام) : وهذا من أعجب شيء! أن تغار رضى اللَّه عنها من امرأة عجوز توفيت قبل تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعائشة بمديدة، ثم يحميها اللَّه تعالى من الغيرة من عدة نسوة يشاركنها في النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فهذا من ألطاف اللَّه بها وبالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، لئلا يتكدر عيشهما، ولعله إنما خفّف أمر الغيرة عليها حبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لها، وميله إليها. فرضى اللَّه تعالى عنها وأرضاها. معمر عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: دخلت امرأة سوداء على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. فأقبل عليها، قالت: فقلت يا رسول اللَّه! أقبلت على هذه السوداء هذا الإقبال؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: إنها كانت تدخل على خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان [رجاله ثقات، وأخرج الحاكم نحوه في (المستدرك) من طريق صالح بن رستم، عن ابن أبى مليكة، عن عائشة قالت: جاءت عجوز إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو عندي، فقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزينية، فقال: بل أنت حسّانة المزينية، كيف أنتم كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير، بأبي أنت وأمى يا رسول اللَّه. فلما خرجت قلت: يا رسول اللَّه! تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ قال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان. صححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في (التلخيص) . وأخرج البخاري في النكاح، باب غيرة النساء ووجدهن، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة.. لأبى أسامة، عن هشام بلفظ: إني لأعلم إذا كنت عنى راضية وإذا كنت عليّ غضبى، قالت: وكيف يا رسول اللَّه؟ قال: إذا كنت عنى راضية، قلت: لا وربّ محمد، وإذا كنت عليّ غضبى، قلت: لا وربّ إبراهيم، قلت أجل واللَّه، ما أهجر إلا اسمك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39   [ () ] هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: سابقني النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فسبقته ما شاء، حتى إذا رهقني اللحم، سابقني، فسبقني، فقال: يا عائشة، هذه بتلك. [إسناده صحيح، وهو في المسند، وأخرجه الحميدي في (مسندة) ، وأبو داود في الجهاد: باب السبق على الرجل، وابن ماجة والنسائي في عشرة النساء] . قال الإمام أحمد في (المسند) : حدثنا يحيى القطان، عن إسماعيل: حدثنا قيس، قال: لما أقبلت عائشة، فلما بلغت مياه بنى عامر ليلا، نبحت الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظننى إلا أننى راجعة. قال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون، فيصلح اللَّه ذات بينهم، قالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب. [إسناده صحيح كما قال الذهبي وصححه ابن حبان، والحاكم، وأخرجه أحمد في (المسند) ، وقال الحافظ ابن كثير في (البداية) . وهذا إسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجوه، بعد أن ذكره من طريق الإمام أحمد. والحوأب: من مياه العرب على طريق البصرة، قاله أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن الإسكندري، فيما نقله عنه ياقوت الحموي في (معجم البلدان) ، وقال أبو عبيد البكري في (معجم ما استعجم) : ماء قريب من البصرة على طريق مكة إليها، سمّى بالحوأب بنت كلب بن وبرة القضاعية] . قال عطاء بن أبى رباح: كانت عائشة رضى اللَّه عنها أفقه الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة، وقال الزهري: لو جمع علم عائشة رضى اللَّه عنها إلى علم جميع النساء، لكان علم عائشة رضى اللَّه عنها أفضل. [ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) ونسبة إلى الطبراني. وقال: رجاله ثقات، وذكره أبو عبد اللَّه الحاكم في (المستدرك) . عروة بن الزبير: أن معاوية بعث مرة إلى عائشة رضى اللَّه عنها بمائة ألف درهم فو اللَّه ما أمست حتى فرقتها، فقالت: لها مولاتها: لو اشتريت لنا منها بدرهم لحما؟ فقالت: ألا قلت لي. [أخرجه أبو نعيم في (الحلية) والحاكم في (المستدرك) ] . يحيى بن أبى زائدة- عن حجاج، عن عطاء: أن معاوية بعث إلى عائشة رضى اللَّه عنها بقلادة بمائة ألف، فقسّمتها بين أمهات المؤمنين. الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها: أنها تصدقت بسبعين ألفا، وإنها لترقع جانب درعها. أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن ابن المنكدر، عن أم ذرّة، قالت: بعث ابن الزبير إلى عائشة رضى اللَّه عنها بمال في غرارتين، يكون مائة ألف، فدعت بطبق، فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست، قال: هاتي يا جارية فطوري، فقالت أم ذرّة: يا أم المؤمنين، أما استطعت أن تشترى لنا لحما بدرهم؟ قالت: لا تعنّفينى، لو أذكرتينى لفعلت. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) ، وأبو نعيم في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40   [ () ] (الحلية) ، ورجاله ثقات] . ابن عليّة، عن أيوب، عن ابن مليكة، قال: قالت عائشة رضى اللَّه عنها توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في بيتي، وفي يومى، وليلتي وبين تحرى وسحري، ودخل عبد الرحمن بن أبى بكر، ومعه سواك رطب، فنظر إليه حتى ظننت أنه يريده، فأخذته، فمضغته، ونفضته ثم دفعته إليه، فاستنّ به كأحسن ما رأيته مستنّا قط، ثم ذهب يرفعه إليّ، فسقطت يده، فأخذت أدعو له بدعاء كان يدعو به له جبريل، وكان هو يدعو به إذا مرض، فلم يدع به في مرضه ذاك، فرفع بصره إلى السماء، وقال: الرفيق الأعلى، وفاضت نفسه صلّى اللَّه عليه وسلم، فالحمد للَّه الّذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا. [أخرجه أحمد في (المسند) ، وصححه الحاكم في (المستدرك) ، ووافقه الذهبي في (التلخيص) ، والسّحر: الرئة، والنّحر: أعلى الصدر، واستن: استاك] . العوام بن حوشب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ [النور: 3] ، قال: نزلت في عائشة رضى اللَّه عنها خاصة، أخرجه الحاكم في (المستدرك) ، وصححه، ووافقه الذهبي في (التلخيص) ، وأورده السيوطي في (الدر المنثور) ، وزاد نسبته لابن أبى حاتم وابن مردويه. وحديث الإفك طويل ومشهور، ولذلك أمسكنا عن ذكره. إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس، قال: قالت عائشة- وكانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها- فقالت: إني أحدثت بعد رسول اللَّه حدثا، ادفنوني مع أزواجه. فدفنت بالبقيع رضى اللَّه عنها [ابن سعد في (الطبقات) ، وصححه الحاكم في (المستدرك) ، ووافقه الذهبي في (التلخيص) . قال الذهبي: تعنى بالحدث مسيرها يوم الجمل، فإنّها ندمت ندامة كلّية، وثابت من ذلك، على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة، قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة بن عبيد اللَّه، والزبير بن العوام، وجماعة من الكبار، رضى اللَّه عن الجميع (سير الأعلام) . وقد قيل إنها مدفونة بغربي جامع دمشق، وهذا غلط فاحش، لم تقدم رضى اللَّه عنها إلى دمشق أصلا، وإنما هي مدفونة بالبقيع، ومدة عمرها: ثلاث وستون سنة وأشهر. ومن عالى حديثها: قال الحافظ الذهبي: قرأت على ابن عساكر، عن أبى روح: أخبرنا تميم، حدثنا أبو سعد، أخبرنا ابن حمدان، أخبرنا أبو يعلى، حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم، عن عليّ بن هاشم، عم هشام بن عروة، عن بكر بن وائل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: ما ضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم امرأة قطّ، ولا ضرب خادما له قط، ولا ضرب بيده شيئا إلا أن يجاهد في سبيل اللَّه، وما نيل منه شيء فانتقمه من صاحبه، إلا أن تنتهك محارم اللَّه، فينتقم. [إسناده صحيح، وأخرجه مسلم في الفضائل، باب مباعدته صلّى اللَّه عليه وسلم للآثام، وأحمد في (المسند) من طرق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، رضى اللَّه عنها، وأخرج مالك والبخاري في صفة النبي، ومسلم من طريق الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أنها قالت: ما خيّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 ابن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة بن كعب، الصديقة بنت [الصديق] حبيبة رسول اللَّه المبرأة من السماء، أم المؤمنين، أم عبد اللَّه رضي عنها، أمها أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أرنبة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة، والخلاف في أبيها إلى كنانة كثير جدا، وأجمعوا أنها من بنى غنم بن مالك بن كنانة، من المهاجرات ذات الفضائل. ولدت في السنة الرابعة من النبوة في أولها، تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة بعد سودة بشهر، على اثنى عشرة أوقية ونش، وقيل: أربعمائة درهم، وقيل: قبل الهجرة بسنتين، وقيل بثلاث وهي بنت ست سنين، وقيل: بنت تسع سنين، وقيل تزوجها في شوال سنة عشر من النبوة، قبل الهجرة بثلاث سنين، وأعرس بها بالمدينة في شوال على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره. وقال الواقدي: بنى بها في الأولى، وصححه الدمياطيّ، وتوفى عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة، كان مكثها معه تسع سنين وخمسة أشهر، ولم ينكح بكرا غيرها، ولم يأته الوحي في لحاف واحدة من نسائه سواها، ولم يحب أحدا من النساء مثلها، وقد كانت لها مآثر وخصائص ذكرت في   [ () ] بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما، كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة اللَّه عزّ وجلّ] . (*) لها ترجمة في: (مسند أحمد) : 7/ 46 وما بعدها، (طبقات ابن سعد) 8/ 58- 81، (طبقات خليفة) : 333، (تاريخ خليفة) 225، (المعارف) : 134، 176، 208، 550، (المستدرك) : 4/ 15- 17 ، (حلية الأولياء) : 2/ 43، (الاستيعاب) : 4/ 1881، ترجمة رقم (4029) ، (جامع الأصول: 9/ 132، (تهذيب التهذيب) : 12/ 461، ترجمة رقم (2840) ، (الإصابة) : 8/ 16، ترجمة رقم (11457) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 387، ترجمة رقم (106) ، (كنز العمال) : 13/ 693، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 135، ترجمة رقم (19) ، (شذرات الذهب) : 1/ 9، 61- 63، (المواهب اللدنيّة) : 2/ 81- 83، (صفة الصفوة) : 2/ 9- 27. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 القرآن والنسب، وكانت لها ليلتان، ولكل امرأة سواها ليلة، لأن سودة وهبتها ليلتها. وخرجت بعد قتل عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه إلى الكوفة تدعو الناس لأخذ ثأره من قتلته، وكانت وقعة الجمل، ثم عادت إلى المدينة وبها توفيت ليلة الثلاثاء لسبع عشر خلون من رمضان سنة ثمان وخمسين، وقيل: سبع وخمسين، ودفنت ليلا بعد الوتر بالبقيع، وصلّى عليها أبو هريرة، ونزل في قبرها خمسة: عبد اللَّه [وعروة والقاسم بن محمد وعبد اللَّه بن محمد بن أبى بكر، وعبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبى بكر] . وكان عمرها يوم ماتت ستا وستين سنة، وكانت أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة: تعرف من الطب والشعر شيئا كثيرا، ولا نعلم امرأة في هذه الأمة بلغت من العلم مبلغها. وروى عنها ألفا حديث ومائتا حديث وعشرة أحاديث مرفوعة، اتفقا منها على مائة وأربعة وسبعين حديثا، انفرد منها البخاري بأربعة وخمسين، ومسلم بستة وستين وفضائلها وأخبارها كثيرة جدا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 غزيّة [ (1) ] وغزّية بنت دودان بن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وهي أم شريك التي وهبت نفسها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: هي غزية بنت عوف بن جابر بن صبابه بن حجير بن عبد بن معيص، كانت عند أبى العكر مسلم بن الحارث الأزدي،. فولدت له شريكا فكنيت به، قيل: [بنى بها] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة، وقيل: لم يدخل بها، وأنها هي أم شريك الأنصارية لأنه كره غيرة نساء الأنصار، وقيل: هي التي وهبت نفسها فلم يتزوجها ولم يردها، وقيل: رأى بغزية كبرة فطلقها،   [ (1) ] هي الواهبة نفسها له صلّى اللَّه عليه وسلم، واختلف من هي، فقيل: أم شريك القرشية العامرية، واسمها غزية- بضم الغين المعجمة وفتح الزاى، وتشديد المثناة التحتية- بنت جابر بن عوف، من بنى عامر بن لؤيّ، وقيل: بنت دودان بن عوف، وطلقها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، واختلف في دخوله بها. وقيل: هي أم شريك غزيّة الأنصارية من بنى النجار، وفي (صفة الصفوة) : هي أم شريك غزية بنت جابر الدوسية، قال: والأكثرون على أنها هي التي وهبت نفسها له صلّى اللَّه عليه وسلم، فلم يقبلها، فلم تتزوج حتى ماتت، وذكر ابن قتيبة في (المعارف) عن أبى اليقظان: أن الواهبة نفسها خولة بنت حكيم السلمي، ويجوز أن يكونا وهبتا أنفسهما من غير تضاد. وقال عروة بن الزبير: كانت خولة بنت حكيم، من اللاتي وهبن أنفسهن للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت عائشة رضى اللَّه عنها: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟ فلما نزلت: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [الأحزاب: 51] ، قالت عائشة رضى اللَّه عنها: يا رسول اللَّه! ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك. [رواه الشيخان] . وهذه خولة هي زوجة عثمان بن مظعون، ولعل ذلك وقع منها قبل عثمان. عن قتادة: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم إني أكره غيرتهن، قال: فلم يدخل بها [ذكره الحاكم في المستدرك] . لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 8/ 154- 157، (طبقات خليفة) : 335، (الجرح والتعديل) : 9/ 464، (المستدرك) : 4/ 37، (الاستيعاب) : 4/ 1942- 1943 ، ترجمة رقم (4169) ، (الإصابة) : 8/ 236- 237، ترجمة رقم (12097) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 498، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 255- 256، ترجمة رقم (33) ، (صفة الصفوة) : 2/ 37- 38، ترجمة رقم (134) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 94. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 فأوثقها أهلها. وحملوها من مكة إلى البدو، وكانت تدخل على النساء بمكة فتدعوهن إلى الإسلام، وكانت على ذلك بعد طلاقها تدعو إلى الإسلام. ويقال: أم شريك العامرية، ويقال: الأنصارية، ويقال: الدوسية، ويقال بل اسمها عزيلة، روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وروى عنها جابر بن عبد اللَّه، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وشهر بن حوشب، ولها أحاديث في البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي، وقال ابن عبد البر: وقد ذكرها بعضهم في أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولا يصح من ذلك شيء لكثرة الاضطراب فيه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 [أم المؤمنين حفصة بنت عمر] [ (1) ] وحفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رباح بن عبد اللَّه بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كعب، أمها وأم عبد اللَّه بن عمر زينب بنت مظعون بن حبيب بن حذافة بن جمح، فمن فضلها: أن [أباها عمر] . وعمها زيد، وأخوالها عثمان وحذافة وعبد اللَّه بنى مظعون، وابن خالها السائب بن عثمان، شهدوا جميعاً بدرا، وولدت قبل المبعث بخمس سنين وقريش تبنى البيت، ثم تزوج بها خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي. فلما تأيمت ذكرها عمر لأبى بكر رضى اللَّه عنهما فلم يرجع عليه أبو بكر، كلمة فغضب، ثم عرضها على عثمان رضى اللَّه عنه- وقد ماتت رقية عليها السلام- فقال: ما أريد أن أتزوج اليوم، فانطلق إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وشكا إليه ذلك، فقال: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هو خير من حفصة، فتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في شعبان قبل أحد بشهرين من سنة ثلاث، وقيل: في سنة اثنتين، زوجة أبوها وأصدقها صلّى اللَّه عليه وسلم أربعمائة درهم. قال الدار قطنى في (العلل) : هذا صحيح من حديث الزهري عن سالم عن أبيه، عن عمر رضى اللَّه عنه، تأيمت حفصة من خنيس بن حذافة   [ (1) ] هي حفصة أم المؤمنين، السّتر الرّفيع، بنت أمير المؤمنين، أبى حفص عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، تزوجها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعد انقضاء عدّتها من خنيس بن حذافة السهمي، سنة ثلاث من الهجرة. وخنيس كان من السابقين الأولين إلى الإسلام، هاجر إلى أرض الحبشة، وعاد إلى المدينة، وشهد بدرا وأحدا، وأصابه بأحد جراحات، فمات رضى اللَّه عنه. قالت عائشة رضى اللَّه عنها: هي التي كانت تسامينى من أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وروى أن مولدها كان قبل المبعث بخمس سنين، فعلى هذا يكون دخول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بها ولها نحو من عشرين سنة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46   [ () ] روت عنه عدة أحاديث. وكانت لما تأيمت، عرضها أبوها على أبى بكر، فلم يجبه بشيء، وعرضها على عثمان فقال: بدا لي ألا أتزوج اليوم، فوجد عليهما وانكسر، وشكا حاله إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة، ثم خطبها، فزوجه عمر- وزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عثمان بابنته رقية بعد وفاة أختها-[أخرجه ابن سعد في (الطبقات) ] ، والبخاري في النكاح، باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير) . ولما أن زوجها عمر، لقيه أبو بكر فاعتذر، وقال: لا تجد عليّ، فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كان قد ذكر حفصة، فلم أكن لأفشى سرّه، ولو تركها لتزوجتها. [أخرجه البخاري، وهو قطعة من الحديث السابق] . وروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، طلّق حفصة تطليقة، ثم راجعها بأمر جبريل عليه السّلام له بذلك، وقال: إنها صوّامة قوّامة، وهي زوجتك في الجنة. [حديث صحيح أخرجه أبو داود، وابن ماجة، من حديث عمر: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها. وأخرجه النسائي من حديث ابن عمر، واسناده صحيح] . وحفصة، وعائشة، هما اللتان تظاهرتا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأنزل اللَّه تعالى فيهما: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ، بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ* عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً [التحريم: 4- 5] أخرجه البخاري في التفسير، باب تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ، ومسلم في الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرّم امرأته. موسى بن على بن رباح، عن أبيه، عن عقبة، قال: طلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حفصة، فبلغ ذلك عمر رضى اللَّه عنه، فحثا على رأسه التراب، وقال: ما يعبأ اللَّه بعمر وابنته. فنزل جبريل من الغد، وقال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر- رضى اللَّه عنهما-[أخرجه الطبراني في (الكبير) ] . توفيت حفصة سنة إحدى وأربعين، وقيل: توفيت سنة خمس وأربعين بالمدينة، وصلّى عليها والى المدينة مروان. [قاله الواقدي، عن معمر، عن الزهري، عن سالم. ذكره ابن مسعود في (الطبقات) ] . ومسندها في كتاب (بقي بن مخلد) ستون حديثا، اتفق لها الشيخان على أربعة أحاديث، وانفرد مسلم بستة أحاديث، [فما اتفقا عليه هو في البخاري في الأذان، باب الأذان بعد الفجر، ومسلم في صلاة المسافرين، باب استحباب ركعتي سنة الفجر، والبخاري في الحج، باب ما يقتل المحرم من الدواب، ومسلم في الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم والبخاري في الحج- باب التمتع والقرآن والإفراد بالحج، وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدى، ومسلم في الحج، باب أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحج المفرد، وما انفرد به مسلم: هو عنده في صلاة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 السهمي، رواه عنه جماعة من الثقات الحفاظ، واتفقوا على إسناده، منهم: شعيب بن أبى حمزة، وصالح بن كيسان، ويونس، وعقيل، ومحمد بن أخى الزهراء، وسفيان بن حسين، والوليد بن محمد الموقرى، وعبيد اللَّه بن أبى زياد الرصافيّ، وغيرهم، واتفقوا على لفظ واحد في قول أبى بكر لعمر رضى اللَّه عنهما: لم يمنعني أن أرجع إليك شيئا إلا أنى قد كنت علمت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذكر حفصة. ورواه معمر بن راشد عن الزهري بهذا الإسناد فجوّده وأسنده وقال فيه: لم يمنعني أنى أرجع إليك شيئا إلا أنى كنت سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يذكرها، ولم أكن لأفشى سرّ رسول اللَّه، وهو حديث صحيح عن الزهري، أخرجه البخاري في الصحيح من حديث معمر، ومن حديث صالح بن كيسان وشعيب عن الزهري، إلا أن معمرا قال فيما حكى عنه هشام بن يوسف: قال فيه خنيس بن حذافة أو حذيفة، والصحيح أنه خنيس بن حذافة بن   [ () ] المسافرين، وفي الصيام، وفي الطلاق، وفي الفتن] . ويروى عن عمر رضى اللَّه عنه: أن حفصة ولدت إذ قريش تبنى البيت، وقيل: بنى بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في شعبان سنة ثلاث. قال الواقدي: حدثني عليّ بن مسلم، عن أبيه، رأيت مروان فيمن حمل سرير حفصة، وحملها أبو هريرة من دار المغيرة إلى قبرها. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) ، والحاكم في (المستدرك) ] . حماد بن سلمة: أخبرنا أبو عمران الجونى، عن قيس بن زيد، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، طلّق حفصة، فدخل عليها خالاها: قدامة، وعثمان، فبكت، وقالت: واللَّه ما طلقني عن شبع. وجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: قال لي جبريل: راجع حفصة، فإنّها صوّامة، قوّامة، وإنها زوجتك في الجنة. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) ، والحاكم في (المستدرك) ، والطبراني كما في (مجمع الزوائد) . وقيس بن زيد تابعي صغير مجهول، وباقي رجاله ثقات] . لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 8/ 81- 86، (طبقات خليفة) : 334، (تاريخ خليفة) : 66 (المعارف) : 135- 158- 184- 550، (المستدرك) : 4/ 17- 18 ، الاستيعاب) : 4/ 1811، ترجمة رقم (3297) ، (تهذيب التهذيب) : 12/ 439، ترجمة رقم (2763) ، (الإصابة) : 7/ 581، ترجمة رقم (11047) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : (كنز العمال) : 13/ 697، (شذرات الذهب) : 1/ 10 و 16، (صفة الصفوة) : 2/ 28، ترجمة رقم (128) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 83، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 2227. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 قيس، أخو عبد اللَّه بن حذافة الّذي استعمله النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو الّذي كان ينادى في أيام منى عن أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أنها أيام أكل وشرب، وهو الّذي قال: من أبى يا رسول اللَّه؟ قال: أبوك حذافة. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري، عن سالم عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: تأيمت حفصة من رجل من قريش يقال له خنيس بن حذيفة أو حذافة، [شهد مع] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بدرا، مات بالمدينة، فلقى عثمان رضى اللَّه عنه فقال: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، قال: انظر في ذلك. فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: ما أريد النكاح يومى هذا، فوجدت في نفسي، ثم لقيت أبا بكر رضى اللَّه عنه فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فلم يرجع إليّ شيئا، وكان وجدي عليه أشد من وجدي على عثمان، فلبثت ليالي، فخطبها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فزوجها إياه، فلقيني أبو بكر رضى اللَّه عنه فقال: لعلك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال: قلت: نعم، قال: فإنّي كنت سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يذكرها، ولم أكن لأفشى سرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولو تركها تزوجتها. ورواه ابن وهب فقال: أخبرنى يونس عن ابن شهاب، أن سالم بن عبد اللَّه كان يحدث أن عمر رضى اللَّه عنه حين تأيمته حفصة ... ، ثم ذكر نحو حديث معمر، ورواه سويد بن سعيد فقال: حدثنا الوليد بن محمد عن الزهري، عن سالم، أنه سمع أباه يحدث أن عمر قال: إن حفصة كان طلّقها أبو حذافة، قال عمر: فلقيت عثمان ... ، ثم ذكر الحديث، ولم يذكر ابن عمر. ورواه صالح عن ابن شهاب، أخبرنى سالم بن عبد اللَّه أنه سمع عبد اللَّه ابن عمر يحدث أن عمر بن الخطاب حين تأيمته حفصة بنت عمر من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 خنيس بن حذافة السهمي- وكان من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فتوفي بالمدينة- فقال عمر: أتيت عثمان بن عفان ... ، الحديث. ورواه يزيد بن هارون، أخبرنا سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: لما [تأيمت] حفصة لقي عمر عثمان فعرضها عليه، فقال عثمان: ما لي في النساء من حاجة، فلقيت أبا بكر فعرضتها عليه فسكت، فغضب على أبى بكر، فإذا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد خطبها فتزوجها، فلقى عمر أبا بكر فقال: إني عرضت على عثمان ابنتي فردّ لي، وعرضت عليك فسكت، فأنا كنت عليك أشد غضبا حين سكت عثمان، وقد روى فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه [إن رسول اللَّه] صلّى اللَّه عليه وسلم قد ذكر معنا شيئا وكان سرا وكرهت أن أفشى السر. وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى جاريته مارية، وقد خرجت حفصة من بيتها فجاءته، فدخلت حفصة وهي معه، فقالت: يا رسول اللَّه! أفي بيتي وعلى فراشي؟ فقال: اسكتي، فلك اللَّه ألا أقربها أبدا ولا تذكري هذا لأحد، فأخبرت به عائشة- وكانت لا تكتمها شيئا، إنما كان أمرهما واحدا - فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ [ (1) ] ، الآيات، فكفر عن يمينه، فقوله تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً [ (2) ] ، وقوله: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ [ (3) ] ، يعنى عائشة وحفصة رضى اللَّه عنهما، فطلق حفصة تطليقة ثم راجعها [ (4) ] . خرج الحاكم من حديث عمرو بن عون، حدثنا هشيم، وأخبرنا حميد عن أنس قال: لما طلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حفصة أمر أن يراجعها فراجعها، قال   [ (1) ] التحريم: 1 [ (2) ] التحريم: 3. [ (3) ] التحريم: 4. [ (4) ] (تفسير ابن كثير) : 4/ 412. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (1) ] . أيضا من حديث يحيى بن زكريا بن أبى زائدة، عن صالح بن صالح عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن عمر رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (1) ] . وله من حديث سليمان بن المغيرة، عم ثابت عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كانت له أمة، فلم تزل به حفصة حتى جعلها على نفسه حراما، فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [ (2) ] . الآية قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ (1) ] . وخرج الطبراني من حديث ابن وهب، حدثني عمرو بن صالح الحضرميّ، عن موسى بن على بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم طلق حفصة، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فوضع التراب على رأسه وقال: ما يعبأ اللَّه بابن الخطاب بعد هذا، فنزل جبريل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: إن اللَّه يأمرك أن تراجع حفصة [ (1) ] . وقيل في سبب نزول الآيات غير ذلك، وقيل هم بطلاقها ولم يطلقها، وتوفيت في جمادى سنة إحدى وأربعين، وقيل خمس وأربعين، وقيل سبع وعشرين، وأثبتها سنة خمسة وأربعين، وصلّى عليها مروان بن الحكم، ونزل في قبرها عبد اللَّه بن عمر، وعاصم بن عمر، وحمزة بن عبد اللَّه بن عمر، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر، ودفنت بالبقيع، وحمل مروان- وهو أمير المؤمنين يومئذ- سريرها، ثم حمله أبو هريرة [ (3) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 535، تفسير سورة التحريم، حديث رقم (3824/ 961) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم، 4/ 16- 17، ذكر أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنهما- حديث رقم (6753/ 2351) ، (6754/ 2352) ، وكلاهما سكت عنه الذهبي في (التلخيص) . [ (2) ] التحريم: 1. [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 16، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6752/ 2350) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : هذه رواية الواقدي، وقد استقر الإجماع على وهنه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 [أم المؤمنين زينب بنت خزيمة] [ (1) ] وزينب أم المساكين، بنت خزيمة بن الحارث بن عبد اللَّه بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة العامرية، أخت ميمونة بنت الحارث بن حرث، لأنها تزوجها الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد منافس بن قصي، أخو عبيدة بن الحارث، ثم طلقها، فخلف عليها أخوه فأصيب يوم بدر، ومات بالصفراء، فتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في شهر رمضان سنة ثلاث، زوجه أبوها قبيصة بن عمر الهلالي، وأصدقها أربعمائة درهم، وقيل كانت تحت عبد اللَّه بن جحش فلما قتل يوم أحد تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأقامت عنده ثمانية أشهر، وقيل شهرين أو ثلاثة، وتوفيت في آخر شهر ربيع الآخر، فدفنها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالبقيع بعد ما صلّى عليها.   [ (1) ] هي زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد اللَّه الهلالية، وتدعى: أم المساكين لكثرة معروفها. قتل زوجها عبد اللَّه بن جحش يوم أحد، فتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولكن لم تمكث عنده إلا شهرين أو أكثر، وتوفيت رضى اللَّه عنها. وقيل: كانت أولا عند الطفيل بن الحارث، وما روت شيئا. وقال النسّابة عليّ بن عبد العزيز الجرجاني: كانت عند الطفيل، ثم خلف عليها أخوه الشهيد: عبيدة بن الحارث المطلبي. لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 8/ 115- 116، (المعارف) : 87 و 135 و 185، (المستدرك) : 4/ 37- 38، (الاستيعاب) : 4/ 1853، ترجمة رقم (3359) ، (الإصابة) : 7/ 672، ترجمة رقم (11230) ، (شذرات الذهب) : 1/ 10، (المواهب اللدنية) : 2/ 89، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 218. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 [أم المؤمنين أم سلمة] [ (1) ] وأم سلمة هند- وقيل: رملة، وليس بشيء- بنت أبى أمية، حذيفة ابن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، وولدت له سلمة وعمر وزينب ودرة، ثم مات عنها في جمادى الآخرة سنة أربع، فلما انقضت عدتها تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأعرس بها في شوال منها، ويقال: إنه خطبها إلى نفسها فجعلت أمرها إليه. ويقال: إنه قال لها: مري ابنك سلمة بن أبى سلمة يزوجك، فزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو غلام. ويقال: إن الّذي زوجه إياها عمر بن أبى سلمة، كما رواه [النسائي وأحمد] . وقيل: إن عمر هذا هو عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، لأنه كان هو الخاطب لها. والثابت أن سلمة زوّجه إياها. قال أبو الحسن المدائني، عن إبراهيم بن أبى يحيى، عن حسين بن عبد اللَّه ضمرة- مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- عن جده، عن على رضى اللَّه عنه قال: خطب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم سلمة فقالت: من يزوجني ورجالي غيّب؟ قال: ابنك، ويشهد أصحاب النبي، فزوجها ابنها وهو غلام.   [ (1) ] هي السيدة المحجّبة، الطاهرة، هند بنت أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة ابن مرة، المخزومية، بنت عم خالد بن الوليد، سيف اللَّه، وبنت عم أبى جهل بن هشام. من المهاجرات الأول، كانت قبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عند أخيه من الرضاعة: أبى سلمة بن عبد الأسد المخزومي، الرجل الصالح، دخل بها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في سنة أربع من الهجرة، وكانت من أجمل النساء وأشرفهن نسبا، وكانت من آخر من مات من أمهات المؤمنين، عمّرت حتى بلغها مقتل الحسين الشهيد، فوجمت لذلك، وغشي عليها، وحزنت عليه كثيرا، لم تلبث بعده إلا يسيرا. وانتقلت إلى رحمة اللَّه. ولها أولاد صحابيون: عمر، وسلمة، وزينب، ولها جملة، أحاديث، روى عنها سعيد بن المسيب، وشقيق بن سلمة، والأسود بن يزيد، والشعبىّ، وأبو صالح السمان، ومجاهد، ونافع بن جبير بن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53   [ () ] مطعم، ونافع مولاها، ونافع مولى بن عمر، وعطاء بن أبى رباح، وشهر بن حوشب، وابن أبى مليكة، وخلق كثير. عاشت نحوا من تسعين سنة، وكانت تعدّ من فقهاء الصحابيات. وأبوها: هو زاد الراكب، أحد الأجواد، قيل: اسمه حذيفة، وقد وهم من سماها: رملة، تلك أم حبيبة. [قال في (اللسان) : وأزواد الركب من قريش: أبو أمية بن المغيرة، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى، ومسافر بن أبى عمرو بن أمية عم عقبة. كانوا إذا سافروا فخرج معهم الناس، فلم يتخذوا زادا معهم ولم يوقدوا، يكفونهم ويغنونهم] . الواقدي: حدثنا عمر بن عثمان، عن عبد الملك بن عبيد، عن سعيد بن يربوع، عم عمر بن أبى سلمة، قال بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبى إلى أبى قطن، في المحرّم سنة أربع، فغاب تسعا وعشرين ليلة، ثم رجع في صفر، وجرحه الّذي أصابه يوم أحد منتقض، فمات منه، لثمان خلون من جمادى الآخرة، وحلّت أمى في شوال، وتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ذكره ابن سعد في (الطبقات) ] ، إلى أن قال: وتوفيت سنة تسع وخمسين في ذي الحجة. ابن سعد: أخبرنا أحمد بن إسحاق الخضرمي: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم الأحول، عن زياد بن أبى مريم، قالت أم سلمة لأبى سلمة، بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها، وهو من أهل الجنة، ثم لم تزوج إلا جمع اللَّه بينهما في الجنة، فتعال أعاهدك ألا تزوج بعدي، ولا أتزوج بعدك، قال: أتطيعيننى؟ قالت: نعم: قال: إذا مت تزوجي، اللَّهمّ ارزق أم سلمة بعدي رجلا خيرا منى، لا يحزنها ولا يؤذيها. فلما مات قلت: من خير من أبى سلمة؟ فما لبثت، وجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقام على الباب، فذكر الخطبة إلى ابن أخيها، أو ابنها، فقالت: أردّ على رسول اللَّه، أو أتقدم عليه بعيالي. ثم جاء الغد فخطب. [رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد في (الطبقات) ، وفيه: ثم جاء الغد، فذكر الخطبة، فقلت مثل ذلك، ثم قالت لوليها: إن عاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فزوّج، فعاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فتزوجها] . عفان: حدثنا حماد، حدثنا ثابت، حدثني ابن عمر بن أبى سلمة. عن أبيه: أن أم سلمة لما انقضت عدتها، خطبها أبو بكر، فردّته، ثم عمر، فردته، فبعث إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: مرحبا، أخبر رسول اللَّه أنى غيري، وأنى مصيبة، وليس أحد من أوليائي شاهدا. فبعث إليها: أما قولك إني مصيبة، فإن اللَّه تعالى سوف يكفيك صبيانك، وأما قولك: إني غيري، فسأدعو اللَّه أن يذهب غيرتك، وأما الأولياء، فليس أحد منهم إلا سيرضى بى. قالت يا عمر، قم فزوج رسول اللَّه، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أما إني لا أنقصك مما أعطيت فلانة، رحيين، وجرتين، ووسادة من أدم حشوها ليف، قال: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأتيها، فإذا جاء أخذت زينب فوضعتها في حجرها لترضعها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حييا كريما، يستحى فيرجع، فعل ذلك مرارا، ففطن عمار بن ياسر لما تصنع، قال: فأقبل صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم وجاء عمار- وكان أخاها لأمها- فدخل عليها، فانتشلها من حجرها وقال: دعي هذه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 وعن الأجلح عن الشعبي قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أزوج بنت حمزة سلمة بن أبى سلمة مكافأة له، حيث زوجني أمه. ذكره في كتاب (من زوّج أمه) .   [ () ] المقبوحة المشقوحة، التي اذيت بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدخل، فجعل يقلب بصرة في البيت يقول: أين زناب؟ ما فعلت زناب؟ قالت: جاء عمار فذهب بها، قال: فبنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأهله، ثم قال: إن شئت أن أسبع لك سبّعت للنساء. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) ، وأحمد، والنسائي في النكاح، باب إنكاح الابن لأمه، وإسناده صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) ، ووافقه الذهبي في (التلخيص) ] . قولها: غبرى: كثيرة الغبرة، ومصبية: ذات صبيان وأولاد صغار. أبو أسامة، عن الأعمش، عن شقيق، عن أم سلمة، قالت: لما توفى أبو سلمة، أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت: كيف أقول؟ قال: قولي: اللَّهمّ أغفر لنا وله، وأعقبنى منه عقبى صالحة، فقلتها، فأعقبني اللَّه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم [إسناده صحيح، وأخرجه مسلم في الجنائز، باب ما يقال عند المريض، وأبو داود في الجنائز، باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام، والترمذي في الجنائز، باب ما جاء في تلقين المريض عند الموت والدعاء له عنده والنسائي في الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر، من طرق عن الأعمش، عن أبى وائل شقيق بن سلمة، عن أم سلمة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، قالت: فلما مات أبو سلمة، أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا حضرت المريض أو الميت فقولوا خيرا، فإن الملائكة يؤمّنون على ما تقولون، قالت: فلما مات أبو سلمة، أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه، إن أبا سلمة قد مات، قال: قولي: اللَّهمّ اغفر لي وله، وأعقبنى منه عقبى حسنة، قالت: فقلت، فأعقبني اللَّه من هو خير لي منه، محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم. وقوله: أعقبنى، أي بدلنى وعوضني منه، أي في مقابلته عقبى حسنة، أي بدلا صالحا.] إسحاق السلولي: حدثنا عيسى بن عبد الرحمن السلمي، عن أبى إسحاق، عن صلة، عن حذيفة، أنه قال لامرأته: إن سرّك أن تكوني زوجتي في الجنة، فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا، فلذلك حرم على أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن ينكحن بعده، لأنهن أزواجه في الجنة. [رجاله ثقات] . وقد تزوجها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين حلت في شوال سنة أربع، وتوفيت سنة إحدى وستين، رضى اللَّه تعالى عنها، ويبلغ مسندها ثلاث مائة وثمانية وسبعين حديثا. اتفق البخاري ومسلم لها على ثلاثة عشر، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة عشر. رضى اللَّه تعالى عن الجميع. لها ترجمة في: (مسند أحمد) : 6/ 288، (طبقات ابن سعد) : 8/ 86- 96، (طبقات خليفة) : 334، (المعارف) : 128- 136، (الجرح والتعديل) : 9/ 464، (المستدرك) : 4/ 19- 22، (الاستيعاب) : 4/ 1920- ترجمة رقم (4111) ، (تهذيب التهذيب) : 12/ 483، ترجمة رقم (2904) (الإصابة) : 8/ 221، ترجمة رقم (12061) ، (وخلاصة تذهيب الكمال) :، (كنز العمال) : 13/ 499، (شذرات الذهب) : 1/ 69، (المواهب اللدنية) : 2/ 84، (صفة الصفرة) : 2/ 29 ترجمة رقم (129) ، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 201. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 ويقال: كان السفير بن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وبين أم سلمة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، ويقال: حاطب بن أبى بلتعه، فقالت: إني مسنّة، فقال: وأنا أسنّ منك، قالت: فإنّي مصبية، قال: هم في عيال اللَّه ورسوله، قالت: فإنّي غيور، قال: أنا أدعوا اللَّه أن يذهب عنك الغيرة، فدعا لها، ثم إنه تزوجها وأصدقها صلّى اللَّه عليه وسلم فراشا حشوه ليف، وقدما، وصحفة، ومجشة، وابنتي لها في بيت أم المساكين، فوجد فيه جرة فيها شيء من شعير، وإذا رحاء وبرمة، وفيها قعب من إهالة، فكان ذلك طعام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأهله ليلة عرسه، وقال لها في صبحيتها: إنه ليس بك على أهلك هوان، فإن شئت ثلّث لك أو خمّس أو سبّع، فإنّي لم أسبّع لامرأة من نسائي قط، فقالت: اصنع ما شئت، فإنما أنا امرأة من نسائك. ويقال: إنه قال لها: لك عندنا قطيفة تلبسينها في الشتاء وتفرشينها في الصيف، ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحيان تطحنين بهما، وجرتان في إحداهما ماء وفي الأخرى دقيق، وجفنة تعجنين وتثردين فيها، فقالت: رضيت، فكان ذلك مهرها، ونزلت عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمنزلة لطيفة. وتوفيت في شوال سنة تسع وخمسين، ودفنت بالبقيع، ونزل في قبرها ابناها سلمة وعمر، وابن أخيها عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبى أمية، وقيل: توفيت في شهر رمضان منها، وقيل: توفيت يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وصلّى عليها أبو هريرة، وقيل: سعيد بن زيد، وهي آخر أمهات المؤمنين [موتا] ، وقال عطاء: آخرهن موتا صفية، وهي أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة، وقيل: بل ليلى بنت أبى خيثمة، زوج عامر بن ربيعة العنزي، خليفة الخطاب بن نفيل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 [أم المؤمنين زينب بنت جحش] [ (1) ] وزينب بنت جحش بن رباب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم   [ (1) ] هي زينب بنت جحش بن رباب، وابنة عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، وهي أخت حمزة، وأبى أحمد، من المهاجرات الأول، وكانت عند زيد، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهي التي يقول اللَّه فيها: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [الأحزاب: 37] ، والّذي أخفاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: هو إخبار اللَّه إياه أنها ستصير زوجته، وكان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد اللَّه تعالى إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الإبطال منه، وهو تزوج امرأة الّذي يدعى ابنا، ووقوع ذلك من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ليكون أدعى لقبولهم، وقد أخرج الترمذي من طريق داود بن أبى هند، عن الشعبي، عن عائشة قالت: لو كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي، لكتم هذه الآية. فزوجها اللَّه تعالى بنص كتابة، بلا ولى ولا شاهد، فكانت تفخر بذلك على أمهات المؤمنين، وتقول زوجكن أهاليكن، وزوجني اللَّه من فوق عرشه. [أخرجه البخاري في التوحيد، باب وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ، من طريق أنس، قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: اتّق اللَّه وأمسك عليك زوجك. قال أنس لو كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه. قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تقول: زوجكم أهاليكن، وزوجني اللَّه تعالى من فوق سبع سماوات. وفي رواية البخاري: كانت تقول: إن اللَّه أنكحنى في السماء، أخرجه البخاري من حديث أنس قال: نزلت آية الحجاب في زينب بنت جحش، وأطعم عليها يومئذ خبزا ولحما، وكانت تفخر على نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت تقول: إن اللَّه أنكحنى في السماء. وكانت رضى اللَّه عنها من سادة النساء، دينا، وورعا، وجودا، ومعروفا، وحديثها في الكتب الستة، روى عنها ابن أخيها محمد بن عبد اللَّه بن جحش، وأن المؤمنين أم حبيبة، وزينب بنت أبى سلمة، وأرسل عنها القاسم بن محمد. توفيت في سنة عشرين، وصلّى عليها عمر رضى اللَّه عنه، وعن ابن عمر: لما ماتت بنت جحش أمر عمر رضى اللَّه عنه مناديا: ألا يخرج معها إلا ذو محرم، فقالت بنت عميس: يا أمير المؤمنين، ألا أريك شيئا رأيت الحبشة تصنعه بنسائهم؟ فجعلت نعشا وغشته ثوبا، فقال: ما أحسن هذا وأستره! فأمر مناديا فنادى: أن اخرجوا على أمكم. [إسناده صحيح، وهو في (طبقات ابن سعد) ، لكن سقط من إسناده فيه ابن عمر، واستدركناه من (سير الأعلام) . وهي التي كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أسرعكن لحوقا بى أطولكن يدا. وإنما عنى طوال يدها بالمعروف. قالت عائشة: فكن يتطاولن أيهن أطول يدا، وكانت زينب تعمل وتصدّق، [والحديث أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل زينب أم المؤمنين. من طريق عائشة بنت طلحة، عن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57   [ () ] عائشة أم المؤمنين قالت قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أسرعكن لحاقا بى أطولكن يدا. قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا قالت: فكانت أطولنا يدا زينب- لأنها كانت تعمل بيدها وتصدّق.] . وروى عن عائشة قالت: كانت زينب، أتقى اللَّه، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة رضى اللَّه عنها [أخرجه مسلم في فضائل الصحابة من طريق الزهري، أخبرنى محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عائشة رضى اللَّه عنها في خبر مطوّل، وفيه: قالت عائشة رضى اللَّه عنها: فأرسل أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم زينب بنت جحش زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهي التي كانت تسامينى منهن في المنزلة عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب، وأتقى اللَّه، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشدّ ابتذالا لنفسها في العمل الّذي تصدّق به، وتقرب به إلى اللَّه تعالى، ما عدا سورة من حدّة كانت فيها، تسرع منها الفيئة] . [وأخرجه أحمد من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة بلفظ: ولم أر امرأة خيرا منها، وأكثر صدقة، وأوصل للرحم، وأبذل لنفسها في كل شيء يتقرب به إلى اللَّه عز وجل، من زينب، ما عدا سورة من غرب حدّ كان فيها، توشك منها الفيئة] . ابن جريح عن عطاء، سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة رضى اللَّه عنها تزعم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يمكث عن زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها، فلتقل: إني أجد منك ريح مغاير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، قال: بل شربت عسلا عند زينب، ولن أعود له. فنزل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ إلى قوله: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما- الآيات من أول سورة التحريم- يعنى حفصة وعائشة، قوله: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً: قوله بل شربت عسلا. [أخرجه البخاري في الأيمان والنذور، باب إذا حرّم طعاما. وفي الطلاق، باب لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، ومسلم في الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرّم امرأته ولم ينو الطلاق، وابن سعد في (الطبقات) ، والبخاري في التفسير عن عائشة بلفظ: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها، فواطأت أنا وحفصة عن أيتنا يدخل عليها، فلتقل له: أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغاير، قال: لا، ولكنى كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش، لن أعود له، وقد حلفت ألا تخبري بذلك أحدا] . [والمغافير: شراب مصنوع من الصمغ له ريح منكرة. وثمة سبب آخر في نزول الآية: فقد أخرج سعيد بن منصور بإسناد صحيح فيما قاله الحافظ إلى مسروق قال: حلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لحفصة لا يقرب أمته، وقال: هي عليّ حرام، فنزلت الكفارة ليمينه، وأمر أن لا يحرم ما أحل اللَّه له] . [وأخرج الضياء المقدس في (المختارة) ، من مسند الهيثم بن كليب، ثم من طريق جرير بن حازم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لحفصة: لا تخبري أحدا أن أم إبراهيم عليّ حرام، قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، فأنزل اللَّه تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ، وأخرج الطبراني في عشرة النساء، وابن مردويه من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمارية ببيت حفصة، فجاءت فوجدتها معه، فقالت: يا رسول اللَّه في بيتي تفعل هذا معى دون نسائك، فذكر نحوه. وللطبراني من طريق الضحاك، عن ابن عباس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 ابن دودان بن أسد بن خزيمة، أمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، تزوجها زيد بن حارثة- حبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- وشكاها   [ () ] قال: دخلت حفصة بيتها، فوجدته صلّى اللَّه عليه وسلم يطأ مارية، فعاتبته، فذكر نحوه. قال الحافظ: وهذه طرق يقوى بعضها بعضا، فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا. وقد روى النسائي من طريق حماد، عن ثابت، عن أنس هذه القصة مختصرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به حفصة وعائشة رضى اللَّه عنها حتى حرمها، فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ] . ويروى عن عمرة عن عائشة، قالت: يرحم اللَّه زينب، لقد نالت في الدنيا الشرف الّذي لا يبلغه شرف، إن اللَّه زوجها، ونطق به القرآن، وإن رسول اللَّه قال لنا: أسرعكن بى لحوقا أطولكن باعا. فبشرها بسرعة لحوقها به، وهي زوجته في الجنة. قال الحافظ الذهبي: وأختها هي حمنة بنت جحش، التي نالت من عائشة في قصة الإفك، فطفقت تحامى عن أختها زينب، وأما زينب فعصمها اللَّه تعالى بورعها، وكانت حمنة زوجة عبد الرحمن ابن عوف. ولها هجرة، وقيل: بل كانت تحت مصعب بن عمير، فقتل عنها، فتزوجها طلحة، فولدت له محمد، وعمر، وكانت زينب بنت جحش رضى اللَّه تعالى عنها صناع اليد، فكانت تدبغ، وتخرز، وتصدّق. وقيل: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج بزينب في ذي القعدة سنة خمس، وهي يومئذ بنت خمس وعشرين سنة، وكانت صالحة، صوامة، قوامة بارّة، ويقال لها: أم المساكين. سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لزيد: اذكرها عليّ، قال: فانطلقت، فقلت لها: يا زينب، أبشرى، فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أرسل يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربى، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدخل عليها بغير إذن. [أخرجه مسلم في النكاح، باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب، والنسائي في النكاح، باب صلاة المرأة إذا خطبت واستخارت ربها] . ولزينب بنت جحش أحد عشر حديثا، اتفقا لها على حديثين. [البخاري في الجنائز، باب إحداد المرأة علي غير زوجها، وفي الفتن، باب يأجوج ومأجوج، ومسلم في الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة، وفي أول الفتن] . وعن عثمان بن عبد اللَّه الجحشى، قال: باعوا منزل زينب بنت جحش من الوليد بخمسين ألف درهم، حين هدم المسجد. لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 8/ 101، 115، (طبقات خليفة) : 332، (المعارف) : 215، 457، 555، (المستدرك) : 4/ 27- 29، (الاستيعاب) : 4/ 1849، ترجمة رقم (3355) ، (تهذيب التهذيب) : 12/ 449، ترجمة رقم (2800) ، (الإصابة) : 7/ 667 ترجمة رقم (11221) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 382، ترجمة رقم 68، (كنز العمال) : 13/ 700، (شذرات الذهب) : 1/ 10، 31، (صفة الصفوة) : 2/ 33، ترجمة رقم (131) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 87، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 211- 218، ترجمة رقم (21) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال: إنها سيئة الخلق، واستأمره في طلاقها، فقال له: أمسك عليك زوجك يا زيد، ورآها صلّى اللَّه عليه وسلم فأعجبته، ثم إن زيدا ضاق ذرعا بما رأى من سوء خلقها، فطلقها [ (1) ] ، فزوجها اللَّه بنبيه حين انقضت عدتها، بغير مهر، ولا تولى أمرها أحد كسائر أزواجه. وذكر ابن إسحاق أن [أخاها أحمد] بن جحش زوّجها، وأنه صلّى اللَّه عليه وسلم أصدقها أربعمائة درهم، وأولم عليها بشاة واحدة، ودعا الناس في صبيحة عرسها فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون ولم يقوموا، فآذوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأنزل اللَّه تعالى آية الحجاب، وأنزل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [ (2) ] ، أي بلوغه ... الآية،   [ (1) ] قال أبو حيان الأندلسى: فجاء زيد فقال: يا رسول اللَّه، إني أريد أن أفارق صاحبتي، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: أرابك منها شيء؟ قال: لا واللَّه، ولكنها تعظم عليّ لشرفها، وتؤذيني بلسانها، فقال: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، أي لا تطلقها، وهو أمر ندب، وَاتَّقِ اللَّهَ في معاشرتها، فطلقها، وتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد انقضاء عدتها، وعلل تزويجه إياها بقوله: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أن يتزوجوا زوجات من كانوا يتبنوه إذا فارقوهن، وأن هؤلاء الزوجات ليست داخلات فيما حرّم في قوله: وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ، [النساء: 23] (البحر المحيط) : 8/ 481. وقال على بن الحسين: كان قد أوحى اللَّه إليه أن زيدا سيطلقها، وأنه يتزوجها بتزويج اللَّه إياها، فلما شكا زيد خلقها، وأنها لا تطيعه، وأعلمه بأنه يريد طلاقها، قال له: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، على طريق الأدب والوصية، وهو يعلم أنه سيطلقها، وهذا هو الّذي أخفى في نفسه، ولم يرد أنه يأمره بالطلاق، ولما علم من أنه سيطلقها، وخشي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد، وهو مولاه، أمره بطلاقها، فعاتبه اللَّه على هذا القدر في شيء قد أباحه اللَّه بأن قال: أَمْسِكْ، مع علمه أن يطلق، فأعلمه أن اللَّه أحق بالخشية، أي في كل حال، (المرجع السابق) : 482. وهذا المروي عن على بن الحسين، هو الّذي عليه أهل التحقيق من المفسرين، كالزهرى، وبكر بن العلاء، والقشيري، والقاضي أبى بكر بن العربيّ، وغيرهم. والمراد بقوله: وَتَخْشَى النَّاسَ، إنما هو إرجاف المنافقين في تزويج نساء الأبناء، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم معصوم في حركاته وسكناته. ولبعض المفسرين كلام في الآية، يقتضي النقص من منصب النبوة، ضربنا عنه صفحا (المرجع السابق) : 482. وروى أبو عصمة: نوح بن أبى مريم، بإسناد رفعه إلى زينب أنها قالت: ما كنت أمتنع منه، غير أن اللَّه منعني منه، وقيل: إنه منذر تزوجها لم يتمكن من الاستمتاع بها. وروى أنه كان يتورم ذلك منه حين يريد أن يقربها. (المرجع السابق) : 483. [ (2) ] الأحزاب: 53. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 وقالت زينب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم لست كسائر نسائك، إني أدلّ بثلاث ما من نسائك من يدلّ بهن: جدك وجدي واحد، ونكحتك من السماء، وكان جبريل السفير في أمرى. وقالت عائشة: رضى اللَّه عنها: يرحم اللَّه زينب، لقد نالت الشرف الّذي لا يبلغه شرف في الدنيا: أن اللَّه زوجها نبيّه، ونطق بذلك كتابه، وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال ونحن حوله: أسرعكن لحوقا بى أطولكن يدا- أو قال: باعا- فبشرها بسرعة لحاقها به، وأنها زوجته في الجنة، وكانت زينب تقول لأزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: زوجكن أولياؤكن بمهور، وزوجني اللَّه. وكان تزويج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إياها في سنة خمس، وقيل في سنة ثلاث، ولما بشّرت بتزويج اللَّه نبيه إياها، ونزول الآية في ذلك، جعلت على نفسها صوم شهرين شكرا للَّه، وأعطيت من بشّرها حليا [كانت] عليها. ولا خلاف أنها كانت قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحت زيد بن حارثة، وأنها التي ذكر اللَّه تعالى في قوله: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها [ (1) ] ، ولما دخلت عليه قال: ما اسمك؟ قالت: برّة، فسماها زينب، ولم يكن أحد من نسائه يشارك عائشة رضي اللَّه عنها في حسن المنزلة غير زينب بنت جحش، وغضب عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لقولها في صفية بنت حيّى: حتى تلك اليهودية، وهجرها لذلك ذا الحجة والمحرم وبعض صفر، ثم أتاها بعد وعاد إلى ما كان عليه معها. وذكر الحاكم أنه رضى عنها في شهر ربيع الأول الّذي قبض فيه، فلما دخل عليها قالت: ما أدرى ما أجزئك، فوهبت له جارية اسمها نفيسة [ (2) ] . وخرج من حديث عبد العزيز الأريش، حدثنا عبد الرحمن بن أبى   [ (1) ] الأحزاب: 53. [ (2) ] سبق تخريجه في ترجمتها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 الرجال عن أبيه، عن عمرو عن عائشة قالت: أهدى لي لحم، فأمرنى رسول اللَّه أن أهدى منه لزينب، فأهديت لها فردته، فقال: زيديها، فزدتها، فردته، فقال: أقسمت عليك إلا زدتيها، فزدته، فدخلتني غيره، فقلت: لقد أهانيك، [فقال] : أنت وهي أهون على اللَّه من أن يهينني منكن أحد، أقسمت لا أدخل عليكن شهرا. فغاب عنا تسعا وعشرين، ثم دخل علينا مساء الثلاثين فقلت: كنت [حلفت] أن لا تدخل شهرا، فقال: شهر هكذا وشهر هكذا، وفرق بين كفيه وأمسك في الثالث الإبهام. قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وفيه البيان أن أقسمت على كذا يمين وقسم. وتوفيت سنة عشرين، وقيل: إحدى وعشرين، وصلّى عليها عمر رضى اللَّه عنه، ودفنت بالبقيع، ونزل في قبرها محمد بن عمر بن جحش، وعبد اللَّه بن أحمد بن جحش، وأسامة بن زيد، وضرب عمر على قبرها فسطاطا من شدة الحر، فكانت أول أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وفاة بعده. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 [أم المؤمنين أم حبيبة] [ (1) ] وأم حبيبة رملة، وقيل: هند- ورملة أثبت- ابنة أبى سفيان صخر بن   [ (1) ] هي السيدة المحجّبة: رملة بنت أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصي. مسندها خمسة وستون حديثا، واتفق لها البخاري ومسلم على حديثين، وتفرد مسلم بحديثين [البخاري في النكاح، باب وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ، وفي الطلاق، باب الكحل للحادة، ومسلم في الرضاع، باب تحريم الربيبة وأخت المرأة، وفي الطلاق، باب وجوب الإحداد، وفي صلاة المسافرين، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وفي الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى مني في أواخر الليل قبل زحمة الناس] . وهي من بنات عم الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم، ليس في أزواجه من هي أقرب نسبا إليه منها، ولا في نسائه من هي أكثر صداقا منها، ولا من تزوج بها وهي نائية الدار أبعد منها، عقد له صلّى اللَّه عليه وسلم عليها بالحبشة، وأصدقها عنه صاحب الحبشة أربعمائة دينار وجهزها بأشياء، روت عنه عدّة أحاديث، وقبرها بالمدينة. قال ابن سعد: ولد أبو سفيان: حنظلة المقتول يوم بدر، وأم حبيبة، توفى عنها زوجها الّذي هاجر بها إلى الحبشة: عبيد اللَّه بن جحش بن رياب الأسدي، مرتدا متنصرا. عقد عليها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بالحبشة سنة ست، وكان الولي عثمان بن عفان. [ (الاستيعاب) (والمستدرك) ] معمر، عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة: أنها كانت تحت عبيد اللَّه، وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوجها بالحبشة، زوجها إيها النجاشىّ، ومهرها أربعة آلاف درهم، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة، وجهازها كله من عند النجاشىّ. [إسناده صحيح، أخرجه أبو داود في النكاح، باب الصداق، والنسائي في النكاح، باب القسط في الأصدقة، وأحمد في (المسند) ] . وقيل: إن أم حبيبة لما جاء أبوها إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ليؤكد عقد الهدنة، ودخل عليها، فمنعته أن يجلس على فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لمكان الشرك. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) من طريق الواقدي، عن محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري] . وأما ما ورد من طلب أبى سفيان من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن يزوجه بأم حبيبة، فما صحّ، ولكن الحديث في مسلم، وحمله الشارحون على التماس تجديد العقد. [مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل أبى سفيان بن حرب، وقد أعله غير واحد من الأئمة] . وقد كان لأم حبيبة حرمة وجلالة، ولا سيما في دولة أخيها ولمكانه منها قيل له: خال المؤمنين [كذا قاله الذهبي في (سير الأعلام) . لكن قال القسطلاني في (المواهب اللدنية) : ولا يقال: بناتهن أخوات المؤمنين، ولا آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات، ولا إخوتهن ولا أخواتهن أخوال وخالات] . قال الواقدي، وأبو عبيد، والفسوي: ماتت أم حبيبة سنة أربع وأربعين. وقال أيضا: حدثنا محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، قال: لما قدم أبو سفيان المدينة، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أمها صفيّا بنت أبى العاص، عمة عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه، تزوجها عبيد اللَّه بن جحش، فولدت له جارية سميت حبيبة، فكنيت بها، وهاجر بها إلى الحبشة، فتنصّر، وثبتت أم حبيبة على الإسلام، فلما هلك عبيد اللَّه رأت في منامها أباها يقول لها: يا أم المؤمنين. وكتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سنة سبع- وهو الثابت- كتابين إلى النجاشي يدعوه في أحدهما إلى الإسلام، ويأمره في الثاني أن يخطب عليه أم حبيبة، وأن يبعث من قبله من المسلمين مع عمرو بن أمية الضمريّ، وهو كان رسوله بالكتابين. وقال الحافظ أبو نعيم: فأما بعثة عمرو بن أمية الضمريّ من قبل رسول اللَّه إلى النجاشي ليزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان وإجابته إلى ذلك، فلا أعلم خلافا أنه كان بعد مرجعه صلّى اللَّه عليه وسلم من خيبر، وذلك بعد خمس سنين   [ () ] يريد غزو مكة، فكلمه في أن يزيد في الهدنة، فلم يقبل عليه، فقام فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلّى اللَّه عليه وسلم طوته دونه، فقال: يا بنية! أرغبت بهذا الفراش عنى، أم بى عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأنت امرؤ نجس مشرك، فقال: يا بنيه، لقد أصابك بعدي شرّ. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) ] . قال عطاء: أخبرنى ابن شوال، أن أم حبيبة أخبرته، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمرها أن تنفر من جمع بليل. [أخرجه مسلم في الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى قبل زحمة الناس، وابن سعد في (الطبقات) ، وجمع: علم للمزدلفة، وابن شوال هو سالم مولى أم حبيبة] . قال الواقدي: حدثني أبو بكر بن أبى سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عوف بن الحارث: سمعت عائشة تقول: دعتني أم حبيبة عند موتها، فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر اللَّه لي ولك ما كان من ذلك، فقلت: غفر اللَّه لك ذلك كله وحلّلك من ذلك، فقالت: سررتني سرّك اللَّه، وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك: [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) ، والحاكم في (المستدرك) ] . لها ترجمة في: (مسند أحمد) : 7/ 577- 581، (طبقات ابن سعد) : 8/ 96- 100 ، (طبقات خليفة) : 332، (تاريخ خليفة) : 79، 86، (المعارف) : 136، 344، (الجرح والتعديل) : 9/ 461، (المستدرك) : 4/ 21- 24، (الاستيعاب) : 4/ 1929، ترجمة رقم (4136) ، (تهذيب التهذيب) : 12/ 448، ترجمة رقم (2793) ، (الإصابة) : 7/ 651- 654، ترجمة رقم (11185) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : (شذرات الذهب) : 1/ 54، (صفة الصفوة) : 2/ 31- 33 ترجمة رقم (130) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 85- 87، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 218، ترجمة رقم (23) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 وأشهر مضت من هجرته إلى المدينة، وأن النجاشي أصدقها عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعمائة دينار، دفعها من ماله إليها [ (1) ] . وفي صحيح ابن حبان عن ابن شهاب عن عروة، عن عائشة قالت: هاجر عبد اللَّه بن جحش بأم حبيبة بنت أبى سفيان- وهي امرأته- إلى أرض الحبشة، فلما قدم أرض الحبشة مرض، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى رسول اللَّه، فتزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة، وبعث بها النجاشي مع شرحبيل بن حسنة [ (2) ] . فأسلم النجاشي، ووجه إلى أم حبيبة جارية له يقال لها: أبرهة لتعلمها بذلك وتبشرها بذلك وتبشرها به، فوهبت لها أم حبيبة [حلة] كانت عليها وكستها. ثم وكلت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية- وهو ابن عمها- بتزويجها، فخطبها عمرو بن أمية إليه، فزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ومهرها عنه النجاشىّ أربعمائة دينار- وقيل: مائتي دينار، وقيل أربعة آلاف درهم- وبعث بها إليها مع أبرهة، فوهبتها منها خمسين مثقالا فلم تقبلها، وردت ما كانت أعطتها أولاد، وذلك أن النجاشي أمرها برده. وهيأ النجاشي طعاما أطعمه من حضره من المسلمين، وأهدى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كسوة جامعة، وأمر نساءه أن يبعثن إلى أم حبيبة فبعثن لها بعود وروس وعنبر وزيادة كثير، قدمت به على رسول اللَّه، وكان يراه عندها وعليها فلا ينكره.   [ (1) ] سبق تخريجه في ترجمتها. [ (2) ] (سنن النسائي) : 6/ 429، باب (66) القسط في الأصدقة، حديث رقم (3350) ، (سنن أبى داود) : 2/ 583، كتاب النكاح، باب (29) الصداق، حديث رقم (2107) ، (2108) ، وقال الخطابي في (معالم السنن) : وقد روى أصحاب السير أن الّذي عقد النكاح عليها خالد بن سعيد بن العاص، وهو ابن عم أبى سفيان- وأبو سفيان إذا ذاك مشرك- وقبل نكاحها عمرو بن أبى أمية الضمريّ، وكله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، (مسند أحمد) : 7/ 579 حديث رقم (26862) ، (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 13/ 385- 386، كتاب الوصبة، باب ذكر إباحة وصية المرء وهو في بلد ناء إلى الموصى إليه في بلد آخر، حديث رقم (6027) ، وإسناد صحيح على شرط البخاري. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 فلما قدم عمرو بن أمية بأم حبيبة المدينة، ابنتي بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والثابت أنها قدمت مع عمرو في إحدى السفينتين أيام خيبر، وقيل: بل بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبا عامر الأشعري حين بلغه خطبة عمرو أم حبيبة وتزويج خالد إياها، فحملها إليه قبل قدوم أهل السفينتين وهيأ النجاشي طعاما أطعمه من حضره من المسلمين، وأهدى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كسوة جامعة، وأمر نساءه أن يبعثن إلى أم حبيبة فبعثن لها بعود وروس وعنبر وزياد كثير، قدمت به على رسول اللَّه، وكان يراه عندها وعليها فلا ينكره. وأن أبا سفيان قال: أنا أبوها أم أبو عامر؟ وقيل: بل بعث إليها شرحبيل بن حسنة فجاءه بها. قال ابن المبارك: أخبرنا معمر عن الزهري، عن عروة، أن أم حبيبة بعث بها النجاشي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة، ولما بلغ أبو سفيان تزوّج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة قال: ذلك الفحل لا [يقدع] أنفه [ (1) ] . وقال ابن عباس رضى اللَّه عنه في قول اللَّه تعالى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً [ (2) ] ، نزلت حين تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة بنت أبى سفيان بن [حرب] [ (3) ] وقيل قدم عمرو بن أمية بأم   [ (1) ] القدع: الكفّ والمنع، وفلان لا يقدع أنفه، أي لا يرتدع، وهذا فحل لا يقدع أي لا يضرب أنفه، وذلك إذا كان كريما، وفي حديث زواجه صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة رضى اللَّه عنها: قال ورقة ابن نوفل: محمد يخطب خديجة، هو الفحل لا يقدع أنفه (لسان العرب) : 8/ 260. [ (2) ] الممتحنة: 7. [ (3) ] وقد قال مقاتل بن حيان: إن هذه الآية نزلت في أبى سفيان صخر بن حرب، فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج ابنته، فكانت هذه مودة ما بينه وبينه. وفي هذا يقول العلامة محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسى الغرناطي: ومن ذكر أن هذه المودة هي تزويج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة بنت أبى سفيان، وأنها كانت بعد الفتح فقد أخطأ، لأن تزويجها كان وقت هجرة الحبشة، وهذه الآيات سنة ست من الهجرة، ولا يصح ذلك عن ابن عباس إلا أن يسوقه مثالا، وإن كان متقدما لهذه الآية، لأنه استمر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 حبيبة مع أصحاب السفينتين فخطبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه، فزوجه إياها، والأول أثبت، وتوفيت رضى اللَّه عنها سنة أربع وأربعين، وقيل سنة اثنتين وأربعين، وصلّى عليها مروان. وقد وقع في صحيح مسلم من حديث عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو زميل قال: حدثني ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبى سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم يا نبي اللَّه! ثلاثة أعطينهنّ، قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبى سفيان أزوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمّرنى حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم. قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال: نعم [ (1) ] . قال أبو عبد اللَّه محمد بن أبى نصر الحميدي رحمه اللَّه: قال لنا بعض الحفاظ: هذا الحديث وهم فيه بعض الرواة، لأنه لا خلاف بين اثنين من أهل المعرفة بالأخبار، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج أم حبيبة رضى اللَّه عنها قبل الفتح بدهر وهي بأرض الحبشة، وأبوها كافر يومئذ [ (2) ] .   [ () ] بعد الفتح كسائر ما نشأ من المؤدّات، قاله ابن عطية. (البحر المحيط) : 10/ 156. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 296، كتاب (44) ، فضائل الصحابة باب (40) من فضائل أبى سفيان بن حرب، رضى اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (168) . [ (2) ] قال الإمام محيي الدين أبو زكريا بن شرف النووي: واعلم أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال، ووجه الإشكال أن أبا سفيان إنما أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من الهجرة، وهذا مشهور لا خلاف فيه، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل. قال أبو عبيدة، وخليفة بن خياط، وابن البرقي، والجمهور: تزوجها سنة ست، وقيل: سنة سبع، قال القاضي عياض: واختلفوا أين تزوجها، فقيل: بالمدينة بعد قدومها من الحبشة، وقال الجمهور: بأرض الحبشة. قال: واختلفوا فيمن عقد له عليها هناك، فقيل: عثمان، وقيل: خالد بن سعيد بن العاص بإذنها، وقيل: النجاشىّ لأنه كان أمير الموضع وسلطانه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 قال كاتبه: وقد استغرب من مسلم رحمه اللَّه كيف لم ينتبه لهذا الحديث؟ فإنه لا يخفى عليه أن أبا سفيان إنما أسلم ليلة فتح مكة، وقد كان بعد تزويج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة بأكثر من سنة بلا خلاف، وقد أشكل هذا الحديث على الناس واختلفوا فيه، ووجه إشكاله أن أم حبيبة تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل إسلام أبى سفيان كما تقدم، زوّجها إياه النجاشي، ثم قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل أن يسلم أبوها، فكيف يقول بعد الفتح: أزوجك أمّ حبيبة؟ فقالت طائفة من أهل الحديث: هذا الحديث كذب لا أصل له. قال أبو محمد على بن سعيد بن حزم: كذبه عكرمة بن عمار وحمل عليه، واستعظم ذلك آخرون وقالوا: إني يكون في صحيح مسلم حديث مرفوع؟ وإنما وجه الحديث أنه طلب من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن يجدد له العقد على   [ () ] وقال القاضي عياض: والّذي في مسلم هنا أنه زوّجها أبو سفيان غريب جدا، وخبرها مع أبى سفيان حين ورد المدينة في حال كفره مشهور، ولم يزد القاضي على هذا. وقال ابن حزم: هذا الحديث وهم من بعض الرواة، لأنه لا خلاف بين الناس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل الفتح بدهر وهي بأرض الحبشة، وأبوها كافر، وفي رواية عن ابن حزم أيضا أنه قال: أنه موضوع. قال: والآفة فيه من عكرمة بن عمار، الراويّ عن أبى زميل، وأنكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه اللَّه هذا أيضا على ابن حزم، وبالغ في الشناعة عليه. قال: وهذا القول من جسارته فإنه كان هجوما على تخطئة الأئمة الكبار، وإطلاق اللسان فيهم. قال: ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث، وقد وثقه وكيع، ويحيى بن معين، وغيرهما، وكان مستجاب الدعوة. قال: وما توهمه ابن حزم من منافاة هذا الحديث لتقدم زواجها غلط منه وغفلة، لأنه يحتمل أنه سأله تجديد عقد النكاح تطييبا لقلبه، لأنه ربما يرى عليها غضاضة من رياسته ونسبه، أن تزوج بنته بغير رضاه، أو أنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا يقتضي تجديد العقد، وقد خفي أوضح من هذا على أكبر مرتبة من أبى سفيان ممن كثر علمه، وطالت صحبته، هذا كلام أبى عمرو رحمه اللَّه، وليس في الحديث أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جدّد العقد: ولا قال لأبى سفيان أنه يحتاج إلى تجديده، فلعله صلّى اللَّه عليه وسلم أراد بقوله: نعم، أن مقصودك يحصل، وإن لم يكن بحقيقة عقد. واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 16/ 296. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 ابنته ليتقى له بذلك وجهه بين المسلمين. واعترض على هذا القول بأن في الحديث: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعده وهو الصادق الوعد، ولم ينقل أحد قط أنه صلّى اللَّه عليه وسلم جدد العقد على أم حبيبة، ومثل هذا لو كان لنقل، فحيث لم ينقله أحد قط علم أنه لم يقع. ولم يردّ القاضي [عياض] على استشكال الحديث فقال: والّذي وقع في مسلم من هذا غريب جدا عند أهل الخبر، وخبرها مع أبى سفيان عند وروده المدينة بسبب تجديد الصلح ودخوله عليها مشهور. وقالت طائفة: ليس الحديث بباطل، وإنما سأل أبو سفيان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أن يزوجه ابنته الأخرى على أختها أم حبيبة، قالوا: ولا يبعد أن يخفى هذا على أبى سفيان لحداثة عهده بالإسلام، كما خفي على ابنته أم حبيبة حتى سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يتزوجها، فقال: إنها لا تحل لي، فأراد أبو سفيان أن يتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته الأخرى، والتبعة على الراويّ. وذهب وهمه إلى أنها أم حبيبة وهذه التسمية من غلط بعض الرواة لا من قول أبى سفيان. قال شيخنا العماد عمر بن كثير- رحمه اللَّه-: والصحيح في هذا أن أبا سفيان لما رأى صهر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [رفع من قدره] [ (1) ] أحب أن يزوجه ابنته الأخرى- وهي عزة- واستعان على ذلك بأختها أم حبيبة، كما أخرجاه في الصحيحين عن أم حبيبة أنها قالت: يا رسول اللَّه! أنكح أختى بنت أبى سفيان، فقال: وتحبين ذلك؟ قلت: نعم.. الحديث [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق، ومكانها مطموس في (خ) . [ (2) ] أخرجه البخاري في (الصحيح) قال: حدثنا عبد اللَّه بن يوسف، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، أن عروة بن الزبير أخبره أن زينب ابنة أبى سلمة أن أم حبيبة قالت: قلت: يا رسول اللَّه، أنكح أختى بنت أبى سفيان، قال: وتحبين؟ قلت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختى، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إن ذلك لا يحل لي. قلت: يا رسول اللَّه، فو اللَّه إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبى سلمة، قال: بنت أم سلمة؟ فقلت: نعم، قال: فو اللَّه لو لم تكن في حجري ما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69   [ () ] حلت لي، إنها لابنة أخى من الرضاعة، أرضعتنى وأبا سلمة ثويبة- فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن. (فتح الباري) : 9/ 198، كتاب النكاح، باب (27) وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ، حديث رقم (5107) ، (مسلم بشرح النووي) : 9/ 278، كتاب الرضاع، باب (4) تحريم الربيبة وأخت المرأة، حديث رقم (15) ، وقال الإمام النووي: هذا الإسناد فيه أربعة تابعيون: أولهم: بكير بن عبد اللَّه بن الأشج، روى عن جماعة من الصحابة، والثاني عبد اللَّه بن مسلم الزهري أخو الزهري المشهور وهو تابعي سمع ابن عمرو آخرين من الصحابة، وهو أكبر من أخى الزهري المشهور، والثالث: محمد بن مسلم الزهري المشهور، وهو أخو عبد اللَّه الراويّ عنه كما ذكرنا، والرابع: حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو الزهري، تابعيان مشهوران. ففي هذا الإسناد ثلاث لطائف من علم الإسناد: إحداها: كونه جمع أربعة تابعين بعضهم عن بعض، الثانية: أن فيه رواية الكبير عن الصغير، لأن عبد اللَّه أكبر من أخيه محمد كما سبق، الثالثة: أن فيه رواية الأخ عن أخيه. قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخى من الرضاعة» ، معناه أنها حرام عليّ بسببين: كونها ربيبة، وكونها بنت أخى، فلو فقد أحد السببين حرمت بالآخر، والربيبة بنت الزوجة، مشتقة من الربّ، وهو الإصلاح، لأنه يقوم بأمورها، ويصلح أحوالها. ووقع في بعض كتب الفقه أنها مشتقة من التربية، وهذا غلط فاحش، فإن من شرط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية، ولام الكلمة، وهو الحرف الأخير مختلف، فإن آخر ربّ باء موحدة، وفي آخر ربّى ياء مثناة من تحت، واللَّه تعالى أعلم. قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «ربيبتي في حجري» ، ففيه حجة لداود الظاهري أن الربيبة لا تحرم إلا إذا كانت في حجر زوج أمها، فإن لم تكن في حجره فهي حلال له، وهو موافق لظاهر قوله تعالى: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ، ومذهب العلماء كافة سوى داود أنها حرام، سواء كانت في حجره أم لا. قالوا: والتقييد إذا خرج على سبب لكونه الغالب، لم يكن له مفهوم يعمل به، فلا يقصر الحكم عليه، ونظيره قوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ، ومعلوم أنه يحرم قتلهم بغير ذلك أيضا، لكن خرج التقييد بالإملاق لأنه الغالب، وقوله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً، ونظائره في القرآن كثيرة. قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «أرضعتنى وأباه ثويبة» ، أباها بالباء الموحدة، أي أرضعتنى أنا وأبوها أبو سلمة، من ثوبية بثاء مثلثة مضمومة، ثم واو مفتوحة ثم ياء التصغير ثم باء موحدة ثم هاء، وهي مولاة لأبى لهب، ارتضع منها صلّى اللَّه عليه وسلم قبل حليمة السعدية رضى اللَّه عنها. قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «فلا تعرضوا عليّ بناتكن ولا أخواتكن» ، إشارة إلى أخت أم حبيبة، وبنت أم سلمة، واسم أخت أم حبيبة هذه: عزّة، بفتح العين المهملة، وهذا محمول على أنها لم تعلم حينئذ تحريم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 وعلى هذا فيصح الحديث الأول، ويكون قد وقع الوهم من بعض الرواة في قوله: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة، وإنما قال: عزة، فشبه على الراويّ، أو أنه قال- يعنى الشيخ-: ابنته، فتوهم السامع أنها أم حبيبة، إذا لم يعرف سواها، ولهذا النوع من الغلط شواهد كثيرة، قلما قررت سرد ذلك في خبر مفرد لهذا الحديث، وللَّه الحمد، وهذا القول جيد، لكن سرده أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: نعم، فأجابه إلى ما سأل، ولو كان المسئول أن يزوجه أخت أم حبيبة لقال: إنها لا تحل لي كما قال ذلك لأم حبيبة، ولولا هذا لكان هذا التأويل في الحديث من أحسن التأويل. وقال ابن طاهر المقدسي في (مسألة الانتصار) : والشبهة التي حملته- يعنى ابن حزم- على الكلام في عكرمة بن عمار بغير حجة، هي أن النجاشي زوّج أم حبيبة من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهي بأرض الحبشة، ثم بعث بها إلى المدينة قبل إسلام أبى سفيان. والجواب عن هذه الشبهة: أن أبا سفيان لما أسلم أراد بهذا القول تجديد النكاح، لأنه إذا ذاك كان مشركا، فلما أسلم ظن أن النكاح [يجدد] بإسلام الولي، وخفي ذلك عليه، وقد خفي على أمير المؤمنين على بن أبى طالب الحكم في الّذي [] [ (1) ] مع قدم إسلامه وصحبته وعلمه وفقهه، حتى أرسل المقداد فسأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن ذلك، وخفي على عبد اللَّه بن عمر الحكم في طلاق الحائض، حتى سأل عمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأمره بالسنة   [ () ] الجمع بين الأختين، وكذا لم تعلم من عرض بنت أم سلمة تحريم الربيبة، وكذا لم تعلم من عرض بنت حمزة تحريم بنت الأخ من الرضاعة، أو لم تعلم أن حمزة أخ له من الرضاع، واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) . وأخرجه أيضا الحافظ البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 162، كتاب النكاح، باب ما جاء في قول اللَّه تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ. [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 في ذلك. ولهذا نظائر غير خافية بين أهل النقل، [والرجوع] إلى هذا التأويل أولى من التخطي إلى الكلام في رجل ثقة، وإبطال حديث ورد عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، متصل الإسناد، معتمد الرواة. وأما قول أبى زميل: حدثنا ابن الوليد، فهو مقصور عليه، لم ينسبه إلى من فوقه، فتكلم عليه. قال جامعة: وقد تبع ابن طاهر على هذا الجواب أبو عمر بن الصلاح إلى الشيخ أبى زكريا النووي في (شرح مسلم) ، وهذا تأويل بعيد جدا، لأنه لو كان كذلك لم يقل: عندي أحسن العرب وأجمله، إذ قد رآها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منذ سنة فأكثر، وتوهّم فسخ نكاحها بإسلامه بعيد جدا. وقالت طائفة لم يتفق أهل النقل على أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج أم حبيبة بأرض الحبشة، حكاه أبو محمد المنذرىّ، وهذا من أضعف الأجوبة لوجوه. أحدها: أن هذا القول لا يعرف به أثر صحيح ولا حسن، ولا حكاه أحد ممن يعتمد على نقله. الثاني: أن قصة تزوج أم حبيبة وهي بأرض الحبشة قد جرت مجرى التواتر، كتزويجه صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة بمكة، وعائشة بمكة، وبنائه بعائشة بالمدينة، وتزويجه حفصة بالمدينة، وصفية عام خيبر، وميمونة في عمرة [القضية] [ (1) ] ، ومثل هذه الوقائع شهرتها عند أهل العلم موجبة بقطعهم بها، فلو جاء سند ظاهره الصحة يخالفها، عدوّه غلطا، ولم يلتفتوا إليه ولا يمكنهم مكابرة نفوسهم في ذلك. الثالث: أنه من [المعلوم] [ (1) ] عند أهل العلم بسيرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأحواله، أنه لم يتأخر نكاحه أم حبيبة إلى بعد فتح مكة، ولا يقع ذلك في وهم   [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 أحد منهم أصلا. الرابع: أن أبا سفيان لما قدم المدينة دخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طوته عنه، فقال: يا بنية! ما أدرى أرغبت بى عن هذا الفراش؟ أم رغبت به عنى؟ قالت: بل هو فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: واللَّه لقد أصابك يا بنية بعدي شرّ، وهذا الخبر مشهور عند أهل المغازي والسّير، ذكره ابن إسحاق وغيره في قصة قدوم أبى سفيان المدينة لتجديد الصلح. الخامس: أن أم حبيبة [كانت] [ (1) ] من مهاجرات الحبشة مع زوجها عبد اللَّه بن جحش، ثم تنصر زوجها وهلك بأرض الحبشة، ثم قدمت حتى جاءت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد ما زوجه النجاشي إياها، فكانت عندك صلّى اللَّه عليه وسلم ولم تكن عند أبيها، وهذا مما لا يشك فيه أحد من أهل النقل، [ومن المعلوم أن أبا سفيان] [ (1) ] لم يسلم إلا عام الفتح، فكيف يقول: عندي أجمل العرب أزواجك إياها؟ وهل كانت عنده بعد هجرتها وإسلامها قط؟ فإن كان قال ذلك القول قبل إسلامه فهو محال، فإنّها لم تكن عنده، ولم يكن له عليها ولاية أصلا، وإن كان قاله بعد إسلامه فمحال أيضا، لأن نكاحها لم يتأخر إلى بعد الفتح، فإن قيل: بل بيقين أن يكون نكاحها بعد الفتح لأن الحديث الّذي رواه مسلم صحيح، ورجال إسناده ثقات حفاظ، وحديث نكاحها بأرض الحبشة من رواية محمد بن إسحاق مرسلا، والناس مختلفون بمسانيد ابن إسحاق، فكيف بمراسيله؟ فكيف بها إذا خالفت المسانيد الثابتة؟ وهذه طريقته في تصحيح حديث ابن عباس هذا، والجواب من وجوه: أحدها: أن ما ذكره هذا القائل إنما يمكن عند تساوى النّقلين، فيترجح ما   [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 ذكره، وأما مع تحقق بطلان أحد النقلين فلا يلتفت إليه فإن لا يعلم نزاع بين اثنين من أهل العلم بالسير والمغازي، وأحوال رسول اللَّه في ذلك قط، ولو قاله قائل لعلموا بطلان قوله ولم يشكوا فيه. الثاني: أن الاعتماد في هذا [الحديث] [ (1) ] على رواية ابن إسحاق وحده لا متصلة ولا مرسلة، بل النقل المتواتر عند أهل المغازي والسير، أن أم حبيبة هاجرت مع زوجها، وأنه هلك نصرانيا بأرض الحبشة، وأن النجاشي زوجها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأمهرها من عنده، وقصتها في كتب المغازي والسير. وقد ذكرها أيضا أئمة العلم، واحتجوا بها على جواز الوكالة في النكاح، قال الشافعيّ رحمه اللَّه في رواية الربيع في حديث عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا نكح الوليان فالأول أحق، فيه دلالة على أن الوكالة في النكاح جائزة، مع توكيل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عمرو بن أمية الضمريّ فزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان. وقال في (الأم) أيضا: ولا يكون الكافر وليا لمسلمة، ولو كانت بنته، [و] [ (1) ] قد زوج ابن سعيد بن العاص النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة بنت أبى سفيان، وأبو سفيان حي، لأنها كانت مسلمة وابن سعيد مسلم، ولا أعلم مسلما أقرب لها منه، ولم يكن لأبى سفيان [فيها] [ (2) ] ولاية، لأن اللَّه تعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين في المواريث [والعقل] [ (3) ] وغير ذلك [ (4) ] . وابن سعيد هذا هو خالد بن سعيد بن العاص، ذكره ابن إسحاق وغيره، وذكر عروة والزهري أن عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه هو الّذي ولى   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] في (خ) : «عليها» . [ (3) ] في (خ) : «القتل» ، والعقل في الشرع: الدية. [ (4) ] (الأم) : 5/ 13، من لا يكون له الولاء من ذي القرابة، والتصويبات السابقة منه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 نكاحها، وكلاهما ابن عم أبيها، لأن عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية، وخالد بن سعيد بن أبى العاص بن أمية، وأبو سفيان هو صخر بن حرب بن أمية. والمقصود أن أئمة الفقه والسير، ذكروا أن نكاحها كان بأرض الحبشة، وهذا يبطل وهم من توهم أنه تأخر إلى بعد الفتح، احترازا منه بحديث عكرمة بن عمار. الثالث: أن عكرمة بن عمار- راوي حديث ابن عباس هذا- قد ضعفه كثير من أئمة الحديث. قال على بن المديني: سألت يحى بن سعيد عن أحاديث عكرمة بن عمار عن يحى بن أبى كثير فضعفها وقال: ليست بصحاح، وقال الإمام أحمد: ضعاف ليست بصحاح، قال عبد اللَّه: قلت له: من عكرمة أو من يحى؟ قال: لا، إلا من عكرمة، وقال البخاري: عكرمة بن عمار يضطرب في حديث يحى بن أبى كثير، ولم يكن عنده كتاب، ومرة قال: منكر الحديث [ (1) ] .   [ (1) ] قال المفضل الغلابي: حدثنا رجل من أهل اليمامة، وسألته عن عكرمة فقال: هو عكرمة بن عمار بن عقبة بن حبيب بن شهاب بن ذباب بن الحارث بن حمضانة بن الأسعد بن جذيمة بن سعد بن عجل. وقال عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: عكرمة مضطرب الحديث عن يحيى بن أبى كثير، وقال أيضا عن أبيه: عكرمة مضطرب الحديث عن غير إياس بن سلمة، وكان حديثه عن إياس صالحا. وقال أبو زرعة الدمشقيّ: سمعت أحمد يضعف رواية أيوب بن عتبة، وعكرمة بن عمار عن يحى ابن أبى كثير، وقال: عكرمة أوثق الرجلين. وقال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد اللَّه هل كان باليمامة أحد يقدم على عكرمة اليمامي مثل أيوب ابن عتبة، وملازم بن عمرو. وهؤلاء؟ فقال: عكرمة فوق هؤلاء أو نحو هذا، ثم قال: روى عنه شعبة أحاديث. وقال معاوية بن صالح. عن يحيى بن معين: ثقة. وقال الغلابي عن يحى: ثبت. وقال ابن أبى خيثمة، عن ابن معين: صدوق ليس به بأس. وقال أبو حاتم، عن ابن معين: كان أميا، وكان حافظا. وقال عثمان الدارميّ: قلت لابن معين: أيوب بن عتبة أحب إليك أو عكرمة بن عمار؟ فقال: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75   [ () ] عكرمة أحب إليّ، وأيوب ضعيف. وقال ابن المدائني: أحاديث عكرمة عن يحى بن أبى كثير ليست بذاك، مناكير كان يحى بن سعيد يضعفها. وقال في موضع آخر: كان يحى يضعف رواية أهل اليمامة، مثل عكرمة وضربه. وقال محمد بن عثمان بن أبى شيبة، عن على بن المديني: كان عكرمة عند أصحابنا ثقة ثبتا. وقال العجليّ ثقة، يروى عنه النضر بن محمد ألف حديث. وقال البخاري: مضطرب في حديث يحى بن أبى كثير، ولم يكن عنده كتاب. وقال الآجري، عن أبى داود: ثقة، وفي حديثه عن يحي بن أبى كثير اضطراب. وقال النسائي: ليس به بأس، إلا في حديث يحى بن أبى كثير. وقال أبو حاتم: كان صدوقا، وربما وهم في حديثه، وربما دلّس، وفي حديثه عن يحى بن أبى كثير بعض الأغاليط. وقال الساجي صدوق، وثّقه أحمد ويحى، إلا أن يحي بن سعيد ضعّفه في أحاديثه عن يحي بن أبي كثير، وقدم ملازما عليه. وقال عكرمة بن عمار ثقة عندهم، وروى عنه ابن مهدي: ما سمعت فيه إلا خيرا. وقال في موضع آخر: هو أثبت من ملازم، وهو شيخ أهل اليمامة. وقال على بن محمد الطنافسي: حدثنا وكيع عن عكرمة بن عمار، وكان ثقة. وقال صالح بن محمد الأسدي: كان يتفرد بأحاديث طول، ولم يشركه فيها أحد. قال: وقدم البصرة، فاجتمع إليه الناس. فقال: ألا أرانى فقيها وأنا لا أشعر، وقال صالح بن محمد أيضا: إن عكرمة بن عمار صدوق، إلا أن في حديثه شيئا. روى عنه الناس. وقال إسحاق بن أحمد بن خلف البخاري: ثقة، روى عنه الثوري، وذكره بالفضل، وكان كثير الغلط، ينفرد عن إياس بأشياء. وقال ابن خراش: كان صدوقا، وفي حديثه نكرة. وقال الدارقطنيّ: ثقة. وقال ابن عدي: مستقيم الحديث إذا روى عنه ثقة. وقال عاصم بن على: كان مستجاب الدعوة. قال معاوية بن صالح: مات في إمارة المهدي، وقال ابن معين وغيره: مات سنة (159) . قلت: وكذا ذكر ابن حبان في الثقات، وقال: في روايته عن يحى بن أبى كثير اضطراب، كان يحدث عن غير كتابة. وقال أبو أحمد الحاكم: جل حديثه عن يحى وليس بالقائم. وقال يعقوب بن شيبة: كان ثقة ثبتا. وقال ابن شاهين في الثقات: قال أحمد بن صالح: أنا أقول: إنه ثقة، واحتج به وبقوله. له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 12/ 234، ترجمة رقم (475) ، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 5/ 272- 277، ترجمة رقم (444/ 1412) . (تاريخ بغداد) : 12/ 257- 262، ترجمة رقم (6705) ، (الضعفاء الكبير) : 3/ 378- 379، ترجمة رقم (1415) ، (المغنى في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 وقال أبو حاتم: عكرمة هذا صدوق، وربما وهم، وربما دلّس، وإذا كان هذا حال عكرمة، فلعله دلّس هذا الحديث عن غير حافظ، أو غير ثقة، أو وهم هو فيه، فإنه كان أميا لا يكتب. ومسلم- رحمه اللَّه- قد رواه عن عباس بن عبد العظيم، عن النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار عن أبى زميل، عن ابن عباس هكذا معنعنا، لكن رواه الطبراني فقال: حدثنا محمد بن محمد الجدوعى، حدثنا العباس بن عبد العظيم، حدثنا النضر ابن محمد بن عكرمة بن عمار، حدثنا زميل قال: حدثني ابن عباس.. فذكره. وقال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي: في هذا الحديث وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد، وقد اتهموا فيه ابن عمار راوي الحديث، قال: وإنما قلنا: إن هذا وهم لأن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبد اللَّه بن جحش، وولدت له، وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة، ثم تنصر، وثبتت أم حبيبة على دينها، فبعث إلى النجاشي يخطبها عليه فزوجه إياها، وأصدقها عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة آلاف درهم، وذلك في سنة سبع من الهجرة، وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة فدخل بيتها، [فطوت عنه فراش] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى لا يجلس عليه، ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان، ولا يعرف أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [] أبا سفيان. وقال أبو محمد بن حزم: هذا حديث موضوع لا شك فيه، والأنة فيه من عكرمة بن عمار، ولا يختلف اثنان من أهل المعرفة بالأخبار في أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لم يتزوج أم حبيبة رضى اللَّه عنها إلا قبل الفتح بدهر وهي بأرض   [ () ] الضعفاء) : 2/ 438، ترجمة رقم (4168) ، (الضعفاء والمتروكين) : 2/ 185، ترجم رقم (2337) ، (سير أعلام النبلاء) : 7/ 134- 139، ترجمة رقم (49) ، (الجرح والتعديل) : 7/ 10، ترجمة رقم (14) ، (ثقات ابن حبان) : 5/ 233، (التاريخ الكبير للبخاريّ) : 7/ 50، ترجمة رقم (226) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 الحبشة، ومثل هذا لا يكون خطأ أصلا، ولا يكون إلا قصدا، نعود باللَّه من البلاء. [و] قال محمد بن طاهر المقدسي [في كتاب] (الانتصار لإمامى الأمصار) : هذا كلامه بعينه ورمته، وهو كلام رجل مجازف، هتك فيه حرمة كتاب مسلم، و [صار] إلى الغفلة عما اطلع هو عليه، وصرح أن عكرمة بن عمار وضعه، وهذا ارتكاب بطرق لم تسلكها أئمة النقل [أو علماء] الحديث، فإنا لا نعلم أحدا منهم نسب عكرمة إلى الوضع البتة، وهم أهل مائة الذين عاصروه وعرفوا أمره، وحملوا عنه واحتجوا بأحاديثه، وأخرجوها في الدواوين الصحيحة. واعتمد عليه مسلم في غير حديث من كتابه الصحيح، [وروى] عنه الأئمة، مثل عبد الرحمن بن مهدي، وعبد اللَّه بن المبارك، وأبو عامر العقدي، وزيد بن الحباب، ففي مسلم- وهو [من] الأئمة المقتدى بهم في تزكية الرواة الذين عاهدوهم وأخذوا عنهم- ثم ذكر بسنده: قال وكيع عن عكرمة- وكان ثقة- وعن يحى بن معين: عكرمة بن عمار صدوق وليس به بأس، وفي روايته كان أمينا وكان حافظا، وعن الدار قطنى أنه قال: عكرمة بن عمار يماني ثقة، ثم قال: فكان الرجوع إلى قول الأئمة الحفاظ في تعديله أولى من قوله وحده في تجريحه. فإن قيل: لم ينفرد عكرمة بهذا الحديث بل توبع عليه، فقال الطبراني: حدثنا على بن سعيد الرازيّ، حدثنا عمر بن خليف بن إسحاق بن مرسال الحنفي قال: حدثني عمى إسماعيل بن مرسال عن أبى زميل الحنفي قال: حدثني ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبى سفيان ولا يفاتحونه، فقال: يا رسول اللَّه، ثلاث أعطينهن ... ، الحديث. فهذا إسماعيل ابن مرسال قد رواه عن أبى زميل، كما رواه عكرمة بن عمار، يبرئ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 عكرمة من عهدة التفرد به. قيل: هذه المتابعة لا تفيد قوة، فإن هؤلاء مجاهيل لا يعرفون بنقل العلم، ولا هم ممن يحتج به، فضلا [عن] أن تقدم روايتهم على النقد المستفيض المعلوم خاصة عند أهل العلم وعامتهم، فهذه المتابعة إن لم تزده وهنا لم تزده قوة. وقالت طائفة، منهم البيهقي والمنذري- رحمهما اللَّه-: يحتمل أن تكون مسألة أبي سفيان النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة وهو كافر، حين كان سمع نفى زوج أم حبيبة بأرض الحبشة، والمسألة الثانية والثالثة وقعتا بعد إسلامه، فجمعهما الراويّ. وعورض هذا بأن أبا سفيان إنما قدم آمنا بعد الهجرة في زمن [الهدنة] [ (1) ] قبيل الفتح، وكانت أم حبيبة إذ ذاك من نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولم يقدم أبو سفيان قبل ذلك إلا مع الأحزاب عام الخندق، ولولا الهدنة والصلح الّذي كان بينهم وبين النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لم يقدم المدينة، فمتى [قد تزوج] [ (1) ] النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة، وهذا وهم بيّن، ومع ذلك فإنه لا يصح أن يكون تزويجه إياها في حال كفره، إذ لا ولاية له عليها، ولا تأخّر تزوجه إياها بعد إسلامه لما تقدم. فعلى التقريرين لا يصحّ قوله: أزوجك أم حبيبة، هذا، وظاهر الحديث يدل على أن المسائل الثلاثة وقعت منه في وقت واحد، فإنه قال: ثلاث أعطينهن ... ، الحديث. ومعلوم أن سؤاله [تزويجها] [ (1) ] واتخاذ معاوية كاتبا، إنما يتصور بعد إسلامه، فكيف يقال: سأل بعض ذلك حال كفره، وبعضه وهو مسلم، وسياق الحديث يرده.   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 وقالت طائفة: بل يمكن حمل الحديث على محمل صحيح يخرج به عن كونه موضوعا، إذ القول بأنه في صحيح مسلم حديث موضوع مما يسهل. قال: ووجهه أن تكون معنى [أزوّجك] [ (1) ] بها: أرضى بزواجك بها، فإنه كان على زمن منى وبدون اختياري، وإن كان نكاحك صحيحا، لكن هذا أجمل وأحسن وأكمل، لما فيه من تأليف القلوب. قال: وتكون إجابة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بنعم له، كانت تأنيسا له، ثم أخبره بعد بصحة العقد، وأنه لا يشترط رضاك، ولا ولاية لك عليها، لاختلاف دينكما حالة العقد. قال: وهذا مما لا يمكن دفع احتماله. وردّ هذا بأن ما ذكرتم لا يفهم من لفظ الحديث، فإن قوله: عندي أجمل العرب أزوجكها، لا يفهم منه أحد أن زوجتك التي هي في عصمة نكاحك أرضى زواجك بها، ولا يطابق هذا المعنى أن يقول له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: نعم، فإنه إنما سأل من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أمرا تكون الإجابة إليه من جهته صلّى اللَّه عليه وسلم، وأما رضاه بزواجه بها فأمر قائم بقلبه هو، فكيف يطلب من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم؟ ولو قيل: طلب منه أن يقره على نكاحه إياها- وسمى إقراره نكاحا- لكان مع فساده أقرب إلى اللفظ، وكل هذه تأويلات لا يخفى شدة بعدها، وأنها مستنكرة [و] [ (1) ] في غاية المنافرة للفظ ولمقصود الكلام. وقالت طائفة: كان أبو سفيان يخرج إلى المدينة كثيرا، [فجاءها وهو كافر] [ (1) ] وبعد إسلامه حين كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم آلى من نسائه شهرا واعتزلهن، فتوهم أن ذلك الإيلاء طلاق، كما توهمه عمر رضى اللَّه عنه، فظن وقوع الفرقة به، فقال هذا القول للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، متعطفا ومتعرضا لعله يراجعها، فأجابه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على تقدير إن امتد الإيلاء أوقع طلاق، فلم يقع شيء من   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 ذلك. وردّ هذا بأن قوله: عندي أجمل العرب وأحسنه أزوجك إياها، لا يفهم منه ما ذكر من شأن الإيلاء ووقوع الفرقة به، ولا يصح أن يجاب بنعم، ولا كان أبو سفيان حاضرا وقت الإيلاء، فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم اعتزل في مشربة [و] [ (1) ] حلف أن لا يدخل على نسائه شهرا، وجاء عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه فاستأذن في الدخول عليه مرارا، فأذن له في الثالثة، فقال: طلقت نساءك؟ قال: لا، قال عمر: اللَّه أكبر، واشتهر عند الناس أنه لم يطلق نساءه، وأين كان أبو سفيان حينئذ؟ وقال المحب الطبري: يحتمل أن يكون أبو سفيان قال ذلك كله قبل إسلامه بمدة تتقدم على تاريخ النكاح، كالمشترط ذلك في إسلامه، ويكون التقدير: ثلاث إن أسلمت تعطيهن: أم حبيبة أزوجكها، ومعاوية يسلم فيكون كاتبا بين يديك، وتؤمرنى بعد إسلامي فأقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، [حيث قد كان الناس] [ (1) ] لا ينظرون إلى أبى سفيان ولا يقاعدونه، فقال: يا نبي اللَّه! ثلاث أعطينهنّ ... ، لا يليق أن يصدر منه وهو بمكة قبل الهجرة أو بعد الهجرة وهو يجمع الأحزاب لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أو وقت قدومه المدينة، وأم حبيبة عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لا عنده، فما هذا إلا تكلف وتعسف، فكيف يقول- وهو كافر-: حتى أقاتل المشركين كما كنت أقاتل المسلمين؟ وكيف ينكر جفوة المسلمين له وهو جاهد مجد في قتالهم وحربهم وإطفاء نور اللَّه؟ وهذه قصة إسلام أبى سفيان معروفة، لا اشتراط فيها ولا تعرض لشيء من هذا، ومن أنصف علم أن هذه التأويلات كلها بعيدة، وأن الصواب في الحديث أنه غير محفوظ، بل وقع فيه تخبيط، واللَّه أعلم.   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 أم المؤمنين جويرية بنت الحارث [ (1) ] جويرية، واسمها برة بنت الحارث بن أبى ضرار بن حبيب بن الحارث بن   [ (1) ] هي جريرية بنت الحارث بن أبى ضرار المصطلقية، سبيت يوم غزوة المريسيع في السنة الخامسة، وكان اسمها برّة [أخرجه مسلم في صحيحه من طريق سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن كريب، عن ابن عباس قال: كانت جويرية اسمها برة، فحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اسمها إلى جويرية، وقد أخرجه أيضا ابن سعد في (الطبقات) ، والإمام أحمد في (المسند) . وكانت من أجمل النساء، وكان أبوها سيدا مطاعا، حدّث عنها ابن عباس وعبيد بن السباق، وكريب، ومجاهد، وأبو أيوب يحى بن مالك الأزدي، وآخرون. أخرج ابن هشام في (السيرة) عن ابن إسحاق، ومن طريقه الإمام أحمد في (المسند) ، حدثني محمد ابن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: لما قسّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبايا بنى المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس- أو لابن عم له- فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملّاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تستعينه في كتابتها، قالت عائشة: فو اللَّه ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها، وعرفت أنه صلّى اللَّه عليه وسلم سيرى فيها ما رأيت. فدخلت عليه فقالت: يا رسول اللَّه، أنا جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار سيد قومه، وقد أصابنى من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس- أو لابن عم له- فكاتبته على نفسي- فجئتك أستعينك على كتابتى. قال: فهل لك خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول اللَّه، قال: قد فعلت. قالت: وخرج الخبر إلى الناس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد تزوج جويرية ابنة الحارث بن أبى ضرار، فقال الناس: أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأرسلوا ما بأيديهم، قالت: فلقد أعتق لتزويجه إياها مائة أهل بيت من بنى المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها. [إسناده صحيح، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث] . قال ابن سعد وغيره: بنو المصطلق من خزاعة، وكان زوجها قبل أن يسلم ابن عمها مسافع بن صفوان ابن أبى الشّفر. [ذكره ابن سعد في (الطبقات) ، والحاكم في (المستدرك) ، وابن حجر في (الإصابة) ] ، وقدم أبوها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأسلم] عن جويرية قالت: تزوجني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا بنت عشرين، وقال ابن سعد في (الطبقات) : توفيت أم المؤمنين جويرية في سنة خمسين، وقال خليفة في (طبقاته) : توفيت سنة ست وخمسين، رضي اللَّه تعالي عنها، جاء لها سبعة أحاديث: منها عند البخاري حديث، وعند مسلم حديثان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 عائذ بن مالك بن جذيمة، وهو المصطلق بن سعيد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقاء بن عامر بن حارثة بن امرؤ القيس بن ثعلبة بن مازن ابن الأزد. كانت أولا في الجاهلية عند مسافع بن صفوان بن ذي الشفر الخزاعي،   [ () ] أيوب، عن أبى قلابة، قال: أتى والد جويرية فقال: إن بنتي لا يسبى مثلها، فأنا أكرم من ذلك، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أرأيت إن خيّرناها؟ فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيّرك، فلا تفضحينا، فقالت: فإنّي قد اخترته، قال: قد واللَّه فضحتنا. [إسناده صحيح لكنه مرسل، أخرجه ابن سعد في (الطبقات) ] . زكريا عن الشعبي، قال: أعتق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جويرية واستنكحها، وجعل صداقها عتق كل مملوك من بنى المصطلق. [إسناده صحيح، لكنه مرسل، أخرجه عبد الرزاق في (المصنف) ، وابن سعد في (الطبقات) ، وذكره الهيثمي في (المجمع) ، وقال: رواه الطبرانىّ مرسلا، ورجاله رجال الصحيح] . همام، وغيره، عن قتادة، عن أبى أيوب الهجريّ، عن جويرية بنت الحارث، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل عليها يوم جمعة وهي صائمة، فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتريدين أن تصومى غدا؟ قالت: لا، قال: فأفطرى. [أخرجه البخاري في الصوم، باب صوم يوم الجمعة، وأبو داود في الصوم، وأحمد، وابن سعد، وإسناده صحيح] . شعبة وجماعة، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، سمعت كريبا، عن ابن عباس، عن جويرية قالت: أتى عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غدوة وأنا أسبّح، ثم انطلق لحاجته، ثم رجع قريبا من نصف النهار، فقال: أما زلت قاعدة؟ قلت: نعم، قال: ألا أعلمك كلمات لو عدلن بهن عدلتهن، أو وزن بهنّ وزنتهنّ- يعنى جميع ما سبّحت-: سبحان اللَّه عدد خلقه، ثلاث مرات، سبحان اللَّه زنة عرشه، ثلاث مرات، سبحان اللَّه رضا نفسه، ثلاث مرات، سبحان اللَّه مداد كلماته، ثلاث مرات. [إسناده صحيح- أخرجه مسلم في الذكر والدعاء، باب التسبيح أول النهار وعند النوم، وابن سعد وأحمد] . لها ترجمة في: (مسند أحمد) : 7/ 457، (طبقات ابن سعد) : 8/ 116- 120، (طبقات خليفة) : (342) ، (تاريخ خليفة) : (224) ، (المعارف) : 138، 139، (المستدرك) : 4/ 27- 30 ، (الاستيعاب) : 4/ 1804 ترجمة رقم (3282) ، (تاريخ الإسلام) : 2/ 593، (تهذيب التهذيب) : 12/ 436، ترجمة رقم (2754) ، (الإصابة) : 7/ 565، ترجمة رقم (11002) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : (489) ، (كنز العمال) : 13/ 706، (شذرات الذهب) : 1/ 61، (أسماء الصحابة الرواة) : (195) ، ترجمة رقم (251) . (صفة الصفوة) : 2/ 35، ترجمة رقم (132) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 90- 91، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 261- 265 ، ترجمة رقم (39) ، (أعلام النساء) : 1/ 227. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 فقتل يوم المريسيع كافرا، فصارت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، وابن عم له، فكاتباها على تسع أواقي ذهب. وكانت جارية حلوة، لا يكاد يراها أحد إلا ذهبت بنفسه، فبينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على الماء، إذا دخلت عليه تسأله في كتابتها، فقالت: يا رسول اللَّه، إني امرأة مسلمة، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك رسول اللَّه، وأنا جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار، بنت سيد قومه، أصابنا من الأمر ما قد علمت، ووقعت في سهم ثابت بن قيس ابن شماس وابن عم له، فخلصني من ابن عمه بنخلات بالمدينة، وكاتبني على ما لا طاقة لي به ولا يدان، وما أكرهنى على ذلك إلا أنى رجوتك- صلّى اللَّه عليك- فأعنى في مكاتبتي، فقال: أوخير لك من ذلك؟ قالت: فما هو يا رسول اللَّه؟ قال: أؤدّي عنك كتابتك وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول اللَّه قد فعلت، فأرسل إلى ثابت فطلبها منه، فقال: هي لك يا رسول اللَّه، بأبي وأمى، فأدى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما كان عليها من كتابتها وأعتقها وتزوجها، وخرج الخبر إلى الناس، ورجال بنى المصطلق قد اقتسموا وملكوا ووطئ ونساؤهم، فقال المسلمون: أصهار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم! فأعتقوا ما بأيديهم من ذلك السبي، وهم مائة أهل بيت، فكانت جويرية أعظم امرأة بركة على قومها. وقالت جويرية: رأيت قبل قدوم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بثلاث ليال كأنّ القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجري، فكرهت أن أخبرها أحدا من الناس، حتى قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ويقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جعل صداقها عتق كل أسبية من بنى المصطلق، ويقال: جعل صداقها عتق أربعين من قومها، وقيل: افتدى جويرية، أبوها من ثابت بن قيس، ثم خطبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى أبيها، فأنكحها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان اسمها برة، فسماها جويرية، وكان يكره أن يقال: خرج من بيت برة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 وأثبت الأقوال: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قضى عنها كتابتها وأعتقها وتزوجها، وضرب عليها الحجاب، وقسم لها كما يقسم لنسائه، وفرض لها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ستة آلاف [ (1) ] ، ويقال: فرض لها اثنى عشر ألفا. وتوفيت في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين، وصلّى عليها مروان.   [ (1) ] بعد قوله: «ستة آلاف» ، عبارة مقحمة لا تتناسب مع السياق فلم نضبتها حيث لم نجد لها توجيها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 أم المؤمنين صفية بنت حيي [ (1) ] وصفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن   [ (1) ] هي صفية بنت حيي بن أخطب بن سعيه، من سبط اللاوى بن نبي اللَّه إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام، ثم من ذرية رسول اللَّه هارون عليه السّلام. تزوجها قبل إسلامها: سلام ابن أبى الحقيق، ثم خلف عليها كنانة بن أبى الحقيق، وكانا من شعراء اليهود، فقتل كنانة يوم خيبر عنها، وسبيت، وصارت في سهم دحية الكلبي، فقيل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم عنها، وأنها لا ينبغي أن تكون إلا لك، فأخذها من دحية، وعوضه عنها سبعة أرؤس. أخرجه أحمد في (المسند) ، ومسلم في النكاح: باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها، وأبو داود في الخراج والإمارة، باب ما جاء في سهم الصفي، وابن سعد في (الطبقات) ، كلهم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك. وأخرجه مسلم من طريق عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: جمع السبي- يعنى بخيبر- فجاءه دحية الكلبي فقال: يا رسول اللَّه! أعطنى جارية من السبي فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل إلى نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا نبي اللَّه! أعطيت دحية صفية بنت حيي سيد قريظة والنضير؟ ما تصلح إلا لك، قال صلّى اللَّه عليه وسلم: ادعوه بها، قال فجاء بها، فلما نظر اليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: خذ جارية من السبي غيرها، قال: وأعتقها صلّى اللَّه عليه وسلم وتزوجها. وأخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة خيبر عن طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس، وفيه: وكان في السبي صفية، فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. ثم إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما طهرت، تزوجها وجعل عتقها صداقها. [أخرجه البخاري من حديث أنس في المغازي، باب غزوة خيبر، وفي النكاح، باب من جعل عتق الأمة صداقها، وفي النكاح، باب الوليمة ولو بشاة، ومسلم في النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها، وأخرجه أيضا: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وعبد الرزاق] . حدث عنها على بن الحسين، وإسحاق بن عبد اللَّه بن الحارث، وكنانة مولاها، وآخرون وكانت رضى اللَّه عنها شريفة عاقلة، ذات حسب، وجمال، ودين. قال أبو عمر بن عبد البرّ في (الاستيعاب) : روينا أن جارية لصفية أتت عمر بن الخطاب، فقالت: إن صفية تحبّ السبت، وتصل اليهود، فبعث عمر يسألها، فقالت: أما السبت، فلم أحبه منذ أبدلني اللَّه به الجمعة، وأما اليهود، فإن لي فيهم رحما، فأنا أصلها، ثم قالت الجارية: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: الشيطان، قالت: فاذهبي فأنت حرة. وأخرج الترمذي في (الجامع) ، من طريق هاشم بن سعيد الكوفي، حدثنا كنانة: حدثتنا صفية بنت حيي، قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام، فذكرت له ذلك، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 الخزرج بن أبى حبيب بن النضير بن النحام بن ينحوم الإسرائيلي، من سبط هارون بن عمران عليه السّلام، أمها مرة بنت سموأل، كانت عند سلام بن   [ () ] فقال: ألا قلت: وكيف تكونان خيرا منى وزوجي محمد، وأبى هارون، وعمى موسى؟ وكان بلغها أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منها، نحن أزواجه، وبنات عمه. [أخرجه الترمذي في المناقب، والحاكم، وإسناده ضعيف، لضعف هاشم بن سعيد الكوفي، وباقي رجاله ثقات، لكن يشهد له حديث أنس عند أحمد، والترمذي من طريق عبد الرزاق، عن معمر عن ثابت، عن أنس قال: بلغ صفية أن حفصة قالت، بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهي تبكى، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهودي، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إنك لابنة نبي، وان عمك لنبي، وانك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك؟ ثم قال: اتقى اللَّه يا حفصة. وإسناده صحيح] . قال ثابت البناني: حدثتني سمية- أو شميسة- عن صفية بنت حيي: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حج بنسائه، فيرك بصفية جملها، فبكت، وجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما أخبروه فجعل يمسح دموعها بيده، وهي تبكى، وهو ينهاها، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالناس، فلما كان عند الرواح، قال لزينب بنت جحش: أفقرى أختك جملا- وكانت من أكثرهن ظهرا- فقالت: أنا أفقر يهوديتك! فغضب فلم يكلمها، حتى رجع إلى المدينة، ومحرم وصفر، فلم يأتها، ولم يقسم لها، ويئست منه. فلما كان ربيع الأول دخل عليها، فلما رأته قالت: يا رسول اللَّه، ما أصنع؟ قال: وكانت لها جارية تخبؤها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: هي لك- قال: فمشى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى سريرها، وكان قد رفع، فوضعه بيده، ورضى عن أهله صلّى اللَّه عليه وسلم [أخرجه أحمد في (المسند) ، وابن سعد في (الطبقات) ، وقوله: أفقرى أختك، أي أعيرها إياها للركوب، ومنه حديث جابر، أنه اشترى منه بعيرا، وأفقره ظهره إلى المدينة، مأخوذ من ركوب فقار الظهر، وهو خرزاته، والواحدة فقارة] . وكانت صفية رضى اللَّه عنها ذات حلم ووقار، قيل: توفيت سنة ست وثلاثين، وقيل: توفيت سنة خمسين، [والثاني هو الصحيح، لأن على بن الحسين قد سمع منها حديث زيارتها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في اعتكافه في المسجد، وهو مما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم، وعلى بن الحسين إنما ولد بعد سنة أربعين أو نحوها، ذكره الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) ] . وقبرها بالبقيع. لها ترجمة في: (مسند أحمد) : 7/ 473- 475، (طبقات ابن سعد) : 8/ 120- 129، (تاريخ خليفة) : 82، 83، 86، (المعارف) : 138، 215، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 231- 238، ترجمة رقم (26) ، (المستدرك) : 4/، (الاستيعاب) : 4/ 1871، ترجمة رقم () ، (جامع الأصول) : 9/ 143، (تهذيب التهذيب) : 12/ 429، ترجمة رقم () ، (الإصابة) : / ترجمة رقم () ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 492، (كنز العمال) : 13/ 637، 704، (المواهب اللدنية) : 2/، (صفة الصفوة) : 2/، ترجمة رقم () ، (شذرات الذهب) : 1/ 12 ورد لها من الحديث عشرة أحاديث، منها واحد متفق عليه [أخرجه البخاري في الاعتكاف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 مشكم، ثم خلف عليها كنانة بن أبى الحقيق اليهودي، فقتل يوم خيبر، وكانت صفىّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مغانم خيبر، ويقال: بل وقعت في سهمه يومئذ هي وأختها، فتزوجها ووهب أختها لدحية بن خليفة، ويقال بل اشتراها بسبعة أرؤس. وقيل: لما جمع سبى خيبر جاء دحية فقال: يا رسول اللَّه! أعطنى جارية من السبي، فقال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية، فقيل: يا رسول اللَّه! إنها سيدة قريظة والنضير ما تصلح إلا لك، فقال لدحية: خذ جارية غيرها من السبي. والثابت أنها صارت في سهمه، فأعتقها وجعل عتقها صداقها، وحجبها وأولم عليها بتمر وسويق وقسم لها، فكانت إحدى أمهات المؤمنين، وكانت حليمة عاقلة فاضلة، توفيت في رمضان سنة خمس. وقال محمد بن عائد. - في (كتاب المغازي) -: حدثنا الوليد عن ابن لهيعة، عن أبى الأسود عن عروة قال: وقد كان قال قبل وفاته: مروا جويرية ابنة الحارث بالحجاب وصفية بنت حيي، وردوا وفود العرب وجهزوهم. وخرج الطبراني من حديث إسماعيل بن عياش، عن الحجاح بن أرضأة، عن الزهري، عن أنس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم استبرأ صفية بحيضة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث [ (1) ] وميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد اللَّه بن   [ (1) ] هي ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد اللَّه بن هلال بن عامر بن صعصعة، الهلالية، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخت أم الفضل زوجة العباس، وخالة خالد بن الوليد، وخالة ابن عباس. تزوجها أولا مسعود بن عمرو الثقفي قبيل الإسلام، ففارقها، وتزوجها أبو رهم بن عبد العزى، فمات، فتزوج بها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في وقت فراغه من عمرة القضاء، سنة سبع في ذي القعدة، وبنى بها بسرف، وكانت من سادات النساء. روت عدة أحاديث: سبعة في (الصحيحين) ، وانفرد لها البخاري بحديث، ومسلم بخمسة، وجميع ما روت ثلاثة عشر حديثا. حدّث عنها ابن عباس، وابن أختها الآخر: عبد اللَّه بن شداد بن الهاد، وعبيد ابن السّباق، وابن أختها الثالث: عبد الرحمن بن الصائب الهلالي، وابن أختها الرابع: يزيد بن الأصم، وكريب مولى بن عباس، ومولاهما: سليمان بن يسار، وأخوه عطاء بن يسار وآخرون. قال ابن سعد في (الطبقات) : أخبرنا محمد بن عمر، حدثني إبراهيم بن محمد بن موسى، عن الفضيل بن أبى عبد اللَّه، عن على بن عبد اللَّه بن عباس، قال: لما أراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الخروج إلى مكة عام القضية [أي عام عمرة القضية أو القضاء، وذلك في سنة سبع من الهجرة، وقد دخل مكة، ثم خرج بعد إكمال عمرته] بعث أوس بن خوليّ، وأبا رافع إلى العباس، فزوجه بميمونة، فأضلا بعيريهما، فأقاما أياما ببطن رابغ، حتى أدركهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بقديد، وقد ضمّا بعيريهما، فسارا معه حتى قدم مكة، فأرسل إلى العباس، فذكر له ذلك، وجعلت ميمونة أمرها إلى [العباس] ، فخطبها إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فزوجها إياه. قال عبد الكريم الجزري، عن ميمون بن مهران: دخلت على صفية بنت شيبة عجوز كبيرة، فسألتها: أتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ميمونة وهو محرّم؟ قالت: لا، واللَّه لقد تزوجها وإنهما لحلالان [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) من طريق عبد اللَّه بن جعفر الرقى، ورجاله ثقات] . أيوب، عن يزيد بن الأصم، قال: خطبها صلّى اللَّه عليه وسلم وهو حلال، وبنى بها وهو حلال [أخرجه مسلم في النكاح، باب تحريم نكاح المحرم، وكراهة خطبته، وابن ماجة عن يزيد بن الأصم، حدثتني ميمونة بنت الحارث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوجها وهو حلال، قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس] . جرير بن حازم، عن أبى فزارة، عن يزيد بن الأصم، قال: دفنّا ميمونة بسرف، في الظلة التي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قبيس بن غيلان بن مضر، أمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة، من حمير، وقيل: من كنانة، وهي أخت أم الفضل لبابة الكبرى، امرأة العباس، ولبابة الصغرى امرأة الوليد بن المغيرة المخزومي أم خالد بن الوليد، وأخت عصماء امرأة أبىّ بن خلف، وعزة امرأة زياد بن عبد اللَّه الهلالي، وأخت أسماء بنت عميس، وسلمى بنت عميس، وسلامة بنت عميس، وزينب بنت خزيمة. وكانت عند أبى سبرة بن أبى رهم، وقيل: بل كانت عند أبى رهم عبد العزى بن قيس بن عبد ودّ بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن   [ () ] بنى بها فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد كانت حلقت في الحج، نزلت في قبرها أنا وابن عباس. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) والحاكم في (المستدرك) ، وصححه الذهبي، وأقره في (التلخيص) ] . وعن عطاء: توفيت ميمونة بسرف، فخرجت مع ابن عباس إليها، فقال: إذا رفعتم نعشها فلا تزلزلوها، ولا تزعزعوها. وقيل: توفيت بمكة، فحملت على الأعناق بأمر ابن عباس إلى سرف، وقال: أرفقوا بها، فإنّها أمكم. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) ، والحاكم في (المستدرك) . وصححه الذهبي في (التلخيص) ] . وقال خليفة في (طبقاته) : توفيت سنة إحدى وخمسين. لها ترجمة في: (مسند أحمد) : 7/ 463- 473، (طبقات ابن سعد) : 8/ 132- 140، (طبقات خليفة) ، 338، (تاريخ خليفة) : 86، 218، (المعارف) : 137- 344، (المستدرك) : 4/ 33، (الاستيعاب) : 4/ 1914، (تهذيب التهذيب) : 12/ 480، ترجمة رقم (2898) ، (الإصابة) : 8/ 126، ترجمة رقم (11779) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 496، (كنز العمال) : 13/ 708، (شذرات الذهب) : 1/ 12، 58، (المواهب اللدنية) : 2/ 89- 90 ، (أسماء الصحابة الرواة) : 68، ترجمة رقم (44) ، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 238- 245 ، ترجمة رقم (27) . وقال أبو عبد اللَّه الحاكم: ومما يتعجب من قضاء اللَّه تعالى وقدره: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بنى بميمونة بنت الحارث بسرف، وردها إلى المدينة عند منصرفه من عمرة القضاء، وبقيت عنده إلى أن خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لفتح مكة، وقد أخرجها معه إلى أن فتح الطائف، وانصرف راجعا إلى المدينة، فماتت ميمونة بسرف في الموضع الّذي بنى بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عند تزويجها. (المستدرك) : 4/ 33، كتاب معرفة الصحابة باب ذكر أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضى اللَّه عنها، حديث رقم (6796/ 2394) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم، ثم قال: وعن ابن شهاب قال: وقدر اللَّه أن يكون موتها بسرف، وقبرت بها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 لؤيّ، وقيل: عند حويطب بن عبد العزى، وقيل: عند أبى رهم بن عبد العزى، وقيل: عند فروة بن عبد العزى بن أسد بن غنم بن دودان، وهو خطأ. وقيل: هي التي وهبت نفسها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وفيها نزلت: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ [ (1) ] الآية، والثابت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [أرسل] [ (2) ] أبا رافع مولاه، ورجلا من الأنصار يقال له: أوس بن خولى إلى مكة فخطباها عليه، فلما قدم مكة في عمرة القضاء تزوج بها، زوّجه إياها العباس على عشر أواقي ونشّ، وقيل: أربعمائة درهم، ويقال: تزوجها على ما تركت زينب بنت خزيمة، وخرج من مكة، وخلّف أبا رافع ليحملها، فوافاه بها بسرف، فبنى بها. وقيل: بل بعث إليها بجعفر بن أبى طالب فخطبها، فجعلت أمرها إلى العباس فزوّجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة، وقيل: بل لقي العباس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالجحفة حين اعتمر عمرة القضية فقال له: يا رسول اللَّه، إن ميمونة بنت الحارث تأيمت، هل لك أن تتزوجها؟ فتزوجها وهو محرم، كما خرجاه في الصحيحين من حديث ابن عباس، وقيل: بل كان حلالّا، كما رواه مسلم عن ميمونة، والترمذي عن أبى رافع وكان اسمها برة، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ميمونة، وبنى بها بسرف بعد ما خرج من مكة، وتوفيت بسرف في الموضع الّذي ابنتي بها فيه رسول اللَّه، وذلك سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة ست وستين، وقيل: سنة ثلاث وستين، وصلّى عليها عبد اللَّه بن عباس، ودخل قبرها هو ويزيد بن الأصم، وعبد اللَّه بن شداد بن الهادي، وهم بنو أخواتها، وعبيد اللَّه الخولانيّ وكان يتيما في حجرها، وهي آخر من تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: ماتت بمكة فحملت إلى سرف [ (3) ] فدفنت هناك.   [ (1) ] الأحزاب: 50. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] موضع على ستة أميال من مكة (معجم البلدان) : 3/ 329، موضع رقم (6378) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 فصل [جامع لأزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم] فهؤلاء اثنتي عشرة امرأة، واحدة وهبت نفسها، وماتت اثنتان في حياته صلّى اللَّه عليه وسلم، وتوفى عن تسع هن: سودة، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة، وجويرية، وصفية، وميمونة، رضى اللَّه عنهن. وقد جاء في رواية في الصحيح أنه مات عن إحدى عشرة، والأول أصح، وقال قتادة بن دعامة: أنه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج خمس عشرة امرأة، فدخل بثلاث عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، ومات عن تسع [ (1) ] . وفي رواية: تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خمس عشرة امرأة، ست منهن من قريش وواحدة من حلفاء قريش، وسبعة من نساء العرب، وواحدة من بنى إسرائيل، ولم يتزوج في الجاهلية غير واحدة [ (2) ] . وعن الزهري وعبد اللَّه بن محمد بن عقيل قالا: تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثنتى عشرة امرأة عربيّة محصنات، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وقد ثبت عندنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج ثماني عشرة امرأة، سبع [منهن من] قريش، وواحدة من حلفاء قريش، وتسع من سائر قبائل العرب، وواحدة من بنى إسرائيل. فأول من تزوج خديجة، ثم سودة بمكة، ثم عائشة قبل الهجرة بسنتين، ثم تزوج بالمدينة بعد بدر أم سلمة، ثم حفصة، فهؤلاء الخمسة من قريش، ثم تزوج في سنة ثلاث زينب بنت جحش، ثم في سنة   [ (1) ] ، (2) (دلائل البيهقي) : 7/ 288- 289، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 254. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 خمس جويرية، ثم تزوج في سنة ست أم حبيبة بنت أبى سفيان، ثم في سنة سبع صفية بنت حيي، ثم تزوج ميمونة، ثم فاطمة بنت شريح، ثم زينب بنت خزيمة، ثم هند بنت يزيد، ثم أسماء بنت النعمان، ثم أخت الأشعث بن قيس، ثم أسماء السّلمية [ (1) ] . وقال الماوردي: تزوج ثلاثا وعشرين، ستّ متن قبله، وتسع مات قبلهن، وثمان فارقهن، فاللاتى متن قبله: خديجة، [وزينب أم المساكين] ، وسناء بنت الصلت، وشراف، وخولة بنت الهذيل، وخولة بنت حكيم السلمية ماتت قبل أن يدخل بها، وقيل: هي التي وهبت نفسها. وروى الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد المقدسي بنحو قول قتادة عن أنس في كتابه (المختار) : وأرجأ من نسائه: سودة، وصفية، وجويرية، وأم حبيبة، وميمونة، والإرجاء أن يرجئ من يشاء منهن متى شاء، ويتركها إذا شاء، وكان ذلك من أمر اللَّه تعالى ورضاه. وأوى من نسائه: عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة. والإيواء: أن يقسم لهن ويسوى بينهن. وعن الشعبي في قول اللَّه تعالى: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ، قال: هنّ نساء وهبن أنفسهن للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم لم يدخل بهن، ولم يتزوجهن أحد بعده [ (2) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 288- 289، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 254. [ (2) ] قال الإمام محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسى الغرناطي: روى أن أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلم لمّا تغايرن وابتغين زيادة النفقة فهجرهن شهرا، نزل التغيير: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب: 28- 29] ، أشفقن أن يطلقهن، فقلن: يا رسول اللَّه، أفرض لنا من نفسك ومالك ما شئت، والظاهر أن الضمير في (منهن) عائد على أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلم. والإرجاء: الإيواء. قال ابن عباس والحسن: في طلاق ممن تشاء ممن حصل في عصمتك، وإمساك من تشاء. وقالت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 وخرج الإمام أحمد من حديث عمار، عن ثابت عن أنس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أرسل أم سليم تنظر إلى جارية فقال: شمّى عوارضها وانظري إلى عرقوبها [ (1) ] ، وأما النساء اللاتي لم يدخل بهن فهن: الكلبية، تزوجها   [ () ] فرقة: في تزوج من تشاء من الواهبات، وتأخير من تشاء. وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك: وتقرر من شئت في القسمة لها، وتؤخر عنك من شئت، وتقلل لمن شئت، وتكثر لمن شئت، لا حرج عليك في ذلك، فإذا علمن أن هذا حكم اللَّه وقضاؤه، زالت الإحنة والغيرة عنهن، ورضين وقرت أعينهن، وهذا مناسب لما روى في سبب هذه الآية المتقدم ذكره. وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ: أي ومن طلبتها من المعزولات ومن المفردات، فَلا جُناحَ عَلَيْكَ في ردها أو إيوائها إليك. ويجوز أن يكون ذلك توكيدا لما قبله، أي ومن ابتغيت ممن عزلت ومن عزلت سواء، لا جناح عليك. كما تقول: من لقيك ممن لم يلقك، جميعهم لك شاكر، تريد من لقيك ومن لم يلقك، وفي هذا الوجه حذف المعطوف، وغرابة في الدلالة على هذا المعنى بهذا التركيب، والراجح القول الأول. وقال الحسن: المعنى: من مات من نسائك اللواتي عندك أو خلّيت سبيلها، فلا جناح عليك أن تستبدل عوضا من اللاتي أحللت لك، فلا تزداد على عدة نسائك اللاتي عندك. وقال الزمخشريّ: معنى تترك مضاجع من تشاء منهن وتضاجع من تشاء، أو تطلق من تشاء، وتمسك من تشاء، أو لا تقسم لأيتهن شئت، وتقسم لمن شئت، أو تترك من تشاء من أمتك وتتزوج من شئت. وعن الحسن: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها، وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض، لأنه إما أن يطلق، وإما أن يمسك، فإذا أمسك ضاجع، أو ترك وقسم، أو لم يقسم، وإذا طلق وعزل، فإما أن يخلى المعزولة لا يتبعها أو يتبعها. وروى أنه صلّى اللَّه عليه وسلم أرجأ منهن: سودة، وجويرية، وصفية، وميمونة، وأم حبيبة، وكان يقسم لهن ما شاء كما شاء، وكانت ممن أوى إليه: عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب، أرجأ خمسا وأوى أربعا. وروى أنه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يسوى بينهن مع ما أطلق له وخيّر فيه إلا سودة، فإنّها وهبت ليلتها لعائشة وقالت: لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك. ذلك التفويض إلى مشيئتك أدنى إلى قرة عيونهن، وانتفاء حزنهن ووجود رضاهن، إذا علمت أن ذلك التفويض من عند اللَّه، فحالة كل منهن كحالة الأخرى في ذلك. (البحر المحيط) : 8/ 494- 496 . [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 110، حديث رقم (13012) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما دنا [منها] قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: «عذت بعظيم، الحقي بأهلك» [ (1) ] . وقيل: دخل بها، ولكنه لمّا خير نساءه اختارت قومها ففارقها، فكانت بعد ذلك تلقط البعر، وتدخل على أمهات المؤمنين فيتصدقن عليها وتقول: أن الشقية. وماتت عند أهلها سنة ستين، وكان تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بها في سنة ثمان منصرفه من الجعرانة، وقيل: إنها ابنة الضحاك بن سفيان الكلابي، واسمها فاطمة، وقيل إن الضحاك الكلابي عرض ابنته على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال من صفتها كذا وكفاك من صحة بدنها أنها لم تمرض قط ولم تصدع، فقال: لا حاجة لنا فيها، هذه تأتينا بخطاياها [ (2) ] . وقال الكلبي: التي قال أبوها أنها لم تصدع قط وعرضها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: لا حاجة لنا بها: سلميّة، وأما الكلبية فاختارت قومها، فذهلت وذهب عقلها، فكانت تقول: أنا الشقية، خدعت [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 287، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 257- 259. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 288. [ (3) ] وأخرج البخاري في كتاب الطلاق، باب (3) من طلّق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟ حديث رقم (5254) : حدثنا الحميدي، حدثنا الوليد، حدثنا الأوزاعيّ قال: سألت الزهري: أي أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم استعاذت منه؟ قال: أخبرنى عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ودنا منها قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال لها: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك. قال أبو عبد اللَّه: رواه حجاج بن أبى منيع عن جده، عن الزهري أن عروة أخبره أن عائشة قالت ... وحديث رقم (5255) : حدثنا أبو نعيم، حدثنا عبد الرحمن بن غسيل، عن حمزة بن أبى أسيد، عن أبى أسيد رضى اللَّه عنه قال: خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط، حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اجلسوا هاهنا، ودخل، وقد أتى بالجونية، فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحبيل، ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: هبي نفسك لي، قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن، فقالت: أعوذ باللَّه منك. فقال: قد عذت بمعاذ، ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد، اكسها رازقين، وألحقها بأهلها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95   [ () ] وحديث رقم (5256، 5257) : وقال الحسين بن الوليد النيسابورىّ عن عبد الرحمن، عن عباس بن سهل، عن أبيه وأبى أسيد قالا: تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أميمة بنت شراحبيل، فلما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقين. وأخرج في كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وآنيته، حديث رقم (5637) : حدثنا سعيد بن أبى مريم، حدثنا أبو غسان قال: حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد رضى اللَّه عنه قال: ذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد الساعدي أن يرسل إليها، فأرسل إليها، فقدمت فنزلت في أجم بنى ساعدة، فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى جاءها فدخل عليها، فإذا امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قالت: أعوذ باللَّه منك! فقال: قد أعذتك منى، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ قالت: لا، قالوا: هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جاء ليخطبك، قالت: كنت أنا أشقى من ذلك. فأقبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ. حتى جلس في سقيفة بنى ساعدة هو وأصحابه ...... قال الحافظ في (الفتح) : ووقع في كتاب (الصحابة) لأبى نعيم، من طريق عبيد بن القاسم عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن عمرة بنت الجون تعوذت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين أدخلت عليه، قال: لقد عذت بمعاذ ... الحديث، وعبيد متروك. والصحيح أن اسمها أميمة بنت النعمان بن شراحبيل، كما في حديث أبى أسيد، وقال مرة: أميمة بنت شراحبيل، فنسبت لجدها، وقيل: اسمها أسماء كما سأبينه في حديث أبى أسيد مع شرحه مستوفى. وروى ابن سعد عن الواقدي، عن ابن أخى الزهري، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الكلابية ... فذكر مثل حديث الباب. وقوله: الكلابية غلط، وإنما هي الكندية، فكأنما الكلمة تصحفت. نعم، للكلابية قصة أخرى، ذكرها ابن سعد أيضا بهذا السند إلى الزهري وقال: اسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان، فاستعاذت منه فطلقها، فكانت تلقط البعر وتقول: أنا الشقية، قال: وتوفيت سنة ستين. ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن الكندية لما وقع التخيير اختارت قومها، ففارقها، فكانت تقول: أنا الشقية. ومن طريق سعيد بن أبى هند أنها استعاذت منه فأعاذها، ومن طريق الكلبي اسمها العالية بنت ظبيان بن عمرو. وحكى ابن سعد أيضا أن اسمها عمرة بنت يزيد بن عبيد، وقيل: بنت يزيد بن الجون. وأشار ابن سعد إلى أنها واحدة اختلف في اسمها، والصحيح أن التي استعاذت منه هي الجونية، وروى ابن سعد من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: لم تستعذ منه امرأة غيرها. قلت: وهو الّذي يغلب عليه الظن، لأن ذلك إنما وقع للمستعيذة بالخديعة المذكورة، فيبعد أن تخدع أخرى بمثل ما خدعت به، بعد شيوع الخبر بذلك. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج الجونية، واختلفوا في سبب فراقه، فقال قتادة: لما دخل عليها دعاها فقالت: تعال أنت. فطلقها، وقيل: كان بها وضح كالعامرية. قال: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 وقال الواقدي: تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم امرأة من بنى عامر، فكان إذا خرج اطلعت إلى أهل المسجد، فأخبرته أزواجه بذلك، فقال إنكن تبغين عليها، فقلن: نحن تركنها وهي تطلع، فلما رآها فارقها. [أم شريك] وأم شريك الأنصارية، قال ابن إسحاق: حدثنا أبو الأشعث، حدثنا زهير بن العلاء، حدثنا سعيد بن أبى عروة، عن قتادة قال: وتزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم شريك الأنصارية من بنى النجار، قال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم قال: إني أكره غيرتهن فلم يدخل بها. ذكره الحاكم [ (1) ] . [العالية] والعالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف بن عبد بن أبى بكر بن كلاب، تزوج بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فمكثت عنده ما شاء اللَّه ثم طلقها، فقيل: بسبب التطلع، فتزوجها ابن عم لها ودخل بها، وذلك قبل أن يحرم نكاحهن على الناس، وولدت له [ (2) ] . وذكر الحاكم أنها التي بكشحها بياض، وأنها غير أسماء بنت النعمان ابن يزيد بن عبيد بن رواس بن كلاب، تزوج بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فبلغه أن   [ () ] وزعم بعضهم أنها قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: قد عذت بمعاذ وقد أعاذك اللَّه منى، فطلقها. قال: وهذا باطل، إنما قال له هذا امرأة من بنى العنبر، وكانت جميلة، فخاف نساؤه أن تغلبهن عليه، فقلن لها: إنه يعجبه أن يقال له: نعوذ باللَّه منك، ففعلت، فطلقها. كذا قال، وما أدرى لم حكم ببطلان ذلك مع كثيرة الروايات الواردة فيه، وثبوته في حديث عائشة رضى اللَّه تعالى عنها في (صحيح البخاري) . (فتح الباري) : 9/ 446- 447. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 556، حديث رقم (15631) ، وزاد في آخره: قال: وقال غير أبى أحمد: امرأة من بنى الجون يقال لها أمينة. [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 37، كتاب معرفة الصحابة، ذكر أم شريك الأنصارية من بنى النجار، حديث رقم (6810/ 2408) ، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 255- 256) . [ (2) ] (سير أعلام النبلاء) : 2/ 254، (المستدرك) : 4/ 36- 37 حديث رقم (6807/ 2405) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 بها بياضا، أو رأى بكشحها بياضا [ (1) ] ، فطلقها، قال ابن الكلبي: وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هند بنت يزيد [] القرطاء، من ولد أبى بكر بن كلاب، وبعث إليها أبا أيوب الأنصاري فلما اهتداها رأى بها بياضا فطلقها. [الكلابية] وقال الحاكم: والكلابية قد اختلف في اسمها، فقال بعضهم: هي فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي، وقال بعضهم: هي عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رواس بن كلاب بن عامر، وقال بعضهم: هي عالية بنت كيسان بن عمرو بن عوف بن كعب بن عبيد بن كلاب، وقال بعضهم: هي سبا بنت سفيان بن عوف بن كعب بن عبيد بن أبى بكر بن كلاب [ (2) ] . وقال بعضهم: لم يكن إلا كلابية واحدة، وإنما اختلف في اسمها، وقال بعضهم: بل كن جمعا [ولكن] [ (3) ] لكل واحدة منهن قصة غير قصة صاحبتها. وذكر [سعيد] [ (4) ] أن [أسماء بنت النعمان] [ (3) ] لما أدخلت عليه لم تكن باليسيرة لما أدخلت، فانتظر بها اليسر، ومات إبراهيم ابن رسول اللَّه على بقية ذلك، فقالت: لو كان نبيا ما مات أحب الناس إليه   [ (1) ] وزاد الحاكم: فقال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: البسى ثيابك وألحقى بأهلك، وأمر لها بالصداق، وفيه زيد بن كعب بن عجرة قال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : قال ابن معين: زيد ليس بثقة. [ (2) ] قال الحاكم: هذه ليست بالكلابية إنما هي أسماء بنت النعمان، (الاستيعاب) 4/ 1881، ترجمة رقم (4028) الغفارية، (المستدرك) : 4/ 37، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر العالية حديث رقم (6807/ 2405) . [ (3) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (4) ] هو ابن أبى عروبة عن قتادة. (المرجع السابق) ، حديث رقم (6809/ 2407) ، وسكت عنه الذهبي في التلخيص. وفيه زهير بن العلاء، روى عن أبى حاتم الرازيّ أنه قال: أحاديثه موضوعة كما في (الميزان) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 وأعز عليه، فطلقها وأوجب لها المهر، وحرمت على الأزواج [ (1) ] . [أسماء بنت عمرو] وأسماء بنت عمرو بن النعمان بن الحارث بن شراحبيل، كذا قال هشام ابن محمد الكلبي في كتاب (الجامع) ، وعند ابن عبد البر أنها أسماء بنت النعمان بن الأسود بن الحارث بن شراحبيل بن النعمان [بن كندة] ، ولم يصححه، بل ذكره بصيغة التمريض، وهي من كندة، ثم من معاوية وهو الجون بن آكل المرار، تزوج بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت من أجمل النساء، ومهرها اثنتي عشرة أوقية ونشا، فقال لها بعض نسائه: أنت بنت ملك، وإن استعذت باللَّه منه حظيت عنده. فلما دخلت عليه دنا منها فقالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: عذت بمعاذ عذت، وقال: ارجعي إلى أهلك، فقيل: يا رسول اللَّه، إنها خدعت وهي حدثه، فلم يراجعها، فتزوجها المهاجر بن أمية المخزومي، ثم قيس بن هبيرة المرادي، فأراد عمر رضى اللَّه عنه معاقبتهما فقيل له: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يدخل بها، ولم يضرب عليها الحجاب، ولم تسمّ في أمهات المؤمنين، فأمسك [ (2) ] . [قتيلة بنت قيس] قال الكلبي: وقال الشوقى بن القطامي: دعاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: بل ائتني أنت، فطلقها، وذكره الحاكم عن قتادة، وقال الكلبي: لما فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بهذه الكندية ما فعل، كان الأشعث بن قيس الكندي حاضرا، فقال: يا رسول اللَّه، ألا أزوجك قتيلة بنت قيس أختى؟ قال:   [ (1) ] (تاريخ الإسلام) : 2/ 593، فصل عدة أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 40، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6816/ 2414) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : سنده واه، ويروى عن زهير بن معاوية أنها ماتت كمدا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 نعم، فتوفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل أن يخرج من اليمن، فتزوجها عكرمة بن أبى جهل [ (1) ] وذكر الحاكم عن أبى عبيدة معمر بن المثنى أنه عليه السّلام تزوجها حين قدم عليه وفد كندة، وتوفى ولم يقدم عليه. وزعم بعضهم أنه تزوجها قبل وفاته بشهر، وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه، وزعم آخرون أنه أوصى أن تخير فاختارت النكاح، فتزوجها عكرمة بن أبى جهل، وزعم بعضهم أنها ارتدت [ (2) ] . [الجونيّة] وقال الواقدي: قدم النعمان الكندي وكان منزله، بنجد فأسلم، وقال: يا رسول اللَّه! ألا أزوجك أجمل أيم في العرب؟ فتزوجها على اثنتي عشرة أوقية ونشّ- وذلك خمسمائة درهم- ووجه أبا أسيد الساعدي فقدم بها، وأنزلها في أطعم بنى ساعدة، وكانت جميلة فائقة الجمال. فاندسّت إليها امرأة من نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: أنت كنت تريدين الحظوة عنده فاستعيذى منه، فإن ذلك يعجبه، فلما جاءها أقعى، ثم أهوى إليها ليقبلها- وكذلك كان يصنع- فقالت: أعوذ باللَّه منك،   [ (1) ] قال أبو عمرو بن عبد البر: الاختلاف في الكندية كثيرا جدا، منهم من يقول: هي أسماء بنت النعمان، ومنهم من يقول: هي أميمة بنت النعمان، ومنهم من يقول: أمامة بنت النعمان، واختلافهم في سبب فراقها على ما رأيت، والاضطراب فيها وفي صواحبها اللواتي لم يجتمع عليهنّ من أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلم اضطراب عظيم على ما ذكرنا كثيرا منه في صدر هذا الكتاب، والحمد للَّه. (الاستيعاب) : 4/ 1787 تعليقا على ترجمة أسماء بنت النعمان بن الجون بن شراحبيل رقم (3232) ، (عيون الأثر) : 2/ 311. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 40، كتاب معرفة الصحابة، ذكر قتيلة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس، حديث رقم (6817/ 2415) ، قال عنه الذهبي في التلخيص: قتيلة أخت الأشعث بن قيس، قال أبو عبيدة: تزوجها نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم ذكر الحديث، (المواهب اللدنية) : 2/ 97، فصل: الثامنة، قتيلة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 فانحرف عنها وقال: عذت بمعاذ، وخرج فأمر بردها. فردها أبو أسيد إلى قومها فقالوا: إنك لغير مباركة، جعلتينا في العرب شهرة، فأقامت في بيتها لا يطمع في بيتها طامع، ولا يراها إلا ذو محرم حتى توفيت في خلافة عثمان عند أهلها بنجد، قال: وكان تزويجه هذه الجونية في ربيع الأول سنة تسع، ويقال: إن عائشة وحفصة رضى اللَّه عنهما توليا مشطها وإصلاح أمرها، فأمراها أن تستعيذ منه إذا دنا منها [ (1) ] . وعن الزهري: لم يتزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كندية إلا أخت الجون، ثم فارقها، وعن عروة بن الزبير: أنه ما تزوج أخت الأشعث قط، ولا تزوج كندية إلا أخت بنى الجون. وقال محمد بن حبيب: الجونية امرأة من كندة، وليست بأسماء ابنة النعمان، كان أبو أسيد قدم بها عليه، [فتولت] عائشة وحفصة مشطها وإصلاح أمرها، فقالت إحداهما لها: إن رسول اللَّه يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ باللَّه منك، فلما دخل عليها وأرخى الستر، ثم مد يده، قالت: أعوذ باللَّه منك، فوضع كمه على وجهه وقال: عذت بمعاذ ثلاث مرات، ثم خرج فأمر أبا أسيد أن يلحقها بأهلها، ويمتعها برازقتين ثياب كتان، فذكروا أنها ماتت كمدا [ (2) ] . [مليكة بنت كعب] ومليكة بنت كعب الليثي من كنانة، تزوجها في رمضان سنة ثمان، فقالت لها عائشة رضى اللَّه عنها: أما تستحين أن تنكحى قاتل   [ (1) ] فقالت حفصة لعائشة: أخضبيها أنت وأنا أمشطها، ففعلتا، ثم قالت لها إحداهما: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ باللَّه منك، فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مد يده إليها فقالت: أعوذ باللَّه منك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة على وجهه فاستتر به وقال: «عذت بمعاذ» ثلاث مرات. (المستدرك) : 4/ 40، حديث رقم (6816/ 2415) . [ (2) ] المرجع السابق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 أبيك [ (1) ] ؟ فقالت: كيف أصنع؟ قالت: استعيذى باللَّه منه، فاستعاذت فطلقها، وقتل أبوها [ (1) ] يوم فتح مكة، وقيل: هذه الكندية هي عمرة، وقيل: دخل بمليكة الكنانية فماتت عنده، وأنكر الزهري وغيره أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج كنانية قط [ (2) ] . [أم هانئ] وذكر ابن الكلبي: وخطب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم هانئ بنت أبى طالب فقالت: ولقد كنت أحبك في الجاهلية، فكيف في الإسلام؟ ولكنى امرأة ذات أولاد صغار وأنا أخاف أن يؤذوك، فأمسك عنها وقال: خير نساء ركبن المطايا نساء قريش: أحناهن على ولد في صغر، وأرعاهن على زوج في ذات يد [ (3) ] .   [ (1) ] قتله خالد بن الوليد بالخندق (طبقات ابن سعد) : 8/ 148. [ (2) ] قال ابن سعد: قال محمد بن عمر: مما يضعف هذا الحديث ذكر عائشة أنها قالت لها: ألا تستحيين ... إلخ، وعائشة لم تكن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في ذلك السفر. (طبقات ابن سعد) : 8/ 148، (تاريخ الإسلام) : 2/ 596. قال القسطلاني: الخامسة [من الزوجات] : مليكة بنت كعب الليثية، قال بعضهم: هي التي استعاذت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: دخل بها، وماتت عنده، والأول أصح، ومنهم من ينكر تزويجه بها أصلا. (المواهب اللدنية) : 2/ 96، في رواية الواقدي: فطلقها، فجاء قومها فقالوا: يا رسول اللَّه! إنها صغيرة، ولا رأى لها، وإنها خدعت فارتجعها، فأبى عليهم، فاستأذنوه أن يزوجوها، فأذن لهم. (تاريخ الإسلام) : 2/ 596. [ (3) ] هي أم هانئ فاختة بنت أبى طالب، أخت عليّ، خطبها صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: إني امرأة مصبية، واعتذرت إليه، فعذرها. (المواهب اللدنية) : 2/ 99. وقال الحافظ الذهبي: وقد خطب صلّى اللَّه عليه وسلم أم هانئ بنت أبى طالب: وضباعة بنت عامر، و صفية بنت بشامة، ولم يقض له صلّى اللَّه عليه وسلم أن يتزوج بهن، واللَّه تعالى. أعلم. (تاريخ الإسلام) : 2/ 599. وهذا الحديث رواه البخاري في النكاح، باب إلى من ينكح وأي النساء خير، وفي النفقات، باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده والنفقة، ورواه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل نساء قريش، ولفظه عن أبى هريرة، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: نساء قريش خير نساء ركبن الإبل، أحناه على طفل في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده. ويقول أبو هريرة على إثر ذلك: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط، ولو علمت أنها ركبت بعيرا ما فضّلت عليها أحدا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102   [ () ] وفي رواية: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خطب أم هاني بنت أبى طالب، فقالت: يا رسول اللَّه! إني قد كبرت ولى عيال، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: خير نساء ركبن الإبل، وفي رواية: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش.. (جامع الأصول) : 9/ 210- 211. قول أبى هريرة: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط، فكأنه أراد إخراج مريم من هذا التفضيل، لأنها لم تركب بعيرا قط، فلا يكون فيه تفضيل نساء قريش عليها، ولا يشك لمريم فضلا، وأنها أفضل من جميع نساء قريش، إن ثبت أنها نبية، أو من أكثرهن إن لم تكن نبية. ويحتمل أن لا يحتاج في إخراج مريم من هذا التفضيل إلى الاستنباط من قوله: ركبن الإبل، لأن تفضيل الجملة لا يستلزم ثبوت كل فرد منها، لأن قوله: ركبن الإبل، إشارة إلى العرب لأنهم الذين يكثر منهم ركوب الإبل، وقد عرف أن العرب خير من غيرهم مطلقا في الجملة فيستفاد منه تفضيلهن مطلقا على نساء غيرهن مطلقا. ويمكن أن يقال أيضا: إن الظاهر أن الحديث سيق في معرض الترغيب في نكاح القرشيات، فليس فيه التعرض لمريم ولا لغيرها ممن انقضى زمنهن. قوله: صالح نساء قريش، كذا للأكثر بالإفراد، وفي رواية، غير الكشمهيني: صلح، بضم أوله وتشديد اللام بصيغة الجمع، فالمحكوم له بالخيرية الصالحات من نساء قريش، لا على العموم، والمراد بالصلاح هنا صلاح الدين، وحسن المخالطة مع الزوج ونحو ذلك. قوله: أحناه، بسكون المهملة بعدها نون: أكثره شفقة، والحانية على ولدها هي التي تقوم عليهم في حال يتمهم، فلا تتزوج، فإن تزوجت فليست بحانية. قاله الهروي. وجاء الضمير مذكرا، وكان القياس أحناهن، وكأنه ذكر باعتبار اللفظ والجنس أو الشخص أو الإنسان. وجاء نحو ذلك في حديث أنس: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا، بالإفراد في الثاني. وحديث ابن عباس في قول أبى سفيان: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة، بالإفراد في الثاني أيضا. قال أبو حاتم السجستاني: لا يكادون يتكلمون به إلا مفردا. قوله: على ولده، في رواية الكشمهيني: على ولد، بلا ضمير وهو أوجه، ووقع في رواية لمسلم: على يتيم، وفي أخرى: على طفل، والتقييد باليتيم والصغر يحتمل أن يكون معتبرا من ذكر بعض أفراد العموم، لأن صفة الحنو على الولد ثابتة لها لكن ذكرت الحالتان لكونهما أظهر في ذلك. قوله: وأرعاه على زوج، أي أحفظ وأصون لما لها بالأمانة فيه والصيانة له، وترك التبذير في الإنفاق. قوله: في ذات يده، أي في ماله المضاف إليه، ومنه قولهم: فلان قليل ذات اليد أي قليل المال، وفي الحديث الحث على نكاح الأشراف خصوصا القرشيات، ومقتضاه أنه كلما كان نسبها أعلى تأكد الاستحباب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 وخرج الحاكم من حديث عبيد اللَّه بن موسى، حدثنا إسرائيل عن السدي، عن أبى صالح عن أم هاني قالت: خطبنى النبي عليه السّلام فاعتذرت إليه فعذرني، وأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ [ (1) ] إلى قوله: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ [ (1) ] قالت: فلم أكن [زوجا له] [ (2) ] ولم أهاجر معه، وكنت من الطلقاء. [قال: [ (2) ]] هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (3) ] . [صفية بنت بشامة] وصفية بنت بشامة الغيري، أخت الأعور بن بشامة، أخذت سبيّة فعرض عليها أن يتزوجها أو ترد إلى أهلها فاختارت أن ترد فردت [ (4) ] .   [ () ] ويؤخذ منه اعتبار الكفاءة في النسب، وأن غير القرشيات ليس كفأ له، وفضل الحنو والشفقة وحسن التربية والقيام على الأولاد وحفظ مال الزوج وحسن التدبير فيه. ويؤخذ منه مشروعية إنفاق الزوج على زوجته. (فتح الباري) : 9/ 155- 156 كتاب النكاح، باب (12) إلى من ينكح، وأي النساء خير، وما يستحبّ أن يتخيّر لنطفه من غير إيجاب، حديث رقم (5082) ، (جامع الأصول) : 9/ 309، الباب السادس من كتاب الفضائل والمناقب، الفصل الأول في فضل قريش حديث رقم (6790) . [ (1) ] الأحزاب: 50. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] لم أجده في المستدرك، لكن قال القسطلاني: الخامسة [من المخطوبات] : أم هانئ فاختة بنت أبى طالب أخت عليّ، خطبها صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: إني امرأة مصبية، واعتذرت إليه فعذرها. (المواهب اللدنية) : 2/ 99. [ (4) ] قال القسطلاني: الثالثة [من المخطوبات] : صفية بنت بشامة- بفتح الموحدة وتخفيف الشين المعجمة- كان أصابها في سبى، فخيرها بين نفسه الكريمة وبين زوجها، فاختارت زوجها. (المواهب اللدنية) : 2/ 99، وقال الحافظ في (الإصابة) : صفية بنت بشامة، أخت الأعور، من بين العنبر بن تميم، ذكرها ابن حبيب في [ (المحبر) ] ممن خطبهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ولم يدخل بهن، قال الحافظ: وأسند ابن سعد عن ابن عباس بسند فيه الكلبي، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خطبها، وكان أصابها سباء، فخيرها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: إن شئت أنا وإن شيء زوجك، فقالت زوجي، فأرسلها، فلعنها بنو تميم. (الإصابة) : 7/ 737- 738، ترجمة رقم (11397) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 [ليلى بنت الخطيم] وليلى بنت الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة، أتته وهو غافل عنها [فضربت] [ (1) ] على منكبه فقال من هذا أكلة [الأسد] [ (2) ] ، فقالت: ابنة الخطيم، وبنت مطعم الطير، ومسارى الريح، وقد جئتك أعرض عليك نفسي، فقال: قد قبلتك. فأتت نساءها فقلن: بئس ما صنعت، أنت امرأة غيور، ورسول اللَّه كثير الضرائر، ونخاف أن تغارى، فيدعو عليك فتهلكى فاستقيليه، فأتت فاستقالته فأقالها، فدخلت بعض حيطان المدينة [تغتسل، إذ وثب عليها ذئب فأكل بعضها، فأدركت فماتت] [ (3) ] .   [ (1) ] في (خ) : «فخطأت» ، وما أثبتناه من (الإصابة) . [ (2) ] في (خ) : «الأسود» ، وما أثبتناه من (الإصابة) . [ (3) ] ما بين الحاصرتين سياقة مضطرب في (خ) ، وما أثبتناه من (الإصابة) . وقال الحافظ في (الإصابة) : ليلى بنت الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر الأنصارية الأوسية، ثم الظفرية. استدركها أبو على الجيانى على (الاستيعاب) ، وقال: ذكرها ابن أبى خيثمة وقال: أقبلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: أنا ليلى بنت الخطيم، جئتك أعرض نفسي عليك، فتزوجني، قال قد فعلت، ورجعت إلى قومها، فقالوا: بئس ما صنعت، أنت امرأة غيري، وهو صاحب نساء، ارجعي فاستقيليه، فرجعت فقالت: أقلنى، فقال: قد فعلت. قال الحافظ: ذكر ذلك ابن سعد عن ابن عباس بسند فيه الكلبي، فذكروا أتم منه، وأوله: أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو مولّ ظهره الشمس، فضربت على منكبه، فقال: من هذا أكلة الأسد، وكان كثيرا ما يقولها. وفي آخره: فقال قد أقلتك، قال: وتزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر فولدت له، فبينا هي في حائط من حيطان المدينة تغتسل، إذ وثب عليها ذئب فأكل بعضها فأدركت، فماتت. ثم أسند عن الواقدي، عن محمد بن صالح بن دينار، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: كانت ليلى بنت الخطيم وهبت نفسها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم فقبلها، وكانت تركب بعولتها ركوبا منكرا، وكانت سيئة الخلق ... فذكر نحو القصة دون ما في آخرها، وقال في روايته: فقالت: إنك نبي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 [خولة بنت الهذيل] [و] [ (1) ] خولة بنت الهذيل بن هبيرة، خطبها فهلكت قبل دخولها عليه [ (2) ] . [شراف بنت قطام] وشراف بنت قطام أخت دحية الكلبي، هلكت قبل دخولها عليه [ (3) ] .   [ () ] اللَّه، وقد أحلّ اللَّه لك النساء، وأنا امرأة طويلة اللسان، لا صبر لي على الضرائر، واستقالته صلّى اللَّه عليه وسلم. ومن طريق ابن أبى عون، أن ليلى وهبت نفسها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، ووهبن نساء أنفسهن، فلم يسمع أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قبل منهن أحدا، قال: وأمها مشرفة الدار بنت هيشة بن الحارث وأخرج ابن سعد عن الواقدي، حسبته عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: أول من بايع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أم سعد بن معاذ، وهي كبشة بنت أبى رافع بن عبيد، ومن بنى ظفر ليلى بنت الخطيم، ومن بن عمرو بن عوف ليلى ومريم وسهيمة بنات أبى سفيان الليثي، يقال له: أبو البنات. وذكر ابن سعد أيضا: أن مسعود بن أوس تزوجها في الجاهلية، فولدت له عمرة وعميرة، وكان يقال لها: أكله الأسد، وكانت أول امرأة بايعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومعها ابنتاها، وابنتان لابنتها، ووهبت نفسها له، ثم استقالة بنو ظفر، فأقالها. (الإصابة) : 8/ 103- 104، ترجمة رقم (11710) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 246 وما بعدها. [ (1) ] للزيادة للسياق. [ (2) ] هي خولة بنت الهذيل بن قبيصة بن هبيرة بن الحارث بن حبيب بن حرفة- بضم المهملة وسكون الراء بعدها فاء- ابن ثعلبة بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب التغلبية. قال الحافظ في (الإصابة) : وقد ذكرها المفضل بن غسان الغلابي في تاريخه، عن على بن صالح، عن على بن مجاهد، قال: وتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خولة بنت الهذيل، وأمها خرنق بنت خليفة، أخت دحية الكلبي. ، فحملت إليه من الشام، فماتت في الطريق، فنكح خالتها شراف أخت دحية بن خليفة الكلبي، فحملت إليه، فماتت في الطريق أيضا. وذكر ابن سعد عن هشام بن الكلبي، عن شرقى بن قطامى، حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج خولة بنت الهذيل، وأمها بنت خليفة بن فروة، أخت دحية الكلبي، وكانت خالتها شراف بنت خليفة هي التي ربتها فماتت بالطريق قبل أن تصل. (طبقات ابن سعد) : 8/ 115، (الإصابة) : 7/ 608، 609، ترجمة رقم (11093) ، 7/ 626- 627، ترجمة رقم (11130) ، (الاستيعاب: 4/ 1834، ترجمة رقم (2329) . [ (3) ] أخرج الطبراني، وأبو نعيم عنه، من طريق جابر الجعفي، عن ابن أبى مليكة، قال خطب رسول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 [ضباعة بنت عامر] وضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، مات عنها هشام بن المغيرة، وكانت جميلة، فخطبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم بلغه عنها كبرة وتغيّرا فأمسك عنها، وضباعة هذه هي التي طافت حول الكعبة عريانة، ولم تجد ثوب حرمىّ تستعيره ولا تكتريه، فقالت: اليوم يبدو بعضه أو كلّه ... فما بدا منه فلا أحلّه [ (1) ] .   [ () ] اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم امرأة من بنى كلب، فبعث عائشة تنظر إليها، فذهبت، ثم رجعت، فقالت: ما رأيت طائلا، فقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أقد رأيت خالا عندها اقشعرّت كل شعرة منك؟ فقالت: ما دونك سرّ. أورده أبو موسى في (الذيل) ، في ترجمة شراف، وقال: قيل إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوجها ولم يدخل بها، وبذلك جزم ابن عبد البر. قال الحافظ: وقد ورد التصريح بذكرها عن ابن سعد، عن هشام الكلبي، عن شرقى بن القطامي، قال: لما هلكت خولة بنت الهذيل تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شراف بنت خليفة أخت دحية، ولم يدخل بها، ثم أخرج أثر عائشة المذكور، عن محمد بن عمر، عن الثوري، عن جابر الجعفي، به. (الإصابة) : 7/ 726، ترجمة رقم (11370) ، (الاستيعاب) : 4/ 1868، ترجمة رقم (3397) . [ (1) ] ذكرها أبو نعيم، وأخرج من طريق عبد اللَّه بن الأجلح، عن الكلبي، أخبرنى عبد الرحمن العامري، عن أشياخ من قومه، قالوا: أتانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونحن بعكاظ، فدعانا إلى نصرته ومنعته، فأجبناه إذ جاء بيجرة بن فراس القشيري، فغمز شاكلة ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقمصت به، فألقته، وعندنا يومئذ ضباعة بنت عامر بن قرط، وكانت من النسوة اللاتي أسلمن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة، جاءت زائرة بنى عمها، فقالت: يا آل عامر، ولا عامر لي، يصنع هذا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بين أظهركم ولا يمنعه أحد منكم؟! فقام ثلاثة من بنى عمها إلى بيجرة، فأخذ كل رجل منه رجلا فجلد به الأرض، ثم جلس على صدره، ثم علا وجهه لطما، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ بارك على هؤلاء، فأسلموا، وقتلوا شهداء. وهذا مع انقطاعه ضعيف، وقد وجدت لضباعة هذه خبرا آخر، ذكره هشام بن الكلبي في الأنساب، عن أبيه، عن أبى صالح، عن ابن عباس قال: كانت ضباعة القشيرية تحت هودة بن على الحنفي، فمات فورثته من ماله، فخطبها ابن عم لها، وخطبها عبد اللَّه بن جدعان، فرغب أبوها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 [الكلبية] وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خطب امرأة من كلب، فبعث عائشة رضى اللَّه عنها لتنظر إليها، فذهبت ثم رجعت، فقال لها: ما رأيت؟   [ () ] في المال، فزوجها من ابن جدعان، ولما حملت إليه تبعها ابن عمها فقال: يا ضباعة، الرجال النخر أحب إليك أم الرجال الذين يطعنون السّور؟ قالت: لا، بل الرجال الذين يطعنون السور. فقدمت على عبد اللَّه بن جدعان، فأقامت عنده، ورغب فيها هشام بن المغيرة، وكان من رجال قريش، فقال لضباعة، أرضيت لجمالك وهيئتك بهذا الشيح اللئيم؟ سليه الطلاق حتى أتزوجك، فسألت ابن جدعان الطلاق، فقال: بلغني أن هشاما قد رغب فيك، ولست مطلقا حتى تحلفي لي أنك إن تزوجت أن تنحري مائة ناقة سوداء الحدق بين إساف ونائلة، وأن تغزلى خيطا يمد بين أخشبى مكة، وأن تطوفي بالبيت عريانة. فقالت: دعني انظر في أمرى، فتركها، فأتاها هشام فأخبرته فقال: أما نحر مائة ناقة فهو أهون عليّ من ناقة أنحرها عنك، وأما الغزل، فأنا آمر نساء بنى المغيرة يغزلن لك، وأما طوافك بالبيت عريانة، فأنا أسأل قريشا أن يخلو لك البيت ساعة، فسليه الطلاق، فسألته فطلقها وحلفت له. فتزوجها هشام، فولدت له سلمة، فكان من خيار المسلمين، ووفى لها هشام بما قال. قال ابن عباس: فأخبرني المطلب بن أبى وداعة السهمي- وكان لدة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- قال: لما أخلت قريش لضباعة البيت، خرجت أنا ومحمد ونحن غلامان، فاستصغرونا فلم نمنع، فنظرنا إليها لما جاءت، فجعلت تخلع ثوبا ثوبا وهي تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحلّه حتى نزعت ثيابها، ثم نشرت شعرها فغطى بطنها وظهرها، حتى صار في خلخال، فما استبان من جسدها شيء، وأقبلت تطوف، وهي تقول هذا الشعر. فلما مات هشام بن المغيرة، وأسلمت هي وهاجرت، خطبها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى ابنها سلمة، فقال: يا رسول اللَّه، ما عنك مدفع، فأستأمرها؟ قال: نعم، فأتاها، فقالت: إنا للَّه، أفي رسول اللَّه تستأمرنى؟ أنا أسعى لأن أحشر في أزواجه، أرجع إليه فقل له: نعم قبل أن يبدو له، فرجع سلمة فقال له، فسكت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ولم يقل شيئا، وكان قد قيل له بعد أن ولّى سلمة: إن ضباعة ليست كما عهدت، قد كثرت غضون وجهها وسقطت أسنانها من فمها. وذكر ابن سعد بعض هذا في ترجمتها عن هشام الكلبي، وعنه بهذا السند كانت ضباعة من أجمل نساء العرب، وأعظمهن وخلقة، وكانت إذا جلست أخذت من الأرض شيئا كثيرا، وكانت تغطى جسدها بشعرها، (طبقات ابن سعد) : 8/ 109، (الإصابة) : 8/ 6، ترجمة رقم (11426) ، (الاستيعاب) : 4/ 1874- 1875، ترجمة رقم (4018) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 99، السادسة [من المخطوبات] ، ضباعة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 قالت: لم أر طائلا، فقال: لقد رأيت خالا بخدّها اقشعرت له كل شعرة منك؟ فقالت: يا رسول اللَّه! ما دونك ستر. وعن مجاهد: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب فردّ لم يعد، فخطب امرأة فقالت: أستأمر أبى، فاستأمرته فأذن لها، ثم أتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال لها: قد التحفنا لحافا غيرك [ (1) ] . [أمامة بنت الحارث] وخطب أمامة بنت الحارث بن عوف بن أبى حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، وكان أبوها أعرابيا جافيا سيد قومه فقال: إن بها بياضا- وكانت العرب تكنى بذلك عن البرص- فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: ليكن كذلك، فبرصت من وقتها، فتزوجها يزيد بن حمزة بن عوف بن أبى حارثة، فولدت له الشاعر شبيب بن يزيد المعروف بابن البرصاء [ (2) ] . [جمرة بنت الحارث] وخطب جمرة بنت الحارث بن عوف، فقال أبوها: إن بها برصا، وهو كاذب- فبرصت، وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر، قال أبو عبيدة معمر ابن المثنى: وذكر المدائني أن أم شبيب بن البرصاء اسمها القرصافة بنت الحارث بن عوف بن أبى حارثة [ (3) ] .   [ (1) ] (المواهب اللدنية) 2/ 99، الرابعة [من المخطوبات] ولم يذكر اسمها، قيل إنه صلّى اللَّه عليه وسلم خطبها، فقالت: أستأمر أبى، فلقيت أباها فأذن لها، فعادت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال لها: قد التحفنا لحافا غيرك. [ (2) ] (الاستيعاب) : 4/ 1788، ترجمة رقم (3235) ، (الإصابة) : 7/ 499، ترجمة رقم (10815) ، وقيل: اسمها قرصافة: (المعارف) : 140. [ (3) ] اسمها قرصافة كما في (الإصابة) : 7/ 499، ترجمة رقم (10815) ، (الإصابة) : 7/ 554، ترجمة رقم (10975) [جمرة بنت الحارث] ، (المواهب اللدنية) 2/ 99، (الإصابة) : 7/ 530، ترجمة رقم (10419) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 وقال الكلبي: كانت أم شبيب أدماء فسميت برصاء على القلب ولم يكن بها برص. [درة بنت أبى سلمة] وعرضت عليه صلّى اللَّه عليه وسلم درة بنت أبى سلمة فقال: لو لم تكن أمها عندي لما حلت لي، قد أرضعتنى وأباها ثويبة [ (1) ] ... الحديث. [أمامة بنت حمزة] وعرضت عليه أمامة بنت حمزة رضى اللَّه عنه فقال: أما علمتم أن أخى حمزة من الرضاعة، وأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب [ (2) ] ؟   [ (1) ] هي درة بنت أبى سلمة بن عبد الأسد القرشية المخزومية، ربيبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بنت امرأته أم سلمة، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهي معروفة عند أهل العلم بالسير والخبر والحديث، في بنات أم سلمة ربائب رسول اللَّه. صلّى اللَّه عليه وسلم. حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، وعبد الوارث بن سفيان، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا الحارث بن أبى أسامة، حدثنا أبو النضر، حدثنا الليث عن يزيد بن أبى حبيب، عن عراك ابن مالك، أن زينب بنت أبى سلمة، أخبرته أن أم حبيب ة قالت: يا رسول اللَّه، إنا تحدثنا إنك ناكح درة بنت أبى سلمة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أعلى أم سلمة؟ لو أنى لم أنكح أم سلمة لم تحل لي، إن أباها أخى من الرضاعة، وفي (الإصابة) : إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، لأنها ابنة أخى من الرضاعة. (الإصابة) : 7/ 634، ترجمة رقم (11147) ، (الاستيعاب) : 4/ 1835، ترجمة رقم (3333) . [ (2) ] هي أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، وأمها سلمى بنت عميس بن معد بن تيم، أخت أسماء بنت عميس، عاشت بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد روت عنه. (المستدرك) : 4/ 74 كتاب معرفة الصحابة، ذكر أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه عنهما، حديث رقم (6924/ 2522) ، (أعلام النساء) : 1/ 76، (فتح الباري) : 5/ 317، كتاب الشهادات، باب (7) الشهادة على الأنساب، والرضاع المستفيض، والموت القديم، وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: «أرضعتنى وأبا سلمة ثوبية» والتثبت فيه، حديث رقم (2645) ، 9/ 173، كتاب النكاح، باب (21) وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، حديث رقم (5100) ، (مسلم بشرح النووي) : 10/ 277، كتاب الرضاع، باب (3) تحريم ابنة الأخ من الرضاعة، حديث رقم (12) ، (سنن النسائي) : 6/ 408، كتاب النكاح، باب (50) تحريم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 [أم حبيب] وعرضت عليه بنت العباس رضى اللَّه عنه، فقال: العباس أخى من الرضاع، ويروى أنه قال إن كبرت أم حبيب وأنا حىّ تزوجتها، وفي رواية: أنه رأى أم حبيب وهي فوق الفطيم فقال: لئن بلغت بنية العباس هذه وأنا حىّ لأتزوجنها [ (1) ] . قال ابن عباس: في هذا تأكيد لقول عائشة رضى اللَّه عنها أنه أحل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم كثيرا من النساء، وأنه لم يحبس على تسع. [سناء بنت أسماء بنت الصلت] وعرضت عليه أسماء- وقيل: سناء- بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حزام بن سماك بن عوف السلمية، وحملت إليه فماتت قبل وصولها إليه [ (2) ] .   [ () ] بنت الأخ من الرضاعة، حديث رقم (3305) ، (مسند أحمد) : 1/ 557، مسند عبد اللَّه بن عباس، حديث رقم (3134) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 12. [ (1) ] هي أم حبيبة، ويقال: أم حبيب أيضا- كذلك يقول أكثر أهل النسب- بنت العباس بن عبد المطلب، مذكورة في حديث أم الفضل، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لو بلغت أم حبيبة بنت العباس وأنا حىّ لتزوجتها. وتزوجها الأسود بن سفيان بن عبد الأسود بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم وأم حبيب بنت العباس أم الفضل بنت الحارث، فهي أخت عبد اللَّه، والفضل، وعبيد اللَّه، وعبد الرحمن، وقثم، ومعبد بنى العباس. قال ابن الأثير: ذكرها ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه، عن الحسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه ابن العباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى أم حبيب بنت العباس تدب بين يديه، فقال: لئن بلغت هذه وأنا حىّ لتزوجتها فقبض صلّى اللَّه عليه وسلم قبل أن تبلغ، فتزوجها الأسود، فولدت له لبابة، سمتها باسم أمها، قال الحافظ في (الإصابة) : وهذا يقتضي أن يكون لها رؤية، فتكون من أهل القسم الثاني، لكن ذكرها ابن سعد في الصحابيات، وذكر أنها ولدت للأسود ابنة أخرى اسمها زرقاء، قال: وولدها يسكنون مكة (الاستيعاب) : 4/ 1928، ترجمة رقم (4134) ، (الإصابة) : 8/ 186- 187، ترجمة رقم (11956) ، (طبقات ابن سعد) : 4/ 6. [ (2) ] هي أسماء بنت الصلت السلمية: اختلف فيها وفي اسمها، فقال أحمد بن صالح المصري: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 وقيل له: يا رسول اللَّه، ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ فقال: إن فيهن غيرة شديدة وأنا صاحب ضرائر، وأكره أن أسوأ قومهن فيهن.   [ () ] أسماء بنت الصلت السلمية من أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وروى عن قتادة نحوه. وقال ابن إسحاق: سناء بنت أسماء بن الصلت السلمية وتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم طلقها. وقال على بن عبد العزيز بن على الحسن الجرجاني النسّابة: هي وسناء بنت الصلت بن حبيب بن جارية بن هلال بن حرام بن سماك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثه بن سليم السلمية تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فماتت قبل أن تصل إليه. وقال أبو عمر: قول من قال: سناء بنت الصلت أولى بالصواب إن شاء اللَّه تعالى. وقال الحافظ في (الإصابة) : سناء، بفتح أوله وتخفيف النون، بنت أسماء بن الصلت السلمية. ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى أنها ممن تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فماتت قبل أن يدخل بها. وروى ذلك عن حفص بن النضر، وعبد القادر بن السري السلميين، وقال: هي عمة عبد اللَّه بن خازم- بمعجمتين- بن أسماء بن الصلت أمير خراسان. قال الحافظ: ذكر ابن أبى خيثمة، عن أبى عبيدة بن عبد القاهر: سماها سنا كالذي هاهنا، وأن غيره سماها وسنا- بزيادة واو في أولها-. وقال ابن إسحاق: سنا بنت أسماء، وقال غيره: وسنا، حكى ذلك أبو عمر، قال: ولا يثبت من ذلك شيء من حيث الإسناد، إلا أن قول ابن إسحاق أرجح. وقال ابن سعد: سنا، ويقال: سبا- بالموحدة والنون- ونسبها ابن حبيب إلى جدها، فساق نسبها إلى بنى سليم، وذكر أن أسماء أخوها لا أبوها، وذكر أنها ماتت قبل أن يدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بها. وحكى الرشاطى عن بعضهم أن سبب موتها أنه لما بلغها بأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تزوجها سرت بذلك حتى ماتت من الفرح (الإصابة) : 7/ 713- 714، ترجمة رقم (11338) ، (الاستيعاب) : 4/ 1783- 1784 ، ترجمة رقم (3328) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 149، (المواهب اللدنية) : 2/ 97، التاسعة [ممن لم يدخل بهن] : سنا بنت أسماء بن الصلت السلمية، تزوجها صلّى اللَّه عليه وسلم وماتت قبل أن يدخل بها، وعند ابن إسحاق: طلقها قبل أن يدخل بها، (المستدرك) : 4/ 37، كتاب معرفة الصحابة، ذكر سناء بنت أسماء بن الصلت السلمية، حديث رقم (6811/ 2409) : أخبرنا أبو النضر الفقيه، حدثنا على بن عبد العزيز، حدثنا أبو عبيدة قال: وزعم حفص بن النضر السلمي وعبد القاهر بن السري السلمي، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج سناء بنت أسماء بن الصلت السلمية، فماتت قبل أن يدخل بها. قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : وزعم حفص بن النضر السلمي، وعبد القاهر بن السري أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج سنا بنت أسماء بنت الصلت السلمية، فماتت قبل أن يدخل بها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 وذكر الحاكم عن قتادة: أنه- عليه السّلام- تزوج أم شريك الأنصارية من بنى النجار، وقال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم قال: إني أكره غيرتهن، فلم يدخل بها [ (1) ] . وقال الزهري: كان صداق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الّذي زوج به بناته وتزوج به: عشر أواقي ونشا، قال عبد الرزاق: وذلك خمس مائة درهم [ (2) ] . وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا خطب المرأة قال للذي يخطبها عليه: اذكر لها جفنة سعد بن عبادة الّذي كان يبعث بها، يعنى أنها مرة   [ (1) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (6810/ 2408) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . [ (2) ] قال أبو عبد اللَّه الحاكم: فحدثني أبو بكر بن بالويه، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، حدثنا مصعب بن عبد اللَّه الزبيري، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: كم أصدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أزواجه؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشر أوقية ونصفا، فذلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأزواجه. قال: هذا حديث صحيح الإسناد، وعليه العمل، وإنما أصدق النجاشي أم حبيبة أربعمائة دينار، استعمالا لأخلاق الملوك في المبالغة في الصنائع، لاستعانة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم به في ذلك. (المستدرك) : 4/ 23- 24 كتاب معرفة الصحابة، ذكر أم حبيبة بنت أبى سفيان رضى اللَّه تعالى عنها، حديث رقم (6772/ 2370) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. وقال (القسطلاني) : واختلف في أم شريك: هل دخل بها؟ مع الاتفاق على الفرقة. والمستقيلة التي جهل حالها، فالمفارقات بالاتفاق سبع، واثنتان على خلاف الميتات في حياته بالاتفاق أربع، ومات صلّى اللَّه عليه وسلم عن عشر، واحدة لم يدخل بها. (المواهب اللدنية) : 2/ 98، وقد نظم بعضهم زوجات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الّذي مات عنهن: توفى رسول اللَّه عن تسع نسوة ... إليهن تعزى المكرمات وتنسب فعائشة وميمونة وصفية ... جويرية مع سودة ثم زينب كذا رملة مع هند أيضا وحفصة ... ثلاث وست نظمهن مهذب ولبعضهم أيضا: توفى رسول اللَّه عن تسع نسوة ... وهي ابنة الصديق رملة حفصة جويرية هند وزينب سودة ... وميمونة والمصطفاة صفية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 بلحم ومرة بسمن ومرة بلبن [ (1) ] . وقال الواقدي: بلغنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طاف على نسائه في غسل واحد [ (2) ] ، [ويروى] أنه طاف عليهنّ يغتسل من كل امرأة ...   [ () ] (المعارف) : 139 «هامش» . قال القسطلاني: ومات عنده صلّى اللَّه عليه وسلم منهن اثنتان: خديجة، وزينب أم المساكين، ومات صلّى اللَّه عليه وسلم عن تسع، ذكر أسماهن الحافظ أبو الحسن بن الفضل المقدسي نظما فقال: توفى رسول اللَّه عن تسع نسوة ... إليهن تعزى المكرمات وتنسب فعائشة وميمونة وصفية ... وحفصة تتلوهن هند وزينب جويرية مع رملة ثم سودة ... ثلاث وست ذكرهن مهذب وهند: هي أم سلمة، ورملة: هي أم حبيبة، (المواهب اللدنية) 2/ 75- 76. [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 409. [ (2) ] قال الإمام النووي: وأما طوافه على نسائه بغسل واحد، فيحتمل أنه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يتوضأ بينهما، أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء، وقد جاء في (سنن أبى داود) أنه صلّى اللَّه عليه وسلم طاف على نسائه ذات ليلة، يغتسل عند هذه وعند هذه، فقيل: يا رسول اللَّه، ألا تجعله غسلا واحدا؟ فقال: هذا أزكى، وأطيب، وأطهر، قال أبو داود: والحديث الأول أصح، قلت: وعلى تقدير صحته، يكون هذا في وقت وذاك في وقت، واللَّه تعالى أعلم. واختلف العلماء في حكمة هذا الوضوء، فقال أصحابنا: لأنه يخفف الحدث، فإنه يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء. وقال أبو عبد اللَّه المازري رضى اللَّه عنه: اختلف في تعليله، فقيل: ليبيت على إحدى الطهارتين، خشية أن يموت في منامه. وقيل: بل لعله ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه. قال المازري ويجرى هذا الخلاف في وضوء الحائض قبل أن تنام، فمن علل المبيت على طهارة استحبه لها. هذا كلام المازري. وأما أصحابنا: فإنّهم متفقون على أنه لا يستحب الوضوء للحائض والنفساء، لأن الوضوء لا يؤثر في حدثهما، فإن كانت الحائض قد انقطعت حيضتها، صارت كالجنب واللَّه تعالى أعلم. وأما طواف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على نسائه بغسل واحد، فهو محمول على أنه كان برضاهن، أو برضى صاحبة النوبة، إن كانت نوبة واحدة، وهذا التأويل يحتاج إليه من يقول: كان القسم واجبا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الدوام، كما يجب علينا، وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل، فإنه له أن يفعل ما يشاء. وهذا الخلاف في وجوب القسم، هو وجهان لأصحابنا، واللَّه تعالى أعلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 غسلا [ (1) ] ، وأنه قال: أعطيت في الجماع قوة أربعين رجلا [ (2) ] .   [ () ] وفي هذه الأحاديث المذكورة في الباب: أن غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة، وهذا بإجماع المسلمين. وقد اختلف أصحابنا في الموجب لغسل الجنابة: هل هو حصول الجنابة بالتقاء الختانين أو إنزال المنى؟ أم هو القيام إلى الصلاة؟ أم هو حصول الجنابة مع القيام إلى الصلاة؟ - فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا، ومن قال: يجب بالجنابة قال: هو وجوب موسع. وكذا اختلفوا في موجب الوضوء: هل هو الحدث أم القيام إلى الصلاة؟ أم المجموع؟ وكذا اختلفوا في الموجب لغسل الحيض، هل هو خروج الدم أم انقطاعه؟ واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 3/ 222، كتاب الحيض، باب (6) جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له، وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل، أو يشرب، أو ينام، أو يجامع، حديث رقم (309) ، (عون المعبود) : 1/ 253، كتاب الطهارة، باب (85) في الجنب يعود، حديث رقم (215) ، عن أنس رضى اللَّه تعالى عنه. [ (1) ] (عون المعبود) : 1/ 254، كتاب الطهارة، باب (86) الوضوء لمن أراد أن يعود، حديث رقم (216) : حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن عبد الرحمن بن أبى رافع، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم طاف على نسائه، يغتسل عند هذه، وعند هذه. قال: فقلت له: يا رسول اللَّه، ألا تجعله غسلا واحدا؟ قال: هذا أزكى، وأطيب، وأطهر. قال أبو داود: حديث أنس أصح من هذا. والحديث يدل على استحباب الغسل قبل المعاودة، ولا خلاف فيه. قال النسائي: ليس بينه وبين حديث أنس اختلاف، بل كان يفعل هذا مرة وذلك أخرى. وقال النووي في (شرح مسلم) : هو محمول على أنه فعل الأمرين في وقتي مختلفين، والّذي قالاه هو حسن جدا، ولا تعارض بينهما، فمرّة تركه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بيانا للجواز، وتخفيفا على الأمة، ومرة فعله لكونه أزكى وأطهر. و «حديث أنس» المتقدم «أصح من هذا» أي من حديث أبى رافع، لأن حديث أنس مروى من طرق متعددة، ورواته ثقات أثبات، ورواة حديث أبى رافع ليسوا بهذه المثابة، وقول المؤلف هذا ليس بطعن في حديث أبى رافع، لأنه لم ينف الصحة عنه، وأورد حديث أبى رافع في هذا الباب لأن الغسل يشمل الوضوء أيضا. قال المنذري: وأخرجه النسائي وابن ماجة. (عون المعبود) : 1/ 254. [ (2) ] قال ابن القيم: وكان قد أعطى قوة ثلاثين في الجماع وغيره، وأباح اللَّه له من ذلك ما لم يبحه لأحد من أمته صلّى اللَّه عليه وسلم (زاد المعاد) : 1/ 151، فصل في هديه في النكاح، ومعاشرته صلّى اللَّه عليه وسلم أهله. وقال أنس رضى اللَّه عنه: كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل، وهنّ إحدى عشرة، قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه صلّى اللَّه عليه وسلم أعطى قوة ثلاثين. رواه البخاري من طريق قتادة. وقال سعيد عن قتادة: إن أنسأ حدثهم: تسع نسوة. (فتح الباري) : 1/ 497، كتاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115   [ () ] الغسل، باب (12) إذا جامع ثم عاد. ومن دار على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (268) ، باب (24) الجنب يخرج ويمشى في السوق وغيره، حديث رقم (284) ، 9/ 140، كتاب النكاح، باب (4) كثرة النساء، حديث رقم (5068) ، 9/ 394، كتاب النكاح، باب (103) من طاف على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (5215) . وذكر القاضي عياض أن الحكمة في طوافه عليهنّ في الليلة الواحدة كان لتحصينهن، وكأنه أراد به عدم تشوفهن للأزواج، إذ الإحصان له معان، منها: الإسلام، والحرية، والعفة، والّذي يظهر أن ذلك إنما كان لإرادة العدل بينهن في ذلك، وإن لم يكن واجبا، وفي التعليل الّذي ذكره نظر، لأنهن حرم عليهنّ التزويج بعده، وعاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها، وزادت آخرهن موتا على ذلك. (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 51 وما بعدها، فصل: والضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته، والفخر بوفوره كالنكاح والجاه، (فتح الباري) : شرح الحديث رقم (5215) مختصرا. قال الحافظ في (الفتح) : وفي هذا الحديث من الفوائد: ما أعطى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من القوة على الجماع، وهو دليل على كمال البنية، وصحة الذكورية، والحكمة في كثرة أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلم أن الأحكام التي ليست ظاهرة يطلعن عليها، فينقلنها، وقد جاء عن عائشة من ذلك الكثير الطيب، ومن ثم فضلها بعضهم على الباقيات. نقل الحافظ في (الفتح) كلام ابن حبان هذا في الجمع بين الروايتين بأن حمل ذلك على حالتين، ثم تعقبه بقوله: لكنه وهم في قوله: إن الأولى كانت في أول قدومه المدينة، حيث كان تحته صلّى اللَّه عليه وسلم تسع نسوة، والحالة الثانية في آخر الأمر، حيث اجتمع عنده إحدى عشر امرأة. وموضع الوهم منه أنه صلّى اللَّه عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن تحته امرأة سوى سودة، ثم دخل على عائشة بالمدينة، ثم تزوج أم سلمة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة في السنة الثالثة والرابعة، ثم تزوج زينب بنت جحش في الخامسة، ثم جويرية في السادسة، ثم صفية، وأم حبيبة، وميمونة في السابعة، وهؤلاء جميع من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور. واختلف في ريحانة- وكانت من سبى بنى قريظة- فجزم ابن إسحاق بأنه عرض عليها أن يتزوجها، ويضرب عليها الحجاب، فاختارت البقاء في ملكه، والأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر، وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل. قال ابن عبد البر: مكثت عنده شهرين أو ثلاثة. فعلى هذا لم يجتمع عنده من الزوجات أكثر من تسع، مع أن سودة كانت وهبت يومها لعائشة، فرجحت رواية سعيد، لكن تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية وريحانة إليهن، وأطق عليهنّ لفظ «نسائه» تغليبا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 وقد اختلف في الحجاب، فذكر أبو الحسن المدائني في كتاب (النساء اللاتي لم يكن مستترات) : حدثنا ابن مجاهد عن ابن إسحاق قال: كنّ نساء الجاهلية لا يستترن، فقالت هند بنت عتبة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بأبي أنت وأمى، ما أكرم هذا الدين لولا خصال فيه، قال: ما هي؟ قالت: منهن هذا القناع، فلا نعرف ذعرا من [فزع] ، قال: لا بدّ من التستر. وكان في الإسلام يقصد الرجل امرأته فيدخل عليها الداخل فلا تقف المرأة ويقعد الرجل امرأته للرجل (انتهى) . وعن مجاهد عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: أكل عمر رضى اللَّه عنه مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأصابت يده بعض نسائه فأمر بالحجاب. قال الواقدي: ونزل الحجاب في ذي القعدة سنة خمس، وقوم يقولون نزل بمكة في حجة الوداع [ (1) ] .   [ () ] قال أبو حاتم رضى اللَّه تعالى عنه: في خبر هشام الدستوائى عن قتادة: «وله يومئذ تسع نسوة» . أما خبر هشام، فإن أنسا حكى ذلك الفعل منه صلّى اللَّه عليه وسلم في أول قدومه المدينة، حيث كانت تحته إحدى عشرة امرأة، وخبر سعيد عن قتادة إنما حكاه أنس في آخر قدومه المدينة صلّى اللَّه عليه وسلم، حيث كانت تحته تسع نسوة، لأن هذا الفعل كان منه صلّى اللَّه عليه وسلم مرارا كثيرة، لا مرة واحدة، (الإحسان) : 4/ 10- 11، كتاب الطهارة، باب (7) أحكام الجنب، حديث رقم (1209) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 479، باب قوته صلّى اللَّه عليه وسلم في النكاح، ثم قال القسطلاني: ونبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم لما خيّر بين أن يكون نبيا ملكا أبى ذلك، واختار أن يكون نبيا عبدا، فأعطى من الخصوصية ذلك القدر لكونه صلّى اللَّه عليه وسلم اختار الفقر والعبوديّة، فأعطى الزائد لخرق العادة في النوع الّذي اختار، وهو الفقر والعبوديّة، فكان صلّى اللَّه عليه وسلم يربط على بطنه الأحجار من شدة الجوع والمجاهدة، وهو على حاله في الجماع، لم ينقصه شيئا، والناس أبداً إذا أخذهم الجوع والمجاهدة لا يستطيعون ذلك، فهو أبلغ في المعجزة. قاله في (بهجة النفوس) . واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) : 485. [ (1) ] قوله تعالى: وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ عطف على جملة لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ فهي زيادة بيان للنهى عن دخول البيوت النبويّة، وتحديد لمقدار الضرورة التي أدّت إلى دخولها أو الوقوف بأبوابها، وهذه الآية شارعة حكم حجاب أمهات المؤمنين، وقد قيل: إنها نزلت في ذي القعدة سنة خمس. (تفسير التحرير والتنوير) : 4/ 90. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 وللإمام أحمد من حديث سفيان عن عمر عن عطاء عن عائشة قالت: ما مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أحل له النساء [ (1) ] ، وفي رواية عن عطاء عن عائشة رضى اللَّه عنها، ما قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أحل اللَّه له أن يتزوج من النساء من شاء إلا ذات زوج، لقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ [ (2) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث عاصم عن معاذة عن عائشة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يستأذن إذا كان يوم المرأة منا، بعد أن نزلت هذه الآية تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ قالت: فقلت لها: ما كنت تقولين له؟ قالت: كنت أقول له: إن كان ذلك إليّ فإنّي لا أريد يا رسول اللَّه أن أؤثر عليك أحدا [ (3) ] . وعن أبى أمامة بن سهل بن حنيف في قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ، قال: حبس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن نسائه فلم يتزوج بعدهن [ (4) ] . وعن أبى زرين قال: همّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يطلّق نساءه، فلما رأين ذلك   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 63، حديث رقم (23617) . [ (2) ] الأحزاب: 51. [ (3) ] (مسند أحمد) 7/ 112- 113، حديث رقم (23955) . [ (4) ] حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن في قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ من بعد هؤلاء اللاتي عندك. قال الحسن: لما خيّرهن، فاخترن اللَّه ورسوله، قصر عليهنّ، فقال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ، يقول: من بعد هؤلاء اللاتي عندك. (تفسير عبد الرزاق) : 2/ 99، مسألة رقم (2365) ، وقال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الكلبي، قال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ يقول: ما قصّ اللَّه عليك من بنات العم، وبنات الخال، وبنات وبنات ... ، (المرجع السابق) : مسألة رقم (2367) . وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس، قال: نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، قال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ [الأحزاب: 52] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 جعلته في حل من أنفسهن يؤثر من يشاء، فأنزل اللَّه وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ، يقول: تعزل من تشاء فكان ممن عزل: سودة، وأم حبيبة، وصفية، وجويرية، وميمونة، وجعل يأتى عائشة وحفصة، وزينب، وأم سلمة. وقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ، يقول: من تشاء في غير طلاق، ثم قال تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ، يقول: من المسلمات [ (1) ] . وكان يستتر في الجماع، فجاء من طرق عن عائشة، ما نظرت إلى فرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قط، وفي رواية: ما رأيت عورة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قط، وعنها أنها قالت: ما أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أحدا من نسائه إلا مقنعا يرخى الثوب على رأسه، وما رأيته من رسول اللَّه ولا رآه منّى» [ (2) ] . وخرج الخطيب أبو بكر الحافظ، من طريق منصور بن عمار قال: حدثني معروف أبو الخطاب قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت أم سلمة تقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أتى امرأة من نسائه غمض عينيه وقنع رأسه [زاد الخلال] ، وقال للتي تكون تحته: عليك بالسكينة والوقار [ (3) ] . وأدّب أزواجه بالهجر، قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا   [ (1) ] حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن منصور، عن أبى رزين، في قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ، قال: المرجئات: ميمونة، وسودة، وصفية، وجويرية، وأم حبيبة، وكانت عائشة وحفصة، وأم سلمة، وزينب، سواء في قسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يساوى بينهن في القسم. (تفسير عبد الرزاق) : 2/ 99، مسألة رقم (2361) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 93، حديث رقم (23823) : حدثنا عبد اللَّه حدثني أبى، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن منصور، عن موسى بن عبد اللَّه بن يزيد الخطميّ، عن مولى لعائشة، عن عائشة قالت: ما أنظرت إلى فرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قط- أو ما رأيت فرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قط-، 7/ 292، حديث رقم (25040) . [ (3) ] (تاريخ بغداد) : 5/ 162، ترجمة أحمد بن محمويه بن أبى سلمة المدائني رقم (2607) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 جعفر بن سليمان، عن ثابت قال: حدّثتنى شميسة- أو سمية-[قال عبد الرزاق: هو في كتابي سمينة] [ (1) ] عن صفية بنت حىّ، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حج بنسائه، حتى إذا كان في بعض الطريق، نزل رجل فساق بهن فأسرع، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: كذاك سوقك بالقوارير- يعنى النساء-. فبينما هم يسيرون، برك بصفية بنت حيي جملها- وكانت من أحسنهن ظهرا- فبكت، وجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين أخبر بذلك فجعل يمسح دموعها بيده، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها، فلما أكثرت زبرها وانتهرها، وأمر الناس بالنزول، ولم يكن يريد أن ينزل، قالت: فنزلوا، وكان يومى، فلما نزلوا ضرب خباء رسول اللَّه ودخل فيه، قالت: فلم أدر علام أهجم من رسول اللَّه، وخشيت أن يكون في نفسه شيء [منى] [ (1) ] . فانطلقت إلى عائشة فقلت لها: تعلمين أنى لم أكن لأبيع يومى من رسول اللَّه بشيء أبدا، وإني قد وهبت يومى لك على أن ترضى رسول اللَّه [عنى؟] [ (1) ] قالت: نعم، فأخذت عائشة خمارا لها قد ثردته بزعفران فرشته بالماء ليذكى ريحه، ثم لبست ثيابها، ثم انطلقت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فرفعت طرف الخباء فقال لها: ما لك يا عائشة! إن هذا ليس بيومك، قالت: ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء. فقال [ (2) ] مع أهله، فلما كان عند الرواح قال لزينب بنت جحش: [يا زينب] [ (1) ] أفقرى صفية جملا- وكانت من أكثرهن ظهرا- فقالت: أنا أفقر يهوديتك؟ فغضب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين سمع ذلك منها، فهجرها فلم يكلمها حتى قدم مكة وأيام منى في سفره حتى رجع إلى المدينة والمحرم وصفر، فلم يأتها ولم يقسم لها ويئست منه.   [ (1) ] زيادة للسياق من (المسند) . [ (2) ] من القيلولة وهي نوم الظهيرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 فلما كان شهر ربيع الأول دخل عليها فرأت ظله فقالت: إن هذا لظل رجل، وما يدخل عليّ النبي! فمن هذا؟ فدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلما رأته قالت: يا رسول اللَّه! ما أدرى ما أصنع حين دخلت عليّ. قالت: وكانت لها جارية، وكانت تخبؤها من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: فلانة لك، فمشى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى سرير زينب- وكان قد رفع- فوضعه بيده ثم أصاب أهله ورضى عنهم [ (1) ] . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الى من نسائه شهرا [ (2) ] واعتزلهن لشيء صدر منهن، فقيل: لأنهن سألنه من النفقة ما   [ (1) ] (مسند أحمد) 7/ 474- 475، حديث رقم (26325) ، وحديث رقم (26326) : حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبى، حدثنا عفان، حدثنا حماد- يعنى ابن سلمة- قال: حدثنا ثابت عن سمية، عن عائشة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان في سفر فاعتل بعير لصفية.. فذكره نحوه. [ (2) ] الإيلاء في اللغة: الحلف. وفي الشرع: الحلف على ترك وطء الزوجة. وإن ترك الوطء بغير يمين لم يكن مؤليا، فإذا كان تركه لعذر من مرض، أو غيبة، ونحوه، لم تضرب له مدة، وإن تركه مضرا بزوجته، ففي رواية له أربعة أشهر، فإن وطئها، وإلا دعي بعدها إلى الوطء، فإن امتنع منه أمر بالطلاق، كما يفعل في الإيلاء سواء، وفي رواية أخرى: لا تضرب له مدة. والألفاظ التي يكون بها مؤليا، ثلاثة أقسام. الأول: ما هو صريح في الحكم والباطن- أي في القضاء والديانة- جميعا، وهو ثلاثة ألفاظ، قوله: واللَّه لا آتيك، ولا أدخل، ولا أغيّب، أو أولج ذكرى في فرجك، ولا أفتضك- إذا كانت الزوجة بكرا- فهذه صريحة ولا يديّن فيها. الثاني: صريح في الحكم، ويديّن فيما بينه وبين اللَّه تعالى، وهي عشرة ألفاظ: لا وطئتك، ولا جامعتك، ولا أصبتك، ولا باشرتك، ولا مسستك، ولا قربتك، ولا أتيتك، ولا باضعتك، ولا باعلتك، ولا اغتسلت منك. فهذه صريحة في الحكم، وأشهرها الجماع والوطء، فلو قال: أردت بالوطء الوطء بالقدم، وبالجماع اجتماع الأجسام، وبالإصابة الإصابة باليد، دين فيما بينه وبين اللَّه تعالى ولم يقبل الحكم. الثالث: ما لا يكون إيلاء إلا بالنية، وهو ما عدا هذه الألفاظ مما يحتمل الجماع وغيره، كقوله: واللَّه لا قربت فراشك، لا نمت عندك، فهذه الألفاظ إن أراد بها الجماع واعترف بذلك، كان مؤليا، وإلا فلا. وهذا النوع الثالث منه ما يفتقر إلى نية الجماع والمدة، حتى تعتبر إيلاء، وذلك مثل: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121   [ () ] لأسوءنك، لأغيظنك، لتطولن غيبتي عنك، فلا يكون مؤليا، حتى ينوى بها ترك الجماع مدة تزيد على أربعة أشهر، ومنه ما يكون مؤليا بنية فقط، وهو سائر ألفاظ الكناية. وإن قال: واللَّه ليطولن تركي لجماعك، أو لوطئك، أو لإصابتك، فهذا صريح في ترك الجماع، وتعتبر نية المدة دون نية الوطء. وإن قال لإحدى زوجتيه: واللَّه لا وطئتك، ثم قال للأخرى: أشركتك معها، لم يصر مؤليا من الثانية على قول، وعلى آخر يكون مؤليا. وكذلك لو الى رجل من زوجته، فقال آخر لامرأته: أنت مثل فلانة لم يكن مؤليا، وإن قال: إن وطئتك فأنت طالق، ثم قال لزوجته الأخرى: أشركتك معها، ونوى، فقد صار طلاق الثانية معلقا على وطئها- أي وطء الثانية- أيضا. ويصح الإيلاء بكل لغة من العجمية وغيرها ممن يحسن العربية وممن لا يحسنها، فإن آلى بالعجمية من لا يحسنها وهو لا يدرى معناها لم يكن مؤليا، وإن نوى موجبها عند أهلها، وكذلك الحكم إذا آلى بالعربية من لا يحسنها، فإن اختلف الزوجان في معرفته بذلك، فالقول قول الزوج، إذا كان متكلما بغير لسانه. فأما إن آلى العربيّ بالعربية، ثم قال: جرى على لساني من غير قصد، أو قال ذلك العجمي في إيلائه بالعجمية لم يقبل في الحكم. ويصح الإيلاء بأن يحلف باللَّه تعالى، أو بصفة عن صفاته. ولا خلاف بين أهل العلم في أن الحلف بذلك إيلاء، فأما إن حلف على ترك الوطء بغير ذلك مثل: أن يحلف بطلاق، أو عتاق، أو صدقة المال، أو الحج، أو الظهار، فلا يكون مؤليا، في الرواية المشورة، وفي الأخرى: هو مؤل، وعلى الرواية الأخيرة لا يكون مؤليا، إلا أن يحلف بما يلزمه بالحنث فيه حق، كقوله: إن وطئتك فعبدي حر، أو فلله عليّ صوم سنة، أو فأنت طالق، أو فأنت عليّ حرام، ونحوه، فهذا يكون إيلاء. ويكون مؤليا بنذر فعل المباحات والمعاصي أيضا، فإن نذر المعصية موجب للكفارة في ظاهر المذهب، وإذا استثنى في يمينه- قال: إن شاء اللَّه- لم يكن مؤليا بلا خلاف إذا كانت اليمين باللَّه تعالى، أو كانت يمينا مكفرة- منعقدة- فأما تعليق الطلاق والعتاق، فمن جعل الاستثناء فيهما غير مؤثر، فوجوده كعدمه، ويكون مؤليا بهما، سواء استثنى أم لم يستئن. ولا يشترط في الإيلاء الغضب. ولا قصد الإضرار، ويصح الإيلاء من كل زوج مكلف قادر على الوطء. أما العاجز عن الوطء، فإن كان لعارض مرجوّ زواله، كالمرض، والحبس، صح إيلاؤه. وإن كان غير موجوّ الزوال كالجبّ- قطع الذكر- والشلل لم يصح إيلاؤه، وهو الأولى. وأما الخصىّ الّذي سلت بيضتاه، أو رضتا، فيمكن منه الوطء، وينزل ماء رقيقا، فيصح إيلاؤه، وكذلك المجبوب الّذي بقي من ذكره ما يمكن الجماع به، ويصح إيلاء الذمي ويلزمه ما يلزم المسلم إذا تقاضى إلينا. ويصح الإيلاء من كل زوجة، مسلمة كانت أو ذمية، حرة كانت أو أمة، ويصح الإيلاء من المجنونة، والصغيرة، إلّا أنه لا يطالب بالفيئة في الصغر والجنون، فأما الرتقاء، والقرناء، فلا يصح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122   [ () ] الإيلاء منهما، ويحتمل أن يصح وتضرب له المدة، ويفيء فيء المعذور. وإن الى من زوجته المطلقة رجعيا صح إيلاؤه، وروى أنه لا يصح، وإذا آلى منها احتسب بالمدة من حين آلى، وإن كانت في العدة. وقيل: لا يحتسب عليه المدة إلا حين يراجعها. وأما توجيه الإيلاء لأكثر من زوجة، فإن قال لأربع نسوة. واللَّه لا أقربكن فهو مؤل منهن كلهن في الحال. فإن وطئ واحدة منهن حنث، وانحلت يمينه، وزال الإيلاء من البواقي. وإن طلق بعضهن أو ماتت لم ينحل الإيلاء في الباقيات. وقيل لا يكون مؤليا منهن في الحال، فإن وطئ ثلاثا صار مؤليا من الرابعة فقط، وإن مات بعضهن أو طلقها انحلت يمينه وزال الإيلاء، فإن راجع المطلقة أو تزوجها بعد بينونتها عاد حكم يمينه، وقيل: إن وطئ واحدة حنث، ولم ينحل الإيلاء في الباقيات. ومدة الإيلاء أربعة أشهر في حق الأحرار، والعبيد المسلمين، وأهل الذمة سواء، ولا فرق بين الحرة والأمة، والمسلمة والذمية، والصغيرة والكبيرة، وروى أن مدة إيلاء العبيد شهران. (المغنى) : 11/ 107- 116 مختصرا من المعجم. قال تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: 226] . ذكر الفقهاء وغيرهم في مناسبة تأجيل المؤلي بأربعة أشهر، الأثر الّذي رواه الإمام مالك بن أنس رحمه اللَّه في الموطأ، عن عبد اللَّه بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول: تطاول هذا الليل واسودّ جانبه ... وأرّقنى أن لا ضجيع ألاعبه فو اللَّه لولا اللَّه أنى أراقبه ... لحرك من هذا السرير جوانبه فسأل عمر ابنته حفصة رضى اللَّه عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر، أو أربعة أشهر، فقال عمر: لا أحبس أحدا من الجيوش أكثر من ذلك. وقال محمد بن إسحاق عن السائب بن جبير مولى ابن عباس، وكان قد أدرك أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ما زلت أسمع حديث عمر أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة، وكان يفعل ذلك كثيرا، إذ مرّ بامرأة من نساء العرب مغلقة بابها تقول: تطاول هذا الليل وازورّ جانبه ... وأرقنى أن لا ضجيع ألاعبه ألاعبه طورا وطورا كأنما ... بدا قمرا في ظلمة الليل حاجبه يسرّ به من كان يلهو بقربة ... لطيف الحشا لا يحتويه أقاربه فو اللَّه لولا اللَّه لا شيء غيره ... لنقضّ من هذا السرير جوانبه ولكنني أخشى رقيبا موكلا ... بأنفاسنا لا يفتر الدهر كاتبه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 ليس عنده، وقيل: بسبب مارية أم إبراهيم عليه السّلام [ (1) ] ، وقيل: لرد زينب نصيبها من الهدية. وكان ينفق على نسائه كل سنة [ثمانين] وسقا من شعير، وثمانين وسقا من تمر، وقيل: لم يصح أن هذا العدد لكل واحدة منهن في العام [ (2) ] ، فاللَّه   [ () ] مخافة ربى والحياء يصدني ... وإكرام بعلي أن تنال مراكبه وقد روى هذا من طرق، وهو من المشهورات (تفسير ابن كثير) : 1/ 276. [ (1) ] (تفسير ابن كثير) : 4/ 415، تفسير سورة التحريم، (فتح الباري) : 9/ 531، كتاب الطلاق، باب (21) قول اللَّه تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلى قوله: سَمِيعٌ عَلِيمٌ، حديث رقم (5289) ، (مسلم بشرح النووي) : 10/ 337، باب (5) في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، وقوله تعالى: (وإن تظاهرا عليه) ، حديث رقم (30) إلى رقم (35) . [ (2) ] قال تقى الدين المقريزي: اللَّهمّ صلّ عليه من نبي كان يأكل الطيبات من الطعام، وينكح المبرءات من العيوب والآثام، ويستخدم الموالي من الأرقاء والأحرار، ويصرفهم في مهنته مهماته الجليلات الأقدار، ويركب البغلة الراتعة ويلبس الحبرة والقباء، ويمشى منتعلا وحافيا من مسجده إلى نحو قباء، ويدخر لأهله مما أتاه اللَّه عليه أقوات سنة كاملة، ويجعلها تحت أيديهم محرزة حاصلة، ويؤثر بقوته وثوبه أهل الحاجة والمساكين، ثقة منه بخير الرازقين (إمتاع الأسماع) : 1/ 3 مقدمة المؤلف، لكن قال القسطلاني تحت [إشكال وجواب] : وقد استشكل كونه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه كانوا يطوون الأيام جوعا، مع ما يثبت أنه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يرفع لأهله قوت سنة، وأنه صلّى اللَّه عليه وسلم قسم بين أربعة أنفس من أصحابه ألف بعير مما أفاء اللَّه عليه، وأنه ساق في عمرته مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين، وأنه أمر لأعرابى بقطيع من الغنم، وغير ذلك، مع من كان معه من أصحاب الأموال، كأبى بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة وغيرهم، مع بذلهم أنفسهم وأموالهم بين يديه، وقد أمر بالصدقة، فجاء أبو بكر بجميع ماله، وعمر بنصفه، وحث على تجهيز جيش العسرة، فجهزهم عثمان بألف بعير، إلى غير ذلك. وأجاب عنه الطبري- كما حكاه في (فتح الباري) - أن ذلك كان منهم في حالة دون حالة، لا لعوز وضيق، بل تارة للإيثار، وتارة لكراهة الشبع وكثرة الأكل. وتعقب بأن ما نفاه مطلقا فيه نظر، لما تقدم من الأحاديث. وأخرج ابن حبان في صحيحه عن عائشة: من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم، فلما افتتحت قريظة أصبنا شيئا من التمر والودك، إلى غير ذلك. قال الحافظ ابن حجر: والحق أن الكثير منهم كانوا في حال ضيق قبل الهجرة، حيث كانوا بمكة، ثم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 أعلم. فقد كان لكل واحدة منهن الإماء والعبيد [الموالي] ، في حياته صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ () ] لما هاجروا إلى المدينة كان أكثرهم كذلك، فواساهم الأنصار بالمنازل والمنائح، فلما فتحت لهم النضير وما بعدها ردوا عليهم منائحهم. وقد قال صلّى اللَّه عليه وسلم: لقد أخفت في اللَّه وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله أحد إلا شيء يواريه إبط بلال. رواه الترمذي وصححه. نعم، كان صلّى اللَّه عليه وسلم يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا له كما أخرج الترمذي من حديث أبى أمامة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: عرض عليّ ربى ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، قلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوما وأجوع يوما، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك، وحكمة هذا التفصيل الاستلذاد بالخطاب، وإلا فاللَّه تعالى عالم بالأشياء جمله وتفصيلا، (المواهب اللدنية) : 2/ 388- 389. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 [فصل في] ذكر قوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على الجماع قال ابن قتيبة في (غريبه) في حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال له رجل: يا رسول اللَّه هل أنزل عليك طعام من السماء؟ قال: نعم، أنزل عليّ طعام بمسخنة. يرويه أرطاة ابن المنذر، عن ضمرة بن حبيب، عن سلمة بن نفيل السكونيّ، قال: المسخنة: قدر كأنها ثور. وفي حديث آخر: أتانى جبريل بقدر يقال له الكفيت، فأكلت منها أكلة، فأعطيت قوة أربعين رجلا في الجماع. قال: وأحسب الكفيت والكفت شيئا واحدا، وهي قدر لطيفة [ (1) ] . وقال ابن سعد في (طبقاته) : أخبرنا عبيد اللَّه بن موسى، عن أسامة بن زيد، عن صفوان بن سليم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أتانى جبريل عليه السلام بقدر فأكلت منها، فأعطيت قوة أربعين رجلا في الجماع [ (2) ] . أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان، حدثنا إسرائيل عن ليث عن مجاهد قال: أعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بضع أربعين رجلا، وأعطى كل رجل من أهل الجنة بضع ثمانين [ (3) ] . أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأسدي وقبيصة بن عقبة قالا: حدثنا سفيان عن معمر عن ابن طاووس قال: أعطى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قوة أربعين رجلا في الجماع.   [ (1) ] (كنز العمال) : 11/ 406، حديث رقم (31896) ، عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة، (31897) ، عن صفوان بن سليم مرسلا. [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 374، ذكر ما أعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من القوة على الجماع. [ (3) ] المرجع السابق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 وخرج البخاري من حديث معاذ بن هشام، حدثني أبى عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن أحد عشرة، قلت لأنس، أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين. قال أبو عبيد اللَّه: وقال سعيد عن قتادة: أن أنسأ حدثهم: تسع نسوة. ذكره في باب: إذا جامع ثم عاود، ومن دار على نسائه في غسل واحد [ (1) ] . وقال الحافظ أبو نعيم: أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد- يعنى الطبراني- حدثنا محمد بن هارون ومحمد بن بكار، حدثنا العباس بن الوليد الخلال، حدثنا مروان بن محمد الظاهري، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فضّلت على الناس بأربع: بالسماحة والشجاعة، وكثرة الجماع، وشدة البطش [ (2) ] ، وقال مقاتل بن   [ (1) ] (فتح الباري) 1/ 497، كتاب الغسل، باب (12) إذا جامع ثم عاد، ومن دار على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (268) باب (24) الجنب يخرج ويمشى في السوق وغيره، حديث رقم (284) ، 9/ 140، كتاب النكاح، باب (4) كثرة النساء، حديث رقم (5068) ، 9/ 394، كتاب النكاح، باب (103) من طاف على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (5215) . [ (2) ] (دلائل أبى نعيم) : 1/ 67، الفصل الرابع، ذكر الفضيلة الرابعة بإقسام اللَّه تعالى بحياته، وتفرده بالسيادة لولد آدم في القيامة، وما فضل به هو وأمته على سائر الأنبياء وجميع الأمم صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (30) قال: حدثني أبو سعيد أحمد بن أبتاه قال: حدثنا الحسن بن إدريس، حدثنا قتيبة بن سعيد، وحدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن أحمد بن سليمان قال: حدثنا خالد بن يوسف قالا: حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبى سلمة، عن أبيه عن أبى هريرة قال: عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: فضلت على النبيين بستّ، أوتيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينما أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، وأرسلت إلى الناس كافة، وأحلت لي الغنائم، وختم بى النبيون. هذا الحديث أخرجه مسلم في (الصحيح) في كتاب المساجد، من طريق العلاء، عن أبيه، عن أبى هريرة، وذكر الأمور الستة التي ذكرت في هذا الحديث، وأخرجه البخاري في (الصحيح) ، في كتاب التيمم من حديث جابر: أعطيت خمسا.. فذكر الحديث، والإمام أحمد في (المسند) : 3/ 134، دون ذكر كثرة الجماع. وذكر ابن الجوزي في (العلل المتناهية) ، من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 حبان: أعطى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بضع سبعين شابا فحسدته اليهود، فنزل: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [ (1) ] .   [ () ] صلّى اللَّه عليه وسلم: فضلت على الناس بأربع: بالسخاء، والشجاعة، وكثرة الجماع، وشدة البطش. قال ابن الجوزي: هذا لا يصح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. (العلل المتناهية) : 2/ 175، باب تفضيله صلّى اللَّه عليه وسلم بالكرم والقوة. وذكره الخطيب البغدادي في ترجمة الحسين بن على النخعي، (تاريخ بغداد) : 8/ 69- 70، ترجمة رقم (4144) . وقال الحافظ الذهبي: الحسين بن على النخعي، شيخ كتب عنه الإسماعيلي، عمر وتغير، ولا يعتمد عليه، وأتى بخبر باطل، قال: حدثنا العباس بن الوليد الخلال، حدثنا مروان بن محمد، حدثنا سعيد، حدثنا قتادة، عن أنس مرفوعا: فضلت بأربع: بالسخاء، والشجاعة، وكثرة الجماع، وشدة البطش. رواه عنه الإسماعيلي. (ميزان الاعتدال) : 1/ 543، ترجمة الحسين بن على النخعي رقم (2030) . وذكره أيضا الحافظ ابن حجر في (المطالب العالية) : طاووس: أعطى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قوة أربعين رجلا في الجماع، مجاهد قال: أعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قوة بضع وأربعين رجلا، كل رجل من أهل الجنة. هما للحارث، وكلاهما مرسل منقطع. (المطالب العالية) : 4/ 27- 28، باب قوته صلّى اللَّه عليه وسلم على الجماع حديث رقم (3869) ، (3870) . [ (1) ] قال أبو حيان الأندلسى في تفسير قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ: وقال ابن عباس والسدي أيضا: والفضل ما أبيح له من النساء. وسبب نزول هذه الآية عندهم، أن اليهود قالت لكفار العرب: انظروا إلى هذا الّذي يقول إنه بعث بالتواضع، وأنه لا يملأ بطنه طعاما، ليس همه إلا في النساء، ونحو هذا، فنزلت. والمعنى: لم تخصونه بالحسد، ولا تحسدون آل إبراهيم- يعني- سليمان وداود في أنهما أعطيا النبوة والكتاب، وأعطيا مع ذلك ملكا عظيما في أمر النساء، وهو ما روى أنه كان لسليمان سبعمائة امرأة، وثلاثمائة سرية، ولداود مائة امرأة. فالملك في هذه الآية: إباحة النساء، كأنه المقصود أولا بالذكر. (البحر المحيط) : 3/ 678. وقال أبو القاسم جار اللَّه محمود بن عمر الزمخشريّ: وعن ابن عباس، الملك في آل إبراهيم ملك يوسف وداود وسليمان، وقيل: استكثروا نساءه، فقيل لهم: كيف استكثرتم له التسع، وقد كان لداود مائة، وسليمان ثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرية؟ (الكشاف) : 1/ 274. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 فصل [في ذكر سراري رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سريتان [ (1) ] : مارية، وريحانة. [مارية] [ (2) ] [ (3) ] فأما مارية بنت شمعون القبطية، فبعث بها المقوقس صاحب   [ (1) ] لكن ذكر أبو الفرج ابن الجوزي، أن سراري رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: مارية القبطية، بعث بها إليه المقوقس، و ريحانة بنت زيد، ويقال: إنه تزوجها، وقال الزهري: استسرها ثم أعتقها فلحقت بأهلها. وقال أبو عبيدة كان له أربع: مارية، وريحانة، وأخرى جميلة أصابها في السبي، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش. (صفة الصفوة) : 1/ 276، ذكر سراري رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال القسطلاني: وأما سراريه صلّى اللَّه عليه وسلم فقيل: إنهن أربعة: [ (2) ] مارية القبطية بنت شمعون- بفتح الشين المعجمة- أهداها له المقوقس القبطي، صاحب مصر والإسكندرية، وأهدى معها أختها سيرين- بكسر السين المهملة، وسكون المثناة التحتية، وكسر الراء، وبالنون آخرها- وخصيا يقال له: مأبور، وألف مثقال ذهبا- وعشرين ثوبا لينا من قباطي مصر، وبغلة شهباء- وهي دلدل- وحمارا أشهب- وهو عفير ويقال يعفور- وعسلا من عسل بنها، فأعجب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالعسل ودعا في عسل بنها بالبركة. قال ابن الأثير: وبنها- بكسر الباء وسكون النون- قرية من قرى مصر، بارك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في عسلها، والناس اليوم يفتحون الباء. ووهب سيرين لحسان بن ثابت، وهي أم عبد الرحمن بن حسان، ومارية أم إبراهيم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وماتت مارية في خلافة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه سنة ست عشرة ودفنت بالبقيع. * وريحانة بنت شمعون من بنى قريظة، وقيل: من بنى النضير، والأول أظهر، وماتت قبل وفاته صلّى اللَّه عليه وسلم، مرجعه من حجة الوداع سنة عشر، ودفنت بالبقيع، وكان صلّى اللَّه عليه وسلم وطئها بملك اليمين، وقيل: أعتقها وتزوجها. * وأخرى وهبتها له زينب بنت جحش. * الرابعة أصابها في بعض السبي. (المواهب اللدنية) : 2/ 100- 101، (زاد المعاد) : 1/ 114. [ (3) ] سبق طرف من ترجمتها ضمن ترجمة ولدها إبراهيم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في فصل ذكر أولاد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، لها ترجمة وافية في: (الإصابة) : 8/ 111- 112، ترجمة رقم (11737) ، (الاستيعاب) : 4/ 1912- 1913، ترجمة رقم (4091) ، (تاريخ الإسلام) : 2/ 597، (طبقات ابن سعد) : 8/ 216، (أعلام النساء) : 5/ 10- 11، (المواهب اللدنية) : 2/ 100- 101، (أسماء الصحابة الرواة) : 349 ترجمة رقم (553) ، (تلقيح فهوم أهل الأثر) : 359، (حلية الأولياء) : 2/ 70، ترجمة رقم (150) ، (شذرات الذهب) : 1/ 29، (مغازي الواقدي) 1/ 378. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 الإسكندرية مدينة بأرض مصر- في سنة سبع مع حاطب بن أبى بلتعه لما أتاه بكتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، وبعث معها بأختها سيرين. وفي رواية: أنه بعث ثلاث جوار: أم إبراهيم، وواحدة وهبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأبى جهم بن حذيفة العدوي، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت، وألف مثقال من الذهب، وعشرين ثوبا، وبغلة، وحمارا، وخصيا، كل ذلك هدية، فلما خرج [حاطب] بمارية عرض عليها الإسلام فأسلمت وأختها، وأقام الخصىّ على دينه حتى أسلم بالمدينة، فأعجب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمارية- وكانت بيضاء جميلة جعدة الشعر، وكانت أمها رومية- فأنزلها في المال الّذي يعرف بمشربة أم إبراهيم [ (1) ] ، وصار يختلف إليها هناك، وضرب عليها الحجاب، واتخذها لفراشه فحملت بإبراهيم، وولد في ذي الحجة سنة ثمان، فقبلتها سلمى مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وحضنته أم بردة كبشة بنت المنذر بن زيد بن لبيد، وقال صلّى اللَّه عليه وسلم- لما ولد إبراهيم-: أعتق أمّ إبراهيم ولدها [ (2) ] . ومات إبراهيم وهو يرضع، فلما توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان أبو بكر رضى اللَّه عنه ينفق على مارية حتى توفاه اللَّه، ثم كان عمر رضى اللَّه عنه ينفق عليها حتى ماتت في رمضان لسنتين من خلافته، وقيل: ماتت في المحرم سنة ست عشرة.   [ (1) ] مغازي الوافدى) : 1/ 378. [ (2) ] سنده ضعيف، وقد سبق أن أشرنا إليه في الكلام على أبنائه صلّى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 [ريحانة] [ (1) ] وريحانة بنت شمعون بن زيد- ويقال: زيد بن خنافة- من بنى   [ (1) ] هي ريحانة بنت شمعون بن زيد، وقيل زيد بن عمرو بن قنافة- بالقاف- أو خنافة- بالخاء المعجمة، من بنى النضير. وقال ابن إسحاق: من بنى عمر بن قريظة. وقال ابن سعد: ريحانة بنت زيد بن عمر خنافة بن شمعون بن زيد من بنى النضير، وكانت متزوجة رجلا من بنى قريظة يقال له: الحكم، ثم روى ذلك عن الواقدي. قال ابن إسحاق في (الكبرى) : كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سباها فأبت إلا اليهودية، فوجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في نفسه، فبينما هو مع أصحابه، إذ سمع وقع نعلين خلفه، فقال: هذا ثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة، فبشره وعرض عليها أن يعتقها ويتزوجها ويضرب عليها الحجاب، فقالت: يا رسول اللَّه، بل تتركني في ملكك، فهو أخفّ عليّ وعليك، فتركها. وماتت قبل وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسنة عشر. وقيل: لما رجع من حجة الوداع. وأخرج ابن سعد عن الواقدي بسند له عن عمر بن الحكم، قال: كانت ريحانة عند زوج لها يحبها، وكانت ذات جمال، فلما سبيت بنو قريظة، عرض السبي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فعزلها، ثم أرسلها إلى بيت أم المنذر بنت قيس، حتى قتل الأسرى وفرق السبي، فدخل إليها فاختبأت منه حياء. قالت: فدعاني فأجلسنى بين يديه، وخيّرتى فاخترت اللَّه ورسوله، فأعتقنى وتزوج بى، فلم تزل عنده حتى ماتت، وكان يستكثر منها ويعطيها ما تسأله، وماتت مرجعه من الحج، ودفنها بالبقيع. وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني صالح بن جعفر، عن محمد بن كعب قال: كانت ريحانة مما أفاء اللَّه على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت جميلة وسيمة، فلما قتل زوجها وقعت في السّبى، فخيرها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فاختارت الإسلام، فأعتقها وتزوجها، وضرب عليها الحجاب، فغارت عليه غيرة شديدة فطلقها، فشق عليها، وأكثرت البكاء، فراجعها، فكانت عنده حتى ماتت قبل وفاته صلّى اللَّه عليه وسلم. وأخرج من طريق الزهري أنه لما طلقها كانت في أهلها، فقالت: لا يراني أحد بعده. قال الواقدي: وهذا وهم، فإنّها توفيت عنده صلّى اللَّه عليه وسلم. وذكر محمد بن الحسن في (أخبار المدينة) ، عن الدراوَرْديّ، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صلّى في منزل من دار قيس بن فهد، وكانت ريحانة القرظية زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تسكنه. وقال أبو موسى: ذكرها ابن مندة في ترجمة مارية، ولم يفردها بترجمة ... وقيل: اسمها ربيحة- بالتصغير. قال: الحافظ في (الإصابة) : بل أفردها، فإنه قال ما هذا نصه بعد ذكر الأزواج الحرائر: وسبى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 قريظة، ويقال: من بنى النضير، والأكثر أنها من بنى قريظة، ويقال: اسمها ربيحة، كانت متزوجة في بنى قريظة بابن عم لها يقال له: الحكم أو عبد الحكم، فلما غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قريظة وغنم أموالهم، أخذ ريحانة صفيا- وكانت جميلة- فعرض عليها أن تسلم، فأبت إلا اليهودية، فعزلها ووجد في نفسه. فأرسل إلى ابن سعية، فذكر له ذلك فقال: فداك أبى وأمى، هي تسلم، وخرج حتى جاءها، فجعل يقول لها: لا تتبعى قومك، فقد رأيت ما حل [على آل] حيي بن أخطب، وأسلمى يصطفيك رسول اللَّه لنفسه. فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أصحابه، إذ سمع وقع نعل فقال: إن هاتين لنعلا ابن سعية يبشرني بإسلام ريحانة، فجاءه فقال: يا رسول اللَّه، قد أسلمت ريحانة، فسرّ بذلك، وأرسل بها إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر فكانت عندها حتى حاضت حيضة، ثم طهرت من حيضتها. فجاءها في منزل أم المنذر، فقال لها: إن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت، وإن أحببت أن تكوني في ملكي وأطؤك بالملك فعلت، فقال:   [ () ] جويرية في غزوة المريسيع، وهي ابنة الحارث بن أبى ضرار، وسبى صفية بنت حيي بن أخطب من بنى النضير، وكانت مما أفاء اللَّه عليه، فقسم لهما، واستسرى جاريته القبطية فولدت له إبراهيم، واستسرى ريحانة من بنى قريظة، ثم أعتقها فلحقت بأهلها، واحتجبت، وهي عند أهلها. وهذه فائدة جليلة، أغفلها ابن الأثير. وأخرج ابن سعد عن الواقدي من عدة طرق، أنه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوجها، وضرب عليها الحجاب، ثم قال: وهذا الأثر عند أهل العلم. وسمعت من يروى أنه كان يطؤها بملك اليمين. وأورد ابن سعد من طريق أيوب بن بشر المعافري، أنها خيّرت، فقالت: يا رسول اللَّه، أكون في ملكك، فهو أخفّ عليّ وعليك، فكانت في ملكه يطؤها إلى أن ماتت، لها ترجمة في: (الإصابة) : 7/ 658- 660 ، ترجمة رقم (11197) ، (الاستيعاب) : 4/ 1847، ترجمة رقم (3350) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 92، (أعلام النساء) : 1/ 474، (عيون الأثر) : 2/ 309، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (المواهب اللدنية) : 2/ 100- 101. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 يا رسول اللَّه، إني أخفّ عليك، وعليّ أن أكون في ملكك، فكانت في ملكه يطؤها حتى ماتت، وكان قد جعلها في محل له يدعى الصدقة، وكان ربما قال عندها وعندها وعك، فأتى منزل ميمونة، ثم تحول إلى بيت عائشة رضى اللَّه عنها. وعن الزهري: كانت ريحانة بنت شمعون قريظية، وكانت من ملك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأعتقها وتزوجها، وجعل [صداقها عتقها] ، ثم إنه طلقها، فكانت في أهلها تقول: لا يراني أحد بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وعن محمد بن كعب القرظي: كانت ريحانة من قريظة صفى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ، فأعتقها وتزوجها، فغارت عليه غيرة شديدة، فطلقها تطليقة ثم راجعها، فكانت عنده حتى ماتت قبل أن يتوفاه اللَّه. وكانت ريحانة تقول: تزوجني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومهرنى مثل مهر نسائه، وكان يقسم لي، وضرب عليّ الحجاب، وكان تزويجه إياي في المحرم سنة ست من الهجرة. وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم سريتان: [مارية] [ (1) ] القبطية، وريحانة بنت شمعون، وصحح الواقدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعتقها وتزوج بها، والّذي ذهب إليه أبو عمر بن عبد البر: أن ريحانة ماتت قبل وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في سنة عشر، مرجعه من حجة الوداع. وعن ابن سيرين: أن رجلا لقي ريحانة بالموسم فقال: إن اللَّه لم يرضك للمؤمنين أمّا، قالت وأنت فلم يرضك اللَّه لي ابنا.   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 فصل في ذكر أسلاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم السّلفان والسّلفان: متزوجان الأختين، والجمع أسلاف، وقال ابن الأعرابي: ليس في النساء سلفة، إنما السلفان في الرجال. وقال كراع: السلفان: المرأتان تحت الأخوين [ (1) ] وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الأسلاف سبعة وأربعون رجلا، ستة من قبل خديجة، وثلاثة من قبل عائشة، وأربعة من قبل حفصة، وسبعة من قبل أم سلمة، وأحد عشر من قبل أم حبيبة، واثنان من سودة، وعشرة من قبل ميمونة، وثلاثة من قبل زينب بنت جحش، وواحد من قبل مارية. [أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة] فأما أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة فإنّهم: الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس ابن عبد مناف [ (2) ] أمة وأم أخيه ربيعة [ (3) ] : أم المطاع ابنة أسد ابن   [ (1) ] وقال في (التهذيب) : السلفان رجلان تزوجا بأختين، كل واحد منهما سلف صاحبه، والمرأة سلفة لصاحبتها إذا تزوج أخوان بامرأتين. وقال الجوهري: وسلف الرجل زوج أخت امرأته، وكذلك سلفه، مثل كذب وكذب. قال عثمان بن عفان: معاتبة السلفين تحسن مرة ... فإن أدمنا إكثارها أفسدا الحبا (لسان العرب) : 9/ 160- 161. [ (2) ] ، (3) الربيع، وربيعة ابنا عبد العزي، فولد الربيع أبو العاصي، واسمه القاسم، صهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، زوّجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته الكبرى زينب، وأسلم وحسن إسلامه، وحمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مصاهرته، ماتت زينب رضى اللَّه عنها عنده، وولدت له على بن أبى العاصي، مات مراهقا. وأمامة بنت أبي العاصي، تزوجها علي بن أبى طالب بعد فاطمة- رضي اللَّه عنهم جميعا- وتوفي أبو العاصي في ذي الحجة سنة (12) في خلافة أبي بكر، ولا عقب لأبى العاصي ولا لأبيه الربيع. وتزوج أبو العاصي بن الربيع بعد موت زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأختة بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وفاختة بنت أبي أحيحة سعيد بن أبى العاصي، فولدت له بنت أبي أحيحة ابنة اسمها مريم، تزوجها محمد بن عبد الرحمن بن عوف، فولدت له القاسم، وللقاسم هذا عقب باق. (جمهرة أنساب العرب) : 77- 78. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 عبد العزى بن قصي، وهما اللذان غضبا لأم حبيبة بنت عبد شمس لما خرجت إلى الطائف، وقد أكثرت من رحل من بنى عقيل، فلقيها بعض بنى بكر وقتلوا العقيلي، فرجعت إلى مكة، وجاءت حرب بن أمية بن عبد شمس وطلبت منه أن يأخذ لها بثأر العقيلي فقال: لا سبيل إلى ما قبل بنى بكر، فأتت الربيع والربيعة ابني عبد العزى بن عبد شمس، فشكت إليهما ما لقيته وما قال لها حرب، وتحفرت بالعقيلى فقاما معها وغضبا لها حتى أخذا لها الدية، فبعث بها إلى أهل العقيلي، فمدحهما الخليع شاعر بنى عقيل، وتزوج الربيع هذا بهالة بنت خويلد أخت خديجة لأبيها وأمها، فاطمة ابنة زائدة بنت جندب بن هدم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر بن لؤيّ، فولدت له أبا العاصي بن الربيع زوج زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وابن خالتها، ومات الربيع عن هالة، فخلف عليها أخوه ربيعة بن عبد العزى، وقد انقرض ولد الربيع بن عبد العزى بن هاله، ولربيعة عقب، ومات وبيعة عن هاله فخلف عليها قطن بن وهب بن عمرو بن حبيب بن سعد بن عائذ بن مالك المصطلقيّ من خزاعة، فولدت له عبد العزى بن قطن الّذي شبهه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بقمر بنى لحي [ (1) ] وعلاج بن أبى سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن ثقيف بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان، كانت تحته خالدة بنت خويلد أخت خديجة. [ (2) ] وعبد بن بجاد [بن عبد اللَّه] [ (3) ] بن عمير بن الحارث بن حارثة بن سعد   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 204- 208، خروج زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة، وما أصابها عند خروجها، (جمهرة أنساب العرب) : 171 [ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 268. [ (3) ] زيادة للنسب من (الإصابة) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 ابن تيم بن مرة بن كعب، كانت تحته رقيقة [ (1) ] بنت خويلد أخت خديجة لأبيها، فولدت له أميمة بنت بجاد، وهي التي يقال لها بنت رقيقة [ (2) ] وهي من المبايعات، حدث عنها محمد بن المنكدر [ (3) ] . [سلفاه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة] وأما سلفاه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة رضى اللَّه عنهما، فهما: حويطب ابن عبد العزّى بن أبى قيس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن خسل بن عامر بن لؤيّ بن غالب القرشيّ العامري، أبو محمد، وقيل: أبو الأصبغ، أمه وأم أخيه رهم بن عبد العزّى: زينب بنت علقمة بن غزوان بن يربوع بن الحرث بن منقذ بن عمرو بن معيص، أسلم يوم الفتح، وهو من المؤلفة [قلوبهم] [ (4) ] ، وأعطى يوم حنين مائة بعير، [وهو] [ (4) ] أحد النفر الذين أمرهم عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه بتجديد [أنصاب] [ (4) ] الحرم، ومات   [ (1) ] في (خ) : «رفيقه» وصوبناه من (الإصابة) . [ (2) ] رقيقة بالتصغير. [ (3) ] (الإصابة) : 7/ 508، ترجمة أميمة بنت بجاد رقم (10840) [ (4) ] زيادة للسياق، وأنصاب الحرم: حدوده، وحد الحرم من طريق الغرب التنعيم، ثلاثة أميال، ومن طريق العراق: تسعة أميال، ومن طريق اليمن سبعة أميال، ومن طريق الطائف: عشرون ميلا. وقد روى حويطب بن عبد العزى، عن عبد اللَّه بن السعدي، عن عمر رضى اللَّه عنه حديث العمالة، ورواه عنه السائب بن يزيد الصحابي، وقد أخرجه البخاري في (الصحيح) ، في الأحكام، باب رزق الحاكم والعاملين عليها من طريق أبي اليمان، عن شعيب عن الزهري، أخبرني السائب بن يزيد ابن أخت نمر، أن حويطب بن عبد العزي، أخبره أن عبد اللَّه بن السعدي أخبره أنه قدم علي عمر في خلافته، فقال له عمر: ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا، فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت: بلى: فقال عمر: ما تريد إلي ذلك؟ فقلت: أن لي أفراسا وأعبدا، وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتي صدقة علي المسلمين. قال عمر: لا تفعل، فإنّي كنت أردت الّذي أردت وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه منى، حتى أعطانى مرة مالا، فقلت: أعطه أفقر إليه منى، فقال النبي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن مائة وعشرين سنة أدرك منها في الجاهلية ستين سنة، وكانت تحته أم كلثوم ابنة زمعة أخت سودة لأبيها وأمها، فولدت له عبد الرحمن بن حويطب. وعبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ، القرشي الزهري [أبو محمد] ، كان اسمه في الجاهلية: عبد عمرو، وقيل: عبد الكعبة، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد الرحمن [أمه] : الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة، ولد بعد الفيل بعشر سنين، وأسلم قبل دخول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، وشهد بدرا وما بعدها، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وكان له حظ في التجارة، وكسب مالا كثيرا، خلف بعير، وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس، وصولحت امرأته عن ربع الثمن بثلاثة وثمانين ألفا، ومات بالمدينة سنة إحدى وثلاثين، وقيل: ثنتين وثلاثين، عن خمس وأربعين سنة، وقيل عن اثنتين وسبعين سنة،   [ () ] صلّى اللَّه عليه وسلم خذه فتموله وتصدق به، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذ، وإلا فلا تتبعه نفسك. وقال الحافظ الذهبي ولا نعلم حويطبا يروي سواه، ثم قال: ومن لطائف هذا الإسناد أن الزهري رواه عن أربعة من الصحابة في نسق: السائب، وحويطب، وابن السعدي، وعمر. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 5/ 454، (طبقات خليفة) : 27، (تاريخ خليفة) : 223، (التاريخ الكبير) : 3/ 127. (المعارف) : 311، 112، 342، (الجرح والتعديل) : 3/ 314، (المستدرك) : 3/ 561- 563، حديث رقم (6082/ 1680) إلى (6084/ 1682) ، (الاستيعاب) : 1/ 399- 400، ترجمة رقم (557) ، (تهذيب التهذيب) : 3/ 58- 59، ترجمة رقم (125) ، (الإصابة) : 2/ 143، ترجمة رقم (1884) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 272، ترجمة رقم (1728) ، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 540- 541 ترجمة رقم (111) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 وتزوج أم حبيبة بنت جحش أخت زينب [ (1) ] بنت جحش [ (2) ] . وذكر مالك في الموطأ: عن هشام بن عروة، عن أبيه عن زينب بنت أبى سلمة أنها رأت زينب ابنة جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلى [ (3) ] .   [ (1) ] في (خ) «أخت سودة بنت زمعة» . [ (2) ] له ترجمة في: (كنز العمال) : 3/ 220- 230، (تاريخ الخميس) : 2/ 257، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/ 147، ترجمة رقم (4209) ، (الإصابة) : 4/ 346- 350، ترجمة رقم (5183) ، (تهذيب التهذيب) : 6/ 221- 222، ترجمة رقم (493) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 300- 302، (جامع الأصول) : 9/ 19- 20 (صفة الصفوة) : 1/ 183- 186 ، (الاستيعاب) : 2/ 844- 850، ترجمة رقم (1447) ، (حلية الأولياء) : 1/ 98- 100 ، ترجمة رقم (9) ، (المستدرك) : 3/ 345- 352، (الجرح والتعديل) : 5/ 247، (المعارف) : 235- 240، (التاريخ الصغير) : 1/ 50، 60، 61، (التاريخ الكبير) : 5/ 240، (تاريخ خليفة) : 166، (طبقات خليفة) : 15، (طبقات ابن سعد) : 3/ 124- 136 (مسند أحمد) : 1/ 312- 320، (شذرات الذهب) : 1/ 38، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 68- 29 ، ترجمة رقم (4) . وقد أفرد ابن سعد في (الطبقات) فصلا في ذكر أزواج عبد الرحمن بن عوف وولده، وذكر خمس عشرة زوجة ليس من بينهن ما يفيد أنه رضى اللَّه عنه كان من أسلاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، على خلاف ما ذكره التقى المقريزي وهن: أم كلثوم بنت عقبة بن ربيعة، وبنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس، وأم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط بن أبى عمرو بن أمية بن عبد شمس، وسهلة بنت عاصم بن عدي، وبحرية بنت هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود، وسهلة بنت سهيل ابن عمرو، وأم حكيم بنت قارض بن خالد، وابنة أبى الحيس بن رافع بن امرئ القيس، وتماضر بنت الأصبغ بن عمرو، وأسماء بنت سلامة بن مخربة بن جندل، وأم حريث من سبى بهراء، ومجد بنت يزيد بن سلامة، وغزال بنت كسرى أم ولد من سبى سعد بن أبى وقاص يوم المدائن، وزينب بنت الصباح بن ثعلبة بن عوف من سبى بهراء أيضا، وبادية بنت غيلان بن سلمة بن معتّب الثقفي. (طبقات ابن سعد) : 3/ 127- 128، ذكر أزواج عبد الرحمن بن عوف وأولاده. [ (3) ] (موطأ مالك) : 51- 52، باب المستحاضة، حديث رقم (134) ، وقال العلامة محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقانى: قال عياض: اختلف أصحاب الموطأ في هذا، فأكثرهم يقولون: زينب، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 قال ابن عبد البر: هكذا رواه [] عن مالك في الموطأ وهو وهم، لانه   [ () ] منهم يقول: ابنة جحش، وهذا هو الصواب، ويبين الوهم فيه قوله: «التي كانت تحت عبد الرحمن ابن عوف» ، وزينب هي أم المؤمنين لم يتزوجها عبد الرحمن قط، وإنما تزوجها زيد بن حارثة، ثم تزوجها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، والتي كانت تحت عن الرحمن هي أم حبيبة. وقال ابن عبد البر: قيل: إن بنات جحش الثلاثة زينب، وأم حبيبة، وحمنة زوج طلحة بن عبيد اللَّه كن يستحضن كلهن، وقيل: لم يستحض منهن إلا أم حبيبة. وذكر القاضي يونس بن مغيث في كتابة (الموعب في شرح الموطّأ) مثل هذا، وذكر أن كل واحدة منهن اسمها زينب، ولقب إحداهن حمنة، وإذا كان كذلك فقد سلم مالك من الخطأ في تسمية أم حبيبة زينب، وقد ذكر البخاري من حديث عائشة: أن امرأة من أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلم كانت تستحاض، وفي رواية: أن بعض أمهات المؤمنين، وفي أخرى: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم اعتكف مع بعض نسائه وهي مستحاضة. وفي (فتح الباري) : قيل: حديث الموطأ هذا وهم، وقيل: صواب، وإن اسمها زينب، وكنيتها أم حبيبة بإثبات الهاء على المشهور في الروايات الصحيحة للواقدي، وتبعه إبراهيم الحربي: الصحيح أم حبيب بلا هاء، واسمها حبيبة، وإن رجحه الدار قطنى، قال: وأما أختها أم المؤمنين، فلم يكن اسمها الأصلي زينب، وإنما كان اسمها برّة، فغيره النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وفي أسباب النزول للواحدي: إنما كان اسمها زينب بعد أن تزوجها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلعله سماها باسم أختها ثم غلبت عليها الكنية، فأين اللبس؟ قال: - أعنى الحافظ- ولم ينفرد الموطأ بتسمية أم حبيبة زينب، بل وافقه يحى بن كثير، أخرجه أبو داود الطيالسي في مسندة. وبه يردّ قول صاحب (المطالع) : لا يلتفت لقول من قال: إن بنات جحش اسم كل منهن زينب، لأن أهل المعرفة بالأنساب لا يثبتونه، وإنما حمل عليه من قاله أن لا ينسب إلى مالك وهم، كذا قال، وقد علم أنه لم ينفرد به. (شرح الزرقانى على الموطأ) : 1/ 181، كتاب الطهارة، باب (37) في المستحاضة، شرح الحديث رقم (134) . في (الاستيعاب) : أم حبيبة، ويقال: أم حبيب ابنة جحش ابن رئاب الأسديّ أخت زينب بنت جحش، وأخت حمنة بنت جحش، وأكثرهم يسقطون الهاء، فيقولون: أم حبيب كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض. وأهل السير يقولون: إن المستحاضة حمنة، والصحيح عند أهل الحديث أنهما كانتا تستحاضان جميعا. وقد قيل: إن زينب بنت جحش استحيضت، ولا يصح. وفي الموطأ وهم، أن زينب بنت جحش استحيضت، وأنها كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وهذا غلط، إنما كانت تحت زيد بن حارثة، ولم تكن تحت عبد الرحمن بن عوف، والغلط لا يسلم منه أحد، وزعم بعض الناس أن أم حبيب هذه اسمها حبيبة. (الاستيعاب) : 4/ 1928- 1929، ترجمة رقم (4135) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 لم تكن قط زينب بنت جحش تحت عبد الرحمن بن عوف، وإنما كانت تحت زيد بن حارثة، ثم كانت تحت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وإنما كانت تحت عبد الرحمن ابن عوف أمّ حبيبة بنت جحش، وكنّ ثلاث أخوات كما ذكرنا، وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف، وحمنة بنت جحش تحت طلحة بن عبد اللَّه، وقد قيل: إن بنات جحش ما استحض، وقيل: لم يستحض منهن إلا أم حيبة وحمنة، واللَّه أعلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة وأما أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة رضى اللَّه عنها إنهم: الزبير بن العوام، كانت تحته أسماء ذات النطاقين، وابنة أبى بكر الصديق، من قبيلة تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن نضر بن نزار بن معدّ بن عدنان] [ (1) ] ، وهي أخت عائشة رضى اللَّه عنها لأبيها، فولدت له عبد اللَّه [وعروة والمنذر وعاصما وخديجة الكبرى] [ (2) ] ، وأم الحسن وعائشة بنى الزبير، وقد تقدم من التعريف به ما أغنى عن إعادته [ (3) ] . وطلحة بن عبيد اللَّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ [بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، القرشيّ، التيمي، المكيّ] [ (4) ] أبو محمد، وأمه الحضرمية، اسمها الصعبة بنت عبد اللَّه بن عماد بن مالك بن ربيعة بن أكبر بن مالك بن عويف بن مالك بن الخزرج بن إياه بن الصدف بن حضر موت بن كندة، يعرف أبوها عبد اللَّه بالحضرمي، ويقال لها: بنت الحضرميّ، يكنى طلحة أبو محمد، ويعرف بطلحة الفياض.   [ (1) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ) ، وما أثبتناه من (معجم قبائل العرب) : 1/ 138. [ (2) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من (طبقات ابن سعد) . [ (3) ] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 3/ 100- 113، (طبقات خليفة) : 13، 189، 291، (تاريخ خليفة) : 68، (التاريخ الكبير) : 3/ 409، (التاريخ الصغير) : 1/ 75، (المعارف) : 219- 227 ، (الجرح والتعديل) : 3/ 578، (حلية الأولياء) : 1/ 89، (جامع الأصول) : 9/ 5- 10 ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 194- 196، (تاريخ الخميس) : 1/ 172، (كنز العمال) : 13/ 204- 212، (شذرات الذهب) : 1/ 42- 44، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 41- 67. [ (4) ] ما بين الحاصرتين زيادة للنسب من كتب التراجم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 وهو أحد المهاجرين الأولين، آخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينه وبين كعب بن مالك، ولم يشهد [بدرا] ، فضرب له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسهمه، فلما قدم قال: يا رسول اللَّه! وأجرى؟ قال: وأجرك، وشهد أحدا [وما بعدها] وكان له بلاء حسن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقاه يومئذ بنفسه، واتقى عنه النبل بيده حتى شلت [إصبعه] ، وضرب في رأسه، وحمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على رأسه، ظهره حتى استقل على الصخرة، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اليوم أوجب طلحة [ (1) ] ، ثم شهد المشاهد كلها، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد أصحاب الشورى الستة، ثم شهد وقعة الجمل محاربا لعلى رضى اللَّه عنهما، فذكّره أشياء فرجع عن قتال عليّ، واعتزل في بعض الصفوف، فرماه مروان بن الحكم بسهم، فلم يزل ينزف دمه حتى مات في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين عن ستين- وقيل: بضع وستين- سنة، كانت تحته أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق [ (2) ] . أخت عائشة من حبيبة بنت خارجة بن رهم الأنصاري، فهي أخت عائشة لأبيها، فولدت لطلحة زكريا [ويوسف] [ (3) ] وعائشة، وكانت تحته أيضا حمنة بنت جحش بعد موت   [ (1) ] أوجب طلحة: عمل عملا أوجب له الجنة. [ (2) ] هي أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق التيمية، تابعية، مات أبوها وهي حمل، فوضعت بعد وفاة أبيها، وقصتها بذلك صحيحة في الموطأ وغيره، أرسلت حديثها، فذكرها بسببه ابن السكن وابن مندة في الصحابة. وأخرج من طريق إبراهيم بن طهمان، عن يحيى بن سعيد، عن حميد بن نافع وعن أم كلثوم بنت أبى بكر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نهى عن ضرب النساء ... ثم قال: رواه الليث عن يحيى نحوه، ورواه الثوري عن يحى بن حميد، فقال: عن زينب بنت أبى سلمة. قال الحافظ: ولأم كلثوم بنت أبى بكر رواية أخرى عن عائشة في (صحيح مسلم) ، روى عنها جابر ابن عبد اللَّه الأنصاري، وأمها حبيبة بنت خارجة، وضعتها بعد موت أبى بكر، وروى عنها أيضا جبر- أو جابر- بن حبيب، وطلحة بن يحى، والمغيرة بن الحكيم، وغيرهم. (الإصابة) : 8/ 296، ترجمة رقم (12235) . [ (3) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 مصعب بن عمير عنها، وهي أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش، فولدت حمنة لطلحة محمد السّجاد، وهو الّذي قتل يوم الجمل، وعمران [بن طلحة] [ (1) ] . وخرج الحاكم من حديث أبى صالح الحراني: حدثنا سليمان [ (2) ] بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن محمد بن طلحة، عن أبيه [ (3) ] عن جده قال: كان طلحة سلف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في أربع: كانت عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عائشة بنت أبى بكر، وكانت أختها أم كلثوم بنت أبى بكر عند طلحة، فولدت له زكريا ويوسف وعائشة، وكانت عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم زينب بنت جحش، وكانت حمنة بنت جحش تحت طلحة [بن عبيد اللَّه] [ (4) ] ، فولدت له محمدا، وقتل يوم الجمل [مع أبيه] [ (5) ] ، وكانت أم حبيبة بنت أبى سفيان تحت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وكانت أختها رفاعة [ (6) ] بنت أبى سفيان تحت طلحة وكانت أم سلمة بنت أبى أمية تحت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت أختها قريبة بنت أبى أمية تحت طلحة، فولدت له مريم بنت طلحة [ (7) ] .   [ (1) ] زيادة للنسب من (طبقات ابن سعد) . [ (2) ] في (خ) : «سلمان» . [ (3) ] في خ: «عن أمه» . وقال عنه الحافظ في (الإصابة) : * أحد العشرة [المبشرين بالجنة] . * أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام. * أحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبى بكر. * أحد الستة أصحاب الشورى. [ (4) ] زيادة للنسب من (المستدرك) . [ (5) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (6) ] كذا في (خ) ، وفي المستدرك: «الرفاعة» . [ (7) ] (المستدرك: 3/ 419- 420، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب طلحة بن عبيد اللَّه التيمي رضى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 وعبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى ربيعة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو ابن مخزوم [] [ (1) ] القرشي المخزومي، وقال له: الأحول، أحد وجوه قريش [ (2) ] ، أمه ليلى بنت عطارد بن حاجب بن زرارة [ (3) ] ، خلف على أم   [ () ] اللَّه عنه، حديث رقم (5596/ 1194) ، وقد سكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . وطلحة ابن عبيد رضى اللَّه عنه له ترجمة في: (الجرح والتعديل) : 4/ 471، (المعارف) : 228- 234، (التاريخ الصغير) : 1/ 75، (تاريخ خليفة) : 181، (طبقات خليفة) : 18، 189، (طبقات ابن سعد) : 3/ 214- 255، (سيرة ابن هشام) : 2/ 91، (مسند أحمد) : 1/ 260- 265، مسند أبى محمد طلحة بن عبيد اللَّه، (المستدرك) : 3/ 419- 425، (حلية الأولياء) : 1/ 87، (جامع الأصول) : 9/ 3- 5، (اللباب) : 2/ 88، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 251، (خلاصة تذهيب الكمال) : /، ترجمة رقم () ، (كنز العمال) : 3/ 198- 404، (شذرات الذهب) : 1/ 42- 43، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 23- 40، (صفة الصفوة) : 1/ 176- 179، (الإصابة) : 3/ 529- 533، ترجمة رقم (4270) ، (الاستيعاب) : 764- 770، ترجمة رقم (1280) ، تلقيح فهوم أهل الأثر) : 366، (أسماء الصحابة الرواة) : 59، ترجمة رقم (83) . [ (1) ] ما بين الحاصرتين. مطموس في (خ) . [ (2) ] هو عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى ربيعة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، أمه ليلى بنت عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد اللَّه بن زارم من بنى تميم. فولد عبد الرحمن بن عبد اللَّه عمرا وأمّه وأمّ بشير بنت أبى مسعود، وهو عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن عطية بن جدارة بن عوف بن الحارث من الخزرج. وأخوه لأمه زيد بن حسن بن على بن أبى طالب. وعثمان بن عبد الرحمن. وإبراهيم وموسى وأم حميد وأم عثمان. وأمهم أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق، وأمها أم حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبى زهير من بلحارث بن الخزرج. وأبا بكر ومحمدا، وأمهما فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة، وأمها أسماء بنت أبى جهل ابن هشام، وعبد اللَّه وأم جميل لأم ولد. وكان عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى ربيعة أحد الرءوس يوم الحرة، ونجا فلم يقتل يومئذ. حتى مات بعد ذلك. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 5/ 172، (المعارف) : 175، (وفيات الأعيان) : 3/ 70، ترجمة رقم (339) ، 3/ 436- 439، ترجمة رقم (490) ، (تهذيب التهذيب) : 5/ 184، ترجمة والده عبد اللَّه بن أبى ربيعة رقم (362) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 160- 165 ، ترجمة طلحة بن عبد اللَّه، وموسى، وعيسى، ويحى، ويعقوب أبناء طلحة بن عبد اللَّه. [ (3) ] (الإصابة) : 8/ 105، ترجمة رقم (11720) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 كلثوم بنت أبى بكر بعد طلحة بن عبد اللَّه، فولدت له: عثمان، وموسى، وإبراهيم، [وزكريا] ، وله من غير أم كلثوم: محمد، وأبو بكر، أمهما فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وفيه يقول معاوية بن أبى سفيان: غلبنا عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى ربيعة على أيام قريش، وقال عبد الملك بن مروان: ثلاثة أعطوا اللَّه عهدا ألا يعطوا طاعة أبدا، فأما واحد فعاجلته منيته، وهو عبد اللَّه بن صفوان الجمحيّ، وأما الآخر: فوفى حتى مات، وهو عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى ربيعة، وأما [الثالث] فحام وهو عبد الرحمن بن عثمان السهمي، وتوفى عبد الرحمن بن أبى ربيعة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 [أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل حفصة] وأما أسلافه من قبل حفصة رضى اللَّه عنها فإنّهم: عبد الرحمن بن زيد ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد اللَّه بن قرط بن رزاح ابن عدي بن كعب [بن لؤيّ بن غالب بن فهر] [ (1) ] القرشي العدوي، أمه لبابة بنت أبى لبابة بن عبد المنذر الأنصاري، وعمه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، ولد وهو ألطف من ولد، فأخذه جده أبو أمه أبو لبابة في ليفة، فجاء به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا معك يا أبا لبابة؟ قال: ابن ابني يا رسول اللَّه، ما رأيت مولودا قط أصغر خلقه منه، فحمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومسح على رأسه، ودعا فيه بالبركة، فما [رئي عبد] [ (1) ] الرحمن بن زيد مع قوم في صف إلا فرعهم طولا، وكان من أطول الرجال وأتمهم، وكان شبيها بأبيه زيد بن الخطاب، وزوّجه عمه عمر بن الخطاب ابنته فاطمة من أم كلثوم، بنت على بن أبى طالب من فاطمة عليها السلام، فولدت له عبد اللَّه وابنة، وولد له من غير فاطمة بنت عمر عدة أولاد، وولى عبد الرحمن بن زيد مكة [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للنسب من (الإصابة) . [ (2) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 5/ 36- 37، ترجمة رقم (6216) ، (الاستيعاب) : 2/ 550، ترجمة والده زيد بن الخطاب رقم (846) ، (تهذيب التهذيب) : 6/ 162- 163، ترجمة رقم (362) ، وسمي محمدا حتى غيره عمر، لأنه مر به ورجل يسبه بقول: فعل اللَّه بك يا محمد، فقال عمر (رضي اللَّه عنه) لا أري محمدا يسب بك، واللَّه لا تدعي محمدا ما دمت حيا فسمّاه عبد الرحمن. (المعارف) : 180. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 وإبراهيم بن نعيم النحام بن عبد اللَّه بن أسيد بن عبد عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب القرشيّ العدوي، أمه زينب بنت حنظلة بن قسامة بن قيس بن عبيد بن طريف بن مالك بن جدعان بن ذهل بن رويان، من طيِّئ [ (1) ] تزوجها نعيم لما طلقها زيد بن حارثة، فولدت له إبراهيم، وتزوج إبراهيم رقية بنت عمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] من أم كلثوم بنت على بن أبى طالب، فهي أخت حفصة لأمها [ (2) ] وعبد اللَّه بن عبد اللَّه بن سراقة بن المعتمر بن أنس بن أذاة بن رياح بن عبد اللَّه بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب [ (3) ] ، شهد أبوه وعمه [عمر] [ (4) ] بدرا، وأمه أميمة بنت الحارث بن عمرو بن المؤمل، تزوج زينب بنت عمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] من فكيهة أم ولد [ (5) ] . وذكر البلاذري أن أم زينب هذه هي أم عاصم بن عمر، وهي جميلة بنت عاصم بن ثابت بن أبى الأفلح، فهي أخت حفصة لأبيها [ (6) ] ، وولدت زينب لعبد اللَّه: عثمان بن عبد اللَّه بن عبد اللَّه، روى عنه الحديث، وهو الّذي أصلح بين بنى جعفر بن كلاب والضباب، وقد وقعت بينهم حرب قتل فيها بينهم سبعة وثلاثون قتيلا، فأرسل إليهم عثمان هذا، وما زال بهم حتى اصطلحوا، وله في ذلك قصة.   [ (1) ] (جمهرة أنساب العرب) : 399. [ (2) ] له ترجمة مختصرة في: (طبقات ابن سعد) : 4/ 272، (المعارف) : 185. [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 238، (البداية والنهاية) : 3/ 212، 390، (الإصابة) : 5/ 18، ترجمة رقم (6185 ز) . [ (4) ] زيادة للسياق. [ (5) ] (الإصابة) : 7/ 648، ترجمة رقم (11262) ، زاد الحافظ: وهي أخت عبد الرحمن بن عمر الأصغر والد المختار. [ (6) ] كان اسمها: عاصية، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: جميلة، (الإصابة) : 7/ 558، ترجمة رقم (10983) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 وعبد الرحمن بن معمر بن عبد اللَّه بن أبى ابن سلول، كانت عنده زينب ابنة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، أخت حفصة، خلف عليها بعد عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن سراقة في قول البلاذري. [ (1) ] وقال الزبير بن بكار: وأما زينب ابنة عمر فكانت عند عبد الرحمن بن معمر بن عبد اللَّه بن أبى ابن سلول، ثم خلف عليها عبد اللَّه بن سراقة بن المعتمر بن أنس، أذاة بن رباح بن عبد اللَّه بن قرظ بن عدي بن كعب، فولدت له عثمانا، وحميدا وعشيمة بنى عبد اللَّه بن عبد اللَّه. [ (2) ] حدثنا الزبير قال: حدثني عثمان بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن عبد العزيز بن عمر السراقي قال: مات جدي وعمى ابنا سراقة، فأوصيا إلى عمر ابن الخطاب رضى اللَّه عنه ابن عبد اللَّه بن سراقة، فجعله عمر عند بنته زينب بنت عمر، فلما بلغ الحلم قال له [عمر: يا حبيبي] [ (3) ] ، من تحب أن أزوجك من بناتي؟ قال: أمى زينب- وكان. يدعوها أمه- فقال عمر: يا بنى إنها ليست أمك ولكنها ابنة عمك، وقد زوجتك إياها، فولدت له ابنه [ (4) ] عثمان بن سراقة، فهي أم كل سراقى على وجه الأرض [ (5) ] .   [ (1) ] (الإصابة) : 5/ 18، ترجمة رقم (6185 ز) . [ (2) ] (المراجع السابق) . [ (3) ] ما بين الحاصرتين في (خ) فقط وليست في (الإصابة) . [ (4) ] زيادة للسياق من (الإصابة) . [ (5) ] ثم قال: فيؤخذ من هذا أنه ولد في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، لكونه بلغ، وتزوج، وولد له في حياة عمر وكل ذلك بعد الوفاة النبويّة بثلاث عشر سنة. (الإصابة) : 5/ 18. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 [سلفه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل زينب أم المساكين] وأما سلفه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل زينب أم المساكين، فإنه العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه، لأن روحية أم العباس، ولبابة بنت الحارث أخت زينب أم المساكين لأمها هند بنت عوف بن زهير، وقد تقدم التعريف بالعباس. [أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة] وأما أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة رضى اللَّه عنها فهو زمعة بن الأسود ابن المطلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي، كان أبوه أبو زمعة بن الأسود أحد المستهزءين الذين قال اللَّه فيهم: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [ (1) ] ، رمى جبريل عليه السّلام في وجهه بورقة فعمى، وكان من كبراء قريش وأشرافها، وكان زمعة أبو حكيمة، من أشرف قريش أيضا، وهو أحد المطعمين أيام خرج المشركون إلى بدر وهو أحد أزواد الركب، وأمه أروى بنت خذيفة بن مسعر بن سعيد بن سهم، وكان أحد خطباء قريش في الجاهلية، وتزوج ثويبة الكبرى بنت أبى أمية أخت أم سلمة [رضى اللَّه عنها] لأبيها من عاتكة بنت عبد المطلب، فولدت له عبد اللَّه، ووهبا، ويزيدا، وقتل زمعة يوم بدر كافرا.   [ (1) ] الحجر: 95، قال عروة وابن جبير: هم خمسة: الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب، وأبو زمعة، والأسود بن يغوث، ومن بني خزاعة الحرث بن الطلاطلة. قال أبو بكر الهذلي: قلت للزهري: إنّ ابن جبير وعكرمة اختلفا في رجل من المستهزءين، فقال ابن جبير: هو الحرث بن عيطلة، وقال عكرمة: هو الحرث بن قيس، فقال الزهري: صدقا، إنه عيطلة وأبوه قيس. وذكر الشعبي في المستهزءين هبار بن الأسود، وذلك وهم، لأن هبارا أسلم يوم الفتح، ورحل إلى المدينة. وعن ابن عباس: أن المستهزءين كانوا ثمانية، وفي رواية: مكان الحرث ابن قيس عدي ابن قيس. وقال الشعبي وابن أبي بزة: كانوا سبعة: فذكر الوليد، والحرث بن عدي، والأسودين، والأثرم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 وعمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد اللَّه، قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشيّ العدوي، أمير المؤمنين أبو حفص، أمه حنتمة بنت هاشم، وقيل هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، وأم حنتمة الشفاء بنت عبد قيس بن عدي بن سعد بن سهم، وأمها بنت أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمها برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب [بن لؤيّ بن غالب] [ (1) ] ، وكانت برة بنت عوف جدة آمنة بنت وهب أم أمها، فعمر بن الخطاب أحد أخوال رسول اللَّه من قبل أمهاته، ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وقيل ولد قبل الفجار الأعظم بأربع سنين، وكان من أشراف قريش، إليه كانت السفارة في الجاهلية- وهي إذا وقعت الحرب بعثوه سفيرا- وإن نافرهم مفاخر أو فاخرهم وفاخر، بعثوه منافرا ومفاخرا، ورضوا به. وأسلم بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة فأعز اللَّه بإسلامه المسلمين، وأظهر به الدين، وهاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد كلها، وتوفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو عنه راض، وولى الخلافة يوم مات أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه باستخلافه له في [يوم الثلاثاء لسبع بقين من جمادى الاخرة [ (2) ]] سنة ثلاث عشرة، فسار أحسن سيرة،   [ () ] وبعكك ابني الحرث بن السباق. وكذا قال مقاتل، إلا أنه قال مكان الحرث بن عدي: الحرث بن قيس السهى. وذكر المفسرون والمؤرخون: أن جبريل عليه السّلام، قال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أمرت أن أكفيكم، فأومأ إلي ساق الوليد، فمرّ بنبال فتعلق بثوبه، فمنعه الكبر أن يطامن لنزعه، فأصاب عرقاً في عقبه. قال قتادة ومقسم: وهو الأكحل، فقطع، فمات. وأومأ إلي أخمص العاصي فدخلت فيه شوكة. وقيل: ضربته حية، فانتفخت رجله حتى صار كالرحى، ومات. وأومأ إلي عيني الأسود بن المطلب، فعمي، وهلك. وأشار إلى أنف الحرث بن قيس فامتخط قيحا فمات. وقيل: أصابته سموم فاسود حتى صار كأنه حبشي، فأتى أهله فلم يعرفوه، وأغلقوا الباب في وجهه، فصار يطوف في شعاب مكة حتى مات. وفي بعض ما أصاب هؤلاء اختلاف واللَّه تعالي أعلم (البحر المحيط) : 6/ 489، (تفسير ابن كثير) : 2/ 579- 580. [ (1) ] زيادة للنسب من (المعارف) . [ (2) ] زيادة للسياق من (صفة الصفوة) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 وأنزل نفسه من مال اللَّه بمنزله رجل من الناس على سوابقهم، وكان لا يخاف في اللَّه لومة لائم، وهو الّذي زين شهر رمضان بصلاة التراويح، وأرخ التاريخ من الهجرة، وهو أول من سمى بأمير المؤمنين، وهو أول من اتخذ الدّرّة. وقتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، لثلاث بقين- وقيل، بل قتل يوم الأربعاء لأربع بقين- من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وكانت خلافته عشر سنين ونصف، وكان عمره ثلاثا وستين سنة، وقيل: أقل من ذلك، وكانت تحته قريبة الصغرى، أخت أم سلمة، ففرّق بينهما الإسلام، ورجعت إلى الكفار ثم أسلمت، وفضائل عمر كثيرة جدا [ (1) ] . ومعاوية بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الرحمن، القرشيّ، الأموي، أمه هند بنت عتبة بن زمعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أسلم يوم الفتح، وعد من المؤلفة [قلوبهم] ، وهو أحد من كتب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وولاه عمر رضى اللَّه عنه على الشام بعد موت أخيه يزيد بن أبى سفيان في سنة تسع عشرة، ورزقه ألف دينار في كل شهر، وأقام أربع سنين، ومات عمر فأقره عثمان رضى اللَّه عنه عليها اثنى عشرة إلى أن مات، فحارب عليّ رضى اللَّه عنه أربع سنين، وبايعه أهل الشام خاصة بالخلافة سنة ثمان أو تسع وثلاثين، واجتمع الناس عليه بعد بيعة الحسن بن على له في سنة إحدى وأربعين، فأقام أميرا عشرين سنة، وخليفة عشرين سنة، وتوفى   [ (1) ] له ترجمة في: (صفة الصفوة) : 1/ 139- 153، ترجمة رقم (3) ، (الإصابة) : 4/ 588- 591، ترجمة رقم (5740) (الاستيعاب) : 3/ 1144- 1159، ترجمة رقم (1878) ، (الجرح والتعديل) : 6/ 105، (تهذيب التهذيب) : 6/ 138، (حلية الأولياء) : 1/ 38- 55، ترجمة رقم (2) ، (الطبقات الكبرى) : 3/ 265- 376، (تلقيح الفهوم) : 363- 364، (أسماء الصحابة الرواية) : 44، ترجمة رقم (11) (المصباح المضيء) : 1/ 43- 56. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 للنصف من رجب سنة ستين بدمشق عن ثمان وسبعين سنة، وقيل: [سبعا وسبعين] وأخباره كثيرة، وكانت تحته قريبة الصغرى بنت أبى أمية أخت أم سلمة، تزوجها بعد ما فرق الإسلام بينها وبين عمر رضى اللَّه عنه، وبعد ما أسلمت قال له أبوه أبو سفيان بن حرب: أتتزوج ظعينة أمير المؤمنين؟ فطلقها. [ (1) ] وعبد الرحمن بن أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه أبو محمد، أمه وأم أخته عائشة رضى اللَّه عنها: أم رومان بنت الحارث بن غنم الكنانية، شهد بدرا وهو كافر، ثم أسلم في هدنة الحديبيّة، وكان اسمه: عبد الكعبة- ويقال: عبد العزى- فسماه رسول اللَّه: عبد الرحمن، وكان من أشجع قريش وأرماهم بسهم، وحضر اليمامة مع خالد بن الوليد، وقتل سبعة من كبارهم، وكان أش من ولد أبيه، وكان صالحا وفيه دعابة، وشهد الجمل مع عائشة، وتوفى سنة ثلاث- وقيل خمس- وخمسين، وكان تحته قرينة الصغرى ابنة أبى أمية، أخت أم سلمة لأبيها من عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، خلف عليها بعد معاوية فولدت له عبيد اللَّه بن عبد الرحمن، وأم حكيم. [ (2) ]   [ (1) ] له ترجمة في: (المصباح المضيء) : 1/ 167- 176، ترجمة رقم (40) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 32، 7/ 406، (التاريخ الكبير) : 7/ 326، (المعارف) : 344، (الجرح والتعديل) : 8/ 377، (جمهرة أنساب العرب) : 112- 113، (الاستيعاب) : 3/ 1416 ترجمة رقم 2435 (تاريخ بغداد) : 1/ 207. ترجمة رقم (48) ، (جامع الأصول) : 9/ 107، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 102، (مرآة الجنان) : 1/ 131، (تهذيب التهذيب) : 10/ 187، ترجمة رقم (387) ، (الإصابة) : 6/ 151 ترجمة رقم (8074) ، (المطالب العالية) : 4/ 108، (تاريخ الخلفاء) : 194 (خلاصة تذهيب الكمال) : 326، (شذرات الذهب) : 1/ 65، دسير أعلام (أسماء الصحابة الرواة) : 55، ترجمة رقم (26) . [ (2) ] له ترجمة في: (مسند أحمد) : 1/ 197، (طبقات خليفة) : 18، 189، (تاريخ خليفة) : 219، (التاريخ الكبير) : 5/ 242، (المعارف) : 173، 174، 233، 592، (المستدرك) : 3/ 5473 (الاستيعاب) : 2/ 2824، ترجمة رقم (1394) ، (تهذيب التهذيب) : 6/ 133- ترجمة رقم (300) ، (الإصابة) : 4/ 325، ترجمة رقم (5155) . (خلاصة تذهيب الكمال) : 2224 (شذرات الذهب) : 1/ 59، (أسماء الصحابة الرواة) : 175 ترجمة رقم (215) ، (تلقيح الفهوم) : 370، (سير الأعلام) : 2/ 471- 473، ترجمة رقم (92) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 ومنبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم، أمه وأم أخيه نبيه أروى ابنة عميلة بن السباق بن عبد الدار، وكان لهما شرف، ومدحها الأعشى بن نباش بن زرارة التميمي ثم الأسدي. وكانا ممن يؤذى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ويطعن عليه [ (1) ] ، وكانا يلقيانه فيقولان: أما وجد اللَّه من يبعثه غيرك؟ أن هاهنا من هو أسنّ منك وأيسر، فإن كنت صادقا فأتنا بملك يشهد لك ويكون معك!! وإذا ذكر لهما قالوا: معلم مجنون، يعلمه أهل الكتاب ما يأتى به، وكان رسول اللَّه يدعو عليهما، فأما منبه فقتله عليّ رضى اللَّه عنه يوم بدر [ (2) ] ، وقيل: قتله عليّ أبو اليسر الأنصاري. ويقال: أبو أسيد الساعدي، وقتل نبيه أيضا ببدر، قتله عليّ، وكانا من المطعمين يوم بدر [ (3) ] ، ولمنبه ابن من بنت العاصي بن وائل بن هشام السهمي اسمه العاصي بن منبه، قتل أيضا يوم بدر، وهو صاحب ذي الفقار، وقيل: كان سيف أبيه منبه، وقيل: [كان] سيف عمه نبيه [ (4) ] ، وكان تحت منبه هذا أبى أمية أخت أم سلمة، وولدت له رجلين. وعبد اللَّه بن سعد بن جابر عمير بن بشير بن بشير بن عويمر بن الحارث ابن كبير بن السبيل بن حدقة بن سفيان، وهو مظة بن سلهم بن الحكم بن سعد العشيرة، كانت تحته آمنة ابنة عفان أخت أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه لأبيه وأمه، فولدت له محمد بن عبد اللَّه بن سعد [ (5) ] ، وكان ولده بالمدينة، والبصرة وكان تحته أيضا ابنة لأبى بن مالك بن عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن جذيمة بن كعب بن أسلم بن   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 100، عداوة قومه صلى اللَّه عليه وسلم ومساندة أبي طالب له، 3/ 6، قريش تتشاور في أمره صلّى اللَّه عليه وسلم، 3/ 164، التعرف علي أخبار قريش، [ (2) ] (المرجع السابق) : 3/ 196. بلوغ مصاب قريش في رجالها إلي مكة. [ (3) ] (المرجع السابق) : 3/ 218، المطعمون من قريش [ (4) ] (المرجع السابق) : 3/ 269، من قتل بيدر من المشركين. [ (5) ] (جمهرة أنساب العرب) 409 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 وأس مناة بن النمر بن قاسط النمري، المعروف بصهيب الرومي أبو يحى، [أمه] سلمى بنت قعيد بن مهيض بن خزاعيّ بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، كان أبوه سنان عاملا لكسرى على الأبلّة، من قبل النعمان بن المنذر، وكانت منازلهم بأرض الموصل، ويقال: كانوا في قرية على شاطئ الفرات مما يلي الجزيرة، فأغارت الروم على ناصيتهم فسبت صهيبا وهو غلام صغير فنشأ بالروم فصار [ألكنا] ، فابتاعه رجل من كلب فقدم به مكة، فاشتراه أبو زهير عبد اللَّه بن جدعان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب، ثم أعتقه فأقام عنده إلى أن هلك قبل المبعث ببضع عشرة سنة، ولم يزل مع آل جدعان إلى أن جاء اللَّه بالإسلام، ويقال: لم يشتره أحد من الذين سبوه، ولكنه لما ترعرع وعقل هرب من الروم فسقط إلى مكة وحالف ابن جدعان، [فأقام] معه إلى أن هلك، وإن صهيب كان أحمر شديد الحمرة فسمى روميا بذلك، ولأنه سقط إلى الروم، ويقال سبته العرب فوقع إلى مكة ولم يدخل الروم قط، وإنما سمى روميا لحمرته، وأسلم هو وعمار في يوم واحد بعد ما أسلم بضعة وعشرون رجلا، وكان من المستضعفين الذين يعذبون في اللَّه، وهاجر وترك ماله لأهل مكة، وشهد بدرا وما بعدها، وتوفى أمية أخت أم سلمة، ويقال بل هي ابنة أبى ربيعة بن المغيرة بن بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين، عن سبعين سنة، وكانت عنده [] بنت أبى أمية، أخت أم سلمة، ويقال: بل هي ابنة أبى ربيعة بن المغيرة عم أبى سلمة وفضائل صهيب كثيرة [ (1) ]   [ (1) ] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 3/ 226- 230، (طبقات خليفة) : 19، 62، (التاريخ الكبير) : 4/ 315، (الجرح والتعديل) : 4/ 444، (المستدرك) : 3/ 449- 454، (الاستيعاب) : 2/ 726، ترجمة رقم (1226) ، (تهذب التهذيب) : 4/ 385، ترجمة رقم، (الإصابة) : 3/ 449- 452 ترجمة رقم (4108) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 472، ترجمة رقم (3116) (شذرات الذهب) : 1/ 47، (سير الأعلام) : 2/ 17- 26، ترجمة رقم (4) ، (مسند أحمد) : 5/ 435 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 [أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش] وأما أسلافه من قبل زينب بنت جحش: مصعب بن عمير، كانت عنده حمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش، لم تلد له، وذكر ابن عبد البر أن زينب بنت جحش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف كما تقدم. ومصعب الخير بن عمر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرش العبدري، أبو عبد اللَّه المرثوىّ، أمه خناس بنت مالك بن المضرب بن وهب بن عمرو بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وكان في مكة شابا وجمالا، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب، وكان أعطر أهل مكة، وأسلم في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفا من أبيه وقومه، وصار تختلف إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فبصر به عثمان بن طلحة يصلّى فأخبر به قومه وأمه، فأخذوه وحبسوه حتى خرج منها مهاجرا إلى أرض الحبشة، وبعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الأنصار يقرئهم القرآن بالمدينة قبل الهجرة، فأسلم على يديه خلق كثير، ولذلك قيل له: المقرئ والقارئ، وشهد بدرا، وقتل يوم أحد شهيدا، قتله ابن قميئة، وهو ابن أربعين سنة، وهو من جلة الصحابة، وكانت عنده حمنة بنت جحش، أخت زينب بنت جحش لأبيها وأمها، تزوجها بعد عبد الرحمن بن عوف، فولدت له زينب، تزوجها عبد اللَّه بن عبد اللَّه ابن أبى أمية، ولا عقب لمصعب إلا منها، وخلف على حمنة بعد مصعب [ (1) ] .   [ (1) ] له ترجمة في (كنز العمال) : 13/ 482، (الإصابة) : 6/ 123- 124، ترجمة رقم (8008) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 116- 122، (الاستيعاب) : 4/ 1473- 1475، ترجمة رقم (2553) ، (حلية الأولياء) : 1/ 106- 108، ترجمة رقم (12) ، (الجرح والتعديل) : 8/ 303، (التاريخ الصغير) : 1/ 21، 25، (تاريخ خليفة) : 69، (سير الأعلام) : 1/ 145- 148، ترجمة رقم (7) ، (المعارف) : 264- 265، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 96- 97، ترجمة رقم (139) ، (صفة الصفوة) : 1/ 205- 206، ترجمة رقم (17) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 طلحة بن عبيد اللَّه، فولدت له محمد السجاد وعمران، وقد تقدم التعريف بعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد اللَّه [ (1) ] ، وكانت ممن تكلم في عائشة رضى اللَّه عنها فحدّث، قاله البلاذري [ (2) ] .   [ (1) ] تقدم التعريف بهما، والإحالة مصادر ترجمتهما. [ (2) ] قال أبو حيان الأندلسي في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ: والعصبة: عبد اللَّه بن أبي رأس النفاق، وزيد بن رفاعة، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، ومن ساعدهم ممن لم يرد ذكر اسمه.. ثم قال: والمشهور أنه حد حسان، ومسطح، وحمنة، قيل: وعبد اللَّه بن أبي، وقد ذكره بعض شعراء ذلك العصر في شعر، وقيل: لم يحدّ مسطح، وقيل: لم يحد عبد اللَّه، وقيل: لم يحد أحد في هذه القصة، وهذا مخالف للنص فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً، وقابل ذلك بقول: إنما يقال الحد بإقرار أو بينة، ولم يتقيد بإقامته بالإخبار، كما لم يتقيد بقتل المنافقين، وقد أخبر تعالى بكفرهم. (البحر المحيط) : 8/ 20- 21. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 [أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم حبيبة] وأما أسلافه من قبل أم حبيبة بنت أبى سفيان رضى اللَّه عنها فهم: الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أسلم وهو رجل عند إسلام أبيه نوفل بن الحارث، وولى مكة، ومات في آخر خلافة عثمان رضى اللَّه عنه بالبصرة، [ (1) ] وكانت عنده هند بنت أبى سفيان- أخت أم حبيبة لأبيها- فولدت له عبد اللَّه ابن الحارث الّذي بقال له ببة، [ (2) ] ومحمد بن الحارث الأكبر، وربيعة، وعبد الرحمن، ورملة، وأم الزبير، وظريبة وامرأة أخرى. ومحمد بن أبى حذيفة العبشمي-[وقيل هشيم، وقيل: هاشم] [ (3) ] ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو القاسم القرشيّ   [ (1) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 1/ 603- 605، ترجمة رقم (1502) ، (تاريخ الإسلام) : 3/ 338، 463، (الاستيعاب) : 1/ 291، ترجمة رقم (409) (الجرح والتعديل) : 5/ 67، (طبقات ابن سعد) : 4/ 56- 57، (سير الأعلام) : 1/ 199، ترجمة رقم (28) . [ (2) ] قال الزبير بن بكار: هو ابن أخت معاوية بن أبي سفيان، واسمها هند، هي كانت تنقّزه وتقول. يا ببة يا ببّة ... لأنكحن ببّه جارية خدبّه ... تسود أهل الكعبة في الاستيعاب: «تجبّ» بدل «تسود» ، وفسّرها بأنها تغلب نساء قريش بجمالها، وأما رواية (تاريخ بغداد) : لأنكحن ببة ... جارية خدبه مكرمة محبة ... تحب أهل الكعبة (الاستيعاب) : 3/ 885- 886 ترجمة رقم (1500) ، (تاريخ بغداد) : 1/ 211- 212، ترجمة رقم (50) ، (سير الأعلام) : 1/ 200، ترجمة رقم (29) . [ (3) ] ما بين الحاضرتين في (خ) فقط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 العبشمي، أمة سهلة بنت سهيل بن عمرو العامري، ولد بأرض الحبشة وأبوه مهاجربها، وولاه على رضى اللَّه عنه، مصر، وكان من أشدهم انحرافا عن عثمان رضى اللَّه عنه، وأكثرهم تأليبا عليه، وقتل في ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وكانت تحته زميلة بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة [ (1) ] وسعيد بن عثمان بن عفان، أمه وأم أخيه سعيد، وأخته أم عثمان، فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، ولاه معاوية خراسان، وفتح سمرقند، وكانت [عامة] [ (2) ] المدينة عبيدهم ونساؤهم يقولون: واللَّه لا ينالها يزيد ... حتى ينال هامة الحديد إن الأمير بعده سعيد يعنون: لا ينال الخلافة يزيد بن معاوية، لأن الأمير بعد معاوية سعيد بن عثمان، فقدم سعيد على معاوية فقال: يا ابن أخى؟ ما شيء يقوله أهل المدينة؟ فقال: ما يقولون؟ قال: قولهم، وذكره، قال: ما شيء من ذلك، يا معاوية، واللَّه إن أبي لخير من أبى يزيد، ولأمى خير من أم يزيد، ولأنا لخير من يزيد، ولقد استعملناك فما عزلناك، ووصلناك فما قطعناك، ثم صار في يديك ما قد ترى، [وبنا   [ (1) ] له ترجمة في: الإصابة) : 6/ 10/ 13، ترجمة رقم (7772) ، (سير الأعلام) : 3/ 479- 481، ترجمة رقم (103) ، (الكامل في التاريخ) : 3/ 265، ذكر قتل محمد بن أبي حذيفة (الوافي بالوفيات) : 3/ 328- 329، ترجمة رقم (776) ، (تاريخ الطبري) : 5/ 105، أحداث سنة (38) ثم ذكر رواية الوافدي في وفاة محمد بن أبي حذيفة سنة (36) ، (الإصابة) : 3/ 1369- 1370، ترجمة 2326. [ (2) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) وما أثبتناه من (وفيات الأعيان) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 نلت ما نلت] [ (1) ] فقال معاوية: يا بنى! أما قولك: إن أبى خير من أبى يزيد فقد صدقت، عثمان خير من معاوية، أما قولك: أمى خير من أم يزيد فقد صدقت، امرأة من قريش خير من امرأة من كلب، وبحسب امرأة أن تكون [في بيت قومها وأن يرضاها بعلها وينجب ولدها] ، وأما قولك: أنى خير من يزيد فو اللَّه ما يسرني أن حبلا بيني وبين العراق تم نظم لي [به، ثم قال له] : ألحق بعمك زياد بن أبى سفيان، فإنّي قد أمرته أن يوليك خراسان، وكتب إلى زياد [أن وليه] [ (2) ] خراسان وابعث على الخراج رجلا جلدا حازما، فقد عليه فولاه وتوجه سعيد بن عثمان إلى خراسان على أمرها، وبعث زياد بن أسلم ابن زرعة الكلابي معه على الخراج، وقدم المدينة فقتله غلمان جاء بهم من [] ، وكانت تحته رملة بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة، خلف عليها بعد محمد بن أبى حذيفة، فلم تلد له [ (3) ] . والسائب بن أبى حبيش [أهيب] [ (3) ] بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ابن قصي، [القرشي الأسدي] [ (4) ] ، كانت عنده [] بنت أبى   [ (1) ] ما بين الحاصرين مطموس في (خ) ولعل ما أثبتناه يناسب السياق. [ (2) ] أخباره مبثوثة في: (تاريخ الطبري) : 4/ 55420/ 304- 306، (صفة الصفرة) : 1/ 154، ترجمة رقم (4) ، (الكامل في التاريخ) : 3/ 186، (وفيات الأعيان) : 5/ 353، 6/ 348 [ (3) ] ما بين الحاصرتين في (خ) فقط. [ (4) ] زيادة للنسب من (الإصابة) ، له ترجمة في: (الإصابة) : 3/ 18- 19، ترجمة رقم (3061) ، (التاريخ الكبير) : 4/ 153، ترجمة رقم (2297) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 239، (الثقات) : 4/ 326، (تهذيب التهذيب) : 3/ 387، ترجمة رقم (831) ، (الاستيعاب) : 2/ 570، ترجمة رقم (886) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 سفيان، أخت أم حبيبة، فلم تلد له. وعبد الرحمن بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف [ (1) ] ، أمه من ثقيف، وخلف على [] بنت أبى سفيان فلم تلد له. وصفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر القرشي الجمحيّ، أبو وهب- وقيل: أبو أمية- أمه صفية بنت معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وقتل أبوه يوم بدر كافرا، وقتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخاه أبى بن خلف بأحد كافرا، وهرب صفوان يوم الفتح ثم رجع وشهد حنينا وهو مشرك، ثم أسلم ومات بمكة سنة اثنتين وأربعين، وكان أحد أشراف قريش في الجاهلية، وإليه كانت فيهم الأيسار- وهي الأزلام- وكان أحد المطعمين، وكان يقال له: سداد البطحاء، وهو أحد المؤلفة قلوبهم، وممن حسن إسلامه منهم، وكان من أفصح قريش لسانا، وكانت تحته أميمة بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة لأبيها وأمها، فولدت له عبد الرحمن بن صفوان [ (2) ] . وحويطب بن عبد العزى بن أبى قيس القرشي العامري، كانت تحته اميمة قبل صفوان، فولدت له عبد الرحمن بن صفوان، أبا سفيان بن   [ (1) ] (الإصابة) : 4/ 295، ترجمة رقم (5102 ز) . [ (2) ] له ترجمة في: (طبقات بن سعد) : 5/ 449، (طبقات خليفة) : 24، 278، (تاريخ خليفة) : 111، 205، (التاريخ الكبير) : 4/ 2304، (المعارف) : 342، (الجرح والتعديل) : 4/ 421، (المستدرك) : 3/ 484، (الاستيعاب) : 2/ 718- ترجمة رقم (1214) ، (تهذيب التهذيب) 4/ 372، ترجمة رقم (473) ، (الإصابة) : 3/ 432، ترجمة رقم (4077) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 469، ترجمة رقم (3069) (شذرات الذهب) : 1/ 52، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 562- 567 ، ترجمة رقم (119) ، (تلقيح الفهوم) : 369، (الثقات) : 3/ 191، (أسماء الصحابة الرواة) : 146، ترجمة رقم (160) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 حويطب [ (1) ] . وعياض بن غنم بن زهير بن أبى شداد بن أبى ربيعة بن هلال بن مالك، ابن ضبة بن الإرث بن فهر القرشي الفهري، أسلم قبل الحديبيّة وشهدها، وافتتح عامة بلاد الجزيرة والرقة، وهو أول من جاز الدرب إلى الروم، وكان شريفا في قومه، مات بالشام سنة عشرين، وهو ابن ستين سنة، كانت عنده أم الحكم بنت أبى سفيان، أخت أم حبيبة لأبيها، من هند بنت عتبة، أم معاوية بن أبى سفيان، ففرق الإسلام بينهما [ (2) ] . وعبد اللَّه بن عثمان بن عبد اللَّه بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسىّ- وهو ثقيف- وكان عثمان بن عبد اللَّه هو صاحب لواء المشركين يوم حنين، وتزوج عبد اللَّه بن عثمان بأم الحكم ابنة أبى سفيان أخت أمّ حبيبة لأبيها، من هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، خلف عليها بعد عياض، فولدت له عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عثمان، وهو الّذي يقال له: ابن أم الحكم، ولى الكوفة [ (3) ] ، وقتل عبد اللَّه بن عثمان يوم الطائف، فمر به على رضى اللَّه عنه فقال: لعنك اللَّه، فإنك كنت تبغض قريشا. وسعيد بن الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبى سلمة   [ (1) ] سبق التعريف بمصادر ترجمته عند الكلام على سلفيه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة. [ (2) ] له ترجمة في: (التاريخ الكبير) : 7/ 18- 19، (سير الأعلام) : 2/ 354- 355، ترجمة رقم (69) ، (طبقات خليفة) : 28، 300، (تاريخ خليفة) : 147 (المستدرك) : 3/ 328، (الاستيعاب) : 3/ 1234، ترجمة رقم (2014) ، (الإصابة) : 4/ 757، ترجمة رقم (6144) ، (شذرات الذهب) : 1/ 31، (التاريخ الصغير) : 1/ 48، (أسماء الصحابة الرواة) : 493، ترجمة رقم (785) (تلقيح الفهوم) : 383، (طبقات ابن سعد) : 7/ 398. [ (3) ] (جمهرة أنساب العرب) : 266. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 ابن عبد العزى بن غيره بن عوف بن ثقيف [ (1) ] [بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن غيلان] ، كان الأخنس بن شريق من سادات مكة، وتزوج سعيد [بصخرة] بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة، فولدت له أبا بكر بن سعيد وغيره. وعروة بن مسعود معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف ابن ثقيف الثقفي أبو مسعود- وقيل: أبو يعفور [ (2) ]- شهد صلح الحديبيّة، وأسلم بعد الطائف، ورجع إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام، فقتل بسهم، وكانت تحته ميمونة بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة، فولدت له داود بن عروة. والمغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسى- وهو ثقيف- الثقفي، أبو عبد اللَّه- وقيل: أبو عيسى- أسلم عام الخندق، وأول مشاهدة الحديبيّة، وولى البصرة والكوفة لعمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، وتوفى سنة خمسين،   [ (1) ] (الإصابة) : 1/ 38 ترجمة أبيه الأخنس بن شريق، رقم (61) ، وما بين الحاصرين زيادة للنسب من (خ) . [ (2) ] قال محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسى الغرناطي: والضمير في: وقالُوا، لقريش، كانوا قد استبعدوا أن يرسل اللَّه من البشر رسولا، فاستفاض عندهم أمر إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الرسل صلّى اللَّه عليهم. فلما لم يكن لهم في ذلك مدفع، ناقضوا فيما يخص محمد صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: لم كان محمدا ولم يكن القرآن ينزل على رجل من القريتين عظيم؟ أشاروا إلى من عظم قدره بالسن والقدم والجاه وكثرة المال. وقرئ: على رجل، بسكون الجيم. من القريتين أي من إحدى القريتين. وقيل: من رجل القريتين، وهما مكة والطائف. قال ابن عباس: والّذي من مكة: الوليد بن بن المغيرة المخزومي، ومن الطائف: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي. وقال مجاهد: عتبة بن ربيعة، وكنانة بن عبد ياليل. وقال قتادة: الوليد بن المغيرة، عروة ابن مسعود الثقفي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 وقيل: إحدى وخمسين وهو على الكوفة لمعاوية، وكان أعور داهية، أحصن ألف امرأة، وخلف على ميمونة بنت أبى سفيان بعد عروة بن مسعود [ (1) ] . وعبد اللَّه بن معاوية العبديّ، خلف على أميمة بنت أبى سفيان بعد صفوان بن أمية.   [ () ] وقال أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد البر: أخبرنى أحمد بن القاسم، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا الحارث بن أبى أسامة، قال: حدثنا يونس بن محمد المؤدب، قال: حدثنا ليث بن سعد، عن أبى الزبير، عن جابر، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: عرض عليّ الأنبياء عليهم السلام، فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم عليه السّلام، فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم، يعنى نفسي- صلّى اللَّه عليه وسلم، ورأيت جبريل عليه السّلام، فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية لكلبى. له ترجمة في: (البحر المحيط) : 9/ 369، (الاستيعاب) : 3/ 1066- 1067، ترجمة رقم (1804) ، (الإصابة) : 4/ 492- 494، ترجمة رقم (5530) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 503- 504 . [ (1) ] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 4/ 284، 6/ 20، (طبقات خليفة) : 361، 884، 1419، (التاريخ الكبير) . 316، (المعارف) 294، (الجرح والتعديل) : 8/ 224، (تاريخ الطبري) : 5/ 234، ((جمهرة أنساب العرب) : 267، (الاستيعاب) : 4/ 1445، ترجمة رقم (2483) ، (تاريخ بغداد) : 1/ 191، ترجمة رقم (30) ، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 21- 32، ترجمة رقم (7) ، (الكامل في التاريخ) : 3/ 461، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 109، (مرآة الجنان) : 1/ 124، (البداية والنهاية) : 8/ 53، (الإصابة) : 6/ 197- 200، ترجمة رقم (8185) ، (تهذيب التهذيب) : 10/ 234، ترجمة رقم (473) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 50، ترجمة رقم (7155) ، (شذرات الذهب) : 1/ 56، (أسماء الصحابة الرواة) : 58، ترجمة رقم (31) ، (الثقات) : 3/ 372، (تلقيح الفهوم) : 365. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 [أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل ميمونة] وأما أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل ميمونة [رضى اللَّه تعالى عنها] ، فإنّهم: حمزة بن عبد المطلب، كانت تحته سلمى بنت عميس، أخت ميمونة لأبيها [ (1) ] من هند بنت [عوف الحميرية] ، فولدت له أمة اللَّه، وقد تقدم التعريف بحمزة رضى اللَّه عنه [ (2) ] . وشداد بن الهاد، واسمه أسامة بن عمرو بن عبد اللَّه بن جابر بن بشر بن عتوارة بن عامر بن مالك بن ليث بن بكر [بن عبد مناة بن كنانة   [ (1) ] وهي أخت أسماء بنت عميس الخثعمية. (طبقات ابن سعد) : 3/ 8. [ (2) ] هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ... الإمام، البطل، الضرغام، أسد اللَّه أبو عمارة، وأبو يعلى، القرشيّ، الهاشميّ، المكّي، ثم المدنيّ، البدريّ الشهيد، عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، قال ابن إسحاق: لما أسلم حمزة علمت قريش أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد امتنع، وأن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه، وقد بارز حمزة يوم بدر عتبة بن ربيعة فقتله، ورجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم أحد، فسمع نساء بنى عبد الأشهل يبكين على هلكاهن، فقال: لكن حمزة لا بواكي له، فجئن نساء الأنصار فبكين على حمزة عنده. وعن أنس قال: لما كان يوم أحد وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على حمزة وقد جدع ومثل به، فقال: لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى يحشره اللَّه من بطون السباع والطير. ولم يصلّ على أحد من الشهداء، وقال: أنا شهيد عليكم. وكان يجمع الثلاثة في قبر والاثنين، فيسأل: أيهما أكثر قرآنا فيقدمه في اللحد، وكفّن الرجلين والثلاثة في ثوب. ووجدوا حمزة (رضى اللَّه عنه) قد بقر بطنه، واحتمل وحشيّ كبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل حمزة أباها يوم بدر، فدفن في نمرة كانت عليه، إذا رفعت إلى رأسه بدت قدماه، فغطوا قدميه بشيء من الشجر رضى اللَّه تعالى عنه. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 3/ 8- 19 ، (تاريخ خليفة) : 68، (الجرح والتعديل) : 3/ 212، (الاستيعاب) : 1/ 369- 375 ، ترجمة رقم (541) ، تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 168- 169، (الإصابة) : 2/ 121- 124 ، ترجمة رقم (1828) ، (صفة الصفوة) : 1/ 195- 198، ترجمة رقم (12) ، (المستدرك) : 3/ 211- 220، (سير الأعلام) : 171- 184، ترجمة رقم (15) ، (شذرات الذهب) : 1/ 10. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 الليثي] [ (1) ] وشداد لقب له، والهاد لقب لأبيه، حليف بنى هاشم، وتزوج سلمى بنت عميس، خلف عليها بعد حمزة فولدت له: عبد اللَّه وعبد الرحمن، وسكن المدينة وتحول إلى الكوفة [ (2) ] . والعباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه [ (3) ] ، كانت عنده لبابة بنت   [ (1) ] زيادة للنسب من (الإصابة) . [ (2) ] وإنما قيل لأبيه: الهاد، لأنه كان يوقد النار ليلا للسارين، روى عنه ابنه عبد اللَّه، وله رؤية، وإبراهيم ابن محمد بن طلحة. وعبد الرحمن بن أبى عمارة. وكانت تحته سلمى بنت عيسى أخت أسماء بنت عميس، فكان من أسلاف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن سلمى أخت ميمونة لأمها، ومن أسلاف أبى بكر رضى اللَّه عنه، وله في (المشارق) حديث واحد، قال الدري عن ابن معين ليس له مسند غيره، قال البخاري: له صحبة، وذكره ابن سعد فيمن شهد الخندق، له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 4/ 280، ترجمة رقم (556) ، (الإصابة) : 3/ 324، ترجمة رقم: (3861 ز) ، (حلية الأولياء) : 1/ 60، (الثقات) : 3/ 186، (الاستيعاب) : 2/ 695- 696، ترجمة رقم (1161) ، (تاريخ الصحابة) : 131، ترجمة رقم (637) ، (المعارف) : 282، (طبقات ابن سعد) : 6/ 26، 8/ 286. [ (3) ] هو العباسي بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه، عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قيل: إنه أسلم قبل الهجرة، وكتم إسلامه، وخرج مع قومه إلى بدر، فأسر يومئذ، فادعى أنه مسلم، فاللَّه أعلم، وليس هو في عداد الطلقاء، فإنه كان قد قدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قبل الفتح، ألا تراه أجار أبا سفيان بن حرب؟ له عدة أحاديث، منها خمسة وثلاثون في مسند بقي، وفي البخاري ومسلم حديث، وفي البخاري حديث، وفي مسلم ثلاثة أحاديث. وقد الشام مع عمر رضى اللَّه عنه، وكان رضى اللَّه عنه شريفا مهيبا عاقلا جميلا، أبيض بضّا، له ضفيرتان، معتدل القامة، ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين، وكان أطول الرجال، وأحسنهم صورة، وأبهاهم، وأجهرهم صوتا، مع الحلم الوافر، والسؤدد. قيل للعباس: أنت أكبر أو النبي صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال: هو أكبر منى وأنا ولدت قبله. وكان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطى في النوائب. وثبت أن العباس كان يوم حنين وقت الهزيمة، آخذا بلجام بغلة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وثبت معه حتى نزل النصر. وثبت من حديث أنس: أن عمر رضى اللَّه عنه استشفى فقال: اللَّهمّ إنا كنا إذ قحطنا على عهد نبيك صلّى اللَّه عليه وسلم توسلنا به، وإنا نستسقي إليك بعمّ نبيك العباس. قال الضحاك بن عثمان الحزامي: كان يكون للعباس الحاجة إلى غلمانه وهم بالغابة، فيقف على سلع- جبل بمكة- وذلك في آخر الليل فيناديهم- فيسمعهم، والغابة نحو من تسعة أميال. قال الحافظ الذهبي: كان تامّ الشكل، جهوريّ الصوت جدا، وهو الّذي أمره النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن يهتف يوم حنين: يا أصحاب الشجرة. كانت وفاته رضى اللَّه عنه في سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، وله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 الحارث بن حزن، وهي أم الفضل وعبد اللَّه وعبيد اللَّه وقثم وعبد الرحمن ومعبد وأم حبيب، وهي أخت أم حبيبة ميمونة. وجعفر بن أبى طالب رضى اللَّه عنه [ (1) ] ، كانت عنده أسماء بنت   [ () ] ستّ وثمانون سنة، ولم يبلغ أحد هذه السنّ من أولاده، ولا أولادهم، ولا ذريته الخلفاء. له ترجمة في: (أسماء الصحابة الرواة) : 97، ترجمة رقم (85) ، (تلقيح فهوم أهل الأثر) : 366، (طبقات ابن سعد) : 4/ 5- 33، (مسند أحمد) : 1/ 339- 345) ، (تاريخ خليفة) : 168، (التاريخ الكبير) : 7/ 2، ترجمة رقم (1) ، (المعارف) : 118، 137، 156، 589، 592، (الجرح والتعديل) : 6/ 210، ترجمة رقم (1151) ، (المستدرك) 3/ 362- 377، (الاستعاب) : 2/ 810- 830 ، ترجمة رقم (1378) ، (صفة الصفوة) : 1/ 262- 264- 264، (تهذيب التهذيب) : 5/ 107- 108 ، ترجمة رقم (214) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/ 35، ترجمة رقم (3355) (كنز العمال) : 13/ 502- 503، حديث رقم (37294) ، (شذرات الذهب) : 1/ 38- 39، (أسير أعلام النبلاء) : 3/ 78- 103، ترجمة رقم (11) . [ (1) ] هو جعفر بن أبى طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصىّ الهاشميّ، ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أخو عليّ بن أبى طالب، وهو أسنّ من عليّ رضى اللَّه عنه بعشر سنين. هاجر الهجرتين، وهاجر من الحبشة إلى المدينة، فوافى المسلمين وهم على خيبر إثر أخذها، فأقام بالمدينة أشهرا، ثم أمّره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك، فاستشهد، وقد سرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كثيرا بقدومه، وحزن لوفاته. روى شيئا يسيرا، روى عنه ابن مسعود، وعمرو بن العاص، وأم سلمة، وابنه عبد اللَّه، عن نافع أن ابن عمر قال: جمعت جعفرا على صدري يوم مؤتة، فوجدت في مقدّم جسده بضعا وأربعين، ما بين ضربة وطعنة. وعن أسماء قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فدعا بنى جعفر، فرأيته شمهم وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول اللَّه: أبلغك عن جعفر شيء؟ قال: نعم، قتل اليوم، فقمنا نبكي، ورجع فقال: أصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد شغلوا عن أنفسهم، مات سنة تسع وثلاثين، عن بضع وثلاثين سنة رضى اللَّه عنه. عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: رأيت جعفر بن أبى طالب ملكا في الجنة، مضرجة قوادمه بالدماء يطير في الجنة، له ترجمة في: (مسند أحمد) : 1/ 332- 334، 6/ 393- 395، (طبقات بن سعد) : 4/ 34- 41، (طبقات خليفة) : 4، (تاريخ خليفة) : 86، 87، (التاريخ الكبير) 2/ 185، ترجمة رقم (2139) ، (التاريخ الصغير) : 1/ 22، (الجرح والتعديل) : 2/ 482، ترجمة رقم (1960) ، (حلية الأولياء) : 1/ 114، ترجمة رقم (17) ، (الاستيعاب) : 1/ 242، ترجمة رقم (327) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 148، ترجمة رقم (105) ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 عميس، أخت ميمونة لأمها، فولدت له عبيد اللَّه وعوفا ومحمدا، وقد تقدم التعريف بعباس وجعفر. وأبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه، واسمه: عبد اللَّه بن أبى قحافة، عثمان ابن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه، كان في الجاهلية وجيها، رئيسا من رؤساء قريش، وإليه كانت الأشناق- وهي الديات-، كان إذا حمل شيئا قالت فيه قريش صدقوه وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه، وصحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قديما، وهو أول من أسلم بعد خديجة، وكان يقال له: عتيق، لجماله وعتاقة وجهه، أو لأنه لم يكن في [صفاته] [ (1) ] . شيء يعاب به، أو لأنه كان له أخوان يقال لأحدهما: عتيق، والآخر عتيق، فمات عتيق قبله فسمى باسمه، أو لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: من سرّه أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى هذا، وسمى صديقا لمبادرته إلى تصديق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في كل ما جاء به، ولتصديقه له في خبر الإسراء، وأسلم وله أربعون ألفا أنفقها على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وفي سبيل اللَّه، وأعتق سبعة كانوا يعذبون في اللَّه، ولم يغب عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في موطن من مواطنه، واستخلفه على الصلاة بالناس في مرض موته، فبايعه المسلمون بعد وفاته في سقيفة بنى ساعدة، ثم بويع بيعة العامة يوم الثلاثاء غد ذلك اليوم، وارتدت العرب، فقام بقتال أهل الردة حتى استقر الإسلام وثبت، ومكث في الخلافة سنتين وثلاثة أشهر إلا خمس ليال، وقيل: سنتين وثلاثة أشهر وسيع ليالي، وقيل توفّى على رأس   [ () ] (تهذيب التهذيب) : 2/ 2/ 83، ترجمة رقم (146) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 168، ترجمة رقم (1041) ، (تاريخ الصحابة) : 57، ترجمة رقم (178) ، (صفة الصفوة) : 1/ 264، ترجمة رقم (56) ، (شذرات الذهب) : 1/ 48. [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 ستين وثلاثة أشهر واثنى عشر يوما، وقيل: وعشرة أيام، وقيل: وعشرين يوما. وتوفى يوم الجمعة لسبع بقين من جمادى الآخرة، فغسّلته زوجته أسماء بنت عميس، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ونزل في قبره: عمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبى بكر رضى اللَّه عنهم، ودفن ليلا إلى جانب قبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعمره ثلاث وستون سنة، وفضائله كثيرة جدا، رضى اللَّه عنه، وكانت تحته أسماء بنت عميس، خلف عليها بعد جعفر بن أبى طالب، وهي أخت ميمونة، فولدت له محمد بن أبى بكر المقتول بمصر [ (1) ] . وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه خلف بعد أبى بكر رضى اللَّه عنه على أسماء بنت عميس، فولدت له يحيى وعونا، وقد تقدم التعريف [به رضى اللَّه عنه] [ (2) ] .   [ (1) ] له ترجمة في: (الثقات) : 2/ 338، (طبقات ابن سعد) : 3/ 169، (الإصابة) : 4/ 169- 175، ترجمة رقم (482) ، (حلية الأولياء) : 1/ 28، (صفة الصفوة) : 1/ 123- 139، ترجمة رقم (2) ، (وفيات الأعيان) : 3/ 64- 71، ترجمة رقم (339) ، (تاريخ الإسلام) : 3/ 105- 112، (تاريخ خليفة) : 123، (طبقات خليفة) : 8، (تاريخ الطبري) : 3/ 171، 3/ 419، 3/ 435، (المعارف) : 48، 167 (الكامل في التاريخ) : 2/ 449، (مسند أحمد) : 7/ 154، (المستدرك) : 3/ 64- 86، (تاريخ الصحابة) : 23، (فتح الباري) : 7/ 9- 49، (تهذيب التهذيب) : 5/ 276- 277 ، ترجمة رقم (537) ، (شذرات الذهب) : 1/ 24، (مسلم بشرح النووي) : 15/ 157- 167 ، (شذرات الذهب) : 1/ 24. [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 87- 94، (مسلم بشرح النووي) : 15/ 183- 191، (سنن ابن ماجة) : المقدمة: 42- 45، (طبقات ابن سعد) : 3/ 19- 40، (الاستيعاب) : 3/ 1089- 1133، ترجمة رقم (1855) ، (المستدرك) : 3/ 116- 158، (نهج البلاغة) : المقدمة: 35- 55، (شرح ابن أبي الحديد على النهج) : 1/ 11- 30، (حلية الأولياء) : 1/ 61- 87، ترجمة رقم (4) ، (صفة الصفوة) : 1/ 162- 175، ترجمة رقم (5) ، (مسند أحمد) : 1/ 122 وما بعدها، (مغازي الواقدي) : 2/ 655، (الإصابة) : 4/ 564- 570، ترجمة رقم (5692) ، (تاريخ الإسلام) : 3/ 621- 652 ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 344- 349، (المعارف) : 203- 218، (تهذيب التهذيب) : 7/ 294- 298، ترجمة رقم (566) ، (تاريخ بغداد) : 1/ 133- 138، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 والطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشيّ المطلبي، أمه وأم اخوته عبيدة بن الحارث، والحصين بن الحارث: سخيلة بنت خزاعيّ ابن الحويرث بن الحارث بن حبيب بن مالك بن الحارث بن حطيط بن جشم ابن ثقيف، وتزوج زينب بنت خزيمة أخت ميمونة لأمها هند، وشهد بدرا، ومات بعدها، ومات عن سبعين سنة، سنة اثنتين وثلاثين [ (1) ] . وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد المناف بن قصي أبو الحارث وقيل: أبو معاوية، كان أسنّ من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعشر سنين، وأسلم قبل الدخول إلى دار الأرقم، وهاجر هو وأخواه الطفيل والحصين إلى المدينة، ومعهم مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب، وكان لعبيدة قدرا ومنزلة عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وعقد له لواء على ستين راكبا في سنة [ثنتين] ، وشهد بدرا فأغنى يومئذ غناء عظيما، وقطع عتبة- وقيل: شيبة بن ربيعة- رجله فارتثّ منها، ومات بالصفراء وله ثلاث وستون سنة، وخلف على زينب أم المساكين أخت ميمونة فقتل عنها [ (2) ] .   [ () ] ترجمة رقم (1) ، (شذرات الذهب) : 1/ 49- 51. [ (1) ] هو الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصىّ، وأمه سخيلة بنت خزاعيّ الثقيفة، وهي أم عبيدة بن الحارث، وكان للطفيل من الولد عامر بن الطفيل. وآخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بين الطفيل بن الحارث والمنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح، هذا في رواية محمد بن عمر. وأما في رواية ابن إسحاق فإنه آخى بين الطفيل بن الحارث وسفيان بن نسر بن عمرو بن الحارث بن كعب بن زيد بن الحارث الأنصاريّ. قال محمد بن عمر: وشهد الطفيل بدرا، وأحدا، والمشاهد كلها، مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وتوفى سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة، له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 3/ 51، (الإصابة) : 3/ 519، ترجمة رقم (4251) ، (الاستيعاب) : 2/ 756- 757، ترجمة رقم (1271) . [ (2) ] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 3/ 50- 52، (تاريخ خليفة) : 59، 61، 62، (الاستيعاب) : 3/ 1020- 1021، ترجمة رقم (1748) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 317- 318، (الإصابة) : 4/ 424- 425، ترجمة رقم (5379) ، (مغازي الواقدي) : 2، 10، 11، 24، 68، 69، 100، 145، 147، 148، 153، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 256، ترجمة رقم (45) ، شذرات الذهب (1/ 9) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 والوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن شمس [بن] قيس بن عمرو بن مخزوم، وهو الوحيد، أبو عبد شمس، أمه وأم أخيه عبد شمس صخرة بنت الحارث ابن عبد اللَّه بن عبد شمس، من قيس، وهو أبو خالد بن الوليد، كانت تحته لبابة الصغرى، وهي العصماء بنت الحارث بن حرب الهلالية أخت ميمونة، فولدت له خالد بن الوليد، سيف اللَّه، وهو ابن خالة عبد اللَّه بن عباس، ويقال: إن لبابة الصغرى غير العصماء، وأن العصماء كانت عند أبىّ بن خلف، فولدت له أبا أبى وإخوة له، والأول قول الكلبي [ (1) ] . وعبد اللَّه بن كعب بن عبد اللَّه بن كعب بن منبه بن الأوس بن خثعم الخثعميّ، كانت عنده سلامة بنت عميس، أخت ميمونة لأمها، فولدت له آمنة، تزوجها عبد اللَّه بن جعفر [ (2) ] . وزياد بن عبد اللَّه بن مالك بن بجير الهلالي [ (3) ] ، كانت عنده عزة بنت الحارث بن حزن أخت ميمونة.   [ (1) ] (جمهرة النسب) : 38- 39، 85، (جمهرة أنساب العرب) : 144، 147، 148، وكان الوليد ابن المغيرة، من المستهزءين وفي بعض المصادر: حزن بدل حرب. [ (2) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدىّ من كتب التراجم. [ (3) ] هو زياد بن عبد اللَّه بن مالك بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد اللَّه بن هلال بن عامر، وفد على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلما دخل المدينة توجه إلى منزل ميمونة بنت الحارث، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وكانت خالة زياد. واسم أمه غرّة- أو عزّة- بنت الحارث، وهو يومئذ شابّ، فدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو عندها، فلما أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، غضب فرجع، فقالت: يا رسول اللَّه! هذا ابن أختى، فدخل إليها ثم خرج حتى أتى المسجد ومعه زياد فصلى الظهر، ثم أدنى زيادا، فدعا له ثم وضع يده على رأسه، ثم حدرها على طرف أنفه، فكانت بنو هلال تقول: ما زلنا نتعرف البركة في وجه زياد. وقال الشاعر لعلى بن زياد: يا ابن الّذي مسح النبي برأسه ... ودعا له بالخير عند المسجد أعنى زيادا لا أريد سواءه ... من غائر أو متهم أو منجد ما زال ذاك النور في عرنينه ... حتى تبوأ بيته في الملحد له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 1/ 309- 310، (الإصابة) : 2/ 584- 585، ترجمة رقم (2858 ز) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 والأصم البكائي، كانت عنده برزة [ (1) ] أخت ميمونة بنت الحارث، فولدت له يزيد بن الأصم، ومات يزيد بن الأصم سنة ثلاث ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وكان ينزل الرقة [ (2) ] ، ويقال: إن الأصم خلف على عزة بعد زياد بن عبد اللَّه. [سلفه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل مارية] وأما سلفه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل مارية فإنه: حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زياد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك النجار الأنصاري، أبو الوليد، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو الحسام، شاعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] ، أمه الفريعة بنت خالد بن خنيس بن لوذان بن عبد ودّ بن زيد بن   [ (1) ] في (خ) : «عزة» ، وما أثبتناه من (ابن سعد) . [ (2) ] يزيد الأصم من جلّة التابعين بالرّقّة، ولأبيه صحبة، وهو عمرو، ويقال: عبد عمرو، ويقال: عدس ابن معاوية، الإمام، الحافظ، أبو عوف العامرىّ، البكّائى. حدّث عن خالته ميمونة أم المؤمنين، وابن خالته ابن عباس، وعليّ بن أبى طالب، وسعد بن أبى وقاص، وأبى هريرة، وعائشة، ومعاوية، وعوف بن مالك، وغيرهم، ولم تصح روايته عن عليّ، وقد أدركه وكان بالكوفة في خلافته. حدث عنه ابن أخيه عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن الأصم، وابن شهاب، وعبد الملك ابن عطاء، وآخرون. وكان كثير الحديث، قاله ابن سعد، وثّقه العجليّ، وأبو زرعة، والنسائي وغيرهم، مات سنة إحدى ومائة، وقيل غير ذلك. له ترجمة في: (الإصابة) : 6/ 693- 694، ترجمة رقم (9388) ، (طبقات ابن سعد) : 7/ 479، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (3067) ، (تاريخ البخاري) : 8/ 318، (الجرح والتعديل) : 4/ 252، (حلية الأولياء) : 4/ 97، ترجمة رقم (252) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 161، (تهذيب التهذيب) : 11/ 273- 274، ترجمة رقم (501) . [ (3) ] نسب الرواة حسان إلى أبيه فقالوا: هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار- وهو تيم اللَّه- بن ثعلبة ابن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقاء بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يعرب بن قحطان. ونسبوه إلى أمه فقالوا: أم حسان الفريعة بنت خنيس بن لوزان بن عبد ودّ بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج. ولد حسان في منتصف العقد السابع من القرن السادس الميلادى، وعاش مائة وعشرين سنة، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 ثعلبة بن الخزرج بن كعب بن ساعدة الأنصارية، وانتدب لهجو المشركين   [ () ] نصفها في الجاهلية، ونصفها في الإسلام، فهو من المخضرمين، وتوفى سنة أربعين من الهجرة على أرجح الآراء. كانت أسرة حسان ذات شأن عظيم في الجاهلية والإسلام، فوالده ثابت بن المنذر قد حكمته الأوس والخزرج في حرب يوم سمير، ونزلوا على حكمه، وأخوه أوس بن ثابت ممن شهد العقبة مع السبعين مع الأنصار، كما آخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينه وبين عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين، وقد سقط أوس يوم أحد شهيدا، كما استشهد أخ آخر له، وهو أبيّ بن ثابت يوم بئر معونة. وأنجب حسان عدة أبناء، بينهم الشاعر عبد الرحمن بن حسان، أمه سيرين القبطية، أخت مارية أم إبراهيم بن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهبها لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان، فهو ابن خالة إبراهيم ابن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وكان عبد الرحمن شاعرا، وقد روى عن أبيه وغيره، فولد عبد الرحمن: الوليد، وإسماعيل، وأم فراس، أمّهم أم شيبة بنت السائب بن يزيد بن عبد اللَّه، وسعيد بن عبد الرحمن. وكان شاعرا، وقد روى عنه أمه أم ولد، وحسان بن عبد الرحمن والفريعة، ويكنى عبد الرحمن بن حسان أبا سعيد، وكان شاعرا، قليل الحديث، وقد ضمه بعض العلماء إلي الثقات. وقد أشار العلماء إلى صفة لصقت بحسان، وهي صفة الجبن، وقد أثبتت المصادر أن أكحل حسان كان قد قطع، فلم يكن يضرب بيده، وتلك علة إحجامه عن الاشتراك في غزوات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هذا إلى جانب كبر سنة، وضعف روح المغامرة عنده، مما جعله حذرا متمهلا، في الوقت الّذي نجد فيه شباب المسلمين وشيوخهم، مدفوعين بقوة الدين، وبروح الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم نحو الجهاد الّذي كان المظهر الحقيقي للمسلم المؤمن في هذه الفترة. وقد عاش حسان في جاهليته في الفترة التي ازدهر فيها نوعان من الشعر التقليدي القديم، في الشعر القبلي، وفن المديح، وقد برع الحسان في كلا الفنين، برع في أولهما، لأنه كان من الشعراء القبليين، الذين كانوا لسان حال قبائلهم، يمجدون انتصاراتها، ويفخرون بأمجادها، كما برع في آخرهما، لأنه كان من الشعراء الجوالين، الذين نزلوا الإمارتين الشماليتين: إمارة الغساسنة، وإمارة المناذرة، يمدحون ملوكها، وينالون عطاياهم وجوائزهم، لذلك نجد شعر حسان الجاهلي في مناقضاته القبليّة، وفي مدائحه التكسبية، من خير ما وصلنا من هذا العصر. له ترجمة في: (ديوان حسان بن ثابت) : 9- 10، (الشعر والشعراء) : 188- 190، (طبقات ابن سعد) : 5/ 266، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 512- 523، ترجمة رقم (106) ، (تاريخ الإسلام) : 2/ 440، (مسند أحمد) : 6/ 292، (المستدرك) : 3/ 553- 557، (الإصابة) : 2/ 62- 64، ترجمة رقم (1706) ، (الاستيعاب) : 1/ 341- 350، ترجمة رقم (507) ، (طبقات خليفة) : 88، (تاريخ خليفة) : 202، (التاريخ الكبير) : 3/ 29، (المعارف) : 2، 128، 143، 197، 132، (الجرح والتعديل) : 3/ 332، (تهذيب التهذيب) : 2/ 216- 217، ترجمة رقم (450) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 209، ترجمة رقم (1301) ، (شذرات الذهب) : 1/ 41، 60. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 هو وكعب ابن مالك، وعبد اللَّه بن رواحة، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: [اهجهم]- يعنى المشركين- وروح القدس معك، وقال له: اللَّهمّ أيده بروح القدس، وكان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في النبوة، وشاعر اليمن كلها في الإسلام، وأجمعت العرب علي أنّ أشعر أهل المدر يثرب، ثم عبد القيس، ثم ثقيف، وعلى أن أشعر أهل المدر حسان، وكان ممن خاض في الإفك على عائشة رضى اللَّه عنها، وقيل لم يخض ولم يجلد، وكان من أجبن الناس، لم يشهد مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا من المشاهد لجبنه، وأنكر قوم حسان ذلك وقالوا: لكن أقعده عن الحرب قطع أكحله، وأنشدوا قوله: أضر بجسمي مرور الدهور ... وخان قراع يدي الأكحل وقد كنت أشهد [وقع] الحروب ... ويحمرّ في كفى المنصل وقال إسماعيل بن إسحاق: الدليل على أن حسان لم يكن جبانا: أنه هاجى جماعة فلم يعيره أحد بالجبن، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سيرين أخت مارية، فولدت له عبد الرحمن بن حسان، وتوفى قبل الأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: أيام قتل على رضى اللَّه عنه وهو ابن مائة وعشرين سنة، وكان يخضب شاربه وعنقفته بالحناء ولا يخضب سائر لحيته، فقال له ابنه عبد الرحمن: لم تفعل هذا؟ قال: لأكون كأنى أسد ولغ في دم. قال ابن قتيبة: انقرض ولد حسان ولم يبق منهم أحد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 فصل في ذكر أحماء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حمو الرجل: أبو امرأته، وحمو المرأة وحماها: أبو زوجها، ويقال: حمو الرجل: أبو امرأته أو أخوها أو عمها، وحمو المرأة: أبو زوجها، وكذلك من [كان من] قبله ويقال: هذا حموها [ (1) ] ، ورأيت حماها [ (2) ] ، ومررت بحميها [ (3) ] ، والأنثى حماة، وقيل: الأحماء من قبل المرأة خاصة، والأختان من قبل الزوج، والصهر يجمع ذلك كله [ (4) ] .   [ (1) ] حموها: خبر مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة. [ (2) ] حماها: مفعول به منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. [ (3) ] بحميها: مجرور بالباء وعلامة جره الياء لأنه الأسماء الستة والأسماء الستة هي: «ذو» بمعنى صاحب، وما أضيف لغير الياء من «أب» ، «أخ» ، «حم» ، «هن» ، و «فم» بغير ميم، فإنّها تعرب بالواو، والألف، والياء، فترفع فالواو: نيابة عن الضمة، وتنصب بالألف نيابة عن الفتحة، وتخفض بالياء نيابة عن الكسرة. قال تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ [الرعد: 6] ، وقال تعالى أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ [القلم: 14] ، وقال تعالى: إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات: 30] ، وقال تعالى: وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ [القصص: 23] ، وقال تعالى: إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ «يوسف: 8] ، وقال تعالى: ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ [يوسف: 81] ، (شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب) : 41/ 42، مختصرا. [ (4) ] (ترتيب القاموس) : 1/ 718- 719، (لسان العرب) : 14/ 196- 197. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 [حمو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة] خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي، أبو عدي، ويقال له: ابى الخسف، [أمة زهرة ويقال لها: زهراء] ابنة عمرو بن حنثرة بن ذؤيبة [ (1) ] بن هلال، وفي ولد أسد العدد، ولما قدم تبّع الأخير مكة، وأراد احتمال الركن إلى اليمن [فقام خويلد في ذلك] [ (2) ] واشتدت مرارته له، فانصرف وتركه، فقال خويلد:   [ (1) ] وفي جمهرة النسب: ذؤيبة بن قرفة بن عمرو بن عوف بن مازن بن كاهل بن أسد بن خزيمة، وهي التي ذكرها القرآن الكريم بقوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً [النحل: 92] ، وإياها عنى فضالة بن شريك في قوله: فما لى حين أقطع ذات عرق ... إلى ابن الكاهلية من معاد وذلك أن فضالة بن شريك أتى عبد اللَّه بن الزبير يرجو نواله، غير أن هذا الأخير لم يصله، فانصرف، فقال: أقول لغلمتى أدنوا ركابي ... أفارق بطن مكة في سواد فما لى حين أقطع ذات عرق ... إلى ابن الكاهلية من معاد أرى الحاجات عند أبى خبيب ... نكدن ولا أميّة بالبلاد. فلما بلغ ابن الزبير الشعر، فمرّ به قوله: «إلى ابن الكاهلية» قال: لو علم لي جدة لأم من عمته لسبنى بها. وكانت أم خويلد بن أسد بن عبد العزى جدة العوام بن خويلد: زهرة بنت عمر بن حنثرة، من بنى كاهل بن أسد بن خزيمة. [ (2) ] زيادة لتصويب السياق من (البداية والنهاية) : 2/ 362، حيث قال: وكان خويلد مات قبل الفجار، وهو الّذي نازع تبعا حين أراد أخذ الحجر الأسود إلى اليمن. فقام في ذلك خويلد، وقام معه جماعة من قريش، ثم رأى تبع في منامه ما روّعه، فنزع عن ذلك، وترك الحجر الأسود مكانه. (البداية والنهاية) ، وفي (خ) : «تبع الآخر» . وتبّع الأخير هو الّذي سار إلى المشرق من التبابعة، ويعنى بقوله: تبع الأخير، أنه آخر من سار إلى المشرق وملك البلاد. فإن ابن إسحاق وغيره يقولون: إن الّذي ملك البلاد المشرقية لما توفى، ملك بعده عدة تبايعة، ثم اختل أمرهم زمانا طويلا، حتى طمعت الحبشة فيهم وخرجت إلى اليمن. (الكامل في التاريخ) : 1/ 423. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 ألا يا عاذلا لا تعذلينى ... ومهلا بالأذى لا تهلكينى دعينى إن أخذ الخسف منى ... [] [ (1) ] اللَّه حتى يقتلوني وكان لا يسافر إلا بفرس ومعه نفر من قومه، فأقبل في سفره حتى ورد كليّة [ (2) ] وجد عليها حاضرا عظيما من بنى بكر، فأراد خويلد وأصحابه أن يسقوا من حوض كلية، فأتاهم نفر من بنى بكر فمنعوهم الماء إلا بثمن، فقال خويلد لأصحابه: يا قوم! متى تسومكم بنو بكر سوم العزيز الذليل، قالوا: فمرنا بأمرك، [قال] : آمركم أن تحملوا عليهم، فحمل عليهم بمن معه، فقتل خويلد [رجلا] من بنى بكر، وطعن رجلا فأشواه، وفر منه آخر، وانهزمت بنو بكر، وشرب خويلد وأصحابه من الماء فقال خويلد [ (3) ] : تداعت بنو بكر لتبلغ عزنا ... ألا أم بكر يوم ذلك أيّم أنا الفارس المشهور يوم كلية ... وفي طرف الرنقاء يومك مظلم قتلت أبا جزء وأحطفت محصنا ... وأفلتنى ركضا مع الليل جهضم فلما قدم خويلد، لامته امرأته في ذلك، قال: ذريني أم عمرو ولا تلوميني ... ومهلا عاذلى لا تعذلينى ذريني إن أخذ الخسف منى ... [] اللَّه حتى يقتلوني فما أرجو لها بقية إذا ما ... غضبت وبل قائمة يميني   [ (1) ] ما بين الحاصرتين في (خ) كلمة لم أجد لها توجيها. [ (2) ] كليّة- بالضم- ثم الفتح، وتشديد الياء، بالتصغير- قال عرام: واد يأتيك من شمنصير بقرب الجحفة، (معجم البلدان) : 4/ 543، موضع رقم (10374) . [ (3) ] هذه الأبيات في (المرجع السابق) هكذا: أنا الفارس المذكور يوم كليّة ... وفي طرف الرفقاء يومك مظلم قتلت أبا جزء وأشويت محصنا ... وأفلتنى ركضا مع الليل جهضم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 وددت بأن حربهم تولت ... سواي وإن واقية تقيني ولكن لا أرى عنها محيصا ... فإنّي زاهق ما أزهقونى ونحن أباة الخسف يوم كليّة ... ونحن أباة الخسف كل مكان فسمى ابى الخسف لإبائه الخسف لإبائه على بنى بكر [فهزمهم] هو وأصحابه وامتناعه، وكان خويلد يوم عكاظ على بنى أسد بن عبد العزى، ويقال: كان أيضا على بنى قصي، ولما حفر عبد المطلب زمزم قال له خويلد: [يا ابن] سلمى! لقد سقيت ماء رغدا، ونشلت بادية حبدا، فقال عبد المطلب: أما إنك [] في فضلها، واللَّه لا يساعفنى أحد عليها ببر، ولا يقوم معى [] إلا بذلت له خيرا لصهر، فقال خويلد: أقول وما قولي عليهم بسبة، البيتين وقد تقدما، فقال عبد المطلب: ما وجدت أحدا ورث العلم إلا قدم غير خويلد بن أسد، وكان يقال لبني أسد في الجاهلية: ألسنة قريش، وامرأته أم ابنته خديجة: هي فاطمة ابنة زائدة بن جندب، وهو الأصم بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وعمرو بن أم مكتوم أخو فاطمة هذه وابن خال خديجة بنت خويلد، لأنه عمرو بن قيس بن زائدة بن جندب، وأم فاطمة بنت عبد مناف: العرقة بنت سعيد بن سهم، وأمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي، وأمها نائلة ابنة حذافة بن جمح. [حمو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة] وحمو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة رضى اللَّه عنها: زمعة بن قيس بن عبد شمس ابن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ بن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 غالب، أبوه قيس، وأمه [] [ (1) ] بنت وهب بن الأثلب بن عبيد بن عمران ابن مخزوم. حديث أم رومان خرجه البخاري في كتاب الأنبياء، في باب قول اللَّه تعالى: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ [ (2) ] ، من حديث حصين عن شقيق عن مسروق قالت: سألت أم رومان- وهي أم عائشة رضي اللَّه عنهما- عما قيل فيها ما قيل، قالت: بينا أنا مع عائشة جالستان، إذا ولجت علينا امرأة، من الأنصار وهي تقول: فعلى اللَّه بفلان وفعل، قالت: فقلت: لم؟ إنه نمى ذكر الحديث، فقالت عائشة: أي حديث؟ فأخبرتها، قالت: فسمعه أبو بكر ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: نعم، فخرت مغشيا عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض، فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما لهذه؟ قالت: حمى أخذتها من أجل حديث تحدّث به، فقعدت فقالت: واللَّه لئن حلفت لا تصدقونني، ولأن تعذرت لا تعذروننى، مثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه، واللَّه المستعان علي ما تصفون. فانصرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأنزل اللَّه ما أنزل [فأخبرها فقالت: بحمد اللَّه لا بحمد أحد] [ (3) ] . وقد استشكل قول مسروق، سألت أم رومان مع أنها ماتت في   [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس بالأصل، ولم أقف عليه. [ (2) ] سورة يوسف: 7. [ (3) ] زيادة للسياق من (فتح الباري) : 6/ 516، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (19) قول اللَّه تعالى: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ، حديث رقم (3388) ، 7/ 553، كتاب المغازي، باب (35) حديث الإفك، حديث رقم (4143) ، 8/ 462، كتاب التفسير، سورة (12) باب (3) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، حديث رقم (4691) ، 8/ 617، كتاب التفسير، سورة (24) باب (7) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومسروق لم [يكن له رواية] [ (1) ] إلا في خلافة أبى بكر أو عمر، فقال أبو عمر بن عبد البر: رواية مسروق عن أم رومان مرسلة، ولعله سمع ذلك من عائشة، قلت: كيف يصح ذلك وهو يقول: سألت أم رومان؟ وقال الحافظ أبو الحجاج المزي في (التهذيب والأطراف) : أم رومان والدة عائشة من المهاجرات الأول، روى عنها مسروق مرسلا لأنها توفيت في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وراج ذلك على البخاري، والحديث في قصة الإفك، قال: وقد روى عن ابن مسعود عن أم رومان- وهو أشبه بالصواب- قال: وقال الخطيب: صوابه: سئلت أم رومان، فلعل بعض النقلة كتب سئلت بالألف، فإن من الناس من يجعل الهمزة في الخط ألفا وإن كانت مكسورة أو مرفوعة، قال الخطيب: ولم يظهر للبخاريّ علته، وقد أوضحنا ذلك في كتاب (المراسيل) ، قلت: قال الخطيب: لا نعلمه روى هذا الحديث عن أبى وائل غير حصين، ومسروق لم يدرك أم رومان، وكان يرسل هذا الحديث عنها ويقول: سئلت أم رومان، فوهم حصين فيه حيث جعل السائل لها مسروقا، أو يكون بعض النقلة كتب سئلت بألف، فصارت: سألت فقرئت بفتحتين، قال: علي أن بعض الرواة قد رواه عن حصين على الصواب، يعنى بالعنعنة. قال: وأخرج البخاري في هذا الحديث بناء على ظاهر الاتصال، ولم تظهر له علته أ. هـ، وقد تعقب هذا الاعتراض بأن عمدة من ادعى وهم البخاري قول من زعم أن أم رومان ماتت في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، [سنة   [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق، ومكانها مطموس بالأصل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 أربع وقيل سنة خمس وقيل: سنة ست] [ (1) ] وهو شيء ذكره الواقدي، وذكره الزبير بن بكار بإسناد منقطع فيه ضعف، ولا تتعقّب الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك، وقد أشار البخاري في (تاريخه الأوسط والصغير) إليّ ردّ ذلك، فقال بعد أن ذكر أم رومان في فصل من مات في خلافة عثمان: روى على ابن زيد عن القاسم، قال: ماتت أم رومان في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سنة ست، قال البخاري: وفيه نظر، وحديث مسروق أسند، أي أقوى [إسنادا وأبين] اتصالا. أهـ، وقد جزم إبراهيم الحربي بأن مسروقا سمع من أم رومان وله خمس عشرة سنة، فعلى هذا يكون سماعه منها في خلافة عمر رضى اللَّه عنه، لأن مولد مسروق سنة الهجرة، ولهذا قال الحافظ أبو نعيم الأصفهاني: ماتت أم رومان بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد تعقب ذلك كله الخطيب، معتمدا على ما روى الواقدي والزبير، وفي تعقبه نظر، فقد خرج الإمام أحمد من طريق أبى سلمة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لما نزلت آية التخيير [ (2) ] ، بدأ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعائشة فقال: يا عائشة، إني عارض عليك أمرا، فلا تفتاتى فيه شيء حتى تعرضي عليه أبويك أبى بكر وأم رومان. الحديث، وأصله في الصحيحين بدون تسمية أم رومان [ (3) ] . وآية التخيير نزلت سنة تسع بالاتفاق، وهذا دال على تأخر موت أم رومان عن الوقت الّذي ذكره الواقدي، وهو سنة أربع أو سنة خمس، وعن   [ (1) ] زيادة للسياق من (فتح الباري) . [ (2) ] هي الآية رقم 28، 29 من سورة الأحزاب، وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً. [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 556 مختصرا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 الوقت الّذي ذكره الزبير، وهو في ذي الحجة سنة ست، وأيضا فقد وقع في صحيح البخاريّ في باب علامات النبوة من حديث عبد الرحمن بن أبى بكر في قصة أضياف أبى بكر رضى اللَّه عنه: قال عبد الرحمن: وإنما هو أنا وأمى وامرأتي وخادم [ (1) ] ، وفيه أيضا في الأدب: فلما جاء أبو بكر قالت له أمى: احتبست عن أضيافك [ (2) ] ... الحديث. وعبد الرحمن بن أبى بكر إنما هاجر في هدنة الحديبيّة، وكانت الحديبيّة في ذي القعدة سنة ست، وهجرة عبد الرحمن في سنة سبع في قول محمد بن سعد، وفي قول الزبير: فيها أو في التي بعدها، لأنه روى أن عبد الرحمن خرج في فتية من قريش قبل الفتح إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فتكون أم رومان تأخرت عن الوقت الّذي ذكراه. وأم سودة: الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش من بنى البخار. حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة وحموه من قبل عائشة رضى اللَّه عنها: أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه، وقد تقدم التعريف به. وأم عائشة: أم رومان- يقال: بفتح الراء وضمها- بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان ابن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة بن خزيمة الكنانية، هكذا نسبها   [ (1) ] (فتح الباري) 6/ 728، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3581) ، وفيه: قال: فهو أنا وأبى وأمى، ولا أدرى هل قال: امرأتي وخادمي. [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 656، كتاب الأدب، باب (88) قول الضيف لصاحبه: واللَّه لا آكل حتى تأكل، حديث رقم (6141) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 مصعب، وخالفه وغيره [والخلاف] بين أبيها إلى كنانة كثير جدا [ (1) ] ، وأجمعوا أنها من غنم بن مالك بن كنانة [ (2) ] ، واسم أم رومان: زينب في قول هشام وغيره، وفي (الأطراف) يحلف أن اسمها دعد، كانت تحت عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة بن عادية بن مرة الأزدي، وقدم بها مكة، ومات عنها، وقد ولدت له الطفيل بن عبد اللَّه، فخلف عليها أبو بكر رضى اللَّه عنه، فولدت له عبد الرحمن وعائشة، وأسلمت وهاجرت، وتوفيت بالمدينة في ذي الحجة سن ست، ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قبرها واستغفر لها وقال: اللَّهمّ لم يخف عليك ما لقيت أمّ رومان فيك، وفي رسولك [ (3) ] . وأنكر الحافظ أبو نعيم موتها في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولا عمدة له إلا حديث مسروق عنها، ويروى أنه قال: من سرّة أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان [ (4) ] ، وقد خرّج لها البخاري حديثا واحدا من حديث الإفك رواية مسروق عنها ولم [يبينها] ، وتعجب كيف خفي ذلك على البخاري وقد فطن مسلم له [ (5) ] .   [ (1) ] في (جمهرة أنساب العرب لابن حزم) : 137: أم رومان بنت عامر بن عمير بن ذهل بن دهمان بن الحارث بن تيم بن مالك بن كنانة. [ (2) ] في (جمهرة النسب للكلبي) : 129: أم رومان بنت عمير بن عامر، من كنانة ثم من فراس. [ (3) ] (الإصابة) : 8/ 207. [ (4) ] (المرجع السابق) . [ (5) ] قال أبو عمر بن عبد البر في (الاستيعاب) : رواية مسروق عن أم رومان مرسلة، ولعله سمع ذلك من عائشة، وقال الحافظ في (الإصابة) : ومقتضاه أن يكون سمع منها في خلافة عمر، لأن مولده سنة إحدى من الهجرة، وردّ ذلك الخطيب في المراسيل فقال- بعد أن ذكرت الحديث الّذي أخرجه فوقع فيه عن مسروق-: حدثتني أم رومان، فذكر طرفا من قصة إلا فك: هذا حديث غريب، ولا نعلم أحدا رواه غير حصين، ومسروق لم يدرك أم رومان، يعنى أنه قدم من اليمن بعد وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فوهم حصين في قوله: حدثني، إلا أن يكون بعض النقلة كتب سئلت بألف. فصارت: سألت، وتحرفت الكلمة، فذكرها بعض الرواة بالمعنى، فعبّر عنها بلفظ حدثني، أن بعض الرواة رواه عن حصين بالعنعنة. قال الخطيب: وأخرج البخاري في (التاريخ) ، ووقع فيه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل حفصة وحموه من قبل حفصة رضى اللَّه عنها: أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنها، وأم حفصة وأخويها عبد اللَّه، وعبد الرحمن الأكبر: زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب ابن حذافة بن جمح، أخت عثمان بن مظعون، أمها ريطة بنت عبد بن عمرو بن نضلة ابن غبشان من خزاعة، وهي أخت ذي الشمالين بن عبد عمرو. وذكر الزبير بن بكار: وكانت زينب من المهاجرات، وقال ابن عبد البر: وأخشى أن يكون وهماه، لأنه قد قيل: أنها ماتت مسلمة بمكة قبل الهجرة، [حفصة ابنتها من المهاجرات] [ (1) ] . حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة وحموه من قبل أم سلمة رضى اللَّه عنها، أبو أمية حذيفة، ويعرف بأبي عبد مناف، وهو الزاد الركب بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤيّ ابن غالب، وأم مخزوم بن يقظة: كلبة بنت   [ () ] «سألت مسروق: أم رومان» ، ولم يظهر علّته. قال الحافظ: بل عرف البخاري العلة المذكورة وردّها كما تقدم، ورجح الرواية التي فيها: إنها ماتت في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، لأنها مرسلة، وراويها عليّ بن زيد، وهو ابن جدعان، ضعيف. وأم رومان لها ترجمة في: (الإصابة) : 8/ 206- 210، ترجمة رقم (12023) ، (الإستيعاب) : 4/ 1935- 1937، ترجمة رقم (4152) ، (مغازي الواقدي) : 2/ 698، (الثقات) : 3/ 459، (تلقيح الفهوم) : 387، (أعلام النساء) : 1/ 405، (تهذيب التهذيب) : 12/ 494- 495، ترجمة رقم (92945) . [ (1) ] (الاستيعاب) : 4/ 1857، ترجمة رقم (3365) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، لكن قال الحافظ ابن حجر: بل الوهم ممن قال ذلك، فقد ثبت عن عمر أنه قال في حق ولده عبد اللَّه: هاجر أبواه. أخرجه البخاري من طريق نافع، عن ابن عمر، عن عمر، لما فضّل أسامة على عبد اللَّه بن عمر في القسم. وقد تعقب ابن فتحون كلام أبى عمر بهذا، وذكرها أبو موسى في (الذيل) بهذا الخبر. (الإصابة) : 7/ 680، ترجمة رقم (11250) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 عامر بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك، وأم عمر بن مخزوم وإخوته عامر وحبيب وأسد ولبني بنت سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وأم عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وأم أخويه عبيد وعبد العزى: مرة بنت قصي ابن كلاب بن مرة، وأم المغيرة بن عبد اللَّه وأم أخويه عثمان وعائد. وخالد، وأبى جندب أسد وقيس: ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وفي المغيرة [السؤدد] والشرف والبيت، وأم أبى أمية حذيفة بن المغيرة، وأم إخوته هاشم وهشام، وأبى حذيفة مهشم، وأبى ربيعة ذي الرمحين عمر وخراش وأبى زهير تميم والفاكه وعبد اللَّه، وربطة بنت سعيد بن سعد بن سهم، وأمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي، وأمها الحطياء ريطة، وإنما قيل لأبى أمية زاد الركب، [لأنه] كان إذا خرج إلى سفر لم يتزود معه أحد، وهو زوج عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وأم أم سلمة: عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن علقمة- ويقال له: جذل الطعان- ابن فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة [ (2) ] . [حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش] وحموه من قبل زينب بنت جحش: [جحش] بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة الأسدي، وأم زينب: أميمة بنت عبد المطلب [بن هاشم] عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] .   [ (1) ] (جمهرة النسب) : 84- 86. [ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 188. [ (3) ] (جمهرة أنساب العرب) : 191، (الاستيعاب) : 4/ 1849، ترجمة رقم (33555) ، وقال الحافظ ابن حجر: أمها أمية. (الإصابة) : 7/ 776، ترجمة رقم (11221) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 [حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم حبيبة] وحموه من قبل أم حبيبة رضى اللَّه عنها: أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، أبو حنظلة، وأبو معاوية، وأمه وأم أخته الفارعة وفاختة: صفية بنت حزن بن البجير بن الهزم ابن رؤبة بن عبد اللَّه بن هلال بن عامر بن صعصعة، وهي عمة أم الفضل بنت الحارث بن حزن، أم بنى العباس بن عبد المطلب، وعمة ميمونة أم المؤمنين. ولد أبو سفيان قبل الفيل بعشر سنين، وكان تاجرا يجهز التجار بماله وأموال قريش إلى الشام وغيرها، ويخرج أحيانا بنفسه، وكانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب، وكان لا يحبسها إلا رئيس، فإذا حميت الحرب اجتمعت قريش فوضعت تلك الراية بيد الرئيس، وكان معروفا بجودة الرأى في الجاهلية، وقاد الأحزاب، وقاتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في عدة مواطن، ثم أسلم في الفتح، وشهد حنينا، وهو معدود من المؤلفة [قلوبهم] ، ومات سنة اثنتين- وقيل أربع- وثلاثين، وصلّى عليه ابنه معاوية، وقيل عثمان، ودفن بالبقيع وله نحو التسعين سنة [ (1) ] .   [ (1) ] أبو سفيان، صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصىّ بن كلاب، رأس قريش وقائدهم يوم أحد ويوم الخندق، وله هنات وأمور صعبة، لكن تداركه اللَّه بالإسلام يوم الفتح، فأسلم شبه مكره خائف، ثم بعد أيام صلح إسلامه. وكان من دهاة العرب، ومن أهل الرأى والشرف وفيهم، فشهد حنينا. وأعطاه صهره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الغنائم مائة من الإبل، وأربعين أوقية من الدراهم، يتألفه بذلك، ففرغ من عبادة هبل، ومال إلى الإسلام. وشهد قتال الطائف، فقلعت عينه حينئذ، ثم قلعت الأخرى يوم اليرموك، وكان يومئذ قد حسن إسلامه، فكان يومئذ يحرض على الجهاد، وكان تحت راية ولده يزيد، فكان يصيح: يا نصر اللَّه اقترب. يعقوب بن سفيان، وابن سعد بإسناد صحيح، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: فقدت الأصوات يوم اليرموك، إلا صوت رجل يقول: يا نصر اللَّه اقترب قال فنظرت، فإذا هو أبو سفيان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 وأم أم حبيبة وحنظلة بن أبى سفيان: صفية بنت أبى العاص بن أمية ابن عبد شمس، عمة عثمان بن عفان بن أبى العاص رضى اللَّه عنه، وأمها آمنة بنت عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب [ (1) ] . [حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل جويرية] وحموه من جهة جويرية: الحارث بن أبى ضرار بن حبيب [بن الحارث] [ (2) ] بن عائذ بن مالك بن جذيمة- وهو المصطلق بن سعد بن كعب ابن عمرو- وهو خزاعة- بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، رأس على بنى المصطلق، وكانوا ينزلون بناحية الفرع وهم حلفاء في بنى مدلج، فجمع لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج إليه وأوقع به على ماء يقال له: المريسيع [ (3) ] ، كما تقدم   [ () ] تحت راية ابنه يزيد، وكان يقف على كتائب الخيل يذكّر ويقول: اللَّه اللَّه، إنكم أنصار الإسلام ودارة- أو ذادة- العرب، وهؤلاء أنصار الشرك ودارة الروم، اللَّهمّ هذا يوم من أيامك، اللَّهمّ أنزل نصرك. وكان أسنّ من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعشر سنين، وعاش بعده عشرين سنة، وكان حمو النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وما مات حتى رأى ولديه: يزيد، ثم معاوية، أميرين على دمشق، وكان يحب الرئاسة والذكر، وكان له منزله كبيرة في خلافة ابن عمه عثمان. توفى بالمدينة سنة إحدى وثلاثين، وقيل: سنة اثنتين، وقيل: سنة ثلاث أو أربع وثلاثين، وله نحو التسعين. له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 2/ 105، ترجمة رقم (13) ، (الاستيعاب) : 2/ 714، ترجمة رقم (1206) ، (الإصابة) : 3/ 412، 415، ترجمة رقم (4050) ، (طبقات خليفة) : 10، (تاريخ خليفة) : 166، (التاريخ الكبير) : 4/ 310، (المعارف) : 73، 74، 125، 344، 345، 553، 575، 586، 588، (الجرح والتعديل) : 4/ 426، (تهذيب التهذيب) : 4/ 361- 362، ترجمة رقم (718) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 466، ترجمة رقم (670) ، (الثقات) : 3/ 193، (تاريخ الصحابة) : 136، ترجمة رقم (668) ، (كنز العمال) : 3/ 612، (شذرات الذهب) : 1/ 30 و 37. [ (1) ] (جمهرة أنساب العرب) : 111. [ (2) ] زيادة للنسب من (الإصابة) . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 404 وما بعدها، ذكر غزوة المريسيع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 ذكره، وتزوج بابنته جويرية [ (1) ] . وأمها: [أم خارجة عمرة بنت سعد بن عبد اللَّه بن قداد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار، التي يقال فيها: «أسرع من نكاح أم خارجة» ] [ (2) ] . [حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل صفية] حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل صفية: حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد ابن كعب بن الخزرج بن أبى حبيب بن النضير بن النحام بن نحوم، من سبط لاوى من ولد هارون عليه السّلام، قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحيي عين من أعيان بنى النضير، ولم يزل يحاد اللَّه ورسوله، وهو الّذي أشار بطرح الحجارة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما [سار] إلى بنى النضير ليستعينهم في دية العامريين الذين قتلهما عمرو بن أمية، حتى كان ذلك سببا لإجلاء بنى النضير من المدينة، وخروجهم إلى خيبر، ثم خرج في عدة من اليهود إلى مكة يدعو قريشا إلى حرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وحالفهم على عداوته، حتى كانت وقعة الخندق، ثم سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بنى قريظة و [سبى] منهم مقاتلتهم وفيهم حيي، فلما أتى به مجموعة يداه إلى عنقه، قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألم يمكن اللَّه منك يا عدوّ اللَّه؟ قال: بلى، واللَّه ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد التمست العزّ في مظانه، وأبى اللَّه إلا أن يمكنك منى، ولقد قلقلت كل مقلقل، ولكن من يخذل اللَّه يخذل، ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس، لا بأس بأمر اللَّه قدر، وكتاب اللَّه ملحمة كتبت على   [ (1) ] ذكر ابن إسحاق في (المغازي) : أنه جاء إلى المدينة ومعه فداء ابنته بعد أن أسرت، وتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فلما كان بالعقيق، نظر إلى الإبل فرغب في بعيرين منها، فغيبهما في شعب، ثم جاء فقال: يا محمد، هذا فداء ابنتي، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: أين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق؟ فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، واللَّه ما أطلع على ذلك إلا اللَّه. (الإصابة) : 1/ 579، ترجمة رقم (1429) ، (سيرة ابن هشام) : 6/ 59- 60، 4/ 259. [ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 389. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 بنى إسرائيل، ثم أمر به فضربت عنقه، وأم صفية برة بنت السموأل بن [حيّا بن عاديا بن رفاعة بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عمرو مزيقاء] [ (1) ] . [حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل ميمونة] وحموه من قبل ميمونة.. الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة ابن عبد اللَّه بن هلال بن عامر بن صعصعة [بن معاوية بن بكر بن هوازن ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر [ (2) ]] ، وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن جرير، من حمير، وقيل: من كنانة، وهي العجوز التي قيل فيها: أكرم الناس أصهارا.   [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في الأصل، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق، من (جمهرة أنساب العرب) : 372، (جمهرة النسب) : 619، وكان يهوديا، وهو الّذي يضرب به المثل في الوفاء، وهو صاحب تيماء. [ (2) ] ما بين الحاصرتين مطموس في الأصل، واستدركناه من (جمهرة أنساب العرب) : 273. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 فصل في ذكر أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أن الصهر: القرابة، والصهر: حرمة الختونة، وصهر القوم: ختنهم، والجمع: أصهار، وصهر، أو قيل: أهل بيت المرأة أصهار، وأهل بيت الرجل أختان. وقال ابن الأعرابي: الصهر: زوج بنت الرجل وزوج أخته، والختن: أبو امرأة الرجل وأخو امرأته. وقيل: ختن الرجل: المتزوج بابنته أو بأخته، والجمع أختان، والأنثى ختنة، وخاتنه: تزوج إليه، والاسم: الختونة. ومن العرب من يجعلهم كلهم أصهارا، وقد صاهرهم، وصاهر فيهم، وأصهر بهم وإليهم: صار فيهم صهرا. وقال الضحاك في قول اللَّه عزّ وجل: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً [ (1) ] وَصِهْراً [ (2) ] : النسب سبع: قوله:   [ (1) ] النسب: نسب القرابات، وهو واحد الأنساب. ابن سيده: النسبة، والنسبة، والنسب: القرابة، وقيل: هو في الآباء خاصة، وقيل: النسبة، والنسبة: مصدر الانتساب، والنسبة: الاسم. التهذيب: النسب يكون بالآباء، ويكون إلى البلاد، ويكون إلى الصناعة. أبو زيد: يقال للرجل إذا سئل عن نسبه: انتسب لنا، أي انتسب لنا حتى نعرفك. وناسبه: شركه في نسبه، والنسيب المناسب، والجمع نسباء وأنسباء، وفلان يناسب فلانا فهو نسيبه أي قريبه، ورجل نسيب منسوب: ذو حسب ونسب، ويقال: فلان نسيبى، وهم أنسبائى، والنساب: العالم بالنسب، وفي حديث أبى بكر رضى اللَّه تعالى عنه: وكان رجلا نسابة، النسابة البليغ العالم بالأنساب، وإنما أدخلوا الهاء للمبالغة والمدح، ولم تلحق لتأنيث الموصوف بما هو فيه، وإنما لحقت لإعلام السامع أن هذا الموصوف بما هي فيه قد بلغ الغاية والنهاية، مثل علامة. مختصرا من (اللسان) : 1/ 755- 756. [ (2) ] الصهر: القرابة، والصهر: حرمة الختونة، وختن الرجل صهره، والمتزوج فيهم أصهار الختن، والأصهار: أهل بيت المرأة، ولا يقال لأهل بيت الرجل إلا أختان، وأهل بيت المرأة: أصهار. ومن العرب من يجعل الصهر من الأحماء والأختان جميعا، تقول: صاهرت القوم إذا تزوجت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ. والصهر خمس: قوله: وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [ (1) ] . وجعل ابن عطية هذا القول وهما، وقال الفراء والزجاج: النسب الّذي لا يحل نكاحه، والصهر: الّذي يحل نكاحه، وهو قول على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، وقال الأصمعي: الصهر: قرابة النكاح، فقرابة الزوجة [هم] الأختان، وقرابة الزوج هم   [ () ] فيهم، وأصهرت بهم إذا اتصلت بهم، وتحرّمت بجوار أو نسب أو تزوّج. ابن الأعرابي: الصهر: زوج بنت الرجل، وزوج أخته. والختن أبو امرأة الرجل، وأخو امرأته، ومن العرب من يجعلهم أصهارا كلهم وصهرا، والفعل: المصاهرة، وقد صاهرهم وصاهر فيهم، وأصهر بهم وإليهم: صار فيهم صهرا. قال ابن سيده: وربما كنوا بالصهر عن القبر، لأنهم كانوا يئدون البنات فيدفنونهم، فيقولون: زوجناهن من القبر، ثم استعمل هذا اللفظ في الإسلام فقيل: نعم الصهر القبر، وقيل: إنما هذا على المثل، أي الّذي يقوم مقام الصهر، قال: وهو الصحيح. وقال الفراء في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ. قال ابن عباس: حرّم اللَّه من النسب سبعا ومن الصهر سبعا: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ من النسب، ومن الصهر وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ووَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ. قال أبو منصور: حرّم اللَّه تعالى سبعا نسبا وسبعا سببا، فجعل السبب القرابة الحادثة بسبب المصاهرة والرضاع، وهذا هو الصحيح لا ارتياب فيه. (اللسان) : 4/ 471- 472، مختصرا. [ (1) ] النساء: 23. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 الأحماء، والأصهار يقع عاما [ (1) ] . وقال محمد بن الحسن: أختان الرجل: أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته، وكل ذات محرم منه، وأصهاره: كل ذي رحم محرم من زوجته، واختار النحاس قول الأصمعي في أن الأصهار من كان من قبل الرجل والزوجة جميعا، وقول محمد بن الحسن في الأختان. وحكى الزهراوى أن النسب من جهة البنين، والصهر من جهة البنات، والمعوّل على ما قد اختاره النحاس [ (2) ] . وخرج الحاكم من حديث محمد بن عثمان بن أبى شيبة، حدثني أبى، حدثنا أبو مارية عن أبان بن تغلب عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش عن عبد اللَّه في قوله تعالى بَنِينَ وَحَفَدَةً، قال: الحفدة: الأختان. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين [ (3) ] . وخرج الحافظ ابن عساكر من حديث يونس بن أبى إسحاق، عن أبى إسحاق عن الحارث عن على رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يدخل النار من تزوج إليّ أو تزوجت إليه، ومن حديث إسماعيل بن عياش، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: شرط من ربى ألا أصاهر إلى أحد ولا يصاهر إليّ أحد إلا كانوا رفقائي في الجنة، فاحفظوني في أصهارى [وأصحابى] ، فمن حفظنى فيهم كان عليه من اللَّه حافظ، ومن لم يحفظني فيهم تخلى اللَّه منه، ومن تخلى اللَّه منه هلك.   [ (1) ] راجع التعليقين (1) ، (2) من الصفحة السابقة. [ (2) ] النحل: 72. [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 387، تفسير سورة النحل، حديث رقم 3356/ 493، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 [أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة] فأصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة: أعمامها وعماتها، وإخوانها وأخواتها. أما أعمامها فخمسة عشر، هم: الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، كان أكبر إخوته، وأمه وأم إخوته المطلب وعبد اللَّه وعثمان وأختهم لأمهم: أم حبيب بنت أسد، أم آمنة بنت وهب، وأم أخواته لأبيه أسد: النافضة، وأم سفيان وأم المطاع وعاتكة وبهصة- وهي برة- ابنة عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، والحارث بن أسد. يقول مطرود بن كعب الخزاعي: شددت القوى وأقمت الديار ... غصنا شبابك لم يلبس لعمري لقد أعلم [] [ (1) ] ... بالحارث الهالك [] [ (1) ] نصاف السجية طلق اليدين ... وزين العشيرة في المجلس وذي الفضل وفي الدانيات ... وذي النسب الواضح الأملس ونوفل بن أسد، أمه وأم إخوته حبيب وصيفي رقية، قبة الديباج [وهي] [ (2) ] خالدة بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي- وقتل نوفل وحبيب يوم الفجار- وصيفي لم يعقب، وطالب بن أسد، أمه وأم أخويه طليب وخالد: الصعبة بنت خالد بن صعل بن مالك بن أمية بن ضبيعة بن زيد ابن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، وقتل: طالب وطليب يوم الفجار. والحويرث بن أسد، أمه ريطة بنت الحويرث الثقفية، وعمرو بن أسد، أمه وأم أخويه هاشم ومهشم: بهية بنت سعيد بن سهم، وعمرو، وهو الّذي زوّج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة بنت خويلد [ولم يكن لأسد يومئذ   [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) . [ (2) ] زيادة للسياق من (جمهرة النسب) : 69. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 لصلبه ولد غيره] [ (1) ] . وأما عماتها فثمان، هن: أم حبيب بن أسد، وكانت تحت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، فولدت له [عبد اللَّه- وهو أبو طلحة، وهو كان على بنى عبد الدار يوم الفجار- وبرّة بنت عبد العزى، وهي أمّ أمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] . وأم المطاع ابنة أسد، وكانت تحت عبد العزى بن عبد شمس، فولدت له ربيعة والربيع، فولد الربيع بن عبد العزى أبا العاص بن الربيع، زوج زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. والنافضة ابنة أسد، كانت تحت عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي، فولدت له المبارك- واسمه عبد اللَّه- والصالح- واسمه عبيد اللَّه- والباذل، والفارعة. ورقيقة بنت أسد، كانت تحت الحارث بن عبيد بن عمرو بن مخزوم، فولدت له كريمة، ورقية، وأرنب، ونعم. وبرة بنت أسد، كانت تحت عائذ بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، فولدت له. وأم سفيان بنت أسد كانت تحت عبد مناف بن كعب بن سعد بن تيم ابن مرة، فولدت له خالد بن عبد مناف.   [ (1) ] زيادة للسياق من (جمهرة النسب) : 74. [ (2) ] ما بين الحاصرتين في (خ) : «شرحبيل وإباء وأرطاة وعثمان وبرة» ، وما أثبتناه من (جمهرة أنساب العرب) : 127. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 [إخوة خديجة] وأما إخوة خديجة، فإنّهم: [] [ (1) ] بن خويلد بن أسد، أمه وأمّ إخوانه منية بنت الحارث بن جابر بن وهب بن نشيب بن بدر بن مالك بن عوف بن حارث بن مازن بن منصور، وأمها هند بنت وهيب بن نشيب بن زيد بن مالك بن عوف بن الحارث بن مازن بن منصور، وهند هذه عمة عتبة بن غزوان بن وهيب، وأخوها لأمها عدي بن نوفل بن عبد مناف، وأم هند بنت وهيب عائشة بنت العوام بن نضلة بن خلادة بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة بن أد. والعوام بن خويلد بن أسد- وقتل يوم الفجار الآخر- وكان الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس نديمه، وهو أبو الزبير بن العوام [ (2) ] . ونوفل بن خويلد، أمه ريطة بنت عبد العزى بن عامر بن ربيعة بن حزن ابن عامر بن مازن بن عدي بن عمرو، من خزاعة، وكان من المطعمين يوم بدر، ويقال له: ابن العدوية من عدىّ بن خزاعة، وهو الّذي عناه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بقوله يوم بدر: اللَّهمّ اكفنا ابن العدوية: فقتل كافرا يومئذ، قتله الزبير ابن العوام، وهو ابن أخيه، وقد صاح به نوفل، اقتلني قبل أن يقتلني أهل يثرب، وقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه- وهو على المنبر-: قاتل اللَّه ابن العدوية، ما كان أشد صوته يوم بدر، كأنى أسمع صوته وهو يقول: يا معشر قريش! اليوم يوم العلى والذكر [ (3) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، ولد خويلد بن أسد بن عبد العزى في (جمهرة النسب) ، هم: العوام، وحزام، ونوفل، وخديجة، (جمهرة النسب) : 69- 70، وولد خويلد بن أسد بن عبد العزى في (جمهرة أنساب العرب) ، هم: خديجة، وهالة، ورقيقة، والعوام، وحزام، ونوفل. (جمهرة أنساب العرب) : 120. [ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. [ (3) ] ذكره ابن هشام في (السيرة) ، قال: قال ابن إسحاق: ونوفل بن خويلد بن أسد، وهو ابن العدوية، عدي بن خزاعة، وهو الّذي قرن أبو بكر الصديق، وطلحة بن عبيد اللَّه حين أسلما في حبل، فكانا يسميان القرينين لذلك، وكان من شياطين قريش، قتله عليّ بن أبى طالب. (سيرة ابن هشام) : 3/ 265- 266 . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 وعمرو بن خويلد، ولا بقية له. وحزام بن خويلد، قتل يوم الفجار الآخر وهو والد حكيم حزام وأخويه. ورقيقة بنت خويلد، كانت تحت بجاد بن عمير بن الحارث ابن حارثة ابن سعد بن تيم بن مرة [ (1) ] ، فولدت له أميمة بنت رقيقة [ (2) ] ، وهي من   [ (1) ] التيميّ، من رهط الصديق، ولولده محمد بن بجاد ذكر، ومن ذريته يوسف بن يعقوب بن موسى بن عبد الرحمن بن الحصين بن محمد بجاد، كان يسكن عسفان، وله أشعار. ذكره الزبير، وكان في عصره. (الإصابة) : 1/ 267، ترجمة رقم (586 ز.) . [ (2) ] أميمة بنت رقيقة- بقافين مصغّرة- هي بنت بجاد، أمها رقيقة بنت خويلد بن أسد، أخت خديجة رضى اللَّه تعالى عنها روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روى عنها محمد بن المنكدر، وبنتها حكيمة- بالتصغير- بنت رقيقة. قال أبو عمر: كانت من المبايعات. وقال: هي خالة فاطمة الزهراء. أورده ابن الأثير بأنها بنت خالتها، فإن خويلدا والد خديجة، هو والد رقيقة لا أميمة. قال الحافظ ابن حجر: هذا يصح على قول من قال: إنها رقيقة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى. وقال مصعب الزبيري: إنها رقيقة بنت أسد بن عبد العزى، ومن ثم قال المستغفري: هي عمة خديجة بنت خويلد، رضى اللَّه تعالى عنها. وحديثها في الترمذي وغيره، من طريق ابن عيينة، عن محمد بن المنكدر، أنه سمع أميمة بنت رقيقة تقول: بايعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في نسوة. فقال لنا: فيما استطعتن وأطقتن، قلنا: اللَّه ورسوله أرحم منا بأنفسنا. وأخرجه مالك مطولا، عن ابن المنكدر، وصححه ابن حبان من طريقه، ولفظه: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في نسوة نبايعنه، فقلنا: نبايعك يا رسول اللَّه على ألا نشرك باللَّه شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصينك في معروف، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن، فقلنا: اللَّه ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول اللَّه، فقال: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة. وأخرجه الدار قطنى من وجه آخر عن ابن المنكدر. وقال ابن سعد: اغتربت أميمة بزوجها حبيب بن كعب بن عتير الثقفي، فولدت له. قال أبو أحمد العسال: لا أعلم روى عنها إلا ابن المنكدر. قال مصعب الزبيري: هي عمة محمد بن المنكدر، كأنه عنى أنها من رهطه. قال: ونقلها معاوية إلى الشام، وبنى لها دارا، وكذا قال الزبير بن بكار، وزاد: كان لها بدمشق دار وموالي، ثم أسند من طريق ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير أن ابنة رقيقة دخلت على معاوية في مرضه الّذي مات فيه. لها ترجمة في: (الإصابة) : 7/ 508، 510- 11، ترجمة رقم (10840) ، (10849) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 186، 241، (الثقات) : 3/ 25، (أعلام النساء) : 1/ 92، (الاستيعاب) : 4/ 1791، ترجمة رقم (3241) ، (تهذيب التهذيب) : 12/ 429- 430، ترجمة رقم (2730) ، (المستدرك) : 4/ 80- 81، (أسماء الصحابة الرواة) : 80، ترجمة رقم (223) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 المبايعات، حدّث عنها محمد بن المنكدر. وهالة بنت خويلد [ (1) ] ، وهي أم أبى العاص بن الربيع بن عبد العزى، زوج زينب عليها السلام، وأمها وأم أختها هند ابنة خويلد: فاطمة ابنة زائدة أم خديجة عليها السلام.   [ (1) ] هي هالة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسدية، أخت خديجة، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ووالدة أبى العاص بن الربيع. قال ابن مندة: روت عنها عائشة حرفا في حديث- كذا اختصر- وكأنه أشار إلى ما أخرجه البخاري في الصحيح، من طريق عليّ بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة رضى اللَّه تعالى عنها، على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك وقال: اللَّهمّ هالة، فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش ... الحديث، وأخرجه أبو نعيم من هذا الوجه، وأصل الحديث في الصحيحين من غير ذكر هالة. (الإصابة) : 8/ 146، ترجمة رقم (11828) ، وعنه، (أعلام النساء) : 5/ 202. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 [أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة] وأصهاره من قبل سودة خمسة: وقدان بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ، عم سودة، وأمه بنت وبر بن الأضبط بن كلاب، وله من الولد: عبد، وعمرو السعدي، وهو أبو عبد اللَّه ابن السعدي الصحابي [ (1) ] .   [ (1) ] قال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى: وولد وقدان بن عبد شمس بن عبد ودّ: عمرو، وهو السعدىّ، له صحبة، فولد عمرو هذا: عبد اللَّه، له صحبه، وروينا من طريقه حديثا فيه أربعة من الصحابة- رضى اللَّه تعالى عنهم- في نسق واحد، ولم يقع مثل هذا الاتفاق في خبر غيره، وهو كما حدّثناه أحمد بن محمد بن عبد اللَّه الطّلمنكيّ. قال: أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن أحمد بن يحيى بن محمد، قال: حدثنا القاضي محمد ابن أيوب الرّقّىّ الصّموت: أخبرنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار: أخبرنا إبراهيم بن سعد الجوهرىّ: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزّهرى، عن السائب بن يزيد، عن حويطب بن عبد العزّى، عن ابن السّعديّ- عبد اللَّه بن وقدان- عن عمر ابن الخطاب. قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «ما أتاك من هذا المال من غير مسألة، ولا إشراف نفس فاقبله» ، والسائب صاحب، وحويطب صاحب، وابن السعدي صاحب، وعمر صاحب، رضى اللَّه تعالى عنهم. (جمهرة أنساب العرب) : 167. وقال الحافظ في (الإصابة) : عبد اللَّه بن السعدي، واسم السعدي وقدان، وقيل: قدامة، وقيل: عمرو بن وقدان، وقيل له: السعدي، لأنه كان استرضع في بنى سعد بن بكر، وذلك هو ابن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ القرشيّ العامري أبو محمد. قال البخاري: قال: وفدت على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم. وأخرج حديثه هو وأبو حاتم، وابن حبان، من طريق عبد اللَّه بن محيريز، عن عبد اللَّه بن السعدي، قال: وفدت مع قومي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا من أحدثهم سنا، فخلفوني في رحالهم وقضوا حوائجهم، فجئت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: حاجتي، قال: وما حاجتك؟ فذكر حديث: لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدوّ. وأخرجه النسائي بنحوه من طريق أبى إدريس الخولانيّ، عن عبد اللَّه بن وقدان السعدي. وفي رواية له: عن عبد اللَّه بن السعدي، قال أبو زرعة الدمشقيّ: هذا الحديث عن عبد اللَّه بن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 وعبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ أخو سودة لأبيها من عاتكة بنت الأحنف بن علقمة بن عبد الحارث بن سعد بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ، كان شريفا من سادات الصحابة، وأخوه لأمه عمرو بن نوفل بن عبد مناف [ (1) ] . وعبد الرحمن بن زمعة، أخو سودة، وهو الّذي خاصم فيه أخوه عبد بن زمعة عام الفتح سعد بن أبى وقاص، فقال سعد ابن أخى عتبة بن أبى وقاص عهد إليّ فيه، وقال لي: إذا قدمت مكة فاقبض ابن وليدة زمعة فإنه ابني، وقال عبد بن زمعة: بل هو أخى، ولد على فراش أبى، فقضى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعبد بن زمعة وقال: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» ، وأم عبد الرحمن أمه يمانية لزمعة، وله عقب [ (2) ] .   [ () ] السعدي، حديث متقن صحيح، رواه الأثبات عنه. ونزل عبد اللَّه بن السعدي الأردن. وقال البغوي: سكن المدينة- يعنى أولا- وروى عن عمر بن الخطاب حديث العمالة، وهو في الصحيح. وفي رواية لمسلم: ابن الساعدي. روى عنه حويطب بن عبد العزى وآخرون. وقال ابن حبان: مات في خلافة عمر. قال ابن عساكر: لا أراه محفوظا. وقد قال الواقدي: إنه مات سنة سبع وخمسين. (الإصابة) : 4/ 113- 114 ، ترجمة رقم (4721) . [ (1) ] ترجمته في (الاستيعاب) : 2/ 820، ترجمة رقم (1382) ، (جمهرة أنساب العرب) : 115. [ (2) ] عبد الرحمن بن زمعة القرشي العامري، هو ابن وليدة زمعة الّذي قضى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأن الولد للفراش، وللعاهر الحجر، قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا الليث عن ابن شهاب، عن عروة: عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اختصم سعد وابن زمعة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم هو لك يا عبد اللَّه بن زمعة، الولد للفراش، واحتجبى منه يا سودة. زاد لنا قتيبة عن الليث: وللعاهر الحجر. وفي رواية عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اختصم سعد بن أبى وقّاص، وعبد اللَّه بن زمعة رضى اللَّه عنه في غلام، فقال سعد: يا رسول اللَّه، هذا ابن أخى عتبة بن أبى وقاص عهد إليّ أنه ابنه، وانظر إلى شبهه، وقال عبد اللَّه بن زمعة: هذا أخى يا رسول اللَّه، ولد على فراش أبى من وليدته، فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى شبهه، فرأى شبها بيّنا بعتبة، فقال: هو لك يا عبد اللَّه، الولد للفراش، وللعاهر الحجر [رواه الشيخان، وأبو داود، والترمذي، والنسائي] . قوله «الولد للفراش» ، أي لمالكه، وهو الزوج والمولى، لأنهما يفترشانها، وفي للبخاريّ: «الولد لصاحب الفراش» ، وقال في [نيل الأوطار للشوكانى] : اختلف في معنى الفراش، فذهب الأكثر إلى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198   [ () ] أنه اسم للمرأة، وقيل: إنه اسم للزوج، وروى ذلك عن أبى حنيفة، وأنشد ابن الأعرابي مستدلا على هذا المعنى قول جرير: باتت تعانقه وبات فراشها وفي القاموس: إن الفراش زوجة الرجل وفي اللسان: الفراش الزوج والفراش المرأة، والمرأة تسمى فراش لأن الرجل يفترشها. قوله: «وللعاهر الحجر» ، العاهر: الزاني، يقال: عهر، أي زنا، عهر إليها يعهر عهرا وعهورا وعهارة وعهورة، وعاهرها عهارا: أتاها ليلا للفجور، ثم غلب على الزنا مطلقا. وفي الحديث: «أيّما رجل عاهر بحرّة، أو أمة» ، أي زنى. وفي التهذيب: قال أبو زيد: يقال للمرأة الفاجرة عاهرة ومعاهرة ومسافحة، والعهر والعاهر: هو الزاني. وقال أبو عبيد: معنى قوله: «وللعاهر الحجر» أي لا حقّ له في النسب، ولا حظّ له في الولد، وإنما هو لصاحب الفراش، أي لصاحب أم الولد، وهو زوجها أو مولاها. والعرب تقول: له الحجر وبفيه التراب، ويريدون ليس له إلا الخيبة. وقيل: المراد الحجر، أنه يرجم بالحجارة إذا زنى، ولكنه لا يرجم بالحجارة كل زان، بل للمحصن فقط. وفي ترجمة البخاري أنه يرجّح قول من أوّل الحجر هنا بأنه الحجر الّذي يرجم به الزاني، أي ليس للعاهر إلا الرجم بالحجارة إن كان محصنا، وظاهر الحديث أن الولد يلحق بالأب بعد ثبوت الفراش، وهو لا يثبت إلا بعد إمكان الوطء في النكاح الصحيح أو الفاسد، وإلى ذلك ذهب الجمهور. وكان لزمعة جارية حملت سفاحا من عتبة بن أبى وقّاص، فلما دنت وفاته، أوصى أخاه سعدا بأن ولد هذه الجارية ابنه من الزنى، كعادتهم في الجاهلية، فلما طلبه عمه سعد، عارضه عبد اللَّه بن زمعة وقال: هو أخى، ولد على فراش أبى من جاريته، فاختصما إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحكم به لعبد اللَّه بقوله: «هو لك يا عبد اللَّه» ، ووضع صلّى اللَّه عليه وسلم قاعدة شرعية، يعمل بها إلى يوم الدين: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» . «الولد للفراش» ، أي لصاحبه، وهو هنا سيدها، «وللعاهر» أي الزاني، الحجر ... وجاء رجل فقال: يا رسول اللَّه، إنّ فلانا ابني، عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الحجر» . أي لا دعوة في الإسلام، أي بلحوق ولد الزنى بالزاني، ذهب أمر الجاهلية، وبطلت عوائدهم، وظهر عليها الإسلام، فالولد للفراش، أي لأمه إن كانت حرة، كما في اللعان، بخلاف الرقيقة، فالولد لسيدها، فهو وأمه في الرّقّ سواء. (الإصابة) : 2/ 833، ترجمة رقم (1413) ، (جمهرة أنساب العرب) : 167، (موسوعة فتاوى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم) : 2/ 25- 27 ، كتاب الزنا، والحدود، والديات، باب فتياه صلّى اللَّه عليه وسلم في أن: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 ومالك بن زمعة أخو سودة، قديم الإسلام ومن مهاجرة الحبشة [ (1) ] . ومشتق بن عبد وقدان بن عبد شمس أخو سودة لأمها [ (2) ] .   [ (1) ] مالك بن زمعة بن قيس بن عبد شمس العامري. أخو سودة أم المؤمنين، كان من مهاجرة الحبشة الثانية، ومعه عميرة- أو عمرة- بنت السعدي بن وقدان، وأقام حتى قدم مع جعفر بن أبى طالب، ذكره أبو عمر هكذا، ولم يزد الزبير بن بكار على قوله: ومالك بن زمعة، هاجر إلى أرض الحبشة، وذكره ابن فتحون في (أوهام الاستيعاب) فقال: ذكر ابن إسحاق، وموسى بن عقبة، أنه مالك بن ربيعة، وكذا قاله المصنف في كتابه (الدرر) . قال الحافظ في (الإصابة) سلفه في الاستيعاب أعلم الناس بنسب قريش. وهو الزبير بن بكار، فإنه ذكر في نسب بنى عامر بن لؤيّ ما نصّه: وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ، كانت عند السكران بن عمرو، فهلك عنها مهاجرا بأرض الحبشة، فتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، إلى أن قال: ومالك بن زمعة هاجر إلى أرض الحبشة. وقال بعده: وولد وقدان بن عبد شمس عبدا .... إلى آخره، فهذا يرجح أنه ابن زمعة، (الإصابة) : 5/ 726- 727، ترجمة رقم (7640) ، (الاستيعاب) : 3/ 1352، ترجمة رقم (2268) . [ (2) ] كذا في (خ) ، ولم أجد له ترجمة فيما بين يدىّ من كتاب النسب أو التراجم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 [أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة] وأصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة رضى اللَّه عنها إخوتها وهم: عبد اللَّه بن أبى بكر [ (1) ]   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن أبى بكر الصديق، ولما كان اسم أبى بكر: عبد اللَّه، فابنه عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عثمان، وهو شقيق أسماء بنت أبى بكر، ذكره ابن حبان في الصحابة، وقال: مات قبل أبيه. وثبت ذكره في قصة الهجرة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: وكان عبد اللَّه بن أبى بكر يأتيهما بأخبار قريش، وهو غلام شابّ فطن، فكان يبيت عندهما، ويخرج من السحر فيصبح مع قريش. وذكر الطبري في (تاريخه) أن عبد اللَّه بن أريقط الدؤلي الّذي كان دليل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما رجع بعد أن وصل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة، أخبر عبد اللَّه بن أبى بكر الصديق بوصول أبيه إلى المدينة، فخرج عبد اللَّه بعيال أبى بكر، وصحبهم طلحة بن عبيد اللَّه حتى قدموا المدينة. وقال أبو عمر: لم أسمع له بمشهد إلا في الفتح، وحنين، والطائف، فإن أصحاب المغازي ذكروا أنه رمى بسهم فجرح، ثم اندمل، ثم انتقضى، فمات في خلافة أبيه في شوال سنة إحدى عشرة. وروى الحاكم بسند له عن القاسم بن محمد، أن أبا بكر، قال لعائشة: أتخافون أن تكونوا دفنتم عبد اللَّه بن أبى بكر وهو حي، فاسترجعتك فقال: أستعيذ باللَّه. ثم قدم وفد ثقيف فسألهم أبو بكر: هل فيكم من يعرف هذا السهم؟ فقال سعيد بن عبيد: أنا بريته، ورشته، وأنا رميت به، فقال: الحمد للَّه، أكرم اللَّه عبد اللَّه بيدك، ولم يهنك بيده. قال: ومات بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأربعين ليلة، وفيه الهيثم بن عدي، وهو واه. قالوا: لما مات نزل حفرته عمر، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبى بكر، وكان رضى اللَّه عنه يعدّ من شهداء الطائف. قال المرزباني في (معجم الشعراء) : أصابه حجر في حصار الطائف، فمات شهيدا، وكان قد تزوج عاتكة، وكان بها معجبا، فشغلته عن أموره، فقال له أبوه: طلّقها، فطلّقها، ثم ندم، فقال: أعاتك لا أنساك ما ذرّ شارق ... وما لاح نجم في السماء محلّق لها خلق جزل ورأى ومنصب ... وخلق سويّ في الحياة ومصدق ولم أر مثلي طلّق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير شيء تطلّق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 أمه وأم أخته أسماء: قتيلة [ (1) ] بنت عبد العزّى بن عبد   [ () ] وله فيها غير هذا، فرقّ له أبو بكر فأمره بمراجعتها، فراجعها، ومات وهي عنده. روى البخاري في (تاريخه) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، أن عبد اللَّه بن أبى بكر رضى اللَّه عنه، كان قد تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو، أخت سعيد بن زيد بن عمرو، وأنه قال لها عند موته: لك حائطي ولا تزوّجى بعدي، قال: فأجابته إلى ذلك، فلما انقضت عدتها خطبها عمر، فذكر القصة في تزويجه. ورواه غيره، فذكر معاتبة عليّ لها على ذلك. وقال ابن إسحاق في (المغازي) : حدثني هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كفّن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في بردىّ حبرة، حتى مسّا جلده، ثم نزعهما، فأمسكهما عبد اللَّه ليكفّن فيهما، ثم قال: وما كنت لأمسك شيئا منع اللَّه رسوله منه، فتصدّق بهما. ورواه البخاري من وجه آخر، عن عروة وأخرجه الحاكم في (المستدرك) ، وهو عند أحمد في مسند عائشة رضى اللَّه عنها، ضمن حديث من طريق حماد بن سلمة، عن هشام، ورواه أبو ضمرة عن هشام، فقال عبد الرحمن: قال البغوي: والصحيح عبد اللَّه. قال الحافظ في (الإصابة) : ووجدت له حديثا مسندا، أخرجه البغوي، وفي إسناده من لا يعرف، قال هشام: فقال عبد الرحمن: قال البغوي: لا أعرف عبد اللَّه أسند غيره، وفي إسناده ضعف وإرسال. ثم قال: وأخرجه مع ذلك الحاكم، قال الدار قطنى: وأما عبد اللَّه بن أبى بكر. فأسند عنه حديث في إسناده نظر، تفرّد به عثمان بن الهيثم المؤذن، عن رجال ضعفاء. قال: وقد أوردته في كتاب (الخصال المكفرة) ، وجمعت طرقه مستوعبا، والحمد للَّه. له ترجمة في: (الإصابة) : 4/ 27- 29، ترجمة رقم (4571) ، (الثقات) : 3/ 210، (الاستيعاب) : 3/ 874- 875، ترجمة رقم (1484) ، (الجرح والتعديل) : 5/ 92، (التاريخ الكبير) : 3/ 2، 5/ 2، (التاريخ الصغير) : 1/ 300، (البداية والنهاية) : 6/ 389، (الطبقات الكبرى) : 1/ 229، (الوافي بالوفيات) : 17/ 85، (تاريخ الإسلام) : 3/ 49، (صفة الصفوة) : 1/ 124، ترجمة أبيه رقم (2) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 446، ترجمة رقم (777) . [ (1) ] هي قتيلة بنت عبد العزّى بن سعد بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ، القرشية العامرية، والدة أسماء بنت أبى بكر وشقيقها عبد اللَّه. كذا نسبها الزبير وغيره. وقال أبو موسى في (الذيل) : قتيلة بنت سعد بن عامر بن لؤيّ، كذا اختصر النسب، وحذف منه جماعة، ثم قال: أوردها المستغفري في الصحابيات، وقال: تأخر إسلامها، وسماها الحاكم أبو أحمد في (الكنى) . وحديثها عن هشام بن عروة عن أبيه، عن أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه تعالى عنهما، قالت: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 [شمس] [ (1) ] بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ، أسلم قديما، ولم يسمع له بمشهد إلا شهوده الفتح، وحنينا، والطائف، ورمى يومئذ بسهم من أبى محجن الثقفي، ومات في شوال سنة إحدى عشرة، وانقرض عقبه. وأسماء ابنة أبى بكر، أسلمت قديما بعد سبعة عشر إنسانا، وتزوج بها الزبير بن العوام فولدت له عبد اللَّه بن الزبير، وتوفيت بمكة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وقد ذهب بصرها، ويقال لها ذات النطاقين، لأنها صنعت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم سفرة حين أراد الهجرة إلى المدينة، فعسر عليها ما تشدها به، فشقت خمارها وشدت السفرة بنصفها وانتطقت النصف   [ () ] «قدمت على أمى وهي مشركة في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاستفتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قلت: إن أمى قدمت وهي راغبة، أفأصل أمى، قال: نعم، صلّى أمك» . وأخرجه ابن سعد، وأبو داود الطيالسي، والحاكم، من حديث عبد اللَّه بن الزبير، قال: «قدمت قتيلة- بالقاف والمثناة مصغرة- بنت عبد العزّى بن سعد، من بنى مالك بن حسل- بكسر الحاء وسكون السين المهملتين- على ابنتها أسماء بنت أبى بكر في الهدنة، وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية، بهدايا: زبيب وسمن وقرظ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها، وأرسلت إلى عائشة: سلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: لتدخلها» . وعرف منه تسمية أم أسماء، وأنها أمها حقيقة، وأن من قال: إنها أمها من الرضاعة فقد وهم. (الإصابة) : 8/ 78- 79، ترجمة رقم (11638) ، (فتح الباري) : 5/ 290- 292، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (9) الهدية للمشركين، وقول اللَّه تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8] ، حديث رقم (2620) ، وأخرجه البخاري أيضا في الجهاد، باب إثم من عاهد ثم غدر، وفي الأدب، باب صلة الوالد المشرك، وأخرجه مسلم في الزكاة، باب فضل الصدقة على الأقربين ولو كانوا مشركين، وأبو داود في الزكاة، باب الصدقة على أهل الذمة، (جامع الأصول) : 1/ 405- 406، حديث رقم (201) . [ (1) ] زيادة للنسب من (جمهرة النسب) : 57. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 الثاني، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ذات النطاقين [ (1) ] . وعبد الرحمن بن أبى بكر شقيق عائشة رضى اللَّه عنها، تقدم ذكره [ (2) ] .   [ (1) ] هي أسماء بنت أبى بكر، عبد اللَّه بن أبى قحافة عثمان، أم عبد اللَّه، القرشية، التيمية: الملكية، ثم المدنية، والدة الخليفة عبد اللَّه بن الزبير، وأخت أم المؤمنين عائشة رضى اللَّه عنها وآخر المهاجرات وفاة، روت عدة أحاديث، وعمّرت دهرا، وتعرف بذات النطاقين، وأمها قتيلة بنت عبد العزى العامرية، حدّث عنها ابناها: عبد اللَّه وعروة، وحفيدها عبد اللَّه بن عروة، وابن عباس، وعدة. وكانت أسنّ من عائشة رضى اللَّه عنها ببضع عشرة سنة، هاجرت حاملا بعبد اللَّه، وقيل: لم يسقط لها سنّ، وشهدت اليرموك مع زوجها الزبير. وهي، وأبوها، وجدها، وابنها ابن الزبير، أربعتهم صحابيون. عن أسماء قالت: صنعت سفرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بيت أبى حين أراد أن يهاجر، فلم أجد لسفرته ولا لسقائه ما أربطهما، فقلت لأبى: ما أجد إلا نطاقى، قال: شقيه باثنين، فاربطى بهما، قال: فلذلك سميت ذات النطاقين. وكانت خاتمة المهاجرين والمهاجرات، مسندها ثمانية وخمسون حديثا. اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثا، وانفرد البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بأربعة. قال ابن سعد: ماتت بعد ابنها عبد اللَّه بليال، ولها مائة سنة. وكان قتله لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين. لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 8/ 249- 255، (طبقات خليفة) : 333، (تاريخ خليفة) : 269، (المعارف) : 172، 173، 200، 221، (مسند أحمد) : 6/ 344، (المستدرك) : 4/ 64- 65، (الاستيعاب) : 4/ 1781- 1783، ترجمة رقم (3226) ، (جامع الأصول) : 9/ 145، (تهذيب التهذيب) : 12/ 426، ترجمة رقم (2720) ، (الإصابة) : 7/ 486- 488 ، ترجمة رقم (10798) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 374، (كنز العمال) : 13/ 637، (الإعلام بوفيات الأعلام) : 46، (حلية الأولياء) : 2/ 55- 57، ترجمة رقم (138) ، (أعلام النساء) : 1/ 47- 53، (العقد الفريد) : 3/ 231، 5/ 72، 263، 164، 165، 166، 167، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 287- 296، ترجمة رقم (52) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 77- 78 ، ترجمة رقم (58) ، (الثقات) : 3/ 23، (تلقيح فهوم أهل الأثر) : 365، (شذرات الذهب) 1/ 44 و 80، (مرآة الجنان) : 1/ 151. [ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 ومحمد بن أبى بكر [ (1) ] ، أمه أسماء بنت عميس [ (2) ] ، أخت ميمونة أم   [ (1) ] ولدته أسماء بنت عميس في حجة الوداع وقت الإحرام، وكان قد ولّاه عثمان إمرة مصر، كما هو مبيّن في سيرة عثمان، ثم سار لحصار عثمان، وفعل أمرا كبيرا فكان أحد من توثّب على عثمان حتى قتل، ثم انضم إلى عليّ فكان من أمرائه، فسيّره على إمرة مصر سنة سبع وثلاثين في رمضانها، فالتقى هو وعسكر معاوية، فانهزم جمع محمد، واختفى هو في بيت مصريّة، فدلّت عليه، فقال: احفظوني في أبى بكر، فقال معاوية بن حديج: قتلت ثمانين من قومي في دم الشهيد عثمان وأتركك، وأنت صاحبه؟! فقتله، ودسّه في بطن حمار ميّت، وأحرقه. وقال عمرو بن دينار: أتى بمحمد أسيرا إلى عمرو بن العاص، فقتله، يعنى بعثمان. وقال الحافظ الذهبي: أرسل عنه ابنه القاسم بن محمد الفقيه. له ترجمة في: (التاريخ الكبير) : 1/ 124، (الجرح والتعديل) : 7/ 301، (تاريخ الطبري) : 5/ 94، (جمهرة أنساب العرب) : 138، (الكامل في التاريخ) : 3/ 352، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 85، (الإصابة) : 6/ 245، ترجمة رقم (3800) ، (الاستيعاب) : 3/ 1366، ترجمة رقم (2320) ، (تهذيب التهذيب) : 9/ 70، ترجمة رقم (101) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/ 385، ترجمة رقم (6089) ، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 481- 482، ترجمة رقم (104) ، (شذرات الذهب) : 1/ 48، (الإعلام بوفيات الأعلام) : 33. [ (2) ] هي أسماء بنت عميس بن معد- بوزن سعد أوله ميم- ابن الحارث الخثعمية، أم عبد اللَّه، من المهاجرات الأول، أسلمت قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دار الأرقم بن أبى الأرقم، وكانت داره على الصفا، وهي الدار التي فيها دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الناس إلى الإسلام، فأسلم فيها قوم كثير. هاجر بها زوجها جعفر الطّيار إلى الحبشة، فولدت له هناك: عبد اللَّه، ومحمدا، وعونا- فلما هاجرت معه إلى المدينة سنة سبع، واستشهد يوم مؤتة، تزوج بها أبو بكر الصديق، فولدت له: محمدا، وقت الإحرام، فحجت حجة الوداع، ثم توفى الصديق، فغسّلته. وتزوج بها عليّ بن أبى طالب. وقدمت أسماء بنت عميس من الحبشة فقال لها عمر رضى اللَّه عنه: يا حبشيّة، سبقناكم بالهجرة، فقالت: لعمري لقد صدقت: كنتم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعلم جاهلكم، وكنا البعداء الطرداء. أما واللَّه لأذكرن ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. فأتته، فقال: «للناس هجرة واحدة، ولكم هجرتان» . قالت أسماء بنت عميس: يا رسول اللَّه، إن هؤلاء يزعمون أنّا لسنا من المهاجرين! قال: «كذب من يقول ذلك، لكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشىّ، وهاجرتم إليّ» . قال الشعبي: أول من أشار بنعش المرأة- يعنى المكبة- أسماء، رأت النصارى يصنعونه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205   [ () ] بالحبشة. وعن عبد اللَّه بن شداد، عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر قال: «تسلبى ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت» . قال في (النهاية) : أي البسى ثوب الحداد، وهو السّلاب، والجمع سلب، وتسلبت المرأة: إذا لبسته. وأخرج ابن سعد في (الطبقات) بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب قال: نفست بذي الحليفة، فهمّ أبو بكر بردّها، فسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: «مرها فلتغتسل، ثم تهلّ بالحج» . وأوصى أبو بكر أن تغسله أسماء، قال قتادة، فغسّلته بنت عميس امرأته، فسألت من حضر من المهاجرين، وقالت: إني صائمة، وهذا يوم شديد البرد، فهل عليّ من غسل؟ فقالوا: لا. وروى أبو إسحاق عن مصعب بن سعد: أن عمر رضى اللَّه عنه فرض الأعطية، ففرض لأسماء بنت عميس ألف درهم. قال الواقدي: ثم تزوجت عليّا فولدت له: يحيى، وعونا. زكريا بن أبى زائدة: سمعت عامرا يقول: تزوج عليّ أسماء بنت عميس فتفاخر ابناها: محمد ابن أبى بكر، ومحمد بن جعفر، فقال كل منهما: أنا أكرم منك، وأبى خير من أبيك. فقال لهما عليّ: اقضى بينهما، قالت: ما رأيت شابا من العرب خيرا من جعفر، ولا رأيت كهلا خيرا من أبى بكر. فقال عليّ: ما تركت لنا شيئا، ولو قلت غير الّذي قلت لمقتّك، قالت: إن ثلاثة أنت أخسّهم خيار. أخرجه ابن سعد في (الطبقات) ، ورجاله ثقات. وأخرج ابن سعد في (الطبقات) بإسناد صحيح، عن عليّ رضى اللَّه عنه قال: كذبتكم من النساء الحارقة، فما ثبتت من امرأة إلا أسماء بنت عميس. و «كذب» هاهنا: إغراء، أي: عليكم بالحارقة، وهي كلمة نادرة جاءت على غير قياس. والحارقة: المرأة التي تغلبها شهوتها، الضيقة الملاقى- وهو مأزم الفرج ومضايقه- كأنها تضمّ الفعل- بفتح الفاء وسكون العين أي الفرج- ضمّ العاضّ الّذي يحرق أسنانه، ويقال لها: العضوض والمصوص. وعن عليّ عليه السّلام: إنه سئل عن امرأته، فقال: وجدتها حارقة، طارقة، فائقة، أراد بالطارقة: التي طرقت بخير، والفائقة: فاقت في الجمال. وقيل: الحارقة: النكاح على الجنب، أخذت من حارقة الورك، وهي عصبة فيها، والمعنى: عليكم من مباشرة النساء بهذا النوع. وعنه عليه السّلام: كذبتكم الحارقة، ما قام لي بها إلا أسماء بنت عميس. ذكره الزمخشريّ في (الفائق) . وقال ابن منظور: والحارقة، والحاروق من النساء: الضيقة الفرج، وامرأة حارقة: ضيقة الملاقى- وقيل: هي التي تغلبها الشهوة حتى تحرق أنيابها بعضها على بعض، أي تحكها، يقول: عليكم بها، ومنه الحديث: وجدتها حارقة، طارقة، فائقة. (اللسان) . وقال في هامشه: قوله: «يقول عليكم بها» ، كذا بالأصل هنا، وأورده ابن الأثير في تفسير حديث الإمام على: خير النساء الحارقة، وفي رواية كذبتكم الحارقة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 المؤمنين ولد عام حجة الوداع، وكان من شيعة على رضى اللَّه عنه، فإنه تزوج بأمه أسماء وولاه مصر وقتل بها سنة ثمان وثلاثين. وأم كلثوم بنت أبى بكر رضى اللَّه عنه [ (1) ] ، أمها حبيبة بنت   [ () ] قال الحافظ الذهبي: لأسماء حديث في سنن الأربعة، حدّث عنها: ابنها عبد اللَّه بن جعفر، وابن أختها عبد اللَّه بن شداد، وسعيد بن المسيّب، وعروة، والشعبي، والقاسم بن محمد، وآخرون. عاشت بعد عليّ، وكان عمر بن الخطاب يسأل أسماء بنت عميس عن تفسير المنام، ونقل عنها أشياء من ذلك، روت عن النبي للَّه ستين حديثا، لها ترجمة في (نهاية ابن الأثير) : 1/ 173- 273، (لسان ابن منظور) : 10/ 45، (فائق الزمخشريّ) : 1/ 275- 276، (موطأ مالك) : 1/ 148- 149، (ثقات ابن حبان) : 3/ 24، (حلية الأولياء) : 2/ 74، (أعلام النساء) : 1/ 57- 58، (أسماء الصحابة) : 76، ترجمة رقم (56) ، (تلقيح الفهوم) : 365، (تاريخ الإسلام) : 3/ 48، 119، 120، 203، 355، 356، 600، (مسند أحمد) : 6/ 452، (الإصابة) : 7/ 489- 491، ترجمة رقم (10803) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 280- 285، (المعارف) : 171، 173، 210، 282، 555، (تهذيب التهذيب) : 12/ 427- 428، ترجمة رقم (2725) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 374، ترجمة رقم (5) ، (سير الأعلام) : 2/ 282- 287، (شذرات الذهب) : 1/ 15، 48. [ (1) ] هي أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه، من فواضل نساء عصرها، خطبها عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، وذلك أن رجلا من قريش قال لعمر بن الخطاب: ألا تتزوج أم كلثوم بنت أبى بكر، فتحفظه بعد وفاته، وتخلفه في أهله، فقال عمر رضى اللَّه عنه: بلى، إني لأحب ذاك، فاذهب إلى عائشة، فاذكر لها ذلك، وعد إليّ بجوابها. فمضى الرسول إلى عائشة، فأخبرها بما قال عمر. فأجابته إلى ذلك، وقالت له: حبّا وكرامة. ودخل عليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة، فرآها مهمومة، فقال لها: مالك يا أم المؤمنين؟ فأخبرته برسالة عمر، وقالت: إن هذه جارية حدثة، وأردت لها عيشا ألين من عمر، فقال لها: عليّ أن أكفيك. وخرج من عندها، فدخل على عمر رضى اللَّه عنه فقال: بالرفاء والبنين، وقد بلغني ما أتيته من صلة أبى بكر في أهله، وخطبتك أم كلثوم. قال عمر رضى اللَّه عنه: قد كان ذاك. قال: إلا إنك يا أمير المؤمنين رجل شديد الخلق على أهلك، وهذه صبية حديثة السنّ، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها، فتصيح، فيغمّك ذلك، وتتألم له عائشة، ويذكرون أبا بكر، فيبكون عليه، فتجدد لهم المصيبة، مع قرب عهدها في كل يوم. فقال له: متى كنت عند عائشة واصدقنى؟ فقال: آنفا، فقال عمر: أشهد أنهم كرهوني، قد ضمنت لهم أن تصرفني عما طلبت، وقد أعفيتهم. فعاد إلى عائشة، فأخبرها الخبر، وأمسك عمر عن معاودة خطبتها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 خارجة [ (1) ] بن زيد بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة ابن كعب بن الخزرج، وتزوج بها طلحة بن عبيد اللَّه رضى اللَّه عنه، فولدت له زكريا وعائشة، ثم خلف عليها بعده عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن أبى ربيعة، فولدت له عثمان وإبراهيم وموسى، وجدّ أم كلثوم لأبيها هو خارجة بن زيد، أحد الصحابة، استشهد يوم أحد. وخالها زيد بن خارجة الّذي تكلم بعد موته [ (2) ] ، وأم كلثوم هذه هي   [ () ] وروت عن أختها عائشة أم المؤمنين، وروى عنها ابنها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى ربيعة، وجابر بن عبد اللَّه الأنصاري، وطلحة بن يحيى بن طلحة، والمغيرة بن حكيم الصنعاني، وجبير ابن حبيب، ولوط بن يحيى، وعبد اللَّه بن عبيد بن عمير، وروى لها مسلم والترمذي، لها ترجمة في: (أعلام النساء) : 4/ 250- 251، (الإصابة) : 8/ 296، ترجمة رقم (12235) ، (العقد الفريد) : 7/ 96- 97 ، (تهذيب التهذيب) : 12/ 503، ترجمة رقم (2977) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 204، ترجمة رقم (57) ، (تاريخ الإسلام) : 3/ 120، 526، (المعارف) : 175. [ (1) ] هي حبيبة بنت خارجة بن زيد- أو بنت زيد بن خارجة- الخزرجية، زوج أبى بكر الصديق، ووالدة أم كلثوم ابنته، التي مات أبو بكر وهي حامل بها، فقال: ذو بطن بن خارجة: ما أظنها إلا أنثى، فكان كذلك. وفي قصة الوفاة النبويّة، من رواية عروة، عن عائشة: استأذن أبو بكر لما رأى من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن يأتى بيت خارجة، فأذن له. وقال ابن سعد: حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر، أمها هزيلة بنت عتبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم، أسلمت، وبايعت، قال: وخلف على حبيبة بعد أبى بكر إساف بن عتبة بن عمرو (الإصابة) : 7/ 575، ترجمة رقم (11023) ، (الاستيعاب) : 4/ 1807، ترجمة رقم (3287) . [ (2) ] هو زيد بن خارجة بن زيد بن أبى زهير بن مالك، من بنى الحارث بن الخزرج، روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو الّذي تكلم بعد الموت لا يختلفون في ذلك. وذلك أنه غشي عليه قبل موته، وأسرى بروحه، فسجّى عليه بثوبه، ثم راجعته نفسه، فتكلم بكلام حفظ عنه في أبى بكر، وعمر، وعثمان، رضى اللَّه تعالى عنهم، ثم مات في حينه. روى حديثه هذا: ثقات الشاميين عن النّعمان بن بشير، ورواه ثقات الكوفيين عن يزيد بن النعمان بن بشير، عن أبيه، ورواه يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب. وقد أخرجه الحافظ ابن حجر في (الإصابة) ، في ترجمة زيد بن خارجة، وأخرجه الحافظ البيهقي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 التي قال أبو بكر لعائشة رضى اللَّه عنها حين حضرته الوفاة: إنما هما أخواك وأختاك، قالت عائشة رضى اللَّه عنها: هذه أسماء قد عرفتها، فمن الأخرى؟ قال: ذو بطين بنت خارجة، قد ألقى في خلدي أنها جارية، فكان كما قال، ولدت بعد موته، رضى اللَّه عنها. وطفيل بن عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة [الخير] [ (1) ] بن عادية بن مرة بن الأوس بن النمر بن عثمان الأزدي [ (2) ] ، أخو عائشة رضى   [ () ] في (دلائل النبوة) ، باب ما جاء في شهادة الميت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالرسالة، والقائمين بعده بالخلافة، والرواية في ذلك صحيحة ثابتة، وفي ذلك دلالة ظاهرة من دلالات النبوة، قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو صالح بن أبى طاهر العنبري، أنبأنا جدي يحيى بن منصور القاضي، حدثنا أبو على محمد بن عمر وكشمرد، أنبأنا القعنبي، حدثنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن زيد بن خارجة الأنصاري، ثم من بنى الحارث بن الخزرج، توفى زمن عثمان بن عفان، فسجّى في ثوبه، ثم أنهم سمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم، ثم قال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الصديق، الضعيف في نفسه، القوى في أمر اللَّه في الكتاب الأول، صدق صدق عمر ابن الخطاب، القوى الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان بن عفان، علي منهاجهم مضت أربع، وبقيت اثنتان، أتت الفتن، وأكل الشديد الضعيف، وقامت الساعة، وسيأتيكم من جيشكم خبر بئر أريس، وما بئر أريس؟ (دلائل البيهقي) : 6/ 55، (الاستيعاب) : 2/ 547، ترجمة رقم (844) ، (الإصابة) : 2/ 603، ترجمة رقم (2896) ، 3/ 53، ترجمة رقم (3145) ، (البداية والنهاية) : 6/ 173- 174، (الثقات) : 3/ 140، (الوافي) : 15/ 42، (تهذيب التهذيب) : 3/ 353، ترجمة رقم (747) ، 441، (أسماء الصحابة الرواة) ترجمة رقم (767) ، (تلقيح الفهوم) : 380. [ (1) ] زيادة للنسب من (الاستيعاب) و (الإصابة) . [ (2) ] الطفيل بن سخبرة، هو الطفيل بن عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة القرشيّ. قال ابن أبى خيثمة: لا أدرى من أي قريش هو؟ قال: وهو أخو عائشة لأمّها. قال أبو عمر رحمه اللَّه: ليس من قريش، وإنما هو من الأزد. قال الواقدي: كانت أم رومان تحت عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة بن عادية بن مرة بن الأوس بن النمر بن عثمان الأزدي، وكان قدم بها مكة فحالف أبا بكر قبل الإسلام، وتوفى عن أم رومان، وقد ولدت له الطفيل، ثم خلف عليها أبو بكر، فولدت له عبد الرحمن وعائشة، فهما أخوا الطفيل هذا لأمه. قال أبو عمر رضى اللَّه عنه: روى عن الطفيل هذا ربعي بن حراش، من حديثه عنه ما رواه سفيان، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 اللَّه عنها لأمها أم رومان، معدود من الصحابة، يروى عنه ربعي بن خراش.   [ () ] وشعبة، وزائدة، وجماعة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش، عن الطفيل- وكان أخا عائشة لأمها- أن رجلا رأى في المنام- وفي حديث زائدة عن الطفيل أنه رأى في المنام- أن قائلا يقول له من اليهود: نعم القوم أنتم، لولا قولكم: ما شاء اللَّه وشاء محمد، ثم رأى ليلة أخرى رجلا من النصارى، فقال له مثل ذلك. فأخبر بذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقام خطيبا، فقال: لا تقولوا ما شاء اللَّه وشاء محمد، وقولوا ما شاء اللَّه وحده، وزاد بعضهم فيه: ثم ما شاء محمد. له ترجمة في (الإصابة) : 3/ 520- 521، ترجمة رقم 5/ 13- 14، ترجمة رقم (25) ، (26) ، (تعجيل المنفعة) : 197- 199، ترجمة رقم (488) ، (تلقيح الفهوم) : 381، (الثقات) : 3/ 203، (أسماء الصحابة الرواة) : 472، ترجمة رقم (833) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 [أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل حفصة] زيد بن الخطاب بن نفيل القرشيّ العدوىّ، أبو عبد الرحمن، عم حفصة أخو أبيها عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه لأبيه من أسماء بنت وهب بن حبيب بن الحارث بن عبس بن قعين، من بنى أسد بن خزيمة، أحد المهاجرين الأولين، أسلم قبل أخيه عمر، وشهد بدرا وما بعدها [ (1) ] ، واستشهد باليمامة [ (2) ] سنة اثنتي عشرة، فاشتد حزن عمر رضى اللَّه عنه عليه. وصفية بنت الخطاب عمة حفصة، أخت أبيها لأبيه وأمه [ (3) ] ، تزوجت بسفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، قال ابن عبد البر: [مذكور في المؤلفة قلوبهم] [ (4) ] [وفي صحبته] [ (5) ] نظر [ (6) ] . وفاطمة بنت الخطاب عمة حفصة، أخت أبيها شقيقته، كانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأسلمت قبل زوجها، أو قيل معه، قبل   [ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. [ (2) ] قتله أبو مريم الحنفي، وكان من أصحاب مسيلمة، ثم تاب وأسلم وحسن إسلامه، وولى قضاء البصرة بعد عمران بن الحصين، في زمن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، (طبقات ابن سعد) : 7/ 91، (الاستيعاب) : 2/ 550- 553، ترجمة رقم (846) . [ (3) ] ذكرها الدار الدّارقطنيّ في كتاب (الإخوة) ، وقال: تزوجها سفيان بن عبد الأسد، فولدت له الأسود. قال الحافظ في (الإصابة) : وقد تقدم في قدامة بن مظعون أنه تزوجها، واستدركها أبو على الغساني، وقال: ذكرها أبو عمر في قدامة، ولم يفردها. (الإصابة) : 7/ 742، ترجمة رقم (11402) . [ (4) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) . [ (5) ] زيادة يقتضيها السياق. [ (6) ] الاستيعاب) : 2/ 36.، ترجمة رقم (1002) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 إسلام أخيها عمر رضى اللَّه عنه، ولها في إسلامه قصة حسنة [ (1) ] .   [ (1) ] لما كانت فاطمة بنت الخطاب بن نفيل القرشية من فواضل نساء عصرها، كانت ذا إيمان قوى باللَّه وبالإسلام، وأسلمت قديماً، فكانت من المبايعات الأول، وكانت تخفى إسلامها من أخيها عمر، وكان خبّاب بن الأرت يختلف إلى فاطمة يقرئها القرآن. فخرج عمر بن الخطاب ذات يوم متقلدا بسيفه، يريد أن يقتل محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم، فلقيه رجل من بنى زهرة فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدا، قال: وكيف نأمن من بنى هاشم وبنى زهرة وقد قتلت محمدا؟ قال: ما أراك إلا قد صبوت. قال أفلا أدلك على العجب؟ إن ختنك سعيد ابن زيد، وأختك فاطمة قد صبوا، وتركا دينك. فمشى عمر فأتاهما، وعندهما خبّاب بن الأرتّ فلما سمع خباب بحسّ عمر توارى في البيت، فدخل عمر، فقال: ما هذه الهينمة التي سمعت؟ وكانت فاطمة قد أخذت صحيفة من القرآن فجعلتها تحت فخذها، فقالا له: ما سمعت شيئا، قال: بلى، واللَّه لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا في دينه، وبطش بختنه سعيد. فقامت إليه فاطمة لتكفه عن زوجها، فضربها فشجّها، فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه: نعم، قد أسلمنا وآمنا باللَّه ورسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، فارعوى وقال لأخته: أعطينى هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفا، انظر ما هذا الّذي جاء به محمد، فقالت له أخته: أنا نخشاك عليها. قال: لا تخافي، وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها. فلما قال ذلك طمعت في إسلامه، فقالت له: يا أخى، إنك نجس على شركك، وإنه لا يمسها إلا الطاهر، فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة وفيها: طه، فقرأها، فلما قرأ منها صدرا قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه!. فلما سمع خباب ذلك. خرج إليه فقال له: يا عمر، واللَّه إني لأرجو أن يكون اللَّه قد خصلت بدعوة نبيه، فإنّي سمعته أمس وهو يقول: اللَّهمّ أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب، فاللَّه اللَّه يا عمر. فقال له عمر عند ذلك: فدلّني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم، فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا، معه فيه نفر من أصحابه. فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فنظر من خلل الباب، فرآه متوشحا السيف، فرجع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو فزع فقال: يا رسول اللَّه، هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف. فقال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ائذن له، فأذن له الرجل، ونهض إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حتى لقيه بالحجرة، فأخذ بحجزته أو بمجمع ردائه، ثم جبذه جبذة شديدة وقال: ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فو اللَّه ما أرى أن تنتهي حتى ينزل اللَّه بك قارعة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 وعبد اللَّه بن عمر، أبو عبد الرحمن، أخو حفصة وعبد الرحمن الأكبر شقيقهما، أسلم صغيرا قبل أن يبلغ الحلم، وهاجر به أخوه، وأول مشاهده الخندق، وقيل: أحد. توفى بمكة سنة ثلاث وسبعين، وهو من سادات الصحابة، كثير الورع والاحتياط والاتباع للسنة والجماعة، رضى اللَّه عنه [ (1) ] . وعبد الرحمن الأكبر بن عمر [ (2) ] ، أبو عبد اللَّه، ولد على عهد رسول اللَّه   [ () ] فقال عمر: يا رسول اللَّه، جئتك لأؤمن باللَّه وبرسوله، وما جاء من عند اللَّه، فكبّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن عمر قد أسلم، فتفرق أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكانهم، وقد عزّوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وينتصفون بهما من عدوهم، (أعلام النساء) : 4/ 50- 52، (سيرة ابن هشام) : 2/ 92، 187- 188، (طبقات ابن سعد) : 8/ 95، (الإصابة) : 8/ 62- 63، ترجمة رقم (11590) ، (الاستيعاب) : 4/ 1892، ترجمة رقم (4056) ، (المستدرك) : 4/ 65- 66. [ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. [ (2) ] عبد الرحمن الأكبر بن عمر بن الخطاب، شقيق عبد اللَّه، وحفصة، ذكره ابن السكن في الصحابة، وأورد له من طريق حبيب بن الشهيد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: أرسلنى عمر إلى ابنه عبد الرحمن أدعوه، فلما جاء قال له عمر: يا أبا عيسى، قال: يا أمير المؤمنين اكتنى بها المغيرة على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. سنده صحيح. وقال أبو عمر: كان لعمر ثلاثة، كلهم عبد الرحمن، هذا أكبرهم، لا تحفظ له رواية، كذا قال. والثاني يكنى أبا شحمة، وهو الّذي ضربه أبوه الحدّ في المجبّر لما شرب بمصر، والثالث والد المجبّر، بالجيم والموحدة المثقلة. وقال ابن مندة: كناه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أبا عيسى، فأراد عمر أن يغيرها، فقال: واللَّه إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كنّانى بها. وتعقبه أبو نعيم بأن الّذي قال لعمر ذلك إنما هو المغيرة بن شعبة، وأما عبد الرحمن فقال لأبيه: قد اكتنى بها المغيرة، فقال المغيرة: كنانى بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال الحافظ في (الإصابة) : أخرج القصة ابن أبى عاصم، كما أخرجها ابن السكن، وأن عبد الرحمن قال لأبيه: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كنى بها المغيرة. ويؤخذ كون عبد الرحمن كان مميزا في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من تقدم وفاة والدته زينب، ومن كون أخيه الأوسط أبى شحمة ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. (الإصابة) : 4/ 339- 340، ترجمة رقم (5175) ، (الاستيعاب) : 2/ 842- 843، ترجمة رقم (1443) ، (صفة الصفوة) : 1/ 142. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 صلّى اللَّه عليه وسلم، [أخو عبد اللَّه بن عمر، وحفصة بنت عمر لأبيهما وأمهما زينب بنت مظعون] [ (1) ] . وزيد بن عمر [ (2) ] ، أمه وأم أخته رقية، أم كلثوم بنت على بن أبى طالب، رضى اللَّه عنه. وزيد الأصغر بن عمر [ (3) ] ، أمه وأم عبيد اللَّه، أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب من خزاعة، وأخوهما لأبيهما عبد اللَّه الأكبر بن أبى جهم ابن حذيف. وعبيد اللَّه بن عمر [ (4) ] ، ولد على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان من أنجاد   [ (1) ] زيادة للنسب من (الاستيعاب) . [ (2) ] قال ابن قتيبة: وأما زيد بن عمر بن الخطاب، فرمى بحجر في حرب كانت بين بنى عويج، وبين بنى رزاح، فمات، ولا عقب له، ويقال: إنه مات هو وأمه: أم كلثوم في ساعة واحدة، فلم يورث أحدهما صاحبه، وصلى عليهما عبد اللَّه بن عمر، فقدّم زيدا وأخر أم كلثوم، فجرت السنة بتقديم الرجال. (المعارف) : 188. [ (3) ] هو زيد بن عمر بن الخطاب القرشيّ العدوىّ، شقيق عبد اللَّه بن عمر المصغّر، أمهما أم كلثوم بنت جرول، كانت تحت عمر، ففرّق بينهما الإسلام، لما نزلت: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الممتحنة: 10] ، فتزوجها أبو الجهم بن حذيفة، وكان زوجها قبله عمر. ذكر ذلك الزبير وغيره، فهو يدل على أن زيدا ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، (الإصابة) : 2/ 628، ترجمة رقم (2961 ز) . قال محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الغرناطي: واللاتي ارتددن من نساء المهاجرين ولحقن بالكفار: أم الحكم بنت أبى سفيان، زوج عياض بن شداد الفهري، وأخت أم سلمة فاطمة بنت أبى أمية، زوج عمر بن الخطاب رضى اللَّه تعالى عنه، وعبدة بنت عبد العزى، زوج هشام بن العاصي، وأم كلثوم بنت جرول، زوج عمر أيضا. وذكر أبو القاسم جار اللَّه محمود بن عمر الزمخشريّ الخوارزمي أنهن ستّ، فذكر: أم الحكم، وفاطمة بنت أبى أمية زوج عمر بن الخطاب، وعبدة، وذكر أن زوجها عمرو بن ودّ، وكلثوم، وبروع بنت عقبة، كانت تحت شماس بن عفان، وهند بنت أبى جهل كانت تحت هشام بن العاصي، أعطى أزواجهن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مهورهن من الغنيمة. (البحر المحيط) : 10/ 159، (الكشاف) : 4/ 90. [ (4) ] هو عبيد اللَّه بن عمر بن الخطاب القرشيّ العدوىّ، أمه أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، وهو أخو حارثة بن وهب، الصحابي المشهور لأمه، ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه غزا في خلافة أبيه، قال مالك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214   [ () ] في (الموطأ) : عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: خرج عبد اللَّه وعبيد اللَّه ابنا عمر في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرّا على أبى موسى الأشعريّ- وهو أمير البصرة- فرحّب بهما وسهّل، وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال اللَّه، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، وأسلفكما، فتبتاعان به من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الربح، ففعلا، وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما على عمر قال: أكلّ الجيش أسلفكما؟ فقالا: لا، فقال عمر: أدّيا المال وربحه. فأما عبد اللَّه فسكت، وأما عبيد اللَّه فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين، لو هلك المال أو نقص لضمناه، فقال: أدّيا المال، فسكت عبد اللَّه، وراجعه عبيد اللَّه، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضا [أي مضاربة] ، فقال عمر: قد جعلته قراضا، فأخذ رأس المال، ونصف ربحه، وأخذا نصف ربحه. سنده صحيح. وهذا يدل على أنه كان في زمن أبيه رجلا، فيكون ولد في العهد النبوي، وقد ثبت أن عمر فارق أمّه لما نزلت: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ، وكان نزولها في الحديبيّة في أواخر سنة سبع. وفي البخاري قصة في باب نقيع التمر ما لم يسكر، من كتاب الأشربة: وقال عمر: إني وجدت من عبيد اللَّه ريح شراب، فإنّي سائل عنه، فإن كان يسكر جلدته، وهذا وصله مالك عن الزهري، عن السائب بن يزيد، أن عمر خرج عليهم، فقال ... فذكره، لكن لم يقل عبيد اللَّه، وقال فلان. وأخرجه سعيد بن منصور، عن ابن عينية، عن الزهري، فسماه، وزاد: قال ابن عينية: فأخبرني معمر عن الزهري، عن السائب، قال: فرأيت عمر يجلدهم. قال أبو عمر: كان عبيد اللَّه من شجعان قريش وفرسانهم، ولما قتل أبو لؤلؤة عمر، عمد عبيد اللَّه ابنه هذا إلى الهرمزان وجماعة من الفرس فقتلهم. وسبب ذلك: ما أخرجه ابن سعد من طريق يعلى بن حكيم، عن نافع، قال: رأى عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق السكين التي قتل بها عمر، فقال: رأيت هذه أمس مع الهرمزان، وجفينة، فقلت: ما تصنعان بهذه السكين؟ فقالا: نقطع بها اللحم، فإنا لا نمسّ اللحم، فقال له عبيد اللَّه بن عمر: أنت رأيتها معهما؟ قال: نعم، فأخذ سيفه ثم أتاهما فقتلهما واحدا بعد واحد، فأرسل إليه عثمان، فقال: ما حملك على قتل هذين الرجلين؟ فذكر القصة. قتل بصفين مع معاوية بلا خلاف، واختلف في قاتله، وكان قتله في ربيع الأول سنة ست وثلاثين. (الإصابة) : 5/ 52- 55، ترجمة رقم (6244) ، (الاستيعاب) : 3/ 1010- 1012، ترجمة رقم (1718) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 309، 313، 350، 355، 356، 357، 5/ 188، 6/ 402395، (صفة الصفوة) : 1/ 142، (المعارف) : 187. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 قريش وفتيانهم، قتل بصفين مع معاوية، وله أخبار، وهو الّذي قتل الهرمزان وجفينة [ (1) ] لما مات عمر رضى اللَّه عنه. وعاصم بن عمر أبو عمر [ (2) ] ، أمه جميلة بنت ثابت بن أبى الأقلح قيس   [ (1) ] أخرج الذهلي في (الزهريات) ، من طريق معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، أن عبد الرحمن ابن أبى بكر قال- حين قتل عمر- إني انتهيت إلى الهرمزان وجفينة وأبى لؤلؤة، فنفروا منى، فسقط من بينهم خنجر له رأسان، نصابه في وسطه، فانظروا بماذا قتل، فنظروا، فإذا الخنجر على النعت الّذي نعت عبد الرحمن. فخرج عبيد ليلا مشتملا على السيف، حتى أتى الهرمزان، فقال: أصحبنى ننظر إلى فرس- وكان الهرمزان بصيرا بالخيل- فخرج يمشى بين يديه، فعلاه عبيد اللَّه، بالسيف، فلما وجد حرّ السيف قال: لا إله إلا اللَّه، ثم أتى جفينة- وكان نصرانيا- فقتله، ثم أتى بنت أبى لؤلؤة- جارية صغيرة- فقتلها، وقال: لا أدع أعجميا إلا قتلته، فأراد عليّ قتله بمن قتل، فهرب إلى معاوية، وشهد معه صفين، فقتل. (المعارف) : 187، (الإصابة) : 5/ 54. [ (2) ] قال ابن البرقي: ولد في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولم يرو عنه شيئا، وقال أبو أحمد العسكري: ولد في السادسة. وقال أبو عمر: مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وله سنتان. وذكر الزبير بن بكار أن عمر زوّجه في حياته، وأنفق عليه شهرا، وقال حسبك! وذكر قصة. قال الزبير: كان من أحسن الناس خلقا، وكان عبد اللَّه بن عمر يقول: أنا وأخى عاصم لا نغتاب الناس. وقالوا: كان طوالا جسيما، حتى إن ذراعه تزيد نحو شبر، وكان يقول الشعر، وهو جدّ عمر بن عبد العزيز لأمه، وكان عمر طلق أمه فتزوجها يزيد بن جارية، فولدت له عبد الرحمن، فهو أخو عاصم لأمه. وركب عمر إلى قباء فوجده يلعب مع الصبيان، فحمله بين يديه، فركبت جدته لأمه، الشموس بنت أبى عامر إلى أبى بكر فنازعته، فقال له أبو بكر: خلّ بينها وبينه، ففعل. وذكره مالك في (الموطأ) ، وذكر البخاري في (التاريخ) من طريق عاصم بن عبيد اللَّه بن عاصم بن عمر، أنه كان له يومئذ. ثمان سنين. وعند أبى عمر: أنه كان حينئذ ابن أربع. وقال السري بن يحى، عن ابن سيرين، عن رجل حدّثه، قال: ما رأيت أحدا من الناس إلا ولا بدّ أن يتكلم ببعض ما لا يريد، إلا عاصم بن عمر. قال ابن حبان: مات بالربذة، وأرّخه الواقدي ومن تبعه سنة سبعين، وقال مطيّن: سنة ثلاث وسبعين. (الإصابة) : 5/ 3- 4، ترجمة رقم (6158) ، (طبقات ابن سعد) : 4/ 372، 5/ 50، 84، 8/ 86، (الاستيعاب) : 2/ 782، ترجمة رقم (1311) ، (المعارف) : 187، (صفة الصفوة) : 1/ 142. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 ابن عصمة بن مالك الأنصاري، ولد قبل وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسنتين، ومات سنة سبعين، وكان فاضلا خيّرا، شاعرا مجيدا، وله عدة أخبار. وعبد الرحمن الأوسط بن عمر أبو شحمة، أمه لهيّة أم ولد ضربه عمرو ابن العاص رضى اللَّه عنه في الخمر بمصر، وحمله إلى المدينة، فضربه أبوه ضرب تأديب، ثم مرض ومات بعد شهر، وقيل: مات تحت سياط عمر، وذلك غلط [ (1) ] . وعبد الرحمن الأصغر بن عمر، أبو المجبّر، أمه فكيهة أم ولد، مات عمر وهو صغير، فلقبته عمته حفصة: المجبر، وقالت: لعل اللَّه يجبره [ (2) ] . وعياض بن عمر، أمه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل [ (3) ] .   [ (1) ] (الاستيعاب) : 2/ 842، ترجمة رقم (1443) . [ (2) ] قال ابن عبد البر: إنما سمى المجبّر لأنه وقع وهو غلام فتكسّر، فأتى به إلى عمته حفصة أم المؤمنين، فقيل لها: انظري إلى ابن أخيك المكسّر، فقالت: ليس واللَّه بالمكسّر، ولكنه واللَّه المجبّر. هكذا ذكره العدوىّ وطائفة. وقال الزبير: هلك عبد الرحمن الأصغر، وترك ابنا صغيرا أو حملا، فسمته حفصة بنت عمر: عبد الرحمن، ولقبته المجبّر، لعلّ اللَّه يجبره. (الاستيعاب) : 2/ 843، ترجمة رقم (1443) . [ (3) ] هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدوية، أخت سعيد بن زيد، أحد العشرة، وأمها أم كريز بنت عبد اللَّه بن عمار بن مالك الحضرمية. أخرج أبو نعيم من حديث عائشة، أن عاتكة كانت زوج عبد اللَّه بن أبى بكر الصديق، وقال أبو عمر: كانت من المهاجرات، تزوجها عبد اللَّه بن أبى بكر الصديق، وكانت حسناء جميلة، فأولع بها، وشغلته، عن مغازية، فأمره أبوه بطلاقها، فقال: يقولون طلقها وخيّم مكانها ... مقيما تمنّى النّفس أحلام نائم وإن فراقي أهل بيت جمعتهم ... على كثرة منى لإحدى العظائم ثم عزم عليه أبوه حتى طلقها، فتبعتها نفسه، فسمعه أبوه يوما يقول: ولم أر مثلي طلّق اليوم مثلها ... ولا مثلها من غير جرم تطلّق فرقّ له أبوه، وأذن له فارتجعها. ثم لما كان حصار الطائف أصابه سهم، فكان فيه هلاكه، فمات بالمدينة، فرثته بأبيات منها: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 وعبد اللَّه الأصغر بن عمر [ (1) ] ، أمه سعيدة بنت رافع بن عبيد بن عمرو   [ () ] فآليت لا تنفكّ عيني حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغيرا ثم تزوجها زيد بن الخطاب، فاستشهد باليمامة، ثم تزوجها عمر بن الخطاب في سنة اثنتي عشرة من الهجرة، فأولم عليها، ودعا أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وفيهم عليّ بن أبى طالب، فقال له: يا أمير المؤمنين، دعني أكلم عاتكة، قال: نعم، فأخذ عليّ بجانب الخدر ثم قال: يا عدية نفسها، أين قولك: فآليت لا تنفكّ عيني حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا فبكت، فقال عمر: ما دعاك إلى هذا يا أبا الحسن؟ كل النساء يفعلن هذا، ثم قتل عنها عمر، فقالت تبكيه: عين جودي بعبرة ونحيب ... لا تملّى على الإمام النجيب فجعتني المنون بالفارسي المعلم ... يوم الهياج والتثويب قل لأهل الضراء والبؤس موتوا ... قد سقته المنون كأس شعوب ومما رثت به عمر رضى اللَّه عنه قولها: منع الرقاد فعاد عيني عائد ... مما تضمّن قلبي المعمود قد كان يسهرني حذارك مرة ... فاليوم حقّ لعيني التسهيد أبكى أمير المؤمنين ودونه ... للزائرين صفائح وصعيد ثم تزوجها الزبير بن العوام، ثم خطبها عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه انقضاء عدتها من الزبير، فأرسلت إليه: إني لأضنّ بك يا ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن القتل، ثم تزوجها الحسين بن عليّ، فتوفى عنها، وهو آخر من ذكر من أزواجها. فكانت أول من رفع خدّه من التراب ولعن قاتله والراضي به يوم قتل، وقالت ترثيه: وحسينا فلا نسيت حسينا ... أقصدته أسنة الأعداء غادروه بكر بلاء صريعا ... جادت المزن في ذرى كربلاء ثم تأيمت بعده، فكان عبد اللَّه بن عمر يقول: من أراد الشهادة فليتزوج بعاتكة، ويقال: إن مروان خطبها بعد الحسين، فامتنعت عليه وقالت: ما كنت لأتخذ حما بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وتوفيت نحو سنة (40) هـ، (الاستيعاب) : 4/ 1876- 1880، ترجمة رقم (4024) ، (الإصابة) : 8/ 11، ترجمة رقم (11448) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 193. (أعلام النساء) : 3/ 201- 206، (عيون الأخبار) : 4/ 114- 115، (المستطرف في كل فن مستظرف) : 517، (صفة الصفوة) : 1/ 142. [ (1) ] لم أجد له ولا لأمه ترجمة فيما بين يدىّ من مراجع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 ابن عبيد بن أمية بن زيد، من بنى عمرو بن عوف. ورقية بنت عمر أخت حفصة رضى اللَّه عنها، أمها أم كلثوم بنت على رضى اللَّه عنها، تزوجها إبراهيم بن نعيم النحام] [ (1) ] بن عبد اللَّه بن أسيد ابن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، فولدت له جارية وماتت. وزينب بنت عمر [ (2) ] ، شقيقة المجبر. وفاطمة بنت عمر [ (3) ] ، أمها أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، تزوجها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فولدت له عبد الرحمن بن زيد.   [ (1) ] زيادة للنسب من (طبقات ابن سعد) . وكان إبراهيم بن نعيم أحد الرءوس يوم الحرة، وقتل يومئذ في ذي الحجة سنة ثلاث وستين، فمرّ عليه مروان بن الحكم، وهو مع مسرف بن عقبة ويده على فرجه فقال: واللَّه لئن حفظته في الممات لكما حفظته في الحياة، فقال له مسرف: واللَّه ما أرى هؤلاء إلا أهل الجنة، لا يسمع هذا منك أهل الشام فيكركرهم عن الطاعة، فقال لهم مروان: إنهم بدّلوا وغيّروا. (طبقات ابن سعد) : 5/ 170- 171. [ (2) ] زينب بنت عمر بن الخطاب القرشية، قال الزبير بن بكار في كتاب (النسب) : أمها فكيهة، أم ولد، وهي أخت عبد الرحمن بن عمر الأصغر، والد المختار. (صفة الصفوة) : 1/ 142، (الإصابة) : 684، ترجمة رقم (11262) . [ (3) ] قال ابن الجوزي: وفاطمة: أمها أم حكيم بنت الحارث. (صفة الصفوة) : 1/ 142، وقال ابن قتيبة: وفاطمة وزيدا: أمها أم كلثوم بنت على بن أبى طالب، من فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. (المعارف 185) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 [أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة] هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، أبو عثمان القرشي المخزومي، عم أم سلمة، كان في الجاهلية سيدا مطاعا، يقال له: فارس البطحاء، وكان يوم الفجار على بنى مخزوم، وأرخت قريش بموته، وأمه وأم إخوته هاشم وأبى حذيفة مهشم وأبى ربيعة عمرو، وأبى أمية حذيفة وحواش وأبى زهير تميم والفاكة وعبد اللَّه: ريطة بنت سعيد بن سعد بن سهم، وله من الولد عثمان أبو جميل، والحارث والعاصي، وخالد وسعيد وسلمة. وهشام بن المغيرة، وبه كان يكنى عثمان أبو المغيرة، وهو ابن حنتمة أم عمر بن الخطاب، ولا عقب له. وأبو حذيفة بن المغيرة، واسمه مهشم، وله من الولد: أبو أمية وهشام [ (1) ] .   [ (1) ] قال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسيّ: وولد المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وفيه بيت بنى مخزوم، وعددهم: هشام، والوليد، وأبو حذيفة- واسمه مهشّم- وأبو أميه- واسمه حذيفة- وهاشم، والفاكه، ونوفل، وأبو ربيعة- واسمه عمر- وعبد اللَّه، وأبو زهير- واسمه تميم- وعبد شمس، وحفص. فأما هاشم فإنه ولد حنتمة أم عمر بن الخطاب، ولا عقب لهاشم، ولا للفاكه، ولا لعبد اللَّه. وكان للفاكه ابن اسمه أبو قيس، قتل يوم بدر كافرا. وكان لعبد اللَّه بن المغيرة ابنان: عثمان، أسر يوم بدر كافرا، ونوفل، قتل يوم الخندق كافرا. (جمهرة أنساب العرب) : 144- 145. لكن قال ابن هشام: وأما عثمان بن عبد اللَّه، فلحق بمكة، فمات بها كافرا. (سيرة ابن هشام) : 3/ 150. وقال ابن قتيبة: وكان هشام بن المغيرة سيدا في قومه، وفيه يقول الشاعر: وأصبح بطن مكة مقشعرّا ... كأن الأرض ليس بها هشام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 وأبو أمية، وهو زاد الركب [ (1) ] ، وكان يعرف بأبي عبد مناف واسمه حذيفة بن المغيرة، وإنما قيل له: زاد الركب [ (1) ] ، لأنه كان إذا سافر لم يتزود معه أحد، وهو زوج عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بين أربع عواتك [ (2) ] . [الأولى] : عاتكة بنت عبد المطلب [ (3) ] ، وهي أم زهير وعبد اللَّه   [ (1) ] في (جمهرة النسب) للكلبي: ومن بنى المطلب بن أسد بن عبد العزى: الأسود كان من المستهزءين، وابنه زمعة بن الأسود، قتل يوم بدر كافرا، وكان يدعى: «زاد الركب» . (جمهرة النسب) : 72. [ (2) ] سميت المرأة عاتكة لصفائها وحمرتها، وفي الحديث: قال صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حنين: أنا ابن العواتك من سليم، العواتك جمع عاتكة، وأصل العاتكة: المتضمّخة بالطيب. ونخلة عاتكة: لا تأبر، أي لا تقبل الإبار، وهي الصدود تحمل الشيص. والعواتك من سليم: ثلاث يعنى جداته صلّى اللَّه عليه وسلم، وهنّ عاتكة بنت هلال بن فالج بن ذكوان أم عبد مناف بن قصي جدّ هاشم. وعاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان أم هشام بن عبد مناف. وعاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان، أم وهب بن عبد مناف بن زهرة، جدّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أبى أمه آمنة بنت وهب. فالأولى من العواتك عمة الثانية، والثانية عمة الثالثة، وبنو سليم تفخر بهذه الولادة. والعواتك اللاتي ولدنه صلّى اللَّه عليه وسلم: اثنتا عشرة: اثنتان من قريش، وثلاث من سليم هن اللواتي أسميناهن، واثنتان من عدوان، وكنانية، وأسدية، وهذلية، وقضاعية، وأزدية. (لسان العرب) : / 464، (النهاية) : 3/ 179- 180. [ (3) ] هي عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم، كانت عند أبى أمية بن المغيرة المخزومي فولدت له عبد اللَّه، وزهيرا، وقريبة. قال ابن عبد البر: اختلف في إسلامها، والأكثرون يأبون ذلك. قال الحافظ الذهبي: أسلمت، وهاجرت، وهي صاحبة تلك الرؤيا في مهلك أهل بدر، وتلك الرؤيا ثبطت أخاها أبا لهب عن شهود بدر. واستدلّ على إسلامها بشعر لها تمدح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وتصفه بالنّبوّة، وقال الدار قطنى في كتاب (الإخوة) : لها شعر تذكر فيه تصديقها. وقال ابن مندة بعد ذكرها في الصحابة: روت عنها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 [وقريبة] [ (1) ] . [الثانية] : عاتكة بنت جذل الطعان، وهي أم أم سلمة والمهاجر. [الثالثة] : عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، وهي أم قوسة الكبرى وقوسة الصغرى، هذا قول محمد بن سلام، وقال الزبير بن بكّار: قد غلط ابن سلام، قوسة الصغرى جدتها، وأمها عاتكة بنت عبد المطلب. [الرابعة] : عاتكة بنت قيس بن سويد بن ربيعة بن أبير بن نهشل بن   [ () ] أم كلثوم بنت عقبة. وقال ابن سعد: أسلمت عاتكة بنت عبد المطلب وهاجرت إلى المدينة. قال الحافظ الذهبي: ولم نسمع لها بذكر في غير الرؤيا. وقال ابن هشام في (السيرة) ، في غزوة بدر الكبرى: وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب- قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال- رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخى، واللَّه لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتنى، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شرّ ومصيبة، فأكتم عنى ما أحدثك به، فقال لها: وما رأيت؟ قالت: رأيت راكبا أقبل على بعير له، حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا، يا لغدر لمصارعكم في ثلاث، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، فبينما هم حوله مثل به [قام به] بعيره على ظهر الكعبة، صرخ بمثلها: ألا انفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث، ثم مثل به بعيره على رأس أبى قبيس [اسم جبل] ، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها. فأقبلت تهوى، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت [تفتتت] ، فما بقي بيت من بيوت مكة، ولا دار إلا دخلتها منه فلقة. قال العباس: واللَّه إن هذه لرؤيا، وأنت فاكتميها، ولا تذكريها لأحد، ثم خرج العباس، فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة- وكان صديقا له- فذكرها له، واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث بمكة، حتى تحدثت به قريش في أنديتها. (سيرة ابن هشام) : 3/ 53- 54، (طبقات ابن سعد) : 8/ 43- 45، (طبقات خليفة) : 331، (المعارف) : 118، 119، 128 (الاستيعاب) : 4/ 1780، ترجمة رقم (3225) ، (الإصابة) : 8/ 13- 14، ترجمة رقم (11451) ، (سير الأعلام) : 2/ 272، ترجمة رقم (43) ، (أعلام النساء) : 3/ 207- 208. [ (1) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 دارم، وهي أم أبى الحكم ومسعود ابني أبى أمية، وربيعة وهشام الأكبر، وقد تقدم في الأحماء. [الخامسة] : وصفية أمهم عاتكة بنت ربيعة بن عمرو بن عمير الثقفي، فهذه عاتكة خامسة [ (1) ] .   [ (1) ] كذا بالأصل، لكن قال أبو عمر في (الاستيعاب) : كان لعبد المطلب ستّ بنات، عمات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهنّ: [1] أم حكيم بنت عبد المطلب، يقال لها: البيضاء، ويقال: إنها توأمة عبد اللَّه بن عبد المطلب، وقد اختلف في ذلك، ولم يختلف في أنها شقيقة عبد اللَّه، وأبى طالب، والزبير بنى عبد المطلب. وكانت أم حكيم هذه عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، فولدت له عامرا وبنات له، وهي القائلة: إني لحصان فما أكلم، وصناع فما أعلم. [2] وعاتكة بنت عبد المطلب. كانت عند أبى أمية بن المغيرة المخزوميّ، فولدت له عبد اللَّه، وزهيرا، وقريبة. [3] وبرّة بنت عبد المطلب، كانت عند أبى رهم بن عبد العزى العامري، ثم خلف عليها بعده عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وقد قيل: إن عبد الأسد كان عليها قبل أبى رهم. [4] وأميمة بنت عبد المطلب، كانت عند جحش بن رئاب أخى بنى غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وهي أم عبد اللَّه، وعبيد اللَّه، وأبى أحمد، وزينب، وأم حبيبة، وحمنة بنت جحش بن رئاب. [5] وأروى بنت عبد المطلب، كانت تحت عمير بن وهب [بن أبى كبير] بن عبد بن قصىّ، فولدت له طليبا، ثم خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، فولدت له أروى. [6] صفية بنت عبد المطلب بن هاشم [بن عبد مناف] ، عمة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأمها هالة بنت وهيب ابن عبد مناف بن زهرة، وهي شقيقة حمزة، والمقوم، وحجل بنى عبد المطلب. كانت صفية في الجاهلية تحت الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس، ثم هلك عنها، وتزوجها العوام بن خويلد بن أسد، فولدت له الزبير، والسائب، وعبد الكعبة، وعاشت زمانا طويلا. وتوفيت في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين، ولها ثلاث وسبعون سنة، ودفنت بالبقيع بفناء دار المغيرة [ابن شعبة] وقد قيل: إن العوام كان عليها قبل، وليس بشيء. (الاستيعاب) : 4/ 1780، ترجمة أورى بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رقم (3225) ، 4/ 1873، ترجمة صفية عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رقم (4008) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 وأبو ربيعة، وهو ذو الرمحين، واسمه عمرو بن المغيرة، وله من الولد: عبد اللَّه وعياش ابني أبى ربيعة، وقيل لحي أبى ربيعة: أن اسمه حذيفة، وقيل اسمه كبيشة، والأول أصح. وخراش بن المغيرة، وأبو زهير تميم، والفاكه بن المغيرة له من الولد أبو قيس، وعبد اللَّه بن المغيرة له من الولد عثمان، ونوفل، والوليد بن المغيرة أبو عبد شمس، أمه وأم أخيه عبد شمس صخرة بنت الحارث بن عبد اللَّه بن عبد شمس من قيس، وله من الولد: خالد بن الوليد سيف اللَّه [ (1) ] ،   [ (1) ] هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن كعب، سيف اللَّه تعالى، وفارس الإسلام، وليث المشاهد، السيد الإمام، الأمير الكبير، قائد المجاهدين، أبو سليمان، القرشيّ المخزوميّ المكىّ، وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث. هاجر مسلما في صفر سنة ثمان، ثم سار غازيا، فشهد غزوة مؤتة، واستشهد أمراء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الثلاثة: مولاه زيد، وابن عمه جعفر ذو الجناحين، وابن رواحة، وبقي الجيش بلا أمير، فتأمّر عليهم في الحال خالد، وأخذ الراية، وحمل على العدو، فكان النصر، وسماه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سيف اللَّه، فقال: إن خالدا سيف سلّه اللَّه على المشركين. وشهد الفتح وحنينا، وتأمّر في أيام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، واحتبس أدرعه ولأمته في سبيل اللَّه، وحارب أهل الردة، ومسيلمة، وغزا العراق، واستظهر، ثم اخترق البرية السماوية، بحيث إنه قطع المفازة من حدّ العراق إلى أول الشام في خمس ليال في عسكر معه، وشهد حروب الشام، ولم يبق في جسده قيد شبر إلا وعليه طابع الشهداء، ومناقبه غزيرة، أمّره الصديق على سائر أمراء الأجناد، وحاصر دمشق، فافتتحها هو وأبو عبيدة. توفى بحمص سنة إحدى وعشرين- ومشهده على باب حمص عليه جلالة، له أحاديث قليلة، وقال هشام بن عروة عن أبيه، قال: لما استخلف عمر، كتب إلى أبى عبيدة: إني قد استعملتك وعزلت خالدا. وقال خليفة: ولّى عمر أبا عبيدة على الشام، فاستعمل يزيد على فلسطين، وشرحبيل بن حسنة على الأردن، وخالد بن الوليد على دمشق، وحبيب بن مسلمة على حمص. وقال دحيم: مات بالمدينة. قال الحافظ الذهبي: الصحيح موته بحمص، وله مشهد يزار، وله في (الصحيحين) حديثان، وفي (مسند بقي) واحد وسبعون. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 4/؟، (مسند أحمد) : 4/ 88، (طبقات خليفة) : 19- 20- 299، (تاريخ خليفة) : 86، 88، 292، 150، (التاريخ الصغير) : 1/ 23، 40، (المعارف) : 267، (الجرح والتعديل) : 3/ 356، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 وعمارة [ (1) ] .   [ () ] (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 72- 174، (تهذيب التهذيب) : 3/ 107، ترجمة رقم 228 (كنز العمال) : 13/ 366- 375، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 285، ترجمة رقم (1809) ، (الإصابة) : 2/ 251، ترجمة رقم (2203) ، (الاستيعاب) : 2/ 427، ترجمة رقم (603) ، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 366- 384، ترجمة رقم (78) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 127، ترجمة رقم (130) ، (تلقيح الفهوم) : 368، (صفة الصفوة) : 1/ 330، ترجمة رقم (81) ، (شذرات الذهب) : 1/ 232، (الثقات) : 3/ 101، (التاريخ الكبير) : 3/ 136، (لسان الميزان) : 2/ 389. [ (1) ] قال ابن إسحاق: ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوته، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له- فيما بلغني-: يا أبا طالب، هذا عمارة بن الوليد أنهد [أشدّ] فتى في قريش وأجمله فخذه، فلك عقله ونصره، واتخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا، الّذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك وسفّه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل، فقال: واللَّه لبئس ما تسوموننى! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا واللَّه ما لا يكون أبدا (سيرة ابن هشام) : 2/ 101- 102 ، قريش تعرض عمارة بن الوليد على أبى طالب، (البداية والنهاية) : 3/ 63. وروى الحافظ أبو نعيم عن ابن إسحاق عن أبى بردة عن أبيه قال: أمرنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبى طالب إلى أرض الحبشة، فبلغ ذلك قريشا، فبعثوا عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد، وجمعوا للنجاشي هدية، فقدما على النجاشىّ، فأتياه بالهدية فقبلها، ثم قال عمرو بن العاص: إن ناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا، وهم بأرضك، فبعث إلينا، فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد، أنا خطيبكم اليوم، فانتهيت إلى النجاشىّ وهو جالس في مجلسه، وعمرو بن العاص عن يمينه، وعمارة عن يساره، والقسيسون والرهبان سماطين [صفّين] ، قد قال لهم عمرو وعمارة: إنهم لا يسجدون، فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين والرهبان: اسجدوا للملك، فقال لهم جعفر: لا نسجد إلا للَّه عزّ وجلّ، قال له النجاشىّ: وما ذاك؟ قال: إن اللَّه عزّ وجلّ بعث فينا رسولا، الرسول الّذي بشر به عيسى عليه السلام، فأمرنا أن نعبد اللَّه، ولا نشرك به شيئا، ونؤتى الزكاة، وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر. فأعجب النجاشىّ ذلك، وذكر نحوا من القصة الأولى، وقال فيه النجاشىّ: وأنا أشهد أنه رسول اللَّه، وأنه الّذي بشر به عيسى، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبّل نعله. امكثوا ما شئتم، وأمر لنا بالطعام والكسوة، وقال: ردوا على هذين هديتهما، وكان عمرو بن العاص رجلا قصيرا، وكان عمارة رجلا جميلا، وكانا أقبلا في البحر إلى النجاشىّ، فشربوا [يعنى خمرا] ، ومع عمرو امرأته، فلما شربوا قال عمارة لعمرو: مر امرأتك فلتقبلنى، فقال له عمرو: ألا تستحي! فأخذ عمارة عمروا فرمى به في البحر، فجعل عمرو يناشده حتى أدخله السفينة، فحقد عليه عمرو ذلك، فقال عمرو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 وأبو قيس [ (1) ] ، وهشام [ (2) ] وعبد شمس [ (3) ] والوليد [ (4) ] . وعبد شمس [ (5) ] بن المغيرة له من الولد الوليد بن عبد شمس، وحفص بن المغيرة، أمه من بنى الأحمر بن الحارث بن مناة من كنانة، وكان شريفا، وله من الولد أبو عمرو [ (6) ] . ولحفص يقول الشاعر: نادى المضاف المستضيف وقل له: ... لنا دار حفص بن المغيرة فانزل   [ () ] النجاشىّ: إنك إذا خرجت خلفك عمارة في أهلك، فدعا النجاشىّ، عمارة فنفخ في إحليله [سحرا] فطار مع الوحش. قال أبو نعيم: وكل هذه الروايات عمن لا يدفع عن صدق وفهم، فهذا يدل على أن قريشا بعثت عمرو بن العاص دفعتين: مرة مع عمارة بن الوليد، ومرة مع عبد اللَّه بن أبى ربيعة. (دلائل أبى نعيم) : 1/ 252، حديث رقم (196) ، وعنه ابن كثير في (البدائه والنهاية) : 3/ 89- 94، (دلائل البيهقي) : 2/ 285، باب الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم الثانية، وما ظهر فيها من الآيات، وتصديق النجاشىّ ومن تبعه من القسيسين والرهبان رسول اللَّه، (جمهرة النسب) : 88. [ (1) ] أبو قيس بن الوليد بن المغيرة، قتل يوم بدر كافرا (المرجع السابق) . [ (2) ] هشام بن الوليد بن المغيرة، هو الّذي قتل أبا أزيهر الدوسيّ بذي المجاز. [ (3) ] وبه كان الوليد يكنى (المرجع السابق) . [ (4) ] الوليد بن الوليد، كان من خيار المسلمين (المرجع السابق) . [ (5) ] قال الكلبي: ومن ولد عبد شمس بن المغيرة: الأزرق، وهو عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة ولى اليمن لابن الزبير، [وقيل: ولى الجند ومخالفيها] ، وكان من أجود العرب، وكان أبو دهبل يمدحه بقوله: عقم النساء فما يلدن شبيهه ... إن النساء بمثله عقم متقدّم بنعم مخالف قول لا ... سيّان منه الوفر والعدم (المرجع السابق) . [ (6) ] قال الكلبي: ومن ولد حفص بن المغيرة: عبد اللَّه بن أبى عمرو بن حفص بن المغيرة، وهو أول خلق اللَّه خلع يزيد بن معاوية. (جمهرة النسب) : 89، (جمهرة أنساب العرب) : 149. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 فإن بلاد اللَّه إلا محلّة ... جدوب، وإن تنزل على الجدب تهزل وعثمان بن المغيرة، أمه بنت شيطان، واسمه عبد اللَّه بن عبد الحارث بن مالك بن عبد مناة بن كنانة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 [أولاد عمّ أمّ سلمة] وأما أولاد عم أم سلمة فهم: عثمان بن هشام بن المغيرة، وبه كان يكنى أبوه، وأمه بنت عثمان بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، ولا عقب له [ (1) ] . وخالد بن هشام بن المغيرة، أسره يوم بدر سواد بن غزيه [ (2) ] . والحارث بن هشام بن المغيرة، أبو عبد الرحمن، أمه وأم أخيه أبى جهل: أم الحلاس أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم [ (3) ] ، وإخوتهما لأمهما: عياش وعبد اللَّه وأم حجير بنو أبى ربيعة بن المغيرة، وشهد بدرا كافرا، وفرّ فعيّره حسان بن ثابت الأنصاري رضى اللَّه عنه   [ (1) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 140، ذكر من أسر من المشركين [في بدر] ، (سيرة ابن هشام) : 3/ 273، ذكر أسرى قريش يوم بدر، من بنى مخزوم بن يقظة بن مرة. [ (3) ] هي أسماء بنت سلمة- ويقال: سلامة بن مخربة ويقال: مخرمة- بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم الدارمية التميمية، كانت من المهاجرات، هاجرت مع زوجها عياش بن أبى ربيعة إلى أرض الحبشة، وولدت له بها عبد اللَّه بن عياش بن أبى ربيعة، ثم هاجرت إلى المدينة، وتكنى أم الجلاس. روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وروى عنها ابنها عبد اللَّه بن عياش بن أبى ربيعة. وأما أم عياش بن أبى ربيعة فهي أم أبى جهل والحارث ابني هشام بن المغيرة، وهي أيضا أم عبد اللَّه. ابن أبى ربيعة، أخى عياش بن أبى ربيعة، وأمها أسماء بنت مخرمة بن جندل، وهي عمة أسماء بنت سلمة، زوجة عياش بن أبى ربيعة، وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخرمة التميمية. قال الحافظ في (الإصابة) : وخلط ابن مندة ترجمتها بترجمة عمتها أسماء بنت مخربة. (الإصابة) : 7/ 484- 485، ترجمة رقم (10795) ، (الاستيعاب) : 4/ 1783، ترجمة رقم (3227) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 بفراره في شعر [ (1) ] ، فاعتذر عن ذلك بشعر قاله [ (2) ] ، ثم غزا أحدا مع المشركين أيضا، وأسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم، وكان من المؤلفة، مات بالشام في طاعون عمواس، وقيل: قتل يوم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة وله عقب [ (3) ] .   [ (1) ] قال حسّان: إن كنت كاذبة الّذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرّة ولجام [ (2) ] قال الحارث بن هشام: اللَّه يعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا فرسي بأشقر مزيد ووجدت ريح الموت من تلقائهم ... في مأزق والخيل لم تتبدّد فعلمت أنى إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا يبكى عدوى مشهدي ففررت عنهم والأحبة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مفسد وقد وردت هذه الأبيات باختلاف يسير في اللفظ، وبزيادة ونقصان في العدد، وقد ذكرها كل من: الحافظ في (الإصابة) ، وأبو عمر في (الاستيعاب) في ترجمة الحارث بن هشام كما ذكرها مطولة ابن هشام في (السيرة) ، وحسان بن ثابت في (الديوان) . [ (3) ] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 5/ 444، (طبقات خليفة) : ت 2819، (المعارف) : 281، (الجرح والتعديل) : 2/ 1/ 92، (المستدرك) : 3/ 277، (الاستيعاب) : 1/ 301- 304، ترجمة رقم (440) ، (الإصابة) : 1/ 605- 608، ترجمة رقم (1506) ، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 419- 421، ترجمة رقم (167) ، (تهذيب التهذيب) : 2/ 140- 141، ترجمة رقم (281) ، (شذرات الذهب) : 1/ 30، (البداية والنهاية) : 3/ 29، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 187، ترجمة رقم (1169) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 337، ترجمة رقم (530) ، (تلقيح الفهوم) : 376، (ديوان حسان بن ثابت) : 331، قصيدة رقم (227) ، (سيرة ابن هشام) : 3/ 286- 287، (سنن ابن ماجة) : 1/ 641، حديث رقم (1991) ، (تاريخ الإسلام) : 3/ 183. وعمواس أو عمواس: كورة من فلسطين، بالقرب من بيت المقدس، وقيل: هي ضيعة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس، وفيها كان ابتداء الطاعون في أيام عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، ثم فشا في أرض الشام، فمات فيه خلق كثير من الصحابة وغيرهم، [منهم الحارث بن هشام] . وقيل: مات فيه خمسة وعشرون ألفا من المسلمين. (معجم البلدان) ، (تاريخ الإسلام) : 3/ 420 [هامش] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 وأبو جهل، عمرو بن هشام [ (1) ] بن المغيرة، كان يكنى بأبي الحكم، فكناه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأبي جهل، أنشد المبرد لحسان بن ثابت [ (2) ] : أيا من كنّوه أبا حكم ... واللَّه كناه أبا جهل أبت رياسته لأسرته ... يوم الفزوع وذلة الأهل وروى أنه قال: لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة أبو جهل [ (3) ] ، وأخباره في محادّته للَّه ولرسوله كثيرة، منها: أنه كان في نفر من قريش فيهم عقبة بن أبى معيط [ (4) ] ، وكان عقبة أسفه قريش، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلى فأطال السجود، فقال أبو جهل: أيكم يأتى جزورا لبني فلان قد نحرت بأسفل مكة، فيجيء بفرثها فيلقيه على محمد، فانطلق عقبة بن أبى معيط، فأتى بفرثها فألقاه على ما بين كتفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو ساجد، فجاءت فاطمة عليها السلام، فأماطت ذلك عنه، ثم استقبلتهم تشتمهم، فلم يرجعوا إليها شيئا، ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين رفع رأسه فقال: اللَّهمّ عليك بقريش، عليك بعقبة بن أبى معيط، وبأبي جهل، وبشيبة، وعتبة، وأمية بن خلف، ثم قال لأبى جهل: واللَّه لتنتهين أو لينزلن اللَّه عليك قارعة.   [ (1) ] في (خ) : «عمرو بن الحارث بن هشام» ، وصوبناه من (جمهرة أنساب العرب) ، وفيه: فولد هشام ابن المغيرة: أبو جهل، اسمه: عمرو، وكنيته: أبو الحكم، وأبو جهل: لقب. (جمهرة أنساب العرب) : 145. [ (2) ] لم أجدهما في النسخة المحققة من (الديوان) . [ (3) ] (تذكرة الموضوعات للفتنى) : 100. [ (4) ] في (خ) : (أبى معيط أبان) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلقيه أبو البحتري العاص بن هاشم بن أسد بن عبد العزّى بن قصىّ [ (1) ] ، وكان أقل الناس أذى له، فأنكر وجهه، فسأله عن خبره، فأخبره به، وكان معه سوط، فأتى أبا جهل فعلاه به، فتشاور بنو مخزوم وبنو أسد بن عبد العزى، فقال أبو جهل: ويلكم، إنما يريد محمد أن يلقى بينكم العداوة [ (2) ] . وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعقبة: يا ابن أبان، ما أنت بمقصر عما ترى، فقال: لا، حتى تدع ما أنت عليه، فقال واللَّه لتنتهين أو لتحلنّ بك قارعة. وقال أبو جهل: واللَّه لئن رأيت محمدا يصلى لأطأن رقبته، فبلغه أنه يصلى، فأقبل مسرعا فقال: ألم أنهك يا محمد عن الصلاة، فانتهره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أتنتهرنى وتهددنى وأنا أعز أهل البطحاء؟ فسمعه العباس ابن عبد المطلب فغضب وقال: كذبت، فنزلت: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى [ (3) ] ، يعنى أبا جهل، أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى [ (4) ] ، يعنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (5) ] . وقال أبو جهل: يا محمد، ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا ممن قد مات، فلست بأهون على اللَّه من عيسى فيما تزعم، فقد كان عيسى يفعل   [ (1) ] اسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ، قاله ابن إسحاق وهو قول الكلبي، وقال ابن هشام: اسمه العاص بن هاشم، وهو قول الزبير بن أبى بكر وقول مصعب. (سيرة ابن هشام) : 2/ 99. [ (2) ] ذكره الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 266- 267، حديث رقم (200) لكن بسياقه أخرى أطول من ذلك. [ (3) ] العلق: 9، 10. [ (4) ] العلق: 11. [ (5) ] (تفسير ابن كثير) : 4/ 565- 566، (دلائل البيهقي) : 2/ 189- 192، (عيون الأثر) : 1/ 108. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 ذلك، فقال: لم يقدّر في اللَّه على ذلك، قال: فسخّر لنا الريح لتحملنا إلى الشام في يوم وتردّنا في يوم، فإن طول السفر يجهدنا، فلست بأهون على اللَّه من سليمان بن داود، فقد كان يأمر الريح فتغدو به مسيرة شهر، وتروح به مسيرة شهر، فقال: لا أستطيع ذلك، فقال أبو جهل: فإن كنت غير فاعل شيئا ما سألناك، فلا تذكر آلهتنا بسوء، فقال عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم: فأرنا كرامتك على ربك، فليكن لك بيت من زخرف، وجنة من نخيل وعنب تجرى تحتها الأنهار، وفجّر لنا ينبوعا مكان زمزم، فقد شق علينا أو عليها، وإلا فأسقط السماء علينا كسفا، فقال: ليس هذا بيدي، هو بيد الّذي خلقني، قال: فارق إلى السماء وأتنا بكتاب نقرأه ونحن ننظر إليك، فنزلت فيه الآيات من سورة الإسراء [ (1) ] . ولما نزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [ (2) ] ، قال أبو جهل: إنما أنا أدعو لكم يا معشر قريش   [ (1) ] (تفسير ابن كثير) : 3/ 66- 86، الآيات 29- 94 من سورة الإسراء. [ (2) ] الدخان: 43- 46، ولما ذكر اللَّه تعالي فريقا مرحومين على وجه الإجمال، قابله هنا بفريق معذبون، وهم المشركون، ووصف بعض أصناف عذابهم، وهو مأكلهم وإهانتهم، وتحريقهم، فكان مقتضى الظاهر أن يبتدأ الكلام بالإخبار عنهم بأنهم يأكلون شجرة الزقوم، كما قال في سورة الواقعة: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [الواقعة: 51- 52] ، فعدل عن ذلك إلى الإخبار عن شجرة الزقوم بأنها طعام الأثيم، اهتماما بالإعلام بحال هذه الشجرة، وقد جعلت شجرة الزقوم شيئا معلوما للسامعين، فأخبر عنها بطريق تعريف الإضافة، لأنها سبق ذكرها في سورة الواقعة، التي نزلت قبل سورة الدخان، فإن الواقعة عدّت السادسة والأربعين في عداد نزول السور، وسورة الدخان ثالثة وستين. ومعنى كون الشجرة طعاما أن ثمرها طعام، كما قال تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ* فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الصافات: 65- 66] . وكتبت كلمة شجرت في المصاحف بتاء مفتوحة، مراعاة الحالة الوصل، وكان الشائع في رسم أواخر الكلم أن تراعى فيه حالة الوقف، فهذا مما جاء علي خلاف الأصل. والأثيم: الكثير الآثام، كما دلت عليه فعيل، والمراد به: المشركون المذكورون في قوله تعالى: إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ* إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ [الدخان: 43- 53] ، فهذا من الإظهار في مقام الإضمار، لقصد الإيماء إلى أن المهم بالشرك مع سبب معاملتهم هذه. (تفسير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 [لنتزقم] [ (1) ] فدعا بزبد وتمر فقال: تزقموا من هذا، فإنا لا نعلم زقوما غير هذا، فبين اللَّه تعالي أمرهم فقال: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [ (2) ] ، فقالت قريش: شجرة تنبت في النار؟ فكانت فتنة لهم، وجعل المستهزءون يضحكون [ (3) ] . وفي رواية: ولما نزلت ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [ (4) ] ، قال أبو جهل: ائتونا بزبد وتمر ثم قال: تزقموا فإن هذا الزقوم، فنزلت: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ.   [ () ] التحرير والتنوير) : 25/ 314. وشجرة الزقوم ذكرت هنا. ذكر ما هو معهود من قبل لورودها معرّفة بالإضافة، ولوقوعها في مقام التفاوت بين حالي خير وشرّ، فيناسب أن تكون الحوالة على مثلين معروفين، فأما أن يكون اسما جعله القرآن لشجرة في جهنم، ويكون سبق ذكرها في: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [الواقعة: 51- 52] ، وكان نزولها قبل نزول سورة الصافات. ويبين هذا ما رواه الكلبي: أنه لما نزلت هذه الآية [أي آية سورة الواقعة] ، قال ابن الزبعري: أكثر اللَّه في بيوتهم الزقوم، فإن أهل اليمن يسمون التمر والزبد بالزقوم، فقال أبو جهل لجاريته: زقمينا، فأتته بزبد وتمر فقال: تزقموا. وعن ابن سيده: بلغنا أنه لما نزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ [الدخان: 43- 44] ، لم يعرفها قريش، فقال أبو جهل: يا جارية هاتي لنا تمرا وزبدا نتزقمه، فجعلوا يأكلون ويقولون: أفبهذا يخوفنا محمد في الآخرة؟ والمناسب أن يكون قولهم هذا عند ما سمعوا آية سورة الواقعة، لا آية سورة الدخان، وقد جاءت فيها نكرة. وأما أن يكون اسما لشجر معروف هو مذموم، قيل: هو شجر من أخبث الشجر يكون بتهامة والبلاد المجدبة المجاورة للصحراء، كريهة الرائحة، صغيرة الورق، مسمومة، ذات لبن إذا أصاب جلد الإنسان تورم، ومات منه في الغالب. قاله قطرب وأبو حنيفة. [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق. [ (2) ] الصافات: 64- 65. [ (3) ] (تفسير التحرير والتنوير) : 23/ 122. [ (4) ] الواقعة: 51- 52. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 وفي رواية: لما نزلت آية الزقوم، لم تعرفه قريش، فقال أبو جهل: هذا شجر لا ينبت بأرضنا، فمن منكم يعرفه؟ فقال رجل قدم من إفريقية: الزقوم بلغة إفريقية: الزبد والتمر، فقال أبو جهل: يا جارية، هاتي تمرا وزبدا نتزقمه، فجعلوا يأكلون ويتزقمون ويقولون: أبهذا يخوفنا محمد في الآخرة، فبين اللَّه في آية أخرى الزقوم بقوله: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. ونزل قوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى [ (1) ] في أبى جهل [ (2) ] . وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا عبد اللَّه بن نمير عن حجاج عن منذر عن ابن الحنفية في قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [ (3) ] قال: كان أبو جهل وصناديد قريش يأتون الناس إذا جاءوا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يسلمون فيقولون: إنه يحرم الخمر ويحرم ما كانت تصنع العرب فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم، فنزلت هذه الآية: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ [ (4) ] .   [ (1) ] الليل: 8- 9. [ (2) ] (البحر المحيط) : 10/ 494، وقال الزمخشريّ: الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين [وهو أبو جهل] ، وعظيم من المؤمنين [وهو أبو بكر] ، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين، فقيل: الأشقى، وجعل مختصا بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له. وقال: الْأَتْقَى، وجعل مختصا بالنجاة، وقيل: هما أبو جهل أو أمية بن خلف، وأبو بكر الصديق رضى اللَّه تعالى عنه. (المرجع السابق) ، (الكشاف) 4/ 218. [ (3) ] العنكبوت: 13. [ (4) ] قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [العنكبوت: 12] ، أي إن كان اتباع سبيلنا خطيئة تؤاخذون بها عند البعث والنشور كما تقولون، فلنحمل ذلك عنكم، فنؤاخذ بها دونكم. قال مقاتل: يعنى قولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من اللَّه، واللام في لْنَحْمِلْ لام الأمر، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك، وقال الزمخشريّ: الأمر بمعنى الخبر، وقرئ بكسر اللام، وهو لغة الحجاز، ثم ردّ عليهم بقوله: وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ، من الأولى بيانية، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 وقدم رجل من هذيل يقال له عمرو بغنم له، فباعها، ورآه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخبره بالحق ودعاه إليه، فقال له أبو جهل- وكان خفيفا حديد الوجه، ونظر به حوله فقال: انظر إلى ما دعاك إليه هذا الرجل، فإياك أن تركن إلى قوله فيه، أو تسمع منه شيئا، فإنه قد سفّه أحلامنا، وزعم أن من مات منا كافرا يدخل النار بعد الموت وما أعجب ما يأتى به، قال: أفما تخرجونه من أرضكم؟ قال: لئن خرج من بين أظهرنا فيسمع كلامه وحلاوة لسانه قوم أحداث ليتبعنه، ثم لا نأمن أن يكر علينا بهم، قال: فأين أسرته عنه؟ قال: إنما أمتنع بأسرته، ثم أسلم هذا الهذيلى يوم الفتح. وقدم رجل من أراش بإبل له مكة، فباعها من أبى جهل [ (1) ] ، فمطله بأثمانها، فوقف الرجل على ناد [ (2) ] [من] قريش فقال: يا معشر قريش! إني رجل غريب ابن سبيل، وإن أبا الحكم ابتاع مني ظهرا فمطلني بثمنه وجلسنى به حتى شقّ عليّ، فمن رجل يقوم معى فيأخذ لي حقي منه، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في عرض المسجد، فقالوا وهم يهزءون: أترى الرجل الجالس؟ انطلق إليه يأخذ لك بحقك، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا   [ () ] ومن الثانية مزيدة للاستغراق، أي وما هم بحاملين شيئا من خطيئاتهم التي التزموا بها، وضمنوا لهم حملها، ثم وصفهم اللَّه تعالى بالكذب في هذا التحمل، فقال: إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما ضمنوا به من حمل خطاياهم. قال المهدوى: هذا التكذيب لهم من اللَّه عزّ وجل حمل على المعنى، لأن المعنى: إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم، فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر، أوقع عليه التكذيب، كما يوقع على الخبر. قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ أي أوزارهم التي عملوها، والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة، وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ أي أوزارا مع أوزارهم، وهي أوزار من أضلوهم وأخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة، ومثله قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، كما في حديث أبى هريرة، الثابت في (صحيح مسلم) وغيره. (فتح البيان) : 7/ 194. [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل أبى نعيم) : «فابتاعها منه أبو جهل بن هشام» . [ (2) ] في (خ) : «نادى» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 محمد، إني رجل غريب، واقتصّ عليه قصته، فقام معه، حتى ضرب باب أبى جهل، فقال: من هذا قال: محمد بن عبد اللَّه، فأخرج إليّ، ففتح الباب وخرج، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أخرج إلى هذا الرجل من حقه، قال: نعم، فقال: لست أبرح، أو تعطيه حقه، فدخل البيت وأخرج إليه بحقه وأعطاه إياه، فانطلق نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وانصرف الرجل بحقه إلي مجلس قريش فقال: جزى اللَّه محمدا خيرا، فقد أخذ لي حقي بأيسر الأمور، ثم انصرف وجاء أبو جهل فقالوا له: ماذا صنعت؟ فو اللَّه ما بعثنا الرجل إلى محمد إلا هازءين، فقال: دعوني، فو اللَّه ما هو إلا ضرب بابي، حتى ذهب فؤادي، فخرجت إليه، وإن علي رأس لفحلا ما رأيت مثل هامته وأنيابه قط، فاتحا فاه، فو اللَّه لو أتيت لأكلنى، فأعطيت الرجل حقه، فقال القوم: ما هو إلا بعض سحره [ (1) ] . وقال أبو بكر ابن أبى شيبة، حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت قال: قال أصحاب أبى جهل لأبى جهل وهو يسير إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم بدر: أرأيت مسيرك إلى محمد؟ أتعلم أنه نبي؟ قال: نعم، ولكن متى كنا تبعاً لعبد مناف. وجاء أبو جهل في عدة من المشركين يريدون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسوء، فخرج إليهم وهو يقرأ يس [ (2) ] ، وجعل التراب على رءوسهم،   [ (1) ] ذكره الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) مطولا بسياقة أخرى، 1/ 210- 212، حديث رقم (161) وقال في آخره: وفي رواية، فقالوا لأبى جهل: فرقت من محمد كل هذا؟ قال: والّذي نفسي بيده لقد رأيت معه رجالا معهم حراب تلألأ. قال أبو قزعة في حديثه: حرابا تلمع، ولو لم أعطه لخفت أن يبعج بها بطني. وأخرجه أيضا ابن إسحاق في (السيرة) ، والبيهقي في (الدلائل) ، من طريق ابن إسحاق، والسيوطي في (الخصائص الكبرى) ، وسنده مقطوع، وفيه عبد الملك بن أبى سفيان الثقفي، وهو مجهول كما في (تعجيل المنفعة) ، (سيرة ابن هشام) : 2/ 233- 235، (عيون الأثر) : 1/ 112. [ (2) ] أول سورة يس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 ويتعجبون وهم لا يرونه، فلما انصرف أقبلوا ينفضون التراب عن رءوسهم، ويتعجبون ويقولون: سحّر من سحر محمد. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في المسجد، ومعه أبو بكر وعمر وسعد بن أبى وقاص رضى اللَّه عنهم، إذ أقبل رجل من [بنى زبيد] [ (1) ] وهو يقول: يا معشر قريش، كيف تدخل عليكم [المادة أو يجلب إليكم جلب أو يحل تاجر بساحتكم] [ (2) ] ، وأنتم تظلمون من دخل عليكم [في حرمكم] [ (3) ] وجعل يقف على الحلق حتى أتى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو في أصحابه فقال له: من ظلمك؟ قال: أبو الحكم، طلب منى ثلاثة أجمال [كانت من خيرة] [ (4) ] إبلي فلم أبعه إياها بالوكس، فليس يبتاعها منى أحد أتباعا لمرضاته، فقد أكسد سلعتي وظلمني، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: وأين أجملك؟ قال: هي هذه بالحزورة، فابتاعها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فباع منها جملين بالثمن الّذي التمسه، ثم باع البعير الثالث، وأعطى ثمنه أرامل بنى عبد المطلب، وأبو جهل جالس في ناحية من السوق لا يتكلم، ثم أقبل إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا عمرو! إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابي فترى منى ما تكره، فقال: لا أعود يا محمد. فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أقبل إليه أمية بن خلف ومن حضره من المشركين فقالوا: لقد ذللت في يدىّ محمد كأنك تريد اتباعه، فقال: واللَّه لا أتبعه أبدا، إنما كان انكسارى عنه لما رأيت من سحره، لقد رأيت عن يمينه وشماله رجالا معهم رماح يشرعونها إليّ، لو خالفته لكانت إياها،   [ (1) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 1/ 113. [ (2) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 1/ 113. [ (3) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 1/ 113. [ (4) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 فقالوا هذا سحر منه [ (1) ] . وخرج أبو جهل إلى بدر مع المشركين، وقال يومئذ: اللَّهمّ أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة، فأنزل اللَّه تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [ (2) ] ، واستفتاحه هو قوله هذا فقتله اللَّه بيد معاذ بن عمرو بن الجموح، وبعض بنى خفراء، ضرباه، ووقف عليه عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه، ثم جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، قد قتلت أبا جهل، فقال: اللَّه الّذي لا إله غيره، لأنت قتلته؟ قال: نعم، فاستحفه الفرح ثم قال: انطلق فأرينه، فانطلق حتى قام به على رأسه، فقال: الحمد للَّه الّذي أخزاك، هذا فرعون هذه الأمة، جروه إلى القليب، فجروه، ونفل عبد اللَّه بن مسعود سيفه [ (3) ] . ونقل أن أبا جهل كان مستوها، واحتجوا بقول عتبة له: «سيعلم مصفّر استه» ، وردّ هذا بأن هذه الكلمة قالها قيس بن زهير في حذيفة بن بدر يوم الهباء، ولم يقل أحد إن حذيفة كان مستوها. وقال ابن دريد عن الأبنة: هو ممن لم يعرف في الجاهلية إلى في نفر منهم أبو جهل، ولهذا قيل له: مصفر استه، وقابوس بن المنذر عم النعمان، ويلقب حبيب العروسى، وطفيل بن مالك، وأنشد المبرد في بنى مخزوم: شقيت بكم وكنت لكم جليسا ... فلست جليس قعقاع بن شور ومن جهل أبى جهل أخوكم ... غزا بدرا بمجمرة ونور   [ (1) ] (عيون الأثر) : 1/ 112- 113 باختلاف يسير، وزيادة ونقصان. [ (2) ] الأنفال: 19، (سيرة ابن هشام) : 3/ 222، والاستفتاح: الإنصاف في الدعاء، 3/ 266- 267، (عيون الأثر) : 1/ 257. [ (3) ] (عيون الأثر) : 1/ 260- 262، (سيرة ابن هشام) : 3/ 182- 185. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 وقيل نسبة إلى فراقه التوضيع، وكقوله عتبة بن ربيعة فيه: «سيعلم مصفّر استه» ، وفيه قيل: الناس كنوه أبا حكم ... واللَّه كناه أبا جهل أبقت رئاسته لأسرته ... يوم الفزوع ورقة الأصل وكان له يوم قتل سبعون سنة- لعنه اللَّه- وله من الولد: عكرمة بن أبى جهل، أسلم، وأبو علقمة زرارة، وحاجب، واسمه تميم، وعلقمة، وأربع بنات، وانقرض عقبه. والعاص بن هشام بن المغيرة، قتله عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه يوم بدر كافرا [ (1) ] ، وهشام بن العاص [ (2) ] وسعيد بن العاص أسلم [ (3) ] .   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 267. [ (2) ] هو هشام بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ، هو الّذي جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوم الفتح وكشف عن ظهره، ووضع يده على خاتم النبوة، فأخذ رسول اللَّه يده فأزالها، ثم ضرب في صدره ثلاثا وقال: اللَّهمّ أذهب عنه الغل والحسد- ثلاث. وكان الأوقص، وهو محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن يحى بن هشام بن العاص يقول: نحن أقل أصحابنا حسدا. ومن طريق ابن شهاب، قال عمر لسعيد بن العاص الأموي: ما قتلت أباك؟ إنما قتلت خالي العاص ابن هشام. (الاستيعاب) : 4/ 1540، ترجمة رقم (2684) ، (الإصابة) : 6/ 2542، ترجمة رقم (8973) . [ (3) ] هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشيّ الأمويّ، أبو عثمان، أمه أم كلثوم بنت [عمرو] بن عبد اللَّه بن أبى قيس بن عمرو العامرية، ولم يكن للعاص ولد غير سعيد المذكور. قال ابن أبى حاتم، عن أبيه: له صحبه. قال الحافظ في (الإصابة) : كان له يوم مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تسع سنين، وقتل أبوه يوم بدر، قتله عليّ، ويقال: إن عمر قال لسعيد بن العاص: لم أقتل أباك، وإنما قتلت خالي العاص بن هشام. فقال: ولو قتلته لكنت على الحق وكان على الباطل، فأعجبه قوله. وكان من فصحاء قريش، ولهذا ندبه عثمان فيمن ندب لكتابة القرآن، قال ابن أبى داود في (المصاحف) : حدثنا العباس بن الوليد، حدثنا أبى، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، أن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان أشبههم لهجة برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وولي الكوفة، وغزا طبرستان ففتحها، وغزا جرجان، وكان في عسكره حذيفة وغيره من كبار الصحابة، وولى المدينة لمعاوية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 وسلمة بن هشام بن المغيرة أسلم قديما، وحبس وعذب في اللَّه، وهاجر إلى الحبشة، وقدم المدينة بعد الخندق، وقتل يوم مرج الصّفّر سنة أربع عشرة، وقيل: قتل بأجنادين سنة ثلاث عشرة، وكان من خيار الصحابة [ (1) ] .   [ () ] وله حديث في الترمذي من رواية أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده، إن كان الضمير يعود على موسى. وروى الزبير، من طريق عبد العزيز بن أبان، عن خالد بن سعيد عن أبيه، عن ابن عمر، قال: جاءت امرأة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ببردة، فقالت: إني نذرت أن أعطى هذه البردة لأكرم العرب، فقال: أعطيها لهذا الغلام، وهو واقف، يعنى سعيدا هذا. قال الزبير: والثياب السعدية تنسب إليه. وذكر ابن سعد في ترجمته قصة ولايته على الكوفة بعد الوليد بن عقبة لعثمان، وشكوى أهل الكوفة منه، وعزله مطولا. وكان معاوية عاتبه على تخلفه عنه في حروبه، فاعتذر، ثم ولاه المدينة، فكان يعاقب بينه وبين مروان في ولايتها. وروى ابن أبى خيثمة، من طريق يحيى بن سعيد، قال: قدم محمد بن عقيل بن أبى طالب على أبيه، فقال له: من أشرف الناس؟ قال: أنا وابن أمى، وحسبك بسعيد بن العاص. وقال معاوية: كريمة قريش سعيد بن العاص، وكان مشهورا بالكرم والبرّ، حتى كان إذا سأله سائل وليس عنه ما يعطيه كتب له بما يريد أن يعطيه مسطورا، فلما مات كان عليه ثمانون ألف دينا، فوفاها عنه ولده عمرو الأشدق. وحجّ سعيد بالناس في سنة تسع وأربعين، أو سنة اثنتين وخمسين، ولبث بعدها. وروى عن صالح ابن كيسان، قال: كان سعيد بن العاص حليما وقورا، وكان إذا أحب شيئا أو أبغضه لم يذكر ذلك، ويقول: إن القلوب تتغير، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحا اليوم، عائبا غدا. ومن محاسن كلامه: لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا تمازح الدنىء فتهون عليه. ذكره في (المجالسة) من طريق أبى عبيدة، وأخرجه ابن أبى الدنيا من وجه آخر عن ابن المبارك. ومن كلامه: موطنان لا أعتذر من العيّ فيهما: إذا خاطبت جاهلا، أو طلبت حاجة لنفسي، ذكره في (المجالسة) ، من طريق الأصمعي. وقال مصعب الزبيري: كان يقال له: عكة العسل. وقال الزبير ابن بكار: مات سعيد في قصره بالعقيق سنة ثلاث وخمسين. له ترجمة في: (الإصابة) : 3/ 107- 109 ، ترجمة رقم (3270) ، (الاستيعاب) : 2/ 621- 624، ترجمة رقم (987) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 19- 21، (أسماء الصحابة الرواة) : 372، ترجمة رقم (608) ، (تلقيح الفهوم) : 381، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 444- 449، ترجمة رقم (87) ، (الوافي بالوفيات) : 15/ 227، (جمهرة أنساب العرب) : 80، (الجرح والتعديل) : 4/ 48، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 218، (شذرات الذهب) : 1/ 65. [ (1) ] هو سلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم المخزوميّ، أخو أبى جهل والحارث، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 وحنتمة ابنة هاشم بن المغيرة [ (1) ] ابنة عم أم سلمة، كانت تحت الخطاب ابن نفيل، فولدت له عمر بن الخطاب، وصفية بنت الخطاب، وأميمة بنت الخطاب. وأبو أمية بن أبى حذيفة بن المغيرة [أمه عبلة بنت عبيد بن جاذل] [ (2) ] يوم بدر [ (3) ] ، وقتل يوم أحد كافرا [ (4) ] . وهشام بن أبى حذيفة بن المغيرة، أمه وأم أبى أمية: حذيفة بنت أسد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وهما ابنا عم أم سلمة، وأسلم هشام وهاجر إلي الحبشة، وقال الواقدي في اسمه هشام: هاشم، وقال هشام وهم ممن قاله [ (5) ] . وعبد اللَّه بن أبى ربيعة بن المغيرة، أمه وأم أخيه عياش أسماء بنت   [ () ] يكنى أبا هشام. كان من السابقين، وثبت ذكره في الصحيح من حديث أبى هريرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دعا له لما رفع رأسه من الركوع أن ينجيه من الكفار، وكانوا قد حبسوه عن الهجرة، وآذوه، فروى عبد الرزاق من طريق عبد الملك بن أبى بكر بن الحارث بن هشام، قال: فرّ عياش بن أبى ربيعة، وسلمة بن هشام. والوليد بن الوليد من المشركين، فعلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمخرجهم، فدعا لهم لما رفع رأسه من الركوع. وروى ابن إسحاق من حديث أم سلمة أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام: ما لي لا أرى سلمة يصلى مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: كلما خرج صاح به الناس: يا فرّار، وكان ذلك عقب غزوة مؤتة. ورواه الواقدي من وجه آخر، وزاد: فقال النبي: بل هو الكرّار، وروى ابن سعد أن سلمة لما هرب من قريش، قالت أمه ضباعة: لا هم رب الكعبة المحرمة ... أظهر على كل عدو سلمه له يدان في الأمور المبهمة ... كف بها يعطى وكف منعمه وقال: فلما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خرج إلى الشام، فاستشهد بمرج الصّفّر في المحرم سنة أربع عشرة، وذكر عروة وموسى بن عقبة أنه استشهد بأجنادين، وبه جزم أبو زرعة الدمشقيّ، وصوّبه أحمد، له ترجمة في: (الإصابة) : 3/ 155- 156، ترجمة رقم (3405) ، (طبقات ابن سعد) : 4/ 96، (الاستيعاب) : 2/ 643- 644، ترجمة رقم (1032) . [ (1) ] الإصابة: 4/ 588، ترجمة عمر بن الخطاب رقم (5740) ، (الاستيعاب) : 3/ 1144، ترجمة عمر ابن الخطاب رقم (1878) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، وما أثبتناه من (جمهرة النسب) : 37، ولعله يناسب السياق والنسب. [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 273، ذكر أسرى قريش يوم بدر. [ (4) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 85، ذكر من قتل من المشركين يوم أحد. [ (5) ] (الإصابة) : 6/ 538، ترجمة رقم (8968) ، (الاستيعاب) : 4/ 1538، ترجمة رقم (2680) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 مخرّبة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم، وهي أم الحارث وأبى جهل ابني هشام بن المغيرة، وكان هشام طلقها، فتزوجها أخوه أبو ربيعة، فندم هشام على فراقه إياها، وكان اسم عبد اللَّه بحيرا، وكان من أشراف قريش في الجاهلية، أسلم يوم الفتح، وكان من أحسن قريش وجها فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه، وكنيته أبو عبد الرحمن، وهو الّذي بعثته قريش مع عمرو ابن العاص إلى النجاش لأخذ جعفر بن أبى طالب ومن معه، وولاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [الجند] ومخالفيها، وقيل: ولاه عمر على الجند، [وكان عاملا على البصرة لابن الزبير] [ (1) ] . [ومات سنة خمس وثلاثين، وكان قد جاء من اليمن لينصر عثمان لما حصر] [ (1) ] ، وله من الولد: عمر بن أبى ربيعة الشاعر، والحارث بن عبد اللَّه الّذي يقال له: القباع [ (2) ] . وعياش بن أبى ربيعة بن المغيرة أبو عبد اللَّه، وقيل: أبو عبد الرحمن، أسلم قديما، وهاجر إلى الحبشة مع امرأته أم الجلاس أسماء ابنة سلمة، ويقال: سلامة بن مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم التيمية، وهي ابنة أخى أسماء بنت مخربة أم أبى جهل. والحارث بن هشام، وأم عبد اللَّه وعياش ابني أبى ربيعة، وولدت له بالحبشة ابنه عبد اللَّه بن عياش، ثم هاجر إلى المدينة حين هاجر عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فقدم عليه أخوه لأمه أبو جهل بن هشام، والحارث بن هشام، فذكر له أن أمه حلفت لا يدخل رأسها دهن ولا تستظل حتى تراه. فرجع معهما، فأوثقاه وباطا، وحبساه بمكة، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو له فيقول في قنوته: اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش   [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من (الكامل في التاريخ) . [ (2) ] ترجمته وأخباره في (الكامل في التاريخ) : 2/ 148، 3/ 70، 77، 186، 200، 4/ 260، (تاريخ الطبري) : 4/ 214، (سيرة ابن هشام) : 2/ 176، 177، 2/ 178، 1980، 186، 4/ 5، (عيون الأثر) : 2/ 167، (طبقات ابن سعد) : 2/ 40. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 ابن أبى ربيعة. وقتل يوم اليرموك، وقيل: مات بمكة، وله من الولد عبد اللَّه ابن عياش، وأبو قيس بن الفاكة ابن المغيرة عم أم سلمة، أمه [] [ (1) ] ابنة عثمان بن [عبيد اللَّه] [ (2) ] بن عمر [ (3) ] . ونوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة، شهد الخندق مع قومه، وعبر الخندق مع عمرو بن عبد في نفر من قريش، وقام سائر المشركين من وراء الخندق، ودعا عمرو بن عبد إلى البراز، فانتدب له على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، وقتله، ففر أصحابه الذين في الخندق هاربين، إلا نوفل هذا فإنه كبابه فرسه في الخندق، فرمى بالحجارة حتى قتل] [ (4) ] ، ويقال: بل حمل الزبير بن العوام رضى اللَّه عنه عليه بالسيف، شقه باثنتين، وقطع بدوح سرجه ويقال: خلص إلى كاهل الفرس، فقيل له: يا أبا عبد اللَّه! ما رأينا سيفا مثل سيفك، فقال: واللَّه ما هو بالسيف، ولكنها الساعد. وخالد بن الوليد بن المغيرة أبو سليمان، وقيل: أبو الوليد القرشي المخزوميّ سيف اللَّه، أمه لبابة الصغرى، وقيل: لبابة الكبرى بنت الحارث بن   [ (1) ] بياض بالأصل. [ (2) ] في (خ) : «عبد اللَّه» ، وصوبناه من (المعارف) . [ (3) ] قال أبو عمر: روى عياش بن أبى ربيعة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها- يعنى الكعبة والحرم- فإذا ضيعوها هلكوا. روى عنه عبد الرحمن بن سابط، ويقولون: إنه لم يسمع منه، وإنه أرسل حديثه عنه، وروى عنه نافع مرسلا أيضا، وروى عنه ابنه عبد اللَّه بن عياش سماعا منه. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 3/ 1230- 1231، ترجمة رقم (2009) ، (سيرة ابن هشام) : 2/ 91، 163، 169، 212، 321، 322، 324، 325، 4/ 290، (المعارف) : 187، 229، 230، (طبقات ابن سعد) : 1/ 200، 4/ 129. [ (4) ] قال ابن إسحاق- وقد ذكر يوم الخندق-: ومن بنى مخزوم بن يقظة: نوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة، سألوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يبيعهم جسده، وكان قد اقتحم الخندق، فتورط فيه فقتل، فغلب المسلمون على جسده، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا حاجة لنا في جسده ولا بثمنه، فخلى بينهم وبينه. قال ابن هشام: - أعطوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بجسده عشرة آلاف درهم فيما بلغني عن الزهري. (سيرة ابن هشام) : 4/ 215. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 حزن الهلالية، أخت ميمونة. أم المؤمنين، وهو أحد أشراف قريش في الجاهلية، وإليه كانت القبة والأعنة. فأما القبة، فإنّهم كانوا يضربونها، ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش، وأما الأعنة، فإنه كان يكون على الخيل في الحرب، وأسلم بين الحديبيّة وخيبر، وقيل: أسلم سنة خمس بعد بنى قريظة، وقيل أسلم سنة ثمان هو وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة، ولم يترك منذ أسلم تولية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعنة الخيل، فيكون في مقدمتها في محاربة العرب. وشهد الحديبيّة والفتح، وما بعده، وكان على خيله يوم الحديبيّة، وكان على مقدمته يوم حنين في بنى سليم، وبعثه في سنة تسع إلى أكيدر دومة الجندل، فأخذه وقدم به، وبعثه في سنة عشر إلى الحارث بن كعب، وأمّره أبو بكر رضى اللَّه عنه على الجيوش في الرّدّة، ففتح اللَّه عليه اليمامة وغيرها، وقتل على يديه أكثر أهل الرّدة، ثم افتتح دمشق، ومات بحمص، وقيل: بالمدينة، سنة إحدى وعشرين، وقيل: سنة اثنتين وعشرين، وأخباره كثيرة، وفضائله شهيرة [ (1) ] . وعمارة بن الوليد بن المغيرة، أبو قائد، كان من فتيان قريش جمالا وشعرا، وهو الّذي جاء به مشركو قريش إلى أبى طالب ليأخذه بدل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ويدفعه إليهم ليقتلوه، وهو الّذي بعثت به قريش مع عمرو بن العاص إلى النجاش في أخذ من هاجر إلى الحبشة من المسلمين، فيعرض لجارية عمرو، فكاده عند النجاش حتى سحر، وذهب مع الوحش حتى خرج إليه عبد اللَّه بن أبى ربيعة، بن المغيرة، فأخذه فمات في يده، وله   [ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 أخبار وشعر جيد، وله من الولد: قائد، والوليد، وأبو عبيدة [ (1) ] . وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، قتله على رضى اللَّه عنه يوم بدر كافرا [ (2) ] . وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة [ (3) ] ، ابنة عم أم سلمة، وكانت تحت ابن عمها الحارث بن هشام بن المغيرة، فولدت له عبد الرحمن وأم حكيم، وأم فاطمة هذه حنتمة بنت شيطان بن عمرو بن كعب بن وائلة الأحمر بن الحارث بن عبد مناه.   [ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. [ (2) ] قال ابن هشام- وقد ذكر قتلى بدر من المشركين-: ومن بنى مخزوم: أبو قيس الفاكة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر مخزوم، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم. (سيرة ابن هشام) : 3/ 190، ثم قال في ص 287: أن أبا قيس بن الفاكة قتله عليّ رضى اللَّه عنه، وأن أبا قيس بن الوليد قتله حمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه. [ (3) ] هي فاطمة بنت الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن مخزوم القرشية المخزومية، أخت خالد بن الوليد، قال ابن سعد: أمها حنتمة- بمهملة مفتوحة ونون ساكنة، ثم مثناة من فوق مفتوحة- بنت عبد اللَّه بن عمرو بن كعب الكنانية. أسلمت يوم الفتح، وبايعت، وهي زوج الحارث بن هشام، وهي والدة عبد الرحمن، وأم حكيم ابني الحارث. قال أبو عمر: ويقال: إن عمر تزوجها بعد الحارث، وفيه نظر. قال الحافظ في (الإصابة) : وترجم لها ابن مندة: فاطمة بنت الوليد القرشية، وأورد لها حديث الإزار، وقد أخرجه العقيلي من طريق عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى فروة، عن إبراهيم بن العباس بن الحارث، عن أبى بكر بن الحارث، عن فاطمة بنت الوليد أم أبى بكر، أنها كانت بالشام تلبس الجباب من ثياب الخز، ثم تأتزر، فقيل لها: ما يغنيك عن هذا الإزار، فقالت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأمر بالإزار. قال ابن الأثير: قوله: أم أبى بكر، يعنى ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فهي أم أبيه، وهي جدة أبى بكر، وهو كما قال، فقد قال ابن عساكر: فاطمة بنت الوليد بن المغيرة أخت خالد لها صحبة، وخرجت مع زوجها الحارث إلى الشام، واستشارها خالد أخوها في بعض أمره، وذلك لما جاءه عزله من عمر بن الخطاب فقالت: واللَّه لا يحبك عمر أبدا، وما يريد إلا أن تكذب نفسك ثم ينزعك، فقبّل خالد رأسها وقال: صدقت واللَّه، فتم على أمره، وأبى أن يكذب نفسه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 وعبد شمس بن الوليد بن المغيرة، أمه [] بنت هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (1) ] . وهشام بن الوليد بن المغيرة، وهو الّذي قتل أبا أزيهر بن أنيس بن الخلق الأزدي الدوسيّ بذي المجاز [ (2) ] ، وكان لأبى أزيهر ابنتان: إحداهما تحت أبى سفيان بن حرب، والأخرى تزوج بها الوليد بن المغيرة، ولم يدخل بها حتى مات، فطالب هشام أبا أزيهر بالصداق فلم يعطه، فقتله، وكانت فيه عجلة، فأراد المطيبون الحرب فمنعهم أبو سفيان وقال: لا تشاغلوا بالحرب بينكم عن محمد وأصحابه، ولهذا الخبر قصة [ (3) ] .   [ () ] روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حديثا واحدا، رواه عنها ابنها أبو بكر بن عبد الرحمن، فذكر حديث الإزار. (الإصابة) : 8/ 70، ترجمة رقم (11610) ، (الاستيعاب) : 4/ 1902، ترجمة رقم (4064) ، طبقات ابن سعد) : 8/ 190، (أعلام النساء) : 4/ 149. [ (1) ] (جمهرة النسب) : 89. [ (2) ] (جمهرة النسب) : 88. [ (3) ] وهذه القصة فيما ذكره ابن إسحاق قال: فلما حضرت الوليد الوفاة دعا بنيه وكانوا ثلاثة: هشام بن الوليد، والوليد بن الوليد، وخالد بن الوليد، فقال لهم: أي بنى، أوصيكم بثلاث، فلا تضيعوا فيهن: دمي في خزاعة فلا تطلنّه [لا تهدرنّه] ، واللَّه إنّي لأعلم أنهم منه برآء، ولكنى أخشى أن تسبّوا بعد اليوم، ورباى في ثقيف، فلا تدعوه حتى تأخذوه، وعقرى عند أبى أزيهر [دية الفرج المغصوب] فلا يفوتنكم به. وكان أبو أزيهر قد زوجه بنتا، ثم أمسكها عنه، فلم يدخلها عليه حتى مات. فلما هلك الوليد ابن المغيرة وثب بنو مخزوم على خزاعة يطلبون منهم عقل الوليد، وقالوا: إنما قتله سهم صاحبكم- وكان لبني كعب حلف من بنى عبد المطلب بن هاشم- فأبت عليهم خزاعة ذلك، حتى تقاولوا أشعارا، وغلظ بينهم الأمر- وكان الّذي أصاب الوليد سهمه، رجلا من بنى كعب بن عمرو من خزاعة- فقال عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم في ذلك شعرا. ثم إن الناس ترادّوا وعرفوا إنما يخشى القوم السبة، فأعطتهم خزاعة بعض العقل وانصرفوا عن بعض. ثم لم ينته الجون بن أبى الجون حتى افتخر بقتل الوليد، وذكر أنهم أصابوه، وكان ذلك باطلا. فلحق بالوليد وبولده وقومه من ذلك ما حذر. ثم عدا هشام بن الوليد على أبى أزيهر، وهو بسوق المجاز- وكانت عند أبى سفيان بن حرب عاتكة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246   [ () ] بنت أبى أزيهر، وكان أبو أزيهر رجلا شريفا في قومه- فقتله بعقر الوليد الّذي كان عنده، لوصية أبيه إياه، وذلك بعد أن هاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة ومضى بدر، وأصيب به من أصيب من أشراف قريش من المشركين. فخرج يزيد بن أبى سفيان، فجمع بنى عبد مناف، وأبو سفيان بذي المجاز، فقال الناس: أخفر أبو سفيان في صهره، فهو ثائر به. فلما سمع أبو سفيان بالذي صنع ابنه يزيد- وكان أبو سفيان رجلا حليما منكرا يحب قومه حبا شديدا- انحط سريعا إلى مكة، وخسى أن يكون بين قريش حدث في أبى أزيهر، فأتى ابنه، وهو في الحديد، في قومه من بنى عبد مناف والمطيبين، فأخذ الرمح من يده، ثم ضرب به على رأسه ضربة هدّه منها، ثم قال له: قبحك اللَّه! أتريد أن تضرب قريشا بعضهم ببعض في رجل من دوس؟ سنؤتيهم العقل إن قبلوه، وأطفئ لك الأمر. فانبعث حسان بن ثابت يحرض في دم أبى أزيهر، ويعيّر أبا سفيان خفرته وبجنبه، فقال في ذلك شعرا، فلما بلغ أبا سفيان قول حسان قال: يريد حسان أن يضرب بعضنا ببعض في رجل من دوس، بئس واللَّه ما ظن. ولما أسلم أهل الطائف كلّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خالد بن الوليد في ربا الوليد الّذي كان في ثقيف، لما كان أبوه أوصاه به. قال ابن إسحاق: فذكر لي بعض أهل العلم أن هؤلاء الآيات من تحريم ما بقي من الربا بأيدي الناس، نزلن في ذلك من طلب خالد الربا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 278] إلى آخر القصة فيها. ولم يكن في أبى أزيهر ثأر نعلمه، حتى حجز الإسلام، إلا أن ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري، خرج في نفر من قريش إلى أرض دوس، فنزلوا على امرأة يقال لها أم غيلان مولاة لدوس، وكانت تمشط النساء وتجهز العرائس، فأرادت دوس قتلهم بأبي أزيهر، فقامت دونهم أم غيلان ونسوة معها حتى منعتهم، فقال ضرار بن الخطاب في ذلك شعرا. قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة: أن التي قامت دون ضرار أمّ جميل، ويقال: أم غيلان، قال: ويجوز أن تكون أم غيلان قامت مع أم جميل فيمن قام دونه. فلما قام عمر بن الخطاب أتته أم جميل، وهي ترى أنه أخوه، فلما انتسبت له عرف القصة فقال: إني لست بأخيه إلا في الإسلام، وهو غاز وقد عرفت منّتك عليه، فأعطاها على أنها ابنة سبيل. قال الراويّ: قال ابن هشام: وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد، فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول: أنج يا ابن الخطاب لا أقتلك، فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه. (سيرة ابن هشام) : 2/ 258- 263. وقد ذكر ابن هشام ما قاله كل من عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 والوليد بن الوليد بن المغيرة، أمه وأم هشام أميمة بنت حرملة بن خليل ابن شوبر بن صعب بن قيس، أسره يوم بدر كافرا عبد اللَّه بن جحش، وقيل أسره سليط بن قيس المازني، فقدم في فدائه أخواه خالد وهشام، فتمنع عبد اللَّه بن جحش حتى افتكّاه بأربعة آلاف درهم، وقيل افتكاه بشكة أبيه الوليد، وكانت درعا وسيفا وبيضة، فأقيمت بمائة دينار، فلما افتدى أسلم، فحبسوه بمكة، فكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو له فيمن دعا من مستضعفي المؤمنين بمكة، ثم أفلت من أسارهم، وشهد عمرة القضية، وكتب يدعو أخاه خالد بن الوليد إلى الإسلام [ (1) ] . وقيل إنه أفلت من الحبس بمكة، وخرج على رجليه، فمات على ميل من المدينة، ورثته ابنة عمه أم سلمة بشعر [ (2) ] ، وله ابن كان اسمه الوليد بن الوليد بن الوليد، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه [ (3) ] . والوليد بن عبد شمس بن المغيرة ابن عم أم سلمة، أمه قيلة بنت جحش ابن ربيعة بن أهيب بن الضباب بن حجير بن عبد معيص بن عامر بن لؤيّ، أسلم يوم الفتح، وقتل باليمامة شهيدا مع ابن عمه خالد بن الوليد، وله من   [ () ] وما قاله الجون بن أبى الجنون الخزاعي، وما قاله حسان بن ثابت، وما قاله ضرار بن الخطاب، في قصة أبى أزيهر من الشعر، الّذي قد بلغ سبعة وعشرين بيتا، أمسكنا عن ذكرها خشية الإطالة، فلتراجع في (المرجع السابق) . [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 140- 41، (سيرة ابن هشام) : 3/ 273. [ (2) ] قالت أم سلمة بنت أبى أمية: يا عين فابكى للوليد ... بن الوليد بن المغيرة كان الوليد بن الوليد ... أبو الوليد فتى العشيرة فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقولي هكذا يا أم سلمة، ولكن قولي: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق: 19] ، والخبر بتمامة في (طبقات ابن سعد) : 4/ 131- 134. [ (3) ] قال ابن سعد: فدخل المدينة فمات بها، وله عقب، منهم: أيوب بن سلمة بن عبد اللَّه بن الوليد بن الوليد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما اتخذتم الوليد إلا حنانا، فسماه عبد اللَّه. (المرجع السابق) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 الولد عبد الرحمن [ (1) ] . وأبو عمرو بن حفص بن المغيرة، أمه درة بنت خزاعيّ بن الحارث بن الحويرث الثقفي، وهو زوج فاطمة بنت قيس. أخت الضحاك بن قيس، قيل اسمه عبد الحميد، وقيل أحمد، وقيل اسمه كنيته، أسلم وخرج مع على رضى اللَّه عنه إلى اليمن، فبعث من هناك بطلاق امرأته فاطمة ابنة قيس، وهو الّذي كلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه لما عزل خالد بن الوليد، وقال له: لقد نزعت غلاما- أو قال عاملا- استعمله رسول اللَّه، وغمدت سيفا سلّه اللَّه، ووضعت لواء نصبه رسول اللَّه، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم [ (2) ] .   [ (1) ] (الكامل في التاريخ) : 2/ 367، ذكره ابن الأثير فيمن قتل باليمامة، (الإصابة) : 6/ 614، ترجمة رقم (9152) . [ (2) ] هو أبو عمرو بن حفص بن المغيرة، ويقال: أبو عمرو بن حفص بن عمرو بن حفص بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم القرشيّ المخزومي، قيل: اسمه عبد الحميد، وقيل: اسمه أحمد، وقيل: بل اسمه كنيته، بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مع على بن أبى طالب، حين بعث عليا أميرا إلى اليمن، فطلق امرأته هناك فاطمة بنت قيس الفهرية، وبعث إليها بطلاقها، ثم مات هناك. [في هوامش (الاستيعاب) ] : هذا لا يصح، لأنه قد ذكر بعد ذلك أنه كلم عمر في أمر خالد. روى الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن فاطمة بنت قيس الفهرية، أنها كانت تحت أبى عمرو بن حفص، فلما أمرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عليا على اليمن خرج معه، وأرسل إليها بتطليقة هي بقية طلاقها. قال أبو عمر: قد اختلف في صفة طلاقه إياها على ما ذكرناه في كتاب (التمهيد) . وأبو عمرو هذا، هو الّذي كلم عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه وواجهه في عزل خالد بن الوليد. ذكر النسائي، قال: أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، قال: حدثنا وهب بن زمعة، قال: حدثنا عبد اللَّه بن المبارك عن سعيد بن زيد، قال: سمعت الحارث بن يزيد يحدث عن على بن رباح، عن ناشرة بن سمى البزنى قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول يوم الجابية في حديث ذكره: وأعتذر إليكم من خالد بن الوليد، فإنّي أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس وذا اليسار وذا الشرف، فنزعته، وأثبت أبا عبيدة بن الجراح، فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: واللَّه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249   [ () ] لقد نزعت غلاما- أو قال: عاملا- استعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وغمدت سيفا سلّه اللَّه، ووضعت لواء نصبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم. فقال عمر: أما إنك قريب القرابة، حديث السنّ. قال إبراهيم بن يعقوب: سألت أبا هشام المخزومي- وكان علامة بأسمائهم- عن اسم أبى عمرو هذا، فقال: اسمه أحمد. وذكر البخاري هذا الخبر في التاريخ عن عبدان، عن ابن المبارك بإسناده نحوه، وأخرجه فيمن لا يعرف اسمه من الكنى المجردة عن الأسماء. (الإصابة) : 7/ 287، ترجمة رقم (10285) ، (الاستيعاب) 40/ 1719- 1720، ترجمة رقم (3104) ، (التاريخ الكبير) : 8/ 54، ترجمة رقم (469) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 إخوة أم سلمة وأما إخوة أم سلمة رضى اللَّه تعالى عنها: عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة، وهشام وزهير ابنا أبى أمية بن المغيرة، وقد تقدم ذكرهما. والمهاجر بن أبى أمية بن المغيرة أخو أم سلمة شقيقها، كان اسمه الوليد، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم «المهاجر» لما هاجر إلى المدينة، ثم بعثه إلى الحارث ابن عبد كلال ملك اليمن، واستعمله أيضا على صدقات كندة، والصدف، ثم ولاه أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه اليمن، ففتح حصن النّجير بحضر موت [ (1) ] .   [ (1) ] هو المهاجر بن أبى أمية بن عبد اللَّه بن عمر مخزوم القرشيّ المخزومي، أخو أم سلمة- زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- شقيقها. قال الزبير: شهد بدرا مع المشركين، وقتل أخواه يومئذ: هشام، ومسعود، وكان اسمه الوليد، فغيره النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وولاه لما بعث العمال على صدقات صنعاء، فخرج عليه الأسود العنسيّ، ثم ولاه أبو بكر، وهو الّذي افتتح حصن النّجير الّذي تحصنت به كندة في الردة، وهو زياد بن لبيد [أو لبيدة] . وقال المرزباني في (معجم الشعراء) : قاتل أهل الردة، وقال في ذلك أشعارا. وذكر سيف في (الفتوح) : أن المهاجر كان تخلف عن غزوة تبوك، فرجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو عاتب عليه، فلم تزل أم سلمة تعتذر عنه حتى عذرة، وولاه.. وأخرج الطبراني من طريق محمد بن حجر- بضم المهملة وسكون الجيم- ابن عبد الجبار بن وائل ابن حجر الحضرميّ، عن عمه سعيد بن عبد الجبار عن أبيه، عن أمه أم يحيى، عن وائل بن حجر، قال: وفدن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فرحب بى وأدنى مجلسى، فلما أردت الرجوع كتب ثلاث كتب: كتاب خاص بى فضلني فيه على قومي: بسم اللَّه الرحمن الرحيم من محمد رسول اللَّه إلى المهاجر ابن أمية: إن وائلا يستسعى ويترفل على الأقيال حيث كانوا من حضرموت. (المصباح المضيء) : 1/ 256- 257، ترجمة رقم (42) ، (مجموعة الوثائق السياسية) : 39- 140، رسالة رقم (132) ، (الإصابة) : 6/ 328- 329، ترجمة رقم (8359) ، (الاستيعاب) : 4/ 1452- 1453، ترجمة رقم (2502) ، (معجم البلدان) : موضع رقم (3388) ، (5990) ، (11943) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 وأبو عبيدة بن أبى أمية بن المغيرة [ (1) ] . وهشام بن أبى أمية بن المغيرة، قتل يوم أحد كافرا [ (2) ] . ومسعود بن أبى أمية بن المغيرة قتل يوم بدر كافرا [ (3) ] . وربيعة بن أبى أمية بن المغيرة. [ (4) ] وعبد اللَّه ابن أبى أمية بن المغيرة [ (5) ] ، أخو أم سلمة، تقدم ذكره في   [ (1) ] لم أجد له ترجمة. [ (2) ] قال ابن إسحاق، وقد ذكر من قتل من المشركين يوم أحد: ومن بنى مخزوم بن يقظة، هشام بن أبى أمية بن المغيرة، قتله قزمان. [ (3) ] قال ابن إسحاق، وقد ذكر من قتل من المشركين يوم بدر: ومسعود بن أبى أمية بن المغيرة، قتله على ابن أبى طالب. [ (4) ] لم أجد له ترجمة. [ (5) ] قال ابن إسحاق، وقد ذكر إسلام أبى سفيان بن الحارث، وعبد اللَّه بن أبى أمية: وقد كان أبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب، وعبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة، قد لقيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول اللَّه، ابن عمك، وابن عمتك، وصهرك، قال: لا حاجة لي بهما، أما ابن عمى فهتك عرضي، وأما ابن عمتي وصهري، فهو الّذي قال لي بمكة ما قال، [يعنى حين قال له: واللَّه لا آمنت بك حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج فيه وأنا انظر، ثم تأتى بصك وأربعة من الملائكة يشهدون أن اللَّه قد أرسلك] . قال: فما خرج الخبر إليهما بذلك، ومع أبى سفيان، بنى له، [لم يذكر ابن إسحاق اسم ابنه ذلك، ولعله أن يكون جعفرا، فقد كان إذ ذاك غلاما مدركا، وشهد مع أبيه حنينا، ومات في خلافة معاوية] . فقال: واللَّه ليأذن لي، أولا لآخذن بيدي بنى هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا، فلما بلغ ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رقّ لهما، ثم أذن لهما، فدخلا عليه فأسلما. وأنشد أبو سفيان بن الحارث قوله في إسلامه، واعتذر إليه مما كان مضى منه، فقال في ذلك تسعة أبيات ذكرها ابن هشام في (السيرة) ، وحيث يقول في البيت الثالث منها. هداني هاد غير نفسي ونالني ... مع اللَّه من طردت كلّ مطرّد. قال ابن إسحاق: وزعموا أنه حين أنشد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قوله: «ونالني مع اللَّه من طردت كل مطرد» ضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في صدره وقال: أنت طردتني كل مطرد. (سيرة ابن هشام) : 5/ 56- 58. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 أبناء العمات. وقريبة الكبرى ابنة أبى أمية بن المغيرة كانت تحت زمعة بن الأسود [ (1) ] ، وقريبة الصغرى أخت أم سلمة، كانت تحت عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، فولدت له عبيد اللَّه، وأم حكيم وأمها عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، وكان عمار بن ياسر أخا لأم سلمة بن القضاعة [ (2) ] .   [ (1) ] قال ابن سعد في (الطبقات) : 4/ 121: هي أم يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصىّ. [ (2) ] قريبة بفتح أوله- وقيل بالتصغير- بنت أبى أمية بن المغيرة المخزومية أخت أم سلمة. قالت أم سلمة: لما وضعت زينب جاءني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخطبني، فذكرت قصة تزويجها ودخوله عليها، واشتغالها برضاع زينب، حتى جاء يوما فلم يرها، فقال: أين زينب؟ فقالت: قريبة، ووافقها عبد اللَّه: أخذها عمار بن ياسر، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أنا آتيكم الليلة، فدخل على أم سلمة. وقال البلاذري: تزوجها معاوية بن أبى سفيان لما أسلم، وقال ابن سعد: هي قريبة الصغرى، أمها عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، قال: وتزوجها عبد الرحمن بن أبى بكر، فولدت له عبد اللَّه، وأم حكيم، وحفصة، ثم ساق بسند صحيح إلى ابن أبى مليكة، قال: تزوج عبد الرحمن قريبة أخت أم سلمة، وكان في خلقه شدة، فقالت له يوما: أما واللَّه لقد حذرتك، قال: فأمرك بيدك. قالت: لا أختار على ابن الصديق أحدا، فأقام عليها. قال الحافظ في (الإصابة) : وكانت موصوفة بالجمال، فقد وقع عند عمر بن شبة في كتاب (مكة) ، عن يعقوب بن القاسم الطلحي، عن يحيى بن عبد اللَّه بن أبى الحارث الزمعى، قال: لما فتحت مكة، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لسعد بن عبادة لما قال: ما رأينا من نساء قريش ما كان يذكر من جمالهن: هل رأيت بنات أبى أمية بن المغيرة؟ هل رأيت قريبة؟. قال ابن إسحاق، وقد ذكر قوله تعالى وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ: كان ممن طلق عمر بن الخطاب، طلق امرأته قريبة بنت أبى أمية بن المغيرة، فتزوجها بعده معاوية بن أبى سفيان، وهما على شركهما بمكة. (سيرة ابن هشام) : 4/ 296، (الإصابة) : 8/ 81- 82، ترجمة رقم (11645) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 191. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش عبد اللَّه بن جحش أحد البدريين [ (1) ] ، وأبو أحمد عبد بن جحش.   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي، أمه أميمة بنت عبد المطلب، وهو حليف لبني عبد شمس، وقيل حليف لحرب بن أمية. أسلم- فيما ذكر الواقدي- قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دار الأرقم، وكان هو وأخوه أبو أحمد عبد ابن جحش من المهاجرين الأولين، ممن هاجر الهجرتين، وأخوهما عبد اللَّه بن جحش تنصر بأرض الحبشة، ومات بها نصرانيا، وبانت منه امرأته أم حبيبة بنت أبى سفيان، فتزوجها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأختهم زينب بنت جحش، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأم حبيبة وحمنة. وكان عبد اللَّه ممن هاجر إلي أرض الحبشة مع أخويه: أبى أحمد وعبيد اللَّه بن جحش، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، واستشهد يوم أحد، يعرف بالمجدّع في اللَّه، لأنه مثّل به يوم أحد وقطع أنفه. عن زياد بن علاقة، عن سعد بن أبى وقاص، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خطبهم وقال: لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم، ولكنه أصبركم للجوع والعطش، فبعث عبد اللَّه بن جحش. وروى عاصم الأحول، عن الشعبي أنه قال: أول لواء عقده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلعبد اللَّه بن جحش حليف لبني أمية. وقال ابن إسحاق: بل لواء عبيدة بن الحارث، وقال المدائني: بل لواء حمزة، وعبد اللَّه بن جحش هذا هو أول من سنّ الخمس من الغنيمة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أن يفرض اللَّه الخمس، فأنزل اللَّه تعالى بعد ذلك آية الخمس، فكان أول من خمّس في الإسلام، ثم أنزل اللَّه تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال: 41] . وروى ابن وهب قال: أخبرنى أبو صخر عن ابن قسيط، عن إسحاق بن سعد بن أبى وقاص، عن أبيه، أن عبد اللَّه بن جحش قال له يوم أحد: ألا تأتى فندعوا اللَّه، فجلسوا في ناحية، فدعا سعد وقال: يا رب، إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك، ويقاتلني، ثم ارزقنى عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سلبه، فأمّن عبد اللَّه بن جحش، ثم قال: اللَّهمّ ارزقنى غدا رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك ويقاتلني فيقتلني، ثم يأخذنى فيجدع أنفى وأذنى، فإذا لقيتك قلت: يا عبد اللَّه، فيم جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت. قال سعد: كانت دعوة عبد اللَّه بن جحش خيرا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار، وإن أذنه وأنفه معلقان جميعا في خيط. وذكر الزبير في (الموفقيات) : أن عبد اللَّه بن جحش انقطع سيفه يوم أحد، فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عرجون نخلة، فصار في يده سيفا، يقال: إن قائمته منه، وكان يسمى العرجون، ولم يزل يتناول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 وقيل: ثمامة بن جحش الشاعر، أحد المهاجرين، وعبيد اللَّه بن جحش الّذي تنصر بالحبشة، وكانت قريش قد اجتمعت عند صنم لهم فقال ورقة وعبيد اللَّه بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو: لقد أخطأ قومنا دين إبراهيم، ما حجر نطيف به [لا يسمع ولا يبصر] ولا يضر ولا ينفع [يا قوم التمسوا لأنفسكم، فإنكم واللَّه ما أنتم على شيء] فتفرقوا في البلاد يلتمسون الحنيفية [دين إبراهيم] ، فأما ورقة ابن نوفل فاستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها، وأقام عبيد اللَّه على الالتباس حتى أسلم وهاجر إلى الحبشة فتنصر بها، ومات نصرانيا، وقدم عثمان بن الحويرث على قيصر فتنصر، ووقف زيد بن عمرو فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية. وأم حبيبة بنت جحش، وحمنة بنت جحش، وقد تقدم ذكرهم في أبناء العمات.   [ () ] حي بيع من بغا التركي بمائتي دينار، ويقولون: إنه قتله يوم أحد أبو الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي، وهو يوم قتل ابن نيّف وأربعين سنة. قال الواقدي: دفن هو وحمزة في قبر واحد، وولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تركته، فاشترى لابنه مالا بخيبر، له ترجمة في: (الاستيعاب) : 3/ 877- 880، ترجمة رقم (1484) ، (الإصابة) : 4/ 35- 37، ترجمة رقم (4586) ، (طبقات ابن سعد) : 2/ 10، 11، 4/ 102، 131، 137، 3/ 10، 13، 390، 462، 8/ 46، 241، 245، (مغازي الواقدي) : 2، 13، 16، 17، 19، 140، 154، 253، 274، 291، 300، 839، 840، 841، (سيرة ابن هشام) : 2/ 50، 51، 52، 166، 5/ 9، 14، 6/ 59. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم حبيبة الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أمه وأم أخته: الفارعة بنت حرب من بنى تميم، وكان نديما للعوام بن خويلد ابن أسد بن عبد العزى، وتزوج صفية عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فولدت صفيّا [ (1) ] . ومحمد بن عبد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر الأسدي أبو محمد، هاجر مع أبيه وعمه أبى أحمد إلى المدينة، وقتل أبوه بأحد، فأوصى به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان [ (2) ] محمد [بن عبد اللَّه بن جحش] [ (3) ] في حجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عند زينب بنت جحش، أم المؤمنين رضى اللَّه عنها، ذكره الحافظ أبو نعيم، وانفرد النسائي بحديثه [ (4) ] . وعمر بن حرب بن أمية، أمه وأم أخيه عمرو، وأخته أم جميل حمالة الحطب: فاختة بنت عامر بن معتب الثقفي، وله من الولد أمية بن عمرو، وسلمى بنت عمر، ولدت لحنظلة بن أبى سفيان صخر بن حرب ولدا اسمه ربيعة بن حنظلة، وأخوهما لأمهما الفارعة بنت عدي بن نوفل بن عبد مناف، هو عبّاس بن علقمة بن عبد اللَّه بن أبى قيس بن عبد ودّ بن نصر ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ ولا عقب لعمر [ (5) ] . وعمرو بن حرب ابن أمية [ (6) ] .   [ (1) ] قال ابن قتيبة: وكانت صفية بنت عبد المطلب عند الحارث بن حرب بن أمية، ثم خلف عليها العوام بن خويلد، وهي أم الزبير بن العوام. (المعارف) : 128. [ (2) ] في (خ) : «وكانت» . [ (3) ] زيادة للسياق والنسب. [ (4) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 3/ 1373- 1374، ترجمة رقم (2335) ، (سيرة ابن هشام) : 2/ 319. [ (5) ] ، (6) لم أجد له ترجمة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 والفارعة بنت حرب بن أمية [ (1) ] ، أمها وأم أخيها أبى سفيان صخر بن حرب، وأم أختها فأخته صفية بنت حزن بن البجير بن الهزم بن رويبة بن عبد اللَّه بن هلال بن عامر بن صعصعة، وهي عمة أم الفضل امرأة العباس ابن عبد المطلب أم بنيه، وعمة ميمونة أم المؤمنين رضى اللَّه عنها، وكانت الفارعة هذه- وهي الكبرى- تحت الأسود بن عبد المطلب بن أسد، فولدت له فاختة بنت الأسود [ (2) ] . وفاختة بنت حرب بن أمية [ (3) ]- وهي الكبرى- كانت عند شيبة بن ربيعة، فولدت له عبد الرحمن بن شيبة، والفارعة الصغرى بنت حرب بن أمية، وفاختة الصغرى بنت حرب بن أمية، أمها أم قتال بن عبد الحارث بن زهرة، وكانت عند قيس بن عبد اللَّه بن يعمر الشداخ، فولدت له الجثامة ابن قيس [ (4) ] ، ثم خلف عليها غزوان بن جابر بن شبيب المازني، فولدت له فاختة بنت غزوان [ (5) ] . وأم جميل بنت حرب بن أمية- وهي التي سماها اللَّه تعالى في كتابه   [ (1) ] لم أجد له ترجمة. [ (2) ] هي فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسديّة، كانت تحت صفوان بن أمية بن خلف الجمحيّ، خلف عليها بعد أبيه، ففرق الإسلام بينهما. أخرجه المستغفري من طريق محمد بن ثور، عن ابن جريج، قال: فرّق الإسلام بين أربع وبين أبناء بعولتهن، فذكرها. (الإصابة) : 8/ 46 ترجمة رقم (11565) . [ (3) ] لم أجد لهم ترجمة. [ (4) ] جثّامة- بفتح أوله وتثقيل المثلثة- ابن قيس- ذكره ابن مندة، وروى من طريق حبيب بن عبيد الرّحبىّ، عن أبى بشر، عن جثامة بن قيس- وكان من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- مرفوعا: من صام يوما في سبيل اللَّه باعده اللَّه عن النار مائة عام، وفي الإسناد من لا يعرف. (الإصابة) : 1/ 464، ترجمة رقم (1099) . [ (5) ] هي فاختة بنت غزوان- بفتح المعجمة وسكون الزاى- ابن جابر بن وهب المازني، كانت من المهاجرات. (الإصابة) : 8/ 47، ترجمة رقم (11571) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 العزيز: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، امرأة أبى لهب بن عبد المطلب، لأنها كانت تحمل أغصان العضاة والشوك، فتطرحها في طريق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أو لأنها حمالة النميمة، تحطب على ظهرها. ولم نزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ* سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ* وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [ (1) ] ، قالت أم جميل: هجاني محمد، واللَّه لأهجونّه: محمّدا قلينا ... ودينه أبينا وأخذت فهرا لتضربه، فأغشى اللَّه عينيها عنه، وردها بغيظها، وهي أم عتبة، وعتيبة، بنى أبى لهب [ (2) ] .   [ (1) ] سورة المسد كلها، سمّيت هذه السورة في أكثر المصاحف: «سورة تبّت» ، وكذلك عنونها الترمذي في (جامعة) ، وفي أكثر كتب التفسير، تسمية لها بأول كلمة فيها. وسميت في بعض المصاحف وبعض التفاسير «سورة المسد» ، واقتصر في (الإتقان) على هذين. وسماها بعض المفسرين: «سورة أبى لهب» ، على تقدير: سورة ذكر أبى لهب، وعنونها أبو حيان في تفسيره: «سورة اللهب» ، ولم أره لغيره. وعنونها ابن العربيّ في (أحكام القرآن) : «سورة ما كان من أبي لهب» ، وهو عنوان وليس باسم. وهي مكية بالاتفاق، وعدّت السادسة من السور نزولا، نزلت بعد سورة الفاتحة، وقبل سورة التكوير. وعدد آياتها خمس. روى أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة، وسبب نزولها على ما في الصحيحين، عن ابن عباس، قال: صعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم على الصفا، فنادى: «يا صباحاه» ، [كلمة ينادى بها للإنذار من عدوّ يصبّح القوم] ، فاجتمعت إليه قريش، فقال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، أرأيتم لو أنى أخبرتكم أن العدو ممسيكم أو مصبحكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا: ما جرّ بنا عليك كذبا، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟! فنزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. [ (2) ] وأبو لهب: هو عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عمّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكنيته أبو عتبة تكنية باسم ابنه، وأما كنيته بأبي لهب في الآية، فقيل: كان يكنّى بذلك في الجاهلية [لحسنه وإشراق وجهه] ، وأنه اشتهر بتلك الكنية، كما اقتضاه حديث طارق المحاربي، ومثله حديث من ربيعة بن عباد الديليّ في (مسند أحمد) . فسماه القرآن بكنيته دون اسمه، لأن في اسمه عبادة العزّى، وذلك لا يقرّه القرآن، أو لأنه كان بكنيته أشهر منه باسمه العلم، أو لأن في كنيته ما يتأتى به التوجيه بكونه صائرا إلى النار، وذلك كناية عن كونه جهنميا، لأن اللهب: ألسنة النار إذا اشتعلت وزال عنها الدخان. والأب يطلق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258   [ () ] على ملازم ما أضيف إليه، كما كنى إبراهيم عليه السّلام: أبا الضيفان، وكنّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عبد الرحمن بن بن صخر الدوسيّ: أبا هريرة، لأنه حمل هرة في كم قميصه، وكنى شهر رمضان: أبا البركات، وكنى الذئب: أبا جعدة [والجعدة سخلة المعز، لأنه يلازم طلبها لافتراسها] ، فكانت كنية أبى لهب صالحة، موافقة لحاله من استحقاقه لهب جهنم، فصار هذا التوجيه كناية عن كونه جهنميا، لينتقل من جعل أبى لهب بمعنى ملازم اللهب إلى لازم تلك الملازمة في العرف، وهو أنه من أهل جهنم، وهو لزوم ادعائى، مبنى على التفاؤل بالأسماء ونحوها. كما أشار التفتازاني في مبحث العلميّة من شرح (المفتاح) ، وأنشد قول الشاعر: قصدت أبا المحاسن كي أراه ... لشوق كان يجذبني إليه فلما أن رأيت رأيت فرنا ... ولم أر من بنيه ابنا لديه قوله تعالى: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ: استئناف ابتدائى للانتقال من إنشاء الشتم والتوبيخ إلى الإعلام بأنه آيس من النجاة من هذا التباب، ولا يغنيه ماله ولا كسبه، أي لا يغنى عنه ذلك في دفع شيء عنه في الآخرة، والتعبير بالماضي في قوله: ما أَغْنى لتحقيق وقوع عدم الإغناء. والمال: المتملكات المتمولة، وغلب عند العرب إطلاقه على الإبل، ومن كلام عمر رضى اللَّه عنه: «لولا المال الّذي أحمل عليه في سبيل اللَّه» ... في اتقاء دعوة المظلوم من (الموطأ) . وأهل المدينة، وخيبر، والبحرين، يغلب عندهم على النخيل. وروى عن ابن مسعود أن أبا لهب قال: «إن كان ما يقول ابن أخى حقا، فأنا أفتدي نفسي يوم القيامة بمالي وولدى» ، فأنزل اللَّه تعالى: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ، وقال ابن عباس: ما كَسَبَ، هو ولده، الولد من كسب أبيه. قوله تعالى: سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ، بيان لجملة ما أغنى عنه ماله وما كسب، أي لا يغنى عنه شيء من عذاب جهنم. ونزل هذا القرآن في حياة أبى لهب، وقد مات بعد ذلك كافرا، فكانت هذه الآية إعلاما بأنه لا يسلم، وكانت من دلائل النبوة. ووصف النار ب ذاتَ لَهَبٍ، لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وبين كفره، إذ هو أبو لهب، والنار ذات لهب. وبين لفظي لهب الأول ولهب الثاني، الجناس التام. قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، أعقب ذم أبى لهب ووعيده بمثل ذلك لامرأته، لأنها كانت تشاركه في أذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وتعين عليه. وامرأته: أي زوجته، قال تعالى في قصة إبراهيم: وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ. وفي قصة لوط: إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ، وفي قصة نسوة يوسف: امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259   [ () ] وامرأة أبى لهب، هي أم جميل، واسمها أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبى سفيان بن حرب، وقيل: اسمها العوراء، فقيل: هو وصف، وأنها كانت عوراء، وقيل: اسمها. وذكر بعضهم: أن اسمها العوّاء بهمزة بعد الواء. وكانت أم جميل هذه تحمل حطب العضاة والشوك، فتضعه في الليل في طريق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الّذي يسلك منه ليعقر قدميه. فلما خصل لأبى لهب وعيد مقتبس من كنيته، جعل لامرأته وعيد مقتبس لفظه من فعلها، وهو حمل الحطب في الدنيا، فأنذرت بأنها تحمل الحطب في جهنم ليوقد به على زوجها، وذلك خزي لها ولزوجها، إذ جعل شدة عذابه على يد أحب الناس إليه، وجعلها سببا لعذاب أعزّ الناس عليها. وقوله تعالى: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، قرأه الجمهور برفع حَمَّالَةَ على أنه صفة لامرأته، فيحتمل أنها صفتها في جهنم، ويحتمل أنها صفتها التي كانت تعمل في الدنيا بجلب حطب العضاة لتضعه في طريق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، على طريقة التوجيه والإيماء إلى تعليل تعذيبها بذلك. وقوله تعالى: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ، صفة ثانية، أو حال ثانية، وذلك إخبار بما تعامل به في الآخرة، أي يجعل لها حبل في عنقها تحمل فيه الحطب في جهنم، لإسعار النار على زوجها جزاء مماثلا لعملها في الدنيا، الّذي أغضب اللَّه تعالى عليها. والجيد: العنق، وغلب في الاستعمال على عنق المرأة، وعلى محل القلادة منه، فقلّ أن يذكر العنق في وصف النساء في الشعر العربيّ إلا إذا كان عنقا موصوفا بالحسن. قال السهيليّ في (الروض) : والمعروف أن يذكر العنق إذا ذكر الحلي أو الحسن، فإنما حسن هنا ذكر الجيد في حكم البلاغة، لأنها امرأة، والنساء تحلى أجيادهن، وأم جميل لا حلىّ لها في الآخرة إلا الحبل المجعول في عنقها، فلما أقيم لها ذلك مقام الحلي ذكر الجيد معه. والحبل: ما يربط به الأشياء التي يراد اتصال بعضها ببعض، وتقيد به الدابة، والمسجون كيلا يبرح من المكان، وهو ضفير من الليف. والمسدّ: ليف من ليف اليمن شديد، والحبال التي تقل منه تكون قوية وصلبة. وقدم الخبر من قوله: فِي جِيدِها للاهتمام بوصف تلك الحالة الفظيعة، التي عوّضت فيها بحبل في جيدها، عن العقد الّذي كانت تحلى به جيدها في الدنيا فتربط به، إذ قد كانت هي وزوجها من أهل الثراء وسادة أهل البطحاء. وقد ماتت أم جميل على الشرك. (تفسير التحرير والتنوير) : 30/ 599- 607 باختصار. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 إخوة أم حبيبة وأما إخوة أم حبيبة، فإنّهم سبعة رجال وسبع نسائهم: حنظلة بن أبى سفيان، وبه كان يكنى أبوه، وأمه وأم أخته أم حبيبة رضى اللَّه عنها وأم أميمة: صفيا ابنة أبى العاصي بن أمية بن عبد شمس، وشهد بدرا مع قومه كافرا [ (1) ] ، فقتله على رضى اللَّه عنه [ (2) ] ، فلما قتل أبو سفيان بن حرب حنظلة بن أبى عامر غسيل الملائكة يوم أحد قال: حنظلة بحنظلة، ولم يعقب حنظلة بن أبى سفيان [ (3) ] . ومعاوية بن أبى سفيان، وقد تقدم ذكره في الأسلاف. وعتبة بن أبى سفيان أبو الوليد، أدرك حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وولاه عمر   [ (1) ] قال ابن إسحاق: حدثني عبد اللَّه بن أبى بكر قال: فقيل لأبى سفيان: أفد عمرا ابنك، قال: أيجمع عليّ دمي ومالي؟ قتلوا حنظلة وأفدى عمرا! دعوة في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم، (سيرة ابن هشام) : 3/ 201. [ (2) ] قال ابن هشام: وقتل من المشركين يوم بدر من قريش، ثم من بنى عبد شمس بن عبد مناف: حنظلة ابن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن شمس، قتله زيد بن حارثة، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فيما قال ابن هشام، ويقال: اشترك فيه حمزة، وعلى، وزيد. (سيرة ابن هشام) : 3/ 263. [ (3) ] قال ابن هشام: والتقى حنظلة بن أبى عامر الغسيل. وأبو سفيان، فلما استعلاه حنظلة بن أبى عامر، رآه شداد بن الأسود، وهو ابن شعوب، قد علا أبا سفيان، فضربه شداد فقتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن صاحبكم- يعنى حنظلة- تغسله الملائكة [وفي غير السيرة: قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رأيت الملائكة تغسله في صحاف الفضة بماء المزن بين السماء والأرض] فسألوا أهله: ما شأنه؟ فسئلت صاحبته [يعنى امرأته: وهي جميلة بنت أبىّ بن سلول أخت عبد اللَّه بن أبى، وكان ابتنى بها تلك الليلة، فكانت عروسا عنده، فرأت في النوم تلك الليلة كأن بابا في السماء فتح له فدخله، ثم أغلق دونه، فعلمت أنه ميّت من غده، فدعت رجالا من قومها حين أصبحت، فأشهدتهم على الدخول بها، خشية أن يكون في ذلك نزاع. ذكره الواقدي] ، فقالت: خرج وهو جنب سمع الهاتفة. (سيرة ابن هشام) : 3/ 22- 23، (تاريخ الطبري) : 2/ 466، 521. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 ابن الخطاب رضى اللَّه عنه الطائف وصدقاتها، ثم ولاه أخوه معاوية بن أبى سفيان مصر بعد وفاة عمرو بن العاص، فمات بها بعد سنة وشهر في ذي الحجة سنة أربع وأربعين، ولم يكن في بنى أمية أخطب منه، وله أخبار عديدة [ (1) ] . ويزيد بن أبى سفيان، أمه زينب بنت نوفل بن خلف بن قواله بن حذيفة بن طريف بن علقمة، جذل الطعان بن فراس بن غنم بن كنانة، أسلم يوم الفتح، وشهد حنينا، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مائة بعير، وأربعين أوقيّة، وبعثه أبو بكر رضى اللَّه عنه في سنة اثنتي عشرة إلى فلسطين فيمن بعت، فشهد أجنادين، ثم ولاه عمر رضى اللَّه عنه على فلسطين، ثم ولى الشام، ومات في طاعون عمواس [ (2) ] . ومحمد بن أبى سفيان، أمه وأم أخيه عنبسة بن أبى سفيان: عاتكة بنت   [ (1) ] خطب أهل مصر يوما- وهو وال عليها- فقال: يا أهل مصر، خفّ على ألسنتكم مدح الحق ولا تأتونه، وذم الباطل وأنتم تفعلونه، كالحمار يحمل أسفارا يثقل حملها، ولا ينفعه علمها، وإني لا أداوى داءكم إلا بالسيف، ولا أبلغ السيف ما كفاني السوط، ولا أبلغ السوط ما صلحتم بالدرة، وأبطئ عن الأولى إن لم تسرعوا إلى الآخرة، فالزموا ما ألزمكم اللَّه لنا تستوجبوا ما فرض اللَّه لكم علينا، وهذا يوم ليس فيه عقاب ولا بعده عتاب، (الاستيعاب) : 3/ 1026، ترجمة رقم (1762) ، (الإصابة) : 5/ 60، ترجمة رقم (6248) . [ (2) ] هو يزيد بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، كان أفضل بنى أبى سفيان، كان يقال له: يزيد الخير، أسلم يوم فتح مكة، وشهد حنينا، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من غنائم حنين مائة بعير وأربعين أوقية، وزنها له بلال، واستعمله أبو بكر الصديق، وأوصافه، وخرج يشيعه راجلا. قال ابن إسحاق: لما قفل أبو بكر من الحج- يعنى سنة اثنتي عشرة- بعث عمرو بن العاص، ويزيد ابن أبى سفيان، وأبا عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة إلى فلسطين، وأمرهم أن يسلكوا على البلقاء، وكتب إلى خالد بن الوليد فسار إلى الشام، فأغار على غسان بمرج راهط، ثم سار فنزل على قناة بصرى، وقدم عليه يزيد بن أبى سفيان، وأبو عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، فصالحت بصرى، فكانت أول مدائن الشام فتحت. ثم ساروا قبل فلسطين، فالتقوا بالروم بأجنادين، بين الرملة وبيت جبرين، والأمراء كلّ على حدة، ومن الناس من يزعم أن عمرو بن العاص كان عليهم جميعا، فهزم اللَّه المشركين، وكان الفتح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 أبى أزيهر بن أنيس بن الخيسق بن كعب بن الحارث بن عبد اللَّه بن الحارث ابن الغطريف. من الأزد، عند ابن الكلبي في (الجمهرة) : أبو أزيهر بن أنيس بن الخيسق بن مالك بن سعد بن كعب بن الحارث، وهو الغطريف الأصغر بن عبد اللَّه بن عامر. وهو الغطريف الأكبر بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر ابن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد اللَّه بن مالك بن نصر بن الأزد. وأبو أزيهر هذا قتله هشام بن المغيرة، وكان جارا لأبى سفيان بن حرب وحليفا له فلم يطلب بدمه، وعيّره ابن حسان بن ثابت الأنصاري بإذن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وزوّج أبو أزيهر ابنته عاتكة أبا سفيان، فولدت له محمدا وعنبسة،   [ () ] بأحنادين، في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. فلما استخلف عمر ولى أبا عبيدة، وفتح اللَّه عليه الشامات، وولى يزيد بن أبى سفيان على فلسطين وناحيتها، ثم لما مات أبو عبيدة استخلف معاذ بن جبل، ومات معاذ، فاستخلف أخاه معاوية، وكان موت هؤلاء كلهم في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة. الوليد بن مسلم قال: مات يزيد بن أبى سفيان سنة تسع عشرة بعد أن افتتح قيسارية. قال ابن العماد الحنبلي- وقد ذكر أحداث سنة ثماني عشرة-: وفيها وقيل: في التي بعدها مات يزيد بن أبى سفيان ابن حرب، أفضل إخوته. له ترجمة في (تاريخ الطبري) : 3/ 387، 388، 390، 392، 394- 397، 403، 406، 408، 417، 427، 441، 442، 498، 604، 4/ 57، 60، 62، 67، 67، 289، 10/ 58، (سيرة ابن هشام) : 2/ 260، (الاستيعاب) : 4/ 1575، ترجمة رقم (2772) ، (الإصابة) : 6/ 658- 659، ترجمة رقم (9271) ، (شذرات الذهب) : 1/ 30. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 ولأبى أزيهر من الولد: أبو حناءة وجبله [وأنجب] [ (1) ] أبو حناءة سمية [ (2) ] ، تزوجها مجاشع بن مسعود السلمي، وقتل عنها يوم الجمل مع عائشة رضى اللَّه عنها، فخلف عليها عبد اللَّه بن عياش رضى اللَّه عنهما، وشميلة [ (3) ] هي [التي] [ (4) ] أسندت نصر بن حجاج [ (5) ] إلى صدرها فبرأ، فضرب لها مثلا   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] في (خ) : «شميلة» وصوبناه من (الإصابة) ، حيث قال الحافظ: أبو حناءة- بفتح أوله والنون والمد وهمزة قبل الهاء- ابن أزيهر الدوسيّ. له إدراك، وكان قتل أبى أزيهر بعد وقعة بدر، في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولأبى حناءة هذا بنت تسمى سمية، تزوجها مجاشع بن مسعود، وهي صاحبة القصة مع نصر ابن حجاج. (الإصابة) : 7/ 89، ترجمة رقم (9801) . [ (3) ] كذا في (خ) . وفي (الإصابة) : «سمية» . [ (4) ] زيادة للسياق. [ (5) ] هو نصر بن حجاج بن علاط السلمىّ، من أولاد الصحابة، وكان في زمانه رجلا، فدلّ ذلك على أنه ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد أخرج ابن سعد والخرائطى بسند صحيح، عن عبد اللَّه بن يزيد، قال: بينما عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه يعسّ ذات ليلة في خلافته، فإذا امرأة تقول: هل من سبيل إلى خمر لأشربها ... أو من سبيل إلى نصر بن حجاج فلما أصبح سأل عنه، فأرسل إليه، فإذا هو من أحسن الناس شعرا، وأصبحهم وجها، فأمره عمر أن يطمّ شعره، ففعل، فخرجت جبهته فازداد حسنا، فأمره أن يعتمّ فازداد حسنا، فقال عمر: لا والّذي نفسي بيده لا تجامعني ببلد، فأمر له بما يصلحه، وصيّره إلى البصرة. زاد الخرائطى بسند ليّن من طريق محمد بن سيرين، أنه لما دخل البصرة كان يدخل على مجاشع ابن مسعود لكونه من قومه، ولمجاشع امرأة جميلة يقال لها: الخضراء، فكان يتحدث مع مجاشع، فكتب نصر في الأرض: إني أحبك حبّا لو كان فوقك؟ لأظلك، أو كان تحتك لأقلك، وكانت المرأة تقرأ، ومجاشع لا يقرأ، فرأت المرأة الكتابة، فقالت: وأنا، فعلم مجاشع أن هذا الكلام جواب، فدعا بإناء فكبه على الكتابة، ودعا كاتبا فقرأه، فعلم نصر بذلك فاستحيا، وانقطع في منزله، فضنى حتى صار كالفرخ، فبلغ ذلك مجاشعا، فعلم سبب ذلك، فقال لامرأته: اذهبي فأسنديه إلى صدرك، وأطعميه الطعام، فعزم عليها، ففعلت، فتحامل نصر قليلا، وخرج من البصرة. وذكر الهيثم بن عدي أن مجاشعا كان خليفة أبى موسى، وأن أبا موسى لما علم بقصته أمره أن يخرج إلى فارس، فخرج إليها وعليها عثمان بن أبى العاص، فجرت له قصة مع دهقانة [تاجرة] ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 قول الأعشى: لو أسندت ميتا إلى صدرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر وعنبسة بن أبى سفيان [ (1) ] ، ولاه أخوه معاوية بن أبى سفيان الطائف، ثم عزله بأخيه عتبة، فعاتبه عنبسة، فقال له معاوية: إن عتبة بن هند، فقال عنبسة:   [ () ] فقال له: اخرج عنا، فقال: واللَّه لئن فعلتم هذا بى لألحقن بأرض الشرك، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب [إليهم] احلقوا شعره، وشمروا قميصه، وألزموه المسجد، (الإصابة) 6/ 485، ترجمة رقم (8845) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 285، 4/ 271. [ (1) ] عنبسة بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشيّ الأموي، أخو معاوية، ذكره ابن مندة، وقال: أدرك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولا تصح له صحبه ولا رؤية. قال الحافظ في (الإصابة) : إذا أدرك الزمن النبوي حصلت له الرؤية لا محالة، ولو من أحد الجانبين، ولا سيما مع كونه مع أصهار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أخته أم حبيبة أم المؤمنين، وقد اجتمع الجميع بمكة في حجة الوداع. ولعنبسة رواية عن بعض الصحابة في صحيح مسلم، وفي السنن، روى عن أخته أم حبيب. وشداد بن أوس. روى عنه أبو أمامة الباهلي، ويعلى بن عبيد [يعلى بن أمية] ، وهما أكبر منه سنا، وقد زاد: عمرو بن أوس الثقفي، والقاسم أبو عبد الرحمن، ومكحول، وعطاء، وحسان بن عطية، وغيرهم، قال أبو نعيم: اتفق متقدمو أئمتنا على أنه من التابعين. وذكر خليفة [بن خياط] أن معاوية أمّره على مكة، فكان إذا توجه إلى الطائف استخلف طارق ابن المرقع. وروى النسائي من طريق عطاء، عن يعلى بن أمية، قال: قدمت الطائف فدخلت على عنبسة بن أبى سفيان وهو في الموت، فقال: حدثتني أم حبيبة ... فذكر حديث: «من صلى في يوم اثنى عشرة ركعة دخل الجنة» . ورويناه في (الكنجروديات) من طريق عمرو بن أوس قال: دخلت على عنبسة وهو في الموت، فحدثني عن أخته أم حبيبة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «من صلى في النهار [أو من النهار] اثنى عشرة ركعة دخل الجنة» ، قال: فما تركتهن منذ سمعته من أم حبيبة. (الإصابة) : 5/ 69- 70، ترجمة رقم (6278 ز) ، (تهذيب التهذيب) : 8/ 142، ترجمة رقم (287) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/ 307، ترجمة رقم (5477) ، (طبقات ابن سعد) 6/ 349، (الكامل في التاريخ) : 3/ 419، 424، 456، 10/ 500. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 كنا بخير [ (1) ] صالح [ (2) ] ذات بيننا ... جميعا [ (3) ] ، فأمست فرّقت بيننا هند فإن تك هند لم تلدني فإنني ... لبيضاء ينميها غطارفة نجد أبوها أبو الأضياف في كل شتوة ... ومأوى ضعاف قد أضرّ بها الجهد [ (4) ] لها جفنات ما تزال مقيمة ... لمن ساقه غورا تهامة أو نجد [ (5) ] فقال له معاوية: لا تسمعه منى بعدها [ (6) ] وعمرو بن أبى سفيان، أمه وأم أختيه صخرة وهند: صفية بنت أبى عمرو بن أبى أمية بن عبد شمس، وأسر يوم بدر، فقيل لأبى سفيان: ألا تفتدى عمرا؟ فقال: قتل حنظلة وأفتدي عمرا فأصاب بمالي وولدى [ (7) ] ؟ لا أفعل، ولكن انتظر حتى أصيب منهم رجلا فأفديه به، فأصاب سعد بن النعمان بن أكال، وقد جاء معتمرا، فلما قضى عمرته صدر ومعه المنذر بن   [ (1) ] في (خ) : «يصحو» . [ (2) ] في (تاريخ الطبري) : «صالحا» . [ (3) ] في (تاريخ الطبري) : «قديما» . [ (4) ] في (تاريخ الطبري) : «ومأوى ضعاف لا تنوء من الجهد» . [ (5) ] هذا البيت في (المرجع السابق) : جفيناته ما إن تزال مقيمة ... لمن خاف من غورى تهامة أو نجد [ (6) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 171، 180، 230، 333، 6/ 241. [ (7) ] في (ابن هشام) : «أيجمع عليّ دمي ومالي؟ قتلوا حنظلة وأفدى عمرا، [دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم] . (سيرة ابن هشام) : 3/ 201. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 عمرو، فطلبهما أبو سفيان حتى أدرك سعدا فأسره [ (1) ] ، وفاته ابن المنذر فقال ضرار بن الخطاب في ذلك: تداركت سعدا عنوة فأسرته ... وكان شفاء لو تداركت منذرا فقال أبو سفيان: أرهط ابن أكّال أجيبوا دعاءه ... تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا. فإن بنى عمرو بن عوف أذلة [ (2) ] ... لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا ففادوه سعدا بابنه عمرو [ (3) ] ، وليس لعمر عقب. وأميمة بنت أبى سفيان [ (4) ] ، كانت تحت حويطب بن عبد العزى بن أبى   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] في (ابن هشام) : «فإن بنى عمرو لئام أذلة» . [ (3) ] فأجابه حسان بن ثابت فقال: لو كان سعد يوم مكة مطلقا ... لأكثر فيكم قبل أن يؤسر القتلا بعضب حسام أو يصفراء نبعة ... تحنّ إذا ما أنبضت تحفز النّبلا (سيرة ابن هشام) : 3/ 201- 202. [ (4) ] قال الحافظ في (الإصابة) : في ترجمة عاتكة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية: عن ابن جريج قال: جاء الإسلام وعند أبى بن حرب ست نسوة، وعند صفوان بن أمية ست: أم وهب بنت أبى أمية بن قيس من العياطلة. وفاضة بنت الأسود بن المطلب، وأميمة بنت أبى سفيان ابن حرب، وعاتكة بنت المغيرة، وبرزة بنت مسعود بن عمرو، وبنت ملاعب الأسنة عامر بن مالك، فطلّق أم وهب وكانت قد أسنّت، وفرّق الإسلام بينه وبين فاختة بنت الأسود، وكان أبوه تزوجها فخلف هو عليها، ثم طلق عاتكة في خلافة عمر بن الخطاب. (الإصابة) : 7/ 512، ترجمة رقم (10802) ، 8/ 15، ترجمة رقم (11454) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 قيس من بنى عامر بن لؤيّ [ (1) ] ، فولدت له أبا سفيان بن حويطب، وأسلم مع أبيه يوم الفتح [ (2) ] ، وتزوجها صفوان بن خلف الجمحيّ، فولدت له عبد الرحمن بن صفوان [ (3) ] ، وهو مذكور في الصحابة هو وأبوه. وجويرية بنت أبى سفيان [ (4) ] أسلمت بعد الفتح، ثم شهدت اليرموك، وقد تزوجها السائب بن أبى حبيب بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، ثم خلف عليها عبد الرحمن بن الحارث بن أمية الأصغر. وأم الحكم بنت أبى سفيان [ (5) ] ، أمها وأم عتبة وجويرية. ومعاوية: هند بنت عتبة، وتزوجها عبد اللَّه بن عثمان بن ربيعة الثقفي، فولدت له عبد الرحمن بن عبد اللَّه الّذي يقال له: ابن أم الحكم. وصخرة بنت أبى سفيان [ (6) ] ، كانت تحت سعيد بن الأخنس بن شريق   [ (1) ] هو حويطب بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ القرشي العامري، أبو محمد، أو أبو الأصبغ. أسلم عام الفتح وشهد حنينا، وكان من المؤلفة قلوبهم، وجدّد أنصاب الحرم في عهد عمر رضى اللَّه عنه. قال البخاري: عاش مائة وعشرين سنة، وقال الواقدي: مات في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين، له ترجمة في (الإصابة) : 2/ 143، ترجمة رقم (1884) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 325، (الاستيعاب) : 1/ 407، ترجمة رقم (573) . [ (2) ] (الإصابة) : 7/ 182، ترجمة رقم (10029) ، (الاستيعاب) : 4/ 1677، ترجمة رقم (3004) . [ (3) ] (الإصابة) : 5/ 40، ترجمة رقم (6225) ، (الاستيعاب) : 2/ 836، ترجمة رقم (1427) . [ (4) ] قال الحافظ: جويرية بنت أبى سفيان بن حرب شقيقة معاوية ذكرها ابن سعد في (الطبقات) وقال: تزوجها السائب بن أبى حبيب الأسدي. (الإصابة) : 7/ 568، ترجمة رقم (11007) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 174. [ (5) ] قال ابن عمر: أسلمت يوم الفتح، وكانت ممن نزل فيه: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الممتحنة: 10] ، ففارقها عياض بن غنم، وتزوجها عبد اللَّه بن عثمان الثقفي. (الإصابة) : 8/ 192، ترجمة رقم (1973) ، (الاستيعاب) : 4/ 1932، ترجمة رقم (4141) . [ (6) ] لم أجد لها ترجمة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 الثّقفي، فهي أم بنيه. وهند بنت أبى سفيان [ (1) ] ، [زوج الحارث بن نوفل] [ (2) ] ولدت بنيه عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل، وإخوته محمدا وربيعة، وعبد الرحمن بن الحارث. وميمونة بنت أبى سفيان [ (3) ] ، أمها لبانة بنت أبى العاصي بن أمية، وتزوجها أبو برة بن عروة بن مسعود، فولدت له ليلى ابنة أبى مرة، فتزوجها أبو عبد اللَّه الحسين بن على عليهما السلام، فولدت له على بن الحسين الأكبر. ورملة بنت أبى سفيان، تزوجها سعيد بن عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه [ (4) ] ، فولدت له محمدا، وأم رملة هذه من بنى الحارث بن عبد مناة، وأخوها لأمها سليمان بن أزهر بن عبد عوف الزهري.   [ (1) ] هي هند بنت أبى سفيان بن حرب بن أمية الأموية، أخت معاوية، كانت زوج الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، فولدت له ابنه محمدا، ذكر ذلك ابن سعد، وزاد: وعبد اللَّه، وربيعة، وعبد الرحمن، ورملة، وأم الزبير، قال: وأمها صفية بنت أبى عمرو بن أمية. (الإصابة) : 8/ 153، ترجمة رقم (11850) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 174. [ (2) ] زيادة للسياق من (الإصابة) . [ (3) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 468. [ (4) ] هو سعيد بن عثمان بن عفان بن أبى العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمه فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وأمها أسماء بنت أبى جهل بن هشام بن المغيرة، وأمها أروى بنت أبى العاصي بن أمية بن عبد شمس، وأمها رقية بنت الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم، وأمها رقية بنت أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمها خالدة بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي، فولد سعيد بن عثمان محمدا، وأمه رملة بنت أبى سفيان بن حرب بن أمية وكان قليل الحديث. (طبقات ابن سعد) : 5/ 153. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 صهره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل جويرية أخوها عمرو بن الحارث بن أبى ضرار المصطفى الخزاعي، مذكور في الصحابة [ (1) ] . أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل ميمونة رجل واحد، وأربع عشر امرأة، منهن خمس أخوات ميمونة لأبيها وأمها، وتسع أخواتها لأمها، فالأشقاء: لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهلالية [ (2) ] ، أم الفضل، زوجة   [ (1) ] هو عمرو بن الحارث بن أبى ضرار بن عائذ بن مالك بن جذيمة [أو خزيمة] وهو المصطلق بن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي المصطلقي، أخو جويرية زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. روى أبو إسحاق السبيعي عن عمرو بن الحارث أخى جويرية، قال: واللَّه ما ترك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، عند موته ديناراً، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا، إلا بغلته البيضاء وسلاحه، وأرضا تركها صدقة. (الإصابة) : 4/ 618، ترجمة رقم (5804) ، (الاستيعاب) : 3/ 1171، 1172، ترجمة رقم (1905) . [ (2) ] هي لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد اللَّه بن حلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، أم الفضل، زوج العباس بن عبد المطلب، ووالدة أولاده: الفضل، وعبد اللَّه، وغيرهما، وهي لبابة الكبرى، مشهورة بكنيتها، ومعروفة باسمها، وأمها خولة بنت عوف القرشية. قال ابن سعد: أم الفضل أول امرأة آمنت بعد خديجة، وروت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روى عنها ابناها: عبد اللَّه، وتمام، وعمير بن الحارث مولاها، وكريب مولى ابنها، وعبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن الحارث ابن نوفل وآخرون. وأخرج الزبير بن بكار وغيره من طريق إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: الأخوات الأربع مؤمنات: أم الفضل، وميمونة، وأسماء، وسلمى فأما ميمونة فهي أم المؤمنين، وهي شقيقة أم الفضل، وأما أسماء وسلمى فأختاهما من أبيهما، وهما بنتا عميس الخثعمية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 العباس، أم عبد المطلب، عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأم أكثر بنيه، يقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة رضى اللَّه عنها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يزورها ويقيل عندها، وروت عنه أحاديث خرّج [حديثها] الجماعة، وكانت من المنجبات، ولدت للعباس ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم، وهم: الفضل، وعبد اللَّه، وعبيد اللَّه، ومعبد، وقثم، وعبد الرحمن بنو العباس، وولدت له أيضا أم حبيب [ (1) ] ، وتوفيت، وفيها يقول عبد اللَّه بن يزيد الهلالي: ما ولدت نجيبة من فحل ... بجبل نعلمه وسهل كستّة من بطن أم الفضل ... أكرم بها من كهلة وكهل عم النبي المصطفى ذي الفضل ... وخاتم الرسل وخير الرسل ولبابة الصغرى بنت الحارث [ (2) ] بن حزن أم خالد بن الوليد، قال ابن عبد   [ () ] وأخرج ابن سعد بسند جيد، عن سماك بن حرب، أن أم الفضل قالت: يا رسول اللَّه، رأيت أن عضوا من أعضائك في بيتي، قال: تلد فاطمة غلاما وترضعينه بلبن قثم، فولدت حسينا، فأخذته، فبينا هو يقبّله إذ بال عليه فقرصته فبكى، قال صلّى اللَّه عليه وسلم: آذيتينى في ابني، ثم دعا بماء فحدره حدرا [أو فحدرته عليه حدرا] . ومن طريق قابوس بن المخارق نحوه، وفيه: فأرضعته حتى تحرك، فجاءت به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأجلسه في حجرة، فبال فضربته بين كتفيه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: أوجعت ابني رحمك اللَّه ... الحديث. وكان يقال لوالدة أم الفضل: العجوز الحرشية أكرم الناس أصهارا: ميمونة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، والعباس تزوج أختها شقيقتها لبابة، وحمزة تزوج أختها سلمى، وجعفر بن أبى طالب تزوج شقيقتها أسماء، ثم تزوجها بعده أبو بكر الصديق، ثم تزوجها بعده عليّ، قال أبو عمر: كانت من المنجبات، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يزورها. قال ابن حبان: ماتت في خلافة عثمان قبل زوجها العباس. (الإصابة) : 8/ 97، ترجمة رقم (11695) ، 8/ 267، ترجمة رقم (12000) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 202، (الاستيعاب) : 4/ 1907، ترجمة رقم (4080) . [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (الاستيعاب) : «أم حبيبة» . [ (2) ] هي لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم الهلالية، أخت لبابة الكبرى التي قبلها، تلقب بالعصماء، وأمها فاختة بنت عامر الثقفية، وهي والدة خالد بن الوليد. قال أبو عمر: في إسلامها وصحبتها نظر، وأقره ابن الأثير، وهو عجيب، وكأنه استبعده من جهة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 البر: في إسلامها وصحبتها نظر. وغصماء بنت الحارث بن حزن [ (1) ] ، وعزة بنت الحارث [ (2) ] ، وهزيلة بنت   [ () ] تقدم وفاة زوجها الوليد، أن تكون ماتت معه أو بعده بقليل، وليس ذلك بلازم، فقد ثبت أنها عاشت بعد وفاة خالد، ولها في ذلك قصة. فذكر أبو حذيفة في (المبتدإ والفتوح) ، عن محمد بن إسحاق، قال: لما مات خالد بن الوليد، خرج عمر رضى اللَّه عنه في جنازته، فإذا أمه تندبه وتقول أنت خير من ألف من القوم ... م إذا ما كنت في وجوه الرجال أشجاع فأنت أشجع من ليث ... صهر ابن جهم أبى الأشبال أجواد فأنت أجود من سيل ... أتى يستقل بين الجبال فقال عمر رضى اللَّه عنه: من هذه؟ فقيل: أمه، فقال: أمه، والإله- ثلاثا- وهل قامت النساء عن مثل خالد. وهذا وإن كان رواية أبى حذيفة، وهو ضعيف، لكن قد ذكر ابن سعد- وهو ثقة- عن كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، قال: لما توفى خالد بن الوليد بكت عليه أمه، فقال عمر: يا أم خالد، أخالدا أو أجره ترزئين! عزمت عليك إلا تثبت، حتى تسود يداك من الخضاب. وهذا مسند صحيح، وعلق البخاري قول عمر في النقع واللقلقة في البكاء على خالد، لكن لم يسمّ أمه. ومجموع ذلك يفيد أنها عاشت بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أفيظن بها أنها استمرت على الكفر من بعد الفتح إلى أن مات النبي (صلّى اللَّه عليه وسلم) ؟ هذا بعيد عادة، بل يبطله ما تقدم أنه لم يبق بالحرمين ولا الطائف أحد في حجة الوداع إلا أسلم وشهدها. (طبقات ابن سعد) : 8/ 346، (الإصابة) : 8/ 97، ترجمة رقم (11696) ، (الاستيعاب) : 4/ 909، ترجمة رقم (4081) ، (الإصابة) : 8/ 26، ترجمة رقم (11477) . [ (1) ] قال الكلبي: ولبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن، وهي العصماء، أم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ. (جمهرة النسب) : 368. [ (2) ] هي عزة بنت الحارث الهلالية، أخت ميمونة، ذكرها أبو عمر مختصرا، وقال: لم أر من ذكرها في الصحابة، وأظنها لم تدرك الإسلام. قال الحافظ: بل ذكرها ابن سعد في الغرائب من النساء الصحابيات مع أخواتها لأمها، وزعم أنها أخت ميمونة أم المؤمنين، وأنها تزوجت عبد اللَّه بن مالك بن الهزم، فولدت له زيادا، وعبد الرحمن، وبرزة، فولدت برزة الأصم والد يزيد، وقيل: هي والدة يزيد بن الأصم. قال: وقيل: إن برزة أخت عزة لأمها، قال: ويقال: إن عزة كانت عند رجل من بنى كلاب، فولدت فيهم. (الإصابة) : 8/ 24، ترجمة رقم (11471) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 25، (الاستيعاب) : 4/ 1886، ترجمة رقم (4032) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 الحارث [ (1) ] وأسماء بنت عميس بن معد [ (2) ] بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب اللَّه ابن شهران بن عفر بن ربيعة، حلف بن أفتل، وهو جماعة خثم بن أنمار. وقيل: أسماء بنت عميس بن مالك [ (3) ] بن النعمان بن كعب بن مالك ابن قحافة بن عامر بن زيد بن نسر بن وهب اللَّه الخثعمية، أخت ميمونة رضى اللَّه عنها لأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن كنانة، كانت من المهاجرات إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، فولدت له هناك محمدا وعبد اللَّه وعوفا، ثم هاجرت إلى المدينة، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه، فولدت له محمد ابن أبى بكر، ثم مات عنها، فتزوجها على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه،   [ (1) ] هي هزيلة بنت الحارث بن حزن الهلالية، أخت ميمونة أم المؤمنين، قيل: هي أم حفيد الآتية في الكنى [من (الإصابة) ] ، قاله أبو عمر، قال: وكانت نكحت في الأعراب، وهي التي أهدت الضّباب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وروى حديثها سليمان بن يسار وغيره عن ميمونة. قال الحافظ: قد أخرجه مالك في (الموطأ) ، عن عبد الرحمن بن أبى صعصعة، عن سليمان بن يسار، قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بيت ميمونة بنت الحارث، فإذا بضباب، ومعه عبد اللَّه بن عباس، وخالد بن الوليد، فقال: من أين لكم هذا؟ قالت: أهدته إليّ أختى هزيلة بنت الحارث، فقال لعبد اللَّه وخالد: كلا، فقال: ألا تأكل؟! قال: إني يحضرني من اللَّه حاضر. وأصل الحديث في الصحيحين، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قالت: أهدت خالتي أم حفيد بنت الحارث إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سمنا وأقطا وضبابا، فدعا بهن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأكلن على مائدته ... الحديث. وأخرجه أبو داود وغيره من رواية عمر بن حرملة، عن ابن عباس، فوقع في (مسند ابن أبى عمر العدني) من هذا الوجه بلفظ «أم عتيق» ، بعين مهملة بدل الحاء المهملة، وقاف في آخره بدل الدال، والمعروف «أم حفيد» . (الإصابة) : 8/ 147، ترجمة رقم (11833) ، 8/ 191، ترجمة رقم (11971) ، (الاستيعاب) : 4/ 1920، ترجمة رقم (4109) ، 4/ 1931، ترجمة رقم (4140) . [ (2) ] ، (3) (الإصابة) : 7/ 489، ترجمة رقم (10803) ، (الاستيعاب) : 4/ 1784، ترجمة رقم (3230) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 فولدت له يحى بن على، وقيل: ولدت أيضا عوفا. وقيل: كانت تحت حمزة رضى اللَّه عنه، فولدت له أمة اللَّه، وقيل: أمامة، ثم خلف عليها بعد شداد جعفر بن الهادي، فولدت له عبد اللَّه وعبد الرحمن. وقيل إن التي كانت تحت حمزة وشداد، سلمى بنت عميس أختها، وقيل: كانت أسماء قبل جعفر بن أبى طالب عند ربيعة بن رباح بن أبى ربيعة بن نهيل بن هلال بن عامر، فولدت له مالكا وعبد اللَّه وأبا هريرة بنى ربيعة، قاله ابن الكلبي [ (1) ] وتوفيت أسماء. وسلمى بنت عميس الخثعمية [ (2) ] ، لها صحبة، كانت تحت حمزة رضى اللَّه عنه، فولدت له أمة اللَّه، ثم خلف عليها بعد شداد بن الهادي، فولدت له عبد اللَّه وعبد الرحمن، وقيل غير ذلك كما تقدم.   [ (1) ] (جمهرة النسب) : 31. [ (2) ] هي إحدى الأخوات اللاتي قال فيهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: الأخوات مؤمنات، قاله ابن عبد البر، وقال: كانت تحت حمزة، فولدت له أمة اللَّه بنت حمزة، ثم خلف عليها بعد قتل حمزة شداد بن الهاد الليثي، فولدت له عبد اللَّه وعبد الرحمن، قال: وقد قيل: إن التي كانت تحت حمزة أسماء بنت عميس، فخلف عليها شداد. والأصح الأول. قال الحافظ: وأخرج ابن مندة، من طريق عبد اللَّه بن المبارك، عن جرير ابن حازم، عن محمد بن عبد اللَّه بن أبى يعقوب، وأبى فزارة جميعا، عن عبد اللَّه بن شداد، قال: كانت بنت حمزة أختى من أمى، وكانت أمّنا سلمى بنت عميس. وفي الصحيحين من حديث البراء في قصة بنت حمزة: لما اختصم فيها عليّ وجعفر وزيد بن حارثة، فقال جعفر: أنا أحق بها وخالتي تحتى. وقال ابن سعد: زوجها حمزة، وكانت أسلمت قديما مع أختها أسماء، فولدت لحمزة ابنته عمارة، وهي التي اختصم فيها عليّ وجعفر وزيد بن حارثة، ثم بانت سلمى من حمزة، فتزوجها شداد، فولدت له عبد اللَّه، فقضى بها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لجعفر، وقال: الخالة بمنزلة الأم، وكانت أسماء تحت جعفر، فتعين أن أمها سلمى، وقد بالغ ابن الأثير في الردّ على من زعم من أن أسماء كانت تحت حمزة. (طبقات ابن سعد) : 8/ 209، (الاستيعاب) : 4/ 1861، ترجمة رقم (3381) ، (الإصابة) : 7/ 706، ترجمة رقم (11317) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 [أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونساء أعمامه] ومن أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونساء أعمامه: خولة بنت قيس بن قهد [بالقاف] [ (1) ] بن قيس بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارية أم محمد [ (2) ] . وقيل: خولة بنت تامر- وقيل: تامر لقب لقيس بن قهد- كانت تحت حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، فولدت له عمارة بن حمزة، وخلف   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان من (الإصابة) . [ (2) ] هي خولة بنت قيس بن قهد- بالقاف- بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارية الخزرجية ثم النجارية أم محمد. يقال: هي زوج حمزة بن عبد المطلب، ثم قيل: غيرها. قال محمود بن لبيد، عن خولة بنت قيس بن قهد، وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب: أنها قالت: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على عمه- يعنى حمزة- فصنعت شيئا فأكلوه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا أخبركم بكفارات الخطايا؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، أخرجه ابن مندة بعلوّ. وأخرج أيضا من طريق قيس بن النعمان بن رفاعة: سمعت معاذ بن رفاعة بن رافع يحدث عن خولة بنت قيس بن قهد، قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فصنعت له حريرة [دقيق يطبخ بلبن أو دسم] ، فلما قدمتها إليه وضع يده فيها فوجد حرّها فقبضها، ثم قال: يا خولة، لا نصبر على حرّ ولا نصبر على برد. وقال ابن سعد: أمها الفريعة بنت زرارة، أخت أسعد بن زرارة، قال: وخلف عليها بعد حمزة بن عبد المطلب حنظلة بن النعمان بن عمرو بن مالك بن عامر بن العجلان. وأخرج أبو نعيم، من طريق أبى معشر، عن سعيد المقبري عن عبيد سنوطى، قال: دخلت على خولة بنت قيس التي كانت عند حمزة فتزوجها النعمان بن عجلان بعد حمزة، فقلت: يا أم محمد، انظري ما تحدثيننى، فإن الحديث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بغير ثبت شديد، فقالت: بئس ما لي أن أحدثهم عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بما سمعته وأكذب عليه، سمعته يقول: الدنيا حلوة خضرة من يأخذ منها ما يحلّ يبارك له فيه، وربّ متخوّض في مال اللَّه ... الحديث. [أي ربّ متصرف في مال اللَّه بما لا يرضاه اللَّه. وقيل: هو التخليط في تحصيله من غير وجهه كيف أمكن] . (الإصابة) : 7/ 625، ترجمة رقم (11126) ، (الاستيعاب) : 4/ 1833، ترجمة رقم (3324) ، (النهاية) : 2/ 88. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 عليها بعد حمزة رجل من الأنصار. ويقال لها: خويلة، روى لها البخاري والترمذي. وسلمى بنت عميس الخثعمية، كانت تحت حمزة أيضا، فولدت له أمامة [ (1) ] . ولبابة الكبرى بنت الحارث، زوجة العباس رضي اللَّه عنه، أم بنيه الفضل، وعبد اللَّه، وعبيد اللَّه، وقثم، وعبد الرحمن، ومعبد [ (1) ] . وحجيلة بنت جندب بن الربيع بن عامر بن كعب بن عمرو بن الحارث ابن عمرو بن سعد مالك بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. زوجة العباس، أم ولده الحارث بن عباس [ (2) ] . وفاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، زوجة أبى طالب، أم بنيه: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلى، رضي اللَّه عنهم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمى، أسلمت وهاجرت وماتت بالمدينة، فشهدها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وألبسها قميصه واضطجع معها في قبرها، فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه، فقال: إن لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بى منها، إنما ألبستها قميصي لتكتسى من حلل الجنة، واضطجعت معها ليهون عليها. وقيل: إنها ماتت قبل الهجرة، وليس بشيء [ (3) ] . وعاتكة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، زوجة   [ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتها. [ (2) ] قال أبو عمر: لكل ولد العباس رؤية والصحبة للفضل، وعبد اللَّه، وأمه حجيلة بنت جند بن الربيع الهلالية، وقيل: أم ولد. ثم قال: وأما الحارث بن العباس بن عبد المطلب فأمه من هذيل. (الإصابة) : 2/ 151، ترجمة رقم (1904) ، (الاستيعاب) : 1/ 195- 196، ترجمة رقم (240) . [ (3) ] (الإصابة) : 8/ 60، ترجمة رقم (11584) ، (الاستيعاب) : 4/ 1891، ترجمة رقم (4052) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 الزبير بن عبد المطلب، أم بنيه: الطاهر، وحجل، [وقرّة] [ (1) ] ، وعبد اللَّه، كان أبوها من أشراف قريش في الجاهلية، وأخوها هبيرة بن أبى وهب من فرسان قريش وشعرائهم، وهو زوج أم هانئ بنت أبى طالب، وفد يوم الفتح إلى نجران فمات بها كافرا، وترك أولادا من أم هانئ [ (2) ] . وغزية بنت قيس بن طريف من بنى الحارث بن فهر، زوجة الحارث بن عبد المطلب أم بنيه: أبى سفيان، وربيعة، ونوفل، وعبد شمس، وعبد اللَّه، وأمية [ (3) ] . وأم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف- وهي حمالة الحطب- امرأة أبى لهب بن عبد المطلب، أم بنيه: عتبة، ومعتب، وعتيبة [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] قال الكلبي: وكان للزبير بن عبد المطلب: الطاهر، وحجل، وقرة، وعبد اللَّه، قتل يوم أجنادين [موضع بالشام من نواحي فلسطين، وأمهم عاتكة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. (جمهرة النسب) : 34- 35. [ (3) ] لم أجد لها ترجمة. [ (4) ] سبق الكلام عنها في فصل [أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قتل أم حبيبة] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم أزواج عماته ومن أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم أزواج عماته، وهم تسعة: كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، زوج البيضاء أم حكيم بنت أبى طالب، أبو بنيها: عامر، وأم طلحة أرنب، وأروى أم عثمان، وأم كريز أم سكن بنت ظالم بن منقذ بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن مليح الخزاعي، وكان له من الولد أيضا فاختة، تزوجها أبو العاص ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، وأمها هند بنت جدعان بن عمرو ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، والحارث بن كريز أمه من عبد قيس، يقال له أبو كبشة، وكان عنده مسيلمة الكذاب، وعبيس بن كريز أمه أم عبيس، فتاة لبني تيم بن مرة، أسلمت فعذبت في اللَّه، حتى اشتراها أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه، فأعتقها [ (1) ] .   [ (1) ] هي أحد من كان يعذبه المشركون ممن سبق إلى الإسلام. قال أبو بشر الدولابي عن الشعبي: أسلمت وهي زوج كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، ولدت له عبيسا فكنيت به. وروى يونس بن بكير في (زيادات المغازي) لابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن أبا بكر الصديق رضي اللَّه عنه أعتق من ممن كان يعذب في اللَّه سبعة وهم: بلال، وعامر بن فهيرة، وزنبرة، وجارية ابنا المؤمل، والهندية، وابنتها، وأم عبيس. وأخرج محمد بن عثمان بن أبى شيبة في تاريخه، عن منجاب بن الحارث، عن إبراهيم بن يوسف ابن زياد البكائي، عن ابن إسحاق، عن حميد عن أنس: قال: قالت أم هانئ بنت أبى طالب: أعتق أبو بكر بلالا، وأعتق معه ستة، منهم أم عبيس. وأخرجه أبو نعيم، وأبو موسى، من طريقه. وقال الزبير بن بكار: كانت فتاة لنبي تيم بن مرة، فأسلمت أول الإسلام، وكانت ممن استضعفه المشركون يعذبونها فاشتراها أبو بكر فأعتقها، وكنيت بابنها عبيس بن كريز. قال الحافظ: قال البلاذري: كانت أمة لنبي زهرة، وكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها. (الإصابة) : 8/ 257- 258 ، ترجمة رقم (12159) ، (الاستيعاب) : 4/ 1946، ترجمة رقم (4182) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 وأبو أمية حذيفة بن الميغرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، أبو أولادها: عبد اللَّه، وزهير، وقريبة الكبرى، إخوة أم المؤمنين أم سلمة لأبيها [ (1) ] . وعبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (2) ] ، زوج برّة بنت عبد المطلب، أبو ابنها أبى سلمة عبد اللَّه، وأمه نعم بنت عبد العزى بن رباح بن عبد اللَّه بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كعب، وأبوها أبو سلمة تقدم ذكره، وله من الولد أيضا: سفيان بن عبد الأسد، والأسود بن عبد الأسد، وقتل الأسود ببدر كافرا، قتله حمزة، وكان قد حلف ليكسرن   [ (1) ] (الإصابة) : 8/ 81، ترجمة رقم (11645) . [ (2) ] قال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى: وولد هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم: عبد الأسد، فولد عبد الأسد: أبا سلمة، استخلفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم علي المدينة، واسمه عبد اللَّه، من قدماء الصحابة المهاجرين الأولين، وهو زوج أم سلمة أم المؤمنين قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والأسود بن عبد الأسود، أحد المستهزءين، قتل يوم بدر كافرا، وسفيان بن عبد الأسد. فولد أبو سلمة رضي اللَّه عنه سلمة، وعمر، وزينب، ودرّة: أمهم كلهم أم سلمة أم المؤمنين رضي اللَّه عنها. ولد عمر بأرض الحبشة وله عقب، وولّاه عليّ رضى اللَّه عنه علي البحرين، وكان له ابن اسمه سلمة بن عمر، ولزينب أيضا عقب، ولا عقب لدرة، ولا لسلمة، وزوّجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بنت حمزة، وكان لسلمة عقب انقرض، منهم: سلمة بن عبد اللَّه بن سلمة بن أبى سلمة بن عبد الأسد، ولى قضاء المدينة لعبد الرحمن بن الضحاك، وولد الأسود بن عبد الأسد: المرأة التي سرقت فقطعها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وولد سفيان بن عبد الأسد: الأسود، وهبّار، قتل يوم مؤتة، وعمر، هاجر إلى الحبشة، وعبيد اللَّه، قتل يوم اليرموك، وعبد اللَّه: أمهم كلهم صفية بنت الخطاب أخت عمر. وأبو سلمة، والحارث، وعبد الرحمن، وعبد الرحمن آخر، وعبد اللَّه، ومعاوية، وسفيان: أم هؤلاء أم جميل بنت المغيرة بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس. ومن ولده: رزق، وعبد اللَّه، ابنا الأسود بن سفيان بن عبد الأسد: أمهما أم حبيب بنت العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. ومن ولده أيضا: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبى سلمة بن سفيان بن عبد الأسد، استقضاه الهادي على مكة، واستقضاه المأمون ببغداد. (جمهرة أنساب العرب) : 143- 144. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 حوض النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقاتله حتى وصل إليه فأدركه حمزة وهو يكسره فقتله، فاختلط دمه بالماء. وأم سفيان من كندة، وأخوهما لأمهما أنس بن أذاه بن رباح [ (1) ] . وأبو رهم بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل، بن عامر بن لؤيّ، زوج برّة بعد عبد الأسد، وأبو ابنها أبى سبرة بن أبى رهم، أمه وأم أخيه حويطب بن عبد العزى زينب بنت علقمة بن غزوان بن يربوع بن الحارث بن سعد بن عمرو بن قبيص، وإخوته لأبيه: مخرمة الأكبر، ومخرمة الأصغر، وفاطمة. وعمير بن وهب بن عبد بن قصي، زوج أروى بنت عبد المطلب [ (2) ] ، أبو ابنها طليب، كان أبوه وهب يعرف بأبي كبيرة [ (3) ] .   [ (1) ] قال في (المرجع السابق) : 150: وولد رباح بن عبد اللَّه بن قرظ: أذاة، وعبد العزى، فولد أذاة: قيلة أم أبي قحافة والد أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه، وأنس بن أذاة. فمن ولد أنس: عمرو وعبد اللَّه ابنا سراقة بن المعتمر بن أنس ابن أذاة، شهد بدرا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] قال في (المرجع السابق) : 169: وولد أبى رهم بن عبد العزى: أبو سبرة بن أبى رهم، بدرىّ، وهو أخو سلمة بن عبد الأسد المخزوميّ، أمها برّة بنت عبد المطلب، عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فولد أبى سبرة: محمد، فولد محمد: عبد اللَّه، فولد عبد اللَّه: أبو بكر ومحمد، ولى قضاء المدينة. وأما أبو بكر فخرج مع محمد بن عبد اللَّه بن الحسن بالمدينة، وأتاه بأربعة وعشرين ألف دينار من صدقات طيِّئ وأسد. [ (3) ] أروى بنت عبد المطلب بن هاشم الهاشمية، عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال أبو عمر: كانت أروى تحت عمير بن وهب بن عبد بن قصي، فولدت له طليبا، ثم خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصىّ، فولدت له أروى. وحكى أبو عمر عن محمد بن إسحاق، أنه لم يسلم من عمات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلا صفية، وتعقبه بقصة أروى، وذكرها العقيلي في الصحابة، وأسند عن الواقدي، عن موسى بن محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي، عن أبيه قال: لما أسلم طليب بن عمير، دخل على أمه أروى بنت عبد المطلب، فقال لها: قد أسلمت وتبعت محمدا، فذكر قصة فيها: وما يمنعك أن تسلمي فقد أسلم أخوك حمزة؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 وكلدة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي [ (1) ] ، زوج أروى بنت عبد المطلب بعد عمير بن وهب، وأبو ابنتها فاطمة امرأة أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، الّذي كان بيده لواء المشركين يوم أحد، وقتله مصعب بن عمير [ (2) ] . وجحش بن رئاب بن يعمر بن صبيرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر الأسدي زوج أميمة بنت عبد المطلب، وأبو أولادها عبد اللَّه المجدّع، وعبيد اللَّه وأبى أحمد وزينب أم المؤمنين وأم حبيبة وحمنة [ (3) ] .   [ () ] فقالت: انظر ما يصنع أخواي، قال: قلت: فإنّي أسألك باللَّه إلا أتيته فسلمت عليه وصدقته. قالت: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا رسول اللَّه، ثم كانت بعد ذلك تعضّد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بلسانها، وتحض ابنها على نصرته والقيام بأمره. وقال ابن سعد: أسلمت وهاجرت إلى المدينة (الإصابة) : 7/ 480- 481، ترجمة رقم (10785) ، (الاستيعاب) : 4/ 1711، 1778، ترجمة رقم (3225) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 28. [ (1) ] قال ابن حزم: وولد عبد مناف بن عبد الدار: هاشم، وكلدة. ثم قال: وولد هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار: عمير، وعامر، وعبد شرحبيل، قلت: فعلى ذلك يكون كلدة بن عبد مناف وليس ابن هاشم بن عبد مناف، انظر (جمهرة أنساب العرب) : 126. [ (2) ] قال ابن إسحاق- وقد ذكر من قتل من المشركين يوم أحد- وأرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، قتله حمزة بن عبد المطلب. ثم قال- وقد ذكر استشهاد حمزة رضي اللَّه عنه-: وقاتل حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، حتى قتل أرطاة بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء [يوم أحد] . (سيرة ابن هشام) : 4/ 16، 84. [ (3) ] جحش بن رئاب الأسدي، والد أبى أحمد، قال ابن حبان: له صحبة، ذكره الجعابيّ فيمن روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من الصحابة، هو وابنه، وروى الدار قطنى بإسناد وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم غيّر اسم جحش هذا، كان اسمه برّة فسماه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جحشا، والمعروف أن ابنته كان اسمها برّة فغيّره النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وأبو أحمد بن جحش الأسدي، أخو أم المؤمنين زينب، اسمه «عبد» بغير إضافة، وقيل عبد اللَّه، [وزاد في (الاستيعاب) : وقيل اسمه ثمامة، ولا يصح] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 والحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس، زوج صفية بنت عبد المطلب [ (1) ] ، وأبو ابنتها صفيّا بنت الحارث. والعوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، زوج صفية بعد الحارث بن حرب، وأبو ابنها الزبير بن العوام، رضي اللَّه عنه [ (2) ] .   [ () ] حكى عن ابن كثير، وقالوا: إنه وهم، اتفقوا على أنه كان من السابقين الأولين، وقيل: إنه هاجر إلى الحبشة، ثم قدم مهاجرا إلى المدينة، وأنكر البلاذري هجرته إلى الحبشة، وقال: لم يهاجر إلى الحبشة، قال: وإنما هو أخو عبيد اللَّه الّذي تنصّر بها. وقال ابن إسحاق: وكان أول من قدم مكة من المهاجرين بعد أبى سلمة عامر بن ربيعة، وعبد اللَّه ابن جحش، احتمل بأهله وأخيه عبد اللَّه، وكان أبو أحمد ضريرا، يطوف بمكة أعلاها وأسفلها بغير قائد، وكانت عنده الفارعة بنت أبى سفيان بن حرب، وشهد بدرا والمشاهد، وكان يدور مكة بغير قائد، وفي ذلك يقول: حبّذا مكة من وادي ... بها أهلي وعوّادي بها ترسخ أوتادي ... بها أمشى بلا هادي وجزم ابن الأثير بأنه مات بعد أخته زينب بنت جحش، وفيه نظر، فقد قيل: إنه الّذي مات فبلغ أخته موته، فدعت بطيب فمسته. ووقع في الصحيحين من طريق زينب بنت أم سلمة، قالت: دخلت على زينب بنت جحش حين توفى أخوها، فدعت بطيب فمسته، ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة، ولكنى سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ... الحديث. ويقوى أنّ المراد بهذا أبو أحمد أن كلا من أخويها عبد اللَّه وعبيد اللَّه مات في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أما عبد اللَّه المكبر فاستشهد بأحد، وأما أخوها عبيد اللَّه المصغر فمات نصرانيا بأرض الحبشة، وتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم امرأته أم حبيبة بنت أبى سفيان بعده. (الإصابة) : 1/ 466، ترجمة رقم (1109 ز) ، 7/ 6- 7، ترجمة رقم (9492) ، (سيرة ابن شهام) : 4/ 78، 2/ 166. [ (1) ] هي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية، عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ووالدة الزبير بن العوام- أحد العشرة- وهي شقيقة حمزة، أمها هالة بنت وهب خالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وكان أول من تزوجها الحارث بن حرب بن أمية، ثم هلك، فخلف عليها العوام بن خويلد بن أسد ابن عبد العزى، فولدت له الزبير والسائب، وأسلمت، وروت، وعاشت إلى خلافة عمر رضى اللَّه عنه (الاستيعاب) : 4/ 1873. ترجمة رقم (4007) ، (الإصابة) : 7/ 743، ترجمة رقم (11405) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 27. [ (2) ] انظر التعليق السابق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل بناته أبو العاص مهشم وقيل لقيط، وقيل هاشم، وقيل هشم، وقيل مقسم، وقيل القاسم، وصححه الزبير بن بكار، ويعرف بجرو البطحاء، ويقال له: الأوس بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف [بن قصي] [ (1) ] القرشي صهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، زوج ابنته زينب أكبر بناته، وابن خالتها. أمه هالة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، أخت خديجة بنت خويلد، رضى اللَّه عنها لأبيها وأمها، شهد بدرا مع كفار قريش، فأسره عبد اللَّه بن جبير بن النعمان الأنصاري، وقيل خراش بن الصمة [ (2) ] ، وقدم أخوه عمرو بن الربيع لفدائه بمال دفعته إليه زينب عليها السلام، ومنه قلادة كانت لخديجة [من جزع ظفار] [ (3) ] أدخلتها بها على أبى العاص حين بنى عليها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردّوا الّذي لها فافعلوا، فقالوا: نعم. وكان أبو العاص مؤاخيا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، مصافيا له، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكثر غشيانه في منزل أمه هالة، وكان أبو العاص قد أبى أن يطلق زينب إذ سعى إليه المشركون من قريش في ذلك، فشكر له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مصاهرته، وأثنى عليه بذلك خيرا، وهاجرت زينب مسلمة، وتركته على شركة، فأقام حتى كان قبيل الفتح، فخرج بتجارة إلى الشام، ومعه أموال لقريش، فلما قفل لقيه زيد بن حارثة وهو على سرية [ (4) ] ، فأسر ممن رافقه   [ (1) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) : 8/ 25. [ (2) ] قال ابن هشام: أسره خراش بن الصمة، أحد بنى حرام (سيرة ابن هشام) : 2/ 202. [ (3) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من (مغازي الواقدي) : 1/ 130. [ (4) ] كان في سبعين ومائة راكب، فلقوا العير بناحية العيص، في جمادى الآخرة سنة ست من الهجرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 عدة، وأخذ ما معه. وفرّ أبو العاص حتى [دخل] [ (1) ] ذليلا على زينب امرأته فاستجارها [ (2) ] ، وقدم زيد بما معه، فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى صلاة الصبح وكبّر فكبّر الناس معه، صرخت زينب: «أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فلما سلّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من صلاته، أقبل على الناس فقال: [أيها الناس] [ (3) ] هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا: نعم، قال: «أما والّذي نفسي بيده، ما علمت بشيء [مما كان] [ (4) ] حتى سمعت ما سمعتم، [المؤمنون يد علي من سواهم، يجير عليهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت] » [ (5) ] ، ثم انصرف، فدخل على زينب فقال: «أي بنية، أكرمى مثواه، ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له» فقالت: «إنه جاء في طلب ماله» فخرج وبعث في تلك السرية، فاجتمعوا إليه وكانوا سبعين ومائة، فقال لهم: «إن هذا الرجل بنا بحيث علمتم، وقد أصبتم له مالا، وهو فيء أفاءه اللَّه عليكم، وأنا أحب أن تحسنوا وتردوا إليه الّذي له، وإن أبيتم فأنتم أحق به. قالوا: يا رسول اللَّه، بل نردّه إليه، فردوا عليه ماله ما فقد منه شيئا، فاحتمل إلى مكة، فأدّى إلى كل ذي مال من قريش ماله الّذي كان أبضع معه ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم مال لم يأخذه؟ قالوا: جزاك اللَّه خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما، قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، واللَّه ما منعني من الإسلام إلا تخوّف أن تظنوا بى   [ () ] (طبقات ابن سعد) : 27/ 8. [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق. [ (2) ] في (خ) : «فاستجار بها» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) : 8/ 27. [ (5) ] ما بين الحاصرتين في (خ) : «إنه يجبر علي المسلمين أدناهم» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 أكل أموالكم، فلما أداها اللَّه إليكم أسلمت. ثم خرج حتى قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مسلما وحسن إسلامه، وردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته بالنكاح الأول، بعد ست سنين [ (1) ] ، وقيل: ردها عليه. بنكاح جديد. خرّج الترمذي من حديث أبى معاوية، عن الحجاج بن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ردّ ابنته زينب على أبى العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد، قال أبو عيسى: هذا الحديث في إسناده مقال، وفي الحديث الآخر مقال [ (2) ] . والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم: أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها، ثم أسلم زوجها وهي في العدة، أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة، وهو قول مالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق [ (3) ] . وخرّج أيضا من حديث يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ردّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته زينب على أبى العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحا. قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس، ولكن لا   [ (1) ] في المحرم سنة سبع من الهجرة (المرجع السابق) . [ (2) ] أخرجه أبو داود والترمذي، رواه أبو داود برقم (2240) في الطلاق باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها، والترمذي برقم (1143) ، في النكاح، باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر، وفي سنده الحجاج بن أرطاة، وهو كثير الخطأ والتدليس، وقال الترمذي: هذا حديث في إسناده مقال. (جامع الأصول) : 11/ 510. [ (3) ] قال الحافظ: وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة، وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم، وإسلام أبى العباس، ولا مانع من ذلك. (جامع الأصول) : 11/ 510 «هامش» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 نعرف وجه هذا الحديث [ولعله قد جاء هذا من قبل داود بن حصين، من قبل حفظه] [ (1) ] قال: سمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن هارون يذكر عن محمد بن إسحاق هذا الحديث [ (2) ] . وحديث الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ردّ ابنته على أبى العباس بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد. قال يزيد بن هارون: حديث ابن عباس أجود إسنادا، والعمل على حديث عمرو بن شعيب.   [ (1) ] (تحفة الأحوذي) : 4/ 248، أبواب النكاح، باب (41) ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما قبل الآخر، حديث رقم (1151) ، قوله: «هذا حديث في إسناده مقال» ، في إسناده حجاج ابن أرطاة وهو مدلس، وأيضا لم يسمع من عمرو بن شعيب كما قال أبو عبيد، وإنما حمله عن العزرمىّ وهو ضعيف، وقد ضعّف هذا الحديث جماعة من أهل العلم، كذا في (النيل) . [نيل الأوطار للشوكانى] ، والحديث أخرجه أيضا ابن ماجة. قوله: «والعمل على هذا عند أهل العلم» ، أي من حيث أن هذا الحديث يقتضي أن الردّ بعد العدة يحتاج إلى نكاح جديد، فالرّد بلا نكاح لا يكون إلا قبل العدة، قاله أبو الطيب المدني. [ (2) ] قوله: «وهو قول مالك بن أنس والأوزاعي والشافعيّ وأحمد وإسحاق» ، وقال محمد في (موطإه) : إذا أسلمت المرأة وزوجها كافر في دار الإسلام لم يفرق بينهما حتى يعرض على الزوج الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، وإن أبى أن يسلم فرق بينهما، وكانت فرقتها تطليقة بائنة، وهو قول أبى حنيفة وإبراهيم النخعي. قوله: «بعد ست سنين بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحا» ، وفي رواية لأحمد وأبى داود وابن ماجة: «بعد سنتين» ، قال الشوكانى: «وفي رواية بعد ثلاث سنين» ، وأشار في (الفتح) إلى الجمع فقال: المراد بالست، ما بين هجرة زينب وإسلامه، وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ [10: الممتحنة] ، وقدومه مسلما، فإن بينهما سنتين وأشهرا. قوله: «هذا حديث ليس بإسناده بأس» ، حديث ابن عباس هذا صححه الحاكم، وقال الخطابي: هو أصح من حديث عمرو بن شعيب، وكذا قال البخاري. قال ابن كثير في (الإرشاد) : هو حديث جيد قوى، وهو من رواية ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس. أ. هـ. إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه، وقد ضعّف أمرهما عليّ بن المديني وغيره من علماء الحديث، وابن إسحاق فيه مقال معروف. كذا في (النّيل) . قال المباركفوري: قد تقدم في بحث القراءة خلف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 خرج الدار قطنى [من] [ (1) ] حديث أبى معاوية، عن الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ردّ ابنته [زينب [ (2) ]] على أبى العاص بن الربيع بنكاح جديد. وقال بعده: هذا لم يثبت، وحجاج لا يحتج به، والصواب حديث ابن عباس. وكذلك رواه مالك عن الزهري في قصة صفوان بن أمية، قال أبو عمر ابن عبد البر: وقد حدّث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: ردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته زينب على أبى العاص بالنكاح الأول لم يحدث شيئا [ (3) ] بعضهم يقول: فيه ثلاث سنين، وبعضهم يقول: ست سنين، وبعضهم يقول: فيه بعد سنتين، وبعضهم لا يقول شيئا في ذلك [ (4) ] .   [ () ] الإمام، أن الحق أن ابن إسحاق ثقة قابل للاحتجاج. قوله: «ولكن لا نعرف وجه الحديث ... » ، قال الحافظ: أشار بذلك إلى أن ردّها إليه بعد ست سنين، أو بعد سنتين، أو ثلاث، مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة. قال: ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك، إذا تأخر إسلامه عن إسلامها حتى انقضت عدتها. ومن نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البر- (تحفة الأحوذي) 4/ 248- 250، أبواب النكاح، باب (41) ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما، حديث رقم (1151) . [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 3/ 253- 254، حديث رقم (35) ، (36) . [ (4) ] الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، عن محمد بن إسحاق مثله، وفي الترمذي: بعد ست سنين، وفي ابن ماجة: بعد سنتين، والروايتان عند أبى داود. قال الترمذي: لا بأس بإسناده، وسمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن هارون يقول: حديث ابن عباس هذا أجود إسنادا من حديث عمرو بن شعيب، ولكن لا يعرف وجه حديث ابن عباس، ولعله جاء من داود بن حسين من قبل حفظه. ورواه الحاكم في (المستدرك) ، وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال عبد الحق، حديث ابن عباس فيه محمد بن إسحاق، ولا أعلم رواه معه إلا من هو دونه، ثم نقل عن ابن عبد البر منسوخ عند الجميع (سنن الدار قطنى) : 3/ 254، تعليق على الحديث رقم (35) ، (36) ، (سنن بن ماجة) : 1/ 647، كتاب النكاح، باب (60) الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر، حديث رقم (2009) ، (2010) ، (المستدرك) : 4/ 50، كتاب معرفة الصحافة، ذكر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد فاطمة رضى اللَّه عنها، حديث رقم (6846/ 2444) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 وهذا الخبر إن صح، فهو متروك منسوخ عند الجميع، لأنهم لا يجيزون رجوعها إليه بعد خروجها من عدتها، وإسلام زينب كان قبل أن ينزل كثير من الفرائض. وروى عن قتادة أن ذلك كان قبل أن تنزل سورة بَراءَةٌ [ (1) ] تقطع العهود بينهم وبين المشركين، وقال الزهري: كان هذا قبل أن تنزل الفرائض. وروى عنه سفيان بن حسين، أن أبا العاص بن الربيع أسر يوم بدر، فأتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فردّ عليه امرأته، وفي هذا أنه ردّها عليه وهو كافر، فمن هنا قال ابن شهاب: إن ذلك كان قبل أن تنزل الفرائض. وقال آخرون: قصة أبى العاص هذه منسوخة بقوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ [ (2) ] إلى قوله [تعالى] : وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (3) ] ، فربما يدل على أن قصة أبى العاص منسوخة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ [ (4) ] إلى قوله [تعالى] : وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (5) ] ، إجماع العلماء أن أبا العاص بن الربيع كان كافرا، وأن المسلمة لا تحل أن تكون زوجة لكافر، قال اللَّه تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [ (6) ] .   [ (1) ] أول سورة التوبة. [ (2) ] الممتحنة: 10. [ (3) ] الممتحنة: 10. [ (4) ] الممتحنة: 10. [ (5) ] الممتحنة: 10. [ (6) ] النساء: 141. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للملاعن: لا سبيل لك عليها [ (1) ] ، وروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: لا يعلو مسلمة مشرك، فإن الإسلام يظهر ولا يظهر عليه. وفي قوله تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [ (2) ] ما يغنى ويكفى. قال أبو عمر: ولم يختلف أهل السّير أن الآية المذكورة نزلت حين صالح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قريشا على أن يرد عليهم من يجيء بغير إذن وليه، فلما هاجرن أبى اللَّه أن ترددن إلى المشركين إذا امتحنّ محنة الإسلام، وعرف أنهن جئن رغبة في الإسلام. قال: ولم يختلف العلماء أن الكافرة إذا أسلمت ثم انقضت عدتها أنه لا سبيل لزوجها عليها إذا كان لم يسلم، إلا شيئا روى عن إبراهيم النخعي، شذّ فيه عن جماعة العلماء، ولم يتابعه أحد من الفقهاء، إلا بعض أهل الظاهر فإنه قال: وقد قال أكثر أصحابنا: لا ينفسخ النكاح بتقديم إسلام الزوجة، إلا بمضى مدة يتفق الجميع على فسخه لصحة وقوعه في حلة، واحتج بحديث ابن عباس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ردّ زينب على أبى العاص بالنكاح الأول بعد مضى سنين لهجرتها، وأظنه مال فيه إلى قصة أبى العاص، وقصة أبى العاص لا تخلو من أن يكون أبو العاص كافرا، إذ ردّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى ابنته زينب على النكاح الأول، أو مسلما. فإن كان كافرا، فهذا ما لا شك فيه، إن كان قبل نزول الفرائض وأحكام   [ (1) ] أخرجه البخاري في الطلاق، باب قول الإمام للمتلاعنين إن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب، الحديث رقم (5312) ، وباب المتعة للتي لم يفرض لها، الحديث رقم (5350) ، وأخرجه مسلم في اللعان، حديث رقم (5) ، وأخرجه أبو داود في الطلاق، باب في اللعان، حديث رقم (2257) ، والنسائي في الطلاق، باب اجتماع المتلاعنين، حديث رقم (3476) . [ (2) ] الممتحنة: 10. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 الإسلام في النكاح، إذ في القرآن والسنة والإجماع تحريم خروج المسلمات على الكفار، فلا وجه هاهنا للإكثار. وإن كان مسلما، فلا يخلو من أن تكون [زينب] حاملا فتمادى حملها فلم تضعه حتى أسلم زوجها، فرده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليها في عدتها، وهذا لم ينتقل في خبر. أو تكون قد خرجت من العدة، فيكون أيضا ذلك منسوخا بالإجماع، لأنهم قد أجمعوا أنه لا سبيل إليها بعد العدة، لأنّا ذكرنا في شذوذ النخعي وبعض أهل الظاهر وكيف كان ذلك. فخبر ابن عباس في ردّ أبى العاص إلى زينب خبر متروك، ولا يجوز العمل به عند الجميع، فاستغنى عن القول فيه. وقد يحتمل قوله: «على النكاح الأول» ، يريد على مثل النكاح الأول من الصداق، على أنه قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رد زينب على أبى العاص بنكاح جديد، وكذلك يقول الشعبي على علمه بالمغازى، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يرد أبا العاص إلى ابنته زينب إلا بنكاح جديد، وهذا يعضده الأصول. قال كاتبه [رحمه اللَّه] [ (1) ] : لم أدر ما هذا الّذي عناه أبو عمر من أهل الظاهر، وليس هو ابن حزم [الظاهري] ، فإن مذهبه أنّ تقدم إسلام المرأة على إسلام الرجل يفسخ نكاحها منه، ولا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد وبرضاها، واللَّه أعلم. وتوفى أبو العاص في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة، وترك من زينب عليا وأمامة، أوصى بهما إلى الزبير بن العوام بن خويلد بن عبد العزى رضى اللَّه   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 عنه، وهو ابن عمه. وترك أيضا مريم، وأمها فاختة بنت سعيد بن أبى أحيحة بن العاص، تزوج بها محمد بن عبد الرحمن بن عوف، فولدت له القاسم. وقد انقرض عقب أبى العاص، وكان أحد رجالات قريش، أمانة وحالا [ (1) ] . وعقبة بن أبى لهب، زوج رقية ابنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وابن عم أبيها، أمرته أمه أم جميل بنت حرب بفراقها، وقالت له: طلقها حتى تشغله عياله عما يدعو إليه، فطلقها، فخلف عليها عثمان بن عفان- وهو ابن عمة أبيها- فولدت له عبد الرحمن بن عثمان [ (2) ] .   [ (1) ] له ترجمة في: (تاريخ خليفة) : 119، (الاستيعاب) 4/ 1701- 1704، ترجمة رقم (3061) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 248- 249 (الإصابة) : 7/ 248- 251، ترجمة رقم (10175) ، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 330- 334، ترجمة رقم (69) ، (فتح الباري) : 7/ 106، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، باب (16) ، ذكر أصهار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. منهم العاص بن الربيع حديث رقم (3729) . [ (2) ] عتبة بن أبى لهب، واسم أبى لهب: عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وأمه أم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وكان لعتبة من الولد: أبو على وأبو الهيثم، وأبو غليظ، وأمهم: عتبة بنت عوف بن عبد مناف ابن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وعمرو، ويزيد، وأبو خداش، وعباس، وميمونة، وأمهم: أم العباس بنت شراحبيل بن أوس بن حبيب بن الوجيه، من حمير، ثم من ذي الكلاح- سبيّة في الجاهلية، وعبيد اللَّه، ومحمد، وشيبة، درجوا، وأم عبد اللَّه وأمهم: أم عكرمة بنت خليفة بن قيس، من الجدرة، من الأزد، وهم حلفاء في بنى الدّيل بن بكر، وعامر بن عتبة، وأمه: هالة الأحمرية، من بنى الأحمر بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وأبو وائلة بن عتبة، وأمه من خولان. وعبيد بن عتبة لأم ولد، وإسحاق بن عتبة لأم ولد سوداء، وأم عبد اللَّه بنت عتبة، وأمها: خولة أم ولد. قال: أخبرنا عليّ بن عيسى بن عبد اللَّه النوفلىّ، عن حمزة بن عتبة بن إبراهيم اللهبي، قال: حدثنا إبراهيم بن عامر بن أبى سفيان بن معتب، وغيره من مشيختنا الهاشميين، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب، قال: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مكة في الفتح، قال لي: يا عباس، أين ابنا أخيك عتبة ومعتب لا أراهما؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 ومعتّب [ (1) ] بن أبى لهب، زوج أم كلثوم بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وابن عم أبيها، أمرته أمه أم جميل [بنت حرب] بطلاقها فطلقها، وخلف عليها عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه بعد موت أختها رقية فلم تلد له شيئا [ (2) ] . وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه [ (3) ] ، زوج فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وابن عم أبيها، وأبو ابنها الحسن والحسين، وأبو ابنتيها زينب وأم كلثوم، فتزوج أمامة بنت زينب من أبى العاص عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه،   [ () ] قال قلت: يا رسول اللَّه تنحّيا فيمن تنحّى من مشركي قريش، فقال لي: اذهب إليهما واثنى بهما. قال العباس: فركبت إليهما بعرنة فأتيتهما فقلت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعوكما، فركبا معى سريعين، حتى قدما على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدعاهما إلى الإسلام، فأسلما وبايعا. ثم قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخذ بأيديهما، وانطلق بهما يمشى بينهما، حتى أتى بهما الملتزم، وهو ما بين باب الكعبة والحجر الأسود، فدعا ساعة، ثم انصرف، والسرور يرى في وجهه. قال العباس: فقلت له: سرّك اللَّه يا رسول اللَّه، فإنّي أرى في وجهك السرور، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: نعم، فإنّي استوهبت ابني عمى هذين ربى، فوهبهما لي. قال حمزة بن عتبة: فخرجا معه في فورة ذلك إلى حنين، فشهدا غزوة حنين، وثبتا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ فيمن ثبت من أهل بيته وأصحابه، وأصيب عين معتب يومئذ، ولم يقم أحد من بنى هاشم من الرجال بمكة بعد أن فتحت غير عتبة، ومعتب، ابني أبى لهب. [ (1) ] في (خ) : «وعتيبة» ، وما أثبتناه من سائر المراجع. [ (2) ] هو معتب بن أبى لهب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصىّ، وأمه أم جميل بنت حرب ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وكان لمعتب من الولد: عبد اللَّه، ومحمد، وأبو سفيان، وموسى، وعبيد اللَّه وسعيد، وخالدة، وأمهم: عاتكة بنت أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأمها أم عمرو بنت المقوّم بن عبد المطلب بن هاشم، وأبو مسلم، ومسلم وعباس، بنو معتب لأمهات أولاد شتى، وعبد الرحمن بن معتب، وأمه من حمير، وقد كتبنا قصة معتب بن أبى لهب في إسلامه مع قصة أخيه عتبة بن أبى لهب. لهما ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 4/ 59- 61، (الإصابة) : 4/ 440- 441، ترجمة رقم (5417) ، 6/ 175- 176، وترجمة رقم (8126) ، (الاستيعاب) : 3/ 1030، ترجمة رقم (17866) ، 3/ 1430، ترجمة رقم (2459) . [ (3) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 فولدت له محمد الأوسط، ثم خلف عليها بعده المغيرة بن نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب، فولدت له يحيى [وبه يكنى] [ (1) ] وتزوج بأم كلثوم ابنة فاطمة عليها السلام من على بن ابى طالب رضى اللَّه عنه، عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فولدت له زيدا ورقية، ولم يعقبا، وتزوج زينب ابنة فاطمة عليها السلام من على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه. [و] عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب القرشي الهاشمي أبو جعفر، ولدته أسماء بنت عميس بأرض الحبشة، وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، وقدم مع أبيه إلى المدينة، فكان جوادا كأبيه، وكان يسمى البحر، ولم يكن في الإسلام أسخى منه، ورأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحفظ عنه أخبارا كثيرة جدا، توفى بالمدينة سنة ثمانين عن تسعين سنة، وقيل: مات سنة أربع أو خمس وثمانين [ (2) ] ، وصلى عليه أبان بن عثمان أمير المدينة، وكان مع عظم جوده ظريفا حليما عفيفا، لا يرى بسماع الغناء بأسا، خرّج أحاديثه الجماعة [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) ، وله ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1447- 1448، ترجمة رقم (2484) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 22- 23، (الإصابة) : 6/ 200- 201، ترجمة رقم (8186) . [ (2) ] قال الواقدي ومصعب الزبيري: مات في سنة ثمانين، وقال المدائنيّ: توفى سنة أربع أو خمس وثمانين، وقال أبو عبيد: سنة أربع وثمانين، ويقال: سنة تسعين. (سير الأعلام) . [ (3) ] له ترجمة في: (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (833) ، (1484) ، (التاريخ الكبير) : 5/ 7، (التاريخ الصغير) : 1/ 197، (الجرح والتعديل) : 1/ 197، (المستدرك) : 3/ 566، (جمهرة أنساب العرب) : 68، (الاستيعاب) : 3/ 880- 882، ترجمة رقم (1488) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 263، (البداية والنهاية) : 2/ 333، 3/ 32، 5/ 314، (الإصابة) : 40- 43، ترجمة رقم (4594) ، (تهذيب التهذيب) : 5/ 149، ترجمة رقم (294) ، (المطالب العالية) : 4/ 105، باب منقبة عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، حديث رقم (4077) ، (4078) ، (4079) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/ 46، ترجمة رقم (3425) ، (شذرات الذهب) 1/ 87، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 456- 462، (ترجمة رقم (93) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 وخرّج الإمام أحمد من حديث يحيى عن أبى سلمة عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أراد أن يزوّج [شيئا] من بناته جلس إلى خدرها فقال: إن فلانا يذكر فلانة [يسميها] ، ويسمى الرجل الّذي يذكرها، فإن هي سكتت زوجها، وإن كرهت نقرت الستر، فإذا [نقرته] لم يزوجها [ (1) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 115، حديث رقم (23973) . وما بين علامات الحصر تصويبات منه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 فصل في ذكر من كان في حجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أولاد نسائه اعلم أن الربيبة بنت زوج الرجل من غيره، وتجمع على ربائب سميت بذلك لأنه يربيها [ (1) ] في حجرة، فهي مربوبة، فعيلة بمعنى مفعولة. والربيب: ابن امرأة الرجل من غيره، يقال: ربّ الصبىّ يربه ربّا وربّبه تربّة، وترببه، وارتبّه وربّاه، تربية، وتربّاه: أحسن القيام عليه، ووليه حتى يفارق الطفولة، سواء كان ابنه أو لم يكن. وربيته لغة والرابّ: زوج الأم. فزينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة رضى اللَّه عنها [ (2) ] . [و] هند بن أبى هالة، شماس، وقيل: نبّاش، وقيل: مالك بن نباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن غوىّ بن جزرة بن أسيد بن عمرو ابن تميم، حليف بنى عبد الدار بن قصي الأسديّ التميمي، أمه خديجة   [ (1) ] قال في (اللسان) : والربوب والربيب: ابن امرأة الرجل من غيره، وهو بمعنى مربوب، ويقال للرجل نفسه: رابّ. قال معن بن أوس، يذكر امرأته، وذكر أرضا لها: فإن بها جارين لن يغدرا بها ... ربيب النبي، وابن خير الخلائف. يعنى عمر بن أبى سلمة، وهو ابن أم سلمة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وعاصم بن عمر بن الخطاب، وأبوه أبو سلمة، وهو ربيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، والأنثى ربيبة. الأزهري: ربيبة الرجل بنت امرأته من غيره، وفي حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما: إنما الشرط في الربائب، يريد بنات الزوجات من غير أزواجهن الذين معهنّ. قال: والربيب أيضا يقال لزوج الأم لها ولد من غيره. ويقال لامرأة الرجل إذا كان له ولد من غيرها: ربيبة، وذلك معنى رابة وراب. وفي الحديث: الأب كافل، وهو زوج أم اليتيم، وهو اسم فاعل من ربّه يربّه أي أنه يكفل بأمره، وفي حديث مجاهد: كان يكره أن يتزوج الرجل امرأة رابّه، يعنى امرأة زوج أمه، لأنه كان يربيه. (لسان العرب) : 1/ 405. [ (2) ] سبق ذكرها في ذكر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولست أدرى لم أوردها المقريزي في الربائب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 بنت خويلد، خلف عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو أخو زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة الزهراء لأمهنّ، وكان فصيحا بليغا وصّافا، وصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأحسن وأتقن، بحيث شرح أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو محمد بن قتيبة وصفه، لما فيه من الفصاحة وفوائد اللغة. وتوفى قتيلا يوم الجمل مع على رضى اللَّه عنه، فإنه خال ابنيه الحسن والحسين [ (1) ] ، وقتل ابنه هند بن هند مع مصعب بن الزبير، وهو ابن خاله،   [ (1) ] هو هند بن أبى هالة التميمي، ربيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أمه خديجة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روى عنه الحسن بن على رضى اللَّه عنه صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أخرجه الترمذي، والبغوي، والطبراني، وغيرهم، من طرق عن الحسن بن على. قال الحافظ في (الإصابة) : ووقع لنا بعلوّ في مشيخة أبى على بن شاذان، من طريق أهل البيت. وأخرجه البغوي أيضا، وأخرجه ابن مندة من طريق يعقوب التيمي، عن ابن عباس، أنه قال لهند بن أبى هالة: صف لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. قال البغوي، عن عمه، عن أبى عبيد: اسم أبى هالة زوج خديجة قبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم النباش بن زرارة، وابنه هند بن النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن غذي، وفي (الجمهرة) : غوى ابن جردة، وفي (الجمهرة) : جرو بن أسيد بن عمرو بن تميم، حليف بنى عبد الدار، وقيل: هو زرارة ابن النباش. قال الزبير: اسمه مالك بن النباش بن زرارة. وقال أبو محمد بن حزم: اسم أبى هالة هند بن زرارة ابن النباش. ووجدت له سلفا، قال ابن أبى خيثمة: حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا زهير بن العلاء، حدثنا سعيد، قال قتادة، قال: أبو هالة هند بن زرارة بن النباش، ورأيت في معجم الشعراء للمرزباني أن زرارة بن النباش رثى كفار بدر، ولم يذكر له إسلام. وأخرج ابن السكن، وابن قانع، من طريق سيف بن عمر، عن عبد اللَّه بن محمد، عن هند بن هند بن أبى هالة، عن أبيه قال: قلت: يا رسول اللَّه، ما حملك على أن نزعت ابنتك عن عتيبة- يعنى ابن أبى لهب- حتى حرشته عليك؟ قال: إن اللَّه أبى لي أن أتزوج، أو أزوج إلا أهل الجنة. قال الزبير بن بكار: قتل هند مع عليّ يوم الجمل، وكذا قال الدار قطنى في كتاب (الإخوة) ، وقال أبو عمر في (الاستيعاب) كان فصيحا بليغا، وصف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأحسن وأتقن. قال محققه: وقد ذكر المصنف هذا الوصف الكريم للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم في الجزء الأول، عند ذكر وصف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1544، ترجمة رقم (2699) ، (الإصابة) : 6/ 557- 558، ترجمة رقم (9013) ، (جمهرة أنساب العرب) : 210. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 وقيل: مات بالبصرة في الطاعون [ (1) ] . والحارث بن أبى هالة أول من قتل في اللَّه في الإسلام، صلى عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تحت الركن اليماني، وقتل قاتله صفوان بن مالك بن صفوان بن غذي ابن الأخرس بن الحارث بن جردة، فكان صفوان أول قاتل قتل في اللَّه بعد الهجرة [ (2) ] .   [ (1) ] هو هند بن هند بن أبى هالة، ولد الّذي قبله. وعلى قول قتادة ومن تبعه: يكون هند بن أبى هند ثلاثة في نسق. ذكره ابن مندة، وأورد من طريق حسان بن عبد اللَّه الواسطي، عن السرىّ بن يحيى، عن مالك بن دينار، حدثني هند بن خديجة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: مرّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالحكم أبى مروان، فجعل يغمز النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ويشير بإصبعه، حتى التفت إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: اللَّهمّ اجعل له وزغا- يعنى ارتعاشا، قال فرجف مكانه. وهكذا أخرجه ابن أبى حاتم الرازيّ، وعبد اللَّه بن أحمد في (زيادات الزهد) من هذا الوجه، ومالك بن دينار لم يدرك هند بن أبى هالة، وإنما أدرك ابنه، فكأنه نسبه لجده. وقد ذكر ابن أبى حاتم عن أبيه، أن رواية هند بن هند عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مرسلة. وجرى أبو عمر في (الاستيعاب) على ظاهره، فذكر هذا الحديث لهند بن أبى هالة. وأخرجه الزبير بن بكار، والدولابي، من طريق محمد بن الحجاج، عن رجل من بنى تميم، قال: رأيت هند بن هند بن أبى هالة وعليه حلة خضراء، فمات في الطاعون، فخرجوا به بين أربعة لشغل الناس بموتاهم، فصاحت امرأة: وا هند بن هنداه! وابن ربيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم! قال: فازدحم الناس على جنازته وتركوا موتاهم، (الإصابة) : 6/ 558- 559، ترجمة رقم (9014) ، (جمهرة أنساب العرب) : 210، (الاستيعاب) : 4/ 1545، ترجمة رقم (2699) . [ (2) ] الحارث بن أبى هالة، أخو هند بن أبى هالة، ربيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ذكر ابن الكلبي وابن حزم: أنه أول من قتل في سبيل اللَّه تحت الركن اليماني، وقال العسكري في (الأوائل) : لما أمر اللَّه نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يصدع بما أمره، قام في المسجد الحرام، فقال: قولوا لا إله اللَّه تفلحوا، فقاموا إليه، فأتى الصريخ أهله، فأدركه الحارث بن أبى هالة، فضرب فيهم، فعطفوا عليه فقتل، فكان أول من استشهد. وفي (الفتوح) لسيف عن سهل بن يوسف عن أبيه، قال عثمان بن مظعون: أول وصية أوصانا بها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما قتل الحارث بن أبى هالة، ونحن أربعون رجلا بمكة.. فذكر الحديث. (الإصابة) : 1/ 605، ترجمة رقم (1503) ، (جمهرة أنساب العرب) : 210، (جمهرة النسب) : 269. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 وهالة بنت أبى هالة [ (1) ] ، وأم محمد بنت عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (2) ] ، أمها خديجة بنت خويلد، تزوجها ابن عم لها يقال له: صيفي بن أبى رفاعة بن عائذ بن عبد اللَّه. وسلمة بن أبى سلمة عبد اللَّه بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشي، ربيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أمه أم سلمة، وهو أيضا ابن ابن عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن أباه أبا سلمة، أمه برّة بنت حمزة بن عبد المطلب، وعاش إلى خلافة عبد الملك بن مروان [ (3) ] . وعمرو بن أبى سلمة أبو حفص، ربيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة لأنها أمه، وهو أيضا ابن ابن عمته برّة، وابن ابن أخيه من الرضاعة، وولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة، وقيل: كان له من العمر يوم قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تسع سنين، وشهد [يوم] الجمل مع ابن خال أبيه عليّ   [ (1) ] ، (2) لم أجد لهما ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (3) ] سلمة بن أبى سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب ابن لؤيّ القرشيّ المخزومي، ربيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وروى ابن إسحاق في (المغازي) ، من حديث أم سلمة قالت: لما أجمع أبو سلمة على الهجرة، رحل بعيرا لي وحملني عليه، وحمل ابني سلمة في حجري، ثم خرج يقود بعيره. وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عبد اللَّه بن شداد، قال: كان الّذي زوج أم سلمة من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سلمة بن أبى سلمة ابنها، فزوجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أمامة بنت حمزة، وهما صبيان صغيران، فلم يجتمعا حتى فاتا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حل جزيت سلمة! قال البلاذري: ويقال: إن الّذي زوجه إياها ابنها عمر، والأول أثبت. وزعم الواقدي، وتبعه أبو حاتم وغيره، أن سلمة عاش إلى خلافة عبد الملك بن مروان، وأما ما وقع أولا أنهما لم يجتمعا حتى ماتا، فالمراد أنها ماتت قبل أن يدخل بها، ومات هو بعد ذلك، لكن قال ابن الكلبي: يقال: مات سلمة قبل أن يجتمع بأمامة. (الإصابة) : 3/ 149- 150، ترجمة رقم (3385) ، (الاستيعاب) : 3/ 939، ترجمة رقم (1589) ، (الاستيعاب) : 2/ 641، ترجمة رقم (1022) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 ابن أبى طالب [رضى اللَّه عنه] ، واستعمله على فارس وعلى البحرين، وتوفى بالمدينة سنة ثلاث وثمانين [ (1) ] . ودرّة بنت أبى سلمة، ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أمها أم سلمة، وابنة ابن عمته برّة، وابنة أخته من الرضاعة [ (2) ] .   [ (1) ] عمر بن أبى سلمة بن عبد الأسد، ربيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أمه أم سلمة، أم المؤمنين، ولد بالحبشة في السنة الثانية، وقيل: قبل ذلك، وقبل الهجرة إلى المدينة. وكان يوم الخندق هو ابن الزبير في الخندق في أطم حسان بن ثابت. وروى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحاديث في الصحيحين وغيرهما، وعن أبيه. روى عنه ابنه محمد، وسعيد ابن المسيب، وعروة، وأبو أمامة بن سهل، ووهب بن كيسان، وغيرهم. ومن حديثه ما رواه عمرو بن الحارث، عن عبد ربه بن سعيد، عن عبد اللَّه بن كعب الحميري، عن عمر بن أبى سلمة، قال: سألت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عن قبلة الصائم، وقال: سل هذه- لأم سلمة- فقلت: غفر اللَّه لك، قال: إني أخشاكم للَّه وأتقاكم، أخرجه مسلم. وفي الصحيحين من رواية وهب بن كيسان، عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال له: ادن يا بنى، فسمّ اللَّه، وكل بيمينك، وكل مما يليك. قال الزبير: وولى البحرين زمن على، وكان قد شهد معه الجمل، ووهم من قال: إنه قتل فيها. قال أبو عمر في (الاستيعاب) : بل مات بالمدينة سنة ثلاث وثمانين، في خلافة عبد الملك بن مروان. (الإصابة) : 4/ 592- 593، ترجمة رقم (5744) ، (الاستيعاب) : 3/ 1159- 1160، ترجمة رقم (1882) . [ (2) ] درّة بنت أبى سلمة بن عبد الأسد القرشية المخزومية، ربيبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بنت أم المؤمنين أم سلمة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهي معروفة عند أهل العلم بالسير والخبر والحديث في بنات أم سلمة، ربائب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. هي التي قالت لها أم حبيبة: إنا قد تحدثنا أنك ناكح درّة بنت أبى سلمة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، لأنها ابنة أخى من الرضاعة. وردت تسميتها في بعض طرق الحديث المذكور عند البخاري، من طريق الليث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن عراك بن مالك، عن زينب بنت أبى سلمة، أن أم حبيبة قالت: يا رسول اللَّه، إنا قد تحدثنا أنك ناكح درّة بنت أبى سلمة ... الحديث. وذكرها الزبير بن بكار في كتاب (النسب) ، في أولاد أبى سلمة بن عبد الأسد. (الاستيعاب) 4/ 1835، ترجمة رقم (3333) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 وزينب بنت أبى سلمة، ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة، كان اسمها برّة، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم زينب، ولدتها أمها بأرض الحبشة، وقدمت بها، وحفظت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ودخلت عليه وهو يغتسل فنضح في وجهها، فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت وعجزت، وتزوجها عبد اللَّه بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فولدت له، وكانت من أفقه نساء زمانها، وقتل ابناها يوم الحرّة فاسترجعت [ (1) ] .   [ (1) ] زينب بنت أبى سلمة عبد اللَّه بن عبد الأسد بن عمر بن مخزوم المخزومية، ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. أمها أم سلمة بنت أبى أمية، يقال: ولدت بأرض الحبشة، وتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أمها، وهي ترضعها، وكانت من أفقه نساء أهل زمانها. وروى ابن المبارك عن جرير بن حازم، قال: سمعت الحسن يقول: لما كان يوم الحرة قتل أهل المدينة، فكان فيمن قتل ابنا زينب ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فحملا ووضعا بين يدها مقتولين، فقالت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، واللَّه إن المصيبة عليّ فيهما لكبيرة، وهي عليّ في هذا أكبر منها في هذا، أما هذا فجلس في بيته فكفّ يده، فدخل عليه، وقتل مظلوما، وأنا أرجو له الجنة. وأما هذا فبسط يده فقاتل حتى قتل، فلا أدرى على ما هو في ذلك فالمصيبة به عليّ أعظم منها في هذا. قال جرير: وهما ابنا عبد اللَّه بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزيز بن قصىّ. قال ابن سعد في (الطبقات) : كانت أسماء بنت أبى بكر أرضعتها، فكانت أخت أولاد الزبير. وقال بكر بن عبد اللَّه المزني: أخبرنى أبو رافع- يعنى الصائغ- قال: كنت إذا ذكرت امرأة فقيهة في المدينة ذكرت زينب بنت أبى سلمة. ذكرها العجليّ في (ثقات التابعين) ، كأنه كان يشترط للصحبة البلوغ، وأنها لم تحفظ. قال الحافظ في (الإصابة) : وروينا في القطعيات، من طريق عطاف بن خالد، عن أمه، عن زينب بنت أبى سلمة، قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا دخل يغتسل تقول أمى: ادخلى عليه، فإذا دخلت نضح في وجهي من الماء، ويقول: ارجعي. قالت: فرأيت زينب وهي عجوز كبيرة، ما نقص من وجهها شيء وفي رواية ذكرها أبو عمر في (الاستيعاب) : فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت وعمرت. وذكرها ابن سعد في (الطبقات) : فيمن لم يرو عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا، وروى عن أزواجه. (الاستيعاب) : 4/ 1854- 1856، ترجمة رقم (3361) ، (الإصابة) : 7/ 685- 676، ترجمة رقم (11235) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 238. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 وحبيبة بنت عبيد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غانم بن ودان بن أسد بن خزيمة، ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أمها أم حبيبة، نفيلة بنت أبى سفيان، أم المؤمنين رضى اللَّه عنها، وابنة ابن عمته أميمة بنت عبد المطلب [ (1) ] . وشريك بن أبى العكر بن سميّ، حليف بنى عامر بن لؤيّ. قال ابن الكلبي: تزوج أبو العكر أم شريك من بنى عامر، فولدت له شريك، ثم خلف عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .   [ (1) ] حبيبة بنت عبيد اللَّه بن جحش بن رئاب، وأمها أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وبها كانت تكنى. هاجرت مع أبيها إلى أرض الحبشة، فتنصّر أبوها هنالك، ومات نصرانيا، وقدمت مع أمها على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المدينة. (الاستيعاب) : 4/ 1809، ترجمة رقم (3291) ، (الإصابة) : 7/ 574، ترجمة رقم (11021) ، 7/ 578، ترجمة رقم (11032) . [ (2) ] شريك بن أبى العكر، واسمه سلمة بن سلمى [أو سميّ] الأزديّ ثم الدوسيّ، ذكره خليفة بن خياط في الصحابة، وقال: أمه أم شريك التي تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يعنى ولم يدخل بها، وهي أم شريك بنت أبى العكر بن سمّى، وذكرها ابن أبى خيثمة من طريق قتادة، قال: وتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أم شريك الأنصارية النجارية، وقال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم قال: إن أكره غير الأنصار فلم يخدل بها. قال الحافظ في (الإصابة) : ولها ذكر في حديث صحيح عند مسلم، من رواية فاطمة بنت قيس في قصة الجساسة، في حديث تميم الداريّ، قال فيه: وأم شريك امرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل اللَّه عزّ وجلّ، ينزل عليها الضيفان. ولها حديث آخر أخرجه ابن ماجة، من طريق شهر بن حوشب، حدثتني أم شريك الأنصارية، قالت: أمرنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب، ويقال: إنها التي أمرت فاطمة بنت قيس أن تعتد عندها، ثم قيل لها: اعتدى عند ابن أم مكتوم، (الإصابة) : 3/ 348، ترجمة رقم (3911 ز) ، 8/ 236- 237، ترجمة رقم (12097) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 فصل في ذكر موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أن موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الرجال نحو السبعين، ومن الإماء نحو العشرة، وذكر سيف بن عمر عن سهل بن يوسف عن أبيه عن جده قال: أعتق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في مرضه أربعين نفسا: زيد بن حارثة بن شراحبيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس ابن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن كنانة بكر بن عوف بن عذرة ابن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن مالك بن حمير ابن سبإ يشجب بن يعرب بن قحطان، أبو أسامة الكلبي، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحيد أمه سعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت بن سليلة من بنى معن من طى. خرجت تزور قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر بن [شيع] بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان، في الجاهلية ومرّوا على أبيات بنى معن- رهط أم زيد- فاحتملوا زيدا وهو غلام يفعة، فوافوا به سوق عكاظ، وقيل سوق حباشة، وزيد يومئذ ابن ثمانية أعوام، فعرضوه للبيع، فاشتراه منهم حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم، ويقال: بستمائة درهم، وقيل: اشتراه حكيم، ثم وهبه لعمته خديجة، فلما تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهبته له فقبضه وتبناه، ويقال: بل اشتراه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الشام لخديجة حين توجّه مع ميسرة قيّمها، فوهبته له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 وزعم أبو عبيدة أن زيد بن حارثة لم يكن اسمه زيدا، لكن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سمّاه باسم جده [] [ (1) ] حتى يتبنّاه. وفي مصنف أبى بكر بن أبى شيبة: حدثنا أبو أسامة، حدثنا عبد الملك، حدثنا أبو فزارة قال: أبصر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة غلاما ذا ذؤابة، قد أوقفه قومه بالبطحاء يبيعونه، فأتى خديجة فقال: رأيت غلاما بالبطحاء، قد أوقفوه ليبيعوه، ولو كان لي ثمنه لاشتريته، قالت: وكم ثمنه؟ قال: سبعمائة درهم، قالت: خذ سبعمائة [درهم] [ (2) ] واذهب فاشتره، فاشتراه، فجاء به إليها [وقال] [ (3) ] : أما إنه لو كان لي لأعتقته، قالت: هو لك، فأعتقه [ (4) ] . وكان أبو زيد لما فقده قال شعرا يبكيه به: بكيت على زيد ولم أدر فأفعل ... أحىّ فيرجى أم أتى دونه الأجل؟ فو اللَّه ما أدرى وإن كنت سائلا ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل؟ فيا ليت شعرى هل لك الدهر رجعة؟ ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل   [ (1) ] بياض بالأصل. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] ونحوه في (المستدرك) ، وحذفه الذهبي من (التلخيص) لضعفه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا قارب الطّفل وإن هبت الأرواح هيّجن ذكره ... فيا طول ما حزني عليه ويا وجل سأعمل نصّ العيس في الأرض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل [ (1) ] حياتي أو تأتى عليّ منيّتى ... وكل امرئ فان وإن غرّه الأمل وأوصى به عمرا وقيسا كليهما ... وأوصى يزيدا ثم من بعده جبل يعنى يزيد بن كعب وهو ابن عم زيد وأخوه لأمه، ويعنى بجبل جبلة ابن حارثة أخا زيد، وكان أسنّ منه، فاتفق أن قوما من كلب حجوا فرأوا زيد بن حارثة فعرفهم وعرفوه، فقال لهم: أبلغوا أهلي هذه الأبيات، فإنّي أعلم أنهم قد جزعوا عليّ، وهي: ألكنى [ (2) ] إلى قومي وإن كنت نائيا ... فإنّي قطين [ (3) ] البيت عند المشاعر   [ (1) ] العيس: الإبل. [ (2) ] كذا في (خ) ، (صفة الصفوة) ، وفي (الاستيعاب) : «أحن» . [ (3) ] كذا في (خ) ، (صفة الصفوة) ، وفي (الاستيعاب) : «قعيد» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 فكفوا عن الوجد الّذي قد شجاكم ... ولا تعملوا في الأرض نصّ الأباعر فإنّي بحمد اللَّه في خير أسرة ... كرام معدّ كابرا بعد كابر فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه فقال: ابني ورب الكعبة! ووصفوا له موضعه وعند من هو، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل لفدائه، وقدما مكة، فسألا عن النبي، فقيل: فهو في المسجد، فدخلا عليه فقالا: [يا ابن عبد اللَّه] [ (1) ] ، يا ابن عبد المطلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم اللَّه وجيرانه تفكون العاني، وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك، فامنن علينا، وأحسن إلينا في فدائه، [فإنا سنرفع لك في الفداء] قال: من هو؟ قالوا: زيد بن حارثة، فقال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] : فهلا غير ذلك؟ قالوا: وما هو؟ قال: ادعوه فأخيّره، فإن اختاركم فهو لكم [بغير فداء] ، وإن اختارني فو اللَّه ما أنا بالذي أختار على من اختارني [أحدا] ، قالا: قد زدتنا على النّصف، وأحسنت، فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، قال: من هذا؟ قال: هذا أبى، وهذا عمى، قال: فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك، فاخترنى واخترهما، [فقال زيد] : ما أنا بالذي اختار عليك أحدا، أنت منى [مكان] الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد! أختار العبوديّة على الحرية، وعلى أبيك وعمك وعلى أهل بيتك! قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا.   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: يا من حضر اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما فانصرفا، ودعي زيد بن محمد حتى جاء اللَّه بالإسلام، [فأنزل اللَّه جل جلاله: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (1) ] ، وقال: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [ (2) ] ، فدعى يومئذ زيد بن حارثة، ودعي الأدعياء إلى آبائهم، [فدعى المقداد إلى عمرو، وكان يقال له قبل ذلك المقداد بن الأسود، وكان الأسود بن عبد يغوث الزهري قد تبناه] [ (3) ] . قال الزهري: ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة، وقد روى من وجوه أن أول من أسلم خديجة، وهو الحق، وشهد زيد بدرا، وزوجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة بن زيد، وبه كان يكنى، وكان يقال لزيد حبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أكبر منه بعشر سنين، ويقال بعشرين سنة، وزوّجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بزينب بنت جحش، ثم طلقها زيد فخلف عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فتكلم المنافقون وطعنوا في ذلك وقالوا: محمد يحرم نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه، فأنزل اللَّه تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (4) ] ، ونزلت ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [ (5) ] .   [ (1) ] الأحزاب: 40. [ (2) ] الأحزاب: 5. [ (3) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) . [ (4) ] الأحزاب: 40. [ (5) ] الأحزاب: 5. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 وتزوج زيد بأم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط [ (1) ] ، وأمها أروى بنت كريز بن ربيعة، وأمها أم حكيم [وهي] البيضاء بنت عبد المطلب [بن هاشم] كما هاجرت [إلى المدينة] ، فولدت له زيد [بن زيد] ورقية، مات زيد صغيرا، وماتت رقية في حجر عثمان رضى اللَّه عنها. وطلق زيد بن حارثة أم كلثوم، فخلف عليها عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه عنه، ثم الزبير بن العوام، ثم عمرو بن العاص. وتزوج زيد أيضا بدرّة بنت أبى لهب [ثم طلقها] ، وبهند بنت العوام. ولما هاجر زيد نزل على كلثوم بن الهدم [ (2) ] ، ويقال على سعد بن خيثمة، وآخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينه وبين حمزة [بن عبد المطلب] ، وإليه أوصى حمزة يوم أحد حين أراد القتال، وآخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينه وبين أسيد بن حضير. وقالت عائشة رضى اللَّه عنها: ما بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمّره عليه، وإن بقي بعده استخلفه على المدينة. وقال سلمة بن الأكوع: غزوت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبع غزوات، ومع زيد ابن حارثة تسع غزوات، يؤمره فيها علينا. استشهد يوم مؤتة سنة ثمان وهو أمير وله خمسون سنة، وكان قصيرا آدم شديد الأدمة، في أنفه فطس، وفضائله كثيرة، رضى اللَّه عنه [ (3) ] .   [ (1) ] (الإصابة) : 8/ 291- 292، ترجمة رقم (12227) ، (الاستيعاب) : 1953- 1956، ترجمة رقم (4203) . [ (2) ] (الإصابة) : 5/ 617- 618، ترجمة رقم (7449) . [ (3) ] له ترجمة في: (جمهرة أنساب العرب) : 453- 54، (المستدرك) : 3/ 235- 241، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 220، ترجمة رقم (36) ، (طبقات ابن سعد) : 2/ 90- 91، (طبقات خليفة) : 6، (تاريخ خليفة) : 89، (التاريخ الكبير) : 3/ 390، (التاريخ الصغير) : 1/ 23، (الجرح والتعديل) : 3/ 559، (الاستيعاب) : 2/ 542- 547، ترجمة رقم (843) ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 وأسامة بن زيد بن حارثة الكلبي أبو زيد، وقيل أبو خارجة، وقيل أبو محمد، الحبّ ابن الحبّ، أمه أم أيمن بركة، مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحاضنته، وكانت سنة يوم توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عشرين سنة، وقيل: تسع عشرة، وقيل: ثمان عشرة، وسكن وادي القرى، وفرض له عمر خمسة آلاف، وتوفى سنة ثمان أو تسع وخمسين، وقيل سنة أربع وخمسين. قال عبد الرازق: أخبرنا معمر عن الزهري قال: كان أسامة بن زيد يخاطب بالأمير حتى مات. يقولون بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال عمر بن شيبة في كتاب (أخبار مكة) : حدثنا ابن لهيعة، [قال] : أخبرنى أبو الأسود قال: لما قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مكة عام الفتح، وأسامة بن زيد ردفه، وعليه حلة ذي يزن، عجبت قريش وقالوا: أسامة رديف الملك وعليه حلة ذي يزن، فقال أسامة: ما تعجبون من حلة ذي يزن، فو اللَّه لأنا خير منه، ولأبى خير من أبيه [ (1) ] .   [ () ] (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 202- 203، (تهذيب التهذيب) : 3/ 346- 347، ترجمة رقم (737) ، (الإصابة) : 2/ 598- 602، ترجمة رقم (2892) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 350، ترجمة رقم (248) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 245- 246، ترجمة رقم (345) ، (الثقات) : 3/ 134، (تلقيح فهوم أهل الأثر) : 373، (صفة الصفوة) : 199- 201، ترجمة رقم (13) . [ (1) ] الزبير بن بكار: حدثنا محمد بن سلام، عن عياض، قال: أهدى حكيم بن حزام للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم- في الهدنة- حلة ذي يزن، اشتراها بثلاثمائة دينار، فردها وقال: لا أقبل هدية مشرك، فباعها حكيم، فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من اشتراها له. فلبسها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رآه حكيم فيها قال: ما ينظر الحكام بالفصل بعد ما ... بدا سابق ذو غرّة وجحول فكساها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد، فرآها عليه حكيم فقال: بخ بخ يا أسامة! عليك حلة ذي يزن! فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قل له: وما يمنعني وأنا خير منه، وأبى خير من أبيه. [الغرة: البياض يكون في وجه الفرس، والجحول: جمع جحل: وهو البياض يكون في قوائم الفرس] . (سير أعلام النبلاء) ، ثم قال في هامشه: سنده على انقطاعه تالف، يزيد بن عياض: قال البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال: يحيى ليس بثقة، وقال على: ضعيف، ورماه مالك بالكذب، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال الدار قطنى: ضعيف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا شريك عن العباس بن دويح، عن البهي، عن عائشة قال:: عثر أسامة بعتبة الباب، فشج في وجهه، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أميطى عنه الأذى، فقذرته، فجعل يمص الدم ويمجّه عن وجهه [وقال:] ، لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه [ (1) ] . وأبو رافع أسلم، وقيل إبراهيم وقيل: هرمز، [وقيل: ثابت] ، وأسلم أشهرها، كان قبطيا، وكان للعباس بن عبد المطلب، فوهبه لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما بشّره بإظهار العباس إسلامه أعتقه. وقال ابن وهب: أخبرنى عمرو بن الحارث [عن بكير بن] [ (2) ] عبد اللَّه بن الأشج ليحدثه أن الحسن بن على بن أبى رافع أخبره عن أبيه، أنه أقبل بكتاب قريش إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فلما رأيته ألقى في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول اللَّه! إني واللَّه لا أرجع إليهم أبدا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع إليهم، فإن كان في قلبك الّذي في قلبك الآن فارجع، قال: فرجعت إليهم، ثم أقبلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم   [ (1) ] له ترجمة في (مسند أحمد) : 5/ 199، (طبقات ابن سعد) : 4/ 61- 72، طبقات خليفة: 6، 297، (تاريخ خليفة) : 100 و 226، (التاريخ الكبير) : 2/ 20، (المعارف) : 44- 45، 146، 166، (الجرح والتعديل) : 2/ 283، (المستدرك) : 3/ 596، (الاستيعاب) : 1/ 75- 77، ترجمة رقم (21) ، (تهذيب التهذيب) : 1/ 182- 183، ترجمة رقم (391) ، (الإصابة) : 1/ 49، ترجمة رقم (89) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 66، ترجمة رقم (351) ، (كنز العمال) : 13/ 270، (الوافي) : 1/ 87، (عيون الأثر) : 2/ 313، (تاريخ الخميس) : 2/ 178، (زاد المعاد) : 1/ 114، (طبقات ابن سعد) : 1/ 114، (المواهب اللدنية) : 2/ 123. [ (2) ] زيادة للسياق من (الإحسان) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 [فأسلمت] [ (1) ] خرّجه ابن حبّان [ (2) ] . وقال بكير: وأخبرنى أن أبا رافع كان قبطيا، وهو الّذي توجّه مع زيد بن حارثة من المدينة لحمل عيال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما هاجر، وهو الّذي عمل المنبر لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أثل الغابة، وتزوج سلمى مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم التي ورثها من أمه فولدت له عبيد اللَّه بن أبى رافع، كاتب على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه. ورافع هو الّذي بشّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بولادة إبراهيم عليه السّلام، فوهب له غلاما، وهو الّذي توجّه مع رجل من الأنصار ليخطبا ميمونة بنت الحارث على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال ابن إسحاق عن حسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عباس عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قال أبو رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كنت غلاما للعباس، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، وأسلم العباس، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم، فكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه، فلما جاء مصاب أهل بدر   [ (1) ] زيادة للسياق من (الإحسان) . [ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 11/ 233، كتاب السير، باب الموادعة والمهادنة، ذكر الإخبار عن نفى جواز حبس الإمام أهل العهد وأصحاب بردهم في دار الإسلام، حديث رقم (4877) ، وقال في هامشه: إسناده صحيح ... وقوله: «لا أخيس العهد» ، قال الخطابي في (معالم السنن) : 2/ 317: معناه: لا أنقض العهد ولا أفسده من قولك: خاس الشيء في الوعاء: إذا فسد. وفيه من الفقه: أن العقد يرعى مع الكافر كما يرعى مع المسلم، وأن الكافر إذا عقد لك عقد أمان، فقد وجب عليك أن تأمنه، وأن لا تغتاله في دم، ولا مال، ولا منفعة. وقوله: «لا أحبس البرد» ، فقد يشبه أن يكون المعنى في ذلك: أن الرسالة تقتضي جوابا، والجواب لا يصل إلى المرسل إلا على لسان الرسول بعد انصرافه، فصار كأنه عقد له العهد مدة مجيئه ورجوعه، واللَّه تعالى أعلم. مختصرا من (المرجع السابق) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 وجدنا في أنفسنا عزاء وقوة، وكان ضعيفا أعمل الأقداح واجتهد في حجرة زمزم خشيت أنا أن أخسر أقداحى وعندي أم الفضل جالسة، وقد سررنا بما جاءنا من خبر أهل بدر، إذ قتل الفاسق أبو لهب، فجلس ووافى أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، فقال أبو لهب: إليّ يا ابن أخى، ما خبر الناس [ (1) ] ؟ فقال: ما هو إلا أن لقيناهم حتى منحناهم أكتافنا، ولقينا رجال [ (2) ] على خيل بلق، فقلت: تلك الملائكة، فلطمني أبو لهب لطمة شديدة، وثاورته [ (3) ] فضرب بى الأرض، فقالت له أم الفضل: أراك استضعفته إذ غاب سيده، وأخذت شيئا فشجّته [ (4) ] ، فقام ذليلا، فو اللَّه ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه اللَّه بالعدسة [ (5) ] فقتله، ولقد ترك حتى أبين، وعذل ابناه في ذلك، فصبا عليه الماء ومات، ودفن بأعلى مكة إلى جدار، وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه بها [من خلف الحائط] [ (6) ] . وقد شهد أبو رافع أحدا وما بعدها، وله عدة أحاديث، خرّج له الجماعة، ومات قبل قتل عثمان رضى اللَّه عنه بقليل، وقيل مات في خلافة   [ (1) ] في (ابن هشام) : «يا ابن أخى، أخبرنى كيف كان أمر الناس؟» . [ (2) ] في (المرجع السابق) : «لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض» . [ (3) ] ثاورته: وثبت إليه. [ (4) ] في (المرجع السابق) : «فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته فلعت [شقّت] في رأسه شجة منكرة» . [ (5) ] العدسة: قرحة كانت العرب تتشاءم بها، ويرون أنها تعدى أشدّ العدوي، فلما رمى بها أبو لهب تباعد عنه بنوه، فبقي ثلاثا لا تقرب جنازته، ولا يدفن، فلما خافوا السّبّه دفعوه بعود في حفرته، ثم قذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه. وقال ابن إسحاق في رواية يونس: لم يحفروا له، ولكن أسند إلى الحائط، وقذفت عليه الحجارة من خلف الحائط ... وروى: بئرة خطرة تخرج في الجسم تشبه الطاعون تقتل صاحبها سريعا. (سيرة ابن هشام) : 3/ 198 [هامش] . [ (6) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 على رضى اللَّه عنه، وقال محمد بن عبد الملك بن أيمن: حدثني عبيد اللَّه أن أبا رافع وهو رويفع، كان لسعيد بن العاص أبى أحيحة، فورثه عنه بنوه وهم ثمانية، وقبل عشرة، فأعتقهم كلهم إلا واحدا، يقال إنه خالد بن سعيد تمسك بنصيبه منه، وقد قيل إنما أعتق منهم ثلاثة، واستمسك بعض القوم بحقهم منه، فأتى رافع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يستعينه على من لم يعتقه منهم، فكلمهم فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فوهبوه له فأعتقه. وقيل: إن الّذي [تمسك بنصيبه] من أبى رافع هو خالد بن سعيد بن العاص وحده، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعتق إن شئت نصيبك، قال: ما أنا بفاعل، قال: فبعه قال: ولا، قال: فهبه لي، قال: ولا، قال: فأنت على حقك منه، فلبث ما شاء اللَّه، ثم أتى خالد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: قد وهبت ذلك بعد قبول الهبة [ (1) ] . وكان رافع يقول: أنا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: إنه [ما] [ (2) ] كان لسعيد بن العاس [إلا] [ (2) ] سهما واحدا، فاشترى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك السهم فأعتقه. ويقال أبتاعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويقال: لما ولى عمرو بن سعيد الأسدي المدينة، دعي رافعا، فلما أتاه قال: مولى من أنت؟ قال: مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فضربه مائة سوط، ثم قال له: مولى من أنت؟ قال: مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فضربه مائة سوط أخرى، ثم قال له: مولى من أنت؟ قال: مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فضربه مائة سوط ثالثة، فلما رأى أنه لا يرفع عنه   [ (1) ] في (الاستيعاب) : ثم أتى خالد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: قد وهبت نصيبي منه لك يا رسول اللَّه، وإنما حملني على ما صنعته الغضب الّذي كان في نفسي، فأعتق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نصيبه ذلك بعد بعد قبول الهبة، فكان أبو رافع يقول: أنا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 الضرب، قال له: مولى من أنت؟ قال مولاك [ (1) ] . وقد جعل أبو عمر يوسف بن عبد البر رافعا هو أبو رافع، وذكر الاختلاف فيه، هل كان للعباس أو لسعيد بن العاص، وما في ملك سعيد من الاختلاف، ثم قال: وهذا اضطراب كبير في ملك سعيد بن العاص وولايته، ولا يثبت من جهة النقل [ (2) ] . [وما روى أنه كان للعباس، فوهبه للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم أولى وأصح إن شاء اللَّه تعالى لأنهم قد أجمعوا أنه مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولا يختلفون في ذلك، وعقب أبى رافع أشراف بالمدينة وغيرها عند الناس، وزوجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سلمى مولاته، فولدت له عبيد اللَّه بن أبى رافع، وكانت سلمى قابلة إبراهيم بن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وشهدت معه خيبر، وكان عبيد اللَّه بن أبى رافع خازنا وكاتبا لعلى رضى اللَّه عنه، وشهد أبو رافع أحدا والخندق وما بعدهما من المشاهد، ولم يشهد بدرا، وإسلامه قبل بدر، إلا أنه كان مقيما بمكة، وكان قبطيا، ومات في خلافة عثمان رضى اللَّه عنه] [ (3) ] .   [ (1) ] قال الحافظ في (الإصابة) فلما ولى عمرو بن سعيد المدينة، أرسل إلى البهي بن أبى رافع، فقال له: من مولاك؟ قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فضربه مائة سوط، ثم قال له: من مولاك؟ فقال مثلها حتى ضربه خمسمائة سوط، فلما خاف أن يموت قال: أنا مولاكم، فلما قتل عبد الملك بن مروان عمرو بن سعيد ابن العاص مدحه البهي بن أبى رافع، وهجا عمرو بن سعيد، فهذا يبين أن صاحب هذه القصة غير أبى رافع والد عبد اللَّه بن أبى رافع، إذ ليس في ولده أحد يسمى البهي (الإصابة) : 7/ 126. [ (2) ] (الاستيعاب) : 1/ 84. [ (3) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من (الاستيعاب) . له ترجمة في: (سيرة ابن هشام) : 3/ 197، 5/ 20، (الاستيعاب) : 1/ 83- 85، ترجمة رقم (34) ، 4/ 1656- 1657، ترجمة رقم (2948) ، (الإصابة) : 7/ 135- 136، ترجمة رقم (9880) ، (مسند أحمد) : 6/ 8 و 390، (طبقات ابن سعد) : 4/ 73- 75، (المعارف) : 145- 146 ، (الجرح والتعديل) : 2/ 149، (المستدرك) : 3/ 690، 100- 101، ترجمة رقم (406) ، (سير الإعلام) : 2/ 16- 17، ترجمة رقم (3) ، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (المواهب اللدنية) : 2/ 123- 124، (الوافي) 1/ 87، (عيون الأثر) : 2/ 313، (تاريخ الخميس) : 2/ 178، (زاد المعاد) : 1/ 114، (طبقات ابن سعد) : 1/ 498. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 وأبو أنسه [ (1) ] ، أبو مشرّح [ (2) ] ، من مولّدى السراة فأعتقه [ (3) ] ، وكان يحاذي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا جلس، وهو مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان [يدعوه] بعضهم بأبي مسروح، وذكر فيمن شهد بدرا [ (4) ] ، وسماه بعضهم أبو أنسة، وأنه استشهد يوم بدر، ولم يعرف قاتله [ (5) ] . وقال الواقدي: رأيت أهل العلم يثبتون أنه لم يقتل ببدر، وأنه قد شهد يوم أحد، وبقي بعد ذلك، وتوفّى في خلافة أبى بكر رضى اللَّه عنه [ (6) ] . [و] أبو كبشة، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال العسكري: اسمه قيلاوس، وقال ابن حبان: يقال اسمه سلمة، ويقال: أوس، وهو الصحيح- انتهى.   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي سائر المراجع: «أنسة» . [ (2) ] (زاد المعاد) . [ (3) ] (طبقات ابن سعد) . [ (4) ] قال ابن هشام- وقد ذكر عدد إبل المسلمين يوم بدر-: قال ابن إسحاق: وكان حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو كبشة، وأنسة، موليا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يعتقبون بعيرا، ثم قال- وقد ذكر من حضر بدرا من المسلمين-: قال ابن إسحاق: وأنسة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأنسة حبشي. [ (5) ] ذكره الديار بكرى في (تاريخ الخميس) ، فيمن شهد بدرا، وكذلك ابن هشام في (السيرة) . [ (6) ] ذكره الواقدي في (المغازي) ، فيمن شهد سرية حمزة بن عبد المطلب، وفيمن شهد بدرا، وقال: حدثني ابن أبى حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قتل أنسة مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ببدر. له ترجمة في: (مغازي الواقدي) : 1/ 9، 24، 46، 136، (سيرة ابن هشام) : 3/ 233، (تاريخ الخميس) : 1/ 396، (زاد المعاد) : 1/ 116 (عيون الأثر) : 2/ 314، (طبقات ابن سعد) : 1/ 497، (صفة الصفوة) : 1/ 77. وفي ص 720 من النسخة (خ) ما نصه: أصل، ابن محمد مولى دنا عبد الملك بن الحسن بن محمد بن زريق بن عبيد اللَّه بن أبى رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن أصبغ بن خليل، أنه أخذ نسخة كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، كتاب من محمد رسول اللَّه لفتاه أسلم، إني أعتقتك للَّه عتقا مبتولا، اللَّه أعتقك، وله المن عليّ وعليك، وأنت حرّ لا سبيل لأحد عليك إلا سبيل الإسلام، وعصمة الإيمان، شهد على ذلك أبو بكر، وشهد عمر، وشهد عثمان، وشهد عليّ، وكتب معاوية بن أبى سفيان، هكذا نقل هذا الخبر من خط الحاكم المستنصر باللَّه، وقال: وجدت على كتاب من كتب ابن عبد الملك بن أيمن فذكر بنصه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 وقيل اسمه سليم، كان من مولدي أرض دوس، وقيل: من مولدي مكة، وقيل: من فارس، ابتاعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأعتقه، وشهد بدرا وما بعدها، ونزل لما هاجر على كلثوم بن الهدم، ويقال على سعد بن خيثمة [ (1) ] . وتوفّي في أول يوم من خلافة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، [و] قيل: يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وقيل: مات سنة ثلاث عشرة، وذلك يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الأولى [ (2) ] .   [ (1) ] قال ابن هشام- وقد ذكر منزل حمزة وزيد وأبى مرثد، وابنه، وأنسة وأبى كبشة-: قال ابن إسحاق: ونزل حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو مرثد كنّاز بن حصن، قال ابن هشام: ويقال: ابن حصين، وابنه مرثد الغنويان، حليف حمزة بن عبد المطلب، وأنسة، وأبو كبشة، موليا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، على كلثوم بن هدم، أخى بنى عمرو بن عوف بقباء، ويقال: بل نزلوا على سعد بن خيثمة. ويقال: بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة، أخى بنى النجار. كل ذلك يقال. (سيرة ابن هشام) : 2/ 326- 327. [ (2) ] قال أبو عمر في (الاستيعاب) : أبو كبشة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ذكره ابن عقبة وابن إسحاق، توفى سنة ثلاث عشرة في اليوم الّذي استخلف فيه عمر بن الخطاب، وقد قيل: إن أبا كبشة هذا توفى سنة ثلاث وعشرين في العام الّذي ولد فيه عروة بن الزبير. واختلف في السبب الّذي كانت كفار قريش من أجله تقول للنّبيّ: صلّى اللَّه عليه وسلم: ابن أبى كبشة، فقيل: إنه كان له جدّ من قبل أمه، وهو أبو قيلة. وقيلة أم وهب بن عبد مناف بن زهرة، وهو من بنى غبشان من خزاعة، يدعى أبا كبشة، كان يعبد الشعرى، ولم يكن أحد من العرب يعبد الشعرى غيره، خالف العرب في ذلك، فلما جاءهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بخلاف ما كانت العرب عليه، قالوا: هذا ابن أبى كبشة. وقد قيل: بل نسب إلى جدّ أبى أمه أمنة بنت وهب الزهرية، كان يدعى: أبا كبشة. وقيل: إن عمرو بن زيد بن لبيد النجاري من بنى البخار، وهو والد سلمى أم عبد المطلب، كان يدعى أبا كبشة فنسب إليه. وقيل: إن أباه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي زوج حليمة السعدية، كان يدعى أبا كبشة، فنسبوه إليه. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1738، ترجمة رقم (3143) ، (عيون الأثر) : 2/ 314، (زاد المعاد) : 1/ 114، (المستدرك) : 1/ 178، (سيرة ابن هشام) : 2/ 326- 327 ، (الوافي) : 1/ 87، (المواهب اللدنية) : 2/ 123. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 وصالح بن عدي شقران، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان عبدا حبشيا لعبد الرحمن بن عوف، فوهب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: بل اشتراه منه وأعتقه، وقيل: ورثه من أبيه فأعتقه بعد بدر. وشهد بدرا وهو مملوك فاستعمله على الأسرى، ولم يسهم له، فأحذاه كل رجل له أسير، فأصاب أكثر مما أصابه رجل من القوم من القسم. واستعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على جميع ما وجد في رحال أهل المريسيع من رثة المتاع والسلاح والنعم والشاء، وجمع الذرية ناحية، وسأل أهل المريسيع كيف وجدتم شقران؟ فقالوا: أشبع بطوننا، وشدّ وثاقنا، وأوصى به عند موته، وكان فيمن حضر غسله عند موته، ونزل في قبره صلّى اللَّه عليه وسلم. ولأبى شقران يقول عمر رضى اللَّه عنه حين وجهه إلى أبى موسى الأشعري: وقد وجهت إليك عبد الرحمن بن صالح، الرجل الصالح شقران، فاعرف له مكان ابنه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وتوفى شقران في خلافة عمر رضى اللَّه عنه [ (1) ] . يسار مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، في غزاة قراره الكدر، لما انصرف وقد ظفر حتى إذا صلّى الصبح إذا هو بيسار فرآه يصلّى، فأمر القوم أن يقسموا غنائمهم، فقالوا: يا رسول اللَّه، إن أقوى لنا أن نسوق النعم جميعا، فإن فينا من يضعف عن حقله الّذي يصير له، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: اقتسموا، فقالوا: يا رسول اللَّه، إن كان أنابك العبد الّذي رأيته يصلّى، فنحن نعطيكه في   [ (1) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 2/ 735، ترجمة رقم (1233) ، (الإصابة) : 3/ 351- 253، ترجمة رقم (3920) ، (سيرة ابن هشام) : 6/ 83- 84، 87، (عيون الأثر) : 2/ 314، (زاد المعاد) : 1/ 115، (طبقات ابن سعد) : 1/ 498، (الوافي) : 1/ 87، (تاريخ الخميس) : 2/ 178، (المواهب اللدنية) : 2/ 123، (مغازي الوافدى) : 105، 107، 115، 116، 153، 410، (صفة الصفوة) : 1/ 77. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 سهمك، فقال: قد طبتم به نفسا؟ قالوا: نعم، فقبله وأعتقه، وارتحل وقدم المدينة، فجعله في لقاحه يرعاها، فأغار عليها قوم من عرينة، ويقال: من عكل، فأخذوا يسارا فغرزوا الشوك في عينيه ولسانه، وقطعوا يديه ورجليه حتى مات، وأدخل المدينة ميتا، وهربوا بالسرح فأدركوا، وذلك في سنه ست [ (1) ] ، وقال الكلبي: أصاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسارا في غزاة بنى ثعلبة بن سعد فأعتقه [ (2) ] . [و] فضالة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يماني نزل الشام فولد بها. قاله الواقدي، وقال الهيثم: لم يكن لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مولى يقال له فضالة [ (3) ] . [و] سفينة، واسمه مفلح، وقيل: مهران بن فرّوخ، وقيل: نجران، وقيل:   [ (1) ] وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الخبر، فبعث في أثرهم عشرين فارسا، واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري، فأدركوهم، فأحاطوا بهم وأسروهم، وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالغابة، فخرجوا بهم نحوه، فلقوه بالزّغابة بمجتمع السيول، وأمر بهم فقطعت أيديهم، وأرجلهم، وسمل أعينهم، فصلبوا هناك، وأنزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً [المائدة: 33] ، فلم يسمل بعد ذلك عينا، وكانت اللقاح خمس عشرة لقحة غزارا، فردّوها إلى المدينة، ففقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منها لقحة تدعى الحناء، فسأل عنها، فقيل: نحروها. (طبقات ابن سعد) . [ (2) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1581، ترجمة رقم (2803) ، (طبقات ابن سعد) : 2/ 93، سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين، 2/ 119، سرية غالب بن عبد اللَّه الليثي إلى الميفعة، (مغازي الواقدي) : 2/ 568- 571، 726- 727، (الإصابة) : 6/ 681- 682، ترجمة رقم (9347) ، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 178، (المواهب اللدنية) : 2/ 123، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (الوافي) : 1/ 87. [ (3) ] قال الحافظ في (الإصابة) : فضالة، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، من أهل اليمن، نقل جعفر المستغفري أنه نزل الشام، وأن أبا بكر محمد بن محمد بن حزم ذكره في موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال أبو عمر في (الاستيعاب) : نحو ذلك، وذكره محمد بن سعد في (الطبقات) عن الواقدي، وقال: نزل الشام فولده بها. له ترجمة في (الإصابة) : 5/ 374، ترجمة رقم (7003) ، (الاستيعاب) : 3/ 1264، ترجمة رقم (2084) ، (الوافي) : 1/ 87، (عيون الأثر) : 2/ 314، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (تاريخ الخميس) : 2/ 179، (طبقات ابن سعد) : 1/ 498. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 قيس، وقيل: رومان، وقيل: رباح، وقيل: أحمد، وقيل: طهمان، وقيل: سفينة بن مارفنة، ويقال: عمر أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو البختري [ (1) ] . كان من مولدي الأعراب، وقيل: من أبناء دارين، مولى أم سلمة [رضى اللَّه عنها] ، وقيل: مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعتقه عليه السّلام، وقيل: أعتقته أم سلمة، واشترطت عليه خدمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ما عاش، وقيل: وهبته للنّبيّ عليه السّلام فأعتقه [ (2) ] . وخرّج الحاكم من حديث عبد الوارث بن سعيد، حدثنا سعيد بن جمهان، حدثني سفينة قال: قالت لي أم سلمة [رضى اللَّه عنها] : أعتقك واشترط عليك أن تخدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما عشت، قال: قلت: لو أنك لم تشترطى عليّ ما فارقت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما عشت، قال: فأعتقتني، واشترطت عليّ أن أخدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما عشت [ (3) ] . وقال ابن عبد البر: مهران مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هو غير سفينة عند أكثرهم، وقال سعيد بن جمهان [ (4) ] عن سفينة: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أبسط كساءك، فقال للقوم: أطرحوا أمتعتكم فيه، ثم قال: احمل فإنما   [ (1) ] قال الحافظ في (الإصابة) : سفينة، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قيل: كان اسمه مهران، وقيل: طهمان، وقيل: مروان، وقيل: نجران، وقيل رومان، وقيل: ذكوان، وقيل: كيسان، وقيل: سليمان، وقيل: سنة- بالمهملة والنون، وقيل: بالمعجمة- وقيل: أيمن، وقيل مرقنة، وقيل: أحمر، وقيل: أحمد، وقيل: رباح، وقيل: مفلح، وقيل: عمير، وقيل: معتب، وقيل: قيس، وقيل: عبس، وقيل: عيسى، فهذه واحد وعشرون قولا، وكان أصله من فارس، فاشترته أم سلمة، ثم أعتقته واشترطت عليه أن يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. (الإصابة) : 3/ 132. [ (2) ] المرجع السابق. [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 232، كتاب العتق، حديث رقم (2849/ 9) ، وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : صحيح، وفيه: «فأعتقتني واشترطت ذلك» ، 3/ 702، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6549/ 2147) ، وسكت عند الذهبي في (التخليص) . [ (4) ] في (خ) : «جمهان» ، وما أثبتناه من (المستدرك) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 أنت سفينة، قال: فلو كان وقر بعير، أو بعيرين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة لحملته [ (1) ] . وفي رواية: سماني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سفينة، وذلك أنى خرجت معه ومع أصحابه يمشون، فثقل عليهم متاعهم، فحملوه عليّ، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: احمل فإنما أنت سفينة، فلو حملت يومئذ وقر بعير ما ثقل عليّ، وكان يسكن بطن نخلة، مات بعد السبعين [ (2) ] . [و] ثوبان بن بجدد، ويقال: ابن جحدر أبو عبد اللَّه، ويقال: أبو عبد الرحمن، من أهل السّراة، وهو موضع بين مكة واليمن. وقيل: إنه من حمير، وقيل: إنه حكمىّ من حكم بن سعد العشيرة، أصابه سبيا فاشتراه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأعتقه، ولم يزل معه حضرا وسفرا، إلى أن توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج إلى الشام ونزل الرملة، ثم انتقل إلى حمص، وتوفى بها سنة أربع وخمسين، وله أحاديث، خرّج له مسلم وأصحاب السنن [ (3) ] . [و] أنجشة العبد الأسود، وقيل كان حبشيا يكنى أبا حارثة، كان يسوق أو يقود بنساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عام حجة الوداع، وكان حسن الحداء، وكانت الإبل تزيد في الحركة بحدائه، فقال له عليه السّلام: رويدا يا أنجشة، رفقا بالقوارير يعنى النساء. عدّه البلاذري من موالي رسول   [ (1) ] (الاستيعاب) : 2/ 684- 685، ترجمة رقم (1135) . [ (2) ] سبق تخريج هذا الخبر مع الإشارة إلى ترجمة سفينة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في معجزات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (3) ] روى مائة حديث وثمانية وعشرين حديثا، ذكره ابن حزم، وقال البرقي: روى عنه نحو من خمسين حديثا، له ترجمة في (الاستيعاب) : 1/ 218، ترجمة رقم (282) ، (الإصابة) : 1/ 413، ترجمة رقم (968) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 60، ترجمة رقم (34) ، (الثقات) : 3/ 48، (الجرح والتعديل) : 2/ 469، (تهذيب التهذيب) : 2/ 28، ترجمة رقم (54) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 123، (الوافي) : 1/ 87، (عيون الأثر) : 2/ 314، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (تاريخ الخميس) : 2/ 178، (طبقات ابن سعد) : 1/ 498. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . [و] أبو لبابة، واسمه زيد بن المنذر من بنى قريظة، أبتاعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو مكاتب فأعتقه، وهو الّذي روى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «من قال أستغفر اللَّه الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه [غفرت له ذنوبه] ولو كان فرّ من الزحف» [ (2) ] أخرجه أبو داود [ (3) ] . وابنه يسار بن زيد يروى عن أبيه زيد، وعنه ابنه بلال بن يسار، ذكر ابن حبان [أبا] لبابة هذا في موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال ابن عبد البر: أبو لبابة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مذكور في مواليه [ (4) ] . وأبو لقيط، ذكره بعضهم في موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال ابن عبد البر: لا أعرفه [ (5) ] .   [ (1) ] له ترجمة في: (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (الوافي) : 1/ 87، (عيون الأثر) : 2/ 314، (المواهب اللدنية) : 2/ 124، (الاستيعاب) : 1/ 140، ترجمة رقم (151) ، (الإصابة) : 1/ 119- 120، ترجمة رقم (261) . [ (2) ] قال الحافظ في (الإصابة) : المعروف أن الّذي روى الحديث المذكور هو زيد بن بولا، وما بين الحاصرتين تصويب للسياق منه. [ (3) ] (عون المعبود) : 4/ 266، تفريع أبواب الوتر، حديث رقم (1514) ، ولفظه: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حفص بن عمر بن مرة الشنى، حدثني أبى عمر بن مرة قال: سمعت بلال بن يسار ابن زيد مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: سمعت أبى يحدثنيه عن جدي، أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «من قال: أستغفر اللَّه الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. غفر له وإن كان قد فرّ من الزحف» . [ (4) ] ولأبى لبابة ترجمة في: (الإصابة) : 7/ 350، ترجمة رقم (10466) ، (الاستيعاب) : 4/ 1740، ترجمة رقم (3149) ، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (الوافي) : 1/ 87، (عيون الأثر) : 2/ 314. [ (5) ] كذا في (الاستيعاب) : 4/ 1742، ترجمة رقم (3152) ، لكن قال الحافظ في (الإصابة) : أبو لقيط مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كان عبدا حبشيا أو نوبيا، بقي إلى زمن عمر رضى اللَّه عنه، وذكره محمد ابن حبيب في كتاب (المحبر) . وقال جعفر المستغفري: كان عند الديوان في خلافة عمر رضى اللَّه عنه، له ترجمة في: (الإصابة) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 [و] أبو مويهبة، وهو أبو موهبة، من مولدي مزينة، اشتراه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأعتقه، وشهد المريسيع، وكان يقود بعائشة رضى اللَّه عنها بعيرها، قال ابن عبد البر: لا يوقف له على اسم، حديثه حسن في استغفار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأهل البقيع، واختياره لقاء ربه [ (1) ] . [و] مدعم، غلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، من مولدي حمير، ويكنى أبا سلام، ويقال: إن أبا سلام غيره، وكان مدعم من هدية فروة بن عمرو الجذامىّ، ويقال: من هدية رفاعة بن زيد [بن وهب] [ (2) ] الجذامي، أصابه سهم غرب بوادي القرى وهو يحط رحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال ابن عبد البر: مدعم العبد الأسود، خبره مشهور بخيبر، ويوم خيبر قتل شهيدا، قيل إنه كان مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأن الّذي أهداه له رفاعة بن زيد بن وهب الجذامىّ، أصابه سهم غرب فقتله. حديثه عند مالك وغيره. وقيل: إن العبد الأسود غير مدعم، كذا قال ابن عبد البر، وكلاهما قتل بخيبر. وقال الواقدي في (مغازية) : وكان رجل أسود مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يمسك دابته عند القتال، يقال له كركرة، فقتل يومئذ، يعنى يوم خيبر، فقيل: يا رسول اللَّه: استشهد كركرة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: إنه الآن ليحرق في النار على شملة غلّها.   [ () ] 7/ 352، ترجمة رقم (10470) ، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 180. [ (1) ] له ترجمة في (الاستيعاب) : 1764- 1765، ترجمة رقم (3196) ، (الإصابة) : 7/ 393- 394، ترجمة رقم (10589) ، (الثقات) : 3/ 452، (التاريخ الكبير) : 9/ 73، (الجرح والتعديل) : 9/ 444، (تعجيل المنفعة) : 522، (أسماء الصحابة الرواة) : 286، ترجمة رقم (422) ، (الوافي) : 1/ 87، (تاريخ الخميس) : 2/ 187، (عيون الأثر) : 2/ 314، (صفة الصفوة) 1/ 78. [ (2) ] زيادة للنسب من (الاستيعاب) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 وقال في مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى وادي القرى: فكان أبو هريرة يحدث قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي قد وهب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبدا أسودا يقال له: مدعم، وكان يرحل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما نزلنا بوادي القرى، انتهينا إلى يهود وقد ضوى إليها ناس من العرب، فبينا مدعم يحط رحل النبي عليه السلام، وقد استقبلنا يهود بالرمي، حيث نزلنا، ولم نكن على تعبئة، وهم يصيحون في آطامهم. فيقبل سهم غائر فأصاب مدعما فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كلا والّذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم يصبها المقسم تشتعل عليه نارا، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشراك [ (1) ] أو شراكين، فقال النبي عليه السّلام: شراك [من نار] ، أو شراكان من نار. فقد بين الواقدي أنهما اثنان، أحدهما كركرة، وهو الّذي قتل بخيبر، والآخر مدعم، وهو الّذي قتل بوادي القرى [ (2) ] . وكركرة غلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال ابن عبد البرّ: مدعم العبد الأسود، خبره مشهور بخيبر، ويوم خيبر قتل شهيدا، قيل إنه كان مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال البلاذري: أهدى إليه فأعتقه، ويقال: مات على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو مملوك [ (3) ] .   [ (1) ] الشراك: أحد سيور النعل التي على وجهها. [ (2) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 6/ 60- 61 ترجمة رقم (7861) ، 709- 710 (الاستيعاب) : 4/ 1468، ترجمة رقم (2538) ، (مغازي الواقدي) ، (الكامل في التاريخ) : 2/ 222، 312، (تاريخ الطبري) : 3/ 154، 171، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (المواهب اللدنية) : 2/ 123، (عيون الأثر) : 2/ 317، (تاريخ الخميس) : 2/ 179، (الوافي) : 1/ 87، (طبقات ابن سعد) : 1/ 498. [ (3) ] (الإصابة) : 5/ 587. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 وقال البخاري في كتاب الجهاد من (الصحيح) : حدثنا على بن عبد اللَّه، حدثنا سفيان عن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رجل يقال له: كركرة فمات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلها [ (1) ] . وقد ذكر البخاري في كتاب [المغازي] [ (2) ] ، في غزوة خيبر من عدة طرق عن أبى هريرة، أن مدعما قتل بوادي القرى [ (3) ] ، كما ذكر الواقدي [ (4) ] . وذكره أبو داود أيضا في سننه [ (5) ] ، ولم يذكر أبو عمر بن عبد البر كركرة في كتاب (الأصحاب) ، وهو أحفظ الناس لصحيح البخاري، وأعرفهم ب (مغازي الواقدي) ، غير أن الإحاطة ممتنعة إلا على اللَّه الّذي أحاط بكل شيء علما. وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر كركرة في الموالي [ (6) ] . [و] أبو ضمرة، وهو ابن ضميرة، قال البخاري: اسمه سعد الحميرىّ من آل ذي يزن. وقال أبو حاتم فيه: سعيد الحميرىّ، وقيل: اسمه روح بن   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 230- 231، كتاب الجهاد والسير باب (190) القليل من الغلول، حديث رقم (3074) ، وفي الحديث تحريم قليل الغلول وكثيره، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «هو في النار» ، أي يعذب على معصيته، أو المراد: هو في النار إن لم يعف عنه. [ (2) ] في (خ) : «الإيمان والنذور» ، وصوبناه من (فتح الباري) . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 620، كتاب المغازي، باب (39) ، غزوة خيبر، حديث رقم (4234) ، 11/ 625 كتاب الأيمان والنذور، باب (33) ، هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزرع والأمتعة، حديث رقم (6707) . [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 681. [ (5) ] (عون المعبود) : 7/ 270- 271، كتاب الجهاد، باب (143) في تعظيم الغلول، حديث رقم (2708) ، قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي. [ (6) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 5/ 587، ترجمة رقم (7405) ، (الوافي) : 1/ 87، (طبقات ابن سعد) : 1/ 498، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 179. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 سندرة، وقيل: روح بن شيرزاد، وقيل: سمه إسماعيل بن أبى أويس، والأول أصح. وهو من العرب، ممن أفاء اللَّه على رسوله فأعتقهم، ثم خيّر أبا ضمرة أن يقيم معه أو يلحق بقومه، فاختار المقام، فكتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأهل بيته كتابا بأن يحفظهم كل من لقيهم من المسلمين، فذكروا أن لصوصا لقوا قوما منهم، فأخرجوا كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم يعرضوا لهم. ووفد حسين بن [عبد] [ (1) ] اللَّه بن ضميرة على المهدي بن أبى جعفر المنصور، وجامعه بهذا الكتاب، فأخذه المهدي، وقبّله، ووضعه على عينيه، وأعطى حسينا ثلاثمائة دينار، ويقال: خمسمائة دينار [ (2) ] . وقال ابن الكلبي: كان لعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه غلام يكنى أبا ضمرة، وليس هو هذا [ (3) ] . [و] رباح، أبو أيمن، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو أسود، كان يؤذن على النبي عليه السّلام أحيانا إذا انفرد، وله ذكر في حديث الإيلاء، قال البلاذري: ثم صيّره مكان يسار حين قتل، وكان يقوم بأمر لقاحه عليه السلام [ (4) ] .   [ (1) ] في (خ) : «عبيد» ، وما أثبتناه من كتب السيرة. [ (2) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1695، ترجمة رقم (3051) ، (الإصابة) : 3/ 495، ترجمة رقم (4208 ز) ، (الإصابة) : 7/ 226، ترجمة رقم (10154) ، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 179، (الوافي) : 1/ 87، (المعارف) : 148. [ (3) ] قال ابن هشام- وقد ذكر سرية زيد بن حارثة إلى مدين-: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين، ومعه ضميرة مولى على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، (سيرة ابن هشام) : 6/ 47- 48. [ (4) ] له ترجمة في: (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 178، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (المواهب اللدنية) : 2/ 123، (طبقات ابن سعد) : 1/ 498، (الإصابة) : 2/ 452- 453، ترجمة رقم (2567) ، (الوافي) : 1/ 87، (الاستيعاب) : 2/ 487، ترجمة رقم (747) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 [و] هشام، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم راوي حديث [ (1) ] : إن لي امرأة لا تدفع كفّ لامس [ (2) ] . [و] أبو هند، قيل اسمه عبد اللَّه، مولى فروة بن عمرو البياضي، كان حجام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال فيه: إنما أبو هند [ (3) ] رجل من الأنصار فأنكحوا وأنكحوا إليه [يا بنى بياضة] [ (4) ] ففعلوا، ولم يشهد بدرا، وشهد ما بعدها، ولقي النبي عليه السّلام بعرق الظبية بحميت مملوء حيسا [ (5) ] . قال البلاذري: وقال قوم: وهب بنو بياضة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولاء أبى هند [ (6) ] . وأيمن بن عبيد بن عمرو بن بلال بن أبى الجرباء بن قيس بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم، وهو الجبليّ بن غنم بن عوف بن الخزرج، وهو أيمن بن أم أيمن، مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخو أسامة بن زيد بن حارثة لأمه، عدّة ابن عساكر في موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ (1) ] عن هشام مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، إن امرأتي لا تمنع يد لامس، قال: طلقها، قال إنها تعجبني قال: فاستمتع بها. [ (2) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1541، ترجمة رقم (2688) ، (الإصابة) : 6/ 546، ترجمة رقم (8982) ، (الوافي) : 1/ 87، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (عيون الأثر) : 2/ 314. [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (الاستيعاب) : «امرؤ» . [ (4) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) . [ (5) ] قال ابن إسحاق- وقد ذكر غزوة بدر-: ولقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بذلك الموضع، أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي بحميت مملوء حيسا. [الحيس السمن يخلط بالتمر والدقيق، ويعجن] . (سيرة ابن هشام) : 3/ 194. [ (6) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1772، ترجمة رقم (3209) ، (الإصابة) : 7/ 448، ترجمة رقم (10679) ، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (الوافي) : 1/ 87. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 قال فيه ابن عبد البر: أيمن بن عبيد الحبشي، ونسبه البلاذري كما ذكرنا، وثبت أيمن يوم حنين فيمن ثبت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وذكره ابن إسحاق في من استشهد يومئذ [ (1) ] . وحنين، كان عبدا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم يخدمه، وإذا توضّأ أخرج وضوءه إلى أصحابه، وكانوا إما شربوه وإما مسحوا به، فحبس الوضوء فكان لا يخرج به إليهم، فشكوه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال [حنين] [ (2) ] حبسته عندي فجعلته في جرّ، فإذا أعطشت شربته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هل رأيتم غلاما أحصى ما أحصى هذا؟. ثم وهبه لعمه العباس رضى اللَّه عنه فأعتقه، وقد قيل: إنه مولى على بن أبى طالب [ (3) ] . [و] ضميرة بن أبى ضميرة، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، له ولأبيه أبى ضمرة صحبة، ويروى أن ضميرة أصابه سبيا، فمرّ النبي عليه السّلام بأمه وهي تبكى فقال: ما يبكيك؟ أضائقة أنت؟ أعارية أنت؟ فقالت: فرّق بيني وبين ابني، فابتاعه منه ببكر وقال: لا تفرق بين الوالدة وولدها، ثم أرسل إلى الّذي عنده ضميرة فدعاه، فابتاعه منه ببكر وأعتقه [ (4) ] .   [ (1) ] له ترجمة في: (سيرة ابن هشام) : 4/ 319، 5/ 111، 5/ 128، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (صفة الصفوة) : 1/ 77، (طبقات ابن سعد) : 1/ 497، (الاستيعاب) : 1/ 128- 129، ترجمة رقم (131) ، (الإصابة) : 1/ 170- 171، ترجمة رقم (394) ، (عيون الأثر) : 2/ 313. [ (2) ] زيادة للسياق والبيان. [ (3) ] له ترجمة في: (الوافي) : 1/ 87، (الإصابة) : 2/ 140- 141، ترجمة رقم (1875) ، (الاستيعاب) : 1/ 412، ترجمة رقم (585) ، (عيون الأثر) : 2/ 314. [ (4) ] رواه البخاري في (التاريخ) ، والحسين بن سفيان، من طريق ابن أبى ذئب، عن حسين بن عبد اللَّه بن ضميرة، عن أبيه عن جده ضميرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مرّ بأمّ ضميرة وهي تبكى، فقال: ما يبكيك؟ قالت: يا رسول اللَّه، فرّق بيني وبين ابني، فأرسل إلى الّذي عنده ضميرة فابتاعه منه ببكر. قال الحافظ في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 وطهمان، وقيل: مهران، وقيل: ميمون، وقيل باذام، وقيل: كيسان، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، اختلف فيه على عطاء بن السائب، فقيل: كيسان، وقيل: مهران، وقيل: طهمان، وقيل: ذكوان، كل ذلك في حديث تحريم الصدقة على آل النبي عليه السّلام [ (1) ] .   [ () ] (الإصابة) : وللحديث شاهد عند ابن إسحاق بسند منقطع، وقد تابع ابن أبى ذئب أيضا إسماعيل ابن أبى أويس، وأخرجه محمد بن سعد، وأورده البغوي عنه عن إسماعيل بن أبى أويس، أخبرنى حسين بن عبد اللَّه بن ضميرة بن أبى ضميرة، أن الكتاب الّذي كتبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى ضمرة، فذكره كما تقدم. ومن حديث ضميرة، ما أخرجه البغوي من رواية القعنبي عن حسين بن ضميرة، عن أبيه عن جده، أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا نبي اللَّه، أنكحنى فلانة، قال: ما معك تصدقها إياه؟ قال: ما معى شيء، قال: لمن هذا الخاتم؟ قال: لي، قال: فأعطها إياه: فأنكحه. وأنكح آخر على سورة البقرة، ولم يكن معه شيء. أورده البغوي في ترجمة أبى ضميرة على ظاهر السياق، وإنما هو من رواية ضميرة، وقول القعنبي عن حسين بن ضميرة تجوّز فيه، فنسبه لجده وهو حسين بن عبد اللَّه بن ضميرة، فالحديث لضميرة، لا لولده. وزعم عبد الغنى المقدسي في (العمدة) ، أن ضميرة هذا هو اليتيم الّذي صلّى مع أنس لما صلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بيتهم، قال: فقمت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا. له ترجمة في: (الإصابة) : 3/ 495- 496 ، ترجمة رقم (4208 ز) ، (التاريخ الكبير) : 4/ 341- 342، ترجمة رقم (3060) ، (الثقات) : 3/ 199، (الوافي) : 1/ 87. [ (1) ] ذكره ابن حبان في الصحابة، وروى البغوي والطبراني من طريق شريك، عن عطاء بن السائب، قال: أوصى أبى بشيء لبني هاشم، فجئت أبا جعفر، فبعثني إلى امرأة عجوز- وهي بنت على فقالت: حدثني مولى لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقال له طهمان، أو ذكوان، قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تحل الصدقة لي ولا لأهل بيتي. قال البغوي: وروى عن شريك، فقال: مهران، وقيل: ميمون، وقيل: باذام. قال الحافظ في (الإصابة) : قلت: وقيل أيضا: هرمز، وقيل: كيسان، وهي رواية جرير عن عطاء، وقيل: مهران، وهو أصحها، فإنّها رواية سفيان الثوري، عن عطاء بن السائب في هذا الحديث. له ترجمة في: (الإصابة) : 2/ 406- 407، ترجمة رقم (2441) ، 3/ 546، ترجمة رقم (4301) ، (الثقات) : 3/ 199. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 وعبيد، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم روى عنه سليمان التيمي ولم يسمع منه، بينهما رجل، وله حديث هل كان يأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بصلاة غير المكتوبة، قال صلاة بين المغرب والعشاء، وحديث اللتين اغتابتا، فقال لهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: قيئا، فقاءتا قيحا ودما ولحما عبيطا [ (1) ] ، ويقال: فيه عبد بن عبد الغفار. وقفيز [مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] . ومأبور، القبطي الخصىّ، ابن عم مارية، أهداه المقوقس لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هو ومارية، وسيرين، في أشياء غير ذلك، ويقال: اسمه سمهورس، أسلم بعد قدومه بالمدينة، ومات بها سنه ستين، ودفن بالبقيع، وقد شاخ، وهو   [ (1) ] قال ابن حبان: له صحبه، وذكره ابن السكن في الصحابة وقال: لم يثبت حديثه. وقال البلاذري: يقال إنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مولى يقال له عبيد، روى عنه حديثين، وقال ابن أبى حاتم، عن أبيه: مرسل، وتبع في ذلك البخاري كعادته. وقال أحمد: حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن رجل، عن عبيد مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه سئل: أكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأمر بصلاة بعد المكتوبة أو سوى المكتوبة؟ قال: نعم، بين المغرب والعشاء. وأخرج أيضا هو وابن السكن، من طريق يزيد بن هارون، عن سليمان التيمي، سمعت رجلا يحدث في مجلس أبى عثمان، عن عبيد مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن امرأتين صامتا في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فجلستا تغتابان ... الحديث، واللحم العبيط: غير النضيج. وأخرجه ابن أبى خيثمة، وأبو يعلى، من رواية حماد بن سلمة، عن سليمان التيمي، عن عبيد مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، لم يذكر بينهما أحدا. قال ابن عبد البر في (الاستيعاب) : لم يسمع سليمان من عبيد بينهما رجل. له ترجمة في: (الإصابة) : 4/ 421- 422، ترجمة رقم (5373 ز) ، (الثقات) : 3/ 284، (الاستيعاب) : 3/ 1020، ترجمة رقم (1747) ، (لسان العرب) : 7/ 347. [ (2) ] ذكره ابن شاهين في الصحابة، وأخرج هو وأبو عوانة، من طريق زهير بن محمد، عن أبى بكر بن عبيد اللَّه بن أنس، قال: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم غلام اسمه قفيز. وأخرجه ابن مندة، وقال: تفرد به محمد بن سليمان الحراني عن زهير. قال الحافظ في (الإصابة) : وهو ضعيف، وفي شيخه مقال، وهو من زيادات أبى عوانة، عن مسلم، وقد ضبطه عبد الغنى بن سعيد بقاف وفاء آخره زاي بوزن عظيم ترجمته في (الإصابة) : 5/ 453، ترجمة رقم (7135) ، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 179. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 الّذي كان يتّهم بمارية، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يضرب عنقه، فوجد مجبوب الذكر [ليس له ذكر] ، فكف عنه، ومن حينئذ عرف أنه خصىّ [ (1) ] . ونافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، له حديث: لا يدخل الجنة شيخ زان ولا مستكبر ولا منان على اللَّه بعمله، روى عنه خالد بن أبى أمية [ (2) ] . وأبو بكرة، نفيع بن مسروح، ويقال: نفيع بن الحارث بن كلده بن عمرو ابن علاج بن أبى سلمة بن عبد العزى بن عبد عوف بن قسى، وهو ثقيف، وأمه سمية جارية الحارث بن كلده، وكان من عبيد الحارث، وهو أخو زياد بن أبيه لأمه سمية، وكان أبو بكرة يقول: أنا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويأبى أن ينتسب ويقول: أنا من إخوانكم في الدين، فإن أبى الناس إلا أن ينسبونى، فأنا نفيع بن مسروح، وأرادوه على الدعوى فأبى، وقال لبنيه عند الموت: أبى مسروح الحبشي. ويقال: إن سمية كانت من أهل زندورد من كسكر، يقال لها يا سيج، سرقها الكوّاء اليشكربى، أبو عبد اللَّه بن الكوّاء فخرج إلى الطائف فأتى الحارث بن كلدة، وكان طبيب العرب، فداواه فبرأ، فوهب له سمية. ويقال إنها كانت أمة لدهقان الأبلّة، فقدم الحارث الأبلة، فعالج ذلك   [ (1) ] (الإصابة) : 5/ 699- 702، ترجمة رقم (7587) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 124، (صفة الصفوة) : 1/ 78. [ (2) ] أخرجه البخاري ومطين، والحسن بن سفيان، والبغوي، وابن أبى داود، وابن السكن، وابن شاهين، والطبراني، وابن مندة، من طريق أبى سعيد الأشج، عن عقبة بن خالد، عن الصباح بن يحيى عن خالد بن أبى أمية، فذكر الحديث مثله، لكن فيه تقديم وتأخير قال البغوي: ولا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث وأخرجه ابن قانع من وجه آخر، عن الصباح بن يحيى، عن خالد بن أمية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 الدهقان، فوهبها له، فقدم بها الطائف ووقع عليها، فولدت له على فراشه غلاما سماه نافعا، ثم وقع عليها فجاءته بنفيع، وهو أبو بكرة، وكان أسودا، فقال الحارث: واللَّه ما هذا بابني، ولا كان في آبائي أسود، فقيل له: إن جاريتك ذات ريبة لا تدفع كف لامس، فنسب أبو بكرة إلى مسروح غلام الحارث بن كلدة، ونفى نافعا بسبب أبى بكرة. ثم إن الحارث تزوج صفية بنت عبيد بن أسيد بن علاج الثقفي، ومهرها سمية، فزوّجتها صفية عبدا لها روميا يقال له عبيد فولدت منه زيادا فأعتقته صفية، فلما غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الطائف قال: من خرج إليّ فهو حرّ، فوثب نفيع الجدار فخرج إليه هو وآخر فأعتقهما فكانا مواليه. ويقال: إنه تدلى من سور الطائف ببكر، ونزل إلى النبي عليه السّلام، فكناه أبا بكرة، فغلبت عليه كنيته، وخشي الحارث بن كلدة أن يفعل نافع مثل ما فعل أبو بكرة، فقال له: أبى أنت وشبيهي فلا تفعل كما فعل العبد الخبيث، فأثبت نسب نافع يومئذ. وروى أن رقيقا من رقيق ثقيف دعاهم أبو بكرة، إلى الإسلام فأسلموا، وبعثوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يستأمرونه في قتال ثقيف في الحصن ويعلمونه أنهم قد أسلموا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لرسولهم: كم هم؟ فقال: ثمانون، فقال: إني أخاف عليهم أن يقتلوا، ولكن ليخرجوا إلينا، فيدلى منهم أربعون رجلا أو أكثر، ونذرت ثقيف بالباقين فحبسوهم، فأعتق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الذين نزلوا إليه. وقال الواقدي: كانوا تسعة عشر فيهم الأزرق، وكان عبدا روميا حدّادا، وتدلى أبو بكرة من الحصن على بكرة، فقال له النبي عليه السّلام: كيف جئت؟ قال: تدلّيت على بكرة، فقال: أنت أبو بكرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 ويقال: كان يعرف بالطائف بأبي بكرة، لأنه كانت له بكرة يعلفها ويركبها، وكان عتبة بن غزوان [ (1) ] قد تزوج أردة بنت الحارث بن كلدة [ (2) ] ، من صفية بنت عبيد، فلما استعمل عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه عتبة بن غزوان على البصرة، قدم معه نافع وأبو بكرة وزياد البصرة بذلك السبب، فسكن أبو بكرة البصرة، وبها مات سنة إحدى وخمسين، وهو ممن شهد على المغيرة بن شعبة أنه زنى بأم جميل بنت محجن بن الأفقم، فجلده عمر رضى اللَّه عنه، وهو ممن اعتزل الحسن بن على، وهو من فضلاء الصحابة وعبّادهم، وله ولأولاده أخبار كثيرة [ (3) ] . وواقد، ويقال: أبو واقد، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم روى عنه زاذان قوله: من أطاع اللَّه فقد ذكره، وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن، ومن عصى   [ (1) ] هو عقبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نشيب بن وهيب بن وهب بن يزيد بن سالم بن عبد عوف ابن الحارث بن مازن بن منصور، بدريّ أحدىّ، من المهاجرين الأولين، وهو الّذي بنى البصرة لعمر بن الخطاب رضى اللَّه تعالى عنهما، وهو أول أمير ملكها. (جمهرة أنساب العرب) . [ (2) ] أردة بنت الحارث بن كلدة الثقفي: زوج عتبة بن غزوان، ذكرها البلاذري وغيره، وقالوا: إنها كانت مع عتبة بالبصرة، وهو أمير عليها، ومن أجلها قدم أبو بكرة وأخويه من أمه: نافع وزياد (الإصابة) . [ (3) ] له ترجمة في: (مغازي الوافدى) : 3/ 931- 932، (الكامل في التاريخ) : 3/ 443، 489، (تاريخ الطبري) : 3/ 595، 4/ 69، 72، 83، 5/ 167، 169، 292، (الإصابة) : 6/ 467- 468، ترجمة رقم (8799) ، 7/ 46، ترجمة رقم (9626) ، (الاستيعاب) : 1614- 1615، ترجمة رقم (2877) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 124 (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (صفة الصفوة) : 1/ 77- 78 (عيون الأثر) : 2/ 314. قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا نافع، إنك سيصيبك بعدي خصاصة [الخصاصة: الفقر] ، فاذكر شأنك للناس يرحموك، قال: وسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة شيخ زان ... الحديث، وزاد: ولا مدمن خمر، ولا عاق لوالديه، ولم يذكر قوله: ولا منان على اللَّه بعمله. (الإصابة) : 6/ 414، ترجمة رقم (8674) ، (عيون الأثر) : 2/ 314. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 اللَّه فلم يذكره، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن [ (1) ] . وهرمز، شهد بدرا مملوكا [ (2) ] . وأبو الحمراء، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قيل: اسمه هلال بن الحارث، وقيل هلال بن ظفر السّلمى، أصابه سبيا، وخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان بحمص، له حديث أنه كان يمر ببيت فاطمة وعلى رضى اللَّه عنهما فيقول: السلام عليكم [ (3) ] أهل البيت الحديث [ (4) ] . وأبو سلمى، ويقال: أبو سلام، وقيل: اسمه حريث روى عنه أبو سلام الأسود الحبشي، ويعد في الشاميين، وبعضهم يعده في الكوفيين، وقد اختلف في حديثه على أبى سلام الأسود.   [ (1) ] ذكره الحسن بن سفيان في مسندة، والطبراني في معجمه، وأخرجا من طريق زاذان، عن واقد مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من أطاع اللَّه فقد ذكر اللَّه وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن، ومن عصى اللَّه فلم يذكره وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن. له ترجمة في: (الإستيعاب) : 4/ 1551، ترجمة رقم (2715) ، (الإصابة) : 6/ 595- 596، ترجمة رقم (9104) ، (عيون الأثر) : 2/ 314، (الوافي) : 1/ 87، (المواهب اللدنية) : 2/ 124، (صفة الصفوة) : 1/ 78. [ (2) ] قال الثوري، عن عطاء بن السائب، قال: أتيت أم كلثوم بنت عليّ بشيء من الصدقة فردّتها، وقالت: حدثني مولى للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم يقال له مهران أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة، ومولى القوم منهم. أخرجه أحمد، والبغوي، وابن شاهين، من طريق الثوري. وقال البخاري، عن أبى نعيم، عن سفيان: يقال له مهران أو ميمون، وقال حماد بن زيد عن عطاء: كسان، أو هرمز، وفي اسمه اختلاف. له ترجمة في: (الإصابة) : 5/ 630، ترجمة رقم (7478) ، (7479) ، 6/ 232، ترجمة رقم (8268) ، 6/ 534، ترجمة رقم (8954) ، (عيون الأثر) : 2/ 314. [ (3) ] في (خ) «عليك» وما أثبتناه أجو للسياق. [ (4) ] هلال بن الحمراء، حديثه عند أبى إسحاق السبيعي، عن أبى داود القاصّ، عن أبى الحمراء، قال: أقمت بالمدينة شهرا، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأتى منزل فاطمة وعليّ كل غداة فيقول: الصلاة الصلاة إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1542، ترجمة رقم (2691) ، (الإصابة) : 6/ 584- 585، ترجمة رقم (9079) ، 7/ 94، ترجمة رقم (9783) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 وذكر أبو عمر بن عبد البر، أن أبا سلمى راعى النبي عليه السّلام، ثم ذكر أبا سلمى آخر غيره، وقال مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا أدرى أهو راعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المتقدم ذكره، أم غيره [ (1) ] . وأبو صفية، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كان من المهاجرين [و] كان يوضع له نطع، ويجاء بزنبيل فيه حصا فيسبح به إلى نصف النهار [و] ويقال: اسمه عبيد [ (2) ] . وأبو عبيد، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويقال: - خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] ،   [ (1) ] أبو سلمى، راعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قيل: اسمه حريث، من حديثه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه سمعه يقول: بخ بخ [الخمس] كلمات ما أثقلهن في الميزان: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، روى عنه أبو سلام الأسود الحبشي. قال: رأيته في مسجد الكوفة، يعدّ أبو سلمى هذا في الشاميين، لأن حديثه هذا شامي، وبعضهم يعده في الكوفيين، وقد اختلف في حديثه هذا على أبى سلام الأسود. (الاستيعاب) : 4/ 1683، ترجمة رقم (3015) ، (الإصابة) : 7/ 185- 186، ترجمة رقم (10039) . [ (2) ] أبو صفية مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال البخاري: عداده في المهاجرين، وأخرجه من طريق المعلى بن عبد الرحمن، سمعت يونس بن عبيد يقول لأمه: ماذا رأيت أبا صفية يصنع؟ قالت: رأيت أبا صفية- وكان من المهاجرين من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- يسبح بالنوى. تابعه عبد الواحد بن زيد، عن يونس بن عبيد عن أمه، قالت: رأيت أبا صفية رجلا من المهاجرين يسبح بالنوى. أخرجه البغوي. وأخرج من وجه آخر عن أبى بن كعب، عن أبى صفية، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه كان يوضع له نطع، ويؤتى بحصى فيسبح به إلى نصف النهار فإذا صلّى الأولى ورجع أتى به فيسبح حتى يمسى. (الإصابة) : 7/ 222، ترجمة رقم (10141) ، (الاستيعاب) : 4/ 1693، ترجمة رقم (3048) . [ (3) ] أبو عبيد، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ذكره الحاكم أبو أحمد فيمن لا يعرف اسمه، وأخرج حديثه الترمذي في الشمائل، والدارميّ من طريق شهر بن حوشب عنه، قال: طبخت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم قدرا، وكان يعجبه الذراع ... الحديث، ورجاله رجال الصحيح، إلا شهر بن حوشب. قال البغوي: له صحبة، حدثني عباس، عن يحيى بن معين، قال: أبو عبيد الّذي روى عنه شهر، هو من الصحابة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 قال ابن عبد البر [ (1) ] : لم أقف على اسمه، له رواية من حديثه، أنه كان يطبخ لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما فقال له: ناولني الذراع ... الحديث خرجه الإمام أحمد [ (2) ] . وأبو عسيب، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، له صحبة، وسمّاه بعضهم: أحمر، له حديث: الطاعون شهادة، وكان يخضب لحيته ورأسه، ويواصل بين ثلاث في الصيام، ويصلّى الضحى، ويصوم البيض [ (3) ] ، وكان في سريره   [ (1) ] أبو عبيد مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويقال: خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لا أقف على اسمه، وله رواية، من حديثه أنه كان يطبخ لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما فقال له: ناولني الذراع ... الحديث. [ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 535- 536، حديث أبى عبيد رضى اللَّه تعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (15537) : حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبى، حدثنا عفان، حدثنا أبان العطار، حدثنا قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبى عبيد «أنه طبخ لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قدرا فيه لحم، فقال رسول اللَّه ناولني ذراعها، فناولته، فقال: ناولني ذراعها، فناولته، فقاله: ناولني ذراعها، فقال: يا نبي اللَّه: كم للشاة من ذراع؟ قال: والّذي نفسي بيده لو سكت لأعطتك ذراعاً ما دعوت» ، (سنن الدارميّ) : 1/ 22، باب ما أكرم به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بركة طعامه، (دلائل أبى نعيم) : 2/ 436، ذكر الأخبار التي أخرجتها أسلافنا في جملة دلائله صلّى اللَّه عليه وسلم، قصة أذرع وأكتاف الشاة، حديث رقم (346) ، (الشمائل المحمدية) : 141، حديث رقم (170) ، وقال في هامشه، وفي سنده ضعف، فرجاله ثقات، غير شهرين حوشب فهو ضعيف، وقال عنه الحافظ: «صدوق كثير الإرسال والأوهام، وللحديث شواهد لصحة هذه القصة إن شاء اللَّه تعالى، وأبو عبيد هو مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، (الاستيعاب) : 4/ 1709، ترجمة رقم (3076) ، (الإصابة) : 7/ 269، ترجمة رقم (10224) . [ (3) ] قال في (الاستيعاب) : أبو عسيب مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، له صحبة ورواية، أسند عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حديثين: أحدهما في الحمى والطاعون. روى عنه مسلم بن عبيد أبو نصيرة، وقال القاسم بن حمزة: رأيت أبا عسيب خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يخضب لحيته ورأسه. قيل: اسم أبى عسيب: أحمر. وقال الحافظ في (الإصابة) : أبو عسيب مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، مشهور بكنيته، وقد تقدم ذكر من قال في أحمر أنه اسمه وذكر من قال إنه سفينة مولى أم سلمة، والراجح أنه غيره. وأخرج حديثه أحمد، والحارث بن أبى أسامة، والطبراني، والحاكم أبو أحمد، من طريق يزيد بن هارون، عن مسلم بن عبيد، عنه في الحمى والطاعون. ووقع عند الحاكم، عن مسلم بن عبيدة، عن أبى بصير بإثبات الهاء في عبيدة، دون بصير، والأول الصواب. وأخرج له ابن مندة حديثا آخر من رواية حشرج بن نباتة، عن أبى بصير، وإسناده حسن. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 جلجل [ (1) ] فإذا حركه جاءت إليه ابنته ميمونة [ (2) ] . وذكوان، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديثه عند عطاء بن السائب، عن بعض بنات عليّ، عن طهمان أو ذكوان- على الشك-[مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أنه حدثها قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ... الحديث] [ (3) ] .   [ (1) ] الجلجل: الجرس ونحوه. [ (2) ] ميمونة بنت أبى عسيب، ويقال: عنبسة، جزم بالأول أبو نعيم، وبالثاني أبو عمر، فقال: ميمونة بنت أبى عنبسة، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روت عنه في الدعاء. وقال ابن مندة: ميمونة بنت عنبسة، ويقال: بنت أبى عنبسة، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روى حديثها مشجع ابن مصعب، عن ربيعة بن يزيد، عن منبه، عن ميمونة بنت أبى عنبسة، أن امرأة من حريش أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: يا عائشة: أغيثينى بدعوة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تطمننى، فقال: ضعى يدك اليمين على فؤادك فامسحيه، وقولي: اللَّهمّ داوني بدوائك، واشفني بشفائك، وأغثنى بفضلك عمن سواك. قال ربيعة: فدعوت به فوجدته جيدا، ووصله أبو نعيم من هذا الوجه، وقال: ميمونة بنت أبى عسيب. (الاستيعاب) : 4/ 1715، ترجمة رقم (3092) ، 4/ 1919، ترجمة رقم (4102) ، (الإصابة) : 7/ 275، ترجمة رقم (10247) ، 8/ 132- 133، ترجمة رقم (11785) . [ (3) ] قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا ذكوان، أو يا طهمان- شكّ المحدّث- إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي، وإن مولى القوم من أنفسهم. وروى البغوي، والطبراني من طريق شريك عن عطاء بن السائب، قال: أوصى أبى بشيء لبني هاشم، فجئت أبا جعفر، فبعثني إلى امرأة عجوز- وهي بنت على- فقالت: حدثني مولى لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقال له: طهمان، أو ذكوان، قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تحل الصدقة لي ولا لأهل بيتي. قال البغوي: وروى عن شريك، قال: مهران، وقيل: ميمون، وقيل: باذام، ولا أدرى أيهما الصواب. قال الحافظ في (الإصابة) : وقيل فيه أيضا: هومز، وقيل: كيسان، وهي رواية جرير عن عطاء، وقيل: مهران، وهو أصحها، فإنّها رواية سفيان الثوري عن عطاء بن السائب في هذا الحديث. (الاستيعاب) : 2/ 467، ترجمة رقم (712) ، (الإصابة) : 2/ 406- 407، ترجمة رقم (2441) ، (الثقات) : 3/ 121، وما بين الحاصرتين تصويب من (الاستيعاب) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 [و] زيد، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حديثه في الاستغفار [ (1) ] ، يرويه عنه ابنه يسار بن زيد، خرّجه أبو داود والترمذي، ويروى عن يسار بن زيد ابنه بلال [ (2) ] . وزيد بن بولا، [مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ] . وسابق، خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، عدّه ابن عساكر في الموالي، وقال ابن عبد البر: روى عنه حديث واحد من حديث الكوفيين، اختلف فيه شعبة ومسعر، والصحيح فيه عنهما ما رواه هيثم وغيره، عن أبى عقيل عن سابق ابن ناجية، عن أبى سلام خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] . قال: ولا يصح سابق في الصحابة، قلت: هذا الحديث الّذي ذكره أبو عمر بن عبد البرّ، خرّجه أبو داود، وابن ماجة، والنسائي في (عمل اليوم والليلة) : من قال حين يصبح ويمسى ثلاثا: رضيت باللَّه ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، كان حقا على اللَّه أن يرضيه يوم القيامة. رواه هاشم بن بلال   [ (1) ] في (خ) : «الاستسقاء» ، وما أثبتناه من (الاستيعاب) . [ (2) ] زيد أبو يسار، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الاستغفار، روى حديثه ابنه يسار بن زيد، وليسار بن زيد ابن يسمى بلالا، روى عن أبيه يسار، عن جده زيد، أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: من قال استغفر اللَّه الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له. قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حفص بن عمر الشّنى، حدثني أبى، عن عمرو بن مرة، سمعت بلال بن يسار، (الاستيعاب) : 2/ 559- 560، ترجمة رقم (863) . [ (3) ] زيد بن بولا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أبو يسار، له حديث عند أبى داود والترمذي، من رواية ولده بلال ابن يسار بن زيد: حدثني أبى عن جدي، ذكر أبو موسى أن اسم أبيه بولا- بالموحدة- وقال غيره: اسمه زيد. وقال ابن شاهين: كان نوبيا، أصابه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة بنى ثعلبة، فأعتقه. (الإصابة) : 2/ 592، ترجمة رقم (2881 ز) ، 625، ترجمة رقم (2949) . [ (4) ] له ترجمة في: (الثقات) : 6/ 433، (تهذيب التهذيب) : 3/ 372، ترجمة رقم (797) ، (الاستيعاب) : 2/ 682، ترجمة رقم (1128) ، (الإصابة) : 3/ 274، ترجمة رقم (3732) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 قاضى واسط، عن سابق بن ناجية عن أبى سلام [ (1) ] . وسلمان الفارسيّ، أبو عبد اللَّه، يقال: مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويعرف بسلمان الخير، أصله من فارس، ثم من رامهرمز [ (2) ] من قرية يقال لها:   [ (1) ] (جامع الأصول) : 4/ 243- 244، حديث رقم (2225) ولفظه: قال: قلت لأنس حدثني حديثا سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: سمعته يقول: «من قال إذا أصبح وإذا أمسى: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، كان حقا على اللَّه أن يرضيه يوم القيامة. [هذه الرواية أخرجها رزين كما قال المصنف، ورواها بنحوها ابن ماجة رقم (3870) في الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى، من حديث مسعر عن أبى عقيل، عن سابق عن أبى سلام خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، بلفظ ما من مسلم أو إنسان أو عبد يقول حين يمسى وحين يصبح: رضيت باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، إلا كان حقا على اللَّه أن يرضيه يوم القيامة، وهو حديث حسين] . وفي رواية: أنه كان بحمص، فمر به رجل، فقالوا: هذا خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقام إليه فقال: حدثني بحديث سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لم تتداوله بينك وبينه رجال، فقال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ... وذكر الحديث، ولم يذكر يوم القيامة، أخرج الرواية الثانية أبو داود، والأولى رزين. [رواه أبو داود رقم (5072) في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، وفي سنده سابق بن ناجية، لم يوثقه غير ابن حبان، ولكن يشهد له حديث ثوبان الّذي بعده، فهو به حسن، ورواه أيضا النسائي، وابن أبى شيبة في (المصنف) : 6/ 36، حديث رقم (29272) ، والحاكم في (المستدرك) : 1/ 518، حديث رقم (1905/ 105) ، وغيرهم. قوله: «لم تتداوله» ، التداول: الاستعمال والمباشرة، والمراد: لم تأخذه عن أحد، وإنما ترويه أنت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] رام بالفارسية: المراد والمقصود، وهرمز: أحد الأكاسرة، فكأن هذه اللفظة مركبة: معناها: مقصود هرمز، أو مراد هرمز، وقال حمزة: رامهرمز اسم مختصر من رامهرمز أردشير، وهي مدينة مشهورة بنواحي خوزستان، والعامة يسمونها رامز، كسلا منهم عن تتمة اللفظة بكمالها واختصارها، ورامهرمز من بين مدن خوزستان تجمع النخل والجوز والأترج، وليس ذلك يجتمع بغيرها من مدن خوزستان، [وردت في حديث سلمان الفارسي رضى اللَّه عنه، يقول: أنا من رامهرمز] . (معجم البلدان) : 3/ 19، موضع رقم (5315) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 جىّ [ (1) ] ، وقيل من أصبهان [ (2) ] ، وكان إذا قيل له: ابن من أنت؟ قال: أنا سلمان ابن الإسلام، من بنى آدم. وله خبر طويل في إسلامه، حاصله أنه كان يطلب دين اللَّه، ويتبع من يرجو ذلك عنده، فدان بالنصرانية، وغيرها، وقرأ الكتب، وصبر في ذلك على مشقات نالته، وتداوله في ذلك بضعة عشر رتا [ (3) ] ، من رت [ (3) ] إلى رت [ (3) ] حتى أفضى إلى النبي عليه السّلام، فاشتراه من قوم يهود. روى ابن عبد البر من طريق على بن المديني، حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حسين بن واقد، حدثنا عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه: أن سلمان أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بصدقة فقال: هذه صدقة عليك وعلى أصحابك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا سلمان! إنّا لا تحل لنا الصدقة، فدفعها، ثم جاءه من الغد بمثلها فقال: هذه هدية لك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأصحابه: كلوا. ثم اشترى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سلمان بكذا وكذا درهما من يهود على أن يغرس لهم كذا وكذا من النخل يقوم عليه حتى يدرك، قال: فغرس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم النخل كله إلا نخلة غرسها عمر، فأطعم النخل كله إلا النخلة التي غرس عمر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من غرس هذه النخلة؟ قالوا: عمر، قال: فقطعها، وغرسها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأطعمت من عامها.   [ (1) ] جىّ بالفتح ثم التشديد: اسم مدينة ناحية أصبهان القديمة، (المرجع السابق) : 2/ 235، موضع رقم (3425) . [ (2) ] أصبهان: مدينة عظيمة مشهورة، من أعلام المدن وأعيانها، ويسرفون في وصف عظمها حتى يتجاوزوا حدّ الاقتصاد إلى غاية الإسراف (المرجع السابق) : 1/ 2444، موضع رقم (729) . [ (3) ] الرّت: الرئيس من الرجال في الشرف والعطاء، وجمعه رتوت، وهؤلاء رتوت البلد. (لسان العرب) : 2/ 34. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 وصحح الحاكم أن أبا بكر [رضى اللَّه عنه] اشترى سلمان فأعتقه، وشهد سلمان الخندق وما بعدها، وعمل لعمر رضى اللَّه عنه على المدائن، وتوفى سنة خمس وثلاثين، وقيل أول سنة ست وثلاثين، وكان يعمل الحوض بيده، ويعيش منه ويتصدق بعطائه، وكان خيّرا، فاضلا، عالما، زاهدا، متعففا، ولا يقبل من أحد شيئا، وفضائله كثيرة، رضى اللَّه عنه [ (1) ] . وجبر، [مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] قال الواقدي: وحدثني شيخ من خزاعة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان لبني عبد الدار غلام يقال له: جبر، وكان يهوديا، فسمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، يقرأ سورة يوسف [عليه السلام] ، فعرف الّذي ذكر في ذلك، فاطمأن إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأسلم، وأخبر أهله بإسلامه، فعذبوه أشد العذاب حتى قال لهم الّذي يريدون، فلما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مكة، جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فشكا إليه، فأعطاه ثمنه فاشترى نفسه، فأعتق واستغنى، ونكح امرأة يقال لها شرف [ (2) ] .   [ (1) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 2/ 634- 638، ترجمة رقم (1014) ، (والإصابة) : 3/ 141- 142، ترجمة رقم (3359) ، (سيرة ابن هشام) : 1/ 192، 2/ 41- 42، 44، 45- 49، 3/ 38، 4/ 176، 182، (المستدرك) : 3/ 691- 699. [ (2) ] في (الاستيعاب) : «وتزوج امرأة ذات شرف في بنى عامر» وحكى مقاتل بن حبان في تفسيره أنه أحد من نزل فيه: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النحل: 106] وقوله تعالى: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً [الفرقان: 30] . ترجمته في (الاستيعاب) : 452- 453، ترجمة رقم (107 ز) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 فصل في ذكر إماء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأما الإماء: فأم أيمن، بركة، قيل: كانت من الحبشة الذين قدموا لهدم البيت [الحرام] ، وقيل: هي بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، وتعرف بأم الظّباء. ورثها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أبيه، وخمسة أباعر، وقطيع غنم، فأعتقها لما تزوج خديجة [رضى اللَّه عنها] ، ويقال: بل كانت مولاة أبيه فورث ولاءها، ويقال: كانت لأمّه فورثها منها فأعتقها، وقيل: كانت لأمه فأعتقها، وكانت تحضن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وتقوم عليه، وتلطف به بعد وفاة أمه. وقال لها [جده عبد المطلب] : يا بركة، لا تغفلي عن ابني، فإنّي وجدته مع غلمان قريب من السدرة، وأن أهل الكتاب يزعمون أنه نبي هذه الأمة. وتزوجت في الجاهلية بمكة عبيد بن عمرو بن بلال بن أبى الجرباء بن قيس بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم، وهو الحبلىّ بن غنم ابن عوف بن الخزرج، فنقلها إلى يثرب، فولدت له أيمن بن عبيد، فكنيت به وغلبت عليها كنيتها. ومات عنها عبيد فرجعت إلى مكة، فكانت فارغة لم تتزوج بعد، فلما ملك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة، وبلغ زوّجها إياه فولدت له أسامة ابن زيد، وهي ممن هاجر الهجرتين، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أم أيمن أمى بعد أمى، ويقول: هذه بقية أهل بيتي، وكان يزورها، وكان أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما يزورانها، كما كان عليه السّلام يزورها، وشربت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 بوله عليه السّلام. توفّيت بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بخمسة أشهر، وقيل: توفيت بعد عمر رضى اللَّه عنه، في زمن عثمان رضى اللَّه عنه، ولها فضائل مرويّة [ (1) ] وخضرة، ذكرها البلاذري في الإماء اللاتي أعتقهن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وذكرها أيضا ابن مندة [ (2) ] . وأميمة، [خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ] . ورزينة، خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حديثها في فضل يوم عاشوراء، وقد قيل: إنها لصفية بنت حيي، روى حديثها أبو يعلى في مسندة [ (4) ] .   [ (1) ] لها ترجمة في: (أعلام النساء) : 1/ 127- 128، (الإستيعاب) : 4/ 1793- 1795، ترجمة رقم (3252) ، (الإصابة) : 8/ 169- 173، ترجمة رقم (11898) ، (جمهرة أنساب العرب) : 355، (مسند أحمد) : 6/ 421، (طبقات ابن سعد) : 8/ 223- 227، (طبقات خليفة) : 331، (المعارف) : 144، 145، 150، 164، 239، (الجرح والتعديل) : 9/ 461، (المستدرك) : 4/ 63- 64، (تهذيب التهذيب) : 12/ 486، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 386، (شذرات الذهب) : 1/ 15. [ (2) ] (الإصابة) : 7/ 609، ترجمة رقم (11095) ، (صفة الصفوة) : 1/ 78، وقال الحافظ في (الإصابة) : وذكرها البلاذري أيضا، ولها ذكر في تفسير سورة التحريم من كتاب ابن مردويه. [ (3) ] قال أبو عمر في (الاستيعاب) : خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وحديثها عند أهل الشام، وقال الحافظ في (الإصابة) : روى عنها جبير بن نفير الحضرميّ، لها ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1791، (الإصابة) : 7/ 516، ترجمة رقم (10868) ، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (أعلام النساء) : 1/ 94، (عيون الأثر) : 2/ 314. [ (4) ] رزينة- بفتح أولها، وقيل: بالتصغير، وقيل: بتقديم الزاى على الراء، مولاة صفية زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهي أيضا خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال أبو عمر في (الاستيعاب) : حديثها عند البصريين في يوم عاشوراء، قال الحافظ في (الإصابة) : أخرجه ابن أبى عاصم، وابن مندة، من طريق عليلة- بمهملة مصغرة- بنت الكميت، حدثتني أمى أمينة، عن أمة اللَّه بنت رزينة، قالت: سألت أمي رزينة: ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول في صوم عاشوراء؟ قالت: إنه كان ليصومه ويأمرنا بصيامه. لفظ ابن مندة. لها ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1838، ترجمة رقم (3339) ، (الإصابة) : 7/ 644، ترجمة رقم (11170) ، (أعلام النساء) : 1/ 447. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 ورضوى، ذكرها الواقدي في الموالي النبويّة [ (1) ] . وروضة، [خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] . وربيحة، ذكرها البلاذري فيمن أعتقهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] . وسلمى، أم رافع، مولاة صفية بنت عبد المطلب، يقال لها: مولاة رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] ، وهي امرأة أبى رافع المذكور في الموالي، وهي التي قبلت فاطمة ابنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [في ولادتها] ، وكانت تقبل خديجة رضى اللَّه عنها في ولادتها إذا ولدت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهي [التي] قبلت مارية أم إبراهيم ابن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت قابلة فاطمة الزهراء عليها السلام في الحسن والحسين ومحسن وزينب وأم كلثوم رضى اللَّه عنهم، وهي التي غسّلتها أيضا مع عليّ ومع أسماء بنت عميس رضى اللَّه عنهم، وشهدت خيبر، حديثها في مسند أبى يعلى [ (4) ] .   [ (1) ] لها ترجمة في: (الإصابة) : 7/ 609، ترجمة رقم (11095) ، 645، ترجمة رقم (11172) ، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (الوافي) : 1/ 87. [ (2) ] ذكرها محمد بن هارون الروياني في مسندة، من طريق سفيان الثوري، عن رجل، عن كريب، عن ابن عباس، قال: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم جارية اسمها روضة وأورد الحافظ في (الإصابة) روضة أخرى، ثم قال: ذكرها الطبري في (التفسير) ، في تفسير سورة النور، عند قوله تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها [النور: 27] ، فأخرج من طريق هيثم، أخبرنا منصور، عن ابن سيرين، ويونس بن عبيد، عن عمر بن سعيد الثقفي، أن رجلا استأذن على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أألج؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة: قومي إلى هذا فعلميه، فإنه لا يحسن يستأذن، فقولي له: يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ فسمعها الرجل فقالها، فقال: ادخل. (الإصابة) : 7/ 657- 658، ترجمة رقم (11195) ، (11196) . [ (3) ] ربيحة، بالتصغير والمهملة، مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ذكرها ابن سعد في (الطبقات) ، والحافظ ابن حجر في (الإصابة) : 7/ 640، ترجمة رقم (11163) ، (عيون الأثر) : 2/ 314. [ (4) ] ذكرها الحافظ في (الإصابة) ثم قال: وفي الترمذي من طريق فائد مولى أبى رافع، عن على بن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 وسيرين، أخت مارية القبطية، أهداهما جميعا المقوقس من مصر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فاتخذ مارية لنفسه، وأقامت عنده سيرين، حتى كانت غزاة المريسيع، وقال عبد اللَّه بن أبىّ بن سلول ما قال، وذكر جعيل بن سراقة وجهجاه، ما قالا، وكانا من فقراء المهاجرين. قال ابن أبىّ: ومثل هذين يكثر على قومي، وقد أنزلنا محمدا في ذروة كنانة وعزها، واللَّه لقد كان جعيل يرضى أن يسكت فلا يتكلم، فصار اليوم يتكلم. وقال ابن أبىّ في صفوان بن معطل، ورماه بما رماه به من الإفك، فقال حسان بن ثابت رضي اللَّه عنه: أمسى الجلاليب قد راعوا وقد كثروا [ (1) ] ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد   [ () ] عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن جدته، وكانت تخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قالت: ما كان يكون برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قرحة [ولا نكبة] إلا أمرنى [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] أن أضع عليها الحناء. (الإصابة) : 7/ 709- 710، (سنن الترمذي) : 4/ 343، كتاب الطب، باب (13) ما جاء في التداوي بالحناء، حديث رقم (2054) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث فائد، وروى بعضهم هذا الحديث عن فائد، وقال: عن عبيد اللَّه بن على عن جدته سلمى، وعبيد اللَّه بن على أصحّ، ويقال: سلمى، لها ترجمة في: (الوافي) : 1/ 87، (المواهب اللدنية) : 2/ 124، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تهذيب التهذيب) : 12/ 454، ترجمة رقم (2815) ، (أعلام النساء) : 2/ 254، (الاستيعاب) : 4/ 1862- 1863، ترجمة رقم (3383) ، (الإصابة) : 7/ 709- 710، ترجمة رقم (11325) . [ (1) ] في (ديوان حسان) : أمسى الخلابيس قد عزّوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد الخلابيس: الذين يأتون من هاهنا ومن هاهنا، ولم يعرف لها واحد، وكان المنافقون يسمون المهاجرين بالجلابيب، ويعنى حسان بأنه أمسى بيضة البلد، أنه أصبح كبيضة النعامة حين تتركها بالفلاة ولا تحتضنها. (الديوان) : 160. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 فلما قدموا المدينة جاء صفوان بن معطل إلى جعيل بن سراقة فقال: انطلق بنا نضرب حسان، فو اللَّه ما أراد غيرك وغيري، ولنحن أقرب إلى رسول اللَّه منه، فأبى جعيل أن يذهب وقال: لا أفعل إلا أن يأمرني رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] ولا تفعل أنت حتى تؤامر رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] في ذلك. فأبى صفوان عليه، فخرج مصلتا السيف حتى ضرب حسان بن ثابت في نادى قومه، فوثبت الأنصار إليه، فأوثقوه رباطا، وكان الّذي ولى ذلك منه ثابت بن قيس بن شماس، فأسره أسرا قبيحا، فمر بهم عمارة بن حزم فقال: ما تصنعون؟ أمرا من أمر رسول اللَّه ورضاه؟ أم من أمر فعلتموه؟ قالوا: ما علم به رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] ، قال: لقد اجترأت، خلّ عنه، ثم جاء به، وأشارت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسوقهما، فقال حسان: يا رسول اللَّه! شهر عليّ السيف في نادي قومي، ثم ضربني لأن أموت، ولا أرانى إلا ميّتا من جراحتى، فأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، علي صفوان فقال: ولم ضربته وحملت السلاح عليه؟ وغيّظ عليه، فقال: يا رسول اللَّه! آذاني وهجاني، وسفّه عليّ، وحسدني على الإسلام. ثم أقبل حسان فقال: أسفهت على قوم أسلموا، ثم قال: احبسوا صفوان، فإن مات حسان فاقتلوه به، فخرجوا بصفوان، فبلغ سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه ما صنع بصفوان، فخرج إلى قومه من الخزرج حتى أتاهم فقال: عهدتم إلى رجل من قوم رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] تؤذونه، وتهجونه بالشعر وتشتمونه، فغضب لما قيل له، ثم أسرتموه أقبح الأسر، ورسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] بين أظهركم؟ قالوا: فإن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] أمرنا بحبسه وقال: إن مات صاحبكم فاقتلوه، قال: واللَّه إن أحب إلى رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] للعفو، ولكن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] قد قضى لكم بالحق، وإن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] ليحب أن يترك صفوان، واللَّه لا أبرح حتى يطلق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 فقال حسان: ما كان لي من حق فهو لك يا أبا ثابت، وأبى قومه، فغضب قيس ابنه غضبا شديدا وقال: عجبا لكم! ما رأيت كاليوم أن حسان قد ترك حقه، وتأبون أنتم، ما ظننت أن أحدا من الخزرج يردّ أبا ثابت في أمر يهواه، فاستحيا القوم وأطلقوه من الوثاق. فذهب به سعد إلى بيته فكساه حلة، ثم خرج صفوان حتى دخل المسجد ليصلّى فيه، فرآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: صفوان؟ قالوا: نعم يا رسول اللَّه، قال: من كساه؟ قالوا: سعد بن عبادة، قال: كساه اللَّه من ثياب الجنة، ثم كلّم سعد بن عبادة حسان بن ثابت، فقال: لا أكلمك أبدا إن لم تذهب إلى رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] فتقول كل حق لي قبل صفوان فهو لك يا رسول اللَّه، فأقبل حسان في قومه حتى وقف بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! كل حق لي قبل صفوان بن معطل فهو لك، قال: قد أحسنت وقبلت ذلك، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أرضا براحا، وهي بيرحاء وما حولها، وسيرين، وأعطاه سعد بن عبادة حائطا كان يجدّ مالا كثيرا عوضا له مما عفا عن حقه. وقد روى أن حسان حبس صفوان، فلما برأ حسان أرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليه فقال: يا حسان، أحسن فيما أصابك، فقال: هو لك يا رسول اللَّه، فأعطاه براحا، وأعطاه سيرين عوضا، فولدت له عبد الرحمن ابن سيرين. وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا فائد مولى عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن على بن أبى رافع، عن جدته سلمى، قالت: كان خدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنا، وخضرة، ورضوى، وميمونة بنت سعد، أعتقهن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] كلهن [ (1) ] .   [ (1) ] لها ترجمة في: (مغازي الواقدي) : 2/ 436- 438، (الإصابة) : 7/ 722- 723، ترجمة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 وميمونة، بنت أبى عنبسة بن سعيد، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الدعاء، قاله ابن عبد البر [ (1) ] ، ولها في مسند الإمام أحمد حديث:   [ () ] رقم (11360) ، (الإصابة) : 7/ 722- 723، ترجمة رقم (11360) ، (الإستيعاب) : 4/ 1868، ترجمة رقم (3396) ، (أعلام النساء) : 2/ 278، (عيون الأثر) : 2/ 314، (سيرة ابن هشام) : 4/ 272. [ (1) ] قال ابن عبد البر في (الاستيعاب) بعد ذكر ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم-: ميمونة أخرى مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديثها عند أهل الشام في فضل بيت المقدس، إن أشد عذاب القبر في الغيبة والبول. روى عنها زياد بن أبى سودة، والقاسم بن عبد الرحمن. (ترجمة رقم (4100) . ثم قال: ميمونة بنت سعد، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روى عنها أبو يزيد الضبيّ، أيوب بن أبى خالد حديثا مرفوعا في قبلة الصائم، وعتق ولد الزنا، حديث ليس بالقوى ترجم رقم (4101) . ثم قال: ميمونة بنت أبى عنبسة [أو أبى عسيب] ، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الدعاء. ترجمة رقم (4102) . قال الحافظ في (الإصابة) : ميمونة بنت سعد، ويقال: سعيد، كانت تخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وروت عنه، وروى عنها زياد، وعثمان ابنا أبى سودة، وهلال بن أبى هلال، وأبو يزيد الضبيّ، وآمنة بنت عمر بن عبد العزيز، وأيوب بن خالد بن صفوان، وطارق بن عبد الرحمن، وغيرهم. روى لها أصحاب السنن الأربعة، مما أخرج لها بعضهم ما رواه معاوية بن صالح، عن زياد بن أبى سودة، عن ميمونة، وليست زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أنها قالت: يا رسول اللَّه، أفتنا عن بيت المقدس، قال: أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه ... الحديث. ثم قال الحافظ: قد صرح زياد بن أبى سودة بأن التي روى عنها ميمونة بنت سعد، فالظاهر أنهما واحدة، وسبق ابن عبد البر إلى التفرقة بينهما، أبو على بن السكن، فقال: ميمونة بنت سعد، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، رويت عنها أحاديث، ثم ساق من طريق عكرمة بن عمار، عن طارق بن القاسم، عن ميمونة مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: يا ميمونة، تعوذى باللَّه من عذاب القبر، قالت: وإنه لحق؟ قال: نعم، والغيبة والبول، من طريق أبى يزيد الضبيّ، عن ميمونة مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قالت: سئل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، عن ولد الزنا، فقال: لا خير فيه ... الحديث. قال: وهذا أخرجه الزهري من هذا الوجه، ومن طريق أيوب بن خالد، عن ميمونة بنت سعد، خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: مثل الرافلة [المتبخترة] في الزينة [في غير أهلها] كمثل الظلمة لا نور فيها، ثم قال: ميمونة مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن ولد الزنا فقال: لا خير فيه، نعلان أجاهد بهما [ (1) ] في سبيل اللَّه أحب إلى من أن أعتق ولد الزنا [ (2) ] . وحديث: يا نبي اللَّه! أفتنا في بيت [ (3) ] المقدس، قال: أرض المنشر والمحشر [ائتوه] [ (4) ] فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة، [فيما سواه [ (4) ]] قالت: أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه؟ قال: فيهدي إليه زيتا يسرج فيه، فإن من أهدى له كان كمن صلّى فيه [ (5) ] . ولها أيضا حديث: الرافلة في الزينة في غير أهلها، كانت كالظلمة يوم القيامة، لا نور لها [ (6) ] . وأم ضميرة، تقدم لها ذكر في خبر ابنها ضميرة، وأنهما [أعتقهما] [ (7) ] . وأم عيّاش، كانت تخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وبعث بها مع ابنته رقية لما تزوجها عثمان رضي اللَّه عنهما. قالت: كنت أمغث لعثمان التمر غدوة فيشربه   [ (1) ] في (خ) : «أهديهما» ، وما أثبتناه من (المسند) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 463، حديث ميمونة بنت سعد، الحديث رقم (27077) . [ (3) ] في (خ) : «أرض المقدس) ، وما أثبتناه من (المسند) . [ (4) ] زيادة للسياق من (المسند) . [ (5) ] (مسند أحمد) : 6/ 463، حديث ميمونة بنت سعد، الحديث رقم (27079) . [ (6) ] لها ترجمة في: (الإصابة) : 8/ 129- 131، ترجمة رقم (11780) ، (11781) ، (الاستيعاب) : 4/ 1918- 1919، ترجمة رقم (1401) ، (1402) ، (1403) ، (الوافي) : 1/ 87، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (صفة الصفوة) : 1/ 87، (عيون الأثر) : 2/ 314، (تهذيب التهذيب) : 21/ 481، ترجمة رقم (2899) ، (أعلام النساء) : 5/ 140- 141، (ذيل تاريخ الطبري) : 11/ 621، (طبقات ابن سعد) : 8/ 223، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 393، ترجمة رقم (152) ، (الثقات) : 3/ 408. [ (7) ] (الإصابة) : 3/ 495- 496، ترجمة رقم (4208 ز) ، (الاستيعاب) : 4/ 1695، ترجمة رقم (3051) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 عشية، وأنبذه عشية فيشربه غدوة [فسألني ذات يوم، فقال: تخلطين فيه شيئاً؟ قلت: أجل، قال فلا تعودي] [ (1) ] ، قال ابن عبد البر: روى عنها عنبسة بن سعيد، وحديثها منقطع الإسناد [ (2) ] . وريحانة، تقدم ذكرها. ونفيسة [ (3) ] ، وهبتها له زينب بنت جحش [رضى اللَّه عنها] . ومارية، جدة المثنى بن صالح بن مهران، لها حديث: صافحت رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] فلم أر ألين من كفه. ومارية، أم الرباب، تطأطأت للنّبيّ عليه السّلام حتى صعد حائطا ليلة فرّ من المشركين. عدّها ابن عبد البرّ من خدام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال في هذه: لا أدرى أهي الأولى قبلها أم لا؟ [ (4) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من الإصابة. [ (2) ] لها ترجمة في: (الإستيعاب) : 4/ 1949، ترجمة رقم (4192) ، (الإصابة) : 8/ 271، ترجمة رقم (12190) . [ (3) ] نفيسة، جارية زينب بنت جحش، وهبتها للنّبيّ (صلّى اللَّه عليه وسلم) لما رضى عليها، بعد أن كان غضب عليها وهجرها شهرا، سماها عليّ بن أحمد بن يوسف في كتاب (أخبار النساء) ، وأصل القصة عند أحمد ولم يسمّها. (الإصابة) : 8/ 143، ترجمة رقم (11819) . [ (4) ] لها ترجمة في: (المواهب اللدنية) : 2/ 124، (الوافي) : 1/ 87، (تاريخ الخميس) : 2/ 180، (صفة الصفوة) : 1/ 78، (عيون الأثر) : 1/ 314، (أعلام النساء) : 5/ 11، (الاستيعاب) : 4/ 1911، ترجمة رقم (4090) ، وهي التي قال فيها: لا أدرى أهي الأولى قبلها أم لا، 4/ 1913، ترجمة رقم (4092) ، (الإصابة) : 8/ 113- 114، ترجمة رقم (11738) ، (11739) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 فصل في ذكر خدّام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سوى مواليه جماعة يخدمونه، منهم: أنس بن مالك [ (1) ] ، والأسلع بن شريك الأعرجي [ (2) ] ، وأسماء بن حارثة الأسلمي أخو هند [ (3) ] ،.   [ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. [ (2) ] قال ابن عبد البر في (الاستيعاب) : أسلع بن شريك الأعوجي [بالواو] التيمي، خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وصاحب راحلته، نزل البصرة، روى عنه زريق المالكي. ترجمة رقم (148) ، ثم قال: أسلع بن الأسقع الأعرابي، له صحبة، روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في التيمم: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين. لا اعلم له غير هذا الحديث، ولم يرو عنه غير الربيع بن بدر عن أخيه فيما علمنا، وفيه وفي الّذي قبله نظر. ترجمته رقم (149) . وقال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) : الأسلع الأعرجي [بالراء] من بنى الأعرج بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، قال ابن السكن: حديثه في البصريين، وفيه نظر. وقال ابن حبان في (الثقات) : الأسلع السعدي رجل من بنى الأعرج بن كعب، يقال: إن له صحبة، ولكن في إسناد خبره الربيع بن بدر، (الاستيعاب) : 1/ 139، ترجمة رقم (148) ، (149) ، (الإصابة) : 1/ 58، ترجمة رقم (122) ، (الثقات) : 3/ 20. [ (3) ] أسماء بن حارثة الأسلمي، يكنى أبا محمد، ينسبونه: أسماء بن حارثة بن هند بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي، وهو أخو هند بن حارثة، وكانوا إخوة عددا، وكان أسماء وهند من أهل الصفة. قال أبو هريرة: ما كنت أرى أسماء وهندا ابني حارثة إلا خادمين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من طول ملازمتهما بابه وخدمتهما إياه صلّى اللَّه عليه وسلم. ذكره ابن عبد البر. وفي (الإصابة) : أسماء بن حارثة بن سعيد بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي. قال ابن سعد عن الواقدي: مات أسماء سنة ست وستين بالبصرة، وهو بن ثمانين سنة، وكان من أهل الصفة. قال: وقال الواقدي: مات في خلافة معاوية أيام زياد، وكان موت زياد سنة ثلاث وخمسين. (الاستيعاب) : 1/ 86- 87، ترجمة رقم (38) ، (الإصابة) : 1/ 64، ترجمة رقم (137) ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 وبلال [ (1) ] ، وبكير [ (2) ] ، ويقال بكر بن شداخ، وذو مخمر [ (3) ] ، وربيعة بن كعب بن مالك بن يعمر أبو فراس الأسلمي [ (4) ] ، وسعد مولى أبى بكر رضى اللَّه عنه [ (5) ] ، وعبد اللَّه بن مسعود [ (6) ] ، وأبو حذيفة: اسمه أبو حذيفة المهاجر   [ () ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 497، (المستدرك) : 3/ 607- 608. [ (1) ] بلال بن رباح، مؤذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أمه حمامه، اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد فأعتقه، فلزم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأذّن له، وشهد معه جميع المشاهد، وآخى النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم بينه وبين أبى عبيدة بن الجراح. قال البخاري: مات بالشام زمن عمر. له ترجمة في: (المستدرك) : 3/ 318- 323 ، كتاب معرفة الصحابة، ذكر بلال بن رباح، (الإصابة) : 1/ 326- 327، ترجمة رقم (736) ، (الاستيعاب) : 1/ 178- 182، ترجمة رقم (212) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 232- 239 . [ (2) ] بكر بن الشداخ الليثي، ويقال له بكير، روى ابن مندة من طريق أبى بكر الهذلي، عن عبد الملك بن يعلى الليثي، أن بكر بن الشداخ الليثي، كان ممن يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو غلام. له ترجمة في: (الإصابة) : 1/ 324، ترجمة رقم (728) . [ (3) ] ذو مخبر ويقال: ذو مخمر، وكان الأوزاعي يأبى في اسمه إلا ذو مخمر- بالميمين- لا يرى غير ذلك، وهو ابن أخى النجاشىّ، وقد ذكره بعضهم في موالي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، له أحاديث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، مجرها عن أهل الشام، وهو معدود فيهم. له ترجمة في (الاستيعاب) : 2/ 475، ترجمة رقم (723) ، (الإصابة) : 2/ 417- 418، ترجمة رقم (2471) . [ (4) ] روى مسلم حديثه من طريق أبى سلمة، عن ربيعة بن كعب قال: كنت أبيت على باب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأعطيه الوضوء فأسمعه الهوى [الحين الطويل من الزمان وهو مختص بالليل] من الليل يقول: سمع اللَّه لمن حمده، وكان من أهل الصفة، مات بالحرة سنة ثلاث وستين في ذي الحجة. له ترجمة في: (الإصابة) : 2/ 474- 475، ترجمة رقم (2625) ، (الاستيعاب) : 2/ 494، ترجمة رقم (765) . [ (5) ] سعد مولى أبى بكر الصديق، ويقال: سعيد، والأول أشهر وأصح، روى حديثه ابن ماجة، وأشار إليه الترمذي، وهو من رواية الحسن البصري عنه، أنه كان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فذكر الحديث في قران التمر، له ترجمة في: (الإصابة) : 3/ 89، ترجمة رقم (3222) ، (الاستيعاب) : 2/ 612، ترجمة رقم (970) . [ (6) ] عبد اللَّه بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث ابن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس ابن مضر بن نزار. الإمام الحبر فقيه الأمة، أبو عبد الرحمن الهذلي المكىّ المهاجري البدريّ، حليف بنى زهرة. كان من السابقين الأولين، ومن النجباء العاملين، شهد بدرا، وهاجر الهجرتين، وكان يوم اليرموك على النفل، ومناقبه غزيرة، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 مولى أم سلمة رضى اللَّه عنها، خدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبع سنين، وشهد فتح مصر، واختطّ بها، وسكن طحا- من صعيد مصر- وبها مات سنة ستين، وقيل لم يشهد الفتح، وإنما قدمها مهاجر مولى أم سلمة [ (1) ] ، وأبو السبع [ (2) ] في آخرين، يتصرفون في شئونه، صلّى اللَّه عليه وسلم. فمنهم من يلازم بابه، ومنهم من يلي طهوره، ومنهم من يمسك دابته، ومنهم يقوم على رأسه، ومنهم من يرعى نعمه وشاءه، إلى غير ذلك كما ستراه إن شاء اللَّه تعالى.   [ () ] وروى علما كثيرا، مات ابن مسعود بالمدينة، ودفن بالبقيع سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: ثلاث وثلاثين، وعاش ثلاثا وستين سنة، له ترجمة في: (مسند أحمد) : 1/ 374- 384، (طبقات خليفة) 16، 126، (تاريخ خليفة) : 101، 166، (التاريخ الصغير) : 60، (المعارف) : 249، (الجرح والتعديل) : 5/ 149، (حلية الأولياء) : 1/ 124- 139، (تاريخ بغداد) : 1/ 147- 150، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 288- 290، (كنز العمال) : 13/ 460- 469، (الاستيعاب) : 3/ 987، ترجمة رقم (1659) ، (الإصابة) : 4/ 233، ترجمة رقم (4957) ، (سير الأعلام) : 1/ 461- 500، ترجمة رقم (87) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 42، ترجمة رقم (8) ، (الثقات) : 3/ 208، (شذرات الذهب) : 1/ 38. [ (1) ] ذكره أبو سعيد بن يونس، وأخرج الحسن بن سفيان، وابن السكن، ومحمد بن الربيع الجيزى، والطبري، وابن مندة، من طريق بكير مولى عمرة: سمعت المهاجر يقول: خدمت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلم) سنين، فلم يقل لي لشيء صنعته لم صنعته؟، ولا لشيء تركته لم تركته؟ (الاصابة) : 6/ 230، ترجمة رقم (8263) ، (الاستيعاب) : 4/ 1454، ترجمة رقم (2505) . [ (2) ] أبو السبع بن عبد قيس الأنصاري، شهد بدرا، واسمه ذكوان ويكنى أيضا بأبي اليسع، ذكره موسى ابن عقبة، وأبو الأسود في أهل العقبة، وفيمن استشهد بأحد. (الإصابة) : 2/ 405- 406، ترجمة رقم (2438) ، (الاستيعاب) : 2/ 466، ترجمة رقم (710) ، (الإصابة) : 7/ 169، ترجمة رقم (9988) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 فصل في ذكر من كان يلازم باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه كان عدة من الصحابة يلازمون باب النبي عليه السلام، منهم: أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر ابن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري النجّارى أبو حمزة، أمه أم سليم نهلة، وقيل: رميلة، وقيل: مليكة بنت ملحان بن مالك بن زيد بن حرام ابن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية. كان مقدم النبي عليه السلام المدينة [وهو] [ (1) ] ابن عشر سنين، وقيل: ابن ثمان سنين، وخرج مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين توجّه إلى بدر وهو غلام يخدمه، فخدمه عشرين سنة [ (2) ] . خرّج البخاري في الأدب المفرد من حديث جرير بن حازم، عن سلمة العلويّ قال: سمعت أنسا يقول: كنت خادما للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وكنت أدخل بغير استئذان، فجئت يوما فقال: كما أنت يا بنى، قد حدث بعدك أمر، لا تدخلن إلا بإذن. ومات سنة إحدى وتسعين، وقيل: ثنتين وتسعين، وقيل: ثلاث وتسعين، عن مائة وثلاث سنين، وقيل: مائة وعشر سنين، وقيل: مائة وسبع سنين، وقيل: مائة إلا سنة، وهو أصحّ. وهند بن حارثة [ (3) ] بن هند بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو بن   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. [ (3) ] (الإصابة) : 1/ 64، ترجمة رقم (137، (6/ 556، ترجمة رقم (1090) ، (الاستيعاب) : 4/ 1544، ترجمة رقم (2698) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي، ويقال: هند بن حارثة بن سعيد بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو الأسلمي الحجازي، شهد بيعة الرضوان مع إخوة له سبعة، ومات في خلافة معاوية. وأخوه: أسماء بن حارثة [ (1) ] ، أبو محمد، كانا من أهل الصّفّة، ولزما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال أبو هريرة رضي اللَّه عنه: ما كنت أرى أسماء وهند ابني حارثة إلا خادمين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، من طول لزومهما بابه، وخدمتهما إياه. وفي المسند للإمام أحمد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعثه يأمر قومه بالصيام يوم عاشوراء [ (2) ] . وذكر ابن سعد أنه كان من أهل الصفة [ (3) ] ، وقال الواقدي [ (4) ] : كان خدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الذين لا يريمون بابه: أنس بن مالك، وهند وأسماء ابني حارثة، وكان أبو هريرة يقول: ما كنت أظنهما إلا مملوكين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (5) ] ، وتوفي أسماء بالبصرة سنة ست وستين عن ثمانين سنة. وربيعة بن كعب بن مالك بن يعمر الأسلمي أبو فراس، من أهل الصفّة،   [ (1) ] (الإصابة) : 1/ 64، ترجمة رقم (137) ، 6/ 556، ترجمة رقم (1090) ، (الاستيعاب) : 4/ 1544، ترجمة رقم (2698) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 78، حديث رقم (16275) : عن يحيى بن هند بن حارثة عن أبيه- وكان من أصحاب الحديبيّة- وأخوه الّذي بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأمر قومه بصيام يوم عاشوراء، وهو أسماء بن حارثة: «أن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلم) بعثه فقال: مر قومك فليصوموا هذا اليوم، قال: أرأيت إن وجدتهم قد طعموا؟ قال: فليتموا بقية يومهم» . [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 497، 504، 2/ 376، 4/ 323. [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 659، 799. [ (5) ] (الإصابة) : 1/ 64. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 كان يلازم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في السفر والحضر، وصحبه قديما، وسأله مرافقته في الجنة، فقال له: أعنّي على نفسك بكثرة السجود، وأخرج له الستة إلا البخاري. مات سنة ثلاث وستين [ (1) ] . فصل في ذكر الحاجب الّذي كان يستأذن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غير واحد، يستأذنون لدخول الصحابة رضي اللَّه عنهم عليه، منهم: أنس بن مالك الأنصاري، رضي اللَّه عنه [ (2) ] . ورباح الأسود، أحد الموالي [ (2) ] . وأنسة أبو مسروح [ (2) ] ، وتقدم ذكرهم. وعويم بن ساعدة [ (3) ] ، الّذي شهد العقبتين، وبدرا، وأحدا، ومات في حياة النبي عليه السلام [ (4) ] ، وقيل: مات في خلافة عمر رضى اللَّه عنه، وهو ابن خمس أو ست وستين سنة [ (5) ] . وذكر الواقدي أن عبد اللَّه بن أبى بن سلول لما جاء بحلفائه يريد أن يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يقرّ [يهود] قينقاع في ديارهم بعد ما نزلوا على حكمه، وجد [على باب] النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عويم بن ساعدة، فذهب ليدخل، فردّه عويم وقال: لا تدخل حتى يؤذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بك، فدفعه ابن أبى،   [ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. [ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتهم. [ (3) ] عويم- بصيغة التصغير، ليس في آخره راء- هو ابن ساعدة ابن عائش- وقيل عابس- بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي، وقيل في نسبه غير ذلك. [ (4) ] هذا قول الواقدي. [ (5) ] (الاستيعاب) : 3/ 1248. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 فغلظ عليه عويم حتى جحش وجه ابن أبى الجدار فسال الدم، فتصايح حلفاؤه من يهود وقالوا: أبا الحباب، لا نقيم [أبدا] [ (1) ] بدار أصاب وجهك فيها هذا، لا نقدر على أن نغيّره، فجعل ابن أبى يصيح عليهم، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: ويحكم، فرّوا! فجعلوا يتصايحون: لا نقيم أبدا بدار أصاب وجهك [فيها] [ (1) ] هذا، لا نستطيع له غيرا [ (2) ] . وفي مسند الإمام أحمد، عن نافع بن عبد الحارث [ (3) ] بن جبلة بن عمير الخزاعي قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى دخل حائطا فقال: أمسك عليّ الباب، فجاء حتى جلس على القف ودلى رجليه في البئر، فضرب الباب، فقلت: من هذا؟ قال: أبو بكر؟ قلت: يا رسول اللَّه! هذا أبو بكر، قال: ائذن له وبشره بالجنة الحديث [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 102، 159، 178، 305، 405، 498، 516، 1048، 1037، (الاستيعاب) : 3/ 1248، ترجمة رقم (2052) ، (الإصابة) : 745- 746، ترجمة رقم (6116) . [ (3) ] في (خ) : «عبد الوارث» ، وما أثبتناه من (المسند) . [ (4) ] (مسند أحمد) : 3/ 408، حديث رقم (14949 (، (14950) لكن الحديث الأول ذكره مطولا، والحديث الثاني مختصرا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 فصل في ذكر صاحب طهور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الطّهور بفتح الطاء: اسم الماء، وكل ماء نظيف طهور. اعلم أنه كان على طهور النبي عليه السّلام غير واحد، منهم: عبد اللَّه بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فارس بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بفتح الهاء ابن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، أبو عبد الرحمن الهذلي، حليف بنى زهرة، حالف أبوه مسعود بن غافل في الجاهلية عبد بن الحارث بن زهرة، وأمه وأم عبد اللَّه هي أم عبد بنت عبد ودّ بن سواء، من هذيل. أسلم في أول الإسلام، وذلك أنه كان يرعى غنما لعقبة بن أبى معيط، فمرّ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخذ شاة حائلا [ (1) ] من تلك الغنم، فدرّت عليه لبنا غزيرا، ثم ضمّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليه فكان يلج [ (2) ] عليه، ويلبسه نعليه، ويمشى أمامه ومعه، ويستره إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام، وقال له: إذنك عليّ أن ترفع الحجاب، وأن تسمع سوادي حتى أنهاك. وكان يعرف في الصحابة بصاحب السواد والسواك، شهد بدرا وما بعدها، وهاجر الهجرتين جميعا، وصلّى القبلتين، وشهد له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالجنة، وبعثه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه في خلافته إلى أهل الكوفة معلّما، حتى أقدمه منها عثمان رضى اللَّه عنه إلى المدينة وبها مات سنة ثلاثين عن بضع وستين سنة، وصلّى عليه الزبير بن العوام، وفضائله   [ (1) ] حائل: ليس بها حمل ولا لبن. [ (2) ] يلج: يدخل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 كثيرة [ (1) ] . وأنس بن مالك رضى اللَّه عنه [ (2) ] ، قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا يونس بن أبى إسحاق، أخبرنا المنهال بن عمرو قال: كان أنس صاحب نعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأداوته [ (3) ] . ثبت في صحيح مسلم من حديث عطاء بن أبى ميمونة، عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يتبرز لحاجته، فآتيه بالماء فيغتسل به [ (4) ] . وخرجه البخاري أيضا، ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا تبرز لحاجته، أتيته بماء فيغسل به. ذكره في باب ما جاء في غسل البول [ (5) ] . وفي لفظ لمسلم: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل الماء أنا وغلام نحوي أداوة من ماء وعنزة [ (6) ] ، فيستنجي بالماء [ (7) ] . ولفظ البخاري: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلامه إداوة من ماء، وعنزة، يستنجى بالماء. ترجم عليه باب حمل العنزة مع الماء   [ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. [ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 482. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 166- 167، كتاب الطهارة، باب (12) ، الاستنجاء بالماء من التبرز، حديث رقم (71) . [ (5) ] (فتح الباري) : 1/ 426، كتاب الوضوء، باب (56) ، ما جاء في غسل البول، حديث رقم (217) . [ (6) ] العنزة بفتح العين والزاى: عصا طويلة كان النبي (صلّى اللَّه عليه وسلم) ينصبها بين يديه لتكون حائلا يصلّى إليه. [ (7) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 166، حديث رقم (271) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 في الاستنجاء [ (1) ] . وذكر في باب الاستنجاء بالماء، من حديث شعبة، عن أبى معاذ- واسمه عطاء بن أبى ميمونة- قال: سمعت أنس بن مالك رضى اللَّه عنه يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خرج لحاجته، أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعنى يستنجى به [ (2) ] . وذكره في باب من حمل معه الماء لطهوره [ (3) ] ، وذكره أيضا في كتاب الصلاة، في باب الصلاة إلى العنزة، ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام منا معنا عكازة، أو عصا، أو عنزة، ومعنا إداوة، فإذا فرغ من حاجته ناولناه الإداوة [ (4) ] . وعبد اللَّه بن عباس [ (5) ] ، رضى اللَّه عنهما، خرّج البخاري ومسلم من حديث ورقاء، عن عبيد اللَّه بن أبى يزيد، عن ابن عباس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 335، كتاب الوضوء، باب (17) حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء، حديث رقم (152) . [ (2) ] (فتح الباري: (1/ 333، كتاب الوضوء، باب (15) الاستنجاء بالماء، حديث رقم (150) . [ (3) ] ولفظه: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعته وأنا غلام، ومنا معنا إداوة من ماء» حديث رقم (151) . [ (4) ] ولفظه: «كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام، ومعنا عكازة، أو عنزة، أو عصا، فإذا فرغ من حاجته ناولناه الإداوة» حديث رقم (500) . [ (5) ] هو عبد اللَّه بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو العباس، ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أمه أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية. عن ابن عمر أنه كان يقرّب ابن عباس، ويقول: إني رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دعاك فمسح رأسك وتفل في فيك، وقال: اللَّهمّ فقهه في الدين وعلمه التأويل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 الخلاء، فوضعت له وضوءا، قال: من وضع هذا؟ فأخبر، فقال: اللَّهمّ فقهه في الدين. ذكره البخاري في باب وضع الماء عن الخلاء [ (1) ] . ولفظ مسلم: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أتى الخلاء، فوضعت له وضوءا، فلما خرج قال: من وضع هذا؟ في رواية زهير [بن حرب] قالوا، وفي رواية أبى بكر [بن أبى النّضر] : قلت:   [ () ] وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه سكب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وضوءا عند خالته ميمونة، فلما فرغ قال: من وضع هذا؟ فقالت: ابن عباس، فقال: اللَّهمّ فقهه في الدين وعلمه التأويل. وقال ابن سعد بسنده عن ابن عباس: دعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمسح على ناصيتي وقال: اللَّهمّ علمه الحكمة وتأويل الكتاب. واتفقوا على أنه مات بالطائف سنة ثمان وستين، واختلفوا في سنه، فقيل: ابن إحدى وسبعين. وقيل: ابن اثنتين، وقيل: ابن أربع، والأول أقوى. (الإصابة) : 4/ 141- 152 ، ترجمة رقم (4784) ، (الاستيعاب) : 3/ 933- 939، ترجمة رقم (1588) ، (المستدرك) : 3/ 614- 625، (التاريخ الكبير) : 5/ 3، (التاريخ الصغير) : 1/ 126، (الجرح والتعديل) : 5/ 116، (حلية الأولياء) : 1/ 314، (جمهرة أنساب العرب) : 19، (تاريخ بغداد) : 1/ 173، (جامع الأصول) : 9/ 63، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 274، (وفيات الأعيان) : 3/ 62، (المطالب العالية) : 1/ 114، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 331- 351، ترجمة رقم (51) ، (الثقات) : 3/ 208، (أسماء الصحابة الرواة) : 40، ترجمة رقم (5) . [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 325، كتاب الوضوء، باب (10) وضع الماء عند الخلاء، حديث رقم (143) ، والخلاء: المكان الخالي، واستعمل في المكان المعد لقضاء الحاجة مجازا. قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «فأخبر» فإن ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس هي المخبرة بذلك. قال التيمي: فيه استحباب المكافأة بالدعاء، وقال ابن المنير: مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه على وضعه الماء من جهة أنه تردد بين ثلاثة أمور: إما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء، أو يضعه على الباب لتناوله من قرب، أو لا يفعل شيئا، فرأى الثاني أوفق، لأن في الأول تعرضا للاطلاع، والثالث يستدعى مشقة في طلب الماء، والثاني أسهل، ففعله يدل على ذكائه، فناسب أن يدعى له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع، وكذا كان. (المرجع السابق) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 ابن عباس، قال: اللَّهمّ فقهه [ (1) ] . وقيس بن سعد بن عبادة [ (2) ] ، خرّج الحاكم [من حديث] وهب بن جرير، حدّثنا أبى قال: سمعت منصور بن زاذان، يحدث عن ميمون بن أبى شبيب، عن قيس بن سعد بن عبادة، أن أباه دفعه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخدمه، قال: فأتى عليّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد صليت ركعتين، فضربني برجله وقال: ألا أدلّك على باب من أبواب الجنة؟ قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح [ (3) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 270، كتاب فضائل الصحابة، باب (30) ، فضائل عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما، حديث رقم (138) ، وما بين الحاصرتين من (خ) فقط. [ (2) ] هو قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري، مختلف في كنيته، فقيل: أبو الفضل، وأبو عبد اللَّه، وأبو عبد الملك. وذكر ابن حبان أن كنيته أبو القاسم، وأمه بنت عم أبيه، واسمها فكيهة بنت عبيد ابن دليم. وقال ابن عيينة. عن عمرو بن دينار: كان قيس ضخما، حسنا، طويلا، إذا ركب الحمار خطت رجلاه الأرض. وقال الواقدي: كان سخيا كريما داهية. وفي (مكارم الأخلاق) للطبراني، من طريق عروة بن الزبير: كان قيس بن سعد بن عبادة يقول: اللَّهمّ ارزقني ما لا، فإنه لا يصلح الفعال إلا بالمال. وفي (صحيح البخاري) ، عن أنس: كان قيس بن سعد من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. وأخرج البخاري في (التاريخ) من طريق خريم بن أسد، قال: رأيت قيس بن سعد وقد خدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عشر سنين. وقال أبو عمر في (الاستيعاب) : كان أحد الفضلاء الجلة، من دهاة العرب، من أهل الرأى والمكيدة في الحرب، مع النجدة والسخاء والشجاعة، وكان شريف قومه غير مدافع، وكان أبوه وجده كذلك. قال خليفة وغيره: مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة. (الاستيعاب) : 3/ 1289- 1293، ترجمة رقم (2134) ، (الإصابة) : 5/ 473- 475، ترجمة رقم (7182) ، (الثقات) : 3/ 339. [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 290، كتاب الأدب، حديث رقم (7787/ 109) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 والمغيرة بن شعبة [ (1) ] ، قال الواقدي في مغازيه: وكان المغيرة بن شعبة يقول: كنا بين الحجر وتبوك، فذهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لحاجته، وكان إذا ذهب أبعد، وتبعته بماء بعد الفجر، فأسفر الناس بصلاتهم، وهي صلاة الصبح، حتى خافوا الشمس، فقدّموا عبد الرحمن بن عوف فصلّى بهم، فحملت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إداوة فيها ماء. فلما فرغ صببت عليه فغسل وجهه، ثم أراد أن يغسل ذراعيه، فضاق كم الجبة- وعليه جبّة رومية- فأخرج يديه من تحت الجبة، فغسلهما، ومسح خفّيه، وانتهينا إلى عبد الرحمن بن عوف، وقد ركع بالناس ركعة، فسبح الناس بعبد الرحمن بن عوف، حين رأوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى كادوا أن يفتتنوا. فجعل عبد الرحمن يريد أن ينكص وراءه، فأشار إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن اثبت، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خلف عبد الرحمن ركعة، فلما سلّم عبد الرحمن تواثب الناس، وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقضى الركعة الباقية، ثم سلّم بعد فراغه منها ثم قال: أحسنتم، إنه لم يتوفّ نبيّ حتى يؤمه رجل صالح من أمته [ (2) ] . وله طرق ترد إن شاء اللَّه تعالى في اللباس، عند ذكر الجبة.   [ (1) ] هو المغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف ابن قيس، وهو ثقيف الثقفي، يكنى أبا عبد اللَّه، وقيل: أبا عيسى، وأمه امرأة من بنى نصر بن معاوية. أسلم عام الخندق، وقدم مهاجرا، وقيل: إن أول مشاهد الحديبيّة، توفي سنة خمسين من الهجرة بالكوفة. (الاستيعاب) : 4/ 1445- 1448، ترجمة رقم (2483) ، (الإصابة) : 6/ 197- 201، ترجمة رقم (8185) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1011- 1012. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 فصل في ذكر من كان يغمز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الغمز: العصر باليد. قال الواقدي: فحدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه قال: لما كان من قول ابن أبى ما كان، أسرع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المسير، وأسرعت معه، وكان معى أجير لي استأجرته يقوم على فرسي، فاحتبس عليّ، فوقفت له على الطريق أنتظره حتى جاء. فما جاء ورأى ما بى من الغضب، أشفق أن أقع به، فقال: أيها الرجل! على رسلك، فإنه قد كان في الناس أمر من بعدك فحدثني بمقالة ابن أبى، قال عمر رضى اللَّه عنه، فأقبلت حتى جئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو في فيء شجرة، عنده غليم أسيود يغمز ظهره، فقلت يا رسول اللَّه! كأنك تشتكي ظهرك، فقال: تقحّمت بى الناقة الليلة، فقلت: يا رسول اللَّه! ائذن لي أن أضرب عنق ابن أبىّ في مقالته، فقال: أو كنت فاعلا؟ [قلت] [ (1) ] نعم والّذي بعثك بالحق، قال: إذا لأرعدت له آنف بيثرب كثيرة، لو أمرتهم بقتله قتلوه، قال: فقلت: يا رسول اللَّه! فمر محمد بن مسلمة يقتله، فقال: لا يتحدث الناس أن محمدا قتل أصحابه، قال: فقلت: فمر الناس بالرحيل، قال: نعم، فأذّنت بالرحيل في الناس [ (2) ] . خرجه الطبراني في الأوسط من معاجمه.   [ (1) ] في (المغازي) : «قال نعم» ، وما أثبتناه أجود للسياق. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 418. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 فصل في ذكر عدة ممن كان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهم: أبو ذرّ، خرّج الإمام أحمد من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن ابن [غنم] عن أبى ذر قال: كنت أخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم آتى المسجد إذا أنا فرغت من عملي فأضطجع [ (1) ] ، الحديث فيه بطوله. والأسلع [ (2) ] بن شريك الأعرجي التميمي خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وصاحب راحلته، نزل البصرة، وله حديث في صفة التيمم، وسماه محمد بن سعد: ميمون بن سنباد. وبكير بن شداخ [ (2) ] ، ويقال: بكر، كان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو غلام، فلما احتلم جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأعلمه. لم يذكره ابن عبد البرّ، وذكره ابن مندة.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 5/ 144، حديث أبى ذر الغفاريّ، الحديث رقم (20784) ولفظه: «كنت أخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثم آتى المسجد إذا أنا فرغت من عملي، فأضطجع فيه، فأتانى النبي يوما وأنا مضطجع، فغمزني برجله فاستويت جالسا، فقال لي: يا أبا ذر، كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ فقلت: أرجع إلى مسجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وإلى بيت، قال: فكيف تصنع إذا أخرجت؟ فقلت: إذا آخذ بسيفي فاضرب به من يخرجني، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يده على منكبى فقال: غفرا يا أبا ذر ثلاثا، بل تنقاد معهم حيث قادوك، وتنساق معهم حيث ساقوك، ولو عبدا أسود، قال أبو ذر: فلما نفيت إلى الرَّبَذَة، أقيمت الصلاة، فتقدم رجل أسود كان فيها على نعم الصدقة، فلما رآني أخذ ليرجع ويقدمني، فقلت: كما أنت، بل أنقاد لأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم» . [ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 وبلال المؤذن [ (1) ] ، وسيرد ذكره إن شاء اللَّه في المؤذنين، وكان على نعمائه أيضا. وذو مخمر [ (1) ] ، ويقال: ذو مخبر، وهو ابن أخى النجاشي، كان من الحبشة، يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديثه في (مسند الإمام أحمد) ، في ذكر نومه عليه السّلام عن صلاة الفجر [ (2) ] . وسعد [ (1) ] ، قال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن داود، حدثنا أبو عامر عن الحسن، عن سعد مولى لأبى بكر رضى اللَّه عنه، وكان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان يعجبه خدمته، فقال: يا أبا بكر، أعتق سعدا، فقال: يا رسول اللَّه! ما لنا غيره، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أعتق سعدا، أتتك الرجال [ (3) ] . [قال أبو داود: يعنى السبي] ، وعند ابن ماجة طرفا منه. ومهاجر [ (1) ] ، مولى أم سلمة رضى اللَّه عنها، قال: خدمت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عشر سنين، أو خمس سنين، فلم يقل لشيء صنعته لم صنعته؟ ولا لشيء تركته لم تركته؟ قال ابن يونس: يكنى أبا حذيفة، صحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وحضر فتح مصر، واختط بها، ثم إنه خرج إلى صعيد مصر فأوطن طما، مات بها سنة ستين، وليس لأهل مصر عنه إلا حديث واحد، رواه عنه بكر مولى عمرة بنت حسين بن يحيى بن عبد اللَّه بن بكير أنه قال: خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبع سنين.   [ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتهم. [ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 90- 91، حديث رقم (16383) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 1/ 199، حديث رقم (1718) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 وأبو السمح [ (1) ] ، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يقال له: خادم رسول اللَّه، قيل اسمه إياد، يقال أنه لا يدرى أين مات، قال: كنت أخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، كان إذا أراد أن يغتسل قال: ناولني إداوتي، قال: فأناوله وأستره. قال: بحسن أو حسين، فبال على صدره، فجئت لأغسله، فقال: يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام. خرّج له أبو داود والنّسائى، وابن ماجة، له حديثان عند محل بن خليفة عنه.   [ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادره ترجمته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 فصل في ذكر لباس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أن لباس كل شيء غشاؤه، ويقال: لبس الثوب لبسا ولباسا وألبسه إيّاه، وألبس عليك ثوبك، وثوب لبيس، قد لبس فأخلق، والثوب اللباس، والجمع أثوب وأثواب وثياب. والكسوة بكسر الكاف وضمها، من اللباس، وقد كسوته الثوب كسوا إذا اكتسى لبس الكسوة [ (1) ] . وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عدة ثياب، فلبس العمامة، والرداء، والقميص، والجبة، والحلة، وغير ذلك. أما العمامة، فخرج مسلم رحمه اللَّه من حديث وكيع عن مساور الوراق، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه [قال: كأنى انظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على المنبر] [ (2) ] وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها بين كتفيه، ولم يقل [أبو بكر] [ (3) ] على المنبر [ (4) ] . وخرجه أبو داود [ (5) ] من طريق مساور، عن جعفر بن عمرو بن حريث عن   [ (1) ] (لسان العرب) : 1/ 246، 6/ 302. [ (2) ] تصويب للسياق من (صحيح مسلم) . [ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 142، كتاب الحج، باب (84) جواز دخول مكة بغير إحرام، حديث رقم (452) ، (453) من أحاديث الباب. [ (5) ] (عون المعبود) : 6/ 87، كتاب اللباس، باب (23) في العمائم، حديث رقم (4071) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 أبيه قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه. وخرجه ابن حبان أيضا [ (1) ] ، ورواه قاسم بن أصبغ من حديث مساور قال: أخبرنى جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي عن أبيه قال: رأيت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عمامة سوداء يوم فتح مكة. وخرجه الترمذي [ (2) ] من طريق حماد بن سلمة عن أبى الزبير، عن جابر قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مكة يوم الفتح، وعليه عمامة سوداء. وخرج محمد بن عبد الملك بن أيمن من حديث حماد بن سلمة، عن أبى الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل يوم الفتح مكة، وعليه عمامة سوداء. ويروى عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه، أنه رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يعتم بعمامة سوداء. وقال هيثم عن حجاج بن أرطاة، عن أبى جعفر محمد بن على، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يلبس يوم الجمعة برده الأحمر، ويعتم ويوم العيدين [ (3) ] .   [ (1) ] (الإحسان) : 9/ 37- 40 كتاب الحج، باب (3) فضل مكة، حديث رقم (3722) ، 12/ 243، كتاب اللباس وآدابه، ذكر إباحة لبس المرء العمائم السود ضدّ قول من كرهه من المتصوفة، حديث رقم (5425) . [ (2) ] (تحفة الأحوذي) : 5/ 266- 267، أبواب الجهاد، باب (9) ما جاء في الألوية، حديث رقم (1730) . [ (3) ] قال ابن القيم في (الزاد) ، في فصل هدية صلّى اللَّه عليه وسلم في العيدين: وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه، فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، ومرة كان يلبس بردين أخضرين، ومرة بردا أحمر، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 وخرّج قاسم بن أصبغ من حديث مسدد، أخبرنا حفص بن غياث، عن الحجاج، عن محمد بن عليّ، عن جابر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يعتم، ويلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة [ (1) ] . وقال يعقوب بن حميد: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن محمد بن عبيد اللَّه الفرزى، عن أبى الزبير عن جابر قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعلى رأسه عمامة سوداء يلبسها في الليل، ويرخيها خلف [ظهره] [ (2) ] تفرد به حاتم. وللترمذي [ (3) ] من حديث عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه. قال نافع: وكان ابن عمر يسدل عمامته بين كتفيه، قال عبيد اللَّه: ورأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وخرّج من حديث وكيع عن عبد الرحمن بن الغسيل عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خطب الناس وعليه عصابة دسماء [ (4) ] .   [ () ] وليس هو أحمر مصمتا كما يظنه بعض الناس، فإنه لو كان كذلك، لم يكن بردا، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية، فسمى أحمر باعتبار ما فيه من ذلك، وقد صح عنه صلّى اللَّه عليه وسلم من غير معارض، النهى عن لبس المعصفر والأحمر. (زاد المعاد) : 1/ 141. [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 106- 107، باب ما جاء في عمامة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وفيه خمسة أحاديث، حديث رقم (118) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 107، حديث رقم (119) ، وأخرجه البخاري في (الصحيح) : كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد (927) ، وكتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 ومن حديث عطاء بن أبى رباح، عن الفضل بن عباس قال: دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي توفّى فيه وعلى رأسه عصابة صفراء، فسلمت، فقال: يا فضل، قلت: لبيك يا رسول اللَّه، قال: اشدد بهذه العصابة رأسي، قال: ففعلت، ثم قعد فوضع كفّه على كتفي، ثم قام فدخل المسجد [ (1) ] . وفي الحديث قصة. ويروى عن موسى بن مطير [ (2) ]- وهو ضعيف- عن أبيه عن أبى هريرة، وعبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما قالا: ما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم جمعة قط، إلا وهو معتمّ [وإن كان في إزار ورداء] [ (3) ] وإن لم يكن عنده عمامة وصل الخرق بعضها [إلى بعض] [ (3) ] واعتم بها [ (4) ] . وقال محمد بن سمينة: أخبرنا عثمان بن عفان الغطفانيّ، أخبرنا الزبير بن خربوذ عن رجل، عن عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه عنه قال: عمّمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأرسلها من بين يدىّ ومن خلفي.   [ () ] (3628) وكتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم، (3800) ، والحديث من طرق عن ابن الغسيل به، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 233، حديث رقم (2075) ، وفي الباب شواهد في بعضها ضعف شديد، ويكفى ما سبق لصحة الحديث. واللَّه تعالى أعلم، وقوله: «عصابة دسماء» أي سوداء، والدسمة الغبرة المائلة إلى السواد، أو هي السوداء، أو هي المتلطخة بدسومة شعره صلّى اللَّه عليه وسلم من الطيب، والعصابة والعمامة بمعنى واحد. (الشمائل المحمدية) : 107. [ (1) ] (المطالب العالية) : 4/ 256- 257، حديث رقم (4384) . [ (2) ] كذبه يحيى بن معين، وضعفه الدار قطنى، وقال أبو حاتم والنسائي: متروك، وذكره العقيلي في (الضعفاء) ، (لسان الميزان) 6/ 130. [ (3) ] زيادة للسياق من (الكامل) . [ (4) ] (الكامل في ضعفاء الرجال) : 6/ 338- 339، ترجمة موسى بن مطير رقم (196/ 1817) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 وقال الواقدي: حدثني سعيد بن هشام بن قباذين عن عطاء بن أبى رباح، عن ابن عمر قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف فقال: تجهّز فإنّي باعثك في سرية من يومك هذا أم من غد إن شاء اللَّه. قال ابن عمر: فسمعت ذلك فقلت: لأدخلن فلأصلّين مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الغداة، فلأسمعنّ وصيته لعبد الرحمن بن عوف، قال: فغدوت، فصليت فإذا أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، وناس من المهاجرين فيهم عبد الرحمن، وإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد كان أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل، فيدعوهم إلى الإسلام. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: ما خلفك عن أصحابك؟ قال ابن عمرو قد مضى أصحابه في السّحر، فهم معسكرون بالجرف، وكانوا سبعمائة رجل، فقال: أحببت يا رسول اللَّه أن يكون آخر عهدي بك، وعليّ ثياب سفري، وعلى عبد الرحمن بن عوف عمامة قد لفّها على رأسه. قال ابن عمر: فدعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأقعده بين يديه فنقض عمامته بيده، ثم عمّمه بعمامة سوداء، فأرخى بين كتفيه منها، ثم قال: هكذا فاعتمّ يا ابن عوف، قال: وعلى ابن عوف والسيف متوشحة، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أغد على اسم اللَّه، وفي سبيل اللَّه، فقاتل من كفر باللَّه، لا تغلّ، ولا تغدر، ولا تقتل وليدا. قال ابن عمر: ثم بسط يده فقال: يا أيها الناس! اتقوا خمسا قبل أن يحل بكم: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 ما نقص مكيال قوم إلا أخذهم اللَّه بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يرجعون. وما نكث قوم عهدهم إلا سلّط اللَّه عليهم عدوّهم. وما منع قوم الزكاة إلا أمسك اللَّه عليهم قطر السماء، ولولا البهائم لم يسقوا. وما ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلّط اللَّه عليهم الطاعون. وما حكم قوم بغير آي القرآن إلا ألبسهم اللَّه شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض. قال: فخرج عبد الرحمن حتى لحق أصحابه. وذكر الحديث [ (1) ] . ولابن حبان من طريق أبى معشر البراء، أخبرنا خالد الحذاء، حدثني عبد السلام قال: قلت لابن عمر: كيف كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يعتم؟ قال: يدير كور العمامة على رأسه، ويفردها من ورائه، ويرسل لها ذؤابة بين كتفيه [ (2) ] .   [ (1) ] (مختصر تاريخ ابن عساكر) : 1/ 91. [ (2) ] ذكره ابن القيسراني في (تذكرة الموضوعات) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 434، باب لباس الرأس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 [وأما الكمة والقلنسوة والقناع] فقال خالد بن يزيد الكزبري، حدثنا عاصم بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كانت له كمّة بيضاء. وعن عبد اللَّه بن أبى بكر عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يلبس كمة بيضاء. والكمّة، بضم الكاف وتشديد الميم وفتحها: القلنسوة، يقال: إنه حسن الكمّة بكسر الكاف، أي التكمم، كما تقول: إنه لحسن الجلسة [ (1) ] . ولأبى داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] ، من حديث أبى الحسن العسقلاني، عن أبى جعفر بن محمد بن ركانة عن أبيه، أن ركانة صارع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فصرعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال ركانة: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن فرق ما بيننا وبين المشركين: العمائم على القلانس [ (4) ] .   [ (1) ] (لسان العرب) : 12/ 527. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 340- 341، كتاب اللباس، باب (24) في العمائم، حديث رقم (4078) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 217، كتاب اللباس، باب (42) العمائم على القلانس، حديث رقم (1784) . [ (4) ] أي الفارق بيننا معشر المسلمين وبين المشركين لبس العمائم فوق القلانس، فنحن نعتمّ على القلانس وهم يكتفون بالعمائم، ذكره الطيبي وغيره من الشراح، وتبعهما ابن الملك، كذا في (المرقاة) . وقال العزيزي: فالمسلمون يلبسون القلنسوة وفوقها العمامة، ولبس القلنسوة وحدها زي المشركين. وكذا نقل الجزري عن بعض العلماء، وبه صرح القاضي أبو بكر في شرح الترمذي. وقال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 قال الترمذي: هذا حديث غريب، وإسناده ليس بالقائم، ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني، ولا ابن ركانة. والقلنسوة، والقلساة والقلنسوة والقلنسية والقلنساة والقلنسية من ملابس الرأس. وجمع القلنسوة والقلنسية قلاس، وجمع القلنساة قلاس لا غير، لم يسمع فيها قلسا [ (1) ] .   [ () ] ابن القيم في (زاد المعاد) : وكان يلبسها- يعنى العمامة ويلبس تحتها القلنسوة، وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة، ويلبس العمامة بغير قلنسوة. وفي (الجامع الصغير) ، برواية الطبراني عن ابن عمر قال: كان يلبس قلنسوة بيضاء، قال العزيزي: إسناده حسن، وفيه برواية الروياني، وابن عساكر عن ابن عباس: كان يلبس القلانس تحت العمائم وبغير العمائم، ويلبس العمائم بغير قلانس، وكان يلبس القلانس تحت اليمانية، وهن البيض المضربة، ويلبس القلانس ذوات الآذان في الحرب، وكان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة بين يديه ... قال المباركفوري: لم أقف على إسناد رواية ابن عباس هذه، فلا أدرى هل هي صالحة للاحتجاج أم لا؟ (تحفة الأحوذي) : 5/ 393، أبواب اللباس، باب (41) ، حديث رقم (1844) . وقال الحفاظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: حديث: كان يلبس القلانس تحت العمائم وبغير عمامة وربما نزع قلنسوته من رأسه فجعلها سترة بين يديه ثم يصلّى إليها. أخرجه الطبراني وأبو الشيخ والبيهقي في (شعب الإيمان) من حديث ابن عمر: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء. ولأبى الشيخ من حديث ابن عباس: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاث قلانس: قلنسوة بيضاء مضربة، وقلنسوة برد حبرة، وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر، فربما وضعها بين يديه إذا صلّى، وإسنادهما ضعيف، ولأبى داود والترمذي من حديث ركانة: فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس. قال الترمذي: غريب وليس إسناده بالقائم. (المغنى عن الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار) : 2/ 584. قال السخاوي- وقد ذكر أحاديث العمائم ومنها: «فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس- قال: وبعضه أو هي من بعض. (المقاصد الحسنة) : 465- 466، حديث رقم (717) ، (كشف الخفاء ومزيل الالتباس) : 2/ 72- 73، حديث رقم (1783) ، (شعب الإيمان) : 5/ 172- 177 ، باب في الملابس والأواني، فصل العمائم. [ (1) ] (لسان العرب) : 6/ 181. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 وروى البلاذري عن عباس بن هشام عن أبيه عن جده، عن أبى صالح عن ابن عباس رضى اللَّه عنه أنه قال: كانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قلنسوة أسماط، يعنى جلودا، وكانت فيها نقبة. وقال هشام بن عمار: حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قالت يوم خيبر على بغلته الشهباء، وعليه ممطر سيجان، وعليه عمامة، وعلى العمامة قلنسوة من الممطر السيجان. قال هشام: والساج: الطيلسان الأسود [ (1) ] . وروى أنه عليه السّلام ترك   [ (1) ] الطيلسان: شبه الأردية، يوضع على الرأس والكتفين والظهر، وهو بفتح اللام، واحد الطيالسة، والهاء في الجمع للعجمة، لأنه فارسي معرب، وهو الساج أيضا، وقال ابن خالويه في (شرح الفصيح) : يقال للطيلسان الأخضر: الساج، وفي (المجمل) لابن فارس: الطاق الطيلسان. فقال ابن القيم: لم ينقل عنه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه لبسه، ولا أحد من أصحابه، بل ثبت في (صحيح مسلم) ، من حديث النواس بن سمعان، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه ذكر الدجال فقال: يخرج معه سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة. ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة فقال: ما أشبههم بيهود خيبر. قال: ومن هاهنا كره جماعة من السلف والخلف، لما روى أبو داود، والحاكم في (المستدرك) ، أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم» ، وفي الترمذي: «ليس منا من تشبه بغيرنا» . وأما ما جاء في حديث الهجرة أنه صلّى اللَّه عليه وسلم جاء إلى أبى بكر رضى اللَّه عنه متقنّعا بالهاجرة، فإنما فعله صلّى اللَّه عليه وسلم تلك السّاعة ليختفى بذلك للحاجة، ولم يكن عادته صلّى اللَّه عليه وسلم التقنع. وقد ذكر أنس عنه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه كان يكثر القناع. وهذا إنما كان يفعله للحاجة من الحرّ ونحوه. وقال شيخ الإسلام الولي ابن العراقي في (شرح تقريب الأسانيد) : التقنّع معروف، وهو تغطية الرأس بطرف العمامة أو بردائه أو نحو ذلك. وقال ابن الحاج في (المدخل) : وأما قناع الرجل فهو أن يغطى رأسه بردائه، ويرد طرفه على أحد كتفيه. وأما قول ابن القيم: إنه صلّى اللَّه عليه وسلم إنما فعل ذلك للحاجة، فيرد عليه حديث سهل بن سعد، أنه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يكثر القناع، رواه البيهقي في (الشّعب) ، والترمذي. وللبيهقي في (الشعب) أيضا، وابن سعد في (الطبقات) ، من حديث أنس بلفظ: يكثر التقنع، فهذا وما أشبهه يرد قول ابن القيم: أنه لم ينقل عنه أنه صلّى اللَّه عليه وسلم لبسه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 قلانس صفار الأطبية ثلاثا. وخرج أبو محمد بن حبان من حديث العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء [ (1) ] ومن حديث أبى حذيفة، عن عطاء بن أبى رباح، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: رأيت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قلنسوة بيضاء شامية. ومن حديث مفضل بن فضالة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يلبس من القلانس في السفر ذوات الآذان، وفي الحضر المضمّرة، يعنى الشامية [ (2) ] .   [ () ] وأما قوله: ولا أحد من أصحابه، فيرده ما أخرجه الحاكم في (المستدرك) ، بسند على شرط الشيخين، عن مرة بن كعب قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يذكر فتنة فقربها، فمر رجل مقنع في ثوب، فقال: هذا يومئذ على الهدى، فقمت، فإذا هو عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه. وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن أبى العلاء قال: رأيت الحسن بن على يصلّى وهو مقنع رأسه. وأخرج ابن سعد عن سليمان بن المغيرة قال: رأيت الحسن يلبس الطيالسة، وأخرج عن عمارة ابن زاذان قال: رأيت على الحسن طيلسانا أندقيا [نسبة إلى أندق قرية في سمرقند] . وأما ما ذكره ابن القيم من قصة اليهود، فقال الحافظ ابن حجر: إنما يصلح الاستدلال به في الوقت الّذي تكون الطيالسة من شعارهم، وقد ارتفع ذلك في هذه الأزمنة، فصار ذلك داخلا في عموم المباح، وقد ذكره ابن عبد السلام في (أمثلة البدعة المباحة) ، وقد يصير، من شعار قوم فيكون تركه من الإخلال بالمروءة، وقيل: إنما أنكر أنس ألوان الطيالسة لأنها كانت صفراء، واللَّه تعالى أعلم. (المواهب اللدنية) : 2/ 449- 450، (طبقات ابن سعد) : 1/ 460، (شعب الإيمان) : 5/ 172- 177 ، (المستدرك) : 4/ 211- 212، حديث رقم (: 7401/ 48) من كتاب اللباس. [ (1) ] (شعب الإيمان) : 5/ 175، باب في الملابس والأواني، فصل في العمائم، حديث رقم (6259) ، وقال في آخره: تفرد به ابن خراش هذا وهو ضعيف. [ (2) ] (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 254- 255، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة، وأشار إلى ضعفهم، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 ومن حديث أبى عبد الرحمن محمد بن عبيد اللَّه [] ، عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاث قلانس: قلنسوة بيضاء مضرّبة، وقلنسوة لاطية، وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر. ومن حديث عتبة بن الوليد، عن الأوزاعي، عن خويلد بن عثمان قال: لقيت عبد اللَّه بن يسر فقال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وله قلنسوة مضربة، وقلنسوة لها آذان، وقلنسوة لاطية. وللترمذي من حديث وكيع، حدثنا الربيع بن صبيح، عن سويد بن أبان عن أنس: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكثر دهن رأسه، وتسريح لحيته، ويكثر القناع، كأن ثوبه ثوب زيّات [ (1) ] .   [ () ] ثم قال: أجود إسناد في القلانس، ما رواه أبو الشيخ عن عائشة: «كان صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس القلانس في السفر ذوات الآذان، وفي الحضر المضمرة» يعنى الشامية. [ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 51 باب ما جاء في ترجل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (33) ، 114، باب ما جاء في تقنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (127) ، قوله: «كثر دهن رأسه» : الدّهن هو استعمال الدّهن من زيت وغيره في تجميل الشعر وتحسينه، قوله: «حتى كأن ثوبه ثوب زيات» : يحتمل أن يراد بالثوب هنا القناع الّذي يوضع على الرأس بعد دهنها، والزيات: بائع الزيت. وهذا الحديث تفرد به الترمذي، وفي إسناده الربيع بن صبيح وفيه ضعف، فهو وإن كان صدوقا عابدا مجاهدا إلا أنه سيئ الحفظ، وكذلك يزيد بن أبان الرقاشيّ القاصّ الزاهد: ضعيف. وقد أخرجه ابن سعد في (الطبقات) : وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) صلّى اللَّه عليه وسلم، والبغوي في (شرح السنة) كلهم من طريق الربيع بن صبيح به، وزاد السيوطي نسبته في (الجامع الصغير) للبيهقي، وضعفه الحافظ العراقي في (المغنى عن الأسفار) ، وقال ابن كثير: فيه غرابة ونكارة. وقد أخرج الذهبي في (ميزان الاعتدال) نحوه في ترجمة الحسن بن دينار من طريقه عن قتادة عن أنس، وقال الحافظ الذهبي: هذا خبر منكر جدا، والحسن بن دينار، قال ابن حبان: تركه وكيع وابن المبارك، فأما أحمد ويحيى فكانا يكذبانه، وفي إسناده أيضا بكر بن السميدع، ولا يعرف، كما قال الذهبي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 وقال البلاذري: حدثني أحمد بن هشام بن بهرام، حدثنا أبو صالح شعيب بن حرب، عن الربيع، عن يزيد عن أنس، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقنع رأسه، حتى ننظر إلى حاشية ثوبه كأنها ثوب زيّات. القنعة: غطاء الرأس، والقناع: أوسع منها. وقال بعضهم: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أكثر الناس قناعا، لأن القنع أهيب من الحاسر [ (1) ] .   [ (1) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 وأمّا القميص فخرج أبو داود والترمذي من حديث أبى نميلة يحيى بن رافع، عن عبد المؤمن بن خالد الحنفي المروزي، عن عبد اللَّه بن بريدة عن أمه عن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: كان أحب الثياب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم القميص [ (1) ] . وفي رواية: لم يكن ثوب أحب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من القميص. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن خالد تفرد به، وهو مروزى [ (2) ] . وخرّج الحاكم أبو عبد اللَّه في (المستدرك) ، من حديث الحسن بن صالح بن حيي، عن مسلم الملائى عن مجاهد، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لبس قميصا، وكان فوق الكعبين، وكان كمه إلى الأصابع. قال: هذا حديث صحيح حسن الإسناد ولم يخرجاه [ (3) ] . وخرجه ابن حبان   [ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 67، باب ما جاء في لباس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (55) ، (56) ، (57) ، ثلاثتهم عن أم سلمة رضى اللَّه تعالى عنها، وهو حديث حسن، أخرجه أبو داود في (السنن) ، وكتاب اللباس، باب ما جاء في القميص، حديث رقم (4025) ، (4026) ، والترمذي في (الجامع الصحيح) ، كتاب اللباس، باب القميص، حديث رقم (1762) ، (1763) ، (1764) ، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة في (السنن) ، كتاب اللباس، باب لبس القميص، حديث رقم (3575) ، كلهم من طريق عبد المؤمن بن خالد، عن ابن بريدة، به، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 213، كتاب اللباس، حديث رقم (7406) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، والإمام أحمد في (المسند) : 6/ 317، حديث رقم (26155) ، والبيهقي في (السنن الكبرى) : 2/ 239، كتاب الصلاة باب الصلاة في القميص، كلهم من طريق عبد المؤمن ابن خالد الحنفي به. [ (2) ] انظر التعليق السابق. [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 195، كتاب اللباس، حديث رقم (7420) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس قميصا فوق الكعبين، مستوى الكمين بأطراف أصابعه [ (1) ] . ومن حديث أبى سلمة عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه عن جده عبد اللَّه بن عمر قال: لبس عمر رضى اللَّه عنه قميصا جديدا ثم قال: مدّ كمي يا بنى، والزق يدك بأطراف أصابعى واقطع ما فضل عنهما، قال: فقطعت من الكمين، فصار فم الكمين بعضه فوق بعض، فقلت: لو سوّيته بالمقص، قال: دعه يا بنى، هكذا رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يفعل. قال ابن عمر: فما زال القميص على أبى حتى تقطّع، [وما كنا نصلّى] [ (2) ] رأيت الخيوط تتساقط على قدميه. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (3) ] . وخرّج ابن حبّان من طريق بقية، حدثنا خالد عن مسلم الأعور، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قميص قطنى، قصير الطول، قصير الكمين [ (4) ] . ومن طريق إبراهيم بن أبى يحيى، عن عبد الملك قال: سمعت ابن عمر رضى اللَّه عنه يقول: ما اتخذ لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قميص له زر [ (5) ] .   [ () ] منه، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : مسلم الملائى تالف. [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] في (خ) : «وما نزعة» ، وما أثبتناه من (المستدرك) . [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 195- 196، كتاب اللباس، حديث رقم (7421) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : أبو عقيل: ضعفوه. [ (4) ] راجع التعليق السابق. [ (5) ] راجع التعليق التالي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 وللترمذي في الشمائل، من حديث معاوية بن قرة بن أمية قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في رهط من مزينة لنبايعه، وإن قميصه لمطلق، أو قال: زرّ قميصه مطلق، قال: فأدخلت يدي في جيب قميصه فمست الخاتم [ (1) ] . وللترمذي من حديث هشام الدّستوائى، عن بديل بن ميسرة، عن شهر ابن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: كان كمّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الرّسغ [ (2) ] . وروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ترك قميصا صحاريا، وقميصا سحوليا [ (3) ] .   [ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 69، حديث رقم (59) ، وأخرجه أبو داود في (السنن) ، كتاب اللباس، باب في حل الأزرار، حديث رقم (4082) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) ، كتاب اللباس، باب حل الأزرار، حديث رقم (3578) ، من طرق عن زهير به، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 460، ذكر قناعته صلّى اللَّه عليه وسلم بثوبه ولباسه القميص، وما كان يقول إذا لبس ثوبا عليه، والإمام أحمد في (المسند) : 4/ 19، حديث رقم (15810) ، 5/ 35، حديث رقم (19855) ، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 103، ابن حبان في (الإحسان) : 12/ 266، حديث رقم (5452) ، كلهم من حديث زهير عن عروة بن عبد اللَّه به، ويشهد له حديث ابن عمر: «رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فعله» ، يعنى إطلاق الأزرار، وقد أخرجه أحمد وابن حبان وأبو الشيخ والبيهقي وغيرهم. [ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 68- 69، حديث رقم (58) ، هذا الحديث إسناده ضعيف، فإن شهر بن حوشب سيئ الحفظ، وقال عنه الحافظ: كثير الإرسال والأوهام، ومعاذ بن هشام بن أبى عبد اللَّه الدستوائى صدوق ربما وهم. وشيخ المصنف صدوق وقد توبع، والباقي ثقات، ولكن الحديث حسن إن شاء اللَّه تعالى، فإن له شاهدا من حديث أنس [ (3) ] لم أجده إلا في الجنائز من (البخاري) و (مسلم) : «كفّن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحول» و «كفّن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 وأما الرّداء الرداء من الملاحف تجمع على أردية، وهو الرداء، وقد تردّيت به، وارتديت، وإنه لحسن الرّدية، أي الارتداء [ (1) ] . خرّج أبو عيسى في (الشمائل) من حديث حماد بن سلمة، عن حبيب ابن الشهيد، عن الحسن عن أنس [بن مالك] [ (2) ] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خرج وهو متكئ على أسامة بن زيد، وعليه ثوب قطري قد توشح به، فصلّى بهم [ (3) ] .   [ (1) ] قال ابن منظور: والرّداء: الّذي يلبس، وتثنيته رداءان، وإن شئت رداوان، لأن كل اسم ممدود فلا تخلو همزته، إما أن تكون أصلية فتتركها في التثنية على ما هي عليه ولا تقلبها، والرداء من الملاحف، وقد تردى به وارتدى بمعنى، أي لبس الرداء، وإنه لحسن الرّدية أي الارتداء، والرداء: الغطاء الكبير. (لسان العرب) : 14/ 316- 317 مختصرا. [ (2) ] زيادة للسياق من (الشمائل) . [ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 69- 70، حديث رقم (60) ثم قال في آخره: قال عبد بن حميد [أحد الرواة] : قال محمد بن الفضل: سألني يحيى بن معين عن هذا الحديث أول ما جلس إليّ، فقلت: حدثنا حماد بن سلمة، فقال: لو كان من كتابك، فقمت لأخرج كتابي، فقبض على ثوبي، ثم قال: أمله عليّ فإنّي أخاف أن لا ألقاك، قال: فأمليته عليه، ثم أخرجت كتابي فقرأت عليه. وهو حديث صحيح ورجال إسناده ثقات، فالإسناد صحيح، لولا عنعنة الحسن البصري، ولكنه توبع، فقد جاء في (الشمائل) : 121، حديث رقم (136) : حدثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس رضى صلّى اللَّه عليه وسلم عنه: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان شاكيا فخرج يتوكأ على أسامة بن زيد وعليه ثوب قطرىّ قد توشح به فصلّى بهم» ، وحميد مدلس أيضاً وقد عنعنة، لكن عنعنة أنس مقبولة، وقد أخرجه أبو الشيخ من الوجهين في (أخلاق النبي) : 15، وابن حبان في (صحيحه) : 6/ 104- 105، حديث رقم (2335) من كتاب الصلة، ذكر الإباحة للمرء أن يصلّى في الأبراد القطرية، وإسناده صحيح على شرط الصحيح، وأخرجه الإمام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 وخرّج الحاكم من حديث حفص بن غياث، حدثنا سعيد بن خالد الأنصاري، عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه قال: دخل جرير بن عبد اللَّه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعنده أصحابه، فضنّ كل رجل بمجلسه، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رداءه فألقاه إليه، فتلقاه بنحره ووجهه، فقبّله ووضعه على عينيه وقال: أكرمك اللَّه كما أكرمتنى، ثم وضعه على ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فإذا أتى كريم [قوم] [ (1) ] فليكرمه [ (2) ] . قال هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة] . وخرّج ابن حبّان من حديث عبد اللَّه بن لهيعة، عن محمد بن عبد اللَّه ابن نوفل، عن عروة بن الزبير قال: كان طول رداء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة أذرع، وعرضه ذراعين ونصف، وكان له ثوب أخضر يلبسه للوفود إذا قدموا عليه.   [ () ] أحمد في (المسند) : 3/ 257، 281، عن عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن وعن أنس، وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 262، من طريق عبد اللَّه بن محمد. وبرد قطري: ضرب من البرود فيه حمرة ولها أعلام فيها بعض الخشونة، قال الأزهري: في أعراض البحرين قرية يقال لها: قطر، وأحسب الثياب القطرية نسب إليها، فخففوا وكسروا القاف للنسبة، وقالوا: قطرىّ والأصل قطري. (المرجع السابق) . [ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 324، كتاب الأدب، حديث رقم (7791) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) ، وقال محققه: قال في (الفيض) : قال الذهبي في (مختصر المدخل) : طرقه كلها ضعيفة، وله شاهد مرسل، وحكم ابن الجوزي بوضعه، وتعقبه العراقي ثم تلميذه ابن حجر بأنه ضعيف لا موضوع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 وفي لفظ أن ثوب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، الّذي كان يخرج فيه للوفود، رداء وثوب أخضر، طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، وهو عند الخلفاء اليوم قد خلق، فطووه بثوب يلبسونه يوم الفطر ويوم الأضحى [ (1) ] . ويروى بإسناد ضعيف عن عائشة رضى اللَّه عنه أنها قالت: كان رداء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة أذرع وشبرا، في ذراعين وشبر [ (2) ] . وبإسناد ضعيف عن ابن عمر رضى اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يلبس رداء مربعا، ويقال: كان اسم ردائه عليه السّلام الفتح، وكان له رداء يقال له: الحضرميّ، وبه كان يشهد العيدين، طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر [ (2) ] .   [ (1) ] (أخلاق النبي) : 110. [ (2) ] قال ابن حاتم: سألته عن حديث رواه أبو هارون البكاء القزويني عن ابن لهيعة عن عقيل عن مكحول، قال: كان رداء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة أذرع ونصف في ذراعين ونصف، فسمعت أبى يقول: كذا حدثنا أبو هارون، وحدثنا إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبى الأسود عن عروة، قال: كان رداء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم..، قلت لأبى فأيهما أصح؟ قال: لا يضبط عندي، جميعا ضعيفين. (علل الحديث) : 1/ 482، حديث رقم (1441) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 وأما القباء والمفرّج فخرج البخاري من حديث الليث بن سعد، عن يزيد عن أبى الخير عن عقبة بن عامر الجهنيّ رضى اللَّه عنه قال: أهدى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فرّوج حرير فلبسه فصلّى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له، وقال: لا ينبغي هذا للمتقين [ (1) ] . ترجم عليه في الصلاة، باب من صلّى في فروج حرير ثم نزعه، وخرّجه مسلم [ (2) ] والنّسائى [ (3) ] بنحوه. الفرّوج بفتح الفاء وضم الراء المشددة، وحكى ضم الفاء وتخفيف [الراء] وهو ضعيف، وهو قبالة شق من خلفه، وتسميه أهل زماننا المفرج. ولمسلم من حديث خالد [ (4) ] بن عبد اللَّه عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، عن عبد اللَّه مولى أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه عنها قال: أرسلتنى أسماء إلى عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنه فقالت: بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثة: العلم في الثوب، وميثرة الأرجوان، وصوم رجب كله، فقال لي عبد اللَّه: أما ما ذكرت من رجب، فكيف بمن يصوم الأبد، وأما ما ذكرت من العلم في الثوب، فإنّي سمعت عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 639، كتاب الصلاة، باب (16) من صلّى في فروج حرير ثم نزعه، حديث رقم (375) ، 10/ 330، كتاب اللباس، باب (12) القباء وفروج حرير وهو القباء، ويقال: هو الّذي شق من خلفه، حديث رقم (5801) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 295- 296، كتاب اللباس والزينة، باب (2) تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجال وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجال، ما لم يزد على أربع أصابع، حديث رقم (2075) . [ (3) ] (سنن النسائي) : 2/ 406، كتاب الصلاة، باب (9) الصلاة في الحرير، حديث رقم (769) . [ (4) ] في (خ) : «مخلد» ، وصوبناه من (صحيح مسلم) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إنما يلبس الحرير من لا خلاق له، فخفت أن يكون العلم منه. وأما ميثرة الأرجوان، فهذه ميثرة عبد اللَّه، فإذا هي أرجوان، فرجعت إلى أسماء فخبرتها فقالت: هذه جبّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخرجت إليّ جبة طيالسية كسروانية [ (1) ] ، لها لبنة ديباج، وفرجيها مكفوفان بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة رضى اللَّه عنها حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يلبسها، فنحن نغلسها للمرضى يستشفى بها [ (2) ] . وخرجه ابن أيمن من حديث وكيع عن المغيرة بن زياد عن أبى عمر مولى أسماء قال: رأيت ابن عمر اشترى عمامة لها علم، فدعا بالجلمين فقصّه، فدخلت على أسماء فذكرت ذلك لها، فقالت: بؤسا لعبد اللَّه يا جارية، هاتي جبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيبين والفرج بالديباج. وفي لفظ عن ابن عمر عن أسماء أنها أخرجت جبة مزرورة بالديباج فقالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس هذا.   [ (1) ] في (خ) : «خرقانية» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 288- 289، كتاب اللباس والزينة، باب (2) ، حديث رقم (2069) ، والميثرة كما قال الطبري: هي وعاء يوضع على سرج الفرس أو رحل البعير من الأرجوان، وحكى في (المشارق) قولا أنها سروج من ديباج، وقولا أنها أغشية للسروج من حرير، وقولا أنها تشبه المخدة تحشى يقطن أو ريش يجعلها الراكب تحته، وهذا يوافق تفسير الطبري، والأقوال الثلاثة يحتمل ألا تكون متخالفة، بل الميثرة تطلق على كل منها. (فتح الباري) : 10/ 377. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 وأما البردة فقد خرّج البخاري من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: كنت أمشى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابى فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قد أثرت بها حاشبة البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مر لي من مال اللَّه الّذي عندك، فالتفت إليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء. ذكره في كتاب اللباس [ (1) ] في باب البرود والحبرة والشملة، وفي كتاب الأدب [ (2) ] في باب التبسّم والضحك، وفي الخمس [ (3) ] بألفاظ متقاربة، وخرّجه مسلم [ (4) ] من عدة طرق [ (5) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 338، كتاب اللباس باب (18) البرود والحبر والشملة، حديث رقم (5809) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 10/ 617، كتاب الأدب، باب (68) التبسم والضحك، حديث رقم (6088) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 309، كتاب فرض الخمس، باب (19) ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، حديث رقم (3149) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 153، كتاب الزكاة، باب (44) ، عطاء من سأل بفحش وغلظة، حديث رقم (1057) ، قال الإمام النووي: وفيه احتمال الجاهلين، والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة، وإعطاء من يتألف قلبه، والعفو عن مرتكب كبيرة لا حد فيها بجهله، وإباحة الضحك عند الأمور التي يتعجب منها في العادة، وفيه كما خلق الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وحلمه وصفحه الجميل. [ (5) ] منها: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا همام، وحدثني زهير بن حرب، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عكرمة بن عمار وحدثني سلمة بن شبيب، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، كلهم عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 وللبخاريّ من حديث أبى حازم عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة ببردة- قال سهل: هل تدرون ما البردة؟ قالوا: نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها- قالت: يا رسول اللَّه! إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنها لإزاره، فحبسها رجل من القوم فقال: يا رسول اللَّه! اكسنيها، قال: نعم، فجلس ما شاء اللَّه في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه. فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها [إياه] ، وقد عرفت أنه لا يرد سائلا، فقال الرجل: واللَّه ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت، قال سهل: فكانت كفنه. ذكره في كتاب الجنائز [ (1) ] في باب من استعد الكفن في زمان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وفي كتاب الأدب [ (2) ] في باب حسن الخلق. وفي كتاب اللباس [ (3) ] وفي كتاب البيوع [ (4) ] في باب النسّاج. وخرّج أبو عبد اللَّه الحاكم من حديث يونس بن أبى إسحاق عن العيزار ابن حريث، عن أم الحصين الأحمسية قالت: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعليه بردة قد التفع بها تحت إبطه، كأنى انظر إلى عضلة عضدة ترتجّ، فسمعته يقول: يا أيها الناس، اتقوا اللَّه وإن أمرّ عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوا، ما   [ () ] بهذا الحديث، وفي حديث عكرمة بن عمار من الزيادة قال: «جبذه إليه رجع نبي صلّى اللَّه عليه وسلم في نحر الأعرابي، وفي حديث همام: «فجاذبه حتى انشق البرد وحتى بقيت حاشيته في عنق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم» . (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي السابق من أحاديث الباب. [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 184، كتاب الجنائز، باب (38) ، من استعد الكفن في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلم ينكر عليه، حديث رقم (1277) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 10/ 559، كتاب الأدب، باب (39) حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، حديث رقم (6036) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 10/ 338، كتاب اللباس، باب (18) البرود والحبرة والشملة، حديث رقم (5809) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 4/ 399، كتاب البيوع، باب (31) النساج، حديث رقم (2093) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 أقام لكم كتاب اللَّه [عز وجل] [ (1) ] قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد [ (2) ] [ولم يخرجاه] [ (1) ] . ومن حديث الأعمش عن جامع بن شداد، عن كلثوم الخزاعي، عن أسامة بن زيد رضى اللَّه عنهما قال: دخلنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نعوده وهو مريض، فوجدناه نائماً، قد غطى وجهه ببرد عدنىّ، فكشف عن وجهه ثم قال: لعن اللَّه اليهود يحرمون شحوم الغنم ويأكلون أثمانها. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] [ولم يخرجاه] [ (1) ] . وللنسائى من حديث همام، أخبرنا قتادة عن مطرف عن عائشة رضى اللَّه عنها، أنها عملت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردة سوداء من صوف، فلبسها، فلما عرق فوجد ريح الصوف طرحها، وكان يحب الريح الطيبة [ (4) ] . وخرّجه أبو داود أيضا ولفظه: صنعت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردة سوداء فلبسها، فلما عرق فيها وجد ريح الصوف فقذفها، قال: وأحسبه قال: وكان يعجبه الريح الطيبة [ (4) ] . وخرجه قاسم بن أصبغ وابن أيمن، ولفظهما: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لبس بردة سوداء فقالت عائشة رضى اللَّه عنها: ما أحسنها عليك يا رسول اللَّه!   [ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 206، كتاب اللباس، حديث رقم (7381) ، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (3) ] (المرجع السابق) : 4/ 215، كتاب اللباس، حديث رقم (7414) ، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (4) ] (عون المعبود) : 11/ 86، كتاب اللباس باب (21) في السواد، حديث رقم (4068) ، وفي بعض نسخه: «صبغت» بدلا من: «صنعت» ، «الطيب» بدلا من «الطيبة» ، قال المنذري: وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا، والحديث يدل على مشروعية لبس السواد وأنه لا كراهية فيه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 يشرب بياضك سوادها، ويشرب سوادها بياضك، فبدا له منها ريح فألقاها [ (1) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث يونس بن عبيد [عن عبيدة] [ (2) ] عن عبد ربه الهجيمي، عن جابر بن سليم- أو سليم بن جابر [ (3) ]- قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقلت: أيكم النبي؟ فإما أن يكون أومأ إلى نفسه، وإما أن يكون أشار إليه القوم، فإذا هو محتب [ (4) ] ، ببردة قد وقع هدبها على قدميه. وذكر الحديث [ (5) ] . ولأبى داود من حديث أبى معاوية، عن هلال بن عامر عن أبيه قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [بمنى] [ (6) ] يخطب على بغلة [ (7) ] ، وعليه برد أحمر، وعليّ [رضى اللَّه عنه] [ (6) ] أمامه يعبّر عنه [ (8) ] .   [ (1) ] قال ابن أسعد بسنده عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: جعل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردة سوداء من صوف فلبسها، فذكرت بياض النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وسوادها، فلما عرق فيها وجد منها ريح الصوف، تعنى قذفها، وكان تعجبه الريح الطيبة. (طبقات ابن سعد) : 1/ 453، ورواه الحاكم بلفظ: «جبة» وقال: صحيح على شرط الشيخين، (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 253، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة. [ (2) ] ما بين الحاصرتين في (خ) فقط، وليست في (المسند) . [ (3) ] الصحيح كما في (المسند) : «جابر بن سليم الهجيمي» . [ (4) ] في (خ) : «محتبى» . [ (5) ] فقال: فقلت: يا رسول اللَّه أجفو عن أشياء فعلمني: قال: «اتّق اللَّه عزّ وجل ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقى، وإيّاك والمخيلة فإن اللَّه تبارك وتعالى لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيرك بأمر يعلمه فيك فلا تعيره بأمر تعلمه فيه، فيكون لك أجره وعليه إثمه، ولا تشتمن أحدا» . (مسند أحمد) : 6/ 55- 56، حديث رقم (2009) . [ (6) ] زيادة للسياق من (عون المعبود) . [ (7) ] في (خ) : «على بغلته» : وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (8) ] (عيون المعبود) : 11/ 84، كتاب اللباس، حديث رقم (4067) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 وله من حديث إياد عن أبى رمثة قال: انطلقت مع أبى نحو النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فرأيت عليه بردان أخضران [ (1) ] . وخرّجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. وخرجه النسائي [ (2) ] .   [ (1) ] (عيون المعبود) : 11/ 78، كتاب اللباس، حديث رقم (4059) ، وفي (خ) : «بردين أخضرين» وما أثبتناه من (جامع الأصول) : 10/ 675- 676، حديث رقم (8323) ، وقال في رواية أبى داود والترمذي: «وعليه ثوبان أخضران» ، وفي رواية النسائي: «وعليه بردان أخضران» . [ (2) ] قال في جامع الأصول: رواه أبو داود برقم (4065) في اللباس، باب في الخضرة، والترمذي رقم (2813) ، في الأدب، باب ما جاء في الثوب الأخضر، والنسائي 8/ 204، في الزينة، باب لبس الخضر من الثياب، وفي العيدين، باب الزينة للخطبة وللعيدين، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال. (جامع الأصول) : 10/ 676 «هامش» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 وأما الجبّة فخرج مسلم من حديث عامر الشعبي، عن عروة بن المغيرة عن أبيه قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة في مسير، فقال لي: أمعك ماء؟ قلت نعم، فنزل عن راحلته فمشى [ (1) ] حتى توارى في سواد الليل ثم جاء [ (2) ] فأفرغت عليه من الإداوة، فغسل وجهه، وعليه جبة من صوف فلم يستطع [ (3) ] أن يخرج ذراعيه منها، حتى أخرجهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه، ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما، فإنّي أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما [ (4) ] . وخرّجه البخاري وقال: ذات ليلة في سفر. وقال: حتى توارى عنى. ذكره في كتاب اللباس، وترجم عليه باب: جبة الصوف في الغزو [ (5) ] ، وذكره أيضا في كتاب الطهارة مختصرا، وترجم عليه باب: إذا أدخل   [ (1) ] في (خ) : «ومشى» . [ (2) ] في (خ) : «وجاء» . [ (3) ] في (خ) : «لا يستطيع» . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 173، كتاب الطهارة، باب (22) المسح على الخفين، حديث رقم (79) ، قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: (فإنّي أدخلتهما طاهرتين) : فيه دليل على أن المسح على الخفين لا يجوز إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة، بأن يفرغ من الوضوء بكماله ثم يلبسهما، لأن حقيقة إدخالهما طاهرتين أن تكون كل واحدة منهما أدخلت وهي طاهرة، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة [وبسط القول في ذلك محله كتب الفقه] . [ (5) ] (فتح الباري) : 10/ 330، كتاب اللباس، باب (11) ، لبس جبّة الصوف في الغزو، حديث رقم (5799) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 رجليه وهما طاهرتان [ (1) ] . وذكره في غزو تبوك [ (2) ] . ولمسلم من طريق الأعمش، عن مسلم عن مسروق، عن المغيرة بن شعبة قال: [كنت] [ (3) ] مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر فقال: يا مغيرة، خذ الإداوة فأخذتها، ثم خرجت معه، فانطلق [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ] حتى توارى عنى، فقضى حاجته، ثم جاء وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فذهب يخرج يده من كمها فضاقت [عليه] [ (3) ] ، فأخرج يده من أسفلها، فصببت عليه، فتوضأ وضوءه للصلاة، ثم مسح على خفيه، [ثم] [ (3) ] صلّى [ (4) ] . وذكره البخاري في أول كتاب الصلاة، وترجم عليه: باب الصلاة في الجبة الشامية [ (5) ] . وذكره في كتاب الجهاد في باب الجبة في السفر والحرب [ (6) ] . وذكره في كتاب اللباس، في باب من لبس جبة ضيقة الكمين [في السفر] [ (7) ] ، ولفظه: انطلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لحاجته، ثم أقبل فتلقيته بماء، فتوضأ وعليه جبة شامية، فمضمض واستنشق وغسل وجهه، فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضسقين، فأخرج يديه من تحت يديه فغسلهما ومسح   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 409، كتاب الوضوء، باب (49) ، حديث رقم (206) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 158، كتاب المغازي، باب (83) ، بدون ترجمة، حديث رقم (4421) . [ (3) ] زيادات للسياق من (صحيح مسلم) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 172، كتاب الطهارة، باب (22) ، المسح على الخفين، حديث رقم (77) . [ (5) ] (فتح الباري) : 14/ 624، كتاب الصلاة، باب (7) الصلاة في الجبة الشامية، حديث رقم (363) . [ (6) ] (فتح الباري) : 6/ 124- 125، كتاب الجهاد، باب (90) الجبة في السفر والحرب، حديث رقم (2918) . [ (7) ] زيادة للسياق من (صحيح البخاري) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 برأسه وعلى خفّيه [ (1) ] . لم يذكر في الجهاد قوله: يديه، إنما قال: من تحت. ولفظ مسلم: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليقضى حاجته، فلما رجع تلقيته بالإداوة، فصببت عليه، فغسل يديه ثم غسل وجهه، ثم ذهب ليغسل ذراعيه، فضاقت الجبة، فأخرجهما من تحت الجبة، فغسلهما، ومسح رأسه ومسح على خفيه، ثم صلّى بنا [ (2) ] . وخرّجاه من طرق ليس فيها ذكر الجبة، وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث، عن عبيد اللَّه بن إياد بن لقيط، عن أبيه، عن قبيصة، عن المغيرة ابن شعبة قال: خرجت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بعض ما كان يسافر، فسرنا حتى إذا كان في وجه الصبح، انطلق حتى توارى عنا ضرب الخلاء، ثم جاء، فدعى بطهور، وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فأدخل يده من تحت الجبة، ثم غسل وجهه ويديه، ومسح على الخفين [ (3) ] . ولابن حبان من حديث جابر الجعفي، عن عامر عن دحية الكلبي، أنه أهدى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جبة من الشام وخفين، فلبسهما حتى تخرّقا. وقال وكيع: حدثنا أبو حباب الكلبي عن جامع بن شداد الهلالي عن طارق بن عبد اللَّه المحاربي قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسوق ذي المجاز عليه جبّة حمراء [ (4) ] . ويروى أنه عليه السّلام ترك جبة يمنية. وخرّج الحاكم أبو عبد اللَّه، من حديث همّام عن قتادة، عن مطرف عن   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 329، كتاب اللباس، باب (10) ، من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر، حديث رقم (5798) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 172- 173، كتاب الطهارة، باب (22) ، المسح على الخفين، حديث رقم (78) . [ (3) ] (اللؤلؤ والمرجان) : 1/ 62- 63، حديث رقم (158) ، (159) لكن بلفظ آخر. [ (4) ] (مجمع الزوائد) : 6/ 21. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 عائشة رضى اللَّه عنها، أنها صنعت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جبة من صوف سوداء، فلبسها، فلما عرق وجد ريح الصوف، فخلعها، وكان يعجبه الريح الطيب [ (1) ] . قال هذا حديث صحيح [على شرط الشيخين ولم يخرجاه] [ (2) ] ، وقد تقدم لكن فيه: أنها عملت بردة. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخرجت إلينا أسماء جبّة مزرّرة بالديباج فقالت: في هذه كان يلقى رسول اللَّه العدو [ (3) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 209، كتاب اللباس، حديث رقم (7393) ، وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 478، حديث رقم (26404) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 وأما الحلّة الحلة: إزار ورداء بردا أو غيره، ولا يقال لها: حلة حتى تكون من ثوبين، والجمع حلل وحلال [ (1) ] . خرّج البخاري من حديث شعبة، عن أبى إسحاق سمع البراء بن عازب يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مربوعا، وقد رأيته في حلة حمراء، ما رأيت شيئا أحسن منه. وفي لفظ له: ما رأيت أحدا أحسن في حلة حمراء من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. ذكره في كتاب اللباس [ (2) ] ، وفي كتاب المناقب [ (3) ] . وخرجه مسلم ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مربوعا بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء، ما رأيت شيئا قط أحسن منه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] . وفي لفظ له: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رجلا مربوعا، بعيد ما بين المنكبين، عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه، عليه حلة حمراء، ما رأيت شيئا قط أحسن منه [ (4) ] .   [ (1) ] (لسان العرب) : 11/ 172- 173. [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 375، كتاب اللباس، باب (35) ، الثوب الأحمر حديث رقم (5848) . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 700، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي، حديث رقم (3551) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 97، كتاب الفضائل، باب (25) ، في صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأنه كان أحسن الناس وجها، حديث رقم (2237) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 وفي لفظ لمسلم والترمذي: عن البراء، ما رأيت [من ذي] [ (1) ] لمة، أحسن في حلة حمراء، من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، شعره يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين، ليس بالطويل ولا بالقصير [ (2) ] . وقال الترمذي [ (3) ] : هذا حديث حسن صحيح، وله عدة طرق، ألفاظها متقاربة. وقال حجاج عن أبى جعفر محمد بن على عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كان يلبس برده الأحمر في الجمعة والعيدين [ (4) ] . وخرّجه ابن حبّان ولفظه: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردا أحمر يلبسه في العيدين [ (5) ] . وقال زمعة بن صالح، عن أبى حازم عن سهل بن سهل رضى اللَّه عنه قال: حيك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حلة أنمار من صوف أسود، وجعل حاشيتها بيضاء، فخرج فيها إلى أصحابه، فضرب على فخذه فقال: ألا ترون هذه ما أحسنها، فقال أعرابى: بأبي أنت وأمى يا رسول اللَّه، فهبها لي، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يسأل شيئا قط فيقول: لا، فقال [صلّى اللَّه عليه وسلم] : نعم، فدعا   [ (1) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) ، وفي (خ) : «ذا» . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 97، كتاب الفضائل، باب (25) في صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأنه كان أحسن الناس وجها، حديث رقم (92) . [ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 30- 31، باب (1) ، جاء في خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (4) ، وأخرجه الترمذي في (الجامع الصحيح) في كتاب اللباس، باب ما جاء في الرخصة في الثوب الأحمر، حديث رقم (1724) ، وقال: حسن صحيح، وفي كتاب المناقب، باب ما جاء في صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3635) ، والنسائي في (السنن) ، كتاب الزينة، باب اتخاذ الجمة من طريق عن وكيع، عن سفيان بن سعيد الثوري، عن أبى إسحاق السبيعي به. [ (4) ] (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 256، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة، (السنن الكبرى للبيهقي) : 3/ 247، كتاب الجمعة، باب ما يستحب من الارتداء ببرد، (كنز العمال) : 7/ 121، حديث رقم (18281) ، (المطالب العالية) : 1/ 171، باب الأمر بالتجمل للجمعة. [ (5) ] (أخلاق النبي) : 114. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 بمعوذين فلبسهما، وكسى الأعرابي الحلة، ثم أمر بمثلهما تحاكان له، فمات صلّى اللَّه عليه وسلم وهما في الحياكة [ (1) ] . وخرّجه ابن حبان ولفظه: قال خيطت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جبة من صوف أنمار فلبسها، فما أعجب بثوب ما أعجب به، فجعل يمسه بيده ويقول: انظروا! ما أحسنها، وفي القوم أعرابى فقال: يا رسول اللَّه، هبها لي، فخلعها [صلّى اللَّه عليه وسلم] فدفعها في يديه. وذكر الزبير بن بكار، عن محمد بن سلام، عن يزيد بن عياض قال: أهدى حكيم بن حزام للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم في الهدنة التي كانت بين النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وبين قريش حلة ابن ذي يزن، اشتراها بثلاثمائة دينار، فردّها عليه وقال: لا أقبل هدية مشرك، فباعها حكيم، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من اشتراها له، فلبسها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما رآه حكيم قال له: ما ينظر الحكام بالفضل بعد ما ... بدا سابق، ذو غرّة وحجول فكساها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة، فرآها عليه حكيم فقال: بخ بخ [ (2) ] يا أسامة، عليك حلة ابن ذي يزين! فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قل له: وما يمنعني؟ وأنا خير منه وأبى خير من أبيه [ (3) ] . وذكر محمد بن عمر الواقدي عن الضحاك بن عثمان، عن أهله قال: قال حكيم بن حزام: كنت أعالج البزّ في الجاهلية، فكنت رجلا تاجرا أخرج إلى اليمن وإلى الشام في الرحلتين [ (4) ] ، فكنت أربح أرباحا كثيرة، فأعود على فقراء قومي، ونحن لا نعبد شيئا، نريد ثراء الأموال والمحبة في العشيرة، وكنت أحضر الأسواق، وكانت لنا ثلاثة أسواق: سوق لعكاظ، تقوم صبح هلال ذي القعدة، فتقوم عشرين يوما وتحضرها العرب، وبه ابتعت زيد بن حارثة لعمتي خديجة بنت خويلد- وهو يومئذ غلام-   [ (1) ] (مجمع الزوائد) : 5/ 130. [ (2) ] اسم فعل يفيد الاستحسان. [ (3) ] (سير أعلام النبلاء) : 3/ 46- 47. [ (4) ] رحلة الشتاء والصيف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 فأخذته بستمائة درهم، فلما تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة، سألها زيدا فوهبته له فأعتقه. وبه ابتعت حلة ابن ذي يزن، فكسوتها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فما رأيت أحدا قط أجمل ولا أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في تلك الحلة [ (1) ] . وخرجه الإمام أحمد من حديث عبد اللَّه بن المبارك، أخبرنا الليث بن سعد قال: حدثني عبيد اللَّه بن المغيرة عن عراك بن مالك، أن حكيم بن حزام قال: كان محد أحبّ رجل في الناس إليّ في الجاهلية، فلما تنبّأ وخرج إلى المدينة، شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر، فوجد حلّة لذي [ (2) ] يزن تباع، فاشتراها بخمسين دينارا ليهديها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقدم بها عليه المدينة، فأراد عليّ قبضها هدية فأبى، قال عبيد اللَّه: حسبته قال [ (3) ] : إنا لا نقبل شيئا من المشركين، ولكن إن شئت أخذناها بالثمن، فأعطيته حين أبى عليّ الهدية [ (4) ] ، وقد خرّجه الحاكم [ (5) ] من حديث أبى صالح عن الليث، ثم قال: صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (6) ] . تم بحمد اللَّه تعالى الجزء السادس ويليه الجزء السابع وأوله: «وأما الخرقة التي كان يتنشف بها»   [ (1) ] (سير أعلام النبلاء) : 3/ 47، مختصرا، (جمهرة نسب قريش) : 367- 369، مطولا. [ (2) ] في (خ) : «لابن ذي يزن» ، وما أثبتناه من (المسند) . [ (3) ] في (المسند) : «حسبت أنه قال» . [ (4) ] (مسند أحمد) : 4/ 404- 405، حدث رقم (14899) . [ (5) ] (المستدرك) : 3/ 551- 552، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6050) ، وقال في آخره: قال حكيم: «فانطلقت إلى مكة أعجبهم بقول أسامة» وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (6) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 [ المجلد السابع ] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم [تتمة فصل في ذكر لباس رسول اللَّه] وأما الخرقة التي كان يتنشف بها فخرج ابن مندة من حديث أبى معاذ عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كانت له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء [ (1) ] . وخرجه الدار قطنى في كتاب (السنن) ، من طريق ابن وهب عبد اللَّه قال: حدثني زيد بن الحباب، عن أبى معاذ، عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة، قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرقة يتنشف بها بعد وضوئه. قال الدار قطنى: أبو معاذ هو سليمان بن أرقم، وهو متروك [ (2) ] . قال مؤلفه [رحمه اللَّه تعالى] : هو أبو معاذ، سليمان بن أرقم البصري، يروى عن الحسن وابن سيرين، وعطاء بن أبى رباح، وعمر بن عبد العزيز، وابن شهاب، ويحيى بن أبى كثير. ويروى عنه الزهري شيخه، والثوري، ويحيى بن حمزة، وزيد بن الحباب، وخلق [كثير] . قال أحمد: ليس بشيء، قال ابن معين: ليس بسوى، قلنا: وقال البخاري: اتركوه، وقال ابن عدىّ: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وقال الترمذي وجماعة: متروك. خرّج عنه أبو داود، والترمذي، والنّسائى، وله عندهم حديث: لا نذر   [ (1) ] ، (2) قال العلامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي: والحديث أخرجه الترمذي، وفيه أبو معاذ وهو ضعيف، وقال الترمذي بعد أن روى الحديث: ليس بالقائم، ولا يصح فيه شيء، وأخرجه الحاكم، وأخرج الترمذي من حديث معاذ: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه، قال الحافظ: وإسناده ضعيف، وفي الباب عن سليمان أخرجه ابن ماجة، قال ابن أبى حاتم: وروى عن أنس ولا يحتمل أن يكون مسندا. (التعليق المغنى على الدار قطنى) : 1/ 110- 111. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 في معصية، وحديث: الصدقات، وحديث: كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خرقة يتنشف بها. وليس له عندهم غير ذلك. وذكره ابن بطّال في شرح البخاري، من حديث زيد بن الحباب عن ابن شهاب، ثم قال: وبه قال عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، وابن عمر، وأنس بن مالك، وابن مسعود، والحسن، والشعبي، وابن سيرين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، وهو قول مالك، والثوري وأبى حنيفة، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق. وكره ذلك: جابر بن عبد اللَّه، وعطاء، وابن أبى ليلى، وابن المسيّب، والنخعي، وأبو العالية، وهو قول الحسن بن حيي. وذكره محمد بن سعد من حديث أبى عمرو بن العلاء، عن إياس بن جعفر الحنفي، قال: أخبرت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت له خرقة يتنشّف بها عند الوضوء [ (1) ] . ويقال: إن حكيم بن حزام قدم بتلك الحلّة في هدنة الحديبيّة وهو يريد الشام في عير، فأرسل الحلة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأبى أن يقبلها وقال: لا أقبل هدية مشرك، قال حكيم: فجزعت من ذلك جزعا شديدا حيث ردّ هديتي، فبعتها بسوق النبط من سائم سامني، ودسّ إليها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة فاشتراها، فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبسها بعد، وذكر بقية الخبر.   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 386، لكن قال ابن القيم: ولم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعتاد تنشيف أعضائه بعد الوضوء، ولا يصح عنه في ذلك حديث البتة، بل الّذي صح عنه خلافه. وأما حديث عائشة: «كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء» ، وحديث معاذ بن جبل: «رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا توضأ مسح على وجهه بطرف ثوبه» [أخرجه الترمذي: (53) ، (54) ] فضعيفان، لا يحتج بمثلهما، في الأول سليمان بن أرقم متروك، وفي الثاني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، ضعيف، قال الترمذي: ولا يصح عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في هذا الباب شيء. (زاد المعاد) : 1/ 197. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 وخرّج أبو داود [ (1) ] والحاكم [ (2) ] ، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] : لقد رأيت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل. وفيه قصة [ (3) ] . وخرّج من حديث يونس بن يزيد عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، أنه كان يشترى [ (4) ] لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولأصحابه الحلة بألف درهم، وبألف ومائتي درهم [ (5) ] . قال هذا حديث صحيح [على شرط الشيخين ولم يخرجاه] [ (6) ] . وعن عمارة بن زاذان، عن ثابت عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أن ملك ذي يزن أهدى للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم حلّة اشتريت بثلاثة وثلاثين بعيرا وناقة، فلبسها النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرة. قال هذا حديث صحيح الإسناد [ (7) ] [ولم يخرجاه] [ (8) ] . ولابن حيّان [ (9) ] من حديث قتادة، عن على بن زيد، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن الحارث، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشترى حلة بسبع وعشرين ناقة ولبسها.   [ (1) ] (عون المعبود) : 11/ 84، كتاب اللباس، باب (20) في الرخصة في ذلك [أي في الحمرة] ، حديث رقم (4066) ولفظه: « ... ورأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه» صلى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 164، حديث رقم (2656) ، وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. [ (3) ] ذكرها أبو أحمد الحاكم في (المرجع السابق) : 2/ 164- 165، قال محققه: وهي قصة طويلة أمسكنا عن ذكرها لطولها. [ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (المستدرك) : «يستحيك» . [ (5) ] (المستدرك) : 4/ 207، حديث رقم (7385) ، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (6) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (7) ] (المستدرك) : 4/ 2208 حديث رقم (7386) ، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (8) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (9) ] هو أبو محمد، عبد اللَّه بن جعفر بن حيّان، المعروف بأبي الشيخ، توفى في المحرم سنة (369 هـ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 وأما الحبرة [فخرج] البخاري من حديث همام عن قتادة عن أنس، وخرّج مسلم عن هشام، أخبرنا قتادة قال: قلنا لأنس بن مالك: أي اللباس كان أحبّ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أو أعجب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: الحبرة [ (1) ] . ولفظ البخاري: قال: قلت له: أي الثياب كان أحب إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يلبسها؟ قال: الحبرة [ (2) ] . وخرّجاه عن هشام عن قتادة عن أنس قال: كان أحب الثياب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يلبسها الحبرة. لم يقل مسلم: أن يلبسها. وللبخاريّ من حديث الزهري، أخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أن عائشة رضى اللَّه عنها أخبرته أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين توفّي سجّى ببرد حبرة. وذكره في كتاب اللباس [ (3) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 300، كتاب اللباس، باب (5) ، فضل ثياب الحبرة، حديث رقم (32) ، (33) من أحاديث الباب. والحبرة: بكسر الحاء وفتح الباء، وهي ثياب من كتان أو قطن محبرة أي مزينة، والتحبير: التزيين والتحسين، يقال: ثوب حبرة على الوصف، وثوب حبرة على الإضافة، وهو أكثر استعمالا، والحبرة مفرد، والجمع حبر وحبرات، كعنبة وعنبات، ويقال: ثوب حبير على الوصف، فيه دليل لاستحباب لباس الحبرة، وجواز لباس المخطط وهو مجمع عليه، واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) . [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 339، كتاب اللباس، باب (18) ، البرود والحبر والشملة، حديث رقم (5812) ، (5813) . [ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 339، كتاب اللباس، باب (18) ، البرود والحبر والشملة، حديث رقم (5814) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 وخرجه مسلم ولفظه: سجى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين مات بثوب حبرة [ (1) ] . وخرّجه النسائي أيضا [ (2) ] . وروى سعيد بن السكن، حدثنا ابن أبى داود، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم النهشلي، أخبرنا سعيد بن الصّلت، أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده على بن الحسين، عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس في العيدين بردي حبرة [ (3) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 13، كتاب الجنائز، باب (14) ، في تسجية الميت، حديث رقم (942) . [ (2) ] وخرجه أيضا أبو داود في (السنن) ، 3/ 489، كتاب الجنائز، باب (23) ، في الميت يسجى، حديث رقم (3120) . [ (3) ] (الدر المنثور) : 3/ 79. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 وأما المرط المرط: كساء من خزّ أو صوف أو كتان، وقيل: هو الثوب الأخضر وجمعه مروط وأمراط، وقيل: هو كساء يؤتز ربه، وقيل: لا يكون المرط إلا ذراعا ولا يلبسه إلا النساء، ولا يكون إلا أخضر، والأول أصحّ، وهو بكسر الميم وإسكان الراء، وقيل: المرط: كساء صوف ومربع سداه شعر [ (1) ] . خرّج مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] ، من حديث مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود. لم يقل أبو داود: ذات غداة، ولم يقل الترمذي فيه: مرحّل، والمرحّل بالحاء المهملة المشدّدة المفتوحة: الموشى بمثل صور الرحال، والمرجّل بالجيم: الموشى بمثل صور الرجال، والمرويّ في هذا الحديث بالحاء المهملة [ (5) ] . ولأحمد من حديث سفيان عن طلحة بن يحيى، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى وعليه مرط وعليّ بعضه [ (6) ] .   [ (1) ] (لسان العرب) : 7/ 401. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 203- 204، كتاب فضائل الصحابة، باب (9) فضائل أهل بيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2424) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 315، كتاب اللباس، باب (6) في لبس الصوف والشعر، حديث رقم (4032) . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 5/ 110- 111، كتاب الأدب، باب (49) ما جاء في الثوب الأسود، حديث رقم (2813) ، وقال في آخره: هذا حديث حسن غريب صحيح. [ (5) ] الرحال: جمع رحل. [ (6) ] (مسند أحمد) : 7/ 233، حديث رقم (24767) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 وأما المصبوغ بالزعفران فخرج الحاكم وغيره من حديث مصعب بن عبد اللَّه الزبيري، حدثني أبى عبد اللَّه بن مصعب، عن إسماعيل بن عبد اللَّه بن جعفر، عن أبيه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران، رداء وعمامة [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح. وروى قاسم بن أصبغ من حديث القعنبي أخبرنا عبد اللَّه بن زيد أسلم عن أبيه أن ابن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران، فقيل له في ذلك فقال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ به، ورأيته أحبّ الطيب إليه [ (2) ] . وذكر ابن وهب عن عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة [ (3) ] . وذكر عن هشام بن سعد عن يحيى بن عبد اللَّه بن مالك الدار قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبعث بقميصه وردائه إلى بعض أزواجه، فيصبغ له بالزعفران. وقال الواقدي: عن عمر بن محمد عن أبى جعفر محمد بن على قال: ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشرة أثواب: ثوب حبرة، وإزارا عمانيا، وثوبين   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 210، كتاب اللباس، حديث رقم (7295) ، وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : ولا واحد منهما، يعنى ليس على شرط أي أحد منهما. [ (2) ] (سنن النسائي) : 8/ 517، كتاب الزينة، باب (17) ، الخضاب بالصفرة، حديث رقم (5100) . [ (3) ] (سنن النسائي) : 8/ 529، كتاب الزينة، باب (30) الزعفران، حديث (5130) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 صحاريين، وقميصا سحوليا، وجبّة يمنة، وملحفة مورّسة كان يلبسها في بيوت نسائه، وخميصة، وكساء أبيض، وقلانس صفار لاطية ثلاثة. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا عباد بن عباد، عن هشام بن حسان، عن بكر بن عبد اللَّه المزنيّ قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ملحفة مصبوغة بورس أو بزعفران، فإذا كان يوم إحداهن- يعنى نساءه- ذهب بها إليها، ورشّ عليها الماء لتوجد رائحتها [ (1) ] .   [ (1) ] أخرجه الخطيب البغدادي بسند آخر ولفظ آخر عن أنس رضى اللَّه عنه قال: «كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم ملحفة مصبوغة بالورس والزعفران، يدور بها على نسائه، فإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء، وإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء» (تاريخ بغداد) : 13/ 320، ترجمة نوح بن حبيب رقم (7290) ، (كنز العمال) : 7/ 20، حديث رقم (18725) ، وقال الزبيدي: سنده ضعيف. والورس: نبت أصفر يزرع باليمن يصبغ به، أو المراد صنف من الكركم أو يشبهه، وفيه حل لبس المزعفر، والمورس، وفيه اختلاف عند العلماء: (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 251- 252، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 وأما الإزار والكساء الإزار: ما يلتحف به، وهو يذكر ويؤنث، والجمع أزرة، وأزر، وهي الإزارة، وأنه يحسن الإزرة- بكسر الهمزة- وأنه يحسن الائتزار، وقد تأزرته وأزرته، والمئزر: الإزار [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث حميد بن هلال، عن أبى بردة قال: أخرجت إلينا عائشة رضى اللَّه عنها كساء وإزارا غليظا، فقالت: قبض روح النبي صلى اللَّه عليه وسلم في هذين [ (2) ] . وخرجه مسلم ولفظه: أخرجت إلينا عائشة إزارا وكساء ملبدا فقالت: في هذين قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] [قال ابن حاتم في حديثه: إزارا غليظا [ (4) ] . وفي لفظ البخاري [ (5) ] ومسلم [ (6) ] وأبى داود عن أبى بردة قال: دخلت   [ (1) ] (لسان العرب) : 4/ 17، وفيه: الإزار: العفاف، قال أبو عبيد: فلان خيف المئزر، وعفيف الإزار، إذا وصف بالعفة عما يحرم عليه من النساء، ويكنى بالإزار عن النفس وعن المرأة. [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 341، كتاب اللباس، باب (15) ، الأكسية والخمائص، حديث رقم (5818) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 300- 301، كتاب اللباس والزينة، باب (6) ، التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه ... حديث رقم (35) . [ (4) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (5) ] (فتح الباري) : 6/ 261، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، حديث رقم (3108) . [ (6) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 301، باب (6) ، التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه ... حديث رقم (34) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 على عائشة رضى اللَّه عنها، فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من التي يسمونها الملبدة، قال: فأقسمت باللَّه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبض في هذين الثوبين ذكره البخاري في كتاب الخمس، في باب ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه [ (1) ] [وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك، مما لم يذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته مما تبرك به أصحابه وغيرهم بعد وفاته] [ (2) ] . وله من حديث محمد بن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في خميصة له، لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما سلم [ (3) ] قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبى جهم، فإنّها ألهتنى آنفا عن صلاتي، وائتوني بانبجانية أبى جهم بن حذيفة بن غانم [من بنى عدي بن كعب] . ذكره البخاري في كتاب الصلاة، في باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها [ (4) ] ، وفي باب الالتفات في الصلاة [ (5) ] . وذكره في كتاب اللباس، في باب: الأكسية والخمائص [ (6) ] ،   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 261، كتاب فرض الخمس، باب (5) ، ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه ... حديث رقم (3108) . [ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح البخاري) . (3) في (خ) : «فلما سلم» ، وما أثبتناه من (صحيح البخاري) . [ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح البخاري) . [ (4) ] (فتح الباري) : 1/ 636، كتاب الصلاة، باب (14) ، إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها، حديث رقم (373) . [ (5) ] (فتح الباري) : 2/ 297، كتاب الأذان، باب (93) ، الالتفات في الصلاة، حديث رقم (752) ، ونبج موضع أعجمى تكلمت به العرب، ونسبوا إليه الثياب النبجانية أو الأنبجانية على خلاف في ذلك. [ (6) ] (فتح الباري) : 10/ 340، كتاب اللباس، باب (19) الأكسية والخمائص، حديث رقم (5817) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 وألفاظه متقاربة. وخرجه مسلم أيضا [ (1) ] . والخميصة: كساء أسود مربع له علمان، وقيل: الخمائص ثياب من خزّ تخان، سود وحمر، ولها أعلام تخان أيضا، والانبجانية. كساء من الصوف له خمل، وليس له علم، منسوب إلى نباج، وهما نباجان: نباج نبتل، ونباج ابن عامر. وللبخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن عون، عن محمد بن سيرين، عن أنس قال: لما ولدت أم سليم قالت لي: يا أنس، انظر هذا الغلام فلا يصيبن شيئا حتى تغدو به إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحنكه، فغدوت به، فإذا هو في حائط وعليه خميصة حريبية، وهو يسم الظهر الّذي قدم عليه في الفتح. ذكره البخاري في باب الخميصة السوداء، وخرّج أبو عبد اللَّه الحاكم من حديث سعيد بن إياس الجريريّ، عن أبى السليل، عن أبى تميمة الهجيمي، عن جابر بن سليم الهجيمي قال: لقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بعض طرق المدينة، وعليه إزار من قطن منتشر الحاشية، فقلت: عليك السلام يا محمد يا رسول اللَّه، فقال: عليك السلام تحية الميت، سلام عليكم، أي   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 300- 301، كتاب اللباس والزينة، باب (6) التواضع في اللباس والاقتصار على الغليظ منه. حديث رقم (34) ، (35) ، (سنن الترمذي) : 4/ 196، كتاب اللباس، باب (10) ، ما جاء في لبس الصوف، حديث رقم (1733) ، قال أبو عيسى: وفي الباب عن على وابن مسعود، وحديث عائشة حديث حسن صحيح، (سنن ابن ماجة) : 2/ 1176، كتاب اللباس، باب (1) لباس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3550) ، (3551) ، (مسند أحمد) : 7/ 50، حديث رقم (23517) . [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 743، كتاب اللباس، باب (22) ، الخميصة السوداء، حديث رقم (5824) والحريثية: نسبة إلى حريث: رجل من قضاعة. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 344، كتاب اللباس والزينة، باب (30) ، جواز وسم الحيوان غير الآدمي في غير الوجه، وندبه في نعم الزكاة والجزية، حديث رقم (2119) ، وقال: وعليه خميصة جونية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 هكذا فقل، فسألته عن الإزار، فأقنع ظهره، وأخذ بمعظم ساقه فقال: ها هنا، فإن أبيت فها هنا فوق الكعبين، فإن أبيت، فإن اللَّه لا يحب كل مختال فخور [ (1) ] . وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وللترمذي [ (3) ] من حديث الأشعث بن سليم قال: سمعت عمتي تحدث عن عمها قال: بينما أنا أمشى فإذا إنسان خلفي يقول: ارفع إزارك فإنه أتقى، وأبقى، وأنقى، فإذا هو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقلت: يا رسول اللَّه إنما هي بردة ملحاء، قال: أما لك فىّ أسوة؟ فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه وخرجه النسائي [ (4) ] [أيضا] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 207، كتاب اللباس، حديث رقم (7382) ، وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) ، (سنن الترمذي) : 4/ 217، كتاب اللباس، باب (41) في مبلغ الإزار، حديث رقم (1783) بسياقة أخرى، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، رواه الثوري وشعبة وأبى إسحاق. [ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 108- 109، حديث رقم (121) . [ (4) ] (السنن الكبرى) : كتاب الزينة، من طرق عن أشعث بن سليم به، ورجال إسناده ثقات، غير عمة الأشعث- وهي رهم بنت الأسود- فإنّها لا تعرف، وعمها هو عبيد اللَّه بن خالد المحاربي رضى اللَّه عنه. والحديث أخرجه أحمد في (المسند) ، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) ، كلهم من طريق الأشعث عن عمته عن عمها، وقال الإمام أحمد: بسنده أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم تبع رجلا من ثقيف حتى هرول في أثره حتى أخذ ثوبه فقال: ارفع إزارك، قال: فكشف الرجل عن ركبتيه فقال: يا رسول اللَّه، إني أحنف وتصطك ركبتاي، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كل خلق اللَّه عز وجل حسن، قال: ولم ير ذلك الرجل إلا وإزاره إلى أنصاف ساقيه حتى مات، (مسند أحمد) : 50/ 529، حديث رقم (18978) ، 6/ 501، حديث رقم (22576) ، (أخلاق النبي) : 108، (الإحسان) : 15/ 352، كتاب إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم، حديث رقم (6917) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 وأما السّراويل فخرج ابن حيّان من حديث الهيثم بن عدي، حدثنا دلهم بن صالح قال [حدثنا] عبد اللَّه بن يزيد عن أبيه قال: إن النجاشي كتب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: قد زوجتك امرأة [] ، وهي على دينك، أم حبيبة بنت أبى سفيان، وأهديت إليك هدية جامعة، قميصا وسراويل وعطافا وخفين ساذجين، فتوضأ النبي [ (1) ] صلى اللَّه عليه وسلم ومسح عليهما. قال الهيثم: العطاف: الطليسان. ومن حديث وكيع عن الثوري، عن سماك بن حارث، عن سويد عن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبديّ بزا من هجر إلى مكة، فأتانا رسول اللَّه   [ (1) ] (أخلاق النبي) : 133 من طريق آخر، (طبقات ابن سعد) : 1/ 482، (مسند أحمد) : 6/ 483- 484، حديث رقم (22472) ، (سنن أبى داود) : 1/ 108، كتاب الطهارة، باب (59) المسح على الخفين، حديث رقم (155) ، (سنن الترمذي) : 5/ 114- 115، كتاب الأدب، باب (55) ، ما جاء في الخف الأسود، حديث رقم (2820) ، (سنن ابن ماجة) : 1/ 82، كتاب الطهارة وسننها، باب (84) ما جاء في المسح على الخفين، حديث رقم (549) ، 2/ 1196، كتاب اللباس، باب (3) الخفاف السود، حديث رقم (3620) . وفيه من الفوائد: قبول هدية أهل الكتاب، وأن أصل الأشياء الطهارة، وجواز المسح على الخف. ودلهم بن صالح ضعيف، وحجير بن عبد اللَّه الكندي وثقه ابن حبان وجهله ابن عدي والذهبي، ولذا قال عنه الحافظ ابن حجر: مقبول، يعنى عند المتابعة، وإلا فلين الحديث، له ترجمة في: (الكامل في ضعفاء الرجال) : 3/ 108، ترجمة رقم (22/ 644) ، (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) : 2/ 28، ترجمة رقم (2680) ، (الضعفاء الكبير) : 2/ 44، ترجمة رقم (472) ، (المغنى في (الضعفاء) : 1/ 223، ترجمة رقم (2051) ، (الضعفاء والمتروكين) : 1/ 271، ترجمة رقم (1183) . وللحديث شاهد: عن ابن عباس، ذكره ابن عدي في (الكامل) وقال: لعل هذا الطرق خير من ذلك الطريق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 صلى اللَّه عليه وسلم فاشترى سراويل، وثمّ وزان يزن بالأجر، فقال: إذا وزنت فأرجح. وخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . وخرجه أبو داود من حديث عبيد اللَّه بن معاذ، أخبرنا أبى أخبرنا سفيان عن سماك بن حرب، حدثني سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة [ (2) ] العبديّ بزا من هجر، فأتينا به مكة، فجاءنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يمشى، فساومنا بسراويل فبعناه، وثم رجل يزن بالأجر، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: زن وأرجح [ (3) ] . ومن حديث شعبة عن سماك بن حرب عن أبى صفوان بن عميرة قال: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة قبل أن يهاجر. بهذا الحديث، ولم يذكر: «يزن بأجر» [ (4) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 35- 36، كتاب البيوع، حديث رقم (2230) ، (2231) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : تابعه شعبة عن سماك لكن قال: سمعت أبا صفيان يقول: بعت من النبي صلى اللَّه عليه وسلم سراويل فوزن لي فأرجح. أبو صفوان هو سويد. وهو على شرط مسلم قال في التقريب: إن ما جزم به من أن كنيته أبو صفوان فيه نظر، والّذي يكنى أبا صفوان اسمه مالك. [ (2) ] ويروى بالميم بدل الفاء، والأول أصح. [ (3) ] (سنن أبى داود) : 3/ 631، كتاب البيوع والإجارات، باب (7) في الرجحان في الوزن والوزن بالأجر، حديث رقم (3336) ، والبز: الثياب، هجر: اسم بلد معروف بالبحرين وهو مذكر مصروف، وأما هجر التي تنسب إليها القلال الهجرية، فهي قرية من قرى المدينة. وفي الحديث دليل على جواز هبة المشاع، وذلك أن مقدار الرجحان هبة منه للبائع، وهو غير متميز من جملة الثمن. وفيه دليل على جواز أخذ الأجرة على الوزن والكيل، وما في معناهما أجرة القسام والحاسب، وكان سعيد بن المسيب ينهى عن أجرة القسام، وكرهها أحمد بن حنبل. [ (4) ] (المرجع السابق) : 632، كتاب البيوع والإجارات، ذات الباب، حديث رقم (3337) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 قال أبو داود: رواه قيس كما قال سفيان، قال: والقول قول سفيان [ (1) ] ، وجاء في حديثه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشترى سراويل بأربعة دراهم، قال أبو هريرة: فأردت حملها فمنعني وقال: صاحب الشيء أحق بحمله، قلت يا رسول اللَّه! وإنك لتلبس السراويل؟ قال نعم بالليل والنهار.   [ (1) ] (المرجع السابق) وأخرجهما النسائي في البيوع، حديث رقم (4596) ، (4597) ، وابن ماجة في التجارات، حديث رقم (2220) ، (2221) كلاهما في باب الرجحان في الوزن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 وأما لبس الصوف ونحوه فخرج ابن حيّان من حديث بقية، حدثنا يوسف بن أبى كثير، عن نوح ابن ذكوان، عن الحسن، عن أنس قال: لبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم الصوف، واجتنى المخصوف، ولبس خشنا، وأكل بشعا- يعنى غليظ الشعير- ما كان يسعه إلا تجرعه [ (1) ] . ومن حديث يحى بن يعلى الأسلمي، عن مختار التميمي، عن كرز الحارثي، عن أبى أيوب قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس الصوف، ويخصف النعل، يرقع القميص، ويركب الحمار، ويقول: من رغب عن سنتي فليس منى [ (1) ] . وجاء عن محمد بن جعفر الوركانى، حدثنا سعيد بن ميسرة، عن أنس، لبس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جبة من صوف ثلاثة أيام، فلما عرق وجد منها ريحا كرهها، فرمى بها [ (2) ] . ولابن حيّان من حديث حماد بن زيد، حدثنا حلس بن أيوب قال: دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين، وعليه جبة صوف، وإزار   [ (1) ] (أخلاق النبي) : 122. [ (2) ] ونحوه باختلاف يسير في (سنن أبى داود) : 4/ 339، كتاب اللباس، باب (22) في السواد، حديث رقم (4074) ، وقال في آخره: وأحسبه قال: وكان تعجبه الريح الطيبة، (مسند أحمد) : 7/ 190، حديث رقم (24482) ، 208، حديث رقم (24593) ، 313، حديث رقم (25312) ، 355، حديث رقم (25586) ، من حديث قتادة عن مطرف، عن عائشة رضى اللَّه عنها وسنده صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 صوف، وعمامة صوف، فاشمأز منه محمد [بن سيرين] [ (1) ] وقال: أظن أن أقواما يلبسون الصوف فيقولون: قد لبسه عيسى ابن مريم عليه السلام، وقد حدثني من لا أتهم، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [قد] [ (2) ] لبس الكتان، والقطن، [ويمنة] [ (3) ] ، وسنة نبينا أحق أن تتبع [ (4) ] . وقال هشام بن الكلبي عن أبيه محمد بن السائب، عن أبى صالح عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أثواب صحارية، وسحولية، ويمنة. وكان عبد اللَّه بن أبى الأسود بصريّ، يروى عن أنس، يروى عنه عنبسة ابن عبد الرحمن [ (5) ] ، وروى هذا الحديث عن عنبسة محمد بن عبد اللَّه ابن عثمان الخزاعي أبو عبد اللَّه، قال فيه أبو حاتم: هو ثقة، وقد روى عنه أبو داود، ورواه عن محمد بن عبد اللَّه بن عبد القدوس، عن عبد الكبير البصري، إلا أن عنبسة قال فيه ابن معين: هو لا شيء. وقال   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] زيادة للسياق من (زاد المعاد) . [ (3) ] في (خ) فقط. [ (4) ] (زاد المعاد) : 1/ 143، ذكره الشيخ أبو إسحاق الأصبهاني بإسناد صحيح عن جابر بن أيوب. ثم قال: ومقصود ابن سيرين بهذا أن أقواما يرون أن لبس الصوف دائما أفضل من غيره، فيتحرونه ويمنعون أنفسهم من غيره، وكذلك يتحرون زيّا واحدا من الملابس، ويتحرون رسوما وأوضاعا وهيئات يرون الخروج عنها منكرا، وليس المنكر إلا التقيد بها، والمحافظة عليها، وترك الخروج عنها. والصواب أن أفضل الطرق طريق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي سنها، وأمر بها، ورغب فيها، ودوام عليها، وهي أن هديه في اللباس: أن يلبس ما تيسر من اللباس، من الصوف تارة، والقطن تارة، والكتان تارة (المرجع السابق) . [ (5) ] هو عنبسة بن عبد الرحمن بن عيينة بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، وقال بعضهم: عنبسة بن أبى عبد الرحمن الأمويّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 أبو حاتم: كان يضع الحديث [ (1) ] .   [ (1) ] وقال ابن أبى خيثمة عن ابن معين: لا شيء، وقال أبو زرعة: واهي الحديث منكر الحديث، وقال أبو حاتم: متروك الحديث كان يضع الحديث، وقال البخاري: تركوه، وقال أبو داود والنسائي والدار قطنى: ضعيف، وقال النسائي أيضا: متروك، وقال الترمذي: يضعف، وقال الأزدي: كذاب، وقال ابن حبان: هو صاحب أشياء موضوعة لا يحل الاحتجاج به. قال الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) : وقال ابن البرقي عن ابن معين: ضعّف، وقال عثمان بن سعيد عن ابن معين: لا أعرفه أيضا منكر الحديث، وكذا قال ابن عدي، وقال أبو حاتم: كان عند أحمد بن يونس عنه شيء، فلم يحدث عنه على عمد. (تهذيب التهذيب) : 8/ 143، ترجمة رقم (288) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 وأما وقت لبسه صلى اللَّه عليه وسلم وما يقوله عند اللّبس فخرج ابن حيّان من حديث عنبسة بن عبد الرحمن القرشي، حدثنا عبد اللَّه بن أبى الأسود قال: سمعت أنسا يقول: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا استجدّ ثوبا لبسه يوم الجمعة [ (1) ] . وخرج أبو عيسى الترمذي عن عبد اللَّه بن المبارك، عن سعيد الجريريّ، عن أبى بصرة، عن أبى سعيد قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا استجدّ ثوبا سمّاه باسمه، عمامة، أو قميصا، أو رداء، ثم يقول: اللَّهمّ لك الحمد كما كسوتنيه، أسألك خيره، وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شرّه، وشر ما صنع له [ (2) ] .   [ (1) ] (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 256، (كنز العمال) : 7/ 119، حديث رقم (18268) ، وعزاه إلى الخطيب البغدادي عن أنس رضى اللَّه عنه، (تاريخ بغداد) : 4/ 136- 137 في ترجمة أحمد بن الخطاب بن الهيثم رقم (1817) ، قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، وعنبسة مجروح، قال ابن حبان: والأنصاري يروى عن الثقات ما ليس من حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به. (العلل المتناهية) : 2/ 682، حديث رقم (1134) في لبس الثوب الجديد يوم الجمعة. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 210، كتاب اللباس، باب (29) ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا، حديث رقم (1767) ، ثم قال: وفي الباب عن عمر وابن عمر: حدثنا هشام بن يونس الكوفي، حدثنا القاسم بن مالك المزني عن الجريريّ نحوه، وهذا حديث حسن غريب صحيح، (الشمائل المحمدية) : 70- 73، حديث رقم (61) ، (62) ، (كنز العمال) : 7/ 118- 119، حديث رقم (18267) ، وعزاه إلى الإمام أحمد وأبى داود والحاكم، (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 256، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة، (مسند أحمد) : 3/ 448، حديث رقم (11077) من مسند أبى سعيد الخدريّ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 460، ذكر قناعته صلى اللَّه عليه وسلم بثوبه ولباسه القميص وما كان يقول إذا لبس ثوبا عليه، ثم قال بعد أن ذكر حديث الباب حديثا آخر: أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأسدي، أخبرنا سفيان عن ابن أبى ليلة، عن عيسى عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا لبس ثوبا، أو قال: إذا لبس أحدكم ثوبا فليقل: الحمد للَّه الّذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي، (سنن أبى داود) : 4/ 309، كتاب اللباس، باب (1) بدون ترجمة، حديث رقم (4020) ، ثم قال: قال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21   [ () ] أبو نضرة: فكان أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا قيل له: تبلى ويخلف اللَّه تعالى، (الإحسان) : 12/ 239، كتاب اللباس وآدابه، ذكر ما يقول المرء عند كسوته ثوبا استجده، حديث رقم (5420) ، (أخلاق النبي) : 102 من طريق حماد ابن أسامة، 103 من طريق عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، 104 من طريق عبد اللَّه بن المبارك، (الإحسان) : 12/ 240، كتاب اللباس وآدابه، ذكر ما يجب على المرء أن يبتدئ بحمد اللَّه جلّ وعلا عند سؤاله ربه جلّ وعلا ما ذكرناه، حديث رقم (5421) . وقد أعله أبو داود بقوله: «عبد الوهاب الثقفي لم يذكر فيه أبا سعيد، وحماد بن سلمة قال عن الجريريّ عن أبى العلاء عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وحماد بن سلمة والجريريّ سماعهما واحد، وقال الحافظ ابن حجر في (النكت الظراف) : والمقصد أن حماد بن سلمة وعبد الوهاب الثقفي سماعهما قديم قبل اختلاط الجريريّ، وقد أرسلا الحديث، أما باقي الرواة، فلم أر هذا الحديث موصولا من طريق القدماء عن الجريريّ، أمثال شعبة، والثوري، والحمادان، وابن عليه، ومعمر، وعبد الوارث، وعبد الوهاب الثقفي، وغيرهم، وكذلك كل من أدرك أيوب، فسماعه من الجريريّ جيد. وقال الحافظ ابن حجر في (نتائج الأفكار) : وكل من ذكرناه سوى حماد والثقفي سمعوا من الجريريّ بعد اختلاطه، فعجب من الشيخ (النووي) كيف جزم بأنه حديث صحيح، ويحتمل أن يكون صحيح المتن لمجيئه من طريق آخر حسن أيضا. وقد صحح بعضهم هذا الإسناد باعتبار أن خالد الواسطي روى له الشيخان في صحيحهما، لكن قال الحافظ ابن حجر في (هدى الساري مقدمة فتح الباري) عن رواية خالد الجريريّ: ولم يتحرر لي أمره إلى الآن، هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعده، لكن حديثه عنه بمتابعة بشر بن المفضل كلاهما عنه. ثم ذكر في (نتائج الأفكار) ضمن الرواة في الحديث المذكور، ثم قال: «وكل من ذكرناه سوى حماد والثقفي سمعوا من الجريريّ بعد اختلاطه» ، ثم جزم الحافظ ابن حجر بأنه سمع من الجريريّ بعد الاختلاط، فقال في (الفتح) : عن سعيد الجريريّ: «واتفقوا على أن سماع المتأخرين منه كان بعد اختلاطه، وخالد منهم» . وأخرجه ابن أبى شيبة في (الكتاب المصنف) : 5/ 198- 199 باب (54) ، ما يقول الرجل إذا لبس الثوب الجديد، بسياقات وروايات مختلفة، حديث رقم (25079) ، (25080) ، (25081) ، (25082) ، (25083) ، (25084) ، (25085) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 213، كتاب اللباس، حديث رقم (7408) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم، حديث رقم (7409) بسياقة أخرى وسند آخر، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : أبو مرحوم ضعيف، وهو عبد الرحيم بن ميمون. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 وخرّج الحاكم من حديث إسحاق بن سعيد، حدثنا أبى، حدثتني أم خالد بنت خالد قالت: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بثياب فيها خميصه سوداء صغيرة، فقال: من ترون أكسو هذه، فسكت القوم، فقال: ائتوني بأم خالد، قالت: فأتى بى، فألبسنيها بيده وقال: أبلي وأخلقي- يقولها مرتين- وجعل ينظر إلى علم في الخميصة أصفر وأحمر ويقول: يا أم خالد، هذا سنا، والسنا بلسان الحبشة: الحسن [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] [ (2) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 209، كتاب اللباس، حديث رقم (7392) ، مختصرا عن (خ) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . وأخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب (32) ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا، حديث رقم (5845) ، وقال في آخره: قال إسحاق: حدثتني امرأة من أهلي أنها رأته على أم خالد. قوله: «أبلى وأخلقي» ، «أبلى» بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر اللام، أمر بالإبلاء، وكذا قوله: «أخلقي» بالمعجمة والقاف أمر بالإخلاق، والعرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك، أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق. قال الخليل: أبل وأخلق معناه: عش وخرق ثيابك وارقعها، وأخلقت الثوب أخرجت باليه ولفقته. ووقع في رواية أبى زيد المروزي عن الفريرى: «وأخلفى» بالفاء، وهي أوجه من التي بالقاف، لأن الأولى تستلزم التأكيد، إذا الإبلاء والإخلاق بمعنى، لكن جاز العطف لتغاير اللفظين، والثانية تفيد معنى زائدا، وهو أنها إذا أبلته أخلفت غيره، وعلى ما قال الخليل لا تكون التي بالقاف للتأكيد، لكن التي بالفاء أيضا أولى. ويؤيدها ما أخرجه أبو داود [في السنن) : 4/ 311، كتاب اللباس، باب (2) فيما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا، حديث رقم (4024) ] بسند صحيح عن أبى نضرة قال: «كان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا قيل له: تبلى ويخلف اللَّه» ووقع في رواية أبى الوليد «أبلى وأخلقي» مرتين. والسنا بلسان الحبشية: الحسن، وفي رواية خالد بن سعيد: سنه سنه، وهي بالحبشية: حسن. وذكره البخاري أيضا في باب (32) ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا من كتاب اللباس، حديث رقم (5845) ، وفي كتاب الأدب، باب (17) من ترك صبية غيره حتى تلعب به أو قبلها أو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 وخرّج الخطيب أبو بكر من حديث داود بن بكر، أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأنصاري، أخبرنا عنبسة عن عبد اللَّه بن أبى الأسود، عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا استجد ثوبا لبسه يوم الجمعة [ (1) ] .   [ () ] مازحها، حديث رقم (5993) ، وفي كتاب الجهاد، باب (188) من تكلم بالفارسية والرطانة، حديث رقم (3071) ، وفي كتاب مناقب الأنصار، باب (37) هجرة الحبشة، حديث رقم (3874) . [ (1) ] (تاريخ بغداد) : 4/ 136- 137، في ترجمة أحمد بن الخطاب بن الهيثم، رقم (1817) ، وقد سبق تخريجه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 وأمّا الخفّ فقد خرّج الترمذي في كتاب (الشمائل) ، من حديث وكيع عن دلهم بن صالح، عن حجين بن عبد اللَّه، عن أبى بريدة عن أبيه، أن النّجاشى، أهدى للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما [ (1) ] [وصلى] . وقد ثبت في (صحيح البخاري ومسلم) ، و (سنن أبى داود) ، (والترمذي) ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسح على الخفين [ (2) ] . فرواه عبد اللَّه بن عمر عن سعد أبى وقاص، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه مسح على الخفين، ورواه جعفر بن عمرو بن أمية الضّمرى، أن أباه أخبره أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلم يمسح على الخفين [ (2) ] . ورواه أبو وائل عن حذيفة بن اليمان قال: كنت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فبال على سباطة قوم- يعنى كناسة- ثم تنحى فأتيته بماء فتوضأ، ومسح على خفيه [ (2) ] . ورواه إبراهيم عن همّام بن الحارث قال: رأيت جريرا بال ثم توضأ، ومسح على خفيه، ثم قام فصلى، فسئل فقال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم صنع مثل هذا. ورواه المغيرة بن شعبة كما تقدم، وبذلك يثبت أنه كان يلبس الخفين، صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .   [ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 80 باب (10) ما جاء في خف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (74) ، وما بين الحاصرتين زيادة من (خ) ، وهو حديث حسن، سبق تخرجه في (إمتاع الأسماع) : 6/ 391- 393. [ (2) ] راجع الجزء السادس من (إمتاع الأسماع) باب الجبة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 وعن الشعبي قال المغيرة بن شعبة: أهدى [دحية] [ (1) ] للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خفين فلبسهما، [وقال إسرائيل عن جابر: وجبّة فلبّسهما حتى تخرقا لا يدرى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أذكى هما أم [ (2) ] لا] . ذكره أبو عيسى في الشمائل [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (الشمائل) . [ (2) ] في (خ) : «أذكاهما» وما أثبتناه من (الشمائل) . [ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 81، حديث رقم (75) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال أبو عيسى: وأبو إسحاق هذا هو أبو إسحاق الشيباني واسمه سليمان. وأخرجه الترمذي أيضا في (السنن) ، كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الجبة والخفين، حديث رقم (1769) وقال: حسن غريب عن قتيبة بهذا الإسناد سواء. ورجال الإسناد الأول ثقات، غير الحسن بن عياش، وثقه غير واحد، وقال عنه عثمان بن سعيد الدارميّ: هو من أهل الصدق والأمانة، والشيباني هو سليمان بن أبى سليمان، فالحديث صحيح، لكن الجزء الآخر منه ضعيف، فإنه من طريق جابر بن يزيد الجعفي وهو ضعيف. وأخرج الشطر الأول منه أبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 133، من حديث الحسن بن عياش، عن الشيباني عن عامر به، ثم أخرجه بطوله ص 150، من طريق زهير بن معاوية عن جابر الجعفي، عن عامر، عن دحية الكلبي به. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 وأمّا النّعل فقد ثبت في (صحيح البخاري) و (سنن أبى داود) ، من حديث هشام عن قتادة عن أنس، أن نعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان له قبالان [ (1) ] . وفي رواية للبخاريّ من حديث عيسى بن طهمان، قال: أخرج إلينا أنس بن مالك رضى اللَّه عنه نعلين لهما قابلان، فقال ثابت [البناني] : [ (2) ] [هذه] [ (2) ] نعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] . وقال في كتاب [فرض] الخمس من حديث ابن طهمان، أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان، فحدثني ثابت البناني يعدّ أنهما نعلا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] . القبال: زمام النّعل.   [ (1) ] (فتح) الباري) : 10/ 383، كتاب اللباس، باب (41) ، قبالان في نعل، ومن رأى قبالا واحدا واسعا، حديث رقم (5857) . [ (2) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5858) . القبال بكسر القاف وتخفيف الموحدة وآخره لام، هو الزمام وهو السير الّذي يعقد فيه الشّسع الّذي يكون بين إصبعي الرجل. [ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 260- 261، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته ومن شعره ونعله وآنيته مما تبرك من أصحابه وغيرهم بعد وفاته، حديث رقم (3107) . وأخرجه أبو داود في (السنن) ، كتاب اللباس، باب في الانتعال، حديث رقم (4134) ، والترمذي في (السنن) ، كتاب اللباس، باب ما جاء في نعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (1772) ، (1773) ، وقال: حسن صحيح، وأخرجه أيضا في (الشمائل) ، 82، باب (11) ما جاء في نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (76) ، وأخرجه النسائي في (السنن) ، كتاب الزينة باب صفة نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (5367) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) ، كتاب اللباس، باب صفة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 وللإمام أحمد من حديث مطرف بين الشخير، قال: أخبرنى أعرابى لنا قال: رأيت نعل نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم مخصوفة [ (1) ] . ولابن حيّان من حديث ميمون بن بهزان، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نعلان لهما زمامان. ومن حديث مالك عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، أنه قال لعبد اللَّه بن عمر: رأيتك تلبس النّعال السبتية، قال: إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس النعال السبتية التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها. قلت: هكذا خرّج ابن حيان هذا الحديث مختصرا. وقد رويناه في الموطّإ من حديث مالك، عن سعيد بن أبى سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد اللَّه بن عمر: يا أبا عبد الرحمن، رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها، قال: ما هنّ يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال السّبتية، ورأيتك تصبغ بالصّفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهلّ الناس إذا رأوا الهلال ولم تهلل أنت حتى كان يوم التروية. فقال عبد اللَّه بن عمر: أما الأركان، فإنّي لم أر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يمسّ منها إلا الركنين اليمانيين، وأما النعال السّبتية، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصّفرة، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما   [ () ] النعال، حديث رقم (3615) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 478، ذكر نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 134. [ (1) ] (مسند أحمد) : 5/ 628، حديث الأعرابي عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم رقم (19554) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (خ) ، وما أثبتناه من (ج) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 الإهلال، فإنّي لم أر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يهلّ حتى تنبعث به راحلته [ (1) ] .   [ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الطهارة، باب (30) غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على الخفين، حديث رقم (166) ، وكتاب الحج باب (2) قول اللَّه تعالى: يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ [الحج: 27] ، حديث رقم (1514) ، باب (28) من أهل حين استوت راحلته قائمة، حديث رقم (1552) ، باب (9) من لم يستلم إلا الركنين اليمانين، حديث رقم (1608) ، (1609) ، كتاب الجهاد والسير، باب (53) الركاب والغرز للدابة 7 حديث رقم (2865) ، كتاب اللباس، باب (37) النعال السبتية وغيرها، حديث رقم (5851) . ومسلم في كتاب الحج، باب (5) الإهلال من حيث تنبعث الراحلة، حديث رقم (1187) . وأبو داود في (السنن) ، كتاب المناسك، باب (21) في وقت الإحرام، حديث رقم (1772) ، كتاب الترجل، باب (19) ما جاء في خضاب الصفرة، حديث رقم (4210) . والنسائي في (السنن) ، كتاب الطهارة، باب (95) الوضوء في النعل، حديث رقم (117) ، كتاب الزينة، باب (65) ، تصفير اللحية، حديث رقم (5258) ، كتاب الحج، باب (56) ، العمل في الإهلال، حديث رقم (2757) ، (2758) ، (2759) . والترمذي في (الشمائل) ، باب (11) ما جاء في نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (79) . وابن ماجة في (السنن) ، كتاب اللباس، باب (34) الخضاب بالصفرة، حديث رقم (3626) . ومالك في (الموطأ) ، كتاب الحج، باب العمل في الإهلال، حديث رقم (738) . وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 482 في ذكر نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «النعال السّبتيّة» بكسر السين المهملة وسكون الموحدة ففوقية، أي التي لا شعر فيها، مشتق من السّبت وهو الحلق، قاله الأزهري، أو لأنها سبتت بالدباغ أي لانت. قال أبو عمرو الشيباني: السّبت كل جلد مدبوغ. وقال أبو زيد: جلود البقر مدبوغة أم لا، أو نوع من الدباغ يقلع الشعر. أو جلد البقر المدبوغ بالقرظ. وقيل بالسّبت بضم أوله، نبت يدبغ به. قاله صاحب (المنتهى) . وقال الداوديّ: هي منسوبة إلى موضع يقال له: سوق السبت وقال ابن وهب: كانت سوداء لا شعر فيها، وقيل: هي التي لا شعر عليها أي لون كانت، ومن أي جلد، بأي دباغ دبغت. وقال عياض في (الإكمال) : الأصح عندي أن اشتقاقها وإضافتها إلى السبت الّذي هو الجلد المدبوغ أو إلى الدباغة، لأن السين مكسورة، ولو كانت من السبت الّذي هو الحلق- كما قال الأزهري وغيره، لكانت النسبة سبتية بالفتح، ولم يروها أحد في هذا الحديث ولا غيره ولا في الشعر فيما علمت إلا بالكسر، وقال: وكان من عادة العرب لبس النعال بشعرها غير مدبوغة، وكانت المدبوغة تعمل بالطائف، ويلبسها أهل الرفاهيّة. قوله: «ورأيتك تصبغ» بضم الموحدة، وحكى فتحها وكسرها «بالصفرة» ثوبك أو شعرك، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29   [ () ] «ورأيتك إذا كنت» مستقرأ «بمكة أهل الناس» أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام بحج أو عمرة «إذا رأوا الهلال» أي هلال ذي الحجة «ولم تهلل» بلامين بفك الإدغام «أنت حتى يكون» أي يوجد، وفي رواية كان أي وجد «يوم» بالرفع فاعل يكون التامة [غير مضارع كان الناقصة] ، والنصب خبر على أنها ناقصة «التروية» ثامن ذي الحجة، لأن الناس كانوا يروون فيه من الماء، أي يحملونه من مكة إلى عرفات ليستعملوه شربا وغيره، وقيل غير ذلك «فتهل أنت» وتبين من جوابه أنه كان لا يهل حتى يركب قاصدا إلى منى. قوله: «فقال عبد اللَّه بن عمر: أما الأركان فإنّي لم أر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يمسّ» وفي رواية: «يستلم» منها «إلا» الركنين «اليمانيين» بالتخفيف لأنهما على قواعد إبراهيم، ومسهما واستلامهما مختلف. فالعراقى مسّه وهو استلامه بالتقبيل لاختصاصه بالحجر الأسود إن قدر وإلا فبيده أو بعود، ثم وضعه على فيه بلا تقبيل. واليماني مسه بيده، ثم يضعها على فيه بلا نقبيل، ولا يمسه بفيه بخلاف الشاميين، فليسا على قواعد إبراهيم، فلم يمسها فالعلة ذلك. قال القابسي: لو أدخل الحجر في البيت حتى عاد الشاميان على قواعد إبراهيم استلما. قال ابن القصار: ولذا لما بنى الزبير الكعبة على قواعده استلم الأركان كلها، والّذي قاله الجمهور سلفا وخلفا أن الشاميين لا يستلمان. قال عياض: واتفق عليه أئمة الأمصار والفقهاء وإنما كان الخلاف في ذلك في العصر الأول من بعض الصحابة وبعض التابعين، ثم ذهب. وقال بعض العلماء: اختصاص الركنين بيّن بالسنة، ومستند التعميم بالقياس. وأجاب الشافعيّ عن قول من قال: ليس شيء من البيت مهجور بأنا لم ندع استلامهما هجرا للبيت، وكيف يهجره وهو يطوف به؟ ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا، ولو كان ترك استلامهما هجرا لهما لكان استلام ما بين الأركان هجرا لها، ولا قائل به. قوله: «وأما النعال السبتية، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر» ، أشار إلى تفسيرها بذلك، وهكذا قال جماهير أهل اللغة والغريب والحديث: أنها التي لا شعر فيها. قوله: «ويتوضأ فيها» ، أي النعال، أي يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان، قاله النووي، «فأنا أحب أن ألبسهما» اقتداء به «وأما الصفرة فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها» ، قال المازري: قيل: المراد صبغ الشعر، وقيل: صبغ الثوب، قال: والأشبه الثاني لأنه أخبر أنه صلى اللَّه عليه وسلم صبغ، ولم ينقل عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه صبغ شعره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30   [ () ] قال عياض: وهذا أظهر الوجهين، وقد جاءت آثار عن ابن عمر بين فيها تصفير ابن عمر لحيته، واحتج بأنه صلى اللَّه عليه وسلم كان يصفّر لحيته بالورس والزعفران. رواه أبو داود، وذكر أيضا في حديث آخر احتجاجه بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته. وأجيب عن الأول باحتمال أنه كان مما يتطيب به، لا أنه كان يصبغ بها شعره. وقال ابن عبد البر: لم يكن صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ بالصّفرة إلا ثيابه، وأما الخضاب فلم يكن يخضب، وتعقبه في (المفهم) بأن في سنن أبى داود عن أبى رمثة قال: انطلقت مع. بى نحو النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هو ذو وفرة وفيها ردع من حنّاء، وعليه بردان أخضران. قال الولىّ العراقىّ: وكأنّ ابن عبد البر إنما أراد نفى الخضاب في لحيته صلى اللَّه عليه وسلم فقط. قوله: «وأما الإهلال فإنّي لم أر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته» ، أي تستوي قائمة إلى طريقه، قال المازري: ما تقدم جواباته نصّ في عين ما سئل عنه، ولما لم يكن عنده نص في الرابع أجاب بضرب من القياس، ووجه أنه لما رآه في حجه من غير مكة إنما يهل عند الشروع في الفعل أخّر هو إلى يوم التروية، لأنه الّذي يبتدأ فيه بأعمال الحج من الخروج إلى منى وغيره. وقال القرطبي: أبعد من قال: هذا قياس، بل تمسك بنوع الفعل الّذي رآه يفعله، وتعقب بأن ابن عمر ما رآه أحرم من مكة يوم التروية كما رآه استلم الركنين اليمانيين فقط، بل رآه أحرم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته، فقاس الإحرام من مكة على الإحرام من الميقات، لأنها ميقات الكائن بمكة فأحرم يوم التروية، لأنه يوم التوجه إلى منى، والشروع في العمل قياسا على إحرامه صلى اللَّه عليه وسلم من الميقات حين توجه إلى مكة، فالظاهر قول المازري. وقد قال ابن عبد البر: جاء ابن عمر بحجة قاطعة نزع بها، فأخذ بالعموم في إهلاله صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يخص مكة من غيرها، فكأنه قال: لا يهل الحاج إلا في وقت يتصل له عمله وقصده إلى البيت ومواضع المناسك والشعائر، لأنه صلى اللَّه عليه وسلم أهلّ واتصل له عمله، ووافق ابن عمر على هذا جماعة من السلف، وبه قال الشافعيّ وأصحابه، وهو رواية مالك. والرواية الأخرى: والأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة. قال عياض: وحمل شيوخنا رواية استحباب الإهلال يوم التروية على من كان خارجا من مكة، ورواية استحبابه أول الشهر على من كان في مكة، وهو قول أكثر الصحابة والعلماء ليحصل له من الشعث ما يساوى من أحرم من الميقات. قال النووي: والخلاف في الاستحباب وكل منهما جائز بالإجماع، وكلام القاضي وغيره يدل ذلك. قال ابن عبد البر: في الحديث دليل على أن الاختلاف في الأفعال والأقوال والمذاهب، كان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 وخرّجه البخاري ومسلم وأبو داود، فذكره البخاري في كتاب الطهارة، في باب غسل الرجلين في النعلين، وفي كتاب اللباس في باب النعال السبتية، وذكره مسلم وأبو داود في الحج. والنعال السّبتية: هي السوداء التي لا شعر لها، والسبت: الجلد المدبوغ بالقرظ، وقيل: هو كل جلد مدبوغ، وقيل: السبت هي جلود البقر خاصة، مدبوغة كانت أو غير مدبوغة، لا يقال لغيرها سبت، وجمعها سبوت. وقيل: السبت نوع من الدباغ يقلع الشعر، والنعال السبتية كانت من لباس [وجوه] [ (1) ] الناس وأشراف العرب، وهي معروفة عندهم، قد ذكرها شعراؤهم. وخرّج ابن حيّان من حديث شعبه، عن حميد بن هلال، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبى ذر رضى اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى في نعلين مخصوفتين من جلود البقر. ومن حديث ثابت بن يزيد عن التيمي قال: أخبرنى من أبصر نعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، له قبالان بعقبين. ومن حديث عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا   [ () ] موجودا في الصحابة، وهو عند العلماء أصح ما يكون من الاختلاف، وإنما اختلفوا بالتأويل المحتمل فيما سمعوه ورأوه، وفيما انفرد بعضهم بعلمه دون بعض، وما أجمع عليه الصحابة واختلط فيه من بعدهم، فليس اختلافهم بشيء. وفيه أن الحجة عند الاختلاف السنة، وأنها حجة على من خالفها، وليس من خالفها حجة عليها، ألا ترى أن ابن عمر لم يستوحش من مفارقة أصحابه، إذ كان عنده في ذلك علم من النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يقل له ابن جريج: الجماعة أعلم به منك، ولعلك وهمت كما يقول اليوم من لا علم به، بل انقاد للحق إذ سمعه، وهكذا يلزم الجميع. (شرح العلاقة الزرقانى على موطأ الإمام مالك) 2/ 329- 332. [ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (خ) ، وما أثبتناه من (ج) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 لبس نعليه بدأ باليمنى، وإذا خلع خلع اليسرى [ (1) ] .   [ (1) ] (أخلاق النبي) : 136 ونحوه باختلاف في اللفظ والسياقة في: (فتح الباري) : 10/ 282- 283، كتاب اللباس، باب (40) ينزع نعله اليسرى، حديث رقم (5856) ، (مسلم بشرح النووي) : 14/ 319، كتاب اللباس والزينة، باب (19) استحباب لبس النعل في اليمنى أولا، والخلع من اليسرى أولا وكراهة المشي في نعل واحدة، حديث رقم (2097) ، (سنن أبى داود) : 4/ 377- 378، كتاب اللباس، باب (44) في الانتعال، حديث رقم (4139) ، (سنن الترمذي) 4/ 215، كتاب اللباس باب (37) ما جاء بأي رجل يبدأ إذا انتعل، حديث رقم (1779) ، (الشمائل المحمدية) : 86، باب ما جاء في نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (85) ، (سنن ابن ماجة) : 2/ 1995، كتاب اللباس، باب (28) لبس النعال وخلعها، حديث رقم (3616) ، (مسند أحمد) : 2/ 463، حديث رقم (7139) ، 487، حديث رقم (9273) ، 229، حديث رقم (9677) ، 251، حديث رقم (9833) ، 287، حديث رقم (10080) . أما فقه [الحديث] فقيه ثلاث مسائل: * أحدها: يستحب البداءة باليمنى في كل ما كان من باب التكريم والزينة والنظافة، ونحو ذلك كلبس النعل والخف والمداس والسراويل والكم وحلق الرأس وترجيله، وقص الشارب ونتف الإبط والسواك، والاكتحال وتقلم الأظفار، والوضوء والغسل والتيمم، ودخول المسجد، والخروج من الخلاء، ودفع الصدقة وغيرها من أنواع الدفع الحسنة، وتناول الأشياء الحسنة، ونحو ذلك. * الثانية: يستحب البداءة باليسار في كل ما هو ضد السابق في المسألة الأولى، فمن ذلك خلع النعل والخف والمداس والسراويل والكم، والخروج من المسجد ودخول الخلاء والاستنجاء وتناول أحجار الاستنجاء، ومس الذكر والامتخاط والاستنثار، وتعاطى المستقذرات وأشباهها. * الثالثة: يكره المشي في نعل واحدة، أو خفّ واحد، أو مداس واحد إلا لعذر، ودليله هذه الأحاديث [إذا انقطع نعل أحدكم فلا يمشى في الأخرى حتى يصلحها] التي رواها مسلم [وغيره] قال العلماء: وسببه أن ذلك تشويه ومثله، ومخالف للوقار، ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى فيعسر مشيه، وربما كان سببا للعثار. وهذه الآداب الثلاثة التي في المسائل الثلاث مجمع على استحبابها، وأنها ليست واجبة (مسلم بشرح النووي) : 14/ 320، باختصار من شرح الحديث رقم (2098) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 فصل في خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] خرّج البخاري من حديث الليث [ (2) ] عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر [ (3) ] رضى اللَّه عنه [قال] : إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب، فكان فصّه في باطن كفه إذا لبسه، فصنع الناس، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه فقال: إني كنت ألبس هذا الخاتم، وأجعل فصّه من داخل، فرمى به وقال: واللَّه لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم. ذكره في كتاب الأيمان، وترجم عليه باب من حلف على الشيء وإن لم يحلّف [ (4) ] . وخرجه مسلم وزاد في حديث عقبة بن خالد، عن عبيد اللَّه عن نافع:   [ (1) ] اعلم أن الخاتم يجوز فيه كسر التاء وفتحها أفصح وأشهر. لأنه آلة الختم، وهي ما يختم به، وهي بناء آلات لذلك، كالقالب والطابع. وحكى فيه طائفة من المتأخرين لغتين أخرتين وهما خاتام وخيتام. وقد اختلف أهل العلم في لبسه في الجملة، فأباحه كثير من أهل العلم ولم يكرهوه، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، وهو اختيار أكثر أصحابه- قال في رواية أبى داود وصالح وعلى بن سعيد: ليس به بأس واستدلوا على ذلك بما في الصحيحين عن ابن عمر، قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق، فكان في يده، ثم كان في يد أبى بكر، ثم كان في يد عمر، ثم كان في يد عثمان، حتى وقع منه في بئر أريس. (أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 38- 42، (تهذيب الأسماء واللغات) : 3/ 88،. (لسان العرب) : 12/ 163- 164، (بصائر ذوى التمييز) : 2/ 526. [ (2) ] في (خ) ، (ج) : «ليث» وما أثبتناه من البخاري. [ (3) ] في (خ) ، (ج) : «عبد اللَّه بن عمر» وفي البخاري: «عن ابن عمر» . [ (4) ] (فتح الباري) : 11/ 658، كتاب الأيمان والنذور، باب (6) من حلف على الشيء وإن لم يحلّف، حديث رقم (6651) ولفظه: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب وكان يلبسه، فيجعل فصّه في باطن كفه، فصنع الناس خواتيم، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه فقال: إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصّه من داخل، فرمى به ثم قال: واللَّه لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 وجعله في يده اليمنى [ (1) ] . وذكره البخاري من حديث [جويرية] [ (2) ] عن نافع، أن عبد اللَّه حدّثه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب، وجعل فصّه في بطن كفه إذا لبسه، فاصطنع الناس خواتيم من ذهب، فرقى المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه فقال: إني كنت اصطنعته، وإني لا ألبسه فنبذه، فنبذ الناس. قال [جويرية] [ (3) ] : ولا أحسبه إلا قال: في يده اليمنى. ترجم عليه باب من جعل فصّ الخاتم في بطن كفه [ (4) ] . وذكره من حديث عبد اللَّه بن مسلم، عن مالك عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر، [رضى اللَّه عنهما قال] : كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس خاتما من ذهب فنبذه، فقال: لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم [ (5) ] . ذكره في باب خاتم الفضة [ (6) ] . وذكره في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، في باب الاقتداء بأفعال النبي صلى اللَّه عليه وسلم من حديث عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر قال: اتخذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فقال النبي   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 310- 311، كتاب اللباس والزينة، باب (11) تحريم الخاتم الذهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام، حديث عقبة بن خالد الّذي يلي الحديث رقم (2091) [بدون رقم] . وفيه بيان ما كانت الصحابة رضى اللَّه تعالى عنهم عليه من المبادرة إلى امتثال أمره ونهيه صلى اللَّه عليه وسلم، والاقتداء بأفعاله صلى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] في (ج) : «جويرة» ، وفي (خ) والبخاري: «جويرية» . [ (3) ] في (خ) ، (ج) : «جويرة» ، وما أثبتناه من البخاري. [ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 399، كتاب اللباس، باب (53) من جعل فصّ الخاتم في بطن كفه، حديث رقم (5876) . [ (5) ] (فتح الباري) : 10/ 391، كتاب اللباس، باب (47) بدون ترجمة، حديث رقم (5867) . [ (6) ] كذا في (خ) ، (ج) والصواب أنه في باب (47) بدون ترجمة، لكن باب خاتم الفضة رقم (46) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 صلى اللَّه عليه وسلم: إني اتخذت خاتما من ذهب، فنبذه وقال: إني لن ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم [ (1) ] . وذكر في باب خواتيم الذهب، من حديث عبيد اللَّه، حدثني نافع عن عبد اللَّه [رضى اللَّه] [ (2) ] عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب، وجعل [ (3) ] فصّه مما يلي كفه، فاتخذه الناس فرمى به، واتخذ خاتما من ورق أو فضة [ (4) ] . وذكر في باب خاتم الفضة، من حديث عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر [رضي اللَّه عنهما] [ (5) ] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب [- أو فضة-] [ (5) ] ، وجعل فصه مما يلي [كفه] [ (6) ] ، ونقش فيه: محمد رسول اللَّه، فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (7) ] قد اتخذوها رمى به وقال: لا ألبسه أبدا، ثم اتخذ خاتما من فضة، فاتخذ الناس خواتيم الفضة [ (8) ] . قال ابن عمر: فلبس الخاتم بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، حتى وقع من عثمان في بئر أريس [ (8) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 340، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (4) الاقتداء بأفعال النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (7298) . [ (2) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (3) ] في (خ) ، (ج) : «فجعل» ، وما أثبتناه من البخاري. [ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 387، كتاب اللباس، باب (45) خواتيم الذهب، حديث رقم (5865) . [ (5) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (6) ] في (خ) ، (ج) : «في باطن كفه» وما أثبتناه من البخاري. [ (7) ] زيادة من (خ) ، (ج) فقط. [ (8) ] (فتح الباري) : 10/ 390- 391، كتاب اللباس، باب (46) خاتم الفضة، حديث رقم (5866) . وأريس: بفتح الهمزة وكسر الراء وبالسين المهملة وزن عظيم، وهي في حديقة بالقرب من مسجد قباء، وسيأتي لها مزيد بيان في ذكر الآبار التي كان يشرب منها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 وخرجه أبو داود بهذا الإسناد نحوه وقال فيه: فاتخذ الناس خواتم [ (1) ] الذهب، وبعده قال أبو داود: ولم يختلف الناس على عثمان رضى اللَّه عنه حتى سقط الخاتم من يده [ (2) ] . وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث عبد اللَّه عن نافع عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] [ (5) ] قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق وكان [ (6) ] في يده، حتى وقع بعد [ (7) ] في بئر أريس، نقشه: محمد رسول اللَّه. لفظ ابن نمير في رواية مسلم: حتى وقع في بئر أريس، لم يقل: منه. وفي لفظ البخاري: حتى وقع بعد في بئر أريس، ولم يذكر لفظة: بعد، في   [ (1) ] في (خ) ، (ج) : «خواتيم» ، وما أثبتناه من (سنن أبى داود) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 425، كتاب الخاتم، باب (1) ما جاء في اتخاذ الخاتم، حديث رقم (4218) . [ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 397، كتاب اللباس، باب (50) نقش الخاتم، حديث رقم (5873) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 311- 312، كتاب اللباس والزينة، باب (12) لبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق نقشه محمد رسول اللَّه، ولبس الخلفاء من بعده، حديث رقم (54) من أحاديث الباب. وفيه التبرك بآثار الصالحين ولبس لباسهم، وجواز لبس الخاتم، وأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يورث، إذ لو ورث لدفع الخاتم إلى ورثته، بل كان الخاتم والقدح والسلاح ونحوها من آثاره الضرورية صدقة للمسلمين، يصرفها ولى الأمر حيث رأى من المصالح، فجعل القدح عند أنس إكراما له لخدمته، ومن أراد التبرك به لم يمنعه، وجعل باقي الأثاث عند ناس معروفين، واتخذ الخاتم عنده للحاجة التي اتخذه النبي صلى اللَّه عليه وسلم لها، فإنّها موجودة في الخليفة بعده، ثم الخليفة الثاني، ثم الثالث. وأما قوله: «نقشه محمد رسول اللَّه» ففيه جواز نقش الخاتم، ونقش اسم صاحب الخاتم، وجواز نقش اسم اللَّه تعالى، هذا مذهبنا، ومذهب سعيد بن المسيب، ومالك، والجمهور. وعن ابن سيرين وبعضهم كراهة نقش اسم اللَّه تعالى، وهذا ضعيف. قال العلماء: وله أن ينقش عليه اسم نفسه، أو ينقش عليه كلمة حكمة، وأن ينقش ذلك مع ذكر اللَّه تعالى (المرجع السابق) . [ (5) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (6) ] في (خ) ، (ج) : «فكان» ، وما أثبتناه من البخاري. [ (7) ] في (خ) ، (ج) : «منه» ، وما أثبتناه من البخاري. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 المواضع الثلاثة، قبل أبى بكر وعمر وعثمان رضى اللَّه عنهم. ولمسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من حديث سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نافع عن ابن عمر قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ذهب ثم ألقاه، ثم اتخذ خاتما من ورق ونقش فيه: محمد رسول اللَّه وقال: لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا، وكان إذا لبسه جعل فصّه مما يلي بطن كفه، وهو الّذي سقط من معيقيب في بئر أريس. اللفظ لمسلم، ولم يقل النسائي: وهو الّذي سقط من معيقيب في بئر أريس، وقال: لا ينبغي لأحد أن ينقش على نقش خاتمي هذا [ثم جعل فصه في بطن كفه [ (3) ]] . وللبخاريّ من حديث ثمامة عن أنس، أن أبا بكر رضى اللَّه عنه لما استخلف بعثه إلى البحرين وكتب له هذا الكتاب، وختمه بخاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، واللَّه سطر. ذكره في كتاب الخمس في باب ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعصاه، وسيفه، وقدحه، وخاتمه [ (4) ] . وذكر في كتاب اللباس، في باب: هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر؟   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 312، كتاب اللباس والزينة، باب (12) لبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق نقشه محمد رسول اللَّه، ولبس الخلفاء من بعده، حديث رقم (55) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 8/ 560، كتاب الزينة، باب (53) نزع الخاتم عند دخول الخلاء، حديث رقم (5231) ، باب (80) موضع الفص حديث رقم (5303) . [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . وأخرجه أيضا الترمذي في (الشمائل) : 94، حديث رقم (102) ، وأبو داود في كتاب الخاتم باب (1) ما جاء في اتخاذ الخاتم، حديث رقم (4219) ، وابن ماجة في (السنن) : 2/ 1201، كتاب اللباس، باب (39) نقش الخاتم، حديث رقم (3639) . [ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 260، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه، وسيفه، وقدحه، وخاتمه، وما استعمل الخلفاء، بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره، ونعله، وآنتيته، مما تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته، حديث رقم (3106) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 ووصل به: قال أبو عبد اللَّه: وزادني أحمد: أخبرنا الأنصاري [قال] [ (1) ] : حدثني أبى ثمامة عن أنس [رضى اللَّه عنه] [ (1) ] قال: كان خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم في يده، وفي يد أبى بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبى بكر، [قال] [ (1) ] : فلما كان عثمان جلس على بئر أريس [قال] [ (1) ] : فأخرج [الخاتم] [ (2) ] فجعل يعبث به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان [فنزح] [ (3) ] البئر فلم نجده [ (4) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادات من (خ) ، (ج) . [ (2) ] في (خ) ، (ج) : «الحاكم» وصوبناه من البخاري. [ (3) ] في (خ) ، (ج) : «ننزح» وصوبناه من البخاري. [ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 3، كتاب اللباس، باب (55) هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر، حديث رقم (5879) . قال الحافظ في (الفتح) : هذه الزيادة موصولة، وأحمد المذكور جزم المزي في (الأطراف) أنه أحمد بن حنبل، لكن لم أر هذا الحديث في (مسند أحمد) من هذا الوجه أصلا. [قال محققه: جاء في مسند عبد اللَّه بن عمر: حدثنا عبد اللَّه، حدثنا أبى، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، ويزيد، قال: أنبأنا سفيان عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فرمى به وقال: لن ألبسه أبدا، قال يزيد: فنبذ الناس خواتيمهم، (مسند أحمد) : 2/ 165، حديث رقم (5227) ، والحديث رقم (5228) : عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: كان يجعل فصّ خاتمه مما يلي بطن كفّه، والحديث رقم (133391) : عن أنس قال: كان خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم فضة فصه منه (مسند أحمد) : 4/ 167] . قوله: «فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم نجده» أي في الذهاب والرجوع والنزول إلى البئر والطلوع منها، ووقع في رواية ابن سعد: «واظبناه مع عثمان ثلاثة أيام فلم نقدر عليه» ، قال بعض العلماء: كان في خاتمه صلى اللَّه عليه وسلم من السرّ شيء مما كان في خاتم سليمان عليه السلام، لأن سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان لما فقد خاتم النبي انتقض عليه الأمر، وخرج عليه الخارجون، وكان ذلك مبدأ الفاتنة التي أفضت إلى قتله، واتصلت إلى آخر الزمان. قال ابن بطال: يؤخذ من الحديث أن يسير المال إذا ضاع يجب البحث في طلبه، والاجتهاد في تفتيشه، وقد فعل صلى اللَّه عليه وسلم ذلك لما ضاع عقد عائشة رضى اللَّه عنها وحبس الجيش على طلبه حتى وجد، كذا قال، وفيه نظر، فأما عقد عائشة فقد ظهر أثر ذلك بالفائدة العظيمة التي نشأت عنه، وهي رخصة التيمم، فكيف يقاس عليه غيره؟ وأما فعل عثمان، فلا ينهض الاحتجاج به أصلا لما ذكر، لأن الّذي يظهر أنه إنما يبالغ في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 وله من حديث حماد [بن زيد] [ (1) ] عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] [ (1) ] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من [فضة] [ (2) ] ، ونقش فيه: محمد روسل اللَّه، وقال للناس: إني اتخذت خاتما من ورق ونقشت فيه محمد رسول اللَّه، فلا ينقشن أحد على نقشه [ (3) ] .   [ () ] التفتيش عليه لكونه أثر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قد لبسه واستعمله وختم به، ومثل ذلك يساوى في العادة قدرا عظيما من المال، وإلا لو كان غير خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم لاكتفى بطلبه بدون ذلك، وبالضرورة يعلم أن قدر المؤنة التي حصلت في الأيام الثلاثة تزيد على قيمة الخاتم، لكن اقتضت صفة عظيم قدره، فلا يقاس عليه كل ما ضاع من يسير المال. * وفيه أن من فعل الصالحين العبث بخواتيمهم وما يكون بأيديهم وليس ذلك بعائب لهم، قال الحافظ: وإنما كان كذلك لأن من مثلهم إنما ينشأ عن فكر، وفكرتهم إنما هي في الخير. قال الكرماني: معنى قوله: «يعبث به» يحركه، أو يخرجه من إصبعه ثم يدخله فيها، وذلك صورة العبث، وإنما يفعل الشخص ذلك عند تفكره في الأمور. * وفيه أن من طلب شيئا ولم ينجح فيه بعد ثلاثة أيام له أن يتركه، ولا يكون بعد الثلاث مضيعا، وأن الثلاث حد يقع بها العذر في تعذر المطلوبات. * وفيه استعمال آثار الصالحين ولباس ملابسهم على جهة التبرك والتيمن بها، (فتح الباري) : 10/ 404 مختصرا. [ (1) ] زيادات من (خ) ، (ج) . [ (2) ] في (خ) ، (ج) : «من ورق» ، وما أثبتناه من البخاري. [ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 402، كتاب اللباس، باب (54) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لا ينتقش على نقش خاتمه، حديث رقم (5877) ، وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 201، كتاب اللباس، باب (16) ، ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، حديث رقم (1745) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن، ومعنى قوله: لا تنقشوا عليه، نهى أن ينقش أحد على خاتمه «محمد رسول اللَّه» ، وأخرج الدار قطنى في (الأفراد) ، من طريق سلمة بن وهرام عن عكرمة عن يعلى بن أمية قال: أنا صنعت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خاتما لم يشركني فيه أحد، نقش فيه محمد رسول اللَّه. فيستفاد منه اسم الّذي صاغ خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ونقشه. وأما نهيه صلى اللَّه عليه وسلم عن أن ينقش أحد على نقشه- أي مثل نقشه فقد تقدمت الإشارة إلى الحكمة فيه في باب خاتم الفضة. (فتح الباري) : 10/ 402. قال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر، قال: اتخذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق، ثم نقش عليه: محمد رسول اللَّه، ثم قال: لا ينقش أحد على نقش الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40   [ () ] خاتمي هذا. (المصنف) : 5/ 190، كتاب اللباس والزينة، باب (56) نقش الخاتم وما جاء فيه، حديث رقم (25089) ، ومن حديث ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: اصطنع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما فقال: إنا قد صنعنا خاتما ونقشنا فيه نقشا فلا ينقش عليه أحد. حديث رقم (25090) ، ومن حديث أبى معاوية عن الأعمش عن موسى بن عبد اللَّه بن زيد عن أمه عن حذيفة قالت: كان في خاتمه كركيّان متقابلان بينهما مكتوب: الحمد للَّه. حديث رقم (25091) ، ومن حديث معاذ عن أشعث عن محمد والحسن قالا: كان نقش خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم: محمد رسول اللَّه. حديث رقم (25092) ، ومن حديث وكيع قال: حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم قال: كان خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من فضة فيه: محمد رسول اللَّه. حديث رقم (25110) . قال ابن رجب الحنبلي في كتاب (أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : ونذكرها هنا جملة من نقوش خواتيم الأكابر والأعيان، مما نقله أهل السير والتواريخ، وذكره أبو عبد اللَّه معمر بن الفاخر الأصبهاني، وذكر أن بعض غرائبه من كتاب حمزة بن يوسف [الجرجاني] في الخواتيم وغير ذلك: * أما خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم فكان نقشه: محمد رسول اللَّه، هذا هو الصحيح كما تقم وروى أن أول الأسطر كان اسم اللَّه، ثم في الثاني رسول، ثم في الثالث محمد، وروى أن نقش خاتم سليمان: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، وروى أن اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبحانه أمر موسى أن ينقش على خاتمه: لكل أجل كتاب. وكان أبو بكر رضى اللَّه عنه يتختم بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بخاتمه. وقيل: كان له خاتم نقشه: نعم القادر اللَّه [أخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار) : 4/ 264، كتاب الكراهية، باب نقش الخواتيم] . وكذلك عمر رضى اللَّه عنه. تختم بخاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد أبى بكر، وقيل كان له خاتم نقشه: كفى بالموت واعظا. وكان عثمان يتختم بخاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ست سنين من خلافته حتى سقط منه، فاتخذ خاتما من فضة، وفصه منه نقشه: آمنت بالذي خلق فسوّى. وكان نقش خاتم على رضى اللَّه عنه: اللَّه الملك الحق المبين. وقيل: الملك للَّه الواحد القهار. وقيل: اللَّه الملك وعليّ عبده. وخاتم ابنه الحسن: اللَّه أكبر وبه استعنت. وقيل: العزة للَّه. وقيل: لا إله إلا هو الحي القيوم الملك الحق المبين. وخاتم أخوه الحسين: إن اللَّه بالغ أمره. وقد ذكر أهل التواريخ والسير ما نقله أبو عبد اللَّه القضاعي وغيره، أن عثمان لما سقط منه خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة فصّه منه ونقش عليه: آمنت بالذي خلق فسوى. وقيل: لتبصرن أو لتندمن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41   [ () ] وأن عليا رضى اللَّه عنه كان نقش خاتمه: الملك للَّه الواحد القهار. وروى وكيع بإسناده في كتاب اللباس، عن خلدة بن دينار عن أبى العالية، قال: قلت له: أيش كان نقش خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: صدق اللَّه، ألحق الخلفاء بعده: محمد رسول اللَّه. وروى ابن عدي من طريق زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن يعلى بن أمية، قال: أنا صنعت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما لم يشركني، فيه أحد، ونقشته: محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. [أخرجه الدار قطنى في (الأفراد) ونقله عنه الحافظ في (الفتح) ] . وكان نقش خاتم معاوية: لكل عمل ثواب، وقيل: لا قوة إلا باللَّه. وكان نقش خاتم ابنه يزيد: ربنا اللَّه. وابنه معاوية: إنما الدنيا غرور. وكان نقش خاتم عبد اللَّه بن الزبير: أبو حبيب العائذ باللَّه. وقيل: رب نجنى من النار. ونقش خاتم مروان بن الحكم: اللَّه ثقتي ورجائي. وقيل: آمنت باللَّه العزيز الحكيم. ونقش خاتم ابنه عبد الملك: آمنت باللَّه مخلصا. وكان نقش خاتم ابنه الوليد: يا وليد أنت ميت. ونقش خاتم أخيه سليمان: آمنت باللَّه مخلصا. وقيل أومن باللَّه مخلصا. وكان نقش خاتم عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه تعالى عنه: عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه عنه: عمر بن عبد العزيز يؤمن باللَّه. وقيل: لكل عمل ثواب. وقيل: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له. وقيل: اغز غزوة تجادل عنك يوم القيامة. وقيل: الوفاء عزيز. وكان نقش خاتم يزيد بن عبد الملك: قنى الحساب. وقيل: السيئات يا عزيز. وقيل: باللَّه استعنت، وكان لأخيه خاتم نقشه: الحكم للحكم الحكيم. وكان خاتم الوليد بن يزيد: بالعزيز يثق الوليد. وقيل: يا وليد إنك ميت. ونقش خاتم يزيد بن الوليد بن عبد الملك: يا يزيد قم بالحق تصبه ولأخيه إبراهيم بن الوليد: توكلت على الحي. وعلى خاتم مروان بن محمد بن مروان بن الحكم آخر ملوك بنى أمية في الشام: اذكر الموت يا غافل. وكان نقش خاتم السفاح عبد اللَّه بن محمد بن على بن عبد اللَّه بن عباس بن عبد المطلب: اللَّه ثقة عبد اللَّه وبه يؤمن. ونقش خاتم أخيه المنصور- واسمه عبد اللَّه أيضا-: اللَّه ثقة عبد اللَّه وبه يؤمن، وقيل: الحمد للَّه. ونقش خاتم ابنه المهدي: حسبي اللَّه. وقيل: رضيت باللَّه ربا وقيل: اللَّه ثقة محمد بن عبد اللَّه. ونقش خاتم ابنه موسى الهادي: اللَّه ربى. وقيل: باللَّه أثق. وقيل: اللَّه ثقة موسى. وكان خاتم أخيه الرشيد: هارون كن من اللَّه على حذر. ونقش خاتم ابنه الأمين: لكل عمل ثواب. وقيل: حسبي القادر. ونقش خاتم أخيه المأمون: سل اللَّه يعطك. ونقش خاتم أخيه المعتصم: اللَّه ثقة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42   [ () ] محمد بن الرشيد وبه يؤمن. ونقش خاتم أخيه المتوكل: على إلهي اكالى. وقيل: على اللَّه توكلت. ونقش خاتم ابنه المنتصر: يؤتى الحذر من مأمنه. وقيل: أنا من آل محمد، وقيل: اللَّه ولىّ محمد. وقيل: محمد باللَّه ينتصر. وعلى خاتم المستعين أحمد بن المعتصم: في الاعتبار غنى عن الاختبار، وقيل: أحمد بن محمد. وعلى خاتم المعتز بن المتوكل: الحمد للَّه رب كل شيء وخالق كل شيء، وقيل: المعتز باللَّه، وقيل: رضيت باللَّه. وعلى خاتم المهتدي بن الواثق رحمه اللَّه: من تعدّى الحق ضاق مذهبه. وعلى خاتم أحمد بن المتوكل: السعيد من وعظ بغيره، وقيل: اعتمادي على اللَّه. وعلى خاتم المعتضد أحمد بن الموفق بن المتوكل: أحمد استكفى ربه. وقيل: الاضطرار يزيل الاختيار. وعلى خاتم ابنه المكتفي على: باللَّه على بن أحمد يثق، وقيل: على يتوكل على ربه. وقيل: المكتفي آمن. وعلى خاتم أخيه المقتدر جعفر: الحمد للَّه الّذي ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء. وقيل: اللَّه ولى المؤمنين، وقيل: المقتدر باللَّه. وعلى خاتم أخيه القاهر: محمد رسول اللَّه. وعلى خاتم الراضي بن المقتدر وأخيه المتقى: المتقى للَّه. وروى الخطيب في تاريخه أن المعتز. والمتوكل كل منهما كان له خاتمان، نقش أحدهما: محمد رسول اللَّه، والآخر عليه اسمه. وعلى خاتم المستكفي بن المكتفي: على بن أحمد المستكفي باللَّه. وعلى خاتم المطيع بن المقتدر: المطيع للَّه، وعلى خاتم له آخر: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه. وعلى خاتم ابنه الطائع والقادر أحمد بن إسحاق بن المقتدر: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه. وقيل: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل. قال ابن النجار في (تاريخ بغداد) : بلغني أن نقش خاتم الخليفة الظاهر لأمر اللَّه محمد بن الناصر: راقب العواقب. قال ابن رجب: فهذا ما انتهى إلينا الآن من ذكر نقوش خواتم الخلفاء. وأما خواتم غيرهم من الصحابة والتابعين والأئمة، فقد روى أن الزبير كان نقش خاتمه: ثقتي بالرحمن. ونقش خاتم أويس القرني: كن على حذر من اللَّه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43   [ () ] وعلى خاتم الحسن البصري: لا إله إلا اللَّه الملك الحق المبين، وعلى خاتم النخعي: نحن باللَّه وله. وعلى خاتم الشعبي: اللَّه ولى الخلق، وعلى خاتم طاووس: أعبد اللَّه مخلصا. وعلى خاتم الزهري: محمد يسأل العافية. رواه أبو نعيم في (الحلية) . وعلى خاتم هشام بن عروة: رب زدني علما. وعلى خاتم مالك بن أنس: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل. وعلى خاتم الشافعيّ: باللَّه ثقة محمد بن إدريس. وعلى خاتم الربيع بن سليمان: اللَّه ثقة الربيع بن سليمان. وكان خاتم نقش خاتم أبى مسهر: أبرمت فقم، فإذا استثقل أحدا ختم به طينة ثم رماها إليه فيقرأها. وروى أبو نعيم في (الحلية) من طريق ابن عائشة [بنت طلحة] عن أبيه قال: بلغ عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه عنه أن ابنا له اشترى فصا بألف درهم، فكتب إليه عمر: عزيمة منى عليك لما بعت الفص الّذي اشتريت بألف درهم، وتصدقت بثمنه، واشتريت فصا بدرهم، ونقشت عليه: رحم اللَّه امرأ عرف قدره. وعن الأوزاعيّ قال: نقش رجل على خاتم: عمر بن عبد العزيز، فحبسه خمس عشرة ليلة، ثم خلى سبيله. ونقش بعض العارفين على خاتمه: ولعل طرفك لا يدور وأنت تجمع للدهور. ونقش بعضهم على خاتمه: وإن امرأ دنياه أكبر همه استمسك منها بحبل غرور. وكان خاتم أبى عبيدة بن الجراح: الخمس للَّه. وأخرج الطحاوي في (شرح معاني الآثار) 4/ 264، قال: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا شعبة عن قتادة قال: كان نقش خاتم أبى عبيدة بن الجراح: الحمد للَّه. (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 110- 144 باختصار. هذا، ويتعلق بالخاتم مسائل كثيرة، يذكرها الفقهاء متفرقة في أبواب الفقه، ذكر ما تيسّر منها على ترتيب أبواب الفقه ابن رجب الحنبلي في (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) ، وهي: 1- دخول الخلاء بخاتم عليه ذكر اللَّه. 2- مس المحدث لخاتم نقش عليه القرآن. 3- تحريك المتوضئ أو المغتسل للخاتم. 4- من استنجى وفي يده خاتم. 5- الصلاة في الخاتم المحرم. 6- عدد الآي والركعات في الصلاة بالخاتم. 7- نزع الخاتم من يد الميت. 8- الزكاة فيما يلبس الرجل من خاتم الفضة. 9- رمى الجمرة بفصّ من حجر. 10- بيع الخواتيم. 11- شراء الخاتم بفضة. 12- السلم في الخواتيم. 13- استصناع الخواتيم. 14- الأرش في الخواتيم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 وخرجه مسلم [وقال] : إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة ونقش فيه: محمد رسول اللَّه، وقال للناس: إني اتخذت خاتما من فضة [ (1) ] . وللبخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث محمد بن شهاب، أن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، أخبره أنه رأى في يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا، ثم إن الناس اضطربوا الخواتم. وقال البخاري: اصطنعوا الخواتم من ورق فلبسوها، فطرح النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم. قلت: هكذا في رواية ابن شهاب، اتخذ خاتما من ورق ثم نبذه، فنبذ الناس خواتيمهم. قال ابن عبد البر: وهذا غلط عند أهل العلم، والمعروف أنه إنما نبذ خاتما من ذهب لا من ورق [ (4) ] . وحديث ابن شهاب هذا، رواه عنه إبراهيم بن سعد، ويونس بن يزيد،   [ () ] 15- استئجار الخواتيم. 16- وقف الحلىّ. 17- من أتلف خاتما لغيره. 18- الشفعة في الخواتيم. 19- وديعة الخواتيم. 20- اللقطة في الخواتيم. 21- سرقة الخواتيم. 22- الهبة في الخواتيم. وبسط القول في شرح هذه الفصول في (المرجع السابق) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 312، كتاب اللباس والزينة، باب (12) ، لبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق نقشه: محمد رسول اللَّه، ولبس الخلفاء له من بعده، حديث رقم (2092) . [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 391، كتاب اللباس، باب (47) بدون ترجمة، حديث رقم (5868) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 314، كتاب اللباس والزينة، باب (14) في طرح الخواتم، حديث رقم (2093) . [ (4) ] انظر كتاب اللباس من (صحيح البخاري) ، باب (45) خواتيم الذهب، وكتاب اللباس والزينة من (صحيح مسلم) ، باب (11) تحريم خاتم الذهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 وموسى بن عقبة، وعبد اللَّه بن أبى عتيق. والمحفوظ في هذا الباب عن أنس، غير ما قال ابن شهاب، كما تقدم ذكره من رواية جماعة من أصحابه عنه، وتأوّله بعضهم فقال: طرح الناس خواتيمهم يعنى من الذهب [ (1) ] . [وذكر ابن سعد عن مغيرة، عن فرقد عن إبراهيم قال: كان خاتم رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] من حديد ملوى عليه فضة [ (2) ] ، وعن محمد بن راشد عن مكحول، أن خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان من حديد ملوى عليه فضة غير أن فصه بادى] [ (3) ] . [أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا إسحاق عن سعيد، أن خالد بن سعيد، أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي يده خاتم له، فقال رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] : ما هذا الخاتم؟ فقال: خاتم اتخذته، فقال: اطرحه إليّ، فطرحه، فإذا خاتم من حديث ملوى عليه فضة، فقال: ما نقشه؟ فقال: محمد رسول اللَّه، قال: فأخذه رسول اللَّه فلبسه، فهو الّذي كان في يده] [ (4) ] . [أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي المكيّ، أخبرنا عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي عن جده قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاص- حين قدم من الحبشة- على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟ قال: هذه حلقة يا رسول اللَّه، [قال: فما نقشها؟ قال: محمد رسول اللَّه] [ (5) ] ، قال: فأخذه رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] فتختمه، فكان [في يده] [ (6) ] حتى   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 473، ذكر خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الملوي عليه فضة. [ (3) ] (المرجع السابق) : 473- 474، وقال: «غير أن فصه باد» . [ (4) ] (المرجع السابق) : 474. [ (5) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (6) ] في (خ) ، «بيده» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 قبض، ثم في يد عمر حتى قبض، ثم [لبسه] [ (1) ] عثمان، فبينا هو يحفر بئرا لأهل المدينة، يقال له بئر أريس، [فبينا] [ (2) ] هو جالس على شفتها يأمر بحفرها، سقط الخاتم في البئر، وكان عثمان يكثر إخراج خاتمه من يده وإدخاله، فالتمسوه فلم يقدروا عليه] [ (3) ] . [أخبرنا خالد بن خداش، أخبرنا عبد اللَّه بن وهب، عن أسامة بن زيد، أن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، حدثه أن معاذ بن جبل لما قدم من اليمن حين بعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إليها، قدم وفي يده خاتم من ورق، نقشه: محمد رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا الخاتم؟ قال: يا رسول اللَّه، إني كنت أكتب إلى الناس، فأفرق أن يزاد فيها وينقص منها، فاتخذت خاتما أختم به، قال: وما هو؟ قال: محمد رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: آمن كل شيء من معاذ بن جبل حتى خاتمه! ثم أخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فتختمه] [ (4) ] . [وقال الصّولى: سقط خاتم رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] من يد أنصارىّ كان دفعه إليه عثمان [رضى اللَّه عنه] ليطبع به الكتب عنه، وكان فصّه منه، فجعل عثمان [رضى اللَّه عنه] فيمن يخرجه مالا عظيما، فلم يقدر عليه، فلما يئس منه عمل له مثله، ونقش فيه: محمد رسول اللَّه] .   [ (1) ] في (خ) ، «ثم كان في يد» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (2) ] في (خ) ، «فبينما» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 474. [ (4) ] (المرجع السابق) : 476. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 وأما فصّ خاتمه صلى اللَّه عليه وسلم فخرّج البخاري من حديث حميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان خاتمه من فضة، وكان فصّه منه [ (1) ] . وخرّجه أبو داود ولفظه: كان خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من فضة كله، فصّه منه [ (2) ] . ولمسلم من حديث يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: حدثني أنس ابن مالك رضى اللَّه عنه قال: كان خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ورق، وكان فصّه حبشيا [ (3) ] . وخرّجه أبو داود وليس إسناده بالقوى. قال ابن عبد البر:   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 395، كتاب اللباس، باب (48) فصّ الخاتم، حديث رقم (5870) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 424، كتاب الخاتم، باب (1) ما جاء في اتخاذ الخاتم، حديث رقم (4217) ، وأخرجه الترمذي في السنن في كتاب اللباس، باب ما يستحب من فص الخاتم، حديث رقم (1740) ، وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وأخرجه أيضا في (الشمائل) : 89، حديث رقم (90) وأخرجه النسائي في كتاب الزينة، باب صفة خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (5295) ، وأخرجه ابن رجب الحنبلي في (أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 58 مطولا، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 130، والإمام أحمد في (المسند) : 4/ 167، حديث رقم (13391) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 472. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 315، كتاب اللباس والزينة، باب (15) في خاتم الورق فصه حبشىّ، حديث رقم (2094) . قوله: «وكان فصه حبشيا» قال العلماء: يعنى حجرا حبشيا، أي فصا من جزع أو عقيق، فإن معدنهما بالحبشة واليمن، وقيل: لونه حبشىّ أي أسود، وجاء في صحيح البخاري من رواية حميد عن أنس أيضا: «فصه منه» . قال ابن عبد البر: هذا أصح، وقال غيره: كلاهما صحيح، وكان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في وقت: خاتم فصه منه، وفي وقت: خاتم فصه حبشىّ، وفي حديث آخر: فصه من عقيق. (المرجع السابق) : 316. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 فإنه من رواية إسماعيل بن أبى أويس عن يونس، وفي رواية الثقات: فصّه منه [ (1) ] . وفي لفظ مسلم من رواية طلحة بن يحى [وهو الزرقانى ثم الزرقيّ] [ (2) ] ، عن يونس، [عن ابن شهاب عن أنس بن مالك] [ (2) ] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه، فيه فصّ حبشي، كان يجعل فصّه مما يلي كفّه [ (3) ] . قال أبو الحسن الدار قطنى: هذا حديث محفوظ عن يونس، حدّث به الليث، وابن وهب، وعثمان بن عمرو، وغيرهم عنه، لم يذكروا: في يمينه. والليث وابن وهب أحفظ من سليمان ومن طلحة بن يحى، ومع ذلك فالراوى عن سليمان إسماعيل بن أويس، وهو ضعيف لا يحتج بروايته إذا انفرد عن سليمان ولا عن غيره. وأما طلحة بن فسيح، والليث وابن [وهب] ثقتان متقنان صاحبا كتاب، فلا يقبل زيادة ابن أبى أويس عن سليمان، إذا انفرد بها، وقد رواه   [ (1) ] وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 424، كتاب الخاتم، باب (1) ما جاء في اتخاذ الخاتم، حديث رقم (4216) ، والترمذي في (السنن) : 4/ 199، كتاب اللباس، باب (14) ، ما جاء في خاتم الفضة، حديث رقم (1739) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وأخرجه في (الشمائل) : 88، باب (12) ، ما جاء في ذكر خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (88) ، والنسائي في (السنن) : 8/ 578، كتاب الزينة باب (78) صفحة خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ونقشه، حديث رقم (5292) ، (5294) ، وابن ماجة في (السنن) : 2/ 1201، كتاب اللباس، باب (39) نقشى الخاتم، حديث رقم (3641) ، وباب (41) من جعل فصّ خاتمه مما يلي كفه، حديث رقم (3646) ، كلهم من طريق يونس بن يزيد عن الزهري. وأخرجه ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 472، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 129، وأحمد في (المسند) : 4/ 72، حديث رقم (12771) ، 4/ 100، حديث رقم (12945) . [ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 315، كتاب اللباس والزينة باب (15) في خاتم الورق فصّه حبشىّ، حديث رقم (62) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 جماعة عن الزهري حفاظا، لم يقل منهم أحد: في يمينه، منهم: عقيل، وشعيب، وابن مسافر، وإبراهيم بن سعد، وموسى بن عقبة، وابن أبى عتيق، وابن أخى الزهراء. انتهى. وذهب بعضهم إلى أنه كان له عليه السلام في وقت خاتم فصّه منه، وفي وقت خاتم فصه حبشىّ. وفي حديث آخر: فصّه من عقيق [ (1) ] . وصحح قوم حديث ابن أبى أويس في التختم في يمينه، بأنه احتج به البخاري ومسلم ومعه جماعة، ووافقه طلحة وسليمان عليها [وكون الأكثرين لم يذكروها لا يمنع صحتها] [ (2) ] . فلم ينفرد ابن أويس بروايتها، وزيادة الثقة مقبولة.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 316. [ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 وأما سبب اتخاذ الخاتم فقد خرّج البخاري ومسلم من حديث شعبه عن قتادة، عن أنس قال: لما أراد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يكتب إلى الروم، قيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا أن يكون مختوما، قال: فاتخذ خاتما من فضة، كأنى انظر إلى بياضه في يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونقش فيه: محمد رسول اللَّه، ولفظ مسلم: نقشه: محمد رسول اللَّه. ذكره البخاري في كتاب الأحكام، في باب: الشهادة على الخط [ (1) ] ، وفي اللباس [ (2) ] وفي الجهاد، في باب: دعوة اليهود والنصارى وعلى ما يقاتلون عليه [ (3) ] . ولفظه في اللباس: إنهم لن يقرءوا كتابك إذا لم يكن مختوما [ (4) ] ، وذكره في كتاب العلم، في باب: ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم إلى البلدان، ولفظه: كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم كتابا، أو أراد أن يكتب، فقيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما، فاتخذ خاتما من فضة،   [ (1) ] (فتح الباري) 13/ 175، كتاب الأحكام، باب (15) الشهادة على الخط المختوم، وما يجوز من ذلك، وما يضيق عليه، وكتاب الحاكم إلى عماله، والقاضي إلى القاضي، حديث رقم (7162) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 10/ 397، كتاب اللباس، باب (50) نقش الخاتم حديث رقم (5872) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 134، كتاب الجهاد والسير، باب (101) ، دعوة اليهود والنصارى، وعلى ما يقاتلون عليه؟ وما كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، والدعوة قيل القتال، حديث رقم (2938) ، وقد ثبت كما قال الحافظ في (الفتح) [كتاب المغازي] : أن المبعوث به كان عبد اللَّه بن حذافة السهمي. وفي الحديث الدعاء إلى الإسلام بالكلام والكتابة وأن الكتابة تقوم مقام النطق. وفيه إرشاد. المسلم إلى الكافر، وأن العادة جرت بين الملوك بترك قتل الرسل، ولهذا مزّق كسرى الكتاب ولم يتعرض للرسول. (المرجع السابق) تعليقا على الحديث رقم (2939) بشأن كتاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى كسرى. [ (4) ] (المرجع السابق) : 10/ 398، كتاب اللباس، باب (52) ، اتخاذ الخاتم ليختم به الشيء، أو ليكتب به إلى أهل الكتاب وغيرهم، حديث رقم (5875) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 نقشه: محمد رسول اللَّه، كأنى انظر إلى بياضه في يده [ (1) ] . ولمسلم من حديث هشام عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أراد أن يكتب إلى العجم فقيل له: إن العجم لا يقبلون إلا كتابا عليه خاتم، فاصطنع خاتما من فضة، قال: كأنى انظر إلى بياضه في يده [ (2) ] . ومن حديث خالد بن قيس عن قتادة، عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي، فقيل: إنهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم، فصاغ [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ] خاتما حلقة فضة، ونقش فيه: محمد رسول اللَّه [ (4) ] .   [ (1) ] المرجع السابق) : 1/ 206، كتاب العلم، باب (7) ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان، حديث رقم (65) ، ويعرف من هذا فائدة إيراده هذا الحديث في هذا الباب لينبه على أن شرط العمل بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختوما ليحصل الأمن من توهم تغييره، لكن قد يستغنى عن ختمه إذا كان الحامل عدلا مؤتمنا. (المرجع السابق) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 313- 314، كتاب اللباس والزينة، باب (13) في اتخاذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما لما أراد أن يكتب إلى العجم، حديث رقم (57) . [ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 134، باب (13) ، حديث رقم (58) . قوله: «نقشه محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» ، فيه جواز نقش الخاتم، ونقش اسم صاحب الخاتم، وجواز نقش اسم اللَّه تعالى. هذا مذهبنا، ومذهب سعيد بن المسيب، ومالك، والجمهور. وعن ابن سيرين وبعضهم: كراهة نقش اسم اللَّه تعالى، وهذا ضعيف قال العلماء: وله أن ينقش عليه اسم نفسه، أو ينقش عليه كلمة حكمة، وأن ينقش ذلك مع ذكر اللَّه تعالى. قوله: «لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا» ، سبب النهى أنه صلى اللَّه عليه وسلم إنما اتخذ الخاتم ونقش فيه ليختم به كتبه إلى ملوك العجم وغيرهم، فلو نقش غيره مثله لدخلت المفسدة وحصل الخلل. قوله: «وكان إذا لبسه جعل فصه مما يلي بطن كفه» ، قال العلماء: لم يأمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك بشيء، فيجوز جعل فصه في باطن كفه وفي ظاهرها، وقد عمل السلف بالوجهين. وممن اتخذه في ظاهرها ابن عباس رضى اللَّه عنه، قالوا: ولكن الباطن أفضل، اقتداء به صلى اللَّه عليه وسلم، ولأنه أصون لفصه، وأسلم له، وأبعد من الزهو والإعجاب. (المرجع السابق) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 وذكر البخاري في باب: نقش الخاتم من حديث سعيد عن قتادة، عن أنس [بن مالك رضى اللَّه عنه] [ (1) ] ، أن نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أراد أن يكتب إلى رهط- أو ناس- من الأعاجم فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابا إلا عليه خاتم، فاتخذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من فضة، نقشه: محمد رسول اللَّه، فكأني بوبيص [ (2) ]- أو ببصيص- الخاتم في إصبع النبي صلى اللَّه عليه وسلم أو في كفه [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (2) ] في (خ) ، (ج) : «فكأنني بوميض» ، وما أثبتناه من البخاري. [ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 397، كتاب اللباس، باب (50) ، نقشى الخاتم، حديث رقم (5872) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 وأما إصبع الخاتم التي يتختم فيها فإن مسلم بن حجاج رحمه اللَّه، خرّج من حديث ثابت عن أنس، وأمّا عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري رحمه اللَّه، خرّج من حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: اصطنع النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما فقال: إنا اتخذنا خاتما، ونقشنا فيه نقشا، فلا ينقش [عليه أحد] [ (1) ] ، قال: فإنّي لأرى بريقه في خنصره. ترجم عليه البخاري في باب: الخاتم في الخنصر [ (2) ] . وخرّج أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، من حديث حماد بن سلمة قال: رأيت ابن أبى رافع [ (3) ] يتختم في يمينه، فسألته عن ذلك، فقال: رأيت عبد اللَّه بن جعفر يتختم في يمينه، وقال عبد اللَّه بن جعفر: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يتختم في يمينه. قال أبو عيسى: قال محمد بن إسماعيل- يعنى البخاري- هذا أصح شيء روى في هذا الباب [ (4) ] .   [ (1) ] في (خ) ، (ج) : «أحد عليه» ، وما أثبتناه من البخاري. [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 398، كتاب اللباس، باب (51) ، الخاتم في الخنصر، حديث رقم (5874) ، (مسلم بشرح النووي) : 14/ 316، كتاب اللباس والزينة، باب (16) في لبس الخاتم في الخنصر من اليد، حديث رقم (2095) . [ (3) ] هو عبيد اللَّه بن أبى رافع مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. (سنن الترمذي) . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 200- 201، كتاب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، حديث رقم (1744) . وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل المحمدية) : 92، باب (13) ما جاء في أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه، حديث رقم (98) . قوله: «رأيت ابن أبى رافع» ، هو عبد الرحمن بن أبى رافع، ويقال فلان بن أبى رافع، روى عن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 وخرّجه النّسائى عن حماد عن ابن أبى رافع، عن عبد اللَّه بن جعفر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه [ (1) ] . والترمذي من حديث جوير، عن محمد بن إسحاق، عن الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل قال: رأيت ابن عباس يتختم في يمينه، ولا إخاله إلا قال: رأيت اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتختم في يمينه قال أبو عيسى: قال محمد بن إسماعيل: حديث محمد بن إسحاق عن الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل حديث حسن صحيح [ (2) ] . ولأبى داود من حديث عبد العزيز بن أبى روّاد عن نافع عن ابن عمر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه ويساره، وكان فصه في باطن كفه [ (3) ] .   [ () ] عبد اللَّه بن جعفر، وعن عمه عن أبى رافع وعن عمته سلمى. عن أبى رافع، وعنه حماد بن سلمة، قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح، له عند الترمذي في التختم في اليمين، وآخر حديث في دعاء الكرب، كذا في (تهذيب التهذيب) ، (تحفة الأحوذي) : 5/ 345، أبواب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، شرح الحديث رقم (1798) . [ (1) ] (سنن النسائي) : 8/ 579، كتاب الزينة، باب (79) ، موضع الخاتم، حديث رقم (5298) ، لكنه من حديث عباد بن العوام، عن سعيد، عن قتادة عن أنس، خلافا لما ذكره المقريزي في الأصلين: (خ) ، (ج) ، أنه عن حماد عن ابن أبى رافع عن عبد اللَّه بن جعفر. [ (2) ] (تحفة الأحوذي) : 5/ 344، أبواب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، حديث رقم (1796) . قوله: «ولا إخاله» ، بكسر الهمزة، قال في (القاموس) : خال الشيء يخال خيلا وخيلة، ويكسران، وخالا وخيلالا محرّكة، ومخيلة، ومخالة، وخيلولة: ظنه، وتقول في مستقبله: إخال، بكسر الألف وتفتح في لغة. قوله: «قال محمد بن إسماعيل» يعنى الإمام البخاري رحمه اللَّه، وقوله: «حديث محمد بن إسحاق عن الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل حديث حسن صحيح» ، وفي بعض النسخ: حسن فقط، وليس فيه: صحيح. (تحفة الأحوذي) : 5/ 344. [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 131، كتاب الخاتم، باب (5) ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار، حديث رقم (4227) ، قال أبو داود: قال ابن إسحاق: وأسامة- يعنى ابن زيد- عن نافع بإسناده في يمينه، (مسلم بشرح النووي) : 14/ 316، كتاب اللباس والزينة، باب (16) في لبس الخاتم في الخنصر من اليد، حديث رقم (2095) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: ووجه الجمع من هذه الروايات، أنه صلى اللَّه عليه وسلم لبس خاتم الذهب في يمينه ثم نبذه، واتخذ خاتم الورق ولبسه في يساره [ (1) ] . وذكر من طريق الشيخ ابن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدريّ، عن أبيه عن جده إلى سعيد، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يلبس خاتمه في يساره [ (1) ] . وذكر الحافظ أبو الفرج بن الجوزي، من طريق محمد بن عباد قال: حدثنا عبد اللَّه بن ميمون، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه. قال: محمد بن عباد ضعيف، وابن ميمون ليس بشيء، قال البخاري: هو ذاهب الحديث. واليسار أصحّ [ (2) ] . وذكر من طريق خالد بن يحى قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس قال: كأني انظر إلى وميض خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في يده اليسرى وهو يخطبنا [ (3) ] . ومن طريق ابن حيّان، من حديث سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعلى، الحسن، والحسين كلهم يتختمون في اليسار [ (4) ] .   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] (العلل المتناهية) : 2/ 694، حديث في التختم في اليمين، حديث رقم (1185) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 144، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (39) ، وقت العشاء وتأخيرها، حديث رقم (640) ، لكن من طريق آخر عن أنس باختلاف في اللفظ، (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 168. [ (4) ] (أخلاق النبي) : 127، (مسند أحمد) : 4/ 170، حديث رقم (13407) ، (سنن أبى داود) : 4/ 431، باب (5) ما جاء في التخم في اليمين أو اليسار، حديث رقم (4227) ، (4228) ، و (سنن الترمذي) : 4/ 200، كتاب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، حديث رقم (1743) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 ولابن عدي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه ثم حوّله في يساره [ (1) ] . وخرّج ابن مندة من حديث ابن الجارود قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد اللَّه، حدثنا محمد بن عبد اللَّه الخزاعي، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن، عن أبى قتيلة بن مرة الحضرميّ، عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حوّل خاتمه في يمينه، فكان يدعه اليوم واليومين والثلاثة بيساره، فلذلك كان يقال: يتختم بيمينه [ (2) ] . [ولابن حبان من حديث همام بن يحى، عن ابن جريج، عن الزهري عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء   [ (1) ] قال العلّامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي: اعلم أنه قد ثبتت الأحاديث في التختم في اليمين واليسار، فاختلف العلماء في وجه الجمع، فجنحت طائفة إلى استواء الأمرين، وجمعوا بذلك بين مختلف الأحاديث، وإلى ذلك أشار أبو داود بترجمة بابه [ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار] ثم إيراده الأحاديث مع اختلافها في ذلك بغير ترجيح. وجمع بعضهم بأنه صلى اللَّه عليه وسلم لبس الخاتم أولا في يمينه، ثم حوله في يساره، واستدل بما أخرجه أبو الشيخ، وابن عدي، عن ابن عمر: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم تختم في يمينه، ثم إنه حوله في يساره. قال الحافظ: لو صحّ هذا لكان قاطعا للنزاع، ولكن سنده ضعيف وجمع البيهقي بأن الّذي لبسه في يمينه هو خاتم الذهب، والّذي لبسه في يساره هو خاتم الفضة. قال النووي: أجمعوا على جواز التختم في اليمين واليسار، واختلفوا في أيتهما أفضل. واستحب مالك اليسار وكره اليمين. قال: والصحيح في مذهبنا أن اليمين أفضل. (عون المعبود) : 6/ 193. [ (2) ] وأخرج أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن الجوزي من رواية عمرو بن خالد الواسطىّ، عن زيد بن على عن أبيه عن جده، عن على بن أبى طالب، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حول خاتمه، فإذا توضأ حوله في يساره. قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، قال يحى: عمرو كذاب لا يساوى شيئا. وقال ابن راهويه: بضع الحديث. (العلل المتناهية) : 1/ 328، حديث رقم (537) ، وذكره المتقى في (كنز العمال) : 9/ 515، حديث رقم (27222) ، وعزاه إلى ابن الجوزي في (العلل الواهية) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 وضع خاتمه] [ (1) ] .   [ (1) ] (الإحسان) : 4/ 260، كتاب الطهارة، باب (21) الاستطابة، ذكر الخبر الدال على نفى إجازة دخول المرء الخلاء بشيء فيه ذكر اللَّه تعالى، حديث رقم (1413) ، وقال في هامشه: إسناده ضعيف، رجاله رجال الشيخين، إلا أن ابن جريج قد عنعن وهو مدلس. هدبة: بضم أوله وسكون الدال بعدها موحدة، ويقال له: هدّاب بالتثقيل وفتح أوله أ. هـ. والحديث أخرجه كل من:. الحاكم في (المستدرك) : 1/ 298- 299، كتاب الطهارة، حديث رقم (670) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : تابعه يحيى بن المتوكل عن ابن جريج، ولم يتوقف، وزاد: «ونقشه محمد رسول اللَّه» على شرطهما، وحديث رقم (671) وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، إنما خرجا حديث نقش الخاتم فقط. والبيهقي في (السنن الكبرى) : 1/ 94- 95، كتاب الطهارة، باب وضع الخاتم عند دخول الخلاء، لفظ حديث حجاج، وفي حديث هدية بن خالد قال: ولا أعلمه إلا عن الزهري عن أنس. قال ابن التركماني- وقد ذكر عدالة رواة هذا الحديث-: فتبين بذلك أن الحديث ليس له علة، وإن الأمر فيه كما ذكر الترمذي من الحسن والصحة. (الجوهر النقي) : 1/ 95 بهامش السنن الكبرى. وأبو داود في (السنن) : 1/ 25، كتاب الطهارة، باب (9) في الرجل يذكر اللَّه تعالى على غير طهر، حديث رقم (19) . والترمذي في (السنن) 4/ 201، كتاب اللباس، باب (16) في لبس الخاتم في اليمين، حديث رقم (1746) ، وقال هذا حديث حسن غريب. والترمذي في (الشمائل) : 91، باب ما جاء في ذكر خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (94) . والنسائي في (السنن) : 8/ 559، كتاب الزينة، باب (53) نزع الخاتم عند دخول الخلاء، حديث رقم (5228) . وابن ماجة في (السنن) : 1/ 110، كتاب الطهارة وسننها، باب (11) ، ذكر اللَّه عز وجل على الخلاء والخاتم في الخلاء، حديث رقم (303) . وقال ابن رجب الحنبلي في (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : ويتعلق بالخاتم مسائل كثيرة، يذكرها الفقهاء متفرقة في أبواب الفقه ... ، فمن ذلك أن الخاتم إذا كان عليه ذكر اللَّه تعالى فهل يكره استصحابه في الخلاء لغير عذر أم لا؟. ذكر طائفة من الأصحاب في روايتين عن أحمد، إحداهما: يكره، وهي المشهورة عند الأصحاب المتأخرين، ونصّ عليها أحمد في رواية إسحاق بن هانئ في الدرهم إذا كان فيه اسم اللَّه، أو مكتوبا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58   [ () ] عليه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فيكره أن يدخل اسم اللَّه عزّ وجلّ، وهذا يقتضي كراهة كل ما فيه اسم اللَّه من خاتم وغيره، وهو قول طائفة من السلف، كمجاهد والقاسم بن محمد، ومحمد بن عبد الرحمن بن يزيد، والشعبي، وأبى حنيفة. وروينا عن همام، عن ابن جريج عن الزهري، عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه، أخرجه أبو داود، وابن ماجة، والنسائي، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين. وله علة قد ذكرها حذاق الحفاظ، كأبى داود، والنسائي، والدار قطنى، وهي أن هماما تفرد به عن ابن جريج، هكذا، ولم يتابعه غير يحيى بن المتوكل [أبو عقيل المدني الحذاء، ضعّفوه، مات سنة 167 هـ] ، ويحيى بن الضريس [ثقة، مات سنة 203 هـ] ، ورواه بقية الثقات، عبد اللَّه بن الحارث المخزومي [شيخ الشافعيّ وأحمد، روى عنه أحمد وابن راهويه، ثقة] ، وحجاج [بن منهال البصري، روى عنه البخاري، كان ثقة ورعا ذا سنّة وفضل، توفى سنة 217] ، وأبو عاصم، وهشام بن سليمان المخزومي [صدوق] وموسى بن طارق [روى عنه أحمد، وكان قاضى زبيد] عن ابن جريج عن زياد بن سعد [خراسانى نزل مكة، ثقة، ثبت في الزهري] عن الزهري عن أنس، أنه رأى في يد النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ذهب ... الحديث. وهذا هو المحفوظ عن ابن جريج دون الأول. وقد جاء في رواية هدبة [صدوق، وقال ابن عدي: لا أعرف له حديثا منكرا، توفى سنة 235 هـ] ، عن همام عن ابن جريج، ولا أعلمه إلا عن الزهري، عن أنس، وهذه تشعر بعدم تيقّن. فإن كانت من همام فقد قوى الظن بوهمه، وإن كانت من هدبة فلا تؤثر، لأن غيره ضبطه عن همام، كما أن بعض الرواة عن همام عن أنس، ولم يضر ذلك لاتفاق سائر الرواة عنه على الرفع. وروى ابن عدي أن هماما إنما وهم في إدراج قوله: كان إذا دخل الخلاء وضعه، فإن هذا من قول الزهري، وأما أول الحديث وهو أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما ولبسه فهو مرفوع، وقد جاء هذا مبينا في رواية عمر بن شبة [ثقة، مات 262 هـ] حدثنا حبان بن هلال [ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة 216 هـ] حدثنا همام عن ابن جريج عن الزهري، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حيث لبس خاتمه كان إذا دخل الخلاء وضعه. ووجه الحجة أنه إنما نزعه لأن نقشه كان: محمد رسول اللَّه، كما تقدم، وقد جاء ذلك مفسرا في رواية البيهقي من حديث يحى بن المتوكل عن ابن جريج عن الزهري عن أنس: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لبس خاتما نقشه محمد رسول اللَّه، وكان إذا دخل الخلاء وضعه. وروى الحافظ أبو بكر الجوزقانى من حديث المنهال بن عمرو [وثقه ابن معين] عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59   [ () ] وقد أورد ابن أبى شيبة [مولاهم الكوفي الحافظ، ولد سنة 159 هـ، وكان متقنا حافظا، توفى في المحرم سنة 235 هـ] في كتابه من طريق عكرمة وقال: كان ابن عباس إذا دخل الخلاء ناولني خاتمه، وعن ابن عباس أنه قال: كان سليمان بن داود عليهما السلام إذا دخل الخلاء نزع خاتمه فأعطاه امرأته. والرواية الثانية: لا يكره، وهي اختيار أبى على بن أبى موسى والسامري وصاحب المغنى، وبوّب الخلال في جامعه باب الخاتم فيه ذكر اللَّه عزّ وجلّ أو الدرهم يدخل الخلاء وهو معه، ولم يذكر في الخاتم سوى هذه النصوص لأحمد. وذكر في الدراهم ما رواه عنه صالح في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدرهم، قال: أرجو أن لا يكون به بأس. وهذا قول كثير من السلف، ابن الحسن، وابن سيرين، وابن المسيب، وعطاء، وعكرمة، والنخعي، وهو مذهب مالك، وإسحاق، وابن المنذر [شيخ الحرم وصاحب التصانيف الكثيرة 7 كان غاية في معرفة الاختلاف والدليل، مجتهدا لا يقلد أحدا، مات بمكة سنة 318 هـ] ، لأن الأصل عدم الكراهة، وصيانته تحصل بإطباق يده عليه وهو في باطن الكف، فلا يبقى مع ذلك محذور، ومتى كان في يساره أداره إلى يمينه لأجل الاستنجاء. وقد روى حديث عن على بن أبى طالب، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حوله في يمينه، فإذا توضأ حوله في يساره. وأورده الجوزقانى من جهة عمرو بن خالد [ليس بثقة كذاب] ، وقال: هو حديث منكر، وعمرو كذاب. وروى ابن عدي من حديث محمد بن عبيد اللَّه العرزميّ، عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتختم في خنصره الأيمن، فإذا دخل الخلاء جعل الكتابة مما تلى كفه. والعزرمي متروك. (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 170- 176. وفي ختام هذا الفصل نذكر ما قاله الحافظ ابن حجر في (الفتح) في أسماء الخاتم شعرا: خذ نظم عدّ لغات الخاتم انتظمت ... ثمانيا ما حواها قبل نظام خاتام خاتم ختم خاتم وختام ... خايتام وخيتوم وخيتام وهمر مفتوح تاء تاسع وإذا ... ساغ القياس أتم العشر خاتام (فتح الباري) : 10/ 388، كتاب اللباس، باب (45) خواتيم الذهب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 فضل ذكر جلسة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واحتبائه [الاحتباء: أن يقعد على أليته وينصب ساقيه، ويحتوي عليهما بثوب أو نحوه، ويقال لهذا الفعل: الحبو، بضم الحاء وكسرها، والاحتباء عادة للعرب في مجالسهم] . اعلم أنّ جلوس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجامع إما كان مربعا، أو محتبيا- وهو كان أكثر جلوسه- أو القرفصاء وشبهها من [جلسات] الوقار والتواضع. وقد خرّج أبو داود من حديث يونس بن عبيد، عن عبيدة أبى خداش، عن أبى تميمة الهجيمي، عن جابر بن سليم قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو محتب بشملة وقد وقع هدبها على قدميه [ (1) ] . وخرجه النّسائى من حديث قرّة بن خالد، عن قرّة بن موسى الهجيمي قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهو محتب ببردة، وإن هدبها لعلى قدميه قلت: يا رسول اللَّه! أوصني، قال: عليك باتقاء اللَّه، ولا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار فإنّها هي المخيلة وإن اللَّه لا يحبها. وذكر له [طرقا] ، وقد تقدم من رواية الإمام أحمد [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 339، كتاب اللباس، باب (23) في الهدب، حديث رقم (4075) . قوله: «محتب» أراد أنه كان جالسا على هيئة الاحتباء، والشملة بالفتح، ما يشتمل به من الأكسية، أي يلتحف به. [ (2) ] قال: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبى، حدثنا عثمان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا يونس، حدثنا عبيدة الهجيمي، عن أبى تميمة الهجيمي، قال: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محتب بشملة له، وقد وقع هدبها على قدميه، فقلت: أيكم محمد أو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فأومأ بيده إلى نفسه، فقلت: يا رسول اللَّه، إني من أهل البادية، وفىّ جفاؤهم فأوصنى، فقال: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 وللترمذي من حديث ربيح بن عبد الرحمن بن أبى سعيد، عن أبيه عن جده أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] قال: [كان] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا جلس في المسجد [ (1) ] احتبى بيديه [ (2) ] . ومن حديث قيلة بنت مخرمة [ (3) ] ، أنها رأت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في المسجد،   [ () ] أخاك ووجهك منبسط، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقى، وإن أمرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإنه يكون لك أجره وعليك وزره، وإياك وإسبال الإزار، فإن إسبال الإزار من المخيلة، إن اللَّه عزّ وجلّ لا يحب المخيلة، ولا تسبّنّ أحدا، فما سببت بعد أحدا، ولا شاة، ولا بعيرا. (مسند أحمد) : 6/ 56، حديث رقم (20112) . [ (1) ] في (خ) ، (ج) : «في المجلس» ، وما أثبتناه من (الشمائل) . [ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 116، حديث رقم (130) ، و (أخلاق النبي) : 247، (الكامل لابن عدي) : 3/ 174، من حديث ربيح بن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدريّ، رقم (32/ 682) ، وقال فيه: «إذا جلس في مجلس» ، (سنن أبى داود) : 5/ 175، كتاب الأدب، باب (25) في جلوس الرجل، حديث رقم (4846) ، ونسبه للمنذرى، قال أبو داود: عبد اللَّه بن إبراهيم شيخ منكر الحديث، (سنن البيهقي) : 3/ 236، وقال: تفرد به عبد اللَّه بن إبراهيم الغفاريّ هذا، وهو شيخ منكر الحديث، قاله أبو داود السجستاني وغيره، (سلسلة الأحاديث الصحيحة) : 2/ 497- 499، حديث رقم (827) ، وقد ساق الألباني لهذا الحديث كثيرا من الشواهد ثم قال: وبالجملة فالحديث صحيح، ولا يضر أن راويه متّهم، فقد يصدق الكذوب. وأي دليل على صدقه هنا أكبر من هذه الشواهد، وقد أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 18، حديث رجل من بنى سليط رضى اللَّه عنه رقم (16208) ، قال: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبى، حدثنا أبو عامر قال: حدثنا عباد- يعنى ابن راشد- عن الحسن من بنى سليط: أنه مرّ على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وهو قاعد على باب مسجده محتب، وعليه ثوب له قطر ليس عليه ثوب غيره، وهو يقول: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ثم أشار بيده إلى صدره يقول: التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، (فتح الباري) : 11/ 76- 77، كتاب الاستئذان، باب (34) الاحتباء باليد وهو القرفصاء، حديث رقم (6272) ، من حديث محمد بن فليح- عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيا بيده هكذا .... [ (3) ] هي قيلة بنت مخرمة التميمية، هاجرت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم مع حريث بن حسان، وقيل: الحارث بن حسان، وكان وافد بكر بن وائل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم (تهذيب التهذيب) : 12/ 474، ترجمة رقم (2875) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 وهو قاعد القرفصاء [ (1) ] ، قال: فلما رأيت المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق [ (2) ] .   [ (1) ] القرفصاء: جلسة المحتبي، وليس هو الّذي يحتبي بثوبه، ولكن الّذي يحتبي بيديه. [ (2) ] قال العلامة ابن القيم في (زاد المعاد) ، فصل في هديه صلى اللَّه عليه وسلم في جلوسه واتكائه: كان يجلس على الأرض، وعلى الحصير، والبساط، وقالت قيلة بنت مخرمة: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء، قالت: فلما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كالمتخشع في الجلسة، أرعدت من الفرق، ولما قدم عليه عدي بن حاتم، دعاه إلى منزله، فألقيت إليه الجارية وسادة يجلس عليها، فجعلها بينه وبين عدي، وجلس على الأرض، قال عدىّ: فعرفت أنه ليس بملك. وكان يستلقي أحيانا وربما وضع إحدى رجليه على الأخرى، وكان يتكىء على الوسادة، وربما اتكأ على يساره، وربما اتكأ على يمينه، وكان إذا احتاج في خروجه، توكأ على بعض أصحابه من الضعف (زاد المعاد) : 1/ 170. والحديث أخرجه الترمذي في (الشمائل المحمدية) : 155، باب (21) ما جاء في جلسة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (128) ، قوله: «القرفصاء» : هي جلسة ولها هيئتان: إحداهما: الاحتباء، وهي أن يجلس على مقعدته ناصبا رجليه، ويضم فخذيه إلى بطنه، ولكن يحتبي بيديه، أي يجعلهما حول ساقيه، قابضهما ببعضهما. والأخرى: أن يجلس على رجليه، ويجمع ركبتيه، ويضم بطنه إلى فخذيه واضعا يديه تحت إبطيه، وهذه الأخيرة هي المقصودة هنا، لما فيها من هيئة الخشوع والسكون والخضوع. قوله: «المتخشع» : التخشع المبالغة في الخشوع. قوله: «أرعدت من الفرق» : أرعدت أي أصبت. يرعدة وهي الاضطراب، والفرق: هو الخوف والفزع مما علاها من المهابة (المرجع السابق) . وللحديث شاهد عند أبى الشيخ في (أخلاق النبي) : 247، من طريق عبد اللَّه بن منيب عن أبيه عن جده عن أبى أمامة الحارثي قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا جلس جلس القرفصاء. وفي سنده ضعف. عبد اللَّه بن منيب هو ابن عبد اللَّه بن أبى أمامة بن ثعلبة الحارثي وهو صدوق، وأبوه مقبول عند المتابعة، وجده صدوق، وفي إسناده الفروى إسحاق بن محمد، وهو صدوق، لكن كف بصره فساء حفظه. وجملة القول: أن الحديث حسن، واللَّه تعالى أعلم (المرجع السابق) . وأخرجه الترمذي أيضا في (السنن) : 5/ 111، كتاب الأدب، باب (50) ما جاء في الثوب الأصفر، حديث رقم (2814) ، وقال أبو عيسى: حديث قيلة لا نعرفه إلا من حديث عبد اللَّه بن حسان، وأخرجه أبو داود في (السنن) 5/ 176، كتاب الأدب، باب (25) في جلوس الرجل، حديث رقم (4847) وقد تقدم طرف من هذا الحديث في كتاب الخراج من (سنن الترمذي) ، وهو حديث طويل، وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 3/ 235، باب الاحتباء المباح في غير وقت الصلاة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 ومن حديث سفيان عن الزهري، عن عبادة بن تميم، عن عمه، أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلم مستلقيا في المسجد، واضعا إحدى رجليه على الأخرى [ (1) ] .   [ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 116، حديث رقم (129) ، (سنن الترمذي) : 5/ 88، كتاب الأدب، باب (19) ، ما جاء في وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا، حديث رقم (765) ، (فتح الباري) : 1/ 740- 741، كتاب الصلاة، باب (85) الاستلقاء في المسجد ومد الرجل، حديث رقم (475) ، وعن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، قال كان عمر وعثمان يفعلان ذلك، (فتح الباري) : 10/ 488، 489، كتاب اللباس، باب (103) ، الاستلقاء ووضع الرجل على الأخرى، حديث رقم (5969) ، (فتح الباري) : 11/ 95، كتاب الاستئذان، باب (44) الاستلقاء، حديث رقم (6287) . «الاستلقاء» هو الاضطجاع على القفا، سواء كان معه نوم أم لا، وقد تقدمت هذه الترجمة وحديثها في آخر كتاب اللباس، قبيل كتاب الأدب، وتقدم بيان الحكم في أبواب المساجد من كتاب الصلاة، وذكرت هناك قول من زعم أن النهى عن ذلك منسوخ، وأن الجمع أولى، وأن محل النهى حيث تبدو العورة، والجواز حيث لا تبدو، وهو جواب الخطابي ومن تبعه، ونقلت قول من ضعّف الحديث الوارد في ذلك، وزعم أنه لم يخرج في الصحيح. وأوردت عليه بأنه غفل عما في كتاب اللباس من الصحيح، والمراد بذلك صحيح مسلم، وسبق القلم هناك فكتبت صحيح البخاري، وقد أصلحته في أصلى، ولحديث عبد اللَّه بن زيد في الباب شاهد من حديث أبى هريرة، صححه ابن حبان (المرجع السابق) . (مسلم بشرح النووي) : 14/ 323، كتاب اللباس والزينة، باب (22) في إباحة الاستلقاء، ووضع إحدى الرجلين على الأخرى، حديث رقم (2100) - قال الإمام النووي: قال العلماء: أحاديث النهى عن الاستلقاء رافعا إحدى رجليه على الأخرى محمولة على حالة تظهر فيها العورة أو شيء منها، وأما فعله صلى اللَّه عليه وسلم فكان على وجه لا يظهر منها شيء، وهذا لا بأس به ولا كراهة فيه على هذه الصفة. وفي هذا الحديث جواز الاتكاء في المسجد والاستلقاء فيه. قال القاضي: لعله صلى اللَّه عليه وسلم فعل هذا لضرورة أو حاجة من تعب، أو طلب راحة أو نحو ذلك. قال: وإلا فقد علم أن جلوسه صلى اللَّه عليه وسلم في المجامع على خلاف هذا، بل كان يجلس مرتبعا، أو محتبيا، وهو كان أكثر جلوسه، أو القرفصاء، أو مقعيا، وشبهها من جلسات الوقار، والتواضع. قلت: ويحتمل أنه صلى اللَّه عليه وسلم فعله لبيان الجواز، وأنكم إذا أردتم الاستلقاء فليكن هكذا، وأن النهى الّذي نهيتكم عن الاستلقاء ليس هو على الإطلاق، بل المراد به من ينكشف شيء من عورته أو يقارب انكشافها، واللَّه تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي) : 14/ 322- 323. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 فصل في ذكر خضاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرّج الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه، من حديث سلام بن أبى مطيع، عن عثمان بن عبد اللَّه بن موهب قال: دخلنا على أم سلمة رضى اللَّه عنها، فأخرجت إلينا شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مخضوبا بالحناء والكتم [ (1) ] . وخرّج ابن عدي من حديث غيلان بن جامع، عن إياد بن لقيط، عن أبى رمثة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخضب بالحناء والكتم، وكان شعره يبلغ كتفيه أو منكبيه [ (2) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 420- 421، حديث رقم (25995) ولفظه: دخلنا على أم سلمة فأخرجت إلينا من شعر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا هو مخضوب أحمر بالحناء والكتم. وحديث رقم (25999) ولفظه: دخلت على أم سلمة، فأخرجت إلينا شعرا من شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مخضوبا بالحناء والكتم. كلاهما عن عثمان بن عبد اللَّه، من حديث أم سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] (الكامل لابن عدي) : 4/ 98، ترجمة الضحاك بن حمرة- بالراء المهملة- الأملوكي الواسطي رقم (3/ 946) ، ضعّفوه، وذكره ابن حبان في (الثقات) : 6/ 484. قال الحافظ ابن حجر: الضحاك بن حمرة- بالراء المهملة- الأملوكي الواسطي، أرسل عن أنس، وروى عن عمرو بن شعيب والحجاج بن أرطاة وقتادة وغيرهم، وعنه بقية وأبو سفيان سعيد بن يحيى الحميري .... قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو الجوزجاني: غير محمود في الحديث، وقال النسائي والدّولابىّ: ليس بثقة، وذكره ابن حبان في (الثقات) ، وله عنده حديث في ترجمة أبى سفيان الحميري. قال الحافظ ابن حجر: حسّن الترمذي حديثه، وقال ابن زنجويه: حدثنا إسحاق، حدثنا بقية عن الضحاك وكان ثقة، وقال البرقاني عن الدار قطنى ليس بالقوى يعتبر به، وقال ابن عدي: أحاديثه غرائب، وقال [في] بعض النسخ: متروك الحديث. وقال ابن شاهين في (الثقات) : وثقه إسحاق بن راهويه، قلت: وهو كما قال في مسندة أنه ثقة: (تهذيب التهذيب) : 4/ 389- 390، ترجمة رقم (781) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 ومن حديث عمر بن قيس المكيّ، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يخضب بالحناء والكتم، ويقول: غيّروا فإن اليهود لا تغيّر [ (1) ] . وقد روى عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: حدثنا سفيان عن إياد بن لقيط، عن أبى رمثة قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فرأيته قد لطخ لحيته بالحناء. وخرّجه الترمذي في (الشمائل) ، من حديث عبد الملك بن عمير، عن إياد بن لقيط العجليّ، عن أبى رمثة التيمي قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم ومعى ابن لي، قال: فأريته، فقلت لما رأيته: هذا نبي اللَّه وعليه ثوبان أخضران، وله شعر قد علاه الشيب وشيبة أحمر [ (2) ] . وفي رواية عن إياد [بن لقيط] [ (3) ] قال: أخبرنى أبو رمثة قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] مع ابن لي، فقال ابنك [هذا] [ (3) ] ؟ فقلت: نعم، أشهد به، قال: لا يجنى عليك ولا تجنى عليه، قال: ورأيت الشيب أحمر. قال أبو عيسى: هذا أحسن شيء روى في هذا الباب وأفسر لأن الروايات الصحيحة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يبلغ الشيب [ (5) ] . ولأبى داود من حديث عبد العزيز بن سلمة، عن زيد بن أسلم، أن ابن   [ (1) ] (الكامل لابن عدي) : 5/ 8، ترجمة عمر بن قيس المكيّ رقم (219/ 1186) ، وهو عمر بن قيس المكيّ أبو جعفر المعروف بسندل، مولى آل بنى أسد، وقيل: مولى آل منظور بن يسار. ضعّفه جميع نقاد الحديث، له ترجمة وافية في: (تهذيب التهذيب) : 7/ 431، ترجمة رقم (618) ، (ميزان الاعتدال) : 3/ 218، ترجمة رقم (6187) . [ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 58- 59، حديث رقم (43) . [ (3) ] زيادة للنسب من (الشمائل) . [ (4) ] في (المرجع السابق) : «رسول اللَّه» . [ (5) ] (الشمائل المحمدية) : 60، باب (6) ما جاء في خضاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (45) ، وقال في آخره: وأبو رمثة اسمه رفاعة بن يثربى التيميّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 عمر كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، فقيل له: لم تصبغ بالصفر؟ قال: إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ بها، ولم يكن شيء أحب إليه منها، وقد كان يصبغ ثيابه كلّها حتى عمامته [ (1) ] . وخرّجه النّسائى ولفظه: رأيت ابن عمر يصفر لحيته بالخلوق، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن! إنك تصفرّ لحيتك بالخلوق، قال [ (2) ] : إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصفرّ بها لحيته، ولم يكن شيء من الصّبغ أحب إليه منها، ولقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته [ (3) ] . [قال أبو عبد الرحمن: وهذا أولى بالصواب من حديث قتيبة] [ (4) ] . وقد خالف الدراوَرْديّ عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار، فرواه عن زيد ابن أسلم، عن عبيد بن جريج قال: رأيت ابن عمر يصفر لحيته، فقلت له في ذلك، فقال: إني رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصفر لحيته، قال النسائي: وهو أولى بالصواب [من] الّذي قبله [ (5) ] . ولأبى داود والنسائي،، من حديث ابن أبى روّاد، عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يلبس النعال السبتية، ويصفر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل [ (6) ] ذلك. وقد تقدم حديث مالك عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج،، عن ابن عمر، وفيه: وأما الصفرة،   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 333- 334، كتاب اللباس، باب (18) ، في المصبوغ بالصفرة، حديث رقم (4064) ، كتاب الترجل باب (18) في الخضاب، حديث رقم (4206) - (4208) . [ (2) ] في (خ) : «فقال» . [ (3) ] (سنن النسائي) : 8/ 517، كتاب الزينة، باب (17) ، الخضاب بالصفرة، حديث رقم (5100) . [ (4) ] زيادة من (المرجع السابق) . [ (5) ] كذا في النظامية، وفي إحدى نسخها: «من حديث قتيبة» . [ (6) ] (سنن أبى داود) : 4/ 417- 418، كتاب الترجل، باب (19) ما جاء في الخضاب بالصفرة، حديث رقم (4210) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يصبغ] بها، فأنا أحب أن أصبغ بها [ (1) ] . وخرّج الطبراني من حديث عبد الرحمن بن عبد الصمد العمى، عن جعفر بن محمد، وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان أكثر شيب النبي صلى اللَّه عليه وسلم في الرأس في فودى رأسه [ (2) ] ، وكان أكثر شيبة في لحيته حول الذقن، وكان شيبة كأنه خيوط الفضة يتلألأ بين سواد الشعر، وإذا مسّه بصفرة- وكان كثيرا ما يفعل ذلك- صار كأنه خيوط الذهب. ولقاسم بن أصبغ من حديث مروان بن سالم، عن عبد اللَّه بن همام قال: قلت: يا أبا الدرداء، بأي شيء كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخضب؟ قال: يا ابن أخى، أو يا بنى، ما بلغ منه الشيب ما كان يخضبه، ولكنه قد كان منه ها هنا شعرات بيض، وكان يغسله بالحناء والسّدر [ (3) ] . ومن حديث شريك عن عثمان بن موهب قال: رأيت شعر النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند بعض نسائه أحمر [ (4) ] . ومن حديث سلام بن أبى مطيع، عن عثمان بن عبد اللَّه بن موهب قال: دخلت على أم سلمة رضى اللَّه عنها فأخرجت إلينا شعر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مخضوبا بالحناء والكتم [ (5) ] . ومن حديث شريك عن سدير الصيرفي عن أبيه قال: كان على رضى اللَّه   [ (1) ] سبق تخريجه في الكلام على الخف، ص 25 من هذا الجزء. [ (2) ] الفود: معظم شعر الرأس مما يلي الأذن، وفودا الرأس: جانباه، والجمع أفواد، والفودان: واحدهما فود، وهو معظم شعر اللمة مما يلي الأذن، والفودان: قرنا الرأس وناصيتاه، ويقال بدا الشيب بفوديه، وفي الحديث: كان أكثر شيبة في فودى رأسه أي ناحيتيه. (لسان العرب) : 3/ 340. [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 432. [ (4) ] (المرجع السابق) : 1/ 437. [ (5) ] (المرجع السابق) : 1/ 437. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 عنه لا يخضب، فذكرت ذلك لمحمد بن على، قال: قد خضب من هو خير منه، رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ومن حديث ضمرة عن على بن أبى حملة قال: كان رجاء بن حيوة لا يغيّر الشيب فحجّ، فشهد عنده أربعة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غيّر، قال: فغيّر في بعض المياه. وذكر البخاري من حديث الليث، عن خالد، عن سعيد بن أبى هلال، عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن [قال] [ (1) ] :، سمعت أنس [ (2) ] بن مالك يصف النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: كان ربعة من القوم ... وذكر الحديث إلى قوله: وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. قال ربيعة: فرأيت شعرا من شعره، فإذا هو أحمر، فسألت، فقيل: احمرّ من الطيب [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (2) ] في (خ) ، (ج) : «أنسا يصف» . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 699- 700، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3547) ، (3548) ، 10/ 436، كتاب اللباس، باب (68) الجعد، حديث رقم (5900) . قوله: «وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء» أي بل دون ذلك، ولابن أبى خيثمة من طريق أبى بكر بن عياش، قلت لربيعة: جالست أنسا؟ قال: نعم، وسمعته يقول: شاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشرين شيبة هاهنا يعنى النعفقة. ولإسحاق بن راهويه، وابن حبان، والبيهقي من حديث ابن عمر: كان شيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة بيضاء في مقدمة. وقد اقتضى حديث عبد اللَّه بن بسر أن شيبة كان لا يزيد على عشر شعرات لإيراده بصيغة جمع القلة، لكن خصّ ذلك بعنفقته فيحمل الزائد على ذلك في صدغيه كما في حديث البراء. لكن وقع عند ابن سعد بإسناد صحيح، عن حميد، عن أنس في أثناء حديث قال: ولم يبلغ ما في لحيته من الشيب عشرين شعرة، وقد روى ابن سعد أيضا بإسناد صحيح، عن ثابت، عن أنس، قال: ما كان في رأس النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة. ولابن أبى خيثمة من حديث حميد عن أنس: لم يكن في لحية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشرون شعرة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 فذهب جماعة من أهل العلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يخضب بالحناء، ويصفر شيبة، على أنهم مجمعون أنه إنما شاب منه عنفقته وشيء من صدغيه لا غير، وقال آخرون: لم يخضب [ (1) ] . وذكروا حديث إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، فإذا ادّهن وأمتشط لم يتبيّن شيبة، فإذا أشعث كان متبيّنا، وكان كثير شعر الرأس واللحية [ (2) ] . وحديث هشام عن قتادة قال: سألت سعيد بن المسيب: أخضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: لم يبلغ ذلك [ (3) ] .   [ () ] بيضاء. قال حميد: كن سبعة عشرة. وفي مسند عبد بن حميد، من طريق حماد عن ثابت، عن أنس: ما عددت في رأسه ولحيته إلا أربع عشرة شعرة. وعند ابن ماجة من وجه آخر عن أنس: إلا سبع عشرة أو عشرين شعرة. وروى الحاكم في (المستدرك) ، من طريق عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن أنس قال: لو عددت ما أقبل عليّ من شيبة في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة. قوله: «فرأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر فسألت فقيل: «احمرّ من الطيب» ، لم أعرف المسئول المجيب بذلك، إلا أنه في رواية ابن عقيل المذكورة من قبل، أن عمر بن عبد العزيز قال لأنس: هل خضب النبي صلى اللَّه عليه وسلم؟ فإنّي رأيت شعرا من شعره قد لون، فقال: إنما هذا الّذي لون من الطيب الّذي كان يطيب به شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فهو الّذي غيّر لونه، فيحتمل أن يكون ربيعة سأل أنسا عن ذلك فأجابه. ووقع في (رجال مالك) للدارقطنيّ، وهو في (غرائب مالك) له، عن أبى هريرة قال: لما مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم خضب من كان عنده شيء من شعره ليكون أبقى لها. قال الحافظ ابن حجر: فإن ثبت هذا استقام إنكار أنس، ويقبل ما أثبته سواه التأويل. (فتح الباري) : 6/ 707- 708 مختصرا. [ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 709، (طبقات ابن سعد) : 1/ 433. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 105، كتاب الفضائل، باب (29) ، شيبة صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (109) ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 433. [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 433. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 وحديث عاصم بن على، أخبرنا محمد بن راشد عن مكحول عن موسى بن أنس عن أبيه قال: لم يبلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الشيب ما يخضب [ (1) ] . وحديث على بن الجعد، حدثنا زهير بن معاوية، عن حميد الطويل قال: سئل أنس رضى اللَّه عنه عن الخضاب فقال: خضب أبو بكر رضى اللَّه عنه بالحناء والكتم، وخضب عمر بالحناء وحده [ (2) ] . قيل: فرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: لم يكن في لحيته عشرون شعرة بيضاء، فأصغى حميد إلى رجل عن يمينه فقال: كنّ سبع عشرة [ (3) ] . [ووضع يده على عنفقته] [ (4) ] . وذكر مالك في الموطّإ عن يحيى بن سعيد قال: أخبرنى محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، أن عبد الرحمن بن الأسود ابن عبد يغوث قال- وكان جليسا لهم وكان أبيض الرأس واللحية [ (5) ]-[قال:] [ (6) ] فغدا عليهم ذات يوم وقد حمّرهما، قال: فقال له القوم: هذا أحسن، فقال: إن أمى عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أرسلت إليّ البارحة جارتها نخيلة، فأقسمت عليّ لأصبغنّ، وأخبرتنى أن أبا بكر الصديق [رضى اللَّه   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 102، كتب الفضائل، باب (29) ، شيبة صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (101) ، بسياقه أطول من ذلك وسند آخر. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (103) من حديث حماد، حدثنا ثابت قال: سئل أنس بن مالك عن خضاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: لو شئت أن أعد شمطات كنّ في رأسه فعلت، وقال: لم يختضب وقد اختضب أبو بكر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء. [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 431. [ (4) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) . [ (5) ] كذا في الأصلين، وفي (الموطأ) : «أبيض اللحية والرأس» . [ (6) ] زيادة من الأصلين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 عنه كان] [ (1) ] يصبغ [ (2) ] . قال مالك رحمه اللَّه: هذا الحديث بيان أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يصبغ، ولو صبغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لأرسلت بذلك عائشة رضى اللَّه عنها إلى عبد الرحمن بن الأسود [ (3) ] . وقالوا: الصّبغ الّذي ذكر في حديث ابن عمر بالصفرة، هو صبغ الثياب لا صبغ اللحية، كما ذكر مالك عن نافع، أن عبد اللَّه بن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق [ (4) ] ، [والثوب] [ (5) ] المصبوغ بالزعفران [ (6) ] . وكما رواه قاسم بن أصبغ، من حديث سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر أنه كان يصبغ ثيابه بالصفرة حتى عمامته [ (7) ] . وذكر ابن عمر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يصبغ بالصّفرة [ (7) ] . وذكره ابن وهب عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم مرسلا، ومن حديث القعنبي، أخبرنا عبد اللَّه بن زيد بن أسلم، عن أبيه أن ابن عمر كان   [ (1) ] زيادة من الأصلين. [ (2) ] (موطأ مالك) : 677، كتاب الجامع، ما جاء في صبغ الشعر، حديث رقم (1727) ، ثم قال: قال يحيى: سمعت مالكا يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئا معلوما، وغير ذلك من الصبغ أحبّ إليّ. قال: وترك الصبغ كلّه واسع إن شاء اللَّه، ليس على الناس في ذلك ضيق. [ (3) ] (موطأ مالك) : 677، كتاب الجامع، ما جاء في صبغ الشعر، تعقيبا على الحديث رقم (1727) . [ (4) ] الصباغ الأصفر على الأغلب. [ (5) ] زيادة للسياق من (الموطأ) . [ (6) ] (موطأ مالك) : 655، كتاب الجامع، ما جاء في لبس الثياب المصبّغة والذهب، حديث رقم (1648) ، وتمامه: قال مالك: وأنا أكره أن يلبس الغلمان شيئا من الذهب، لأنه بلغني أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نهى عن تختم الذهب، فأنا أكرهه للرجال، الكبير منهم والصغير. قال مالك في الملاحف المعصفرة في البيوت للرجال، وفي الأفنية، قال: لا أعلم من ذلك شيئا حراما، وغير ذلك من اللباس أحب إليّ. [ (7) ] سبق تخريجه والتعليق عليه، فليراجع في بابه من الجزء السادس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 يصبغ ثيابه بالزعفران، فقيل له، فقال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ به، ورأيته يحبه، أو رأيته أحبّ الصبغ إليه. قال ابن عبد البر: وقد روى أنه كان يخضب، وليس بقوى، - والصحيح أنه لم يخضب، ولم يبلغ من الشيب ما يخضب له، وعارض من ذهب إلى أنه صلى اللَّه عليه وسلم اختضب بحديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس [رضى اللَّه عنه قال] : إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل أو ما في معنى ذلك من الأحاديث، وبأنه اختلفت الرواية عن أنس. فخرج الترمذي من حديث عمرو بن عاصم قال: أخبرنا حماد بن سلمة، حدثنا حميد عن أنس قال: رأيت شعر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مخضوبا [ (1) ] .   [ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 62، باب ما جاء في خضاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (48) . (49) كلاهما عن أنس بن مالك، والحديث الأول صحيح، والثاني إسناده حسن، وظاهر الحديث يخالف المشهور من حديث أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يخضب، والجمع بين هذه الأحاديث بحمل الخضاب هنا على تغير لون الشعر من الطيب ونحوه، لا على الخضاب بالحناء، كما جاء في (طبقات ابن سعد) : 1/ 436، من حديث ربيعة بن أبى عبد الرحمن، قال: رأست شعرا من شعره يعنى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هو أحمر، فسألت عنه فقيل لي: احمرّ من الطيب، ونحو هذا ما رواه الحاكم في (المستدرك) : 2/ 663- 664 ، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4201) ، وقال في (التلخيص) : صحيح، من حديث عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، وفيه: وإنما هذا الّذي لوّن من الطيب الّذي كان يطيب شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وهذا الجمع لطرق حديث أنس أولى من الحكم على حديث حميد وابن عقيل بالشذوذ، لأن إعمال الحديث أولى من إهماله. وبذلك تتفق الروايات عن أنس. ولكن يشكل على هذا الجمع ما ثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم: أنه كان يخضب، كما في حديث أم سلمة، وأبى رمثة، وغيرهما، والجواب على هذا: أن المثبت مقدم على النافي، لأن معه زيادة علم، والزيادة من الثقة مقبولة. ويمكن الجمع بما قاله النووي رحمه اللَّه: والمختار أنه صلى اللَّه عليه وسلم خضب في وقت، دل عليه حديث ابن عمر في الصحيحين، وتركه في معظم الأوقات، فأخبر كل بما رأى وهو صادق، واللَّه تعالى أعلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 وقال يعقوب بن سفيان: حدثني يوسف بن كامل، حدثنا مبارك بن فضالة، حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن عقيل بن أبى طالب قال: سألت أنس ابن مالك [رضى اللَّه عنه] : هل كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخضب؟ قال: ما أرى، قلت: فإنه كان عندنا من شعره شعر فيه صفرة، قال أنس [رضى اللَّه عنه] : إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يمسّه بصفرة، قالوا: فقول أنس: ما أرى، إخبار عن ظن، وقوله: لم يخضب شهادة على نفى، وقد قطع غيره من الصحابة مثل عبد اللَّه بن عمر، وأبى رمثة البلوى، وعبد اللَّه بن زيد صاحب الأذان، على أنه خضب، والإثبات مقدم على النفي. وهذا جواب الإمام أحمد بن حنبل- رحمه اللَّه- حين قيل له: إن أنسا يقول: [إنه] لم يخضب، قلت: والّذي عندي أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يبلغ من الشيب ما يقتضي الخضاب كما أجمعوا عليه، ومع ذلك فكان يغير أحيانا ما شاب من شعره، وأحيانا يتركه بحاله. وبهذا أرجو- إن شاء اللَّه- أن يكون الصواب، واللَّه أعلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 فصل في ذكر ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يفعله في شعره [قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا مندل عن ابن جريج قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مشط من عاج يتمشط به] [ (1) ] . [و] خرج ابن حبان من حديث وكيع، عن الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشيّ عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يكثر تسريح رأسه ولحيته بالماء [ (2) ] . وللترمذي من حديث أبى العلاء الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن، عن رجل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أن النبي عليه السلام، كان يترجّل غبّا [ (3) ] .   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 484، ذكر مشط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومكحلته ومرآته وقدحه، وفيه «مشط عاج» ، وما بين الحاصرتين في النسخة (خ) وليس في (ج) ، ولعله سقط من الناسخ. [ (2) ] (أخلاق النبي) : 137، (الإحسان) : 12/ 295، كتاب الزينة والطيب، ذكر الزجر عن الترجل في كل يوم لمن به الشعر، حديث رقم (5484) ، وسيأتي في تخريجه في الكلام عن الحديث التالي. [ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 53- 54، باب ما جاء في ترجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم 36، وهذا الحديث إسناده ضعيف تفرد به المصنف [الترمذي] ، ورجاله ثقات، غير يزيد بن أبى خالد، وهو ابن عبد الرحمن الدلانى، فهو صدوق يخطئ كثيرا، وقال الحافظ: وذكره الكرابيسي في (المدلسين) ، وأبو العلاء هو داود بن عبد اللَّه الأودي الزعافرى، وهو ثقة، وحميد بن عبد الرحمن هو الحميري البصري وهو ثقة ... وشيخ المصنف [الترمذي] صدوق، وحسّنه العراقي في (تخريج أحاديث الإحياء) ، ولعله يقصد لشواهده. وقد أخرج الترمذي في (الشمائل) : 52- 53، حديث رقم (35) ، من حديث يحيى بن سعيد عن هشام بن حسان، عن الحسن البصري، عن عبد اللَّه بن مغفل قال: نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن الترجل إلا غبّا، وهو حديث صحيح، أخرجه الترمذي أيضا في (السنن) : 4/ 205، كتاب اللباس، باب (22) ما جاء في النهى عن الترجل إلا غبّا، حديث (1756) ، ثم قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام عن الحسن، بهذا الإسناد نحوه. قال أبو عيسى: هذا حديث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 ومن حديث أبى الشعثاء، عن مسروق عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليحبّ التيمّن في طهوره إذا تطهّر، وفي ترجّله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل [ (1) ] .   [ () ] حسن صحيح، قال: وفي الباب عن أنس، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 392، كتاب الترجل، باب (1) بدون ترجمة، حديث رقم (4159) ، ثم قال ضمن الحديث رقم (4160) : إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان ينهانا عن كثرة الإرفاه، قال الخطابي في (معالم السنن) : 393: معنى الإرفاه: الاستكثار من الزينة، وأن لا يزال يهيئ نفسه، وأصله من الرفه، وهو أن ترد الإبل الماء كل يوم، فإذا وردت يوما ولم ترد يوما فذلك الغبّ ... ومنه أخذت الرفاهيّة، وهي الخفض والدعة، كره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الإفراط في التنعم والتدلك، والتدهن والترجيل، في نحو ذلك من أمر الناس، فأمر صلى اللَّه عليه وسلم بالقصد في ذلك، وليس معناه ترك الطهارة والتنظيف، فإن الطهارة والنظافة من الدين، وأخرجه النسائي في (السنن) : 8/ 507، كتاب الزينة، باب (6) الأخذ من الشعر، حديث رقم (5069) ولفظه: نهانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم، وفي باب (7) الترجل غبا، حديث رقم (5070) عن الحسن عن عبد اللَّه بن مغفل، وحديث رقم (5071) عن قتادة عن الحسن، وفي باب (62) الترجّل، حديث رقم (5254) ، من حديث ابن علية عن الجريريّ، عن عبد اللَّه بن بريدة، أن رجلا من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقال له: عبيد قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان ينهى عن كثير من الإرفاه، قال: منه الترجل، [وهو من شواهد صحته] . والحديث رجاله ثقات، رجال الشيخين، لكن الحسن البصري مدلس، وقد عنعنه، وللحديث شواهد يصح بها، فقد أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 44، حديث رقم (16351) ، 5/ 84، حديث رقم (16564) ، وأبو نعيم في (حلية الأولياء) : 6/ 276، ترجمة هشام بن حسان رقم (375) ، وابن حبان في (الصحيح) : 12/ 295، كتاب الزينة، ذكر الزجر عن الترجل في كل يوم لمن به شعر، حديث رقم (5484) ، والعقيلي في (الضعفاء الكبير) : 4/ 137، في ترجمة محمد بن موسى الجريريّ، عن جويرية، رقم (1698) ، ثم قال: ولا يتابع عليه، وساق الحديث ثم قال في آخره: وقد روى هذا من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا، والحديث بشواهده صحيح، واللَّه تعالى أعلم. [ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 52، باب (4) ما جاء في ترجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (34) .، باب (11) ما جاء في نعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (86) ، وأخرجه البخاري في (الصحيح) : كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل، حديث رقم (168) ، وفي كتاب الصلاة، باب دخول المسجد وغيره حديث رقم (426) ، وفي كتاب الأطعمة، باب التيمن في الأكل وغيره، حديث رقم (5380) ، وفي كتاب اللباس، باب يبدأ بالنعل اليمنى، حديث رقم (5854) ، وباب الترجل والتيمن فيه، حديث رقم (5926) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 ومن حديث بقية عن عمرو بن خالد، عن قتادة عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل، وضع له سواكه، وطهوره، ومشطه، فإذا أهبّه اللَّه من الليل، استاك، وتوضأ، وأمتشط [ (1) ] . وخرّج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، قال: [كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يجب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به] [ (2) ] [و] [ (2) ] كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم،   [ () ] وأخرجه مسلم في (الصحيح) : كتاب الطهارة، باب التيمن في الطهور وغيره، حديث رقم (268) ، وأخرجه أبو داود في (السنن) : كتاب اللباس، باب في الانتعال، حديث رقم (4140) ، وأخرجه الترمذي في (السنن) : كتاب الصلاة، باب ما يستحب من التيمن في الطهور، حديث رقم (608) ، وأخرجه النسائي في (السنن) : كتاب الطهارة، باب بأي الرجلين يبدأ الغسل، حديث رقم (112) ، وكتاب الغسل والتيمم، باب التيمن في الطهور، حديث رقم (421) ، وكتاب الزينة، باب التيامن في الترجل، حديث رقم (5240) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : كتاب الطهارة وسننها، باب التيمن في الوضوء، حديث رقم (401) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 136، حديث رقم (24106) ، 7/ 188، حديث رقم (24469) ، 7/ 212، حديث رقم (24620) ، 7/ 269، حديث رقم (25018) ، 7/ 289، حديث رقم (25136) ، 7/ 300، حديث رقم (25235) . [ (1) ] لم أجده بهذه السياقة، والثابت من حديث عائشة رضى اللَّه تعالى عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوضع له وضوؤه وسواكه، فإذا قام من الليل تخلى ثم استاك. وفي رواية: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا تسوّك قبل أن يتوضأ. وفي رواية مسلم عن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة: بأي شيء كان يبدأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك. (جامع الأصول) : 7/ 177، سنن الوضوء، حديث رقم (5175) . وأخرج ابن سعد في (الطبقات) : أخبرنا عفان بن مسلم أو غيره، عن همام بن يحيى، عن على ابن زيد قال: حدثتنا أم محمد، عن عائشة رضى اللَّه عنها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يرقد ليلا ولا نهارا فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ. [و] أخبر سعيد بن منصور، أخبرنا هشيم قال: أخبرنا أبو حرّة عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة رضى اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يوضع له السواك من الليل، وكان استأنف السواك فكان إذا قام من الليل استاك، ثم توضأ، ثم صلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ثماني ركعات ثم أوتر. (طبقات ابن سعد) : 1/ 483، ذكر سواك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] زيادة للسياق من (البخاري) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 وكان المشركون يفرقون رءوسهم، فسدل رسول اللَّه ناصيته، ثم فرق بعد [ (1) ] . وخرّجه مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] ، وذكره البخاري في كتاب المناقب، في باب: صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، [و] في آخر كتاب الهجرة [ (4) ] ، في باب: إتيان اليهود النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين قدم المدينة، ولفظه: عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رءوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم فرق النبي صلى اللَّه عليه وسلم رأسه [ (5) ] . وخرّج النسائي [ (6) ] بنحوه وقال فيه: ثم فرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد ذلك..   [ (1) ] الحديث سياقه مضطرب في (الأصلين) ، وصوبناه من (فتح الباري) : 10/ 442، كتاب اللباس، باب (70) الفرق، حديث رقم (5917) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 96- 97، كتاب الفضائل، باب (24) ، في سدل النبي صلى اللَّه عليه وسلم شعره وفرقه، حديث رقم (2336) ، ثم قال: وحدثني أبو الطاهر، أخبرنا ابن وهب، أخبرنى يونس، عن ابن شهاب بهذا الإسناد نحوه. [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 407- 408، كتاب الترجل، باب (10) ما جاء في الفرق، حديث رقم (4188) ، وحديث رقم (4189) ، عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: كنت إذا أردت أن أفرق رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صدعت الفرق من يافوخه وأرسل ناصيتيه بين عينيه. [ (4) ] في بعض النسخ: «كتاب مناقب الأنصار» . [ (5) ] (فتح الباري) : 7/ 2349، كتاب مناقب الأنصار، باب (52) ، إتيان اليهود النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين قدم المدينة، حديث رقم (3944) ، وأخرجه البخاري أيضا في باب (22) صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم من كتاب المناقب، حديث رقم (3558) في (فتح الباري) : 6/ 701. [ (6) ] (سنن النسائي) : 8/ 567- 568، كتاب الزينة باب (61) فرق الشعر، حديث رقم (5253) ، وأخرجه الترمذي في (الشمائل المحمدية) : 49- 50، حديث رقم (30) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1199، كتاب اللباس، باب (36) ، اتخاذ الجمة والذوائب، حديث رقم (3632) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 430، ذكر شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 وخرّج الإمام أحمد [ولفظه قال:] [ (1) ] سدل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ناصيته ما شاء اللَّه أن يسدلها، ثم فرق بعد [ (2) ] . [قال الحافظ أبو نعيم: غريب من حديث مالك وزياد متصلا، تفرد به أحمد عن حماد، ورواه روح بن عبادة، عن مالك بن أنس، عن زياد عنه من دون أنس، والمشهور الثابت من حديث الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس] [ (3) ] . وخرّج الترمذي من حديث البيع بن صبيح، عن يزيد بن أبان، عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته [ (4) ] ، [ويكثر القناع   [ (1) ] زيادة للسياق وتقويم النص لاختلاف الأصلين في هذه الفقرة. [ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 83، حديث رقم (12842) . قال الحافظ ابن حجر: واختلفوا في معنى قوله: «يحب موافقة أهل الكتاب» ، فقيل للاستئناف، وقيل: المراد أنه كان مأمورا باتباع شرائعهم فيما لم يوح إليه بشيء، وما علم أنهم لم يبدلوه. واستدل به بعضهم على أن شرع من قبلنا شرع لنا حتى يرد في شرعنا ما يخالفه. وعكس بعضهم فاستدل به على أنه ليس بشرع لنا، لأنه لو كان كذلك لم يقل: «يحب» ، بل كان يتحتم الاتباع. والحق أن لا دليل في هذا على المسألة، لأن القائل به يقصره على ما ورد في شرعنا أنه شرع لهم، لا ما يؤخذ عنهم هم، إذ لا وثوق بنقلهم، والّذي جزم به القرطبي أنه كان يوافقهم لمصلحة التأليف محتمل، ويحتمل أيضا- وهو أقرب- أن الحالة التي تدور بين الأمرين لا ثالث لهما، إذا لم ينزل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرع كان يعمل فيه بموافقة أهل الكتاب لأنهم أصحاب شرع بخلاف عبدة الأوثان فإنّهم ليسوا على شريعة، فلما أسلم المشركون، انحصرت المخالفة في أهل الكتاب فأمر بمخالفتهم. وقد جمعت المسائل التي وردت الأحاديث فيها بمخالفة أهل الكتاب فزادت على الثلاثين حكما، وقد أودعتها كتابي الّذي سميته (القول الثبت في الصوم يوم السبت) [للحافظ ابن حجر] . ويؤخذ من قول ابن عباس في الحديث: «كان يجب موافقة أهل الكتاب» ، وقوله: «ثم فرق» بعد نسخ حكم تلك الموافقة كما قررته وللَّه الحمد، ويؤخذ منه أنه شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ. (فتح الباري) : 10/ 443- 444، كتاب اللباس، شرح حديث الباب. [ (3) ] ما بين الحاصرتين من (خ) فقط وليس في (ج) ، ولعله سقط من الناسخ. [ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 51، باب ما جاء في ترجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (33) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 حتى كأن ثوبه ثوب زيات] [ (1) ] . وللإمام أحمد [ (2) ] والدار قطنى [ (3) ] من حديث زكريا بن عدي، أخبرنا عبيد اللَّه بن عمرو عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن عروة عن عائشة، قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي [ (4) ] ، وأشنان [ (5) ] ، ودهنه بزيت غير كثير.   [ (1) ] زيادة للسياق من (الشمائل) ، وأخرجه البيهقي في (شعب الإيمان) : 5/ 226، فصل في إكرام الشعر وتدهينه وإصلاحه، حديث رقم (6465) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 484، ذكر مشط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومكحله ومرآته وقدحه، الشوكانى في (الفوائد المجموعة) ، باب الخضاب والطيب وقص الظفر والشارب وتسريح الشعر والختان، حديث رقم (14) ، وأخرجه العراقي في (تخريج أحاديث الإحياء) : 4/ 357، وقال: أخرجه الترمذي من حديث أنس بسند ضعيف، والزبيدي في (إتحاف السادة المتقين) : 11/ 694، كتاب الفقر والزهد، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 173، وفي معناه أخرج الذهبي في (ميزان الاعتدال) : 1/ 488، في ترجمة الحسن بن دينار- وقيل: الحسن بن واصل رقم (1843) ولفظه، عن قتادة عن أنس قال: ما رأيت أحدا أدوم قناعا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حتى كأن ملحفته ملحفة زيات. ثم قال في آخره: هذا خبر منكر جدا، وبكر لا يعرف. - يعنى بكر ابن السميدع- أحد رواته، وذكره الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) : 2/ 351، حديث رقم (720) ، ثم بين أن إسناده ضعيف، وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل) : 114، باب (20) ما جاء في تقنع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (127) ، وهو في درجة الحديث السابق وبنفس تخريجه، واللَّه تعالى أعلم. [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 115، حديث رقم (23969) ، حديث رقم (25460) ولفظه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أراد أن يحرم ادهن بأطيب دهن يجده، حتى أنى لأرى بصيص الدهن في شعره، ولقد كنت أفتل قلائد الهدى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم يبعث به فما يعتزل منا امرأة. [ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 2/ 226، حديث رقم (41) . [ (4) ] الخطميّ والخطميّ: ضرب من النبات يغسل به. وفي الصحاح: يغسل به الرأس، قال الأزهري: هو بفتح الخاء، ومن قال خطمىّ بكسر الخاء فقد لحن. وفي الحديث أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان يغسل رأسه بالخطميّ وهو جنب يجتزئ بذلك ولا يصب عليه الماء أي أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان يكتفى بالماء الّذي يغسل به الخطميّ، وينوى به غسل الجنابة، ولا يستعمل بعده ماء آخر يخصّ به الغسل. (لسان العرب) : 12/ 188. [ (5) ] شنّ عليه الماء: صبّه مفرقا. (أساس البلاغة) : 340. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 ولابن حيّان من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم، يأخذ من طول لحيته وعرضها [ (1) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 87، كتاب الأدب، باب (17) ، ما جاء في الأخذ من اللحية، حديث رقم (2762) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: عمر بن هارون مقارب الحديث لا أعرف له حديثا ليس إسناده أصلا. أو قال: ينفرد به إلا هذا الحديث: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، لا نعرفه إلا من حديث عمر بن هارون، ورأيته حسن الرأى في عمر. قال أبو عيسى: وسمعت قتيبة يقول: عمر بن هارون كان صاحب حديث، وكان يقول: الإيمان قول وعمل. قال: سمعت قتيبة. حدثنا وكيع بن الجراح عن رجل عن ثور بن يزيد أن النبي اللَّه نصب المنجنيق على أهل الطائف. قال قتيبة: قلت لوكيع: من هذا؟ قال: صاحبكم عمر بن هارون. (المرجع السابق) : 87- 88، (كنز العمال) : 7/ 126، الزينة والتجمل، حديث رقم (18318) ، وعزاه إلى المرجع السابق. وقد أخرج البخاري في (الصحيح) في كتاب اللباس، باب (64) تقليم الأظافر، حديث رقم (5892) : حدثنا محمد بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا عمر بن محمد بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب. وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه. وقد أخرج مالك في (الموطأ) ، عن نافع بلفظ: كان ابن عمر إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه. وفي حديث الباب مقدار المأخوذ. قوله: «فضل» بفتح الفاء والضاد المعجمة، ويجوز كسر الضاد كعلم، والأشهر الفتح، قاله ابن التين. وقال الكرماني: لعل ابن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك، فحلق رأسه كله وقصّر من لحيته، ليدخل في عموم قوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27] ، وخص ذلك من عموم قوله: «وفروا اللحى» فحمله على حالة غير حالة النسك. قال الحافظ: الّذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر على بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه، فقد قال الطبري: ذهب قوم إلى ظاهر الحديث، فكرهوا تناول شيء من اللحية، من طولها ومن عرضها. وقال قوم: إذا زاد عن القبضة يؤخذ الزائد، ثم ساق بسنده إلى ابن عمر أنه فعل ذلك، وإلى عمر أنه فعل ذلك برجل، ومن طريق أبى هريرة أنه فعله. وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال: كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة. وقوله: «نعفّى» بضم أوله وتشديد الفاء. أي نتركه وافرا، وهذا يؤيد ما نقل عن ابن عمر، فإن السّبال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 ومن حديث الحسن بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضى   [ () ] بكسر المهملة وتخفيف الموحدة، جمع سبلة، وهي ما طال ن شعر اللحية، فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها في النسك. ثم حكى الطبري اختلافا فيما يؤخذ من اللحية، هل له حد أم لا؟ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الّذي يزيد منها على قدر الكف، وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه، قال: وحمل هؤلاء النهى على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصّها وتخفيفها. قال: وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة، وأسنده عن جماعة، واختار قول عطاء، وقال: إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرّض نفسه لمن يسخر به، واستدل بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها. وهذا أخرجه الترمذي، ونقل عن البخاري أنه قال في رواية عمر بن هارون: لا أعلم له حديثا منكرا إلا هذا، وقد ضعّف عمر بن هارون مطلقا جماعة. وقال عياض: يكره حلق اللحية، وقصها، وتحذيفها، وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن، بل تكره الشهرة في تعظيمها، كما يكره في تقصيرها، كذا قال. وتعقبه النووي بأنها خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها، قال: والمختار تركها على حالها، وأن لا يتعرض لها بتقصير أو غيره، وكأن مراده بذلك في غير النسك، لأن الشافعيّ نصّ على استحبابه فيه، وذكر النووي عن الغزالي- وهو في ذلك تابع لأبى طالب المكيّ في (القوت) - قال: يكره في اللحية عشر خصال: خضبها بالسواد لغير الجهاد، وبغير السواد إيهاما للصلاح لا لقصد الاتباع، وتبييضها استعجالا للشيخوخة لقصد التعاظم على الأقران، ونتفها إبقاء للمرودة، وكذا تحذيفها ونتف الشيب. ورجح النووي تحريمه لثبوت الزجر عنه، وتصفيفها طاقة طاقة تصنعا ومخيلة 7 وكذا ترجيلها والتعرض لها طولا وعرضا على ما فيه من اختلاف، وتركها شعثة إيهاما للزهد، والنظر إليها إعجابا. وزاد النووي: وعقدها، لحديث رويفع رفعه: من عقد لحيته فإن محمدا منه برئ، الحديث أخرجه أبو داود، قال الخطابي: المراد عقدها في الحرب، وهو من زي الأعاجم، وقيل: المراد معالجة الشعر لينعقد، وذلك من فعل أهل التأنيث. وأنكر ابن التين ظاهر ما نقل عن ابن عمر فقال: ليس المراد أنه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته، بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذّ منها، فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة، فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته. قال أبو شامة: وقد حدث قوم يحلقون لحاهم، وهو أشد مما نقل عن المجوس أنهم كانوا يقصونها. وقال النووي: يستثنى من الأمر بإعفاء اللحى ما لو نبت للمرأة لحية فإنه يستحب لها حلقها، وكذا لو نبت لها شارب أو عنفقة. (فتح الباري) : 10/ 429- 430. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجز شاربه [ (1) ] . ومن حديث إبراهيم بن قدامة عن أبى قدامة، عن أبى عبد اللَّه بن الأغر، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يقص شاربه، ويأخذ من أظفاره قبل أن يروح إلى الجمعة [ (2) ] . وقال إبراهيم الحربي: حدثنا عاصم بن عليّ، وعبيد بن إسحاق قالا: حدثنا كامل عن حبيب بن أبى ثابت، عن أم سلمة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا اطّلى، ولى عانته [ (3) ] . وخرّجه عبد الباقي بن قانع، من حديث عاصم بن عليّ، حدثنا كامل بن العلاء، حدثنا حبيب بن أبى ثابت عن أم سلمة قالت:   [ (1) ] (أخلاق النبي) : 259، وأخرج البخاري في كتاب اللباس، باب (64) تقليم الأظافر، حديث رقم (5890) : حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الآباط. قوله: «وقص الشارب» ، في رواية الإسماعيلي: «وأخذ الشارب» ، وفي أخرى له: «وقص الشوارب» ، قال: «وقال مرة الشارب» ، قال الجيانى: وقع في كلامهم أنه لعظم الشوارب وهو من الواحد الّذي فرق، وسمى كل جزء منه باسمه، فقالوا لكل جانب منه شاربا، ثم جمع شوارب، وحكى ابن سيده عن بعضهم: من قال الشاربان أخطأ، وإنما الشاربان ما طال من ناحية السبلة. قال: وبعضهم يسمى السبلة كلها شاربا، ويؤيده أثر عمر الّذي أخرجه مالك، أنه «كان إذا غضب فتل شاربه» ، والّذي يمكن فتله من شعر الشارب السبال، وقد سماه شاربا. (فتح الباري) : 10/ 428. [ (2) ] (أخلاق النبي) : 256، (مسند أحمد) : 1/ 495، حديث رقم (2733) ، ولفظه: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبى، حدثنا يحيى بن أبى بكير، حدثنا حسن بن صالح، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقص شاربه، وكان أبوكم إبراهيم من قبله يقص شاربه، راجع التعليق السابق، (طبقات ابن سعد) : 1/ 449، ذكر أخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من شاربه، (كنز العمال) : 7/ 127، حديث رقم (18322) . [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 442، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنورة، من ثلاث طرق أخر، (كنز العمال) : 7/ 126، حديث رقم (18315) ، عن ابن سعد عن إبراهيم وعن حبيب بن أبى ثابت مرسلا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا تنوّر اطلى مغابنه [ (1) ] بيده [ (2) ] . وحدثنا عبد اللَّه بن عمر، حدثنا حماد بن زيد، عن أبى هاشم، عن حبيب بن أبى ثابت، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه كان ينور ما أقبل منه، وينور أهله سائر جسده [ (3) ] . وحدثنا موسى، حدثنا أبان عن هشام عن أبى معشر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نوّره بعض أهله، ونوّر هو عورته [ (3) ] . وحدّثنا عن عبيد اللَّه، حدثنا عبد الواحد، حدثنا صالح بن صالح، [قال:] أخبرنا أبو معشر زياد بن كليب، [قال:] إن رجلا نوّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلما بلغ مراقّة [ (4) ] ، كفّ الرجل، ونوّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نفسه..   [ (1) ] المغابن: مفردها مغبن، وهو الإبط، وفي الحديث: كان صلى اللَّه عليه وسلم إذا اطّلى بدأ بمغابنه، وهي بواطن الأفخاذ عند الحوالب، جمع مغبن، من غبن الثوب إذا ثناه وعطفه، وهي معاطف الجلد أيضا. وفي حديث عكرمة من مسّ مغابنه فليتوضّأ، أمره بذلك استظهارا واحتياطا، فإن الغالب على من يلمس ذلك الموضع أن تقع يده على ذكره، وقيل: المغابن الأرفاغ والآباط، واحدها مغبن. وقال ثعلب: كل ما ثنيت عليه فخذك فهو مغبن (لسان العرب) : 13/ 310. [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 442- ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنورة، (السنن الكبرى للبيهقي) : 1/ 152 عن أم سلمة، ثم ذكره من طرق أخر، بسياقات مختلفة، منها: «كان يتنور ويلي عانته بيده» ، «كان إذا تنور ولى عانته بيده» ، «كان يدخل الحمام ويتنوّر» . قال في (اللسان) : النورة: من الحجر الّذي يحرق ويسوّى منه الكلس ويحلق به شعر العانة. قال أبو العباس: انتور الرجل وانتار من النورة، قال ابن سيده: وقد انتار الرجل وتنوّر تطلّى بالنورة. (لسان العرب) : 5/ 344. [ (3) ] راجع التعليق السابق، والتعليق التالي. [ (4) ] مراقّ البطن: أسفله وما حوله، مما استرقّ منه، ولا واحد لها. (التهذيب) : والمراقّ ما سفل من البطن عند الصّفاق أسفل من السرة. وفي حديث عائشة رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بيمينه فغسلها، ثم غسل مراقّه بشماله، ويفيض عليها بيمينه، فإذا أنقاها أهوى بيده إلى الحائط فدلّكها، ثم أفاض عليها الماء، أراد بمراقّه ما سفل من بطنه ومذاكيره، والمواضع التي ترق جلودها كنى عن جميعها بالمراق، وهو جمع المرق، قال الهروي: واحدها مرقّ، وقال الجوهري: لا واحد لها. وفي الحديث أنه صلى اللَّه عليه وسلم اطّلى حتى إذا بلغ المراقّ ولى هو ذلك بنفسه (لسان العرب) : 10/ 122. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 [و لابن قانع من حديث إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا معن بن عيسى عمن حدثه عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: اطّلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فستر عورته بثوب، وطلا الرجل سائر جسده، فلما فرغ قال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أخرج عنى، ثم طلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم عورته بيده] [ (1) ] . ولابن حيان من حديث على بن الحسن بن شقيق، عن أبى حمزة، عن مسلم الملائى، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا ينور، فإذا كثر شعره حلقه [ (2) ] . [ويحتمل قول أنس أن عادته صلى اللَّه عليه وسلم كانت الحلق، وأن ذلك كان الأكثر من أحواله] صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (ج) . قال الحافظ البيهقي: روى أبو داود في (المراسيل) ، عن أبى كامل الجحدريّ، عن عبد الواحد، عن عبد الواحد، عن صالح بن صالح، عن أبى معشر، أن رجلا نوّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلما بلغ العانة كفّ الرجل ونوّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نفسه (السنن الكبرى) : 1/ 152، باب ما جاء في التنور. [ (2) ] قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، حدثنا أبو على الرفّاء، حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد اللَّه الطائي ببغداد، حدثنا أبو عمار الحسن بن حارث المروزي، حدثنا على بن الحسن بن شقيق، عن أبى حمزة السكرى، عن مسلم الملائى، عن أنس قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم لا يتنور، فإذا كثر شعره حلقه. ثم قال الحافظ البيهقي: مسلم الملائى ضعيف في الحديث، فإن كان حفظه فيحتمل أن يكون قتادة أخذ أيضا عن أنس، واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) . وقد روى في ذلك عن ابن عمر أخبرناه يحى بن إبراهيم بن محمد بن يحى، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا بحر بن نصر، حدثنا ابن وهب، أخبرنى أسامة بن زيد الليثي عن نافع، أن عبد اللَّه بن عمر كان يطلى، فيأمرنى أطليه حتى إذا بلغ سفلته وليها هو. وبهذا الإسناد قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثني عن اللَّه بن عمر عن نافع، أن ابن عمر كان لا يدخل الحمام، وكان يتنور في البيت، ويلبس إزارا، ويأمرني أطلي ما ظهر منه، ثم يأمرني أن أؤخر عنه، فيلي فرجه. (المرجع السابق) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 فصل في ذكر مرآة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ومكحلته ذكر العقيلي في كتاب الضعفاء، أن اسم مرآة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: المدله [ (1) ] ، وقال ابن درستويه مرآة ومراة على تخفيف الهمزة، والجمع مرايا. [و] قال الحارث بن مسلم عن الزهري، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا نظر وجهه في المرآة قال: الحمد للَّه الّذي سوّى خلقي فعدّله، وكرّم صورة وجهي وحسّنها، وجعلني من المسلمين [ (2) ] . وقال صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: الحمد للَّه الّذي حسّن خلقي وخلقي، وزان منى ما شان من غيري [ (3) ] . ولابن حيّان من حديث أبى هلال، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضى   [ (1) ] (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 261، وقال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع، وفيه آفات، منها: عبد الملك وهو العرزميّ، وقد تركه شعبة، ومنها: على بن عروة. قال يحى: ليس بشيء، وقال أبو حاتم الرازيّ: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث، ومنها: عمر بن عبد الرحمن، وقد قدحوا فيه. (الموضوعات) : 1/ 293، باب أسماء مراكبه وسلاحه صلى اللَّه عليه وسلم. وقد قدحوا فيه. (الموضوعات) : 1/ 293، باب أسماء مراكبه وسلاحه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي (الإتحاف) : «على بن عذرة الدمشقيّ» بدلا من «على بن عروة» . [ (2) ] (مجمع الزوائد) : 10/ 138، 139، (أخلاق النبي) : 172، (الأذكار للنووي) : 270، (كنز العمال) : 6/ 693 باب النظر في المرآة، حديث رقم (17442) وعزاه إلى ابن السنى والديلميّ، 7/ 124، باب الزينة والتجمل، حديث رقم (18300) ، وعزاه إلى ابن السنى عن أنس. [ (3) ] (كنز العمال) 7/ 124، باب الزينة والتجمل، حديث رقم (18301) وتمامه: وإذا اكتحل جعل في كل عين اثنتين وواحدة بينهما، وكان إذا لبس نعله بدأ باليمين، وإذا خلع خلع اليسرى، وكان إذا دخل المسجد أدخل رجله اليمنى، وكان يحب التيمن في كل شيء أخذا وإعطاء. وعزاه إلى أبى يعلى والطبراني عن ابن عباس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: اللَّهمّ كما حسنت خلقي فحسّن خلقي [ (1) ] . ومن حديث إبراهيم بن أبى عبلة قال: سمعت أبا الدرداء قال: سمعت عائشة رضى اللَّه عنها: كنت أزود رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مغزاه: دهنا، ومشطا، ومرآة، ومقصين، ومكحلة وسواكا [ (2) ] . وقال حسين بن علوان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: سبع لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتركهن في سفر ولا حضر: القارورة، والمشط، والمرآة، والمكحلة، والسواك، والمقصّ، والمدرى. قلت لهشام: المدرى ما باله؟ قال: حدثني أبى عن عائشة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان له وفرة إلى شحمة أذنه، وكان [صلى اللَّه عليه وسلم] يحركها بالمدرى [ (3) ] .   [ (1) ] (المقاصد الحسنة) : 1/ 189، وقال: رواه الإمام أحمد عن أبى مسعود، والمشهور على الألسنة: اللَّهمّ حسّن خلقي كما حسنت خلقي، يقوله الناس عند النظر إلى المرآة، حديث رقم (566) ، (كنز العمال) : 3/ 12، حديث رقم (5197) ، وعزاه إلى الإمام أحمد عن ابن مسعود، (مسند الإمام أحمد) : 1/ 665، حديث رقم (3813) ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 377، ذكر حسن خلقه وعشرته صلى اللَّه عليه وسلم، (أخلاق النبي) : 171. [ (2) ] راجع التعليق التالي. [ (3) ] (شعب الإيمان) : 5/ 233، باب في الملابس والأواني، فصل في دفن الشعر والظفر والدم، وحديث رقم (6490) : أخبرنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني، أنبأنا أبو بكر أحمد بن سعيد الإخميمي بمكة، حدثنا محمد بن عمرو بن خالد، حدثنا أبى، حدثنا محمد بن سلمة، عن ابن أرقم، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضى اللَّه عنه قالت: كان لا يفارق مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سواكه، ومشطه، وكان ينظر في المرآة أحيانا ويأمر به. قال الشيخ سليمان بن أرقم ضعيف. وحديث رقم (6491) : أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح بالكوفة، حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن الهمدانيّ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن هاشم، حدثنا سليمان بن داود الشاذكوني، حدثنا أيوب بن واقد، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنه قالت: خمس لم يفارقهن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حضر ولا سفر: المشط، والمكحلة، والمرآة، والسواك، والمدرى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87   [ () ] وحديث رقم (6492) : أخبرنا أبو سعيد الماليني- أو أبو عبد اللَّه المازني- قال: قال أبو أحمد ابن عدي الحافظ: وهذا الحديث لم يحدث به عن هشام بن عروة إلا ضعيف. وحديث رقم (6493) : أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني، حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا محمد بن عون، عن ابن سيرين قال: كان عمر يكثر النظر في المرآة، وتكون معه في الأسفار، قلت: ولم؟ قال: انظر، فما كان في وجهي من زين هو في وجه غيري شين أحمد اللَّه عليه. ومحمد بن عون هذا غير قوى. وقال ابن عدي في (الكامل) : حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن ناجية، حدثنا محمود بن خداش قال: حدثنا يعقوب بن الوليد الأزدي، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: سبع لم يفتن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر ولا حضر، القارورة، والمشط، والمكحلة، والمقراضان، والسواك، والمرآة. (الكامل في ضعفاء الرجال) : 7/ 147، ترجمة يعقوب بن الوليد بن أبى هلال الأزدي، رقم (4/ 2057) ، ضعفوه، وقال بعضهم: متروك قال عنه عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه: حرقنا حديثه منذ دهر، كان من الكذابين الكبار، وكان يضع الحديث، وقال الدوري عن ابن معين: لم يكن بشيء، وقال في موضع آخر: ليس بثقة، وقال عمرو بن على: ضعيف الحديث جدا، وقال الجوزجاني: غير ثقة، ولا مأمون، وقال أبو زرعة: غير ثقة. وقال النسائي: ليس بشيء متروك الحديث، وقال مرة: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال الدار قطنى ضعيف، وقال ابن عدىّ: هو بيّن الأمر في الضعفاء. له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 11/ 349، ترجمة رقم (666) ، (ميزان الاعتدال) : 4/ 455، ترجمة رقم (9829) . وقال ابن عدي في (الكامل) : حدثنا يوسف بن عاصم الرازيّ حدثنا سليمان الشاذكوني، حدثنا أيوب بن واقد- وكان من أهل الكوفة ونزل البصرة- عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: خمس لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدعهن في سفر ولا حضر: المرآة والمكحلة، والمشط، والمدرى، والسواك، قال الشيخ: هذا الحديث لم يحدث به من هشام بن عروة إلا ضعيف. (الكامل في ضعفاء الرجال) : 1/ 356، ترجمة أيوب بن واقد رقم (185/ 185) ، قال عبد اللَّه بن أحمد، عن أبيه: ضعيف الحديث، وقال الدوري وابن الجنيد عن ابن معين: ليس بثقة، وقال البخاري: حديثه ليس بالمعروف، منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وقال الترمذي بعد سياقه حديثه: من نزل على قوم فلا يصومنّ تطوعا إلا بإذنهم: هذا حديث منكر، لا نعرف أحدا من الثقات رواه عن هشام بن عروة، وليس له عند الترمذي غيره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88   [ () ] قال الحافظ ابن حجر: وقال الدارقطنيّ متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروى المناكير عن المشاهير، حتى يسبق إلى القلب، كأنه كان يتعمدها، لا يجوز الاحتجاج بخبره، ونقل ابن الجوزي عن أبى حاتم والنسائي: ضعيف. (تهذيب التهذيب) : 1/ 363، ترجمة رقم (673) . قال الشوكانى: وكذا حديث: كان لا يفارقه المشط لا في سفر ولا في حضر، ضعيف كما قال السخاوي. (الفوائد المجموعة) : 198، باب الخضاب، والطيب، وقص الظافر، والشارب، وتسريح الشعر والختان، حديث رقم (15) . قال ابن أبى حاتم: سألت أبى عن حديث رواه يعقوب بن الوليد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: سبع لمن يفتن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر ولا حضر: القارورة، والمرآة، والمكحلة، والمقراضان، والمدراة، والمشط، والسواك. قال أبى: هذا حديث موضوع، ويعقوب بن الوليد كان يكذب. (علل الحديث) : 2/ 304، حديث رقم (2423) . قال ابن الجوزي في (العلل) 2/ 688، حديث في استصحاب آلات الزينة رقم (1145) ، من حديث حسين بن علوان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: سبع لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتركهن في سفر ولا حضر ... وحديث رقم (1146) ، من حديث أيوب بن واقد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: خمس لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدعهن في سفر ولا حضر ... وحديث رقم (1147) ، من حديث يعقوب بن الوليد الأزدي قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: سبع لم يفتن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر ولا حضر ... قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، أما الطريق الأول: ففيه حسين بن علوان، قال أحمد ويحى: هو كذاب، وقال ابن عدي وابن حبان: كان يضع الحديث. وأما الطريق الثاني: ففيه أيوب بن واقد، قال يحى: ليس بثقة، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بروايته، وفيه سليمان الشاذكوني، قال يحى: كان كذابا ويضع الحديث. وقال البخاري: هو عندي أضعف من كل ضعيف. وأما الطريق الثالث: ففيه يعقوب بن الوليد، قال أحمد: كان من الكذابين الكبار، يضع الحديث. وقال يحى: لم يكن بشيء كذاب، وقال الرازيّ والنسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات (العلل المتناهية) : 2/ 688- 689، حديث في استصحاب آلات الزينة، رقم (1145)) ، (1146) ، (1147) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: اكتحلوا بالإثمد [ (1) ] ، فإنه يجلو البصر [ (2) ] ، ويثبت الشعر، وزعم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة: ثلاثة في هذه، وثلاثة في هذه [ (3) ] .   [ (1) ] الإثمد: حجر يتخذ منه الكحل، وقيل: ضرب من الكحل. [ (2) ] يجلو البصر: أي يكشف ويظهر، والمعنى: يقوى وينظف العين. [ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 63، باب (7) ، ما جاء في كحل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (50) ، وأخرجه الترمذي أيضا في (السنن) : 4/ 206، كتاب اللباس، باب (23) ما جاء في الاكتحال، حديث رقم (1757) ، قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن غريب لا نعرفه على هذا اللفظ إلا من حديث عباد بن منصور. حدثنا على بن حجر ومحمد بن يحى قالا: حدثنا يزيد بن هارون، عن عباد بن منصور نحوه، وقد روى من غير وجه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر، وفي كتاب الطب، باب (9) ما جاء في السّعوط وغيره، حديث رقم (2048) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وهو حديث عباد بن منصور، والسّعوط: كل ما يوضع في الأنف من الدواء. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1156، كتاب الطب، باب (25) الكحل بالإثمد، حديث رقم (3495) ، (3496) ، وفي باب (26) من اكتحل وترا، حديث رقم (3498) ، (3499) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 583، حديث رقم (3308) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 484، ذكر مشط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومكحلته ومرآته وقدحه، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 170، والحاكم في (المستدرك) : 4/ 452، حديث رقم (8248) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، حديث رقم (8249) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعباد لم يتكلم فيه بحجة، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : ولا هو بحجة. وأخرجه الحافظ أبو نعيم في (حلية الأولياء) : 3/ 343 في ترجمة عكرمة مولى ابن عباس رقم (245) ، (كنز العمال) : 7/ 125، حديث رقم (18305) وعزاه للترمذي عن ابن عباس. وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 2/ 32، في ترجمة بكر بن بكار القيسي أبو عمر البصري رقم (29/ 272) وقال: وهذا الحديث يرويه عن عباد بكر بن بكار، ويرويه أيضا الحسن بن عطية عن إسرائيل عن عباد بن منصور، 3/ 433- 434، في ترجمة سيف بن محمد ابن أخت سفيان الثوري رقم (188/ 850) ، وقال: قال الشيخ: وبهذا الإسناد حدثناه عبد اللَّه بن محمد بغير حديث، إلا أن هذا الحديث من بين الأحاديث التي حدثناه بها، هذا أنكرها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 وله من رواية قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يكتحل قبل أن ينام بالإثمد [ثلاثا] [ (1) ] في كل عين. وقال يزيد بن هارون في حديثه- يعنى عن عباد- إن النبي [صلى اللَّه عليه وسلم] كانت له مكحلة يكتحل [منها] [ (1) ] عند النوم ثلاثا في كل عين [ (2) ] .   [ () ] وعباد بن منصور الباجي- أو الناجي- أبو سلمة البصري القاضي، روى عن عكرمة، وعطاء وأبى رجاء العطاردي، والحسن بن أيوب وهشام بن عروة وغيرهم، وروى عنه إسرائيل وحماد بن سلمة، وريحان بن سعيد، وزياد بن الربيع، وابن أخته عرعرة بن البرند، ويحى القطان وابن وهب وروح بن عبادة والنضر بن شميل ويزيد بن هارون وغيرهم. قال على بن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: عباد بن منصور كان قد تغير؟ قال: لا أدرى، إلا أنا حين رأيناه نحن كان لا يحفظ، ولم أر يحيى يرضاه. وقال أحمد بن محمد بن يحى بن سعيد: قال جدي: عباد ثقة لا ينبغي أن يترك حديثه لرأى أخطأ فيه، يعنى القدر. وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء، وكان يرمى بالقدر. وقال أبو زرعة لين، وقال أبو حاتم: كان ضعيف الحديث يكتب حديثه. وقال على بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد، قلت لعباد بن منصور: سمعت حديث ما مررت بملإ من الملائكة، وأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يكتحل ثلاثا، يعنى عن عكرمة، فقال: حدثهن ابن أبى يحى عن داود عن عكرمة. وقال عباس الدوري عن يحى بن معين: حديثه ليس بالقوى، ولكنه يكتب، وقال الدار قطنى: ليس بالقوى. وقال ابن أبى شيبة عن أيوب وعكرمة: وكان ينسب إلى القدر، روى أحاديث مناكير، وقال ابن سعيد: هو ضعيف عندهم، وله أحاديث منكرة. وقال الجوزجاني: كان يرمى برأيهم، وكان سيئ الحفظ، وتغيّر أخيرا. وقال رسته عن يحى بن سعيد: مات عباد وهو على بطن امرأته، وقال ابن قانع: مات سنة اثنتين وخمسين ومائة. قال الحافظ ابن حجر: وفيها أرخه أبو موسى العنزي، وزكريا الساجي وابن حبان وقال: كان قدريا داعية إلى القدر، وكلما روى عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن يحيى بن أبى يحى، عن داود بن الحصين عنه، فدلّسها عن عكرمة، (تهذيب التهذيب) : 5/ 90- 91، ترجمة رقم (172) . [ (1) ] زيادة للسياق من (الشمائل) . [ (2) ] راجع التعليق على الحديث السابق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 فصل في محبة النبي صلى اللَّه عليه وسلم للطّيب وتطيّبه خرّج الإمام أحمد من حديث [السلام] أبى المنذر، عن ثابت عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: حبب إلى النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة [ (1) ] . وخرّجه الحاكم من حديث سيّار بن حاتم، حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، إلا أنه قال: وجعل [ (2) ] قرة عيني، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه [ (3) ] . وخرّجه النسائي ولفظه: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: حبّب إليّ من الدنيا [ (4) ] النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة [ (5) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 581، حديث رقم (111884) ، (11885) ، 4/ 54- 55، حديث رقم (12644) ، 4/ 201، حديث رقم (13623) . [ (2) ] كذا في (خ) ، (ج) ، وفي المستدرك: «وجعلت» . [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 174، حديث رقم (2676) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. [ (4) ] قال العلامة ابن القيم: صحّ عنه صلى اللَّه عليه وسلم من حديث أنس رضى اللَّه عنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: حبّب إليّ من دنياكم: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة. هذا لفظ الحديث، ومن رواه: حبّب إليّ من دنياكم ثلاث، فقد وهم، ولم يقل صلى اللَّه عليه وسلم: ثلاث، والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تضاف إليها، وكان النساء والطيب أحب شيء إليه صلى اللَّه عليه وسلم. (زاد المعاد) : 1/ 150، فصل في هديه صلى اللَّه عليه وسلم في النكاح ومعاشرته أهله، 4/ 250، فصل وأما الجماع والباه، 4/ 336، حرف الطاء من فصل في ذكر شيء من الأدوية والأغذية المفردة التي جاءت على لسانه صلى اللَّه عليه وسلم. [ (5) ] (سنن النسائي) : 7/ 72، كتاب عشرة النساء، باب (1) حب النساء، حديث رقم (3949) ، (3950) . قال الحافظ السيوطي: قال بعضهم: في هذا قولان: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92   [ () ] أحدهما: أنه زيادة في الابتلاء والتكليف، حتى يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف من أداء الرسالة، فيكون ذلك أكثر لمشاقه، وأعظم لأجره. والثاني: لتكون خلواته مع ما يشاهدها من نسائه، فيزول عنه ما يرميه به المشركون من أنه ساحر أو شاعر، فيكون تحبيبهن إليه على وجه اللطف به، وعلى القول الأول على وجه الابتلاء، وعلى القولين فهو له فضيلة. وقال التستري في (شرح الأربعين) : من في هذا الحديث بمعنى: في، لأن هذه من الدين لا من الدنيا، وإن كانت فيها، والإضافة في رواية دنياكم للإيذان بأن لا علاقة له بها. وفي هذا الحديث إشارة إلى وفائه صلى اللَّه عليه وسلم، بأصلي الدين، وهما التعظيم لأمر اللَّه، والشفقة على خلق اللَّه، وهو كمالا قوّتيه النظرية والعملية، فإن كمال الأولى بمعرفة اللَّه والتعظيم دليل عليها، لأنه لا يتحقق بدونها، والصلاة لكونها مناجاة اللَّه تعالى، على ما قال صلى اللَّه عليه وسلم: المصلى يناجي ربه، نتيجة التعظيم على ما يلوح من أركانها ووظائفها. وكمال الثانية في الشفقة وحسن المعاملة مع الخلق، وأولى الخلق بالشفقة بالنسبة إلى كل واحد من الناس نفسه وبدنه، كما قال صلى اللَّه عليه وسلم: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، والطيب أخصّ الذات بالنفس ومباشرة النساء ألذّ الأشياء بالنسبة إلى البدن، مع ما يتضمن من حفظ الصحة وبقاء النسل المستمر لنظام الوجود. ثم إن معاملة النساء أصعب من معاملة الرجال، لأنهن أرق دينا وأضعف عقلا، وأضيق خلقا، كما قال صلى اللَّه عليه وسلم: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن. فهو عليه السلام أحسن معاملتهن بحيث عوتب بقوله تعالى: تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ، وكان صدور ذلك منه طبعا لا تكلفا، كما يفعل الرجل ما يحبه من الأفعال. فإذا كانت معاملته صلى اللَّه عليه وسلم معهن هذا، فما ظنك بمعاملته مع الرجال، الذين هم أكمل عقلا، وأمثل دينا، وأحسن خلقا. وقوله: وجعلت قرة عيني في الصلاة، إشارة إلى أن كمال القوة النظرية أهم عنده وأشرف في نفس الأمر، وأما تأخيره فللتدرج التعليمي من الأدنى إلى الأعلى، وقدم الطيب على النساء لتقدم حظ النفس على حظ البدن في الشرف. وقال الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) : الأنبياء زيدوا في النكاح لفضل نبوتهم، وذلك أن النور إذا امتلأ من الصدر ففاض في العروق التذت النفس والعروق فأثار الشهوة وقوّاها. وروى عن سعيد بن المسيب أن النبيين عليهم الصلاة والسلام يفضلون بالجماع على الناس. وروى عن سعيد بن المسيب أن النبيين عليهم الصلاة والسلام يفضلون بالجماع على الناس. وروى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: أعطيت قوة أربعين رجلا في البطش والنكاح، وأعطى المؤمن قوّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93   [ () ] عشرة، فهو صلى اللَّه عليه وسلم بالنّبوّة، والمؤمن بإيمانه، والكافر له شهوة الطبيعة فقط. قال: وأما الطيب فإنه يزكى الفؤاد، وأصل الطيب إنما خرج من الجنة، تزوج آدم منها بورقة تستر بها، فتركت عليه. وروى أحمد والترمذي، من حديث أبى أيوب قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أربع من سنن المرسلين: التعطر، والحياء، والنكاح، والسواك. وقال الشيخ تقى الدين السبكى: السّرّ في إباحة نكاح أكثر من أربع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أن اللَّه تعالى أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها، وما يستحيا من ذكره وما لا يستحيا منه، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أشدّ الناس حياء، فجعل اللَّه تعالى له نسوة ينقلن ما يرينه من أفعاله، ويسمعنه من أقواله، التي قد يستحى من الإفصاح بها بحضرة الرجال، ليكتمل نقل الشريعة، وكثر عدد النساء ليكثر الناقلون لهذا النوع، ومنهن عرف مسائل الغسل والحيض والعدة ونحوها. قال: ولم يكن ذلك لشهوة منه في النكاح، ولا كان يحب الوطء للذه البشرية- معاذ اللَّه- وإنما حبب إليه النساء لنقلهن عنه ما يستحى هو من الإمعان في التلفظ به، فأحبهن لما فيه من الإعانة على نقل الشريعة في هذه الأبواب. وأيضا فقد نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه وحالة خلوته من الآيات البينات على نبوته، ومن جده واجتهاده في العبادة، ومن أمور يشهد كل ذي لب أنها لا تكون إلا لنبي، وما كان يشاهدها غيرهن، فحصل بذلك خير عظيم. وقال الموفق عبد اللطيف البغدادي: لما كانت الصلاة جامعة لفضائل الدنيا والآخرة، خصها بزيادة صفة، وقدم الطيب لإصلاحه النفس، وثنى بالنساء لإماطة أذى النفس بهن، وثلث بالصلاة لأنها تحصل حينئذ. صافية عن الشوائب، خالصة عن الشواغل. (شرح الحافظ السيوطي على سنن النسائي) : 7/ 72- 73، كتاب عشرة النساء، باب (1) حب النساء، حديث رقم (3949) . وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 3/ 305) ، في ترجمة سلّام بن أبى الصهباء رقم (36/ 768) ، ضعّفه ابن حجر وقال الذهبي: الأولى أنه صدوق. وأخرجه العقيلي في (الضعفاء الكبير) 2/ 60، ترجمة سلام بن سليمان أبو المنذر القاري رقم (666) ، قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن معين لا بأس به. قال العلامة نور الدين على بن محمد بن سلطان المشهور بالملّا على القارئ في (الأسرار المرفوعة) : 176، حديث رقم (190) : حبب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة، قال الزركشي: رواه النسائي والحاكم من حديث أنس بدون لفظ «ثلاث» . وقال السخاوي: لم أقف على لفظ «ثلاث» إلا في موضعين من الإحياء وفي تفسير آل عمران الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 وخرّجه قاسم بن أصبغ، ومحمد بن أيمن، ولأحمد من حديث إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن رجل حدثه عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه من الدنيا ثلاثة: الطعام، والنساء، والطيب، فأصاب ثنتين ولم يصب واحدة، أصاب النساء والطيب، ولم   [ () ] من الكشاف، وما رأيتهما في شيء من طرق هذا الحديث، بعد مزيد التفتيش. أما صحته من جهة المبنى، فقد قال السيوطي في (تخريج أحاديث الشفاء) : لكن عند أحمد من حديث عائشة: كان يعجب نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الدنيا ثلاثة أشياء: النساء والطيب والطعام، فأصاب اثنتين، ولم يصب واحدة، أصاب النساء والطيب ولم يصيب الطعام. قال: إسناده صحيح. إلا أن فيه رجلا لم يسمّ. قلت: فيصير إسناده حسنا، وأما صحته من جهة المعنى، فلوقوع قرة عينه في الدنيا جعل كأنه منها، ويؤيد ما جاء في رواية: «الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة» وهل المقصود بالصلاة: العبادة الموضوعة لسائر الأنام أو الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وسلم؟ ثم قال محققه: بل يصير إسناده ضعيفا، كما تقتضي بذلك قواعد علم المصطلح. (الأسرار المرفوعة) : 176، حديث رقم (160) ، (المقاصد الحسنة) : 292- 293 ، حديث رقم (380) . قال الحافظ ابن حجر: أخرجه النسائي من طريق سيار بن حاتم عن جعفر بن سليمان، ومن طريق سلام بن مسكين، كلاهما عن ثابت عن أنس، ومن طريق سيار. رواه أحمد في (الزهد) ، والحاكم في (المستدرك) ، ومن طريق سلام أخرجه أحمد وابن أبى شيبة، وابن سعد، والبزار، وأبو يعلى، وابن عدي في (الكامل) وأعله به، والعقيلي في (الضعفاء) كذلك. وقال الدار قطنى في علله: رواه أبو المنذر سلام، وسلام بن أبى الصهباء، وجعفر بن سليمان، فرووه عن ثابت عن أنس، وخالفهم حماد بن زيد عن ثابت مرسلا.. وكذا رواه محمد بن ثابت البصري، والمرسل أشبه بالصواب. وقد رواه عبد اللَّه بن أحمد في (زيادات الزهد) عن غير أبيه من طريق يوسف بن عطية، عن ثابت مرسلا، ويوسف ضعيف. وله طريق أخرى معلولة عند الطبراني في الأوسط، عن محمد بن عبد اللَّه الحضرميّ، عن يحى ابن عثمان الحربي، عن الهقل بن زياد، عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس مثله. قال الحافظ ابن حجر: ليس في شيء من طرقه لفظ: «ثلاث» بل أوله عند الجميع: «حبب إليّ من دنياكم النساء ... » وزيادة «ثلاث» تفسد المعنى (الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف) : 27، حديث رقم (229) ، (إحياء علوم الدين) 2/ 50، 2/ 65، 3/ 341، 4/ 454. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 يصب الطعام [ (1) ] . وفي تحبيب النساء إليه صلى اللَّه عليه وسلم أقوال: أحدها: أنه زيادة في الابتلاء والتكليف حتى لا يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف به من أداء الرسالة، ولا يعجز عن تحمل أثقال النبوة، فيكون ذلك أكثر لمشاقه، وأعظم لأجره. الثاني: ليكون مع من يشاهدها من نسائه، فيزول عنه ما يرميه المشركون من أنه ساحر أو شاعر، فيكون تحببهن إليه لطفا به. الثالث: الحث لأمته على ما فيه كثرة النسل الّذي به المباهاة يوم القيامة. الرابع: التشرف به في قبائل العرب [فقد نكح في سائر شرف قبائل العرب] [ (2) ] إلا في تميم وثعلب. الخامس: لتكون العشائر من جهة نسائه، فيقوى أعوانه على أعدائه. وللبخاريّ من حديث عزرة بن ثابت الأنصاري [قال] [ (3) ] : حدثني ثمامة بن عبد اللَّه، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أنه كان لا يردّ الطيب، وزعم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يردّ الطيب. ذكره في [كتاب] اللباس، [وترجم عليه] باب: من لم يردّ الطيب [ (4) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 107، حديث رقم (23919) ، قال العلامة العجلونى: إسناده صحيح، إلا أن فيه رجلا لم يسمّ (كشف الخفا) : 1/ 339، تعليقا على الحديث رقم (1089) ، وراجع التعليق السابق. [ (2) ] ما بين الحاصرتين في (خ) وليس في (ج) . [ (3) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 453، كتاب اللباس، باب (80) من لم يرد الطيب، حديث رقم (5929) ، وأخرجه البزار من وجه آخر عن أنس بلفظ: ما عرض على النبي صلى اللَّه عليه وسلم طبب قط فرده، وسنده حسن. وللإسماعيلى من طريق وكيع عن عزرة بسند حديث الباب نحوه، وزاد: وقال: إذا عرض على أحد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 وذكره في كتاب الهبة [في باب ما لا يرد من الهدية] ولفظه: حدثني ثمامة بن عبد اللَّه قال: دخلت عليه فناولني طيبا، قال: كان أنس [رضى اللَّه عنه] لا يردّ الطيب، قال: وزعم أنس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يردّ الطيب [ (1) ] .   [ () ] الطيب فلا يرده. وهذه الزيادة لم يصرح برفعها. وقد أخرج أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان من رواية الأعرج، عن أبى هريرة رفعه: من عرض عليه طيب فلا يرده، فإنه طيّب الريح حفيف المحمل. وأخرج مسلم من هذا الوجه، لكن وقع عنده: ريحان بدل طيب. والريحان كل بقلة لها رائحة طيبة. قال المنذري: ويحتمل أن يراد بالريحان جميع أنواع الطيب، يعنى مشتقا من الرائحة. قال الحافظ: مخرج الحديث واحد، والذين رووه بلفظ الطيب أكثر عددا وأحفظ فروايتهم أولى، وكأن من رواه بلفظ ريحان أراد التعميم حتى لا يخص بالطيب المصنوع، لكن اللفظ غير واف بالمقصود. وللحديث شاهد عن ابن عباس أخرجه الطبراني بلفظ: من عرض عليه الطيب فليصب منه، نعم أخرج الترمذي من مرسل أبى عثمان النهدي: إذا أعطى أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة. قال ابن العربيّ: إنما كان لا يرد الطيب لمحبته فيه، ولحاجته إليه أكثر من غيره، لأنه صلى اللَّه عليه وسلم يناجي من لا نناجى، وأما نهيه صلى اللَّه عليه وسلم عن رد الطيب فهو محمول على ما يجوز أخذه لا على ما لا يجوز أخذه، لأنه مرود بأصل الشرع. (فتح الباري) : 10/ 453- 454. [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 261، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (9) ما لا يردّ من الهدية، حديث رقم (2582) ، قوله: «باب ما لا يرد من الهدية» ، كأنه أشار إلى ما رواه الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعا: ثلاث لا ترد: الوسائد، والدهن، واللبن، قال الترمذي: يعنى بالدهن: الطيب، وإسناده حسن، إلا أنه ليس على شرط البخاري، فأشار إليه، واكتفى بحديث: أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يرد الطيب. قال ابن بطال: إنما كان صلى اللَّه عليه وسلم لا يرد الطيب من أجل أنه ملازم لمناجاته الملائكة، ولذلك كان لا يأكل الثوم ونحوه. قال الحافظ: لو كان هذا هو السبب في ذلك لكان من خصائصه، وليس كذلك، فإن أنسا اقتدى به في ذلك. وقد ورد النهى عن رده مقرونا ببيان الحكمة في ذلك، في حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وأبو عوانة من طريق عبيد اللَّه بن أبى جعفر عن الأعرج، عن أبى هريرة مرفوعا: من عرض عليه طيب فلا يردّه، فإنه خفيف الحمل طيب الرائحة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 وله من حديث عروة والقاسم [يخبران] [ (1) ] ، عن عائشة رضى اللَّه عنها، [قالت: طيبت رسول بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام.] . ذكره في [كتاب] اللباس، وترجم عليه باب: الذريرة [ (2) ] . وخرجه مسلم في الحج [ (3) ] ، وأخرجا [ (4) ] من حديث شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن   [ () ] وأخرجه مسلم من هذا الوجه، لكن قال: «ريحان» بدل «طيب» ، ورواية الجماعة أثبت، فإن أحمد وسبعة أنفس معه رووه عن عبد اللَّه بن يزيد المقبري، عن سعيد بن أبى أيوب بلفظ «الطيب» ، ووافقه ابن وهب عن سعيد عند ابن حبان، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، وقد قال الترمذي عقب حديث أنس وابن عمر: وفي الباب عن أبى هريرة، فأشار إلى هذا الحديث. قوله: «وزعم» ، أي قال، والزعم يطلق على القول كثيرا. (فتح الباري) : 5/ 261- 262. [ (1) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 454، كتاب اللباس، باب (81) ، الذّريرة، حديث رقم (5930) . والذّريرة، بمعجمة وراءين بوزن عظيمة: هي نوع من الطيب مركب، قال الداوديّ: تجمع مفرداته ثم تسحق وتنخل، ثم تذّر في الشعر والطوق، فلذلك سميت ذريرة، كذا قال، وعلى هذا فكل طيب مركب ذريرة، لكن الذريرة نوع من الطيب مخصوص، يعرفه أهل الحجاز وغيرهم، وجزم غير واحد- منهم النووي- بأنه فتات قصب طيب يجاء به من الهند. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 8/ 349، كتاب الحج، باب (7) الطيب للمحرم عند الإحرام، حديث رقم (35) ، وفيه دلالة على استحباب الطيب عند إرادة الإحرام، وأنه لا بأس باستدامته بعد الإحرام وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام، وهذا مذهبنا، وبه قال خلائق من الصحابة التابعين، وجماهير المحدثين والفقهاء، ومنهم: سعد بن أبى وقاص، وابن عباس، وابن الزبير، ومعاوية، وعائشة، وأم حبيبة، وأبو حنيفة، والثوري، وأبو يوسف، وأحمد، وداود، وغيرهم. وقال آخرون بمنعه، منهم الزهري، ومالك، ومحمد بن الحسن، وحكى أيضا عن جماعة من الصحابة والتابعين. قال القاضي: وتأوّل هؤلاء حديث عائشة هذا على أنه صلى اللَّه عليه وسلم تطيب ثم اغتسل بعده، فذهب الطيب قبل الإحرام. ويؤيد هذا قولها في الرواية الأخرى: طيّبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه، ثم أصبح محرما، فظاهره أنه تطيب لمباشرة نسائه، ثم زال بالغسل بعده، لا سيما وقد نقل أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل الأخرى، ولا يبقى مع ذلك، ويكون قولها: ثم أصبح ينضخ طيبا أي قبل غسله. وقد سبق في رواية لمسلم [وللبخاريّ أيضا] أن ذلك الطيب كان ذريرة، وهي مما يذهبه الغسل. (مسلم بشرح النووي) : 8/ 348- 349. [ (4) ] (فتح الباري) : 3/ 505، كتاب الحج، باب (18) الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 الأسود، عن عائشة [رضى اللَّه عنها قالت] : كأنى انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم. ومن حديث منصور عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كنت أطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر   [ () ] يحرم، ويترجل ويدّهن، حديث رقم (1537) ، (1538) ، قوله: «كأنى انظر» ، أرادت بذلك قوة تحققها لذلك، بحيث أنها لشدة استحضارها له كأنها ناظرة إليه. قوله: «في مفارق» ، جمع مفرق، وهو المكان الّذي يفترق فيه الشعر في وسط الرأس، قيل: ذكرته بصيغة الجمع تعميما لجوانب الرأس التي يفرق فيها الشعر. وأخرجه مسلم في كتاب الحج، باب (7) الطيب للمحرم عند الإحرام، حديث رقم (40) : «لكأنّي انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يهل» ، وحديث رقم (41) : «كأنى انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يلبى، وحديث رقم (42) : «كأنما انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم، وحديث رقم (43) : إن كنت لأنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم، حديث رقم (45) : «كأنى انظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم، قال الإمام النووي: وقولها: «كأنى انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم» ، المراد به أثره لا جرمه، هذا كلام القاضي، ولا يوافق عليه، بل الصواب ما قاله الجمهور: أن الطيب مستحب للإحرام، لقولها: طيبته لحرمة، وهذا ظاهر في أن الطيب للإحرام لا للنساء، ويعضده قولها: كأنى انظر إلى وبيص الطيب، والتأويل الّذي قاله القاضي غير مقبول لمخالفته الظاهر بلا دليل يحملنا عليه. وأما قولها: «ولحله قبل أن يطوف» ، فالمراد به طواف الإفاضة، ففيه دلالة لاستباحة الطيب بعد رمى حجرة العقبة والحلق، وقبل الطواف، وهذا مذهب الشافعيّ والحلماء كافة، إلا مالكا كرهه قبل طواف الإفاضة، وهو محجوج بهذا الحديث. وقولها: «لحله» ، دليل على أنه حصل له تحلل، وفي الحج تحللان يحصلان بثلاثة أشياء: رمى جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى عقب طواف القدوم، فإذا فعل الثلاثة حصل التحللان، وإذا فعل اثنين منهما حصل التحلل الأول، أيّ اثنين كانا، ويحل بالتحلل الأول جميع المحرمات إلا الاستمتاع بالنساء، فإنه لا يحل إلا بالثاني، وقيل: يباح منهن غير الجماع بالتحلل الأول، وهو قول بعض أصحابنا، وللشافعي قول أنه لا يحل بالأول إلا اللبس، والحلق، وقلم الأظفار، والصواب ما سبق، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 8/ 349- 351. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 قبل أن يطوف بالبيت [ (1) ] ، بطيب فيه مسك. وتفرد مسلم بقوله: بطيب فيه مسك [ (2) ] . وقطنى من حديث موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر عن عائشة [رضى اللَّه عنها] أنها قالت: كنت أطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالغالية الجيدة عند إحرامه [ (3) ] . ولأحمد من حديث سليمان بن كثير، حدثنا عبد الحميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت تعجبه الغانمية. قال الأصمعي: الغانمية: نور الحناء [ (4) ] . وللنسائى من حديث عبد اللَّه بن عطاء الهاشميّ، عن محمد بن عليّ الهاشمي قال: سألت عائشة رضى اللَّه عنها أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتطيب؟ قالت: نعم، بذكارة الطيب [من] [ (5) ] المسك والعنبر [ (6) ] . وخرجه ابن حبّان، ولفظه: أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتعطّر؟ قالت: نعم كان يتعطّر بذكارة العطر المسك والعنبر [ (7) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 505، كتاب الحج، باب (18) الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم، ويترجل ويدّهن، حديث رقم (1535) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 8/ 352- 353، كتاب الحج، باب (7) الطيب للمحرم عند الإحرام، حديث رقم (1191) . [ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 2/ 232، حديث رقم (69) . [ (4) ] (مسند أحمد) : 3/ 623، حديث رقم (12137) . [ (5) ] زيادة في الأصلين: (خ) ، (ج) . [ (6) ] (سنن النسائي) : 8/ 529، كتاب الزينة، باب (31) العنبر قال الحافظ السيوطي: «بذكارة الطيب» ، قال في النهاية: الذّكارة بكسر الذال المعجمة وراء، ما يصلح للرجل كالمسك والعنبر والعود والكافور، وهي جمع ذكر، وهو ما لا لون له بنفض، والمؤنث طيب النساء كالخلوق والزعفران، وهذا الحديث انفرد به النسائي. [ (7) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 ولمسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من [حديث] [ (3) ] ابن وهب [قال] [ (3) ] : أخبرنى مخرمة عن أبيه عن نافع قال: كان ابن عمر [رضى اللَّه عنهما [ (3) ]] إذا استجمر بالألوّة غير مطراة، وبكافور يطرحه مع الألوّة ثم قال: هكذا كان يستجمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. لفظهما فيه سواء، ذكره مسلم في آخر كتاب الطب [ (4) ] ، وذكره النسائي في كتاب الزينة، وترجم عليه البخور. ولابن حيّان من حديث الوليد بن أبى رهم، عن يوسف بن أبى بردة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان أحب الطيب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العود [ (5) ] . وللترمذي من حديث موسى عن أنس عن أبيه قال: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سكة يتطيب منها [ (6) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 13، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب (5) استعمال المسك، وأنه طيب، وكراهة رد الريحان والطيب، حديث رقم (2254) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 8/ 534- 535، كتاب الزينة، باب (38) البخور، حديث رقم (5150) . قال الإمام النووي: الاستجمار هنا استعمال الطيب والتبخر به، مأخوذ من المجمر، وهو البخور، وأما الألوة، فقال الأصمعي وأبو عبيد وسائر أهل اللغة والغريب: هي العود يتبخر به. قال الأصمعي: أراها فارسية معربة، وهي بضم اللام وفتح الهمزة، وضمها، لغتان مشهورتان. وحكى الأزهري كسر اللام ... ففي هذا الحديث استحباب الطيب للرجال، كما هو مستحب للنساء، لكن يستحب للرجال من الطيب ما ظهر ريحه وخفي لونه، وأما المرأة فإذا أرادت الخروج إلى المسجد أو غيره كره لها كل طيب له ريح، ويتأكد استحبابه للرجال يوم الجمعة، والعيد عند حضور مجامع المسلمين، ومجالس الذكر والعلم، وعند إرادته معاشرة زوجته، ونحو ذلك، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 8/ 13. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] كذا في الأصلين (خ) ، (ج) ، والصواب ما أثبتناه وهو: كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها. [ (5) ] (أخلاق النبي) : 99، (طبقات ابن سعد) : 1/ 400. [ (6) ] (الشمائل المحمدية) : 178، باب (33) ، ما جاء في تعطر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (217) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 ولابن حيّان من حديث سعيد عن قتادة عن أنس [رضى اللَّه عنه قال] : كنا نعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أقبل بطيب ريحه [ (1) ] . ولمسلم من حديث سماك عن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدّى أحدهم واحدا واحدا، قال: وأما أنا فمسح خدّى، قال: فوجدت ليده بردا أو ريحا، كأنما أخرجها من جؤنة عطار [ (2) ] .   [ () ] (سنن أبى داود) : 4/ 394، كتاب الترجل، باب (2) ما جاء في استحباب الطيب، حديث رقم (4162) ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 399، وفيه: «سك يتطبب منه» ، (أخلاق النبي) : 98 من طريق إبراهيم بن طهمان عن حسين عن موسى بن أنس عن أبيه. وهذا الحديث صحيح الإسناد، ورجاله ثقات، والسكة بضم السين وتشديد الكاف، نوع من الطيب عزيز، وقيل: الظاهر أنه وعاء فيه طيب مجتمع من أخلاق شتى. (معالم السنن) : 4/ 394. [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 399، (الكامل لابن عدي) : 5/ 120، من حديث على بن الحسن بن يعمر قال: حدثنا سفيان الثوري عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه، قال: كنا نعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دخوله مع طلوع الفجر إلى المسجد بريح الطيب. وعلى بن الحسن بن يعمر ضعفه الدار قطنى وغيره، له ترجمة في: (لسان الميزان) : 4/ 282، (المغنى في الضعفاء) : 2/ 444، (ميزان الاعتدال) : 3/ 119. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 92، كتاب الفضائل، باب (21) ، طيب رائحة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولين مسه، والتبرك بمسحه، حديث رقم (2329) ، قوله: «الصلاة الأولى» ، يعنى الظهر، والولدان، الصبيان، واحدهم وليد، وفي مسحه صلى اللَّه عليه وسلم الصبيان بيان حسن خلقه ورحمته للأطفال وملاطفتهم، وفي هذه الأحاديث بيان طيب ريحه صلى اللَّه عليه وسلم، وهو مما أكرمه اللَّه تعالى. قال العلماء: كانت هذه الريح الطيبة صفته صلى اللَّه عليه وسلم وإن لم يمس طيبا، ومع هذا فكان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات، مبالغة في طيب ريحه، لملاقاة الملائكة، وأخذ الوحي الكريم، ومجالسة المسلمين. قوله: «كأنما أخرجت من جؤنة عطار» ، هي بضم الجيم وهمزة بعدها، ويجوز ترك الهمزة بقلبها واوا كما في نظائرها، وقد ذكرها كثيرون، أو الأكثرون في الواو. وقال القاضي: هي مهموزة، وقد يترك همزها. وقال الجوهري: هي بالواو، وقد تهمز، وهي السقط الّذي فيه متاع العطار، هكذا فسّره الجمهور، وقال صاحب (العين) : هي سليلة مستديرة مغشاه (مسلم بشرح النووي) : 15/ 92- 93، وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 256، باب طيب رائحة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 وذكر البخاري في باب صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم من حديث حماد بن زيد، عن ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: ما مسست حريرا أو ديباجا ألين من كف النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولا شممت ريحا قط، أو عرفا قط أطيب من ريح أو عرف النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وخرجه مسلم ولفظه: ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا، ولا شيئا أطيب من ريح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا مسست شيئا قط، ديباجا ولا حريرا، ألين مسا   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 702، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3561) ، قوله: «ما مسست» بمهملتين، الأولى مكسورة، ويجوز فتحها، والثانية ساكنة، وكذا القول في ميم شممت. قوله: «ولا ديباجا» ، هو من عطف الخاص على العام، لأن الديباج نوع من الحرير، وهو بكسر المهملة وحكى فتحها، وقال أبو عبيدة: الفتح مولّد ليس بعربي. قوله: «ألين من كف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» ، قيل: هذا يخالف ما وقع في حديث أنس من كتاب اللباس: أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان ضخم اليدين، وفي رواية له: والقدمين، وفي رواية له: شثن القدمين والكفين، وفي حديث هند بن أبى هاله، الّذي أخرجه الترمذي في صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فإن فيه أنه صلى اللَّه عليه وسلم: كان شثن الكفين والقدمين، أي غليظهما في خشونة، وهكذا وصفه عليّ من عدة طرق عنه عند الترمذي، والحاكم، وابن أبى خيثمة وغيرهم، وكذا في صفة عائشة له عند ابن أبى خيثمة. والجمع بينهما: أن المراد اللين في الجلد، والغلظ في العظام، فتجتمع له نعومة البدن وقوته، أو حيث وصف باللين واللطافة، حيث لا يعمل بهما شيئا، كان بالنسبة إلى أصل الخلقة. وحيث وصف بالغلظ والخشونة فهو بالنسبة إلى امتهانهما بالعمل، فإنه يتعاطى كثيرا من أموره بنفسه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي حديث معاذ عند الطبراني والبزار: أردفنى النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلفه في شعر، فما مسست شيئا قط ألين من جلده صلى اللَّه عليه وسلم. قوله: «أو عرفا» بفتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء، وهو شكّ من الراويّ، ويدل عليه قوله بعده: أطيب من ريح أو عرف. والعرف: الريح الطيب، ووقع عند البيهقي: ولا شممت مسكا ولا عنبرا ولا عبيرا. ذكرهما جميعا. (فتح الباري) : 6/ 714- 715 مختصرا. وأخرجه الإمام أحمد بنحوه في (المسند) : 3/ 546، حديث رقم (11637) ، 4/ 57، حديث رقم (12661) . وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 254- 255، باب طيب رائحة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وبرودة يده ولينها في يد من مسها، وصفة عرقه صلى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وفي لفظ له: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفّأ، ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . ولقاسم بن أصبغ من حديث شعبة عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك قال: وضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ يده، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب من المسك [ (3) ] . [وقال أبو يعلى: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، حدثني محمد بن عبد اللَّه بن عمر الأنصاري من بنى بياضة، حدثني أيوب بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن إسماعيل، حدثنا مجمع عن مولى لسلمة بن الأكوع، عن سلمة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأخذ المسك فيمسح به رأسه ولحيته] [ (4) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 93، كتاب الفضائل، باب (21) طيب رائحة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولين مسه، والتبرك بمسحه، حديث رقم (2330) . [ (2) ] المرجع السابق، حديث رقم (82) ، وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 255. [ (3) ] قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد اللَّه الحرفى، ببغداد، قال: حدثنا أحمد ابن سليمان الفقيه، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا عمرو بن مرزوق، قال: حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء قال: سمعت جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه قال: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو بمنى، فقلت له: يا رسول اللَّه، ناولني يدك، فناولنيها، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك. (دلائل البيهقي) : 1/ 256- 257. [ (4) ] ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (ج) ، والحديث ذكره المتقى الهندي البرهان فوري في (كنز العمال) : 7/ 123، حديث رقم (18292) ، وعزاه لأبى يعلى عن سلمة بن الأكوع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 ذكر اطّلاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنورة إن صح قال ابن سعد: أخبرنا عارم بن الفضل، وموسى بن داود قالا: أخبرنا حماد بن زيد، أخبرنا أبو هاشم عن حبيب بن أبى ثابت، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تنوّر] [ (1) ] . أخبرنا الفضل بن دكين، وموسى بن داود قالا: حدثنا شريك عن ليث أبى المشرفي، قال الفضل عن إبراهيم، وقال موسى عن أبى معشر، عن إبراهيم قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا طلى بالنورة ولى عانته وفرجه بيده] [ (2) ] . [أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأسدي، أخبرنا سفيان، أخبرنا منصور عن حبيب، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا اطّلى ولى عانته بيده] [ (2) ] . [أخبرنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان عن صالح عن أبى معشر،   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 442، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنورة، (كنز العمال) : 7/ 126، حديث رقم (18314) : كان إذا اطّلى بدأ بعورته فطلاها بالنورة وسائر جسده. رواه ابن ماجة عن أم سلمة رضى اللَّه تعالى عنها. وحديث رقم (18315) : كان إذا اطّلى بالنورة ولى عانته وفرجه بيده. رواه ابن سعد عن إبراهيم وعن حبيب بن أبى ثابت مرسلا. وحديث رقم (18316) : كان يتنور في كل شهر ويقلم أظافره في كل خمسة عشر يوما، رواه ابن عساكر عن ابن عمر. وحديث رقم (18317) : كان يدخل الحمام ويتنور، رواه ابن عساكر عن واثلة، وما بين الحاصرتين سقط من (ج) . [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 552، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه بالنورة، وما بين الحاصرتين سقط من (ج) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 وسفيان عن منصور عن حبيب بن أبى ثابت قالا: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا اطّلى بالنورة ولى عانته بيده] [ (1) ] . قال مؤلفه: هذه الآثار كلها مرسلة، وحبيب بن أبى ثابت الأسدي مولاهم، تابعي، مفتى الكوفة خرّج له الجماعة] [ (2) ] .   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 552، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه بالنورة، وما بين الحاصرتين سقط من (ج) . [ (2) ] حبيب بن أبى ثابت قيس بن دينار، ويقال: قيس بن هند، وقيل: إن اسم أبى ثابت هند الأسدي، مولاهم أبو يحى الكوفي. روى عن ابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وأبى الطفيل، وإبراهيم بن سعد ابن أبى وقاص، ونافع بن جبير بن مطعم، ومجاهد، وعطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير، وأبى صالح السمان، وزيد بن وهب، وعطاء بن يسار، وميمون بن أبى شبيب، وأبى، وثعلبة بن زيد الحماني، وخلق. وأرسل عن أم سلمة، وحكيم بن حزام، وروى عن عروة بن الزبير حديث المستحاضة، وجزم الثوري أنه لم يسمع منه، وإنما هو عروة المزني آخر، وكذا تبع الثوري أبو داود، والدار قطنى، وجماعة. وروى عنه الأعمش، وأبو إسحاق الشيباني، وحصين بن عبد الرحمن، وزيد بن أبى أنيسة والثوري، وشعبة، والمسعودي، وابن جرير، وأبو بكر بن عياش وغيرهم. قال البخاري عن على بن المديني: له نحو مائتي حديث، وقال أبو بكر بن عياش: كان هؤلاء الثلاثة أصحاب الفتيا: حبيب بن أبى ثابت، والحكم، وحماد. وقال العجليّ: كوفى تابعي ثقة، وقال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال ابن أبى مريم عن ابن معين: ثقة حجة، قيل له: ثبت؟ قال نعم؟ إنما روى حديثين، قال: أظن يحى يريد منكرين: حديث المستحاضة تصلى وإن قطر الدم على الحصير، وحديث القبلة للصائم. وقال أبو زرعة: لم يسمع من أم سلمة، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، ولم يسمع حديث المستحاضة من عروة. وقال الترمذي عن البخاري: لم يسمع من عروة بن الزبير شيئا، قال أبو بكر بن عياش وغيره: مات سنة (119) ، وقيل غير ذلك. قال الحافظ ابن حجر: وقال ابن أبى حاتم في كتاب المراسيل عن أبيه: أهل الحديث اتفقوا على ذلك، يعنى على عدم سماعه منه. قال: واتفاقهم على شيء يكون حجة. وقال ابن حبان في (الثقات) : كان مدلسا، وقال العقيلي: غمزه ابن عون، وقال القطان: له غير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 وقال همام عن قتادة: ما تنور رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عثمان، ولا على، ولا الخلفاء، ولا الحسن] [ (1) ]   [ () ] حديث عن عطاء لا يتابع عليه وليست بمحفوظة. وقال الأزدي: وحبيب ثقة صدوق، وقال الآجري عن ابن داود ليس لحبيب عن عاصم بن ضمرة شيء يصح. وقال ابن عدي: هو أشهر وأكثر حديثا من أن احتاج أذكر من حديثه شيئا، وقد حدّث عن الأئمة، وهو ثقة حجة، كما قال ابن معين. وقال العجليّ: كان ثقة ثبتا في الحديث، سمع من ابن عمر غير شيء، ومن ابن عباس، وكان فقيه البدن، وكان مفتى الكوفة قبل الحكم وحماد. وذكره أبو جعفر الطبري في (طبقات الفقهاء) ، وكان ذا فقه وعلم وقال ابن خزيمة في صحيحه: كان مدلسا، وقد سمع من ابن عمر، وقال ابن جعفر النحاس: كان يقول إذا حدثني رجل عنك بحديث ثم حدثت به عنك كنت صادقا. ونقل العقيلي عن القطان قال: حديثه عن عطاء ليس بمحفوظ. قال العقيلي: وله عن عطاء أحاديث لا يتابع عليها. له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 2/ 156- 157، ترجمة رقم (323) ، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 2/ 406، ترجمة رقم (157/ 526) ، (الضعفاء الكبير للعقيليّ) : 1/ 263، ترجمة رقم (322) ، (الثقات لابن حبان) : 4/ 137. [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 552، ذكر من قال: اطّلى رسول اللَّه بالنورة، وما بين الحاصرتين سقط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 فصل في ذكر سرير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج الإمام أحمد رحمه اللَّه من حديث الحسن، عن أنس [بن مالك] [ (1) ] قال: دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وهو على سرير مضطجع مرمل بشريط، وتحت رأسه وسادة من آدم حشوها ليف، فدخل عليه نفر من أصحابه، ودخل عليه عمر رضى اللَّه عنه، فانحرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم انحرافه، فلم ير عمر [ (2) ] بين جنبه وبين الشريط ثوبا، وقد أثّر الشريط بجنب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فبكى عمر رضى اللَّه عنه، فقال له رسول اللَّه [ (3) ] صلى اللَّه عليه وسلم ما يبكيك [يا عمر؟] [ (1) ] قال: واللَّه [ما أبكى أن] [ (4) ] لا أكون أعلم أنك على اللَّه [عز وجل [ (1) ]] من كسرى وقيصر، وهما يعيشان [ (5) ] فيما يعيشان [ (5) ] فيه من الدنيا، وأنت يا رسول اللَّه بالمكان الّذي أرى، فقال [النبي] [ (1) ] صلى اللَّه عليه وسلم: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال [عمر] [ (1) ] بلى، قال صلى اللَّه عليه وسلم: فإنه كذاك [ (6) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (المسند) . [ (2) ] في الأصلين: «فرأى عمر» ، وما أثبتناه من (المسند) . [ (3) ] في (المسند) : «فقال له النبي» . [ (4) ] زيادة من الأصلين. [ (5) ] في (المسند) : «يعبثان» ، وما أثبتناه من الأصلين. [ (6) ] (مسند أحمد) : 3/ 601- 602، حديث رقم (12009) ، (دلائل البيهقي) : 1/ 337، باب ذكر أخبار رويت في زهده صلى اللَّه عليه وسلم في الدنيا وصبره على القوت الشديد فيها، واختياره الدار الآخرة، وما أعد اللَّه تعالى له فيها على الدنيا، ورواه الإمام مسلم بمعناه في صحيحه، كتاب الطلاق، باب (5) في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، وقوله تعالى: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ، حديث رقم (1479) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 ولابن حيّان من حديث يحى بن حسان، عن محمد بن مهاجر، [قال: كان متاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند عمر بن عبد العزيز، في بيت ينظر إليه كل يوم [ (1) ]] وكان إذا اجتمعت إليه قريش، أدخلهم ذلك البيت، ثم استقبل ذلك المتاع فيقول: هذا ميراث من أكرمكم اللَّه وأعزّكم به [ (2) ] ، قال: وكان سريرا مرمّلا بشريط، ومرفقة من آدم محشوة بليف، وجفنة، وقدحا، وقطيفة، ورحى، وكنانة فيها أسهم، وكان في القطيفة أثر وسخ رأسه، فأصيب رجل، فطلبوا أن يغسلوا بعض ذلك الوسخ فيسعط به، فذكر ذلك لهم، فسعط فبرأ [ (3) ] . وقال الواقدي: حدثني ابن أبى سيرة، عن محمد بن أبى حرملة، عن عطاء، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كانت قريش بمكة، وليس شيء أحب إلينا من السرير ننام عليها، فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة، ونزل منزل أبى أيوب، قال صلى اللَّه عليه وسلم: يا أبا أيوب، أما لكم سرير؟ قال: لا واللَّه، فبلغ أسعد بن زرارة ذلك، فبعث إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بسرير له عمود وقوامه ساج مرسول بحزم- يعنى المسد- فكان ينام عليه حتى تحول إلى منزلي، وكان فيه فوهبه لي، فكان ينام عليه حتى توفى، فوضع عليه وصلّى عليه وهو فوقه، فطلبه الناس منّا يحملون عليه موتاهم، فحمل عليه أبو بكر، وعمر،   [ (1) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ) ، وصوبناه من (ج) . [ (2) ] إلى هنا ذكره أبو نعيم في (الحلية) : 5/ 326- 327، ضمن ترجمة عمر بن عبد العزيز رقم (323) ، قال: حدثنا محمد على، حدثنا الحسين بن محمد بن حماد، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا أبى محمد بن مهاجر قال: كان عند عمر بن عبد العزيز سرير النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعصاه، وقدح، وجفنة، ووسادة حشوها ليف، وقطيفة، ورداء، فكان إذا دخل عليه النفر من قريش قال: هذا ميراث من أكرمكم اللَّه به، ونصركم به، وأعزكم به، وفعل وفعل. [ (3) ] الجزء الأخير من هذا الخبر تلوح عليه أمارات الوضع، لمنافاته لما كان عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم من النظافة الظاهرة والباطنة مما سبق شرحه وتخريجه من الأخبار، وإن كان فيه علما من أعلام النبوة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 رضى اللَّه عنهما، والناس بعد طلبا لبركته. قال الواقدي: أجمع أصحابنا- لا اختلاف بينهم- في أن سرير النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشترى ألواحه، عبد اللَّه بن إسحاق الإسحاقي، من موالي معاوية بن أبى سفيان بأربعة آلاف درهم، فلما كان مروان- يعنى على المدينة- منع أن يحمل عليه إلا الرجل الشريف، وفرّق في المدينة سررا يحمل عليها الموتى. قال: وكان وسطه بليف منسوج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 فصل في ذكر القدح الّذي كان يوضع تحت السرير ليبول فيه خرج البيهقي من حديث ابن جريج [قال] أخبرتنى حكيمة بنت أميمة، عن أميمة أمها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان، ثم يوضع [ (1) ] تحت سريره [فبال، فوضع تحت سريره] [ (2) ] ، فجاء فأراده، فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة يقال لها: بركة- كانت تخدمه لأم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة-: أين البول الّذي كان في هذا القدح؟ قالت: شربته يا رسول اللَّه [ (3) ] !! وقد أخرجه أبو داود [ (4) ] والنسائي [ (5) ] ، من حديث حجاج بن محمد   [ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (ج) ، و (سنن البيهقي) : «ثم وضع» . [ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (3) ] (السنن الكبرى للبيهقي) : 7/ 67، باب تركه صلى اللَّه عليه وسلم الإنكار على من شرب بوله وحجامته. [ (4) ] (سنن أبى داود) : 1/ 28، كتاب الطهارة، باب (13) في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده، حديث رقم (24) . [ (5) ] (سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي) : 1/ 34- 35، كتاب الطهارة، باب (28) ، البول في الإناء، حديث رقم (32) . قال الحافظ السيوطي في قوله: «أخبرتنى حكيمة بنت أميمة عن أمها أميمة بنت رقيقة» : الثلاثة بالتصغير، ورقيقة بقافين. قال الحاكم في (المستدرك) : أميمة صحابية مشهورة، فخرج حديثها في الوحدان، وقال الحافظ جمال الدين المزني في (التهذيب) : رقيقة أمها، وهي أميمة بنت عيد، ويقال: بنت عبد اللَّه بن بجاد بن عمير، ورقيقة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضى اللَّه عنها. وقال الحافظ الذهبي: حكيمة لم ترو إلا عن أمها، ولم يرو عنها غير ابن جريج، وقال غيره: ذكرها ابن حبان في (الثقات) ، وأخرج حديثها في صحيحه، قالت: كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قدح من عيدان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 الأعور عن ابن جرير، وليس فيه قصة بركة. وللحاكم من حديث شبابه، حدثنا أبو مالك النخعي، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي عن أم أيمن [رضى اللَّه عنها] قالت: قام النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الليل إلى فخّارة [من جانب البيت] [ (1) ] فبال فيها، فقمت من الليل وأنا عطشى، فشربت ما [ (2) ] في الفخارة وأنا لا أشعر، فلما أصبح النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: يا أم أيمن، قومي إلى تلك الفخارة فأهريقى [ (3) ] ما فيها، قلت: قد واللَّه   [ () ] يبول فيه ويضعه تحت السرير. هذا مختصر، وقد أتمه ابن عبد البر في (الاستيعاب فقال: فبال ليلة فوضع تحت سريره فجاء، فإذا القدح ليس فيه شيء، فسأل المرأة يقال لها بركة كانت تخدم أم حبيبة، جاءت معها من الحبشة فقال: أين البول الّذي كان في القدح؟ فقالت: شربته يا رسول اللَّه، قال الحاكم في (المستدرك) : هذه سنة غريبة. وقال الشيخ ولى الدين في (شرح أبى داود) . والحافظ ابن حجر في (تخريج أحاديث الرافعي) : عيدان بفتح العين المهملة ومثناة تحتية ساكنة، وقال الإمام بدر الدين الزركشي في (تخريج أحاديث الرافعي) : عيدان مختلف في ضبطه: بالكسر والفتح، واللغتان بإزاء معنيين، فالكسر جمع عود، والفتح جمع عيدانه بفتح العين: قال أهل اللغة: هي النخلة الطويلة المتجردة، وهي بالكسر أشهر رواية. وفي كتاب (تثقيف اللسان) : من كسر العين فقد أخطأ، يعنى لأنه أراد جمع عود، وإذا اجتمعت الأعواد لا يتأتى منها قدح يحفظ الماء، بخلاف من فتح العين فإنه يريد قدحا من خشب هذه صفته، ينقر ليحفظ ما يجعل فيه. وقال الشيخ ولى الدين: يعارضه ما رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد، من حديث عبد اللَّه بن يزيد مرفوعا: لا ينقع بول في طست البيت، فإن الملائكة لا تدخل بيتا في بول منتقع. وروى ابن أبى شيبة في (المصنّف) عن ابن عمر قال: لا تدخل الملائكة بيتا فيه بول. والجواب: لعل المراد بانتقاعه طول مكثه، وما يجعل في الإناء لا يطول مكثه غالبا. وقال مغلطاى: يحتمل أن يكون أراد كثرة النجاسة في البيت بخلاف القدح، فإنه لا يحصل به نجاسة لمكان آخر. (سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي) : 1/ 34- 35، كتاب الطهارة، باب (28) البول في الإناء، حديث رقم (32) ، (المصنف) : 1/ 160، كتاب الطهارات، باب (215) في الرجل يبول في بيته الّذي هو فيه، حديث رقم (1845) . [ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (2) ] كذا في الأصلين، وفي (المستدرك) : «من في» . [ (3) ] في الأصلين: «فأهرقى» ، وما أثبتناه من (المستدرك) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 شربت ما فيها، قال: فضحك [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] حتى بدت نواجذه، ثم قال: أما إنك لا يتجع [ (2) ] بطنك بعده أبدا [ (3) ] . وخرّجه أبو نعيم بهذا السند أيضا [ (4) ] ثم قال: ورواه مسلم بن قتيبة، عن عبد الملك بن حسين، عن أبى مالك النخعي [ (5) ] ، عن يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أم أيمن نحوه. وخرّج الطبرانىّ من حديث حجّاج بن محمد عن ابن جريج قال: حدثتني حكيمة بنت أميمة بنت رقيقة قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يبول في قدح عيدان ثم يدفع تحت سريره، فبال فيه، ثم جاء فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة يقال لها: بركة- كانت تخدم أم حبيبة [رضى اللَّه عنها] جاءت بها من أرض الحبشة-: أين البول الّذي كان في القدح؟ قالت: فشربته، فقال [صلى اللَّه عليه وسلم] : لقد اختطرت من النار بخطار [ (6) ] . وقد اختلف في بركة هذه، فقال ابن عبد البر [ (7) ] : هي أم أيمن، وقال غيره: هي بركة بنت يسار مولاة أبى سفيان بن حرب [رضى اللَّه عنه] امرأة   [ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (2) ] كذا في الأصلين، وفي المرجع السابق: «يفجع بطنك» . [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 70- 71، كتاب معرفة الصحابة، ذكر أم أيمن مولاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وحاضنته، حديث رقم (6912) ، وسكت عنه الذهبي في (التخليص) . [ (4) ] (دلائل أبى نعيم) : 2/ 444، بوله وغائطه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (365) . [ (5) ] أبو مالك النخعي الواسطي، قال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء، وقال عمرو بن على: ضعيف منكر الحديث، وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث، وقال أبو داود: ضعيف، وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال الحافظ ابن حجر: وقال الأزدي والنسائي أيضا: متروك الحديث، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوى عندهم. (تهذيب التهذيب) : 12/ 240، ترجمة رقم (1006) . [ (6) ] لم أجده، وهو بمعنى الّذي قبله. [ (7) ] (الاستيعاب) : 4/ 1925، ترجمة رقم (4123) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 قيس بن عبد اللَّه، وأم حبيبة من الرضاعة، [هاجرت إلى الحبشة] ووردت معها. قاله ابن هشام عن ابن إسحاق [ (1) ] . [ولابن حبان في (صحيحه) ، من حديث حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: حدثتني حكيمة بنت أميمة، عن أمها أميمة بنت رقيقة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان، ثم يوضع تحت سريره] [ (2) ] .   [ (1) ] قال الحافظ ابن حجر: بركة بنت يسار، مولاة أبى سفيان بن حرب، هاجرت إلى الحبشة مع زوجها قيس بن عبد اللَّه الأسدي، ذكر ذلك ابن هشام، عن ابن إسحاق فيمن هاجر إلى الحبشة، وكذلك ابن سعد. وجوّز بعض المغاربة أنها بركة الحبشية المذكورة قبل هذه، وليس كما ظنّ، فإن بركة بنت يسار من حلفاء بنى عبد الدار، وهي أخت أبى تجراة، وأصلهم من كندة، وليست حبشية، وإن اشتركتا في كونهما في أرض الحبشة مع المهاجرين ثم قال ابن حجر: بركة الحبشية: كانت مع أم حبيبة بنت أبى سفيان تخدمها هناك، ثم قدمت معها، وهي التي شربت بول النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيما جاء في حديث أميمة بنت رقيقة، وخلطها أبو عمر بأم أيمن،، فأخرج في ترجمتها من طريق ابن جريج: أخبرتنى حكيمة بنت أميمة، عن أمها أميمة بنت رقيقة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان ويوضع تحت السرير، فجاء ليلة فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة يقال لها: بركة- كانت تخدم أم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة-: البول الّذي كان في هذا القدح ما فعل؟ قالت: شربته يا رسول اللَّه. وقال عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج: أخبرت أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان يوضع تحت سريره، فجاء فأراده فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة كان يقال لها بركة- كانت خادمة لأم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة-: أين البول؟ قال أبو عمر: أظن بركة هذه أم أيمن. وحمله على ذلك ما ذكر في صدد بركة أم أيمن أنها هاجرت الهجرتين إلى أرض الحبشة والمدينة. وفي كون أم أيمن هاجرت إلى أرض الحبشة نظر، فإنّها كانت تخدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وزوجها مولاه زيد بن حارثة، وزيد لم يهاجر إلى الحبشة، ولا أحد ممن كان يخدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذ ذاك، فظهر أنّ هذه الحبشية غير أم أيمن، وإن وافقتها في الاسم. (الإصابة) : 7/ 531، ترجمة بركة الحبشية، رقم (10916) ، (الاستيعاب) : 4/ 1793- 1795، ترجمة بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك، وهي أم أيمن غلبت عليها كنيتها، رقم (3252) ، (سيرة ابن هشام) : 5/ 9، في ذكر مهاجرة الحبشة، 2/ 166، ذكر المهاجرين إلى الحبشة من بنى أسد. [ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 4/ 274، كتاب الطهارة، باب (21) الاستطابة، حديث رقم (1426) ، وما بين الحاصرتين سقط من النسخة (ج) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 فصل في ذكر آلات بيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه قد ورد أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان له حصير، وفراش، ولحاف، ووسادة، وقطيفة، وقبّة من أدم، وكرسي، وفروة يصلى عليها، وخمرة. [فأما الحصير] [ (1) ] فخرج ابن حيّان من حديث معتمر، عن عبد اللَّه بن عمر، عن سعيد بن أبى سعيد، عن أبى سلمة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتجر حصيرا بالليل يصلى عليها، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه للناس [ (2) ] . وأصله في مسلم من حديث الأعمش عن أبى سفيان عن جابر قال: حدثني أبو سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] ، أنه دخل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم،   [ (1) ] هذه العناوين في (ج) بياض لعدم ظهورها في التصوير لاختلاف لون المداد، وفي (خ) مكتوبة بخط متميز في أوائل الفقرات لكن داخل السياق. [ (2) ] أخلاق النبي: 164. وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 3/ 110، كتاب الصلاة، باب صلاة المأموم في المسجد، أو على ظهره، أو في راحلته، بصلاة الإمام في المسجد وإن بينهما مقصورة، أو أساطين، أو غيرها شبيها بها، وتمامه: فجعل الناس يثوبون إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل عليهم فقال: خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن اللَّه لا يمل حتى تملوا، وأن أحب الأعمال إلى اللَّه ما دام منها وإن قل، ثم قال: رواه البخاري في الصحيح، عن محمد بن أبى بكر، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (30) فضيلة العمل الدائم، حديث رقم (215) . وأخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) : 3/ 243- 244 في ترجمة محمد بن موسى المؤدب، رقم (1327) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 قال: فرأيته يصلى على حصير يسجد عليه [ (1) ] ، [قال: ورأيته يصلى في ثوب واحد متوشحا به] [ (2) ] . [وأما الفرش] وأما الفرش، فخرج البخاري من حديث هشام، أخبرنى أبى عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أدم [و] حشوه ليف [ (3) ] . وخرّجه مسلم ولفظه قالت: إنما كان فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الّذي ينام عليه أدما حشوه ليف. وفي لفظ: إنما كان ضجاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الّذي ينام عليه أدما حشوه ليف [ (4) ] . ولابن حيّان من حديث مجالد عن الشعبىّ عن مسروق، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: دخلت عليّ امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عباءة مثنيّة، فانطلقت، فبعثت إليّ بفراش حشوه صوف، فدخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا؟ [يا عائشة] ؟ قلت: إن فلانة الأنصارية   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 171، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (48) جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير، وخمرة، وثوب، وغيرها من الطهارات، حديث رقم (271) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين ليس في (المرجع السابق) . [ (3) ] (فتح الباري) : 11/ 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6456) وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 302، كتاب اللباس والزينة، باب (6) التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه، واليسير في اللباس والفراش وغيرها، وجواز لبس الثوب الشعر وما فيه أعلام، حديث رقم (38) والحديث الّذي يليه، (دلائل البيهقي) : 1/ 344، باب ذكر أخبار رويت في زهده في الدنيا وصبره صلى اللَّه عليه وسلم على القوت الشديد فيها، واختياره الدار الآخرة، وما أعد اللَّه تعالى له فيها على الدنيا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 دخلت [عليّ] فرأت فراشك [فذهبت، فبعثت إليّ بهذا، فقال [صلى اللَّه عليه وسلم] : ردّيه، قلت: فلم أردّه وأعجبنى أن يكون في بيتي؟ حتى قالك ذلك ثلاث مرات، يقول: ردّيه يا عائشة، فو اللَّه لو شئت لأجرى اللَّه عليّ جبال الذهب والفضة [ (1) ] ، [قالت: فرددته] [ (2) ] . وله من حديث أبان عن إبراهيم النخعي عن الربيع بن زياد الحارثي، قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه في وفد من العراق، فأمر لكل رجل منا بعباءة، فأرسلت إليه حفصة رضى اللَّه عنها فقالت يا أمير المؤمنين! أتاك الباب [أهل] العراق ووجوه الناس فأحسن كرامتهم، فقال: ما أزيدهم على العباءة يا حفصة، أخبرينى بألين فراش فرشت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالت: كان لنا كساء من هذه الملبّدة أصبناه يوم خيبر، فكنت أفرشه لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كل ليلة فينام عليه، وإني ربّعته ذات ليلة، فلما أصبح قال: يا حفصة، أعيديه لمرته الأولى، ما كان فراشي البارحة؟ قلت: فراشك كل ليلة إلا أنى ربّعته الليلة، قال: يا حفصة، أعيديه لمرته الأولى فإنه منعتني وطأته البارحة من الصلاة، فأرسل عمر رضى اللَّه عنه عينيه بالبكاء وقال: واللَّه لا أزيدهم على العباءة. وللترمذي من حديث عبد اللَّه بن ميمون قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه قال: سألت عائشة رضى اللَّه عنها، ما كان فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتك؟ قالت: من أدم حشوه ليف [ (3) ] .   [ (1) ] (أخلاق النبي) : 156، (دلائل البيهقي) : 1/ 345، (تاريخ بغداد) : 11/ 102، ترجمة عباد بن عباد أبو معاوية المهلبي رقم (5798) ، (البداية والنهاية) : 6/ 60. [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة عن هذه المراجع، (طبقات ابن سعد) : 1/ 465. [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 208، كتاب اللباس، باب (27) ما جاء في فراش النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1761) : عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: إنما كان فراش النبي صلى اللَّه عليه وسلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 وسئلت حفصة رضى اللَّه عنها، ما كان فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: مسحا ثنيته ثنيتين فينام عليه، فلما كان ذات ليلة قلت: لو ثنيته بأربع ثينات كان أوطأ له، فثنيناه بأربع ثنيات، فلما أصبح قال: ما فرشتموا لي الليلة؟ قالت: قلنا هو فراشك، إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات، قلنا: هو أوطأ لك، قال: ردوه لحاله الأولى، فإنه منعني وطاءته صلاتي الليلة [ (1) ] . وذكر أبو عبد اللَّه الحسين بن الحسن الحليمي، أن فراش النبي صلى اللَّه عليه وسلم الّذي قبض عليه، كان محشوا وبر الإبل، طوله ذراعان أو نحوهما، وعرضه ذراع وشبر أو نحوه.   [ () ] الّذي ينام عليه أدم حشوه ليف، وفي (سنن أبى داود) : 4/ 381- 382، كتاب اللباس، باب (45) في الفرش، حديث رقم (4147) : عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: كانت ضجعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أدم حشوها ليف، وأخرج ابن ماجة في (سننه) : 2/ 1390، كتاب الزهد، باب (11) ضجاع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (4151) : عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان ضجاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أدما حشوه ليف. قال ابن الأثير في (جامع الأصول) : 10/ 694: الضّجعة بكسر الضاد: من الاضجاع، كالجلسة من الجلوس، وهي الهيئة، وبفتحها المرة الواحدة من النوم، والمراد به ما كان يضطجع عليه، فيكون في الكلام مضاف محذوف، تقديره: كانت ذات ضجعة، أو ذات اضطجاعه: فراش أدم حشوها ليف. وأخرجه أيضا الترمذي في (الشمائل المحمدية) : 269، باب ما جاء في فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (329) ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 464 و، ذكر ضجاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وافتراشه. [ (1) ] صدر هذا الحديث صحيح كما في التعليق السابق، وباقي الحديث إسناده ضعيف جدا، وقد تفرد به الترمذي دون باقي الستة، وفي سنده عبد اللَّه بن ميمون بن داود القداح، وهو منكر الحديث متروك، وقد أخرجه أبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 157 من حديث حفصة نحوه مطولا وهو ضعيف، والترمذي في (الشمائل) : 269- 270، حديث رقم (330) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 465، مختصرا، عن أم شبيب عن عائشة رضى اللَّه عنهما، أنها كانت تفرش للنّبيّ عباءة مثنية، فجاء ليلة وقد ربّعتها فنام عليها، فقال يا عائشة!! ما لفراشى صلى اللَّه عليه وسلم الليلة ليس كما كان؟ قلت: يا رسول اللَّه ربّعتها لك، قال: فأعيديه كما كان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 [وأما اللحاف] فروى ابن حيّان من حديث يونس بن عمرو، عن العيزار بن حريث، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى وعليه طرف اللحاف وعليّ طرفه ثم يصلى [ (1) ] . وروى أبو يعلى من حديث جبلة بن عطية، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: تضيفت ميمونة وهي خالتي، فجاءت بكساء فطرحته وفرشته للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم ثم جاءت بخرقة فطرحتها عند رأس الفراش، فجاء رسول اللَّه وقد صلى العشاء الآخرة، فانتهى إلى الفراش، فأخذ خرقة عند رأس الفراش فاستتر بها، وخلع ثوبيه فعلقهما، ثم دخل معها في لحافها. ولمسلم من حديث وكيع، حدثنا طلحة بن يحيى قال: سمعت عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلى من الليل وأنا إلى جانبه وأنا حائض، وعليّ مرط وعليه بعضه [ (2) ] . [إلى جنبه] [ (3) ] . [وأما الوسادة] فخرج مسلم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان وسادة [ (4) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الّذي يتكئ عليها [ (4) ] ،   [ (1) ] (أخلاق النبي) : 158. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 477، كتاب الصلاة، باب (51) الاعتراض بين يدي المصلى، حديث رقم (274) . [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) ، وأخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب الطهارة وسننها، باب (131) في الصلاة في ثوب الحائض، حديث رقم (652) ، (653) ، والمرط: كساء من صوف أو خز، ويكون إزارا ورداء. [ (4) ] في الأصلين: «وساد» و «عليها» وما أثبتناه من صحيح مسلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 من أدم حشوه ليف [ (1) ] . ولأبى داود [ (2) ] [وابن حبان] [ (3) ] من حديث وكيع عن إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته فرأيته متكئا على وسادة على يساره [ (4) ] . ولابن حيّان من حديث مبارك بن فضالة، عن الحسن عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف. وله من حديث يحيى بن سعيد، عن عبيد بن حنين، عن ابن عباس عن   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 302، كتاب اللباس والزينة باب (6) التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه، واليسير في اللباس والفراش وغيرها، حديث رقم (37) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 380، كتاب اللباس، باب (45) في الفرش، حديث رقم (4143) ، وقال: زاد ابن الجراح: على يساره. [ (3) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ج) ، وأخرجه ابن حبان في (الصحيح) : 2/ 350، كتاب البر والإحسان، باب (13) الصحبة والمجالسة، ذكر إباحة اتكاء المرء على يساره إذا جلس، حديث رقم (589) ، وإسناده حسن، سماك: هو ابن حرب الذهلي البكري الكوفي، صدوق إلا في روايته عن عكرمة خاصة ففيها اضطراب. (هامش الإحسان) . [ (4) ] وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 1/ 425، في ترجمة إسرائيل بن يونس بن أبى إسحاق السبيعي الكوفي رقم (237) : حدثنا إسحاق بن منصور، عن إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره. قال الشيخ: وهذا الحديث يعرف بإسحاق بن منصور، عن إسرائيل، زاد في متنه: «على يساره» ، حتى وجدناه في حديث حسين بن حفص عن إسرائيل مثله: حدثنا حسين بن حفص، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على يساره قال الشيخ: وحديث وكيع حدثناه محمد بن الحسن القصير، حدثنا عباس بن يزيد بن أبى حبيب، حدثنا وكيع، حدثنا إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته فرأيته متكئا على وسادة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 عمرو- وهو حديث الإيلاء الطويل- وفي بعض طرقه، وأنه يعنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف. وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث إسحاق بن منصور، عن إسرائيل عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره [ (1) ] . ومن حديث وكيع، عن إسرائيل، عن سماك عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة. قال أبو عيسى: لم يذكر وكيع فيه: على يساره. وهكذا رواه غير واحد عن إسرائيل نحو رواية وكيع، ولا نعلم أحدا ذكر فيه على يساره إلا ما روى إسحاق بن منصور عن إسرائيل [ (2) ] .   [ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 118، باب (22) ما جاء في تكأة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (131) ، وهو حديث صحيح، وأخرجه الترمذي أيضا في (السنن) : 5/ 91، كتاب الأدب، باب (23) ما جاء في الاتكاء، حديث رقم (2770) ، من حديث إسحاق بن منصور الكوفي، أخبرنا إسرائيل عن سماك ابن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره. قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب، وروى غير واحد هذا الحديث عن إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة، ولم يذكر: على يساره. وحديث رقم (2771) : حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة. [قال أبو عيسى] : هذا حديث صحيح. وأخرجه أيضا الدارميّ في (السنن) : 2/ 176، باب الاعتراف بالزنا، من طرق عن إسرائيل به. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 114، حديث رقم (20468) ، من حديث جابر بن سمرة، وابن سعد (الطبقات) : 1/ 465، ذكر ضجاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وافتراشه. [ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 120، باب (22) ما جاء في تكأة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (135) ، راجع التعليق السابق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 ولابن حيّان من حديث عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة فيها صور [ (1) ] . وللحاكم من حديث أنس بن مالك قال: دخل سلمان الفارسي على عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه وهو متكئ على وسادة فألقاها له، فقال سلمان رضى اللَّه عنه: [صدق اللَّه ورسوله، فقال عمر: حدثنا يا أبا عبد اللَّه، قال [ (2) ] :] دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو متكئ على وسادة فألقاها إلى ثم قال: يا سلمان، ما من مسلم يدخل على أخيه المسلم فيلقى له وسادة إكراما له، إلا غفر اللَّه له [ (3) ] . والوساد، والوسادة، بكسر الواو: هي المرفقة بكسر الميم، ويقال لها اليوم: مخدّة [ (4) ] ، وكان صاحب وسادة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: عبد اللَّه بن مسعود   [ (1) ] (أخلاق النبي) : 246. [ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 692، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6542) وقد حذفه الذهبي من (التلخيص) ، ومعلى بن مهدي الموصلي، قال أبو حاتم: يأتى أحيانا بالمناكير. قال الذهبي: هو من العباد الخيرة، صدوق في نفسه. (الميزان) : 4/ 151. [ (4) ] الوساد والوسادة: المخدّة، والجمع وسائد ووسد. ابن سيده وغيره: الوساد: المتكأ، وقد توسد ووسّده إياه فتوسد إذا جعله تحت رأسه. وفي الحديث: قال لعدي بن حاتم: إن وسادك إذن العريض، كنى بالوساد عن النوم لأنه مظنته، أراد أن نومك إذن كثير، وكنى بذلك عن عرض قفاه وعظم رأسه، وذلك دليل الغباوة، ويشهد له الرواية الأخرى: لعريض القفا، وقيل: أراد أن من توسد الخيطين المكنى بهما عن الليل والنهار لعريض الوساد. وفي حديث أبى الدرداء: قال له رجل: إني أريد أن أطلب العلم وأخشى أن أضيعه، فقال: لأن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 رضى اللَّه عنه، وقد تقدم التعريف به. [وأما القطيفة] فروى ابن حبان من حديث الربيع بن صبيح، عن يزيد عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: حج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على رحل رث، وقطيفة لا تساوى أربعة دراهم [ (1) ] .   [ () ] تتوسد العلم خير لك من أن تتوسد الجهل. وفي الحديث: أن شريحا الحضرميّ ذكر عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: ذاك رجل لا يتوسد القرآن. قال ابن الأعرابي: لقوله: لا يتوسد القرآن وجهان: أحدهما مدح والآخر ذم، فالذي هو مدح: أنه لا ينام عن القرآن، ولكن يتجهد به، ولا يكون القرآن متوسّدا معه، بل هو يداوم على قراءته ويحافظ عليها. وفي الحديث: لا توسّدوا القرآن واتلوه حق تلاوته، والّذي هو ذم: أنه لا يقرأ القرآن، ولا يحفظه، ولا يديم قراءته، وإذا نام لم يكن معه من القرآن شيء. وفي حديث آخر: من قرأ ثلاث آيات في ليلة لم يكن متوسّدا للقرآن. يقال: توسد فلان ذراعه إذا نام عليه وجعله كالوسادة له، قال الليث: وسّد فلانا وسادة، وتوسّد وسادة إذا وضع رأسه عليها، وجمع الوسادة وسائد، والوساد: كل ما يوضع تحت الرأس وإن كان من تراب، أو حجارة. (لسان العرب) : 3/ 459- 460، مختصرا. [ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 9/ 70، كتاب الحج، باب (5) مقدمات الحج، ذكر إباحة الحج للرجل على الرحال وإن كان موسرا بغيرها، حديث رقم (3754) ، ولم يذكر القطيفة، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 965، كتاب المناسك، باب (4) الحج على الرحل، حديث رقم (2890) عن الربيع بن صبيح، عن يزيد بن أبان، عن أنس بن مالك، قال: حج النبي صلى اللَّه عليه وسلم على رحل رثّ وقطيفة تساوى أربعة دراهم أو لا تساوى، ثم قال: اللَّهمّ حجة لا رياء فيها ولا سمعة. لكن قال الحافظ في (الفتح) : 3/ 486: لكن إسناده ضعيف. وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 5/ 444، باب حجة الوداع، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 161. وأخرجه المتقى الهندي في (كنز العمال) : 5/ 188، فصل في وقوف عرفة، حديث رقم (12559) : عن بشر بن قدامة الضبانى قال: أبصرت عيناي حبّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واقفا بعرفات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123   [ () ] مع الناس، على ناقة له حمراء قصواء، تحته قطيفة بولانية، وهو يقول: اللَّهمّ اجعلها حجة غير رياء ولا رياء ولا سمعة، والناس يقولون: هنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وعزاه لابن خزيمة، والباوردي، وابن مندة، وأبو نعيم. وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) : 3/ 54، في ترجمة يزيد بن أبان الرقاشيّ رقم (205) ، 6/ 308، في ترجمة الربيع بن صبيح رقم (382) . وأخرجه العقيلي في (الضعفاء) : 2/ 8، في ترجمة خالد بن عبد الرحمن المخزومي- قال البخاري: ذاهب الحديث. قال ابن أبى حاتم في (العلل) : 1/ 287، باب علل في أخبار المناسك. حديث رقم (856) : عن ابن عباس قال: غدا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من منى فلما انبعثت به راحلته وعليها قطيفة قد اشتريت بأربعة دراهم قال: اللَّهمّ اجعلها حجة مبرورة لا رياء فيها ولا سمعة. قال أبى هذا حديث باطل، ليس هو من حديث ابن جريج. وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 4/ 333، كتاب الحج، باب من اختار الركوب، وقال: «تحته قطيفة بولانية» . وأخرجه ابن عدي في (الكامل في ضعفاء الرجال) : 3/ 133، في ترجمة ربيع بن صبيح أبو حفص السعدي رقم (2/ 652) ، وقال مرة: وقطيفة تساوى أو لا تساوى أربعة دراهم، ومرة: وقطيفة لا تساوى أربعة دراهم. وعن الربيع بن صبيح أخرجه الترمذي في (الشمائل المحمدية) : 274- 275، باب (48) ما جاء في تواضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (335) ، وحديث رقم (341) . قال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: ما أراك حدثت عن الربيع بن صبيح بشيء؟ قال: لا، ومبارك بن فضالة أحب إلى منه. وقال حرملة عن الشافعيّ: كان الربيع بن صبيح غزاء، وإذا مدح الرجل بغير صنعته فقد وهض أي دق عنقه، وقال عفان بن مسلم: أحاديثه كلها مقلوبة. وقال أبو الوليد: كان لا يدلس، وكان المبارك بن فضالة أكثر تدليسا منه، وقال أبو داود عن أبى الوليد: ما تكلم أحد فيه إلا والربيع فوقه. وقال عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه: لا بأس به، رجل صالح. قال عبد اللَّه: سألت يحيى بن معين عن المبارك بن فضالة فقال: ضعيف الحديث مثل الربيع بن صبيح في الضعف. وقال عثمان الدارميّ: سألت ابن معين عنه فقال: ليس به بأس. وقال ابن أبى خيثمة عن ابن معين: ضعيف الحديث. وقال مسلم بن إبراهيم، عن شعبة: الربيع من سادات المسلمين، وقال يعقوب بن شيبة: رجل صالح صدوق، ثقة ضعيف جدا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 [وأما القبة] فذكر البخاري في الصلاة، من حديث أبى جحيفة [رأيت] النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم. الحديث [ (1) ] . وذكر في المغازي من حديث يونس عن ابن شهاب قال: أخبرنى أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] قال: أرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم. الحديث [ (2) ] ، وذكره في كتاب اللباس مختصرا، وترجم عليه باب القبة الحمراء من أدم [ (3) ] . وخرّج أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النّسائى من حديث سماك،   [ () ] وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة مستقيمة، ولم أر له حديثا منكرا جدا، وأرجو أنه لا بأس به ولا برواياته، قال محمد بن المثنى وغيره: مات سنة (160) بأرض السند. له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 3/ 214- 215، ترجمة رقم (474) ، (الضعفاء الكبير) : 2/ 52، ترجمة رقم (483) ، (ميزان الاعتدال) : 2/ 41، ترجمة رقم (2741) وغير ذلك. [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 639، كتاب الصلاة، باب (17) الصلاة في الثوب الأحمر، حديث رقم (376) : عن أبى جحيفة عن أبيه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في قبة حمراء من أدم، ورأيت بلالا أخذ وضوء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ورأيت الناس يبتدرون ذاك الوضوء، فمن أصاب منه شيئا تمسح به، ومن لم يصب منه شيئا أخذ من بلل يد صاحبه، ثم رأيت بلالا أخذ عنزة فركزها، وخرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم في حلة حمراء مشمرا صلى إلى العنزة بالناس ركعتين، ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة. [ (2، 3) ] (المرجع السابق) : 6/ 308، كتاب فرض الخمس، باب (19) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، حديث رقم (3147) ، 8/ 66، كتاب المغازي، باب (57) غزوة الطائف، حديث رقم (4331) ، (4333) ، 10/ 384- 385، كتاب اللباس، باب (42) القبة الحمراء من أدم، حديث رقم (5859) ، (5860) ، 13/ 520، كتاب التوحيد، باب (24) قول اللَّه تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، حديث رقم (7441) ، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب (47) سترة المصلى، حديث رقم (249) . (مسلم بشرح النووي) : 7/ 157، كتاب الزكاة، باب (46) إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى، حديث رقم (132) . و (مسند أحمد) : 3/ 645، حديث رقم (12285) ، 4/ 133- 134 حديث رقم (13162) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود، عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في قبة حمراء، في نحو أربعين رجلا، فقال: إنكم مفتوح لكم [وأنتم] [ (1) ] منصورون [مصيبون] [ (1) ] فمن أدرك ذلك منكم. فليتق اللَّه، وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر وليصل رحمه [ (2) ] . زاد الحاكم: ومثل الّذي يعين قومه على غير الحق، كمثل البعير يتردى، فهو يمد بذنبه. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] [ولم يخرجاه] [ (1) ] . [وأما الكرسي] فخرج مسلم، والنسائي، وأحمد، وابن حبان من حديث إسحاق بن سويدان، أخبرنا رفاعة قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو على كرسيّ خلت قوائمه حديد، ومن حديث حميد بن هلال عن أبى رفاعة العدوىّ قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يخطب فقلت: رجل غريب جاء يسأل عن دينه، فأقبل إليّ وترك خطبته حتى انتهى إليّ، فأتى بكرسي خلت قوائمه حديدا، فقعد عليه وجعل يعلمني مما علمه اللَّه، ثم أتى خطبته فأتم آخرها. وفي لفظ: قال حميد أراه رأى خشبا أسود حسبه حديدا. انفرد بإخراجه مسلم [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . وفي (الإحسان) : 6/ 153، كتاب الصلاة، باب (16) ما يكره للمصلى وما لا يكره، ذكر البيان بأن صلاة المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم بمنى كانت السترة قدامه، حيث كان الأتان ترتع قدام المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2394) من حديث عون بن أبى جحيفة عن أبيه قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم ... ، إسناده صحيح على شرطهما. [ (2) ] لم أجده في (المجتبى) ، ولعله في (الكبرى) . [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 175- 176، كتاب البرّ والصلة، حديث رقم (7275) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 414، كتاب الجمعة، باب (15) حديث التعليم في الخطبة، حديث رقم (60) ، هكذا هو في جميع النسخ «حسبت» ، ورواه ابن أبى خيثمة في غير (صحيح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 وذكر ابن قتيبة فقال: أتى بكرسي من خلب، وقال: الخلب: الليف [ (1) ] . وخرجه البخاري في الأدب المفرد، ولفظه: عن أبى رفاعة العدوي قال: انتهيت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يخطب، فقلت: يا رسول اللَّه! رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدرى ما دينه، فأقبل عليّ وترك خطبته، فأتى بكرسىّ خلت قوائمه حديدا، قال حميد: أراه خشبا أسود حسبه حديدا، فقعد عليه، فجعل يعلمني مما علمه اللَّه عز وجل، ثم أتم خطبته آخرها [ (2) ] .   [ () ] مسلم) : «خلت» بكسر الخاء وسكون اللام، وهو بمعنى حسبت. قال القاضي: ووقع في نسخة ابن الحذاء: «خشب» بالخاء والشين المعجمتين، وفي كتاب ابن قتيبة: «خلب» بضم الخاء وآخره باء موحدة، وفسّره بالليف، وكلاهما تصحيف، والصواب: «حسبت» بمعنى ظننت، كما هو في نسخ مسلم وغيره من الكتب المعتمدة. وقوله: «رجل غريب يسأل عن دينه لا يدرى ما دينه» فيه استحباب تلطف السائل في عبارته وسؤاله العالم. وفيه تواضع النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورفقه بالمسلمين وشفقته عليهم، وخفض جناحه لهم صلى اللَّه عليه وسلم. وفيه المبادرة إلى جواب المستفتي، وتقديم أهم الأمور فأهمها، ولعله كان سأل عن الإيمان وقواعده المهمة. وقد اتفق العلماء على أن من جاء يسأل عن الإيمان وكيفية الدخول في الإسلام وجب إجابته وتعليمه على الفور. وقعوده صلى اللَّه عليه وسلم على الكرسي ليسمع الباقون كلامه ويروا شخصه الكريم، ويقال: كرسي بضم الكاف وكسرها، والضم أشهر ويحتمل أن هذه الخطبة التي كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيها خطبة أمر غير الجمعة، ولهذا قطعها بهذا الفصل الطويل. ويحتمل أنها كانت الجمعة، واستأنفها، ويحتمل أنه لم يحصل فصل طويل ويحتمل أن كلامه لهذا الغريب كان متعلقا بالخطبة فيكون منها، ولا يضر المشي في أثنائها. (مسلم بشرح النووي) : 6/ 414- 415 . (سنن النسائي) : 8/ 611، كتاب الزينة، باب (122) الجلوس على الكراسي، حديث رقم (5392) . [ (1) ] قال الإمام النووي: وفي كتاب ابن قتيبة طلب بضم الخاء وآخره باء موحدة، وفسّره بالليف، وكلاهما تصحيف، والصواب حسبت بمعنى ظننت كما هو في نسخ مسلم وغيره من الكتب المعتمدة. (مسلم بشرح النووي) : 6/ 414. [ (2) ] أخرجه الإمام أحمد من حديث أبى رفاعة العدوي مختصرا في (المسند) : 6/ 79، حديث رقم (20229) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 [و روى إبراهيم بن يزيد العدوي البصري، عن إسحاق بن سويد العدوي، عن أبى رفاعة عبد اللَّه بن الحارث العدوي قال: دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على كرسي خلت أن قوائمه حديد، فسمعته يقول: إنك لن تدع شيئا للَّه إلا بدلك اللَّه خيرا منه] [ (1) ] . [قال الحافظ أبو بكر بن ثابت: كذا قال، واسم أبى رفاعة: تميم بن أسيد، لا عبد اللَّه بن الحارث، حدّث عنه حميد بن هلال، ولا أعلم روى عنه إسحاق بن سويد شيئا] [ (1) ] . قال ابن الجوزي: ولولا ما ذكرناه عن حميد لكان الأليق أن تكون من ليف قوائمه من حرير بالراء، والجريد: السعف. وذكر المبرد في الكامل: أنه كان لعمر رضى اللَّه عنه كرسي يجلس عليه، وذكر النسائي أنه كان لعلى رضى اللَّه عنه كرسي يجلس عليه [ (2) ] . [وأما ما كان يصلى عليه] فخرج البخاري من حديث عبد اللَّه بن شداد بن الهاد، عن ميمونة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى وأنا حذاه وأنا حائض،   [ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من (ج) وأثبتناه من (خ) ، والحديث أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 499 بسند آخر ولم يذكر فيه الكرسي، حديث رقم (22565) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 1/ 73، كتاب الطهارة، باب (76) عدد غسل الوجه، حديث رقم (93) : عن عليّ رضى اللَّه عنه أنه أتى بكرسىّ فقعد عليه، ثم دعا بتور فيه ماء فكفأ على يديه ثلاثا ... ، وباب (77) غسل اليدين، حديث رقم (94) : عن عبد خير قال: شهدت عليا دعا بكرسىّ فقعد عليه، ثم دعا بماء في تور فغسل يديه ثلاثا ... وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 196، حديث رقم (992) عن عبد خير قال: كنت عند عليّ فأتى بكرسي وتور، قال: فغسل كفيه ثلاثا ... » ونحوه باختلاف يسير حديث رقم (1182) ، وكلاهما من مسند على بن أبى طالب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 وربما أصابنى ثوبه إذا سجد، وكان يصلى على الخمرة. ترجم عليه باب: إذا أصاب ثوب المصلى امرأته إذا سجد [ (1) ] ، وذكره في باب الصلاة على الخمرة، ولفظه: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلى على الخمرة [ (2) ] . وخرّجه مسلم في موضعين من كتاب الصلاة، وذكر في أحدهما: وأنا حائض [ (3) ] ، ولم يذكره في الآخر، وقال: على خمرة [ (4) ] ، وخرّجه أبو داود أيضا [ (5) ] . ولمسلم من حديث الأعمش، عن أبى سفيان عن جابر قال: حدثني أبو سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه أنه] دخل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فرأيته   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 643، كتاب الصلاة، باب (19) إذا أصاب ثوب المصلى امرأته إذا سجد، حديث رقم (379) . [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 647، كتاب الصلاة، باب (21) الصلاة على الخمرة، حديث رقم (381) . قال ابن بطال: لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة على الخمرة، إلا ما روى عن عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه عنه أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة، فيسجد عليه، ولعله كان يفعله على جهة المبالغة في التواضع والخشوع، فلا يكون فيه مخالفة للجماعة. وقد روى ابن أبى شيبة، عن عروة بن الزبير، أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض، وكذا روى عن غير عروة، ويحتمل أن يحمل على كراهة التنزيه، واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) : 643- 644 . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 477، كتاب الصلاة، باب (51) الاعتراض بين يدي المصلى، حديث رقم (273) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (274) ، وفي هذا دليل على أن وقوف المرأة بجنب المصلى لا يبطل صلاته، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وأبطلها أبو حنيفة رضى اللَّه عنه. وفيه أن ثياب الحائض طاهرة، إلا موضعا ترى عليه دما أو نجاسة أخرى. وفيه جواز الصلاة بحضرة الحائض، وجواز الصلاة في ثوب بعضه على المصلى وبعضه على حائض أو غيره، وأما استقبال المصلى وجه غيره فمذهبنا، ومذهب الجمهور كراهته، ونقله القاضي عياض عن عامة العلماء رحمهم اللَّه تعالى. (مسلم بشرح النووي) : 4/ 477. [ (5) ] (سنن أبى داود) : 1/ 429، كتاب الصلاة، باب (91) الصلاة على الخمرة، حديث رقم (656) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 يصلى على حصير يسجد عليه [ (1) ] . [قال: ورأيته يصلى في ثوب واحد متوشحا به] [ (2) ] . وفي رواية له قال: حدثني أبو سعيد أنه دخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فوجده يصلى على حصير يسجد عليه [ (3) ] . والخمرة بضم الخاء المعجمة وسكون الميم: هي كالحصير الصغير من سعف النخل مضفّر بالسيور ونحوها، بقدر الوجه والكفين، وهي أصغر من أن يصلى عليها، سميت بذلك لأنها تستر الوجه والكفين من برد الأرض وحرّها، فإن كبرت عن ذلك فهي حصير. وفيه دليل على اتخاذ السجادة [ (4) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 480، كتاب الصلاة، باب (52) الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه، حديث رقم (284) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين تمام الحديث من (المرجع السابق) ، وفيه دليل على جواز الصلاة على شيء يحول بينه وبين الأرض من ثوب، وحصير وصوف وغير ذلك، وسواء نبت من الأرض أم لا، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال القاضي رحمه اللَّه تعالى: أما ما نبت من الأرض فلا كراهة وأما البسط واللبود وغيرها مما ليس من نبات الأرض، فتصح الصلاة فيه بالإجماع، لكن الأرض أفضل منه، إلا لحاجة حرّ أو برد، أو نحوهما، لأن الصلاة سرّها التواضع والخضوع. واللَّه عز وجل أعلم. (مسلم بشرح النووي) 4/ 480- 481. [ (3) ] راجع التعليق السابق. [ (4) ] قال في (اللسان) : الخمرة: حصير أو سجادة صغيرة تنسج من سعف النخيل وترمل بالخيوط. وقيل: حصيرة أصغر من المصلى، وقيل: الخمرة الحصيرة الصغير الّذي يسجد عليه. وفي الحديث أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يسجد على الخمرة، وهو حصير صغير قدر ما يسجد عليه، ينسج من السعف. قال الزجاج: سميت خمرة لأنها تستر الوجه من الأرض. وفي حديث أم سلمة، قال لها وهي حائض: ناوليني الخمرة، وهي مقدار ما يضع الرجل على وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص من النبات، قالك ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار، وسميت خمرة لأنها خيوطها مستورة بسعفها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 ولمسلم من حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: فقلت: أنا حائض، فقال: «إن حيضتك ليست في يدك. ذكره من حديث أبى معاوية، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد القاسم بن محمد عن عائشة [رضى اللَّه عنها] [ (1) ] . وذكره من حديث يحيى بن سعيد، عن يزيد بن كيسان، عن أبى حازم، عن أبى هريرة قال: بينما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما في المسجد فقال: يا عائشة، ناوليني الثوب [ (2) ] ، فقلت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك، فناولته [ (3) ] .   [ () ] قال ابن الأثير: وقد تكررت في الحديث، وهكذا فسرت. وقد جاء في (سنن أبى داود) ، عن ابن عباس قال: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها، فأحرقت منها مثل موضع درهم. قال: وهذا صريح في إطلاق الخمرة على الكبير من نوعها. (لسان العرب) : 4/ 258. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 214، كتاب الحيض، باب (3) جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها، وقراءة القرآن فيه، حديث رقم (11) . وأخرجه أيضا من حديث أبى غنية عن ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: أمرنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن أناوله الخمرة من المسجد فقلت: إني حائض، فقال: تناوليها فإن الحيضة ليست في يدك (المرجع السابق) : حديث رقم (12) . [ (2) ] في (خ) ، (ج) : «الخمرة» ، وصححناه من (صحيح مسلم) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 214- 215، حديث رقم (13) . قال القاضي عياض رضى اللَّه عنه: معناه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال لها ذلك من المسجد، أي وهو في المسجد لتناوله إياها من خارج المسجد، لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمرها أن تخرجها له من المسجد، لأنه صلى اللَّه عليه وسلم كان في المسجد معتكفا، وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: «إن حيضتك ليست في يدك» فإنما خافت من إدخال يدها المسجد، ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى. واللَّه أعلم. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «إن حيضتك ليست في يدك» ، فهو يفتح الحاء، هذا هو المشهور في الرواية. وهو الصحيح. وقال الإمام أبو سليمان الخطابي: المحدثون يقولونها بفتح الحاء، وهو خطأ، وصوابها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 وخرجه أبو داود [ (1) ] والترمذي [ (2) ] والنسائي ولفظه [ (3) ] : فقالت: إني لا أصلى [ (4) ] . وللنسائى من حديث سفيان، عن منبوذ، عن أمه أن ميمونة قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض. ترجم عليه: بسط الحائض الخمرة في المسجد [ (5) ] .   [ () ] بالكسر، أي الحالة والهيئة. وأنكر القاضي عياض هذا على الخطابي، وقال: الصواب هنا ما قاله المحدثون من (الفتح) ، لأن المراد الدم، وهو الحيض بالفتح بلا شك، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: ليست في يدك، معناه أن النجاسة التي يصان المسجد عنها، وهي دم الحيض ليست في يدك. (المرجع السابق) : 214- 215. [ (1) ] (سنن أبى داود) : 1/ 179، كتاب الطهارة، باب (104) في الحائض تناول من المسجد، حديث رقم (261) ، وفي الحديث من الفقه: أن للحائض أن تناول الشيء بيدها من المسجد، وأن من حلف لا يدخل دارا أو مسجدا فإنه لا يحنث بإدخال يده أو بعض جسده فيه، ما لم يدخل بجميع بدنه (معالم السنن للخطابى) : 1/ 179. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 1/ 241- 242، أبواب الطهارة، باب (101) ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد، حديث رقم (134) ، قال: وفي الباب عن ابن عمر، وأبى هريرة. قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك: بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئا من المسجد. [ (3) ] عن سفيان، عن منبوذ، عن أمه أن ميمونة قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض. (سنن النسائي) : 1/ 161، كتاب الطهارة، باب (174) بسط الحائض الخمرة في المسجد، حديث رقم (272) . [ (4) ] قولها: «لا أصلى» قالته لما قال لها صلى اللَّه عليه وسلم: «يا عائشة ناوليني الثوب» ، ولم يذكر الخمرة. (المرجع السابق) : كتاب الطهارة، باب (173) استخدام الحائض، حديث رقم (270) . [ (5) ] (سنن النسائي) : 1/ 210- 211، كتاب الحيض، باب (19) بسط الحائض الخمرة في المسجد، حديث رقم (283) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 وخرجه قاسم بن أصبغ من حديث الحميدي، أخبرنا سفيان، حدثني منبوذ المكيّ عن أمه قالت: كنا عند ميمونة، فدخل عليها ابن عباس فقالت: أي بنى، ما لي أراك أشعث؟ فقال: إن مرجلتى أم عمار حائض، فقالت: أي بنى، وأين الحيضة من اليد، إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليضع رأسه في حجر إحدانا وهي حائض، ثم يتلو القرآن، وإن كانت إحدانا لتقوم إليه بخمرتها فتبسطها وهي حائض فيصلي عليها، أي بنى، وأين الحيضة من اليد [ (1) ] ؟ وخرجه محمد بن أيمن ولفظه: وإن كانت إحدانا لتقوم إليه فتناوله الحصير بيدها وهي حائض. الحديث. وفي لفظ له: قالت: كنت عند ميمونة، فذكر مثل حديث الحميدي عن سفيان وقال: ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في مسجده [ (1) ] . وللإمام أحمد من حديث محمد بن ربيعة، أخبرنا يونس بن الحارث الطائفي، عن أبى عون عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلى -[أو يستحب أن يصلى [ (2) ]]- على فروة مدبوغة [ (3) ] . [وكانت له عليه السلام جفنة يطعم فيها الناس، يحملها أربعة رجال تسمى الغرّاء] [ (4) ] .   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] زيادة للسياق من (المسند) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 5/ 311، حديث رقم (17762) من حديث المغيرة بن شعبة. [ (4) ] ما بين الحاصرتين ليس في (المسند) ، في (خ) ، (ج) فقط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 فصل في ذكر سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سلاح وآلات حرب، ما بين: سيوف، ودروع، وقسىّ، وسهام، ومغفر، وألوية، ورايات، وعنزة. [فأمّا سيوفه صلى اللَّه عليه وسلم] فتسعة: مأثور [ (1) ] ، والعضب [ (2) ] ، وذو الفقار [ (3) ] ، والقلعي، والبتّار [ (4) ] ، والحتف [ (5) ] ، والرسوب، والمخدم [ (6) ] ، والقضيب [ (7) ] ، وأشهرها ذو الفقار، ويقال: إن أصله من حديدة وجدت مدفونة عند الكعبة فصنع منها، [وكان طوله سبعة أشبار وعرضه شبرا] [ (8) ] . قال الواقدي: فحدثني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن ذكوان عن أبيه، عن   [ (1) ] وهو أول سيف ملكه، ورثه صلى اللَّه عليه وسلم من أبيه. (زاد المعاد) : 1/ 130، فصل في ذكر سلاحه وأثاثه صلى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] أعطاه إياه سعد بن عبادة (الوافي) : 1/ 91. [ (3) ] بكسر الفاء، وبفتح الفاء، وكان لا يكاد يفارقه، وكانت قائمة قبيعته، وحلقته، وذؤابته، وبكراته، ونعله من فضة. تنفّله يوم بدر من بنى الحجاج السّهميين، ورأى في النوم في ذبابه ثلمة فأولها هزيمة، وكانت يوم أحد. (زاد المعاد) : 1/ 130، (الوافي) : 1/ 91. [ (4) ] في (خ) : «القلعي وهو البتار» ، وما أثبتناه من سائر المراجع وهو الصحيح. [ (5) ] وأصاب من سلاح بنى قينقاع ثلاثة أسياف: سيف قلعىّ بفتح اللام، وسيف يدعى بتارا، وسيف يدعى الحتف. (الوافي) : 1/ 91. [ (6) ] وكان له المخدم والرسوب، أصابهما من الفلس، وهو صنم لطيّئ، (الوافي) : 1/ 91. [ (7) ] والقضيب، وهو أول سيف تقلد به صلى اللَّه عليه وسلم. (الوافي) : 1/ 91. [ (8) ] ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (ج) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، حدثني محمد بن عبد اللَّه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قالا: تنفل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سيفه ذا الفقار يومئذ- يعنى يوم بدر- وكان لمنبه بن الحجاج، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد غزا إلى بدر بسيف وهبه له سعد بن عبادة يقال له: العضب، ودرعه ذات الفضول [ (1) ] ، فسمعت ابن أبى سبرة يقول: سمعت صالح بن كيسان يقول: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر وما معه سيف، وكان أول سيف تقلده سيف منبه بن الحجاج، غنمه يوم بدر] [ (2) ] . ولابن حيّان من حديث عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما [قال] إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سل سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الّذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد [ (3) ] . ومن حديث يزيد بن أبى حبيب، عن مرثد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن زرير، عن [عمر] رضى اللَّه عنه قال: كان اسم سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار [ (4) ] . ومن حديث وكيع عن إسرائيل، عن جابر قال: أخرج إلينا عليّ بن الحسين سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا قبيعته والحلقتان اللتان فيهما الحمائل فضة، قال: فسللته، فإذا هو [سيف] [ (5) ] قد نحل، كان سيفا لمنبه بن   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 103. [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] (أخلاق النبي) : 139. [ (4) ] أخرجه الحافظ العراقي في (المغنى عن حمل الأسفار) : 2/ 585، ضمن حديث طويل للطبراني، وقال: وفيه على بن غررة الدمشقيّ، نسب إلى وضع الحديث، ورواه أبو الشيخ من حديث الحسن مرسلا، وله من حديث على بن أبى طالب: كان اسم سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار. [ (5) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 الحجاج السهمي، اتخذه [ (1) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر [ (2) ] . وعن الشعبي [قال] : أخرج إلينا على بن الحسين سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا قبيعته من فضة، وإذا حلقته التي تكون فيها الحمائل من فضة، وسللته، وإذا هو سيف قد نحل، كان لمنبه بن الحجاج [و] أصابه يوم بدر [ (3) ] . [وذكر الزبير بن بكار، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعطى ذا الفقار عليّ بن أبى طالب يوم أحد، ويقال إن ذا الفقار كان لنبيه بن الحجاج، وقال الكلبي: كان للعاص بن منبه بن الحجاج] [ (4) ] . ويروى عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] ، أن الحجاج بن علاط أهدى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [سيفه] ذا الفقار، وأن دحية أهدى له بغلته الشهباء. وقال ابن سيرين: صنعت سيفي على سيف سمرة، وقال سمرة: صنعت سيفي على سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وكان حتفيا. وقال محمد بن حمير: أخبرنا أبو الحكم الصيقل، حدثني مرزوق الصيقل، أن صقل سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار كانت قبيعة من فضة وحلق في قيده، وبكر في وسطه من فضة. وفي رواية: كانت له قبيعة من فضة، وبكرة في وسطه من فضة، وحلقها من فضة. قال ابن عبد البر: في إسناد حديثه لين. ولأبى داود من حديث جرير بن حازم قال: أخبرنا قتادة عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة [ (5) ] . ومن   [ (1) ] في (المرجع السابق) : «أصابه يوم بدر» . [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 486. [ (3) ] راجع التعليق السابق. [ (4) ] ما بين الحاصرتين زياد من (خ) وليست في (ج) . [ (5) ] (سنن أبى داود) : 3/ 68- 69، كتاب الجهاد، باب (71) في السيف يحلى، حديث رقم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 حديث قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة [ (1) ] ، قال قتادة: وما علمت أحدا تابعه [عليه] [ (2) ] . ومن حديث يحيى بن كثير [أبو عثمان العنبري] [ (3) ] ، عن عثمان بن سعد [ (4) ] ، عن أنس [بن مالك] [ (4) ] قال: كانت [قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة] [ (5) ] . قال أبو داود: أقواها حديث سعيد بن أبى الحسن، والباقي كلها ضعاف [ (6) ] . وخرّجه الترمذي من حديث جرير بن حازم، أخبرنا [ (7) ] أبى عن قتادة، عن أنس [رضى اللَّه عنه قال] : كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة. قال: هذا حديث حسن غريب [ (8) ] ، [وهكذا روى عن همام عن قتادة عن أنس] [ (9) ] وقد روى بعضهم عن قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة [ (10) ] .   [ () ] (2583) ، وقبيعة السيف هي الثومة التي فوق المقبض، ويستدل به على جواز تحلية اللجام باليسير من الفضة، وسقوط الزكاة عنه على مذهب من يسقط الزكاة عن الحلي. وقد قيل: إنه لا يجوز ذلك لأنه من زينة الدابة، وإنما جاز ذلك في السيف، لأنه من زينة الرجل وآلته، فيقاس عليه المنطقة ونحوها من أداة الفارس دون أداة الفرس. (معالم السنن) 10/ 68. [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2584) . [ (2) ] كذا في الأصلين (خ) ، (ج) ، وفي (المرجع السابق) : «تابعه على ذلك» . [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] عثمان هو أبو بكر التميمي البصري الكاتب- تكلم فيه غير واحد. [ (5) ] كذا في الأصلين، وفي (المرجع السابق) : «قال: كانت فذكر مثله» . [ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2585) . [ (7) ] كذا في الأصلين، وفي (سنن الترمذي) : «حدثنا» . [ (8) ] (سنن الترمذي) : 4/ 173- 174، كتاب الجهاد، باب (16) ما جاء في السيوف وحليتها، حديث رقم (1691) . [ (9) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (10) ] (المرجع السابق) : 174. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 وخرّج الإمام أحمد من حديث عفّان قال: جاء أبو جزى- واسمه نصر ابن طريف- إلى جرير بن حازم، يشفع لإنسان، فحدثه جرير، فقال جرير: أخبرنا قتادة عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة، قال أبو جزى: كذب، واللَّه ما حدثناه قتادة الأغر سعيد بن أبى الحسن. قال أحمد: وهو قول أبى جزى، يعنى أصاب وأخطأ جرير، قلت: جرير بن حازم ثقة، وأبو جزى متروك الحديث، إلا أنه أصاب في هذا، وأخطأ جرير بن حازم [ (1) ] . قال ابن معين: أبو جزى ليس حديثه بشيء، وقال أبو حفص عمرو بن العلاد الفلاس: أجمع أهل العلم من أهل الحديث أنه لا يروى عن جماعة سمّاهم، أحدهم أبو جزى نصر بن طريف [ (1) ] . وقال ابن أبى حاتم: سألت أبى عن أبى جزى نصر بن طريف فقال: ليس بشيء، وهو متروك الحديث [ (1) ] .   [ (1) ] نصر بن طريف أبو جزىّ الباهلي البصري، روى عن قتادة، وحماد بن أبى سليمان، قال ابن المبارك: كان قدريا، وقال أحمد: لا يكتب حديثه، وقال النسائي وغيره: متروك، وضعّفه العجليّ، وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال الخليلي في (الإرشاد) : ضعفوه. عبد الرحمن بن مهدي: مرض أبو جزى فدخلنا عليه فقال: أسندوني، فسند وقال: فأقبل علينا فقال: كل ما حدثتكم عن فلان وفلان الّذي قال ليس عندي عنهما، [يعترف بأنه غيّر في الأسانيد] . وهب بن زمعة عن عبد اللَّه بن المبارك أنه ترك حديث نصر بن طريف أبو جزى قال أحمد بن حنبل: ولا يكتب حديث نصر بن طريف أبو جزى، ويحيى بن معين يقول: ومن المعروفين بالكذب وبوضع الحديث أبو جزى نصر بن طريف. وقال ابن عدي في (الكامل) بعد أن ذكر عدة أحاديث من مرويات أبى جزى: ولأبى جزى غير ما ذكرت من الحديث من المناكير وغيره، وربما يحدث بأحاديث يشارك فيها الثقات، إلا أن الغالب على راياته أنه يروى ما ليس محفوظا، وينفرد عن الثقات بمناكير، وهو بيّن الضعف، وقد أجمعوا على ضعفه. له ترجمة في (الكامل في الضعفاء) : 7/ 30- 35، ترجمة رقم (17/ 1970) ، (لسان الميزان) : 6/ 183، ترجمة رقم (44/ 8777) ، (المغنى في الضعفاء) : الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 وللترمذي من حديث طالب بن حجير، عن هود بن عبد اللَّه بن سعد [ (1) ] عن جده قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [مكة] [ (2) ] يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة، قال طالب: فسألته عن الفضة، فقال: كان قبيعة السيف فضة [ (3) ] . [قال أبو عيسى: وفي الباب عن أنس، وهذا حديث حسن غريب، وجدّ هود اسمه مزيدة العصفري] [ (4) ] . وللنسائى من حديث أنس رضى اللَّه عنه قال: كان نصل [سيف]   [ () ] 2/ 696، ترجمة رقم (6613) ، (ميزان الاعتدال) : 4/ 254، ترجمة رقم (9047) . [ (1) ] في (سنن الترمذي) : «سعد» ، وفي (الأصلين) : «سعيد» . [ (2) ] زيادة من (الأصلين) ، وهي في رواية الترمذي في (الشمائل) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 173، كتاب الجهاد، باب (16) ما جاء في السيوف وحليتها، حديث رقم (1960) . [ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . وأخرج الترمذي في (الشمائل) : 98، باب (14) ما جاء في صفة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (106) من حديث وهب بن جرير، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس، قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة، وهو حديث صحيح. والقبيعة- بفتح القاف-: ما على رأس مقبض السيف من فضة أو حديد أو غيرهما، أو هي التي تكون على رأس قائم السيف، وقيل: هي ما تحت شاربى السيف. وهو حديث صحيح ورجال إسناده ثقات كلهم، غير أن جرير بن حازم في حديثه عن قتادة ضعف، قاله ابن معين وغيره، وأيضا قتادة مدلس وقد عنعن، ولكن يخفف من هذه العنعنة أن في إحدى الطرق الراويّ عنه همام، وهو ثبت في قتادة، ولكن للحديث طرق عن أنس وشواهد يصح بها. والحديث أخرجه الدارميّ في (السنن) : 2/ 221، كتاب السير، باب في قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أنس قال: كان قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة، قال عبد اللَّه: هشام الدستوائى خالفه، قال قتادة عن سعيد بن أبى الحسن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وزعم الناس أنه هو المحفوظ. وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 487 من حديث قتادة عن أنس، في ذكر سيوف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 140، والطحاوي في (مشكل الآثار) : 2/ 166- 167، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة، وقبيعة سيفه فضة، وما بين ذلك حلق فضّة [ (1) ] .   [ () ] باب بيان مشكل ما روى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في إباحته تحلية السيف بالفضة، وابن عدي في (الكامل) : 2/ 126، في ترجمة جرير بن حازم بن زيد الجهضمي رقم (8/ 333) ، والبيهقي في (السنن الكبرى) : 4/ 143. كتاب الزكاة، باب ما ورد فيما يجوز للرجل أن يتحلى به من خاتمة وحلية سيفه، ومصحفه، إذا كان من فضة، ثم قال: وهذا مرسل، وهو المحفوظ، وروى من وجه آخر موصولا عن أنس. وقد أعله أبو داود، والدارميّ، والبيهقي، بأن هشام الدستوائى رواه عن قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن البصري مرسلا، وهو الحديث رقم (107) من (الشمائل المحمدية) : عن قتادة، عن سعيد ابن أبى الحسن البصري، قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة، وهو حديث مرسل. وأما الحديث رقم (108) من (الشمائل المحمدية) : من حديث طالب بن حجير، عن هود- وهو ابن عبد اللَّه بن سعيد- عن جده قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مكة يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب وفضة، وهو حديث ضعيف، وفي إسناده هو بن عبد اللَّه، قال عنه ابن القطان: مجهول. وقال الذهبي في (الميزان) : لا يكاد يعرف، وذكره ابن حبان في (الثقات) ، وقال عنه الحافظ في (التقريب) : مقبول. يعنى عند المتابعة، وإلا فلين الحديث. وشيخ المصنف هو محمد بن إبراهيم بن صدران المؤذن، وهو صدوق، وكذا طالب بن حجير صدوق، وجد هود هو مزيدة- وهو جده لأمه، وهو صحابى قليل الحديث، والحديث أخرجه أبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 140. وأما الحديث رقم (109) من (الشمائل المحمدية) : من حديث أبى عبيدة الحداد، عن عثمان ابن سعد، عن ابن سيرين، قال: صنعت سيفي على سيف سمرة بن جندب، وزعم سمرة بن جندب أنه صنع سيفه على سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وكان حنفيا، وهو حديث ضعيف، وفي إسناده عثمان بن سعد الكاتب، وقد تكلم فيه يحى القطان من قبل حفظة، وضعفه غير واحد، ولذا قال عنه الحافظ في (التقريب) ضعيف، وباقي رجال الإسناد ثقات. أبو عبيدة الحداد هو عبد الواحد بن واصل السدوسي، وهو ثقة تكلم فيه الأزدي بغير حجة. وللحديث طريق آخر، هو الحديث رقم (110) من (الشمائل المحمدية) : من حديث عقبة بن مكرم البصري، حدثنا محمد بن بكر، عن عثمان بن سعد بهذا الإسناد بنحوه، ويراجع في تخريجه ما جاء في الكلام على الحديث رقم (109) . قوله: «وكان حنفيا» : أي وكان سيفه حنفيا، نسبة لبني حنيفة، وهم قبيلة مسيلمة، لأنهم معروفون بحسن صنعة السيوف، فيحتمل أن صانعه كان منهم، ويحتمل أنه أتى به من عندهم، وهذه الجملة من كلام سمرة فيما يظهر، ويحتمل أنها من كلام ابن سيرين على الإرسال. (حاشية الباجوري على الشمائل المحمدية) : 111. [ (1) ] (سنن النسائي) : 8/ 610، كتاب الزينة، باب (120) حلية السيف، حديث رقم (5389) ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 وقال جعفر بن محمد الصادق: رأيت سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قائمه من فضة، ونصله من فضة، وبين ذلك حلق من فض، هو الآن عند هؤلاء، يعنى آل العباس [ (1) ] . وقال الأصمعي: دخلت على الرشيد فقال: أريكم سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار؟ قلنا: نعم، فجاء به، فما رأيت سيفا قطّ أحسن منه، إذا نصب لم تر فيه شيء، وإذا بطح عدّ فيه سبع فقر، وإذا صفيحة يمانية يحار فيه الطرف من حسنه. وفي رواية: أحضر الرشيد ذا الفقار يوما بين يديه، فاستأذنته في تقليبه، فأذن لي فقلبته، واختلفت أنا والحاضرين في عدة فقاره، هل هي سبع عشرة؟ وذكر قاسم في كتاب (الدلائل) : أن ذلك كان يرى في رونقه شبيها بفقار الحيّة، يراه الناظر فإذا التمس لم يوجد [لها أثر] . [و] ذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قدم المدينة في الهجرة بسيف كان لأبيه مأثور، والعضب، وبذات الفضول سعد بن عبادة رضى اللَّه عنه إلى   [ () ] وللنسائى أيضا من حديث عثمان بن حكيم عن أبى أمامة بن سهل، حديث رقم (5388) . كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة، ومن حديث هشام عن قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن، حديث رقم (5390) : كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة. [ (1) ] راجع التعليق السابق، وذكر ابن أبى حاتم في (علل الحديث) : 1/ 313، حديث رقم (938) : سألت أبى عن حديث رواه أبو معاوية الضرير، عن حجاج عن قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن عن عبد اللَّه بن عمرو، قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة، قال أبى: إنما هو سعيد بن أبى الحسن قال: «كان قبيضة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» ، مرسل بلا عبد اللَّه بن عمرو. وفي ص 483، حديث رقم (1446) : سألت أبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن كثير أبو غسان، عن عثمان بن سعد، عن أنس قال: كان سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حنفي وحليته فضة. قال أبو زرعة، رواه أبو عبيدة الحداد، عن عثمان بن سعد، عن ابن سيرين، عن سمرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قلت: هو الصحيح؟ قال أبو زرعة: أبو عبيدة أحفظ، فقلت: الوهم ممن هو؟ قال: من يحيى بن كثير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين سار إلى بدر، فشهد بهما وقعة بدر [ (1) ] . وأصاب صلى اللَّه عليه وسلم من سلاح بنى قينقاع ثلاثة أسياف: سيفا قلعيا، وسيفا يدعى بتّار، وسيفا يدعى الحتف [ (2) ] . وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه [ (3) ] إلى الفلس صنم طيِّئ، فوجده مقلدا سيفين يقال لهما: مجذم ورسوب، وهما سيفان كانا للحارث بن أبى شمر الغسّانى، يتقلدهما عن يمينه وشماله، فنذر لئن ظفر ببعض أعاديه، ليهديهما إلى الفلس، فظفر به فأهداهما إليه، وهما اللذان يقول فيهما علقمة بن عبدة التميمي: مظاهر سربالى حديد عليهما ... عقيلا سيوف مجذم ورسوب وصمصامة عمرو بن معديكرب، وهبها لخالد بن سعيد، وكانت مشهورة عند العرب [ (4) ] . [وأما دروعه صلى اللَّه عليه وسلم] فسبع: ذات الفضول، وذات الوشاح، وذات الحواشي، والسعدية، وفضة، والبتراء، والخرنق. [ويقال: كانت عنده صلى اللَّه عليه وسلم درع داود التي لبسها لما قتل جالوت] [ (5) ] .   [ (1) ] سبق تخريج هذا الأثر. [ (2) ] (مغازي الواقدي) 1/ 178- 179، غزوة بنى قينقاع، ولم يذكر اسم السيف الثالث. [ (3) ] كذا في (خ) ، (ج) ، وفي (المغازي) : «عليه السلام» . [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 988 باختلاف يسير، حيث يقول الواقدي: «ووجد في بيته ثلاثة أسياف: رسوب، والمخدم، وسيفا يقال له اليماني، ثم قال: وعزل النبي صلى اللَّه عليه وسلم صفيا رسوبا، والمخذم، ثم صار له بعد السيف الآخر. [ (5) ] ما بين الحاصرتين في (خ) سقط، (زاد المعاد) : 1/ 130، (طبقات ابن سعد) 1/ 487. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 فذات الفضول والسعدية، يقال إنهما كانتا لعكين القينقاعي، وكان من أبطالهم، ويقال: إنه صلى اللَّه عليه وسلم أصاب يوم بنى قينقاع من سلاحهم ثلاثة أرماح، وثلاثة قسىّ، ودرعين: درع يقال لها السعدية، ودرع تسمى فضة [ (1) ] . وقال محمد بن مسلمة: رأيت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يوم] أحد درعين، درعه ذات الفضول و [درعه فضة، ورأيت عليه يوم خيبر درعين: ذات الفضول والسعدية [ (2) ] .] وروى أن سعد بن عبادة بعث بذات الفضول وبالعضب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لمّا توجّه لبدر، وسميت ذات الفضول لطولها، وهي الدرع التي رهنها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند أبى شحم اليهودىّ على شعير لعياله. خرّج مسلم من حديث عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش قال: ذكرنا الرهن في السّلم عند إبراهيم النخعي فقال: أخبرنا [ (3) ] الأسود بن يزيد عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي [ (4) ] إلى أجل، ورهنه درعا له من حديد [ (5) ] . وذكره البخاري في السّلم، ولفظه: أخبرنا [ (6) ] الأعمش قال: تذاكرنا عند إبراهيم الرهن في السّلف، فقال حدثني الأسود عن عائشة، أن النبي   [ (1) ] (مغازي الواقدي) 1/ 178، غزوة بنى قينقاع وذكر الخبر مطولا. [ (2) ] (المرجع السابق) : 179 بسياقه أتم. [ (3) ] في (صحيح مسلم) : «حدثنا» . [ (4) ] في (صحيح مسلم) : «من يهودىّ طعاما» . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 43- 44، كتاب المساقاة، باب (24) الرهن وجوازه في الحضر والسفر، حديث رقم (126) ، وقال ابن القيم: ذات الفضول: وهي التي رهنها عند أبى الشحم اليهودي على شعير لعياله، وكانت ثلاثين صاعا، وكان الدين إلى سنة، وكانت الدرع من حديد (زاد المعاد) : 1/ 130. [ (6) ] كذا في (خ) ، (ج) وفي (البخاري) : «حدثنا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 صلى اللَّه عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل [معلوم] [ (1) ] وارتهن منه درعا من حديد. ترجم عليه باب الرهن في السّلم [ (2) ] . وذكره في كتاب الرهن وقال: تذاكرنا عند إبراهيم الرهن والقبيل في السلف، فقال إبراهيم: أخبرنا الأسود مثله، وقال: رهنه درعه. وترجم عليه باب من رهن درعه [ (3) ] . وخرّجاه من حديث حفص بن عياش، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: حدثني الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم [مثله] ، ولم يذكر: من حديد. ولفظ البخاري: أخبرنا [ (4) ] الأعمش، قال: ذكرنا عند إبراهيم الرهن في السلف فقال: لا بأس به، ثم حدثنا عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل فرهنه درعه. ترجم عليه باب: شراء الطعام إلى أجل [ (5) ] . وخرّجاه من حديث أبى معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اشترى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من يهودي طعاما بنسيئة ورهنه درعه [ (6) ] . ولفظ مسلم: فأعطاه درعا له رهنا [ (7) ] . ترجم عليه   [ (1) ] زيادة للسياق من (البخاري) . [ (2) ] (فتح الباري) : 4/ 545، كتاب السلم، باب (6) الرهن في السلم، حديث رقم (2252) . [ (3) ] (فتح الباري) : 5/ 177، كتاب الرهن، باب (2) من رهن درعة، حديث رقم (2509) ، وإبراهيم هو النخعىّ. [ (4) ] في (البخاري) : «حدثنا» . [ (5) ] (فتح الباري) : 4/ 503، كتاب البيوع، باب (88) شراء الطعام إلى أجل حديث رقم (2200) . [ (6) ] (فتح الباري) 4/ 401، كتاب البيوع، باب (33) شراء الإمام الحوائج بنفسه، حديث رقم (2096) ، وفائدة الترجمة رقع توهم من يتوهم أن تعاطى ذلك يقدح في المروءة. [ (7) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 43، كتاب المساقاة، باب (24) الرهن وجوازه في الحضر، حديث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 البخاري باب: شراء الحوائج بنفسه. وخرّجاه من حديث جرير عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اشترى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من يهودي طعاما ورهنه درعه. ترجم عليه باب: الرهن عند اليهود وغيرهم [ (1) ] . وخرّجه مسلم من حديث عيسى بن يونس عن الأعمش بهذا الإسناد مثله، غير أنه قال: درعا من حديد [ (2) ] . وخرّجه البخاري من حديث سفيان عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة، رضى اللَّه عنها، قالت: توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين [يعنى] [ (3) ] صاعا من شعير [ (4) ] .   [ () ] رقم (124) ، وفيه جواز معاملة أهل الذمة، والحكم بثبوت أملاكهم على ما في أيديهم، وفيه بيان ما كان عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم من التقلل من الدنيا وملازمة الفقر. وفيه جواز الرهن، وجواز رهن آلة الحرب عند أهل الذمة، وجواز الرهن في الحضر، وبه قال الشافعيّ، ومالك، وأبو حنيفة، وأحمد، والعلماء كافة، إلا مجاهدا وداود، فقالا: لا يجوز إلا في السفر، تعلقا بقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ. واحتج الجمهور بهذا الحديث، وهو مقدم على دليل خطاب الآية، وأما اشتراء النبي صلى اللَّه عليه وسلم الطعام من اليهودي ورهنه عنده دون الصحابة، فقيل: فعله بيانا لجواز ذلك، وقيل: لأنه لم يكن هناك طعام فاضل عن حاجة صاحبه إلا عنده، وقيل: لأن الصحابة لا يأخذون رهنه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا يقبضون منه الثمن، فعدل إلى معاملة اليهودي، لئلا يضيق على أحد من أصحابه. وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذمة، وغيرهم من الكفار، إذا لم يتحقق تحريم ما معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحا وآلة حرب، ولا يستعينون به في إقامة دينهم، ولا بيع مصحف، ولا عبد المسلم لكافر مطلقا واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 11/ 43- 44 . [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 181، كتاب الرهن، باب (5) الرهن عند اليهود وغيرهم، حديث رقم (2513) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 43، كتاب المساقاة، باب (24) الرهن وجوازه في الحضر والسفر، حديث رقم (125) . [ (3) ] زيادة للسياق من (البخاري) . [ (4) ] (فتح الباري) : 8/ 191، كتاب المغازي، باب (87) بدون ترجمة، حديث رقم (4467) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 وقال يعلى: حدثنا الأعمش: «درع من حديد» ، وقال معلّى: [حدثنا] عبد الواحد عن الأعمش وقال: رهنه درعا من حديد. ذكره في باب ما قيل في درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم والقميص في الحرب [ (1) ] . وقال في آخر المغازي، من حديث سفيان عن الأعمش بهذا الإسناد: توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا [من شعير] [ (2) ] . وذكره في باب: الكفيل في السّلم، من حديث يعلى، أخبرنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اشترى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعاما من يهودي بنسيئة، ورهنه درعا له من حديد [ (3) ] . وخرّجه الترمذي من حديث هشام بن حسّان عن عكرمة، عن ابن عباس قال: توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودرعه مرهونة بعشرين صاعا من طعام أخذه لأهله [ (4) ] . قال [أبو عيسى] : هذا حديث حسن صحيح. [وخرّج ابن حبّان في صحيحه، من حديث آدم، حدثنا شيبان عن قتادة   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 123، كتاب الجهاد والسير، باب (89) ما قيل في درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم والقميص في الحرب، وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أما خالد فقد احتبس أدراعه في سبيل اللَّه، حديث رقم (2916) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 191، كتاب المغازي، باب (87) بدون ترجمة، حديث رقم (4467) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 545، كتاب السلم، باب (5) الكفيل في السلم، حديث رقم (2251) . ذكر ابن الطلاع في الأقضية النبويّة) أن أبا بكر افتك الدرع بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم. لكن روى ابن سعد عن جابر أن أبا بكر قضى عدات النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأن عليا قضى ديونه. وروى إسحاق بن راهويه في مسندة عن الشعبي مرسلا: أن أبا بكر افتك الدرع وسلمها لعلى ابن أبى طالب، وأما من أجاب بأنه صلى اللَّه عليه وسلم افتكها قبل موته فمعارض بحديث عائشة رضى اللَّه عنها. (فتح الباري) : 5/ 178، شرح الحديث رقم (2509) ، واليهودي اسمه: أبو الشحم، (طبقات ابن سعد) : 1/ 488. [ (4) ] (سنن الترمذي) : 3/ 519، كتاب البيوع، باب (7) ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل، حديث رقم (1214) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 عن أنس قال: رهن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم درعا له عند يهودي على طعام بدينار فما وجد ما يفتكها به حتى مات صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] . وروى ابن حيّان من حديث جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان في درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حلقتان من فضة، عند موضع الثندوة، وفي ظهرها حلقتان من فضة أيضا، وقال لبستها فخطت الأرض [ (2) ] . وفي (دلائل النبوة) للترمذي من حديث جابر الجعفي، عن عامر   [ (1) ] ما بين الحاصرتين في (خ) فقط وليس في (ج) . ولابن حبان في هذا الباب ثلاثة أحاديث في كتاب الرهن من (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 13/ 262- 265. * الحديث الأول في ذكر خبر قد شنع به بعض المعطلة على أهل الحديث، حيث حرموا التوفيق لإدراك معناه، حديث رقم (5936) ، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير. إسناده صحيح على شرط الشيخين. * الحديث الثاني في ذكر ثمن الشعير الّذي كان لليهودي على المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم عند رهنه إياه، حديث رقم (5937) ، من حديث سفيان، عن قتادة عن أنس، قال: رهن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم درعا له عند يهودي بدينار، فما وجد ما يفتكها به حتى مات. اسناده صحيح. * الحديث الثالث في ذكر البيان بأن الدرع الّذي كان عند اليهودي للمصطفى صلى اللَّه عليه وسلم كان ذلك لأجل سبب معلوم، فمن أجله لم يسترد درعه منه، حديث رقم (5938) ، من حديث الأعمش قال ذكر عند إبراهيم الرهن في السلم فقال: أخبرنى الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى سنة ورهنه درعا له من حديد. إسناده صحيح ورجاله ثقات. رجال الشيخين غير بشير بن معاذ العقدي، فقد روى له أصحاب السنن، وهو ثقة. وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 6/ 36- 37، كتاب الرهن، باب جواز الرهن، من طرق، والبيهقي أيضا في (دلائل النبوة) : 7/ 275، باب ما جاء في تركة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال أنس: ولقد سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: والّذي نفس محمد بيده، ما أصبح عند آل محمد صاع برّ ولا صاع تمر، وإن له يومئذ تسع نسوة، ولقد رهن درعا له عند يهودي بالمدينة، أخذ منه طعاما، فما وجد لها ما يفتكها به حتى مات صلى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] (المغنى عن حمل الأسفار) : 2/ 586، بيان أخلاقه صلى اللَّه عليه وسلم وآدابه في الناس [مختصرا] ، (طبقات ابن سعد) : 1/ 488، (دلائل النبوة للبيهقي) : 7/ 275، باب ما جاء في تركة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وفيه: «فلبستها، فجعلت أخطها في الأرض شيئا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 الشعبي قال: أخرج إلينا على بن الحسين درع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا هي يمانية رقيقة ذات زرافين، إذا علقت بزرافيها تشمّرت، وإذا أرسلت مسّت الأرض. والزرافين: الإبزيم [ (1) ] . ويقال: أن السعدية درع داود عليه السلام التي لبسها يوم قتل جالوت، وأن البتراء سميت بذلك لقصرها. وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما أراد الشخوص إلى أحد، دخل بيته ومعه أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، فعمّماه ولبّساه، وقد صفّ الناس له، ما بين حجرته إلى منبره، ينتظرون خروجه، إذ خرج قد لبس لأمته، وقد لبس الدرع فأظهرها، وحزم وسطها بمنطقه من خمائل سيفه من أدم كانت عند آل أبى رافع، واعتم وتقلد السيف، ثم دعا بدابته فركب إلى أحد، ثم عقد الألوية، ودعا بفرسه فركبه، وتقلد القوس وأخذ قناة بيده، فزج الرمح يومئذ من شبه، والمسلمون متلبسون السلاح [ (2) ] . قال: ولبس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الشيخين [ (3) ]- وهما أطمان ظاهران بالمدينة- درعا واحدة حتى انتهى إلى أحد، فلبس درعا أخرى، ومغفرا، وبيضة فوق المغفر [ (2) ] . وقال المدائني: عن هشام بن سعد عن عيسى بن عبد اللَّه بن مالك قال: خاصم العباس عليا إلى أبى بكر، فقال: العم أولى أو ابن العم؟ قال: العم، قال: ما بال درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وبغلته دلدل، وسيفه عند على؟ فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: هذا شيء وجدته في يده، فأنا أكره نزعه منه، وتركه العباس رضى اللَّه عنه، [ويقال: كان عنده درع داود عليه السلام الّذي   [ (1) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 5/ حديث رقم (25178) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 215- 216 بسياقة أتم. [ (3) ] الشيخان: موضع بين المدينة وجبل أحد على الطريق الشرقية مع الحرة إلى جيل أحد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 لبسه يوم قتل جالوت] [ (1) ] . [وأما قسيّه صلى اللَّه عليه وسلم] فقد خرج ابن حيّان من حديث الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الجمعة في السفر متوكئا على قوس قائما. وذكر الواقدي أن قوس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت تدعى الكتوم، وكانت من نبع، كسرت يوم أحد، فأخذها قتادة بن النعمان [ (2) ] . وأخذ صلى اللَّه عليه وسلم من سلاح بنى قينقاع ثلاث قسىّ: قوسا اسمها الروحاء، وقوسا من شوحط تسمى البيضاء، وقوسا من نبع تسمى الصفراء [ (3) ] . ويقال: كانت له ست قسىّ: الزوراء، والروحاء، والصفراء، وهي من نبع، والبيضاء، من شوحط، والكتوم، من نبع، وقيل لها ذلك لانخفاض صوتها إذا رمى بها، وهي التي كسرت يوم أحد، [وقوس يقال لها السداد، من نبع] [ (4) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين في (خ) وليس في (ج) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 242. [ (3) ] قال الواقدي في (المغازي) : 1/ 178، وقد ذكر غزوة قينقاع: وأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسىّ: 1- قيس تدعى الكتوم، كسرت بأحد. 2- وقوس تدعى الروحاء. 3- وقوس تدعى البيضاء. (طبقات ابن سعد) : 1/ 489. [ (4) ] (زاد المعاد) : 1/ 131، وما بين الحاصرتين من (ج) ، وليست في (خ) . وقال صلاح الدين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 [وأما المغفر] المغفر: غطاء الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان ذلك أو غيره. فقد ثبت من حديث مالك عن الزهري عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال له: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: اقتلوه [ (1) ] . وقد روى جماعة منهم بشر بن عمر الزهراني، ومنصور بن سلمة الخزاعي، عن مالك هذا الحديث، وقالوا فيه: مغفر من حديد، وكذلك رواه أبو عبيد القاسم بن سلام، عن أبى بكير عن مالك قال فيه: من حديد، وليس من حديد في الموطأ [ (2) ] .   [ () ] الصفدي، وقد ذكر سلاحه صلى اللَّه عليه وسلم: وأربعة قسىّ: 1- قويس اسمها الروحاء. 2- وقوس شوحط. 3- وقوس صفراء يدعى الصفراء، (الوافي) : 1/ 91، [ولم يذكر الرابعة] . [ (1) ] (شرح السنة للبغوي) : 10/ 399. [ (2) ] (موطأ مالك) : 292، كتاب الحج، جامع الحج، حديث رقم (956) : عن أنس بن مالك: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه، جاءه رجل فقال له: يا رسول اللَّه، ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: اقتلوه. قال مالك ولم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ محرما، واللَّه تعالى أعلم. وأخرجه مسلم في كتاب الحج من (الصحيح) باب (84) جواز دخول مكة بغير إحرام، حديث رقم (450) ، قوله: «وعلى رأسه المغفر» ، وفي رواية: «وعليه عمامة سوداء بغير إحرام» ، وفي رواية: «خطب الناس وعليه عمامة سوداء» . قال القاضي: وجه الجمع بينهما أن أول دخوله كان على رأسه المغفر، ثم بعد ذلك كان على رأسه العمامة بعد إزالة المغفر، بدليل قوله: «خطب الناس وعليه عمامة سوداء» ، لأن الخطبة إنما كانت عند باب الكعبة بعدم تمام فتح مكة. وقوله: «دخل مكة بغير إحرام» هذا دليل لمن يقول بجواز دخول مكة بغير إحرام لمن لم يرد نسكا، سواء كان دخوله لحاجة تكرر. كالحطاب، والحشاش، والسقاء، والصياد، وغيرهم. أم لم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150   [ () ] تتكرر، كالتاجر، والزائر وغيرهما، سواء كان آمنا أو خائفا، وهذا أصح القولين للشافعي. قوله: «اقتلوه» ، قال العلماء: إنما قتله لأنه كان قد ارتد عن الإسلام، وقتل مسلما كان يخدمه، وكان يهجو النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويسبه، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم والمسلمين. فإن قيل: ففي الحديث الآخر: «من دخل المسجد فهو آمن» ، فكيف قتله وهو متعلق بأستار الكعبة؟ فالجواب: أنه لم يدخل في الأمان، بل استثناه هو وابن أبى سرح والقينتين، وأمر بقتله وإن وجد متعلقا بأستار الكعبة، كما جاء مصرحا به في أحاديث أخر. وقيل: لأنه لم يف بالشرط، بل قاتل بعد ذلك، وفي هذا الحديث حجة لمالك والشافعيّ وموافقيهما في جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة. وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وتأوّلوا هذا الحديث على أنه قتله في الساعة التي أبيحت له، وأجاب أصحابنا بأنها إنما أبيحت ساعة الدخول حتى استولى عليها، وأذعن له أهلها، وإنما قتل ابن أخطل بعد ذلك، واللَّه تعالى أعلم. واسم ابن أخطل: عبد العزى، وقال محمد بن إسحاق: اسمه عبد اللَّه وقال الكلبي: اسمه غالب بن عبد اللَّه بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كثير بن تيم بن غالب. وخطل بخاء معجمة وطاء مهملة مفتوحتين، قال أهل السير: وقيل سعد بن حريث، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 10/ 140- 141. وأخرج البخاري في (الصحيح) : 6/ 203، كتاب الجهاد والسير، باب (169) ، قتل الأسير، وقتل الصبر، حديث رقم (3044) ، وفيه أن الإمام يتخير- متبعا ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين- بين قتل الأسير، أو المن عليه بفداء- أو بغير فداء، أو استرقاقه. (فتح الباري) . و (المرجع السابق) : 8/ 18- 19، كتاب المغازي، باب (49) أين ركز الراية يوم الفتح، حديث رقم (4286) . و (المرجع السابق) : 10/ 338، كتاب اللباس، باب (17) المغفر، حديث رقم (5808) ، قال الحافظ ابن حجر: وقد ذكرت في شرح الحديث أن بضعة عشر نفسا رووه عن الزهري غير مالك. و (سنن أبى داود) : 3/ 134- 135، كتاب الجهاد، باب (127) قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، حديث رقم (2685) ، قال أبو داود: ابن خطل اسمه عبد اللَّه، وكان أبو برزة الأسلمي قتله. وأخرجه أيضا الترمذي في (السنن) : كتاب الجهاد، باب في المغفر، حديث رقم (1357) ، والنسائي في (السنن) : كتاب المناسك، باب دخول مكة بغير إحرام، حديث رقم (2870) ، وابن ماجة في (السنن) : كتاب الجهاد، باب السلاح، حديث رقم (1805) ، والدارميّ في السير، باب كيف دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مكة وعلى رأسه المغفر، حديث رقم (2460) ، وفي المناسك، باب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 وذكر الواقدي أنه عليه السلام أصاب من سلاح بنى قينقاع مغفرا موشحا، يقال: إنه من حديد وشح بالشّبه، ويقال: كان له مغفر يقال له: ذو الشبوع، وهو الّذي كان عليه يوم دخل مكة [ (1) ] . [وأما الرماح] فإنه صلى اللَّه عليه وسلم أصاب من سلاح بنى قينقاع ثلاثة أرماح، ويروى أنه كانت له عليه السلام خمسة رماح: ثلاثة أصابها من بنى قينقاع [ (2) ] ، ورمح يقال له: المثوى، ورمح يقال له: الشنونى، وكان له وفضة- وهي الجعبة- ويقال لها: الكافور، ويقال: اسم كنانته الجمع [ (3) ] .   [ () ] دخول مكة بغير إحرام، حديث رقم (1944) . [ (1) ] لم أجد هذا الخبر في غزوة بنى قينقاع من كتاب (المغازي) للواقدي: 1/ 178، وقد ذكر القسي، والدروع، والأسياف، والرماح، ولم يذكر المغفر. وقال ابن القيم في (زاد المعاد) : 1/ 131، فصل في ذكر سلاحه وأثاثه صلى اللَّه عليه وسلم: وكان له مغفر من حديد يقال له: الموشح، وشح بشبه، ومغفر آخر يقال له: السبوغ، أو ذو السبوغ. الشّبه والشبهان، بتحريك الشين والباء: النحاس الأصفر. وتكسر شينه. [ (2) ] قال الواقدي وقد ذكر غزوة قينقاع: وأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسىّ، قوس تدعى الكتوم، كسرت بأحد، وقوس تدعى الروحاء، وقوس تدعى البيضاء، وأخذ درعين من سلاحهم، درعا يقال لها الصفدية، وأخرى فضة، وثلاث أسياف، سيف قلعى، وسيف يقال له بتار، وسيف آخر، وثلاثة أرماح، قال: ووجدوا في حصونهم سلاحا كثيرا. وآلة الصياغة، وكانوا صاغة، (مغازي الواقدي) : 1/ 178- 179. [ (3) ] وقال الصفدي في (الوافي) : 1/ 91، وقد ذكر سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: وأربعة رماح: المتثنى، وثلاثة من بنى قينقاع. وقال ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 489، ذكر أرماح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقسيّه: أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبى سبرة، عن مروان بن أبى سعيد بن المعلى، قال: أصاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من سلاح بنى قينقاع ثلاثة أرماح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 [وأما الترس] فروى عن مكحول أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ترس فيه تمثال رأس كبش، فكره مكانه، فأصبح وقد أذهبه اللَّه [ (1) ] . وقال الأوزاعي: عن ابن شهاب أخبرنى القاسم بن محمد عن عائشة [رضى اللَّه عنها قالت] أتانى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بترس فيه تمثال عقاب، فوضع يده عليه، فأذهبه اللَّه عزّ وجل، ويقال: كان اسم الترس: الفتق، وترس يقال له: الزلوق [ (2) ] . [وأما العنزة] فقد خرّج البخاري من حديث أبى جحيفة قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالأبطح [ (3) ] ، فجاءه بلال، فأذنه بالصلاة، ثم [خرج] بلال بالعنزة [حتى] ركزها بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالأبطح وأقام الصلاة. ذكره في باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة [ (4) ] ، وفي باب: سترة الإمام ستره من خلفه [ (5) ] ، وهو مما اتفقا عليه.   [ (1) ] (الوافي) : 1/ 91، (طبقات ابن سعد) : 1/ 489. [ (2) ] (زاد المعاد) : 1/ 131. [ (3) ] الأبطح: موضع معروف خارج مكة. [ (4) ] (فتح الباري) : 2/ 144، كتاب الأذان، باب (18) الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة، وكذلك بعرفة وجمع، وقول المؤذن: «الصلاة في الرحال» في الليلة الباردة أو المطيرة، حديث رقم (633) . [ (5) ] (فتح الباري) : 1/ 751، كتاب الصلاة، باب (90) سترة الإمام سترة من خلفه، حديث رقم (494) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 وخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] ، من حديث عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد، أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك [في السّفر] ، فمن ثم اتخذها الأمراء. لفظهم فيه سواء. ذكره البخاري في باب سترة الإمام سترة من خلفه. وخرّج البخاري ومسلم من حديث عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يركز- وفي لفظ يغرز- العنزة ويصلى إليها قال عبيد اللَّه: وهي الحربة. وفي لفظ للبخاريّ: كان تركز له الحربة فيصلي إليها. ترجم عليه باب: الصلاة إلى الحربة [ (4) ] . وقال الواقدي: في سنة ثنتين من مقدمه، صلى العيد وحملت له العنزة، وهو يومئذ يصلى إليها في الفضاء، وكانت العنزة للزبير بن العوام أعطاه إياها النجاشىّ، فوهبها للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، وكان يخرج بها بين يديه يوم العيد، وهي اليوم بالمدينة عند المؤذنين. حدثني بذلك إبراهيم بن محمد بن عمار   [ (1) ] وأخرجه بنحوه في كتاب العيدين، باب (13) الصلاة إلى الحربة يوم العيد، حديث رقم (972) ، وفي باب (14) حمل العنزة أو الحربة بين يدي الإمام يوم العيد، حديث رقم (973) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 464، كتاب الصلاة، باب (47) سترة المصلى، حديث رقم (245) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 1/ 442- 443، كتاب الصلاة، تفريع أبواب السترة، باب (102) ، حديث رقم (687) ، وأخرجه أيضا النسائي في (السنن) : 2/ 394، كتاب الصلاة، باب (4) سترة المصلى، حديث رقم (746) ، (سنن ابن ماجة) : 1/ 303، كتاب الصلاة والسنة فيها، باب (36) ما يستر المصلى، حديث رقم (941) . [ (4) ] (فتح الباري) : 1/ 751، كتاب الصلاة، باب (92) باب الصلاة إلى الحربة، حديث رقم (498) ، باب (93) الصلاة إلى العنزة، حديث رقم (499) ، وفيه: ... فصلى بنا الظهر والعصر، وبين يديه عنزة ... ، وحديث رقم (500) ، وفيه: ... إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام ومعنا عكازة، أو عصا، أو عنزة ... قال الحافظ ابن حجر: لكن قد قيل: إن الحربة إنما يقال لها عنزة إذا كانت قصيرة، ففي ذلك جهة مغايرة، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب (47) سترة المصلى، حديث رقم (246) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 ابن سعد [ (1) ] القرظ عن أبيه عن جده [ (1) ] . قال الواقدي: سألنا عن العنزة التي كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى إليها في أسفاره وتحمل بين يديه، فحدثني أبو بكر بن عبد اللَّه بن محمد بن أبى سبرة العامري، عن عيسى بن معمر، عن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أسماء ابنة أبى بكر رضى اللَّه عنهما أنها قالت: لما هاجر الزبير إلى أرض الحبشة، خرج مع النجاشي يقاتل عدوا له، فأعطاه النجاشي يومئذ عنزة يقاتل بها، فطعن عدة حتى ظهر النجاشي على عدوّه، وقدم الزبير رضى اللَّه عنه بها، فشهد بدرا وهي معه، وشهد بها يوم أحد ويوم خيبر، ثم أخذها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والأمر على ذلك، وكان أبو بكر وعمر وعثمان رضى اللَّه عنهم على ذلك، فهي اليوم تحمل بين يدي الأئمة، وتكون مع المؤذنين [ (2) ] . وقال محمد بن سعد عن إسماعيل بن عبد اللَّه بن أبى أويس، عن عبد الرحمن بن سعد وغيره، أن النجاشىّ بعث إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بثلاث عنزات، فمسك واحدة، وأعطى عليا رضى اللَّه عنه واحدة [ (1) ] . وذكر أبو زيد عمر بن شيبة، عن سعد القرظ قال: أهدى النجاشىّ للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم حربات، فوهب حربة لعمر بن الخطاب، ووهب حربة لعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، وحبس لنفسه واحدة [ (2) ] . قال: فأما حربة على فهلكت، وأما حربة عمر فصارت إلى أهله، وأما الحربة التي أمسك لنفسه فهي يمشى بها مع الإمام يوم العيد   [ (1) ] هذه الآثار بتمامها وبسياقه أتم ذكرها عن الواقدي: ابن سعد في (الطبقات) : 3/ 235- 236، في ترجمة بلال بن رباح رضى اللَّه تعالى عنه. [ (2) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 [والاستسقاء] [ (1) ] . وذكر عن الليث بن سعد أنه بلغه أن العنزة التي كانت بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا صلى، كانت لرجل من المشركين، فقتله الزبير بن العوام يوم أحد فأخذها في سلبه، فأخذها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الزبير، فكان ينصبها بين يديه إذا صلى. وذكر الواقدي عن الزبير بن العوام أنه قال: لما كان يوم [ (2) ] بدر لقيت عبيدة بن سعيد بن العاص على فرس عليه لأمة كاملة، لا يرى منه إلا عيناه وهو يقول [- وقد كانت له صبية صغيرة يحملها، وكان لها بطين وكانت مسقمة-] [ (3) ] أنا أبو ذات الكرش، [أنا أبو ذات الكرش] [ (3) ] ، قال: وفي يدي عنزة فأطعن بها في عينه ووقع وأطأ برجلي على خدّه، حتى أخرجت العنزة من حدقته، وأخرجت حدقته، وأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العنزة، فكانت تحمل بين يديه، وأبى بكر، وعمر، وعثمان، رضى اللَّه عنهم [ (4) ] . ويقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ابتاع عنزات، فأعطى الزبير منها عنزة، وفرّقها في أصحابه، وكانت هذه العنزة منها تحمل بين يديه، والأول أثبت. ويقال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حربة يقال لها القبعة، وحربة كبيرة اسمها البيضاء، وحربة صغيرة دون الرمح يقال لها: العنزة، يدعم عليها ويمشى بها وهي في يده، وتحمل بين يديه في العيد حتى تركز أمامه فيتخذها سترة يصلى إليها، قيل: إنه اتخذها من الزبير، وأخذها الزبير من النجاشي،   [ (1) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) . [ (2) ] في المرجع السابق: «يومئذ» . [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 85- 86. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 وكانت له عنزة أخرى [ (1) ] . وقال الواقدي: عن ابن أبى سبرة وغيره قالوا: كان بلال يحمل العنزة بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الأعياد والمشاهد، فلما قبض اللَّه نبيه صلى اللَّه عليه وسلم، سأل بلال أبا بكر رضى اللَّه عنهما، أن يشخص إلى الشام، وكره المقام بالمدينة بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأذن له، فحمل العنزة بين يدي أبى بكر رضى اللَّه عنه [سعد القرظ- وكان مؤذنه- وحملها بين يدي عمر رضى اللَّه عنه] وكان ولده يحملونها بين يدي الولاة بالمدينة [ (1) ] . قال البلاذري: وقد أمر المتوكل على اللَّه أمير المؤمنين بحمل هذه العنزة إليه، فهي اليوم بسّر من رأى [ (2) ] . وقال الواقدي: عن الثوري، عن إسماعيل بن أبى أمية، عن مكحول أنه قال: كانت الحربة تحمل بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أسفاره، لأنه كان يصلى إليها، وهي العنزة. وحدثني إبراهيم بن محمد بن عمار بن سعد القرظ، عن أبيه عن جده، أن بلالا كان يحمل العنزة يوم العيد، ثم حملها سعد، ثم حملها عمّار، ثم حملها محمد بن عمار بين يدي الولاة، ثم أنا هذا أحملها بين أيديهم [ (1) ] .   [ (1) ] طبقات ابن سعد) : 1/ 235- 236، ترجمة بلال بن رباح، رضى اللَّه تعالى عنه. [ (2) ] سرّمن رأى: مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقى دجلة، وقد خربت. وفيها لغات: سامراء، ممدود، وسامرّا، مقصور، وسرّمن رأ، مهموز الآخر، وسرّمن را، مقصور الآخر. وقال أبو سعد: سامرّاء بلد على دجلة فوق بغداد بثلاثين فرسخا يقال لها سرّمن رأى فخففها الناس وقالوا: سامراء. وبها السرداب المعروف في جامعها، الّذي تزعم الشيعة أن مهديّهم يخرج منه. وقال حمزة: كانت سامراء مدينة عتيقة من مدن الفرس تحمل إليها الإتاوة التي كانت موظفة لملك الفرس على ملك الروم، ودليل ذلك قائم في اسم المدينة، لأن «سا» اسم الإتاوة، و «مرة» اسم العدد، والمعنى أنه مكان قبض عدد جزية الرّوم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 ويقال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخذ يوم أحد من الزبير الحربة التي دفعها إليه النجاشىّ، فقتل بها أبىّ بن خلف [ (1) ] ، ثم مشى بها بلال من حينئذ بين يديه. [وأما المنطقة] فيذكر أنه كان له عليه السلام منطقة من أديم منشور فيها ثلاث حلق من فضة، والإبزيم فضة، وخرج إلى أحد وقد حزم وسطه بمنطقة من حمائل سيف من أديم، كانت عند أبى رافع مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .   [ () ] وذكر محمد بن أحمد البشاري نكتة حسنة فيها، قال: لما عمرت سامراء وكملت، واتسق خيرها، واحتفلت سميت: سرور من رأى، ثم اختصرت فقيل: سرّ من رأى، فلما خربت وتشوهت خلقتها واستوحشت سميت: ساء من رأى، ثم اختصرت فقيل: سامراء، فسبحان من لا يزول ولا يتحول. مختصرا من (معجم البلدان) : 3/ 195- 200، موضع رقم (6202) ، 243، موضع رقم (6392) . [ (1) ] (مغازي الواقدي) 1/ 251، مختصرا. [ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 214. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 [وأما اللواءات والرايات] [ذكر ابن أبى شيبة في مصنفه أن أول من عقد الألوية إبراهيم الخليل عليه السلام] [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث الليث، أخبرنى عقيل عن ابن شهاب، أخبرنى ثعلبة بن أبى مالك القرظي، أن قيس بن سعد الأنصاري، وكان صاحب لواء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لما أراد الحج فرجّل [ (2) ]- هكذا ذكر البخاري هذا الحديث مختصرا محذوفا، وتمامه-: فرجّل أحد شقىّ رأسه، فقام غلام له فقلّد هديه، فنظر قيس فإذا هديه قد قلّد، فأهل بالحج ولم يرجل شقّ رأسه الآخر [ (3) ] . ولأبى داود [ (4) ] والترمذي من حديث عمار الدهني، عن أبى الزبير عن جابر، يرفعه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أنه كان لواؤه يوم دخل مكة أبيض.   [ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من الناسخ في (ج) ، (مصنف ابن أبى شيبة) : 7/ 273، كتاب الأوائل، باب (1) أوّل ما فعل ومن فعله، أثر رقم (36025) ، وتمامه: بلغه أن قوما أغاروا على لوط فسبوه، فعقد لواء وسار إليهم بعبيده ومواليه حتى أدركهم فاستنقذه وأهله. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 156، كتاب الجهاد والسير، باب (121) ، ما قيل في لواء النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2974) . [ (3) ] وقد أخرج الإسماعيلي هذا الحديث تاما من طريق الليث، التي أخرجها المصنف منها فقال بعد قوله: فرجّل أحد شقي رأسه فقام غلام له فقلّده هديه، فنظر قيس هديه وقد قلّد، فأهل بالحج ولم يرجل شق رأسه الآخر. وأخرجه من طريق أخرى عن الزهري بتمامه نحوه، وفي ذلك ومصير من قيس بن سعد إلى أن الّذي يريد الإحرام إذا قلد هديه يدخل في حكم المحرم. وفي أحاديث الباب: استحباب اتخاذ الألوية في الحروب، وأن اللواء يكون مع الأمير، أو من يقيمه لذلك عند الحرب (فتح الباري) : 6/ 157- 158. [ (4) ] (سنن أبى داود) : 3/ 72، كتاب الجهاد، باب (76) في الرايات والألوية، حديث رقم (2592) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 ولفظ الترمذي عن جابر رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض. قال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك. قال: وسألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك وقال: حدثنا غير واحد عن شريك، عن عمار عن أبى الزبير، عن جابر [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء. قال محمد: والحديث هو هذا [ (1) ] . [وخرّج ابن حبان في (صحيحه) ، من حديث شريك عن عمار الدهني، عن أبى الزبير عن جابر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل عام الفتح مكة ولواؤه أبيض] [ (2) ] . وللترمذي [ (3) ] من حديث يزيد بن حبّان قال: سمعت أبا مجلز لاحق ابن حميد، يحدث عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما [ (4) ] ، قال: كانت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما [ (5) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 168، كتاب الجهاد، باب (9) ما جاء في الألوية، حديث رقم (1679) ، قال أبو عيسى: والدّهن بطن من بجيلة، وعمار الدّهنى هو عمار بن معاوية الدّهنى، ويكنى أبا معاوية، وهو كوفيّ، وهو ثقة عند أهل الحديث. [ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 11/ 47، كتاب السير، باب (13) الخروج وكيفية الجهاد، ذكر وصف لواء المصطفى عند دخوله مكة يوم الفتح، حديث رقم (4743) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 169- 170، كتاب الجهاد، باب (10) ما جاء في الرايات، حديث رقم (1681) . [ (4) ] زيادة للسياق. وأخرجه النسائي في (السنن) : 5/ 220، مناسك الحج، باب (106) دخول مكة باللواء، حديث رقم (2866) . [ (5) ] زيادة للسياق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 وذكر ابن إسحاق [ (1) ] أن لواء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الأكبر في يوم بدر كان أبيض، يحمله مصعب بن عمير [بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار] [ (2) ] ، ويذكر أنه كان له لواء أغبر. ولابن حيّان من حديث أبى مجلز، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] [ (3) ] قال: كانت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض، مكتوب فيه: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه [ (4) ] . ولأبى داود من حديث يونس بن عبيد [مولى محمد بن القاسم] [ (5) ] قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب، أسأله [ (6) ] عن راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما كانت؟ فقال: كانت سوداء مربّعة من نمرة [ (7) ] . وخرجه الترمذي بهذا الإسناد مثله وقال: هذا حديث حسن غريب، لا تعرفه إلا من حديث ابن أبى زائدة [ (8) ] . وللبخاريّ من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن نافع بن جبير قال:   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 159، اللواء والرايتان، وباقي الحديث مرسل. [ (2) ] زيادة للنسب من (المرجع السابق) . [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] (أخلاق النبي) : 144- 145. [ (5) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) . [ (6) ] في المرجع السابق: «يسأله» . [ (7) ] (سنن أبى داود) : 3/ 71- 72، كتاب الجهاد، باب (76) في الرايات والألوية، حديث رقم (2591) ، نمرة- بفتح النون وكسر الميم-: بردة من صوف أو غيره مخططة. (معالم السنن) . [ (8) ] (سنن الترمذي) : 169، كتاب الجهاد، باب (10) ما جاء في الرايات، حديث رقم (1680) . قال أبو عيسى: وفي الباب عن عليّ، والحارث بن حسان، وابن عباس. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 381، حديث رقم (18153) من حديث البراء بن عازب رضى اللَّه تعالى عنه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 سمعت العبّاس يقول للزبير رضى اللَّه عنهما: ها هنا أمرك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن تركز الراية [ (1) ] ، لم يذكر البخاري من هذا الحديث غير هذا [وقد ذكره] [ (2) ] بطوله في غزوة الفتح. ولأبى داود من حديث شعبة عن سماك، عن رجل من قومه عن آخر منهم قال: رأيت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صفراء [ (3) ] . وذكره ابن حيان، وذكره ابن عبد البر عن بريدة العبديّ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم عقد رايات الأنصار وجعلها صفراء [ (4) ] . وذكر ابن إسحاق أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دفع الراية يوم خيبر إلى عليّ رضى اللَّه عنه، وكانت بيضاء. وذكر أنه كان أمام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر رايتان سوداوان، إحداهما مع على، والأخرى مع بعض الأنصار، ذكر ابن هشام أنه   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 6، كتاب المغازي، باب (49) ، أين ركز النبي صلى اللَّه عليه وسلم الراية يوم الفتح، حديث رقم (4280) ، ولم يذكر في سنده نافع بن جبير في متن الحديث، بل ذكره الحافظ ابن حجر في الشرح والتعليق. قوله: «عن هشام» هو ابن عروة، «عن أبيه» هكذا أورده مرسلا، قال الحافظ: ولم أره في شيء من الطرق عن عروة موصولا، ومقصود البخاري منه ما ترجم به، وهو آخر الحديث، فإنه موصول عن عروة، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن العباس بن عبد المطلب، والزبير بن العوام. قوله في آخر هذا الحديث الطويل: «قال عروة: فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير بن العوام: يا أبا عبد اللَّه، هاهنا أمرك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن تركز الراية؟» قال الحافظ ابن حجر: وهذا السياق يوهم أن نافعا حضر المقالة المذكورة يوم فتح مكة، وليس كذلك، فإنه لا صحبة له، ولكنه محمول عندي على أنه سمع العباس يقول للزبير ذلك بعد ذلك في حجة اجتمعوا فيها، إما في خلافة عمر، أو في خلافة عثمان. (فتح الباري) : 8/ 11- 12. [ (2) ] زيادة للسياق والبيان. [ (3) ] (سنن أبى داود) : 3/ 72، كتاب الجهاد، باب (76) الألوية والريات، حديث رقم (2593) ، قال الخطابي في (معالم السنن) : في إسناده رجل مجهول. [ (4) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 سعد بن معاذ [ (1) ] . وذكر ابن حيّان من حديث محمد بن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبى بكر، عن عمرة عن عائشة رضى اللَّه عنها، كان لواء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبيض، وكانت رايته سوداء من مرط لعائشة مرحّل [ (2) ] . ومن حديث وكيع، حدثنا سفيان عن أبى الفضل عن الحسن قال: كانت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تسمى العقاب [ (3) ] ، ويقال: إن العقاب كانت سوداء مربعة من نمرة مخمّلة، وقيل كانت من صوف أسود. وللبخاريّ من حديث الحارث بن حسان قال: دخلت المسجد فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قائما على المنبر يخطب متقلدا السيف، وإذا رايات سود [تخفق] ، فقلت: ما هذا؟ قالوا: عمرو بن العاص قدم من ذات السلاسل [ (4) ] .   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 159، اللواء والرايتان، في أحداث غزوة بدر، 4/ 297، ذكر المسير إلى خيبر، حامل الراية يوم خيبر. [ (2) ] وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 6/ 537، باب (174) في الرايات السود، حديث رقم (33592) . [ (3) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (33593) . [ (4) ] غزوة ذات السلاسل، كانت في جمادى الآخر سنة ثمان، وهي وراء وادي القرى، وبينها وبين المدينة عشرة أيام، وقد نزلوا على ماء لجذام، يقال له السلسل فيما قال ابن إسحاق، ولذلك سميت: ذات السلاسل. والحديث أخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 6/ 537، باب (174) في الرايات السود، حديث رقم (33591) . ولم يقل: «ذات السلاسل» . والبيهقي في (السنن الكبرى) : 6/ 362- 363، باب ما جاء في عقد الألوية والرايات، من حديث أبى بكر بن عياش، عن عاصم بن أبى النجود، قال: قال الحارث بن حسان البكري: انتهيت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو على المنبر، وبلال قائم متقلد السيف، وإذا رايات سود، والناس يقولون: هذا عمرو بن العاص قد قدم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 وذكر ابن حيان وقاسم بن أصبغ من حديث أوس بن عبد اللَّه بن بريدة، عن الحسين بن واقد، عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه بريدة بن الحصيب قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتطيّر، ولكن يتفأل، وكانت قريش جعلت مائة من الإبل لمن يأخذ نبي اللَّه فيرده عليهم حين توجه إلى المدينة فأقبل بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بنى سهم، فلقوا نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليلا، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: من أنت؟ قال: أنا بريدة، فالتفت إلى أبى بكر رضى اللَّه عنه فقال: يا أبا بكر، برد أمرنا وصلح، قال: ثم من من؟ قال: من أسلم، قال سلمنا، قال: ثم من من؟ قال: من بنى سهم، قال: خرج سهمك، فقال بريدة: من أنت؟ قال: أنا محمد بن عبد اللَّه رسول اللَّه، قال بريدة: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك عبده ورسوله، فأسلم بريدة، وأسلم الذين معه جميعا. فلما أصبح قال للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء، فحل عمامته ثم شدها في رمح، ثم مشى بين يديه حتى دخل المدينة، قال بريدة: الحمد للَّه الّذي أسلمت بنو سهم طائعين [ (1) ] .   [ () ] ورواه سلام بن المنذر، عن عاصم، عن أبى وائل، عن الحارث بن حسان. وقال في متنه: فإذا راية سوداء تخفق، فقلت: ما شأن الناس اليوم، قالوا: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها. (السنن الكبرى) . وقال الحافظ الذهبي: عن الثوري، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي، قال: عقد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لواء لعمرو على أبى بكر وعمر وسراة أصحابه قال الثوري: أراه قال: في غزوة ذات السلاسل. (سير أعلام النبلاء) : 3/ 56- 57، ترجمة عمرو بن العاص رقم (15) . [ (1) ] أخرجه ابن عدي في (الكامل) : 1/ 140، في ترجمة أوس بن عبد اللَّه بن بريدة حصيب الأسلمي رقم (224/ 224) من طريق أوس بن عبد اللَّه بن بريدة عن حسين بن واقد، عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه. قال الألباني في (السلسلة الصحيحة) : وأوس هذا ضعيف جدا، لكن تفاؤله صلى اللَّه عليه وسلم ثابت عنه في غير ما حديث. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 قال الساجي في هذا الحديث: قال البخاري: فيه نظر، وذكر غير واحد أن أول راية عقدها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم راية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ابن عبد مناف، حين بعثه إلى بطن رابغ. هذا قول ابن إسحاق [ (1) ] . وقال قومه: أول لواء عقده عليه السلام لواء حمزة بن عبد المطلب حين بعثه يعترض عيرا لقريش [ (2) ] . وقال الواقدي في غزاة بدر: وكان لواء رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ] [ (3) ] الأعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ [ (4) ] . وذكر في غزاة أحد أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعي بثلاثة أرمح، فعقد ثلاثة   [ () ] ورواه عنه أيضا قاسم بن أصبغ، وسكت عليه عبد الحق مصححا له، قال ابن القطان، وما مثله يصح فإن فيه أوس، منكر الحديث، وروى أبو داود قال ابن القطان: وما مثله يصح فإن فيه أوس، منكر الحديث، وروى أبو داود عنه قوله: «انه يتطير» قال وإسناده صحيح. قلت: الصواب تصحيح عبد الحق، وليس هو تصحيحا لذاته حتى يرد ما تعقبه ابن القطان، وإنما هو على التفصيل الّذي ذكرته، فتنبه ولا تكن من الغافلين. (سلسلة الأحاديث الصحيحة) : 2/ 400، 401، حديث (762) ، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 1/ 410. [ (1) ] سرية عبيدة بن الحارث، وهي أول راية عقدها صلى اللَّه عليه وسلم، وأول سهم رمى به في الإسلام، قال ابن إسحاق: وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مقامه ذاك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي، في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز، بأسفل ثنية المرة، فلقى بها جمعا عظيما من قريش. فلم يكن بينهم قتال، إلا أن سعد بن أبى وقاص قد رمى يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمى به في الإسلام. (سيرة ابن هشام) : 3/ 136. [ (2) ] من قال إن أول راية كانت لحمزة رضى اللَّه عنه: وبعض الناس يقول: كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأحد من المسلمين. وذلك أن بعثه وبعث عبيدة كانا معا، فشبه ذلك على الناس. (المرجع السابق) : 140، سرية حمزة إلى سيف البحر. [ (3) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) . [ (4) ] ومع قريش ثلاثة ألوية: لواء مع أبى عزيز، ولواء مع النضر بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبى طلحة. (المرجع السابق) : 1/ 58، 225. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ودفع لواء الخزرج إلى حباب ابن المنذر بن الجموح، ويقال: إلى سعد بن عبادة، ودفع لواء المهاجرين إلى إلى على بن أبى طالب، ويقال: إلى مصعب بن عمير [ (1) ] . قال: وسأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من يحمل لواء المشركين؟ فقيل: بنو عبد الدار، فقال: نحن أحق بالوفاء منهم، أين مصعب بن عمير؟ قال: ها أنا ذا، قال: خذ اللواء، فأخذ مصعب بن عمير فتقدم به بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] ، وهو اللواء الأعظم، ودفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج مع سعد أو حباب [ (3) ] . قال: وحدثني الزبير بن سعيد [ (4) ] ، عن عبد اللَّه بن الفضل قال: أعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مصعب بن عمير اللواء، فقتل مصعب، فأخذه ملك في صورة مصعب، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقول لمصعب في آخر النهار: تقدم يا مصعب فالتفت إليه الملك فقال: لست بمصعب، فعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه ملك أيّد به [ (5) ] [وسمعت أبا معشر يقول مثل ذلك] [ (6) ] . ولما قتل مصعب وسقط اللواء، ابتدره رجلان من بنى عبد الدار: سويبط ابن حرملة، وأبو الروم، فأخذه أبو الروم، فلم يزل في يده حتى دخل به المدينة [ (7) ] .   [ (1) ] المرجع السابق) : 1/ 215. [ (2) ] المرجع السابق) : 1/ 221. [ (3) ] راجع التعليق رقم (5) . [ (4) ] في (خ) ، (ج) : «الزبير وسعيد» ، وما أثبتناه من (مغازي الواقدي) . [ (5) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 234. [ (6) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (7) ] (المرجع السابق) : 1/ 239. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 ولما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى حمراء الأسد، دفع لواءه إلى على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، ويقال: دفعه إلى أبى بكر رضى اللَّه عنه. ولما خرج إلى بدر الموعد، كان يحمل لواءه الأعظم يومئذ على رضى اللَّه عنه [ (1) ] . وفي غزوة المريسيع، دفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، راية المهاجرين إلى أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة رضى اللَّه عنه، ويقال كان مع عمار بن ياسر راية المهاجرين [ (2) ] . ولما خرج إلى بنى قريظة، دفع عليه السلام لواءه إلى على، [رضى اللَّه عنه] وكان اللواء على حاله، لم يحل [من] مرجعه من الخندق [ (3) ] . وحمل اللواء في غزوة الغابة المقداد بن عمرو [ (4) ] ، وحمل راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العقاب سعد بن عبادة [ (5) ] ، وكان له في خيبر ثلاث رايات [ (6) ] . قال الواقدي: ولم يكن راية قبل خيبر، إنما كانت الألوية، فكانت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم السوداء من برد عائشة رضى اللَّه عنها تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، ودفع رايته إلى على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه وراية إلى الحباب ابن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة [ (7) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 1/ 388. [ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 407. [ (3) ] (المرجع السابق) : 2/ 797. [ (4) ] (المرجع السابق) : 2/ 540. [ (5) ] (المرجع السابق) : 2/ 542. [ (6) ] قال الواقدي: وكانت راية النبي صلى اللَّه عليه وسلم السوداء من برد لعائشة تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، ودفع راية إلى عليّ عليه السلام، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة. (المغازي) : 2/ 649. [ (7) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 ولما انتهى صلى اللَّه عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، وقد ضوى إليها ناس من العرب، استقبل يهود بالرمي المسلمين، حيث نزلوا وهم على غير تعبئة، فعبأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أصحابه لقتالهم، وصفّهم ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن النذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عباد بن بشر [ (1) ] . وعقد صلى اللَّه عليه وسلم لما جهز لغزاة مؤتة لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة [ (2) ] ، وعقد لعمرو بن العاص لما بعثه لغزوة ذات السلاسل لواء أبيض، وجعل راية سوداء [ (3) ] . ولما عسكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببئر أبى عنبة- وهو يريد فتح مكة- عقد الألوية والرايات، وقيل: لم يعقد الألوية والرايات حتى انتهى إلى قد يد، فكان في المهاجرين ثلاث رايات: راية مع الزبير سوداء، وراية مع عليّ، وراية مع سعد بن أبى وقاص وكان في الأوس راية في بنى عبد الأشهل مع أبى نائلة، وفي بنى ظفر راية مع قتادة بن النعمان، وفي بنى حارثة راية مع أبى بردة بن نيار، وفي بنى معاوية راية مع جبر بن عتيك، وفي بنى خطمة راية مع أبى لبابة بن المنذر [ (4) ] ، وفي بنى واقف راية مع هلال بن أمية [ (5) ] ، وفي بنى عمرو بن عوف راية مع أبى لبابة بن عبد المنذر، وفي بنى أمية راية كذا، وفي بنى ساعدة راية مع أبى أسيد الساعدي، وفي بنى الحارث بن الخزرج راية مع عبد اللَّه بن زيد، وفي بنى سلمة مع قطبة بن عامر بن   [ (1) ] (المغازي للواقدي) : 2/ 710. [ (2) ] (المراجع السابق) : 2/ 756. [ (3) ] سبق الإشارة إلى هذا الخبر وتخريجه. [ (4) ] في (خ) ، (ج) : «مع خزيمة بن ثابت» ، وما أثبتناه من الرجع السابق» . [ (5) ] كذا في الأصلين، وفي (المرجع السابق) : «وفي بنى أمية راية مع مبيّض» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 حديدة، وفي بنى مالك بن النجار راية مع عمارة بن حزم، وفي بنى مازن راية مع سليط بن قيس، وفي بنى دينار راية مع كذا [ (1) ] . وكانت في مزينة ثلاثة ألوية: لواء مع النعمان بن مقرّن، ولواء مع بلال ابن الحارث، ولواء مع عبد اللَّه بن عمرو. وكان في أسلم لواءان أحدهما مع بريدة بن الحصيب، والآخر مع ناجية بن الأعجم، وفي جهينة أربعة ألوية: لواء مع سويد بن صخر، ولواء مع رافع بن مكيث، ولواء مع زرعة معبد بن خالد، ولواء مع عبد اللَّه بن بدر [ (2) ] . وكان مع بنى كعب بن عمرو ثلاثة ألوية: لواء مع بشر بن سفيان، ولواء مع ابن شريح، ولواء مع عمرو بن سالم، وكانت راية أشجع مع عوف بن مالك [ (3) ] ، [ولهم لواءان: لواء يحمله معقل بن سفيان، ولواء يحمله نعيم ابن مسعود] [ (4) ] . ولقيه عليه السلام بقديد أسلم ومعها لواءان وخمس رايات سود، وقيل لم يكن معها لواء ولا راية. فسألوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يعقد لهم راية، فعقد لهما لواءان: أحدهما حمله عباس بن مرداس، والآخر حمله خفاف بن ندبه، وحمل آخر راية [ (5) ] [الحجاج بن علاط] . وكانت راية غفار مع أبى ذرّ [ (6) ] ، وكان في كنانة بنى ليث، وضمرة، وسعد بن بكر لواء مع أبى واقد الليثي، وكان مع بنى ليث لواء يحمله   [ (1) ] (المرجع السابق) : 2/ 800. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 800- 801. [ (3) ] المرجع السابق) : 2/ 801. [ (4) ] ما بين الحاصرتين من الأصلين دون (مغازي الواقدي) . [ (5) ] (المرجع السابق) : 2/ 819، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق والبيان منه. [ (6) ] ويقال إيماء بن رحضة (المرجع السابق) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 الصعب بن جثامة، وكان سعد بن عبادة يحمل راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمام كتيبته، ثم أمره عليه السلام أن يدفعها إلى ابنه قيس بن سعد، وقيل بل أخذ عليّ رضى اللَّه عنه الراية من سعد يأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى دخل بها مكة، فغرزها عن الركن [ (1) ] . ويقال: كان لواء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم دخل مكة أسود، ولمّا عبّأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أصحابه بأوطاس وصفّهم، وضع الألوية والرايات في أهلها، وكان مع المهاجرين لواء يحمله عليّ، وراية يحملها سعد بن أبى وقّاص، وراية يحملها عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنهم، وكان مع الخزرج لواء يحمله الحباب بن المنذر، ويقال: كان لواء الخزرج الأكبر مع سعد بن عبادة، ولواء الأوس أسيد بن الحضير وفي كل بطن من بطون الأوس والخزرج لواء أو راية، ففي بنى عبد الأشهل راية يحملها أبو نائلة، وفي بنى حارثة راية يحملها أبو بردة بن نيار، وفي بنى ظفر راية يحملها قتادة بن النعمان، وراية يحملها جبر بن عتيك في بنى معاوية، وراية يحملها هلال بن أمية في بنى واقف، وراية يحملها أبو لبابة بن عبد المنذر في بنى عمرو بن عوف، وراية يحملها أبو أسيد الساعدي في بنى ساعدة، وراية يحملها عمارة بن حزم في بنى مالك بن النجار، وراية يحملها أبو سليط في بنى عدي بن النجار، وراية يحملها سليط بن قيس في بنى مازن [ (2) ] . وكانت رايات الأوس والخزرج في الجاهلية خضراء وحمراء، فلما كان الإسلام أقروها على ما كانت عليه، وكانت رايات المهاجرين سوداء والألوية بيضاء، وكان في أسلم رايتان: إحداهما مع بريدة بن الحصيب، والأخرى   [ (1) ] (المرجع السابق) : 2/ 822. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 818- 821. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 مع جندب بن الأعجم، وكان في غفار راية مع أبى ذر، وفي بنى ضمرة والليث، وسعد بن ليث راية مع أبى واقد الحارث بن مالك الليثي، وفي كعب بن عمرو، رايتان: مع بسر بن سفيان وأبى شريح، وفي مزينة ثلاث رايات: مع بلال بن الحارث، والنعمان بن مقرن، وعبد اللَّه بن عمرو بن عوف [ (1) ] . وفي جهينة أربع رايات: مع رافع بن مكيث، وعبد اللَّه بن بدر، وأبى زرعة معبد بن خالد، وسويد بن صخر، وفي أشجع رايتان: مع نعيم بن مسعود، ومعقل بن سنان، وفي سليم ثلاث رايات: مع العباس بن مرداس، وخفاف بن ندبة، وحجاج بن علاط، وحمل راية الأزد [في] [ (2) ] حصار [أهل] [ (2) ] الطائف النعمان المهلبي [ (3) ] . ولما دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ثنية الوداع يريد تبوك، وعقد الألوية والرايات، فدفع لواءه الأعظم إلى أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه، ورايته العظمى إلى الزبير رضى اللَّه عنه، ودفع راية الأوس إلى أسيد بن الحضير، ولواء الخزرج إلى أبى دجانة، ويقال: إلى الحباب بن المنذر بن الجموح [ (4) ] ، وراية بنى مالك بن النجار إلى عمارة بن حزم، ثم أعطاها زيد بن ثابت، وراية بنى عمرو بن عوف إلى أبى زيد، وراية بنى سلمة إلى معاذ بن جبل، رضى اللَّه عنهم [ (5) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 818- 821. [ (2) ] زيادة للسياق والبيان. [ (3) ] (المرجع السابق) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 3/ 996. [ (5) ] باقي الخير ليس في (المرجع السابق) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 ولما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه في رمضان سنة عشر [ (1) ] ، عسكر بقباء حتى تتام أصحابه، وعقد له يومئذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لواء، أخذ عمامة فلفّها مثنية مربعة، فجعلها في رأس الرمح، ثم دفعها إليه ثم قال: هكذا [ (2) ] اللواء، وعمّمه عمامة ثلاثة أكوار، وجعل ذراعا بين يديه، وشبرا من ورائه، ثم قال: هكذا العمة [ (3) ] . وآخر لواء عقده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لواء أسامة بن زيد في يوم الخميس لليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة، عقده بيده، وقد ابتدأ به مرضه الّذي توفّاه اللَّه فيه، وقال له: يا أسامة: أغز باسم اللَّه، في سبيل اللَّه، فقاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة، ولا تمنوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم لا تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللَّهمّ اكفناهم، واكفف بأسهم عنا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصيّحوا، فعليكم بالسكينة والصمت، ولا تنازعوا [فتفشلوا] وتذهب ريحكم، وقولوا: اللَّهمّ نحن عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغلبهم أنت، واعلموا أن الجنة تحت البارقة [ (4) ] . ثم قال: يا أسامة، شن [ (5) ] الغارة على أهل أبناء، ثم قال امض على اسم اللَّه، فخرج بلوائه معقودا، فدفعه إلى بريدة بن الحصيب فخرج به إلى بيت أسامة، وعسكر أسامة بالجرف [ (6) ] .   [ (1) ] هي سرية على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه إلى اليمن. [ (2) ] في (خ) : «هاك ذا» . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1079. [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1117. [ (5) ] شنّ الغارة عليهم: فرّقها عليهم من جميع جهاتهم. (النهاية) . [ (6) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1118. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 فلما توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقودا، حتى أتى به باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فغرزه عنده [ (1) ] . فلما بويع أبو بكر رضى اللَّه عنه، أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة، وأن لا يحله أبدا حتى يغزوهم أسامة، فخرج بريدة باللواء إلى بيت أسامة، ثم خرج به الشام معقودا مع أسامة، ثم رجع به إلى بيت أسامة، فما زال معقودا في بيت أسامة حتى توفى أسامة حتى توفى أسامة رضى اللَّه عنه [ (1) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1118. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 [وأما القضيب والعصا] [فكان له صلى اللَّه عليه وسلم مخصرة تسمى العرجون، وقضيب يسمى الممشوق] فخرج ابن حبان من حديث محمد بن عجلان، عن عياض عن أبى سعيد [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يستحب العراجين، فلا يزال في يده منها شيء، فدخل يوما المسجد وفي يده العرجون، فرأى نخامة في القبلة فحكها بالعرجون [ (1) ] . ومن حديث ابن لهيعة، أخبرنا أبو الأسود عن عامر بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يخطب وفي يده مخصرة [ (2) ] .   [ (1) ] (أخلاق النبي) : 146، وما بين الحاصرتين من (خ) ، وليس في (ج) ، وسيأتي شرحه. [ (2) ] (مجمع الزوائد) : 2/ 187، (طبقات ابن سعد) : 1/ 250، (سلسلة الأحاديث الضعيفة للألبانى) : حديث رقم (964) ، وقال العلّامة ابن القيم: ولم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره، وإنما كان يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر، وكان في الحرب يعتمد على قوس، وفي الجمعة يعتمد على عصا. (زاد المعاد) : 1/ 429، فصل في هديه صلى اللَّه عليه وسلم في خطبته. ورواه أبو داود في (السنن) : 1/ 658- 659، كتاب الصلاة، باب (229) الرجل يخطب على القوس، حديث رقم (1096) مطولا، وفيه: «فقام متكئا على عصا أو قوس ... » وسنده حسن، وصححه ابن خزيمة، وله شاهد من حديث يزيد بن البراء، في (سنن أبى داود) : 1/ 679، كتاب الصلاة، باب (249) حديث رقم (1145) ، وله شاهد آخر عند أبى الشيخ في (أخلاق النبي) : 155- 156 ، والنسائي في (السنن) : 8/ 551- 552، كتاب الزينة، باب (45) حديث أبى هريرة والاختلاف على قتادة، حديث رقم (5204) ، وفيه « .... وفي يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مخصرة أو جريدة» ، وحديث رقم (5205) ، وفيه « ... فجعل يقرعه بقضيب معه» ، (مسند أحمد) : 6/ 501، حديث رقم (22576) ، وفيه: « ... فطعننى رجل بمخصرة ... فنظرت فإذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» ، (مسلم بشرح النووي) : 18/ 294، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (24) قصة الجساسة، حديث رقم (119) ، وفيه: « ... قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر: هذه طيبة، هذه طيبة، يعنى المدينة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 ومن حديث معمر بن سليمان قال: سمعت منصور بن المعتمر، عن سعد بن عبيدة، عن عبد اللَّه بن حبيب، عن أبى عبد الرحمن السّلميّ عن على رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم ببقيع الغرقد ومعه مخصرة، فنكس وجعل ينكت بها يده [ (1) ] . قال ابن الجوزي: وكان له صلى اللَّه عليه وسلم قضيب هو اليوم عند الخلفاء. ولابن حيّان من حديث ليث عن عامر الشعبىّ، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أنه قال: التوكؤ على العصا من أخلاق الأنبياء [ (2) ] [و] كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عصا يتوكأ عليها، ويأمر بالتوكؤ على العصا [ (3) ] . وقال مخول بن إبراهيم، حدثنا إسرائيل عن عاصم، عن محمد بن سيرين، عن أنس، أنه كان عنده عصيّة لرسول اللَّه، فمات فدفنت معه بين جنبه وبين قميصه. وخرج عمر بن شيبة من حديث عبد اللَّه بن رجاء قال: أخبرنا المسعودي عن القاسم قال: كان عبد اللَّه بن مسعود [رضى اللَّه عنه] يلبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم   [ (1) ] (فتح الباري) : 289، كتاب الجنائز، باب (82) موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله، حديث رقم (1362) . [ (2) ] (الأسرار المرفوعة) : 167، حديث رقم (147) ، قال عنه: كلام صحيح، وليس له أصل صريح، وإنما يستفاد من قوله تعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [طه: 17] ، ومن فعل نبينا عليه الصلاة والسلام في بعض الأحيان، (كشف الخفا) : 1/ 321، حديث رقم (1025) ثم قال- بعد أن نقل قول القاري في (الأسرار) -: وروى الديلميّ بسنده عن أنس رفعه، حديث: حمل العصا علامة المؤمن وسنة الأنبياء، وروى أيضا: كانت للأنبياء كلهم مخصرة يختصرون بها تواضعا للَّه عزّ وجلّ. وأخرج البزار والطبراني بسند ضعيف حديث: أن اتخذ العصا فقد اتخذها أبى إبراهيم. وأخرج ابن ماجة عن أبى أمامة: خرج إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متوكئا على عصا. [ (3) ] (سلسلة الأحاديث الضعيفة) : 916. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 نعليه، ثم يأخذ العصا فيمشي أمامه، حتى إذا جلس أعطاه العصا ونزع نعليه، فجعلهما في ذراعيه، ثم استقبله بوجهه، فإذا أراد أن يقوم ألبسه نعليه، ثم أخذ العصا فمشى قدامه، حتى يلج الحجرة أمام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ويقال: إن اسم قضيبه على السلام الممشوق [ (1) ] .   [ (1) ] أخرج الطبراني من حديث ابن عباس: « ... وكان له قضيب شوحط يسمى الممشوق» ، وفيه على بن عذرة الدمشقيّ، نسب إلى وضع الحديث. قوله: قضيب شوحط، أي غصن مقطوع من شوحط، وهو من أشجار الجبال، تعمل منها القسي والسهام، قيل: هو الّذي كان الخلفاء يتداولونه. قال الزبيدي: ورواه من طريق عثمان بن عبد الرحمن، عن على بن عذرة، عن عبد الملك بن أبى سليمان، عن عطاء وعمرو بن دينار، كلاهما عن ابن عباس. وعلى بن عذرة قال الهيثمي: متروك. ورواه ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: عبد الملك وعلى وعثمان متروكون (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 261- 262. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 فصل في ذكر من كان على سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال الواقدي في عمرة القضاء: حدثني معاذ بن محمد عن عاصم بن عمر قال: حمل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم السلاح: البيض، والدروع، والرماح وقاد مائة فرس، فلما انتهى إلى ذي الحليفة، قدّم الخيل أمامه، [وهي مائة فرس،] [ (1) ] عليها محمد بن مسلمة، وقدم السلاح واستعمل عليه بشير بن سعد، فقيل: يا رسول اللَّه! حملت السلاح وقد شرطوا علينا أن لا ندخل عليهم إلا بسلاح المسافر السيوف في القرب، فقال [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] : إنا لا ندخلها [ (2) ] عليهم الحرم، ولكن يكون قريبا منا، فإن هاجنا هيج من القوم، كان السلاح قريبا منا، قيل: يا رسول اللَّه! نخاف قريشا على ذلك؟ فأسكت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقدّم البدن [ (3) ] . قال الواقدي: ونزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرّ الظهران، وقدم السلاح إلى بطن يأجج، حيث ينظر إلى أنصاب الحرم، [و] حدثني عائذ بن يحى، عن [أبى] [ (1) ] الحويرث قال: وخلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مائتي رجل على السلاح، عليهم أوس بن خولى [ (4) ] . قال الواقدي: وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر مائتين من أصحابه ممن طافوا بالبيت أن يذهبوا إلى أصحابهم ببطن يأجج فيقيموا على السلاح، ويأتى الآخرون فيقضوا نسكهم، ففعلوا [ (5) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) . [ (2) ] في (خ) : «لا ندخل» . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 733- 735. [ (4) ] (المرجع السابق) : 734- 735. [ (5) ] (المرجع السابق) : 740. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 فصل في ذكر من كان يقوم على رأس النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالسلاح ومن حمل حربته وصقل سيفه اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جماعة يقفون على رأسه بالسلاح، منهم المغيرة بن شعبة، والضحاك بن سفيان، والنعمان بن مقرن، وعباد بن بشير رضى اللَّه عنهم. أما المغيرة بن شعبة، فقد خرّج البخاري من حديث الزهري قال: أخبرنى عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان [رضى اللَّه عنهما] يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الحديبيّة، فذكر الحديث حتى ذكر قدوم عروة [بن مسعود] [ (1) ] إلى أن قال: وجعل يكلم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم رأس النبي صلى اللَّه عليه وسلم ومعه السيف، وعليه المغفر، وكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ضرب يده بنعل السيف وقال: أخّره يدك عن لحية رسول اللَّه وذكر الحديث بطوله، ذكره في كتاب الشروط [ (2) ] وفي عمرة الحديبيّة [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (البخاري) . [ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 412- 417، كتاب الشروط، باب (15) الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط، حديث رقم (2731) ، (2732) ، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 194- 209 ، كتاب الجهاد، باب (168) في صلح العدو، حديث رقم (2765) ، 5/ 42، كتاب السنة، باب (9) في الخلفاء، حديث رقم (4655) . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 576، كتاب المغازي، باب (36) غزوة الحديبيّة، وقول اللَّه تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18] ، حديث رقم (4180) ، 4181) ، مختصرا، ولم يذكر فيه خبر عروة بن مسعود، والمغيرة بن شعبة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا أبو عمار، حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس بن أبى حازم، عن المغيرة بن شعبة، أنه كان قائما على رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالسيف، وعنده عروة بن مسعود، فجعل يتناول لحية النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويحدثه، فقال المغيرة لعروة: لتكفّن يدك عن لحيته، أو لا ترجع إليك، فقال عروة: من هذا؟ قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، فقال عروة: يا غدر، ما غسلت رأسك من غدرتك بعد [ (1) ] . وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن سعيد الثقفي، وعبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يعلا بن كعب، ومحمد بن يعقوب ابن عتبة عن أبيه وغيرهم، قالوا: قال المغيرة بن شعبة: كنا قوم من العرب متمسكين بديننا، ونحن سدنة اللات، وأرانى لو رأيت قومي قد أسلموا ما تبعتهم، فأجمع نفر من بنى مالك الوفود على المقوقس، وأهدوا له هدايا فأجمعت الخروج معهم، فاستشرت عمى عروة بن مسعود فنهاني وقال: ليس معك من بنى أبيك أحد، فأبيت إلا الخروج [ (2) ] . فخرجت معهم، وليس معهم من الأحلاف غيري، حتى إذا دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطلّ على البحر، فركبت قاربا حتى حاذيت مجلسه، فنظر إليّ فأنكرنى، وأمر من سألني من أنا وما أريد، فسألني، فأخبرته بأمرنا، وإنا قدمنا عليه، فأمر أن ننزل، وأجرى علينا ضيافة، ثم دعانا فنظر إلى رأس بنى مالك فأدناه إليه، وأجلسه معه ثم   [ (1) ] (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 11/ 216- 227، كتاب السير، باب (18) الموادعة والمهادنة، ذكر ما يستحب للإمام من استعمال المهادنة بينه وبين أعداء اللَّه، إذا رأى بالمسلمين ضعفا يعجزون عنهم، حديث رقم (4872) ، من حديث المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، بسياقه أخرى. [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 4/ 285. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 سأله: أكل القوم من بنى مالك؟ فقال: نعم إلا رجلا واحدا من الأحلاف، وعرّفه إياي، فكنت أهون القوم عليه [ (1) ] . ووضعوا هداياهم بين يديه فسرّ بها وأمر بقبضها، وأمر لهم بجوائز، وفضّل بعضهم على بعض، وقصّر بى فأعطانى شيئا قليلا لا ذكر له، وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يسيّرون هداياهم لأهليهم وهم مستبشرون، ولم يعرض عليّ أحد منهم شيئا، وخرجوا وحملوا معهم خمرا فكانوا يشربون منها وأشرب معهم، ونفسي تأبى أن تدعني معهم، وقلت: ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا مما حباهم به الملك، ويخبرون قومي بتقصيرهم بى، وازدرائه إياي، فأجمعت على قتلهم، قلت: إني أجد صداعا، فوضعوا شرابهم ودعوني فقلت: برأسى صداع، ولكن أجلس فأسقيكم فلم ينكروا شيئا، فجلست أسقيهم وأشرب القدح بعد القدح، فلما دبّت الكأس فيهم اشتهوا الشراب، فصرت أصرف لهم وأنزع الكأس حتى ناموا ما يعقلون، فوثبت بهم، فقتلتهم جميعا وأخذت ما معهم [ (1) ] . فقدمت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فوجدته جالسا في المسجد مع أصحابه، وعليّ ثياب السفر، فسلمت سلام الإسلام، فنظر إليّ أبو بكر- وكان بى عارفا- فقال: أنت ابن أخى عروة؟ قلت نعم، قال: ما جاء بك؟ قلت: جئت أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الحمد للَّه الّذي هداك إلى الإسلام، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: أمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم، قال: فما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قلت: كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشرك، فقتلتهم وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليخمسها، ويرى فيها رأيه، فإنّها غنيمة من المشركين، وأنا مسلم مصدق محمد، فقال رسول اللَّه   [ (1) ] (المرجع السابق) : 285- 286. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 صلى اللَّه عليه وسلم: أما إسلامك فقبلته، ولا نأخذ من أموالهم شيئا ولا نخمسها، لأن هذا غدر، والغدر لا خير فيه] [ (1) ] . [فأخذني ما قرب وما بعد، فقلت: يا رسول اللَّه! إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت حين دخلت عليك الساعة، فقال: إن الإسلام يجب ما قبله] [ (1) ] . [قال: وكان قد قتل منهم [ (2) ] ثلاثة عشر إنسانا، فبلغ ذلك ثقيفا بالطائف، فتداعوا للقتال، ثم اصطلحوا على أن يحمل عمى عروة بن مسعود ثلاثة عشرة دية] . [قال المغيرة: وأقمت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى اعتمر عمرة الحديبيّة في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، فكانت أول سفرة وخرجت معهم، وكنت أكون مع أبى بكر رضى اللَّه عنه، وألزم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيمن يلزمه] . [وبعثت قريش عام الحديبيّة عروة بن مسعود، إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأتاه يكلمه، وجعل يمس لحية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأنا قائم على رأسه صلى اللَّه عليه وسلم مقنع في الحديد، فقلت لعروة وهو يمس لحية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أكفف يدك [عن مسّ لحية رسول اللَّه] [ (3) ] قبل أن لا تصل إليك، فقال عروة: يا محمد! من هذا؟ ما أفظعه وما أغلظه؟! فقال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، فقال عروة: يا عدوّ اللَّه! ما غسلت سوأتك عنى إلا بالأمس يا غدر] . [وخرجه قاسم بن أصبغ، من حديث الأعمش عن مجاهد قال: حدثني   [ (1) ] (المرجع السابق) : 286. [ (2) ] إلى هنا انقطع الخبر في (طبقات ابن سعد) ، وتمام الخبر في (خ) ، وما بين الحاصرتين في الفصل كله من (خ) وهو سقط من الناسخ في (ج) . [ (3) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) : 2/ 595. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 مولاي عبد اللَّه بن السائب [ (1) ] قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال لي: تعرفني؟ قلت: نعم، كنت شريكك، فنعم الشريك، كنت لا تدارى [ (2) ] ولا تمارى [ (3) ]] [ (4) ] . [وأما الضحاك بن سفيان رضى اللَّه عنه] فقال أبو عمر بن عبد البر: وكان الضحاك بن سفيان الكلابي أحد الأبطال، وكان يقوم على رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متوشحا سيفه، وكان يعدّ بمائة فارس وحده، وله خبر عجيب مع بنى سليم، ذكره أهل الأخبار [ (5) ] . ذكر الزبير بن بكار وقال: حدثتني ظمياء بنت عبد العزيز بن موءلة بن كثيف الكلابي [قال: حدّثنى أبى عن جدي موءلة بن كثيفك بن جمل بن   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن السائب بن أبى السائب، صيفىّ بن عابد بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرّة أبو عبد الرحمن، وأبو السائب القرشيّ المخزومي المكيّ. روى أنس بن عياض، عن رجل، عن عبد اللَّه بن السائب، قال: اكتنيت بكنية جدي أبى السائب، وكان خليطا للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: نعم الخليط، كان لا يشارى ولا يمارى، [إسناده ضعيف لجهالة رواية عبد اللَّه بن السائب، والمعروف أن شريك النبي صلى اللَّه عليه وسلم هو السائب أبو عبد اللَّه لا جده] . [ويؤيد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في (المسند) : 4/ 440- 441 ، حديث رقم (15076) : عن قائد السائب، عن السائب، أنه قال للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: كنت شريكي، فكنت خير شريك، كنت لا تدارى ولا تمارى، وحديث رقم (15077) ، من حديث روح، حدثنا سيف قال: سمعت مجاهدا يقول: كان السائب بن السائب العابدي شريك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية، قال: فجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة فقال: بأبي وأمى لا تدارى، ولا تمارى. [ (2) ] لا تدارى: لا تخالف ولا تمانع. [ (3) ] لا تمارى: لا تخاصم. [ (4) ] له ترجمة في: (طبقات خليفة) : 110، (التاريخ الكبير) : 5/ 8، (التاريخ الصغير) : 1/ 126، (طبقات ابن سعد) : 5/ 445، (الجرح والتعديل) : 5/ 65، (جمهرة أنساب العرب) : 143، (تهذيب التهذيب) : 5/ 201، ترجمة رقم (394) ، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 388- 390، ترجمة رقم (59) . [ (5) ] (الاستيعاب) : 2/ 743، ترجمة رقم (1250) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 خلد الكلابي، أن الضحاك بن سفيان الكلابي رضى اللَّه عنه] [ (1) ] كان سيّاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قائما على رأسه متوشحا سيفه، وكانت بنو سليم في تسعمائة، فقال لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: هل لكم في رجل يعدل مائة يوفيكم ألفا؟ فوافاهم بالضحاك بن سفيان، وكان رئيسهم، فقال عباس بن مرداس [المعنى المذكور في الخبر] [ (1) ] : نذود أخانا عن أخينا ولو ترى ... مهزا لكنا الأقربين نتابع نتابع بين الأخشبين وإنما ... يد اللَّه بين الأخشبين تبايع [عشية ضحاك بن سفيان معتص ... بسيف رسول اللَّه والسيف رافع] [ (1) ] [كان] [ (2) ] الضحاك بن سفيان بن عوف بن أبى بكر بن كلاب الكلابي، يكنى أبا سعيد، معدود في أهل المدينة، كان ينزل باديتها، وقيل: كان   [ (1) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) ، وهذه الأبيات في (الاستيعاب) هكذا: نذود أخانا عن أخينا ولو نرى ... وصالا لكنا الأقربين نتابع نبايع بين الأخشبين وإنما ... يد اللَّه بين الأخشبين تبايع عشية ضحاك بن سفيان معتص ... لسيف رسول اللَّه والموت واقع [ (2) ] في (خ) ، (ج) : «قال» ، وما أثبتناه أجود للسياق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 نازلا [بحرة] [ (1) ] ولّاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على من أسلم من قومه، وكتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضّبابى [ (2) ] من دية زوجها، وكان أشيم قتل خطأ، وشهد بذلك الضحاك بن سفيان عند عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فقضى به وترك رأيه. وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سرية أمّر عليهم الضحاك، بن سفيان هذا، فذكره عباس بن مرداس في شعره، كذا ذكره ابن عبد البر أنه كلابىّ [ (3) ] ، وقال البرقي: ليس الضحاك بن سفيان هذا بالكلابى، إنما هو الضحاك بن سفيان بن الحارث بن زائدة بن عبد اللَّه بن حبيب بن مالك بن خفاف بن امرئ القيس بهثة السلمي، له صحبة، وكان رأس بنى سليم، وصاحب رايتهم [ (4) ] . [وقال الزبير بن بكار في (نسب قريش) : الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبى بكر بن كلاب الكلبي، الّذي شهد عند عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضّبابى [ (2) ] من ديته، وكان أشيم قتل خطأ، فقضى بذلك عمر بن الخطاب، وبعثه النبي صلى اللَّه عليه وسلم [في سرية] [ (2) ] استعمله عليهم [ (5) ] ، فيها عباس   [ (1) ] في بعض النسخ: «بنجد» وما أثبتناه من (الاستيعاب) . [ (2) ] في الأصلين: «الصابئ» وما أثبتناه من (الاستيعاب) . [ (3) ] (الاستيعاب) : 2/ 742، ترجمة رقم (1250) ، (الإصابة) : 3/ 478- 480، ترجمة رقم (4173) . [ (4) ] (جمهرة النسب) : 399، (الإصابة) : 6/ 235، ترجمة مولة، أو موءلة بن كثيف، مولى الضحاك ابن سفيان الكلابي رقم (8279) . [ (5) ] هي سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بنى كلاب، راجع خبرها في: (طبقات ابن سعد) : 2/ 162- 163 ، (عيون الأثر) : 2/ 206- 207، وكانت في شهر ربيع الأول سنة تسع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 ابن مرداس، فقال عباس بن مرداس: يا خاتم الأنبياء إنك مرسل ... بالحق كل هدى النبي هداكا وضعت عليك من الإله محبة ... وعباده ومحمدا أسماكا إن الذين وفوا ما عاهدتهم ... جيش بعثت عليهم الضّحاكا أمرته ضرب السنان كأنه ... لما تكنفه العدو يراكا طورا يعانق باليدين وتارة ... يفرى الجماجم صارما بتاكا] [ (1) ] [قال الزبير: حدثتني ظمياء بنت عبد العزيز بن مولة [ (2) ] بن كثيف الضبائية، عن أبيها عن جدها مولة [ (2) ] بن كثيف، أن الضحاك بن سفيان الكلبي، كان سيافا لرسول اللَّه [ (3) ] صلى اللَّه عليه وسلم، قائما على رأسه، متوشحا   [ (1) ] هذه الأبيات في (الاستيعاب) ثلاثة فقط أولهم: إن الذين وفوا بما عاهدتهم باختلاف يسير في الألفاظ، وما أثبتناه من (خ) ، و (سيرة ابن هشام) . [ (2) ] في بعض كتب التراجم: «موءلة» . [ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (الاستيعاب) : «كان سياف رسول اللَّه» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 بسيفه [ (1) ] ، وكانت بنو سليم في تسعمائة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: هل لكم في رجل يعدل مائة يوفيكم ألفا، فوفّاهم بالضحاك بن سفيان، وكان رئيسهم، فلما اقتتلوا قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعباس بن مرداس: ما لقومي كذا تريد تقتلهم، وقومك هكذا تريد تدفع عنهم؟ فقال عباس: نذود أخانا عن أخينا ولو ترى ... مهرا لكنا الأقربين نتابع نبايع بين الأخشبين وإنما ... يد اللَّه بين الأخشبين تدافع [عشية ضحاك بن سفيان معتص ... بسيف رسول اللَّه والسيف كانع] [ (2) ] [وبشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس [ (3) ] بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي أبو النعمان، شهد العقبة، وبدرا، وأحدا، وما بعدها] .   [ (1) ] كذا في (خ) «سيفه» وفي (الاستيعاب) : «بسيفه» . [ (2) ] هذه الأبيات من شعر عباس بن مرداس في يوم حنين، وهي قصيدة قوامها (16) بيتا) سيرة ابن هشام) : 5/ 122- 123، وما بين الحاصرتين من (خ) وليس في (ج) . [ (3) ] جلاس- بضم الجيم مخففا- وضبطه الدار قطنى بفتح الخاء المعجمة وتثقيل اللام، له ذكر في (صحيح مسلم) وغيره في قصة الهبة لولده، وحديثه في النسائي، وقال الواقدي: بعثه النبي صلى اللَّه عليه وسلم في سرية إلى فدك، ثم بعثه في شوال نحو وادي القرى. (الإصابة) : 1/ 311- 312، ترجمة رقم (694) ، وما بين الحاصرتين سقط في (ج) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 [وذكر الزبير بن بكار في (الأخبار الموفقيات) ، عن محمد بن إسحاق، أن بشير بن سعد الأنصاري كان إذا قدمت وفود العرب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قام على رأس النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالسيف يحميه منهم، وبشير هذا أول من بايع أبا بكر الصديق رضى اللَّه عنه يوم الثقيفة من الأنصار، وقتل هو مع خالد بن الوليد بعين التمر في خلافة أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنهم] [ (1) ] . والنعمان بن مقرّن بن عائذ، ويقال: النعمان بن عمرو بن مقرن، ويقال النعمان بن مقرن بن عائذ بن ميجاء بن هجير بن نصر بن حبشيّة بن كعب ابن عبد ثور بن هدمة بن لاطم بن عثمان- وهو مزينة- بن عمرو بن أدّ ابن طابخة أبو عمرو، ويقال: أبو حكيم المزني. هاجر وكان صاحب لواء مزينة يوم الفتح، واستعمله عمر رضى اللَّه عنه، ففتح اللَّه عليه أصبهان، وقتل على نهاوند سنة إحدى وعشرين. وذكر الطبراني من حديث عطاء بن أبى رباح قال: قلت لابن عمر: أشهدت بيعة الرضوان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم، قلت: فما كان عليه؟ قال: قميص من قطن، وجبّة محشوة، ورداء وسيف، ورأيت النعمان بن مقرن المزني قائما على رأسه، قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه، والناس يبايعونه [ (2) ] .   [ (1) ] (الاستيعاب) : 1/ 172- 173، ترجمة رقم (193) ، (الإصابة) : 1/ 311- 312، ترجمة رقم (694) ، وما بين الحاصرتين سقط في (ج) . [ (2) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1505- 1507، ترجمة رقم (2626) ، (الإصابة) : 6/ 453- 454 ، ترجمة رقم (8765) ، (طبقات خليفة) : 38، 128، 177، (تاريخ خليفة) : 149، (التاريخ الكبير) : 8/ 75، (المعارف) : 75، 83، 299، (الجرح والتعديل) : 8/ 444، (تهذيب التهذيب) : 1/ 407، (شذرات الذهب) : 1/ 32. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 وعباد بن بشر [ (1) ] [رضى اللَّه عنه] قائم على رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وهو مقنع في الحديد، لما جاء عيينة بن حصن في الخندق، ومعه الحارث بن عوف في عشرة من قومهما، ليقع الصلح معهما، حتى يرجعا بمن معهما [ (2) ] . وقال الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه، عن الحارث بن عبد اللَّه بن كعب قال: سمعت أم عمارة [رضى اللَّه عنها] تقول: إني لأنظر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ جالسا متربعا- يعنى يوم الحديبيّة- وإنّ عباد بن بشر وسلمة بن أسلم بن حريش مقنعان بالحديد قائمان على رأس النبي عليه السلام، إذ رفع سهيل بن عمرو صوته فقالا [ (3) ] : اخفض [من] [ (4) ] صوتك عند رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] [ (5) ] ، وسهيل بارك على ركبتيه رافع صوته، كأنى انظر إلى علم [ (6) ] في ضفته، وإلى أنيابه، وإن   [ (1) ] هو عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي. قال الواقدي: يكنى أبا بشر، وقال إبراهيم بن المنذر: عبّاد بن بشر يكنى أبا بشر، ويكنى أبا الربيع. شهد بدرا وأحدا، والمشاهد كلها، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف اليهودي، وكان من فضلاء الصحابة. قال ابن إسحاق: شهد بدرا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقتل يوم اليمامة شهيدا، وكان له يومئذ بلاء وغناء، فاستشهد يومئذ وهو ابن خمس وأربعين سنة. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 2/ 801- 804، ترجمة رقم (1354) ، (الإصابة) : 3/ 611، ترجمة رقم (4457) ، (جمهرة النسب) : 636، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 337- 340، ترجمة رقم (73) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 477. [ (3) ] في (المرجع السابق) : «قالا» . [ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (5) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (6) ] العلم: الشق في الشفة العليا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 المسلمين لحول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جلوس [ (1) ] . وعمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، ذكر الدار قطنى في (العلل) ، أن النبي عليه السلام، كان إذا صلى في الحجر، قام عمر رضى اللَّه عنه على رأسه بالسيف حتى يصلى. وكان الحارث بن الصمة [بن عتيك] [ (2) ] بن عمرو بن عامر- الّذي يقال له: مبذول- بن مالك بن النجار أبو سعيد، الّذي قتل يوم بئر معونة شهيدا، يحمل حربة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ويسير بها بين يديه [ (3) ] . قال ابن إسحاق: في يوم أحد لما أسند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الشعب، أدركه أبىّ بن خلف وهو يقول: أين يا محمد! لا نجوت إن نجوت، فقال القوم: يا رسول اللَّه! أيعطف عليه [رجل] [ (4) ] منا؟ فقال: دعوه، فلما دنا تناول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ- أي تمايل- منها عن فرسه مرارا [ (5) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 605- 606. [ (2) ] زيادة لسياق من (الاستيعاب) . [ (3) ] هو الحارث بن الصّمّة بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر، وعامر هذا يقال له مبذول بن مالك بن النجار، يكنى أبا سعد. كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد آخى بينه وبين صهيب بن سنان، وكان فيمن خرج مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بدر، فكسر بالروحاء، فردّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وضرب له بسهمه وأجره، وشهد معه أحدا فثبت معه يومئذ حين انكشف الناس وبايعه على الموت، ثم شهد بئر معونة، فقتل يومئذ شهيدا. له ترجمة في (الاستيعاب) : 1/ 292، ترجمة رقم (411) ، (الإصابة) : 1/ 578- 579، ترجمة رقم (1428) . [ (4) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) . [ (5) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 33، مقتل أبىّ بن خلف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 وكان مرزوق الصيقل [ (1) ] مولى الأنصار، صقل سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، روى عنه أبو الحكم الصيقل [حدثني مرزوق الصيقل أنه صقل سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار] [ (2) ] .   [ (1) ] قال العسكري وغيره: له صحبه. وقال ابن حبان: يقال إن له صحبة، وقال ابن عبد البرّ: في إسناد حديثه لين. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1469، ترجمة رقم (2541) ، (الإصابة) : 6/ 77، ترجمة رقم (7904) ، (الثقات) : 3/ 390. [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (الإصابة) ، أخرجه البغوي، والطبراني، من طريق محمد بن حمير، وقال ابن عبد البرّ: في إسناد حديث لين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 فصل في ذكر خيل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [اعلم أنه قد كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خيول يرتبطها، منها ما أجمعوا عليه ومنها ما اختلفوا فيه، فأجمعوا على أن كان له صلى اللَّه عليه وسلم سبعة أفراس، ويروى [أن] له عشرة أفراس- في بعضها خلاف- وهي: المرتجز [ (1) ] ، واللّحيف [ (2) ] ، واللّزاز [ (3) ] ، والظّرب [ (4) ] ، والسّكب [ (5) ] ، وسبحة [ (6) ] ،   [ (1) ] وكان أشهب وهو الّذي شهد فيه خزيمة بن ثابت فجعل شهادته شهادة رجلين، وسمى بذلك لحسن صهيله، كأنه ينشد رجزا، وقيل: هو الطّرف- بكسر الطاء المهملة- نعت المذكر خاصة، وقيل: هو النجيب، والطرف والنجيب: الكريم من الخيل، وكان الأعرابي الّذي اشتراه منه النبي صلى اللَّه عليه وسلم من بنى مرة. (زاد المعاد) : 1/ 133، (طبقات ابن سعد) : 1/ 490، (الوافي) : 1/ 90، (عيون الأثر) : 2/ 320- 321 . [ (2) ] أهداه له ربيعة بن أبى البراء، فأثابه عليه فرائض من نعم بنى كلاب، واللحيف: فعيل بمعنى فاعل، كأنه يلحف الأرض بذنبه، وقيل فيه: بضم اللام وفتح الحاء على التصغير. (زاد المعاد) : 1/ 133، (طبقات ابن سعد) : 1/ 490، (الوافي) : 1/ 90، (عيون الأثر) : 1/ 321. [ (3) ] أهداه له المقوقس، ولزاز: من قولهم: لاززته أي لاصقته، كأنه يلتصق بالمطلوب لسرعته، وقيل: لاجتماع خلقه، والملزز: المجتمع الخلق. (المرجع السابق) . [ (4) ] أهداه له فروة بن عمير الجذامي، والظّرب: واحد الظّراب، وهي الروابي الصغار، سمى به لكبره وسمنه، وقيل: لقوته وصلابته. (المرجع السابق) . [ (5) ] كان اسمه قبل أن يشتريه: الضرس، اشتراه بعشرة أوراق، أول ما غزا عليه أحدا، وكان أغرّ، طلق اليمين، محجّلا، كميتا، وقيل: كان أدهم، روى ذلك عن ابن عباس، شبّه بفيض الماء وانسكابه، (المرجع السابق) . [ (6) ] أخرج ابن سعد في (الطبقات) من حديث أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: راهن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على فرس يقال لها: سبحة، فجاءت سابقة، فهشّ لذلك وأعجبه، وسبحه، من قولهم: فرس سابح، إذا كان حسن مد اليدين في الجرى، وسبح الفرس جريه. (المرجع السابق) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 والورد [ (1) ] . وقاد صلى اللَّه عليه وسلم في حروبه عدة أفراس] [ (2) ] .   [ (1) ] أهداه له تميم الداريّ، فأعطاه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فحمل عليه في سبيل اللَّه، ثم وجده يباع برخص، فقال له: لا تشتره. والورد: لون بين الكميت والأشقر: (المرجع السابق) . قال ابن سيد الناس في (عيون الأثر) : قال شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطيّ رحمه اللَّه: فهذه سبعة متفق عليها، وهي: السكب، والمرتجز، واللحيف، ولزاز، والظرب، والورد، وسبحة، وكان الّذي يمتطى عليه ويركب: السكب. (عيون الأثر) : 2/ 231. وقيل: كانت له أفراس أخر غيرها، وهي: الأبلق، وذو العقال، وذو اللمة، والمرتجل، والمراوح، والسرحان، واليعسوب، واليعبوب، والبحر، والأدهم، والشحاء، والسجل، وملاوح، والطرف، والنجيب، هذه خمسة عشر مختلف فيها. (المرجع السابق) . وذكر السهيليّ في خيله صلى اللَّه عليه وسلم: الضريس، وذكر ابن عساكر فيها: مندوبا، وذو العقال بضم العين، وبعضهم يشدد قافه، وبعضهم يخففها وهو ظلع [أي عرج] في قوائم الدواب (المرجع السابق) . والمرواح: من الرمح لسرعته، والسرحان: الذئب، وهذيل تسمى الأسد سرحانا، واليعسوب: طائر، وهو أيضا أمير النحل، والسيد: يعسوب قومه، واليعسوب: غرة تستطيل في وجه الفرس. واليعبوب: الفرس الجواد. وجدول يعبوب: شديد الجرى. والشحاء: من قولهم: فرس بعيد الشحوة، أي بعيد الخطوة، ومندوب: من ندبه فانتدب، أي دعاه فاستجاب. (المرجع السابق) . والسبعة المتفق عليها، جمعها الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إسحاق بن جماعة الشافعيّ في بيت فقال: والخيل: سكب لحيف سبحة ظرب ... لزاز مرتجز ورد لها أسرار وقد جمع من أسماء خيله صلى اللَّه عليه وسلم في أبيات من قصيدة يمدحه بها الشيخ الإمام الحافظ فتح الدين أبو الفتح محمد بن سيد الناس اليعمري، [فقال] : لم يزل في حربه ذا ... وثبات وثبات كلفا بالطعن والضر ... ب وحبّ الصافنات من لزاز ولحيف ... ومن السكب الموات ومن المرتجز السابق ... سبق الذاريات ومن الورد ومن ... سبحة قيد العاديات (الوافي بالوفيات) : 1/ 90. [ (2) ] ما بين الحاصرتين من (ج) وليس في (خ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 خرّج النسائىّ من حديث إبراهيم بن طهمان، عن سعيد [بن أبى عروبة] [ (1) ] عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه قال: لم يكن شيء أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد النساء من الخيل [ (2) ] . ورواه أبو هلال الراسى محمد بن سليم عن قتادة، عن معقل بن يسار قال: لم يكن شيء أعجب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الخيل [ (3) ] ، ثم قال: عفوا بل النساء، أبو هلال هذا ليس بشيء [ (4) ] . ومن حديث إبراهيم بن الفضل، عن سعيد المقبري عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: كان أحب الخيل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الأشقر، الأدم، الأقرح، المحجل في السبق، الأيمن [ (5) ] . وقد اختلف في عدة خيول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي ارتبطها، فأجمعوا على أنه كان له سبعة أفراس، وروى أنه كان له عشرة أفراس، في بعضها خلاف،   [ (1) ] زيادة للنسب من (سنن النسائي) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 7/ 74، كتاب عشرة النساء، باب (1) حب النساء، حديث رقم (3951) ، 6/ 527، كتاب الخيل، باب (2) حب الخيل، حديث رقم (3566) ، انفرد به النسائي، قال الحافظ السندي في قوله: «من الخيل» : لعل ترك ذكرها في حديث حبب إلى من دنياكم النساء والطيب ... لعدها من الدين لكونها آلة الجهاد، واللَّه تعالى أعلم. (حاشية السندي على النسائي) . [ (3) ] (مجمع الزوائد) : 4/ 258. [ (4) ] هو محمد بن سليم أبو هلال الراسى البصري، مولى بنى سلمة بن لؤيّ قال النسائي: ليس بالقوى، وقال ابن سعد: فيه ضعف، وقال أحمد بن حنبل: يحتمل في حديثه، إلا أنه يخالف في قتادة، وهو مضطرب الحديث، وقال الساجي: روى عنه حديث منكر، وقال البراز: احتمل الناس حديثه، وهو غير حافظ، وقال ابن عدي بعد أن ذكر له أحاديث كلها أو عامّتها غير محفوظة، وله غير ما ذكرت، وفي بعض رواياته ما لا يوافقه عليه الثقات، وهو ممن يكتب حديثه. توفى في خلافة المهدي سنة تسع وستين. (تهذيب التهذيب) : 9/ 173- 174، ترجمة رقم (303) . [ (5) ] (أخلاق النبي) : 149. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 وهي: المرتجز، واللحيف، واللزاز، والظرب، والسكب، وبهجة، والورد. وقاد صلى اللَّه عليه وسلم في حروبه عدة أفراس [ (1) ] . فأما المرتجز، فروى الواقدي عن الحسن بن عمارة بن الحكم بن مقسم، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرس يدعى المرتجز [ (1) ] . وروى إدريس الأودي عن الحكم عن يحى بن الجزار، أن عليا رضى اللَّه عنه قال: كان اسم فرس النبي صلى اللَّه عليه وسلم المرتجز، وبغلته دلدل، وناقته القصواء، وحماره عفير، ودرعه ذات الفضول، وسيفه ذو الفقار، وإنما قيل له المرتجز لحسن صهيله، وكان أبيض [ (2) ] . وعن محمد بن يحى بن سهل قال: ابتاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرسه المرتجز من أعرابى من بنى مرّة، فرأى الأعرابي فيه رغبة، فجحد أن يكون باعه إياه، فشهد له على ابتياعه هذا الفرس خزيمة بن ثابت الأنصاري [ (3) ] رضى اللَّه عنه، ولم يكن شاهدا شراءه، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: كيف شهدت ولم تحضر؟ قال: لتصديقي إياك يا رسول اللَّه، وإن قولك كالمعاينة، فقال: أنت   [ (1) ] راجع تعليقات أول الفصل. [ (2) ] سبق تخريج وشرح هذه الأشياء كل في فصله من هذا الجزء، فلتراجع. [ (3) ] هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه- بالفاء وكسر الكاف- ابن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن غيّان- بالمعجمة والتحتانية، وقيل: بالمهملة والنون- ابن عامر بن خطمة- بفتح المعجمة وسكون المهملة- واسمه عبد اللَّه بن جشم- بضم الجيم وفتح المعجمة- ابن مالك بن الأوس الأنصاريّ الأوسيّ، ثم الخطميّ، وأمه: كبشة بنت أوس الساعدية، شهد بدرا وما بعدها، وقتل بصفين، وكان يكسر أصنام بنى خطمة، وكانت راية خطمة بيده يوم الفتح. له ترجمة في: (الإصابة) : 2/ 278- 279، ترجمة رقم (2253) ، (الاستيعاب) : 2/ 448، ترجمة رقم (665) ، (المستدرك) : 3/ 448، (طبقات ابن سعد) : 6/ 51. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 ذو الشهادتين، فسمى ذا الشهادتين [ (1) ] . وقد خرّج أبو داود حديث شهادة خزيمة من طريق الزهري، عن عمارة ابن خزيمة، أن عمه حدّثه [وهو من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابىّ، فاستتبعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ليقضيه [ (3) ] ثمن فرسه، فأسرع النبي صلى اللَّه عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ابتاعه، فنادى الأعرابيّ النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته، فقام النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي فقال: أو ليس قد ابتعته منك؟ فقال: [لا] [ (4) ] ، واللَّه ما بعتكه، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: بلى قد ابتعته منك. فطفق الأعرابي يقول: هلمّ شهيدا، فقال خزيمة [بن ثابت] : أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على خزيمة فقال: بم تشهد؟ فقال بتصديقك يا رسول اللَّه، فجعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين [ (5) ] .   [ (1) ] راجع التعليق رقم (5) . [ (2) ] زيادة للسياق ليست في (سنن أبى داود) . [ (3) ] في (الأصلين) : ليقبضه، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 31- 32، كتاب الأقضية، باب (21) إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد، يجوز له أن يحكم به، حديث رقم (3607) ، وأخرجه النسائي في (السنن) : 8/ 347، كتاب البيوع، باب (81) التسهيل في ترك الإشهاد على البيع، حديث رقم (4661) ، وخرجه البخاري في (التاريخ الكبير) : 1/ 86- 87، ترجمة محمد بن زرارة بن عبد اللَّه بن خزيمة بن ثابت الأنصاري الخطميّ الأوسي المديني، ذكره مختصرا جدا. وأخرجه المتقى الهندي في (كنز العمال) : 13/ 379- 380، في ترجمة خزيمة بن ثابت رضى اللَّه تعالى عنه، بسياقات مختلفة، بعضها مطول وبعضها مختصرا، حديث رقم (37036) ، وعزاه إلى مصنف عبد الرزاق، وحديث رقم (37037) ، وعزاه إلى الدار قطنى في (الأفراد) ، وابن عساكر في (التاريخ) ، وحديث رقم (37038) ، وعزاه إلى أبى يعلى، وأبى نعيم، وابن عساكر، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 وقد بين الحاكم في (المستدرك) اسم هذا الأعرابي، فخرج من حديث زيد بن الحباب قال: حدثني محمد بن زرارة بن عبد اللَّه بن خزيمة بن ثابت قال: حدثني عمارة بن خزيمة عن أبيه خزيمة بن ثابت رضى اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ابتاع من سواء بن الحارث المحاربي فرسا فجحده، فشهد له خزيمة بن ثابت، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما حملك على الشهادة ولم تكن معه؟ قال: صدقت يا رسول اللَّه [ولكن صدّقتك] [ (1) ] [بما قلت] [ (1) ] ، وعرفت أنك لا تقول إلا حقا، فقال: من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه [ (2) ] .   [ () ] وعبد الرزاق، حديث رقم (37039) ، وعزاه في هامشه إلى ابن حجر في (الإصابة) ، وقال: رواه الدار قطنى من طريق ... قال الخطابي: هذا حديث يضعه كثير من الناس غير موضعه، وقد تذرع به قوم من أهل البدع إلى استحلال الشهادة لمن عرف عنده بالصدق على كل شيء ادعاه، وإنما وجه الحديث ومعناه: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم إنما حكم على الأعرابي بعلمه، إذا كان صادقا بارا في قوله، وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى له التوكيد لقوله، والاستظهار بها على خصمه، فصارت في التقدير شهادته له، وتصديقه إياه على قوله، كشهادة رجلين في سائر القضايا. (معالم السنن) . قال المنذري: وهذا الأعرابي: هو سواء بن الحارث، وقيل: سواء بن قيس المحاربي، ذكره غير واحد من الصحابة، وقيل: إنه جحد البيع بأمر بعض المنافقين، وقيل: إن هذا الفرس هو المرتجز المذكور في أفراس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. (هامش أبى داود) . قال الحافظ السندي في شرحه ل (سنن النسائي) : والمشهور أنه صلى اللَّه عليه وسلم ردّ الفرس بعد ذلك على الأعرابي، فمات من ليلته عنده، واللَّه تعالى أعلم. [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، وأثبتناه من (ج) . [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 21- 22، حديث رقم (2187) من حديث محمد بن شهاب، ولم يصرح فيه باسم الأعرابي، وقال في (التلخيص) صحيح، ورجاله ثقات باتفاق وسمع عمارة من أبيه خزيمة أيضا. وحديث رقم (2188) من حديث محمد بن زرارة وصححه الذهبي، وقد صرح الحاكم فيه باسم الأعرابي، وهو سواء بن الحارث المحاربي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 ويقال: بل [اسمه] الطرف، بكسر الطاء، والطرف: الكريم من الخيل، وقيل: هو النجيب، والنجيب: الكريم أيضا. وأما اللحيف بالحاء المهملة المفتوحة اللام، وفعيل بمعنى فاعل، كأنه يلحف الأرض بذنبه لطوله، أي يغطيها، وقيل فيه أيضا: بضم اللام وفتح الحاء مصغّرا، والأكثر أنه اللخيف بالخاء المعجمة، وقيل فيه: النخيف بالنون وليس بشيء. وهذا الفرس [أهداه لرسول اللَّه] صلى اللَّه عليه وسلم فروة بن عمرو من أرض البلقاء، وقيل: أهداه ابن أبى البراء، وكان يركبه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . خرّج البخاري من حديث أبى بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حائطنا فرس يقال له: اللخيف [ (2) ] ، [بالخاء المعجمة، وبالحاء المهملة مع فتح اللام، فعيل بمعنى فاعل، كأنه يحلف الأرض بذنبه لطوله] [ (3) ] . وروى الواقدي وابن مندة من حديث عبد المهيمن بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أفراس يعلفهن عند ابن سعد [ (4) ] ، أبى سهل بن سعد، فسمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يسميهن: اللزاز، واللحيف، والظّرب [ (5) ] . هذه سياقة ابن مندة فهي أتم. زاد الواقدي: فأما اللزاز، فأهداه له المقوقس صاحب الإسكندرية، وأما الظرب، فأهداه له فروة بن عمرو الجذامي من عمان بالشام، وأما اللحيف،   [ (1) ] راجع تعليقات أول الفصل. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 72، كتاب الجهاد والسير، باب (46) اسم الفرس والحمار، حديث رقم (2855) . [ (3) ] راجع تعليقات أول الفصل. [ (4) ] في (خ) : «ابن سعد ابن سعد» . [ (5) ] راجع تعليقات أول الفصل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 فأهداه له ربيعة بن أبى البراء الكلابي، فأثابه فرائض من نعم بنى كلاب. قال الواقدي: سمى اللحيف لأنه كان يلتحف بعرفة، ويقال: شبّه بلحيف الجبل وصغّر، وسمى الظرب لتشوفه وحسن صهيله، وسمى لزاز لأنه كان ملززا موثقا، ويقال: الظرب واحد الظراب، وهي الروابي الصغار، سمى به لسمنه، وقيل: لقوته وصلابة حافرة، واللزاز قيل له ذلك لاجتماع خلقه، وقيل لشدة دموجه [ (1) ] . وقال ابن سعد: كان مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم في غزوة المريسيع فرسان: بثلاثة أفراس: اللزاز، والظرب، والحاجب، وستين وسقا من الشوط [ (2) ] . وأما السّكب، فروى الواقدي عن محمد بن يحيى بن سهل بن أبى حثمة عن أبيه قال: أول فرس ملكه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فرس ابتاعه بالمدينة من رجل من بنى فزارة بعشر أواقي، وكان اسمه عند الأعرابي: الضريس، فسماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم السكب، وكان أول ما غزا عليه أحدا، [و] ليس مع المسلمين فرس غيره، وفرس لأبى بردة بن نيار يقال له: ملاوح، وكان السكب أغرّ، محجلا، طلق اليمين، وقيل: كان كميتا، أغرّ، محجلا، مطلق اليمين، وقيل: كان أدهم، وشبه بانسكاب الماء. وأما سبحة، فإنّها فرس شقراء، ابتاعها صلى اللَّه عليه وسلم من أعرابى من جهينة بعشر من الإبل، وسابق صلى اللَّه عليه وسلم عليه بوم خميس فأقبلت في وجوه الخيل، فسميت سبحة من قولهم: فرس سابح، إذا كان حسن مد اليدين في الجرى، وسبح الفرس: جريه [ (2) ] . وأما الورد، فقال الواقدي: فأهدى تميم الداريّ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرسا يقال   [ (1) ] راجع تعليقات أول الفصل. [ (2) ] راجع تعليقات أول الفصل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 له: الورد، فأعطاه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فحمل عليه عمر [رضى اللَّه عنه] في سبيل اللَّه، فوجد يباع برخص [فأخذه] . والورد: بين الكميت الأحمر والأشقر، ويروى أن الورد كانت لحمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه [ (1) ] . وكانت له صلى اللَّه عليه وسلم فرس يقال له: الملاوح، وهو الضامر الّذي لا يسمن، والسريع العطش، والعظيم الألواح [ (2) ] . وفرس يقال له: البحر، اشتراه من تجار قدموا من اليمن، فسبق عليه مرات، فجثا صلى اللَّه عليه وسلم على ركبتيه، ومسح وجهه وقال: ما أنت إلا بحر، فسمّي بحرا، وكان كميتا، وقيل: هو الأدهم [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس [قال] [ (3) ] : كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي صلى اللَّه عليه وسلم فرسا [لنا] [ (3) ] يقال له: مندوب، فقال: ما رأينا من فزع، وإن وجدناه لبحرا. ذكره البخاري في الجهاد [ (4) ] ، وفي كتاب الهبة [ (5) ] ، وفي باب مبادرة الإمام عند الفزع [ (5) ] .   [ (1) ] راجع تعليقات أول الفصل. [ (2) ] راجع تعليقات أول الفصل. [ (3) ] زيادة للسياق من (البخاري) . [ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 73، كتاب الجهاد والسير، باب (46) اسم الفرس والحمارة، حديث رقم (2857) . [ (5) ] (فتح الباري) : 5/ 300، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (33) من استعار من الناس الفرس، حديث رقم (2627) ، 6/ 151- 152، كتاب الجهاد والسير، باب (116) مبادرة الإمام عند الفزع، حديث رقم (2968) ، باب (117) السرعة والركض في الفزع، حديث رقم (2969) وذكره في كتاب الجهاد والسير، باب (24) الشجاعة في الحرب والجبن، حديث رقم (2820) ، باب (50) الركوب على الدابة الصعبة، والفحولة من الخيل، حديث رقم (2862) ، باب (55) الفرس القطوف، حديث رقم (2867) ، باب (82) الحمائل وتعليق السيف، حديث رقم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 وذكره مسلم من طرق [ (1) ] ، وكان مندوب فرس أبى طلحة زيد بن سهل رضى اللَّه عنه. ويروى أنه كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثا وعشرين فرسا، منها الأبلق، وذو العقال، بضم العين وتشديد القاف، وسمع تخفيفها، ومسروح، وذو اللمة، وكانت فرس عكاشة بن محصن، والمرتجل، والملاوح، ويقال: مراوح، ومنها السرحان [والسرحان] [ (2) ] ، واليعبوب، واليعوب، والشحاء، والبحر وهو كميت، والسجل، والطرف، والنجيب [ (3) ] .   [ () ] (2908) ، باب (165) إذا فزعوا بالليل، حديث رقم (3040) ، وفي كتاب الأدب، باب (39) حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، حديث رقم (6033) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 73- 75، باب (11) شجاعة النبي صلى اللَّه عليه وسلم وتقدمه للحرب، حديث رقم (48) ، ومن طريق أخرى، حديث رقم (49) ، ومن طريق ثالثة، آخر أحاديث الباب. وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 171- 172، كتاب الجهاد، باب (14) ما جاء في الخروج عند الفزع، حديث رقم (1685) ، وقال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن عمرو بن العاص، وهذا حديث حسن صحيح، وحديث رقم (1686) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وحديث رقم (1687) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 926، كتاب الجهاد، باب (9) الخروج في النفير، حديث رقم (2772) ، قال حماد: وحدثني ثابت أو غيره، قال: كان فرسا لأبى طلحة يبطّأ، فما سبق بعد ذلك اليوم. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 614، من مسند أنس بن مالك رضى اللَّه عنه، حديث رقم (12085) . [ (2) ] بياض في (خ) ، وأثبتناه من (ج) . [ (3) ] راجع تعليقات أول الفصل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 [فصل في تضمير خيل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والسبق بينها] التضمير: تقليل علفها، وإدخالها بيتا كنينا وتجليلها فيه لتعرق، ويجف عرقها، فيصلب لحمها ويخف، وتقوى على الجرى. يقال: ضمّرت الفرس بتشديد الميم وأضمرته [ (1) ] . وذكر ابن [] [ (2) ] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كان يأمر بإضمار خيله بالحشيش اليابس شيئا بعد شيء، ويقول: ارووها من الماء، واسقوها غدوة وعشيا، وألزموها الجلال [ (3) ] ، فإنّها تلقى الماء عرقا، فتصفو ألوانها،   [ (1) ] قال الإمام العلامة أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري: والمضمار: الموضع الّذي تضمّر فيه الخيل، وتضميرها: أن أتعلف قوتا بعد سمنها، قال أبو منصور: ويكون المضمار وقتا للأيام التي تضمر فيها الخيل للسباق أو للركض إلى العدوّ. وتضميرها أن تشدّ عليها سروجها، وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها، فيذهب رحلها، ويشتد لحمها، وتحمل عليها غلمان خفاف يجرونها، ولا يعنفون بها، فإذا فعل ذلك بها أمن عليها البهر الشديد عند حضرها ولم يقطعها الشّدّ، قال: فذلك التضمير الّذي شاهدت العرب تفعله، يسمون ذلك مضمارا وتضميرا. وتضمير الفرس أيضا: أن تعلفه حتى يسمن، ثم تردّه إلى القوت، وذلك في أربعين يوما، وهذه المدة تسمى المضمار. (لسان العرب) : 4/ 491. [ (2) ] هذه الكلمة غير واضحة في (الأصلين) ولم أتبين لها توجيها. [ (3) ] جلّ الدابة: الّذي تلبسه لتصان به، والجمع جلال وأجلال، وجلال كل شيء غطاؤه، وتجليل الفرس أن تلبسه الجلّ. وفي الحديث أنه صلى اللَّه عليه وسلم جلّل فرسا له سبق بردا عدنيا، أي جعل البرد له جلا، وفي حديث ابن عمر: أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان يجلل بدنه القباطي (لسان العرب) : 11/ 119. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 وتتسع جلودها. وكان صلى اللَّه عليه وسلم يأمر أن يقودوها كل يوم مرتين، ويؤخذ منها من الجرى الشوط والشوطان، ولا تركض حتى تنطوى. وخرّج أبو داود من حديث المعتمر، عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] قال: إن نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كان يضمّر الخيل للمسابقة بها [ (1) ] . وخرّج الدار قطنى من حديث سليم بن أخضر ومعتمر، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ضمّر الخيل وسابق بينها، وقال معتمر: كان يضمّر ويسابق [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث سفيان، عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] [ (3) ] قال: أجرى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ما ضمّر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع، وأجرى ما لم يضمّر من الثنية إلى مسجد بنى زريق [قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى] [ (3) ] . قال ابن زريق- بتقديم الزاى على الراء-: آخر بياضه [ (4) ] ابنا عامر بن زريق بن حارثة بن مالك بن غضب- بفتح الغين المعجمة- ابن جشم بن الخزرج، أخى الأوس ابني حارثة، قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى.   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 3/ 65، كتاب الجهاد، باب (67) في السّبق، حديث رقم (2576) ولفظه: «كان يضمّر الخيل يسابق بها» . [ (2) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 299، كتاب السبق بين الخيل، حديث رقم (1) . [ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (البخاري) . [ (4) ] يعنى بياض في أصل (فتح الباري) ، وقد نبّه عليه في هامشه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 قال سفيان: من الحفياء [ (1) ] إلى ثنية الوداع [ (2) ] خمسة أميال أو ستة، وبين ثنية ومسجد بنى زريق ميل. ترجم عليه باب: السبق بين الخيل [ (3) ] . وخرّج في باب غاية السباق [ (4) ] للخيل المضمرة، من حديث أبى إسحاق عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] [ (5) ] قال: سابق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بين الخيل التي قد أضمرت [ (6) ] ، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، فقلت لموسى: فكم [ (7) ] [كان] [ (8) ] بين ذلك؟ قال: ستة أميال أو سبعة أميال، وسابق بين الخيل التي لم تضمّر، فأرسلها من ثنية الوداع فكان أمدها مسجد بنى زريق، قلت: فكم بين ذلك؟   [ (1) ] حفياء: بالفتح ثم السكون، وياء، وألف ممدودة: موضع قرب المدينة أجرى منه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخيل في السباق، قال الحازمي: ورواه غيره بالفتح والقصر. وقال البخاري: قال سفيان: بين الحفياء إلى الثنية خمسة أميال أو ستة، وقال ابن عقبة: ستة أو سبعة، وقد ضبطه بعضهم بالضم والقصر، وهو خطأ، كذا قال عياض. (معجم البلدان) : 2/ 319، موضع رقم (3825) . [ (2) ] ثنية الوداع: بفتح الواو، وهو اسم من التوديع عند الرحيل: وهي ثنية مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة، واختلف في تسميتها بذلك، فقيل: لأنها موضع وداع المسافرين من المدينة إلى مكة، وقيل: لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودع بها بعض من خلّفه بالمدينة في آخر خرجاته، وقيل: في بعض سراياه المبعوثة عنه. وقيل: الوداع اسم واد بالمدينة، والصحيح أنه اسم قديم جاهلى، سمى لتوديع المسافرين. (المرجع السابق) : 100، موضع رقم (2846) . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 88، كتاب الجهاد والسير، باب (56) السبق بين الخيل، حديث رقم (2868) . [ (4) ] في (الأصلين) : السبق، وما أثبتناه من (البخاري) . [ (5) ] زيادة للسياق من (البخاري) . [ (6) ] في (الأصلين) : «أضمرت» ، وما أثبتناه من (البخاري) . [ (7) ] في (الأصلين) : «وكم» . [ (8) ] زيادة للسياق من (البخاري) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 قال: ميل أو نحوه، وكان ابن عمر ممن سابق فيها [ (1) ] . وخرجه في باب: إضمار [ (2) ] الخيل للسبق، من حديث الليث عن نافع بنحوه [ (3) ] . وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، من حديث جويرية عن نافع [ (4) ] ، وأخرجه من حديث مالك عن نافع، فذكره البخاري في كتاب الصلاة [ (5) ] ،   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 89، كتاب الجهاد والسير، باب (58) غاية السباق للخيل المضمّرة، حديث رقم (2870) ، وفي الحديث مشروعية المسابقة، وأنه ليس من العبث، بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك. قال القرطبي: لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب، وعلى الأقدام، وكذا الترامي بالسهام، واستعمال الأسلحة، لما في ذلك من التدريب على الحرب. وفيه جواز إضمار الخيل. ولا يخفى اختصاص استحبابها بالخيل المعدة للغزو. وفيه مشروعية الإعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة، وفيه نسبة الفعل إلى الآمر به، لأن قوله: «سابق» ، أي أمر أو أباح. وفيه جواز إضافة المسجد إلى قوم مخصوصين، وهي إضافة تمييز لا إضافة ملك. وفيه جواز. معاملة البهائم عند الحاجة بما يكون تعذيبا لها في غير الحاجة، كالإجاعة، والإجراء. وفيه تنزيل الخلق منازلهم، لأنه صلى اللَّه عليه وسلم غاير بين منزلة المضمّر وغير المضمّر، ولو خلط بينهما لأتعب غير المضمّر. (فتح الباري) : 6/ 90- 91. [ (2) ] في (الأصلين) : «مضمار» . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 88- 89، كتاب الجهاد والسير، باب (57) إضمار الخيل للسّبق، حديث رقم (2869) . [ (4) ] (فتح الباري) : 13/ 376، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (16) ما ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وحضّ على اتفاق أهل العلم، وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة وما كان بهما من مشاهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم والمهاجرين والأنصار، ومصلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم والمنبر والقبر، حديث رقم (7336) . [ (5) ] (فتح الباري) : 1/ 678، كتاب الصلاة، باب (41) هل يقال مسجد بنى فلان؟ حديث رقم (420) ، ويستفاد منه جواز إضافة المساجد إلى بانيها أو المصلى فيها، ويلتحق به جواز إضافة أعمال البر إلى أربابها، والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي فيما رواه ابن أبى شيبة عنه أنه كان يكره أن يقول مسجد بنى فلان، ويقول مصلى بنى فلان، لقوله تعالى: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ [الجن: 18] . وجوابه أن الإضافة في مثل هذا إضافة تمييز لا ملك. مختصرا من (فتح الباري) : 1/ 678. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 وذكره مسلم في الإمارة [ (1) ] من طرق عديدة، عن نافع عن ابن عمر بمعنى حديث مالك عن نافع [ (2) ] . وخرجه الترمذي من حديث سفيان عن عبيد اللَّه عن نافع، وقال: حديث حسن صحيح غريب من حديث الثوري [ (3) ] . وخرج أبو داود من حديث أحمد بن حنبل قال: أخبرنا عقبة بن خالد عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سبق بين الخيل، وفضّل [ (4) ] القرّح [ (5) ] في الغاية [ (6) ] . قال الدار قطنى [ (7) ] : تفرد بهذه الألفاظ عقبة السكونيّ عن عبيد اللَّه. وقال ابن عبد البر: لم يقل ذلك في هذا الحديث أحد غير عقبة بن خالد، وقد وجدت له أصلا فيما رواه أبو سلمة التبوكي قال: أخبرنا   [ (1) ] في (خ) : «في الجهاد» ، وصوبناه من (صحيح مسلم) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 17- 19، كتاب الإمارة، باب (25) المسابقة بين الخيل وتضميرها، حديث رقم (95) ، والحديث الّذي يليه بدون رقم، من طرق مختلفة، وزاد في حديث أيوب من رواية حماد وابن عليّة، قال عبد اللَّه: «فجئت سابقا فطفّف بى الفرس المسجد» ، أي علا، ووثب إلى المسجد، وكان جداره قصيرا، وهذا بعد مجاوزته الغاية، لأن الغاية هي هذا المسجد، وهو مسجد بنى زريق، واللَّه تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 177- 178، كتاب الجهاد، باب (22) ما جاء في الرّهان والسبق، حديث رقم (1699) ، وزاد فيه ابن عمر: «وكنت فيمن أجرى، فوثب بى فرسي جدارا. قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبى هريرة، وجابر، وعائشة، وأنس، وهذا حديث صحيح حسن غريب من حديث الثوري. [ (4) ] في (الأصلين) : «وفرّق» وصوبناه من (سنن أبى داود) . [ (5) ] القرّح- بضم القاف وفتح الراء المشددة-: جمع قارح، وهو من الخيل الّذي دخل في السنة الخامسة. [ (6) ] (سنن أبى داود) : 3/ 65، كتاب الجهاد، باب (67) في السبق، حديث رقم (2577) . [ (7) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 299، كتاب السبق بين الخيل، حديث رقم (1) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 عبد الملك بن حرب بن عبد الملك بن مجاشع بن مسعود السلمي قال: حدثني أبى وعمى عن جدي، أن ناسا من أهل البصرة ضمّروا خيولهم، فنهاهم الأمير عتبة بن مروان أن يجروها، حتى كتب إلى عمر [رضى اللَّه عنه] ، فكتب إليه عمر، أن أرسل القرّح من رأس مائة غلوة، ولا يركبها إلا أربابها، فجاء مجاشع بن مسعود سابقا [على الغراء] [ (1) ] . وخرّج الدار قطنى من حديث يزيد بن هارون وعفان بن مسلم قالا: أخبرنا سعيد بن زيد، أخبرنا الزبير بن حريث، أخبرنا أبو لبيد لمازة بن زبار [ (2) ] قال: أرسلت الخيل زمن الحجاج، والحكم بن أيوب على البصرة، فأتينا الرهان، فلما جاءت الخيل قلنا: لو ملنا إلى أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] فسألناه: أكانوا يراهنون على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فملنا إليه وهو في قصره بالزاوية، فقلنا: يا أبا حمزة! أكنتم تراهنون على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أو كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يراهن؟ قال نعم واللَّه، هو يراهن على فرس له يقال له: سبحة، فجاءت سابقة، فأنهش لذلك وأعجبه [ (2) ] . [قال عبد اللَّه: أنهشه يعنى أعجبه] [ (3) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين من (ج) . وللإمام مالك في (الموطأ) : 311، ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو، حديث رقم (1008) ، والدارميّ في (السنن) 2/ 212، باب في السبق، وابن ماجة في (السنن) : 2/ 960، كتاب الجهاد، باب (44) السبق في الرهان، حديث رقم (2877) ، والنسائي في (السنن) : 6/ 535، كتاب الخيل، باب (12) غاية السبق للتي لم تضمر، حديث رقم (3585) ، باب (13) إضمار الخيل للسبق، حديث رقم (3586) . [ (2) ] لمازة بن زبار- بفتح الزاء والموحدة- أبو لبيد البصري، وحديثه أخرجه أحمد، والدارميّ، والبيهقي. (التعليق المغنى على الدار قطنى) . [ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 301، حديث رقم (10) ، (سنن الدارميّ) : 2/ 212- 213، باب في السبق، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 [و] قال الواقدي: عن إبراهيم بن الفضل، عن أبى العلاء عن مكحول قال: طلعت الخيل وفيها فرس للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، فبرك على ركبتيه، وأطلع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رأسه من الصف وقال: كأنه بحر. وفي رواية: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبق بين الخيل.، فجلس على سلع، وطلعت الخيل، فطلعت له فيها ثلاثة أفراس يتلو بعضها بعضا، يتقدمها لزاز، فلما رآه سرّ به، ثم فرسه الظرب، ثم السكب. وعن أبى عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه عن جده [رضى اللَّه عنه] قال: سبقت على فرس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الظرب، فكساني يردا يمانيا. قال الواقدي: وسبق أبو أسيد الساعدي- وهو مالك بن ربيعة- على فرس النبي صلى اللَّه عليه وسلم لزاز، فأعطاه حلّة يمانية. وذكر الواقدي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سبق بين الخيل والإبل لما مرّ بالنقيع، منصرفه من المريسيع، فسبقت القصواء الإبل، وسبق فرسه، وكان معه فرسان: لزاز و [آخر يقال له] [ (1) ] الظرب، فسبق يومئذ على الظّرب، وكان الّذي سبق عليه يومئذ أبو أسيد الساعدي، والّذي سبق على ناقته بلال [ (2) ] [رضى اللَّه عنه] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 426. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 فصل في ذكر الخيل التي قادها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أسفاره قال الواقدي في غزاة بنى قريظة: ولبس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الدرع والمغفر والبيضة، وأخذ قناة بيده، وتقلد الترس، وركب فرسه وصفّ به أصحابه، وتلبسوا السلاح، وركبوا الخيل، وكانت ستة وثلاثين فرسا، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد قاد فرسين وركب واحدا يقال له اللحيف، فكانت ثلاثة أفراس معه، وسار إلى بنى قريظة [ (1) ] . وذكر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قاد في غزاة خيبر ثلاثة أفراس: لزار، والظرب، والسكب، فلم يسهم من الخيل لنفسه ولمن معه إلا لفرس واحد، هو معروف بينهم الفرس [ (2) ] . وأسهم صلى اللَّه عليه وسلم في النطاة من خيبر ثلاثة أسهم: لفرسه سهمين، وله سهم، وكان مع عاصم بن عدي [ (3) ] . وذكر في غزاة تبوك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قام إلى فرسه الظرب، فعلق عليه شعيرة، وجعل يمسح ظهره بردائه، فقيل: يا رسول اللَّه! تمسح ظهره بردائك؟ قال: نعم، وما يدريك لعل جبريل أمرنى بذلك، [مع أنى قد بتّ الليلة وإن الملائكة لتعاتبنى في حسّ [ (4) ] الخيل ومسحها] [ (5) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 497- 498. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 688. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 689. [ (4) ] الحسّ: نفض التراب عن الدابة. [ (5) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1020، وما بين الحاصرتين تكمله للسياق منه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 وإن عبيد بن ياسر بن نمير- جد [ (1) ] سعد اللَّه- قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بتبوك فأسلم وأهدى له فرسا عتيقا يقال له مراوح، وقال: يا رسول اللَّه، إنه سابق، فأجرى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخيل بتبوك، فسبق الفرس، فأخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منه، فسأله المقداد بن عمرو الفرس، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: فأين سبحه- يعنى فرس المقداد- التي شهد عليها بدرا؟ فقال: يا رسول اللَّه عندي، وقد كبرت، وأنا أضن بها للمواطن التي شهدت عليها، وقد خلّفتها لبعد هذا السفر وشدّة الحر [عليها] ، فأردت أحمل هذا الفرس المعرّق عليها، فيأتينى [بمهر] [ (2) ] ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم فذاك إذا، فقبضه المقداد [فخبر] [ (2) ] منه صدقا، ثم حمّله على سبحة، فنتجت له مهرا كان سابقا، يقال له: الذّيّال، سبق في [عهد] [ (2) ] عمر وعثمان رضى اللَّه عنهما، فابتاعه منه عثمان بثلاثين ألفا [ (3) ] .   [ (1) ] في (المغازي) : «أحد سعد اللَّه» وما أثبتناه من (الأصلين) . [ (2) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1032- 1033. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 فصل في ذكر من استعمله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الخيل اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم استعمل على الخيل في حروبه غير واحد من أصحابه منهم: محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري، أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد اللَّه، حليف بنى عبد الأشهل، شهد بدرا وما بعدها، ومات بالمدينة في صفر سنة ثلاث وأربعين، وقيل: سنة ست، وقيل سنة سبع وأربعين، وهو ابن سبع وسبعين سنة، وكان من فضلاء الصحابة، رضى اللَّه عنه وعنهم [ (1) ] . استعمله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ما قاده من الخيل في عمرة القضية، وهو مائة فرس، وقدم بها [من] ذي الحليفة، فمضى إلى مرّ الظهران بالخيل، فوجد بها نفرا من قريش، فسألوه فقال: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبّح هذا المنزل غدا إن شاء اللَّه، ورأوا سلاحا كثيرا مع بشير بن سعد، فخرجوا سراعا حتى أتوا قريشا، فأخبروهم بالذي رأوا من الخيل والسلاح، ففزعت قريش   [ (1) ] قال ابن يونس: شهد محمد بن مسلمة فتح مصر، وكان فيمن طلع الحصن مع الزبير، وكان رضى اللَّه عنه أسود طويلا عظيما، وفي الصحاح من حديث جابر: مقتل كعب بن الأشرف على يد محمد بن مسلمة. عن حذيفة، قال: ما من أحد إلا وأنا أخاف عليه الفتنة إلا ما كان من محمد بن مسلمة، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: «لا تضره الفتنة» . له ترجمة في (سير أعلام النبلاء) : 2/ 369، ترجمة رقم (77) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 وقالوا: واللَّه ما أحدثنا حدثا، وإنا على كتابنا ومدتنا، ففيم يغزونا محمد في أصحابه [ (1) ] ؟ وخالد بن الوليد المخزومي رضى اللَّه عنه، لم يزل من حين أسلم يولّيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنّة الخيل، يعنى أنه يكون على خيول المسلمين في الحروب، فيكون في مقدمتها في محاربة المشركين [ (2) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 733- 734. [ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 فصل في ذكر سرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومن كان يسرج له فرسه خرّج أبو داود [الطيالسي وأبو داود] [ (1) ] السختياني، وابن حيّان من حديث عبد الرحمن الفهري قال: كنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حنين، فسرنا في يوم قائظ شديد الحرّ، فنزلنا تحت ظلال الشجر، فلما زالت الشمس، لبست لأمتى، وركبت فرسي، فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في فسطاطه فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه، قد كان الرّواح يا رسول اللَّه؟ قال: أجل، ثم قال: يا بلال، فسار من تحت شجرة كأن ظله طائر فقال: لبيك وسعديك وأنا قدامك، قال: أسرج لي فرسي، فأتاه بدفّتين من ليف، ليس فيهما أشر ولا بطر. فركب فرسه ثم انتهينا. هذا حديث الطيالسي. ولفظ أبى داود، قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حنينا، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظل الشجر، فلما زالت الشمس، لبست لأمتى، وركبت فرسي، فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في فسطاطه، فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، قد كان الرواح؟ قال: أجل، ثم قال: يا بلال [قم] [ (2) ] ، فسار [ (3) ] من تحت شجرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، قال: أسرج لي الفرس، فأخرج سرجا دفّتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، فركب وركبنا [ (1) ] . [قال أبو داود:   [ (1) ] زيادة للسياق من (ج) . [ (2) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) . [ (3) ] في (المرجع السابق) : «فثار» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إلا هذا الحديث، وهو حديث نبيل جاء به حماد بن سلمة] [ (1) ] [ (2) ] . ولفظ ابن حيّان قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم حنين في [يوم] [ (3) ] صائف شديد الحرّ، فقال: يا بلال، أسرج لي فرسي، فأخرج سرجا رقيقا من ليف، ليس فيه أشر ولا بطر. خرجه من حديث حماد بن سلمة عن يعلى عن عطاء، عن عبد اللَّه بن يسار، عن ابن عبد الرحمن الفهري.   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 5/ 399- 400، كتاب الأدب، باب (167) في الرجل ينادى الرجل، فيقول: لبيك. [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (سنن أبى داود) . [ (3) ] زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 فصل في ذكر ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول إذا ركب خرّج الإمام أحمد من حديث شريك عن أبى إسحاق، عن على بن ربيعة، عن على رضى اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتى بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم اللَّه، فلما استوى عليها قال: الحمد للَّه، ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ [ (1) ] ثم حمد اللَّه ثلاثا، وكبّر ثلاثا، ثم قال: سبحانك لا إله إلا أنت، ظلمت نفسي فاغفر لي، ثم ضحك فقلت: مم ضحكت يا رسول اللَّه؟ فقال: يعجب الرب من عبده إذا قال: رب اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري [ (2) ] . وخرجه   [ (1) ] الزخرف: 13- 14. [ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 156، حديث رقم (755) : عن على بن ربيعة قال: رأيت عليا رضى اللَّه عنه أتى بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم اللَّه، فلما استوى عليها قال: الحمد للَّه، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ، ثم حمد اللَّه ثلاثا، وكبرّ ثلاثا، ثم قال: سبحانك لا إله إلا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي، ثم ضحك، فقلت: مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فعل مثل ما فعلت، ثم ضحك، فقلت: مم ضحكت يا رسول اللَّه؟ قال يعجب الرب من عبده إذا قال: رب اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري. وحديث رقم (932) ، (1059) بسياقات مختلفة ومن طرق مختلفة، كلها من مسند على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه. وحديث رقم (6275) و (6338) : من حديث عبد الرزاق، أنبأنا ابن جريج، أخبرنى أبو الزبير، أن عليا الأزدي أخبره أن ابن عمر علمه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبّر ثلاثا ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهمّ إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللَّهمّ هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال. وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آئبون تائبون عابدون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 أبو عيسى الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] .   [ () ] لربنا حامدون. كلاهما من مسند عبد اللَّه بن عمر. (سنن أبى داود) : 3/ 75، كتاب الجهاد، باب (79) ما يقول الرجل إذا سافر، حديث رقم (2599) ، ثم قال: وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبّروا وإذا هبطوا سبّحوا، فوضعت الصلاة على ذلك. قوله: «وعثاء السفر» : معناه المشقة والشدة، وأصله من الوعث وهو أرض فيها رمل تسوخ فيها الأرجل. قوله: «كآبة المنقلب» : أن ينقلب من سفره إلى أهله كئيبا حزينا غير مقتضى الحاجة أو منكوبا، ذهب ماله، أو أصابته آفة في سفره، أو أن يرد على أهله فيجدهم مرضى، أو يفقد بعضهم وما أشبه ذلك من المكروه، (معالم السنن) . وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الحج من (الصحيح) ، باب (75) ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، حديث رقم (1342) ، (1343) . ومعنى مُقَرَّنِينَ: مطيقين، أي ما كنّا نطيق قهره واستعماله، لولا تسخير اللَّه تعالى إياه لنا. وفي هذا الحديث استحباب هذا الذكر عند ابتداء الأسفار كلها، وقد جاءت فيه أذكار كثيرة جمعتها في كتاب (الأذكار) [للنووي] . (مسلم بشرح النووي) : 9/ 118، كتاب الحج، باب (75) ، ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره. [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 467، كتاب الدعوات، باب (47) ما يقول إذا ركب الناقة، حديث رقم (3446) ، قال: وفي الباب عن ابن عمر رضى اللَّه عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 فصل في ذكر بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرّج البخاري من حديث أبى إسحاق، عن عمرو بن الحارث [ختن] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخى جويرية بنت الحارث قال: ما ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند موته درهما، ولا دينارا، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة. ذكره في الوصية [ (1) ] ، وفي كتاب المغازي [ (2) ] ولفظه: إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل. وخرّجه النسائي بنحوه [ (3) ] ، وخرّج مسلم [ (4) ] ..........   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 448، كتاب الوصايا، باب (1) الوصايا، وقول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «وصية الرجل مكتوبة عنده» ، وقال اللَّه عزّ وجل: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ* فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: 180- 182] ، حديث رقم (2739) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 187- 188، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، حديث رقم (4461) . [ (3) ] (سنن النسائي) : 6/ 539- 540) ، كتاب الإحباس [مصدر أحسبه، يقال: حبسه أو أحبسه، أي وقفه] ، باب (1) بدون ترجمة، حديث رقم (3596) ، وفيه: «إلا بغلته الشهباء» ، وحديث رقم (3597) ، وحديث رقم (3598) ، وفيه: «إلا بغلته الشهباء» . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 355- 359، كتاب الجهاد والسير، باب (28) في غزوة حنين، حديث رقم (1775) ، حنين: واد بين مكة والطائف وراء عرفات، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا، وهو مصروف كما جاء به القرآن الكريم: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ [التوبة: 25] . قوله: «ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بغلة له بيضاء» ، قال العلماء: ركوبه صلى اللَّه عليه وسلم البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد البأس، هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه أيضا يكون معتمدا يرجع المسلمون إليه، وتطمئن قلوبهم به وبمكانه، وإنما فعل هذا عمدا، وإلا فقد كانت له صلى اللَّه عليه وسلم أفراس معروفة، ومما ذكره في هذا الحديث من شجاعته صلى اللَّه عليه وسلم تقدّمه يركض بغلته إلى جمع المشركين وقد فرّ الناس عنه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 والنّسائى [ (1) ] من حديث أويس عن ابن شهاب قال: حدثني كثير بن عباس ابن عبد المطلب قال: قال عباس: شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم نفارقه، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بلغة له بضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يركض ببغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا أمدّ بلجام بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وذكر الحديث ولفظهما فيه متقارب. وذكر مسلم في بعض طرقه فقال: فيه فروة بن نعامة الجذامي [ (2) ] . وللبخاريّ [ (3) ] ................   [ (1) ] أخرجه النسائي في (الكبرى) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 359، كتاب الجهاد والسير، باب (28) في غزوة حنين، حديث رقم (77) : وحدثناه إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع، وعبد بن حميد، جميعا عن عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه، غير أنه قال: فروة بن نعامة الجذامي، وقال: انهزموا ورب الكعبة، وزاد في الحديث: حتى هزمهم اللَّه تعالى: قال: وكأنى انظر إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته. قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «هذا حين حمى الوطيس» هو بفتح الواو وكسر الطاء المهملة وبالسين المهملة. قال الأكثرون: هو شبه التنور يسجر فيه، ويضرب مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرّها حرّه. وقد قال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه. وقال الأصمعي: هي حجارة مدوّرة إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها، فيقال: الآن حمى الوطيس. وقيل: هو الضرب في الحرب، وقيل: هو الحرب الّذي يطيس الناس أي يدقهم. قالوا: وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه، الّذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلى اللَّه عليه وسلم. [ (3) ] (فتح الباري) : 8/ 34، كتاب المغازي، باب (55) قول اللَّه تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ* ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة: 25- 27] ، حديث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 ومسلم [ (1) ] من حديث أبى إسحاق عن البراء، فذكر حديث حنين وفيه:   [ () ] رقم (4317) ، 6/ 130- 131، كتاب الجهاد والسير، باب (97) من صف أصحابه عند الهزيمة، ونزل عن دابته فاستنصر، حديث رقم (2930) . قوله: «صف أصحابه عند الهزيمة» أي صف من ثبت معه بعد هزيمة من انهزم، قوله: «واستنصر» أي استنصر اللَّه تعالى بعد أن رمى الكفار بالتراب. (فتح الباري) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 360- 361، كتاب الجهاد والسير، باب (28) في غزوة حنين، حديث رقم (1776) ، قوله صلى اللَّه عليه وسلم: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب قال القاضي عياض: قال المازري: أنكر بعض الناس كون الرجز شعرا لوقوعه من النبي صلى اللَّه عليه وسلم، مع قوله تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ وهذا مذهب الأخفش، واحتج به على فساد مذهب الخليل في أنه شعر، وأجابوا عن هذا بأن الشعر هو ما قصد إليه، واعتمد الإنسان أن يوقعه موزونا مقفى، يقصده إلى القافية. وهكذا الجواب عما في القرآن من الموزون، كقوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وقوله تعالى: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ، ولا شك أن هذا لا يسميه أحد من العرب شعرا، لأنه لم تقصد تقفيته وجعله شعرا. قال الإمام النووي: وقد قال الإمام أبو القاسم عليّ بن أبى جعفر بن عليّ السعدي الصّقلّىّ المعروف بابن القطاع في كتابه (الشافي في علم القوافي) : قد رأى قوم- منهم الأخفش وهو شيخ هذه الصناعة بعد الخليل- أن مشطور الرجز ومنهوكه ليس بشعر، كقول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: اللَّه مولانا ولا مولى لكم، وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: هل أنت إلا إصبع دميدت، وفي سبيل اللَّه ما لقيت، وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب، وأشباه ذلك. قال ابن القطاع: وهذا الّذي زعمه الأخفش وغيره غلط بيّن، وذلك لأن الشاعر إنما سمّى شاعرا لوجوه [ذكرها الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم فلتراجع هنالك] . فإن قيل: كيف قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب فانتسب إلى جده دون أبيه وافتخر بذلك، مع أن الافتخار في حق أكثر الناس من عمل الجاهلية؟ فالجواب أنه صلى اللَّه عليه وسلم كانت شهرته بجده أكثر لأن أباه عبد اللَّه توفى شابا في حياة أبيه عبد المطلب، قبل اشتهار عبد اللَّه، وكان عبد المطلب مشهورا شهرة ظاهرة شائعة، وكان سيد أهل مكة، وكان كثير من الناس يدعون النبي صلى اللَّه عليه وسلم ابن عبد المطلب ينسبونه إلى جده لشهرته. ومنه حديث همام بن ثعلبة في قوله: أيكم ابن عبد المطلب؟ وقد كان مشتهرا عندهم أن عبد المطلب بشّر بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، وأنه سيظهر، وسيكون شأنه عظيما، وكان قد أخبره بذلك سيف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل فاستنصر وقال: أنا النبي لا كذب* أنا ابن عبد المطلب ثم صفّهم. وقال البخاري: ثم صفّ أصحابه، وقال فيه: وابن عمه أبو سفيان بن الحارث. ترجم عليه باب: من صفّ أصحابه عند الهزيمة، ونزل عن دابته واستنصر. وأخرجاه من حديث شعبة، عن أبى إسحاق، ومن حديث سفيان الثوري عن أبى إسحاق، وخرّجه مسلم من طرق، عن أبى إسحاق، وخرجه تقى بن مخلد من حديث النضر بن شميل قال: أخبرنا عوف بن عبد الرحمن مولى أم برثن، قال: حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين، قال: فلما التقينا نحن وصحابة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة أن كشفناهم، قال: فبينما نحن نسوقهم في آثارهم فإذا صاحب بغلة بيضاء، وإذا هو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صاحب البغلة البيضاء، قال: فتلقانا عنده رجال بيض الوجوه، حسان الوجوه، وقالوا: شاهت الوجوه، ارجعوا، قال:   [ () ] ابن ذي يزن. وقيل: إن عبد المطلب رأى رؤيا تدل على ظهور النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وكان ذلك مشهورا عندهم، فأراد النبي صلى اللَّه عليه وسلم تذكيرهم بذلك، وتنبيههم بأنه صلى اللَّه عليه وسلم لا بدّ من ظهوره على الأعداء، وأن العاقبة له، لتقوى نفوسهم، وأعلمهم أيضا بأنه ثابت، ملازم للحرب، لم يول مع من ولى، وعرّفهم موضعه، ليرجع إليه الراجعون. واللَّه تعالى أعلم. ومعنى قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «أنا النبي لا كذب» ، أي أنا النبي حقا، فلا أفرّ ولا أزول، وفي هذا دليل على جواز قول الإنسان في الحرب: أنا فلان، وأنا ابن فلان، ومثله قول سلمة: أنا ابن الأكوع، وقول عليّ رضى اللَّه عنه: أنا الّذي سمتني أمى حيدرة، وأشباه ذلك. وقد صرّح بجوازه علماء السلف، وفيه حديث صحيح، قالوا: وإنما يكره ذلك على وجه الافتخار كفعل الجاهلية، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 12/ 361- 363 مختصرا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 فانهزمنا من قولهم، وركبوا أجسادنا فكانت إياها [ (1) ] . قلت: والّذي يظهر أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث بغلات: واحدة بعث بها المقوقس، وأخرى من هدية فروة بن عمرو بن الناقدة الجذامي، ثم البناني، عامل الروم على فلسطين [ (2) ] ، وبغلة وهبها لأبى بكر رضى اللَّه عنه، وقيل: كانت له ست بغلات [ (3) ] . قال الواقدي: عن معمر عن الزهري، كانت بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دلدل من هدية فروة بن عمرو الجذامي، وقال البخاري وقال أبو حميد: أهدى ملك أيلة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بغلة بيضاء وكساء بردا، وكتب له بنحرهم. وقال الواقدي: وحدثني ابن أبى سبرة، عن زامل بن عمرو قال: أهدى فروة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بغلة يقال لها فضة، وهبها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه [ (4) ] .   [ (1) ] وأخرجه من طرق وسياقات مختلفة: ابن سعد في (الطبقات) : 4/ 18- 19، الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار، ترجمة العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه، الإمام مسلم في (الصحيح) : كتاب الجهاد والسير، باب (28) في غزوة حنين، حديث رقم (1775) ، ابن حبان في (الصحيح) : 15/ 523- 525، كتاب إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عن مناقب الصحابة، رجالهم ونسائهم، ذكر العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه، حديث رقم (7049) ، والإمام أحمد في (المسند: 1/ 341، حديث رقم (1778) ، والحاكم في (المستدرك) : 3/ 37، حديث رقم (5418) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص) : أخرجه مسلم، والحميدي في (المسند) : 1/ 218- 219، أحاديث العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه، حديث رقم (459) . [ (2) ] في (الإصابة) : 5/ 387: «على من يليهم من العرب» . [ (3) ] قال ابن القيم: وكان له من البغال دلدل، وكانت شهباء، أهداها له المقوقس، وبغلة أخرى يقال لها: فضة، أهداها له فروة الجذامي، وبغلة شهباء أهداها له صاحب أيلة، وأخرى أهداها له صاحب دومة الجندل، وقد قيل: إن النجاشي أهدى له بغلة فكان يركبها. (زاد المعاد) : 1/ 134. [ (4) ] قال صلاح الدين الصفدي، وقد ذكر دواب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ومن البغال ثلاثة: وهي الدلدل، التي أهداها له المقوقس، وهي أول بغلة ركبت في الإسلام، وعاشت بعده إلى أن زالت أسنانها، وكان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 وقال: عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه: كانت بغلة النبي صلى اللَّه عليه وسلم أول بغلة ركبت في الإسلام، أهداها المقوقس [ (1) ] . وقال الكلبي والهيثم بن عدي: كانت بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي تسمى دلدل من هدية المقوقس، فبقيت إلى زمن معاوية، ودلدل هذه التي أهداها المقوقس شهد عليها أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه يوم النهروان، وقاتل عليها الخوارج، وكانت بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند عليّ، ثم بعد عليّ عند عبد اللَّه بن جعفر، فكان يجش أو يدق لها الشعير، وقد ذهبت أسنانها [ (1) ] . وعن الزهري قال: دلدل حضر عليها النبي صلى اللَّه عليه وسلم القتال يوم حنين، وفي مسند الدارميّ من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنه، أن الدلدل كانت بيضاء أهداها المقوقس، وهي التي قال لها في بعض الأماكن: أن أربضى دلدل فربضت، وكان على رضى اللَّه يركبها. ولابن حيّان عن الأصبغ بن نباتة قال: لما قتل عليّ رضى اللَّه عنه أهل النهروان، ركب بغلة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الشهباء، قلت: كانت تسمى الشهباء وتسمى الدلدل. وقال ابن إسحاق: حدثني الزهري عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث حاطب بن أبى بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فمضى بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى المقوقس، فقبل الكتاب وأكرم حاطبا، وأحسن نزله، وسرحه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها، وخادمتين إحداهما أم إبراهيم، وأما الأخرى فوهبها   [ () ] يجشّ لها الشعير، وفضة، اتّهبها من أبى بكر، والأيليّة، أهداها له ملك أيلة. [ (1) ] راجع التعليقات السابقة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لجهم بن قيس العبديّ، فهي أم زكريا بن جهم، خليفة عمرو بن العاص على مصر [ (1) ] . [وذكر ابن سعد عن عبد القدوس، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أهدى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بغلة شهباء، وهي أول شهباء كانت في الإسلام، فبعثني إلى زوجته أم سلمة رضى اللَّه عنها بصوف وليف، ثم فتلت أنا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لها أسنا وغدارا، ثم دخل البيت فأخرج عباءة مطرّفة، فثناها ثم [ربّعها] على ظهرها، ثم سمى وركب، ثم أردفنى خلفه] [ (2) ] . ويروى أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه ركبها، وركبها كبرت وعميت، ودخلت مسطحة لبني [مدحج، فرماها] رجل بسهم فقتلها. وعن علقمة بن أبى علقمة أنه قال: بلغني أن اسم فرس النبي صلى اللَّه عليه وسلم السّكب، وكان أغرّ محجلا طلق اليمين، واسم بغلته الدلدل، وكانت شهباء، وكانت بينبع حتى ماتت، واسم حماره اليعفور، وكان رسنه من ليف، واسم رايته العقاب. وكان عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهنيّ، أبو عبس، وأبو حماد [ (3) ] ، رضى اللَّه عنه، صاحب بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يقود به في الأسفار. وسكن عقبة مصر، ووليها بعد عتبة بن أبى سفيان من قبل معاوية سنتين وثلاثة أشهر، وصرفه بمسلمة بن مخلد لعشر بقين من ربيع   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 14- 15 «هامش» ، بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الملوك. [ (2) ] ما بين الحاصرتين من (خ) فقط، (طبقات ابن سعد) : 1/ 491. [ (3) ] وقيل: أبو لبيد، وأبو عمرو، وأبو أسد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 الأول سنة سبع وأربعين، وتوفى بمصر سنة ثمان وخمسين، ودفن بقرافتها، وقبره معروف. قال الوليد بن مسلم: حدثنا هشام بن الغاز، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن القاسم، عن عقبة بن عامر- وكان صاحب بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الشهباء، الّذي يقودها في الأسفار- قال: قدت برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على راحلته رتوة من الليل، وإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أنخ، فأنخت، فنزل عن راحلته، ثم قال: اركب يا عقبة، فقلت: سبحان اللَّه! أعلى مركبك يا رسول اللَّه؟ وعلى راحلتك؟ فأمرنى فقال: اركب، فقلت أيضا مثل ذلك، ورددت ذلك مرارا حتى خفت أن أعصى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فركبت راحلته ورحله، ثم زجر الناقة فقامت، ثم قاد بى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ولأهل مصر عن عقبة نحو مائة حديث [ (1) ] يروونها عنه [ (2) ] .   [ (1) ] قال ابن حزم في (أسماء الصحابة الرواة) : له خمسة وخمسون حديثا، شهد صفين مع معاوية، وشهد فتوح الشام، وهو كان البريد إلى عمر بفتح دمشق، وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، وكان عالما بالفرائض والفقه، فصيح اللسان، شاعرا، كاتبا، وهو أحد من جمع القرآن، له ترجمة في: (الثقات) : 3/ 280، (التاريخ الكبير) : 6/ 340، (التاريخ الصغير) : 2/ 123، (الأعلام للزركلى) : 4/ 240، (سير الأعلام) : 2/ 467، (حلية الأولياء) : 2/ 8، (الجرح والتعديل) : 6/ 313، (أسماء الصحابة الرواة) : 79، ترجمة رقم (60) ، (الإصابة) : 4/ 520- 521، ترجمة رقم (5605) ، (الاستيعاب) : 3/ 1073- 1074، ترجمة رقم (1824) . [ (2) ] وقد ذكر ابن الجوزي في (الموضوعات) ، باب أسماء مراكبه وسلاحه، حديثا طويلا، وفيه: «وكانت له بغلة تسمى دلدل» وقال: هذا حديث موضوع، وفيه آفات، منها عبد الملك وهو العزرمىّ، وقد تركه شعبة، ومنها على بن عروة، قال يحيى: ليس بشيء، وقال أبو حاتم الرازيّ: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث، ومنها عمر بن عبد الرحمن، وقد قدحوا فيه. (الموضوعات لابن الجوزي) : 1/ 293. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 فصل في ذكر حمار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرّج أبو داود من حديث أبى إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن معاذ ابن جبل رضى اللَّه عنه، قال: كنت ردف النبي صلى اللَّه عليه وسلم على حمار يقال له عفير [ (1) ] . وأخرجه البخاري ومسلم من طرق أتمّ من هذا، وليس فيه ذكر حمار يقال له عفير [ (2) ] . ولابن حيّان من حديث القعنبي، حدثنا على بن عباس عن مسلم بن   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 3/ 55، كتاب الجهاد، باب (53) في الرجل يسمى دابته، حديث رقم (2559) . عفير: تصغير أعفر، يحذفون الألف في تصغيره، كما حذفوه في تصغير أسود، فقالوا: سويد، وكما قالوا: عوير من أعور، وكان القياس أن يقال في تصغير أعفر أعيفر، كما قالوا: أحيمر من أحمر، وأصيفر من أصفر. وفيه أن الإرداف مباح إذا كانت الدابة تقوى على ذلك، ولا يضربها الضرر البين، وتسمية الدواب شكل من أشكال العرب، وعادة من عاداتها، وكذلك تسمية السلاح وأداة الحرب، كان سيفه صلى اللَّه عليه وسلم يسمى ذا الفقار، ورايته العقاب، ودرعه ذات الفضول، وبغلته دلدل، وبعض أفراسه السكب، وبعضها البحر. (معالم السنن) . وعفير: تصغير أعفر، تصغير الترخيم، وقيل: سمى به تشبيها في عدوه بالعفور وهو الظبي، وقيل: الخشف. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 72- 73، كتاب الجهاد والسير، باب (46) اسم الفرس والحمار، حديث رقم (2856) ، ثم أخرجه البخاري برقم (5967) ، (6762) ، (6500) ، (7373) ولم يذكر فيهم اسم «عفير» ، وذكره في الحديث الأول رقم (2856) ، (مسلم بشرح النووي) : 1/ 345، كتاب الإيمان، باب (10) الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، حديث رقم (49) ، وصرح فيه باسم «عفير» . قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، رحمه اللَّه: وهو الحمار الّذي كان له صلى اللَّه عليه وسلم، قيل: أنه مات في حجة الوداع. (مسلم بشرح النووي) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 كيسان الأعور، عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بخيبر على حمار عليه إكاف [ (1) ] . وله من حديث عبد بن حميد، حدثنا جعفر بن عون، أخبرنا مسلم الأعور، عن أنس قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم، يوم خيبر، ويوم النضير على حمار عليه إكاف مخطوم بحبل من ليف [ (1) ] . وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث مسلم الأعور، عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويركب الحمار، ويجيب دعوة العبد، وكان يوم بنى قريظة على حمار مخطوم [ (2) ] بحبل من ليف، عليه إكاف [ (3) ] ليف [ (4) ] . وقد روى الواقدي وغيره من طرق: أن المقوقس أهدى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيما أهداه حمارا يقال له عفير، وفي رواية الكلبي والهيثم بن عدي: وأهدى إليه المقوقس أيضا حمارا يقال له يعفور، وقال ابن الكلبي: عفير من هدية فروة بن عمرو الجذامي صاحب البلقاء.   [ (1) ] (أخلاق النبي) : 62، (المستدرك) : 2/ 506، كتاب التفسير، باب (50) تفسير سورة ق، حديث رقم (3734) ، وقال فيه: «وتحته إكاف من ليف» ، قال الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] مخطوم: أي له زمام، من حبل من ليف. [ (3) ] الإكاف هو ما يوضع على الدابة للركوب عليه يشبه الرّحل، فالإكاف للحمار، كالسرج لفرس. [ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 272- 273، باب (48) ، ما جاء في تواضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (333) ، (ضعيف سنن الترمذي) : 115، باب (31) تواضع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (171) ، قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث مسلم عن أنس، ومسلم الأعور يضعف، وهو مسلم بن كيسان الملائى، (ضعيف سنن ابن ماجة) : 343، باب (16) ، البراءة من الكبر والتواضع، حديث رقم (915) ، وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) : 8/ 131، والبيهقي في (الدلائل) : 1/ 330. ويؤخذ من الحديث أن ركوب الحمار ممن له منصب شريف لا يخل بمروءته. (المواهب اللدنية على الشمائل المحمدية) : 255. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 وقال الواقدي: كان يعفور من هدية فروة بن عمرو الجذامي، وعفير من هدية المقوقس، قال: وحماره يعفور نفق منصرفه في حجة الوداع [ (1) ] . قلت: والجمهور على أن عفير بعين مهملة، وقال القاضي عياض: بغين معجمة. قال الشيخ محيي الدين يحيى النواوى: واتفقوا على تغليظه في ذلك [ (2) ] . وأغرب ما في ذكر عفير هذا، ما ذكره أبو محمد بن أبى حاتم من طريق منكر مردود، ولا يشك أهل العلم بهذا الشأن أنه موضوع، فيه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أصاب بخيبر أربعة أزواج أخفاف، وعشر أواقي ذهب، وحمارا أسود، فقال ما اسمك؟ فكلمه الحمار! [وقال: اسمى] [ (3) ] يزيد بن شهاب، أخرج اللَّه من نسل جدي ستين حمارا، كلهم لم يركبهم إلا نبي، وقد كنت أتوقعك أن تركبني، وكنت ملك رجل يهودي، وكنت أتعثر به عمدا، وكان يجيع بطني، ويضرب ظهري، قال: فأنت يعفور، يا يعفور! قال: لبيك، [قال:] [ (3) ] أتشتهى الإناث؟ قال: لا، فكان يركبه، فإذا نزل عنه بعثه إلى باب الرجل فيقرعه برأسه، [فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] فلما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جاء إلى بئر كانت لأبى الهيثم بن التيهان فتردّى فيها فصارت قبره [جزعا منه على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] . وقد أنكر ابن حبان هذا الحديث، وقال ابن الجوزي: لعن اللَّه من وضع   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 491، 492 (الوافي) : 1/ 90، (زاد المعاد) : 1/ 134. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 1/ 345. [ (3) ] زيادة للسياق والبيان. [ (4) ] زيادة للسياق من (الموضوعات لابن الجوزي) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 هذا الحديث على أنه قد أودعه كثير من المصنّفين كتبهم [ (1) ] ، وقال شيخنا العماد بن كثير: هذا شيء باطل لا أصل له من طريق صحيحة أو ضعيفة. وقد ذكره أبو إسحاق الأسفراييني، وإمام الحرمين، حتى ذكره القاضي عياض في كتابه (الشفا) [ (2) ] . وذكره أبو القاسم السهيليّ في (روضه) [ (3) ] وقال: الأولى ترك ذكره لأنه موضوع. سألت شيخنا أبا الحجاج- يعنى المزني- عنه فقال: ليس له أصل وهو ضحكة، وقال الذهبي: يروى بإسناد مجهول عن مجهول، يقال له: أبو منظور، كتبه للفرجة لا للحجة، ويقال: كان ثلاثة حمير، ويقال: اثنان.   [ (1) ] (الموضوعات لابن الجوزي) : 1/ 293- 294، باب تكليم حماره يعفور له، وقال: هذا حديث موضوع لعن اللَّه واضعه، فإنه لم يقصد إلا القدح في الإسلام، والاستهزاء به. قال أبو حاتم بن حبان: لا أصل لهذا الحديث، وإسناده ليس بشيء، ولا يجوز الاحتجاج بمحمد بن مزيد. [ (2) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 207. [ (3) ] (الروض الأنف) : 2/ 93. وبعد ما قاله النقاد في هذا الحديث، نجد صاحب كتاب (المصباح المضيء) : 1/ 262، يقول عفا اللَّه عنه: وهذا علم من أعلام نبوته صلى اللَّه عليه وسلم، فليتني كنت شعرة في جلد هذا الحمار، الّذي كان في كل وقت يلامس جلده جلد سيد البشر صلى اللَّه عليه وسلم ويسمع له، ويطيعه، ويخاطبه، ويفهم عنه، وناهيك بها معجزة من بعض معجزاته صلى اللَّه عليه وسلم. ثم سأل سؤالا فقال: ما الحكمة في قوله صلى اللَّه عليه وسلم: يا يعفور، تشتهي الإناث؟ فقال: لا، وتردّيه في البئر يوم قبض صلى اللَّه عليه وسلم، وكان له صلى اللَّه عليه وسلم دواب غيره، لم يفعل ذلك واحد منهم، بل الدلدل وهي بغلته البيضاء بقيت إلى خلافة معاوية، وكرّ بها عليّ رضى اللَّه عنه في صفين؟ ثم أجاب عن ذلك بقوله: والحكمة فيه- واللَّه أعلم- أن يعفور قال: أخرج اللَّه من نسل جدي ستين حمارا، لم يركبهم إلا نبي، ثم قال: ولم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، وتردّى في البئر، ولم يشته الإناث حتى لا يبقى له نسل، فإنه آخرهم، كما أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم آخر الأنبياء كما قال، لئلا يركبه أحد بعده إذ هو مركوب الأنبياء، وأيضا جزعا عليه وتحزنا، ويحق له أن يجزع ويحزن عليه صلى اللَّه عليه وسلم، وهذا ما بلغ إليه علمي من رسله صلى اللَّه عليه وسلم. (المصباح المضيء) : 1/ 261- 263 مختصرا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 فصل في ذكر ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج البخاري في آخر كتاب الكفالة، في باب: جوار أبى بكر رضى اللَّه عنه في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعقده [ (1) ] ، وفي كتاب الهجرة من حديث عقيل، قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لم أعقل أبويّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فذكر الحديث حتى قال: فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبى بكر رضى اللَّه عنه في نحر الظهيرة، قال قائل لأبى بكر: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متقنّعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: فداء له أبى وأمى، واللَّه ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، قالت: فجاء فاستأذن، فأذن له، فقال لأبى بكر: أخرج من عندك، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فإنه قد أذن لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحابة، بأبي أنت يا رسول اللَّه، فقال: نعم، قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول اللَّه إحدى راحلتي هاتين، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بالثمن، قالت عائشة فجهزناها. وذكر حديث الهجرة بطوله [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 599- 600، كتاب الكفالة، باب (4) جوار أبى بكر في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعقده، حديث رقم (2297) . [ (2) ] هذا الحديث مبثوث في (صحيح البخاري) بسياقات ومن طرق مختلفة، في: فضائل أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، باب هجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة. وفي المساجد، باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس، وفي البيوع، باب إذا اشترى متاعا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض الثمن، وفي الإجارة، باب استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام، وباب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام. أو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 وخرّج البخاري من حديث زهير، أخبرنا حميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم ناقة، ومن حديث أبى خالد الأحمر، عند حميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كانت ناقة [لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تسمى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابى على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سبقت العضباء! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن حقا على اللَّه أن لا يرفع شيء من الدنيا إلا وضعه. ذكره في الرقاق [ (1) ] . وذكره في الجهاد من حديث أبى إسحاق عن حميد قال: سمعت أنسا رضى اللَّه عنه قال: كانت ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقال لها العضباء. ومن حديث زهير، عن حميد عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم ناقة تسمى العضباء لا تسبق. قال حميد: أو لا تكاد تسبق، فجاء أعرابى على قعود [ (2) ] فسبقها، فشق [ذلك] على المسلمين حتى عرفه، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: حق   [ () ] بعد شهر، أو بعد سنة جاز، وفي الكفالة، باب جوار أبى بكر في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعقده، وفي المغازي، باب غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، وفي اللباس، باب التصنع. [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 414، كتاب الرقاق، باب (38) التواضع، حديث رقم (6501) ، وما بين الحاصرتين من قوله: لرسول اللَّه ... سقط في (خ) واستدركناه من (ج) . وفي الحديث إشارة إلى الحث على عدم الترفع، والحث على التواضع، والإعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة. قال ابن بطال: فيه هوان الدنيا على اللَّه، والتنبيه على ترك المباهاة، والمفاخرة، وأن كل شيء هان على اللَّه فهو في محل الضعة، فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيه، ويقل منافسته في طلبه. وقال الطبري: في التواضع مصلحة الدين والدنيا، فإن الناس لو استعملوه في الدنيا لزالت بينهم الشحناء، ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة. قال الحافظ ابن حجر: وفيه أيضا حسن خلق النبي صلى اللَّه عليه وسلم، تواضعه، لكونه رضى أن أعرابيا يسابقه. [ (2) ] القعود، بفتح القاف: ما استحق الركوب من الإبل، وقال الخليل: القعودة من الإبل ما يقعده الراعي لحمل متاعه، والهاء فيه للمبالغة. (فتح الباري) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 على اللَّه أن لا يرفع شيء من الدنيا إلا وضعه. طوّله موسى عن حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه [ (1) ] . [عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] . وخرجه الدار قطنى من حديث معن بن عيسى، حدثنا مالك عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: كانت ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القصواء لا تدفع في سباق إلا سبقت، قال سعيد بن المسيب: فجاء رجل فسابقها فسبقها، فوجد الناس من ذلك أن سبقت ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وبلغ ذلك النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن الناس لم يرفعوا شيئا في الدنيا إلا وضعه اللَّه عزّ وجلّ [ (3) ] . وفي لفظ: كانت العضباء لا تسبق، فجاء أعرابى على بكر فسابق فسبقها، فشق ذلك على المسلمين فقالوا: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم! سبقت العضباء، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إنه حق على اللَّه أن لا يرفع شيئا من الأرض إلا وضعه [ (4) ] . ومن حديث عبد اللَّه بن مسلمة، عن مالك عن ابن شهاب، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن العضباء ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت لا تسبق كلما دفعت في سباق، فدفعت يوما في إبل فسبقت، فكانت على المسلمين كآبة أن سبقت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن الناس إذا رفعوا شيئا، أو   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 91، كتاب الجهاد والسير، باب (59) ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2871) ، (2872) . [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . قوله: «باب ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم» ، كذا أفرد الناقة في الترجمة، إشارة إلى أن العضباء والقصواء واحدة. [ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 302، كتاب السبق بين الخيل، حديث رقم (12) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (14) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 أرادوا رفع شيء وضعه اللَّه [ (1) ] . ومن حديث بقية قال: حدثني شعبة قال: حدثني حميد الطويل عن أنس رضى اللَّه عنه قال: سابق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعرابىّ فسبقه، فكان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجدوا في أنفسهم من ذلك، فقيل له في ذلك فقال: حق على اللَّه أن لا يرفع شيئا [نفسه] في الدنيا إلا وضعه [ (2) ] . وخرجه ابن حيّان من حديث هشام عن عروة قال: أخبرنا أبى قال: لما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بدر خلف عثمان على ابنته وكانت مريضة، وخلف أسامة بن زيد رضى اللَّه عنهم، فبينا هم إذ سمعوا ضجة التكبير، فجاء زيد بن حارثة على ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الجدعاء وهو يقول: قتل فلان، وأسر فلان [ (3) ] . وقال الواقدي: قدم زيد بن حارثة رضى اللَّه عنه على ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم القصواء، يبشر أهل المدينة فذكره [ (4) ] . وحدثني إسحاق بن حازم، عن عبد اللَّه بن مقسم، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: لقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد- يعنى مرجعه من بدر- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على راحلته القصواء، فأجلسه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بين يديه وسهيل بن عمرو مجنوب ويداه إلى عنقه، فلما نظر أسامة إلى سهيل قال: يا رسول اللَّه! أبو يزيد؟ قال: نعم، هذا الّذي كان يطعم بمكة الخبز [ (5) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (15) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (16) . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 115. [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 155. [ (5) ] (المرجع السابق) : 1/ 118. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 قال الواقدي: ولما بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة، أقبلت امرأة أبى ذر رضى اللَّه عنه، على ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأخبرته من أخبار الناس ثم قالت: يا رسول اللَّه، إني نذرت إن نجاني اللَّه عليها أن أنحرها، فآكل من كبدها وسنامها، فتبسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال: بئس ما جزيتيها! أن حملك اللَّه عز وجل عليها ونجاك، ثم تنحرينها، إنه لا نذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا تملكين، إنما هي ناقة من إبلي، فارجعى إلى إبلك على بركة اللَّه [ (1) ] . وخرّج مسلم هذا الحديث بمعناه، وفيه قصة من عدة طرق، تدور على أبى قلابة عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه، وفيها: وأصيبت امرأة من الأنصار، أصيبت العضباء، فذكره [ (1) ] . وخرّجه أبو داود من طريق أبى قلابة أيضا وفيه: أن المرأة المأسورة امرأة أبى ذر [ (2) ] . وخرّجه الدار قطنى من حديث سليمان، حدثنا عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنه قال: جاءت امرأة أبى ذرّ على راحلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القصواء حين أغير على لقاحه حتى بلغت [ (3) ] عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت: إني نذرت إن نجاني اللَّه عليها لآكلن من كبدها وسنامها، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لبئس ما جزيتها، ليس [ (4) ] هذا   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 108- 110، كتاب النذر، باب (3) لا وفاء لنذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك العبد، حديث رقم (1641) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 609- 612، كتاب الأيمان والنذور، باب (28) النذر فيما لا يملك، حديث رقم (3316) . [ (3) ] كذا في (الأصلين) ، وفي (سنن الدار قطنى) : «زناخت» . [ (4) ] في (الأصلين) : «لبئس» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 نذر، إنما النذر ما ابتغى به وجه اللَّه [ (1) ] . وخرّج من حديث موسى بن عقبة عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء. وقيل إن العضباء لم تأكل بعد وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم تشرب حتى ماتت. قلت: إن علماء الآثار اختلفوا في ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، هل هي واحدة لها ثلاثة أسماء؟ أو كان له صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث نياق؟ قال الواقدي: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ناقته القصواء من نعم بنى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر، ويقال: من نعم بنى الحريش بن كعب، ابتاعها أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه بأربعمائة درهم، فأخذها النبي صلى اللَّه عليه وسلم منه بذلك الثمن، والثبت: أنه وهبها له فقبلها وتاجر عليها، فلم تزل عنده حتى ماتت، ويقال: ماتت في خلافة أبى بكر رضى اللَّه عنه، وكانت [تضمّر] بالنقيع، ويقال: بنقيع الخيل، وهي تسمى أيضا: الجدعاء والعضباء. وحدثني ابن أبى ذؤيب عن يحيى بن نفيل، عن سعيد بن المسيب قال: كان اسمها العضباء، وكان في طرف أذنها جدع [ (2) ] . قال: حدثني معمر عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: ما العضب   [ (1) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 162- 163 النذور، حديث رقم (12) . [ (2) ] العضباء: اسم ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، اسم، لها، علم، وليس من العضب الّذي هو الشق في الأذن، إنما هو اسم لها سميت به، وقال الجوهري: هو لقبها، قال ابن الأثير: لم تكن مشقوقة الأذن، والأول أكثر، وقال الزمخشريّ: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء، وهي القصيرة اليد (لسان العرب) : 1/ 609. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 في الأذن؟ قال: قطع النصف فصاعدا. قال الواقدي وغيره: القصواء، التي في أذنها قطع يسير، والعضباء، مثلها، والجدعاء، التي قطع نصفها، فهذا كما ترى، تصريح من الراويّ، أنها ناقة واحدة، لها ثلاثة أسماء، وهو أيضا، قول محمد بن إبراهيم التيمي، فقد روى عنه قال: القصواء ابتاعها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بأربعمائة درهم، وهي التي هاجر عليها. قال: وإنما كانت له صلى اللَّه عليه وسلم ناقة واحدة موصوفة بالصفات الثلاث، وإليه ذهب الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي [حيث قال:] [ (1) ] واعلم أن القصواء هي العضباء وهي الجدعاء. وقال سعيد بن المسيب: كان في طرف أذنها جدع، والجدعاء: التي استؤصلت أذنها، والمقصوة: التي قطع بعض أذنها. أخبرنا شيخنا ابن ناصر عن ثعلب أنه قال: هذه أسماء لناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولم تكن جدعاء، ولا مقصوة. قال أبو الزاهرية حدير بن كريب الحمصي: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث أنيق: الجدعاء، والقصواء، والعضباء، واختار هذا جماعة وقالوا: العضباء ابتاعها أبو بكر رضى اللَّه تعالى عنه من نعم بنى الحريش، والقصواء التي هاجر عليها إلى المدينة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكانت إذ ذاك رباعية، وكانت لا تحمله صلى اللَّه عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي. والجدعاء هي التي سبقت فشق على المسلمين، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: إن حقا على اللَّه ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] سبق تخريجه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 وخرّج الدار قطنى من حديث حماد بن زيد، عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه قال: كانت العضباء لرجل من بنى عقيل أسر، فأخذت العضباء معه، فأتى عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهو على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد على ما تأخذونى وتأخذون العضباء وأنا مسلم؟ فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لو قلتها وأنت تلمك أمرك أفلحت كل الفلاح، ومضى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا محمد! إني جائع فأطعمنى، وإني ظمآن فأسقنى، فقال: هذه حاجتك، ففودى برجلين، وحبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم العضباء لرحله، وكانت من سوابق الحاج، فأغار المشركون على سرح المدينة، وأسروا امرأة من المسلمين، قال: وكان المشركون يريحون إبلهم بأفنيتهم، فلما كان الليل نوموا، وعهدت المرأة إلى الإبل، فما كانت تأتى على ناقة منها إلا رغت، حتى أتت على العضباء، فأتت على ناقة ذلول فركبتها حتى أتت المدينة، ونذرت إن اللَّه نجاها لتنحرنها، فلما أتت المدينة عرف الناس الناقة وقالوا: العضباء ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: وأتى بها النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأخبر بنذرها، فقال: بئس ما جزتها، أو جزيتيها، لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم [ (1) ] . وخرّج مسلم من حديث إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب عن أبى قلابة، عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه قال: كانت ثقيف حلفا لبني عقيل، فأسرت بالحلف رجلين من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجلا من بنى عقيل، وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في الوثاق فقال: يا محمد! فأتاه فقال:: ما شأنك؟ فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقه الحاج؟ فقال:   [ (1) ] سبق تخريجه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 إعطاء ما لذلك، أخذتك بجريرة أحمائك بثقيف، ثم انصرف عنه، فناداه فقال: يا محمد! يا محمد! - وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رفيقا رحيما- فرجع إليه فقال: ما شأنك؟ فقال: إني مسلم، قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح، ثم انصرف، فناداه: يا محمد! يا محمد! فأتاه فقال: ما شأنك؟ قال: إني جائع فأطعمنى، وظمآن فأسقنى، قال: هذه حاجتك [ففودى الرجل بعد] [ (1) ] بالرجلين [ (2) ] . [وفي رواية] [ (3) ] : وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء، فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق، فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتبركه، حتى تنهى إلى العضباء فلم ترغ- وقال وناقة منوقة- فقعدت على عجزها ثم زجرتها فانطلقت، وندروا بها فطلبوها فأعجزتهم، قال: ونذرت للَّه إن نجّاها اللَّه عليها لتنحرنّها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا: العضباء ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقالت: إنها نذرت إن نجّاها اللَّه عز وجلّ عليها لتنحرنّها، فأتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: سبحان اللَّه! بئس ما جزتها، نذرت للَّه إن نجّاها اللَّه عليها لتنحرنّها؟ لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 609- 612، كتاب الأيمان والنذور، باب (28) في النذر فيما لا يملك، حديث رقم (3316) ، وهو جزء من حديث طويل ذكره أبو داود بطوله. بنحو حديث مسلم، وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 115، كتاب السير، باب (18) ما جاء في قتل الأسارى والفداء، حديث رقم (1568) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح ... والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وغيرهم، أن للإمام أن يمنّ على من شاء من الأسارى ويقتل من شاء منهم، ويفدى من شاء. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] سبق تخريجه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 وفي رواية على بن مجبر السعدي عن إسماعيل بن إبراهيم: لا وفاء في معصية اللَّه. [وخرجه] من طريق حماد بن زيد، وعبد الوهاب الثقفي كلاهما عن أيوب بهذا الإسناد نحوه [ (1) ] . ومن حديث حماد بن زيد: وكانت العضباء لرجل من بنى عقيل، وكانت من سوابق الحاج. ومن حديثه أيضا: كانت على ناقة ذلول ممرّسة. ومن حديث عبد الوهاب الثقفي: وهي ناقة مدربة [ (1) ] . وخرج أبو داود من حديث حماد بن زيد وإسماعيل بن عليّة، عن أيوب بهذا الإسناد وقال في آخره: قال: فركبتها، ثم جعلت للَّه عليها إن نجّاها اللَّه لتنحرنّها، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم بذلك، فأرسل إليها، فجيء بها، وأخبر بنذرها فقال: بئس ما جزتها أو جزيتيها، إن اللَّه أنجاها عليها لتنحرنّها، لا وفاء لنذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك ابن آدم. [قال] أبو داود: إن المرأة المأسورة امرأة أبى ذرّ رضى اللَّه عنه [ (2) ] . [وخرج] الترمذي من [حديث] سفيان، عن الربيع بن صبيح، عن يزيد ابن أبان، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: حجّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على رحل رثّ، وعليه قطيفة لا تساوى أربعة دراهم فقال: اللَّهمّ اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 108، كتاب النذر، باب (3) لا وفاء لنذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك العبد، آخر أحاديث الباب بدون رقم. [ (2) ] سبق تخريجه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 [فصل في ذكر من كان يأخذ بزمام راحلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [قال] الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن أبى صعصعة، عن الحارث بن عبد اللَّه بن كعب، عن أم عمارة قالت: شهدت عمرة القضية مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكنت قد شهدت الحديبيّة، فكأني انظر إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين انتهى إلى البيت وهو على راحلته، وابن رواحة آخذ بزمام راحلته، وقد صفّ له المسلمون حين دنا من الركن حتى انتهى إليه، فاستلم الركن بمحجنه مضطبعا [ (1) ] بثوبه على راحلته، والمسلمون يطوفون معه، وقد اضطبعوا بثيابهم، وعبد اللَّه بن رواحة يقول: خلّوا بنى الكفار عن سبيله ... إني شهدت أنه رسوله حقا وكل الخير في سبيله ... نحن [قتلناكم] [ (2) ] على تأويله [كما ضربناكم على تنزيله] [ (3) ] ... ضربا يزيل الهام [ (4) ] عن [مقيله] [ (5) ] ويذهل الخليل عن خليله فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه: يا ابن رواحة! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:   [ (1) ] الاضطباع: هو أن يأخذ الإزار أو البرد فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن، ويلقى طرفيه على كتفه الأيسر. (النهاية) . [ (2) ] في (خ) : «حملناكم» . [ (3) ] هذا الصدر من (المغازي) . [ (4) ] الهام: جمع هامة، وهو الرأس. [ (5) ] المقيل: مستعار من موضع القائلة، ويريد الأعناق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 يا عمر إني أسمع، فأسكت عمر رضى اللَّه عنه [ (1) ] . وقال في فتح مكة: فلما انتهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الكعبة، فرآها ومعه المسلمون، تقدم على راحلته، فاستلم الركن. بمحجنه [و] [ (2) ] كبرّ، فكبّر المسلمون لتكبيره، فرجّعوا التكبير حتى ارتجّت مكة تكبيرا، حتى جعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليشير إليهم أن اسكتوا، والمشركون فوق الجبال ينظرون، ثم طاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبيت، [على راحلته آخذ] [ (2) ] بزمامها [محمد بن مسلمة] [ (2) ] وحول البيت ثلاثمائة صنم وستون صنما مرصّصة بالرّصاص، وكان هبل أعظمها، وهو وجاه الكعبة على بابها، وإساف ونائلة حيث ينحرون ويذبحون الذبائح، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كلما مرّ بصنم منهم يشير بقضيب في يده ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (3) ] فيقع الصنم لوجهه [ (4) ] . [قال: حدثني] ابن أبى سيرة، عن حسين بن عبد اللَّه عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: ما يزيد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [على] أن يشير بالقضيب إلى الصنم فيقع لوجهه، فطاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبعا على راحلته يستلم الركن الأسود بمحجنه في كل طواف، فلما فرغ من سعيه نزل عن راحلته، وجاء معمر بن عبد اللَّه بن نضلة فأخرج راحلته [ (5) ] . ولما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببعض الطريق مرجعه من تبوك، مكر به أناس من   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 735- 736. [ (2) ] زيادة للسياق من (المغازي) . [ (3) ] الإسراء: 81. [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 831- 832. [ (5) ] (المرجع السابق) : 2/ 832. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 المنافقين، وأتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغ عليه السلام تلك العقبة، أرادوا أن يسلكوها معه، فأخبر خبرهم، فقال للناس: اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي، وسلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العقبة، وأمر عمّار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان [أن] يسوق من خلفه، فبينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسير في العقبة، إذ سمع حسّ القوم قد غشوه، فغضب صلى اللَّه عليه وسلم، وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم [وقد رأوا غضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، وظنّ القوم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد أطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فساق به، فلما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من العقبة ونزل الناس فقال: يا حذيفة! هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول اللَّه، عرفت راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثّمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل، وكانوا قد أنفروا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فسقط بعض متاع رحله، فكان حمزة بن عمرو الأسلمي يقول: فنوّر لي في أصابعى الخمس [فأضاءت، حتى كفى لجمع] [ (2) ] ما سقط [من] السوط والحبل وأشباههما، حتى ما بقي من المتاع شيء إلا جمعناه، وكان [لحق بالنبيّ] [ (3) ] صلى اللَّه عليه وسلم في العقبة. وروى أبو داود عن أم الحسين الأحسنية قالت: حججت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة بن زيد وبلال، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي   [ (1) ] زيادة للسياق من (المغازي) . [ (2) ] في (المغازي) : «فأضئن حتى كنا نجمع» . [ (3) ] في (المغازي) : «لحق النبيّ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 صلى اللَّه عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ حتى رمى جمرة العقبة [ (1) ] . وذكر أبو عمر يوسف بن عبد البر أن الأسلع بن شريك الأعرجي التميمي خادم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان صاحب راحلته [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 416- 417، كتاب [مناسك الحج] ، باب (35) ، في المحرم يظلّل، حديث رقم (1834) ، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الحج، باب (51) استحباب رمى جمرة العقبة يوم النحر ركبا، وبيان قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «لتأخذوا مناسككم» ، حديث رقم (311) ، (312) بسياقة أتم من سياقة أبى داود، ومن سياقة النسائي في (السنن) : كتاب المناسك، باب (220) الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم، حديث رقم (3060) . وفي هذا الحديث من الفقه: جواز تسميتها حجة الوداع. وفيه جواز الرمي ركبا. وفيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره. وعن ابن عمر رضى اللَّه عنه أنه أبصر رجلا على بعيره وهو محرم، قد استظل بينه وبين الشمس فقال: أصح لمن أحرمت له. رواه البيهقي بإسناد صحيح. وعن جابر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما من محرم يضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه. رواه البيهقي وضعّفه، واحتج الجمهور بحديث أم الحصين هذا المذكور في مسلم، ولأنه لا يسمى لبسا، وأما حديث جابر فضعيف كما ذكرنا، مع أنه ليس فيه نهى، وكذا فعل عمر رضى اللَّه عنه، وقول ابن عمر ليس فيه نهى، ولو كان، فحديث أم الحصين مقدم عليه. (شرح النووي على صحيح مسلم) : 10/ 51- 52 مختصرا. ولمزيد بيان في هذا الموضوع: راجع (معالم السنن للخطّابى) شرح على (سنن أبى داود) : 2/ 416- 417. [ (2) ] ترجمته في: (الاستيعاب) : 1/ 139، ترجمة رقم (148) (الإصابة) : 1/ 58- 60، ترجمة رقم (122) ، (123) ، (عيون الأثر) : 2/ 311 ذكر خدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال ابن سيد الناس: أسلع بن شريك صاحب راحلته صلى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 فصل في ذكر إبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قيل: كانت له صلى اللَّه عليه وسلم اثنتا عشر لقحة، وقيل أربع عشرة لقحة. قال الواقدي: حدثني بكر بن الهيثم عن محمد بن يوسف عن سفيان الثوري عن سلمة بن نبيط، عن أبيه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حجته بعرفة على جمل أحمر. ولابن حيّان من حديث حماد بن سلمة عن على بن زيد عن أبى المليح، عن روح بن عائذ، عن أبى العوام عن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه قال: كنت رديف النبي صلى اللَّه عليه وسلم على جمل أحمر. قال الواقدي: وكانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشر لقائح، أهدى إليه ثلاثا منهن سعد بن عبادة من نعم بنى عقيل، فكن يرعين بالحفياء، وكان السبع يرعين بذي الخبر. ويقال: إن سعدا أهدى إحدى الثلاث، وأنه اتباع الاثنين بالمدينة، وكانت التي أهداها سعد تدعى مهرة، وكانت من نعم بنى عقيل، وكانت الاثنتان تدعيان الرناء والشقراء، فكان الثلاث يحلبن ويسرح إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بألبانهن كل ليلة، وكن غرارا [ (1) ] .   [ (1) ] وقال ابن القيم في (زاد المعاد) : 1/ 134، فصل في دوابه صلى اللَّه عليه وسلم: ومن الإبل القصواء، قيل: هي التي هاجر عليها، والعضباء، والجدعاء، ولم يكن بهما عضب ولا جدع، وإنما سميتا بذلك، وقيل: كان بأذنها عضب، فسميت به، وهل العضباء والجدعاء واحدة أو اثنتان؟ فيه خلاف. والعضباء هي التي كانت لا تسبق، ثم جاء أعرابىّ على قعود فسبها، فشق ذلك على المسلمين، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن حقا على اللَّه ألا يرفع من الدنيا شيئا إلا وضعه. [سبق تخرج هذا الحديث وشرحه وبيان ما فيه من الفوائد] . وغنم صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر جملا مهريا لأبى جهل في أنفه برة من فضة، فأهداه يوم الحديبيّة ليغيظ به المشركين. أخرجه أحمد في (المسند) : 1/ 431، حديث رقم (2358) ، وأبو داود في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 وقال محمد بن سعد عن الواقدي: عن هارون بن محمد بن سالم مولى حويطب بن عبد العزّى، عن أبيه نبهان مولى أم سلمة، عن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: كان عيشنا- أو أكثر عيشنا- مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اللبن، كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لقاح بالغابة، وكان قد فرّقها على نسائه، فكانت لي لقحة يقال لها: العريس، فكنا نشرب منها فيما شئنا من اللبن، وكانت لعائشة رضى اللَّه عنها لقحة تدعى السّمراء [غزيرة] [ (1) ] . وللواقدي عن معاوية بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع عن أبيه قال: كان يراح على أهل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كل ليلة بقربتين عظيمتين من اللبن، وكانت في لقاحه عدة غزر: الحناء، والسمراء، والسعدية، والبغوم، واليسيرة. وقال بعض المدنيين: وهب البغوم لسودة [ (2) ] . وللواقدي عن موسى بن عبيدة، عن ثابت عن أم سلمة قالت: أهدى الضحاك الكلابيّ للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم لقحة تدعى بردة، لم أر من الإبل شيئا كان أحسن منها ولا أغزر، وكانت تحلب ما تحلب لقحتان، فربما خلبت لأضياف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غبوقا وصبوحا، [وكانت] صفىّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من غنيمة [سرية] عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه بفدك، في شعبان سنة   [ () ] (السنن) : 2/ 360- 361- كتاب المناسك، باب (13) في الهدى، حديث رقم (1749) ، وابن ماجة في (السنن) : 2/ 1027، كتاب المناسك، باب (74) حجة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3076) . وفيه من الفقه: أن الذكران في الهدى جائزة، وفيه دليل على جواز استعمال اليسير من الفضة في لجم المراكب من الخيل وغيرها، والبرّة: حلقة تجعل في أنف البعير. قوله: ليغيظ بذلك المشركين» ، معناه أن هذا الجمل كان معروفا لأبى جهل، فحازه النبي صلى اللَّه عليه وسلم في سلبه، فكان يغيظهم أن يروه في يده، وصاحبه قتيل سليب. (معالم السنن) . [ (1) ] (طبقات ابن سعد) 1/ 494، ذكر لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] (الوافي) : 1/ 10، ذكر دوابّه صلى اللَّه عليه وسلم، (عيون الأثر) : 2/ 322. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 ست، لقوح تدعى الحفدة [السريعة] [ (1) ] فقدم بها على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وعن ابن أبى سبرة، عن سلم بن يسار، عن وجيهة مولاة أم سلمة قالت: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنز سبع، فكان الراعي يبلغ بهن مرة الجماء، ومرة أحدا، وتروح علينا، وكانت لقاحه بذي الجدر، فتأتينا ألبانها بالليل، ونكون بالغابة فتأتينا ألبانها بالليل، وكان أكثر عيشنا اللبن من الإبل والغنم. قال: وحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه، حدثني يحيى بن عبد اللَّه بن أبى قتادة، وعلى بن يزيد وغيرهم، فكل قد حدثني بطائفة قالوا: كانت لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشرين لقحة، وكان من شيء منها ما أصاب في ذات الرقاع، ومنها ما قدم به محمد بن مسلمة من نجد، وكانت ترعى البيضاء [ (2) ] ودون البيضاء [ (2) ] ، فأجدب ما هنالك فقربوها إلى الغابة تصيب من أثلها وطرقاتها، وتغدو في السحر، فكان الراعي يؤوب بلبنها كل ليلة عند المغرب، وكان أبو ذرّ رضى اللَّه عنه قد استأذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى لقاحه فقال: إني أخاف عليك من هذه الضاحية أن تغير عليك، ونحن لا نأمن عيينة بن حصن ودونه هي في طرف من أطرافهم، فألحّ عليه، فقال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ائذن لي، فلما ألحّ عليه قال: لكأنّي بك قد قتل أباك، وأخذت إبلك امرأتك، وجئت تتوكأ على عصاك، فكان أبو ذر يقول: عجبا لي إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: لكأنّي بك، وأنا ألحّ عليه، فكان واللَّه على ما قال. وكان المقداد بن عمر يقول: لما كانت ليلة السرح جعلت فرسي سبحة لا تقر ضربا بيديها وصهيلا، فيقول أبو معبد: واللَّه إن لها شأنا، فننظر   [ (1) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) ، واللقوح: الناقة غزيرة اللبن. [ (2) ] البيضاء: اسم موضع تلقاء حمى الرَّبَذَة. (معجم ما استعجم) : 184. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 آريّها [ (1) ] فإذا [هو مملوء] [ (2) ] علفا، فنقول عطشى، فيعرض الماء عليها فلا [تريده] [ (2) ] فلما طلع الفجر أسرجها ولبس سلاحه وخرج، حتى صلى مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم الصبح فلم ير شيئا، ودخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورجع المقداد إلى بيته وفرسه لا يقر، فوضع سرجه وسلاحه، واضطجع، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، فأتاه آت فقال: إن الخيل قد صبح بها، فكان أبو ذر يقول: إنا لفي منزلنا، ولقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد روّحت وعطنت، وحلبت عتمتها [ (3) ] ونمنا، فلما كان في الليل أحدق بنا عينية في أربعين فارسا، فصاحوا بنا وهم قيام على رءوسنا، فأشرف لهم ابني فقتلوه، وكانت معه امرأته وثلاثة نفر فنجوا، وتنحيت عنهم وشغلهم عنى إطلاق عقل اللقاح، ثم صاحوا في أدبارهم، فكان آخر العهد بها، وجئت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأخبرته وهو يتبسّم [ (4) ] ، [وذكر خروج المسلمين في السلاح، فاستنقذوا عشر لقائح، وأفلت القوم بما بقي وهي عشر، قال: وكان فيها جمل أبى جهل، فكان مما يخلصه المسلمون] [ (5) ] . قال: حدثني قائد مولى عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن على عن جدته سلمى قالت: نظرت إلى لقوح [ (6) ] على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يقال لها: السّمراء، فعرفتها، فدخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: هذه لقحتك السمراء على   [ (1) ] في (الأصلين) : «أمرها» ، وفي (المغازي) «آريّها» وهو ما أثبتناه، وهو حبل تشدّ به الدابة في محبسها. [ (2) ] تكملة للسياق من (المغازي) . [ (3) ] العتمة: ظلمة الليل، وكانت الأعراب يسمون الحلاب باسم الوقت. (النهاية) . [ (4) ] إلى هنا من (مغازي الواقدي) : 538- 539 بالنّص. [ (5) ] ما بين الحاصرتين اختصره المقريزي رحمه اللَّه من سياق غزوة الغابة. [ (6) ] لقوح: ناقة غزيرة اللبن. (النهاية) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 بابك، فخرج [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] مستبشرا وإذا رأسها بيد ابن أخى عيينة، فلما نظر [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] عرفها ثم قال: أيم بك فقال: يا رسول اللَّه أهديت لك هذه اللقحة، فتبسّم [النبي صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] ثم قبضها منه، ثم أقام يوما أو يومين، ثم أمر بثلاثة أواق من فضة، فجعل يتسخط، فقلت: يا رسول اللَّه! أتثيبه على ناقة من إبلك؟ قال [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] نعم، وهو ساخط عليّ، ثم صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الظهر، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: إن الرجل ليهدى لي الناقة من إبلي أعرفها كما أعرف بعض أهلي، ثم أثيبه عليها، فيظل يتسخّط عليّ، ولقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشىّ أو أنصارى. وكان أبو هريرة رضى اللَّه عنه يقول: أو ثقفي أو دوسيّ [ (2) ] . وكان على لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مولاه يسار يرعاها، فلما استاق العرينيون [ (3) ] لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في شوال سنة ست من ذي الجدر [ (4) ] ، وأخذوا يسارا فقطعوا يده ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، وانطلقوا بالسرح، فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في طلبهم، فأخذهم بأجمعهم، ثم صير مكان يسار مولاه أبا أيمن الأسود، فكان يقوم بأمر لقاحه [ (5) ] . قال الواقدي: حدثني ابن أبى سبرة عن مروان بن أبى سعيد بن المعلّى قال: لما ظفر المسلمون باللقاح خلّفوا عليها سلمة بن الأكوع [و] [ (6) ] معه   [ (1) ] زيادة للسياق من (المغازي) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 548- 549. [ (3) ] نسبة إلى عرينة. [ (4) ] الجدر: ناحية قباء على ستة أميال من المدينة (طبقات ابن سعد) : 2/ 93. [ (5) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 568- 571، (طبقات ابن سعد) : 2/ 93. [ (6) ] زيادة للسياق (المغازي) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 أبو رهم الغفاريّ، وكانت اللقاح خمسة عشرة لقحة غزارا، فلما أقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة من الزغابة وجلس في المسجد، إذا اللقاح على باب المسجد [تحان] [ (1) ] ، فخرج فنظر إليها، فتفقّد منها لقحه يقال لها الحناء، فقال: أي سلمة! أين الحناء؟ قال: نحرها القوم ولم ينحروا غيرها، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: انظر مكانا ترعاها فيه، قال: ما كان أكثر [ (2) ] من حيث كانت بذي الجدر، قال: فردّها إلى ذي الجدر فكانت هناك. وكان لبنها يراح به إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كل ليلة وطب [ (3) ] من اللبن [ (4) ] .   [ (1) ] في (المغازي) : «ما كان أمثل» . [ (2) ] الوطب: الوعاء الكبير. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 570- 571. [ (4) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 93. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 فصل في ذكر البدن التي ساقها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الكعبة البيت الحرام اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ساق الهدى مرارا، فأوّل ما حفظ أنه ساق البدن في عمرة الحديبيّة، وذلك أنه لما استنفر أصحابه إلى العمرة، وتهيئوا للخروج، قدم عليه بسر بن سفيان الكعبي في ليال من شوال سنة ست زائرا له، فقال له صلى اللَّه عليه وسلم يا بسر! لا تبرح حتى تخرج معنا، فإنا إن شاء اللَّه معتمرون فأقام، وأمره صلى اللَّه عليه وسلم أن يبتاع له بدنا، فكان بسر يبتاعها ويبعث بها إلى ذي الجدر حتى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، ثم أمر بها إلى ذي الجدر حتى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، ثم أمر بها ناجية بن جندب الأسلمي أن يقدمها إلى ذي الحليفة، واستعمل صلى اللَّه عليه وسلم على هديه ناجية بن جندب هذا. وخرج صلى اللَّه عليه وسلم من المدينة لهلال ذي القعدة، فصلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعي بالبدن فجللت، ثم أشعر بنفسه منها عدة، وهي موجهات إلى القبلة في الشق الأيمن، ثم أمر ناجية بن جندب بإشعار ما بقي، وقلدت نعلا نعلا وهي سبعون بدنة، منها جمل أبى جهل، وقدم ناجية مع الهدى، وكان معه فتيان من أسلم، فقال ناجية: عطب لي بعير من الهدى حين نظرت إلى الأبواء، فجئت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالأبواء فأخبرته فقال: أنحرها، وأصبغ قلائدها في دمها، ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك منها شيئا، وخلّ بين الناس وبينها [ (1) ] . فلما صدّ المشركون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن البيت، نحر هدية بذي الحليفة،   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 572- 573. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 وكان جمل أبى جهل قد غنمه عليه السلام يوم بدر، وكان المسلمون يغدون عليه، وكان قد ضرب في لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي استاق عيينة بن [حصن] ، ولقاحه التي كانت بذي الجدر التي كان ساقها العرينيون [فيها جمل أبى جهل الّذي غنمه يوم بدر] [ (1) ] وكان نجيبا مهريا، قلّده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هديه وأشعره، فلما كانوا بذي الحليفة كان يرعى مع الهدى فشرد قبل القضية، فلم يقف حتى انتهى إلى دار أبى جهل وعرفوه، وخرج في إثره عمرو بن غنم السلمي، فأبى أن يعطيه سفهاء من سفهاء مكة، فقال سهيل بن عمرو: ادفعوه إليه، فأعطوا به مائة ناقة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لولا أنا سميناه في الهدى فعلنا، فنحر الجمل عن سبعة، أحدهم أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما. وساق ناجية بن جندب الأسلمي على هديه يسير به أمامه يطلب الرعي في الشجر، ومعه أربعة فتيان من أسلم، ومعهم أبو رهم وأبو هريرة يسوقان الهدى، وقلد صلى اللَّه عليه وسلم هديه بيده، فلما طاف بالبيت وبين الصفا والمروة، وقد وقف الهدى عند المروة، قال صلى اللَّه عليه وسلم: هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر، فنجر عند المروة [ (2) ] . ولما خرج أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه في سنة تسع ليقيم بالناس الحج، وبعث معه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعشرين بدنة قلدها النعال وأشعرها بيده في الجانب الأيمن، واستعمل عليها ناجية بن جندب، وساق صلى اللَّه عليه وسلم في حجة الوداع ستين بدنة وأشعرها في الجانب الأيمن وقلدها النعال وهو بذي الحليفة، ويقال أنه ساق مائة بدنة، أشعر بعضها بيده، وأمر بأن يشعر ما   [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق من (مغازي الواقدي) ، و (طبقات ابن سعد) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 573- 574، (طبقات ابن سعد) : 2/ 95- 96. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 فضل من البدن ناجية بن جندب، واستعمله على الهدى، فساقه إلى المنحر حتى نحر صلى اللَّه عليه وسلم بيده ثلاث وستين بدنة، ثم أعطى رجلا فنحر ما بقي، وكان خالد بن الوليد رضى اللَّه عنه يقدم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بدنه وهي تعتب في العقل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 فصل في ذكر صاحب بدن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه قد تقدم من طريق الواقدي أن صاحب البدن هو ناجية [بن جندب] ، وقد ورد أن ذؤيبا الخزاعي توجه أيضا بالبدن، فأما ناجية فهو ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم بن وائلة بن سهم بن مازن بن سلامان بن أسلم بن أفصى الأسلمي، كان اسمه ذكوان، فسمّاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ناجية حين نجا من قريش، مات في خلافة معاوية رضى اللَّه عنه [ (1) ] . ووقع في موطأ مالك رحمه اللَّه تعالى، من حديث هشام بن عروة، عن أبيه قال: إن صاحب هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: يا رسول اللَّه! كيف أصنع بما عطب من الهدى؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كل بدنة عطبت من الهدى فانحرها، ثم ألق قلائدها في دمها، ثم خلّ بين الناس وبينها يأكلونها. كذا وقع هذا الحديث في الموطأ مرسلا [ (2) ] ، وأسنده جماعة من الحفاظ [ (3) ] رووه   [ (1) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 6/ 399- 401، ترجمة رقم (8648) ، (الاستيعاب) : 4/ 1522- 1523، ترجمة رقم (2650) . [ (2) ] (موطأ مالك) : 262، كتاب الحج، العمل في الهدى إذا عطب أو ضل، حديث رقم (858) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 2/ 368، كتاب مناسك الحج، باب (19) في الهدى إذا عطب قبل أن يبلغ، حديث رقم (1762) ، وفيه: «ثم أصبغ نعله في دمه، ثم خلّ بينه وبين الناس» . قال الخطابي: إنما أمره بأن يصبغ نعله في دمه ليعلم المارّ به أنه هدى فيتجنبه إذا لم يكن محتاجا، ولم يكن مضطرا إلى أكله. وفي قوله: «خلّ بينه وبين الناس» دلالة على أنه لا يحرم على أحد أن يأكل منه إذا احتاج إليه، وإنما حظر على سائقه أن يأكل دونهم. وقال مالك بن أنس: فإن أكل شيئا كان عليه البدل. (معالم السنن) . وأخرجه الترمذي في (السنن) : 3/ 253، كتاب الحج، باب (71) ، ما جاء إذا عطب الهدى ما يصنع به، حدث رقم (910) ، [ثم قال] : وفي الباب عن ذؤيب أبى قبيصة الخزاعي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 عن هشام بن عروة عن ناجية الأسلمي صاحب بدن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، منهم سفيان بن سعيد الثوري، وسفيان بن عيينة، ووهيب بن خالد، خرّجه النسائي وغيره. وروى عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما هذا الحديث وزاد فيه: لا تأكل منها أنت ولا أحد من رفقتك. وهو حديث اختلف فيه عنه، وطائفة روت عنه ما يدل على أن ناجية بن جندب الأسلمي حدثه، وطائفة روت عنه أن دوسا الخزاعىّ حدّثه، وذؤيب هذا ربما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أيضا معه هديا، فسأله ابن عباس رضى اللَّه عنهما كما سأل ناجية، وهو ذؤيب بن حلحلة،   [ () ] قال أبو عيسى: حديث ناجية حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. قالوا في هدى التطوع إذا عطب: لا يأكل هو ولا أحد من أهل رفقته، ويخلى بينه وبين الناس يأكلونه، وقد أجزأ عنه، وهو قول الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وقالوا: إن أكل منه شيئا غرم بقدر ما أكل منه. وقال بعض أهل العلم: إذا أكل من هدى التطوع شيئا، فقد ضمن الّذي أكل. وأخرجه مسلم في كتاب الحج من (الصحيح) ، باب (66) ما يفعل بالهدى إذا عطب بالطريق، حديث رقم (1325) . وفيه فوائد، منها: أنه إذا عطب الهدى وجب ذبحه وتخليته للمساكين، ويحرم الأكل منها عليه، وعلى رفقته الذين معه في الركب، سواء كان الرفيق مخالطا له أو في جملة الناس من غير مخالطة، والسبب في نهيهم قطع الذريعة لئلا يتوصل بعض الناس إلى نحره أو تعييبه قبل أوانه. واختلف العلماء في الأكل من الهدى إذا عطب فنحره، فقال الشافعيّ: إن كان هدى تطوع له أن يفعل فيه ما شاء من بيع وذبح وأكل وإطعام وغير ذلك، وله تركه ولا شيء عليه في ذلك لأنه ملكه. وإن كان هديا منذورا لزمه ذبحه، فإن تركه حتى هلك لزمه ضمانه، كما لو فرّط في حفظ الوديعة حتى تلفت. فإذا ذبحه غمس نعله التي قلده إياها في دمه، وضرب بها صفحه سنامه، وتركه موضعه، ليعلم من مرّ به أنه هدى فيأكله. ولا يجوز للمهدي ولا لسائق هذا الهدى وقائده الأكل منه، ولا يجوز للأغنياء الأكل منه مطلقا، لأن الهدى مستحق للمساكين، فلا يجوز لغيرهم، ويجوز للفقراء من غير أهل هذه الرفقة. وفي المراد بالرفقة وجهان، بسط القول فيهما في (مسلم بشرح النووي) : 9/ 85. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1036، كتاب المناسك، باب (101) في الهدى إذا عطب، حديث رقم (3105) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 ويقال: ذؤيب بن حبيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبد اللَّه بن قمير بن حبيشة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر الخزاعي الكعبيّ، صاحب إبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كان يبعث معه الهدى ويأمره إن عطب منه شيء قبل محله أن ينحره، ويخلّ بين الناس وبينه [ (1) ] . روى سعيد عن قتادة، عن سنان بن سلمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن ذؤيبا أبا قبيصة حدّثه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول: إن عطب منها شيء قبل محله فخشيت عليه موتا فانحرها، ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضرب به صفحتها، ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك [ (2) ] . وقد وقع في هذا الحديث من رواية إسماعيل بن عليّه، حدثنا أبو السياج عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث بثمان عشرة بدنه مع رجل، فأمره فيها بأمره، فانطلق ثم رجع إليه فقال: أرأيت إن عطب منى شيء؟ قال: فانحرها ثم أصبغ نعلها في دمها، ثم اجعلها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك. ورواه حماد بن زيد، حدثنا أبو الساج عن موسى بن سلمة قال: خرجت أنا وسنان بن سلمة، ومعنا بدنتان، فأرجفتا علينا بالطريق، فلما قدمنا مكة، أتينا ابن عباس رضى اللَّه عنهما، فسألناه فقال: [] [ (3) ]   [ (1) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 2/ 464- 465، ترجمة رقم (708) ، (الإصابة) : 2/ 422، ترجمة رقم (2491) . [ (2) ] (المرجع السابق) ، ترجمة رقم (2491) . [ (3) ] بقدر هذا البياض كلمتان لم أجد لهما توجيها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بلالا الأسلمي، وبعث معه بثماني عشرة بدنة، فقال: يا رسول اللَّه! أرأيت إن أرجف عليّ منها شيء بالطريق؟ قال: تنحرها وتصبغ نعلها، أو قال: تغمس نعلها في دمها، فتضرب بها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك. وروى شعبة وسعد بن عروبة عن قتادة عن سنان بن سلمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن ذؤيب الخزاعي حدثه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول: إذا عطب شيء منها فخشيت عليه موتا فانحره، ثم اغمس نعله في دمه، ثم اضرب صفحته، ولا تطعم منها ولا أحد من أهل رفقتك. قال أبو عمر بن عبد البر: قوله: ولا أحد من أهل رفقتك، لا توجد إلا في حديث ابن عباس هذا بهذا الإسناد عن موسى بن سلمة، وليس ذلك في حديث هشام بن عروبة عن أبيه عن ناجية، وهو عندنا أصح من حديث ابن عباس عن ذؤيب، وعليه العمل عند الفقهاء، ومن جملة النظر أهل رفقته وغيرهم في ذلك سواء، ويدخل في قوله عليه السلام: وخلّ بين الناس وبينه يأكلونه، أهل رفقته وغيرهم. وشهد ذؤيب فتح مكة، وكان يسكن قديدا، وعاش إلى زمن معاوية وجعل أبو حاتم الرازيّ ذؤيب بن حبيب غير ذؤيب بن حلحلة، فقال: ذؤيب بن حبيب الخزاعي أحد بنى مالك بن أقعى صاحب هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم روى عن ابن عباس، ثم قال: ذؤيب بن حلحلة بن عمرو الخزاعي أحد بنى عمير، شهد الفتح، وهو والد قبيصة بن ذؤيب، روى عنه ابن عباس. قال ابن عبد البر: ومن جعل ذؤيبا هذا رجلين فقد أخطأ ولم يصب، والصواب ما ذكرنا، يعنى مما تقدم في خبره ونسبته، وباللَّه توفيقنا [ (1) ] .   [ (1) ] (الاستيعاب) : 2/ 464- 465، ترجمة رقم (718) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 فصل في ذكر غنم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغنم مائة، وكان له صلى اللَّه عليه وسلم منائح سبع، وقيل: عشر [ (1) ] . خرّج الحاكم من حديث لقيط بن صبرة، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: لنا غنم مائة، وسيأتي بطوله إن شاء اللَّه تعالى. وخرّجه البخاري في الأدب المفرد، من حديث إسماعيل عن عاصم بن لقيط عن صبره عن أبيه. قال ابن سعد عن الواقدي عن إبراهيم بن سويد الأسلمي، عن عباد بن منصور، عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم سبعة اعنز [منائح] [ (2) ] ترعاهن أم أيمن [ (3) ] . وقال الواقدي عن عبد الملك بن سليمان بن أبى المغيرة، عن محمد بن عبد اللَّه بن الحصين قال: كانت منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ترعى بأحد، وتروح في كل ليلة إلى البيت الّذي يبيت فيه [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] . قالوا: وكانت منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: عجوة، وزمزم، وسقيا، وبركة، وورسة، وإطراف، وإطلال [ (5) ] .   [ (1) ] كان له من الغنم مائة، وكان له منائح سبع من غنم. [ (2) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) . [ (3) ] (عيون الأثر) : 2/ 323، ذكر خيله صلى اللَّه عليه وسلم وما له من الدوابّ والنّعم، (زاد المعاد) : 1/ 135، (طبقات ابن سعد) : 1/ 495. [ (4) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 495- 496، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (5) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 495، ذكر منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغنم، (الوافي) : 1/ 91. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 وعن وجيهه [ (1) ] ، كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنز سبع، وكان الراعي يبلغ بهن مرة الجماء، ومرة أحدا ويروح [بهنّ] [ (2) ] علينا [ (3) ] . وقد روى أنه كان له صلى اللَّه عليه وسلم شاه يختص بشرب لبنها تدعى غيثة، [وقيل [ (4) ] : غوثة] [ (5) ] . وكان له صلى اللَّه عليه وسلم ديك أبيض [ (6) ] ، ولم ينقل أنه صلى اللَّه عليه وسلم اقتنى من النّغر [ (7) ] شيئا. وقيل: كانت له شاة تسمى غوثة، وقيل غيثة، وعنز تسمى اليمن [ (8) ] ، وشاة تسمى قمرة [ (9) ] .   [ (1) ] وجيهة: مولاة أم سلمة. [ (2) ] زيادة للسياق من (الطبقات) . [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 496. [ (4) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 2/ 233. [ (5) ] (عيون الأثر) : 2/ 233، (الوافي) : 1/ 91. [ (6) ] (الوافي) : 1/ 91. [ (7) ] النغر: طائر كاليمام ونحوه وقد سبق شرحه في الكلام على حديث: «أبا عمير ما فعل النّغير» . [ (8) ] (عيون الأثر) : 1/ 323. [ (9) ] في (عيون الأثر) ، (الطبقات) : «شاه تسمى قمر» ، وهي التي فقدها يوما فقال: ما فعلت قمر؟ فقالوا: ماتت يا رسول اللَّه، قال: فما فعلتم بإهابها؟ قالوا: ميتة، قال: دباغها طهورها. (طبقات ابن سعد) : 1/ 496. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 فصل في ذكر حمى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرّج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عقبة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن الصعب بن جثامة قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله [ (1) ] . قال البخاري: بلغنا أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى البقيع، وأن عمر رضى اللَّه عنه حمى السرف والرَّبَذَة. ذكره في كتاب الشرب [ (2) ] . وخرجه أبو داود بمثله [ (3) ] ، وفي لفظ آخر له: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى البقيع،   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 56، كتاب المساقاة، باب (11) لا حمى إلا للَّه ولرسوله صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2370) ، (فتح الباري) : 6/ 180، كتاب الجهاد والسير، باب (146) أهل الدار يبيتون، فيصاب الولدان الذراري، حديث رقم (3012) . [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] (سنن أبى داود) : 3/ 460- 461، كتاب الخراج والإمارة، باب (39) في الأرض يحميها الإمام أو الرجل، حديث رقم (3083) . قال الخطابي: قوله: «لا حمى إلا للَّه ولرسوله» ، يريد: لا حمى إلا على معنى ما أباحه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وعلى الوجه الّذي حماه، وفيه إبطال ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من ذلك، وكان الرجل العزيز منهم إذا انتجع بلدا مخصبا، أوفى بكلب على جبل، أو على نشر [مكان مرتفع] من الأرض، ثم استعوى الكلب ووقف له يسمع منتهى صوته بالعواء، فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه، ومنع الناس منه. فأما ما حماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لمهازيل إبل الصدقة ولضعفي الخيل كالنقيع [وهو مكان معروف مستنقع للمياه ينبت فيه الكلأ] ، وقد يقال إنه مكان ليس بحد واسع يضيق بمثله على المسلمين المرعى فهو مباح، وللأئمة أن يفعلوا ذلك على النظر، ما لم يضيق منه على العامة المرعى، وهذا الكلام الّذي سقته معنى كلام الشافعيّ في بعض كتبه. (معالم السنن) . وأخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في (الأموال) : 271، باب حمى الأرض ذات الكلإ والماء، حديث رقم (728) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 وقال: لا حمى إلا للَّه عزّ وجلّ [ (1) ] ، وخرجه النسائي ولفظه: لا حمى إلا للَّه ولرسوله [ (2) ] . وقال الواقدي: حدثني ابن أبى سبرة عن شعيب بن شداد قال: لما مرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبقيع منصرفه من المريسيع، ورأى سعة وكلأ، وغدرا كثيرة [ (3) ] تتناخس [ (4) ] ، وخبّر بمراءته [ (5) ] وبراءته [ (6) ] فسأل عن الماء، فقيل يا رسول اللَّه! إذا صفنا [ (7) ] قلّت المياه وذهبت الغدر، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة أن يحفر بئرا، وأمر بالنقيع أن يحمى واستعمل عليه بلال بن الحارث المزني، فقال بلال: يا رسول اللَّه، وكم أحمى منه؟ قال: أقم رجلا صيتا إذا طلع الفجر على هذا الجبل، يعنى مقملا، فحيث انتهى صوته فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها، قال بلال: يا رسول اللَّه! أفرأيت ما كان من سوائم المسلمين؟ فقال: لا تدخلها، قلت: يا رسول اللَّه! أرأيت المرأة والرجل الضعيف يكون له الماشية اليسيرة، وهو يضعف عن التحول؟ قال: دعه يرعى [ (8) ] .   [ () ] قال أبو عبيد: وتأويل الحمى المنهي عنه فيما نرى- واللَّه أعلم-: أن تحمى الأشياء التي جعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الناس فيها شركاء، وهي الماء، والكلأ، والنار. [ (1) ] (سنن أبى داود) : 3/ 461- 462، كتاب الخراج والإمارة، باب (39) في الأرض يحميها الإمام أو الرجل، حديث رقم (3084) . [ (2) ] قال المنذري: وأخرجه النسائي في (الكبرى) ، ولم يذكر النقيع. [ (3) ] الغدر: جمع غدير، وهو القطعة من الماء يغادرها السيل. [ (4) ] تتناخس: أي يصب بعضها ببعض. [ (5) ] مرأت الأرض مراءة أي حسن هواؤها، وكلأ مريء: غير وخيم. [ (6) ] براءة: مصدر من بريء بمعنى خلا، أي لا صاحب له. [ (7) ] صفنا: جاء علينا الصيف بحرارته الشديدة. [ (8) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 425. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 فلما كان زمان أبى بكر رضى اللَّه عنه، حماه على ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حماه، ثم كان عمر رضى اللَّه عنه، فكثرت به الخيل، وكان عثمان رضى اللَّه عنه فحماه أيضا [ (1) ] . حدثنا عمر بن شيبة، حدثنا معن، حدثنا عبد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه تعالى عنهما قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع للخيل، وحمى الرَّبَذَة للصدقة. حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ضمرة بن ربيعة عن رجاء بن جميل قال: إن رسول اللَّه حمى وادي النّقيع للخيل المضمرة. وخرج الحاكم من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللَّه بن عباس ابن أبى ربيعة، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس عن الصعب بن جثّامة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع وقال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله. قال: وهو صحيح الإسناد [ (2) ] . وبلال بن الحارث بن عصم بن سعيد بن قرة [بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور] [ (3) ] أبو عبد الرحمن المزني وفد سنة خمس في وفد مزينة، وكان أحد من حمل ألوية مزينة يوم الفتح، وهو في الطبقة الثالثة من المهاجرين، [وله] [ (4) ] سماع من النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورواية عنه، روى عنه الحارث بن بلال، وعلقمة بن وقاص، وغيرهما. [وروى] له أبو داود والترمذي والنسائي   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 425- 426. [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 70، كتاب البيوع، حديث رقم (2358) ، ثم قال: قد اتفقا على حديث يونس عن الزهري بإسناده: لا حمى إلا للَّه ولرسوله، ولم يخرجاه هكذا وهو صحيح الإسناد، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم، وأخرجا منه آخره. [ (3) ] زيادة للنسب من (الإصابة) . [ (4) ] زيادة للسياق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 وابن ماجة، توفى سنة ستين عن ثمانين سنة [ (1) ] . [والنقيع] بالنون، على عشرين فرسخا من المدينة، عرض ميل في طول بريد، وفيه شجر، وهو أخصب واد هناك، وهو غور في صدر وادي العقيق، [قال] الخطابي [ (2) ] : من قاله بالباء فقد صحف، [وقال] البكري: هو بالباء مثل بقيع الغرقد، [وذكر] في كتاب الأصيلي بالفاء بدلا من القاف بعد النون، وهو تصحيف، [ومعنى] حمى النقيع: جعله محظورا لا يقرب مرعاه [ (3) ] .   [ (1) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 1/ 326، ترجمة رقم (734) ، (الاستيعاب) : 1/ 183، ترجمة رقم (215) ، (الثقات) : 3/ 28، (الجرح والتعديل) : 2/ 395، (تهذيب التهذيب) : 1/ 440، ترجمة رقم (929) ، (الوافي بالوفيات) : 10/ 277، (الأعلام) : 1/ 381 (شذرات الذهب) : 1/ 65، (المصباح المضيء) : 1/ 132، (أسماء الصحابة الرواة) : 176، ترجمة رقم (216) . [ (2) ] هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، من ولد زيد بن الخطّاب، والخطّابى بفتح الخاء وتشديد الطاء نسبة إلى جده الخطاب المذكور، يكنى أبو سليمان البستيّ بضم الباء وسكون السين، نسبة إلى بست، وهي مدينة من بلاد كابل. كان محدثا فقيها، وأديبا شاعرا لغويا، روى عنه أبو عبد اللَّه بن البيع المعروف بالحاكم النيسابورىّ وغيره، قال عنه الحافظ السمعاني: كان حجة صدوقا. من مؤلفاته: (غريب الحديث) ، وهو غاية في الحسن والبلاغة، وله (أعلام السنن) شرح البخاري، و (معالم السنن) شرح سنن أبى داود، وكتاب (إصلاح غلط المحدثين) وغير ذلك. ولد في رجب سنة 319 هـ في بلده بست، وتوفى فيها سنة 388 هـ، رحمه اللَّه. مقدمة (سنن أبى داود) : 1/ 11. [ (3) ] (معجم البلدان) : 5/ 348- 349، موضع رقم (12121) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 فصل في ذكر ديك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [حدثنا] [ (1) ] عبد المنعم بن بشير أخبرنا ابن وهب قال: أخبرنا عبد اللَّه ابن سعيد قال: أخبرنا أبى: قال أبو الدرداء: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما زلت بالأشواق إلى الديك الأبيض، مذ رأيت ديك اللَّه تعالى تحت عرشه ليلة أسرى بى، ديكا أبيض، زغبه أخضر كالزبرجد، وعرفه ياقوتة حمراء، وعيناه من ياقوتتين حمراوين، ورجلاه من ذهب أحمر في تخوم الأرض السفلى، وتحت العرش عنقه أحسن شيء رأيته، ومنقاره من ذهب يتلألأ نورا، فإذا كان في الثلث [الأول] نشر جناحيه وخفق بهما وقال: سبحان ذي الملك والملكوت، يقول ذلك ثلاث مرات من أول الليل، فإذا خفق خفقت الديوك في الأرض، وصرخت كصراخه، فإذا كان في الثلث الأوسط، فعل مثل ذلك وقال: سبحان من لا ينام ولا يسأم، يقول ذلك ثلاثا، فتجيبه الديوك في الأرض، فإذا كان في الثلث الأخير، فعل ذلك وقال: سبحان من هو قائم قيوم، سبحان من نامت العيون وعين سيدي لا تنام، سبحان الدائم القيوم، سبحان من خلق الصباح بإذنه، لا إله إلا هو سبحانه. قال: فاتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ديكا أبيض وقال: الديك الأبيض صديقي، وصديق صديقي، وعدوّ عدوّى، واللَّه تعالى يحرس دار صاحبه، وعشرا عن يمينها، وعشرا عن يسارها، وعشرا [بين يديها] [ (2) ] ، وعشرا من خلفها، وكان صلى اللَّه عليه وسلم يبيته معه في البيت [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] (الموضوعات) : 2/ 6- 7، باب ما ذكر أن في السماء ديكا، قال ابن الجوزي- وقد ذكر باب فضل الديك، باب في الديك الأبيض، باب فضل الديك الأبيض الأفرق-: هذه أحاديث أحاديث كلها موضوعة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 فصل في ذكر طعام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [اعلم] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أكل على مائدة وعلى الأرض، وكانت له قصعة كبيرة، وأكل خبز الشعير، وائتدم بالخل، وأكل القثاء والدّباء، والسمن والأقط والحيس، والزيد واللحم والقديد، والشواء ولحم الدجاج، ولحم الحبارى، وأكل الخبيص والهريسة، وعاف أكل الضّب واجتنب ما تؤذى رائحته، وأكل الجمار والتمر، والقنّب والرطب والبطيخ، وكان يحب الحلواء والعسل، وجمع بين إدامين، ولم يأكل متكئا ولا صدقة. [فأما المائدة] فقد خرج البخاري من حديث الحسن بن مهران قال: سمعت فرقدا صاحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأكلت على مائدته. ومن حديث قتادة عن أنس رضى اللَّه عنه قال: ما علمت النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل على سكرّجة قطّ، ولا خبز له مرقّق قط، ولا أكل على خوان، قيل لقتادة: فعلى م كانوا يأكلون؟ قال: على السّفر. ذكره في الأطعمة [ (1) ] . وخرّج ابن حيّان من حديث سليم الأعور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجلس على الأرض ويأكل على الأرض [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 662، كتاب الأطعمة، باب (8) الخبز المرقق والأكل على الخوان والسّفرة، حديث رقم (5386) ، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون. حديث رقم (5415) ، 11/ 329، كتاب الرقاق باب (16) فضل الفقر، حديث رقم (6450) . [ (2) ] (أخلاق النبي) : 64، 197، (كنز العمال) : حديث رقم (18482) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 [وأما القصعة والجفنة] فخرج ابن حيّان من حديث عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الحمصي قال: سمعت عبد اللَّه بن بشير المازني يقول: كانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قصعة يقال لها: الغرّاء، يحملها أربعة رجال [ (1) ] . ومن حديث يحيى بن سعيد القطان، عن محمد بن عبد الرحمن عن عبد اللَّه بن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جفنة لها أربع حلق [ (2) ] . [قال مؤلفه] عفى اللَّه عنه: سيأتي ذكر القصعة الغراء في ذكر المعجزات، عند ذكر إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بما يفتح اللَّه عليه لأمته، إن شاء اللَّه تعالى. [وأما أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يشبع من طعام] فخرج البخاري في كتاب الأطعمة من حديث محمد بن فضيل عن أبيه عن أبى حازم رضى اللَّه عنه قال: ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض [ (3) ] . وخرج مسلم من حديث يزيد بن كيسان عن أبى حازم، عن أبى هريرة رضى اللَّه تعالى عنه قال: والّذي نفسي بيده [وقال ابن عباد: والّذي نفس أبى هريرة بيده] ، ما أشبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أهله ثلاثة أيام تباعا من خبز   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] (كنز العمال) : حديث رقم (18594) . [ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 646، كتاب الأطعمة، باب (1) قوله اللَّه تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ، وقوله: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ. وقوله: كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، حديث رقم (5374) . والّذي يظهر أن سبب عدم شبعهم غالبا كان بسبب قلة الشيء عندهم، على أنهم كانوا قد يجدون. ولكن يؤثرون على أنفسهم (فتح الباري) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 حنطة حتى فارق الدنيا [ (1) ] . وخرّج في (الشمائل) من حديث قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف قال عبد اللَّه بن عبد الرحمن: قال بعضهم: هو كثرة الأيدي [ (2) ] . [وقال مالك بن دينار: سألت رجلا من أهل البادية ما الضّفف؟ قال: تناوله مع الناس] [ (3) ] . [وخرّج البخاري] [ (4) ] من حديث ابن أبى ذؤيب عن سعيد المقبري، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه. فأبى أن يأكل وقال: خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الدنيا، ولم يأكل من خبز الشعير. ذكره في [كتاب] [ (4) ] الأطعمة، في باب: ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون [ (5) ] . [وخرّج الترمذي] [ (4) ] من حديث هلال بن حبّاب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعات طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم الشعير. قال: هذا   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 318، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (2976) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 318- 319، حديث رقم (377) . [ (3) ] العبارة التي بين الحاصرتين ذكرها عقب الحديث رقم (73) من (الشمائل المحمدية) : 79، من حديث جعفر بن سليمان الضّبعىّ، عن مالك بن دينار قال: ما شبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من خبز قط ولا لحم إلا على ضفف. [ (4) ] زيادة للسياق والبيان. [ (5) ] (فتح الباري) : 9/ 686، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5414) ، قوله: «فدعوه فأبى أن يأكل» ، ليس هذا من ترك إجابة الدعوة، لأنه في الوليمة، لا في كل الطعام وكأن أبا هريرة رضى اللَّه عنه استحضر حينئذ ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيه من شدة العيش. فزهد في أكل الشاه، ولذلك قال: «خرج ولم يشبع من خبز الشعير» (فتح الباري) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 حديث حسن صحيح [ (1) ] . [وخرّج] [ (2) ] البخاري من حديث هشام الدستوائى، عن قتادة عن أنس رضى اللَّه عنه، أنه مشى إلى النبي بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبي صلى اللَّه عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهودىّ، وأخذ منه شعيرا لأهله، ولقد سمعته يقول ما أمسى عند آل محمد صاع بر، ولا صاع حب، وإن عنده لتسع نسوة. ذكره البخاري في كتاب البيوع، في باب شراء النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالنسيئة [ (3) ] . [وخرّجه] الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (4) ] . [وخرّج البخاري] [ (2) ] من حديث همام بن يحى، حدثنا قتادة قال: كنّا نأتي أنس بن مالك رضى اللَّه عنه وخبازه قائم فقال: كلوا، فما أعلم النبي صلى اللَّه عليه وسلم رأى رغيفا مرّققا حتى لحق باللَّه، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط، ذكره في الرقاق في باب: كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم من الدنيا [ (5) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 501، كتاب الزهد، باب (38) ما جاء في معيشة النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأهله، حديث رقم (2360) . [ (2) ] زيادة للسياق والبيان. [ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 379، كتاب البيوع، باب (14) شراء النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالنسيئة، حديث رقم (2069) ، 5/ 175، كتاب الرهن، باب (1) في الرهن في الحضر، وقوله اللَّه عز وجل: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة: 283] ، حديث رقم (2508) . والإهالة: ما أذيب من الشحم والألية، وسنخة: أي متغيرة الريح. (فتح الباري) . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 3/ 519- 520، كتاب البيوع، باب (7) ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل، حديث رقم (1215) ، وأخرجه النسائي في (السنن) : 7/ 332- 333، كتاب البيوع، باب (59) الرهن في الحضر، حديث رقم (6424) . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 815، كتاب الرهون، باب (1) حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حديث رقم (2436) ، (2437) ، (2439) . [ (5) ] (فتح الباري) : 11/ 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6457) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 [وخرّجه] [ (1) ] بهذا الإسناد في كتاب الأطعمة، في باب شاة مسموطة [ (2) ] ، [وذكره] [ (3) ] في الأطعمة أيضا في باب الخبز المرقق، والأكل على الخوان والسفرة، ولفظه: ما أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا مرققا ولا شاة مسموطة حتى لقي اللَّه [ (4) ] . [وخرج البخاري] والنسائي من حديث عبد الوارث، حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة عن أنس رضى اللَّه عنه قال: لم يأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرقّقا حتى مات. ذكره البخاري في باب فضل الفقر [ (5) ] ، وذكره النسائىّ في كتاب الوليمة [ (6) ] . [وخرّجه] من حديث أبى حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النّقىّ؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النقىّ من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، [قال:] فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مناخل؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، قال: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثرّيناه فأكلناه. ذكره في الأطعمة. وكرره [ (7) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 662، كتاب الأطعمة، باب (8) الخبز المرقّق والأكل على الخوان والسفرة، حديث رقم (5385) . [ (3) ] زيادة للسياق والبيان. [ (4) ] (المرجع السابق) : باب (26) شاة مسموطة والكتف والجنب، حديث رقم (5421) . [ (5) ] (فتح الباري) : 11/ 329، كتاب الرقاق، باب (16) ، فضل الفقر، حديث رقم (6450) . [ (6) ] لعله في (الكبرى) . [ (7) ] (فتح الباري) : 9/ 685، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5413) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 [وخرّجه] من حديث جرير، عن منصور، عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض. ذكره في الأطعمة [ (1) ] وفي الرقاق [ (2) ] . [وخرّجه] مسلم من حديث الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها. قالت: ما شبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى لسبيله [ (3) ] . ومن حديث أبى إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض [ (4) ] . وللبخاريّ [ (5) ] ومسلم [ (6) ] من حديث سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق اللَّه تعالى [وقال ابن كثير: أخبرنا سفيان، حدثنا عبد الرحمن بن عابس بهذا] [ (7) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 686، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5416) . [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6454) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 315، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (21) . [ (4) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (22) . [ (5) ] (فتح الباري) : 9/ 689، كتاب الأطعمة، باب (27) ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره، حديث رقم (5423) ، وفي باب (36) المرق. حديث رقم (5438) ، وفي كتاب الأيمان والنذور، باب (22) وإذا حلف أن لا يأتدم فأكل تمرا بخبز، وما يكون فيه الأدم، حديث رقم (6687) . [ (6) ] أخرجه مسلم في الزهد، وقال فيه: «من خبز وزيت» . [ (7) ] زيادة للسياق من البخاري. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 ولمسلم، قالت: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم، من خبز مرقوق ثلاث. وله من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة رضى اللَّه عنها: ما شبع آل محمد من خبز البرّ ثلاثا حتى مضى لسبيله [ (1) ] . وللبخاريّ من حديث مسعود بن كدام، عن هلال عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر [ (2) ] . وخرّجه مسلم ولفظه: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا وأحدهما تمر [ (3) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 315، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (24) . [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6455) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 316، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (2971) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 وأما ائتدامه صلى اللَّه عليه وسلم بالخلّ فخرج ابن حيّان من حديث ياسين بن معاذ، عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان أحبّ الصباغ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخلّ [ (1) ] . وللترمذي من حديث أبى بكر بن عيّاش، عن أبى حمزة الثمالي، عن الشعبي، عن أم هانئ بنت أبى طالب رضى اللَّه عنها قالت: دخل عليّ النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فقال: [هل عندكم] شيء؟ فقلت: لا، إلّا [كسر يابسة] وخلّ، فقال: [قربيه] ، فما أفقر بيت من أدم فيه خلّ. [قال أبو عيسى] هذا حديث حسن غريب من حديث أم هانئ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأبو حمزة الثمالي اسمه ثابت بن أبى صفية، وأم هانئ ماتت بعد عليّ رضى اللَّه عنه بزمان [ (2) ] . ولمسلم من حديث أبى عوانة عن أبى [بشر] عن أبى سفيان عن جابر ابن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خلّ، فدعا به، فجعل يأكل به [ويقول] : نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل [ (3) ] .   [ (1) ] (أخلاق النبي) : 212، وإسناده ضعيف، قاله العراقي. قال الزبيدي: ورواه كذلك أبو نعيم في الطب، والمراد به ما يصبغ الخبر. فيكون إداما له، وقد ورد: نعم الإدام الخل. (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 240، (كنز العمال) . حديث رقم (18166) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 246، كتاب الأطعمة، باب (35) ما جاء في الخل، حديث رقم (1841) ، وما بين الحاصرتين تصويبات منه. ثم قال أبو عيسى بعد قوله: وأم هانئ ماتت بعد عليّ بن أبى طالب بزمان: وسألت محمدا عن هذا الحديث، قال: لا أعرف للشعبىّ سماعا من أم هانئ، فقلت أبو حمزة كيف هو عندك؟ فقال أحمد ابن حنبل: تكلم فيه، وهو عندي مقارب الحديث. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل والتأدم به، حديث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 ومن حديث إسماعيل بن علية، عن المثنى بن سعيد قال: حدثني طلحة ابن نافع أنه سمع جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما يقول: [أخذ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيدي ذات يوم إلى منزله فأخرج إليه فلق من خبز فقال: هل من أدم؟ قالوا: إلا شيء من خل، قال: فإن الخلّ نعم الأدم. قال جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من [نبي] ، اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال طلحة: ما زلت أحبّ الخل منذ سمعتها من جابر [رضى اللَّه عنه] [ (1) ] . ومن حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا حجاج بن أبى زينب قال: حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: كنت جالسا في داري، فمر بى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأشار إليّ   [ () ] رقم (2052) . وفي الحديث فضيلة الخل، وأنه سمى أدما، وأنه أدم فاضل جيد. قال أهل اللغة: الإدام بكسر الهمزة: ما يؤتدم به، يقال: أدم الخبز يأدمه بكسر الدال، وجمع الإدام أدم بضم الهمزة والدال ككتاب وكتب. وفيه استحباب الحديث على الأكل تأنيسا للآكلين. وأما معنى الحديث، فقال الخطّابى والقاضي عياض: معناه مدح الاقتصار في المأكل، ومنع النفس عن ملاذّ الأطعمة، تقديره ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعزّ وجوده، ولا تتأنقوا في الشهوات، فإنّها مفسدة للدين، مقسمة للبدن. هذا كلام الخطّابى ومن تابعه، والصواب الّذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه، وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد أخر، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) ، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 169- 170، باب (40) في الخل، حديث رقم (3820) ، (3821) كلاهما عن جابر. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل والتأدم به، حديث رقم (167) . وأما قول جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فهو كقول أنس رضى اللَّه عنه ما زلت أحب الدباء، وهذا مما يؤيد ما قلناه في معنى الحديث أنه مدح للخل نفسه، وقد ذكرنا مرات أن تأويل الراويّ إذ لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه، والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء والأصوليين، وهذا كذلك، بل تأويل الراويّ هنا هو ظاهر اللفظ، فيتعين اعتماده. واللَّه تعالى أعلم (شرح النووي على صحيح مسلم) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 فقمت إليه، فأخذ بيدي فانطلقنا، حتى أتى بعض حجر نسائه، فدخل ثم أذن لي، فدخلت الحجاب عليها، فقال: هل من غداء؟ فقالوا: نعم، فأتى بثلاثة أقرص، فوضعن على شيء، فأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قرصا فوضعه بين يديه، وأخذ قرصا آخر فوضعه بين يدىّ، ثم أخذ الثالث فكسره باثنين، فجعل نصفه بين يديه، ونصفه بين يدي، ثم قال: هل من أدم؟ فقالوا: لا، إلا شيء من خلّ، قال: هاتوه، فنعم الأدم هو [ (1) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 251- 252، كتاب الأشربة، باب (3) فضيلة الخل والتأدم به، حديث رقم (169) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 وأما أكله القثّاء فخرج البخاري من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جعفر رضى اللَّه عنه قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء [ (1) ] . وخرجه مسلم بهذا السند ولفظه: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب [ (2) ] . وخرجه أبو داود [بمثله] سواء [ (3) ] . وللترمذي من حديث محمد بن إسحاق، عن أبى عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن الربيع بنت معوّذ قالت: بعثني معاذ بن عفراء بقناع من رطب وعليه أجرى من قثاء زغب، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب القثاء، فأتيته بها، وعنده حلية قد قدمت عليه من البحرين، فملأ يده منها فأعطانيه [ (4) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 704، كتاب الأطعمة، باب (39) القثاء بالرطب، حديث رقم (5440) ، باب (45) القثاء، حديث رقم (5447) ، باب (47) جمع اللونين أو الطعامين بمرّة، حديث رقم (5449) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 238- 239. كتاب الأشربة، باب (23) أكل القثاء بالرطب، حديث رقم (243) ، وفيه جواز أكلهما معا، وأكل الطعامين معا، والتوسع في الأطعمة، ولا خلاف بين العلماء في جواز هذا، وما نقل عن بعض السلف من خلاف ذلك فمحول على كراهة اعتياد التوسع والترفه والإكثار منه لغير مصلحة دينية، واللَّه تعالى أعلم. (شرح النووي) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 176، كتاب الأطعمة، باب (45) في الجمع بين لونين في الأكل، حديث رقم (3835) . [ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 167- 168، ما جاء في فاكهة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (203) ، وهو حديث ضعيف تفرد به الترمذي، وحديث رقم (204) وجاء في (سنن الترمذي) : 4/ 247، كتاب الأطعمة، باب (37) ما جاء في أكل القثاء بالرطب، حديث رقم (1844) : حدثنا إبراهيم ابن سعد عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جعفر قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن سعد.. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 ولابن حيّان من حديث يحى بن هشام، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب، والقثاء بالبلح [ (1) ] .   [ () ] والقناع: الطبق يؤكل فيه. و «أجرى من قثاء» : أجر جمع جرو، وهو الصغير من القثاء ومن كل شيء من الفاكهة و «زغب» : الزغب من القثاء: التي يعلوها الوبر، وهو الشعيرات الصغيرة التي يعلوها مثل زغب الوبر، والزغب هو الشعيرات الصغيرة التي تعلو النسيج، فإذا كبرت القثاء تساقط زغبها وأصبحت ملساء. و «حلية» أي ذهبا. [ (1) ] (أخلاق النبي) : 215- 216. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 وأما أكله الدّبّاء فخرج البخاري [ (1) ] من حديث ابن عون قال: كنت غلاما أمشى مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فدخل عليّ غلام له خياط، فأتاه بقصعة فيها طعام، وعليه دبّاء، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتتبع الدباء، فلما رأيت ذلك جعلت أجمعه بين يديه، فأقبل الغلام على عمله. قال أنس رضى اللَّه عنه: لا أرى إلا حبّ الدباء بعد ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صنع ما صنع. ترجم عليه باب: من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل [هو] على عمله. وخرّجه في باب [المرق] ، وفي باب القديد وخرّجه مسلم من حديث أبى أسامة، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس رضى اللَّه عنه قال: دعي رسول اللَّه رجل فانطلقت معه، فجيء بمرقة فيها دبّاء، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل من ذلك الدبّاء ويعجبه [قال] ، فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه، فقال أنس رضى اللَّه عنه: فما زلت بعد يعجبني الدباء [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 655، كتاب الأطعمة، باب (4) من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية، حديث رقم (5379) ، باب (35) من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل هو على عمله، حديث رقم (5435) ، وهو الحديث المذكور في الباب، باب (36) المرق، حديث رقم (5436) ، باب (37) القديد، حديث رقم (37) باب (38) من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا، حديث رقم (5439) ، وقال في آخره «وقال ثمامة عن أنس: فجعلت أجمع الدبّاء بين يديه» . الدّبّاء- بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة- هو القرع، وقيل: خاص بالمستدير منه، وهو اليقطين أيضا، واحده دباة ودبة. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 235، كتاب الأشربة، باب (21) جواز أكل المرق، واستحباب أكل اليقطين، وإيثار أهل المائدة بعضهم بعضا، وإن كانوا ضيفانا، وإذا لم يكره ذلك صاحب الطعام، حديث رقم (144) ، (145) ، كلاهما عن أنس لكن بسياقتين مختلفتين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 ومن حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ثابت البناني وعاصم الأحول عن أنس رضى اللَّه عنه قال: إن رجلا خياطا دعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فذكره، وزاد ثابت: فسمعت أنسا يقول: فما صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دباء إلا صنع [ (1) ] . وخرّجه مالك في الموطّأ، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة قال: أنه سمع أنس بن مالك رضى اللَّه عنه يقول: إن خياطا دعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه، قال أنس رضى اللَّه عنه: فذهبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرّب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دباء، قال أنس رضى اللَّه عنه: فرأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يتبع الدباء من حول القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم [ (2) ] . قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته فيما علمت بهذا الإسناد، وزاد بعضهم فيه ذكر القديد. وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد، عن حكيم بن جابر عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته، وعنده هذه الدباء، فقلت: أي شيء هذا؟ قال: هذا القرع نكثر به طعامنا.   [ (1) ] (المرجع السابق) ، آخر أحاديث الباب بدون رقم، وفي هذه الأحاديث من الفوائد: إجابة الدعوة، وإباحة كسب الخياط، وإباحة المرق، وفضيلة أكل الدبّاء، وأنه يستحب أن يحب الدبّاء، وكذلك كل شيء كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحبه، وأنه يحرص على تحصيل ذلك، وأنه يستحب لأهل المائدة إيثار بعضهم بعضا إذا لم يكرهه صاحب الطعام. وأما تتبع الدباء من حوالي الصحفة، فيحتمل وجهين: أحدهما من حوالي جانبه وناحيته من الصحفة، لا من حوالي جميع جوانبها، وإنما نهى عن ذلك لئلا يتقذره جليسه، ورسول اللَّه* لا يتقذره أحد، بل يتبركون بآثاره صلى اللَّه عليه وسلم، فقد كانوا يتبركون ببصاقه صلى اللَّه عليه وسلم ونخامته، ويدلكون بذلك وجوههم، وشرب بعضهم بوله، وبعضهم دمه، وغير ذلك مما هو معروف من عظيم اعتنائهم بآثاره صلى اللَّه عليه وسلم. (شرح النووي على صحيح مسلم) . [ (2) ] (موطأ مالك) : 372، كتاب النكاح، حديث رقم (1150) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 وخرجه النسائي ولفظه: فرأيت عنده دباء مقطع، فقلت: ما هذا؟ قال: نكثر به طعامنا [ (1) ] . [وخرجه الترمذي] من حديث الليث عن معاوية بن صالح عن أبى طالوت قال: دخلت على أنس بن مالك رضى اللَّه عنه، وهو يأكل القرع وهو يقول: يا لك شجرة! ما أحبك [إلا] لحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إياك. وفي الباب عن حكيم بن جابر عن أبيه قال: حديث غريب من هذا الوجه [ (2) ] . [قال] ابن عبد البر: ومن صريح الإيمان حب ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحبه، واتباع ما كان يفعله، ألا ترى إلى قول أنس رضى اللَّه عنه: فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم؟.   [ (1) ] وخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 146- 147، كتاب الأطعمة، باب (22) في أكل الدباء، حديث رقم (3782) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 250، 251، كتاب الأطعمة، باب (42) ما جاء في أكل الدباء، حديث رقم (1849) ، حديث رقم (1850) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أنس، وروى أنه رأى الدباء بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له: ما هذا؟ قال: هذا الدباء نكثر به طعامنا، وفي بعض النسخ: «ما أحبك إليّ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 وأما الضّبّ فخرّج البخاري من حديث شعبه، حدثنا جعفر بن إياس قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أقطا، وسمنا [وأضبا] ، فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الأقط والسمن، وترك الأضبّ تقذرا. قال ابن عباس رضى اللَّه عنهما: فأكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وخرجه أبو داود بهذا الإسناد وقال: إن خالته أهدت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . ذكره البخاري في كتاب الهبة [ (3) ] . [وخرجه] مسلم من حديث شعبة عن أبى أشتر، عن سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس رضى اللَّه عنهما يقول: أهدت خالتي أم حفيد إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. الحديث بنحوه [ (4) ] . [وخرجه] البخاري أيضا في كتاب الأطعمة [ (5) ] وفي كتاب الاعتصام، من   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 254، كتاب الهبة، وفضلها والتحريض عليها باب (7) قبول الهدية، حديث رقم (2575) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 153، كتاب الأطعمة، باب (28) في أكل الضب، حديث رقم (3793) ، حديث رقم (3794) ، وحديث رقم (3795) . [ (3) ] سبق تخريجه. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 103- 109، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1945) ، حديث رقم (1947) . [ (5) ] (فتح الباري) : 9/ 679، كتاب الأطعمة، باب (14) الشواء، حديث رقم (5400) ، باب (16) الأقط، حديث رقم (5402) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 حديث أبى عوان عن أبى بشر [ (1) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 407، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (24) الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة، وتفسيرها، وقد أخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمر الخيل وغيرها، ثم سئل عن الحمر فدلهم على قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وسئل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن الضّبّ فقال: لا آكله ولا أحرمه، وأكل على مائدة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الضّب. فاستدل ابن عباس بأنه ليس بحرام، حديث رقم (7358) . وأخرجه النسائي في (السنن) : 7/ 224- 227، كتاب الصيد، باب (26) الضب، من حديث رقم (4325) إلى حديث رقم (4333) . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1078- 1080، كتاب الصيد، باب (16) الضب، من حديث رقم (3238) ، إلى حديث رقم (3242) . وأخرجه الإمام مالك في (الموطأ) : 687- 688، ما جاء في أكل الضب، من حديث رقم (1761) ، إلى حديث رقم (1763) . وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 122- 124، باب (9) ، ما قالوا في أكل الضب، من حديث رقم (24331) إلى حديث رقم (24353) . قال الخطّابى: وقد اختلف الناس في أكل الضب، فرخّص فيه جماعة من أهل العلم، وروى ذلك عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تعالى عنه، وإليه ذهب مالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعيّ، وكرهه قوم روى ذلك عن على رضى اللَّه عنه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وقد روى في النهى عن لحم الضب حديث ليس إسناده بذلك، ذكره أبو داود في هذا الباب. (معالم السنن) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 وأما أكله الحيس فقد خرّج أبو داود من حديث عمرو بن سعيد، عن رجل من أهل البصرة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من الخبز الثريد من الحيس [ (1) ] . [قال أبو داود: وهو ضعيف] [ (2) ] . وخرجه ابن حيّان ولفظه: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من التمر ومن الحيس [ (3) ] . وخرج النسائي من حديث ابن الأحوص، عن طلحة بن يحى [بن طلحة] عن مجاهد، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يوما] فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، قال صلى اللَّه عليه وسلم: فإنّي صائم، ثم مرّ بى بعد ذلك وقد أهدى لنا حيس، فخبأت له منه، وكان يحب الحيس، قلت: يا رسول اللَّه! إني أهدى لنا حيس فخبأت لك منه، قال: أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم، وأكل منه ثم قال: أما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 147، كتاب الأطعمة، باب (23) حديث رقم (3783) . [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] (أخلاق النبي) : 193، 201، 211، (اتحاف السادة المتقين) : 8/ 239، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7117) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 شاء حبسها [ (1) ] .   [ (1) ] (سنن النسائي) : 4/ 506- 508، كتاب الصيام، باب (67) النية في الصيام والاختلاف على طلحة بن يحى بن طلحة في خبر عائشة حديث رقم (2321) ، حديث رقم (2322) ، حديث رقم (2323) ، وحديث رقم (2324) ، وحديث رقم (2325) ، وحديث رقم (2327) ، وحديث رقم (2329) بسياقات مختلفة عن عائشة رضى اللَّه عنها. و (مسلم بشرح النووي) : 7/ 282- 283، كتاب الصيام، باب (32) جواز النافلة بنية من النهار قبل الزوال، وجواز فطر الصائم نفلا من غير عذر، حديث رقم (169) ، حديث رقم (190) . و (سنن الترمذي) : 4/ 111، كتاب الصوم، باب (35) صيام المتطوع بغير نية، حديث رقم (734) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. و (سنن أبى داود) : 2/ 824- 825، كتاب الصوم، باب (72) الرخصة في [النية في الصيام] ، حديث رقم (2455) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 وأما أكله الثّفل فقد خرّج الحاكم من حديث عباد بن العوام، عن حميد، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يعجبه الثفل، قال: فسمعت أبا محمد يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: الثّفل هو الثريد [ (1) ] . ومن حديث المبارك بن سعيد، عن عمر بن سعيد، عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فإن عمر بن سعيد هذا، هو أخو سفيان والمبارك ابنا سعيد [ (2) ] . وخرّج ابن حيّان من حديث المبارك هذا، عن عمر، عن عكرمة قال: صنع سعيد بن جبير طعاما ثم أرسل إلى ابن عباس: ائتني أنت ومن أحببت من مواليك، فجاء وجئنا معه، فقال له: ائتنا، فإنه كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من الخبز [ (3) ] . وللترمذي من حديث العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن [أبى] سيبويه أبى الهذيل، حدثنا عبيد اللَّه بن عكراش عن أبيه عكراش [بن ذؤيب] قال: بعثني بنو مرة بن عبيد بصدقات أموالهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقدمت [عليه] المدينة، فوجدته جالسا بين المهاجرين والأنصار، ثم أخذ بيدي،   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7116) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7117) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (3) ] (أخلاق النبي) : 193، 201، 211، (سنن أبى داود) : 4/ 147، كتاب الأطعمة، باب (23) في أكل الثريد، حديث رقم (3783) قال أبو داود: وهو ضعيف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 فانطلق بى إلى بيت أم سلمة، فقال: هل من طعام؟ فأتتنا بجفنة كثيرة الثريد والوذر [ (1) ] ، وأقبلنا نأكل منها، فحطت بيدي من نواحيها، وأكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بين يديه، فقبض [بيده اليسرى على يدي اليمنى] ثم قال: يا عكراش! كل من موضع واحد، فإنه طعام واحد، ثم أتينا بطبق فيه ألوان من الرطب أو من التمر- شك عبيد اللَّه- قال: فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الطبق وقال: [يا عكراش!] كل من حيث شئت، فإنه غير لون واحد، ثم أتينا بماء، فغسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يديه، ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه وقال: يا عكراش، هذا الوضوء مما غيّرت النار. قال أبو عيسى: [هذا] حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل، وقد تفرّد العلاء بهذا الحديث، ولا يعرف لعكراش عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غير هذا الحديث [ (2) ] . [ومن حديث] زيد بن ثابت رضى اللَّه عنه، لم يدخل منزل النبي صلى اللَّه عليه وسلم هدية، أول هدية دخلت بها عليه، قصعة مثرودة خبزا وسمنا ولبنا، فأضعها بين يديه فقلت: يا رسول اللَّه! أرسلت بهذه القصعة أمى، فقال: بارك اللَّه فيك، ودعا أصحابه فأكلوا، فلم أرم البيت حتى جاءت قصعة سعد بن عبادة، على رأس غلام مغطاة، فوضعت على باب أبى أيوب، وأكشف غطاءها لأنظر إليها، فرأيت عراق لحم، فدخل بها على رسول اللَّه   [ (1) ] الوذر: قطع اللحم التي لا عظم فيها، والواحدة: وذرة. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 249- 250، كتاب الأطعمة، باب (41) ما جاء في التسمية في الطعام، حديث رقم (1848) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1089، 1090 كتاب الأطعمة، باب (11) الأكل مما يليك، حديث رقم (3274) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 صلى اللَّه عليه وسلم فقال زيد: فلقد كنّا بنى البخار ما من ليلة إلا على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منا الثلاثة والأربعة، يختلفون الطعام يتناوبون بينهم، حتى تحرك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بيت أبى أيوب، وكان مقامه فيه سبعة أشهر، وما كانت تخطئه جفنة سعد بن عبادة، وجفنة أسعد بن زرارة كل ليلة [ (1) ] .   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 237. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 وأما أكله اللحم فقد اتفقا على حديث الزهري عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده، فدعى إلى الصلاة، فألقاها والسكين التي كان يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ [ (1) ] . وفي لفظ: أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتز من كتف شاة يأكل منها، ثم صلى ولم يتوضأ [ (2) ] . وفي لفظ آخر: إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل ذراعا يحتز منها، فدعى إلى الصلاة، فقام فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ [ (3) ] . [وخرّج مسلم] من حديث بكير بن الأشج عن كريب، عن ميمونة رضى اللَّه عنها قالت: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل عندها كتفا، ثم صلى ولم يتوضأ [ (4) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 683، كتاب الأطعمة، باب (20) قطع اللحم بالسكين، حديث رقم (5408) ، باب (58) إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه، حديث رقم (5462) . [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 411، كتاب الوضوء، باب (50) من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق، حديث رقم (208) . [ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 688- 689، باب (26) شاة مسموطة والكتف والجنب، حديث رقم (5422) . وأخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب (43) إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل، حديث رقم (675) ، وفي كتاب الجهاد والسير، باب (92) ، ما يذكر في السكين، حديث رقم (2923) ، وفي كتاب الأطعمة، باب (18) النهش وانتشال اللحم، حديث رقم (5404) ، (5405) بسياقات مختلفة. وأخرج مسلم ما اتفق مع البخاري فيه من أحاديث الباب في: (صحيح مسلم) : كتاب الحيض، باب (24) نسخ الوضوء مما مسته النار، حديث رقم (91) ، (92) ، (93) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 285، كتاب الحيض، باب (24) نسخ الوضوء مما مسته النار، حديث رقم (356) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 [وله] من حديث سعيد بن أبى هلال، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن أبى عطفان، عن أبى رافع قال: أشهد لقد كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة، ثم صلى ولم يتوضأ [ (1) ] . [ولأبى داود] من حديث [مسعر] عن أبى [صخرة] جامع بن شداد، عن المغيرة بن عبد اللَّه، عن المغيرة بن شعبة رضى اللَّه عنه قال: ضفت [ (2) ] النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة، فأمر بجنب فشوى، وأخذ الشفرة فجل يحزّ [لي] بها منه، فجاء بلال فآذنه بالصلاة [قال] : فألقى الشفرة وقال: ماله! تربت يداه [ (3) ] ، وقام يصلى [ (4) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (357) . [ (2) ] أي كنت ضيفا عليه صلى اللَّه عليه وسلم. [ (3) ] قوله: «تربت يداه» : كلمة يقولها العرب عند اللوم والتأنيب، ومعناه الدعاء عليه بالفقر والعدم، وهم يطلقونها في كلامهم، وهم لا يريدون وقوع الأمر، ولما كثر ذلك في كلامهم ودام استعمالهم له في خطابهم صار عندهم بمعنى اللغو، كقولهم: لا واللَّه، وبلى واللَّه، وذلك من لغو اليمين الّذي لا اعتبار به ولا كفارة فيه، ويقال: ترب الرجل إذا افتقر، وأترب إذا استغنى، ومثل هذا قوله صلى اللَّه عليه وسلم: فعليك بذات الدين تربت يداك. (معالم السنن) . وفي الخبر دليل على أن الأمر بالوضوء مما غيرت النار استحباب لا أمر إيجاب، وفيه جواز قطع اللحم بالسكين، وقد جاء النهى عنه في بعض الأحاديث، ورويت الكراهة فيه والأمر النهى، ويشبه أن يكون المعنى في ذلك كراهية زي العجم واستعمال عاداتهم في الأكل، [ولا سيما أنهم يقطعون باليد اليمنى ويأكلون باليد اليسرى، وذلك منهيّ عنه في شرع ديننا وسنة نبينا صلى اللَّه عليه وسلم] . [ (4) ] (سنن أبى داود) : 1/ 131- 132، كتاب الطهارة، باب (75) ترك الوضوء مما مست النار، حديث رقم (188) ، وزاد في آخره: وكان شاربى وفي فقصه لي على سواك، أو قال: أقصه لك على سواك. وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 244، كتاب الأطعمة، باب (34) ، ما جاء في أي اللحم كان أحبّ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1837) ، قال: وفي الباب عن ابن مسعود، وعائشة، وعبد اللَّه بن جعفر، وأبى عبيدة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأبو حيان اسمه يحى ابن سعيد بن حيان، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير اسمه هرم. وأخرجه النسائي في (السنن) : 1/ 116، كتاب الطهارة، باب (123) ترك الوضوء مما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 [وخرج الحاكم] من حديث ابن علية، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن عثمان بن أبى سليمان، عن صفوان بن أمية قال: كنت آكل مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وآخذ اللحم من العظم [بيدي] فقال: [يا صفوان، قلت: لبيك] قال: أذن العظم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ. [خرّجه] الحاكم وقال: حديث صحيح [ (1) ] . [ومن] حديث زهير عن ابن إسحاق عن سعد بن عياض، عن عبد اللَّه ابن مسعود رضى اللَّه عنه قال: كان أحب العراق إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عراق الشاة. [قال: صحيح] الإسناد، وقال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه الذراع [ (2) ] . [وخرّج] من حديث سفيان، حدثنا مسعر قال: سمعت رجلا من تيم يقول: سمعت عبد اللَّه بن جعفر رضى اللَّه عنه يقول: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأنى بلحم، فجعل القوم يلقمون اللحم، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أطيب اللحم لحم الظهر [ (3) ] . [ومن] حديث خالد بن عبد اللَّه عن أبى حيان، عن أبى زرعة، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بلحم، فرفعت إليه الذراع،   [ () ] غيرت النار، حديث رقم (182) ، (183) وانفرد به النسائي. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 1/ 164- 165، كتاب الطهارة وسننها، باب (16) الرخصة في [ترك الوضوء مما مسّته النار، حديث رقم (488) ، (491) ، (493) . [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 244، كتاب الأطعمة، باب (34) ما جاء في أي اللحم كان أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1837) ، (1838) ، (سنن أبى داود) : 4/ 146، كتاب الأطعمة، باب (21) في أكل اللحم، حديث رقم (378) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 124، حديث رقم (7097) بسياقة أخرى، وحديث رقم (7099) بسياقة وطريق أخرى. [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 244، كتاب الأطعمة، باب (34) ما جاء في أي اللحم كان أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1837) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 وكانت تعجبه [فنهس منها] [ (1) ] . [وللترمذي] من حديث أبان بن يزيد، عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أبى عبيد قال: طبخت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قدرا، وكان يعجبه الذراع، فناولته الذراع ثم قال: ناولني الذراع، فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والّذي نفسي بيده لو سكت لناولتنى الذراع ما دعوت [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) ، (الشمائل المحمدية) : 140، حديث رقم (168) ، وهو حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وغيرهم من حديث أبى زرعة عن أبى هريرة. [ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 141، حديث رقم (170) ، وهو حديث صحيح لغيره، وتفرد به الترمذي، وفي سنده ضعف، فرجاله ثقات غير شهر بن حوشب، فهو ضعيف، وقال عنه الحافظ: صدوق كثير الإرسال والأوهام، وللحديث شواهد لصحة هذه القصة: فقد أخرجه كل من: الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 144، حديث رقم (507) وفيه: «فقال: وأبيك لو سكت ما زلت أناول منها ذراعا ما دعوت به» ، فقال سالم: أما هذه فلا سمعت عبد اللَّه بن عمر يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه تبارك وتعالى نهاكم أن تحلفوا بآبائكم، 3/ 322- 323، حديث رقم (10328) ، 4/ 535- 536، حديث رقم (15537) . وأبو نعيم في (دلائل النبوة) : 2/ 436، الفصل الثالث والعشرون، ذكر الأخبار التي أخرجتها أسلافنا في جملة دلائله صلى اللَّه عليه وسلم: قصة أذرع وأكتاف الشاة، حديث رقم (346) . وتفرد أبو نعيم بالحديث رقم (347) من حديث محمد بن سيرين عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن يعجبه من الشاة إلا الكتف، وذبح ذات يوم شاة فقال: يا غلام ائتني بالكتف فأتاه بها، ثم قال له أيضا، فأتاه بها، ثم قال له أيضا، فأتاه بها، ثم قال: يا رسول اللَّه! ذبحت شاة واحدة، وقد أتيتك بثلاثة أكتاف، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لو سكتّ لجئت بها ما دعوت. قال الشيخ: ووجه الدلالة من هذا الإخبار إعلامه صلى اللَّه عليه وسلم فضيلته بأن اللَّه تعالى يعطيه إذا سأل ما لم تجر العادة به، تفضيلا له وتخصيصا، ليكون ذلك آية له في نفسه، ورفعة له في مرتبته، وإبانة له في الكرامة عن الخليفة، أن لو التمس أذرعا لكان اللَّه تعالى يجيبه إلى مسألته. وأخرجه أبو محمد عبد اللَّه الدارميّ في (السنن) : 1/ 22. وبهذه الطرق نجد أن قصة الذراع صحيحة، والحمد للَّه تعالى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 [] من حديث طالوت بن عباد، حدثنا سعيد بن راشد حدثنا محمد بن سيرين، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن يعجبه في الشاة إلا الكتف [ (1) ] . [وخرّج] الحاكم من حديث عبدان قال: [أنبأنا] [ (2) ] الفضل بن موسى قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، أتوا بيت أبى أيوب، فلما أكلوا وشبعوا، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: خبز، ولحم، وتمر [وبسر] [ (3) ] ورطب إذا أصبتم مثل هذا، فضربتم بأيديكم فكلوا باسم اللَّه، وبركة اللَّه [ (4) ] . قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (3) ] . ومن حديث مسدّد، حدثنا يحى بن سليم المكيّ، حدثنا إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه قال: كنت وافد بنى المنتفق إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة [أم المؤمنين] فأمرت لنا بحريرة، فصنعت لنا، وأتتنا بقناع- والقناع الطبق فيه تمر- ثم جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل أصبتم شيئا أو آمر لكم بشيء؟ فقلنا: نعم يا رسول اللَّه، فبينما نحن مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جلوس، قال: فدفع الراعي غنمه إلى المراح، ومعه سخلة [تنفر] [ (3) ] ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما ولدت يا فلان؟ قال [ (3) ] : [بهمة] قال صلى اللَّه عليه وسلم: فاذبح لنا مكانها شاة [ثم أقبل علينا] [ (3) ] فقال: لا تحسبن أنّا من أجلكم ذبحناها، لنا غنم مائة ولا نريد أن تزيد، فإذا [ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها] شاة، [قال] [ (1) ] قلت: يا رسول اللَّه، إن لي امرأة [فذكر من طول   [ (1) ] راجع التعليق السابق وما بين الحاصرتين مطموس بالأصلين بقدر كلمتين. [ (2) ] في (ج) : «أخبرنا» ، وما أثبتناه من (المستدرك) . [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] (المستدرك) : 4/ 120، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7084) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 لسانها وبذائها، فقال: طلقها، فقلت:] [ (1) ] إن لي منها ولدا، قال: فمرها يقول عظها، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضرب أمتك، قال: قلت: يا رسول اللَّه أخبرنى عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . [ولم يخرجاه] . ومن حديث عفان بن مسلم، حدثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: لما قتل أبى.. فذكر الحديث بطوله، وقال فيه: قلت لامرأتى: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجيئنا اليوم نصف النهار، فلا تؤذى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا تكلميه، قال: فدخل وفرشت له فراشا ووسادة، فوضع رأسه ونام، فقلت لمولى لي: اذبح هذا العناق، وهي داجن سمينة، والوحا والعجل، افرغ قبل أن يستيقظ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأنا معك، فلم نزل فيها حتى فرغنا منها وهو نائم، فقلت له: إن رسول اللَّه إذا استيقظ يدعو بالطهور، وإني أخاف إذا فرغ أن يقوم فلا يفرغن من وضوئه حتى نضع العناق بين يديه، فلما قام [قال:] [ (3) ] يا جابر ائتني بطهور، فلم يفرغ من وضوئه [ (4) ] حتى وضعت العناق بين يديه، فنظر إليّ وقال: كأنك قد علمت حبنا اللحم [ (5) ] ، أدع لي أبا بكر، ثم دعا حوارييه الذين معه، فدخلوا، فضرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده وقال: بسم اللَّه، كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، وفضل منها لحم كثير. وذكر باقي الحديث. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] ، [ولم يخرجاه] [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 123، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7094) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح، وما بين الحاصرتين زيادة من (المستدرك) . [ (3) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (4) ] كذا في (ج) ، وفي (المستدرك) : «من طهوره» . [ (5) ] في (المستدرك) : «كأنك عملت حيسا بلحم» ، وما أثبتناه من (ج) ، وهو أجود للسياق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 [وله] من حديث حبيب بن الشهيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر رضى اللَّه عنه قال: أمرنى أبى بحريرة فصنعت، ثم أمرنى فحملتها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا هو في منزله، فقال: ما هذا يا جابر؟ ألحم هذا؟ قلت: لا يا رسول اللَّه، ولكنها حريرة أمر بها أبى فصنعت، ثم أمرنى فحملتها إليك، ثم رجعت إلى أبى فقال: هل رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قلت: نعم، قال: فما قال لك؟ قلت: قال لي: ألحم هذا يا جابر؟ قال أبى: عسى أن يكون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اشتهى اللحم، فقام إلى داجن له فذبحها وشواها، ثم أمرنى بحملها إليه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: جزى اللَّه الأنصار عنّا خيرا، ولا سيما عبد اللَّه بن عمرو بن حرام، وسعد بن عبادة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وله من حديث على بن عاصم، حدثنا عبيد اللَّه بن أبى بكر بن أنس قال: سمعت أنسا رضى اللَّه يقول: أنفجت أرنبا بالبقيع، فاشتددنا في إثرها، فكنت فيمن اشتدّ، فسبقتهم إليها فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة، فأمر بها فذبحت ثم شويت، فأخذ عجزها فأرسل به معى إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قلت: عجز أرنب، بعث بها أبو طلحة إليك، فقبله منى. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، [ (3) ] [ولم يخرجاه] [ (4) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 123- 124، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7096) ، قال الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 124- 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7099) ، قال الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (4) ] (المستدرك) : 4/ 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7100) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 وأما أكله القلقاس فقال الدولابي [ (1) ] : أهدى أهل أيلة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم القلقاس فأكله وأعجبه وقال: ما هذا؟ فقالوا: شحمة الأرض، فقال صلى اللَّه عليه وسلم، إن شحمة الأرض لطيبة. وأما أكله القديد فخرّج البخاري من حديث مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، أنه سمع أنسا رضى اللَّه عنه يقول: إن خياطا دعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه له، فذهبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد.. الحديث، وترجم عليه باب: من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا، [وذكره] في باب من يتبع حوالي القصعة مع صاحبه، [وذكره] في البيوع في باب: الخياط، [وذكره] في الأطعمة في باب: القديد، [وخرجه] مسلم وأبو داود بنحوه أو قريبا منه [ (1) ] .   [ (1) ] هو أبو بشر، محمد بن أحمد بن حماد أبو سعيد الدّولابى، نسبة إلى الدّولاب -[وهي قرية من أعمال الري، وبالأهواز قرية يقال لها: الدولاب]- مولى الأنصار، ويعرف بالوراق، أحد الأئمة من حفاظ الحديث، وله تصانيف حسنة في التاريخ وغير ذلك وروى عنه جماعة كثيرة منهم الطبراني، وأبو حاتم بن حبان البستي، توفى وهو قاصد الحج بين مكة والمدينة في ذي القعدة سنة (310) ، له ترجمة في (البداية والنهاية) : 11/ 165، (سير الأعلام) : 14/ 309، (الوافي بالوفيات) : 2/ 36، (ميزان الاعتدال) : 4/ 459، (وفيات الأعيان) : 4/ 352- 353، (شذرات الذهب) 2/ 260. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 [وخرّج] ابن حيّان من حديث الحسن بن واقد قال: أخبرنا أبو الزبير عن جابر رضى اللَّه عنه قال: أكلنا القديد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. [وقد] أورد مالك رضى اللَّه تعالى عنه هذا الحديث كما تقدم أولا [ (1) ] . [قال] ابن عبد البر: هكذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته [و] زاد العقبي وابن بكير في حديث مالك هذا الحديث عن إسحاق عن أنس رضى اللَّه عنه، ذكر القديد فقالا: بطعام فيه دباء وقديد [و] تابعهما على ذلك قوم، منهم أبو نعيم. وأمّا أكله المنّ فخرج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون فقال: أخبرنا سفيان- يعنى ابن حسين- عن على بن زيد، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: أهدى الأكيدر لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جرّة من منّ، فلما انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الصلاة، مرّ على القوم، فجعل يعطى كل رجل منهم قطعة، وأعطى جابرا رضى اللَّه عنه قطعة، ثم إنه رجع إليه فأعطاه قطعة أخرى، فقال: إنك قد أعطيتنى مرة، فقال صلى اللَّه عليه وسلم هذه لبنات عبد اللَّه [ (2) ] .   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] (مسند أحمد) : 3/ 571، حديث رقم (11815) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 وأما أكله الجبنة فخرج الإمام أحمد من حديث شريك عن جابر، عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة في غزاة، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أين صنعت هذه؟ قالوا: بفارس، ونحن نرى أنه يجعل فيها ميتة، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: اطعنوا فيها بالسكين، واذكروا اسم اللَّه تعالى وكلوا [ (1) ]-[ذكره شريك مرة أخرى فزاد فيه-: يضربونها بالعصى] [ (2) ] . ومن حديث وكيع، حدثنا إسرائيل عن جابر عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بجبنة فجعل أصحابه يضربونها بالعصيّ، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا السكين، واذكروا اسم اللَّه تعالى وكلوا [ (3) ] . [قال] الواقدي: وأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة بتبوك، فقالوا: يا رسول اللَّه! إن هذا طعام تصنعه فارس، وإنا نخشى أن يكون فيه ميتة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا فيه السكين واذكروا اسم اللَّه تعالى [ (4) ] . [وخرج] أبو داود من حديث إبراهيم بن عيينة، عن عمرو بن منصور، عن الشعبي عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة في تبوك فدعى بسكين، فسمّى وقطع [ (5) ] . [قال:] الخطّابى: إن ما جاء به أبو داود من أجل أن الجبن كان يعمله قوم   [ (1) ] مسند أحمد) : 1/ 498، حديث رقم (2750) . [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 1/ 387، حديث رقم (2081) . [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1019. [ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 169، كتاب الأطعمة، باب (39) أكل الجبن، حديث رقم (3819) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 من الكفار لا تحل ذكاتهم، وكانوا يعقدونها بالأنافح [ (1) ] ، وكان من المسلمين من يشاركهم في صنعة الجبن، فأباحه النبي صلى اللَّه عليه وسلم على ظاهر الحال، ولم يمتنع من أكله، من أجل مشاركة الكفار المسلمين فيه [ (2) ] . [قال مؤلفه] عفى اللَّه عنه: في دعوى أبى سليمان [ (3) ] رحمه اللَّه، أن من المسلمين من كان يشارك المشركين في عمل الجبن، يتوقف على النقل، ولم يكن إذ ذاك بفارس ولا بالشام أحد من المسلمين، فتأمله. [وقد] خرج هذا الحديث أبو حاتم البستي، [وقال] أبو حاتم الرازيّ: الشعبي لم يسمع من ابن عمر رضى اللَّه عنهما. [وقال] غير واحد: إنه سمع عليه [] إبراهيم بن عيينة، أخو سفيان بن عيينة [ (4) ] . وأما أكله الشواء فقد تقدم حديث أبى رافع: أشهد كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة [ (5) ] . [و] حديث المغيرة: ضفت النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأمر بجنب فشوى [ (6) ] .   [ (1) ] الأنافح: جمع إنفحة، وهي جزء في معدة الحيوان ذي الكرش، وهي شيء يستخرج، ويعصر في صوفة مبتلة في اللبن، فيغلظ كالجبن، وينفحة: لغة فيها- (لسان العرب) : 2/ 624 مختصرا. [ (2) ] (معالم السنن) : 4/ 169، [على هامش سنن أبى داود] . [ (3) ] هو الخطّابى، صاحب (معالم السنن) . شرح (سنن أبى داود) . [ (4) ] (علل الحديث لابن أبى حاتم) : 2/ 6، علل أخبار الأطعمة، حديث رقم (1488) . [ (5) ] سبق تخريجه. [ (6) ] (الشمائل المحمدية) : 139، حديث رقم (167) وهو حديث صحيح الإسناد، وللترمذي في (السنن) : 4/ 240، كتاب الأطعمة، باب (27) ما جاء في أكل الشواء حديث رقم (1829) من حديث أم المؤمنين أم سلمة رضى اللَّه تعالى عنها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 [و] حديث أنس رضى اللَّه عنه: أنفجت [ (1) ] أرنبا، وفيه: فذبحت ثم شويت [ (2) ] . [وخرّج] الترمذي من حديث ابن لهيعة عن سليمان بن زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث قال: أكلنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شواء في المسجد [ (3) ] . وأما أكله الدّجاج فخرج البخاري من حديث سفيان، عن أيوب عن أبى قلابة عن زهدم الجرمي، عن أبى موسى [الأشعري] رضى اللَّه عنه قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل دجاجا، لم يذكر غير هذا. ذكره بطوله في باب: لا تحلفوا بآبائكم، في كتاب: الخمس [ (4) ] . [و] ذكره مسلم من   [ (1) ] أنفجت: أثرت. [ (2) ] أخرجه البخاري في الهبة، والذبائح، ومسلم في الصيد، والترمذي في الأطعمة، والنسائي في الصيد. ووقع في (الهداية) للحنفية: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل من الأرنب حين أهدى إليه مشويا، وأمر أصحابه بالأكل منه. (فتح الباري) : 9/ 826، كتاب الذبائح والصيد، باب (32) الأرنب، تعليقا على الحديث رقم (5535) . [ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 138- 139، حديث رقم (166) ، وهو ضعيف الإسناد، في إسناده عبد اللَّه بن لهيعة وهو ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1100، كتاب الأطعمة، باب (29) الشواء، حديث رقم (3311) ، قال في (الزوائد) : في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف. وخرج أبو داود في (السنن) : 4/ 152، كتاب الأطعمة، باب (27) في أكل الأرنب، (حديث رقم (3791) عن أنس قال: كنت غلاما حزوّرا [مراهقا حاذقا] فصدت أرنبا فشويتها، فبعث معى أبو طلحة بعجزها إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأتيته بها فقبلها. [ (4) ] هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس، باب (15) ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ما سأل هوازن النبي صلى اللَّه عليه وسلم برضاعة فيهم ... ، حديث رقم (3133) ، وفيه: «فأتى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 طرق. [وخرجه] الدارميّ بهذا السند، ولفظه: قال: كنا عند أبى موسى رضى اللَّه عنه، فقدم طعامه لحم دجاج، وفي القوم رجل من بنى تيم اللَّه أحمر فلم يدن، فقال له أبو موسى رضى اللَّه عنه: أدن، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل منه [ (1) ] . [وفي] رواية عن أبى موسى رضى اللَّه عنه: أنه ذكر الدجاج فقال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكله [ (2) ] .   [ () ] ذكر دجاجة وعنده رجل من بنى تيم اللَّه أحمر كأنه من الموالي، فدعاه للطعام «، وفي كتاب المغازي، باب (75) قدوم الأشعريين وأهل اليمن، حديث رقم (4385) ، وفيه: «وإنا لجلوس عنده وهو يتغدّى دجاجا» ، وفي كتاب الذبائح والصيد، باب (26) لحم الدجاج، حديث رقم (5517) ، وفيه: «رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل دجاجا» ، وحديث رقم (5518) ، وفيه: «فأتى صلى اللَّه عليه وسلم بطعام فيه لحم دجاج» ، وفي كتاب الأيمان والنذور، باب (4) لا تحلفوا بآبائكم، حديث رقم (6646) ، وفيه: «فقرّب إليه صلى اللَّه عليه وسلم طعام فيه لحم دجاج» ، وفي باب (21) الكفارة قبل الحنث وبعده، حديث رقم (6721) ، وفيه: «وقدّم من طعامه لحم دجاج» ، وفي كتاب التوحيد، باب (56) قول اللَّه تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ... ، حديث رقم (7555) ، وفيه: «فقريب إليه الطعام فيه لحم دجاج» . وأخرجه مسلم من طرق: عن القاسم بن عاصم، عن زهدم الجرمي، وعن أبى قلابة والقاسم التميمي عن زهدم الجرمي، وعن مطر الوراق عن زهدم الجرمي، (مسلم بشرح النووي) : 11/ 121- 123 ، كتاب الأيمان، باب (3) ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها وأن يأتى الّذي هو خيرا ويكفر عن يمينه، حديث رقم (9) وما بعده [بدون أرقام] . وزهدم الجرمي: هو بزاى مفتوحة ثم هاء ساكنة، ثم دال مهملة مفتوحة. وفي الحديث إباحة لحم الدجاج وملاذّ الأطعمة، ويقع اسم الدّجاج على الذكور والإناث، وهو بكسر الدال وفتحها. (مسلم بشرح النووي) . [ (1) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 102، باب في أكل الدجاج. [ (2) ] (المرجع السابق) : 2/ 103. وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 239، كتاب الأطعمة، باب (25) ما جاء في أكل الدجاج، حديث رقم (1826) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن زهدم، ولا نعرفه إلا من حديث زهدم، وأبو العوّام هو عمران القطان وحديث رقم (1827) ، قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح، وقد روى أبو داود السختياني هذا الحديث حسن صحيح، وقد روى السختياني هذا الحديث أيضا عن القاسم التميمي وعن أبى قلابة عن زهدم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 وأما أكله لحم الحبارى فخرج أبو داود والترمذي، من حديث بريّة بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنه قال: أكلت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم الحبارى [ (1) ] . [ويروى] عن بريّة هذا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدلى، فعبد الرحمن هذا يروى عن بويه بن عمر، وجعفر بن سليمان [و] عبد السلام بن حرب [و] سفيان بن عيينة [و] أبو بكر بن عياش رحمهم اللَّه. [ويروى] عنه الفضل ابن سهل الأعرج [و] أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، [و] يعقوب [و] عنه الفسوي [و] جماعة. [قال] ابن عدي: روى عن الثقات أحاديث مناكير، ولم أر له حديثا منكرا يحكم من أجله على ضعفه [ (2) ] . [و] بريّة [قال] البخاري: إسناده مجهول [ (3) ] . [وخرج] النسائي في فضائل عليّ رضى اللَّه عنه، من كتابه   [ () ] وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 536، حديث رقم (19025) ، 5/ 540، حديث رقم (19060) ، 5/ 555، حديث رقم (19142) . [ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 155، كتاب الأطعمة، باب (29) في أكل لحم الحبارى، حديث رقم (3797) ، (سنن الترمذي) : 4/ 239، كتاب الأطعمة، باب (26) ما جاء في أكل الحبارى، حديث رقم (1828) . والحبارى- بضم الحاء بعدها باء موحدة مفتوحة- طائر كبير العنق، رمادي اللون، لحمه بين الدجاج والبط، وهو من أشدّ الطير طيرانا. [ (2) ] وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 2/ 64، في ترجمة برية بن عمر بن سفينة أبو عبد اللَّه مدني، اسمه إبراهيم، وبرية لقب غلب عليه. له ترجمة في: (الكامل لابن عدي) : 2/ 64 ترجمة رقم (53/ 296) ، (الثقات) : 6/ 119، (تهذيب التهذيب) : 1/ 379- 380، ترجمة رقم (799) . [ (3) ] (تاريخ البخاري) : 2/ 149، ترجمة رقم (2011) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 (المجتبى) [ (1) ] ، حدثنا زكريا بن حيي، حدثنا الحسن بن حماد قال: أخبرنا مهر بن عبد الملك، عن موسى بن عمر، عن السّدىّ، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان عنده طائر فقال: اللَّهمّ ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معى من هذا الطير، فجاء أبو بكر رضى اللَّه عنه فردّه، وجاء عمر رضى اللَّه عنه فردّه، ثم جاء عليّ رضى اللَّه عنه فأذن له. [وكان هذا] الطائر حبارى، أهدى إلى النبي [ (2) ] . وأما أكله الخبيص فخرج الحاكم من حديث الوليد بن مسلم، عن محمد بن حمزة بن عبد اللَّه بن سلام، عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان في بعض أصحابه، إذ أقبل عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه يقود بعيرا عليه غرارتان، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما معك؟ قال: دقيق وعسل وسمن، فقال له: أنخ، فأناخ، فدعا النبي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ببرمة عظيمة، فجعل فيها من ذلك الدقيق والسمن والعسل، ثم أنضجه، فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأكلوا، ثم قال لهم: كلوا، فإن هذا يشبه خبيص أهل فارس. [قال] الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] . [وقال] : محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام هذا، يروى عنه معمر بن راشد، والوليد بن مسلم، وعبد اللَّه بن سالم الحمصي. [قال] أبو حاتم: لا بأس به، له حديث واحد، يعنى حديث الخبيص   [ (1) ] هو (سنن النسائي) [الصغرى] . [ (2) ] لم أجده. [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 122- 123، حديث رقم (7093) ، قال الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 هذا، [و] خرّج له ابن ماجة، [و] وقد روى هذا الحديث عن محمد بن حمزة، الوليد بن مسلم، عنه محمد بن عبد العزيز بن الرمليّ وفلان، أخرجا له في الصحيحين. وأما أكله الهريس قال الواقدي: ولما نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وادي القرى، أهدى له بنو عريض اليهودي هريسا، فأكلها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] . وأطعمهم أربعين وسقا، فهي جارية عليهم، تقول امرأة من يهود: لهذا الّذي صنع بهم محمد، خير مما ورثوه من آبائهم، لأن هذا لا يزال جاريا عليهم إلى يوم القيامة [ (2) ] . وقال البلاذريّ: وقيل لأم أيوب: أي الطعام كان أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت: ما رأيته أمر بطعام يصنع له بعينه، ولا رأيته ذمّ طعاما قط، ولكن أبا أيوب أخبرنى أنه تعشّى معه ليلة في قصعة أرسل بها سعد بن عبادة، فيها طفشيل. فرآه ينهكها نهكا لم يره ينهكه غيره، فكنا نعملها له، وكنا نعمل له الهريس فنراه يعجبه، وكان يحضره عشاءه الخمسة إلى الستة إلى العشرة، يعنى مدة مقامه في منزل أبى أيوب [ (3) ] . قال: وروى أن أسعد بن زرارة كان يتخذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الهريس ليلة   [ (1) ] إلى هنا سقط من النسخة (خ) ، واستدركناه من النسخة (ج) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1006. وأخرج أبو داود في (السنن) : 1/ 60، كتاب الطهارة، باب (38) سؤر الهرة، وفيه: عن أم صالح بن دينار- «أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة رضى اللَّه عنها فوجدتها تصلى، فأشارت إليها أن ضعيها» . [ (3) ] سبق تخريج هذا الخبر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 وليلة لا، فإذا كانت الليلة التي يتوقعها فيها قال: هل جاءت قصعة أسعد؟ فقال: نعم، فيقول: هلمّوا، فيعلم أنها تعجبه [ (1) ] . وأما أكله الزنجبيل فخرج الحاكم من حديث شعبة قال: أخبرنى على بن زيد قال: سمعت أبا المتوكل يحدث عن أبى سعيد الخدريّ قال: أهدى ملك الهند إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جرّة فيها زنجبيل، فأطعم أصحابه قطعة قطعة، وأطعمنى منها قطعة. قال الحاكم [رحمه اللَّه تعالى] : لم أخرج [من أول هذا الكتاب إلى هنا لعلى بن زيد بن جدعان [القرشيّ] حرفا واحدا ولم أحفظ في أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [الزنجبيل سواه] فخرجته [ (2) ] .   [ (1) ] سبق تخريج هذا الخبر. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 150، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7190) وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، قال الذهبي في (التلخيص) : هذا مما ضعّفوا به عمرا، تركه أحمد. [وعمرو هذا هو عمرو بن حكام آخر رواة هذا الحديث قبل شعبة] . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 وأما تقزّزه أكل الضبّ وغيره فخرج البخاري من حديث عبد العزيز بن مسلم، أخبرنا عبد اللَّه بن دينار [قال] : سمعت ابن عمر يقول: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: الضبّ لست آكله ولا أحرّمه [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر، عن عبد اللَّه بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: سئل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن الضبّ فقال: لست بآكله ولا محرمه [ (2) ] . وأخرجه الترمذي [ (3) ] والنسائي [ (4) ] من حديث مالك، عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سئل عن أكل الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه. وقال النسائي: سئل وهو على المنبر عن الضب. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [ (5) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 827، كتاب الذبائح والصيد، باب (33) الضب، حديث رقم (5536) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 103- 104، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1943) . [ (3) ] (سنن الترمذي: 4/ 221- 222، كتاب الأطعمة، باب (3) ما جاء في أكل الضب، حديث رقم (1790) ، ثم قال: وفي الباب عن عمر، وأبى سعيد، وابن عباس، وثابت بن وديعة، وجابر، وعبد الرحمن بن حسنة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في أكل الضب، فرخّص فيه بعض أهل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وغيرهم، وكرهه بعضهم، ويروى عن ابن عباس أنه قال: أكل الضّبّ على مائدة النبي صلى اللَّه عليه وسلم وإنما تركه صلى اللَّه عليه وسلم تقذّرا. [ (4) ] (سنن النسائي) : 7/ 224، كتاب الصيد، باب (26) الضب، حديث رقم (4325) ، وفيه: «لا آكله ولا أحرمه» ، وحديث رقم (4326) ، وفيه «لست بآكله ولا محرمه» . [ (5) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 وخرجه مسلم من حديث الليث، عن نافع عن ابن عمر قال: سأل رجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أكل الضب فقال: لا آكله ولا أحرّمه [ (1) ] . ومن حديث عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر قال: سأل رجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على المنبر عن أكل الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه [ (2) ] . وذكره من عدة طرق عن نافع عن ابن عمر بمعنى حديث الليث عن نافع، غير أن في حديث أيوب عن نافع: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بضبّ فلم يأكله ولم يحرمه. وفي حديث أسامة [ (3) ] [عن نافع قال: قام رجل في المسجد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على المنبر] [ (4) ] . [وخرّج ابن حبان في (صحيحة) من حديث أبى خيثمة، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن حسنة قال: غزونا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فنزلنا أرضا كثيرة الضباب ونحن مرملون، فأصبناها فكانت القدور تغلي بها، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا؟ فقلنا: ضبابا أصبناها، فقال: إن أمة من بنى إسرائيل مسخت، وأنا أخشى أن تكون   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 104، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (40) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (41) . [ (3) ] (المرجع السابق) . [ (4) ] ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (خ) . وأخرجه ابن حبان في (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 12/ 71- 72، كتاب الأطعمة، باب (2) ما يجوز أكله وما لا يجوز، ذكر الإباحة للمرء أكل الضّباب إذا لم يتقذّرها، حديث رقم (5264) ، وفيه: «كلوا فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي، وحديث رقم (5265) ، وفيه: «لست بآكله ولا محرمه» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 هذه، فأمرنا فكفأناها، وإنّا لجياع] [ (1) ] . وخرّج قاسم بن أصبغ من حديث الحسين بن واقد، عن أيوب، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذات يوم: ليت عندنا خبزة بيضاء، من برّه سمراء، مليئة بسمن فنأكلها، فقام رجل فعملها، ثم جاء بها، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: فيم كان سمنك؟ قال: في عكة ضب، فعافه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولم يأكلها [ (2) ] . وقال حدثنا مضر بن محمد، سمعت يحى بن معين يقول: أيوب الّذي روى عنه حسين بن واقد عن نافع، عن ابن عمر «ليت لنا خبزة بيضاء» ، ليس هو أيوب السجستاني. ولمسلم من حديث شعبة، عن توبة العنبري، سمع الشعبي، سمع ابن عمر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان معه ناس من أصحابه فيهم سعد، وأتوا بلحم ضب، فنادت امرأة من نساء النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه لحم ضب، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كلوا فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي [ (3) ] .   [ (1) ] (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 12/ 73، كتاب الأطعمة، باب (2) ما يجوز أكله وما لا يجوز، ذكر الإباحة للمرء أكل الضّباب، إذا لم يتقذرها، حديث رقم (5266) ، ثم قال أبو حاتم: الأمر بإكفاء القدور التي فيها الضباب أمر قصد به الزجر عن أكل الضباب، والعلة المضمرة هي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يعافها لا أن أكلها محرم وما بين الحاصرتين سقط في (خ) . وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 122، كتاب الأطعمة، باب (9) ، ما قالوا في أكل الضب، حديث رقم (24331) ، وأخرجه أبو جعفر الطحاوي في (مشكل الآثار) : 4/ 278، والإمام أحمد في (المسند) : 1/ 644، حديث رقم (3692) ، 1/ 682، حديث رقم (3915) ، حيث قال في كلا الحديثين: قال.. وذكر عنده القردة والخنازير، قال مسعر: آراه قال: والخنازير إنه مما مسخ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم إن اللَّه لم يمسخ شيئا فيدع له نسلا أو عاقبة، وقد كانت القردة أو الخنازير قبل ذلك. [ (2) ] (شرح معاني الآثار) : 4/ 169. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 105، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1944) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 وللبخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث شعبة، عن توبة العنبري قال: قال لي الشعبي: أرأيت حديث الحسن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وقاعدت ابن عمر قريبا من سنتين، أو سنة ونصف، فلم أسمعه روى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غير هذا، قال: كان ناس من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيهم سعد، فذهبوا يأكلون من لحم، فنادتهم امرأة من [بعض] من أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه لحم ضبّ، فأمسكوا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كلوا أو أطعموا، فإنه حلال، أو قال: لا بأس به- شك فيه- ولكنه ليس من طعامي. اللفظ للبخاريّ، ذكره في باب خبر الواحد، وانتهى منه مسلم إلى قوله: فيهم سعد، ثم قال بمثل حديث عبيد اللَّه بن معاذ قال: أخبرنا أبى [قال] : حدثنا شعبة عن توبة. وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] وأبى داود [ (5) ] ، من حديث مالك عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل، عن عبد اللَّه بن عباس، عن خالد بن الوليد رضى اللَّه عنهما، أنه دخل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيت مأمونة، فأتى بضب محنوذ، فأهوى إليه بيده، فقال بعض النسوة: أخبروا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بما يريد أن يأكل، قالوا: هو ضب يا رسول اللَّه، فرفع يده، فقلت: أحرام هو يا   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 302، كتاب أخبار الآحاد، باب (6) خبر المرأة الواحدة، حديث رقم (7267) ، قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي» أي ليس من المألوف له، فلذلك ترك أكله لا لكونه حراما. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 105، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1944) . [ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 827، كتاب الذبائح والصيد، باب (33) الضب، حديث رقم (5537) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 105- 106، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1945) . [ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 153- 154، كتاب الأطعمة، باب (28) في أكل الضب، حديث رقم (3794) . والمحنوذ: المشوي، ويقال: هو ما شوى بالرضف، وهي الحجارة المحماة، ومن هذا قوله تعالى: جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [هود: 69] . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدنى أعافه، قال خالد: فاحتززته فأكلته، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر. وقال أبو داود عن مالك بهذا الإسناد نحوه، إلا أنه قال: «فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة» ، وقال مسلم عن مالك عن ابن شهاب عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد اللَّه بن عباس قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيت ميمونة» ، فأتى بضبّ محنوذ فأهوى إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بما يريد أن يأكل، فرفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يده، فقلت: أحرام هو يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدنى أعافه. قال خالد: فاحتززته فأكلته، ورسول اللَّه ينظر. وذكره البخاري [ (1) ] في كتاب الأطعمة في باب الشواء، من حديث معمر عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، عن ابن عباس عن خالد بن الوليد قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بضب مشوىّ، فأهوى إليه ليأكل، فقيل [له] : إنه ضبّ، فأمسك يده، قال خالد: أحرام هو؟ قال: لا، ولكنه لا يكون بأرض قومي فأجدنى أعافه، فأكل خالد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر. وأخرجاه أيضا من حديث يونس عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، فذكره البخاري في كتاب الأطعمة، وذكره مسلم في كتاب الصيد والذبائح، ولفظه: أن عبد اللَّه بن عباس أخبره أن خالد بن الوليد- الّذي يقال له: سيف اللَّه- أخبره أنه دخل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند ميمونة زوج   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 177، كتاب الأطعمة، باب (14) الشواء وقول اللَّه تعالى: جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، أي مشوى، حديث رقم (5400) ، قوله تعالى: جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، كذا في الأصل، وهو سبق قلم، والتلاوة: فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، أي محنوذ وهو المشوي، مثل قتيل في مقتول، ونضيج في منضوج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 النبي صلى اللَّه عليه وسلم- وهي خالته، وخالة ابن عباس- فوجد عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها صفية بنت الحارث من نجد، فقدّمت الضب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان قلّ ما يقدم [يده] لطعام حتى يحدّث به ويسمّى له، فأهوى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بما قدّمتنّ له، [قلن] : هو الضّب يا رسول اللَّه، فرفع [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] يده، فقال خالد: أحرام الضبّ يا رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكنه لم [يكن] بأرض قومي فأجدنى أعافه، قال خالد: فاحتززته فأكلته، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر إليّ فلم ينهني [ (1) ] . وقال البخاري: «ورسول اللَّه ينظر إليّ» ولم يقل: «فلم ينهني» ، وترجم عليه باب: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل حتى يسمّى له فيعلم ما هو [ (2) ] . وذكره مسلم من حديث صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل، عن ابن عباس، أنه أخبره أن خالد بن الوليد أخبره أنه دخل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ميمونة بنت الحارث- وهي خالته- فقدم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بضب جاءت به أم حفيد بنت الحارث من نجد، وكانت تحت رجل من بنى جعفر، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل شيئا حتى يعلم ما هو. ثم ذكر بمثل حديث يونس، وزاد في آخر الحديث: وحدثنيه ابن الأصم عن ميمونة، وكان في حجرها [ (3) ] . وذكره أيضا من حديث معمر عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، عن   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 106، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1946) . [ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 667، كتاب الأطعمة، باب (10) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل حتى يسمى له فيعلم ما هو، حديث رقم (5391) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 106- 107، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (45) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 ابن عباس قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ونحن في بيت ميمونة بضبين مشويين، بمثل حديثهم، ولم يذكر يزيد بن الأصم عن ميمونة [ (1) ] . وذكره من حديث الليث بن سعد قال: حدثني خالد بن يزيد، حدثني سعيد بن أبى هلال، عن ابن المنكدر، أن أبا أمامة أخبره عن ابن عباس قال: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [وهو في بيت ميمونة] وعنده خالد بن الوليد بلحم ضب، فذكره بمعنى حديث الزهري [ (2) ] . وذكره من حديث على بن مسهر، عن الشيباني، عن زيد بن الأصم قال: دعانا عروس بالمدينة، فقرب إلينا ثلاثة عشر ضبا، فآكل، وتارك، فلقيت ابن عباس من الغد، فأخبرته، فأكثر القوم حوله، حتى قال بعضهم: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا آكله، ولا أنهى عنه، ولا أحرمه، فقال ابن عباس: بئس ما قلتم، ما بعث اللَّه نبيا إلا محلّلا ومحرما، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بينما هو عند ميمونة، وعنده الفضل بن عباس، وخالد بن الوليد، وامرأة أخرى، إذ قرّب إليهم خوان عليه لحم، فلما أراد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يأكل، قالت له ميمونة: إنه لحم ضب، فكفّ يده وقال: هذا لحم لم آكله قط، وقال لهم: كلوا، فأكل منه الفضل، وخالد بن الوليد، والمرأة. قالت ميمونة: لا آكل من شيء إلا شيئا يأكل منه رسول اللَّه [ (3) ] . وذكر من حديث عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بضب، فأبى أن يأكل   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1945) . [ (2) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق [بدون رقم] ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 108، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1948) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 منه، وقال: لا أدرى لعله من القرون التي مسخت [ (1) ] . ومن حديث أنس أبى عدىّ، عن داود، عن أبى نضرة، عن أبى سعيد قال: قال رجل: يا رسول اللَّه! إنا بأرض مضبّة، فما تأمرنا أو [فما] تفتينا؟ قال: ذكر لي أن أمة من بنى إسرائيل مسخت، فلم يأمر، ولم ينه [ (2) ] . قال أبو سعيد: فلما كان بعد ذلك، قال عمر رضى اللَّه عنه: إن اللَّه عزّ وجلّ لينفع به غير واحد، وإنه لطعام عامة هذه الرعاء، ولو كان عندي لطعمته، إنما عافه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . وروى عن سعيد بن جبير أنه قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم من ألطف الناس، وكان لا يشرب من شراك الإداوة، ولا يأكل من لحم الجلالات. وروى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يأكل قاذورة، ولا يأكل الدجاج حتى يعلف. والقاذورة هنا: الّذي يتقذّر، فكأنه كان يجتنب ما يرعى النجاسة حتى يعلف الطّاهر. ويقال: القاذورة: ويراد به الفعل القبيح، ومنه قوله عليه السلام: من أتى من هذه القاذورات شيئا [فليستتر] [ (3) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1949) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1951) . [ (3) ] (تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر) : 4/ 57، من حديق زيد بن أسلم رضى اللَّه عنه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 وأما اجتنابه ما تؤذى رائحته فخرج مسلم من حديث شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن أبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بطعام أكل منه، وبعث بفضلة إليّ، وأنه بعث إليّ يوما بفضلة لم يأكل منها لأن فيها ثوما، فسألته: أحرام هو؟ قال: لا، ولكنى أكرهه من أجل ريحه، قال: فإنّي أكره ما كرهت [ (1) ] . وخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح [ (2) ] . ولأبى داود [ (3) ] وأحمد [ (4) ] ، من حديث بقية عن بجير، عن خالد عن أبى زياد خيار بن سلمة، أنه سأل عائشة رضى اللَّه عنها عن البصل فقالت: إن آخر طعام أكله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعام فيه بصل.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 252، كتاب الأشربة، باب (31) إباحة أكل الثوم، وأنه ينبغي لمن أراد خطاب الكبار تركه، وكذا ما في معناه، حديث رقم (2053) . وفي هذا الحديث تصريح بإباحة الثوم، وهو مجمع عليه، لكن يكره لمن أراد حضور المسجد، أو حضور جمع في غير المسجد، أو مخاطبة الكبار، ويلحق بالثوم كل ما له رائحة كريهة، وأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وكان صلى اللَّه عليه وسلم يترك الثوم دائما، لأنه يتوقع مجيء الملائكة والوحي كل ساعة. قوله: «كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بطعام أكل منه وبعث بفضله» ، قال العلماء: في هذا يستحب للآكل والشارب أن يفضل مما يأكل ويشرب فضلة ليواسى بها من بعده، ولا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته، وكذا إذا كان في الطعام قلة، ولهم إليه حاجة، ويتأكد هذا في حق الضيف، لا سيما إن كانت عادة أهل الطعام أن يخرجوا كل ما عندهم، ويتنظر عيالهم الفضلة، كما يفعله كثير من الناس، ونقلوا أن السلف كانوا يستحبون إفضال هذه الفضلة المذكورة، وهذا الحديث أصل ذلك كله. (مسلم بشرح النووي) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 230، كتاب الأطعمة، باب (13) ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل، حديث رقم (1807) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 173، كتاب الأطعمة، باب (41) في أكل الثوم، حديث رقم (3829) . [ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 130، حديث رقم (24064) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 ولمسلم من حديث ابن علية، عن الجرير عن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدريّ قال: لم يغد أن فتحت خيبر، فوقعنا أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في تلك البقلة الثوم، والناس جياع، فأكلنا منها أكل شديدا، ثم رحنا إلى المسجد، فوجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الريح، فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا [يغشانا] في المسجد، فقال الناس: حرّمت، حرّمت، فبلغ ذلك النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، إنه ليس بى تحريم ما أحلّ اللَّه، ولكنها شجرة أكره ريحها [ (1) ] . وخرّج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث ابن وهب، عن يونس عن ابن شهاب، زعم عطاء أن جابر بن عبد اللَّه، زعم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته، وأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بقدر فيه خضرات من بقول، فوجد لها ريحا، فسأل، فأخبرنا بما فيه من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما [رآه] كره أكلها، قال: كل، فإنّي أناجى من لا تناجي. اللفظ للبخاريّ. وخرّجه أبو داود [ (4) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 54، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (17) نهى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها، حديث رقم (76) . [ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 431، كتاب الأذان، باب (160) ما جاء في الثوم والبصل والكرات، حديث رقم (855) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 53، كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب (17) نهى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها، حديث رقم (73) . [ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 170- 171، كتاب الأطعمة، باب (41) في أكل الثوم، حديث رقم (3822) . وفيه: «وإنه أتى ببدر» بدلا من: «أوتى بقدر» عند الشيخين. قال الخطّابى: قوله: «أتى ببدر» يريد الطبق، وسمى الطبق بدرا لاستدارته، ومنه سمى القمر قبل كماله بدرا، وذلك لاستدارته وحسن اتساقه. وقوله: «فليعتزل مسجدنا» إنما أمره باعتزال المسجد عقوبة له، وليس هذا من باب الأعذار التي تبيح للمرء التخلف عن الجماعة كالمطر، والريح العاصف ونحوهما من الأمور. (معالم السنن) . وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 229 كتاب الأطعمة، باب (13) ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل، حديث رقم (1806) وقال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 وأما أكله الجمّار فخرج البخاري من حديث عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبى حدثنا الأعمش قال حدثني مجاهد عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنه قال: بينا نحن عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم جلوس؟ إذ أتى بجمار نخلة، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم، فظننت أنه يعنى النخلة فأردت أن أقول هي النخلة يا رسول اللَّه، فالتفت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم فسكتّ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم هي النخلة [ (1) ] . وأما حبّه الحلواء والعسل فخرّج البخاري من حديث هشام، عن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب الحلواء والعسل. وهو مما اتفقا على إخراجه ذكره البخاري هكذا في الأشربة [ (2) ] ، وفي الأطعمة [ (3) ] . وخرّجه   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 710، كتاب الأطعمة، باب (42) أكل الجمّار، حديث رقم (5444) ، (فتح الباري) : 4/ 509- 510، كتاب البيوع، باب (94) بيع الجمار وأكله، حديث رقم (2209) ، والجمّار بضم الجيم وتشديد الميم: هو قلب النخلة، وهو معروف. [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 96، كتاب الأشربة، باب (15) شراب الحلواء والعسل، حديث رقم (5614) ، وفيه: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه الحلواء والعسل، والحلواء بالمد في رواية المستملي، ولغيره بالقصر، وهما لغتان، قال الخطّابى: هي ما يعقد من العسل ونحوه، وقال ابن التين عن الداوديّ: هي النقيع الحلو، وعليه تبويب البخاري: «شراء الحلواء» ، كذا قال، وإنما هو نوع منها، والّذي قاله الخطّابى هو مقتضى العرف. (فتح الباري) . وقال ابن بطال: الحلوى كل شيء حلو، وهو كما قال، لكن استقر العرف على تسمية ما لا يشرب من أنواع الحلو حلوى، ولأنواع ما يشرب مشروب ونقيع أو نحو ذلك، ولا يلزم مما قال اختصاص الحلوى بالمشروب. (فتح الباري) . [ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 695، كتاب الأطعمة، باب (32) الحلوى والعسل، حديث رقم (5431) ، وفيه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحب الحلوى والعسل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 الإمام أحمد [ (1) ] ، وفيه قصّة [ (2) ] . وأما أكله التمر فخرج البخاري ومسلم من حديث مسعر بن كدام، عن هلال، عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما أكل آل محمد [صلى اللَّه عليه وسلم] أكلتين في يوم واحد إلا وإحداهما تمر [ (3) ] .   [ () ] «الحلوى» كذا لأبى ذر مقصور، ولغيره ممدود، وهما لغتان، قال ابن ولاد: هي عند الأصمعي بالقصر- تكتب بالياء- وعند الفراء بالمد- تكتب بالألف- وقيل: تمد وتقصر، وقال الليث: الأكثر على المد، وهو كل حلو يؤكل، وقالى الخطّابى: اسم الحلوى لا يقع إلا على ما دخلته الصنعة. وفي المخصص لابن سيده: هي ما عولج من الطعام بحلاوة، وقد تطلق على الفاكهة. قال ابن بطال: الحلوى والعسل من جملة الطيبات المذكورة في قوله تعالى: كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وفيه تقوية لقول من قال: المراد به المستلذ من المباحات. ودخل في معنى هذا الحديث كل ما يشابه الحلوى والعسل من أنواع المآكل اللذيذة. وقال الخطّابىّ وتبعه ابن التين: لم يكن حبه صلى اللَّه عليه وسلم لها على معنى كثرة التشهي لها، وشدة نزاع النفس إليها وإنما كان ينال منها إذا أحضرت إليه نيلا صالحا، فيعلم بذلك أنها تعجبه. ويؤخذ منه جواز اتخاذ الأطعمة من أنواع شتى، وكان بعض أهل الورع يكره ذلك ولا يرخص أن يأكل من الحلاوة إلا ما كان حلوه بطبعه كالتمر والعسل، وهذا الحديث يرد عليه. وإنما تورع عن ذلك من السلف من آثر تأخير تناول الطيبات إلى الآخرة، مع القدرة على ذلك في الدنيا، تواضعا لا شحا. ووقع في كتاب (فقه اللغة للثعالبي) : أن حلوى النبي صلى اللَّه عليه وسلم التي كان يحبها هي المجيع بالجيم بوزن عظيم، وهو تمر يعجن بلبن. (فتح الباري) . [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 88، حديث رقم (33795) . [ (2) ] وهي قصة المغافير، ذكرها المفسرون عند تفسيرهم لقول اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ. وحتى قوله تعالى: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً [التحريم: 1- 5] . [ (3) ] سبق تخريجه. وأخرجه الدارميّ في (السنن) : 2/ 107، باب في الحلواء والعسل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 ولهما من حديث وهيب، حدثنا منصور بن أمية، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] : توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين شبعنا من الأسودين: التمر والماء، وفي لفظ للبخاريّ: توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين: التمر والماء. ولهما من حديث يزيد بن رومان، عن عروة عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، أنها تقول: واللَّه يا ابن أختى، ثلاثة أهله في شهرين، وما [أوقد] في أبيات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نار، قلت: يا خالة! فما كان [يعيشكم؟] قالت: الأسودين، التمر والماء، إلا أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منايح، وكانوا يمنحون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ألبانها فيسقينا. وقال البخاري: كانت لهم منايح، وكانوا يمنحون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ألبانهم فيسقينا [ (1) ] . ولهما في لفظ آخر قالت: إن كنا آل محمد لنمكث شهرا ما نستوقد بنار، إن هو إلا التمر والماء، ولفظ مسلم: إن كنا لنمكث، ولم يذكر آل محمد. وزاد أبو كريب في حديثه، عن ابن نمير عن هشام بن عروة بهذا الإسناد، إلا أن يأتينا اللحيم. وفي لفظ للبخاريّ قالت: كان يأتى علينا الشهر ما نوقد نارا، إنما هو التمر والماء، إلا أن نؤتى باللحيم [ (2) ] . ولأبى داود من حديث محمد بن أبى يحيى، عن يزيد الأعور، عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم آخذ كسرة من خبز شعير، فوضع عليها تمرة وقال: هذه إدام هذه. وفي لفظ: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وضع تمرة على كسرة فقال: هذه إدام هذه [ (3) ] . وله من حديث الوليد بن مزيد قال: سمعت ابن جابر قال: حدثنا سليم   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] سبق تخريجه وهو في (صحيح مسلم) : كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (26) والّذي يليه. [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 173، كتاب الأطعمة، باب (42) في التمر، حديث رقم (3830) ، ونسبه المنذري للترمذي أيضا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 ابن عامر، عن ابني بسر السّلميّين قالا: دخل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقدّمنا إليه تمرا وزبدا، وكان يحب التمر والزبد [ (1) ] . ولمسلم من حديث حفص بن غياث، عن مصعب بن سليم قال: حدثنا أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم مقعيا يأكل تمرا [ (2) ] . وخرّجه الدارميّ عن مصعب قال: سمعت أنس بن مالك يقول: أهدى إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم التمر، فأخذ يهديه. وقال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل تمرا مقعيا من الجوع. قال: يهديه، يعنى يهدى هاهنا، وهاهنا [ (3) ] . ولمسلم من حديث ابن عيينة، عن مصعب بن سليم، عن أنس قال: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بتمر، فجعل يقسمه وهو [محتفز] ، يأكل منها أكلا ذريعا. وفي رواية زهير: أكلا حثيثا [ (4) ] . ولأبى داود من حديث همام، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس قال: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بتمر عتيق، فجعل يفتشه يخرج منه السوس [ (5) ] . وفي لفظ: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يؤتى بالتمر فيه الدود.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3837) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1106- 1107، كتاب الأطعمة، باب (43) التمر بالزبد، حديث رقم (3334) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 239، كتاب الأشربة، باب (24) استحباب تواضع الآكل وصفة قعوده، حديث رقم (148) ، قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «مقعيا» ، أي جالسا على أليتيه ناصبا ساقيه. [ (3) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 104، باب في التمر. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 239- 240، كتاب الأشربة، باب (24) استحباب تواضع الآكل، وصفة قعوده، حديث رقم (149) ، قوله: «أكلا ذريعا وحثيثا هما بمعنى أي مستعجلا صلى اللَّه عليه وسلم لاستيفازه لشغل آخر، فأسرع في الأكل، وكان استعجاله ليقضى حاجته منه، ويرد الجوعة، ثم يذهب في ذلك الشغل. وقوله: «فجعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقسمه» أي يفرقه على من يراه أهلا لذلك، وهذا التمر كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وتبرع بتفريقه صلى اللَّه عليه وسلم فلهذا كان يأكل منه، واللَّه تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي) . [ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 174، كتاب الأطعمة، باب (43) في التفتيش في التمر المسوّس عند الأكل، حديث رقم (3832) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 فذكر معناه [ (1) ] . وللحاكم من حديث طلحة بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يسمى التمر واللبن الأطيبان [ (2) ] . قال: هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه] [ (3) ] . ولابن حيّان من حديث ياسين الزيات عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان أحب التمر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العجوة [ (4) ] . ومن حديث عبيد بن القاسم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل الطعام مما يليه، حتى إذا جاء التمر جالت يده [ (5) ] . ومن حديث شعبة، عن يزيد بن [جهيم] قال: سمعت عبد اللَّه بن بسير يقول: دخل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأتاه أبى بتمر وسويق، فجعل يأكل التمر ويلقى النوى على ظهر إصبعيه ثم يلقيه، يعنى السبابة والوسطى.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3833) ، وهو حديث مرسل، وأخرج ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1106، كتاب الأطعمة، باب (42) تفتيش التمر، حديث رقم (3333) . وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 283، كتاب الصداق، باب الأكل متكئا. وأخرجه الترمذي في (الشمائل) : 124- 125، حديث رقم (143) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 61، حديث رقم (12688) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 119، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7081) ، قال الذهبي في (التلخيص) : طلحة بن زيد ضعيف. [ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (4) ] (أخلاق النبي) : 204، (كنز العمال) : حديث رقم (18217) ، (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 240، وسنده ضعيف. [ (5) ] (الكامل في الضعفاء) : 5/ 349، ترجمة عبيد بن القاسم الأسدي، رقم (539/ 1507) ، وفيه: «جالت يده في الإناء» وعبيد بن القاسم الأسدي الكوفي، يقال: أنه ابن أخت سفيان الثوري، ضعفوه، وقالوا: متروك وكذاب، ترجمته في (تهذيب التهذيب) : 7/ 67. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 وأمّا أكله العنب فروى أبو الجارود عن حبيب بن يسار، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل العنب خرطا [ (1) ] . وأمّا أكله الرّطب والبطيخ فخرّج أبو داود من حديث أبى أسامة قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب ويقول: نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحر هذا [ (2) ] . وخرّج الدارميّ من حديث الحسن بن عرفة، أخبرنا يعقوب بن الوليد،   [ (1) ] يقال: خرط العنقود خرطا إذا وضعه في فمه، وأخذ حبّه، وخرج عرجونه عاريا. وفي رواية ذكرها ابن الأثير: خرصا، بالصاد بدل الطاء، أي من غير عدد. قال العراقي: رواه ابن عدي في (الكامل) من حديث العباس، والعقيلي في (الضعفاء) من حديث ابن عباس هكذا مختصرا، وكلاهما ضعيف. وكذا رواه الطبراني في (الكبير) ، هو والعقيلي في (الضعفاء) من طريق داود بن عبد الجبار، عن ابن الجارود، عن حبيب بن يسار، عن ابن عباس رفعه: «كان يأكل العنب خرطا» . قال العقيلي: داود ليس بثقة، ولا يتابع عليه، وأخرجه البيهقي في (الشعب) من طريقتين ثم قال: ليس فيه إسناد قوى، وأورده ابن الجوزي في (الموضوعات) ولم يصب، بل هو ضعيف. (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 238، (شعب الإيمان) : 5/ 106، باب في المطاعم والمشارب، حديث رقم (5967) ، (الموضوعات) 2/ 288، باب كيف يؤكل العنب. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 173، كتاب الأطعمة، باب (45) في الجمع بين لونين في الأكل، حديث رقم (3836) . فيه إثبات الطب والعلاج، ومقابلة الشيء الضار بالشيء المضاد له في طبعه على مذهب الطب والعلاج، وفيه إباحة التوسع من الأطعمة، والنيل من الملاذ المباحة، (معالم السنن) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 عن أبى حازم، عن سهل بن سعدان، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم [كان] يأكل البطيخ بالرطب [ (1) ] . ومن حديث وهيب عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن نبي اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] كان يعجبه [الجمع] بين البطيخ والرطب [ (1) ] . وخرّج الحاكم من حديث مطر الوراق، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يأخذ الرطب بيمينه، والبطيخ بيساره، فيأكل الرطب والبطيخ، وكان أحب الفاكهة إليه. قال: هذا تفرد به يوسف بن عطية عن مطر، ولم يحتجّا به، وإنما يعرف هذا المتن بغير هذا اللفظ، من حديث عائشة رضى اللَّه عنها [ (2) ] . وخرجه ابن حيان أيضا من طريق مطر [ (3) ] . وخرّج الترمذي في (الشمائل) من حديث جرير، عن حميد، عن أنس قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجمع بين الخربز والرطب [ (4) ] .   [ (1) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 103، باب من لم ير بأسا أن يجمع بين الشيئين، وفيه: «القثاء بالرطب» ، لكن أخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 246- 247، كتاب الأطعمة، باب (36) ما جاء في أكل البطيخ بالرطب، حديث رقم (1843) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسل، ولم يذكر فيه عائشة رضى اللَّه عنها وقد روى يزيد ابن رومان عن عروة عن عائشة هذا الحديث. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 134، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7137) ، قال الذهبي في (التلخيص) : تفرد به يوسف [وهو واه] . وأخرجه الحميدي في (المسند) : 1/ 124، حديث رقم (255) . [ (3) ] (أخلاق النبي) : 215- 216. [ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 165، حديث رقم (200) ، والخربز: بكسر الخاء هو البطيخ، وقيل: هو معرب عن الفارسية، والمراد النوع الأصفر [الشّمام كما يسميه أهل مصر، وأجوده ما كان من الإسماعيلية إحدى محافظات مصر] فإن فيه برودة يعدّلها الرطب. والحديث أخرجه كل من: الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 606، حديث رقم (12041) ، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 215، 217، من طريقي عبد اللَّه بن أبى بكر العنقى، ومسلم بن إبراهيم. وبالجملة فهو حديث صحيح الإسناد، ورجال إسناده ثقات. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 وخرج الخطيب من طريق حسان بن سياه، حدثني ثابت البناني عن أنس قال: قالت عائشة: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إذا جاء الرطب فهنئينى [ (1) ] . وخرّج ابن حيّان من حديث إسرائيل الأعور، عن أنس قال: كنت إذا قدمت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رطبا، أكل الرطب وترك المذنب. ومن حديث القرارى، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب أن يفطر على رطبات في زمان الرطب، وعلى التمر إذا لم يكن رطب، ويجعلهن وترا، ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا [ (2) ] .   [ (1) ] (تاريخ بغداد) : 5/ 107، في ترجمة أحمد بن محمد الضبعي الأحول، برقم (2513) . [ (2) ] وفي ختام هذه الفقرة نذكر ما أورده ابن القيم عن البطيخ والرطب، قال.. بعد أن ذكر حديث أبى داود والترمذي، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه كان يأكل البطيخ بالرطب، يقول: نكسر حرّ هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحرّ هذا-: وفي البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شيء غير هذا الحديث الواحد، والمراد به الأخضر، وهو بارد رطب، وفيه جلاء، وهو أسرع انحدارا عن المعدة من القثاء والخيار، وهو سريع الاستحالة إلى أي خلط كان صادفه في المعدة، وإذا كان آكله محرورا انتفع به جدا، وإن كان مبرودا دفع ضرره بيسير من الزنجبيل ونحوه، وينبغي أكله قبل الطعام ويتبع به، وإلا غثّى وقيّأ. ثم ذكر حديث أنس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلى، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء [رواه أبو داود برقم (2356) ، والترمذي برقم (696) ، وأحمد برقم (12265) . ثم قال: طبع الرطب طبع المياه، حار رطب يقوى المعدة الباردة ويوافقها، ويزيد في الباه، ويخصب البدن، ويوافق أصحاب الأفرجة الباردة، ويغذو غذاء كثيرا، وهو من أعظم الفاكهة موافقة لأهل المدينة وغيرها من البلاد التي هو فاكهتهم فيها، وأنفعها للبدن، وإن كان لم يعتده يسرع التعفن في جسده، ويتولد عنه دم ليس بمحمود، ويحدث في إكثاره من صداع وسوداء، ويؤذى أسنانه. وفي فطر النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الصوم عليه، أو على التمر أو على الماء، تدبير لطيف جدا، فإن الصوم يخلى المعدة من الغذاء، فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء، والحلو أسرع شيء وصولا إلى الكبد، وأحبه إليها، ولا سيما إذا كان رطبا، فيشتد قبولها له، فتنتفع به هي والقوى، فإن لم يكن فالتمر لحلاوته وتغذيته، فإن لم يكن فحسوات الماء تطفى لهيب المعدة، وحرارة الصوم، فتنتبه المعدة بعده للطعام، وتأخذه بشهوة (زاد المعاد) : 4/ 286- 287، 4/ 312- 313. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 وأمّا أكله الزّيت فخرج مسلم من حديث ابن قسيط، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لقد مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين [ (1) ] . وأمّا أكله السمك فخرج البخاري من حديث ابن جريج، أخبرنى عمرو أنه سمع جابرا يقول: غزونا جيش الخبط، وأمّر أبو عبيدة بن الجراح، فجعنا جوعا شديدا، فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله، يقال له العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته. [زاد في] المغازي: أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: فقال أبو عبيدة: كلوا فلما قدمنا المدينة، ذكرنا ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: كلوا رزقا أخرجه اللَّه، أطعمونا إن كان معكم، فأتاه بعضهم بعضه فأكله [ (2) ] . [وفي رواية ابن السكن: «فأتاه بعضهم بعضو منه فأكله» ] [ (3) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 317، كتاب الزهد والرقائق حديث رقم (2974) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 97- 98، كتاب المغازي، باب (66) غزوة سيف البحر، وهم يتلقون عيرا لقريش، وأميرهم أبو عبيدة، حديث رقم (4360) ، حديث رقم (4361) ، وحديث رقم (4362) ، وهو الحديث المذكور في الباب. [ (3) ] زيادة للسياق من (فتح الباري) ، قال عياض: وهو الوجه. وفي الحديث من الفوائد: مشروعية المواساة بين الجيش عند وقوع المجاعة، وأن الاجتماع على الطعام يستدعى البركة فيه. قال أهل اللغة: العنبر سمكة بحرية كبيرة، يتخذ من جلدها الترسة، ويقال: إن العنبر المشموم رجيع هذه الدابة. وقال ابن سيناء: بل المشموم يخرج من البحر، وإنما يؤخذ من أجواف السمك الّذي يبتلعه. ونقل الماوردي عن الشافعيّ قال: سمعت من يقول: رأيت العنبر نابتا في البحر ملتويا مثل عنق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 ولفظ مسلم: فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ قال: فأرسلنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منه فأكله [ (1) ] . ذكره البخاري في الصيد والذبائح، وفي كتاب المغازي وفيه قصة [ (2) ] . وكرّراه من طرق.   [ () ] الشاة، وفي البحر دابة تأكله، وهو سمّ لها، فيقتلها، فيقذفها، فيخرج العنبر من بطنها. وقال الأزهري: العنبر سمكة تكون بالبحر الأعظم، يبلغ طولها خمسين ذراعا، يقال لها: بالة، وليست بعربية. وأخرجه البخاري أيضا في: كتاب الذبائح والصيد، باب (12) قول اللَّه تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ، وقال عمر: صيده: ما اصطيد، وطعامه: ما رمي به، وقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: الطافي في حلال، وقال ابن عباس رضى اللَّه عنه: طعامه ميتته، إلا ما قذرت منها، حديث رقم (5493) ، وحديث رقم (5494) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 90، كتاب الصيد والذبائح، باب (4) ، إباحة ميتات البحر، حديث رقم (1935) . وأخرج أبو داود في (السنن) : 4/ 165- 166، كتاب الأطعمة، باب (36) في أكل الطافي من السمك، حديث رقم (3815) : «ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه» . جزر عنه: أي تقلص عنه ماء البحر وقت الجزر عنه، وقد ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه أباح الطافي من السمك، ثبت ذلك عن أبى بكر الصديق، وأبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه عنهما. وإليه ذهب عطاء بن أبى رباح، ومكحول، وإبراهيم النخعي، وبه قال مالك، والشافعيّ، وأبو ثور، وروى عن جابر وابن عباس رضى اللَّه عنه أنهما كرها الطافي من السمك، وإليه ذهب جابر بن زيد وطاووس، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، (معالم السنن) . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1081، كتاب الصيد، باب (18) الطافي من صيد البحر، حديث رقم (3246) ، وحديث رقم (3247) . وأخرجه الواقدي مختصرا جدا في (المغازي) ، في سرية الخبط، أميرها أبو عبيدة رضى اللَّه عنه: 7/ 776- 777 . [ (2) ] تراجع هذه القصة في كتاب المغازي من (فتح الباري) ، شرح الحديث رقم (4360) ، والحديث رقم (4361) ، وقد أمسكنا عن ذكرها خشية الإطالة. قال ابن القيم: أصناف السمك كثيرة، وأجوده ما لذّ طعمه، وطاب ريحه، وتوسط مقداره، وكان رقيق القشر، ولم يكن صلب اللحم ولا يابسه، وكان في ماء عذب جار على الحصباء، ويتغذى بالنبات لا الأقذار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 وأمّا أكله البيض فذكر الواقدي أن علبة بن زيد الحارثي، جاء في غزوة ذات الرقاع [ (1) ] بثلاث بيضات فقال: يا رسول اللَّه! وجدت هذه البيضات في مفحص نعام، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: دونك يا جابر، فاعمل هذه البيضات، فوثبت فعملتهن، ثم جئت بالبيض في قصعة، وجعلت أطلب خبزا ولا أجده، قال: فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون من ذلك البيض بغير خبز، قال جابر: فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمسك يده، وأنا أظن أنه قد انتهى إلى حاجته، والبيض في القصعة كما هو، ثم قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأكل منه عامة أصحابنا، ثم رحنا مبردين [ (2) ] .   [ () ] وأصلح أماكنه ما كان في نهر جيد الماء، وكان يأوى إلى الأماكن الصخرية، ثم الرملية، والمياه الجارية العذبة التي لا قذر فيها، ولا حمأة، الكثيرة الاضطراب والتموج، المكشوفة للشمس والرياح. والسمك البحريّ فاضل، محمود، لطيف، والطري منه بارد رطب، عسر الهضم، يولد بلغما كثيرا، إلا البحري وما جرى مجراه، فإنه يولد خلطا محمودا، وهو يخصب البدن، ويزيد في المنى، ويصلح الأفرجة الحارة. وأما المالح، فأجوده ما كان قريب العهد بالتملح، وهو حار يابس، وكلما تقادم عهده ازداد حرّه ويابسه. (زاد المعاد) : 4/ 325- 326. [ (1) ] قال الواقدي: فإنما سميت ذات الرقاع، لأنه جبل فيه بقع حمر وسود وبيض، وزاد السهيليّ: سميت ذات الرقاع لأنهم رقعوا راياتهم، ويقال: ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع، وكانت ليلة السبت لعشر خلون من المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرا، وقدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صرار [اسم بئر] يوم الأحد لخمس بقين من المحرم، وغاب خمس عشرة ليلة. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 399، غزوة ذات الرقاع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 فصل في هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الأكل اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وإذا أتى بالباكورة من التمر دعا اللَّه بالبركة، ويأكل بثلاثة أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها، ويأكل مما يليه، ولا يأكل متكئا، ولا يذم طعاما، ويسمى اللَّه إذا أكل، ويحمده إذا فرغ. وأمّا قبوله الهدية وامتناعه من أكل الصدقة فخرج البخاري في آخر كتاب الجهاد، من حديث شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، أن الحسن بن على رضى اللَّه عنهما، أخذ تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم [بالفارسية] كخ كخ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة [ (1) ] . وذكره في كتاب الزكاة ولفظه: أما [شعرت] أنا لا نأكل الصدقة [ (2) ] ؟ وخرّجه مسلم في آخر كتاب الزكاة بهذا السند ولفظه: ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة [ (3) ] ؟ وفي لفظ آخر له: إنا لا تحل لنا الصدقة [ (4) ] . وللبخاريّ من حديث إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد عن أبى   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 226، كتاب الجهاد والسير، باب (188) من تكلم بالفارسية والرطانة، وقول اللَّه عزّ وجلّ: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ [الروم: 22] . وقال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: 4] ، حديث رقم (3072) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] (المرجع السابق) : كتاب الزكاة، باب (60) ما يذكر في صدقه النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1491) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 181، كتاب الزكاة، حديث رقم (161) . [ (4) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 هريرة قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يؤتى بالتمر عند صرام النخل، فيجيء هذا بتمره، وهذا [من] تمره، حتى يصير عنده كوما من تمر، فجعل الحسن والحسين [رضى اللَّه عنهما] يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرة، فجعلها في فيه، فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخرجها من فيه وقال: أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة [ (1) ] ؟. وأخرجاه أيضا من حديث معمر، عن همّام بن منبه، عن أبى هريرة [ (2) ] . وخرّج البخاري في كتاب اللقطة، في باب: إذا وجد تمرة في الطريق، من حديث معمر، عن همام، عن أبى هريرة، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها [ (3) ] . وخرّجه مسلم في الزكاة ولفظه: عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فذكر أحاديث منها، وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي أو في بيتي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها [ (4) ] . ومن حديث ابن وهب قال: أخبرنى عمرو أن أبا يونس مولى أبى هريرة   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 447، كتاب الزكاة، باب (57) أخذ صدقة التمر عند صرام النخل، وهل يترك الصبى فيمسّ من تمر الصدقة؟ حديث رقم (1485) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 182، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعلى آله، وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب دون غيرهم، حديث رقم (163) ، وأخرجه البخاري في كتاب اللقطة، باب (6) إذا وجد تمرة في الطريق، حديث رقم (3432) . [ (3) ] (فتح الباري) : 5/ 108، كتاب اللقطة، باب (6) إذا وجد تمرة في الطريق، حديث رقم (3432) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 182، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، حديث رقم (163) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 حدثه، عن أبى هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال مثله، ولم يقل: أو في بيتي [ (1) ] . وخرّج البخاري في كتاب اللقطة، من حديث سفيان، عن منصور، عن طلحة، عن أنس قال: مرّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم بتمرة في الطريق فقال: لولا أنى أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها [ (2) ] . وذكره في البيوع، ولفظه: مرّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم بتمرة مسقوطة فقال: لولا أن يكون صدقة لأكلتها [ (3) ] . وقال همام: عن أبى هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: أجد تمرة ساقطة على فراشي.. هكذا، ذكر هذا متصلا بحديث أنس، وترجم عليه باب: ما يتنزه عن الشبهات [ (3) ] . وخرجه مسلم من طرق، بعضها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها [ (4) ] . وبعضها قال: حدثنا أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرّ بتمرة بالطريق فقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها [ (4) ] . وبعضها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أن تكون صدقة لأكلتها [ (4) ] . [ولأبى داود] من حدث حماد عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يمر بالتمرة [العائرة] ، فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (162) . [ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 108، كتاب اللقطة، باب (6) إذا وجد تمرة في الطريق، حديث رقم (2431) . [ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 368، كتاب البيوع، باب (4) ما يتنزه من الشبهات، حديث رقم (2055) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 182، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، حديث رقم (164) ، وحديث رقم (165) ، وحديث رقم (166) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 تكون من الصدقة [ (1) ] . ومن حديث خالد بن قيس، عن قتادة، عن أنس [بن مالك، رضى اللَّه عنه، قالا] : إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أنى أخاف أن تكون [صدقة] لأكلتها [ (2) ] . ولأبى داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] ، من حديث شعبة عن الحكم، عن ابن أبى رافع، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعث رجلا من بنى مخزوم على الصدقة فقال لأبى رافع: اصحبنى كيما تصيب منها. فقال: حتى آتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأسأله، فانطلق إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فسأله، فقال: إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم وقال أبو داود: فقال: مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأبو رافع: مولى النبي صلى اللَّه عليه وسلم اسمه أسلم، وابن أبى رافع: هو عبيد اللَّه بن أبى رافع، كاتب على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه. وخرّجه النسائي من حديث يحيى، عن شعبة ولفظه: إن الصدقة لا تحل   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 299، كتاب الزكاة، باب (29) الصدقة على بنى هاشم، حديث رقم (1651) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. «العائرة» : هي الساقطة على وجه الأرض، لا يعرف من صاحبها، ومن هذا قيل عار الفرس إذا انفلت على صاحبه فذهب على وجهه ولا يدفع. وهذا أصل في الورع، وفي أن كل ما لا يستبينه الإنسان من شيء طلقا لنفسه فإنه يجتنبه ويتركه. وفيه دليل على أن التمرة ونحوها من الطعام إذا وجدها الإنسان ملقاة في طريق ونحوها أن له أخذها وأكلها إن شاء، وإنها ليست من جملة اللقطة التي حكمها الاستيناء بها والتعريف لها. (معالم السنن) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1652) ، وما بين الحاصرتين في (خ) ، (ج) : «من الصدقة» ، وصوبناه من (المرجع السابق) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 12/ 298، كتاب الزكاة، باب (29) . الصدقة على بنى هاشم، حديث رقم (1650) ، واللفظ للترمذي. [ (4) ] (سنن الترمذي) : 3/ 46، كتاب الزكاة، باب (25) ، ما جاء في كراهية الصدقة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وأهل بيته ومواليه، حديث رقم (657) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 لنا، وإن مولى القوم منهم [ (1) ] . وذكره [البخاري] في كتاب قبول الهدية من حديث إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد، عن أبى هريرة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بطعام سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل، فإن قيل: هدية: ضرب بيده فأكل معهم [ (2) ] . وخرّجه مسلم في كتاب الزكاة ولفظه: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بطعام سأل عنه، فإن قيل: هدية أكل منها، وإن قيل: صدقة لم يأكل منها [ (3) ] . وخرّجه النسائي من حديث عبد الواحد [بن] واصل، أخبرنا بهز بن حكيم عن أبيه، عن جده قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بشيء سأل عنه، أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة لم يأكل، وإن قيل هديه بسط يده [ (4) ] . وخرّج البخاري من حديث شعبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بلحم تصدّق به على بريرة فقال: هو عليها صدقة ولنا هدية. ذكره في كتاب الزكاة [ (5) ] ، وفي كتاب الهبة [ (6) ] . وخرّجه أبو داود   [ (1) ] (سنن النسائي) : 5/ 112، كتاب الزكاة، باب (97) مولى القوم منهم، حديث رقم (2611) . [ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 254، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (7) قبول الهدية، حديث رقم (175) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 190، كتاب الزكاة، باب (53) قبول النبي صلى اللَّه عليه وسلم الهدية ورده الصدقة، حديث رقم (175) . [ (4) ] (سنن النسائي) : 5/ 112، كتاب الزكاة، باب (98) الصدقة لا تحل للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2612) ، ولفظه: «كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بشيء سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة لم يأكل، وإن قيل هديه بسط يده» وهو من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وبسط يده يعنى أكل. [ (5) ] (فتح الباري) : 3/ 454، كتاب الصدقة، باب (62) إذا تحولت الصدقة، حديث رقم (1495) . [ (6) ] (المرجع السابق) : 5/ 254، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (7) قبول الهدية، حديث رقم (2577) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 بمثله [ (1) ] . وخرّجه مسلم [ (2) ] ولفظه: قال: أهدت بريرة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لحما تصدّق به عليها، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية. وخرّجاه وفيه قصة. ولمسلم [ (3) ] من حديث الليث، عن ابن شهاب، أن عبيد بن السباق قال: إن جويرية زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبرته أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دخل عليها فقال: هل من طعام؟ قالت: لا واللَّه يا رسول اللَّه! ما عندنا طعام إلا عظم من شاة أعطيته مولاتي من الصدقة، فقال: قرّبيه، فقد بلغت محلّها. وللبخاريّ ومسلم من حديث خالد، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية الأنصارية قالت: دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على عائشة فقال: هل عندكم شيء؟ فقالت: لا، إلا شيء بعثت به إلينا نسيبة، من الشاة التي بعث بها من الصدقة، فقال: إنها قد بلغت محلها. ذكره البخاري في باب: إذا تحولت الصدقة في كتاب الهبة، وفي كتاب الزكاة [ (4) ] ، وألفاظ طرق مسلم متقاربة. وخرّج الإمام أحمد من حديث عيسى بن يونس قال: أخبرنا هشام ابن عروة عن أبيه، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها [ (1) ] .   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 301، كتاب الزكاة، باب (30) الفقير يهدى للغنى من الصدقة، حديث رقم (1655) . وبريرة: مولاة أم المؤمنين عائشة رضى اللَّه عنها. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 188، كتاب الزكاة، باب (52) إباحة الهدية للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، ولبني هاشم، وبنى المطلب، وإن كان المهدي ملكها بطريق الصدقة، إذا قبضها المتصدّق عليه زال عنها صفة الصدقة، وحلت لكل أحد ممن كانت الصدقة محرمة عليه، حديث رقم (1074) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1073) . [ (4) ] سبق تخريجه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 [وقال ابن سعد: أخبرنا شبابة بن سواد، ومالك بن إسماعيل وعبد اللَّه بن صالح قال: حدثنا إسرائيل عن ثوير، عن أبيه، قال مالك وعبد اللَّه بن صالح، عن على رضى اللَّه عنه قال: [ (1) ] أهدى كسرى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقبل منه، وأهدت له الملوك فقبل منهم] [ (2) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 131، حديث رقم (24070) . [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 389، ذكر قبول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الهدية وتركه الصدقة، وما بين الحاصرتين من (خ) وليس في (ج) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 وأمّا ما يقوله عند الباكورة فخرج الدارميّ من حديث نعيم بن حماد، عن عبد العزيز بن محمد عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بالباكورة بأول الثمرة قال: اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمرتنا، وفي مدّنا، وفي صاعنا، واجعل بركة مع بركة، ثم يعطيه أصغر من يحضر من الولدان [ (1) ] . ولأبى داود من حديث جرير بن حازم، عن يونس الأبلي، عن ابن شهاب، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى [بالباكور] قال بعضهم: بالباكورة، قبّلها ووضعها على عينيه [ (2) ] . وفي لفظ: كان إذا أتى بالباكورة من الفاكهة، وضعها على عينيه ثم أكل منها وقال: اللَّهمّ كما أطعمتنا أولها، فأطعمنا آخرها، وبارك لنا فيها. ومن حديث عبد العزيز بن محمد، عن العلاء، عن أبيه، عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بالباكورة قبّلها ووضعها على عينيه،   [ (1) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 106- 107، باب في الباكورة. [ (2) ] هذا الحديث أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب (85) فضل المدينة ودعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها، حديث رقم (1373) : عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أنه قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا أخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: اللَّهمّ بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مدّنا، اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك، وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وأنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه، قال: ثم يدعو أصغر وليد فيعطيه ذلك الثمر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 وأعطاها أصغر من يحضر من الولدان [ (1) ] . وخرّجه ابن حيّان من حديث الدّراوردى، عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بالباكورة من التمر قال: اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا، ومدّنا، وصاعنا، واجعل مع البركة بركة، ثم يعطيه أصغر من حضره من الولدان [ (2) ] . وخرّج الترمذي في (الشمائل) ، من حديث مالك، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا أخذه قال: اللَّهمّ بارك لنا في ثمارنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وفي مدّنا، اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة، ومثله معه، قال: ثم يدعو أصغر وليد يراه، فيعطيه ذلك الثمر [ (3) ] .   [ (1) ] وأخرجه من طرق وبسياقات مختلفة كل من: النسائي في (عمل اليوم والليلة) : 108، باب ما يقول إذا دعي بأول الثمر فأخذه، والترمذي في (السنن) : 5/ 472، كتاب الدعوات، باب (54) ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر، حديث رقم (3454) ، والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) : 3/ 389، ترجمة محمد بن يعقوب التميمي رقم (1503) ، 9/ 185- 186، ترجمة سفيان بن محمد المصيصي رقم (4766) ، 14/ 217، ترجمة يحيى بن محمد حيكان النيسابورىّ رقم (7508) . [ (2) ] (أخلاق النبي) : 235، وأخرجه أيضا ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1105، كتاب الأطعمة، باب (39) إذا أتى بأول الثمرة حديث رقم (3329) . [ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 166- 167، باب (30) ما جاء في فاكهة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (202) ، قوله: «ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر» فيه بيان ما كان عليه صلى اللَّه عليه وسلم من مكارم الأخلاق وكمال الشفقة والرحمة، وملاطفة الكبار والصغار، وخص بهذا الصغير لكونه أرغب فيه وأكثر تطلعا إليه وحرصا عليه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 وأمّا أكله بثلاث أصابع ولعقها فخرّج مسلم من حديث أبى معاوية، عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن ابن سعد، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها [ (1) ] . ومن حديث زهير بن حرب، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلعق أصابعه الثلاث من الطعام. ولم يذكر محمد بن أبى حاتم عن ابن مهدي الثلاث [ (2) ] . ومن حديث ابن نمير أخبرنا هشام، عن عبد الرحمن بن سعد، أن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وعبد اللَّه بن كعب [بن مالك أو عبد اللَّه بن كعب] [ (3) ] ، أخبره عن أبيه كعب، أنه حدّثهم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها [ (4) ] . [و] رواه أبو بكر الشافعيّ من حديث عمرو بن عثمان قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبى داود، حدثنا ابن أبى جريج، عن هشام بن عروة، عن محمد بن كعب بن عجرة، عن أبيه كعب [رضى اللَّه عنه] قال:   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 216، كتب الأشربة، باب (18) استحباب لعق الأصابع والقصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قل لعقها، حديث بدون رقم بين رقمي (131) ، (132) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (131) ، ثم قال في آخره: وقال ابن أبى شيبة في روايته: عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه. [ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم 132. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث، الإبهام، والتي تليها، والوسطى، ثم رأيته يلعق الوسطى، والتي تليها، ثم الإبهام. وللإمام أحمد من حديث أبى معاوية، أخبرنا هشام بن عروة، عن عبد الرحمن بن سعد، عن [أبىّ بن] [ (1) ] كعب بن مالك، عن أبيه [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها [ (2) ] . وخرّجه الترمذي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن سعد عن ابن كعب عن أبيه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يلعق أصابعه ثلاثا [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 522، حديث رقم (26626) ، ونحوه باختلاف يسير من طريق أخرى، حديث رقم (26627) . [ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 123، حديث رقم (138) ، وقال أبو عيسى: وروى غير محمد بن بشّار هذا الحديث، قال: كان يلعق أصابعه الثلاث، وقد أشار الترمذي إلى شذوذ لفظه «ثلاثا» والمحفوظ «الثلاث» ، وفارق بين اللفظين. وأخرجه الترمذي في (الشمائل) أيضا، حديث رقم (139) عن أنس قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث. وحديث رقم (142) عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن. وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 228، كتاب الأطعمة، باب (11) ما جاء في اللقمة تسقط، حديث رقم (1803) . وأبو داود في (السنن) : 4/ 183- 184، كتاب الأطعمة باب (50) في اللقمة تسقط، حديث رقم (3845) ، عن أنس بن مالك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث وقال: «إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان» وأمرنا أن نسلت الصحفة، وقال: «إن أحدكم لا يدرى في أي طعامه يبارك له» . قال الشيخ: سلت الصحفة تتبّع ما يبقى فيها من الطعام ومسحها بالأصبع ونحوه. وقد بين النبي صلى اللَّه عليه وسلم العلة في لعق الأصابع وسلت الصحفة، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «فإنه لا يدرى في أي طعامه يبارك له فيه» . يقول: لعل البركة فيما لعق بالأصابع والصحفة من لطخ ذلك الطعام، وقد أفسدت عقولهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 ولمسلم من حديث بهز قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا ثابت، عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث [ (1) ] .   [ () ] الترفة، وغيّر طباعهم الشبع والتخمة، وزعموا أن لعق بالأصابع مستقبح أو مستقذر، كأنهم لم يعلموا أن الّذي علق بالأصابع أو الصحفة جزء من أجزاء الطعام الّذي أكلوه وازدردوه، فإذا لم يكن سائر أجزائه المأكولة مستقذرة لم يكن هذا الجزء اليسير منه الباقي في الصحفة واللاصق بالأصابع مستقذرا كذلك. وإذا ثبت هذا فليس بعده شيء أكثر من مسه أصابعه بباطن شفتيه، وها ما لا يعلم عاقل به بأسا، إذا كان الماس والممسوس جميعا طاهرين نظيفين، وقد يتمضمض الإنسان فيدخل إصبعه في فيه، فيدلك أسنانه وباطن فمه، فلم ير أحد ممن يعقل أنه قذارة أو سوء أدب، فكذلك لا فرق بينهما في منظر حسّ ولا مخبر عقل. (معالم السنن) . وأخرج أبو داود أيضا في كتاب الأطعمة من (السنن) ، باب (52) في المنديل، حديث رقم (3847) ، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «إذا أكل أحدكم فلا يمسحن يده بالمنديل حتى يلعقها أو يلعقها» ، وهذا الحديث أخرجه البخاري في الأطعمة، باب لعق الأصابع، ومسلم في الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع، وابن ماجة في الأطعمة، باب لعق الأصابع، وليس في حديثهم ذكر المنديل. ولأبى داود أيضا في كاب الأطعمة من (السنن) : في ذات الباب، حديث رقم (3848) عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 219، كتاب الأشربة، باب (18) استحباب لعق الأصابع والقصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قبل لعقها، حديث رقم (136) ، وتمامه: «وقال إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان، وأمرنا أن نسلت القصعة، قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 وأمّا أكله مما يليه فخرّج ابن حيان من حديث أبى رجاء، عن عبد الحكم، قال: رآني عبد اللَّه بن جعفر، وأنا غلام، وأنا آكل من ها هنا، فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أكل لم تعد يده ما بين يديه [ (1) ] . وأمّا أنه لا يأكل متكئا فخرّج البخاري من حديث مسعر، عن على بن الأقمر، سمعت أبا جحيفة يقول: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لا آكل متكئا [ (2) ] . وخرّجه أبو داود بهذا الإسناد مثله سواء [ (3) ] . وللبخاريّ من حديث جرير عن منصور، عن على بن الأقمر، عن أبى جحيفة قال: [كنت عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم] فقال لرجل عنده: لا آكل وأنا متكئ [ (4) ] . وللنسائى من حديث شريك، عن على بن الأقمر، عن أبى جحيفة قال:   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 654، كتاب الأطعمة، باب (3) الأكل مما يليه، حديث رقم (3577) ، (5378) من طرق وبسياقات مختلفة. (أخلاق النبي) : 192، (كنز العمال) ، حديث رقم (18175) . [ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 675، كتاب الأطعمة، باب (13) الأكل متكئا، حديث رقم (5398) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 140- 141، كتاب الأطعمة، باب (17) ما جاء في الأكل متكئا، حديث رقم (3769) . قال الخطابي: فالمتكئ هو الّذي أوكى مقعدته وشدّها بالقعود على الوطاء الّذي تحته، والمعنى: أنى إذا أكلت لم أقعد متمكنا على الأوطئة والوسائد، فعل من يريد أن يستكثر من الأطعمة ويتوسع في الألوان، ولكنى آكل علقة، وآخذ من الطعام بلغه، فيكون قعودي مستوفزا له. (معالم السنن) . [ (4) ] (فتح الباري) : 9/ 675، كتاب الأطعمة، باب (13) الأكل متكئا، حديث رقم (5399) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أما أنا فلا آكل متكئا. وله من حديث الزهري، عن محمد بن عبد اللَّه بن عباس قال: كان ابن عباس يحدث أن اللَّه أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة، ومعه جبريل، فقال له الملك: إن اللَّه يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا، فالتفت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير، فأشار جبريل بيده أن تواضع، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا، بل أكون عبدا نبيا، فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا [ (1) ] . وخرّجه عبد الرزاق بنحوه، وقال: عن معمر، عن يحيى بن أبى كثير، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد. وقال حماد: عن ثابت البناني، عن شعيب بن عبد اللَّه بن عمرو، عن أبيه قال: ما رئي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل متكئا، ولا يطأ عقبه رجلان [ (2) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) في شرح الحديث السابق. وأخرج الترمذي في (الشمائل) : 119 باب رقم (22) ، ما جاء في تكأة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (133) . عن أبى جحيفة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أما أنا فلا آكل متكئا، وأخرجه في (السنن) 240- 241، كتاب الأطعمة، باب (28) ما جاء في كراهية الأكل متكئا، حديث رقم (1830) ، قال: وفي الباب عن عليّ وعبد اللَّه بن عمرو، وعبد اللَّه بن عباس. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث عليّ بن الأقمر، وروى زكريا ابن أبى زائدة وسفيان الثوري وابن سعيد، وغير واحد، عن عليّ بن الأقمر هذا الحديث، وروى شعبة عن سفيان الثوري هذا الحديث عن عليّ بن الأقمر. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1086، كتاب الأطعمة، باب (6) الأكل متكئا، حديث رقم (3262) . وأخرجه الحميدي في (المسند) : 2/ 386، حديث رقم (832) و 395، حديث رقم (892) والدارميّ في (السنن) : 2/ 106، باب في الأكل متكئا. وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 49، باب ما روى عنه في قوله صلى للَّه عليه وسلم: أما أن فلا آكل متكئا، وللبيهقي في (شعب الإيمان) : 5/ 106، باب في المطاعم والمشارب، الأكل متكئا، حديث رقم (5969) ، (مسند أحمد) : 5/ 398، حديث رقم (18279) ، 400، حديث رقم (18291) . [ (2) ] (شعب الإيمان) : 5/ 107، حديث رقم (5972) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 وأمّا أنه لم يذم طعاما فخرّج البخاري [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] من حديث الأعمش، عن أبى حازم، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: ما عاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم طعاما قط، إذا اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه. ذكره في كتاب الأطعمة، وذكره البخاري أيضا في المناقب بهذا الإسناد، غير أنه قال: وإلا تركه. وخرّجه مسلم أيضا ولفظه: قال: ما عاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعاما قط، كان إذا اشتهى شيئا أكله، وإن كرهه تركه [ (3) ] . وفي رواية قال: ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاب طعاما قط، كان إذا اشتهاه أكله، وإن لم يشتهه سكت [ (4) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 83، كتاب الأطعمة، باب (21) ما عاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم طعاما، حديث رقم (5409) قوله: «ما عاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم طعاما» أي مباحا، أما الحرام فكان يعيبه ويذمه وينهى عنه، وذهب بعضهم إلى أن العيب إن كان من جهة الخلقة كره، وإن كان من جهة الصنعة لم يكره، قال: لأن صنعة اللَّه لا تعاب، وصنعة الآدميين تعاب. قال الحافظ ابن حجر: والّذي يظهر التعميم، فإن فيه كسر قلب الصانع. قال النووي: من آداب الطعام المتأكدة أن لا يعاب، كقوله: مالح، حامض، قليل الملح، غليظ، رقيق، غير ناضج، ونحو ذلك. قوله: «وإن كرهه تركه» ، يعنى مثل ما وقع له في الضب، ووقع في رواية أبى يحيى: «وإن لم يشنهه سكت» ، أي عن عيبه، قال ابن بطال: هذا من حسن الأدب، لأن المرء قد لا يشتهي الشيء ويشتهيه غيره، وكل مأذون في أكله من قبل الشرع ليس فيه عيب. (المرجع السابق) : 6/ 702، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3563) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 137، كتاب الأطعمة، باب (14) باب في كراهية ذم الطعام، حديث رقم (3763) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 269، كتاب الأشربة، باب (35) لا يعيب الطعام، حديث رقم (178) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (188) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 وللترمذي [ (1) ] من حديث عمر بن عبد اللَّه مولى عفرة قال: حدثني إبراهيم بن محمد، من ولد على بن أبى طالب، عن على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يذم ذواقا ولا يمدحه.   [ (1) ] الحديث الّذي في (سنن الترمذي) : 4/ 331، كتاب البر والصلة، باب (84) ما جاء في ترك العيب للنعمة، حديث رقم (2031) ، عن الأعمش، عن أبى حازم عن أبى هريرة قال: «ما عاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعاما قط، كان إذا اشتهاه أكله وإلا تركه» . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وأبو حازم هو الأشجعيّ الكوفيّ، واسمه سلمان مولى عزّة الأشجعية. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1085، كتاب الأطعمة، باب (4) النهى أن يعاب الطعام، حديث رقم (3259) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 وأمّا التسمية إذا أكل وحمد اللَّه بعد فراغه من الأكل فخرّج البخاري والنسائي من حديث سفيان، عن ثور، عن خالد بن معدان، عن أبى أمامة رضى اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: الحمد للَّه كثيرا طيبا مباركا فيه، غير مكفىّ ولا مودّع، ولا مستغنى عنه ربنا [ (1) ] . وقال البخاري: كان إذا فرغ من طعامه، ومرة إذا رفع مائدته قال: الحمد للَّه الّذي كفانا وأروانا، غيّر مكفئ، ولا مكفور. وقال مرة: لك الحمد ربنا غير مكفىّ، ولا مودّع، ولا مستغنى عنه ربنا [ (2) ] . وخرجه أبو داود وقال: إذا رفعت المائدة [ (3) ] ، وخرّجه النسائي [ (4) ] . وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا عبد اللَّه بن عامر الأسلمي، عن أبى عبيد حاجب سليمان، عن نعيم بن سلامة، عن رجل من بنى سليم، وكانت له صحبة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: اللَّهمّ لك الحمد، أطعمت، وأسقيت، وأشبعت، وأوريت، فلك الحمد غير مكفور،   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 723، كتاب الأطعمة، باب (54) ، ما يقول إذا فرغ من طعامه، حديث رقم (5458) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5459) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 186- 187، كتاب الأطعمة، باب (53) ، ما يقول الرجل إذا طعم، حديث رقم (3849) . قوله: «غير مكفىّ ولا مودّع ولا مستغنى عنه ربنا» معناه: إن اللَّه سبحانه هو المطعم والكافي، وهو غير مطعم ولا مكفىّ، كما قال سبحانه: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ [الأنعام: 14] . وقوله: «مودع» ، أي غير متروك الطلب إليه، والرغبة فيما عنده، ومنه قوله سبحانه: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى [الضحى: 3] ، أي ما تركك ولا أهانك. [ (4) ] أخرجه النسائي في (السنن الكبرى) : كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا شبع من الطعام. حديث رقم (283) ، (284) . [هامش (الشمائل) ] : 160. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 ولا مودع، ولا مودع، ولا مستغنى عنك [ (1) ] . ولأبى داود والنسائي من حديث سفيان، عن أبى هاشم إسماعيل بن كثير، عن إسماعيل بن رباح، عن رباح بن عبيدة، عن أبى سعيد الخدريّ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد للَّه الّذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين [ (2) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 6/ 335، حديث رقم (21664) ، 6/ 341، حديث رقم (21696) ، 6/ 350، حديث رقم (21753) ، 6/ 358، حديث رقم (21798) ، كلهم من حديث أبى أمامة الباهلي رضى اللَّه تعالى عنه. وأخرجه الترمذي (في السنن) : 5/ 473، كتاب الدعوات، باب (56) ما يقول إذا فرغ الطعام، حديث رقم (3456) ، قوله: «غير مودّع ... » ينصب على أنه حال من الحمد، ومودّع اسم مفعول من التوديع: أي غير متروك، أو حال من الطعام، يعنى لا يكون آخر طعامنا من اللَّه، وغير مستغنى عنه، أي هو محتاج إليه، و «ربّنا» روي بالرفع والنصب والجر: * فالرفع: على تقدير هو ربّنا، وأنت ربّنا اسمع حمدنا ودعانا، أو على أنه مبتدأ خبره غير بالرفع وتقدم عليه. * والنصب: على أنه منادى حذف منه ياء النداء، أو على المدح أو الاختصاص. * والجر: على أنه بدل من اللَّه، أو على أنه بدل من الضمير في عنه. وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 286، كتاب الصداق، باب ما يقول إذا فرغ من الطعام. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1092- 1093، كتاب الأطعمة، باب (16) ما يقال إذا فرغ من الطعام، حديث رقم (3284) . وأخرجه الترمذي في (الشمائل) : 159- 160، باب (28) ما جاء في قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل الطعام وبعد ما يفرغ منه، حديث رقم (193) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 187، كتاب الأطعمة، باب (53) ما يقول الرجل إذا طعم، حديث رقم (3850) . وأخرجه الترمذي في (السنن) : 5/ 474، كتاب الدعوات، باب (56) ما يقول إذا فرغ من الطعام، حديث رقم (3457) . وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل) : 159، باب ما جاء في قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل الطعام وبعد ما يفرغ منه، حديث رقم (192) وهو حديث إسناده ضعيف، فإن إسماعيل بن رباح مجهول لا يعرف، وباقي رجال الإسناد ثقات، أبو هاشم هو الرماني يحيى بن دينار، وقد اضطرب الرواة في إسناد هذا الحديث مما يشعر بضعفه، فهو لا يصح مرفوعا ولا موقوفا وإن كان قد حسنه الحافظ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 وخرّجه أبو بكر بن أبى شيبة، أخبرنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن رباح، عن عبيدة، عن مولى لأبى سعيد، عن أبى سعيد قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أكل طعاما قال مثله. وإسناد هذا الحديث مضطرب كما ترى [ (1) ] . ولأبى داود والنسائي من حديث ابن وهب قال: أخبرنى سعيد بن أبى أيوب، عن أبى عقيل القرشيّ، عن أبى عبد الرحمن الجبليّ، عن أبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: الحمد للَّه الّذي أطعم، وسقى، وسوّغه، وجعل له مخرجا [ (2) ] . وللنّسائى من حديث ابن وهب قال: أخبرنى سعد عن عكرمة ابن عمرو، عن أبى هبيرة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن من خدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول إذا قرب إليه طعاما قال: بسم اللَّه، فإذا فرغ من طعامه قال: اللَّهمّ أطعمت، وسقيت، وأرويت، وهديت، وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت. ومن حديث زهير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: [دعي] رجل من الأنصار من أهل قباء- يعنى النبي صلى اللَّه عليه وسلم- فانطلقنا   [ (1) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 5/ 138، باب (26) في التسمية على الطعام، حديث رقم (24494) ، ورقم (24497) من حديث عبد اللَّه بن إدريس، عن حصين، عن إسماعيل بن أبى سعيد، بمثله، وحديث رقم (24498) ، من حديث محمد بن فضيل عن حصين، عن حصين، عن إسماعيل بن أبى سعيد بمثله. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 177- 178، كتاب الأطعمة، باب (53) ما يقول الرجل إذا طعم، حديث رقم (3851) ، ونسبه المنذري للنسائى، قوله: «سوّغه» ، جعله سائغا، سهل المدخل في الحلق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 معه، فلما طعم وغسل يده أو يديه قال: الحمد للَّه الّذي يطعم ولا يطعم، منّ علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد للَّه غير مودع ولا مكافئ ولا منكور ولا مستغنى عنه، الحمد للَّه الّذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسى من العرى، وهدى من الضلالة، وبصّر من العمى، وفضّل على كثير من خلقه تفضيلا، الحمد للَّه رب العالمين [ (1) ] .   [ (1) ] لم أجدهما في (السنن) ، ولعلهما في (الكبرى) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 وأمّا ما يقوله إذا أكل عند أحد فخرّج أبو داود من حديث معمر، عن ثابت، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة، فجاء بخبز وزيت، فأكل، ثم قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة [ (1) ] . وخرّج النسائي وقاسم بن أصبغ من حديث وكيع، عن هشام عن يحيى ابن أبى كثير، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أفطر عند أهل بيت قال: أفطر عندكم الصائمون. وخرّج مسلم من حديث شعبة، عن يزيد بن خمير، عن عبد اللَّه بن بسر، قال: نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على أبى [قال:] [ (2) ] فقربنا إليه طعاما ووطبة فأكل منها، ثم أتى بتمر، وكان يأكله ويلقى النوى بين إصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى، [قال شعبة:] [ (2) ] هو ظنّى وهو فيه إن شاء اللَّه تعالى، إلقاء النوى بين [الإصبعين] [ (2) ] ثم أتى بشراب فشربه، ثم ناوله الّذي عن يمينه، [قال:] [ (2) ] فقال أبى وأخذ بلجام دابته: أدع اللَّه عزّ وجلّ لنا، فقال: اللَّهمّ بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم، وارحمهم [ (3) ] .   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 189، كتاب الأطعمة، باب (55) ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده، حديث رقم (3854) . [ (2) ] زيادات للسياق من (صحيح مسلم) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 237- 238، كتاب الأشربة، باب (22) استحباب وضع النوى خارج التمر، واستحباب دعاء الضيف لأهل الطعام وطلب الدعاء من الضيف الصالح وإجابته لذلك، حديث رقم (146) . والوطئة بالهمزة أو بالباء عند أهل اللغة طعام يتّخذ من التمر كالحيس. وفي الحديث من الفوائد أن الشراب ونحوه يدار على اليمين، وفيه استحباب طلب الدعاء من الفاضل، ودعاء الضيف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 ذكره الترمذي بهذا الإسناد في كتاب الدعاء، ولم يقل فيه: ووطئه، وقال: حديث حسن صحيح [ (1) ] . وذكره أبو داود وقال في الإسناد: عن عبد اللَّه بن بسر من بنى سليم، وقال في الحديث: فقدم إليه طعاما، فذكر حيسا أتاه به [ (2) ] . وذكره ابن أبى شيبة عن شعبة بهذا الإسناد وقال: جاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم فنزل على أبى، فأتاه بطعام سويق وحيس، فأكل، وأتاه بشراب، فشرب، وناوله من عن يمينه، وكان إذا أكل التمر ألقى النوى هكذا، وأشار بإصبعيه على ظهرهما، فلما ركب النبي صلى اللَّه عليه وسلم قام أبى فأخذ بلجامه فقال: يا رسول اللَّه، ادع لنا.. الحديث مثله [ (3) ] . وخرّج عبد الرزاق من حديث [معمر] ، عن ثابت البناني، عن أنس أو غيره، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه، فقال سعد: وعليك السلام ورحمة اللَّه، ولم يسمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى سلّم ثلاثا ولم يسمعه، فرجع، وأتبعه سعد فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بأبي أنت وأمى، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة، ثم أدخله البيت، فقرب له زبيبا، فأكل منه نبي اللَّه، فلما فرغ قال: أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون.   [ () ] بتوسعة الرزق والمغفرة والرحمة، وقد جمع صلى اللَّه عليه وسلم في هذا الدعاء خيرات الدنيا والآخرة، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) . [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 530، كتاب الدعوات، باب (118) في دعاء الضيف، حديث رقم (3576) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 115، كتاب الأشربة، باب (2) في النفخ في الشراب والتنفس فيه، حديث رقم (3729) . [ (3) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 6/ 112، باب (165) دعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم للرجل الّذي نزل به، حديث رقم (29868) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 وأمّا أكله باليمين فخرّج الحاكم من حديث يحيى بن زكريا بن أبى زائدة قال: أخبرنا أبو أيوب، عبد اللَّه بن على الإفريقي، عن عاصم بن بهدلة، عن المسيب بن رافع، عن حارثة بن وهب الخزاعي [ (1) ] قال: حدثتني حفصة، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل يساره لما سوى ذلك. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث حماد بن سلمة، حدثنا عاصم بن بهدلة، عن سواء الخزاعي، عن حفصة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه اضطجع على يده اليمنى، وكانت يمينه لأكله وشرابه ووضوئه وثيابه، وأخذه وعطائه، وكان يجعل [شماله] لما سوى ذلك [ (3) ] . وأمّا أنه كان لا يأكل من الهدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها فخرّج البزار من حديث سعيد بن محمد يمنى الجرمي، [قال:] حدثنا يحيى بن واضح- هو أبو نميلة- أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبى بكر، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن ابن الحويكة،   [ (1) ] في (المستدرك) : «جارية بنت وهب الخزاعي» . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 122، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7019) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : في سنده مجهول. [ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 408، حديث رقم (25922) ، 7/ 409، حديث رقم (25925) ، وزاد في الحديث الأول: «وكان يصوم الاثنين والخميس» وزاد في الحديث الثاني: «وكان صوم ثلاثة أيام من كل شهر: الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى. وكلا الحديثين من حيث أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضى اللَّه تعالى عن الجميع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 عن عمار بن ياسر [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل من هدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها، للشاة التي أهديت بخيبر [ (1) ] . قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمار إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وخرّجه الطبراني في الكبير من حديث سعيد أيضا به مثله، وصرّح في روايته بتحديث عبد اللَّه بن أبى بكر لمحمد بن إسحاق، وسعيد ابن محمد الجرمي، من رجال الصحيحين، وأبو نميلة يحيى بن واضح مخرّج له في الصحيح، وابن إسحاق قد صرّح بالتحديث، ومحمد بن عبد الرحمن أخرج له مسلم، ويزيد بن الحوتكيّة [ (2) ] من رجال النسائي، وهو قوى، لكن حمد بن عبد الرحمن لم أر له رواية عنه سوى هذه، وما أظنه أدركه، فينظر. [وقال البكري: وروى محمد بن عبد الرحمن، وحكيم بن جبير، أنهما سمعا رجلا من بنى تميم يقال له ابن الحوتكيّة يقول: قدمنا على عمر بن الخطاب فقال لنفر عنده: أيكم حضر رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] ونحن بالقاحة [ (3) ] إذ أهدى الأعرابي إليه الأرنب، فقال قائل: أنا أحدثكم، كنت معه بالقاحة [ (3) ] فأهدى أعرابى أرنبا، وكان لا يأكل هدية بعد الشاة المسمومة حتى يأكل صاحبها منها، فقال للأعرابى: كل] [ (4) ] .   [ (1) ] (كنز العمال) : 7/ 106، حديث رقم (18187) ، وعزاه إلى الطبراني عن عمار بن ياسر. [ (2) ] هو يزيد بن الحوتكية التميمي الكوفي، روى عن عمر وعمار وأبى ذر وأبى الدرداء وأبىّ بن كعب. وعنه موسى بن طلحة بن عبيد اللَّه، قال يعقوب بن شيبة: وكان ابن الحوتكية أحد أخوال موسى بن طلحة بن عبيد اللَّه، وأكثر ما يأتى غير مسمى. قال أبو حاتم الرازيّ: لا أعلم أحدا سماه غير حجاج بن أرطاة عن عثمان بن موهب، عن موسى ابن طلحة، وذكره ابن حبان في الثقات، له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 11/ 281، ترجمة رقم (519) . [ (3) ] القاحة مدينة على ثلاث مراحل من المدينة قبل السقيا بنحو ميل. (معجم البلدان) : 4/ 329، موضع رقم (9348) . [ (4) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 فصل في ذكر شرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومشروباته اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يستعذب له الماء، ويبرّد له، وشرب اللبن، وكان ينبذ له فيشربه، وشرب السويق، وكان يشربه مصّا، ولا يتنفس في الإناء، وشرب قائما وقاعدا، وشرب آخر أصحابه، وكان يؤثر من على يمينه بسؤره. وأما طلب الماء العذب فخرّج البخاري ومسلم من حديث يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، أنه سمع أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصارىّ المدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس رضى اللَّه عنه: فيها نزلت هذه الآية: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، قام أبو طلحة رضى اللَّه عنه، إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! إن اللَّه عزّ وجل يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [ (1) ] وإن أحب أموالى بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برّها، وذخرها عند اللَّه، فضعها يا رسول اللَّه حيث شئت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، قال أفعل يا رسول اللَّه، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبنى عمه. ذكره البخاري في كتاب الوكالة، وترجم عليه باب: إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك اللَّه، وقال الوكيل: قد سمعت ما قلت. وقال بعقبه: تابعه إسماعيل عن مالك، وقال روح عن مالك: مال   [ (1) ] آل عمران: 92. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 رابح. وذكره في كتاب الزكاة، وفي كتاب التفسير، وفي الأشربة، وفي الوقوف [ (1) ] . وذكره مسلم في كتاب الزكاة [ (2) ] ، وخرّجه أبو داود [ (3) ] والنسائي [ (4) ] ، وألفاظهم فيه مختلفة. ولأبى داود من حديث قتيبة بن سعيد [قال:] حدثنا الدراوَرْديّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا، قال قتيبة: هي عين بينها وبين المدينة يومان [ (5) ] . وخرّجه الحاكم بهذا السند، ولفظه: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يستسقى له   [ (1) ] ذكره البخاري في كاب الزكاة، باب (44) الزكاة على الأقارب. وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: له أجران: أجر القرابة والصدقة، حديث رقم (1461) . وأخرجه في كتاب الوصايا، باب (10) إذا وقف أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب؟ حديث رقم (2752) ، وفي باب (17) من تصدق إلى وكيله، ثم ردّ الوكيل إليه، حديث رقم (2758) ، وفي باب (26) إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود فهو جائز، وكذلك الصدقة، حديث رقم (2769) . وفي كتاب الوكالة، باب (15) إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك اللَّه، وقال الوكيل: قد سمعت ما قلت، حديث رقم (2318) . وفي كتاب التفسير، باب (5) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، حديث رقم (4554) ، (4555) . وفي كتاب الأشربة، باب (13) استعذاب الماء، حديث رقم (5611) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 88- 89، كتاب الزكاة باب (14) فصل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدان ولو كانوا مشركين، حديث رقم (42) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 2/ 318- 319، كتاب الزكاة، باب (45) في صلة الرحم، حديث رقم (1689) . [ (4) ] (سنن النسائي) : 6/ 542، كتاب الإحباس، باب (2) كيف يكتب الحبس، حديث رقم (3604) ، وأخرجه النسائي أيضا في (التفسير) : سورة آل عمران. قوله: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، الحديث (87) . [ (5) ] (سنن أبى داود) : 4/ 119، كتاب الأشربة، باب (22) في إيكاء الآنية، حديث رقم (3735) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 الماء العذب من بيوت السّقيا. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ (1) ] . وخرّجه أحمد ولفظه: كان يستسقى له الماء العذب من بيوت السقيا [ (2) ] . وخرّجه ابن حيّان كذلك [ (3) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 154، كتاب الأشربة، حديث رقم (7204) ، وقد سكت عنه الذهبي في (التلخيص) . قال محقق (المستدرك) : عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ صدوق من علماء المدينة، غيره أقوى منه. قال أحمد بن حنبل: إذا حدّث من حفظه يهم، ليس هو بشيء، وإذا حدّث من كتابه فنعم. وقال أحمد أيضا: إذا حدّث من حفظه جاء ببواطيل، وأما ابن المديني فقال: ثقة ثبت، وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال يحيى بن معين: هو أثبت من فليح. وقال أبو زرعة: سيئ الحفظ، وقال ابن معين بن عيسى: يصلح الدراوَرْديّ أن يكون أمير المؤمنين. (ميزان الاعتدال) : 2/ 633. [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 145، حديث رقم (24172) . [ (3) ] (أخلاق النبي) : 227- 228. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 وأمّا [الآبار] التي كان يستعذب له منها الماء فقال الواقدي: حدثني معاوية بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن جدته سلمى قالت: كان أبو أيوب حين نزل عنده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يستعذب له الماء من بئر مالك بن أبى أنس، فلما صار إلى منزله كان أنس وهند [ (1) ] وحارثة ابنا أسماء الأسلميان، يحملون قدور الماء إلى بيوت نسائه من بيوت السقيا، ثم كان رباح- وهو عبد أسود له- يسقى من بئر غرس مرة، ومن بيوت السقيا بأمره [ (2) ] . قال: وحدثني سليمان بن عاصم قال: قال الهيثم بن نصر الأسلمي: خدمت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولزمت بابه في قوم محاويج، فكنت آتية بالماء من بئر أبى الهيثم بن التيهان جاسم، وكان ماؤها طيبا، ولقد دخل يوما صائفا، ومعه أبو بكر رضى اللَّه عنه على أبى الهيثم فقال له: هل من ماء بارد؟ فأتاه بشجب فيه ماء كأنه الثلج، فصب منه على لبن عنز له، وسقاه، ثم قال له: إن لنا عريشا باردا فقل فيه يا رسول اللَّه عندنا، ونضحه بالماء، فدخله وأبو بكر، وأتى أبو الهيثم بألوان من الرطب: عجوة [و] ابن طاب، وأمهات جراذين، ثم جاءهم بعد ذلك بجفنة مملوءة ثريدا عليها العراق [ (3) ] ، فأكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر رضى اللَّه عنه، وأكلنا، ثم قال: عجبا للناس! يقولون توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يشبع من خبز الشعير، فلما حضرت الصلاة، صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيت أبى الهيثم، وزوجة أبى الهيثم خلفنا، ثم سلّم وعاد إلى العريش، فصلى فيه ركعتين بعد الظهر   [ (1) ] في (الأصلين) : «حيدر» ، وصوبناه من (طبقات ابن سعد) . [ (2) ] في (الأصلين) : «مرة» ، وصوبناه من (طبقات ابن سعد) . [ (3) ] العراق: عظم عليه لحم يسير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 ورأيته ينصب اليمنى من رجليه، ويفترش اليسرى. قال الواقدي: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يشرب من بئر لبني أمية من الأنصار، تسمى العبيرة، فسماها اليسيرة، وفي رواية: كانت تسمى العسيرة فسماها اليسيرة، والأول أثبت، وكان يشرب من بئر رومة بالعقيق، وبصق فيها فعذبت، [قال:] وهي بئر قديمة، قد كانت انطمت، فأتى قوم من مزينة، فحالفوا الأنصار، وقاموا عليها بأبدانهم فأصلحوها، وكانت رومة امرأة منهم، أو أمة لهم تستقي منها للناس، فنسبت إليها [ (1) ] . وقال بعض الرواة: إن الشعبة التي هي طرفها تدعى رومة، والشعبة واد صغير يجرى فيه الماء، ومرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بهذه البئر، فرأى عليها رجلا من مزينة، يسقى عليها بأجر، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: نعم صدقة المؤمن هذه، فاشتراها عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه بأربع مائة دينار، فتصدق بها، فلمّا علّق عليها العلق- والعلق: البكرة وآلة السقي- مرّ بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [فسأل عنها] ، فأخبر خبرها، فقال: اللَّهمّ أوجب لعثمان الجنة، وشرب منها، فقال: هذا هو النقاح [ (2) ] [أما إن هذا الوادي ستكثر مياهه ويعذبون وبئر المزنيّ أعذبها] [ (3) ] . وقال محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أبى بكر بن عبد اللَّه بن أبى سبرة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بئر غرس من عيون الجنة [ (4) ] . وذكر الواقدي عن سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن أبى جعفر قال:   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 504. [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 506، ذكر البئار التي شرب منها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. [ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] (المرجع الاسبق) : 1/ 505. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 كان يستعذب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الماء من بئر غرس، ومنها غسّل. وفي رواية وغسّل من بئر لسعد بن خيثمة يقال لها بئر الغرس، وكان يشرب منها. قال الواقدي احتفر بئر غرس: مالك بن النحاط وهو جد سعد بن خيثمة ابن الحارث بن مالك بن النحاط، وكان له عبد أسود يتولاها، ويقوم عليها، ويكثر السقي منها، وكان يدعى: سلاما، ويلقب: غرسا، فيغضب، فنسبت إليه فقيل: بئر غرس، وبئر الغرس. ويقال: إن مالك احتفرها، وجعل منها مجرى إلى غرس كان غرسه، فكانت تدعى: بئر الغرس، ثم حذفت الألف واللام، فقيل: غرس، ويقال: بئر غرس بضم الغين، وهو خطأ. قال الواقدي: عن أبىّ بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه، عن أبى أسيد، وأبى حميد، وأبى سهل بن سعد، سمعهم يقولون: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بئر بضاعة، فتوضأ في الدلو، وردّها في البئر، ومج في الدلو مرة أخرى، وبصق فيها، وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض، قال: اغسلوه من ماء بضاعة، فيغسل، فكأنما نشط من عقال [ (1) ] . قال الواقدي: تكون بئر بضاعة سبعا في سبع، وعيونها كثيرة، وهي لا تنزح. وقال هشام بن عمار: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن أبى يحيى الأسلمي، عن أمه قالت: دخلنا على سهل بن سعد الساعدي في بيته، فقال: لو سقيتكم، من بئر بضاعة لكرهتم ذلك، وقد واللَّه سقيت منها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيدي هذه [ (2) ] . قال الواقدي: بضاعة، امرأة قديمة من اليهود، أو قبل اليهود، [كانت] احتفرتها، ثم إنها انطمت [فنزحها] بنو ساعدة وأصلحوها.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 1/ 505. [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 505. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 وأمّا تبريد الماء فخرج مسلم من حديث جابر الطويل: فأتينا المعسكر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا جابر، ناد بوضوء، فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال: فقلت: يا رسول اللَّه! ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الماء في أشجاب له على حمارة من جريد، فقال لي: انطلق إلى فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟ قال: فانطلقت إليه، فنظرت فيها، فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، ولو أنى أفرغته لشربه يابسه، [فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أنى أفرغه لشربه يابسه] ، قال: اذهب فأتنى [به] ، فأخذه بيده، ثم جعل يتكلم بشيء لم أدر ما هو، [ويغمزه] بده، ثم أعطانيه فقال: يا جابر، ناد بجفنة، فقلت: يا جفنة الركب! فأتيته بها، فوضعها بين يديه فقال صلى اللَّه عليه وسلم بيده في الجفنة هكذا، فبسطها، وفرّق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة وقال: خذ يا جابر، فصبّ عليّ، وقال: باسم اللَّه. فصببت عليه وقلت: [باسم] اللَّه، فرأيت الماء يتفور من بين أصابع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم فأرت الجفنة، ودارت حتى امتلأت. وذكر الحديث [ (1) ] ، وقد تقدم بطرقه في المعجزات. وخرّج البخاري من حديث فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل على رجل من   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 352- 354، كتاب الزهد والرقائق، باب (18) حديث جابر الطويل، حديث رقم (3013) وقد سبق شرحه في فصل معجزات النبي صلى اللَّه عليه وسلم في تكثير الماء، فليراجع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 الأنصار ومعه صاحب له، فسلم النبي وصاحبه، فردّ الرجل، فقال: يا رسول اللَّه! بأبي أنت وأمى، وهي ساعة حارة، وهو يحول في حائط له- يعنى الماء- إن كان عندك ماء بات في شنة، وإلا كرعنا [والرجل يحول الماء في حائط] ، فقال الرجل: يا رسول اللَّه، عندي ماء بات، فانطلق إلى العريش، فسكب في قدح ماء، ثم حلب عليه من داجن له، فشرب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ثم أعاده فشرب الرجل الّذي جاء معه. ترجم عليه باب: الكرع في الحوض [ (1) ] ، وذكره في باب: شوب اللبن بالماء بهذا الإسناد [ (2) ] . وذكره أبو داود، ولفظه قال: دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورجل من أصحابه على رجل من الأنصار وهو يحوّل الماء في حائطه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنّ، وإلا كرعنا، فقال: بل عندي ماء بات في شن [ (3) ] . وللترمذي [ (4) ] والنسائي [ (5) ] وأحمد [ (6) ] ، من حديث سفيان، عن معمر،   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 108، كتاب الأشربة، باب (20) الكرع في الحوض، حديث رقم (5621) . [ (2) ] (المرجع السابق) : باب (14) شرب اللبن بالماء، حديث رقم (5613) ، قوله: «شرب اللبن بالماء» . أي ممزوجا، وإنما قيده بالشرب للاحتراز عن الخلط عند البيع. ووقع في رواية الكشميهني بالواو بدل الراء، [وهي التي أثبتها المقريزي رحمه اللَّه] . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 112- 113، كتاب الأشربة، باب (18) في الكرع، حديث رقم (3724) ، وأخرجه ابن ماجة في الأشربة، باب الشرب بالأكف والكرع، حديث رقم (3432) . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 272، كتاب الأشربة، باب (21) ما جاء أي الشراب كان أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (1895) من حديث سفيان بن عيينة عن معمر عن الزّهرىّ عن عروة عن عائشة. وحديث رقم (1896) من حديث عبد اللَّه بن المبارك، عن معمر ويونس عن الزهري، وأخرجه أيضا في (الشمائل) : حديث رقم (105) . [ (5) ] أخرجه النسائي في (السنن الكبرى) ، كتاب الوليمة. [ (6) ] (مسند أحمد) : 7/ 58، حديث رقم (23580) ، 7/ 62، حديث رقم (23609) ، وله شاهد من حديث ابن عباس ذكره الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 55، حديث رقم (3119) ولفظه: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سئل أي الشراب أطيب؟ قال: الحلو البارد، وفيه راو لم يسمّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان أحب الشراب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحلو البرد. قال أبو عيسى: هكذا روى سفيان ابن عيينة هذا الحديث عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. وروى عبد اللَّه بن المبارك، وعبد الرزاق، وغير واحد، عن معمر، عن الزهري، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم يذكروا فيه: عن عروة، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] . وهكذا روى يونس وغير واحد عن الزهري، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسل. قال أبو عيسى: إنما أسنده ابن عيينة من بين الناس، وذكر حديث عبد اللَّه بن المبارك، أخبرنا معمر ويونس، عن الزهري، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سئل أي الشراب أطيب؟ قال: الحلو البارد. قال أبو عيسى: وهكذا روى عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسل، قال أبو عيسى: وهذا أصح من حديث ابن عيينة. وذكره الحاكم [حديث] ابن عيينة وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (1) ] . وشاهده حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان أحب الشراب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحلو البارد [ (2) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 153، كتاب الأشربة، حديث رقم (7200) ، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فإنّه ليس عند اليمانيين عن معمر، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. لم يروه معمر باليمن. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7201) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : عبد اللَّه بن محمد بن يحيى هالك. وأخرجه الحميدي في (المسند) : 1/ 125، حديث رقم (257) ، وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 4/ 184، في ترجمة عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير بن العوام، رقم (33/ 1000) مدينى، ضعفه أبو حاتم والعقيلي وغيرهم، (لسان الميزان) : 3/ 331. وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 107- 108، كتاب الأشربة، باب (40) ما يستحب من الأشربة، حديث رقم (24187) ، (24189) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 وأمّا قدحه الّذي يشرب فيه فخرج البخاري في كتاب الاعتصام، من حديث أبى أسامة، عن بريد، عن أبى بردة قال قدمت المدينة فلقيني عبد اللَّه ابن سلام فقال لي: انطلق إلى المنزل فسأسقيك في قدح [شرب فيه] النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وتصلى في مسجد صلى [فيه] النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فانطلقت معه، فأسقانى سويقا، وأطعمنى تمرا، وصليت في مسجده [ (1) ] . وذكره في كتاب الأشربة، من حديث أبى عوانة، عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، وكان قد انصدع فسلسله بفضة، قال: وهو قدح جيد عريض من نضار. قال: قال أنس [رضى اللَّه عنه] : لقد سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هذا القدح، أكثر من كذا وكذا [ (2) ] . قال: وقال ابن سيرين: أنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فتركه [ (2) ] . وذكر في كتاب الخمس، حديث عاصم، عن ابن سيرين، عن أنس رضى اللَّه عنه، أن قدح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة، قال عاصم: رأيت القدح   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 121، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (16) ، حديث رقم (7342) . [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 121، كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح النبي صلى اللَّه عليه وسلم وآنيته، حديث رقم (5638) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 وشربت فيه [ (1) ] . وخرّج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث أبى حازم، عن سهل بن سعد قال: ذكر لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد: [الساعدي] أن يرسل إليها، فأرسل إليها، فقدمت، فنزلت في أجم بنى ساعدة، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى جاءها، فدخل عليها، فإذا هي امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها [النبي صلى اللَّه عليه وسلم] قالت: أعوذ باللَّه منك! قال: قد أعذتك منى، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ قالت: لا، فقالوا: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، جاءك ليخطبك، فقالت: أنا كنت أشقى من ذلك، قال سهل: فأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ حتى جلس في سقيفة بنى ساعدة هو وأصحابه، ثم قال: اسقنا أسهل، فأخرجت لهم القدح فأسقيتهم فيه. قال أبو حازم: فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا فيه، ثم استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز، فوهبه له. ولمسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: لقد سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدحى هذا الشراب كله: العسل، والنبيذ، واللبن، والماء [ (4) ] . وروى ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس رضى اللَّه   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 216، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته، مما تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته، حديث رقم (3109) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 10/ 121، كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح النبي صلى اللَّه عليه وسلم وآنيته، حديث رقم (5637) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 188، كتاب الأشربة، باب (9) إباحة النبيذ الّذي لم يشتدّ ولم يصر مسكرا، حديث رقم (88) . ثم قال: وفي رواية أبى بكر بن إسحاق: «قال اسقنا يا سهل» . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 190، كتاب الأشربة، باب (10) جواز شرب اللبن، حديث رقم (89) ، وفيه: «والماء واللبن» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 عنهما قال: [إن صاحب اسكندرية بعث إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدح قوارير، [وكان صلى اللَّه عليه وسلم] يشرب [فيه] . وخرّج الحاكم من حديث ابن أبى مليكة، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، أنها قالت: كنا نضع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الليل ثلاث أواني مخمّرة، إناء لطهوره، وإناء لسواكه، وإناء لشرابه. وقال: حديث صحيح [ (1) ] . [الإسناد ولم يخرجاه] [ (2) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 157، كتب الأشربة، حديث رقم (7215) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح، [ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 وأمّا شربه اللبن فخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة، عن أبى إسحاق قال: سمعت البراء [قال] قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من مكة، وأبو بكر رضى اللَّه عنه معه، فقال أبو بكر: مررنا براع وقد عطش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم- قال أبو بكر رضى اللَّه عنه: فحلبت كثبة من لبن في قدح، فشرب حتى رضيت، وأتانا سراقة ابن جعشم على فرس، فدعا عليه، فطلب إليه سراقة [أن لا] يدعو عليه وأن يرجع، ففعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . اللفظ للبخاريّ. ولفظ مسلم: عن البراء قال: قال أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه: لما خرجنا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم من مكة إلى المدينة، مررنا براع، وقد عطش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فحلبت له كثبه من لبن، فأتيته به، فشرب حتى رضيت [ (2) ] . وأخرجاه في كتاب الهجرة أتم من هذا وأطول. وللبخاريّ من حديث سفيان، عن سالم أبى النّضر، عن عمير مولى أم الفضل، عن أم الفضل، أنهم شكّوا في صوم النبي صلى اللَّه عليه وسلم يوم عرفة، فبعثت إليه بقدح من لبن فشربه. ذكره في الأشربة، وترجم عليه باب: الشرب في الأقداح [ (3) ] ، وله طرق في كتاب الصيام، وهو مما اتفقا على إخراجه.   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 86، كتاب الأشربة، باب (12) شرب اللبن، وقول اللَّه عزّ وجلّ: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ، حديث رقم (5607) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 190، كتاب الأشربة، باب (10) جواز شرب اللبن، حديث رقم (90) . [ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 86، كتاب الأشربة، باب (12) شرب اللبن، حديث رقم (5603) ولفظه كما في البخاري: «شك الناس في صيام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه بإناء فيه لبن فشرب» فكان سفيان ربما قال: «شك الناس في صيام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه أم الفضل» فإذا وقف عليه قال: هو عن أم الفضل، باب (29) الشرب في الأقداح، حديث رقم (5636) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 وقال البخاري في باب شرب اللبن: وقال إبراهيم بن طهمان، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: رفعت إليّ السّدرة، فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فأما الظاهران، فالنيل والفرات، وأما الباطنان، فنهران في الجنة، فأتيت بثلاثة أقداح: قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الّذي فيه اللبن، فشربت، فقيل لي: أصبت الفطرة أنت وأمتك [ (1) ] . وذكره مسلم في كتاب الإيمان، في حديث الإسراء [ (2) ] ، وكرره البخاري في مواضع. ولابن حيّان من حديث ياسين الزيات، عن عطاء، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان أحب الشراب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اللبن [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 87، كتاب الأشربة، باب (12) شرب اللبن، حديث رقم (6510) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 581- 583، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات، حديث رقم (264) . [ (3) ] (كنز العمال) : 7/ 111، حديث رقم (18223) ، وعزاه إلى أبى نعيم في الطب عن ابن عباس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 وأمّا شربه النبيذ فخرج مسلم من حديث أبى عوانة، عن أبى الزبير عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان ينبذ له في تور من حجارة [ (1) ] . ومن حديث زهير قال: أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال: كان ينتبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سقاء، فإذا لم يجدوا سقاء [نبذ] [ (2) ] له في تور من حجارة، فقال بعض القوم: وأنا أسمع لأبى الزبير من برام، قال من برام [ (3) ] . ومن حديث شعبة، عن يحيى بن عبيد، أبى عمر البهراني قال: سمعت ابن عباس رضى اللَّه عنهما يقول: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينتبذ [له] أول الليل، فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء [والليلة الأخرى] والغد، إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادم، أو أمر به فصبّ [ (4) ] . وفي رواية له من حديث شعبة، عن يحيى البهراني قال: ذكروا النبيذ عند ابن عباس فقال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينتبذ له في سقاء. قال شعبة: من ليلة الاثنين، فيشربه يوم الاثنين، والثلاثاء إلى العصر، فإن فضل منه شيء، سقاه الخادم أو صبّه [ (5) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 178، كتاب الأشربة، باب (6) النهى عن الانتباذ في المزفت والدباء والحنتم والنقير، وبيان أنه منسوخ وأنه اليوم حلال، ما لم يصر مسكرا، حديث رقم (1999) . [ (2) ] في (خ) : «نبذوا» . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (62) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (62) . [ (5) ] (المرجع السابق) : 184- 185، كتاب الأشربة، باب (9) إباحة النبيذ الّذي لم يشتد ولم يصر مسكرا، حديث رقم (79) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 وفي أخرى، عن الأعمش، عن أبى عمر، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينقع له الزبيب، فيشربه اليوم، والغد، وبعد الغد، إلى مساء الليلة الثالثة، ثم يأمر به فيسقى، أو يهراق [ (1) ] . وخرّج أيضا من حديث الأعمش، عن يحيى [بن] أبى عمر، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينبذ له الزبيب في السقاء، فيشربه يومه، والغد، وبعد الغد، فإذا كان مساء الثالث، شربه، وسقاه، فإن فضل شيء أهراقه [ (2) ] . ومن حديث عبيد اللَّه، عن زيد، عن يحيى أبى عمر النخعي قال: سأل قوم ابن عباس عن بيع الخمرة، وشرائها، والتجارة فيها، فقال: أمسلمين أنتم؟ قالوا: نعم، قال: فإنه لا يصلح بيعها، ولا شراؤها، ولا التجارة فيها، قال: فسألوه: عن النبيذ فقال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر، ثم رجع، وقد نبذ ناس من أصحابه في حناتم، ونقير، ودبّاء، فأمر به فأهريق، ثم أمر بسقاء، فجعل فيه زبيب وماء، فجعل من الليل، فأصبح فشرب منه يومه ذلك، وليلته المستقبلة، ومن الغد حتى أمسى، فشرب وسقى، فلما أصبح أمر بما بقي فأهريق [ (3) ] . ومن حديث ثمامة بن حزن القشيري، قال: لقيت عائشة رضى اللَّه عنها، فسألتها عن النبيذ، فدعت جارية حبشية فقالت: سل هذه، إنها كانت تنبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقالت الحبشية: كنت أنبذ له في سقاء من الليل: وأوكيه، وأعلّقه، فإذا أصبح شرب منه [ (4) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (81) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (82) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (83) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (84) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 وخرّج مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] من حديث يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أمه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كنا ننبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سقاء، فنوكئ أعلاه، وله عزلاء، ننبذه غدوة، فيشربه عشاء، وننبذه عشاء فيشربه غدوة. اللفظ لمسلم. ولفظهما عن عائشة [رضى اللَّه عنهما] قالت: كان ينبذ. ولأبى داود من حديث مقاتل ابن حيان، قال: حدثتني عمتي عمرة، عن عائشة رضى اللَّه عنهما، أنها كانت تنبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غدوة، فإذا كان من العشىّ فتعشى، شرب على عشائه، فإن فضل شيء صببته أو أفرغته، ثم ينبذل له بالليل، فإذا أصبح تغدى فشرب على غدائه، قالت: نغسل السقاء غدوة وعشية، فقال لها أبى: مرتين في اليوم؟ قال: نعم [ (4) ] . وللنسائى من حديث العوام، عن عبد الملك بن نافع قال: قال ابن عمر رضى اللَّه عنه: رأيت رجلا جاء إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدح فيه نبيذ وهو عند الركن، ودفع إليه القدح، فرفعه إلى فيه، فوجده شديدا فرده على صاحبه، فقال رجل من القوم: يا رسول اللَّه! أحرام هو؟ فقال: عليّ بالرجل، فأتى به، فأخذ منه القدح، ثم دعا بماء فصبه فيه، ثم رفعه إلى فيه فقطّب، ثم   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (85) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 104، كتاب الأشربة، باب (10) في صفة النبيذ، حديث رقم (3711) . والعزلاء: فم المزادة، وقد يكون ذلك للسقاء من أسفله، ويجمع على العزالي. (معالم السنن) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 261- 262، كتاب الأشربة، باب (7) ، ما جاء في الانتباذ في السقاء، حديث رقم (1871) ، قال: وفي الباب عن جابر وأبى سعيد وابن عباس. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث يونس بن عبيد إلا من هذا الحديث من غير هذا الوجه عن عائشة أيضا. [ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 104، كتاب الأشربة، باب (10) في صفة النبيذ، حديث رقم (3712) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 دعا بماء أيضا، فصبه فيه، ثم قال: إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء [ (1) ] . قال أبو عبد الرحمن النسائي: عبد الملك بن نافع ليس بالمشهور، ولا يحتجّ بحديثه، والمشهور عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] خلاف حكايته، وقال الدار قطنى: وهو مجهول ضعيف، والصحيح عن ابن عمر: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما أسكر كثيرة، فقليله حرام [ (2) ] . وخرّج الدار قطنى من حديث الكلبي، عن أبى صالح، عن المطلب بن أبى وداعه السهمي قال: طاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبيت في يوم قائظ شديد الحر، [فاستسقى] رهطا من قريش فقال: هل عند أحد منكم شراب فيرسل إليّ؟ فأرسل رجل منهم إلى منزله، فجاءت جارية معها إناء فيه نبيذ [زبيب] ، فلما رآها النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ألا خمّرته، ولو بعود تعرضيه عليه، فلما أدناه منه، وجد له رائحة شديدة، فقطب، وردّ الإناء، فقال الرجل: يا رسول اللَّه! إن يكن حراما لم تشربه، [فاستعاد] الإناء، وصنع مثل ذلك، وقال الرجل مثل ذلك، فدعا بدلو من ماء زمزم، فصبه على الإناء وقال: إذا اشتدّ عليكم شرابكم فاصنعوا [به] هكذا. قال الدار قطنى: الكلبيّ متروك، وأبو صالح ضعيف، واسمه باذان، مولى أم هانئ [ (3) ] .   [ (1) ] (سنن النسائي) : 8/ 728، كتاب الأشربة، باب (48) ذكر الأخيار التي اعتل بها من أباح شراب السّكر، حديث رقم (5710) ، قوله: «فوجده شديدا» لعل المراد به- إن صحّ الحديث- أنه وجده قريبا من الإسكار، وأنه ظهر فيه مبادئ السكر، بحيث إنه لو ترك على حاله لأسكر من قريب. قوله: «فقطّب» بتشديد الطاء أو تخفيفه، أي جمع ما بين عينيه كما يفعله العبوس، أي عبس وجهه، وجمع جلدته لما وجد مكروها. قوله: «إذا اغتلمت» أي اشتدت واضطربت عند الغليان، والمراد إذا قاربت الاشتداد، واللَّه تعالى أعلم. (حاشية السندي) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5714) ، ولفظه: «المسكر قليله وكثيره حرام» ، تفرد به النسائي. [ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 261- 262، حديث رقم (81) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 وذكره أيضا من حديث يحيى بن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن خالد بن سعد، عن أبى مسعود الأنصاري [ (1) ] . ومن حديث زيد بن الحباب، عن سفيان الثوري، عن منصور [ (2) ] ، ثم قال: لا يصح هذا عن زيد ابن الحباب، ولم يرو على [غير] التسع، وهو ضعيف، وهذا حديث معروف بيحيى بن يمان، ويقال: إنه انقلب عليه الإسناد، واختلط عليه تحديث الكلبي عن أبى صالح. وقال الواقدي: حدثني سفيان بن سعيد عن الكلبي، عن أبى صالح، عن المطلب بن أبى وداعة قال: طاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبيت في يوم صائف وعطش، فاستسقى، فقال رجل: يا رسول اللَّه! عندنا شراب من هذا الزبيب، أفلا نسقيك منه؟ قال: بلى، قال: فبعث الرجل إلى بيته، فأتى بقدح [عظيم] ، فأدناه النبي صلى اللَّه عليه وسلم من فيه ليشربه، فوجد له ريحا [شديدة] فكرهه، فردّه، [قال:] ودعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بماء، ثم دعا به، قال: وأتى بماء من زمزم فصبّ عليه، حتى رأيت الماء يفيض من جوانبه، وشرب منه [حاجته] ، ثم ناوله الّذي عن يمينه، وقال: من أرابه من شرابه ريب، فليكسره بالماء. قلت: وقد خرّج مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] هذا الحديث مختصرا، من حديث الأعمش، عن أبى صالح، عن جابر [رضى اللَّه عنه] قال: كنا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فاستسقى، فقال رجل: يا رسول اللَّه! ألا نسقيك نبيذا؟ قال: بلى، قال: فخرج الرّجل يسعى، وقال أبو داود: يشتد، فجاء بقدح فيه نبيذ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ألا خمّرته؟ ولو تعرض عليه [عودا] . وقال الخطابي [ (5) ] : غير الأصمعي يقول: تعرضه، بكسر الراء.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (84) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (86) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 193، كتاب الأشربة، باب (11) في شرب النبيذ وتخمير الإناء، حديث رقم (94) . [ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 118، كتاب الأشربة، باب (22) في إيكاء الآنية، حديث رقم (3734) . [ (5) ] (معالم السنن) على هامش (سنن أبى داود) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 وأمّا أنه لا يتنفس في الإناء فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث وكيع، عن عروة بن ثابت الأنصاري، عن ثمامة بن عبيد اللَّه بن أنس، عن أنس [رضى اللَّه عنه قال:] إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا. ولفظ البخاري: حدثني ثمامة بن عبد اللَّه قال: كان أنس [رضى اللَّه عنه] يتنفس في الإناء ثلاثا، وزعم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يتنفس ثلاثا. ولمسلم من حديث عبد الوارث بن سعيد، عن أبى عصام، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثا، ويقول: إنه أروى، وأبرأ، وأمرأ. قال أنس [رضى اللَّه عنه] فأنا أتنفس في الشراب ثلاثا [ (3) ] . وخرّجه أبو داود من حديث هشام، عن أبى عصام، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاث، ويقول: هو أهنأ، وأمرأ، وأبرأ [ (4) ] . وللترمذي من حديث رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا شرب تنفس   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 114، كتاب الأشربة، باب (26) الشرب بنفسين أو ثلاثة، حديث رقم (5631) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 210، كتاب الأشربة، باب (16) كراهة التنفس في نفس الإناء واستحباب التنفس خارج الإناء، حديث رقم (122) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (123) . [ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 114، كتاب الأشربة، باب (19) في الساقي متى يشرب، حديث رقم (3727) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 مرتين [ (1) ] ، ولفظه في (الشمائل) : كان إذا [شرب تنفس] مرتين [ (2) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن كريب. قال: وسألت عبد اللَّه بن عبد الرحمن عن رشدين بن كريب، قلت: هو أقوى أو محمد بن كريب؟ فقال: ما أقر بهما ورشدين بن كريب أرجحهما عندي. قال: وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا فقال: محمد ابن كريب أرجح من رشدين بن كريب [ (3) ] . قال أبو عيسى: والقول عندي ما قال [أبو] محمد [عبد اللَّه:] رشدين ابن كريب أرجح وأكبر، وقد أدرك ابن عباس ورآه، وهما أخوان، وعندهما مناكير [ (3) ] . قلت: قال ابن معين: ليس بشيء ليس بثقة، ومرة قال: ضعيف الحديث. وقال السعدي: لا يقرأ حديثه. وقال النسائي: ضعيف. وقال البخاري: منكر الحديث وفيه نظر. قاله ابن عدىّ [و] قال: [أحاديثه] مقاربة، لم أر فيها حديثا منكرا جدا، وهو على ضعفه محمد يكتب حديثه. وروى أبو بكر الشافعيّ من حديث يحيى بن سعيد، عن سعيد بن   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 268، كتاب الأشربة، باب (14) ما ذكر من الشرب بنفسين، حديث رقم (1886) . [ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 174، باب (23) ما جاء في صفة شرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (212) ، وما بين الحاصرتين في (خ) ، (ج) : «إذا تنفس شرب» وهو ضعيف الإسناد، وفي إسناده رشدين بن كريب بن أبى مسلم الهاشمي مولاهم، وهو ضعيف وباقي رجال الإسناد ثقات. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1131، كتاب الأشربة، باب (18) الشرب بثلاثة أنفاس، حديث رقم (3417) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 468- 469، حديث رقم (2566) ، 1/ 470، حديث رقم (2573) كلاهما من مسند عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تعالى عنهما. [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 268، كتاب الأشربة، تعقيب أبى عيسى الترمذي على الحديث رقم (1886) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 المسيّب، عن ربيعة بن أكثم قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يستاك عرضا، ويشرب مصا، ويقول: هو هو أهنأ وأمرأ. وخرّجه أبو جعفر العقيلي في كتاب (الصحابة) ، من حدث اليمان بن عدي الحمصي قال: حدثني ثابت بن كثير الضبيّ، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب عن بهز، ومن حديث على بن ربيعة القرشيّ، عن يحيى بن سعيد بن المسيب [عن] ربيعة بن أكثم. قال ابن عبد البر: هذان الحديثان: حديث بهز، وحديث ربيعة بن أكثم، ليس لإسناديهما عن سعيد أصل، وليسا بصحيحين من جهة الإسناد عندهم. وخرّج ابن حيّان من حديث محمد بن جعفر الوركانى، حدثنا سعيد بن ميسرة، حدثنا أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يشرب جرعة، ثم قطع، ثم سمى، [ثم] جرع، ثم قطع، ثم جرع، ثم قطع، ثم سمى ثلاثا حتى فرغ، فلما فرغ حمد اللَّه عليه] . وروى أبو بكر الشافعيّ، من حديث عيسى بن يونس، عن المحلى بن غزوان، عن شقيق، عن ابن مسعود [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا شرب تنفس على الإناء ثلاثة، يحمد اللَّه على كل نفس، ويشكره عند آخرهن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 وأمّا إيثاره من على يمينه فخرج البخاري من حديث شعيب، عن الزهري قال: حدثني أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أنها حلبت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شاة داجن، وهو في دار أنس بن مالك، وشيب لبنها بماء في البئر التي في دار أنس بن مالك، فأعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القدح فشرب منه، حتى إذا نزع القدح من فيه، وعلى يساره أبو بكر رضى اللَّه عنه، وعن يمينه أعرابى، فقال عمر رضى اللَّه عنه- وخاف أن يعطيه لأعرابى-: أعط أبا بكر يا رسول اللَّه عندك، فأعطاه الأعرابي الّذي عن يمينه، ثم قال: الأيمن، فالأيمن. ذكره في كتاب الشرب، في باب: من رأى صدقة الماء، وهبته، ووصيته جائزة، وفي باب: شرب الماء باللبن [ (1) ] . وخرّجه مسلم من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين، وكنّ أمّهاتى يحثثننى على خدمته، فدخل علينا دارنا، فحلبنا له من شاة داجن، وشيب له من بئر في الدار، فشرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له عمر وأبو بكر رضى اللَّه عنهما عن شماله: يا رسول اللَّه، أعط أبا بكر، فأعطاه أعرابيا عن يمينه وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الأيمن فالأيمن [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 92- 93، كتاب الأشربة، باب (14) شرب اللبن بالماء، حديث رقم (5612) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 212، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (124) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 وخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] ، من حديث مالك عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أتى بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابىّ، وعن يساره أبو بكر رضى اللَّه عنه، فشرب، ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن ترجم عليه البخاري باب: الأيمن فالأيمن في الشرب. وذكره في أول كتاب الهبة، من حديث إسماعيل بن جعفر، وسليمان بن بلال، عن أبى طوالة عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن حزم، عن أنس [رضى اللَّه عنه] بمعنى ما تقدم، وفي آخره ألا فيمّنوا، الأيمنون، الأيمنون، قال أنس: فهي سنّة، فهي سنّة، فهي سنّة [ (4) ] ، وهو مما اتفقا عليه من حديث سليمان بن بلال، عن أبى طوالة. [قال الحافظ أبو نعيم: وهو صحيح متفق عليه، رواه عن الزهري صالح ابن كيسان، وعبيد اللَّه بن عمر، وابن جريج، ومعمر، والأوزاعي، ويزيد بن أبى حبيب، والزبيدي، وشعيب، وعقيل، ويونس، وقرة، وإسحاق بن راشد، والنعمان بن راشد، وأبو أويس، ويوسف بن الماجشون، وعبيد اللَّه ابن أبى زياد، وسفيان بن حسين، وزكريا بن إسحاق، وصالح بن الأخضر، وزمعة بن صالح، [] ، وعبد الرحمن بن إسحاق] [ (5) ] . قال ابن عبد البر: ولم تختلف الرواة عن مالك في إسناده [هذا]   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 105، كتاب الأشربة، باب (18) الأيمن فالأيمن في الشرب، حديث رقم (5619) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 211، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (124) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 113- 114، كتاب الأشربة، باب (19) في الساقي متى يشرب، حديث رقم (3726) . [ (4) ] (فتح الباري) : 5/ 252، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (4) من استسقى، حديث رقم (2571) . [ (5) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 الحديث ولا في ألفاظه فيما علمت، وقد رواه ابن عيينة عن ابن شهاب فأحسن سياقته، وذكر فيه ألفاظا لم يذكرها مالك، فذكر حديث سفيان الّذي خرجه مسلم، ثم قال: وقد روى هذا الحديث محمد بن الوليد البشرى، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، مثل رواية ابن عيينة عن الزهري سواء، وزاد فيه: وقال الأيمن فالأيمن، فمضت سنّة. قال الدار قطنى: ولم يرو أحد هذا الحديث بهذه الألفاظ، إلا البسري عن ابن مهدي، عنه، وإن كان حفظ فقد أغرب بألفاظ عدد ليست في الموطأ، منها قوله: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين، ومات وأنا ابن عشرين، وكن أمهاتى يحتثثننى على خدمته، فدخل النبي [عليه السلام] دارنا، فحلبنا له من شاة لنا داجن، فكل هذه الألفاظ ليست في الموطأ، وقوله أيضا: وعمر ناحية، فقال: أعط أبا بكر، ليست في الموطأ، وقوله: فمضت سنة، ليست في الموطأ، ولا في حديث ابن عيينة أيضا، وسائر الألفاظ كلها محفوظة عن ابن عيينة، عن الزهري، عن أنس [رضى اللَّه عنه] . وقد بلغني عن بعض من تكلف الكلام في هذا الشأن أنه قال: الأعرابيّ في هذا الحديث: هو خالد بن الوليد! وهذا منه إغفال شديد، وإقدام على القول بالظن، الّذي هو أكذب الحديث، أو تقليد لمن سلك سبيله في ذلك، ووهم بيّن، وغلط واضح من وجهين: أحدهما: أن الأعرابي كان عن يمين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حديث أنس هذا، وخالد بن الوليد كان في قصة ابن عباس عن يسار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وابن عباس عن يمينه. والآخر: أنه اشتبه عليه حديث سهل بن سعد في الأشياخ مع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 370 الغلام، مع حديث أنس في أبى بكر والأعرابي وإنما دخلت الشبهة في ذلك- واللَّه أعلم- لأن في حديث سهل: وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، والأشياخ أحدهم خالد بن الوليد. وقصة ابن عباس وخالد، غير قصة أبى بكر والأعرابي، وحديث أنس غير حديث سهل بن سعد، فقف على ذلك، ولا تلتفت إلى ما سواه. انتهى. وحديث سهل الّذي أشار إليه الدار قطنى، خرّجه البخاري ومسلم من حديث مالك، عن أبى حازم سلمة بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي رضى اللَّه عنه، [قال:] إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطى [هؤلاء] ؟ فقال الغلام: لا، واللَّه لا أؤثر نصيبي منك أحدا، فتلّه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في يده. اللفظ لمسلم [ (1) ] . وذكره البخاري في كتاب الهبة، في باب: الهبة المقبوضة وغير المقبوضة [ (2) ] ، وذكره مسلم من حديث عبد العزيز بن أبى حازم، ويعقوب ابن عبد الرحمن القاري، كلاهما عن أبى حازم بمثله، ولم يقولا: فتلّه، ولكن في رواية يعقوب قال: فأعطاه إيّاه [ (3) ] . وذكره البخاري في الأشربة، وفي المظالم من حديث مالك عن أبى حازم ترجم عليه في الأشربة، باب: هل يستأذن الرجل من عن يمينه في   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 214، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (127) . [ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 282، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (23) الهبة المقبوضة وغير المقبوضة، والمقسومة وغير المقسومة، حديث رقم (2605) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 214- 215، كتاب الأشربة، باب (17) استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ، حديث رقم (128) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 371 الشرب [ (1) ] ، وترجم عليه في المظالم باب: إذا أذن له أو أجلّه ولم يبين كم هو [ (2) ] . وذكره في الهبة في باب: هبة الواحد للجماعة، وقال فيه: وقال للغلام: إن أذنت لي أعطيت هؤلاء، فقال: ما كنت أوثر بنصيبي منك يا رسول اللَّه أحدا فتلّه في يده [ (3) ] . وذكره في أول كتاب الشرب في باب: من رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة، مقسوما كان أو غير مقسوم، من حديث أبى غسّان، حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بقدح فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: يا غلام! أتأذن أن أعطى الأشياخ؟ قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدا يا رسول اللَّه، فأعطاه إياه [ (3) ] . وذكره في باب: من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه، من حديث عبد العزيز عن أبى حازم، عن سهل عن سعد.. الحديث بمثل حديث أبى غسان، غير أنه قال: وهو أحدث القوم، وقال: أتأذن لي، وقال لا أؤثر بنصيبي [ (3) ] . قال ابن عبد البر: وقد ذكر حديث مالك عن أبى حازم المتقدم ذكره، روى ابن أبى حازم هذا الحديث، عن أبيه فقال فيه: وعن يساره أبو بكر رضى اللَّه عنه، ثم ساق معنى حديث مالك سواء، وذكر أبى بكر في هذا الحديث عندهم خطأ، وإنما هو محفوظ في حديث ابن شهاب.   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 106، كتاب الأشربة، باب (19) هل يستأذن الرجل من عن يمينه في الشرب ليعطي الأكبر؟ حديث رقم (5620) . [ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 129- 130، كتاب المظالم، باب (12) إذا أذن له أو أحله ولم يبين كم هو، حديث رقم (2451) . [ (3) ] (المرجع السابق) : كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (22) هبة الواحد للجماعة، حديث رقم (2602) باختلاف يسير في اللفظ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 372 وذكر من طريق أبى عيسى الترمذي، حديث على بن زيد، عن عمرو ابن أبى حرملة، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: دخلت أنا وخالد ابن الوليد رضى اللَّه عنه مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ميمونة، فجاءتنا بإناء من لبن، فشرب رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] وأنا عن يمينه، وخالد عن شماله، فقال لي: الشربة لك، وإن شئت أمرت بها خالدا: فقلت: ما كنت لأؤثر بسؤرك أحدا، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من أطعمه اللَّه طعاما فليقل: اللَّهمّ بارك لنا فيه، وزدنا منه، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: ليس بشيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن [ (1) ] . قال ابن عبد البرّ: والشراب المذكور في هذا الحديث- يعنى حديث مالك عن أبى حازم- كان لبنا. وذكر من طريق قاسم بن أصبغ، حديث إسماعيل بن جعفر قال: أخبرنى أبو حازم، عن سهل بن سعد قال: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدح من لبن، وغلام عن يمينه، والأشياخ أمامه وعن يساره، فشرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم قال للغلام: يا غلام! أتأذن لي أن أسقى الأشياخ؟ قال: ما أحب أن أؤثر بفضل شربتك على نفسي أحدا من الناس، فناوله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وترك الأشياخ. قال: والغلام المذكور في هذا الحديث هو ابن عباس، والأشياخ: خالد بن الوليد، أو منهم خالد بن الوليد. وذكر من حديث إسماعيل بن زكريا الخلقاني أبو زياد، عن سفيان، عن على بن زيد، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال:   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 472- 473، كتاب الدعوات، باب (55) ما يقول إذا أكل طعاما، حديث رقم (3455) ، وقال: هذا حديث حسن، وروى بعضهم هذا الحديث عن على بن زيد فقال: عن عمر بن حرملة. وقال بعضهم: عمرو بن حرملة، ولا يصح. وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل) : 170، باب (31) ما جاء في صفة شراب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (206) ، وهو حديث حسن، وقد سبق تخريجه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 أتى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بقعب من لبن، فشرب منه، وابن عباس عن يمينه، وخالد بن الوليد عن يساره، فقال: يا ابن عباس! إن الشربة لك، فإن شئت أن تؤثر بها خالدا، فقلت: ما أؤثر بسؤرك عليّ أحدا. وقد روى الحميدىّ الحديث عن سفيان، فخالف في إسناده الخلقاني، والحميدىّ أثبت منه. وذكر حديث الترمذي، أخبرنا الحميدي، أخبرنا سفيان، أخبرنا على بن زيد بن جدعان، عن عمر بن حرملة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنه] قال: دخلت مع رسول اللَّه على خالتي ميمونة، ومعنا خالد بن الوليد، فقالت له ميمونة: ألا نقدم إليك يا رسول اللَّه شيئا أهدته لنا أم حفيد؟ قال: بلى، فأتته بضباب مشوية، فلما رآها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، تفل ثلاث مرات، ولم يأكل منها، وأمرنا أن نأكل، ثم أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. بإناء فيه لبن، فشرب، وأنا عن يمينه، وخالد عن يساره، فقال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الشربة لك يا غلام، وإن شئت آثرت بها خالدا، فقلت: ما كنت لأؤثر بسؤر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحدا، ثم قال: من أطعمه اللَّه طعاما فليقل: اللَّهمّ بارك لنا فيه [وأبدلنا ما هو خير منه، ومن سقاه اللَّه لبنا فليقل: اللَّهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه] ، فإنّي لا أعلم شيئا يجزئ من الطعام والشراب غيره [ (1) ] . قال: ورواه شعبة، عن عمرو بن حرمل، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنه] مثله. وقال أبو داود الطيالسي: كذا قال لي شعبه وغيره، يقول عمر بن حرملة، وقال الترمذي: اختلف الناس في رواية هذا الحديث، عن على بن زيد بن جدعان، وروى بعضهم عن على بن زيد، عن عمر بن أبى حرملة، وروى بعضهم [عن] شعبة، عن على بن زيد، عن عمرو بن حرملة،   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 1/ 225- 226، حديث رقم (482) ، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 116، كتاب الأشربة، باب (21) ما يقول إذا شرب اللبن، حديث رقم (3730) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 والصحيح: عمر بن أبي حرملة. وأما شربه آخر أصحابه فخرج ابن حيّان من حديث يزيد الرقاشيّ، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسقى أصحابه، قالوا: يا رسول اللَّه! لو شربت، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: ساقى القوم آخرهم شربا [ (1) ] . وقد خرّج أبو بكر بن أبى شيبة [ (2) ] ، وأبو داود [ (3) ] هذا الحديث من طريق شعبة، عن أبى المختار الأسدي، عن ابن أبى أوفى، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ساقى القوم آخرهم شربا. وخرّجه الترمذي [ (4) ] والنسائي [ (5) ] ، من حديث حماد بن زيد، عن ثابت   [ (1) ] (الأمثال في الحديث النبوي لأبى الشيخ) : 320، حديث رقم (182) من حديث عبد اللَّه بن رباح عن أبى قتادة، و (أخلاق النبي) : ص 242. [ (2) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 5/ 110، كتاب الأشربة، باب (46) ساقى القوم، حديث رقم (24216) ، وأخرجه أيضا من حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد اللَّه بن رباح عن أبى قتادة، حديث رقم (24217) ولفظه: «ساقى القوم آخرهم شربا» . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 113، كتاب الأشربة، باب (19) في الساقي متى يشرأب، حديث رقم (3725) . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 271، كتاب الأشربة، باب (20) ما جاء أن ساقى القوم آخرهم شربا، حديث رقم (1894) ، قال: وفي الباب عن ابن أبى أوفى، قال: أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. [ (5) ] أخرجه النسائي في (الكبرى) : الوليمة، باب متى يشرب ساقى القوم؟. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1135، كتاب الأشربة، باب (26) ساقى القوم آخرهم شربا، حديث رقم (3434) . وأخرجه ابن حيّان في (المثال في الحديث النبوي) : 220، حديث رقم (181) ، عن عبد اللَّه ابن رباح، عن أبى قتادة: «ساقى القوم آخرهم» ورقم (183) مثله، (184) ، (185) ، (186) ، (187) بأسانيد مختلفة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 البناني، عن عبد اللَّه بن رباح، عن أبى قتادة [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ساقى القوم آخرهم يعنى شربا. ولم يقل النسائي: يعنى شربا. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ولم أر تلك الزيادة إلا في ما خرّجه ابن حبان. وأما شربه صلى اللَّه عليه وسلم قائما وقاعدا فخرج البخاري من حديث مسعر [عن] عبد الملك، بن ميسرة، عن النزّال، قال: أتى عليّ رضى اللَّه عنه باب الرّحبة، فشرب قائما، فقال: إن ناسا يكره أحدهم أن يشرب. وهو قائم، وإني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت [ (1) ] . ومن حديث شعبه، [حدثنا عبد الملك بن ميسرة، سمعت النّزال بن سبرة، يحدث عن على بن أبى طالب [رضى اللَّه عنه] أنه صلى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة، حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتى بماء، فشرب [فضلة وهو قائم، وغسل وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه، ثم   [ () ] وأخرجه ابن حبّان في (صحيح) : 12/ 154- 155، كتاب الأشربة، باب (1) آداب الشرب، ذكر الأمر للقوم إذا اجتمعوا على ماء وأراد أحدهم أن يسقيهم أن يبدأ حتى يكون هو آخرهم شربا، حديث رقم (5338) من حديث عبد اللَّه بن رباح عن أبى قتادة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ساقى القوم آخرهم» . وأخرجه الإمام مسلم في (الصحيح) : 5/ 193، كتاب المساجد ومواضع الصلاة فيها، باب (55) قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، حديث رقم (681) ، وفيه: قال صلى اللَّه عليه وسلم: «إن ساقى القوم آخرهم شربا» ، قال الإمام النووي: فيه هذا الأدب من آداب شاربى الماء واللبن ونحوهما وفي معناه ما يفرق على الجماعة من المأكول، كلحم وفاكهة وشموم وغير ذلك، واللَّه تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي) . [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 99- 100، كتاب الأشربة، باب (16) الشرب قائما، حديث رقم (5615) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 قام، فشرب فضلة وهو قائم] ثم قال: أناسا يكرهون الشرب قائما، وإن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صنع مثل ما صنعت [ (1) ] . ذكرهما في الأشربة، في باب الشرب قائما. وذكر في الحج في باب: ما جاء في زمزم، حديث عاصم عن الشعبي، أن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] حدثه قال: سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من زمزم، فشرب وهو قائم، فحلف عكرمة، ما كان صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ إلا على بعير [ (2) ] . وذكره مسلم في الأطعمة، ولم يقل: قال عاصم.. إلى آخره [ (3) ] . وذكره البخاري في الأشربة، ولفظه عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: شرب النبي صلى اللَّه عليه وسلم قائما من زمزم [ (4) ] ، ولفظ مسلم: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرب من زمزم من دلو منها وهو قائم [ (5) ] . وفي لفظ: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم [ (6) ] . وفي آخر: سمع ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] [يقول] : سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من زمزم، فشرب قائما، واستسقى صلى اللَّه عليه وسلم وهو عند البيت [ (7) ] . ولأبى بكر بن أبى شيبة، من حديث محمد بن فضيل، عن عطاء بن [المسيب] ، عن ميسرة قال: رأيت عليا رضى اللَّه عنه يشرب قائما، فقلت   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5616) . [ (2) ] (فتح الباري) : 3/ 629، كتاب الحج، باب (76) ما جاء في زمزم، حديث رقم (1637) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 208، كتاب الأشربة، باب (15) في الشرب من زمزم قائما، حديث رقم (117) . [ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 100، كتاب الأشربة، باب (16) الشرب قائما، حديث رقم (5617) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 208- 209، كتاب الأشربة، باب (15) في الشرب قائما، حديث رقم (118) . [ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (119) . [ (7) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (120) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 له: تشرب قائما! فقال: لئن شربت قائما، لقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شرب قائما، ولئن شربت قاعدا، فلقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يشرب قاعدا [ (1) ] . وللترمذي من حديث حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يشرب قائما وقاعدا. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن [صحيح] [ (2) ] . ولابن حيّان من حديث مكحول، أن مسروقا حدثهم عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرب قاعدا، وقائما، وصلى حافيا، ومنتعلا، وانصرف عن يمينه، وعن شماله [ (3) ] .   [ (1) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 5/ 99- 100، كتاب الأشربة، باب (25) من رخّص في الشرب قائما، حديث رقم (24099) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 266- 267، كتاب الأشربة، باب (12) ما جاء في الرخصة في الشرب قائما، حديث رقم (1883) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (3) ] (أخلاق النبي) : 225، والحديث أخرجه كل من: الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 36، حديث رقم (6590) ، 2/ 372- 373، حديث رقم (6622) ، 2/ 374، حديث رقم (6641) ، 2/ 392، حديث رقم (6744) ، 2/ 419، حديث رقم (6889) ، 2/ 434، حديث رقم (6982) ، وكلها شواهد يصح بها هذا الحديث، والبيهقي في (السنن الكبرى) ، 2/ 431، من طريق آخر عن عائشة رضى اللَّه عنها. وذكر الشيخ الألباني في (السلسلة الصحيحة) : 1/ 288، حديث رقم (177) ، ثم قال: وظاهر النهى في هذه الأحاديث يفيد تحريم الشرب قائما بلا عذر، وقد جاءت أحاديث كثيرة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرب قائما، فاختلف العلماء في التوفيق بينها، والجمهور على أن النهى للتنزيه، والأمر بالاستقاء للاستحباب. وخالفهم ابن حزم، فذهب إلى التحريم، ولعل هذا هو الأقرب للصواب، فإن القول بالتنزيه لا يساعد عليه لفظ «زجر» ، ولا الأمر بالاستقاء، لأنه- أعنى الاستقاء-، فيه مشقة شديدة على الإنسان، وما أعلم أن في الشريعة مثل هذا التكليف كجزاء لمن تساهل بأمر مستحب، وكذلك قوله: «قد شرب معك الشيطان» فيه تنفير شديد عن الشرب قائما، وما إخال ذلك يقال في ترك مستحب. وأحاديث الشرب: قائما يمكن أن تحمل على العذر كضيق المكان، أو كون القربة معلقة، وفي بعض الأحاديث الإشارة إلى ذلك. واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) : 289. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث سفيان، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن عبد الرحمن بن أبى عمرة، عن جدته كبشة، قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فشرب من [فىّ] قربة معلقة قائما، فقمت إلى فيها فقطعته [ (1) ] . ومن حديث ابن جريج، عن عبد الكريم، عن البراء بن زيد بن بنت أنس ابن مالك أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل وقربة معلقة، فشرب من فم القربة، وهو قائم، فقامت أم سليم إلى رأس القربة فقطعتها [ (2) ] .   [ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 175، باب (32) ما جاء في صفة شرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (213) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (سنن الترمذي) : 4/ 270، كتاب الأشربة، باب (18) ما جاء في الرخصة في الشرب قائما، حديث رقم (1892) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، ويزيد بن يزيد بن جابر هو أخو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو أقدم منه موتا. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1132، كتاب الأشربة، باب (21) الشرب قائما، حديث رقم (3423) ، وفيه: «فقطعت فم القربة، تبتغي بركة موضع في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 587، حديث رقم (26902) ، وقال وقرئ عليه هذا الحديث- يعنى سفيان- سمعت يزيد عن عبد الرحمن بن أبى عمرة عن جدتى وهي كبيشة [بيت ثابت أخت حسان] . (التهذيب) . والحميدي في (المسند) : 1/ 172، حديث رقم (354) ، وأخرجه ابن حبان في (صحيحه) : 12/ 138- 139 ، كتاب الأشربة، باب (1) آداب الشرب، ذكر إباحة شرب الماء إذا كان قائما، حديث رقم (5318) . قال الإمام النووي في (شرح مسلم) : 13/ 205- 206، كتاب الأشربة، باب (13) آداب الطعام والشراب وأحكامهما في شرح الحديث رقم (110) بعد أن ذكر حديث كبيشة، قال: وقطعها لفم القربة فعلته لوجهين: أحدهما: أن تصون موضعا أصابه فم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أن يبتذل ويمسّه كل أحد. والثاني: أن تحفظه للتبرك به والاستشفاء، واللَّه تعالى أعلم. فهذا الحديث يدل على أن النهى ليس للتحريم. واللَّه تعالى أعلم. [ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 176- 177، حديث رقم (215) وهو حديث صحيح لغيره، تفرد به الترمذي، وله ما يشهد لصحته من طرق آخر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 فصل في طب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ]   [ (1) ] قال العلامة ابن القيم: المرض نوعان: مرض القلوب، ومرض الأبدان، وهما مذكوران في القرآن. ومرض القلوب نوعان: مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغىّ، وكلاهما في القرآن. قال تعالى في مرض الشبهة: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة: 10] ، وقال تعالى: وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا [المدثر: 31] . وقال تعالى في حق من دعي إلى تحكيم القرآن والسنة، فأبى وأعرض: وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ* وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [النور: 48- 50] ، فهذا مرض الشبهات والشكوك. وأما مرض الشهوات فقال تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب: 32] ، فهذا مرض شهوة الزنى، واللَّه تعالى أعلم. وأما مرض الأبدان، فقال تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ* [النور: 61] ، وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسرّ بديع يبين لك عظمة القرآن، والاستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه، وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة: حفظا للصحة، والحمية عن المؤذي، واستفراغ المواد الفاسدة. فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة في هذه المواضع الثلاثة: فقال في آية الصوم: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184] ، فأباح الفطر للمريض لعذر المرض، وللمسافر طلبا لحفظ صحته وقوته، لئلا يذهبها الصوم في السفر، لاجتماع شدة الحركة، وما يوجبه من التحليل، وعدم الغذاء الّذي يخلف ما تحلل، فتخور القوة، وتضعف، فأباح للمسافر الفطر، حفظا لصحته وقوته عما يضعفها. وقال في آية الحج: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196] ، فأباح للمريض، ومن به أذى من رأسه، من قمل، أو حكّة، أو غيرهما، أن يحلق رأسه في الإحرام، استفراغا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر، فإذا حلق رأسه، تفتحت المسام، فخرجت تلك الأبخرة منها. فهذا الاستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذى احتباسه، والأشياء التي يؤذى انحباسها ومدافعتها عشرة: الدم إذا هاج، والمنى إذا تبيّغ، والبول، والغائط، والريح، والقيء، والعطاس، والنوم، والجوع، والعطش. وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحبسه. وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها، وهو البخار المحتقن في الرأس، على استفراغ ما هو أصعب منه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرض، وسحر، واحتجم، وتداوى، وسمّ ورقا.   [ () ] كما هي طريقة القرآن في التنبيه بالأدنى على الأعلى. وأما الحمية: فقال تعالى في آية الوضوء: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* [النساء: 43] ، فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه، وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج، فقد أرشد- سبحانه- عباده إلى أصول الطب ومجامع قواعده، ونحن نذكر هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ونبين أن هديه فيه أكمل هدى. فأما طبّ الأبدان فإنه نوعان: نوع قد فطر اللَّه عليه الحيوان ناطقه وبهيمة، فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب، كطب الجوع، والعطش، والبرد والتعب بأضدادها وما يزيلها. والثاني: ما يحتاج إلى فكر وتأمل، كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة في المزاج، بحيث يخرج بها عن الاعتدال، إما إلى حرارة، أو برودة، أو يبوسة، أو رطوبة، أو ما يتركب من اثنين منها. فالطبيب هو الّذي يفرق بين ما يضر بالإنسان جمعه، أو يجمع فيه ما يضره تفرقه، أو ينقص منه ما يضره زيادته، أو يزيد فيه ما يضره نقصه، فيجلب الصحة المفقودة، أو يحفظها بالشكل والشبه، ويدفع العلة الموجودة بالضد والنقيض، ويخرجها، أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية. فكان من هديه صلى اللَّه عليه وسلم فعل التداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه، ولكن لم يكن من هديه صلى اللَّه عليه وسلم ولا هدى أصحابه استعمال هذه الأدوية المركبة، التي تسمى: أقرباذين، بل كان غالب أدويتهم بالمفردات، وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه، أو يكسر سورته، وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها من العرب والترك، وأهل البوادي قاطبة، وإنما عنى بالمركبات الروم واليونان، وأكثر طب الهند بالمفردات. وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل عنه إلى الدواء، ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل عنه بالمركب. قالوا وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية، لم يحاول دفعه بالأدوية. وفي قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «لكل داء دواء» تقوية لنفس المريض والطبيب، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله، تعلق قلبه بروح الرجاء، وبردت عنده حرارة اليأس، وانفتح له باب الرجاء. وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه، وأمراض الأبدان على وزن أمراض القلوب، وما جعل اللَّه للقلب مرضا إلا جعل له شفاء بضده، فإن علمه صاحب الداء واستعمله، وصادف داء قلبه، أبرأه بإذن اللَّه تعالى. (زاد المعاد) : 4/ 5- 17، مختصرا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 أما طبّه صلى اللَّه عليه وسلم فخرج النسائي والدولابي من حديث محمد بن يوسف، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عبد اللَّه بن مسعود، رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما أنزل اللَّه داء إلا أنزل له دواء. وقال الدولابي: شفاء، فعليكم بألبان البقر، فإنّها ترم من كل الشجر. وقال النسائي: خالفه عبد الرحمن وذكر حديث عبد الرحمن، عن سفيان، عن يزيد، عن قيس بن مسلم، عن طارق قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه لم يضع داء إلا وضع له شفاء، وعليكم بألبان البقر، فأمر بها وقال: إنها دواء من كل داء. فهذه ثلاثة أحاديث: أولها: مسند، والثاني: مرسل، والثالث: موقوف على ابن مسعود [ (1) ] . وخرّجه ابن حبان، عن سفيان به [ (2) ] .   [ (1) ] أخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) : 3/ 437- 438، من حديث الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، وابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 30، كتاب الطب، باب (1) من رخص في الدواء والطب، حديث رقم (23404) ، وفيه: «إن اللَّه تبارك وتعالى لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء» ، وحديث رقم (23405) ، وفيه: «إن اللَّه حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا» ، وحديث رقم (23406) ، وفيه: «ما أنزل اللَّه من داء إلا أنزل له شفاء» ، وحديث رقم (23407) ، وفيه: «تداووا عباد اللَّه فإنّ اللَّه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1138، كتاب الطب، باب (1) ما أنزل اللَّه داء إلا أنزل شفاء، حديث رقم (3438) ، (3439) . [ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 13/ 427، كتاب الطب، ذكر الأمر بالتداوى، إذ اللَّه جلّ وعلا لم يخلق داء إلا خلق له دواء خلا شيئين، حديث رقم (6061) من حديث، حدثنا زياد ابن علاقة، سمع أسامة بن شريك يقول: شهدت النبي صلى اللَّه عليه وسلم والأعراب يسألونه: يا رسول اللَّه، هل علينا جناح في كذا- مرتين- فقال: «عباد اللَّه، وضع اللَّه الحرج إلا امرؤ اقترض من عرض أخيه شيئا، فذلك الّذي حرج» ، قالوا: يا رسول اللَّه، فهل علينا جناح أن نتداوى؟ فقال: «تداووا عباد اللَّه، فإنّ اللَّه لم يضع داء إلا وضع له دواء» . قالوا: يا رسول اللَّه، فما خير ما أعطى العبد؟ قال: خلق حسن» قال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382   [ () ] سفيان [بن عيينة] : ما على وجه الأرض اليوم إسناد أجود من هذا. وفي باب ذكر الإخبار عن إنزال اللَّه لكل داء دواء يتداوى به، حديث رقم (6062) ، وهو حديث ابن مسعود رضى اللَّه تعالى عنه. وفي باب ذكر الإخبار بأن العلة التي خلقها اللَّه جل وعلا إذا عولجت بدواء غير دوائها لم تبرأ حتى تعالج به، حديث رقم (6063) ، عن جابر عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إن لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن اللَّه» . وفي باب ذكر وصف الشيئين اللذين لا دواء لهما، حديث رقم (6064) ، عن أسامة بن شريك، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: تداووا، فإن اللَّه لم ينزل داء إلا وقد أنزل له شفاء، إلا السام والهرم، وهو حديث إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أن أسامة بن شريك لم يخرج له الشيخان، وحديثه عند أصحاب السنن. وفي باب ذكر خبر أوهم غير المتبحّر في صناعة العلم أن ألبان البقر نافعة لكل من به علة من العلل، حديث رقم (6075) من حديث عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ما أنزل اللَّه داء إلا أنزل له دواء، فعليكم بألبان البقر، فإنّها ترمّ من كل الشجر» إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وحديث رقم (23408) ، وفيه: «إن اللَّه لم ينزل داء- أو لم يخلق داء- إلا وقد أنزل- أو خلق- له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله إلا السّام» قالوا: يا رسول اللَّه! وما السام؟ قال: «الموت» ، وحديث رقم (2341) ، وفيه: «أنّ رجلا من أسلم أصابه جرح، فاحتقن الدم، وأنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعا له رجلين من بنى أنمار فقال: «أيكما أطبّ؟» فقال رجل: يا رسول اللَّه، أفي الطب خير؟ فقال صلى اللَّه عليه وسلم: «إن الّذي أنزل الداء أنزل الدواء» ، وحديث رقم (23411) ، عن أبى قلابة قال: وَقِيلَ مَنْ راقٍ [القيامة: 27] قال: من طبيب، وحديث رقم (23412) عن أبى قلابة، عن كعب قال: إن اللَّه يقول: أنا الّذي أصح وأداوى» . وخرج أبو عبد اللَّه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 441، كتاب (48) الطب، حديث رقم (8205) : «إنّ اللَّه عزّ وجلّ لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء علمه من علمه، وجهله من جهله» ، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. وحديث رقم (8206) . وفيه: «نعم تداووا عباد اللَّه، فإن اللَّه تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد» ، قالوا: يا رسول اللَّه وما هو؟ قال: «الهرم» قالوا: يا رسول اللَّه ما خير ما أعطى الإنسان؟ قال: «خلق حسن» ، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، فقد رواه عشرة من أئمة المسلمين وثقاتهم عن زياد بن علاقة، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، رواه عشرة من أئمة المسلمين عن زياد. وحديث رقم (8224) : «عليكم بألبان البقر فإنّها ترم من كل شجر وهو شفاء من كل داء» ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 وأما حمية المريض خرّج أبو داود من حديث فليح بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن ابن صعصعة [الأنصاري] ، عن يعقوب بن أبى يعقوب، عن أم المنذر بنت   [ () ] ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التخليص) : صحيح. وأخرجه العلاء الهندي في (كنز العمال) : 10/ 4- 8، كتاب الطب والرقى والطاعون، من طرق وبسياقات مختلفة، الأحاديث أرقام (28077) إلى (28099) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) 1/ 623، حديث رقم (3568) من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تعالى عنه، 2/ 36، حديث رقم (4322) من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تعالى عنه. وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 335، كتاب الطب، باب (2) ما جاء في الدواء والحث عليه، حديث رقم (2038) من حدث أبى عوانة، عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك، قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود وأبى هريرة، وأبى خزامة عن أبيه وابن عباس، وهذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 192، كتاب الطب، باب (1) في الرجل يتداوى، حديث رقم (3855) . قال الشيخ: في الحديث إثبات الطب والعلاج، وأن التداوي مباح غير مكروه، كما ذهب إليه بعض الناس. وفيه أنه جعل الهرم داء، وإنما هو ضعف الكبر، وليس من الأدواء التي هي أسقام عارضة للأبدان من قبل اختلاف الطبائع، وتغير الأمزجة، وإنما شبهه بالداء لأنه جالب للتلف، كالأدواء التي قد يتعقبها الموت والهلاك، وهذا كقول النمر بن تولب: دعوت ربى السلامة جاهدا ... ليصحنى فإذا السلامة داء يريد: أن العمر لما طال به أداه إلى الهرم فصار بمنزلة المريض الّذي قد أدنفه الداء وأضعف قواه، وكقول حميد بن نور الهذلي: أرى بصرى قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصحّ وتسلما وحدثني إبراهيم بن عبد الرحمن العنبري، حدثنا ابن أبى قمّاش، حدثنا ابن عائشة- عن حماد ابن سلمة، عن حميد، عن الحسن قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لو لم يكن لابن آدم إلا السلامة والصحة لكان كفى بهما داء قاضيا» (معالم السنن) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 قيس الأنصارية، قالت: دخل [عليّ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه عليّ رضى اللَّه عنه، وعليّ [ناقة ولنا دوال] معلقة، فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل منها، وقام عليّ ليأكل، فطفق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول لعلىّ: مه إنك ناقة، حتى كفّ عليّ رضى اللَّه عنه، قالت: وصنعت شعيرا، وسلقا، فجئت به، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: [يا] عليّ، أصب من هذا فهو أنفع لك [ (1) ] . إطعام المريض ما يشتهيه خرّج قاسم بن أصبغ، من حديث أبى مكين، نوح بن ربيعة البصري، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاد رجلا   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 193، كتاب الطب، باب (2) في الحمية، حديث رقم (3856) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، والدوالي: جمع دالية وهي الفرق من البسر، يعلق حتى إذا أرطب أكل، مه: اسم فعل أمر بمعنى اكفف، ناقة: أي قريب عهد بالمرض لم يستكمل صحته. وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 335، كتاب الطب، باب (1) ما جاء في الحمية، حديث رقم (2037) ، وقال فيه: «فإنه أوفق لك» . وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث فليح، ويروى عن فليح عن أيوب بن عبد الرحمن. ثم قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر وأبو داود قال: حدثنا فليح بن سليمان عن أيوب بن عبد الرحمن، عن يعقوب عن أم المنذر الأنصارية في حديثه قالت: دخل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذكر نحو حديث يونس بن محمد، إلا أنه قال: «أنفع لك» ، وقال محمد بن بشار: وحدثنيه أيوب بن عبد الرحمن، هذا حديث جيد غريب. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1139، كتاب الطب، باب (3) الحمية، حديث رقم (3442) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 506، حديث رقم (24511) ، من حديث أم المنذر بنت قيس الأنصارية رضى اللَّه عنها. واعلم أن في منع النبي صلى اللَّه عليه وسلم لعلىّ من الأكل من الدوالي وهو ناقة أحسن التدبير، فإن الدوالي أقناء من الرطب تعلق في البيت للأكل بمنزلة عناقيد العنب، والفاكهة تضر بالناقة من المرض لسرعة استحالتها، وضعف الطبيعة عن دفعها، فإنّها لم تتمكن بعد من قوتها، وهي مشغولة بدفع آثار العلة، وإزالتها من البدن (زاد المعاد) : 4/ 105. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 من الأنصار، قال: ما تشتهي؟ قال: أشتهى خبز برّ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: من عنده خبز برّ: فانطلق رجل، فجاء بكسرة خبز برّ، فأطعمها النبي صلى اللَّه عليه وسلم إيّاه وقال: النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه [ (1) ] .   [ (1) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 463، كتاب الجنائز باب (1) ما جاء في عيادة المريض، حديث رقم (1439) ، 2/ 1139، كتاب الطب، باب (2) المريض يشتهي الشيء، حديث رقم (3440) ، وحديث رقم (3441) ، وفيه «أشتهى كعكا، والكعك خبز يعمل مستديرا من الدقيق والحليب والسكر، أو غير ذلك، والواحدة كعكة. والكلمة فارسية معربة، وفي الأول صفوان بن هبيرة، وهو لين الحديث، وفي الثاني يزيد الرقاشيّ وهو ضعيف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 العين حق ودواء المصاب خرّج البخاري ومسلم [ (1) ] ، من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: أخبرنا وهيب عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر، سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا [ (2) ] .   [ (1) ] في (الأصلين) : «مسلم والنسائي» والصواب ما أثبتناه. وفي هذا الحديث سرّ طبي لطيف، فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي، وكان فيه ضرر ما، كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه، وإن كان نافعا في نفسه، فإن صدق شهوته، ومحبة الطبيعة يدفع ضرره، وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع، قد يجلب لها منه ضررا. وبالجملة: فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية، فتهضمه على أحمد الوجوه، سيما عند انبعاث النفس إليه بصدق الشهوة، وصحة القوة، واللَّه تعالى أعلم. (زاد المعاد) : 4/ 106. [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 249، كتاب الطب، باب (36) العين حق، حديث رقم (5740) ولفظه: «عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: العين حق. ونهى عن الوشم» ، وأخرجه أيضا بسنده ولفظه في كتاب اللباس، باب (86) الواشمة، حديث رقم (5944) . قوله: «العين حق» ، أي الإصابة بالعين شيء ثابت موجود، أو هو من جملة ما تحقق كونه. قال المازري: أخذ الجمهور بظاهر الحديث، وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى، لأن كل شيء ليس محالا في نفسه، ولا يؤدى إلى قلب حقيقة، ولا إفساد دليل، فهو من متجاوزات العقول، فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى، وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الآخرة؟ (فتح الباري) . قوله: «العين حق ونهى عن الوشم» ، لم تظهر المناسبة بين هاتين الجملتين، فكأنهما حديثان مستقلان، ولهذا حذف مسلم وأبو داود الجملة الثانية من روايتهما، مع أنهما أخرجاه من رواية عبد الرزاق، الّذي أخرجه البخاري من جهته، ويحتمل أن يقال: المناسبة بينهما اشتراكهما في أن كلا منهما يحدث في العضو لونا غير لونه الأصلي. والوشم بفتح الواو وسكون المعجمة: أن يغرز إبرة أو نحوها في موضع من البدن حتى يسيل الدم، ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل أو نحوه فيخضر (فتح الباري) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 387   [ () ] قال الحافظ في (الفتح) : وقد ظهرت لي مناسبة بين هاتين الجملتين لم أر من سبق إليها، وهي أن من جملة الباعث على الوشم تغير صفة الموشوم لئلا تصيبه العين، فنهى عن الوشم مع إثبات العين، وأن التحيل بالوشم وغيره مما لا يستند إلى تعليم الشارع لا يفيد شيئا، وأن الّذي قدره اللَّه سيقع. وأخرجه مسلم من حديث ابن عباس رفعه: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا» [سيأتي شرحه] . فأما الزيادة الأولى، ففيها تأكيد وتنبيه على سرعة نفوذها وتأثيره في الذات، وفيها إشارة إلى الرد على من زعم من المتصوفة أن قوله: «العين حق» يريد به القدر أي العين التي تجرى منها الأحكام، فإن عين الشيء حقيقته، والمعنى أن الّذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر، إنما هو بقدر اللَّه السابق، لا بشيء يحدثه الناظر في المنظور. ووجه الرد: أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين، وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور، لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب، إما بما جعل اللَّه تعالى فيها من ذلك وأودعه فيها، وإما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر، وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء، إذ القدر عبارة عن سابق علم اللَّه، وهو لا رادّ لأمره، أشار إلى ذلك القرطبي. وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين، لكنها لا تسبق، فكيف غيرها. (فتح الباري) . وأخرجه الإمام مسلم في (صحيحه بشرح النووي) : 14/ 422- 424، كتاب السلام، باب (16) الطب والمرض والرقى، حديث رقم (2187) ولفظه: «العين حق» ، وحديث رقم (2188) بزيادة: «ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا» . قال الحافظ في (الفتح) : وأما الزيادة الثانية، وهي أمر العائن بالاغتسال عند طلب المعيون منه ذلك، ففيها إشارة إلى أن الاغتسال لذلك كان معلوما بينهم، وأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم، وظاهر الأمر الوجوب، وحكى المازري فيه خلافا وصحح الوجوب وقال متى خشي الهلاك، وكان اغتسال العائن مما جرت العادة الشفاء به فإنه يتعين. وقد وقع في حديث سهل من حنيف عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف «أن أباه حدثه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء، حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة، اغتسل سهل ابن حنيف- وكان أبيض حسن الجسم والجلد- فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط- أي صرع وزنا ومعنى- سهل. فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل تتهمون به من أحد؟ قالوا: عامر بن ربيعة، فدعا عامرا فتغيّظ عليه، فقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك برّكت؟ ثم قال: اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 ولأبى داود من حديث جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة رضى اللَّه عنها [قالت] : كان يؤمر العائن فيتوضأ، ثم يغتسل منه المعين [ (1) ] . وللنسائى من حديث عمار بن زريق، عن عبد اللَّه بن عيسى، عن أمية   [ () ] على رأسه وظهره، ثم يكفأ القدح، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس» لفظ أحمد من رواية أبى أويس عن الزهري. (فتح الباري) ، ومنه تنبيهات: الأول: اقتصر النووي في (الأذكار) على قوله: الاغتسال أن يقال للعائن: اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد، فإذا فعل صبّه على المنظور إليه، وهذا يوهم الانتصار على ذلك، وهو عجيب، ولا سيما وقد نقل في (شرح مسلم) كلام عياض بطوله. الثاني: قال المازري: هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل، فلا يرد لكونه لا يعقل معناه، وقال ابن العربيّ: إن توقف فيه متشرع قلنا له: قل اللَّه ورسوله أعلم- وقد عضدته التجربة، وصدقته المعاينة، أو متفلسف، فالرد عليه أظهر، لأن عنده الأدوية تفعل بقواها، وقد تفعل بمعنى لا يدرك، ويسمون ما هذا سبيله الخواص. الثالث: هذا الغسل ينفع بعد استحكام النظرة، فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام، فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة كما مضى: «ألا بركت عليه» ، وفي رواية ابن ماجة: «فليدع بالبركة» ، ومثله عند ابن السنى من حديث عامر بن ربيعة. وأخرج البزار وابن السنى من حديث أنس رفعه: «من رأى شيئا. وأعجبه فقال: ما شاء اللَّه لا قوة إلا باللَّه، لم يضره» . وفي الحديث من الفوائد أيضا: أن العائن إذا عرف يقضى عليه بالاغتسال، وأن الاغتسال من النشرة النافعة، وأن العين تكون مع الإعجاب، ولو بغير حسد، ولو من الرجل المحب، ومن الرجل الصالح. وأن الّذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه، وأن الماء المستعمل طاهر، وفيه جواز الاغتسال بالفضاء، وأن الإصابة بالعين قد تقتل. وقد اختلف في جريان القصاص بذلك، فقال القرطبي: لو أتلف العائن شيئا ضمنه، ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة، وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرا، وقال النووي في (الروضة) : لا دية فيه ولا كفارة. [ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 210، كتاب الطب، باب (15) ما جاء في العين، حديث رقم (3880) ، والعائن: الّذي أصاب غيره بالعين، يراد به الحاسد، والمعين: - المصاب بعين غيره- أي المحسود. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 ابن خالد، - كذا قال- عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: خرجت أنا وسهل بن حنيف نلتمس الخمر، فأصبنا غديرا خمرا، وكان أحدنا يستحى أن يتجرد وأحد يراه، فاستتر حتى رأى أن قد فعل، نزع جبّة صوف عليه، فنظرت إليه، فأعجبني خلقه، فأصبته بعين، فأخذته فقفقة، فدعوته فلم يجبني، فأتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأخبرته، فقال: قوموا بنا، فرفع عن ساقيه حتى خاض إليه الماء، فكأني انظر إلى وضح ساقى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فضرب صدره وقال: بسم اللَّه، اللَّهمّ أذهب حرّها، وبردها، ووصبها، قم بإذن اللَّه، فقام، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إذا رأى أحدكم من نفسه، أو ماله، أو أخيه شيئا يعجبه، فليدع بالبركة، فإن العين حق [ (1) ] . ولمالك، عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، أنه قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبّأة، فلبط سهل، فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقيل: يا رسول اللَّه هل لك في سهل بن حنيف؟ واللَّه ما يرفع رأسه، فقال: هل تتهمون له أحدا؟ قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، قال: فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عامرا، فتغيظ عليه وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا [برّكت] ؟ اغتسل له، فغسّل عامر وجهه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صبّ عليه، فراح سهل مع الناس ليس به بأس [ (2) ] .   [ (1) ] راجع تعليق رقم (3) . [ (2) ] (شرح الزرقاني على الموطأ) : 4/ 406، كتاب الجامع، باب (650) الوضوء من العين، حديث رقم (1810) عن مالك عن محمد بن أبى أمامة، وحديث رقم (1811) عن مالك عن ابن شهاب عن أبى أمامة. قوله: «جلد مخبأة» بضم الميم وخاء معجمة وموحدة والهمز: وهي المخدرة المكنونة، التي لا تراها العيون، ولا تبرز للشمس فتغيرها، يعنى أن جلد سهل كجلد المخبأة إعجابا بحسنة. (الزرقانى) . وفي (النهاية) : المخبأة، الجارية التي في خدرها لم تتزوج بعد، لأن صيانتها أبلغ ممن قد تزوجت. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 لم يذكر يحى في هذا الحديث غسل اليدين، وقال القعنبيّ، وابن بكير، وجماعة الرواة عن مالك: فغسل وجهه، ويديه، ومرفقيه. قال أبو عمر بن عبد البر: ليس في حديث مالك هذا في غسل العائن عن النبي [عليه السلام] أكثر من قوله: اغتسل له، وفيه كيفية الغسل من فعل عامر بن ربيعة [ (1) ] . ورواه معمر عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف وهو يغتسل، فتعجب منه، فقال: تاللَّه إني رأيت كاليوم ولا جلدة مخبأة في خدرها، أو قال: جلد فتاة في خدرها، قال: فلبخ به حتى ما يرفع رأسه، قال: فذكر ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل أحدا [تتهمون] ؟ قالوا: لا يا رسول اللَّه، إن عامر بن ربيعة قال له: كذا، وكذا، فدعا عامرا فقال: سبحان اللَّه! علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى منه شيئا يعجبه، فليدع له بالبركة، قال: ثم أمره، فغسل وجهه، وظهر عينيه، ومرفقيه، وغسل صدره، وداخل إزاره، وركبتيه، وأطراف قدميه ظاهرهما في الإناء، ثم أمره فصبه على رأسه، وكفأ الإناء من خلفه،   [ (1) ] قال الزهري: وهذا من العلم، يغتسل العائن في قدح من ماء، يدخل يده فيه، فيمضمض ويمجه في القدح، ويغسل وجهه فيه، ثم يصب بيده اليسرى على كتفه اليمنى، ثم باليمنى على كتفه اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على مرفق يده اليمنى، ثم بيده اليمنى على مرفق يده اليسرى، ثم يغسل قدمه اليمنى، ثم يدخل اليمنى فيغسل قدمه اليسرى، ثم يدخل يده اليمنى فيغسل الركبتين، ثم يأخذ داخلة إزاره فيصب على رأسه صبة واحدة، ويضع القدح حتى يفرغ. هكذا رواه ابن أبى ذئب عن الزهري، عن ابن أبى شيبة، وهو أحسن ما فسّر به، لأن الزهري راوي الحديث. وزاد ابن حبيب في قول الزهري: هذا يصب من خلفه صبة واحدة يجرى على جسده، ولا يوضع القدح في الأرض، ويغسل أطرافه المذكورة كلها، وداخلة الإزار في القدح. قاله في (التمهيد) . زاد في (الإكمال) : الزهري أخبر أنه أدرك العلماء يصفونه، واستحسنه علماؤنا، ومضى به العمل. (الزرقانى) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 قال: وأمره فحسا منه حسوات، قال: فقام فراح مع الركب، فقال جعفر بن برقان للزهري: ما كان نعدّ هذا حقا، فقال بل هي السنة. قال أبو عمر: وأحسن شيء في تفسير الاغتسال للمعين [حقا] ما وصفه الزهري، وهو راوي الحديث [ (1) ] . وذكر عن طريق قاسم بن أصبغ، حديث ابن أبى ذؤيب، عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، عن أبيه، أن عامرا مرّ به وهو يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلدة مخبّأة، قال: فلبط به، حتى ما يعقل لشدة الوجع، فأخبر بذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فتغيظ عليه، فدعاه النبي [عليه السلام] فقال: قتلته؟ علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا برّكت؟ فأمر النبي [عليه السلام] بذلك، فقال: اغسلوه، فاغتسل، فخرج مع الركب. قال: وقال الزهري: إن هذا من العلم، يغتسل له الّذي عانة، [يؤتى] بقدح من ماء، فيدخل يده في القدح، فيمضمض، ويمجه في القدح، ويغسل وجهه في القدح، ثم يصب بيده اليسرى على كفه اليمنى، ثم بكفه اليمنى على كفه اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى، فيصب بها على مرفق يده اليمنى، ثم بيده اليمنى على مرفق يده اليسرى، ثم يغسل قدمه اليمنى، ثم يدخل [يده] اليمنى، فيغسل قدمه اليسرى، ثم يدخل يده اليمنى فيغسل الركبتين، ثم يأخذ داخلة إزاره، فيصب على رأسه صبه واحدة تجرى على جسده، ولا يوضع القدح حتى يفرغ [ (2) ] .   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] سبق ذكر ذلك في التعليقات السابقة. وحديث الاغتسال للمعين ذكره ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1160، كتاب الطب، باب (32) العين، حديث رقم (3509) ، وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 49، كتاب الطب، باب (27) من رخص في الرقية من العين، حديث رقم (33585) ، وفيه صفة الوضوء عن الزهري الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392   [ () ] وحديث رقم (33586) ، عن عائشة رضى اللَّه عنها أنها كانت تأمر العائن أن يتوضأ فيغسل الّذي أصابته العين، وحديث رقم (33587) عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «العين حق، وإذا استغسل أحدكم فليغتسل» . والبيهقي في (السنن الكبرى) : 9/ 352، كتاب الضحايا، باب الاغتسال للمعين. قال العلامة ابن القيم في (زاد المعاد) : والعين عينان: عين إنسية، وعين جنية، فقد صح عن أم سلمة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سعفة، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: «استرقوا لها فإن بها النظرة [أخرجه البخاري في الطب، باب رقية العين، ومسلم في السلام باب رقية العين، والسفعة- بفتح السين ويجوز ضمها- سواد في الوجه، ومنه سفعة الفرس: سواد ناصيته، وعن الأصمعي: حمرة يعلوها سواد، وقيل: صفرة، وقيل: سواد مع لون آخر، وقال: ابن قتيبة: لون يخالف لون الوجه، وكلها متقاربة] . وعن أبى سعيد، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتعوذ من الجان، ومن عين الإنسان [أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وحسنه الترمذي، وتمامه: فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك] . فأبطلت طائفة ممن قلّ نصيبهم من السمع والعقل أمر العين، وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجابا، وأكثفهم طباعا، وأبدعهم معرفة عن الأرواح والنفوس، وصفاتها، وأفعالها، وتأثيراتها. وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره، وإن اختلفوا في سببه وجهة تأثير العين. فقالت طائفة: إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة، انبعث من عينه قوة سمّيّة تتصل بالمعين فيتضرر. قالوا: ولا يستنكر هذا كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل بالإنسان، فيهلك، وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك، فكذلك العائن. وقالت فرقة أخرى: لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية، فتتصل بالمعين، وتتخلل مسام جسمه فيحصل له الضرر. وقالت فرقة أخرى: قد أجرى اللَّه العادة بخلق ما يشاء من الضرر عند مقابلة عين العائن لمن يعينه، من غير أن يكون منه قوة ولا سبب ولا تأثير أصلا، وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى والتأثيرات في العالم، وهؤلاء قد سددوا على أنفسهم باب العلل والتأثيرات والأسباب، وخالفوا العقلاء أجمعين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393   [ () ] ولا ريب أن اللَّه سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام، فإنه أمر مشاهد ومحسوس. فأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرة شديدة إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحى منه، ويصفر صفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه، وهذا كله للروح. والأرواح مختلفة في طبائعها، وقواها، وكيفياتها، وخواصها، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا، ولهذا أمر اللَّه تعالى رسوله صلى اللَّه عليه وسلم أن يستعيذ من شره، وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين: فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة، تقابل المحسود، فتؤثر فيه بتلك الخاصية. وأشبه الأشياء بهذا الأفعى، فإن السم كامن فيها بالقوة، فإذا قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية، وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية، فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين، ومنها ما تؤثر في طمس البصر، كما قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم في الأبتر وذي الطفيتين من الحيات: «إنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل» [أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب قول اللَّه تعالى: وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ، ومسلم في السلام، باب قتل الحيات وغيرها، من حديث ابن عمر، والطّفيتان: هما الخطّان الأبيضان على ظهر الحية، والأبتر: قصير الذنب، وقوله: يلتمسان البصر، قال الخطابي: فيه تأويلان، أحدهما: معناه يخطفان البصر ويطمسانه بمجرد نظرهما إليه، بخاصية جعلها اللَّه تعالى في بصريهما إذا وقع على بصر الإنسان، والثاني: أنهما يقصدان البصر باللسع والنهش، والأول أصح وأشهر] . ومنها ما تؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير اتصال به، لشدة خبث تلك النفس، وكيفيتها الخبيثة المؤثرة، والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية، كما يظنه من قلّ علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة. بل التأثير يكون تارة بالاتصال، وتارة بالمقابلة، وتارة بالرؤية، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه، وتارة بالأدعية والرقى والتعوذات، وتارة بالوهم والتخيل. ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء، فتؤثر نفسه فيه، وإن لم يره، وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية. وقد قال تعالى لنبيه صلى اللَّه عليه وسلم: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ [القلم: 51] ، وقال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ* وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ* وَمِنْ شَرِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 وزاد ابن حبيب في قول الزهري: هذا يصب من خلفه صبة واحدة، تجرى على جسده، ولا يوضع القدح في الأرض، ويغسل أطرافه المذكورة كلها، وداخلة إزاره في القدح. انتهى كلام ابن عبد البر [ (1) ] .   [ () ] النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ* وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ [سورة الفلق] . فكل عائن حاسد، وليس كل حاسد عائنا، فلما كان الحاسد أعم من العائن، كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن، وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه، أثرت فيه، ولا بدّ وإن صادفته حذرا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام، لم تؤثر فيه، وربما ردّت السهام على صاحبها، وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء. فهذا من النفوس والأرواح، وذاك من الأجسام والأشباح، وأصله من إعجاب العائن بالشيء، ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة، ثم تستعين على تنفيذ سمّها بنظرة إلى المعين، وقد يعين الرجل نفسه، وقد يعين بغير إرادته، بل بطبعه، وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني. وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء: إن من عرف بذلك، حبسه الإمام، وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت، وهذا هو الصواب قطعا. (زاد المعاد) : 4/ 164- 168. [ (1) ] المرجع السابق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 التّداوى بالعجوة خرّج البخاري من حديث هاشم بن هاشم، أخبرنا عامر بن سعد عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من اصطبح كل يوم بتمرات [ (1) ] عجوة، لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل [ (2) ] . وقال غيره [ (3) ] : سبع تمرات [ (4) ] . وخرجه مسلم ولفظه من تصبح بسبع تمرات.. مثله سواء. وفي لفظ: من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح، لم يضره سمّ حتى يمسى [ (5) ] .   [ (1) ] في (الأصلين) : «بثمرات» وصوبناه من البخاري. [ (2) ] في (الأصلين) : «الليلة» وصوبناه من البخاري. [ (3) ] وهي رواية إسحاق بن منصور، حديث رقم (5769) . [ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 292، كتاب الطب، باب (52) الدواء بالعجوة للسحر، حديث رقم (5768) ، (5769) ، والعجوة ضرب من أجود تمر المدينة وألينه، يضرب إلى السواد، وهو مما غرسه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بيده بالمدينة. قال الخطابي: كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هي ببركة دعوة النبي صلى اللَّه عليه وسلم لتمر المدينة لا لخاصية في التمر. (فتح الباري) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 246، كتاب الأشربة، باب (27) فضل تمر المدينة، حديث رقم (154) ، (155) ، والعجوة نوع جيد من التمر، وفي هذه الأحاديث فضيلة تمر المدينة وعجوتها، وفضيلة التصبح بسبع تمرات منه، وتخصيص عجوة المدينة دون غيرها، وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع، ولا نعلم نحن حكمتها، فيجب الإيمان بها، واعتقاد فضلها، والحكمة فيها، وهذا كأعداد الصلوات، ونصب الزكاة، وغيرها، فهذا هو الصواب في هذا الحديث. وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 350، كتاب الطب، باب (22) ما جاء في الكمأة والعجوة، حديث رقم (2066) ، قال أبو عيسى: وفي الباب عن سعيد بن زيد، وأبى سعيد، وجابر، وهذا حديث حسن غريب، وهو من حديث محمد بن عمرو، ولا نعرفه إلا من حديث سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو. [والكمأة: تكون في وجه الأرض كما يكون الجدري في سطح الجسم، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 التداوي بالعسل خرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث محمد [بن جعفر، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبى المتوكل] عن أبى سعيد رضى اللَّه عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن أخى قد استطلق بطنه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: اسقه عسلا، [ثم جاءه فقال] إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: اسقه عسلا، فقال لقد سقيته فلم   [ () ] ولذلك قالت العرب: إنها جدري الأرض] . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1142، كتاب الطب، باب (8) الكمأة والعجوة، حديث رقم (3453) ، وفي الباب أحاديث من طرق وبسياقات مختلفة. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 446، حديث رقم (11061) . قال العلامة ابن القيم: وقد قيل: إن هذا في عجوة المدينة، وهي أحد أصناف التمر بها، ومن أنفع تمر الحجاز على الإطلاق، وهو صنف كريم ملذذ، متين للجسم والقوة، من ألين التمر وأطيبه وألذّه، وهو مقو للكبد، ملين للطبع، يزيد في الباه، ولا سيما مع حبّ الصنوبر، ويبرئ من خشونة الحلق، ومن لم يعتده كأهل البلاد الباردة، فإنه يورث لهم السّدود، ويؤذى الأسنان، ويهيج الصداع، ودفع ضرره باللوز والخشخاش. وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن، بما فيه من الجوهر الحار الرطب، وأكله على الريق يقتل الدود، فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقية، فإذا أديم استعماله على الريق خفّف مادة الدود، وأضعفه، وقلله، أو قتله، وهو فاكهة وغذاء، ودواء وشراب وحلوى. (زاد المعاد) : 4/ 291- 292، 341. وقال شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدة عنوانها: النخيل بين المنتزة وأبى قير [من أحياء مدينة الإسكندرية بمصر] : طعام الفقير وحلوى الغنىّ ... وزاد المسافر والمغترب [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 207، كتاب الطب، باب (24) دواء المبطون، حديث رقم (5716) ، وذكر في باب (4) الدواء بالعسل، وقول اللَّه تعالى: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ، حديث رقم (5684) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 453، كتاب السلام، باب (31) التداوي بسقى العسل، حديث رقم (91) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 يزده إلا استطلاقا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: صدق اللَّه [عزّ وجلّ] . وكذب بطن أخيك، فسقاه، فبرأ. اللفظ لمسلم، ولم يذكر فيه البخاري قوله: فقال له ثلاث مرات.. إلى قوله: استطلاقا، ولا ذكر قوله: فسقاه فبرأ. وقال بعده: تابعه النّضر عن شعبة. ترجم عليه باب: دواء المبطون. وأخرجاه أيضا من حديث سعيد بن أبى عروبة عن قتادة، عن أبى المتوكل الناجي، عن أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] ، أن رجلا أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن أخى غرب بطنه، فقال: اسقه عسلا بمعنى حديث شعبة، هذا لفظ مسلم [ (1) ] . ولفظ البخاري: أن رجلا أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أخى يشتكي بطنه، فقال: اسقه عسلا، ثم أتاه الثانية فقال: اسقه عسلا، ثم أتاه الثالثة فقال: اسقه عسلا، ثم أتاه فقال: فعلت، فقال: صدق اللَّه، وكذب بطن أخيك، اسقه عسلا، فسقاه، فبرأ. ذكره وحديث جابر في باب: الدواء بالعسل [ (2) ] . وخرّج الحاكم من حديث سفيان عن أبى إسحاق، عن أبى الأحوص، عن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن. قال: هذا إسناد صحيح [ (3) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) الحديث الّذي يلي الحديث السابق [بدون رقم] . [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 172، كتاب الطب، باب (4) الدواء بالعسل، وقول اللَّه تعالى: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ، حديث رقم (5684) . [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 222، كتاب الطب، حديث رقم (7435) ، وقال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد أوقفه وكيع ابن الجراح، عن سفيان، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 398 تم بحمد اللَّه تعالى الجزء السابع ويليه الجزء الثامن وأوله: «ليس فيما حرّم شفاء»   [ () ] وأخرجه أبو بكر بن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 58، كتاب الطب، باب (43) ما قالوا في العسل، حديث رقم (23676) وهو حديث أبى سعيد الخدريّ، وحديث رقم (23677) من حديث يعقوب بن المغيرة عن عليّ قال: «إذا اشتكى أحدكم شيئا فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من صداقها، فليشتر بها عسلا فيشربه بماء السماء، فيجمع بين الهنيء والمريء، والماء المبارك، والشفاء، [فالهنيء المريء ما طابت به نفس زوجته من صداقها، إشارة إلى قوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء: 4] ، والماء المبارك هو المطر، والشفاء هو العسل] . وحديث رقم (23678) ، عن الربيع بن خيثم قال: ما للنفساء عندي إلا التمر، ولا للمريض إلا العسل. قال العلامة ابن القيم- وقد ذكر منافع السكر-: وبعض الناس يفضله على العسل لقلة حرارته ولينه، وهذا تحامل منه على العسل، فإن منافع العسل أضعاف منافع السكر، وقد جعله اللَّه تعالى شفاء ودواء، وإداما وحلاوة، وأين نفع السكر من منافع العسل: من تقوية المعدة، وتليين الطبع، وإحداد البصر، وجلاء ظلمته، ودفع الخوانيق بالغرغرة به، وإبرائه من الفالج واللقوة، ومن جميع العلل الباردة التي تحدث في جميع البدن من الرطوبات، فيجذبها من قعر البدن، ومن جميع البدن، وحفظ صحته وتسمينه وتسخينه، والزيادة في الباه، والتحليل والجلاء، وفتح أفواه العروق، وتنقية المعى، وإحدار الدود، ومنع التخم وغيره من العفن، والأدم النافع، وموافقة من غلب عليه البلغم والمشايخ، وأهل الأمزجة الباردة. وبالجملة: فلا شيء أنفع منه للبدن، وفي العلاج، وعجز الأدوية، وحفظ قواها، تقوية المعدة إلى أضعاف هذه المنافع (زاد المعاد) : 4/ 356. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 [ المجلد الثامن ] [تتمة الفصل في طب رسول اللَّه] بِسْمِ اللَّهِ الرّحمنِ الرَّحيمِ ليس فيما حرّم شفاء خرّج مسلم من حديث شعبة، عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل، عن أبيه وائل الحضرميّ، أن طارق بن سويد الجعفي، سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الخمر فنهاه، أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: إنه ليس بدواء، ولكنه داء [ (1) ] . [أخرجه الترمذي من هذه الطريق وقال: إنها ليست بدواء، ولكنها داء] . وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . وخرّجه أبو داود، ولفظه: عن علقمة بن وائل، عن أبيه قال: ذكر طارق ابن سويد، أو سويد بن طارق، سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الخمر، فنهاه، ثم سأله فنهاه، فقال له: يا نبي اللَّه! إنها دواء، فقال: لا، ولكنها داء [ (3) ] . وله من حديث إسماعيل بن عياش، عن ثعلبة بن مسلم، عن أبى عمران الأنصاري، عن أم الدرداء [عن أبى الدرداء] رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 162- 163، كتاب الأشربة، باب (3) تحريم التداوي بالخمر وبيان أنها ليست بدواء، حديث رقم (1984) ، قال الإمام النووي: هذا دليل على تحريم اتخاذ الخمر، وفيه التصريح بأنها ليست بدواء فيحرم التداوي بها لأنها ليست بدواء- فكأنه يتناولها بلا سبب، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، أنه يحرم التداوي بها، وكذا يحرم شربها للعطش، وأما إذا غصّ بلقمة، ولم يجد ما يسيغها به إلا خمرا، فيلزمه الإساغة بها، لأن حصول الشفاء بها حينئذ مقطوع به، بخلاف التداوي- واللَّه تعالى أعلم، (شرح النووي) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 339، كتاب الطب، باب (8) ما جاء في كراهية التداوي بالمسكر، حديث رقم (2046) ، وما بين الحاصرتين مستدرك من هامش الأصل (ج) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 304- 306، كتاب الطب، باب (11) في الأدوية المكروهة، حديث رقم (3873) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 تداووا بحرام [ (1) ] . السُّعوط [ (2) ] خرّج البخاري ومسلم من حديث عبد اللَّه بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم احتجم، وأعطى الحجام أجره، واستعط. لفظهما فيه سواء [ (3) ] . وللبخاريّ من حديث [ابن عيينة قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول:   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3874) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1157، كتاب الطب، باب (27) النهى أن يتداوى بالخمر، حديث رقم (3500) ، عن طارق بن سويد من غير شك، ولم يذكر أباه. وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 37، كتاب الطب، باب (12) في الخمر يتداوى به والسّكر، حديث رقم (23481) ، وفيه: «إنها داء وليست بدواء» . وحديث رقم (23482) ، وفيه: «إن اللَّه لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» . وحديث رقم (23488) من حديث الزهري عن عائشة، وفيه «من تداوى بالخمر فلا شفاه اللَّه» . [ (2) ] السّعوط، والنّشوق والنشوع في الأنف، سعطه الدواء يسعطه ويسعطه سعطا، والضم أعلى، والصاد في كل ذلك لغة عن اللحياني. (لسان العرب) : 7/ 314. [ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 182، كتاب الطب، باب (9) السعوط، حديث رقم (5691) . قوله: «، استعط» أي استعمل السعوط، وهو أن يستلقي على ظهره، ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه، ويقطر في أنفه ماء أو دهن فيه دواء مفرد أو مركب، ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس. (فتح الباري) ، وأخرجه مسلم في السلام، حديث رقم (76) . وأخرجه كل من أبى داود في (السنن) : 4/ 200، كتاب الطب- باب (8) في السعوط، حديث رقم (3867) مختصرا. والترمذي في (السنن) : 4/ 430، كتاب الطب، باب (9) ما جاء في السعوط، حديث رقم (2047) ، (2048) بسياقة أتم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 4 عليكم بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية: يستعط به العذرة، ويلدّ به من ذات الجنب [ (1) ] ، ودخلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بابن لي لم يأكل الطعام، فبال عليه، فدعا بماء، فرشّ عليه [ (2) ] . وفي لفظ لهما: عن أم قيس قالت: دخلت بابن لي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد أعلقت عنه من العذرة، فقال: [علام] [ (3) ] تدغرن أولاد كن بهذا العلاق؟ عليكنّ بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية، منها: ذات الجنب يسعط من العذرة، ويلدّ من ذات الجنب. فسمعت الزهري يقول: بين لنا اثنين، ولم يبين لنا خمسة، [قال على بن المديني] [ (4) ] : قلن لسفيان: فإن معمرا يقول: أعلقت عليه.. قال: لم يحفظ، إنما قال: أعلقت عنه، حفظته من في الزهري [ (4) ] . ووصف سفيان: الغلام يحنك بالأصبع، وأدخل سفيان في حنكه، يعنى دفع حنكه بإصبعه، ولم يقل: أعلقوا عليه شيئا. ذكره البخاري في باب اللدود، ولم يذكر فيه دخولها عليه بالابن الّذي لم يأكل الطعام. وقد ذكره   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 183، كتاب الطب، باب (10) السعوط بالقسط الهندي والبحري، حديث رقم (5692) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5693) [ (3) ] زيادة للسياق من البخاري. [ (4) ] زيادة للسياق من (الأصلين) . (فتح الباري) : 10/ 204- 205، كتاب الطب، باب (21) اللدود، حديث رقم (5713) ، وتمامه: «ووصف سفيان الغلام يحنك بالإصبع، وأدخل سفيان من حنكه إنما رفع حنكه بإصبعه، ولم يقل أعلقوا عنه شيئا. وأخرجه الإمام مسلم في كتاب السلام، باب (28) التداوي بالعود الهندي، وهو الكست، حديث رقم (87) . واللّدود: هو الدواء الّذي يصب في أحد جانبي فم المريض. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 في الّذي قبله، والطريق واحدة، وكرره البخاري في مواضع [ (1) ] . وأخرجه مسلم من طرق، في بعضها: عليكن بهذا العود الهندي، يعنى الكست، يريد: القسط [ (2) ] ، ولأبى بكر بن أبى شيبة، من حديث الأعمش، عن أبى سفيان، عن جابر رضى اللَّه عنه، قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أم سلمة، وعندها صبي [يندر] منخراه دما، فقال: ما هذا؟ قالوا: به العذرة، فقال: علام تدغرن أولادكن؟ إنما يكفى إحداكن أن تأخذ قسطا هنديا فتحه بماء سبع مرات، ثم توجره إياه، قال: ففعلوه، فبرأ [ (3) ] . ذات الجنب [ (4) ] خرّج الترمذي من حديث معاذ بن هشام، قال: حدثني أبى، عن قتادة، عن أبى عبد اللَّه، عن زيد بن أرقم رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ينعت الزيت والورس من ذات الجنب [قال قتادة: يلدّه ويلدّه من الجانب الّذي   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 451، كتاب السلام، باب (28) التداوي بالعود الهندي، وهو الكست، حديث رقم (2214) مختصرا، والحديث السابق سياقته أتم. قال الإمام النووي: فمعنى تدغرن أولادكن أنها تغمز حلق الولد بإصبعها، فترفع ذلك الموضع وتكبسه. وأما العلاق فيفتح العين، وهو مصدر أعلقت عنه، ومعناه أزلت عنه العلوق، وهي الآفة والداهية، والإعلاق هو معالجة عذرة الصبى، وهي وجع حلقه. [ (3) ] (المصنف) : 5/ 32، كتاب الطب، باب (4) ما رخص فيه من الأدوية، حديث رقم (23427) . [ (4) ] ذات الجنب اسم يقع على الشوصة، وعلى السل، وعلى كل مرض يضجعه على جنبه، ويختلف الدواء فيها، وتفصيله آخره هذا الباب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 يشتكيه] [ (1) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث [حسن] [ (1) ] صحيح، وأبو عبد اللَّه اسمه ميمون، هو شيخ بصرى [ (2) ] . ومن حديث شعبة، عن خالد الحذاء، أخبرنا ميمون أبو عبد اللَّه قال: سمعت زيد بن أرقم قال: أمرنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن نتداوى من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت [ (3) ] ، قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب   [ (1) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 355، كتاب الطب، باب (28) ما جاء في دواء ذات الجنب، حديث رقم (2078) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2079) ، وأخرجه النسائي في (الكبرى) ، في الطب، وابن ماجة في (السنن) : 2/ 1148، كتاب الطب، باب (17) دواء ذات الجنب، حديث رقم (3467) ، وحديث رقم (3468) . وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 224- 225، كتاب الطب، حديث رقم (7443) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال عنه الذهبي في (التلخيص) : صحيح، وحديث رقم (7444) ، وقد سكت عنه الذهبي في (التلخيص) ، وحديث رقم (7445) ، وقال عنه الذهبي في (التخليص) : أسنده معمر عن الزهري، قلت: وميمون أبو عبد اللَّه البصري ضعيف. قال العلامة ابن القيم: وذات الجنب عند الأطباء نوعان: حقيقي وغير حقيقي. فالحقيقي: ورم حار يعرض في نواحي الجنب في الغشاء المستبطن للأضلاع. وغير الحقيقي: ألم يشبهه يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية، تحتقن بين الصّفاقات، فتحدث وجعا قريبا من وجع ذات الجنب الحقيقي، إلا أن الوجع في هذا القسم ممدود، وفي الحقيقي ناخس. قال صاحب (القانون) : قد يعرض في الجنب، والصّفاقات، والعضل التي في الصدر، والأضلاع، ونواحيها أورام مؤذية جدا موجعة، تسمى شوصة وبرساما، وذات الجنب. وقد تكون أيضا أو جاعا في هذه الأعضاء ليست من ورم، ولكن من رياح غليظة، فيظن أنها من هذه العلة، ولا تكون منها. قال: واعلم أن كلّ وجع في الجنب قد يسمى ذات الجنب اشتقاقا من مكان الألم، لأن معنى ذات الجنب: صاحبة الجنب، والغرض به هاهنا وجع الجنب، فإذا عرض في الجنب ألم عن أي سبب كان نسب إليه، وعليه حمل كلام بقراط في قوله: إن أصحاب ذات الجنب ينتفعون بالحمام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 صحيح، [لا نعرفه إلا من حديث ميمون عن زيد بن أرقم. وقد روى زيد ابن أرقم عن ميمون غير واحد من هذا الحديث] [ (1) ] وذات الجنب: السل.   [ () ] قيل: المراد به كل من به وجع جنب، أو وجع رئة من سوء مزاج، أو من أخلاط غليظة، أو لذاعة من غير ورم ولا حمى. ويلزم ذات الجنب الحقيقي خمسة أعراض: وهي الحمى والسعال، والوجع الناخس، وضيق النفس، والنبض والمنشارى، [وهذا الوصف ينطبق على الوجع الصدرى، نتيجة التهابات الرئة، ويعالج الآن بالأدوية المضادة للميكروبات، مثل أقراص السلفا، وحقن البنسلين، قاله الدكتور الأزهري] . والعلاج الموجود في الحديث ليس هو لهذا القسم، لكن للقسم الثاني الكائن عن الريح الغليظة، فإن القسط البحري- وهو العود الهندي على ما جاء مفسرا في أحاديث أخر- صنف من القسط إذا دقّ ناعما، وخلط بالزيت المسخن، ودلك به مكان الريح المذكور أو لعق، كان دواء موافقا لذلك، نافعا له، محللا لمادته مذهبا لها، مقويا للأعضاء الباطنة، مفتحا للسّدد، والعود المذكور في منافعه كذلك. قال المسبّحي عيسى بن يحيى الجرجاني أبو سهل [طبيب حكيم، توفى سنة (390) هـ، وله من العمر (40) سنة] : العود حار يابس، قابض يحبس البطن، ويقوى الأعضاء الباطنة، ويطرد الريح، ويفتح السّدد، نافع من ذات الجنب، ويذهب فضل الرطوبة، والعود المذكور جيد للدماغ. قال: ويجوز أن ينفع القسط من ذات الجنب الحقيقية أيضا إذا كان حدوثها عن مادة بلغمية، لا سيما في وقت انحطاط العلة، واللَّه تعالى أعلم. (زاد المعاد) : 4/ 81- 83، فصل في هديه صلّى اللَّه عليه وسلّم في علاج ذات الجنب مختصرا. [ (1) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 الكحل خرّج أبو داود من حديث زهير قال: أخبرنا عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: البسوا من ثيابكم البياض، فإنّها خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم الأثمد، يجلو البصر، وينبت الشعر [ (1) ] . وخرّجه قاسم بن أصبغ، وابن أيمن من حديث أبى عوانة، عن عبد الرحمن بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خير أكحالكم الأثمد، فإنه يجلي البصر، وينبت الشعر. وللترمذي من حديث عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن خير ما تداويتم به اللدود، والسّعوط، والحجامة، والمشي، وخير ما اكتحلتم به الأثمد، فإنه [يجلو] البصر، وينبت الشعر، وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكحلة يكتحل بها عند النوم، ثلاثا في كل عين. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وهو حديث عباد   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 209- 210، كتاب الطب، باب (14) في الأمر بالكحل، حديث رقم (3878) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1156، كتاب الطب، باب (25) الكل بالإثمد، حديث رقم (3495) ، والإثمد هو الكحل الأسود، ويقال: إنه معرّب، قال ابن البيطار في (المنهاج) : هو الكحل الأصفهاني، ويؤيده قول بعضهم: ومعادنه بالشرق، وفي (القاموس) : حجر للكحل. وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 36، كتاب الطب، باب (10) في الإثمد، من أمر به عند النوم، حديث رقم (23475) : «عليكم بالإثمد عند النوم، فإنه يشدّ البصر، وينبت الشعر» . وحديث رقم (23476) : «خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر وينبت الشعر» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 ابن منصور [ (1) ] . وخرّجه ابن أيمن بهذا السند، ولفظه: عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم الكحل الأثمد، [يجلو] البصر، وينبت الشعر. قال: [وكانت] لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكحلة، فإذا أراد أن ينام، كحل في كل عين ثلاثا [ (2) ] . قلت: وقد ذكر عباد بن منصور هذا، الحافظ أبو أحمد، عبد اللَّه بن عدىّ في كتابه (الكامل) ، فيما لخصته منه، فقال: عباد بن منصور الناجي، أبو سلمة، بصرى، قاضى البصرة، قال ابن المديني: قلت ليحيى ابن معين: فعبّاد بن منصور، كان تغيّر؟ قال: لا أدرى، إلّا أنّا حين رأيناه كان لا يحفظ، ولم أر يحيى يرضاه. وقال معاذ بن معاذ: كان قدريا [ (3) ] . وقال عباد بن معين: عباد بن منصور، وعباد بن كثير [ (4) ] ، وعباد بن راشد [ (5) ] ، ليس حديثهم بشيء، ولكنه يكتب. ومرة قال: عباد بن منصور   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 206، كتاب اللباس، باب (23) في الاكتحال حديث رقم (1757) بسياقة أخرى مختصرة. وأخرجه الترمذي في (الشمائل) : 64، باب (7) ما جاء في كحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن جابر بن عبد اللَّه، حديث رقم (52) : «عليكم بالإثمد عند النوم..» ، وعن ابن عباس، حديث رقم (53) : «إن خير أكحالكم الإثمد..» ، وكلاهما حديث صحيح. [ (2) ] أخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 237 كتاب الطب، باب (11) كم يكتحل في كل عين، حديث رقم (23477) عن أنس: «أنه كان يكتحل ثلاثة في كل عين» ، وحديث رقم (23480) ، عن ابن عباس قال: «كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مكحلة يكتحل منها ثلاثا في كل عين» . [ (3) ] (الكامل لابن عدىّ) : 4/ 338- 340، ترجمة رقم (200/ 1167) ، لينه بعضهم، وضعّفه بعضهم، وقال بعضهم: لا بأس به. [ (4) ] (المرجع السابق) : ترجمة رقم (198/ 1165) عباد بن كثير الثقفي البصري، ضعفه ابن معين، وقال: كان صالحا، وقال النسائي: متروك، وكذا قال غيرهما من شيوخ النقاد، وترجمة رقم (199/ 1166) عباد بن كثير قيس الرمليّ، وثقه ابن معين، وابن أبى شيبة، وقال البخاري: فيه نظر، وضعفه أبو زرعة، وقال النسائي: ليس بثقة. [ (5) ] (المرجع السابق) : ترجمة رقم (201/ 1168) ، عباد بن راشد التميمي، مولاهم البصري، البزاز، ضعفوه، وقال الجوزجاني عن أحمد: شيخ صدوق ثقة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 ضعيف الحديث، وقال النسائي: ضعيف. قال ابن عدىّ: وهو في جملة من يكتب حديثه. انتهى. [عبّاد هذا، ولى قضاء البصرة، أيام خرج إبراهيم بن عبد اللَّه بن حسن ابن حسن] [ (1) ] ، وقد حدث عن القاسم بن محمد، وعكرمة، وأبى رجاء العطاردي، وعطاء، وأيوب، وجماعة، ويحيى القطّان، وأبو داود، وروح بن عبادة، وخلق، وقال يحيى القطان: ثقة، لا ينبغي أن يترك حديثه لرأى أخطأ فيه- يعنى القدر- وقال أبو داود: ولى قضاء البصرة خمس مرات، وليس بذاك، وقالوا: تغيّر، مات سنة اثنتين ومائة.   [ (1) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 الحبة السوداء خرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] ، من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، أن أبا هريرة رضى اللَّه عنه أخبرهما أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: [إن] في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام، قال ابن شهاب: والسام: الموت، والحبة السوداء: الشّونيز. لم يقل مسلم: قال ابن شهاب. وخرّجه النسائي ولفظه: عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام، والسام: الموت [ (3) ] . وخرّج البخاري من حديث إسرائيل، عن منصور، عن خالد بن سعيد قال: خرجنا ومعنا غالب بن أبحر، فمرض في الطريق، فقدمنا المدينة وهو مريض، فعاده ابن أبى عتيق، فقال لنا: عليكم بهذه الحبيبة [السوداء] [ (4) ] ، فخذوا منها خمسا أو سبعا، فاسحقوها، ثم قطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب، فإن عائشة رضى اللَّه عنها حدثتني أنها سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن هذه الحبة السوداء، شفاء من كل داء، إلا من السام، قلت: وما السام؟ قال: الموت [ (5) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 176، كتاب الطب، باب (7) الحبة السوداء، حديث رقم (5688) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 452، كتاب السلام، باب (29) التداوي بالحبة السوداء، حديث رقم (2251) . [ (3) ] لم أجده في (المجتبى) ، ولعله في (الكبرى) . [ (4) ] في (الأصلين) : «السويداء» على التصغير. [ (5) ] (فتح الباري) : 10/ 176، كتاب الطب، باب (7) الحبة السوداء، حديث رقم (5687) . قال العلامة ابن القيم: والشونيز حار يابس في الثالثة، مذهب للنفخ، مخرج لحب القرع، نافع من البرص، وحمى الرّبع [هي التي تنوب كل رابع يوم] ، والبلغمية، مفتح للسدد، ومحلل للرياح، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12   [ () ] مجفف لبلة المعدة ورطوبتها. وإن دقّ وعجن بالعسل، وشرب بالماء الحار أذاب الحصاة التي تكون في الكليتين والمثانة، ويدرّ البول، والحيض، واللبن، إذا أديم. شربه أياما. وإذا سخّن بالخل، وطلى على البطن، قتل حب القرع، فإن عجن بماء الحنظل الرطب، أو المطبوخ، كان فعله في إخراج الدود أقوى، ويجلو ويقطع، ويحلل، ويشفى من الزكام البارد إذا دقّ وصيّر في خرقه، واشتمّ دائما، أذهبه. ودهنه نافع لداء الحية، ومن الثآليل والخيلان [وهي الشامات والبثور السوداء ينبت حولها الشعر غالبا، ويغلب على شامة الخد، وقد ورد في صفة المسيح عليه السلام أنه كان كثير خيلان الوجه] . وإذا شرب منه مثقال بماء نفع من البهر وضيق النّفس، والضّماد به ينفع من الصداع البارد، وإذا نقع منه سبع حبات عددا في لبن امرأة، وسعط به صاحب اليرقان، نفعه نفعا بليغا. وإذا طبخ بخلّ، وتمضمض به، نفع من وجع الأسنان عن برد، وإذا استعط به مسحوقا، قلع البثور والجرب المتقرح، وحلل الأورام البلغمية المزمنة، والأورام الصلبة، وينفع من اللّقوة إذا تسعّط بدهنه. وإذا شرب منه مقدار نصف مثقال إلى مثقال، نفع من لسع الرّتيلاء [أنواع من الهوام، كالذباب والعنكبوت، والجمع روتيلاوات] ، وإن سحق ناعما وخلط بدهن الحبة الخضراء، وقطر منه في الأذن ثلاث قطرات نفع من البرد العارض فيها والريح والسّدد. وإن قلى، ثم دقّ ناعما، ثم نقع في زيت، وقطر في الأنف ثلاث قطرات أو أربع، نفع من الزكام العارض معه عطاس كثير. وإذا أحرق وخلط بشمع مذاب بدهن السوسن، أو دهن الحناء، وطلى به القروح الخارجة من الساقين بعد غسلها بالخل، نفعها وأزال القروح. وإذا سحق بخل، وطلى به البرص والبهق الأسود، والحزاز الغليظ، نفعها وأبرأها. [الحزاز- بفتح الحاء-: داء يظهر في الجسد فينقشر ويتسع، وهو أيضا القشرة التي تتساقط من الرأس كالنخالة] . وإذا سحق ناعما، واستفّ منه كل يوم درهمين بماء بارد، من عضه كلب كلب قبل أن يفرغ من الماء، نفعه نفعا بليغا، وأمن على نفسه من الهلاك. وإذا استعط بدهنه، نفع من الفالج والكزاز، وقطع موادهما، وإذا دخّن به، طرد الهوام، [الكزّاز: داء من شدة البرد، أو الرعدة منها] . وإذا أذيب الأنزروت بماء، ولطخ على داخل الحلقة، ثم ذر عليها الشونيز، كان من الذروات الجيدة العجيبة النفع من البواسير. (زاد المعاد) : 4/ 298- 300. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 السنا خرّج الترمذي من حديث عبد الحميد بن جعفر قال: حدثني عتبة بن عبد اللَّه، عن أسماء بنت عميس [رضى اللَّه عنها قالت:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سألها: بم تستمشين؟ قالت: بالشّبرم، قال: حار، حار، وقال: ثم استمشيت بالسنا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو أن شيئا كان فيه شفاء من الموت لكان في السنا. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وخرّج الحاكم من حديث ابن جريج، عن سعيد بن عقبة الزرقيّ، عن رعة بن عبد اللَّه بن زياد، أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، حدّثه عن أسماء بنت عميس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل عليها ذات يوم عندها شبرم تدقه، فقال: ما تصنعين بهذا؟ قالت: نسقيه فلانا؟ قالت: يشربه فلان، فقال: لو أن شيئا يدفع الموت، أو ينفع الموت، نفع السنا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وله شاهد من حديث البصريين، عن أسماء بنت عميس [رضى اللَّه عنها] ، فذكر حديث عبد الحميد بن جعفر. وللنّسائىّ من حديث محمد بن عمارة، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثلاث فيهن شفاء من كل داء إلا السام: [السنا] والسنوت، قال محمد: ونسيت الثالثة، قالوا: يا رسول اللَّه! هذا السّنا قد عرفناه، فما السنوت؟ قال: لو شاء اللَّه لعرفكموه. والسنوت [ (1) ] : الرّب، وقيل: العسل، وقيل: الكمون   [ (1) ] قال العلّامة ابن القيم: وفيه سبعة أقوال، أحدهما: أنه العسل، الثاني: أنه ربّ عكّة السمن يخرج الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 يمانية، وقيل: هو نبت شبيه بالكمون، وقيل: الرّازيانج، وقيل: الشّبت [ (1) ] ، وقوله: هم السّمن بالسّنوت لا السّمن فيهم ... وهم يسقون جارهم أن يقرّدا فسّره يعقوب بأنه الكمون، وفسّره ابن الأعرابي بأنه نبت شبيه بالكمون، والسّنوت: لغة فيه. ذكر ذلك ابن سيده [ (2) ] .   [ () ] خططا سوداء على السمن، الثالث: أنه حبّ يشبه الكمون، وليس بكمون، الرابع: الكمون الكرماني، الخامس أنه الشّبت، السادس: أنه التّمر، السابع: أنه الرّازيانج. (زاد المعاد) : 4/ 320. [ (1) ] الشّبتّ: نبات من فضيلة الخيميات يشبه الشمر، وهو من التوابل. [ (2) ] راجع التعليق السابق والّذي قبله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 التّلبينة [ (1) ] والحساء خرّج البخاري ومسلم، من حديث عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها، أنها كانت إذا مات الميت من أهلها، فاجتمع لذلك النساء، ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها، أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت، ثم صنع ثريد، فصبّت التلبينة عليها، ثم قالت: كلن منها، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: التلبينة مجمّة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن. ذكره البخاري في كتاب الأطعمة [ (2) ] ، وفي الطب [ (3) ] ، ولفظه: كانت تأمر بالتلبين للمريض وللمحزون على الهالك، وكانت تقول إني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن التلبينة تجمّ فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن.   [ (1) ] التّلبينة- بفتح المثناة، وسكون اللام، وكسر الموحدة، بعدها تحتانية ساكنة ثم نون-: طعام يتخذ من دقيق أو نخالة وربما جعل فيها عسل، سميت بذلك لشبهها باللبن في البياض والرقة، والنافع منه ما كان رقيقا نضيحا لا غليظا نيئا. (فتح الباري) . [ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 387، كتاب الأطعمة، باب (24) التلبينة، حديث رقم (5417) . قوله: «مجمة» بفتح الجيم والميم الثقيلة أي مكان الاستراحة، ورويت بضم الميم، أي مريحة. (المرجع السابق) . [ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 179- 180، كتاب الطب، باب (8) التلبينة للمريض، حديث رقم (5689) ، وحديث رقم (5690) ، من حديث على بن مسهر، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها أنها كانت تأمرنا بالتلبينة وتقول: هو البغيض النافع. والبغيض: بوزن عظيم، من البغض، أي يبغضه المريض مع كونه ينفعه كسائر الأدوية. قال الموفق البغدادي: إن شئت معرفة منافع التلبينة، فاعرف منافع ماء الشعير، ولا سيما إذا كان نخالة، فإنه يجلو، وينفذ بسرعة، ويغذى غذاء لطيفا، وإذا شرب حارا كان أجلى وأقوى نفوذا، وأنمى للحرارة الغريزية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 وخرّج الترمذي من حديث محمد بن السائب بن بركة، عن أمه، عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أخذ أهله الوعك، أمر بالحساء فصنع، ثم أسرهم فحسوا منه، وكان يقول: إنه ليرتق [ (1) ] فؤاد المريض، ويسرو [ (2) ] عن فؤاد السقيم، كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها [ (3) ] . هذا لفظ الترمذي. وقال النسائي: وفؤاد المريض، وقال: كما يسرو أحدكم الوسخ بالماء عن وجهه [ (4) ] . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقد رواه ابن المبارك عن يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] .   [ () ] قال: والمراد بالفؤاد في الحديث رأس المعدة، فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء، والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها، ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض. لكن المريض كثيرا ما يجتمع في معدته خلط مرارى، أو بلغمى، أو صديدى، وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة. قال: وسماه البغيض النافع، لأن المريض يعافه، وهو نافع له، قال: ولا شيء أنفع من الحساء لمن يغلب عليه في غذائه الشعير، وأما من يغلب على غذائه الحنطة، فالأولى به في مرضه حساء الشعير. (فتح الباري) . [ (1) ] يرتق: يشد ويرخى، والمراد هنا الشد، لأن الحزن يرخى القلب. [ (2) ] يسرو: بمعنى يكشف ويجلو. [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 336، كتاب الطب، باب (3) ما جاء ما يطعم المريض، حديث رقم (2039) . [ (4) ] (النسائي في الكبرى) : الطب، باب الدواء بالتلبينة. [ (5) ] ثم قال: حدثنا بذلك الحسين بن محمد، حدثنا به أبو إسحاق الطالقانيّ عن ابن المبارك. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1140، كتاب الطب، باب (5) التلبينة، حديث رقم (3445) ، وفيه: «إنه ليرتو فؤاد الحزين، ويسر عن فؤاد السقيم» ، وحديث رقم (3446) من حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «عليكم بالبغيض النافع التلبينة» يعنى الحساء، قالت: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا اشتكى أحد من أهله لم تزل البرمة على النار، حتى ينتهى أحد طرفيه، يعنى: يبرأ أو يموت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17   [ () ] وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) 5/ 38، كتاب الطب، باب (13) في التلبينة، حديث رقم (23491) . وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 227، كتاب الطب، حديث رقم (7454) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : هكذا رواه المعافى بن سليمان عنه، ورواه زيد بن الحباب، عن فليح، عن أم مبشر بدل أم المنذر، قال: صحيح. وحديث رقم (7455) ، وقال في (التلخيص) : أيمن هو ابن نايله، صحيح. وأخرجه الإمام مسلم في كتاب السلام، باب (30) التلبينة مجمة لفؤاد المريض، حديث رقم (2216) . قال العلامة ابن القيم: التلبين: هو الحساء الرقيق الّذي هو في قوام اللبن- ومن اشتق اسمه، قال الهروي: سميت تلبينة لشبهها باللبن، لبياضها ورقتها، وهذا الغذاء هو النافع للعليل، وهو الرقيق النضيح، لا الغليظ النيئ. وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة، فاعرف فضل ماء الشعير، بل هي ماء الشعير لهم، فإنّها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحا، والتلبينة تطبخ منه مطحونا، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن. وقد تقدم أن للعادات تأثيرا في الانتفاع بالأدوية والأغذية، وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحونا لا صحاحا، وهو أكثر تغذية، وأقوى فعلا، وأعظم جلاء، وإنما اتخذه أطباء المدن منه صحاحا ليكون أرق وألطف، فلا يشقل على طبيعة المريض، وهذا بحسب طبائع أهل المدن ورخاوتها، وثقل ماء الشعير المطحون عليها. والمقصود: أن ماء الشعير مطبوخا صحاحا ينفذ سريعا، ويجلو جلاء ظاهرا، ويغذى غذاء لطيفا، وإذا شرب حارا كان جلاؤه أقوى، ونفوذه أسرع، وإنماؤه للحرارة الغريزية أكثر، وتلميسه لسطوح المعدة أوفق. وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فيها مجمّة لفؤاد المريض» ، يروى بوجهين: بفتح الميم والجيم، وبضم الميم وكسر الجيم، والأول أشهر، ومعناه: أنها مريحة له، أي تريحه وتسكنه من الإجمام وهو الراحة. وقوله: «تذهب ببعض الحزن» ، هذا- واللَّه تعالى أعلم- لأن الغم والحزن يبرّدان المزاج، ويضعفان الحرارة الغريزية، لميل الروح الحامل لها إلى جهة القلب الّذي هو منشؤها، وهذا الحساء يقوى الحرارة الغريزية بزيادته في مادتها، فتزيل أكثر ما عرض له من الغم والحزن. وقد يقال- وهو أقرب-: إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية، واللَّه تعالى أعلم.. (زاد المعاد) : 4/ 120- 121. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 اغتسال المريض خرّج البخاري من حديث معمر ويونس، قال الزهري: أخبرنى عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، أن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لما ثقل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واشتد وجعه، استأذن أزواجه في أن يمرّض في بيتي، فأذن له، فخرج بين رجلين تخط رجلاه في الأرض، بين عباس وآخر، قال عبيد اللَّه: فأخبرت ابن عباس بما قالت عائشة [رضى اللَّه عنها] فقال: هل تدري من الرجل الآخر الّذي لم تسمّ عائشة؟ قلت: لا، قال: هو على بن أبى طالب [رضى اللَّه عنه] ، قالت عائشة [رضى اللَّه عنها] : فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ما دخل بيتها واشتدّ وجعه: هريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أو كيتهنّ، لعلى أعهد إلى الناس، قالت: فأجلسناه في مخضب لحفصة، طفقنا نصبّ عليه من تلك القرب، حتى جعل يشير إلينا أن قد فعلتنّ، قالت: وخرج إلى الناس، فصلى بهم وخطبهم. ذكره البخاري في الطب [ (1) ] ، وفي آخر كتاب المغازي [ (2) ] ، وقال في آخره: حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن.. الحديث بمثله. وذكره في كتاب الطهارة [ (2) ] وانتهى إلى قوله: ثم خرج إلى الناس وقال: حتى طفق يشير إلينا   [ (1) ] (المرجع السابق) : 8/ 178، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ووفاته، حديث رقم (4442) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 400، كتاب الوضوء، باب (45) الغسل والوضوء في المخضب والقدح والحجارة، حديث رقم (198) . قوله: «لما ثقل صلّى اللَّه عليه وسلّم» أي في وجعه. وفي رواية معمر عن الزهري أن ذلك كان في بيت ميمونة رضى اللَّه عنها. واختلفوا في الرجلين فقيل: «على والعباس» ، وقيل: «أسامة والفضل» ، وقيل: «الفضل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 أن قد فعلتن، وخرّجه مسلم [ (1) ] ، وانتهى منه إلى قوله: هو عليّ.   [ () ] وثوبان» ، وقيل «بريرة ونوبة» ، وجمعوا بين هذه الروايات على تقدير ثبوتها بأن خروجه تعدد، فيتعدد من اتكأ عليه، وهو أولى من قول من قال: تناوبوا في صلاة واحدة. قوله: «من سبع قرب» ، قيل: الحكمة من هذا العدد أن له خاصيته في دفع ضرر السم والسحر، وتمسّك به بعض من أنكر نجاسة سؤر الكلب، وزعم أن الأمر بالغسل منه سبعا، إنما هو لدفع السمية التي في ريقة. وقد ثبت حديث «من تصبح بسبع تمرات من عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر» ، وللنسائى في قراءة الفاتحة على المصاب سبع مرات، وسنده صحيح، وفي صحيح مسلم: القول لمن به وجع: «أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات» ، وفي النسائي: «من قال عند مريض لم يحضر أجله: أسأل اللَّه العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات» (فتح الباري) مختصرا. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 379، كتاب الصلاة، باب (21) استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلى بالناس، وأن من صلّى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام لزمه القيام إذا قدر عليه، ونسخ القعود خلف القاعد في حق من قدر على القيام، وحديث رقم (90) ، وقال في آخره: قال عبيد اللَّه: فدخلت على عبد اللَّه بن عباس فقلت له: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: هات، فعرضت حديثها عليه، فما أنكر منه شيئا، غير أنه قال: أسمّت لك الرجل الّذي كان مع العباس؟ قلت: لا، قال: هو على. وتكرر ذلك في آخر الحديث رقم (91) ، (92) ، باختلاف يسير في اللفظ. وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 7/ 173- 174، باب ما جاء في استئذانه صلّى اللَّه عليه وسلّم أزواجه في أن يمرّض في بيت عائشة رضى اللَّه عنها، ثم ما جاء في اغتساله وخروجه إلى الناس، وصلاته بهم، وخطبته إياهم ونعيه نفسه إليهم، وإشارته إلى أمنّ الناس عليه في صحبته، وفي ص 189- 191، باب ما جاء في آخر صلاة صلاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس، من أولها إلى آخرها. وتفسير موقف السيدة عائشة رضى اللَّه عنها وتشددها في عدم ذكر الرجل الآخر، وهو الإمام على ابن أبى طالب كرم اللَّه وجهه، يكمن فيما نقله الدكتور عبد المعطى قلعجي محقق (دلائل النبوة للبيهقي) ، حيث نقل من كتاب (عائشة والسياسة) للأستاذ سعيد الأفغاني [ص 76- 82] مختصرا: «لنرجع ثلاثين سنة قبل أن بويع لعلى بالخلافة، فسنجد ثمة نقطة التحول التي فرضت على عائشة اتجاهها الّذي اتجهته مع على رضى اللَّه عنه ولم تستطع الإفلات منه، ولا من عاطفتها العنيفة التي لم تخفف تتابع الأيام والسنين من حدتها، فلنمعن في هذه الأمور التاليات: 1- لم تجتمع أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على شيء اجتماعهن على الغيرة الشديدة من السيدة عائشة رضى اللَّه عنها، لما خصها به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من محبة، إذ حلّت من قلبه المنزلة التي لا تسامى، والغيرة بين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 وخرّجه النسائي من طريق معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال في وجعه الّذي قبض فيه: صبّوا عليّ سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلّى أعهد إلى الناس، فأجلسناه في مخضب لحفصة، فما زلنا نصب عليه، حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتنّ. وخرّجه من طريق سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد اللَّه بن المبارك، عن معمر ويونس، ... كما تقدم أولا [ (1) ] .   [ () ] الضرائر أمر فطري مألوف، قلّ أن تتنزه عنه امرأة، وكان عليّ وزوجه السيّدة فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يحاولان حمله صلّى اللَّه عليه وسلّم على التخفيف من حبه لعائشة، ويسفران لبقية أزواجه بما يرضيهن، ويغضب عائشة، وأظن أن مثل هذه السفارة مما لا تغفره أنثى البتة. 2- موقف على من عائشة في حادث الإفك. 3- إشارات عارضة استخرجتها من مواطنها، لأنها عظيمة الدلالة على رأى عائشة رضى اللَّه عنها في عليّ رضى اللَّه عنه، وعاطفتها نحوه. الأولى: فقد رواها عطاء بن يسار، قال: جاء رجل فوقع في عليّ وعمار رضى اللَّه عنهما عند عائشة فقالت: أما عليّ فلست قائلة لك فيه شيئا، وأما عمار رضى اللَّه عنه فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما. [أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 163، حديث رقم (24299) ] . الثانية: نبّه إليها داهية بنى هاشم: عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنه، روى عن عائشة رضى اللَّه عنها أنها قالت: «لما اشتد بالرسول وجعه دعا نساءه فاستأذنهن أن يمرّض في بيتي. فأذن له، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين رجلين من أهله، أحدهما الفضل بن العباس، ورجل آخر تخط قدماه الأرض، عاصبا رأسه حتى دخل بيتي» . قال راوي الحديث: فحدّثت بهذا الحديث عبد اللَّه بن عباس فقال: هل تدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال: على بن أبى طالب، ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع. حتى بعد انقضاء حرب الجمل، وانتهاء الأمر بينهما على خير وتبادل ثناء، لم يزل ما بنفسها نحوه، فقد ذكروا أنه لما انتهى إلى عائشة قتل عليّ، قالت متمثلة: فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر [ (1) ] (سنن النسائي) : 4/ 435- 436، كتاب الإمامة، باب (40) الائتمام بالإمام يصلى قاعدا، حديث رقم (833) بسياقة أخرى، ولعلّ السياقة التي أوردها المقريزي من (الكبرى) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 وللبخاريّ من حديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: الحمى من فيح جهنم، فأطفئوها بالماء. ذكره في كتاب الطب [ (1) ] ، وخرّجه مسلم [ (2) ] ، وخرّجا من طريق يحيى بن سعيد، عن عبيد اللَّه قال: أخبرنى نافع، عن ابن عمر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء [ (3) ] . وفي لفظ لمسلم: إن شدة الحمى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء [ (4) ] . ولهما من حديث عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن أبيه، عن [عبد اللَّه بن رفاعة قال:] أخبرنى رافع بن خديج قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: الحمى من فيح جهنم، فأبردوها عنكم بالماء [ (5) ] . ذكره البخاري في كتاب بدء الخلق [ (6) ] ، وخرّجه النسائي أيضا [ (7) ] . وللترمذي من حديث روح بن عبادة قال: أخبرنا مرزوق أبو عبد اللَّه الشامي، أخبرنا سعيد- رجل من أهل الشام- أخبرنا ثوبان، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا أصاب أحدكم الحمى، فإن الحمى قطعة من النار، فليطفئها   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 214، كتاب الطب، باب (28) الحمى من فيح جهنم، حديث رقم (5723) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 447، كتاب السلام، باب (26) لكل داء دواء واستحباب التداوي، حديث رقم (79) عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما، حديث رقم (80) عن زيد عن أبيه عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (78) . [ (4) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق (بدون رقم) ، وأخرجه البخاري في كتاب الطب، باب (28) الحمى من فيح جهنم، حديث رقم (5725) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 449، كتاب السلام، باب (26) لكل داء دواء واستحباب التداوي، حديث رقم (84) وفيه: «من فور جهنم» . [ (6) ] (فتح الباري) : 6/ 406- 407، كتاب بدء الخلق، باب (10) صفة النار وأنها مخلوقة، حديث رقم (3262) ، (3263) ، (3264) ، من طرق وبسياقات مختلفة. [ (7) ] في الطب من (الكبرى) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 عنه بالماء، فليستنقع نهرا جارا، ليستقبل جريه الماء، فيقول: بسم اللَّه، اللَّهمّ اشف عبدك، وصدّق رسولك، بعد صلاة الصبح، قبل طلوع الشمس، فليغتمس فيه ثلاث غمسات، ثلاثة أيام، فإن لم يبرأ في ثلاث فخمس، فإن لم يبرأ في خمس فسبع، فإن لم يبرأ في سبع فتسع، فإنّها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن اللَّه. قال أبو عيسى هذا حديث غريب [ (1) ] . وللحاكم من حديث حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا حمّ أحدكم فليشن الماء البارد ثلاث ليال [من السحر] قال: هذا حديث صحيح [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 357- 358، كتاب الطب، باب (33) بدون ترجمة، حديث رقم (2084) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 223، كتاب الطب، حديث رقم (7438) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق، منه، وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وإنما اتفقا على الأسانيد في أن الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء. وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 اجتناب المجذوم [ (1) ] خرّج البخاري من حديث عفّان قال: [حدثني سليم بن حيّان] ، حدثني سعيد بن ميناء [قال:] سمعت أبا هريرة رضى اللَّه عنه يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد [ (2) ] .   [ (1) ] الجذام- بضم الجيم وتخفيف المعجمة-: هو علة رديئة، تحدث من انتشار المرة السوداء في البدن كله، فتفسد مزاج الأعضاء، وربما أفسد في آخره إيصالها حتى يتآكل. قال ابن سيده: سمى بذلك لتجذّم الأصابع وتقطعها. [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 195، كتاب الطب، باب (19) الجذام، حديث رقم (5707) ، و «عفان» هو ابن مسلم الصفّار، وهو من شيوخ البخاري، لكن أكثر ما يخرّج عنه بواسطة، وهو من المعلقات التي لم يصلها في موضع آخر، وقد جزم أبو نعيم أنه أخرجه عنه بلا رواية، وعلى طريقة ابن الصلاح يكون موصولا، وقد وصله أبو نعيم من طريق أبى داود الطيالسي، وأبى قتيبة مسلم بن قتيبة، كلاهما عن سليم بن حيان، شيخ عفان فيه. وأخرجه أيضا من طريق عمرو بن مرزوق، عن سليم، لكن موقوفا، ولم يستخرجه الإسماعيلي، وقد وصله ابن خزيمة أيضا. قوله: «وفر من المجذوم كما تفر من الأسد» ، لم أقف عليه من حديث أبى هريرة إلا من هذا الوجه، ومن وجه آخر عند أبى نعيم في الطب، لكنه معلول. وأخرج ابن خزيمة في (كتاب التوكل) له شاهد من حديث عائشة، ولفظه: «لا عدوى، وإذا رأيت المجذوم ففر منه كما تفر من الأسد» . وأخرج مسلم من حديث عمرو بن الشريد الثقفي عن أبيه، قال: «كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا قد بايعناك فارجع» ، حديث رقم (2231) . قال عياض: اختلفت الآثار في المجذوم، فجاء ما تقدم عن جابر «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أكل مع مجذوم وقال: ثقة باللَّه وتوكلا عليه» . قال: فذهب عمر رضى اللَّه عنه وجماعة من السلف إلى الأكل معه، ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ. وممن قال بذلك: عيسى بن دينار من المالكية، قال: والصحيح الّذي عليه الأكثر، ويتعين المصير إليه أن لا نسخ، بل يجب الجمع بين الحديثين، وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط، والأكل معه على بيان الجواز. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24   [ () ] هكذا اقتصر القاضي ومن تبعه على حكاية هذين القولين، وحكى غيره قولا ثالثا وهو الترجيح، وقد سلكه فريقان: أحدهما: سلك ترجيح الأخبار الدالة على نفى العدوي وتزييف الأخبار الدالة على عكس ذلك، مثل حديث الباب، فأعلوه بالشذوذ وبأن عائشة أنكرت ذلك، فأخرج الطبري عنها «أن امرأة سألتها عنه فقالت: ما قال ذلك، ولكنه قال: لا عدوى، وقال: فمن أعدى الأول؟ قالت: وكان لي مولى به هذا الداء، فكان يأكل في صحافي، ويشرب في أقداحى، وينام على فراشي» ، وبأن أبا هريرة تردد في هذا الحكم كما سيأتي بيانه، فيؤخذ الحكم من رواية غيره، وبأن الأخبار الواردة من رواية غيره في نفى العدوي كثيرة شهيرة، بخلاف الأخبار المرخصة في ذلك، ومثل حديث «لا تديموا النظر إلى المجذومين» ، وقد أخرجه ابن ماجة وسنده ضعيف، ومثل حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى رفعه: «كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمحين» ، أخرجه أبو نعيم في الطب، وسنده واه، ومثل ما أخرجه الطبري من طريق معمر عن الزهري: «أن عمر رضى اللَّه عنه قالك لمعيقيب: اجلس منى قيد رمح» ، ومن طريق خارجة بن زيد، كان عمر رضى اللَّه عنه يقول نحوه، وهما أثران منقطعان، وأما حديث الشريد الّذي أخرجه مسلم فليس صريحا في أن ذلك بسبب الجذام، والجواب عن ذلك: أن طريق الترجيح لا يصر إليها إلا مع تعذر الجمع، وهو ممكن، فهو أولى. الفريق الثاني: سلكوا في الترجيح عكس ذلك المسلك، فردوا حديث لا عدوى بأن أبا هريرة رجع عنه، إما لشكه فيه، وإما لثبوت عكسه عنده، قالوا: والأخبار الدالة على الاجتناب أكثر مخارج، وأكثر طرقا، فالمصير إليها أولى. قالوا: وأما حديث جابر: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذ بيد مجذوم فوضعها في القصعة وقال: كل ثقة باللَّه وتوكلا عليه» ففيه نظر، وقد أخرجه الترمذي، وبيّن الاختلاف فيه على راويه، ورجح وقفه على عمر رضى اللَّه عنه، وعلى تقدير ثبوته فليس فيه أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكل معه، وإنما فيه أنه وضع يده في القصعة، والجواب أن طريق الجمع أولى كما تقدم، وأيضا فحديث لا عدوى ثبت من غير طريق أبى هريرة فصح عن عائشة، وابن عمر، وسعد بن أبى وقاص، وجابر، وغيرهم، فلا معنى لكونه معلولا، واللَّه أعلم. وفي طريق الجمع مسالك أخر: أحدها: نفى العدوي جملة وحمل الأمر بالفرار من المجذوم على رعاية خاطر المجذم، لأنه إذا رأى الصحيح البدن، السليم من الآفة، تعظم مصيبته، وتزداد حسرته، ونحوه حديث: «لا تديموا النظر إلى المجذومين» ، فإنه محمول على هذا المعنى. ثانيها: حمل الخطاب بالنفي والإثبات على حالتين مختلفتين، فحيث جاء «لا عدوى» كان المخاطب بذلك من قوى يقينه وصحّ توكله، بحيث يستطيع أن يدفع عن نفسه اعتقاد العدوي، كما يستطيع أن يدفع التّطيّر الّذي يقع في نفس كل أحد، لكن القوى اليقين لا يتأثر به، وعلى هذا يحمل حديث جابر في أكل المجذوم من القصعة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25   [ () ] ثالثها: قال القاضي أبو بكر الباقلاني: إثبات العدوي في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفى العدوي، قال: فيكون معنى قوله: «لا عدوى» أي إلا من الجذام والبرص والجرب مثلا، قال: فكأنه قال: لا يعدى شيء شيئا إلا ما تقدم تبيينى له أن فيه العدوي، وقد حكمي ذلك ابن بطال. رابعها: أن الأمر بالفرار من المجذوم ليس من باب العدوي في شيء، بل هو لأمر طبيعي، وهو انتقال الداء من جسد لجسد، بواسطة الملامسة، والمخالطة وشم الرائحة، ولذلك يقع في كثير من الأمراض في العادة انتقال الداء من المريض إلى الصحيح بكثرة المخالطة، وهذه طريقة ابن قتيبة فقال: المجذوم تشتد رائحته حتى يسقم من أطال مجالسته، ومحادثته، ومضاجعته، وكذا يقع كثيرا بالمرأة من الرجل وعكسه، وينزع الولد إليه، ولهذا يأمر الأطباء بترك مخالطة المجذوم، لا على طريق العدوي، بل على طريق التأثر بالرائحة، لأنها تسقم من واظب اشتمامها، قال: ومن ذلك قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لا يورد ممرض على مصح» ، لأن الجرب الرطب قد يكون بالبعير، فإذا خالط الإبل أو حككها وأوى إلى مباركها، وصل إليها بالماء الّذي يسيل منه، وكذا بالنظر نحو ما به. قال: وأما قوله: «لا عدوى» فله معنى آخر، وهو أن يقع المرض بمكان كالطاعون فيفر منه مخافة أن يصيبه، لأن فيه نوعا من الفرار من قدر اللَّه. خامسها: أن المراد بنفي العدوي أن شيئا لا يعدى بطبعه، نفيا لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدى بطبعها، من غير إضافة إلى اللَّه تعالى، فأبطل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اعتقادهم ذلك، وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن اللَّه هو الّذي يمرض ويشفى، ونهاهم عن الدنو منه ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى اللَّه تعالى العادة بأنها تفضى إلى مسبباتها، ففي نهيه إثبات الأسباب، وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل، بل اللَّه هو الّذي إن شاء سلبها قواها، فلا تؤثر شيئا، وإن شاء أبقاها فأثرت. قال البيهقي- بعد أن أورد قول الشافعيّ رضى اللَّه عنه ما نصه-: الجذام والبرص يزعم أهل العلم بالطب والتجارب أنه يعدى الزوج كثيرا، وهو داء مانع للجماع، لا تكاد نفس أحد تطيب بمجامعة من هو به، ولا نفس امرأة أن يجامعها من هو به، وأما الولد فبين أنه إذا كان من ولده أجذم أو أبرص، أنه قلما يسلم، وإن سلم أدرك نسله. سادسها: العمل بنفي العدوي أصلا ورأسا، وحمل الأمر بالمجانبة على حسم المادة وسد الذريعة، لئلا يحدث للمخالط بشيء من ذلك، فيظن أنه بسبب المخالطة، فيثبت العدوي التي نفاها الشارع، وإلى هذا القول ذهب أبو عبيد وتبعه جماعة، فقال أبو عبيد: ليس في قوله: «لا يورد ممرض على مصح» إثبات العدوي، بل لأن الصحاح لو مرضت بتقدير اللَّه تعالى ربما وقع في نفس صاحبها أن ذلك من العدوي، فيفتتن ويتشكك في ذلك، فأمر باجتنابه. قال: وكان بعض الناس يذهب إلى أن الأمر بالاجتناب إنما هو للمخافة على الصحيح من ذوات العاهة، قال: وهذا شر ما حمل عليه الحديث، لأن فيه إثبات العدوي التي نفاها الشرع، ولكن وجه الحديث عندي ما ذكرته. قال الشيخ أبو محمد بن أبى جمرة: الأمر بالفرار من الأسد ليس للوجوب، بل للشفقة، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ينهى أمته عن كل ما فيه ضرر بأي وجه كان، ويدلهم على كل ما فيه خير. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 ولعبد الرزاق من حديث معمر، عن أيوب وخالد، عن أبى قلابة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فرّوا من المجذوم فراركم من الأسد. وفي رواية له: فروا من الأجذم كما تفرون من الأسد. ولمسلم من حديث يعلى بن عطاء، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنّا قد بايعناك، فارجع [ (1) ] . وخرّجه النسائي. ولأبى بكر بن أبى شيبة من حديث وكيع، عن عبد اللَّه بن سعيد، عن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] ، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تدنوا النظر إلى المجذومين [ (2) ] . وخرّجه أبو بشر الدولابي، من حديث عبد الرحمن بن أبى الزناد، عن محمد بن عبد اللَّه، عن أمه فاطمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: نهانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن نديم النظر إلى المجذومين، قال: لا تديموا إليهم   [ () ] قال: ويمكن الجمع بين فعله وقوله بأن القول هو المشروع من أجل ضعف المخاطبين، وفعله حقيقة الإيمان، فمن فعل الأول أصاب السنة وهي أثر الحكمة، ومن فعل الثاني كان أقوى يقينا، لأن الأشياء كلها لا تأثير لها إلا بمقتضى إرادة اللَّه تعالى وتقديره، كما قال تعالى: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، فمن كان قوى اليقين فله أن يتابعه صلّى اللَّه عليه وسلّم في فعله ولا يضره شيء، ومن وجد في نفسه ضعفا فليتبع أمره في الفرار، لئلا يدخل بفعله في إلقاء نفسه إلى التهلكة. واستدل بالأمر بالفرار من المجذوم لإثبات الخيار للزوجين في فسخ النكاح، إذا وجده أحدهما بالآخر، وهو قول جمهور العلماء، واختلف في أمة الأجذم: هل يجوز لها أن تمنع نفسها من استمتاعه إذا أرادها؟ واختلف العلماء في المجذومين إذا كثروا، هل يمنعون من المساجد والمجامع؟ وهل يتخذ لهم مكان منفرد عن الأصحاء؟ ولم يختلفوا في النادر أنه لا يمنع، ولا في شهود الجمعة (فتح الباري) : 10/ 196- 200 مختصرا. [ (1) ] راجع التعليق السابق والتالي والّذي بعده. [ (2) ] راجع التعليق السابق والتالي والّذي بعده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 النظر [ (1) ] . ولأبى داود من حديث يونس بن محمد، عن مفضل بن فضالة، عن حبيب بن الشهيد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر [رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذ بيد مجذوم، فوضعها معه في القصعة وقال: كل ثقة باللَّه [عزّ وجلّ] وتوكلا عليه [ (2) ] . وأخرجه الترمذي بهذا السند، ولفظه: أخذ بيد مجذوم فأدخله معه في القصعة [ثم] قال: كل بسم اللَّه، ثقة باللَّه وتوكلا عليه [ (3) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث يونس بن محمد، عن المفضل ابن فضالة.   [ (1) ] راجع التعليق السابق والتالي والّذي بعده. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 239، كتاب الطب، باب (24) في الطيرة، حديث رقم (3925) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 234، كتاب الأطعمة، باب (19) ما جاء في الأكل مع المجذوم، حديث رقم (817) . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1172، كتاب الطب، باب (44) الجذام، حديث رقم (3542) ، وحديث رقم (3543) : أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «لا تديموا النظر إلى المجذومين» ، وحديث رقم (3544) : كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ارجع فقد بايعناك» . قال الحافظ ابن حجر في خاتمة كتاب الطب: اشتمل كتاب الطب من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث وثمانية عشر حديثا، المعلق منها ثمانية عشر طريقا، والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى خمسة وثمانون طريقا، والخالص ثلاثة وثلاثون، وافقه مسلم على تخريجها، سوى حديث أبى هريرة في نزول الداء والشفاء، وحديث ابن عباس: الشفاء في ثلاث، وحديث عائشة في الحبة السوداء، وحديث أبى هريرة «فر من المجذوم» ، وحديث أنس «رخص لأهل بيت في الرقية» ، وحديث أنس «اشف وأنت الشافي» ، وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم ستة عشر أثرا، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. (فتح الباري) : 10/ 309 آخر كتاب الطب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 والمفضّل بن فضالة هذا: شيخ بصريّ [ (1) ] ، المفضّل بن فضالة: شيخ آخر مصرى [ (2) ] أوثق من هذا وأشهر. وقد روى شعبة هذا الحديث عن حبيب ابن الشهيد عن ابن بريدة، أن ابن عمر أخذ بيد مجذوم، وحديث شعبة أثبت عندي وأصحّ. ذكره في الأطعمة [ (3) ] .   [ (1) ] هو المفضّل بن فضالة بن أبى أمية القرشيّ، أبو مالك البصري، أخو مبارك بن فضالة مولى آل الخطاب. قال الدوري عن ابن معين: ليس بذاك، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال الآجري عن أبى داود: بلغني عن عليّ أنه قال: في حديثه نكارة، وقال الترمذي: شيخ بصرى، والمصري أوثق منه وأشهر. وقال النسائي ليس بالقوى، وذكره ابن حبان في (الثقات) : له في السنن حديثه عن حبيب عن ابن المندر، عن جابر: أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيد مجذوم فوضعه معه في القصعة ... الحديث. وزعم بعضهم أنه أخو الفرج بن فضالة وليس بشيء. قال الحافظ ابن حجر: هذا قول ابن حبان. قال ابن عدي: لم أر له أنكر من هذا، يعنى حديث جابر. (تهذيب التهذيب) : 10/ 244، ترجمة رقم (492) مختصرا. [ (2) ] هو المفضّل بن فضالة بن عبيد بن ثمامة بن مزيد بن نوف الرعينيّ ثم القتباني أبو معاوية المصري قاضيها، قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة، وقال الدوري عن ابن معين: رجل صدوق، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال أبو حاتم وابن خراش: صدوق في الحديث، وقال ابن يونس: ولى القضاء بمصر مرتين، وكان من أهل الفضل والدين، ثقة في الحديث، من أهل الورع. ذكره أحمد بن شعيب. يوما وأنا حاضر فأحسن الثناء عليه ووثقه، وقال: سمعت قتيبة بن سعيد يذكر عنه فضلا، وقال الآجري عن أبى داود: كان مجاب الدعوة. ولد سنة سبع ومائة، وقال البخاري: مات في شوال سنة إحدى وثمانين. قال الحافظ ابن حجر: وذكره ابن حبان في (الثقات) ، وذكره ابن سعد في الطبقة الخامسة من أهل مصر، وقال: كان منكر الحديث. قال عيسى بن حماد: كان مجاب الدعوة، طويل القيام مع ضعف بدنه. (المرجع السابق) : ترجمة رقم (493) مختصرا. وذكر أيضا: المفضّل بن فضالة بن المفضل بن فضالة حفيد الّذي قبله، روى عن أبيه عن جده، ذكره ابن حبان في (الثقات) ، وابن يونس في تاريخه وقال: مات سنة أثنيت وخمسين ومائتين (المرجع السابق) : ترجمة رقم (494) . وذكر أيضا: المفضّل بن فضالة النّسوى أبو الحسن، روى عن إبراهيم بن الهيثم البلدي، وعنه أبو أحمد بن عدي. هو والّذي قبله متأخران، لا يشتبهان بمن قبلهم. (المرجع السابق) : ترجمة رقم (495) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 234، عقب الحديث رقم (1817) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 وذكر الحاكم حديث يونس عن الفضل كما تقدم، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه [ (1) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 152، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7196) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 وأما عرق النَّسا [ (1) ] فخرج الحاكم من حديث الوليد بن مسلم، حدثنا هشام بن حسان، [قال] : حدثني أنس بن سيرين [قال:] حدثني أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شفاء عرق النّسا: ألية شاة عربية تذاب، ثم تجزّأ ثلاثة أجزاء، فتشرب في ثلاثة أيام. قال: هذا حديث صحيح [على شرط الشيخين ولم يخرجاه] وقد رواه المعتمر بن سليمان، عن هشام بن حسان، بزيادة في المتن [ (2) ] . فذكره ولفظه: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وصف من عرق النسا ألية شاة عربىّ، ليست بصغيرة، ولا كبيرة، تذاب، ثم تقسم على ثلاثة أجزاء، فيشرب كل يوم جزء على ريق النفس. قال أنس: وقد وصفت ذلك لثلاثمائة، كلهم يعافيه اللَّه تعالى [ (3) ] . وقد رواه حبيب بن الشهيد، عن أنس بن سيرين، فذكره [ (4) ] ، ثم قال:   [ (1) ] عرق النّسا: وجع يبتدئ من مفصل الورك، وينزل من خلف على الفخذ، وربما على الكعب، وكلما طالت مدته، زاد نزوله، وتهزل معه الرجل والفخذ. (زاد المعاد) : 4/ 71- 72، فصل في هديه صلّى اللَّه عليه وسلّم في علاج عرق النّسا. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 229، كتاب الطب، حديث رقم (7459) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7460) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7461) . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1147، كتاب الطب، باب (14) دواء عرق النّساء، حديث رقم (3463) ، وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات، والألية: ما ركب العجز وتدلى من شحم ولحم. وأخرجه الحاكم أيضا في (المستدرك) : 4/ 452، كتاب الطب، حديث رقم (8247) ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31   [ () ] من حديث هشام بن حسان، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وصف لهم في عرق النسا أن يأخذوا إليه كبش ليس بعظيم ولا صغير فيداف، ثم يجزأ على ثلاثة أجزاء، فيشرب كل يوم جزءا، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التخليص) : على شرط البخاري ومسلم. قال العلامة ابن القيم: وهذا الحديث فيه معنى لغويّ، ومعنى طبىّ، فأما المعنى اللغويّ: فدليل على جواز تسمية هذا المرض بعرق النّسا خلافا لمن منع هذه التسمية، وقال: النّسا هو العرق نفسه فيكون من باب إضافة الشيء إلى نفسه، وهو ممتنع. وجواب هذا القائل من وجهين، أحدهما: أن العرق أعم من النّسا، فهو من باب إضافة العام إلى الخاص، نحو: كل الدراهم أو بعضها. الثاني: أن النسا: هو المرض الحالّ بالعرق، والإضافة فيه من باب إضافة الشيء إلى محله وموضعه. قيل: وسمّى بذلك لأن ألمه ينسى ما سواه من وهذا العرق ممتد من مفصل الورك، وينتهى إلى آخر القدم وراء الكعب من الجانب الوحشي، فيما بين عظم الساق والوتر. وأما المعنى الطبي: فقد تقدم أن كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نوعان: أحدهما: عام بحسب الأزمان، والأماكن، والأشخاص، والأحوال. والثاني: خاص بحسب هذه الأمور أو بعضها، وهذا من هذا القسم، فإن هذا خطاب للعرب، وأهل الحجاز، ومن جاورهم، ولا سيما أعراب البوادي، فإن هذا العلاج من أنفع العلاج لهم، فإن هذا المرض يحدث من يبس، وقد يحدث من مادة غليظة لزجة، فعلاجها بالإسهال، والألية فيها الخاصيتان: الإنضاج، والتليين، ففيها الإنضاج والإخراج. وهذا المرض يحتاج علاجه إلى هذين الأمرين، وفي تعيين الشاة الأعرابية لقلة فضولها، وصغر مقدارها، ولطف جوهرها، وخاصية مرعاها، لأنها ترعى أعشاب البرّ الحارة، كالشيح، والقيصوم، ونحوهما، وهذه النباتات إذا تغذى بها الحيوان صار في لحمه من طبعها بعد أن يلطفها تغذية بها، ويكسبها مزاجا ألطف منها، ولا سيما الألية. وظهور فعل هذه النباتات في اللبن أقوى منه في اللحم، ولكن الخاصية التي في الألية من الإنضاج والتليين لا توجد في اللبن، وهذا كما تقدم أن أدوية غالب الأمم والبوادي هي الأدوية المفردة، وعليه أطباء الهند. وأما الروم واليونان فيعتنون بالمركّبة، وهم متفقون كلهم على أن من مهارة الطبيب أن يداوي بالغذاء، فإن عجز فبالمفرد، فإن عجز، فبما كان أقلّ تركيبا. وقد تقدم أنّ غالب عادات العرب وأهل البوادي الأمراض البسيطة، فالأدوية البسيطة تناسبها، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 هذه الأسانيد كلها صحيحة، وقد أعضله حماد بن سلمة عن أنس بن سيرين فقال: عن أخيه معبد، عن رجل من الأنصار، عن أبيه، والقول عندنا [فيه] قول المعتمر بن سليمان، والوليد بن مسلم.   [ () ] وهذا لبساطة أغذيتهم في الغالب. وأما الأمراض المركبة فغالبا ما تحدث عن تركيب الأغذية وتنوعها واختلافها، فاختيرت لها الأدوية المركبة، واللَّه تعالى أعلم. (زاد المعاد) : 4/ 72- 73، فصل في هديه صلّى اللَّه عليه وسلّم في علاج عرق النّسا. وقد أثبت محقق (زاد المعاد) تعريف الدكتور عادل الأزهري لعرق النّسا، حيث قال: هو مرض يصيب النساء والرجال على السواء وآلامه مفرطة، تبتدئ غالبا في أسفل العمود الفقرى، ويمتد الألم إلى إحدى الأليتين، ثم إلى الجزء اخلفى من الفخذ، وأحيانا حتى الكعب، وينتج غالبا من انفصال غضروفى بأسفل العمود الفقرى، أو التهاب روماتزمى بالعصب الإنسى، وعلاجه الأساسي الراحة التامة على الظهر، لمدة خمسة عشر يوما على الأقل مع إعطاء مهدئات للألم مثل الأسبرين ... والحجامات الجافة، والكيّ أحيانا، يساعدان على علاجه. (زاد المعاد) : 4/ 73 هامش. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 وأما كثرة أمراضه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج الحاكم من حديث إسرائيل، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قلت لعائشة رضى اللَّه عنها: قد أخذت السّنن عن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، والشعر والعربية عن العرب، فعن من أخذت الطب؟ قالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان رجلا مسقاما، وكان أطباء العرب يأتونه فأتعلم منهم. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد لم يخرج [ (1) ] . وخرّجه ابن حيّان ولفظه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان [سقيما] في آخر عمره فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فتنعت له الأنعات، فكنت أعالجها، فمن ثمّ [ (2) ] . وخرّجه الإمام أحمد من حديث أبى معاوية قال: أخبرنا هشام بن عروة قال: كان عروة يقول لعائشة رضى اللَّه عنها: يا أمتاه! لا أعجب من فقهك، أقول: زوجة رسول اللَّه، وابنة أبى بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام النّاس، أقول: ابنة أبى بكر، وكان أعلم الناس، أو من أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب، كيف هو؟ ومن أين هو؟ أو ما هو؟ قال: فضربت على منكبه [و] قالت: أي عريّة، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يسقم عند آخر عمره، أو في آخر عمره، وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فتنعت له الأنعات، وكنت أعالجها له فمن ثمّ [ (2) ] .   [ (1) ] المستدرك) : 4/ 218- 219، كتاب الطب، حديث رقم (7426) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 99، حديث رقم (23859) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 الحِنَّاء [ (1) ] قال الإمام أحمد: حدثنا حماد بن خالد، حدثنا قائد مولى عبيد اللَّه ابن على بن أبى رافع، عن مولاه، عن [عمته] سلمى [ (2) ] ، قالت: كنت أخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما كانت تصيبه قرحة، ولا نكتة، إلا وأضع   [ (1) ] الحناء : بارد في الأولى، يابس في الثانية، وقوة شجر الحناء وأغصانها مركبة من قوة محللة، اكتسبتها من جوهر فيها مائي، حار باعتدال، ومن قوة قابضة اكتسبتها من جوهر فيها أرضى بارد. ومن منافعه أنه محلّل نافع من حرق النار، وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمّد به، وينفع إذا مضغ من قروح الفم والسّلاق -[بثر تخرج على أصل اللسان، وتقشر في أصول الأسنان]- العارض فيه، ويبرئ القلاع -[بثرات تكون في جلدة الفم أو اللسان]- الحادث في أفواه الصبيان، والضماد به ينفع من الأورام الحرة الملتهبة، ويفعل في الجراحات فعل دم الأخوين [مادة تجلب من الهند بهذا الاسم» ] ، وإذا خلط نوره مع الشمع المصفى، ودهن الورد، ينفع من أوجاع الجنب. ومن خواصه: أنه إذا بدأ الجدرىّ يخرج بصبي، فخضبت أسافل رجليه بحناء، فإنه يؤمن على عينيه أن يخرج فيها شيء منه، وهذا صحيح مجرّب لا شك فيه. وإذا جعل نوره بين طىّ ثياب الصوف طيبها، ومنع السوس عنها، وإذا نقع ورقه في ماء عذب يغمره، ثم عصر وشرب من صفوه أربعين يوما كل يوم عشرين درهما مع عشرة دراهم سكر، ويغذّى عليه بلحم الضأن الصغير، فإنه ينفع من ابتداء الجذام يخاصية فيه عجيبة. وحكى أن رجلا تشقّقت أظافر أصابع يده، وأنه بذل لمن يبرئه مالا، فلم يجد، فوصفت له امرأة أن يشرب عشرة أيام حناء، فلم يقدم عليه، ثم نقعه بماء وشربه، فبرأ ورجعت أظافيره إلى حسنها. والحناء إذا ألزمت به الأظفار معجونا حسّنها ونفعها، وإذا عجن بالسمن وضمّد به بقايا الأورام الحارة التي ترشح ماء أصفر، نفعها، ونفع من الجرب المتقرّح المزمن منفعة بليغة، وهو ينبت الشعر ويقويه، ويحسنه، ويقوى الرأس، وينفع من النّفّاطات، والبثور العارضة في الساقين والرجلين، وسائر البدن، (زاد المعاد) : 4/ 89- 90. [ (2) ] سلمى: خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهي مولاة صفية بنت عبد المطلب، وهي امرأة أبى رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأم بنيه، وهي التي قبلت إبراهيم بن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت قابلة بنى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 عليها الحناء [ (1) ] .   [ () ]- فاطمة، وهي التي غسّلت فاطمة مع زوجها ومع أسماء بنت عميس، وشهدت سلمى هذه، خيبر مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 616، حديث رقم (27070) ، ولفظه: «ما سمعت أحدا قط يشكو إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعا في رأسه إلا قال: احتجم، ولا وجعا في رجليه إلا قال: اخضبها بالحناء، وحديث رقم (27071) ولفظه: «ما اشتكى أحد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعا في رأسه إلا قال: احتجم، ولا اشتكى إليه أحد وجعا في رجليه إلا قال: اخضب رجليك» . وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 194- 195، كتاب الطب، باب (3) في الحجامة، حديث رقم (3858) . وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 343، كتاب الطب، باب (13) ما جاء في التداوي بالحناء، حديث رقم (2054) ، ولفظه: «ما كان يكون برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قرحة، ولا نكبة إلا أمرنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أضع عليها الحناء» [والقرحة بضم القاف وفتحها] . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث قائد، وروى بعضهم هذا الحديث عن فائد، وقال: عن عبيد اللَّه بن على عن جدته سلمى، وعبيد اللَّه بن على أصحّ، ويقال: سلمى. حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا زيد بن حباب عن فائد مولى عبيد اللَّه بن على، عن مولاه عبيد اللَّه بن على، عن جدته، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نحوه بمعناه. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1158، كتاب الطب، باب (29) الحناء، حديث رقم (3502) ، ولفظه: كان لا يصيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قرحة ولا شوكة إلا وضع عليه الحناء» . هذا الحديث لم يحكم عليه الترمذي بشيء من الصحة أو الحسن، أو الضعف، والظاهر أنه حديث حسن، واللَّه تعالى أعلم. (تحفة الأحوذي) : 6/ 178- 179. قوله في رواية أبى داود: «اخضبهما» زاد البخاري في (تاريخه) «بالحناء» قاله في (فتح الودود) . وقال القاري: والحديث بإطلاقه يشمل الرجال والنساء، لكن ينبغي للرجل أن يكتفى باختضاب كفوف الرّجل، ويجتنب صبغ الأظافر، احترازا من التشبه بالنساء ما أمكن. قال المنذري: والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة مختصرا في الحناء، وقال الترمذي: حديث غريب إنما نعرفه من حديث فائد. هذا آخر كلامه. وفائد هذا مولى عبيد اللَّه بن على بن أبى رافع، وقد وثقه ابن معين، وقال الإمام أحمد، وأبو حاتم الرازيّ: لا بأس به، وفي إسناده عبيد اللَّه بن على بن أبى رافع، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال ابن معين: لا بأس به، وقال أبو يحيى الرازيّ: لا يحتج بحديثه، هذا آخر كلامه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36   [ () ] وقد أخرجه الترمذي من حديث على بن عبيد اللَّه عن جدته، وقال: وعبيد اللَّه بن على أصحّ، وقال غيره: على بن عبيد اللَّه بن أبى رافع لا يعرف بحال، ولم يذكره أحد من الأئمة في كتاب، وذكر بعده حديث عبيد اللَّه بن على بن أبى رافع هذا الّذي ذكرناه وقال: فانظر في اختلاف إسناده بغير لفظه، هل يجوز لمن يدعى السنة أو ينسب إلى العلم أن يحتجّ بهذا الحديث على هذا الحال، ويتخذه سنة وحجة في خضاب اليد والرجل؟ (عون المعبود) : 10/ 242. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 الذريرة [ (1) ] خرّج الحاكم من حديث ابن جريج قال: أخبرنى عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبى حسن، حدثتني مريم بنت إياس بن البكير [ (2) ] ، صاحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، عن بعض أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأظنها زينب، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل عليها فقال: عندك ذريرة؟ فقالت: نعم، فدعا بها، ووضعها على بثرة [ (3) ] بين إصبعين من أصابع رجله وقال: اللَّهمّ مطفئ [الكير] ، ومكبر الصغير، اطفها عنى، فطفيت [ (4) ] . قال: هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه] [ (5) ] [وخرّجه الإمام أحمد، من حديث ابن جريج به مثله] [ (6) ] .   [ (1) ] الذريرة: فتات من قصب الطيب الّذي يجاء به من بلد الهند، يشبه قصب النّشّاب، وفي حديث عائشة رضى اللَّه عنها: طيبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لإحرامه بذريرة، قال: هو نوع من الطيب مجموع من أخلاط. (لسان العرب) : 4/ 303- 304. وقال العلامة ابن القيم: الذريرة دواء هندي يتخذ من قصب الذريرة، وهي حارة يابسة، تنفع من أورام المعدة، والكبد، والاستسقاء، وتقوى القلب لطيبها. (زاد المعاد) : 4/ 113. [ (2) ] اختلف في صحبتها، وأبوها وأعمامها من كبار الصحابة، ولأخيها محمد رؤية. [ (3) ] البثرة: خرّاج صغير يكون عن مادة حارة تدفعها الطبيعة، فتسترق مكانا من الجسد تخرج منه، فهي محتاجة إلى ما ينضجها ويخرجها، والذريرة أحد ما يفعل بها ذلك، فإن فيها إنضاجا، وإخراجا، مع طيب رائحتها، مع أن فيها تبريدا للنارية التي في تلك المادة، وكذلك قال صاحب (القانون) : إنه لا أفضل لحرق النار من الذريرة بدهن الورد والخل. (زاد المعاد) : 4/ 113- 114. [ (4) ] (المستدرك) : 4/ 230، كتاب الطب، حديث رقم (7463) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (5) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (6) ] (مسند أحمد) : 6/ 510، حديث رقم (22631) . وهذا الحديث حديث صحيح، أخرجه ابن السنى (640) ص 237، ووقع له في سنده وهم، - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38   [ () ] وقال الحافظ في (أمالى الأذكار) ، فيما نقله عنه ابن علان: حديث صحيح أخرجه النسائي في (اليوم والليلة) ، وهو حديث صحيح الإسناد كما قال أبو عبد اللَّه الحاكم، فإن رواته من رواة (الصحيحين) ، إلا مريم بنت إياس بن البكير. وفي لفظه اختلاف يسير، ففي (المستدرك) : «اللَّهمّ مطفئ الكير ومكبر الصغير اطفها عنى» ، وفي (مسند أحمد) : بمثله، وفي (زاد المعاد) : «اللَّهمّ مصغّر الكبير ومكبّر الصغير صغّر ما بى» ، وفي (الأصلين) : «مطفئ الكير» واللَّه تعالى أعلم بالصواب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 وأمّا أنّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] سحر فخرج البخاري من حديث عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: سحر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل من بنى زريق يقال له: لبيد بن الأعصم، قالت: حتى كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخيّل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم- أو ذات ليلة- وهو عندي، دعا، ودعا، ثم قال: يا عائشة! أشعرت أن اللَّه [عزّ وجلّ] أفتانى فيما استفتيته فيه، أتانى رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، وجف طلعة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان، فأتاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ناس من أصحابه، فجاء فقال: يا عائشة! واللَّه لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رءوس الشياطين فقلت يا رسول اللَّه! أفلا استخرجته؟ قال: لا، أما أنا فقد عافاني اللَّه، وكرهت أن أثير على الناس شرا، فأمرت بها فدفنت. قال البخاري: تابعه أبو أسامة، وأبو ضمرة، وابن أبى الزناد، عن هشام. وقال الليث وابن عيينة، عن هشام: في مشط ومشاقة. يقال: مشاطة: ما يخرج من الشعر إذا مشّط، والمشاقة: من مشاقة الكتان. ترجم عليه البخاري باب: السحر، وذكره في بدء الخلق، في باب: صفة إبليس وجنوده [ (1) ] . وفي كتاب الدعاء [ (2) ] ، وفي كتاب   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 412، كتاب بدء الخلق، باب (11) صفة إبليس وجنوده، حديث رقم (3268) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 11/ 230، كتاب الدعوات، باب (57) تكرير الدعاء، حديث رقم (6391) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 الأدب [ (1) ] ، بزيادة ألفاظ ونقص ألفاظ. وخرّجه مسلم من طرق، وخرّجه   [ (1) ] (المرجع السابق) : 10/ 587، كتاب الأدب، باب (56) قول اللَّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وقوله: ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ وترك إثارة الشر على مسلم أو كافر، حديث رقم (6063) . قال القاضي عياض: فإن قلت: فقد جاءت الأخبار الصحيحة أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم سحر كما حدثنا الشيخ أبو محمد العتّابيّ بقراءتي عليه، قال: أخبرنا حاتم بن محمد، أخبرنا أبو الحسن على بن خلف، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا البخاري [بسنده] عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: «سحر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله» . وفي رواية أخرى: «حتى كان يخيل إليه أنه كان يأتى النساء ولا يأتيهن» . وإذا كان هذا من التباس الأمر على المسحور، فكيف حال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك، وكيف جاز عليه، وهو معصوم؟ فاعلم- وفقنا اللَّه وإياك- أن هذا الحديث صحيح متفق عليه، وقد طعنت فيه الملحدة، وتذرعت به لسخف عقولها، وتلبيسها على أمثالها في التشكيك في الشرع. وقد نزه اللَّه تعالى الشرع والنبي عما يدخل في أمره لبسا، وإنما السحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه كأنواع الأمراض، مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته. وأما ما ورد أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من تبليغه، أو شريعته، أو يقدح في صدقه، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طروؤه عليه في دنياه التي لم يبعث بسببها، ولا فصّل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان. (الشفا) : 2/ 160- 161. والمشط: معروف، والمشاطة: هي الشعر الّذي يسقط من الرأس أو اللحية عند تسريحه، والجفّ: وعاء طلع النخل، وهو الغشاء الّذي يكون عليه، ويطلق على الذكر والأنثى، ولذا قيده في الحديث بقوله: «طلعة ذكر» . قال العلامة ابن القيم: ومن أنفع علاجات السحر الأدوية الإلهية، بل هي أدويته النافعة بالذات، فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية، ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار، والآيات، والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلما كانت أقوى وأشدّ، كانت أبلغ في النّشرة [ضرب من الرقية والعلاج، يعالج به من كان يظن أن به مسا من الجن، سميت نشرة، لأنه ينشّر بها عنه ما ضاره من الداء] . وذلك بمنزلة التقاء جيشين، مع كل واحد منهما عدته وسلاحه، فأيهما غلب الآخر قهره، وكان الحكم له، فالقلب إذا كان ممتلئا من اللَّه مغمورا بذكره، وله من التوجهات، والدعوات، والأذكار، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 النسائي أيضا [ (1) ] . وفي جامع معمر بن راشد عن الزهري، قال: سحر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، [سنة] [ (2) ] ، يخيل إليه أنه يفعل الفعل وهو [صلّى اللَّه عليه وسلّم] لا يفعله. [وقال ابن سعد: السّحر، سينه مثلثة، والفتح أفصح] [ (3) ] (صلّى اللَّه عليه وسلّم) . [وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني أبو مروان، عن إسحاق   [ () ] والتعوذات، ورد لا يخلّ به، يطابق فيه قلبه لسانه، كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه. وعند السحرة: أن سحرهم إنما يتم تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة، والنفوس الشهوانية التي هي معلقة بالسفليات، ولهذا فإن غالب ما يؤثر في النساء، والصبيان، والجهال، وأهل البوادي، ومن ضعف حظه من الدين، والتوكل، والتوحيد، ومن لا نصيب له من الأوراد الإلهية، والدعوات والتعوذات النبويّة، وبالجملة: فسلطان تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة، التي يكون ميلها إلى السفليات. قالوا: والمسحور هو الّذي يعين على نفسه، فإنا نجد قلبه متعلقا كثير الالتفات إليه، فيتسلط على قلبه بما فيه من الميل والالتفات. والأرواح الخبيثة إنما تتسلط على أرواح تلقاها مستعدة لتسلطها عليها، بميلها إلى ما يناسب تلك الأرواح الخبيثة، وبفراغها من القوة الإلهية، وعدم أخذها للعدة التي تحاربها بها، فتجدها فارغة لا عدة معها، وفيها ميل إلى ما يناسبها، فتتسلط عليها، ويتمكن تأثيرها فيها بالسحر وغيره. واللَّه تعالى أعلم. (زاد المعاد) : 4/ 126- 127. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فكرهت أن أثير على الناس شرّا» ، معناه أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم ترك استخراج السحر خشية أن يثور على الناس منه شرّ، فسلك مسلك العدل في أن لا يحصل لمن لم يتعاط السحر من أثر الضرر الناشئ عن السحر شرّ وسلك مسلك الإحسان في ترك عقوبة الجاني (فتح الباري) : 10/ 588. وأخرجه البخاري في (الطب) باب (47) السحر، حديث رقم (5763) وفي باب (49) هل يستخرج السحر، حديث رقم (5765) ، وأخرجه مختصرا في كتاب الجزية والموادعة باب (14) هل يعفى عن الذّمىّ إذا سحر، حديث رقم (3175) . [ (1) ] وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 5/ 40، كتاب الطب، حديث رقم (23508) مختصرا، وحديث رقم (23509) كما ذكره المقريزي من رواية البخاري. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (ج) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 ابن عبد اللَّه، عن عمر بن الحكم قال: لما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الحديبيّة في ذي الحجة ودخل الحرم، جاءت رؤساء يهود الذين بقوا بالمدينة، ممن يظهر الإسلام، وهو منافق، إلى لبيد بن الأعصم اليهودي، وكان حليفا في بنى زريق، وكان ساحرا، قد علمت ذلك يهود، أنه أعلمهم بالسحر وبالسموم، فقالوا له: يا أبا الأعصم، أنت أسحر منّا، وقد سحرنا محمدا فسحره منا الرجال والنساء، فلم نصنع شيئا، وأنت ترى أثره فينا، وخلافه ديننا، ومن قتل منا وأجلى، ونحن نجعل لك [على ذلك] جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكوه، فجعلوا له ثلاثة دنانير، على أن يسحر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . [فعمد إلى مشط، وما يمشط [من الرأس] من الشعر، فعقد فيه عقدا، أو تفل فيه تفلا، وجعله في جب طلعة ذكر، ثم انتهى به حتى جعله تحت أرعوفة البئر، فوجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمرا أنكره، حتى يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، وأنكر بصره حتى دله اللَّه عليه، فدعا جبير بن إياس الزّرقيّ، وقد شهد بدرا، فدله على موضع في بئر ذروان، تحت أرعوفة البئر، فخرج جبير حتى استخرجه ثم أرسل إلى لبيد بن الأعصم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقد دلني اللَّه على سحرك، وأخبرنى ما صنعت، قال: حبّ الدنانير يا أبا القاسم] [ (1) ] . [قال إسحاق بن عبد اللَّه: فأخبرت عبد الرحمن بن كعب بن مالك بهذا الحديث فقال: إنما سحره بنات أعصم- أخوات لبيد- وكنّ أسحر من لبيد وأخبث، وكان لبيد هو الّذي ذهب به، فأدخله تحت أرعوفة البئر، فلما عقدوا تلك العقد، أنكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تلك الساعة بصره، ودسّ بنات   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 197- 199، ذكر من قال: إن اليهود سحرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 أعصم إحداهن، فدخلت على عائشة رضى اللَّه عنها، فخبرتها عائشة، أو سمعت عائشة تذكر ما أنكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بصره، ثم خرجت إلى أخواتها، وإلى لبيد، فأخبرتهم، فقالت إحداهن: إن يكن نبيا فسيخبر، وإن يكن غير ذلك، فسوف يدلّهه هذا السحر حتى يذهب عقله، فيكون بما نال من قومنا وأهل ديننا، فدله اللَّه عليه] [ (1) ] . قال الحارث بن قيس: يا رسول اللَّه! ألا نهوّر البئر؟ فأعرض عنه [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] فهوّرها الحارث بن قيس وأصحابه، وكان يستعذب منها. قال: وحفروا بئرا أخرى، فأعانهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حفرها، حين هوّروا الأخرى التي سحر فيها، حتى أنبطوا ماءها، ثم تهوّرت بعد. ويقال: إن الّذي استخرج السحر بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قيس بن محصن] [ (1) ] .   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 197- 199، ذكر من قال إن اليهود سحرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وهذه الفقرات سقطت من النسخة (ج) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 وأما أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم سمّ فخرّج البخاري في الطب [ (1) ] ، وفي الجزية والموادعة [ (2) ] ، من حديث الليث قال: حدثني سعيد عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: لما فتحت خيبر، أهديت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شاة فيها سمّ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود، فجمعوا له، فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقىّ عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] : من أبوكم؟ قالوا: أبونا فلان [فقال كذبتم، أبوكم فلان] فقالوا: صدقت وبررت، فقال: هل أنتم صادقىّ عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أهل النار؟ قالوا: نكون فيها يسيرا، ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم: اخسئوا فيها، واللَّه لا نخلفكم فيها أبدا، ثم قال لهم: هل أنتم صادقىّ عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قال: هل جعلتم في هذه الشاة سمّا؟ قالوا: نعم، قال: ما حملكم على ذلك؟ قالوا: إن كنت كاذبا، نستريح منك، وإن كنت نبيا، لم يضرك. وللبخاريّ من حديث شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه قال:] إن يهودية أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، بشاة مسمومة، فأكل   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 300، كتاب الطب، باب (55) ما يذكر في سمّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (5777) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 6/ 334، كتاب الجزية والموادعة، باب (7) ، إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم؟ حديث رقم (3169) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 منها، فجيء بها، [فقيل:] ألا نقتلها؟ قال: لا، [قال:] فما زلت أعرفها في لهوات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ذكره البخاري في كتاب الهبة، في باب: قبول الهدية من المشركين [ (1) ] . ولمسلم بهذا السند: أن امرأة يهودية أتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشاة مسمومة فأكل [منها] ، فجيء بها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسألها عن ذلك فقالت: أردت لأقتلك! قال: ما كان اللَّه ليسلطك على ذاك، أو قال: عليّ، قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . وقال البخاري في آخر المغازي، في أول باب مرض النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ووفاته:   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 287، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (28) قبول الهدية من المشركين، حديث رقم (2617) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 429، كتاب السلام، باب (18) السم، حديث رقم (2190) ، «اللهوات» : جمع لهات- بفتح اللام- وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك، وقيل: اللحمات اللواتي في سقف أقضى الفم. وقوله: «ما زلت أعرفها» أي العلامة، كأنه بقي للسم علامة وأثر من سواد أو غيره. وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ما كان اللَّه ليسلطك على ذاك. أو قال: عليّ» ، فيه بيان عصمته صلّى اللَّه عليه وسلّم من الناس كلهم، كما قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وهي معجزة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، في سلامته من السم المهلك لغيره، وفي إعلام اللَّه تعالى له بأنها مسمومة، وكلام عضو منها له، فقد جاء في غير مسلم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن الذراع تخبرني أنها مسمومة، وهي المرأة اليهودية الفاعلة للسم اسمها زينب بنت الحارث، أخت مرحب اليهودي، وهي امرأة سلام بن مشكم. وقصة الشاة المسمومة رواها كل من: ابن سعد في (الطبقات) : 2/ 200- 203، ذكر ما سمّ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. والحافظ البيهقي في (دلائل النبوة) : 7/ 172، باب ما جاء في إشارته إلى عائشة رضى اللَّه عنها في ابتداء مرضه بما يشبه النعي، ثم إخباره إياها بحضور أجله وما في حديثها من أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم توفى شهيدا. وأبو داود في (السنن) : 4/ 647، كتاب الديات، باب (6) فيمن سقى رجلا سما أو أطعمه فمات، أيقاد منه؟ حديث رقم (4508) ، (4509) ، (4510) ، (4511) ، (4512) ، (4513) ، (4514) ، من طرق مختلفة، وبسياقات مختلفة، بعضها مختصرا وبعضها مطولا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 وقال يونس عن الزهرىّ: قال عروة: قالت عائشة [رضى اللَّه عنها] : كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول في مرضه الّذي مات فيه: يا عائشة! ما [أزال] أجد ألم الطعام الّذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهرى من ذلك السم [ (1) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 165، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ووفاته، حديث رقم (4428) . قوله: «ما أزال أجد ألم الطعام» أي أحسّ الألم في جوفي بسبب الطعام. وقال الداوديّ: المراد أنه نقص من لذة ذوقه. وقوله: «أوان» بالفتح على الظرفية. قال أهل اللغة: الأبهر عرق مستبطن متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، وقال الخطّابى: يقال إن القلب متصل به (فتح الباري) . قال القاضي عياض: واختلف [أهل] الآثار والعلماء: هل قتلها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أم لا؟ فوقع في صحيح مسلم أنهم «قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا» ومثله عن أبى هريرة، وجابر، وعن جابر من رواية أبى سلمة أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتلها، وفي رواية ابن عباس أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور، وكان أكل منها فمات بها فقتلوها، وقال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتلها. قال القاضي: ووجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل، أنه لم يقتلها أولا حين أطلع على اسمها، وقيل له: فقال: لا. فلما مات بشر بن البراء من ذلك [السم] سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصا، فيصحّ قوله: لم يقتلها أي في الحال، ويصحّ قولهم: قتلها، أي بعد ذلك، واللَّه تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي) : 14/ 429- 430. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 وأما أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم رقى فخرّج مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرنى يونس عن ابن شهاب [قال] : أخبرنى نافع بن جبير بن مطعم، عن عثمان بن أبى العاص الثقفي، أنه شكا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ضع يدك على الّذي تألم من جسدك وقل: باسم اللَّه ثلاثا، وقل سبع مرات: أعوذ باللَّه وقدرته، من شر ما أجد وأحاذر [ (1) ] . وخرّجه الترمذي من حديث مالك، عن يزيد بن [خصيفة] ، عن عمر ابن عبد اللَّه بن كعب السلمي، أن نافع بن جبير بن معطم، أخبره عن عثمان بن أبى العاص أنه قال: أتانى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبى وجع قد كاد يهلكني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: امسح بيمينك سبع مرات وقل: أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شرّ ما أجد، قال: ففعلت، فأذهب اللَّه ما كان بى، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . وخرّجه أبو داود بهذا الإسناد، أنه أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال عثمان: وبى وجع قد كان يهلكني.. الحديث [ (3) ] . وخرّجه الحاكم من حديث المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) 14/ 439- 440، كتاب السلام، باب (24) استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء، حديث رقم (67) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 355- 356، كتاب الطب، باب (29) بدون ترجمة، حديث رقم (2080) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 217- 218، كتاب الطب، باب (19) كيف الرقى؟ حديث رقم (3891) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: كان النبي [عليه السلام] إذا عاد المريض، جلس عند رأسه ثم قال سبع مرات: أسأل اللَّه العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، فإن كان في أجله تأخير عوفي من وجعه ذلك. قال: هذا حديث صحيح [ (1) ] ، وذكر له عدة طرق. وخرّجه البخاري أيضا في الأدب المفرد به مثله. ولأبى داود من حديث الليث، عن زياد بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبى الدرداء قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: من اشتكى منكم شيئا أو [اشتكاه] أخ له فليقل: ربّنا الّذي في السماء، تقدّس اسمك، أمرك في السماء والأرض، [كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض] ، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت ربّ الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك، على هذا الوجع، فيبرأ [ (2) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 461- 462، كتاب الرقى والتمائم، حديث رقم (8282) ، ولفظه: «من عاد مريضا لم يحضر أجله، فقال عنده سبع مرات: أسأل اللَّه العظيم، رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك، إلا عافاه اللَّه من ذلك المرض» قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، بعد أن اتفقا على حديث المنهال بن عمرو بإسناده، كان يعوذ الحسن والحسين. وأخرج ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1163، كتاب الطب، باب (36) ما عوّذ به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وما عوّذ به، حديث رقم (3522) ، ولفظه: «قدمت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وبى وجع كاد يبطلني، فقال لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجعل يدك اليمنى عليه وقل: بسم اللَّه، أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات» فقلت ذلك، فشفاني اللَّه. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 218، كتاب الطب، باب (19) كيف الرقى، حديث رقم (3892) ، الحوب: الإثم، ومنه قوله تعالى: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً [النساء: 3] (معالم السنن) ] . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 34- 35، حديث رقم (23437) من مسند فضالة بن عبيد الأنصاري، ولفظه، قال: «علمني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رقية أن أرقى بها من بدا لي، قال لي: قل ربنا اللَّه الّذي في السموات، تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، اللَّهمّ كما أمرك في السماء فاجعل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 وللبخاريّ ومسلم وأبى داود، من حديث سفيان، حدثني عبد ربه بن سعيد بن عمرة، عن عائشة رضى اللَّه عنها [قالت] إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقول للمريض: بسم اللَّه تربة أرضنا، وريقه بعضنا، يشفى سقيمنا. اللفظ للبخاريّ وفي لفظ له: قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول في الرقية: تربة أرضنا، وريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا. ذكرهما في باب: رقية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . ولفظ مسلم: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كان به قرحة أو جرح، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بإصبعه هكذا، ووضع سفيان سبّابته بالأرض ثم رفعها، بسم اللَّه تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى به سقيمنا، بإذن ربنا [ (2) ] . وفي لفظ: ليشفى [ (3) ] . ولفظ أبى داود: قالت كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول للإنسان إذا اشتكى: يقول بريقه، ثم قال: به في التراب تربة أرضنا، بريقة بعضنا، ليشفى سقيمنا، بإذن ربنا [ (4) ] .   [ () ] رحمتك علينا في الأرض، اللَّهمّ رب الطيبين اغفر لنا حوبنا وذنوبنا وخطايانا، ونزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك على ما بفلان من شكوى، فيبرأ، قال: وقل ذلك ثلاثا ثم تعوذ بالمعوذتين ثلاث مرات» . [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 253، كتاب الطب، باب (38) رقية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (5745) ، (5746) . [ (2) ] ، (3) (مسلم بشرح النووي) : 14/ 434، كتاب السلام، باب (21) ، استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة، حديث رقم (54) . [ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 219- 220، كتاب الطب، باب (كيف الرقى) ، حديث رقم (3895) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1163، كتاب الطب، باب (36) ما عوذ به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وما عوذ به، حديث رقم (3521) ، ولفظه: عن عائشة رضى اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مما يقول للمريض ببزاقه إصبعه: «بسم اللَّه، تربة أرضنا، بريقه بعضنا، ليشفى سقيمنا بإذن ربنا» . أي كان يأخذ من ريقه على إصبعه شيئا ثم يضعها على التراب فيعلق به منه شيء، فيمسح بها على الموضع الجريح، «تربة أرضنا» أي هذه تربة أرضنا «بريقة بعضنا» يدل على أنه كان يتفل عند الرقية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 وللبخاريّ من حديث سفيان، حدثني سليمان، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يعوّذ بعض أهله، يمسح بيده ويقول: اللَّهمّ ربّ الناس، اذهب الباس، واشفه أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما. ذكره في باب رقية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وخرّجه الإمام أحمد بهذا السند، ولفظه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يعود بعض أهله، يمسحه بيمينه فيقول: أذهب الباس ربّ الناس، واشف إنك أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما. وخرّجه مسلم عن الأعمش، عن أبى الضحى، عن مسروق، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا اشتكى [منا] [ (2) ] إنسان مسحه بيمينه، ثم قال: أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما، فلما مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وثقل] [ (3) ] أخذت بيده لأصنع به نحو ما كان يصنع، فانتزع يده من يدي، ثم قال: اللَّهمّ اغفر لي، واجعلني مع الرفيق [الأعلى] ، [قالت:] فذهبت   [ () ] قال النووي: معنى الحديث أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة، ثم وضعها على التراب، فعلق به شيء منه، ثم يمسح الموضع العليل أو الجرح، قائلا الكلام المذكور في حالة المسح. «ليشفى» على بناء المفعول.. متعلق بمحذوف أي قلنا هذا القول، أو صنعنا هذا الصنيع، ليشفى سقيمنا. «بإذن ربنا» متعلق بقوله: «ليشفى» . [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 253، كتاب الطب، باب (38) رقية النبي، حديث رقم (5743) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1163، كتاب الطب، باب (36) ما عوّذ به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وما عوّذ به، حديث رقم (3520) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 68- 69، حديث رقم (23662) ، من حديث السيدة عائشة رضى اللَّه عنها، ثم قالت: «فلما ثقل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مرضه الّذي مات فيه، أخذت بيده فجعلت أمسحه بها وأقولها، قالت: فنزع يده منى ثم قال: رب اغفر لي وألحقنى بالرفيق الأعلى- قال أبو معاوية- قالت: فكان هذا آخر ما سمعت من كلامه- قال ابن جعفر- إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا عاد مريضا مسحه بيده وقال: اذهب البأس رب الناس» . [ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 انظر، فإذا هو قد قضى، صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] وللبخاريّ ومسلم من حديث النضر، عن هشام بن عروة [قال:] أخبرنى أبى عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يرقى يقول: امسح الباس ربّ الناس، بيدك الشفاء، لا كاشف له إلا أنت [ (2) ] . وخرّجه الإمام أحمد من حديث يحى، عن هشام قال: حدثني أبى عن عائشة، رضى اللَّه عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يرقى: امسح الباس رب الناس، بيدك الشفاء، لا يكشف الكرب إلا أنت [ (3) ] . ولمسلم من حديث عباد بن عباد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مرض أحد من أهله، نفث عليه بالمعوذات، فلما مرض مرضه الّذي مات فيه، جعلت أنفث عليه، وأمسحه بيد نفسه، لأنها كانت أعظم بركة من يدي [ (4) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 430، كتاب السلام، باب (19) استحباب رقية المريض، حديث رقم (46) . [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 253، كتاب الطب، باب (38) رقية النبي، حديث رقم (5744) ، (مسلم بشرح النووي) : 14/ 432، كتاب السلام، باب (19) استحباب رقية المريض، حديث رقم (49) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 76، حديث رقم (23714) من حديث السيدة عائشة رضى اللَّه عنها. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 432، كتاب السلام، باب (20) رقية المريض بالمعوذات والنفث، حديث رقم (50) . قوله: «نفث عليه بالمعوذات» هي بكسر الواو، والنفث: نفخ لطيف بلا ريق، فيه استحباب النفث في الرقية، وقد أجمعوا على جوازه، واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. قال القاضي عياض: وأنكر جماعة النفث والتفل في الرقى، وأجازوا فيها النفخ بلا ريق، وهذا المذهب والفرق إنما يجيء على قول ضعيف، قيل: إن النفث معه ريق، قال: وقد اختلف العلماء في النفث والتفل، فقيل: هما بمعنى، ولا يكونان إلا بريق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 وخرّجه البخاري وأبو داود، من حديث مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات، وينفث، فلما اشتد وجعه، كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها. ذكره البخاري في كتاب فضائل القرآن [ (1) ] ، وذكره في آخر كتاب المغازي من حديث يونس، عن ابن شهاب [ (2) ] . وفي كتاب الطب بهذا السند، ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو اللَّه أحد وبالمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه، وما بلغت يداه من جسده، قالت عائشة رضى اللَّه عنها: فلما اشتكى كان   [ () ] قال أبو عبيد: يشترط في التفل ريق يسير، ولا يكون في النفث، وقيل: عكسه. وسئلت عائشة عن نفث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الرقية فقالت: كما ينفث آكل الزبيب لا ريق معه. قال: ولا اعتبار بما يخرج عليه من بلة، ولا يقصد ذلك، وقد جاء في حديث الّذي رقى بفاتحة الكتاب فجعل يجمع بزاقه ويتفل. قال القاضي: وفائدة التفل التبرك بتلك الرطوبة والهواء والنفس المباشرة للرقية والذكر الحسن، لكن قال: كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر والأسماء الحسنى، وكان مالك ينفث إذا رقى نفسه، وكان يكره الرقية بالحديدة: والملح، والّذي يعقد، والّذي يكتب خاتم سليمان، والعقد عنده أشد كراهة، لما فيه من مشابهة السحر. وفي هذا الحديث: استحباب الرقية بالقرآن، والأذكار، وإنما رقى بالمعوذات لأنهن جامعات للاستعاذة من كل المكروهات جملة وتفصيلا، ففيها الاستفادة من شر ما خلق، فيدخل فيه كل شيء، ومن شر النفاثات في العقد، ومن السواحر، ومن شر الحاسدين، ومن شر الوسواس الخناس، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 14/ 431- 433. [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 76، كتاب فضائل القرآن، باب (14) فضل المعوذات، حديث رقم (5016) . وأخرج من حديث ابن شهاب، عن عروة، عائشة رضى اللَّه عنها، حديث رقم (5017) ولفظه: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات» . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 166، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ووفاته، حديث رقم (4439) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 يأمرني أن أفعل ذلك به [ (1) ] . وذكره في باب المرأة ترقى الرّجل، من حديث معمر عن الزهري. ولفظه: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ينفث على نفسه في مرضه الّذي قبض فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنا أنفث عليه بهن، فأمسح بيده لبركتها [ (2) ] . وذكره في باب: الرقى بالقرآن، عن معمر نحوه [ (3) ] . وخرّج الحاكم، من حديث سفيان، عن عاصم، عن زياد بن ثويب، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعودني فقال: ألا أرقيك برقية رقاني بها جبريل؟ فقلت: بلى، بأبي وأمى، قال: بسم اللَّه أرقيك، واللَّه يشفيك، من كل داء فيك، من شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد، فرقى بها ثلاث مرات [ (4) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 257، كتاب الطب، باب (39) النفث في الرقية، حديث رقم (5748) ، قال يونس: كنت أرى ابن شهاب يصنع ذلك إذا أتى فراشه. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5751) ، وفي آخره: فسألت ابن شهاب: كيف كان ينفث؟ قال: ينفث على يديه، ثم يمسح بهما وجهه. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5743) . وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 224، كتاب الطب، باب (19) كيف الرقى، حديث رقم (3902) . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1166، كتاب الطب، باب (38) النفث في الرقية، حديث رقم (3529) . قال في (النهاية) : النفث بالفم، وهو شبيه النفخ، وهو أقل من التفل، لأن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق. [ (4) ] (المستدرك) : 3/ 590، كتاب التفسير، تفسير سورة الفلق، حديث رقم (3990) ، وسكت عنه الذهبي في (التلخيص) ، وعزاه السيوطي في (الجامع الصغير) لابن ماجة، والحاكم عن أبى هريرة وصححه، ولم يعلق عليه المناوى. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 3564، قال في (الزوائد) : في إسناده عاصم بن عبيد- الجزء: 8 ¦ الصفحة: 54   [ () ] اللَّه بن عاصم بن عمر العمرى، وهو ضعيف. قال العلامة ابن القيم: وفي تأثير الرقى بالفاتحة وغيرها في علاج ذوات السموم سرّ بديع، فإن ذوات أثّرت بكيفيات نفوسها الخبيثة ... وسلاحها حماتها اللتي تلدغ بها، وهي لا تلدغ حتى تغضب، فإذا غضبت، ثار فيها السم، فتقذفه بآلتها، وقد جعل اللَّه سبحانه لكل داء دواء، ولكل شيء ضدا، ونفس الراقي تفعل في نفس المرقى، فيقع في نفسيهما فعل وانفعال، كما يقع بين الداء والدواء، فتقوى نفس الراقي وقوته بالرقية على ذلك الداء، فيدفعه بإذن اللَّه. ومدار تأثير الأدوية والأدواء على الفعل والانفعال، وهو كما يقع بين الداء والدواء الطبيعيين، يقع بين الداء والدواء الروحانيين، والروحانيّ، والطبيعي، وفي النفث والتفل استعانة بتلك الرطوبة والهواء، والنفس المباشر للرقية، والذكر والدعاء، فإن الرقية تخرج من قلب الراقي وفمه، فإذا صاحبها شيء من أجزاء باطنه من الريق، والهواء والنفس، كانت أتم تأثيرا وأقوى فعلا ونفوذا، ويحصل بالازدواج بينهما كيفية مؤثرة، شبيهة بالكيفية الحادثة عند تركيب الأدوية. وبالجملة: فنفس الراقي تقابل تلك النفوس الخبيثة، وتزيد بكيفية نفسه وتستعين بالرقية وبالنفث على إزالة ذلك الأثر، وكلما كانت كيفية نفس الراقي أقوى، كانت الرقية أتمّ، واستعانته بنفثه كاستعانة تلك النفوس الرديئة بلسعها. وفي النفث سر آخر، فإنه مما تستعين به الأرواح الطيبة والخبيثة، ولهذا يفعله السحرة كما يفعله أهل الإيمان، قال تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ، وذلك لأن النفس تتكيف بكيفية الغضب والمحاربة، وترسل أنفاسها سهاما لها، وتمدها بالنفث والتفل الّذي معه شيء من الريق، مصاحب لكيفية مؤثرة. والسواحر تستعين بالنفث استعانة بينة، وإن لم تتصل بجسم المسحور، بل تنفث على العقدة وتعقدها، وتتكلم بالسحر، فيعمل ذلك في المسحور بتوسط الأرواح السفلية الخبيثة، فتقابلها الروح الزكية الطيبة، بكيفية الدفع والتكلم بالرقية، وتستعين بالنفث، فأيهما قوى كان الحكم له، ومقابلة الأرواح بعضها لبعض، ومحاربتها وآلتها من جنس مقابلة الأجسام، ومحاربتها وآلتها سواء، بل الأصل في المحاربة، والتقابل للأرواح والأجسام آلتها وجندها. ولكن من غلب عليه الحسّ لا يشعر بتأثيرات الأرواح وأفعالها وانفعالاتها لاستيلاء سلطان الحسّ عليه، وبعده عن عالم الأرواح، وأحكامها، وأفعالها. والمقصود: أن الروح إذا كانت قوية وتكيفت بمعاني الفاتحة واستعانت بالنفث والتفل، قابلت ذلك الأثر الّذي حصل من النفوس الخبيثة، فأزالته، واللَّه تعالى أعلم. (زاد المعاد) : 4/ 178- 180. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 وأما أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم احتجم فخرّج البخاري [ (1) ] ، ومسلم [ (2) ] ، وأبو داود [ (3) ] ، من حديث سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، وعطاء، عن ابن عباس رضى اللَّه [تعالى عنهما] ، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم احتجم وهو محرم. ذكره البخاري في الحج والطب ومسلم في الحج. وللبخاريّ [ (4) ] وأبى داود [ (5) ] ، من حديث أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: احتجم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو صائم. وفي لفظ للبخاريّ، أن النبي   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 185، كتاب الطب، باب (12) الحجم في السفر والإحرام، قاله ابن بحينة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (5695) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 8/ 373، كتاب الحج، باب (11) جواز الحجامة للمحرم، حديث رقم (87) ، وحديث رقم (88) ولفظه: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم احتجم بطريق وهو محرم وسط رأسه» . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 2/ 418، كتاب المناسك، باب (36) المحرم يحتجم، حديث رقم (1835) . لا تكره الحجامة للمحرم إلا من أجل قطع الشعر، فإن احتجم في موضع لا شعر عليه فلا بأس به، وإن قطع شعرا افتدى. وممن رخص في الحجامة للمحرم سفيان الثوري، وأصحاب الرأى، وهو قول الشافعيّ وأحمد، وإسحاق، وقال مالك: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة لا بد منها، وكان الحسن يرى في الحجامة دما يريقه (معالم السنن) . وأخرجه البخاري في كتاب جزاء الصيد، باب (11) الحجامة للمحرم، حديث رقم (1835) . [ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 184، كتاب الطب، باب (11) أي ساعة يحتجم، حديث رقم (5694) . [ (5) ] (سنن أبى داود) : 2/ 773، كتاب الصوم، باب (29) الرخصة في الحجامة للصائم، حديث رقم (2372) ، قال أبو داود: رواه وهيب بن خالد، عن أيوب بإسناده مثله، وجعفر بن ربيعة، وهشام ابن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 56 صلّى اللَّه عليه وسلّم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم. ومثله للنسائى [ (1) ] . وفي لفظ البخاري: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم احتجم وهو محرم في رأسه، من شقيقة كانت به. ذكره في الحجامة من الشقيقة والصداع. وله من حديث سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: الشفاء في ثلاثة: شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنا أنهى أمتى عن الكي. ذكره في كتاب الطب، في باب: الشفاء في ثلاث [ (2) ] . وذكره في باب: الحجامة من الشقيقة، من   [ (1) ] (سنن النسائي) : 5/ 212، كتاب المناسك، باب (92) الحجامة للمحرم، حديث رقم (2845) ، (2846) ، (2847) من طرق. [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 189، كتاب الطب، باب (15) الحجامة من الشقيقة والصداع، حديث رقم (5701) . قوله: «باب الحجامة من الشقيقة والصداع» أي بسببهما، والشقيقة- بشين معجمة وقافين- وزن عظيمة: وجع يأخذ في أحد جانبي الرأس أو في مقدمه، وذكر أهل الطب أنه من الأمراض المزمنة، وسببه أبخرة مرتفعة، أو أخلاط حارة، أو باردة، ترتفع إلى الدماغ، فإن لم تجد منفذا لها أحدثت الصداع، فإن مال إلى أحد شقي الرأس أحدث الشقيقة، وإن ملك قمة الرأس أحدث داء البيضة. وذكر الصداع بعده من ذكر العام بعد الخاص. وأسباب الصداع كثيرة جدا: منها ما تقدم، ومنها ما يكون عن ورم في المعدة أو في عروقها، أو ريح غليظة فيها أو لامتلائها، ومنها ما يكون من الحركة العنيفة كالجماع والقيء، والاستفراغ، أو السهر، أو كثرة الكلام. ومنها ما يحدث عن الأعراض النفسانية كالهم والغم والحزن والجوع والحمى، ومنها ما يحدث عن حادث في الرأس كضربة تصيبه، أو ورم في صفاق الدماغ، أو حمل شيء ثقيل يضغط الرأس، أو تسخينه بلبس شيء خارج عن الاعتدال، أو تبريده بملاقاة الهواء أو الماء في البرد. وأما الشقيقة بخصوصها فهي شرايين الرأس وحدها، وتختص بالموضع الأضعف من الرأس، وعلاجها بشد العصابة. وقد أخرج الإمام أحمد من حديث بريدة «أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ربما أخذته الشقيقة، فيمكث اليوم واليومين لا يخرج» وفي الوفاة النبويّة حديث ابن عباس «خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد عصب رأسه» (فتح الباري) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 حديث عاصم بن عمر، عن جابر بنحوه [ (1) ] . وخرّجه مسلم [ (2) ] وفيه قصة [ (3) ] . وللنسائى من حديث المعتمر، عن حميد عن أنس، رضى اللَّه عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري. وفي لفظ: خير ما تداويتم به. وله من حديث معمر عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وثء كان به [ (4) ] . وللترمذي من حديث همّام [ (5) ] وجرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحتجم في الأخدعين   [ () ] (فتح الباري) : 10/ 168، كتاب الطب، باب (3) الشفاء في ثلاث، حديث رقم (568) ، حديث رقم (5681) ، كلاهما من حديث سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما باختلاف يسير في اللفظ. [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 189، كتاب الطب، باب (15) الحجامة من الشقيقة والصداع، حديث رقم (5702) ، وفيه: «وما أحب أن أكتوى» . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 442، كتاب السلام، باب (26) لكل داء دواء، واستحباب التداوي، حديث رقم (71) . [ (3) ] وهي: عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: جاءنا جابر بن عبد اللَّه في أهلنا، ورجل يشتكي خراجا به أو جراحا، فقال ما تشتكي؟ قال خراج بى قد شق عليّ، فقال: يا غلام، ائتني بحجام، فقال له: ما تصنع بالحجام يا أبا عبد اللَّه، قال: أريد أن أعلق فيه محجما. قال: واللَّه إن الذباب ليصيبني أو يصيبني الثوب فيؤذينى ويشقّ عليّ، فلما رأى تبرمه من ذلك قال: إني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن كان شيء من أدويتكم ... فذكر الحديث. [ (4) ] (سنن النسائي) : 5/ 213، كتاب المناسك، باب (93) حجامة المحرم من علة تكون به، حديث رقم (2848) ، باب (94) حجامة المحرم على ظهر القدم، حديث رقم (2849) . «الوثء» بفتح الواو وسكون المثلثة هو وهن في الرجل دون الخلع والكسر، يقال: وثئت رجله فهي موثوءة، ووثأتها أنا، وقد تترك الهمزة (شرح السيوطي على سنن النسائي) . [ (5) ] في (الأصلين) : «هشام» وصوبناه من (سنن الترمذي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 والكاهل [ (1) ] . وخرّجه [ابن] [ (2) ] أيمن وقال: أخبرنا أحمد بن زهير، سئل يحى عن هذا الحديث فقال: ليس بشيء. ولأبى داود من حديث حماد، عن محمد بن عمرو، وعن أبى سلمة، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن كان في شيء مما تداويتم به خير فالحجامة [ (3) ] . وخرّجه ابن أيمن وقال: إن كان في شيء مما تداوون. ولأبى داود من حديث سعيد بن عبد الرحمن الجمحيّ، عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من احتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، كان شفاء من كل داء [ (4) ] . ومن حديث أبى بكرة، بكار بن عبد العزيز قال: أخبرتنى عمتي كبشة بنت أبى [بكرة] ، أن أباها كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويزعم عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يوم الثلاثاء يوم الدم، وفيه ساعة لا يرقأ [ (5) ] . [سهل وأمه مجهولان وأبو بكرة بن عبد العزيز ضعيف. وعمته كبشة مجهولة [ (6) ]] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 341- 342، كتاب الطب، باب (21) ما جاء في الحجامة، حديث رقم (2051) ، وقال في آخره: وكان يحتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين. قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن عباس ومعقل بن يسار، وهذا حديث حسن غريب. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 194، كتاب الطب، باب (3) في الحجامة، حديث رقم (3857) . [ (4) ] (المرجع السابق) : باب (5) متى يستحب الحجامة، حديث رقم (3861) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 453، حديث رقم (8254) . [ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3862) . [ (6) ] ما بين الحاصرتين من تعليق المقريزي رحمه اللَّه. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1152، كتاب الطب، باب (21) موضع الحجامة، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 وخرّج الحاكم من حديث عبد الرحمن بن أبى الموالي، [قال:] حدثني أيوب بن الحسن بن على بن أبى رافع، عن جدته سلمى، قالت: ما سمعت أحدا يشكو إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعا في رأسه، إلا قال: احتجم، ولا وجعا في رجليه إلا قال: اخضبهما [بالحناء] [ (1) ] قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (2) ] . وقد احتج البخاري بعبد الرحمن بن أبى الموالي. وخرّج الحاكم من حديث أبى موسى عيسى بن عبد اللَّه الخياط، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه قال:] إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: المحجمة التي في وسط الرأس من الجنون، والجذام، والنعاس، والأضراس، وكان يسميها: منقذة [ (3) ] . قال: هذا حديث صحيح الإسناد. ومن حديث زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى، حدثنا غزال بن محمد، عن محمد بن جحادة، عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] قال: [قال] نافع: قال لي ابن عمر: ابغني حجّاما لا يكون غلاما صغيرا، ولا شيخا كبيرا، فإن الدم قد تبيّغ بى، وإني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: الحجامة تزيد في العقل، وتزيد في الحفظ، فعلى اسم اللَّه احتجموا يوم [الاثنين] والثلاثاء، وما نزل جذام ولا برص إلا في ليلة   [ () ] حديث رقم (3482) ، عن الأصبغ بن نباته، قال في الزوائد: في إسناده أصبغ بن نباته الحنظليّ، وهو ضعيف. والأخدعان: عرقان في صفحتي العنق، والكاهل: ما بين كتفي العنق، وقيل: هو الكتد. [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 451- 452، كتاب الطب، حديث رقم (8246) . [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 234، كتاب الطب، حديث رقم (7478) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : عيسى في الضعفاء لابن حبان وابن عدي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 الأربعاء [ (1) ] . قال الحاكم: رواة هذا الحديث كلهم ثقات، إلا غزال بن محمد، فإنه مجهول، لا أعرفه بعدالة ولا جرح، وقد صح الحديث عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] من قوله: من غير مسند ولا متصل [ (2) ] . [فذكره عن ابن عمر ثم قال: وقد أسند هذا الحديث عطّاف بن خالد المخزومي عن نافع] [ (3) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 234، كتاب الطب، حديث رقم (7479) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : غزال بن محمد مجهول. [ (2) ] (المرجع السابق) : تعليقا على الحديث رقم (7479) . [ (3) ] ما بين الحاصرتين تعليق على الحديث رقم (7480) ، من (المرجع السابق) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 وأما الكيّ والسّعوط فخرج مسلم من حديث الأعمش عن أبى سفيان، عن جابر قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبيّ بن كعب [رضى اللَّه عنه] ظبيا، فقطع منه عرقا [ثم كواه عليه] [ (1) ] . [وخرجه أبو داود بهذا الإسناد إلى قوله:] فقطع منه عرقا ولم يذكر الكيّ [ (2) ] . وفي لفظ مسلم، من حديث شعبة قال: سمعت سليمان قال: سمعت أبا سفيان قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنهما] قال: رمى أبى يوم الأحزاب على أكحله، قال: فكواه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . ومن حديث أبى خيثمة، عن أبى الزبير، عن جابر [رضى اللَّه عنه] قال: رمى سعد بن معاذ في أكحله، [قال:] فحسمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده بمشقص، ثم ورمت، فحسمه الثانية [ (4) ] . وخرّجه ابن أيمن ولفظه: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كوى سعد بن معاذ مرتين [ (5) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 443، كتاب السلام، باب (26) لكل داء دواء، واستحباب التداوي، حديث رقم (73) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 197، كتاب الطب، باب (6) في قطع العرق وموضع الحجم، حديث رقم (3864) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 444، كتاب السلام، باب (26) لكل داء، واستحباب التداوي، حديث رقم (74) . [ (4) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (75) . [ (5) ] أخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1156، كتاب الطب، باب (24) من اكتوى، حديث رقم (3494) ، ولفظه: «إن رسول اللَّه كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 62 وقد وردت أحاديث في النهى عن [الكي] [ (1) ] .   [ (1) ] منها ما أخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 197- 200، كتاب الطب، باب (7) في الكيّ، حديث رقم (3865) ، عن عمران بن حصين قال: «نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الكي، فاكتوينا، فما أفلحن وما أنجحن» ، قال أبو داود: وكان يسمع تسليم الملائكة، فلما اكتوى انقطع عنه، فلما ترك رجع إليه. وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 341، كتاب الطب، باب (10) ما جاء في كراهية التداوي بالكي، حديث رقم (2049) ، وفيه: «فابتلينا فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ثم قال: حدثنا عبد القدوس بن محمد، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين قال: نهينا عن الكي. قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود، وعقبة بن عامر، وابن عباس، وهذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1154- 1155، كتاب الطب، باب (23) الكي، حديث رقم (3489) ، «من اكتوى أو استرقى فقد بريء من التوكل» ، يريد أن كمال التوكل يقتضي ترك الأدوية، ومن أتى بها فقد بريء من تلك المرتبة العظيمة من التوكل. وحديث رقم (3490) ، وهو حديث عمران بن الحصين المذكور في الباب. وحديث رقم (3491) من حديث ابن عباس، وقال في آخره: «وأنهى أمتى عن الكي» . قال الشيخ: إنما كوى صلّى اللَّه عليه وسلّم سعدا ليرقأ عن جرحه الدم، وخاف عليه أن ينزف فيهلك، والكي مستعمل في هذا الباب، وهو من العلاج الّذي تعرفه الخاصة وأكثر العامة، والعرب تستعمل الكي كثيرا فيما يعرض لها من الأدواء، وتقول في أمثالها: «آخر الدواء الكي» . وأما حديث عمران بن حصين في النهى عن الكي، فقد يحتمل وجوها، أحدها: أن يكون من أجل أنهم كانوا يعظمون أمره ويقولون: «آخر الدواء الكيّ» ، ويرون أنه يحسم الداء ويبرئة، وإذا لم يفعل ذلك عطب صاحبه وهلك، فنهاهم عن ذلك إذا كان على ذلك الوجه. وأباح لهم استعماله على معنى التوكل على اللَّه سبحانه، وطلب الشفاء، والترجي للبرء بما يحدث اللَّه عزّ وجلّ من صنعه فيه، ويجلبه من الشفاء على أثره، فيكون الكي والدواء سببا لا علة. وهذا أمر قد تكثر في شكوك الناس، وتخطىء فيه ظنونهم وأوهامهم، فما أكثر ما تسمعهم يقولون: لو أقام فلان بأرضه وبلده لم يهلك، ولو شرب الدواء لم يسقم، ونحو ذلك من تجريد إضافة الأمور إلى الأسباب، وتعليق الحوادث بها، دون تسليط القضاء عليها، وتغليب المقادير فيها، فتكون الأسباب أمارات لتلك الكوائن، لا موجبات لها، وقد بين اللَّه جل جلاله ذلك في كتابه حيث قال: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 [وقال ابن سعد: أخبرنا هاشم بن القاسم، حدثنا إسرائيل عن جابر، عن أبى جعفر قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يستعط بالسمسم، ويغسل رأسه بالسدر] [ (1) ] . وأمّا الحنّاء فخرّج الإمام أحمد من حديث قائد مولى عبد اللَّه بن على، عن أبى رافع، عن جدته سلمى [رضى اللَّه عنها] قالت: كنت أخدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما كانت تصيبه قرحة ولا نكتة، إلا أمرنى بأن أضع عليها الحناء. وتقدم في الحجامة طرف من ذلك [ (2) ] . وأمّا السّفرجل فخرج البيهقي من طريق عبد الرحمن بن حماد بن عمران بن موسى [بن طلحة، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد اللَّه] قال: دخلت على رسول اللَّه   [ () ] أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: 78] ، وقوله تعالى حكاية عن الكفار: وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ [آل عمران: 156] . وفيه وجه آخر وهو: أن يكون معنى نهى عمران بن حصين خاصة، عن الكي في علة بعينها، لعلمه أنه لا ينجع، ألا تراه يقول: «فما أفلحنا ولا أنجحنا» ، وقد كان به الناصور، فلعله إنما نهاه عن استعمال الكي في موضعه من البدن. والعلاج: إذا كان فيه الخطر العظيم كان محظورا، والكي في بعض الأعضاء يعظم خطره، وليس كذلك في بعض الأعضاء، فيشبه أن يكون النهى منصرفا إلى النوع المخوف منه. واللَّه تعالى أعلم (معالم السنن) مختصرا. [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 448. والسعوط: ما يجعل في الأنف مما يتداوى به، وقد سبق شرحه وتخريج أحاديثه في بابه. [ (2) ] سبق تعريف الحناء والكلام عنها في الحجامة، وذكرنا ما قاله ابن القيم في (زاد المعاد) : 4/ 89- 90، عن فوائدها ومنافعها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 64 صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي يده سفرجلة، فألقاها إليّ وقال: دونكها أبا محمد، فإنّها تجمّ الفؤاد [ (1) ] . وخرّجه الحاكم من حديث عبد الرحمن بن حماد بن مثله أو قريبا منه [وقال: هذا حديث صحيحة الإسناد] [ (2) ] .   [ (1) ] وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1118، كتاب الأطعمة، باب (61) أكل الثمار، حديث رقم (3369) ، ورواته قبل طلحة: نقيب بن حاجب، وأبو سعيد، وعبد الملك الزبيري، ثلاثتهم مجاهيل. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 456، كتاب الطب، حديث رقم (8265) ، وما بين الحاصرتين ليست في (المستدرك) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) ، وفي سنده عبد الرحمن بن حماد بن عمران بن موسى بن طلحة، قال أبو حاتم، منكر الحديث، وقال ابن حبان وغيره: لا يحتج به. ورواه النسائي من طريق آخر، وقال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في جماعة من أصحابه، وبيده سفرجلة يقلبها، فلما جلست إليه، دحا بها إليّ ثم قال: «دونكها أبا ذرّ، فإنّها تشد القلب، وتطيب النفس، وتذهب بطحاء الصدر» وهو ضعيف أيضا. قال العلامة ابن القيم: وقد روى في السفرجل أحاديث أخر، هذا أمثلها ولا تصح. والسفرجل: بارد يابس، ويختلف في ذلك باختلاف طعمه، وكله بارد قابض، جيد للمعدة، والحلو منه أقل برودة ويبسا، وأميل إلى الاعتدال، والحامض أشدّ قبضا ويبسا وبرودة، وكله يسكن العطش والقيء، ويدرّ البول، ويعقب الطبع، وينفع من قرحة الأمعاء، ونفث الدم، والهيضة، وينفع من الغيثان، ويمنع من تصاعد الأبخرة إذا استعمل بعد الطعام، وحراقة أغصانه وورقه المغسول كالتوتياء في فعلها. وهو قبل الطعام يقبض، وبعده يلين الطبع، ويسرع بانحدار الثفل، والإكثار منه مضر بالعصب، مولد للقولنج، ويطفئ المرة الصفراء المتولدة في المعدة. وإن شوى كان أقل لخشونته، وأخف، وإذا قوّر وسطه، ونزع حبه، وجعل فيه العسل، طيّن جرمه بالعجين وأودع الرماد الحار، نفع نفعا حسنا. وأجود ما أكل مشويا أو مطبوخا بالعسل، وحبّه ينفع من خشونة الحلق، وقصبة الرئة، وكثير من الأمراض، ودهنه يمنع العرق، ويقوى المعدة، والمربى منه يقوى المعدة والكبد، ويشد القلب، ويطيب النفس. ومعنى تجم الفؤاد: تريحه، وقيل: تفتحه وتوسعه من جمام الماء، وهو اتساعه وكثرته والطخاء للقلب مثل الغيم على السماء. قال أبو عبيد: الطخاء ثقل وغشي، تقول: ما في السماء طخاء، أي: سحاب وظلمة (زاد المعاد) : 4/ 321. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 65 فصل في ذكر حركات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسكونه [يقال أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أراد الخروج من منزله أمتشط، وسوى جمّته، وأصلح شعره، وقال: إن اللَّه يحب من عبده أن يكون حسن الهيئة] [ (1) ] . وأما عمله صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيته فخرج البخاري من حديث إبراهيم عن الأسود، قال: سألت عائشة رضى اللَّه عنها: ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله تعنى خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. ذكره في   [ (1) ] روى عن عائشة رضى اللَّه عنها أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أراد أن يخرج يوما إلى الصحابة، فكان ينظر في جب الماء، ويسوى عمامته وشعره، فقالت: أو تفعل ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: «نعم إن اللَّه تعالى يحب من العبد أن يتزين لإخوانه إذا خرج إليهم» أخرجه ابن عدي في (الكامل) ، وذكره الإمام الغزالي في (الإحياء) ، مرة في الطهارة، ومرة في الرياء بالأصحاب والزائرين والمخالطين، ثم قال: نعم هذا كان من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبادة، لأنه كان مأمورا بدعوة الخلق وترغيبهم في الاتباع، واستمالة قلوبهم، ولو سقط من أعينهم لم يرغبوا في اتباعه، فكان يجب عليه أن يظهر لهم محاسن أحواله، لئلا تزدريه أعينهم، فإن أعين عوام الخلق تمتد إلى الظواهر دون السرائر، فكان ذلك قصد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولكنه لو قصد قاصد به أن يحسّن نفسه في أعينهم حذرا من ذمهم ولومهم، واسترواحا إلى توقيرهم واحترامهم، كان قد قصد أمرا مباحا، إذ للإنسان إن يحترز من ألم المذمة، ويطلب راحة الأنس بالإخوان، ومهما استقلوه واستقذروه. لم يأنس بهم. (إحياء علوم الدين) : 3/ 464- 465، وما بين الحاصرتين لم يظهر في التصوير الضوئى من النسخة (ج) ، وقد استدركناه من النسخة (خ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 كتاب الصلاة [ (1) ] ، وفي كتاب النفقات [ (2) ] ، وفي كتاب الأدب [ (3) ] ، بألفاظ متقاربة. ولعبد الرّزاق من حديث الزهري، وهشام بن عروة، عن أبيه قال: سأل رجل عائشة رضى اللَّه عنها: أكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعمل في بيته؟ قالت كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته، كما يعمل أحدكم في بيته [ (4) ] . [وأما ما يقوله إذا دخل بيته صلّى اللَّه عليه وسلّم] فخرّج الإمام أحمد من حديث مجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال:   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 207، كتاب الأذان، باب (44) من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج، حديث رقم (676) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 9/ 633، كتاب النفقات، باب (8) خدمة الرجل في أهله، حديث رقم (5363) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 10/ 565، كتاب الأدب، باب (40) كيف يكون الرجل في أهله؟ حديث رقم (6039) . قال ابن بطال: من أخلاق الأنبياء التواضع، والبعد عن التنعيم، وامتهان النفس، ليستن بهم، ولئلا يخلدوا إلى الرفاهيّة المذمومة، وقد أشير إلى ذمها بقوله تعالى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا. وأخرج ابن حبان في (الصحيح) : 12/ 448- 489، كتاب الحظر والإباحة، باب (6) التواضع والكبر والعجب، ذكر ما يستحبّ للمرء أن لا يأنف من العمل المستحقر في بيته بنفسه وإن كان عظيما في أعين البشر، عن عائشة رضى اللَّه عنها أنها سئلت: ما كان عمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيته؟ قالت ما كان إلا بشرا من البشر، كان يفلى ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه [إسناده قوى على شرط مسلم] . وأخرجه أبو نعيم في (حلية الأولياء) : 8/ 331، في ترجمة عبد اللَّه بن وهب رقم (428) . وأخرجه أبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 21 من طريق عقيل بن خالد من طريق الزهري قال: سئلت عائشة رضى اللَّه عنها: كيف كان خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيته؟ فقالت: كأحدكم، يرفع شيئا ويضعه، وكان أحب العمل إليه الخياطة. وهذا منقطع بين الزهري وعائشة. [ (4) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 12/ 490، كتاب الحظر والإباحة، باب (6) التواضع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 قلت لعائشة [رضى اللَّه عنها] : هل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول شيئا إذا دخل البيت؟ قالت: كان إذا دخل البيت تمثل: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ فمه إلا التراب، وما جعلنا المال إلا لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ويتوب اللَّه على من تاب [ (1) ] . وله من حديث شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان أول ما يبدأ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل بيته السواك، وآخره إذا خرج من بيته الركعتين قبل الفجر [ (2) ] . وأمّا ما يقوله إذا خرج من بيته [صلّى اللَّه عليه وسلّم] فخرج الترمذي من حديث سفيان، عن منصور، عن الشعبي، عن   [ () ] والكبر والعجب، ذكر خبر ثان يصرح بصحة ما ذكرناه، حديث رقم (5676) ولفظه: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين، أي شيء كان يصنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا كان عندك؟ قالت: ما يفعل أحدكم في مهنة أهله، يخصف نعله ويخيط ثوبه، ويرقع دلوه. [إسناده صحيح، وهو في (مصنف عبد الرزاق) برقم (20492) ] . وفي (الإحسان) : ذكر ما يجب على المرء من مجانبة الترفع بنفسه في بيته عن خدمته، وإن كان له من يكفيه ذلك، حديث رقم (5677) ، عن عائشة أنها سئلت: ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعمل في بيته؟ قالت: كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم. [إسناده صحيح على شرط الشيخين] . [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 82، حديث رقم (23755) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (24274) . وأخرج ابن ماجة في (السنن) 2/ 1279، كتاب الدعاء باب (19) ما يدعو به إذا دخل بيته، حديث رقم (3887) ، من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما، أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: «إذا دخل الرجل بيته، فذكر اللَّه عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإن دخل ولم يذكر اللَّه عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، فإذا لم يذكر اللَّه عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء» . «قال الشيطان» أي لأعوانه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 68 أم سلمة [رضى اللَّه عنها قالت:] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خرج من بيته قال: بسم اللَّه توكلت على اللَّه، اللَّهمّ إنا نعوذ بك من أن نزلّ، أو نضلّ، أو نظلم، أو نظلم، أو نجهل، أو يجهل علينا. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] . وخرّجه النسائي مسندا   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 456، كتاب الدعوات، باب (35) ما يقول إذا خرج من بيته، حديث رقم (3427) . وفي باب (34) ما يقول إذا خرج من بيته، حديث رقم (3426) ، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من قال- يعنى إذا خرج من بيته-: بسم اللَّه توكلت على اللَّه لا حول ولا قوة إلا باللَّه، يقال له: كفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. ولأبى داود في (السنن) : 5/ 327، كتاب الأدب، باب (211) ما يقول إذا خرج من بيته، حديث رقم (5094) . وله من حديث أنس بن مالك، قال: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم اللَّه، توكلت على اللَّه، لا حول ولا قوة إلا باللَّه، قال: يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف برجل قد هدى وكفى ووقى. حديث رقم (5095) . وعن أبى مالك الأشعري قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللَّهمّ إني أسألك خير المولج وخير المخرج، بسم ولجنا، وبسم اللَّه خرجنا، وعلى اللَّه ربنا توكلنا، ثم ليسلم على أهله. حديث رقم (5096) . ولابن ماجة في (السنن) : 2/ 1278، كتاب الدعاء، حديث رقم (3884) عن أم سلمة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خرج من منزله قال: اللَّهمّ إني أعوذ بك أضلّ أو أزلّ، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليّ. وحديث رقم (3885) ، عن أبى هريرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خرج من بيته، قال: بسم اللَّه، لا حول ولا قوة إلا باللَّه، التكلان على اللَّه، قال في (الزوائد) : في إسناده عبد اللَّه بن حسين، ضعّفه أبو زرعة، والبخاري، وابن حبّان. وحديث رقم (388) عن أبى هريرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا خرج الرجل من باب بيته أو من باب داره- كان معه ملكان موكلان به، فإذا قال: بسم اللَّه، قالا: هديت، وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه، قالا: وقيت، وإذا قال: توكلت على اللَّه، قالا كفيت. قال: فيلقاه قريناه فيقولان: ماذا تريدان من رجل قد هدى، وكفى، ووقى؟ قال في (الزوائد) : في إسناده هارون بن هارون بن عبد اللَّه، وهو ضعيف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 69 ومرسلا، وقال: اللَّهمّ إني أعوذ بك، بلفظ الإفراد في الجمع [ (1) ] ،   [ (1) ] أخرج النسائي في (السنن) : 8/ 661- 662، كتاب الاستعاذة، باب (30) الاستعاذة من الضلال، حديث رقم (5501) ، عن أم سلمة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خرج من بيته قال: بسم اللَّه، رب أعوذ بك من أن أزل أو أضل، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يجهل عليّ. وأخرج ابن أبى شيبة في (المصنف) : 6/ 26، كتاب الدعاء، باب (9) ما يدعو به الرجل إذا خرج من منزله، حديث رقم (29193) ، عن أبى سعيد قال: من قال إذا خرج إلى الصلاة: اللَّهمّ إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاى هذا، لم أخرج أشرا، ولا بطرا، ولا رياء، ولا سمعة، خرجت ابتغاء مرضاتك، واتقاء سخطك، أسألك أن تنقذنى من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أقبل اللَّه عليه بوجهه حتى ينصرف، ووكل به سبعون ألف ملك يستغفرون له. وحديث رقم (29195) . عن كعب الأحبار، قال: إذا خرج من بيته فقال: بسم اللَّه، توكلت على اللَّه، ولا قوة إلا باللَّه، بلّغت الشياطين بعضهم بعضا، قالوا: هذا عبد قد هدى وحفظ، وكفى، فلا سبيل لكم عليه، فيتصدعون عنه. وللحاكم في (المستدرك) : 1/ 700، كتاب الدعاء والتكبير في التهليل والتسبيح والذكر، حديث رقم (1907) ، عن الشعبي، عن أم سلمة رضى اللَّه عنها: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خرج من بيته قال: بسم اللَّه، ربّ أعوذ بك أن أزل، أو أضل، أو أظلم، أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليّ. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وربما يتوهم متوهم أن الشعبي لم يسمع من أم سلمة، وليس كذلك، فإنه دخل على عائشة وأم سلمة جميعا، ثم أكثر الرواية عنهما جميعا. قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. وقد دخل الشعبي على عائشة وأم سلمة رضى اللَّه عنهما. وله من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه، حديث رقم (1908) ، ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا خرج من بيته يقول: بسم اللَّه، لا حول ولا قوة إلا باللَّه، التكلان على اللَّه. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الحافظ الذهبي في (التخليص) : على شرط مسلم. لكنه فيه عبد اللَّه بن حسين، وهو ضعيف. وفي (الإحسان) : 3/ 104، كتاب الرقائق، باب (8) الأذكار، ذكر الشيء الّذي يهدى القائل به ويكفى ويوقى إذا قاله عند الخروج من منزله، حديث رقم (882) عن إسحاق بن عبد اللَّه بن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 وخرجه ابن أيمن.   [ () ] أبى طلحة عن أنس بن مالك، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا خرج من بيته فقال: بسم اللَّه، توكلت على اللَّه، لا حول ولا قوة إلا باللَّه، فيقال له: حسبك، قد كفيت، وهديت، ووقيت، فيلقى الشيطان شيطانا آخر فيقول له: كيف لك برجل قد كفى وهدى ووقى» . [رجاله ثقات، إلا أن ابن جريج مدلس، وقد عنعن عند الجميع] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 71 وأمّا مشيه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلمسلم من حديث حسان، [قال:] حدثنا حماد، حدثنا ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفّأ، وما مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كفّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا شممت مسكة، ولا عنبرة، أطيب من رائحة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . ولأبى داود من حديث وهب بن بقية، قال: أخبرنا خالد، عن حميد، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مشى كأنه يتوكأ [ (2) ] . وللترمذي من حديث عن عبد الوهاب الثقفي، عن حميد، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، حسن الجسم، أسمر اللون وكان شعره ليس بجعد ولا سبط، كأنه إذا مشى [يتكفّأ] [ (3) ] قال أبو عيسى: هذا حديث حسن   [ (1) ] سبق تخريجه وشرحه. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 5/ 186- 187، كتاب الأدب، باب (35) في هدى الرّجل، حديث رقم (4863) ، وحديث رقم (4864) عن أبى الطفيل عامر بن واثلة رضى اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلت: كيف رأيته؟ قال: كان أبيض مليحا، إذا مشى كأنما يهوى في صبوب. قال الشيخ: «الصّبوب» إذا فتحت الصاد: كان اسما لما يصب على الإنسان من ماء ونحوه، ومما جاء على وزنه: الطّهور والغسول والفطور لما يفطر به. ومن رواه (الصّبوب) - بضم الصاد- على أنه جمع الصّبب، وهو ما انحدر من الأرض، فقد خالف القياس، لأن باب فعل لا يجمع على فعول، وإنما يجمع على أفعال، كسبب وأسباب، وقتب وأقتاب. وقد جاء في أكثر الروايات: «كأنه يمشى في صبب» وهو المحفوظ (معالم السنن) . وأخرجه مسلم بنحوه في الفضائل، باب: كان صلّى اللَّه عليه وسلّم أبيض مليح الوجه، حديث رقم (2340) . وقال مسلم: مات أبو الطفيل سنة مائة، وكان آخر من مات من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأخرجه الترمذي بنحوه كما سيأتي. [ (3) ] في (الأصلين) : «يتوطأ» ، وما أثبتناه من (جامع الأصول) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 72 صحيح [ (1) ] . ولأبى داود من حديث عبد الأعلى، أخبرنا سعيد، عن أبى الطفيل قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلت: كيف رأيته؟ قال: كان [صلّى اللَّه عليه وسلّم] أبيض مليحا، إذا مشى كأنما يمشى في صبوب [ (2) ] . ولابن أبى خيثمة، من حديث عبد الأعلى، عن الجريريّ، عن أبى الطفيل، قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما على وجه الأرض رجل رآه غيري، [قال:] فقلت: كيف رأيته؟ قال: كان أبيض مليحا، مقصّدا، إذا مشى كأنما يمشى في صبب. وخرجه مسلم ولم يقل: إذا مشى [ (3) ] .   [ (1) ] (جامع الأصول) : 11/ 228- 229، الفصل الرابع في صفاته وأخلاقه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (8785) ، وأخرج البخاري قريبا منه في المناقب، باب صفة النبي، صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي اللباس، باب الجعد، ومسلم في الفضائل باب صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (2347) ، والإمام مالك في (الموطأ) : 659، باب ما جاء في صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من كتاب الجامع، حديث رقم (1664) ، وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 204، كتاب اللباس، باب (21) ما جاء في الجمة واتخاذ الشعر، حديث رقم (1754) ، قال: وفي الباب عن عائشة والبراء، وأبى هريرة، وابن عباس، وأبى سعيد، وجابر، ووائل ابن حجر، وأم هانئ. قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث حميد. وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل) : 28- 29، باب (1) ما جاء في خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (2) ، وهو حديث صحيح. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 5/ 186- 187، كتاب الأدب، باب (35) في هدى الرّجل، حديث رقم (4864) ، وقد سبق شرح معنى «الصبوب» . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 101، كتاب الفضائل، باب (28) كيف كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أبيض مليح الوجه، حدث رقم (99) . قوله: «مقصّدا» : هو بفتح الصاد المشددة، وهو الّذي ليس بجسيم، ولا نحيف، ولا طويل، ولا قصير، وقال شمر: هو نحو الرّبعة، والقصد بمعناه، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) . وأخرجه الترمذي في (الشمائل) : 14، باب (1) ، ما جاء في خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (41) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 73 وللترمذي وبقي بن مخلد، من حديث ابن لهيعة عن أبى يونس، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: ما رأيت أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كأنما الشمس تجرى في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع [من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] في مشيته، كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث. قال الترمذي: هذا حديث غريب [ (1) ] . وقد رواه بقي بن مخلد، من حديث حرملة بن يحى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنى عمرو بن الحادث، أن أبا يونس مولى أبى هريرة حدثه عن أبى هريرة، أنه سمعه يقول: ما رأيت.. فذكره. فإسناد بقي هذا أجود من إسناد الترمذي، وإسناد بقي على شرط مسلم. فقد روى مسلم عن حرملة بن يحى غير ما حديث، ولم يخرج هؤلاء البخاري من حديث ابن لهيعة شيئا. [وقال الحسين بن إسماعيل المحاملي: أخبرنا عبد اللَّه بن جوير بن جبلة، أخبرنا ابن أبى بكير، أخبرنا يحيى بن راشد، أخبرنا داود بن أبى هند، عن عكرمة وعن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمشى مشيا يعرف فيه أنه ليس بعاجز ولا كسلان] [ (2) ] . ولتقى من حديث النضر بن شميل قال: أخبرنا صالح بن أبى الأخضر، عن ابن شهاب، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبيض، كأنما صنع أو صيغ من فضة، رجل الشّعر، مغاص البطن، عظيم مشاس المنكبين، يطأ بقدميه جميعا، إذا أقبل، جميعا، وإذا أدبر، أدبر جميعا.   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 563، كتاب المناقب، باب (12) في صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3648) ، وأخرجه الترمذي في (الشمائل) : 112، باب (19) ما جاء في مشية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (125) وهو حديث ضعيف الإسناد، رجال إسناده ثقات إلا عبد اللَّه بن لهيعة فإنه ضعيف، ويمكن تحسينه من طرق. [ (2) ] ما بين الحاصرتين من (خ) وليس في (ج) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 74 قال مؤلفه [رحمه اللَّه] : صالح بن أبى الأخضر اليمامي البصري، مولى بنى أمية ويروى عن الزهري، ونافع، وابن المنكدر، وجماعة. وعنه حماد ابن زيد، وابن المبارك، وروح بن عبادة، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع، ويحيى بن بشير العنبري وجماعة. قال أبو عثمان بن سعيد بن خالد السجستاني، في سؤاله لابن معين، قلت: فصالح بن أبى الأخضر؟ قال: ليس بشيء في الزهري. وقال ابن عدي: قال ابن معين: بصرى ضعيف، وقال معاذ بن معاذ: قال لي صالح بن أبى الأخضر: هذا الكتاب قرأه على الزهري، وقرأته عليه، ولا أفضّل هذا من هذا. وقال يحيى القطان، أتيته أنا ومعاذ وخالد، فأخرج إلينا حديث الزهري فقال: منه ما سمعت، ومنه ما لم أسمع، ومنه عرض. وقال البخاري: ليس بشيء عن الزهري، ومرة قال: ضعيف. قال ابن عدي: وفي بعض أحاديثه ما ينكر عليه، وهو من الضعفاء الّذي يكتب حديثهم [ (1) ] . انتهى [كلام المقريزي رحمه اللَّه] . ولا بن أبى شيبة من حديث شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع ابن جبير بن مطعم، عن على رضى اللَّه عنه، أنه وصف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [فقال:] كان عالى الهامة، أبيض، مشربا حمرة، عظيم اللحية، ضخم الكراديس، شثن الكفين والقدمين، طويل المسربة، كثير شعر الرأس، رجله، يتكفّأ في مشيته، كأنما ينحدر في صبب، لا طويل، ولا قصير، لم أر مثله، قبله ولا بعده [ (2) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم.   [ (1) ] صالح بن أبي الأخضر، له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 4/ 333- 334، ترجمة رقم (650) وهو صالح بن أبى الأخضر اليمامي، مولى هشام بن عبد الملك. [ (2) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 6/ 332، كتاب الفضائل، باب (1) ما أعطي اللَّه تعالى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 75 وخرّجه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن عبد اللَّه المسعودي، عن عثمان بن مسلم، عن نافع بن جبير، وفيه: إذا مشى تكفأ تكفيا، كأنما انحط من صبب. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] . [من طريقين عن المسعودي به] [ (2) ] . وخرّج أبو بكر بن أبى شيبة، حديث عليّ هذا، من حديث عيسى بن يونس، عن عمر مولى عفرة، عن إبراهيم بن محمد، قال: كان على [رضى اللَّه عنه] إذا نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ... فذكر الحديث، وفيه: إذا مشى تقلّع كأنما يمشى في صبب، فإذا التفت التفت معا [ (3) ] . وذكره الترمذي من حديث عيسى بن يونس بسنده، ثم قال: هذا حديث ليس إسناده متصل [ (4) ] . وخرّج الحاكم من حديث ثابت البناني، عن شعيب بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، عن عبد اللَّه بن عمر، رضى اللَّه [عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكره أن يطأ أحد عقبه، ولكن يمين وشمال [ (5) ] . [قال   [ () ] حديث رقم (31798) . [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 558- 559، كتاب المناقب، باب (8) ما جاء في صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3637) . [ (2) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) . وأخرجه أيضا في (الشمائل) : 31، باب (1) ما جاء في خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (5) ، وفي باب (19) ما جاء في مشية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (62) ، وهو حديث صحيح، أخرجه أيضا أبو الشيخ في (أخلاق النبي) صلّى اللَّه عليه وسلّم، ص 93- 96 بنحوه. [ (3) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 6/ 332، كتاب الفضائل، باب (1) ما أعطى اللَّه تعالى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (31796) . [ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 112، باب (19) ما جاء في مشية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (125) . [ (5) ] (المستدرك) : 4/ 311، كتاب الأدب، حديث رقم (7744) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : كذا: رواه شيبان عن سليمان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 76 الحاكم: صحيح على شرط مسلم] [ (1) ] . وله من حديث إسماعيل بن [أمية] ، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه [عنهما] قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسجد، وأبو بكر رضى اللَّه عنه عن يمينه، وعمر رضى اللَّه عنه عن شماله، آخذا بأيديهما فقال: هكذا نبعث يوم القيامة [ (2) ] . [قال الحاكم: هذا حديث صحيح] [ (3) ] . وخرّجه الترمذي من حديث سعيد بن مسلمة، عن إسماعيل بن [أمية] ، عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنه] أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج ذات يوم، فدخل المسجد، وأبو بكر وعمر [رضى اللَّه عنهما] أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، وهو آخذ بأيديهما، وقال: هكذا نبعث يوم القيامة. [قال أبو عيسى: هذا حديث غريب [ (4) ]] سعيد بن مسلمة ليس عندهم بالقوى. وقد روى هذا الحديث [أيضا] [ (5) ] من غير هذا الوجه، عن نافع، عن ابن عمر [ (6) ] . وخرّج الحاكم من حديث سعيد بن أبى مريم، حدثنا يحى بن أيوب، حدثني حميد قال: سمعت أنسا رضى اللَّه عنه يقول: كان رسول اللَّه   [ (1) ] هذه العبارة ليست في (المستدرك) . [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 71- 72، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4428) ، ولفظه: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسجد وإحدى يديه على أبى بكر، والأخرى على عمر، فقال: «هكذا نبعث يوم القيامة» . قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : سعيد بن مسلمة القرشيّ ضعيف. [ (3) ] هذه العبارة ليست في (المستدرك) . [ (4) ] هذه العبارة ليست في (سنن الترمذي) . [ (5) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (6) ] (سنن الترمذي) : 5/ 572، كتاب المناقب، باب (16) في مناقب أبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، حديث رقم (3669) . وأخرجه ابن ماجة في (المقدمة من السنن) ، باب في فضائل أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فضل أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 77 صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مشى كأنه يتوكأ. قال: هذا حديث صحيح [ (1) ] [على شرط الشيخين ولم يخرجاه] [ (2) ] . ومن حديث سفيان عن الأسود بن قيس، عن نبيح، عن جابر رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا خرج من بيته مشينا قدّامه، وتركنا خلفه للملائكة [ (3) ] . وفي رواية: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا خرج مشوا بين يديه، وخلّوا ظهره للملائكة [ (4) ] وفي رواية أبى عوانة: عن الأسود بن قيس، عن نبيح، عن جابر [رضى اللَّه عنه] ، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: امشوا أمامى، واخلوا ظهري للملائكة. ومن حديث شعبة، عن الأسود، عن نبيح العنزي، عن جابر [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تمشوا بين يدي، لا خلفي، فإن هذا مقام الملائكة. ومن حديث شعبة، عن الأسود، عن نبيح العنزي، عن جابر [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تمشوا بين يدي ولا خلفي، فإن هذا مقام الملائكة. قال: هذا حديث صحيح [ (5) ] . وخرّجه الخطيب وقال: هذا حديث غريب، من حديث شعبة عن الأسود ابن قيس، لا أعلم رواه عنه غير خالد بن الحارث، وتفرد به أبو الأشعث عنه [ (6) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 313، كتاب الأدب، حديث رقم (7750) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 313، حديث رقم (2577) . [ (4) ] (المستدرك) : 2/ 446، كتاب التفسير، تفسير سورة لقمان، حديث رقم (3544) ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (5) ] (المرجع السابق) : 4/ 313 حديث رقم (7753) صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (6) ] (تاريخ بغداد) : 5/ 163، في ترجمة أحمد بن المقدام أبو الأشعث البصري رقم (2609) ، وفيه وفي (المستدرك) : قال جابر: جئت أسعى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأنى شرارة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 78 وخرّج الحاكم من حديث ابن وهب قال: أخبرنى عبد الجبار بن عمر الأيلي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر [رضى اللَّه عنه قال] كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مشى لم يلتفت [ (1) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث مكحول، عن مسروق بن الأجدع، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: شرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قائما وقاعدا، ومشى حافيا وناعلا، وانصرف عن يمينه وعن شماله [ (2) ] . وذكر ابن ذبالة من حديث سفيان بن عيينة، عن عبد اللَّه بن دينار، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يأتى مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا [ (2) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 325، كتاب الأدب، حديث رقم (7794) ، قال الحاكم: لا أعلم أحدا رواه عن محمد بن المنكدر غير عبد الجبار، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : عبد الجبار بن عمر تالف. [ (2) ] سبق تخريجه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 79 وأما نومه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] فخرّج الإمام أحمد من حديث همام قال: أخبرنا يحيى بن أبى كثير، أن أبا سلمة حدثه، أن عائشة رضى اللَّه عنها حدثته، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أراد أن يرقد، توضأ وضوءه للصلاة ثم يرقد [ (2) ] . والّذي في الصحيحين، عن عائشة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب، توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام [ (3) ] . وقد تقدم أنه كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام، في كل عين ثلاثة أميال [ (4) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث أبى معاوية [قال:] حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان ضجاع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي ينام عليه بالليل، من أدم محشو ليفا [ (5) ] .   [ (1) ] كان صلّى اللَّه عليه وسلّم ينام أول الليل ويقوم آخره، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين، وكان تنام عيناه، ولا ينام قلبه. وكان إذا نام لم يوقظوه حتى يكون هو الّذي يستيقظ. وكان إذا عرّس بليل، اضطجع على شقه الأيمن، وإذا عرّس قبيل الصبح نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفه. وكان نومه أعدل النوم، وهو أنفع ما يكون من النوم، والأطباء يقول: هو ثلث الليل والنهار، ثمان ساعات. (زاد المعاد) : 1/ 158- 159، فصل في هديه سيرته صلّى اللَّه عليه وسلّم في نومه وانتباهه. والتعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة أو هو النزول. [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 125، حديث رقم (2403) . [ (3) ] (فتح الباري) : 1/ 517، كتاب الغسل، باب (27) الجنب يتوضأ ثم ينام، حديث رقم (288) ، قوله: «وضوءه للصلاة: أي توضأ وضوءا شرعيا لا لغويا. (مسلم بشرح النووي) : 3/ 220، كتاب الحيض، باب (6) ، جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له، وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل، أو يشرب، أو ينام، أو يجامع، حديث رقم (21 و 22) . [ (4) ] سبق تخريجه. [ (5) ] (مسند أحمد) : 7/ 73، حديث رقم (23689) ، 7/ 84 حديث رقم (23772) ، 7/ 296، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 80 ومن حديث عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتى فراشه في كل ليلة، جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين] ، ثم يسمح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بها على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. وأخرجاه في الصحيحين، فذكره البخاري في فضائل القرآن [ (1) ] ، وفي التعوذ والقراءة عند النوم [ (2) ] ، وفي الطب [ (3) ] . ولأحمد من حديث حماد بن سلمة، عن سهيل، عن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه [قال:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه قال: اللَّهمّ رب السموات السبع ورب الأرضين، وربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر   [ () ] حديث رقم (25201) 7/ 303، حديث رقم (25245) . [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 76، كتاب فضائل القرآن، باب (14) فضل المعوذات، حديث رقم (5017) . [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 150، كتاب الدعوات، باب (12) التعوذ والقراءة عند المنام، حديث رقم (6319) . [ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 256- 257، كتاب الطب، باب (39) النفث في الرقية، حديث رقم (5748) ، (الشمائل المحمدية) 218: حديث رقم (258) . وقد ورد في القراءة عند النوم عدة أحاديث صحيحة: منها حديث أبى هريرة في قراءة آية الكرسي، وحديث ابن مسعود الآيتان من آخر سورة البقر، وحديث فروة بن نوفل عن أبيه: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لنوفل: اقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ في كل ليلة، ونم على خاتمتها فإنّها براءة من الشرك» أخرجه أصحاب السنن الثلاثة، وابن حبان والحاكم. وحديث العرباض بن سارية: «كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرأ بالمسبحات قبل أن يرقد ويقول: فيهن آية خير من ألف آية» أخرجه الثلاثة. وحديث جابر رفعه: «كان لا ينام حتى يقرأ الم تَنْزِيلُ أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) ، وغير ذلك كثير على ما يلي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 كل ذي شر، أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغنني من الفقر [ (1) ] . [و] أخرجه مسلم [ (2) ] ، ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا [أن نقول:] [ (3) ] ... فذكره. وخرجه الترمذي [ (4) ] [أيضا] [ (3) ] . وخرّج مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد للَّه الّذي أطعمنا، وسقانا، وكفانا، وآوانا، فكم ممن لا كافى له ولا مؤوى [ (5) ] . وخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب [ (6) ] . وللبخاريّ من حديث أبى عوانه بن عبد الملك، عن ربعي، عن حذيفة [رضى اللَّه عنه] قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أخذ مضجعه من الليل، وضع يده   [ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 355، حديث رقم (10541) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 39، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، والاستغفار، باب (17) ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، حديث رقم (2713) . [ (3) ] زيادة للسياق والبيان. [ (4) ] (سنن الترمذي) : 5/ 440، كتاب الدعوات، باب (19) حديث رقم (3400) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1274- 1275، كتاب الدعاء، باب ما يدعو به إذا أوى إلى فراشه، حديث رقم (3873) ، (سنن أبى داود) : 5/ 301، كتاب الأدب، باب (107) ما يقول عند النوم، حديث رقم (5051) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 41، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث رقم (2715) . [ (6) ] (سنن الترمذي) : 5/ 438، كتاب الدعوات، باب (16) ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه، حديث رقم (3396) ، وأخرجه أيضا في (الشمائل المحمدية) : 220، باب (40) ما جاء في صفة نوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (260) . وأخرجه أبو داود في (السنن) : 5/ 302، كتاب الأدب، باب (107) ما يقول عند النوم، حديث رقم (5053) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 82 تحت خده، ثم يقول: اللَّهمّ باسمك أموت وأحيا، وإذا استيقظ قال: الحمد للَّه الّذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور. ذكره في كتاب الدعوات [ (1) ] ، في باب ما يقول إذا أصبح. وله من حديث منصور، عن ربعي بن خراش، عن خرشة بن الحر، عن أبى ذرّ [رضى اللَّه عنه] قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أخذ مضجعه من الليل قال: اللَّهمّ باسمك أموت وأحيا، وإذا استيقظ قال: الحمد للَّه الّذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور. ذكره في كتاب التوحيد [ (2) ] . وخرّجه مسلم من حديث شعبة، عن عبد اللَّه بن أبى السّفر، عن أبى بكر بن أبى موسى، عن البراء. تفرّد به مسلم من حديث البراء [ (3) ] . وللترمذي من حديث سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن خراش عن حذيفة [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أراد أن ينام، وضع يده تحت رأسه ثم قال: اللَّهمّ قنى عذابك يوم تجمع عبادك، أو تبعث   [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 156، كتاب الدعوات، باب (16) ما يقول إذا أصبح، حديث رقم (6324) ، (6325) . [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 468، كتاب التوحيد، باب (13) السؤال بأسماء اللَّه تعالى والاستعاذة بها، حديث رقم (7395) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 71/ 38، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب (17) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، حديث رقم (2711) . وأخرجه الترمذي في (الشمائل) : 218، باب ما جاء في صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (257) ، وفي (السنن) : 5/ 448، باب (28) ، حديث رقم (3417) . وأخرجه أبو داود في (السنن) : 5/ 300، كتاب الأدب، باب (107) ما يقول عند النوم، حديث رقم (5049) . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1277، كتاب الدعاء، باب (16) ما يدعو به إذا انتبه من الليل، حديث رقم (3880) . وأخرجه أبو الشيخ في (أخلاق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) : 167. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 عبادك. قال: هذا حديث حسن [ (1) ] . وله من حديث أبى إسحاق، عن أبى بردة، عن البراء بن عازب [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتوسد يمينه ثم يقول: رب قنى عذابك يوم تبعث عبادك قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 439، كتاب الدعوات، باب (18) حديث رقم (2398) ، وله من حديث أبى بردة عن البراء بن عازب رضى اللَّه عنهما قال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتوسد يمينه عند المنام ثم يقول: ربّ قنى عذابك يوم تبعث عبادك» ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وروى الثوري هذا الحديث عن أبى إسحاق عن البراء، لم يذكر بينهما أحدا. وروى شعبة عن أبى إسحاق عن أبى عبيد ورجل آخر عن البراء. وروى شريك عن أبى إسحاق عن عبد اللَّه بن يزيد عن البراء وعن أبى إسحاق عن أبى عبيدة، عن عبد اللَّه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمثله. وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل) : 216، باب (40) ما جاء في صفة نوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (255) . وأخرجه ابن أبى شيبة في (المصنف) : 6/ 39- 40، كتاب الدعاء، باب (23) ما قالوا في الرجل إذا أخذ مضجعه وأوى إلى فراشه، ما يدعو به؟ حديث رقم (29300) . وأخرجه ابن حبان في (الصحيح) : 12/ 330- 331، كتاب الزينة والتطيب باب (1) آداب النوم، ذكر ما يقول المرء إذا أوى إلى مضجعه يريد النوم، حديث رقم (5522) عن البراء. وحديث رقم (5523) في ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر لم يسمعه أبو إسحاق عن البراء، فذكره، وقال في هامشه: إسناده صحيح على شرط مسلم، وهو مكرر ما قبله. وأخرجه أبو نعيم في (حلية الأولياء) : 2/ 344، في ترجمة قتادة بن دعامة رقم (198) ، وقال: تفرد به سعيد بن بشير عن قتادة، 8/ 215، في ترجمة محمد بن صبيح بن السماك رقم (399) وقال: صحيح ثابت من حديث البراء، ولم نكتبه من حديث ابن السماك إلا من هذا الوجه، 8/ 312، في ترجمة بكر بن عياش رقم (421) . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1276، كتاب الدعاء باب (15) ما يدعو به إذا أوى إلى فراشه، حديث رقم (3877) . وأخرجه الحميدي في (المسند) : 1/ 210- 211، حديث رقم (444) من أحاديث حذيفة ابن اليمان رضى اللَّه عنه. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 439، كتاب الدعوات، باب (18) ، حديث رقم (3399) ، وقد سبق ذكر تعليق الترمذي عليه فليراجع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 84 وروى الثوري هذا الحديث، عن أبى إسحاق، عن البراء، لم يذكر بينهما أحدا، وروى شعبة عن أبى إسحاق عن أبى عبيد، ورجل آخر، عن البراء، وروى شريك عن أبى إسحاق، عن عبد اللَّه بن يزيد، عن البراء [رضى اللَّه عنه] عن أبى إسحاق، عن أبى عبيدة وعن عبد اللَّه، عن النبي [صلّى اللَّه عليه وسلّم] بمثله [ (1) ] . وللبخاريّ من حديث العلاء بن المسيب، حدثني أبى عن البراء بن عازب [رضى اللَّه عنهما قال:] كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أوى إلى فراشه، نام على شقه الأيمن ثم قال: اللَّهمّ أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمرى إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الّذي أنزلت، ونبيك الّذي أرسلت. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قالهن ثم مات تحت ليلته، مات على الفطرة. ذكره في كتاب الدعوات [ (2) ] . وللترمذي من حديث حماد بن زيد، عن أبى لبابة قال: قالت عائشة رضى اللَّه عنها: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبنى إسرائيل [ (3) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 139، كتاب الدعوات، باب (9) النوم على الشق الأيمن، حديث رقم (6315) . وأخرجه الترمذي في (السنن) : 5/ 438، كتاب الدعوات، باب (16) ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه، حديث رقم (3395) ، وفيه: «فإن مات من ليلته دخل الجنة» وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث رافع بن خديج رضى اللَّه عنه. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1275- 1276، كتاب الدعاء، باب (15) ما يدعو به إذا أوى إلى فراشه، حديث رقم (3876) وقال فيه: «وإن أصبحت أصبحت وقد أصبت خيرا كثيرا» . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 446، كتاب الدعوات، باب (22) ، حديث رقم (3405) ، ثم قال: أخبرنى محمد بن إسماعيل قال: أبو لبابة هذا اسمه مروان مولى عبد الرحمن بن زياد، وسمع من عائشة منه حماد بن زيد رضى اللَّه عنه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 85 ومن حديث بقية بن الوليد، عن بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبد اللَّه بن أبى بلال، عن العرباض بن سارية [رضى اللَّه عنه قال:] إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا ينام حتى يقرأ المسبحات، ويقول: [فيها] آية خير من ألف آية. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب [ (1) ] . وخرجه النسائي وقال: خالفه معاوية بن صالح، فذكر حديث ابن وهب، قال: سمعت معاوية يحدث عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ينام حتى يقرأ المسبحات، ويقول: فيهن آية كألف آية. قال معاوية: إن بعض أهل العلم، كانوا يجعلون المسبحات ستا: سورة الحديد، والحشر، والحواريون، وسورة الجمعة، والتغابن، وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث ليث، عن أبى الزبير، عن جابر [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ينام حتى يقرأ الم تَنْزِيلُ السجدة، وتَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [ (3) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3406) . وأخرجه أبو داود في (السنن) : 5/ 304، كتاب الأدب، باب (107) ما يقول عند النوم، حديث رقم (5057) . وأخرجه الترمذي أيضا في ثواب القرآن، باب فضل سورة الإسراء والمسبحات، وقال: هذا حديث حسن غريب. [ (2) ] أخرجه النسائي في (الكبرى) ، عمل اليوم والليلة، باب ثواب من يأوى إلى فراشه فليقرأ سورة من كتاب اللَّه حين يأخذ مضجعه. قال الخطابي في (معالم السنن) : المراد بالمسبحات: السور التي افتتحت بسبحان، أو سبح، أو يسبح، وهن سبع سور: الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى. [ (3) ] (مسند أحمد) : 4/ 298، حديث رقم (14249) وعن ليث عن أبى الزبير عن جابر رضى اللَّه عنه، وأخرجه الترمذي في (السنن) : 5/ 442، كتاب الدعوات. باب (22) ، حديث رقم (3404) ، وفيه: «كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ينام حتى يقرأ بتنزيل السجدة وتبارك» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 وخرجه [الإمام أحمد] [ (1) ] من حديث حسين المعلم، عن أبى بريدة قال: حدثني ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقول إذا تبوّأ مضجعه قال: الحمد للَّه الّذي كفاني، وآوانى، وأطعمنى، وسقاني، والّذي منّ عليّ وأفضل، والّذي أعطانى فاجزل، الحمد للَّه على كل حال، اللَّهمّ رب كل شيء، ومالك كل شيء، وإله كل شيء، [ولك كل شيء] [ (2) ] ، أعوذ بك من النار [ (3) ] . ومن حديث ابن لهيعة قال: حدثني حيّى بن عبد اللَّه، عن أبى عبد الرحمن الحبلى، عن عبد اللَّه بن عمرو [رضى اللَّه عنهما قال:] أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا اضطجع للنوم يقول: باسمك [رب] [ (4) ] وضعت جنبي فاغفر لي [ (5) ] . وللترمذي من حديث حماد بن سلمة، عن حميد، عن بكر بن عبد اللَّه المزني وعن عبد اللَّه بن رباح، عن أبى قتادة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا عرس بليل، اضطجع على شقه الأيمن، وإذا عرّس قبيل الصبح، نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفه [ (6) ] ، وله في (الشمائل) من حديث سلمة بن كهيل،   [ () ] قال أبو عيسى: هكذا روى سفيان وغير واحد هذا الحديث عن ليث عن أبى الزبير عن جابر، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نحوه. وروى زهير هذا الحديث عن أبى الزبير، قال: قلت له: سمعته من جابر؟ قال: لم أسمعه من جابر، إنما سمعته من صفوان أو ابن صفوان. وروى شبابة عن مغيرة بن مسلم عن أبى الزبير عن جابر نحو حديث ليث. [ (1) ] في (الأصلين) : «الترمذي» ، والصواب ما أثبتناه. [ (2) ] زيادة للسياق من (المسند) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 265- 266، حديث رقم (5947) . [ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (5) ] (مسند أحمد) : 2/ 265، حديث رقم (6583) . [ (6) ] (الشمائل المحمدية) : 220، باب (40) ما جاء في صفة نوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 عن كريب، عن ابن عباس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة، فقام وصلى ولم يتوضأ [ (1) ] . وفي الحديث قصة [ (2) ] [وروى أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا جاء الشتاء دخل البيت ليلة الجمعة، وإذا لبس ثوبا جديدا، حمد اللَّه تعالى، وصلّى ركعتين، وكسا الخلق] [ (3) ] .   [ () ] (261) . وفي (مسلم بشرح النووي) : 5/ 198، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (55) قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، حديث رقم (313) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) 6/ 404، حديث رقم (22040) ، 6/ 420، حديث رقم (22126) . [ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 219، باب (40) ما جاء في صفة نوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (259) . [ (2) ] هذه القصة مبثوثة في كتب السيرة، ذكرها الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 404، حديث رقم (22040) ، وقد أمسكنا عن ذكرها لطولها واشتهارها. [ (3) ] ما بين الحاصرتين سقط في النسخة (ج) ولم أجد لهذه العبارة تخريجا ولا توجيها، والخلق: القديم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 وأما ما يقوله [صلّى اللَّه عليه وسلّم] إذا استيقظ تقدم حديث حذيفة [رضى اللَّه عنه] ، وإذا استيقظ قال: الحمد للَّه الّذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور [ (1) ] . وحديث أبى ذر [رضى اللَّه عنه] بنحوه [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، [قال:] أن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة [رضى اللَّه عنها] وهي خالته، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهله في طولها، فنام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شنّ معلقة، فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام [يصلى] ، قال ابن عباس [رضى اللَّه عنهما:] فقمت فصنعت مثل ما صنع [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج، فصلى الصبح. ذكره في كتاب الطهارة [ (2) ] ، وفي   [ (1) ] سبق تخريج هذا الحديث. [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 381، كتاب الوضوء، باب (36) قراءة القرآن بعد الحدث وغيره، حديث رقم (183) . قوله: «يمسح النوم» أي يمسح بيده عينيه، من باب إطلاق الحال على المحل، أو أثر النوم، من باب إطلاق السبب على المسبب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 التفسير [ (1) ] ، وخرّجه مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] . وللإمام أحمد من حديث همام، حدثنا على بن زيد قال: حدثتني أم محمد، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يرقد ليلا ولا نهارا، فيستيقظ إلا قوّله تسوّك [ (4) ] . وأما أنّ قلبه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] لا ينام فخرج البخاري ومسلم من طريق مالك، عن سعيد المقبري، عن أبى سلمة، عن عائشة رضى اللَّه عنها، [قالت:] إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لها:   [ () ] قوله: «ثم قرأ العشر آيات» : أولها إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى أخر السورة، قال ابن بطال ومن تبعه: فيه دليل على رد من كره قراءة القرآن على غير طهارة، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قرأ هذه الآيات بعد قيامه من النوم قبل أن يتوضأ. وتعقبه ابن المنير وغيره بأن ذلك مفرع على أن النوم في حقه ينقض، وليس كذلك، لأنه قال: «تنام عيناي ولا ينام قلبي» ، وأما كونه توضأ عقب ذلك فلعله جدد الوضوء، أو أحدث بعد ذلك فتوضأ. والشنّ: القربة التي تبدت للبلاء. (فتح الباري) . [ (1) ] (المرجع السابق) : 8/ 298، كتاب التفسير، باب (17) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، حديث رقم (4569) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 300، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (26) الدعاء في صلاة الليل وقيامه، حديث رقم (765) ، ولفظه: «عن زيد بن خالد الجهنيّ أنه قال: لارمقن صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الليلة، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين، طويلتين، طويلتين، طويلتين، ثم صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة» . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 2/ 100، كتاب الصلاة، باب (316) في صلاة الليل، حديث رقم (1367) ، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الصلاة: باب كم يصلى بالليل، حديث رقم (1362) . [ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 175، حديث رقم (24379) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 90 يا عائشة، إن عينىّ تنامان ولا ينام قلبي [ (1) ] . ولابن الجارود من حديث يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان قال: سمعت أبى يحدث عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تنام عيني، ولا ينام قلبي. وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى طرق من هذا الحديث.   [ (1) ] (جامع الأصول) : 6/ 93، حديث رقم (1498) ، ضمن حديث طويل عن أبى سلمة: «أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلى أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلى أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلى ثلاثا، قالت عائشة: فقلت: يا رسول اللَّه! أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة، إن عينىّ تنامان وقلبي لا ينام» و 8/ 540- 541، حديث رقم (6346) وفيه: «ما رأينا عبدا قط أوتى مثل ما أوتى هذا النبي، إن عينيه تنامان، وقلبه يقظان» وحديث رقم (6347) ، وفيه: «جاءت ملائكة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: العين نائمة والقلب يقظان» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 وأما مناماته عليه السلام [ (1) ]   [ (1) ] سئل ابن الصلاح عن تفسير قوله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر: 42] . أجاب: اللَّه يقبض الأنفس حين انقضاء أجلها بموت أجسادها، فلا يردها إلى أجسادها، واللَّه يقبضها أيضا عند نومها، فيمسك التي قضى عليها الموت بموت أجسادها، فلا يردها إلى أجسادها، ويرسل الأخرى التي لم تقبض بموت أجسادها حتى تعود إلى أجسادها، إلى أن يأتى الأجل المسمى لموتها. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، لدلالات المتفكرين، على عظيم قدرة اللَّه سبحانه، وعلى أمر البعث، فإن الاستيقاظ بعد النوم شبيه ودليل عليه. وقد نقل أن في التوراة: يا ابن آدم، كلما تنام تموت، وكلما تستيقظ تبعث، فهذا واضح، والّذي يشكل في ذلك أن النفس المتوفاة في المنام أهي الروح المتوفاة عند الموت؟ أم هي غيرها؟ فإن كانت هي الروح فتوفيها في النوم يكون بمفارقتها الجسد أم لا؟ وقد أعوز الحديث الصحيح، والنص الصريح، والإجماع أيضا لوقوع الخلاف فيه بين العلماء: فمنهم: من يرى أن للإنسان نفسا تتوفى عند منامه، غير النفس التي هي الروح، والروح لا تفارق الجسد عند النوم، وتلك النفس المتوفاة في النوم هي التي يكون بها التمييز والفهم، وأما الروح: فيها تكون الحياة، ولا تقبض إلا عند الموت، ويروى معنى هذا عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما. ومنهم: من ذهب إلى أن النفس التي تتوفى عند النوم هي الروح نفسها، واختلف هؤلاء في توفيها: فمنهم: من يذهب إلى أن معنى وفاة الروح بالنوم قبضها عن التصرفات مع بقائها في الجسد، وهذا موافق للأول من وجه، ومخالف من وجه. ومنهم: من ذهب إلى أن الروح تتوفى عند النوم، بقبضها من الجسد ومفارقتها له، وهذا الّذي نجيب به، وهو الأشبه بظاهر الكتاب والسنة. قال المفسرون: إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء اللَّه، فإذا أرادت جميعها الرجوع إلى أجسادها، أمسك اللَّه أرواح الأموات عنده، وحبسها، وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها. فالفرق بين القبضتين والوفاتين أن الروح في حالة النوم تفارق الجسد على أنها تعود إليه، فلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 فخرج أبو عبد اللَّه محمد بن عائد بن عبد الرحمن بن عبيد اللَّه القرشي، في كتاب (المغازي) ، قال: أخبرنى الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة، عن أبى الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، قال: إن اللَّه تبارك وتعالى، بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأراه اللَّه رؤيا في المنام، فشق عليه ذلك، رأى بينا هو بمكة، أتى سقف بيته، فنزع خشبة خشبة، حتى إذا فرغ، أدخل فيه سلم من فضة، ثم سوّل منه رجلان، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأردت أن أستغيث، فحبساني ومنعانى الكلام، وقعد أحدهما إلى كذا، وقعد الآخر إلى جنبي وأنا فرق، فأدخل أحدهما يده في   [ () ] تخرج خروجا ينقطع به العلاقة بينها وبين الجسد، بل يبقى أثرها الّذي هو حياة الجسد باقيا فيه، فأما في حالة الموت، فالروح تخرج من الجسد مفارقة له بالكلية، فلا تخلف فيه شيئا من أثرها، فلذلك تذهب الحياة معها عند الموت دون النوم. ثم إن إدراك كيفية ذلك والوقوف على حقيقة متعذر، فإنه من أمر الروح، وقد استأثر بعلمه الجليل تبارك وتعالى، فقال سبحانه: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85] . وأما قوله تعالى: قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ فإن الأضغاث جمع ضغث وهو الحزمة التي تقبض من الحشيش ونحوه، والأحلام: جمع حلم، وهي الرؤيا مطلقا، وقد تختص بالرؤيا التي تكون من الشيطان، فمعنى الآية أنهم قالوا للملك: إن الّذي رأيته أحلام مختلطة ولا يصح تأويلها. وقد أفرد بعض أهل التعبير اصطلاحا لأضغاث الأحلام، من شأنها أنها لا تدل على الأمور المستقبلة، وإنما تدل على الأمور الحاضرة أو الماضية، ونجد معها أن يكون الرائي خائفا من شيء. أو راجيا لشيء. وقال عليّ رضى اللَّه عنه: فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين، وتخيل إليها الأباطيل، فهي الرؤيا الكاذبة. وعن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كما تنامون فكذلك تموتون، وكما توقظون فكذلك تبعثون. وسئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا رسول اللَّه، أينام أهل الجنة؟ قال: لا، النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها. [قال في (العلل المتناهية) : وقد روى بإسناد أصلح من هذا] حديث رقم (1553) . (دلائل البيهقي) : 7/ 11- 31 هامش مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 جنبي، فنزع ضلعين من جانبي، كما ينزع غلق الصندوق الشديد، فأدخل يده في جوفي، وأنا أجد بردها، فأخرج قلبي فوضعه على كفه، وقال لصاحبه: نعم القلب قلبه، قال: قلب رجل صالح، ثم أدخل القلب في مكانه، وردّ الضلعين كما يرد غلق الصندوق الشديد، ثم ارتقيا، ورفعا السلم، فاستيقظت، فإذا سقف البيت كما هو، فقلت: حلم] [ (1) ] . [وذكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لزوجته خديجة بنت خويلد رضى اللَّه عنها، فعصمها اللَّه تعالى من التكذيب، وقالت: أبشر، فو اللَّه لا يفعل اللَّه بك إلا خيرا، أخبرها أنه رأى بطنه طهر وغسل ثم أعيد كما كان، فقالت: هذا واللَّه خيرا فأبشر.] [ (1) ] . [قال ابن عائذ: وأخبرنى محمد بن شعيب، عن عثمان بن عطاء، أنه أخبره عن أبيه عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: ثم بعث اللَّه محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رأس خمس سنين من بنيان الكعبة، فكان أول شيء أراه اللَّه تعالى إياه من النبوة، رؤيا في المنام، فشق عليه ذلك، والحق ثقيل، والإنسان ضعيف، فذكر ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لزوجته خديجة ابنة خويلد رضى اللَّه عنها، فعصمها اللَّه تعالى من التكذيب، فقالت: أبشر، فإن اللَّه لا يصنع بك إلا خيرا، فحدّثها أنه رأى بطنه طهّر، وغسل، ثم أعيد كما كان، وقالت: وهذا واللَّه خيرا] [ (2) ] . وخرّج الحافظ أبو موسى، محمد بن أبى بكر بن أبى عيسى المديني الأصبهاني، من طريق الفرج بن فضالة: حدثنا هلال أبو جبلة، عن سعيد ابن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة رضى اللَّه عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ذات يوم، ونحن في صفّة بالمدينة، فقام علينا فقال: إني   [ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) وأثبتناه من (خ) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) ، وما أثبتناه من (خ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 رأيت البارحة عجبا، رأيت رجلا من أمتى أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه برّه بوالديه، فردّ ملك الموت عنه [ (1) ] . [ورأيت رجلا من أمتى قد بسط عليه عذاب القبر، فجاءه وضوءه، فاستنقذه من ذلك] . ورأيت رجلا من أمتى قد احتوشته الشياطين، فجاء ذكر اللَّه عزّ وجلّ، فطرد الشياطين عنه [ (1) ]] [ (2) ] . ورأيت رجلا من أمّتى قد احتوشته ملائكة العذاب، فجاءته صلاته، فاستنقذته من أيديهم [ (3) ] . ورأيت رجلا من أمتى يتلهث- وفي رواية يلهث- عطشا، كلما دنا من حوض منع وطرد، فجاء صيام شهر رمضان، فسقاه وأرواه [ (4) ] . ورأيت رجلا من أمتى، ورأيت النبيين جلوسا حلقا حلقا، كلما دنا إلى حلقة طرد، فجاء غسله من الجنابة، فأخذ بيده، فأقعده إلى جنبي. ورأيت رجلا من أمتى من بين يديه ظلمة، ومن خلفه ظلمة، وعن يمينه ظلمة، وعن شماله ظلمة، ومن قوفه ظلمة، وهو متحيّر [فيه] ، فجاء حجّه وعمرته فأخرجاه من الظلمة، وأدخلاه في النور. ورأيت رجلا من أمتى يتقى بيده وجهه وهج النار وشررها، فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار، [وظلا] على رأسه [ (5) ] .   [ (1) ] (مجمع الزوائد) : 7/ 179. [ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) ، وما أثبتناه من (خ) . [ (3) ] اتحاف السادة المتقين) : 8/ 119. [ (4) ] (المرجع السابق) . [ (5) ] (مجمع الزوائد) : 7/ 179. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 ورأيت رجلا من أمتى يكلم المؤمنين فلا يكلمونه، فجاءته صلته لرحمه فقالت: يا معشر المسلمين، إنه كان وصولا لرحمه فكلموه، فكلمه المؤمنون، وصافحوه، وصافحهم. ورأيت رجلا من أمتى قد احتوشته الزبانية، فجاء أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فاستنقذه من أيديهم، وأدخله في ملائكة الرحمة [ (1) ] . ورأيت رجلا من أمتى جاثيا على ركبتيه، وبينه وبين اللَّه تعالى حجاب، فجاءه حسن خلقه، فأخذ بيده، فأدخله على اللَّه عزّ وجل [ (2) ] . ورأيت رجلا من أمتى قد ذهبت صحيفته من قبل شماله، فجاءه خوفه من اللَّه عزّ وجل، فأخذ صحيفته، فوضعها في يمينه [ (3) ] . ورأيت رجلا من أمتى خفّ ميزانه، فجاءه أفراطه فثقّلوا ميزانه [ (4) ] . ورأيت رجلا من أمتى قائما على شفير جهنم، فجاءه رجاؤه من اللَّه [عزّ وجل] ، فاستنقذه من ذلك ومضى. ورأيت رجلا من أمتى في النار، فجاءته دمعته التي بكى من خشية اللَّه [عزّ وجلّ] ، فاستنقذته من ذلك. ورأيت رجلا من أمتى قائما على الصراط، يرعد كما [ترعد السعفة في ريح عاصف، فجاءه حسن ظنه باللَّه عزّ وجلّ، فسكّن رعدته ومضى] [ (5) ] . [ورأيت رجلا من أمتى يزحف على الصراط، ويحبو أحيانا، ويتعلق   [ (1) ] المرجع السابق. [ (2) ] (اتحاف السادة المتقين) : 7/ 323. [ (3) ] (مجمع الزوائد) : 7/ 179. [ (4) ] (المرجع السابق) . [ (5) ] (المرجع السابق) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 أحيانا فجاءته صلاته عليّ، فأقامته على قدميه، وأنقذته] [ (1) ] . [ورأيت رجلا من أمتى انتهى إلى أبواب الجنة، فغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا اللَّه، ففتحت له الأبواب، وأدخلته الجنة] [ (2) ] . [قال أبو موسى: هذا حديث حسن جدا، رواه عن سعيد بن المسيب، عمر بن ذرّ، وعلى بن زيد بن جدعان. قال: والفرج بن فضالة بن النعمان ابن نعيم، أبو فضالة، كان وسطا في الرواية، ليس بالقوى ولا المتروك. وأبو جبلة سعيد بن هلال، كأنه مدني، لا يعرف بغير هذا، ذكره ابن أبى حاتم عن أبيه هكذا. وذكره الحاكم أبو عبد اللَّه بغير هذا الحديث، وأحاله على مسلم بن الحجاج، ورواه عن الفرج بن فضالة، بشر بن الوليد بن خالد، أبو الوليد الكندي، قاضى بغداد، كان جميل [المذهب] ، حسن الطريقة] [ (2) ] . [وخرّج مسلم [ (3) ] ، وأبو داود [ (4) ] ، من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت ذات ليلة في ما يرى النائم، كأنّا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طاب، فأوّلت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب] [ (2) ] . [وخرّج البخاري في المناقب، في باب: علامات النبوة في الإسلام [ (5) ] ،   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) واستدركناه من (خ) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 36- 37، كتاب الرؤيا، باب (4) رؤيا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (2270) . [ (4) ] (سنن أبي داود) : 5/ 286، كتاب الأدب، باب (96) ما جاء في الرؤيا، حديث رقم (5025) ، وابن طاب: رجل معروف من أهل المدينة، نسب إليه نوع خاص من التمر. (معالم السنن) . [ (5) ] (فتح الباري) : 6/ 778، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3622) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 من حديث حماد بن سلمة، وخرّج مسلم في الرؤيا [ (1) ] ، من حديث أبى أسامة، قالا جميعا: عن بريد، عن أبى بردة، [عن] جده، عن أبى موسى رضى اللَّه عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت في المنام أنى أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، [فذهب وهلى] أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه، أنى هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب به المؤمنون يوم أحد، ثم هززته أخرى، فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء اللَّه به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت أيضا فيها بقرا، واللَّه خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء اللَّه [به] من الخير بعد، وثواب الصّدق الّذي أتانا اللَّه بعد يوم بدر] [ (2) ] . [وخرجه البخاري في كتاب التعبير، في باب: إذا رأى بقرا تنحر [ (3) ] ، وفي باب: إذا هزّ سيفا في المنام [ (4) ] ، من حديث أبى أسامة بهذا الإسناد،   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 37- 38، كتاب الرؤيا، باب (4) رؤيا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (2272) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) واستدركناه من (خ) . [ (3) ] (فتح الباري) : 12/ 521، كتاب التعبير، باب (39) إذا رأى بقرا تنحر، حديث رقم (7035) . [ (4) ] (فتح الباري) : 12/ 528، كتاب التعبير، باب (44) إذا هزّ سيفا في المنام، حديث رقم (7041) ، قال الحافظ: ولما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصول بالصحابة- رضوان اللَّه تعالى عليهم- عبّر عن السيف بهم، وبهزّه عن أمره لهم بالحرب، وعن القطع فيه بالقتل فيهم، وفي الهزة الأخرى لما عاد إلى حالته من الاستواء عبّر به عن اجتماعهم والفتح عليهم. ولأهل التعبير في «السيف» تصرف على أوجه: منها، أن من نال سيفا فإنه ينال سلطانا، إما ولاية، وإما وديعة، وإما زوجة، وإما ولدا فإن سله من غمده فانثلم سلمت زوجته وأصيب ولده، فإن انكسر الغمد وسلم السيف فبالعكس، وإن سلما أو عطبا فكذلك وقائم السيف يتعلق بالأب والعصبات، ونصله بالأم وذوى الرحم، وإن جرد السيف وأراد قتل شخص فهو لسانه يجرده في خصومه، وربما عبر السيف بسلطان جائر. وقال بعضهم: من رأى أنه أغمد السيف فإنه يتزوج، أو ضرب شخصا بسيف فإنه يبسط لسانه فيه، ومن رأى أنه يقاتل آخر وسيفه أطول من سيفه فإنه يغلبه، ومن رأى سيفا عظيما فهي فتنة، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 وقال: عن أبى موسى، أراه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال فيه وفي الّذي قبله: فإذا هي اليمامة أو البحر. وقال: فإذا هم المؤمنون يوم أحد. وذكر طرفا منه في غزوة بدر [ (1) ] بهذا الإسناد وقال: أراه عن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] . وذكره أيضا في غزوة أحد [ (2) ] .] [ (3) ] . [وقال عبد الرزاق: عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للمسلمين بمكة: قد رأيت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرتان] [ (3) ] . وخرّج البيهقي من طريق عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرنى ابن أبى الزناد، عن أبيه، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: تنفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سيفه ذا الفقار يوم بدر، قال ابن عباس: هو الّذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لما جاءه المشركون يوم أحد، كان رأى رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] أن يقيم بالمدينة يقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا: يخرج بنا رسول اللَّه نقاتلهم بأحد، ورجوا أن يصيبوا من الفضيلة ما أصاب أهل بدر، فما زالوا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى لبس أداته، ثم ندموا، وقالوا: يا رسول اللَّه! أقم، فالرأي رأيك، فقال: ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها، حتى يحكم اللَّه بينه وبين عدوه، قالوا: وكان مما قال لهم رسول اللَّه للَّه، يومئذ قبل] أن يلبس الأداة: إني رأيت أنى في درع حصينة، فأولتها المدينة، وإني مردف كبشا، فأوّلته   [ () ] ومن قلد سيفا قلد أمرا، فإن كان قصيرا لم يدم أمره، وإن رأى أنه يجر حمائله فإنه يعجز عنه. (فتح الباري) . [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 390، كتاب المغازي، باب (10) بدون ترجمة، حديث رقم (3987) . [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 476، كتاب المغازي، باب (27) من قتل من المسلمين يوم أحد، حديث رقم (4081) . [ (3) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) ، واستدركناه من (خ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 كبش الكتيبة، [وإني] رأيت [أن] سيفي ذا الفقار فلّ، [فأولته] فلّا فيكم، ورأيت بقرا تذبح، فبقر واللَّه خير، فبقر واللَّه خير [ (1) ] . ومن حديث حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت فيما يرى النائم، كأنى مردف كبشا، وكأن ظبّة سيفي انكسرت، فأولت أنّى أقتل كبش القوم، وأولت كسر ظبّة سيفي، قتل رجل من عترتي، فقتل حمزة رضى اللَّه عنه، وقتل طلحة، بن أبى طلحة ابن عبد العزى بن عثمان، بن عبد اللَّه بن عبد العزى، بن عثمان بن عبد الدار بن قصي [وكان] صاحب اللواء. وخرّجه الإمام أحمد به نحوه [ (2) ] . وقال الواقدي في مغازيه- وقد ذكر غزاة أحد-: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رؤيا ليلة الجمعة، فلما أصبح واجتمع المسلمون وخطب فحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر عن قتادة، عن محمود بن لبيد قال: ظهر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني رأيت في منامي رؤيا، رأيت كأنى في درع حصينة، ورأيت كأن سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظبته، ورأيت بقرا تذبح، ورأيت كأنى مردف كبشا، فقال الناس: يا رسول اللَّه! فما أولتها؟ قال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:] أما الدرع الحصينة، فالمدينة-، فامكثوا فيها، وأما انقصام سيفي من عند ظبته، فمصيبة في نفسي، وأما البقر المذبّح، فقتلى في أصحابى، وأما مردف كبشا، فكبش الكتيبة، نقتله إن شاء اللَّه   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 205، باب ذكر ما أرى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في منامه من شأن الهجرة وأحد، وما جاء اللَّه به من الفتح بعد. [ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 447، حديث رقم (2441) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 [تعالى] [ (1) ] . حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة، قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ورأيت في سيفي فلا فكرهته، فهو الّذي أصاب وجهه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وخرج البخاري في كتاب (المغازي) في وفد بنى حنيفة، وخرّج مسلم أيضا من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضى اللَّه عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم، أوتيت خزائن الأرض- وقال البخاري: فأوتيت بخزائن الأرض- فوضع في يدي سوارين- وقال البخاري: في كفّى سوارين- من ذهب، فكبرا عليّ وأهمانى، فأوحى إلى أن انفخهما، فنفختهما، فذهبا، فأولتهما الكذابين الذين أنا بينهما: صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة [ (2) ] . وخرج البخاري في كتاب التعبير، من حديث عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة رضى اللَّه عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: نحن الآخرون السابقون، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم، إذ أوتيت خزائن الأرض، فوضع في يدي أسواران من ذهب، فكبرا عليّ. . الحديث إلى آخره، وترجم عليه باب: النفخ في المنام.   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 208- 209، (سيرة ابن هشام) : 4/ 8 رؤيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومشاورته القوم، قال ابن هشام: «وحدثني بعض أهل العلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت بقرا لي تذبح؟ قال: فأما البقر فهي ناس من أصحابى يقتلون، وأما الثلم الّذي رأيت في ذباب سيفي، فهو رجل من أهل بيتي يقتل. [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 112، كتاب المغازي، باب (71) وفد بنى حنيفة، وحديث ثمامة بن أثال، حديث رقم (4375) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 وخرج البخاري في كتاب التعبير، من حديث عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة رضى اللَّه عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: نحن الآخرون السابقون، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم، إذا أوتيت خزائن الأرض، فوضع في يدي أسواران من ذهب، فكبرا عليّ. . الحديث إلى آخره، وترجم عليه باب: النفخ في المنام [ (1) ] . وخرّج في باب: إذا رأى أنه أخرج الشيء من كورة، فأسكنه [موضعا] آخر، من حديث موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس، خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة- وهي الجحفة- فأولت أن وباء المدينة نقل إليها [ (2) ] ،   [ (1) ] (المرجع السابق) : 12/ 523، كتاب التعبير، باب (40) النفخ في المنام، حديث رقم (7037) . قوله: «فكبرا عليّ» ، قال القرطبي: وإنما عظم عليه ذلك لكون الذهب من حليه النساء ومما حرم على الرجال. قوله: «فأولتهما الكذابين» ، قال القاضي عياض: لما كان رؤيا السوارين في اليدين جميعا من الجهتين، وكان النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حينئذ. بينهما فتأول السوارين عليهما لوضعهما في غير موضعهما، لأنه ليس من حلية الرجال، وكذلك الكذب يضع الخبر في غير موضعه، وفي كونهما من ذهب إشعار بذهاب أمرهما. وقال ابن العربيّ: السوار من حلى الملوك الكفار، كما قال تعالى: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ. واليد لها معان: منها القوة، والسلطان، والقهر. قال: ويحتمل أن يكون ضرب المثل بالسوار كناية عن الأسوار، وهو من أسامى ملوك الفرس، قال: وكثيرا ما يضرب المثل بحذف بعض الحروف. وقال القرطبي في (المفهم) : مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانوا أسلموا، فكانوا كالساعدين للإسلام، فلما ظهر فيهما الكذابان، وبهرجا على أهلها بزخرف أقوالهما، ودعواهما الباطلة، انخدع أكثرهم بذلك، فكان اليدان بمنزلة البلدين والسواران بمنزلة الكذابين، وكونهما من ذهب إشارة إلى ما زخرفاه، والزخرف من أسماء الذهب. (فتح الباري) : مختصرا، وأخرجه مسلم في كتاب الرؤيا حديث رقم (2274) . [ (2) ] (المرجع السابق) : باب (41) إذا رأى أنه أخرج الشيء من كوة وأسكنه موضعا آخر، حديث رقم (7038) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 وخرّجه في باب المرأة السوداء [ (1) ] ، وفي باب المرأة الثائرة [بهذا] الإسناد نحوه [ (2) ] . وخرّج الترمذي من حديث عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ورقة، فقالت له خديجة رضى اللَّه عنها: إنه كان صدقك، ولكنه مات قبل أن تظهر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أريته في المنام وعليه ثياب بياض، ولو كان من أهل النار، لكان عليه لباس غير ذلك، قال: هذا حديث غريب. وعثمان ابن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقوى [ (3) ] . وخرّج مسلم [ (4) ] والترمذي [ (5) ] من طريق وهب بن جرير، [قال:] حدثنا أبى، عن أبى رجاء العطاردي، عن حمزة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه، فقال: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟ هذا آخر حديث لمسلم في كتاب الرؤيا، ولم يذكر منه غير هذا الّذي كتبناه، وهو أيضا آخر حديث في كتاب الرؤيا عند الترمذي ولفظه فيه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صلّى بنا الصبح، أقبل على الناس بوجهه وقال: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ ثم قال بعده: هذا حديث حسن [ (6) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : باب (42) المرأة السوداء، حديث رقم (7039) . [ (2) ] (المرجع السابق) : باب (43) المرأة الثائرة الرأس، حديث رقم (7040) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 468، كتاب الرؤيا، باب (10) ما جاء في رؤيا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الميزان والدلو، حديث رقم (2288) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 40 كتاب الرؤيا، باب (4) رؤيا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (2275) . [ (5) ] (سنن الترمذي) : 4/ 471، كتاب الرؤيا، باب (10) ما جاء في رؤيا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الميزان والدلو، حديث رقم (2294) ، وأخرجه البخاري في الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، وفي التعبير، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح. [ (6) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 قال: ويروى هذا عن عوف وجرير بن حازم، عن أبى رجاء، عن سمرة رضى اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في قصة طويلة. قال: وهكذا روى محمد بن بشار هذا الحديث عن وهب بن جرير مختصرا [ (1) ] . وخرجه البخاري في باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، وهو آخر أبواب كتاب التعبير، من حديث إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عوف، حدثنا أبو رجاء، حدثنا سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يعنى مما] يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قال: فقص عليه ما شاء اللَّه [تعالى] أن يقص، وأنه قال لنا ذات غداة: إنه أتانى الليلة آتيان وأنهما ابتعثانى، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإن أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم [عليه] بصخرة، وإذا هو يهوى بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى [يصح] رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثل ما فعل به [المرة] الأولى، قال: قلت لهما: سبحان اللَّه! ما هذان؟ فقال: قالا لي: انطلق. قال: فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه، وإذا هو يأتى أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه- قال: وربما قال أبو رجاء: فيشق- قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب، حتى يصبح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان اللَّه! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق. فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور، قال: وأحسب أنه كان يقول، فإذا فيه   [ (1) ] (سنن الترمذي) : تعليقا على الحديث رقم (2294) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء [عراة] ، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قال: قلت لهم: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا، فأتينا على نهر حسبت كأن يقول: أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع [حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتى ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة] فيفغر له فاه، فيلقمه حجرا، فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغر له فاه، فألقمه حجرا، قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق. قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة، كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشها، ويسعى حولها، قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق، فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة، فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق. فانطلقنا، فانتهينا إلى روضة عظيمة، لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن، قال: قالا لي: ارق، فارتقيت فيها، قال: فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب، ولبن فضة، فأتينا باب المدينة، فاستفتحنا، ففتح لنا، فدخلناها، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجرى، كأن ماءه المحض من البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا، فذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قال: قالا لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك. قال: فسما بصرى صعدا، فإذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 قصر مثل [الربابة] البيضاء، قال: قالا لي: هذاك منزلك قال: قلت لهما: بارك اللَّه فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أما الآن، فلا، وأنت داخله، قال: قلت لهما: فإنّي قد رأت منذ الليلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟ [قال:] قالا لي: إنا سنخبرك. أما الرجل الأول الّذي أتيت عله يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة. وأما الرجل الّذي أتيت عليه يشر شر شدقه إلى قفاه [ومنخره إلى قفاه] ، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأما الرجال والنساء العراة، الذين في مثل بناء التنور، [فهم] الزناة والزواني. وأما الرجل الّذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة، فإنه آكل الربا. وأما الرجل الكريه المرآة الّذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه [مالك] خازن جهنم. وأما الرجل الطويل الّذي في الروضة، فإنه إبراهيم صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة. قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول اللَّه! وأولاد المشركين؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأولاد المشركين. وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنا، وشطر منهم قبيحا، فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، تجاوز اللَّه عنهم [ (1) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 542- 544، كتاب التعبير، باب (48) تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، حديث رقم (7047) . قوله: «باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح» فيه إشارة إلى ضعف ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106   [ () ] عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض علمائهم، قال: «لا تقصص رؤياك على امرأة، ولا تخبر بها حتى تطلع الشميس» . وفيه إشارة إلى الرد على من قال من أهل التعبير: أن المستحب أن يكون تعبير الرؤيا من بعد طلوع الشمس إلى الرابعة [من الشروق] ، ومن العصر إلى قبل المغرب، فإن الحديث دال على استحباب تعبيرها قبل طلوع الشمس، ولا يخالف قولهم بكراهة تعبيرها في أوقات كراهة الصلاة. قال المهلب: تعبير الرؤيا عند صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات، لحفظ صاحبها لها، لقرب عهده بها، قبل ما يعرض له نسيانها، ولحضور ذهن العابر، وقلة شغله بالفكرة فيما يتعلق بمعاشه، وليعرف الرائي ما يعرض له بسبب رؤياه، فيستبشر بالخير، ويحذر من الشر، ويتأهب لذلك، فربما كان في الرؤيا تحذير عن معصية فيكف عنها، وربما كانت إنذارا لأمر فيكون له مترقبا. [وقد] كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يجيد تعبير الرؤيا، وكان له مشارك في ذلك منهم، لأن الإكثار من هذا القول لا يصدر إلا ممن تدرب فيه، ووثق بإصابته، كقولك: كان زيد من العلماء بالنحو، ومنه قول صاحبي السجن ليوسف عليه السلام: نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 36] ، أي من المجيدين في عبارة الرؤيا، وعلما ذلك مما رأياه منه، هذا من حيث البيان. وأما من حيث النحو: فيحتمل أن يكون قوله: «هل رأى أحد منكم رؤيا» مبتدأ، والخبر مقدم عليه على تأويله هذا القول، مما يكثر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقوله. قوله: «وإنهما ابتعثانى» ، معنى ابتعثانى: أرسلانى، يقال: ابتعثه إذا أثاره وأذهبه، وقال ابن هبيرة: معنى ابتعثانى: أيقظاني، ويحتمل أن يكون رأى في المنام أنهما أيقظاه، فرأى ما رأى في المنام، ووصفه بعد أن أفاق على منامه كاليقظة، لكن لما رأى مثالا كشفه التعبير دل على أنه كان مناما. قوله: «وإني انطلقت معهما» ، زاد جرير بن حازم في روايته: «إلى الأرض المقدسة» ، وعند أحمد: «إلى أرض فضاء أو مستوية» ، وفي حديث على: «فانطلقا بى إلى السماء» . قوله: «وإنا أتينا على رجل مضطجع» ، في رواية جرير: «مستلق على قفاه» . قوله: «وإذا آخر قائم عليه بصخرة» ، في رواية جرير: «بفهر أو صخرة» ، وفي حديث على: «فمررت على تلك وأمامه آدمي، وبيد الملك صخرة يضرب بها هامة الآدمي» . قوله: «يهوى» بفتح أوله وكسر الواو، أي يسقط، يقال: هوى- بالفتح- يهوى هويا، سقط إلى أسفل. وضبطه ابن التين بضم أوله من الرباعي، وقال: أهوى من بعد، وهوى- بفتح الواو- نم قرب. قوله: «بالصخرة لرأسه فيثلغ» - بفتح أوله وسكون المثلثة اللام بعدها غين معجمة- أي يشدخه، وقد وقع في رواية جرير: «فيشدخ» والشدخ: كسر الشيء الأجوف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107   [ () ] قوله: «فيتدهده الحجر» - بفتح المهملتين بينهما هاء ساكنة- وفي رواية اللشمهينى: «فيتدأدأ» بهمزتين بدل الهاءين، وفي رواية النسفي، وكذا هو في رواية جرير بن حازم: «فيتدهدأ» بهاء ثم همزة، وكل بمعنى. والمراد: أنه دفعه من علو إلى أسفل، وتدهده إذا انحط، والهمزة تبدل من الهاء كثيرا، وتدأدأ تدحرج، وهو بمعناه. قوله: «فيتبع الحجر» أي الّذي رمى به «فيأخذه» . قوله: «فلا يرجع إليه» أي إلى الّذي شدخ رأسه. قوله: «حتى يصح رأسه» ، وفي رواية جرير: «حتى يلتئم» ، وعند أحمد: «عاد رأسه كما كان» ، وفي حديث على: «فيقع دماغه جانبا وتقع الصخرة جانبيا» . قال ابن العربيّ: جعلت العقوبة في رأس هذه النومة عن الصلاة. قوله: «فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد» ، وفي كتاب الجنائز ضبطه «كلوب» ، ووقع في حديث على: «فإذا أنا بملك وأمامه آدمي، وبيد الملك كلّوب من حديد فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه» . قوله: «فيشرشر شدقه إلى قفاه» أي يقطعه شقا، والشدق جانب الفم، وفي رواية جرير: «فيدخله في شقه فيشقه حتى يبلغ قفاه» . قال ابن العربيّ: شرشرة شدق الكاذب إنزال العقوبة بمحل المعصية، وعلى هذا تجرى العقوبة في الآخرة بخلاف الدنيا. قوله: «وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا» بغير همز للأكثر وحكى الهمز، أي رفعوا أصواتهم مختلطة، ومنهم من سهّل الهمزة. قال في (النهاية) : الضوضاء أصوات الناس ولغطهم، وكذا الضوضى بلا همز مقصور. وقال الحميدي: المصدر بغير همز. قوله: «كريه المرآة» بفتح الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة بعدها هاء تأنيث، قال ابن التين: أصله المرأية تحركت الياء، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وزنه مفعلة، أي قبيح المنظر. قوله: «عنده نار يحشها» قال الجوهري: حششت النار أحشاها حشا: أوقدتها. وقال في (التهذيب) : حششت الناد بالحطب: ضممت ما تفرق من الحطب إلى النار. وقال ابن العربيّ: حشّ النار: حرّكها. قوله: «فأتينا على روضة معتمة» قال الحافظ: الّذي يظهر أنه من العتمة وهو شدة الظلام، فوصفها بشدة الخضرة، كقوله تعالى: مُدْهامَّتانِ [الرحمن: 64] . قوله: «فانتهينا إلى المدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة» اللبن بفتح اللام وكسر الموحدة جمع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108   [ () ] لبنة، وأصلها ما يبنى به من طين. قوله: «فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم» ، هذا الإطلاق يحتمل أن يكون المراد أن نصفهم حسن كله ونصفهم قبح كله، ويحتمل أن يكون كل واحد منهم نصفه حسن ونصفه قبيح- والثاني هو المراد، ويريده قوله في صفتهم: «هؤلاء قوم خلطوا» أي عمل كل منهم صالحا وخلطه بعمل سيئ. قوله: «فقعوا في ذلك النهر» بصيغة فعل الأمر بالوقوع، والمراد أنهم ينغمسون فيه ليغسل تلك الصفة بهذا الماء الخاص. قوله: «كأن ماءه المحض» بفتح الميم وسكون المهملة بعدها ضاد معجمة، هو اللبن الخالص من الماء، حلوا كان أو حامضا. قوله: ذهب ذلك السوء عنهم، أي صار القبح كالشطر الحسن، فلذلك قال: وصاروا في أحسن صورة. قوله: فيرفضه» بكسر الفاء ويقال بضمها، قال ابن هبيرة: رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة، لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه، فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن، عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس. قوله: «وينام عن الصلاة المكتوبة، هذا أوضح من رواية جرير بن حازم بلفظ: «وعلمه اللَّه القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار» . فإن ظاهره أنه يعذب على ترك قراءة القرآن بالليل، بخلاف رواية عوف فإنه على تركه الصلاة المكتوبة، ويحتمل أن يكون التعذيب على مجموع الأمرين، ترك القراءة وترك العمل. قوله: «فهم الزناة» مناسبة العرى لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة، فعوقبوا بالهتك، والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من أعضائهم السفلى. قوله: «فإنه آكل الربا» . قال ابن هبيرة: إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة، لأن أصل الربا يجرى في الذهب، والذهب أحمر، وأما إلقام الملك الحجر، فإنه إشارة إلى أنه لا يغنى عنه شيئا، وكذلك الربا، فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد، واللَّه من ورائه محقه. قوله: «خازن جهنم» إنما كان كريه الرؤية، لأن في ذلك زيادة في عذاب أهل النار. قوله: «وأما الرجل الطويل الّذي في الروضة فإنه إبراهيم» وإنما اختص إبراهيم صلّى اللَّه عليه وسلّم لأنه أبو المسلمين، قال تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ [الحج: 78] ، وقال تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ [آل عمران: 68] . قوله: «وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا منهم قبيح» ، كذا في الموضعين بنصب الشطر ... ولغير أبى ذر «شطر» في الموضعين بالرفع، و «حسنا» و «قبيحا» بالنصب، ولكل وجه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109   [ () ] وفي حديث أبى أمامة: «ثم انطلقنا، فإذا نحن برجال ونساء أقبح شيء منظرا وأنتنه ريحا كأنما ريحهم المراحيض، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزواني والزناة، ثم انطلقنا، فإذا نحن بموتي أشد شيئا انتفاخا وأنتنه ريحا، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى الكفار، ثم انطلقناه فإذا نحن برجال نيام تحت ظلال الشجر، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى المسلمين، ثم انطلقناه، فإذا نحن برجال أحسن شيء وجها وأطيبه ريحا، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء هم الصديقون والشهداء والصالحون» . وفي هذا الحديث من الفوائد: أن الإسراء وقع مرارا، يقظة ومناما، على أنحاء شتى، وفيه أن العصاة يعذبون في البرزخ. وفيه نوع من تلخيص العلم، وهو أن يجمع القضايا جملة، ثم يفسرها على الولاء، ليجتمع قصورها في الذهن، والتحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة، وعن رفض القرآن لمن يحفظه، وعن الزنا، وأكل الربا، وتعمد الكذب، وأن الّذي له قصر في الجنة لا يقيم فيه وهو في الدنيا بل إذا مات، حتى النبي والشهيد. وفيه الحث على طلب العلم، واتباع من يلتمس منه ذلك، وفيه فضل الشهداء، وأن منازلهم في الجنة أرفع المنازل، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أرفع درجة من إبراهيم عليه السلام، لاحتمال أن إقامته هناك بسبب كفالته الولدان، ومنزله هو في المنزلة التي هي أعلى من منازل الشهداء، كما تقدم في الإسراء، أنه رأى آدم في السماء الدنيا، وإنما كان كذلك لكونه يرى نسم بنيه من أهل الخير ومن أهل الشر، فيضحك ويبكى، مع أن منزلته هو في عليين، فإذا كان يوم القيامة استقر كل منهم في منزلته. وفيه أن الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها، وفضل تعبيرها، واستحباب ذلك بعد صلاة الصبح، لأنه الوقت الّذي يكون فيه البال مجتمعا. وفيه استقبال الإمام أصحابه بعد الصلاة إذا لم يكن بعدها راتبة، وأراد أن يعظهم أو يفتيهم، أو يحكم بينهم. وفيه أن ترك استقبال القبلة للإقبال عليهم لا يكره، بل يشرع كالخطيب. قال الكرماني: مناسبة العقوبات المذكورة فيه للجنايات ظاهرة إلا الزنا ففيها خفاء، وبيانه أن العرى فضيحة كالزنا، والزاني من شأنه طلب الخلوة فناسب التنور، ثم خائف حذر حال الفعل كأن تحته نار. وقال أيضا: الحكمة في الاقتصار على من ذكر من العصاة دون غيرهم أن العقوبة تتعلق بالقول أو الفعل، فالأول: على وجود ما لا ينبغي منه أن يقال. والثاني: إما بدنىّ أو مالي، فذكر لكل منهم مثال ينبه به على من عداه، كما نبه بمن ذكر من أهل الثواب، وأنهم أربع درجات: درجات النبي، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 وخرجه في آخر كتاب الجنائز، في باب أولاد المشركين، من حديث جرير ابن حازم، عن أبى رجاء، بتقديم وتأخير، وزيادة بعض ألفاظ [ (1) ] . وخرّج في كتاب الإيمان، في باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، من حديث إبراهيم بن [سعد] ، عن صالح، عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، أنه سمع أبا سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم، رأيت الناس يعرضون عليّ، وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثّديّ، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليّ عمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] وعليه قميص يجرّه، قالوا: [فما] أوّلت ذلك يا رسول اللَّه؟ قال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] : الدين [ (2) ] . وخرّجه في كتاب التعبير في باب القميص في المنام [ (3) ] ، من حديث إبراهيم، بسنده.. الحديث، ولم يقل: عليّ، وقال: ومرّ عمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، وخرّجه مسلم به [ (4) ] .   [ () ] ودرجات الأمة أعلاها الشهداء، وثانيها من بلغ، وثالثها من كان دون البلوغ (فتح الباري) مختصرا. [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 321- 322، كتاب الجنائز، باب (93) بدون ترجمة، حديث رقم (1386) . [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 100، كتاب الإيمان، باب (15) تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، حديث رقم (23) . [ (3) ] (فتح الباري) : 12/ 488- 489، كتاب التعبير، باب (17) القميص في المنام، حديث رقم (7008) . قوله: «منها ما يبلغ الثديّ» بضم المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء، جمع ثدي بفتح ثم سكون، والمعنى: أن القميص قصير جدا بحيث لا يصل من الحلق إلى نحو السرة، بل فوقها. وقوله: «ومنها ما يبلغ دون ذلك» يحتمل أن يريد دونه من جهة السفل وهو الظاهر، فيكون أطول، ويحتمل أنه دونه من جهة العلو، فيكون أقصر، ويؤيد الأول ما في رواية الحكيم الترمذي من طريق أخرى، عن ابن المبارك، عن يونس عن الزهري، في هذا الحديث: «فمنهم من كان قميصه إلى سرته، ومنهم من كان قميصه إلى ركبته، ومنهم من كان قميصه إلى «أنصاف ساقيه» . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 51/ 168- 169، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) من فضائل عمر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 وخرّجه البخاري من حديث الليث، عن عقيل عن ابن شهاب، قال: أخبرنى أبو أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: بينا أنا نائم، رأيت الناس عرضوا عليّ، وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض على عمر وعليه قميص اجترّه، قالوا: فما أولته يا رسول اللَّه؟ قال: الدين. ذكره في كتاب التعبير، وترجم عليه باب: جر القميص في [المنام] [ (1) ] . وخرّج في باب اللبن، من حديث يونس عن الزهري، قال: أخبرنى حمزة ابن عبد اللَّه، أن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: بينا أنا نائم، أتيت بقدح لبن فشربت منه، حتى إني لأرى الرىّ يخرج في أظافيرى، ثم أعطيت فضلي [يعنى] عمر رضى اللَّه عنه، [قالوا] : فما أولته يا رسول اللَّه؟ قال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] : العلم [ (2) ] . و [خرجه] في   [ () ] رضى اللَّه عنه، حديث رقم (2390) . [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 489- 490، كتاب التعبير، باب (18) جر القميص في المنام، حديث رقم (7009) . [ (2) ] (فتح الباري) : 12/ 486، كتاب التعبير، باب (15) اللبن، حديث رقم (7006) . قوله: «باب اللبن» أي إذا رئي في المنام بماذا يعبر؟ قال المهلب: اللبن يدل على الفطرة، والسنة، والقرآن، والعلم. قال الحافظ: وقد جاء في بعض الأحاديث المرفوعة تأويله بالفطرة، كما أخرجه البزار من حديث أبى هريرة رفعه: «اللبن في المنام فطرة» ، وعند الطبراني من حديث أبى بكرة رفعه: «من رأى أنه شرب لبنا فهو الفطرة، ومن حديث أبى هريرة: «أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أخذ قدح اللبن قال له جبريل: الحمد للَّه الّذي هداك للفطرة» . وذكر الدينَوَريّ: أن اللبن المذكور في هذا يختص بالإبل، وأنه لشاربه مال حلال، وعلم، وحكمة. قال: ولبن البقر خصب السنة ومال حلال، وفطرة أيضا. ولبن الشاة مال، وسرور، وصحة جسم. وألبان الوحش شك في الدين، وألبان السباع غير محمودة، إلا أن لبن اللبؤة مال، مع عداوة لذي أمر. قال ابن العربيّ: اللبن رزق يخلقه اللَّه طيبا بين أخباث من دم وفرث، كالعلم، نور يظهره اللَّه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 المناقب [ (1) ] ، وخرجه في كتاب التعبير، في باب إذا أعطى فضله غيره في النوم [ (2) ] ، من حديث الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، وخرجه في كتاب العلم، في باب فضل العلم [ (3) ] ، كذلك. وخرجه مسلم من حديث يونس عن ابن شهاب [ (4) ] ، ومن حديث الليث عن ابن عقيل، عن ابن شهاب [ (5) ] .   [ () ] في ظلمة الجهل، فضرب به المثل في المنام. قال بعض العارفين: الّذي خلص اللبن من بين فرث ودم قادر على أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل، ويحفظ العمل عن غفلة وزلل، وهو كما قال، لكن اطردت العادة بأن العلم بالتعلم، والّذي ذكره قد يقع خارقا للعادة، فيكون من باب الكرامة. وفي الحديث مشروعية قص الكبير رؤياه على من دونه، وإلقاء العالم المسائل واختبار أصحابه في تأويلها، وأن من الأدب أن يرد الطالب علم ذلك إلى معلمه، قال: والّذي يظهر أنه لم يرد منهم أن يعبروها، وإنما أراد أن يسألوه عن تعبيرها، ففهموا مراده، فسألوه، فأفادهم، وكذلك ينبغي أن يسلك هذا الأدب في جميع الحالات. وفيه أن علم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم باللَّه لا يبلغ أحد درجته فيه، لأنه شرب حتى رأى الري يخرج من أطرافه، وأما إعطاؤه فضله عمر، فيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم باللَّه، بحيث كان لا يأخذه في اللَّه لومة لائم. وفيه أن من الرؤيا ما يدل على الماضي، والحال، والمستقبل، وهذه أوّلت على الماضي، فإن رؤياه هذه تمثيل بأمر قد وقع، لأن الّذي أعطيه من العلم كان قد حصل له، وكذلك أعطيه عمر، فكانت فائدة هذه الرؤيا تعريف قدر النسبة بين ما أعطيه صلّى اللَّه عليه وسلّم من العلم، وما أعطيه عمر رضى اللَّه عنه.. (فتح الباري) مختصرا. [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 50 كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (6) مناقب عمر بن الخطاب أبى حفص القرشي العدوي رضى اللَّه عنه، حديث رقم (3681) . [ (2) ] (فتح الباري) : 12/ 516، كتاب التعبير، باب (34) إذا أعطى فضله غيره في النوم، حديث رقم (7027) ، وقيل الرّيّ اسم من أسماء اللبن. [ (3) ] (فتح الباري) : 1/ 238، كتاب العلم، باب (22) فضل العلم، حديث رقم (82) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 196، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، حديث رقم (2391) . [ (5) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق [بدون رقم] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 وخرّج الحاكم من حديث معتمر بن سليمان، حدثنا عبيد اللَّه بن عمر، أنه سمع أبا بكر بن سالم يحدث عن أبيه، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني رأيت في النوم أنى أعطيت عسّا مملوءا لبنا، فشربت منه حتى تملأت، حتى رأيته في عرق بين الجلد واللحم، ففضلت فضلة، فأعطيتها عمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ؟ فقال: أصبتم. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] . ولم يخرجاه [ (2) ] . وخرّجا من حديث يونس عن ابن شهاب، أن [سعيد] بن المسيب أخبره أنه سمع أبا هريرة [رضى اللَّه عنه] يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: بينا أنا نائم، رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء اللَّه [تعالى] ، ثم أخذها ابن أبى قحافة [رضى اللَّه عنه] ، فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، واللَّه [تعالى] يغفر له ضعفه، ثم استحالت غربا، فأخذها ابن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر [رضى اللَّه عنه] ، [حتى] ضرب الناس بعطن. لفظهما فيه متقارب. أورده البخاري في مناقب أبى بكر رضى اللَّه عنه [ (3) ] ، وأورده في كتاب   [ (1) ] (المستدرك) 3/ 92، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4496) ، قال الحافظ الذهبي في (التخليص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 26، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (5) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لو كنت متخذا خليلا» ، حديث رقم (3664) . قوله: «وفي نزعه ضعف» أي أنه على مهل ورفق. قوله: «واللَّه يغفر له» قال النووي: هذا دعاء من المتكلم، أي أنه لا مفهوم له. وقال غيره: فيه إشارة إلى قرب وفاة أبى بكر، وهو نظير قوله تعالى لنبيه عليه السلام: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 التعبير [ (1) ] ، من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب. وخرّجه مسلم عن الليث أيضا [ (2) ] ، وعن إبراهيم بن سعد، عن صالح، بإسناد يونس، نحو   [ () ] وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً، فإنّها إشارة إلى قرب وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أن قلة الفتوح في زمانه لا صنع له فيه، لأن سببه قصر مدته، فمعنى المغفرة له رفع الملامة عنه. قوله: «فاستحالت في يده غربا» بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة، أي دلوا عظيمة. قوله: «فلم أر عبقريا» بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها قاف مفتوحة وراء مكسورة وتحتانية ثقيلة، والمراد به كل شيء بلغ النهاية، وأصله أرض يسكنها الجن، ضرب بها العرب المثل في كل شيء عظيم. وقيل: قرية يعمل بها الثياب البالغة في الحسن، والعطن: هو مناخ الإبل إذا شربت ثم صدرت. قال البيضاوي: أشار بالبئر إلى الدين الّذي هو منبع ماؤها حياة النفوس، وتمام أمر المعاش والمعاد، والنزع منه إخراج الماء، وفيه إشارة إلى إشاعة أمره وإجراء أحكامه، وقوله: «يغفر اللَّه له» إشارة إلى ضعفه- المراد به الرّفق- غير قادح فيه، أو المراد بالضعف ما وقع في أيامه من أمر الردة، واختلاف الكلمة، إلى أن اجتمع ذلك في آخر أيامه وتكمل في زمان عمر، وإليه الإشارة بالقوة. وقد وقع عند الإمام أحمد من حديث سمرة: «أن رجلا قال: يا رسول اللَّه، رأيت كأن دلوا من السماء دليت، فجاء أبو بكر فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر فشرب حتى تضلع» .. الحديث ففي هذا إشارة إلى بيان المراد بالنزع الضعيف والنزع القوى، واللَّه تعالى أعلم. (فتح الباري) مختصرا. [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 512- 513، كتاب التعبير، باب (29) نزع الذنوب والذنوبين من البئر بضعف، حديث رقم (7021) ، وفي هذا الحديث والّذي قبله (7020) : أنه من رأى أنه يستخرج من بئر ماء أنه يلي ولاية جليلة، وتكون مدته بحسب ما استخرج قلة وكثرة، وقد تعبر البئر بالمرأة، وما يخرج منها بالأولاد، وهذا الّذي أعتمده أهل التعبير، ولم يعرجوا على الّذي قبله، فهو الّذي ينبغي أن يعوّل عليه، لكنه بحسب حال الّذي نزع الماء. (فتح الباري) مختصرا. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 170، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، حديث رقم (2392) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 حديثه [ (1) ] . وخرّجه البخاري في كتاب التوحيد، في باب المشيئة والإرادة، من حديث إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] ، وقال في آخره: حتى ضرب الناس حوله بعطن [ (2) ] . وخرّجه مسلم [ (3) ] من حديث إبراهيم، عن صالح، قال: قال الأعرج   [ (1) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي السابق مختصرا بدون رقم. قال العلماء: هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن بركته وآثار صحبته، فكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هو صاحب الأمر. فقام به أكمل قيام، وقرر قواعد الإسلام، ومهد أموره، وأوضح أصوله وفروعه، ودخل الناس في دين اللَّه أفواجا. وأنزل اللَّه تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ثم توفى صلّى اللَّه عليه وسلّم فخلفه أبو بكر رضى اللَّه عنه سنتين وأشهرا. وهو المراد بقوله: صلّى اللَّه عليه وسلّم ذنوبا أو ذنوبين، وهذا شك من الراويّ، والمراد ذنوبان كما صرح به في الرواية الأخرى، وحصل في خلافته قتال أهل الردة، وقطع دابرهم واتساع الإسلام، ثم توفى فخلفه عمر رضى اللَّه عنه فاتسع الإسلام في زمنه، وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله، فعبر بالقليب عن أمر المسلمين، لما فيها من الماء الّذي به حياتهم وصلاحهم، وشبه أميرهم بالمستقى لهم، وسقيه هو قيامه بمصالحهم. وتدبير أمورهم، وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في أبى بكر رضى اللَّه عنه: «وفي نزعه ضعف» ، فليس فيه حطّ من فضيلة أبى بكر، ولا إثبات فضيلة لعمر عليه، وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما، وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها ولاتساع الإسلام وبلاده، والأموال، وغيرها من الغنائم، والفتوحات، ومصّر الأمصار، ودوّن الدواوين. وأما قوله: «واللَّه يغفر له» ، فليس فيه تنقيص له، ولا إشارة إلى ذنب، وإنما هي كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم، ونعمت الدعامة، كانوا يقولون: افعل كذا واللَّه يغفر لك. قال العلماء وفي كل هذا إعلام بخلافة أبى بكر وعمر، وصحة ولايتهما، وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها. (شرح النووي على صحيح مسلم) مختصرا. [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 549 كتاب التوحيد، باب (31) في المشيئة والإدارة، حديث رقم (7475) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 171، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) ، من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، حديث [بدون رقم] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 وغيره: إن أبا هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: رأيت ابن أبى قحافة [رضى اللَّه عنه] ينزع.. بنحو حديث الزهري. وخرجه البخاري في كتاب التعبير، في باب الاستراحة في المنام، من حديث عبد الرّزاق، عن معمر، عن همام أنه سمع أبا هريرة [رضى اللَّه عنه] يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم، رأيت أنى على حوض أسقى الناس، فأتانى أبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، فأخذ الدلو من يدي ليريحنى، فنزع ذنوبين، وفي نزعه ضعف، واللَّه يغفر له، فأتى ابن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، فأخذ منه، فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض ينفجر [ (1) ] . وخرّجه مسلم من طريق عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرنى عمرو بن الحارث، أن أبا [يونس] مولى أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] ، حدثه عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] ، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بينا أنا نائم، أريت أنى أنزع على حوضي أسقى الناس، فجاءني أبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، فأخذ الدلو من يدي ليروّحنى، فنزع دلوين وفي نزعه ضعف، واللَّه يغفر له، فجاء ابن الخطاب [رضى اللَّه عنه] فأخذه منه، فلم أر نزع رجل أقوى منه، حتى تولى الناس، والحوض ملآن يتفجّر [ (2) ] . وذكره البخاري في مناقب عمر رضى اللَّه عنه، من طريق [عبيد] اللَّه ابن عمر قال: حدثني [أبو بكر] بن سالم، عن سالم، عن عبد اللَّه بن عمر   [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 513، كتاب التعبير، باب (30) الاستراحة في المنام- حديث رقم (7022) . قوله: «الاستراحة في المنام» قال أهل التعبير: إذا كان المستريح مستلقيا على قفاه فإنه يقوى أمره، وتكون الدنيا تحت يده، لأن الأرض أقوى ما يستند إليه، بخلاف ما كان منبطحا فإنه لا يدرى ما وراءه. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 171، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، حديث رقم (18) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 رضى اللَّه [عنهما] ، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أريت في المنام أنى أنزع بدلو بكرة [على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين، نزعا ضعيفا، واللَّه يغفر له، ثم جاء عمر [رضى اللَّه عنه] فاستحالت غربا، فلم أر عبقريا من الناس يفرى فريّه، حتى روى الناس وضربوا بعطن] [ (1) ] . وخرّجاه من حديث موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه، وخرّجه البخاري من حديث شعيب بن حرب، حدثنا صخر بن جويرية، حدثنا نافع أن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] حدثه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينما أنا على بئر أنزع منها إذا جاءني أبو بكر وعمر [رضى اللَّه عنهما] ، فأخذ أبو بكر [رضى اللَّه عنه] الدلو، فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، فغفر اللَّه له، ثم أخذها ابن الخطاب [رضى اللَّه عنه] من يد أبى بكر، فاستحالت في يده غربا، فلم أر عبقريا من الناس يفرى فريه، حتى ضرب الناس بعطن. ذكره في كتاب التعبير في باب نزع الماء من البئر حتى يروى الناس [ (2) ] . وخرجه في مناقب أبى بكر رضى اللَّه عنه، من حديث وهب بن جرير، أخبرنا صخر عن نافع، أن عبد اللَّه بن عمر [رضى اللَّه عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:.. الحديث، وقال فيه: واللَّه يغفر له، وقال في آخره: فنزع حتى ضرب الناس بعطن، وقال بعد هذا: وقال وهب: العطن، مبرك الإبل، يقول: حتى رويت الإبل فأناخت [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 50، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (6) مناقب عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، حديث رقم (3682) . [ (2) ] (فتح الباري) : 12/ 509، كتاب التعبير، باب (28) نزع الماء من البئر حتى يروى الناس، رواه أبو هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (7019) . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 26، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (5) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لو كنت متخذا خليلا» ، حديث رقم (3676) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 وخرّج الحافظ ابن الجوزي وغيره، من طريق مطر الوراق وهشام، كلاهما عن ابن سيرين: عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت كأنى أنزع على غنم سود، وخالطها غنم عفر، إذ جاء أبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، فنزع ذنوبين وفيهما ضعف، ويغفر اللَّه له، إذ جاء عمر [رضى اللَّه عنه] ، فأخذ الدلو، فاستحالت غربا، فأروى الناس، وصدر الشاء، فلم أر عبقريا يفرى فريه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأوّلت أن الغنم السوداء العرب، وأن العفر إخوانهم من هذه الأعاجم [ (1) ] . وخرّج البخاري في كتاب النكاح، في باب الغيرة، من حديث يونس عن الزهري، أخبرنى ابن المسيب، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: بينما نحن عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جلوس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم، رأيتني في الجنة [ (2) ] . وخرجه مسلم في المناقب، من حديث يونس، أن ابن شهاب أخبره عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] ، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: بينا أنا نائم إذ رأيتني في الجنة، فإذا امرأة توضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، فذكرت غيرة عمر، فوليت مدبرا، قال أبو هريرة [رضى اللَّه عنه] : فبكى عمر رضى اللَّه عنه، ونحن جميعا في ذلك المجلس [مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (3) ] ، ثم قال عمر [رضى اللَّه عنه] بأبي أنت يا رسول اللَّه، أعليك أغار [ (4) ] ؟   [ (1) ] (تاريخ أصفهان لأبى نعيم) : 1/ 8. [ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 400، كتاب النكاح، باب (108) الغيرة، حديث رقم (5227) . [ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 173، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، حديث رقم (2395) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 وقال البخاري: فبكى عمر [رضى اللَّه عنه] وهو في المجلس، وقال: أو عليك يا رسول اللَّه أغار؟ [ (1) ] . ورواه مسلم أيضا من حديث صالح، عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله [ (2) ] . وخرجه البخاري من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب. ذكره في كتاب بدء الخلق، في باب صفة [الجنة] [ (3) ] ، وفي مناقب عمر [رضى اللَّه عنه [ (4) ] ، و] في التعبير، في باب القصر في المنام [ (5) ] . وخرجه أيضا في التعبير، من حديث معمر، أخبرنا عبيد اللَّه بن عمر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دخلت الجنة، فإذا أنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لرجل من قريش، فما منعني أن أدخله يا ابن الخطاب إلا ما أعلم من   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 400، كتاب النكاح، باب (108) الغيرة، حديث رقم (5227) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 174، كتاب فضائل الصحابة باب (2) من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، الحديث الّذي يلي الحديث رقم (2395) [بدون رقم] . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 391، كتاب بدء الخلق، باب (8) ما جاء في صفة الجنة وأنه مخلوقة، حديث رقم (3242) . [ (4) ] (فتح الباري) : 7/ 50، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (6) مناقب عمر رضى اللَّه عنه، حديث رقم (3680) . [ (5) ] (فتح الباري) : 12/ 514، كتاب التعبير، باب (31) القصر في المنام، حديث رقم (7023) ، وهذه المرأة هي أم سليم، وكانت في قيد الحياة حينئذ، فرآها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجنة إلى جانب قصر عمر، فيكون تعبيره بأنها من أهل الجنة، لقول الجمهور من أهل التعبير: أن من رأى أنه دخل الجنة أنه يدخلها، فكيف إذا كان الرائي لذلك أصدق الخلق. وأما وضوئها فيعبر بنظافتها حسا ومعنى، وطهارتها جسما وحكما، وأما كونها إلى جانب قصر عمر، ففيه إشارة إلى أنها تدرك خلافته، وكان كذلك. قوله: «أعليك أغار» فهو من المقلوب لأن القياس أن يقول: أعليها أغار منك. وفي الحديث جواز ذكر الرجل بما علم من خلقه كغيرة عمه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 غيرتك، قال: وعليك أغار يا رسول اللَّه [ (1) ] ؟ وخرجه في النكاح، في باب الغيرة [ (2) ] . وخرجه مسلم من حديث سفيان، عن عمرو، وابن المنكدر [أنهما] سمعا جابرا [رضى اللَّه عنه] ، يخبر عن النبي فذكره [ (3) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث سفيان، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت كأنى أتيت بكثلة تمر، فعجمتها في فمي، فوجدت فيها نواة آذتني، فلفظتها، ثم أخذت فيها نواة، فلفظتها] ، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: دعني، فلأعبرها، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اعبرها، قال [رضى اللَّه عنه:] هو جيشك الّذي بعثت، يسلمون ويغنمون، فيلقون رجلا، فينشدهم ذمتك، فيدعونه، ثم   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7024) ، قوله: «القصر في المنام» قال أهل التعبير: القصر في المنام عمل صالح لأهل الدين، ولغيرهم حبس وضيق، وقد يفسر دخول القصر بالتزويج. [ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 399، كتاب النكاح، باب (108) الغيرة، حديث رقم (5226) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 172، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، حديث رقم (2394) . قوله: «الغيرة بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها راء. قال عياض وغيره: هي مشتقة من تغير القلب، وهيجان الغضب، بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين. هذا في حق الآدمي. وأما في حق اللَّه تعالى، فقال الخطابي: أحسن ما يفسر به، ما فسر به، حديث أبى هريرة: «وغيرة اللَّه أن يأتى المؤمن ما حرّم اللَّه عليه» . قال عياض: ويحتمل أن تكون الغيرة في حق اللَّه الإشارة إلى تغير حال فاعل ذلك، وقيل: الغيرة في الأصل الحمية والأنفة، وهو تفسير يلازم التغير فيرجع الغضب، وقد نسب سبحانه وتعالى إلى نفسه في كتاب العزيز الغضب والرضا. وقال ابن العربيّ: التغير محال على اللَّه بالدلالة القطعية، فيجب تأويله بلازمه، كالوعيد أو إيقاع العقوبة بالفاعل، ونحو ذلك. ثم قال: ومن أشرف وجوه غيرته تعالى، اختصاصه قوما بعصمته، يعنى فمن ادعى شيئا من ذلك لنفسه عاقبه، قال: وأشد الآدميين غيرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأنه كان يغار للَّه ودينه، ولهذا كان لا ينتقم لنفسه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 يلقون رجلا فينشدهم ذمتك فيدعونه، ثم يلقون رجلا فينشدهم ذمتك فيدعونه، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذاك قال الملك [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق، وقال: أخبرنا معمر عن قتادة، عن الحسن بن عمران بن حصين، عن ابن مسعود رضى اللَّه عنه قال: أكثرنا الحديث ذات ليلة، عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم غدونا [إليه] ، فقال: عرضت عليّ الأنبياء [الليلة] [ (2) ] بأممها، فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة [والنبي ومعه العصابة] ، والنبي ومعه النفر، والنبي وليس معه أحد، حتى مرّ [عليّ] [ (2) ] موسى عليه الصلاة والسلام، ومعه [كبكبة] من بنى إسرائيل، فأعجبوني، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل [لي] [ (2) ] هذا أخوك موسى، معه بنو إسرائيل [قال] [ (2) ] فقلت: أين أمتى؟ فقيل لي: انظر عن يمينك، فنظرت، فإذا الظراب قد سد بوجوه الرجال [ثم قيل لي: انظر عن يسارك، فنظرت فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال] [ (2) ] فقيل لي: أرضيت؟ فقلت: رضيت يا رب، [قال:] [ (2) ] فقيل لي: إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فداكم أبى وأمى، إن استطعتم أن تكونوا من السبعين الألف فافعلوا، فإن قصرتم، فكونوا من أهل الظراب، فإن قصرتم، فكونوا من أهل الأفق، فإنّي قد رأيت ثم ناسا يتهاوشون، فقام عكاشة بن محصن رضى اللَّه عنه فقال: أدع اللَّه لي يا رسول اللَّه أن يجعلني من السبعين فدعا له، فقام رجل آخر فقال: ادع اللَّه يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يجعلني منهم؟ فقال: قد سبقك بها عكاشة. [ثم تحدثنا] [ (2) ] ، فقلنا: من ترون هؤلاء السبعين الألف. قوم ولدوا في الإسلام، ثم لم يشركوا باللَّه شيئا حتى ماتوا، فبلغ ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال   [ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 397، حديث رقم (14864) ، وفيه: «يسلم ويغنم» . [ (2) ] زيادة للسياق من (مسند أحمد) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 صلّى اللَّه عليه وسلّم: هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون [ (1) ] . وخرّج البخاري ومسلم، من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه [قال] : إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان [رضى اللَّه عنها] فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت [رضى اللَّه عنهما] . [فدخل] عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما، فأطعمته، ثم جلست تفلى رأسه، فنام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه! ما يضحك؟ قال: ناس من أمتى عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة- يشك أيهما- قال: قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه [تعالى] أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم وضع رأسه، فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول اللَّه؟ قال: ناس من أمتى عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه [تعالى] ، كما قال في [الأولى] ، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، أدع اللَّه أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية، [بن أبى سفيان] فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت. خرجه البخاري بهذا السند في باب الدعاء بالجهاد، والشهادة للرجال والنساء [ (2) ] ، وفي كتاب الإستئذان [ (3) ] ، وكذلك خرجه أبو   [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 662- 663، حديث رقم (3796) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 12، كتاب الجهاد والسير، باب (3) الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء، حديث رقم (2788) ، (2789) . [ (3) ] (فتح الباري) : 11/ 83، كتاب الاستئذان، باب (41) من زار قوما فقال عندهم، حديث رقم (6282) ، (6283) . قوله: «قال عندهم» أي وقت القيلولة، والفعل الماضي منه ومن القول مشترك، بخلاف المضارع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 داود [ (1) ] ، وخرجه الترمذي أيضا من حديث مالك، وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] ، وأخرجوه من حديث يحى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أنس رضى اللَّه عنه [ (3) ] ، وخرجه البخاري من حديث الليث، عن محمد بن يحى بن حبان، عن أنس، ومن حديث أبى إسحاق [بن] عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أنس رضى اللَّه عنه [ (4) ] .   [ () ] فقال يقيل: من القائلة، وقال يقول: من القول: وقد تلطف النضير المناوى حيث قال في لغز. قال قال النبي قولا صحيحا ... قلت قال النبي قولا صحيحا قال المهلب: في هذا الحديث مشروعية القائلة للكبير في بيوت معارفه لما في ذلك من ثبوت المودة، وتأكد المحبة. قوله: «ثبج هذا البحر» الثبج بفتح المثلثة والموحدة ثم جيم: ظهر الشيء وقال الخطّابى: متن البحر وظهره، وقال الأصمعي: ثبج كل شيء وسطه، وقال أبو على في (أماليه) : قيل: ظهره، وقيل: معظمه، وقيل: هوله، وقال أبو زيد في (نوادره) : ضرب ثبج الرجل بالسيف أي وسطه، وقيل: ما بين كتفيه، والراجح أن المراد هنا ظهره، كما وقع في التصريح به، والمراد أنهم يركبون السفن التي تجرى على ظهره. كما وقع في التصريح به، والمراد أنهم يركبون السفن التي تجرى على ظهره. (فتح الباري) مختصرا. [ (1) ] (سنن أبى داود) : 3/ 14، كتاب الجهاد، باب (10) فضل الغزو في البحر، حديث رقم (2490) ، (2491) مختصرا. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 152- 153، كتاب فضائل الجهاد، باب (15) ما جاء في غزو البحر، حديث رقم (1645) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأم حرام بنت ملحان هي أخت أم سليم، وهي خالة أنس بن مالك رضى اللَّه عنه. [ (3، 4) ] (فتح الباري) : 6/ 21- 22، كتاب الجهاد والسير، باب (8) فضل من يصرع في سبيل اللَّه فمات فهو منهم، حديث رقم (2799) و (2800) . وفي (مسلم بشرح النووي) : 13/ 61- 62، كتاب الإمارة، باب (49) فضل الغزو في البحر، حديث رقم (1912) . في هذا الحديث معجزات للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: منها إخباره ببقاء أمته بعده، وأنه تكون لهم شوكة وقوة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124   [ () ] وعدد، وأنهم يغزون، وأنهم يركبون البحر، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها تكون معهم، وقد وجد بحمد اللَّه تعالى كل ذلك. وفيه فضيلة لتلك الجيوش، وأنهم غزاة في سبيل اللَّه تعالى، واختلف العلماء متى جرت هذه الغزوة التي توفيت فيها أم حرام في البحر، قال أهل السير والأخبار: أن ذلك كان في خلافة عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه [كان ذلك في سنة (28 هـ) وكان معاوية في هذه الغزوة ومعه زوجته فاختة، فأتى قبرص وفتحها، وتوفيت أم حرام بها ودفنت هناك وقبرها فيها يزار] (شرح النووي على صحيح مسلم) مختصرا. وفي هذا الحديث جواز ركوب البحر للرجال والنساء، وكذا قاله: الجمهور وكره مالك ركوبه للنساء، لأنه لا يمكنهن غالبا التستر فيه، ولا غض البصر عن المتصرفين فيه، ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن، لا سيما فيما صغر من السفيان، مع ضرورتهن إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال، [لكن في هذه الأيام فالسفن مجهزة بكافة حاجات الإنسان المعيشية خلال رحلته في الباخرة مهما طال وقتها، الأمر الّذي تنتفى معه هذه الكراهة] . قال القاضي: وروى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضى اللَّه عنه عنهما منع ركوبه، وقيل: إنما منعه العمران للتجارة وطلب الدنيا لا للطاعات. وقد روى عن ابن عمر، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم النهى عن ركوب البحر، إلا لحاج أو معتمر أو غاز. وضعف أبو داود هذا الحديث وقال: رواته مجهولون. (شرح النووي على صحيح مسلم) مختصرا. وهذا الحديث [حديث الباب] أخرجه أيضا كل من: ابن ماجة في (السنن) : 2/ 927، كتاب الجهاد، باب (10) فضل غزو البحر، حديث رقم (2776) . والنسائي في (السنن) : 6/ 347- 349، كتاب الجهاد باب (40) فضل الجهاد في البحر، حديث رقم (3171) ، (3172) . والدارقطنيّ في (السنن) : 2/ 129، باب فضل غزاة البحر، حديث رقم (2426) . والإمام مالك في (الموطأ) : 309، كتاب الجهاد، باب الترغيب في الجهاد، حديث رقم (1002) بسياقه أتم. والإمام أحمد في (المسند) : 4/ 124، حديث رقم (13108) ، 4/ 165- 116، حديث رقم (13379) كلاهما مختصر جدا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 وخرّج الحاكم من حديث عبد اللَّه بن صالح قال: حدثني الليث عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبى هلال، عن عطاء، أن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، رضى اللَّه [عنهما] ، قال: خرج إلينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما فقال: إلى رأيت في المنام كأن جبريل عليه السلام عند رأسي، وميكائيل عليه السلام عند رجلي، يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا، فقال: اسمع سمعت أذنك، واعقل عقل قلبك، مثلك ومثل أمتك، كمثل ملك اتخذ دارا، ثم بنى فيها بيتا، ثم جعل فيها مائدة، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه، فاللَّه هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد الرسول، من أجابك دخل [الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل منها] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (1) ] . وخرّجه البيهقي من حديث عبد اللَّه بن صالح، حدثني الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبى هلال، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن على بن الحسين، وتلا هذه الآية: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، فقال: حدثني جابر بن عبد اللَّه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما.. فذكر الحديث [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث سليم بن حبان، أخبرنا سعيد بن مينا [قال] : أخبرنا- أو سمعت- جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنها يقول: جاءت ملائكة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن   [ (1) ] (المستدرك) 2/ 369، كتاب التفسير، تفسير سورة يونس عليه السلام عند قوله تعالى: اللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، حديث رقم (3299) باختلاف يسير في اللفظ، وما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (الأصلين) ، وصوبناه من (المستدرك) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] هذه الفقرة هي صدر الحديث السابق رقم (3299) من (المستدرك) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 126 العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيا، فمن أجاب الداعي، دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي، لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها بفقهها، فقالوا: فالدار، الجنة، والداعي، محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمن أطاع محمدا فقط أطاع اللَّه، ومن عصى محمدا فقد عصى اللَّه، ومحمد فرق بين الناس [ (1) ] . وخرّج الحاكم [ (2) ] من طريق محمد بن فضيل، عن حصين، بن عبد الرحمن عن ابن أبى ليلى، عن أبى أيوب رضى اللَّه عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني رأيت في المنام غنما سودا، يتبعها غنم عفر، يا أبا بكر، أعبرها، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، هي العرب تتبعك، ثم تتبعها العجم حتى تغمرها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هكذا عبرها الملك سحرا. وخرّج من حديث عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن دينار، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت غنما كثيرة سوداء، دخلت فيها غنما كثيرة بيض، قالوا: فما أولته يا رسول اللَّه؟ قال: [العجم يشركونكم في دينكم وأنسابكم، قالوا: العجم يا رسول اللَّه؟ قال: لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من العجم وأسعدهم به الناس] [ (3) ] . قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط البخاري   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 310- 311، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (2) الاقتداء بسنن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقول اللَّه تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً حديث رقم (7281) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 437، كتاب تعبير الرؤيا، حديث رقم (8193) ، وقد سكت عنه الذهبي في التلخيص. [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 437، كتاب تعبير الرؤيا، حديث رقم (8194) ، وما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (الأصلين) وصوبناه من (المستدرك) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 ولم يخرجاه. وخرج من حديث يحى بن محمد بن يحى الذهلي، حدثنا مسدد، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عوف، حدثنا أبو رجاء عن سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قال: فيقص عليه من شاء، وإنه قال ذات غداة: أنه أتاني الليلة آتيان ملكان، فقعد أحدهما عند رأسي، والأخر عند رجلي، فقال الّذي عند رجلي للذي عند رأسي: اضرب مثل هذا ومثل أمته، فقال: إن مثله ومثل أمته، كمثل قوم سفّر انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة، ولا ما يرجعون به، فبينا هم كذلك، إذ أتاهم رجل مرجل في حلة حبرة، فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء [أتتبعوني؟ فقالوا: نعم، فانطلق بهم فأوردهم رياضا معشبة وحياضا رواء] ، فأكلوا، [وشربوا] ، وسمنوا، فقال لهم: ألم ألقكم على تلك الحال، فقلت لكم إن وردت بكم رياضا عشبة، وحياضا رواء تتبعوني قالوا: بلى، فقال: إن بين أيديكم رياضا أعشب من هذا، وحياضا أروى من هذه، فاتبعوني، فقالت طائفة: صدق واللَّه، لنتبعن، وقالت طائفة: قد رضينا بهذا، نقيم عليه [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] . وخرّج الحاكم من طريق موسى بن يعقوب الزمعى، قال: أخبرنى هاشم ابن هاشم بن عتبة بن أبى وقاص، عن عبد اللَّه بن وهب بن زمعة، قال: أخبرتنى أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اضطجع ذات ليلة للنوم، فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر،   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 439، كتاب تعبير الرؤيا، حديث رقم (8200) وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) وقال الحافظ الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 128 دون ما رأيت به المرة الأولى، ثم اضطجع، فاستيقظ، وفي يده تربة حمراء يقبلها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول اللَّه؟ قال: أخبرنى جبريل عليه السلام أن هذا يقتل بأرض العراق، للحسين رضى اللَّه عنه، فقلت لجبريل: أرنى تربة الأرض التي يقتل بها، فهذه تربتها [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرج الترمذي من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتانى الليلة ربى في أحسن صورة، قال: أحسبه في المنام [قال: كذا في الحديث] ، فقال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا، فوضع يده بين كتفي، حتى وجدت بردها بين ثديي- أو قال: في نحري- فعلمت ما في السموات وما في الأرض، قال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، قال: في الكفارات والمفازات: المكث في المساجد بعد الصلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وقال: يا محمد، إذا صليت فقل: اللَّهمّ إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضنى إليك غير مفتون، قال: والدرجات، إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام [ (2) ] . قال أبو عيسى: وقد ذكروا بين أبى قلابة وبين ابن عباس رضى اللَّه عنها في هذا الحديث، [وقد رواه قتادة عن أبى   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 440، كتاب تعبير الرؤيا، حديث رقم (8202) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : مرّ هذا على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 342، كتاب تفسير القرآن، باب (39) ومن سورة (ص) ، وحديث رقم (3233) ، وما بين الحاصرتين في آخره من (الترمذي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس] . ثم ذكر من طريق هشام الدستوائى، عن قتادة، عن أبى قلابة، عن خالد ابن اللجلاج، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أتانى ربى في أحسن صورة فقال: يا محمد، قلت: لبيك ربى وسعديك، قال فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: ربى لا أدرى، فوضع يده بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما بين المشرق والمغرب، قال: يا محمد، فقلت: لبيك رب وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الدرجات، والكفارات، وفي نقل الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكروهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ومن يحافظ عليهنّ عاش بخير، ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه [ (1) ] . قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وفي الباب: عن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه، وعبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد روى هذا الحديث [عن] معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه عن النبي بطوله، وقال: إني نعست فاستثقلت نوما، فرأيت ربى في أحسن صورة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ [ (2) ] . وخرّج من طريق يحيى بن أبى كثير، عن زيد بن سلام، عن أبى سلام، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرميّ، أنه حدثه عن مالك بن يخامر السكسكي، عن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه، قال: احتبس عنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات غداة عن صلاة الصبح، حتى كدنا نتراءى، أي عين الشمس، فخرج سريعا، فثوب بالصلاة، فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتجوز في الصلاة، فلما   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 342- 343، كتاب تفسير القرآن، باب (39) ومن سورة (ص) ، حديث رقم (3234) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 343 تعليقا على الحديث السابق رقم (3234) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 سلم، دعا بصوته، قال لنا: على مصافكم، كما أنتم، ثم انفتل إلينا، ثم قال: أما [إني] سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، قال: إني قمت من الليل فتوضأت، وصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، فقال: يا محمد، قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدرى، قالها ثلاثا، قال: فرأيته وضع كفه بين كتفىّ، فوجدت برد أنامله بين ثديي، فتجلى لي كل شيء وعرفت، فقال: يا محمد، قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات، قال: ما هن؟ قلت: مشى الأقدام إلى الحسنات، والجلوس في المساجد [بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء حين الكريهات، قال: ثم فيم؟ قلت: إطعام الطعام] ولين الكلام، والصلاة بالليل والناس نيام، قال: سل، قلت: اللَّهمّ إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم، فتوفني غير مفتون، أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقرب إلى حبك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنها حق، فادرسوها، ثم تعلموها. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال: هذا أصح من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن [يزيد بن] جابر، قال: حدثنا خالد بن اللجلاج، قال حدثني عبد الرحمن بن عائش الحضرميّ، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ... فذكر الحديث، وهذا غير محفوظ، هكذا ذكر الوليد في حديثه، عن عبد الرحمن بن عائش قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وروى بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر هذا الحديث بهذا الإسناد، عن عبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهذا أصح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 وعبد الرحمن بن عائش لم يسمع من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث زهير بن محمد، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن خالد بن اللجلاج، عن عبد الرحمن بن عائش، عن بعض أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، [قال:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج عليهم ذات غداة وهو طيب النفس، مشرق الوجه، أو مسفر الوجه، فقلنا: يا رسول اللَّه! إنا نراك مسفر الوجه، أو مشرق الوجه، فقال: وما يمنعني وأتانى ربى عز وجل الليلة في أحسن صورة، فقال: يا محمد، فقلت: لبيك ربى وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدرى، أي رب، قال ذاك مرتين أو ثلاثا، قال: فوضع كفه بين كتفي، فوجدت بردها بين كتفي، حتى تجلى لي ما في السموات والأرض [وليكون من الموقنين] قال: يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: في الكفارات، قال: وما الكفارات؟ قلت: المشي على الأقدام، والجلوس في المسجد خلاف الصلوات، وإسباغ الوضوء في المكاره، فمن فعل ذلك عاش بخير، [ومات بخير] ، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات طيب الكلام، وبذل السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام، وقال: يا محمد، إذا صليت فقل: اللَّهمّ إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب عليّ، وإذا أردت فتنة في الناس، فتوفني غير مفتون [ (2) ] . [قال: والدرجات بذل الطعام،   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 343- 344، كتاب تفسير القرآن، باب (39) ومن سورة (ص) ، حديث رقم (3235) . والملأ الأعلى: الملائكة المقربون، واختصامهم إما عبارة عن تبادرهم إلى إثبات تلك الأعمال والصعود إلى السماء، وإما عن تقاولهم في فضلها وشرفها، وقد سماها مخاصمة، لأنه ورد مورد سؤال وجواب، وذلك يشبه المخاصمة والمناظرة، فلهذا أحسن إطلاق لفظ المخاصمة عليه (زاد المعاد) : 1/ 137. [ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 607، حديث رقم (3474) ، بزيادة ونقصان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام] [ (1) ] . وقال الواقدي في غزوة الطائف: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لأبى بكر رضى اللَّه عنه: إني رأيت أنى أهديت لي قعبة مملوءة زبدا، فنقرها ديك، [فأهراق] ما فيها، قال أبو بكر [رضى اللَّه عنه] : ما أظن أن تدرك منهم يا رسول اللَّه يومك هذا ما تريد، قال أبو بكر رضى اللَّه عنه: وأنا لا [أرى] ذلك [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد [رحمه اللَّه] ، من حديث حماد بن سلمة، حدثنا الأشعث بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: إن رجلا قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت كأن دلوا دليت من السماء، فجاء أبو بكر رضى اللَّه عنه، فأخذ بعراقيبها، فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر رضى اللَّه عنه، فأخذ بعراقيبها، فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان رضى اللَّه عنه، فأخذ بعراقيبها، فشرب، فانتشطت منه، فانتضح عليه منها شيء [ (3) ] . [ثم جاء على فأخذ بعراقيبها، فانتشطت وانتضح عليه منها شيء] [ (4) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث إسماعيل بن عياش: سمعت عمرو بن [العاص] رضى اللَّه عنه يقول: سمعت عن عبد اللَّه بن الحرث، قال:   [ (1) ] زيادة للسياق من (المسند) . وأخرجه أيضا في (المسند) : 6/ 322- 323، حديث رقم (21604) بزيادة ونقصان وتقديم وتأخير. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 936، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (3) ] (مسند أحمد) : 5/ 653، حديث رقم (19730) باختلاف يسير في اللفظ، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 5/ 31- 32، كتاب السنة، باب (9) في الخلفاء، حديث رقم (4637) ، وقال فيه: «بعراقيبها» . [ (4) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 سمعت عمرو بن [العاص] رضى اللَّه عنه يقول: بينا أنا في منامي أتتنى الملائكة، فحملت عمود الكتاب من تحت وسادتي فعمدت به إلى الشام، ألا فالإيمان حيث تقع الفتن بالشام [ (1) ] . ومن حديث زيد بن واقد قال: حدثني بشر بن [عبد] اللَّه، عن أبى إدريس الخولانيّ، عن أبى الدرداء رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب، فأتبعته بصرى فعهد به إلى الشام. . الحديث [ (2) ] . وخرّج الحاكم من حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نمت فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا: قالوا: حارثة بن النعمان، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذلك البر، قال: وكان أبر الناس بأمه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة. قال ابن عيينة وغيره: قالوا فيه: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجنة، ولم يذكروا فيه النوم ولا برّ أمه [ (3) ] . [وخرّج عثمان بن سعيد الدارميّ] من حديث محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عمرو بن أبان بن عثمان، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أريت الليلة رجل صالح أن أبا بكر رضى اللَّه عنه نيط برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلنا: أما الرجل الصالح، فرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأما ما ذكر ما نوط بعضهم ببعض، فهم ولاة هذا الأمر الّذي بعث اللَّه   [ (1) ] (مسند أحمد) : 5/ 222، حديث رقم (17321) . [ (2) ] انظر التعليق السابق. [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 167، كتاب البر والصلة، حديث رقم (7247) ، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم وأخرجاه مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 [تعالى] به نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . قال الدارميّ: فسمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن حرب يسند هذا الحديث، والناس يحدثون به عن الزهري مرسلا، وإنما هو عمر بن أبان، ولم يكن لإبان بن عثمان أن يقال له: عمرو [ (2) ] . وخرّج الحاكم من حديث زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دخلت الجنة البارحة، فنظرت فيها، فإذا جعفر رضى اللَّه عنه يطير مع الملائكة، وإذا حمزة رضى اللَّه عنه متكئ على [سرير] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] [ولم يخرجاه] . وخرجه من حديث على بن عبد اللَّه المديني قال: حدثني أبى عبد اللَّه ابن جعفر، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: [رأيت] جعفر بن أبى طالب [رضى اللَّه   [ (1) ] أخرجه أبو داود في (السنن) : 5/ 30- 31، كتاب السنة، باب (9) في الخلفاء، حديث رقم (4636) ، (دلائل البيهقي) : 6/ 348، (كنز العمال) : (14963) . [ (2) ] فعلى ما ذكره أبو داود عنهما يكون الحديث منقطعا، لأن الزهري لم يسمع من جابر. وقوله: «نيط» معناه: علق، والنوط: التعليق، والتنوط: التعلق. (معالم السنن) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 32، حديث رقم (14407) ، (مسند أحمد) : 5/ 222، حديث رقم (17321) . [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 217، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4890) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : سلمة بن وهرام ضعفه أبو داود. وسنده في (المستدرك) : حدثنا الهيثم بن خلف الدوري، حدثنا محمد بن المثنى، حدثني عبيد اللَّه بن عبد المجيد الحنفي، حدثنا ربيعة بن كلثوم، عن سلمة بن وهرام: عن عكرمة، عن ابن عباس به. وأخرجه أيضا بسياقة أخرى في مناقب جعفر بن أبى طالب، حديث رقم (4933) ، وقد حذفه الحافظ الذهبي من (التلخيص) لضعفه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 عنه] ملكا يطير مع الملائكة بجناحين. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] [ولم يخرجاه] . ومن حديث معن بن زائدة [الأسدي الكوفي قائد الأعمش] عن الأعمش، عن أبى صالح، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت كأنى دخلت الجنة، فرأيت لجعفر [رضى اللَّه عنه] درجة فوق درجة زيد [رضى اللَّه عنه] فقلت: ما كنت أظن أن زيدا يدون أحدا، فقيل: يا محمد، تدري بم رفعت درجة جعفر [رضى اللَّه عنه] ؟ قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: قلت: لا، قيل: لقرابة ما بينك وبينه [ (2) ] . قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] . ومن حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن الزهري، عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت في المنام كأن أبا جهل أتانى فبايعني، فلما أسلم خالد بن الوليد رضى اللَّه عنه، قيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد صدق اللَّه تعالى رؤياك يا رسول اللَّه، هذا كان إسلام خالد رضى اللَّه عنه، [فقال:] ليكونن غيره حتى أسلم عكرمة بن أبى جهل رضى اللَّه عنه، [وكان] ذلك تصديق رؤياه [ (3) ] . قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] . [وقال الزبير بن بكار: قال عمى مصعب بن عبد اللَّه: وزعم من يعلم أن قيام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عكرمة بن أبى جهل، وفرحه به، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4935) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : المديني واه. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4938) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : منكر، وإسناده مظلم. [ (3) ] (المرجع السابق) : ذكر مناقب عكرمة بن أبى جهل، حديث رقم (5060) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 136 رأى في منامه الجنة، ورأى فيها عذقا مذللا فأعجبه، فقال: لمن هذا؟ فقيل لأبى جهل، فشق ذلك عليه، وقال: ما لأبى جهل والجنة؟ واللَّه لا يدخلها، فلما رأى عكرمة أباه مسلما، ناول ذلك العذق عكرمة بن أبى جهل] [ (1) ] . وخرج الحاكم من حديث الربيع بن سليمان، حدثنا بشر بن بكر التنيسي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سليم بن عامر الكلاعي، حدثني أبو أمامة الباهلي [رضى اللَّه عنه قال:] سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يقول:] بينا أنا نائم إذا أتانى رجلان فأخذا بضبعي، فأتيانى جبلا وعرا، فقالا لي: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بى، فإذا [أنا] بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما، قلت: من [هؤلاء] ؟ قال: [هؤلاء] الذين يفطرون قبل تحلة صومهم [ (2) ] . ثم انطلق بى، فإذا بقوم أشد شيء انتفاخا، وأنتنه ريحا [وأسوئه] منظرا، فقلت: من [هؤلاء] ؟ قال: [هؤلاء] الزانون والزواني، ثم انطلق بى، فإذا أنا بنساء ينهشن ثديهن الحيات، فقلت: ما بال [هؤلاء] ؟. فقال: [هؤلاء] اللاتي يمنعن أولادهن ألبانهن. ثم انطلق بى، فإذا بغلمان يلعبون بين نهرين، فقلت: من [هؤلاء] ؟ قالوا: [هؤلاء] [ذراري] المؤمنين، ثم [تشرف بى شرفا] ، فإذا أنا بثلاثة نفر يشربون من خمر لهم، قلت: من [هؤلاء] ؟ [قالوا] : [هؤلاء] جعفر بن أبى طالب، وزيد، [و] ابن رواحة [رضى اللَّه عنهم] ، ثم [تشرف بى   [ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) واستدركناه من (خ) . [ (2) ] إلى هنا ذكره الحاكم في (المستدرك) : 1/ 595، كتاب الصوم، حديث رقم (1568) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 شرفا] آخر، فإذا أنا بثلاثة نفر، قلت: من [هؤلاء] ؟ قال: [هؤلاء] إبراهيم، وموسى، وعيسى، [عليهم الصلاة والسلام] ، وهم ينتظرونك. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقد احتج البخاري بجميع رواته، غير سليم بن عامر، وقد احتج به مسلم، [وخرّجه ابن حبان في صحيحه، خلا قوله: قالوا: [هؤلاء] على بن أبى طالب، وزيد، وابن رواحة] [ (1) ] .   [ (1) ] (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 16/ 536- 537، كتاب إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن مناقب الصحابة، باب (6) صفة النار وأهلها، حديث رقم (7491) ، وهو آخر أحاديث الكتاب، وقال في هامشه: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير بشر بن أبى بكر فمن رجال البخاري، وسليم بن عامر فمن رجال مسلم، وابن جابر: هو عبد الرحمن بن زيد بن جابر، وهو في (صحيح ابن خزيمة) حديث رقم (1986) بأطول منه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 فصل في ذكر صديق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل النّبوّة قال الحافظ أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم: كان عمرو بن عبسة [بن منقذ بن خالد بن حذيفة] [ (1) ] السلمي [كان] [ (1) ] ، صديق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجاهلية [ (2) ] . وقال أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر: عمرو بن عبسة بن عامر بن خالد السلمي، يكنى أبا نجيح، ويقال أبا شعيب، وينسبونه عمرو بن عبسة بن عامر بن خالد بن غاضرة بن عتاب ابن امرئ القيس بن بهثة بن سليم، أسلم قديما في أول الإسلام، وذكر حديث إسلامه، وهو يقضى أنه قدم مكة، وأسلم بعد أبى بكر وبلال، رضى اللَّه عنهما، ثم رجع إلى قومه، ومقتضاه أنه لم يكن يعرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل إسلامه، وأنه فارقه فلم يره بعد ذلك، حتى قدم عليه المدينة، فتعرف له، فعرفه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . [وقال ابن الكلبي: عياض بن حماد بن محمد بن سفيان، كان حرمىّ [ (4) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفد على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يسلم، ومعه نجيبة   [ (1) ] زيادة للنسب والسياق من (جمهرة أنساب العرب لابن حزم) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 264. [ (3) ] عمرو بن عبسة، له ترجمة في (الاستيعاب) : 3/ 1192- 1194، ترجمة رقم (1937) ، (جمهرة أنساب العرب) : 186، 264، (طبقات خليفة) : 49، 302، (المعارف) : 290، (الجرح والتعديل) : 6/ 241، (المستدرك) : 3/ 714، ذكر عمرو بن عبسة السلمي رضى اللَّه عنه، (جامع الأصول) : 9/ 116، (تهذيب التهذيب) : 8/ 61، ترجمة رقم (107) ، (الإصابة) : 4/ 658- 661، ترجمة رقم (5907) ، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 456- 460، ترجمة رقم (88) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 96، ترجمة رقم (84) ، (تاريخ الصحابة) : 175، ترجمة رقم (890) . [ (4) ] الحرمىّ: قال في (اللسان) : الحريم: ثوب المحرم، وكانت العرب تطوف عراة وثيابهم مطروحة بين أيديهم في الطواف. وفي الحديث: أن عياض بن حمار المجاشعي كان حرمىّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكان إذا حج طاف في ثيابه، كان أشراف العرب يتحمسون على دينهم، أي يتشدّدون إذا حجّ أحدهم لم يأكل إلا طعام رجل من الحرم، ولم يطف إلا في ثيابه، فكان لكل رجل من أشرافهم رجل من قريش، فيكون كل واحد منهما حرمىّ صاحبه، كما يقال: كريّ للمكرى والمكترى. (لسان العرب) : 12/ 120. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 يهديها له، فقال: أسلمت؟ قال: لا، قالك إن اللَّه نهاني أن أقبل [زبدا] [ (1) ] من المشركين، فأسلم، فقبلها منه، فقال: يا رسول اللَّه! الرجل من قومي أسفل منى يشتمني، أفأنتصر منه؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: المستبّان شيطانان يتكاذبان [ (2) ] ، ويتهاتران] [ (3) ] . [وقال ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن قتادة، عن مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير، عن عياض بن حمار المجاشعي، وكان يقال: العياض حرمي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان ينزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مك، إذا قدمها في الجاهلية] [ (3) ] . وقال محمد بن حزم: وكان عياض بن حمار بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم، حرمي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجاهلية [ (4) ] .   [ (1) ] الزبد: الهدية. [ (2) ] (جمهرة النسب) : 203- 204. [ (3) ] قوله: «يتهاتران» زيادة للسياق من (مسند أحمد) : 5/ 166- 167، حديث رقم (17033) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (خ) وليس في (ج) . وعياض بن حمار له ترجمة في: (الإصابة) : 4/ 752، ترجمة رقم (6132) ، (تهذيب التهذيب) : 8/ 179، ترجمة رقم (367) ، (الاستيعاب) : 3/ 1232- 1233، ترجمة رقم (2011) . [ (4) ] (جمهرة أنساب العرب) : 231. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 ومعنى ذلك أن قريشا كانت [في] الحمس، وكانت [بنو] مجاشع من الحلة، وهما دينان من أديان العرب في الجاهلية، فكان الحلي لا يطوف بالبيت إلا عريان، إلا أنه يعيره رجل من الحمس ثيابا يطوف فيها، وكان عياض يطوف في ثياب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال ابن عبد البر [رحمه اللَّه] : عياض بن حمار بن أبى حمار بن ناجية ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع المجاشعي التميمي، كان من الحلة الذين لا يطوفون إلا في ثياب الحمس [ (1) ] . وقال في (التمهيد) : روينا عن طاووس ومجاهد، وأبى صالح، ومحمد ابن كعب القرظي، ومحمد بن شهاب الزهري، يعنى ما نورده بدخول [كلام] بعضهم في بعض، وأكثره على لفظ ابن شهاب قال [جامعه: كانت] العرب تطوف بالبيت عراة، إلا الحمى: قريش وأحلافهم، فمن جاء من [غيرهم] ، وضع ثيابه فطاف في ثوبي أحمس يستعيرها منه، فإن لم يجد من يعيره، استأجر من ثيابهم، فإن لم يجد [من يستأجر منه ثوبه من الحمس، ولا من يعيره ذلك] ، كان بين أحد أمرين: إما أن يلقى [عليه] ثيابه ويطوف عريانا، وإما أن يطوف في ثيابه، فإذا طاف في ثيابه ألقاها عن نفسه إذا قضى طوافه، وحرمها عليه [فلا] يقربها غيره، فكان ذلك الثوب يسمى اللقى [ (2) ] ، وفي ذلك قول بعضهم:   [ (1) ] (الاستيعاب) : 3/ 1232- 1233. [ (2) ] قال ابن الأثير: قيل: أصل اللقى أنهم كانوا إذا طافوا خلعوا ثيابهم وقالوا: لا نطوف في ثياب عصينا اللَّه فيها، فيلقونها عنهم، ويسمون ذلك الثوب لقي، فإذا قضوا نسكهم لم يأخذوها، وتركوها بحالها ملقاة. وقال أبو الهيثم: اللقى ثوب المحرم يلقبه إذا طاف بالبيت في الجاهلية، وجمعه ألقاء. (لسان العرب) : 15/ 255- 256. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 كفى حزنا حزني عليه كأنه ... لقي بين أيدي الطائفين حريم [ (1) ] والمرأة في ذلك والرجل سواء، إلا أن النساء كن يطفن بالليل، والرجال [بالنهار] ، فقدمت امرأة لها هيئة وجمال، فطافت عريانة، وقال بعضهم: بل كان عليها من ثيابهم ما ينكشف عنها، فجعلت تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحله [وكانوا] على ذلك، حتى بعث اللَّه [تعالى] نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأنزل اللَّه [تعالى] عليه: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى [ذلِكَ خَيْرٌ] [ (2) ] [لأنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة] ، ونزلت: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [ (3) ] ، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مناديا فنادى: ألا لا يطوفون بالبيت عريان [ (4) ] .   [ (1) ] هذا البيت في كافة المراجع هكذا: كفى حزنا كرى عليه كأنه ... لقي بين أيدي الطائفين حريم [ (2) ] الأعراف: 26. [ (3) ] الأعراف: 31. [ (4) ] كان هذا النداء بمكة سنة تسع (البحر المحيط) : 5/ 40. والحديث في ذلك رقم (1347) من (صحيح مسلم) . ويذكر أن المرأة القائلة: اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله هي ضباعة بنت عامر بن صعصعة، ثم من بنى سلمة بن قشير. وذكر محمد بن حبيب أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خطبها، فذكرت له صلّى اللَّه عليه وسلّم عنها كبرة، فتركها فقيل إنها ماتت كمدا وحزنا على ذلك. قال ابن حبيب: إن كان صح هذا، فما أخرها عن أن تكون أما للمؤمنين، وزوجا لرسول رب العالمين إلا قولها: اليوم يبدو بعضه أو كله، تكرمة من اللَّه لنبيه، وعلما منه بغيرته، واللَّه تعالى أغير منه (سيرة ابن هشام) : 2/ 25. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 ذكر أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحسن العوم في الماء قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن واقد الأسلمي، حدثنا محمد بن عبد اللَّه عن الزهري قال: وحدثنا محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وحدثنا [عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه بن أبى بكر بن عمرو بن حزم، قالوا: حدثنا هاشم بن عاصم الأسلمي، عن أبيه، عن ابن عباس، دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع أمه آمنة بنت وهب، فلما بلغ ست سنين، خرجت به إلى [أخواله] بنى عدي ابن النجار بالمدينة، تزورهم به، ومعه أم أيمن تحضنه، وهم على بعيرين، فنزلت به ى دار النابغة فأقامت به عندهم شهرا، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يذكر أمورا كانت في مقامه ذلك، لما نظر إلى أطم بنى عدي بن النجار عرفه، وقال: كنت ألاعب أنيسة جارية من الأنصار على هذا الأطم، وكنت مع غلمان من أخوالى، نطيّر طائرا كان يقع عليه، ونظر إلى الدار، فقال: ها هنا نزلت بى أمى، وفي هذه الدار قبر أبى عبد اللَّه بن عبد المطلب، وأحسنت العوم في بئر بنى عدي بن النجار، وكان قوم من اليهود يختلفون ينظرون إليه، فقالت أم أيمن: فسمعت أحدهم يقول: هو نبي هذه الأمة، وهذه دار هجرته، فوعيت ذلك كله من كلامه، ثم رجعت به أمه إلى مكة، فلما كانت بالأبواء، توفيت آمنة بنت وهب، فقبرها هناك، فرجعت به أم أيمن على البعيرين اللذين قدموا عليهما [إلى] مكة، وكانت تحضنه مع أمه، ثم أن بعد أن ماتت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 [أيضا] .. وذكر الحديث [ (1) ] .   [ (1) ] وتمامه: فلما مرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عمرة الحديبيّة بالأبواء، قال: إن اللَّه قد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه، فأتاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأصلحه وبكى عنده، وبكى المسلمون لبكاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقيل له، فقال: أدركتنى رحمتها فبكيت. (طبقات ابن سعد) : 1/ 116- 117، ذكر وفاة آمنة أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما بين الحاصرتين ليس في (ج) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 ذكر شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل البعث [قال أبو بكر بن أبى [شيبة] ، حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن [خيثم] ، عن مجاهد، عن السائب، أنه كان يشارك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل الإسلام في التجارة، فلما كان يوم الفتح، أتاه فقال: مرحبا بأخي وشريكي، كان لا يداري، ولا يمارى، يا سائب! كنت تعمل أعمالا في الجاهلية لا تتقبل منك، وهي اليوم تتقبل منك، وكان ذا سلف وصلة] [ (1) ] . وقال الزبير بن بكار: وحدثني أبو ضمرة، أنس بن عياض الليثي، قال: حدثني أبو السائب، عبد اللَّه بن السائب المخزومي، قال: كان جدي أبو السائب شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجاهلية، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم الشريك، كان أبو السائب لا يشارى ولا يمارى] . [وخرج أبو نعيم الأصفهاني، من حديث الأعمش، عن مجاهد، قال: حدثني مولاي عبد اللَّه بن السائب، قال: كنت شريك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجاهلية، فلما قدمت المدينة، قال: تعرفني؟ قلت: نعم، كنت شريكي، قال: نعم الشريك، لا تدارى، ولا تمارى] [ (2) ] . [وقال ابن عبد البر: الحديث في من كان شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مضطرب جدا، من يجعل الشركة للسائب بن أبى السائب، ومنهم من   [ (1) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 7/ 410، كتاب المغازي، باب (34) فتح مكة، حديث رقم (36937) ، وما بين الحاصرتين ليس في (خ) . [ (2) ] (مجمع الزوائد) : 9/ 409. وما بين الحاصرتين ليس في (ج) في كل المواضع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 يجعلها لأبى السائب أبيه، ومنهم من يجعلها لقيس بن السائب، ومنهم من يجعلها لعبد اللَّه بن السائب، [و] هذا اضطراب لا يثبت به شيء، ولا تقوم به حجة] [ (1) ] . [وقال الزبير بن بكار، في كتاب (نسب قريش) ومنه نقلت: وولد عائذ ابن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، أبا السائب، واسمه صيفي، وأبا رفاعة، واسمه أمية، وعتيق، وزهير، فولد أبو السائب بن عائد. السائب، قتل ببدر كافرا، والمسيب وأبا نهيك، واسمه عبد اللَّه، وأبا عطاء، واسمه عبد اللَّه، أسر ببدر] . [قال: ومن ولد أبى السائب بن عائذ، أو السائب الّذي كان يستغرب في الشعر إذا استحسنه، وكان علماء قريش يذكرون منه عفافا، ثم ذكر حديث أبى السائب، عبد اللَّه بن السائب [قال] : كان جدي أبو السائب شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وذكر ابن إسحاق فيمن قتل ببدر من المشركين: السائب بن أبى السائب بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (2) ] . [قال ابن هشام عفى اللَّه عنه: السائب بن أبى السائب، شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الّذي جاء فيه الحديث، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم الشريك السائب،   [ (1) ] (الاستيعاب) : 3/ 915، ترجمة رقم (1543) ، 3/ 1288- 1289، ترجمة قيس بن السائب رقم (2133) . [ (2) ] وقال أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي: فمن ولد أبى السائب: عبد اللَّه بن أبى السائب، كان شريكا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجاهلية، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الفتح فقال: يا رسول اللَّه أتعرفنى؟ قال: ألست شريكي؟ قال: بلى يا رسول اللَّه. فكنت خير شريك، كنت لا تدارى لا تمارى. [مات عبد اللَّه بن أبى السائب بمكة في إمارة ابن الزبير، وقال الحافظ في (الإصابة) : والمحفوظ أن هذا لأبيه السائب] . (جمهرة النسب) : 90. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 [لا يشارى، ولا يمارى] . وكان أسلم فحسن إسلامه فيما بلغنا] [ (1) ] . [وذكر ابن شهاب الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس، أن السائب بن أبى السائب بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، ممن بايع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قريش، وأعطاه يوم الجعرانة من غنائم حنين] [ (2) ] . [وقال أبو محمد بن حزم: والسائب بن أبى السائب بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، اختلف فيه، فقيل: لم يقتل يومئذ- يعنى يوم بدر- بل أسلم بعد ذلك] [ (3) ] . [وقال أبو عمر بن عبد البر: اختلف في إسلامه، ثم ذكر قول ابن إسحاق، وقول الزبير الّذي تقدم ذكره، ثم قال: وقد نقض الزبير ذلك في موضعين من كتابه، فذكر ما أورده الزبير من حديثه، عن يحيى بن محمد ابن عبد اللَّه بن ثوبان، عن جعفر بن عكرمة، عن يحيى بن كعب، عن أبيه كعب، مولى سعيد بن العاصي، وهو يطوف بالبيت ومعه جنده، فرجموا   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 268، وقال في هامشه: وذكر فيمن قتل من المشركين: السائب بن أبى السائب، واسم أبى السائب صيفي بن عابد [أو ابن عائذ] ، وأنكر ابن هشام أن يكون السائب قتل كافرا، قال: وقد أسلم وحسن إسلامه. وفي هذا الموضوع اضطراب لا يثبت به شيء، ولا تقوم به حجة، واللَّه تعالى أعلم. ثم ذكره ابن هشام في باب توزيع غنائم حنين على المبايعين من قريش، قال ابن هشام: ومن بنى مخزوم بن يقظة ... والسائب ابن أبى السائب بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم. (سيرة ابن هشام) : 5/ 172. [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] الّذي قاله أبو محمد بن حزم: وولد عبد اللَّه بن عائذ: السائب، وولد أبو السائب- وهو صيفي بن عائذ- المسيب بن أبى السائب، والسائب بن أبى السائب، وأبا نهيك بن أبى السائب، فولد السائب: عبد اللَّه بن السائب، شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فولد عبد اللَّه أبو السائب: السائب بن أبى السائب، قتل يوم بدر كافرا. (جمهرة أنساب العرب لابن حزم) : 143. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 السائب بن صيفي بن عائذ، فسقط، فوقف عليه معاوية- وهو يومئذ خليفة- فقال: ارفعوا الشيخ، فلما قام قال: هيا معاوية! أجئتنا بأوباش الناس يصرعوننا حول البيت، [أما] واللَّه لقد أردت أن أتزوج أمك، فقال معاوية: ليتك فعلت فجاءت بمثل أبى السائب، يعنى عبد اللَّه بن السائب] [ (1) ] . [قال ابن عبد البر: وهذا واضح في إدراكه الإسلام، وفي طول عمره، تم ذكر حديث الزبير الّذي تقدم ذكره، من قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم الشريك كان أبو السائب] [ (1) ] . [قال ابن عبد البر: وهذا كله من الزبير مناقضة لما ذكر أن السائب بن السائب قتل يوم بدر كافرا، ثم ذكر ابن عبد البر قول ابن هشام الّذي تقدم ذكره، ثم قال: وهذا أولى ما عول عليه في هذا الباب، يعنى أن السائب بن السائب من المؤلفة قلوبهم، وممن حسن إسلامه منهم] [ (1) ] . وقد خرج حديث السائب- رحمه اللَّه- أبو داود في سننه [ (2) ] ، وابن ماجة [ (3) ] أيضا من حديث سفيان، قال: حدثني إبراهيم بن المهاجر، عن   [ (1) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ج) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 5/ 170- 171، كتاب الأدب، باب (20) في كراهية المراء، حديث رقم (4836) . وقال في هامشه: السائب هذا قد ذكر بعضهم أنه قتل كافرا يوم بدر، قتله الزبير بن العوام، وذكر بعضهم أنه أسلم وحسن إسلامه، وهذا هو المعول عليه، وقد ذكره غير واحد من الأئمة في كتب الصحابة، والسائب بن أبى السائب من المؤلفة قلوبهم [من المنذري باختصار] . قال الشيخ: قوله: «لا تدارى» يعنى لا تخالف ولا تمانع، وأصل الدرء: الدفع، يصفه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحسن الخلق والسهولة في المعاملة. وقوله: «لا تمارى» يريد المراء والخصومة، (معالم السنن) . [ (3) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 768، كتاب التجارات، باب (63) الشركة والمضاربة، حديث رقم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 مجاهد، عن [قائد] السائب عن السائب قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجعلوا يثنون عليّ ويذكرونني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا أعلمكم- يعنى به- فقلت: صدقت، بأبي [أنت] [ (1) ] وأمى، كنت شريكي، فنعم الشريك، كنت لا تدارى ولا تمارى. رواه عند أبى داود: يحيى عن سفيان، وهذه سياقته، ذكره في كتاب الأدب. ورواه عند ابن ماجة: عبد الرحمن بن مهدي، ولفظه: عن السائب أنه قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: كنت شريكي في الجاهلية، فكنت خير شريك، كنت لا تدارينى، ولا تمارينى] [ (2) ] .   [ () ] (2287) ، وقال في هامشه: «لا تدارينى» من درأ بالهمز إذا دفع، وفي النهاية) : أصله يدارئنى مهموز، وجاء في الحديث غير مهموز ليزاوج يمارينى. «ولا تمارينى» من المراء وهو الجدال، والمراد أنه كان شريكا موافقا، لا يخالف ولا ينازع. [ (1) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ج) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 فصل في ذكر سفره صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحب السفر في يوم الخميس، وكان يذكر اللَّه تعالى عند سفره، وإذا رجع من سفره، بأذكار معلومة، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو اللَّه تعالى إذا ودع مسافرا، وإذا نزل منزلا، وإذا كان وقت السحر، وكان يتنفل على الراحلة، وله سير معروف، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يطرق أهله ليلا. أما يوم سفره صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج البخاري عن يونس، عن الزهري قال: أخبرنى عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أن كعب بن مالك كان يقول: لقل ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخرج إذا خرج [في سفر] إلا يوم الخميس [ (1) ] . هكذا وقع الحديث في كتاب البخاري، عن يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، قال: سمعت مالكا يقول.. والحديث منقطع، لأنه لم يسمع عبد الرحمن بن عبد اللَّه، من جده كعب بن مالك شيئا، وإنما سمع من أبيه عبد اللَّه، ومن عمه عبيد اللَّه، عن أبيهما كعب بن مالك، ونسب ذلك لابن المبارك، لا ليونس، لأن الليث بن سعد، وعبد اللَّه بن وهب، روياه عن يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده كعب بن مالك، ورواه الليث أيضا، عن عقيل، عن الزهري، بهذا الإسناد أيضا متصلا [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 140، كتاب الجهاد، باب (103) من أراد غزوة فوري بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس، حديث رقم (2949) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] قال الحافظ في (الفتح) : والحاصل أن رواية الزهري للجملة الأولى هي عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 وخرج النسائي من طريق ابن جريج، قال أخبرنى معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن جده، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس، وخرج من طريق ابن وهب قال: أخبرنى يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه، عن جده، قال: ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخرج في سفر جهاد وغيره، إلا في يوم الخميس. هكذا قال في الأول: عبد الرحمن عن جده، وفي الثاني: عبد الرحمن عن أبيه [ (1) ] . وخرج أبو بكر الشافعيّ، من طريق عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط، أبى محمد العبديّ قال: حدثنا يونس عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه قال: قل ما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد سفرا، أن يخرج إلا يوم الخميس [ (2) ] . وخرج ابن حيان من طريق خالد بن إلياس [ويقال: ابن إياس] ، عن   [ () ] ابن كعب بن مالك، وروايته للجملة الثانية المتعلقة بيوم الخميس هي عن عمه عبد الرحمن بن كعب ابن مالك، وقد سمع الزهري منهما جميعا، وحدّث يونس عنه بالحديثين مفصلا، وأراد البخاري بذلك دفع الوهم واللبس عمن يظن فيه اختلافا (فتح الباري) . [ (1) ] نسبة المنذري إلى النسائي، ولعله في (الكبرى) ، وأخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) : 14/ 219، في ترجمة يحيى بن إسحاق، رقم (7510) . [ (2) ] وأخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 79، كتاب الجهاد، باب (84) حديث رقم (2605) ، وقال في هامشه: وأخرجه النسائي. وأخرجه أيضا أبو محمد الدارميّ في (السنن) : 2/ 214، كتاب السير، باب في الخروج يوم الخميس، بسنده ولفظه. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 491، حديث رقم (15352) من حديث كعب بن مالك الأنصاري، ولفظه: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك» وحديث رقم (15354) من حديث كعب بن مالك الأنصاري ولفظه: «أقلّ) ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخرج إذا أراد سفرا إلا يوم الخميس» ، وحديث رقم (26637) من حديث كعب بن مالك ولفظه: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد أن يسافر لم يسافر إلا يوم الخميس» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 محمد بن المنكدر، عن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب يوم الخميس، ويستحب أن يسافر فيه [ (1) ] . وخالد بن إياس هذا، قال أحمد: منكر الحديث، وقال ابن معين: لا يكتب حديثه [ (2) ] . وخرج أيضا من طريق عثمان بن المخارق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسافر في يوم الاثنين والخميس [ (3) ] .   [ (1) ] (أخلاق النبي) : 243. [ (2) ] له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 3/ 70- 71، ترجمة رقم (152) . [ (3) ] (أخلاق النبي) : 244. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 وأما ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا خرج مسافرا فخرج النسائي من طريق حماد، عن عاصم قال: قال عبد اللَّه بن سرجس: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سافر يقول: اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ أصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا، اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال [ (1) ] .   [ (1) ] (سنن النسائي) : 8/ 666، كتاب الاستعاذة، باب (41) ، الاستعاذة من الحور بعد الكور، حديث رقم (5513) ، ولفظه: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سافر قال: اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال» . وحديث رقم (5514) : عن عبد اللَّه بن سرجس: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سافر قال: اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد» . وفي باب (42) الاستعاذة من دعوة المظلوم، حديث رقم (5515) عن عبد اللَّه بن سرجس: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر» . وفي باب (43) الاستعاذة من كآبة المنقلب، حديث رقم (5516) ، عن أبى هريرة قال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سافر فركب راحلته قال بإصبعه، ومد شعبة بإصبعه قال: اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال، اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب» . قوله: «من وعثاء السفر» بفتح واو، وسكون عين مهملة، ومثلثة، ومد، أي شدته ومشقته. قوله: «وكآبة المنقلب» بفتح كاف وهمزة ممدودة أو ساكنة كرأفة ورآفة، في (القاموس) : هي الغم، وسوء الحال، والانكسار من حزن، والمنقلب: مصدر بمعنى الانقلاب، أو اسم مكان. قال الخطابي: معناه أن ينقلب إلى أهله كئيبا حزينا لعدم قضاء حاجته، أو إصابة آفة له، أو يجدهم مرضى، أو مات منهم بعضهم. «والحور بعد الكور» الكور لف العمامة، والحور نقضها، والمراد الاستعاذة من النقصان بعد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 وخرجه الترمذي بهذا السند مثله، وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] ، قال: ويروى: الحور بعد الكور أيضا، قال: ومعنى قوله: الحور بعد الكون أو الكور فكلاهما له وجه: إنما هو الرجوع من الإيمان إلى الكفر، أو من الطاعة إلى المعصية، إنما يعنى الرجوع من شيء إلى شيء من الشر [ (2) ] . وخرجه أبو بكر الشافعيّ رحمه اللَّه، من حديث عاصم [قال:] حدثنا أبو الأحوص، عن سماك عن عكرمة، عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج إلى سفر قال: اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ إني أعوذ بك من الفتنة في السفر، والكآبة في المنقلب، اللَّهمّ اقبض لنا الأرض، وهون علينا السفر [ (3) ] . وللإمام أحمد من حديث عمران بن ظبيان، عن حكيم بن سعد أبى يحى، عن على رضى اللَّه عن قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد سفرا قال: اللَّهمّ   [ () ] الزيادة، أو من الشتات بعد الانتظام، أي من فساد الأمور بعد صلاحها، وقيل: من الرجوع عن الجماعة بعد الكون فيهم. وروى «بعد الكون» بنون، أي الرجوع من الحالة المستحسنة بعد أن كان عليها، قيل: هو مصدر كان التامة، أي من التغير بعد الثبات. «ودعوة المظلوم» : استعاذة من الظلم، فإنه يترتب عليه دعوة المظلوم، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين اللَّه حجاب. «وسوء المنظر» : هو كل منظر يعقب النظر إليه سوء. (حاشية السندي على سنن النسائي) : 8/ 666. (سنن الترمذي) : 5/ 464، كتاب الدعوات، باب (42) . [ (1) ] ما يقول إذا خرج مسافرا، حديث رقم (3439) . [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] (كنز العمال) : 6/ 735- 736، حديث رقم (17627) وعزاه لابن أبى شيبة، وزاد في آخره: فإذا أراد الرجوع من السفر قال: تائبون عابدون لربنا حامدون، وإذا دخل على أهله قال: توبا توبا، لربنا أوبا، لا يغادر علينا حوبا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 بك أصول، وبك أجول، وبك أسير [ (1) ] . ولمسلم من حديث إسماعيل بن علية، عن عاصم الأحول، عن عبد اللَّه ابن سرجس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سافر يتعوذ باللَّه من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال. انفرد بإخراجه مسلم [ (2) ] . ولمسلم من حديث ابن جريج، قال: أخبرنى أبو الزبير، أن عليا الأزدي أخبره أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، علمهم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبر ثلاثا ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ [ (3) ] اللَّهمّ إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللَّهمّ هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن: آئبون تائبون عابدون، لربنا حامدون [ (4) ] . وخرجه الترمذي من حديث حماد بن سلمة، عن أبى الزبير، عن على ابن عبد اللَّه البارقي، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما قال:] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سافر ركب راحلته، كبر ثلاثا ويقول: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا   [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 145، حديث رقم (693) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 119، كتاب الحج، باب (75) ، يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، حديث رقم (1343) . [ (3) ] الزخرف: [13- 14] . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 118- 119، كتاب الحج، باب (75) ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، حديث رقم (1342) . قوله: وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ معنى مقرنين مطيقين، أي ما كنا نطيق قهره واستعماله، لولا تسخير اللَّه تعالى إياه لنا، وفي الحديث استحباب هذا الذكر عند ابتداء الأسفار كلها، وقد جاءت فيه أذكار كثيرة جمعتها في كتاب (الأذكار) (شرح النووي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ثم يقول: اللَّهمّ إني أسألك في سفري هذا من البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللَّهمّ هون علينا السفر، واطو عنا بعد الأرض، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ أصبحنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا. وكان يقول إذا رجع إلى أهله: آئبون [إن شاء اللَّه] [ (1) ] تائبون عابدون، لربنا حامدون [ (2) ] . قال: هذا حديث حسن [غريب من هذا الوجه] [ (1) ] . وخرجه الإمام أحمد رحمه اللَّه، ولفظه: عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا ركب راحلته- يعنى إلى السفر- كبر ثلاثا ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ثم يقول: اللَّهمّ إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللَّهمّ هون علينا السفر، واطو لنا بعده، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا [ (3) ] . وللنسائى من حديث جرير، عن منصور، عن أبى إسحاق، عن على بن ربيعة الأسدي، قال: أتى على رضى اللَّه عنه بدابة، فوضع رجله في الركاب فقال: بسم اللَّه، فلما استوى عليها قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ثم كبر ثلاثا، وحمد اللَّه ثلاثا، ثم قال: لا إله إلا أنت، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال يوما مثل ما قلت، ثم استضحك، فقلت: مم استضحكت؟ قال: يعجب ربنا من قول عبده: سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت،   [ (1) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 468، كتاب الدعوات، باب (47) ، يقول إذا ركب الناقة، حديث رقم (3447) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 312- 133، حديث رقم (6275) ، وزاد في آخره: «وكان إذا رجع إلى أهله قال: آئبون تائبون إن شاء اللَّه عابدون لربنا حامدون» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 قال: علم عبدي أنه له ربا يغفر له الذنوب [ (1) ] . وخرجه الترمذي من حديث قتيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن أبى إسحاق، فذكره وقال: حديث حسن صحيح [ (2) ] . وقال محمد بن إسحاق [عفى اللَّه عنه] : وبلغني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما خرج من مكة مهاجرا إلى اللَّه يريد المدينة قال: الحمد للَّه الّذي خلقني ولم أك شيئا، اللَّهمّ أعنى على هول الدنيا، وبوائق الدهر، ومصائب الليالي والأيام، اللَّهمّ اصحبنى في سفري واخلفني في أهلي، وبارك لي فيما رزقتني، ولك فذللني، وعلى صالح خلقي فقومني، وإليك رب فوجهني، وإلى الناس فلا تكلني، رب المستضعفين وأنت ربى، أعوذ بوجهك الكريم الّذي أشرقت له السموات والأرض، وكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والآخرين، أن يحل عليّ غضبك، أو ينزل بى سخطك، أعوذ بك من زوال نعمتك، وفجأة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سخطك، لك العتبى عندي ما استطعت، ولا حول ولا قوة إلا بك. كذا ذكره أبو نعيم، عن ابن إسحاق [رحمه اللَّه تعالى] [ (3) ] .   [ (1) ] أخرجه النسائي في (الكبرى) ، السير، باب التسمية عند ركوب الدابة والتحميد والدعاء إذا استوى على ظهرها. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 467، كتاب الدعوات، باب (47) ما يقول إذا ركب الناقة، حديث رقم (3446) ، وقال الترمذي: وفي الباب عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 77، كتاب الجهاد، باب (81) ما يقول الرجل إذا ركب، حديث رقم (2602) . [ (3) ] لم أجده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 وأمّا ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا علا على شيء فخرج الإمام أحمد من حديث عمارة، حدثنا زياد النميري، حدثني أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا علا نشزا من الأرض قال: اللَّهمّ لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حال [ (1) ] . وأمّا الدعاء لمن ودّعه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج النسائي من حديث حماد بن سلمة، قال: أنبأنا أبو جعفر الخطميّ، عن محمد بن كعب القرظيّ، عن عبد اللَّه بن يزيد الخطميّ قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا شيع جيشا فبلغ عقبة الوداع قال: استودع اللَّه دينكم، وأعمالكم، وخواتيم أعمالكم [ (2) ] . ومن حديث يحيى بن إسماعيل عن قزعة، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه   [ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 122، حديث رقم (13092) . [ (2) ] عبد اللَّه الخطميّ: هو عبد اللَّه بن يزيد الأنصاري الخطميّ، له صحبة، سكن الكوفة، وكان أميرا عليها. (معالم السنن) . والحديث أخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 76- 77، كتاب الجهاد، باب (80) في الدعاء عند الوداع، حديث رقم (2601) ، ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد أن يستودع الجيش قال: استودع اللَّه دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم. والنسائي في (الكبرى) ، السير، باب ما يقول إذا ودع، وفي عمل اليوم والليلة، باب ذكر الاختلاف على حنظلة بن أبى سفيان في باب ما يقول عند الوداع. وابن ماجة في (السنن) : 2/ 943، كتاب الجهاد، باب (24) تشييع الغزاة ووداعهم، حديث رقم (2825) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 قال: ودع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا فقال: استودع اللَّه دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك [ (1) ] . وفي لفظ عن قزعة قال: كنت عند عبد اللَّه بن عمر، فأردت الانصراف، فقال: كما أنت حتى أودعك كما ودعني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأخذ بيدي، فصافحني، ثم قال: استودع اللَّه دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك [ (1) ] . وخرجه الترمذي [رحمه اللَّه] من حديث سعيد بن خيثم، عن حنظلة، عن سالم، أن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] كان يقول للرجل إذا أراد سفرا: ادن منى أودعك كما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يودعنا، فيقول: استودع اللَّه دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [غريب] من هذا الوجه من حديث سالم [ (2) ] . وله من حديث جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! إني أريد سفرا فزودنى، قال: زودك اللَّه التقوى، قال: زدني، قال: وغفر ذنبك، قال: زدني بأبي أنت وأمى، قال: ويسر لك الخير حيثما ما كنت. قال: هذا حديث حسن غريب [ (3) ] . وله من حديث أسامة بن زيد، عن سعيد المقبري، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه [قال:] أن رجلا قال: يا رسول اللَّه! إني أريد أن أسافر فأوصنى، قال: عليك بتقوى اللَّه، والتكبير على كل شرف، فلما أن ولى الرجل،   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 466، كتاب الدعوات، باب (44) ما يقول إذا ودع إنسانا، حديث رقم (3443) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3444) . وأخرج الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 69- 70، حديث رقم (4510) من حديث عبد اللَّه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 قال: اللَّهمّ طو له البعد، وهون عليه السفر، قال: هذا حديث حسن [ (1) ] . وخرجه تقى بن مخلد بهذا الإسناد، قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أوصيك بتقوى اللَّه، والتكبير على كل شرف، فلما ولّى قال: اللَّهمّ ازو له الأرض، وهون عليه السفر [ (2) ] . ولابن يونس من حديث ابن لهيعة، عن الحسن بن ثوبان، عن موسى بن وردان، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: ودعني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: استودعك اللَّه الّذي لا تضيع ودائعه [ (3) ] .   [ () ] ابن عمر عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، قال: «كان أبى عبد اللَّه بن عمر إذا أتى الرجل وهو يريد السفر قال له: ادن حتى أودعك اللَّه كما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يودعنا فيقول: أستودع اللَّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك» . وحديث رقم (4766) بنحوه، وكذلك حديث رقم (4937) ، وحديث رقم (6164) . «الأمانة» ها هنا: أهله ومن يخلفه منهم، وماله الّذي يودعه ويستحفظه أمينه ووكيله، ومن في معناهما، وجرى ذكر الدين مع الودائع لأن السفر موضع خوف وخطر، وقد تصيبه فيه المشقة والتعب فيكون سبب لإهمال بعض الأمور المتعلقة بالدين، فدعا له بالمعونة والتوفيق. (معالم السنن) . [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 466- 467 كتاب الدعوات، باب (46) [بدون ترجمة] ، حديث رقم (3445) . [ (2) ] راجع التعليق السابق، والشرف: المكان المرتفع، وأخرجه ابن ماجة مختصرا في (السنن) : 2/ 926، كتاب الجهاد، باب (8) فضل الحرس والتكبير في سبيل اللَّه، حديث رقم (2771) ، وقال في هامشه: «كل شرف» : أي كل أرض مرتفعة، فإن ارتفاع المخلوق يذكر بارتفاع الخالق. [ (3) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 943، كتاب الجهاد، باب (24) تشييع الغزاة ووداعهم، حديث رقم (2825) . قال في (الزوائد) : في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 وأمّا كيف سيره صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج البخاري من حديث مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: سئل أسامة- وأنا جالس- كيف كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص، قال هشام: والنص، فوق العنق، قال أبو عبد اللَّه: فجوة، متسع، والجمع فجوات وفجاء، وكذلك ركوة وركاء. ذكره في كتاب الجهاد [ (1) ] ، وفي آخر حجة الوداع [ (2) ] . وخرجه مسلم من   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 171، كتاب الجهاد والسير، باب (136) السرعة في السير، وقال أبو حميد: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني متعجل إلى المدينة، فمن أراد أن يتعجل معى فليتعجل، حديث رقم (2999) . [ (2) ] (فتح الباري) : 3/ 660، كتاب الحج، باب 92 السير إذا دفع من عرفة، حديث رقم (1666) . وأخرجه أيضا في كتاب المغازي، باب (78) حجة الوداع، حديث رقم (4413) . وفي (مسلم بشرح النووي) : 9/ 38، كتاب الحج، باب (47) الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جميعا بالمزدلفة في هذه الليلة، حديث رقم (283) ، (284) . قوله: «وكان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص» ، وفي الرواية الأخرى: «قال هشام: والنص فوق العنق» أما العنق فبفتح العين والنون، والنص بفتح النون وتشديد الصاد المهملة، وهما نوعان من إسراع السير، وفي العنق نوع من الرّفق، والفجوة بفتح الفاء المكان المتسع، ورواه بعض الرواة في الموطأ «فرجة» بضم الفاء وفتحها، وهي بمعنى الفجوة، وفيه من الفقه استحباب الرّفق في السير في حال الزحام، فإذا وجد فرجه استحب الإسراع ليبادر إلى المناسك، وليتسع له الوقت ليمكنه الرّفق في حال الزحمة، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) . وفي (سنن أبى داود) : 2/ 472- 473، كتاب مناسك الحج، باب (64) الدفعة من عرفة، حديث رقم (1923) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 حديث الربيع بن حماد، حدثنا هشام عن أبيه، فذكره. ومن حديث حميد بن عبد الرحمن عن هشام. وخرج الحاكم من حديث الإمام أحمد، حدثنا إسماعيل بن أبى علية، حدثنا الحجاج بن أبى عثمان، عن أبى الزبير، أن جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنهما] حدثهم قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتخلف عن المسير، [فيزجى] الضعيف ويردف، ويدعو لهم. [قال:] صحيح على شرط مسلم. [ولم يخرجاه] [ (1) ] .   [ () ] العنق: السير الوسيع، والنص: أرفع السير، وهو من قولهم: نصصت الحديث إذا رفعته إلى قائله ونسبته إليه، ونصصت العروس إذا رفعتها فوق المنصة، والفجوة: الفرجة بين المكانين. وفي هذا بيان أن السكينة والتؤدة المأمور بهما إنما هي من أجل الرّفق بالناس، لئلا يتصادموا، فإذا لم يكن زحام، وكان في الموضع سعة سار كيف شاء. (معالم السنن) وأخرجه الإمام مالك في (الموطأ) : 270 كتاب الحج، باب السير في الدفعة، حديث رقم (888) . وأخرجه النسائي في (السنن) : 5/ 285- 286، كتاب المناسك، باب (205) كيف السير من عرفة، حديث رقم (2023) . وابن ماجة في (السنن) : 2/ 1004، كتاب المناسك، باب (58) الدفع من عرفة، حديث رقم (3017) وفي هامشه: «العنق» : سير سريع معتدل، و «نص» : أي حرك الناقة يستخرج أقصى سيرها. والدارميّ في السنن: 2/ 57، كتاب الحج، باب كيف السير في الإفاضة من عرفة. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 266- 267 من حديث أسامة بن زيد، حديث رقم (21276) ، ولفظه: «كان سيره صلّى اللَّه عليه وسلّم العنق، فإذا وجد فجوة نص، والنص فوق العنق، وأنا رديفه، وحديث رقم (21326) بنحوه. [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 126، كتاب الجهاد، حديث رقم (2541) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 وأمّا ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم ويعمله إذا نزل منزلا فخرج النسائي من حديث بقية [قال:] حدثنا صفوان بن عمرو، حدثنا شريح بن عبيد، عن الزبير بن الوليد، عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه [عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سافر فأقبل الليل قال: يا أرض، ربى وربك اللَّه، أعوذ باللَّه من شرك، وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، ومن شر ما يدب عليك، وأعوذ باللَّه من أسد وأسود، ومن الحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد [ (1) ] . وخرجه الإمام أحمد بهذا السند، ولفظه: عن عبد اللَّه بن عمر [رضى اللَّه عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا أو سافر، فأدركه الليل قال: يا أرض، ربى وربك اللَّه، أعوذ باللَّه من شرك وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما دب عليك، أعوذ باللَّه من شر كل أسد وأسود، وحية وعقرب، ومن شر ساكن البلد، [ومن شر] [ (2) ] والد وما ولد [ (3) ] . وخرج الحاكم من حديث محمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن أبى صفوان الثقفي، حدثنا عبد السلام بن هاشم، حدثنا عثمان بن سعد الكاتب، عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ينزل منزلا إلا ودعه بركعتين. قال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم   [ (1) ] لم أجده في (المجتبى) ، ولعله في (الكبرى) ، والحديث أخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 78، كتاب الجهاد باب (82) ما يقول الرجل إذا نزل المنزل، حديث رقم (2603) . وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 2/ 110، حديث رقم (2487) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] زيادة للسياق من (المسند) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 291، حديث رقم (6126) من مسند عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما، وحديث رقم (11840) من مسند أنس ابن مالك رضى اللَّه عنه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 يخرجاه، وعثمان بن سعد ممن يجمع حديثه [في البصريين] [ (1) ] . وأمّا ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في السّحر خرج مسلم [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرنى سليمان ابن بلال، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول: سمع سامع بحمد اللَّه، وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا، وأفضل عائذا باللَّه [من] النار [ (4) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 1/ 460- 461، من كتاب صلاة التطوع، حديث رقم (1188) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : ذكر أبو حفص الفلاس عبد السلام هذا فقال: لا أقطع على أحد بالكذب إلا عليه، وحديث رقم (1635) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : عثمان ضعيف ما احتج به البخاري، وحديث رقم (2492) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعثمان بن سعد ممن يجمع حديثه، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : لا، فإن عبد السلام كذبه الفلاس، وعثمان لين. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 43، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب (18) التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، حديث رقم (2716) . قوله: «أسحر» فمعناه قام في السحر، أو انتهى في سيره إلى السحر، وهو آخر الليل. وقوله: «سمع سامع» فروى بوجهين أحدهما فتح الميم من سمع، وتشديدها، والثاني كسرها مع تخفيفها، واختار القاضي هنا وفي (المشارق) ، وصاحب (المطالع) التشديد، وأشار إلى أنه رواية أكثر رواة مسلم، قال: ومعناه بلغ سامع قولي هذا لغيره، وقال مثله تنبيها على الذكر في السحر والدعاء في ذلك، وضبطه الخطابي وآخرون بالكسر والتخفيف، قال الخطابي: معناه شهد شاهد على حمدنا للَّه تعالى على نعمه وحسن بلائه. وقوله: «ربنا صاحبنا وأفضل علينا» أي احفظنا واكلأنا، وأفضل علينا بجزيل نعمتك، واصرف عنا كل مكروه. [ (3) ] لم أجده في (المجتبى) ، ولعله في (الكبرى) . [ (4) ] وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 1/ 615، كتاب المناسك، حديث رقم (1636) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 ذكر ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا رأى قرية خرج النسائي من حديث سليمان بن بلال [قال:] حدثنا أبو بكر، حدثنا سليمان عن أبى سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه كان يسمع قراءة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، وهو يؤم الناس في مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من دار أبى جهم [ (1) ] . وقال كعب الأحبار: والّذي فلق البحر لموسى، لين مهيبا، حدثني أن محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: اللَّهمّ رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أظللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها، وشر أهلها، وشر ما فيها [ (2) ] . وحلف كعب بالذي فلق البحر لموسى، لأنها كانت دعوة داود عليه السلام حين يرى القرية. ذكره من طرق.   [ (1) ] لم أجده في (المجتبى) ، ولعله في (الكبرى) . [ (2) ] إلى هنا ذكره الحاكم في (المستدرك) : 1/ 614، كتاب المناسك، حديث رقم (1634) من حديث كعب الأخبار، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 ذكر تنفله صلّى اللَّه عليه وسلّم على الراحلة خرج البخاري من حديث موسى بن عقبة، عن نافع قال: كان ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] يصلى على راحلته ويوتر عليها، ويخبر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يفعل ذلك [ (1) ] .   [ (1) ] أخرجه أبو داود من حديث أنس بن مالك رضى اللَّه عنه: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سافر أراد أن يتطوع استقبل القبلة بناقته، ثم كبر، ثم صلى حيث وجهه ركابه» ، حديث رقم (1225) في الصلاة، باب التطوع على الراحلة والوتر، وإسناده حسن. وحديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنه أخرجه كل من البخاري، ومسلم، ومالك، وأبو داود، والترمذي، والنسائي: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه ويومئ برأسه، وكان ابن عمر يفعله» أخرجه البخاري ومسلم. وأخرج الترمذي رواية سعيد بن يسار، وهذا لفظه: قال: «كنت مع ابن عمر في سفر فتخلفت عنه، فقال: أين كنت؟ فقلت: أوترت..» فذكر الحديث، وفيه: «على راحلته» . وأخرج الرواية التي فيها ذكر الآية، وهذا لفظه: «إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يصلى على راحلته أينما توجهت به، وهو جاء من مكة إلى المدينة، ثم قرأ ابن عمر هذه الآية: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة: 115] ، وقال: في هذا أنزلت. (جامع الأصول) : 5/ 476- 478، [ما جاء] في أمكنة الصلاة وما يصلى عليه، وفيه أربعة أنواع، النوع الثالث: في الصلاة على الدابة، حديث (3675) ، ومعنى قوله: «يسبح» : التسبيح صلاة النافلة هاهنا، يراجع في ذلك: البخاري: في تقصير الصلاة، باب صلاة التطوع على الدابة وحيثما توجهت به، وباب الإيماء على الدابة، وباب من لم يتطوع في السفر دبر كل صلاة، وباب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة، وباب من تطوع في السفر، وفي الوتر، باب الوتر على الدابة، وباب الوتر في السفر. ومسلم في صلاة المسافرين، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت. والموطأ في قصر الصلاة، باب صلاة النافلة في السفر بالنهار والليل، وأبو داود في الصلاة، باب التطوع على الراحلة والوتر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 وخرجه مسلم من حديث عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان يصلى سبحته حيث توجهت به ناقته. وفي لفظ: كان يصلى على راحلته حيث توجهت به. ذكره من عدة طرق. وللإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون، قال: أخبرنا ربعي بن الجارود [قال] : حدثني عمرو بن الحجاج، عن الجارود بن أبى سبرة، عن أنس رضى اللَّه عنه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد أن يصلى على راحلته، استقبل القبلة، وكبر للصلاة، ثم خلى عن راحلته، فصلى حيث توجهت به [ (1) ] . وأمّا ما يقول إذا رجع من سفره فخرّج البخاري من حديث مالك عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما قال:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا قفل من غزوة، أو حج، أو عمرة، يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آئبون، تائبون، عابدون، [ساجدون] لربنا حامدون، صدق اللَّه وعده، ونصر   [ () ] والترمذي في الصلاة، باب ما جاء في الوتر على الراحلة، وفي التفسير، باب ومن سورة البقرة. والنسائي في القبلة، باب الحالة التي يجوز فيها استقبال غير القبلة، وفي قيام الليل، باب الوتر على الراحلة. [ (1) ] وأخرج أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 175، حديث رقم (5312) من مسند عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنه، 4/ 238، حديث رقم (13860) من مسند جابر بن عبد اللَّه، وحديث رقم (14124) من مسند جابر بن عبد اللَّه، وحديث رقم (14620) من حديث جابر بن عبد اللَّه، بسياقات مختلفة، (سنن الدارميّ) : 1/ 356، باب في الصلاة في الراحلة، من حديث جابر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 عبده، وهزم الأحزاب وحده. وخرجه مسلم، فذكره من طرق عديدة [ (1) ] . ولأبى بكر الشافعيّ من حديث أبى الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد الرجوع من سفر قال: آئبون تائبون، لربنا حامدون، فإذا دخل صلّى اللَّه عليه وسلّم على أهله قال: أوبا أوبا، لربنا توبا، لا [يغادر] علنيا حوبا [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 789، كتاب العمرة، باب (12) ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو؟ حديث رقم (1797) وفي كتاب الجهاد والسير، باب (133) التكبير إذا علا شرفا، حديث رقم (2995) ، وفي كتاب المغازي، باب (30) غزوة الخندق وهي الأحزاب، حديث رقم (4116) ، وفي كتاب الدعوات، باب (52) الدعاء إذا أراد سفرا، حديث رقم (6385) . و (مسلم بشرح النووي) : 9/ 120- 121، كتاب الحج، باب (76) ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره، حديث رقم (1344) و (سنن أبى داود) : 3/ 214، كتاب الجهاد، باب (170) في التكبير على كل شرف في المسير، حديث رقم (2770) . و (سنن الترمذي) : 3/ 285، كتاب الحج، باب (104) ما جاء ما يقول عند القفول من الحج والعمرة، حديث رقم (950) . و (موطأ مالك) : 291، كتاب الحج، حديث رقم (952) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 423، حديث رقم (2311) من مسند عبد اللَّه بن عباس، وهو حديث طويل، وفيه: «توبا توبا، لربنا أوبا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 وأمّا ما يصنع إذا قدم من سفر فخرج البخاري [ (1) ] من حديث محمد بن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن أبيه، وعمه عبيد اللَّه بن كعب بن مالك [رضى اللَّه عنه قال:] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا قدم من سفر ضحى، دخل المسجد فصلى ركعتين قبل أن يجلس. وذكره مسلم بنحو ذلك [ (2) ] . وخرّجه النسائي بهذا السند، ولفظه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يقدم من سفر إلا نهارا ضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم جلس [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 238، كتاب الجهاد، باب (198) الصلاة إذا قدم من سفر، حديث رقم (3088) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 235- 236، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (12) استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه، حديث رقم (716) . في هذه الأحاديث استحباب ركعتين للقادم من سفره في المسجد أول قدومه، وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر، لا أنها تحية المسجد، والأحاديث المذكورة صريحة فيما ذكرته. وفيه استحباب القدوم أوائل النهار، وفيه أنه يستحب للرجل الكبير في المرتبة، ومن يقصده الناس إذا قدم من سفر للسلام عليه أن يقعد أول قدومه قريبا من داره في موضع بارز سهل على زائريه، إما المسجد، وإما غيره. (شرح النووي) . [ (3) ] (سنن النسائي) : 2/ 386، كتاب المساجد، باب (38) الرخصة في الجلوس فيه والخروج منه بغير صلاة، حديث رقم (830) ، وهو حديث طويل، وفيه: «ثم جلس للناس» . وأخرجه الإمام مسلم في كتاب التوبة، باب (9) حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، حديث رقم (2769) ، وهو حديث طويل، وفيه: «وكان [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، وكل سرائرهم إلى اللَّه» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 وخرّجه ابن حيان من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن تميم، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن كعب بن مالك [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم يقعد ما قدر له في مسائل الناس وسلامهم [ (1) ] . وخرّج البخاري من حديث شعبة، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما قدم المدينة، نحر جزورا أو بقرة، زاد معاذ عن شعبة، عن محارب، سمع جابر بن عبد اللَّه: اشترى منى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعيرا [بأوقيتين] ودرهم أو درهمين، فلما قدم صرارا، أمر ببقرة فذبحت، فأكلوا منها، فلما قدم المدينة أمرنى أن آتى المسجد فأصلى ركعتين، ووزن ثمن البعير. ذكره في كتاب الجهاد، وترجم عليه باب: الطعام عند القدوم [ (2) ] .   [ () ] وأخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 320- 321، كتاب الجهاد، باب (178) في الصلاة عند القدوم من السفر، حديث رقم (2781) ، وفي باب (173) في إعطاء البشير، حديث رقم (2773) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 490، حديث رقم (15345) ، (15346) ، (15347) ، (15348) بسياقات مختلفة، كلهم من حديث كعب بن مالك الأنصاري رضى اللَّه عنه. وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 4/ 293، في ترجمة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، شامي دمشقي، رقم (153/ 1120) ، ولفظه: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم يقعد ما قدر له لمسائل الناس ولكلامهم» . قال: وقوله في هذا المتن: «يقعد لمسائل الناس وكلامهم» لا أعرفه إلا من حديث ابن تميم هذا عن الزهري. [ (1) ] (أخلاق النبي) : 244. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 238، كتاب الجهاد والسير، باب (199) ، الطعام عند القدوم، وكان ابن عمر يفطر لمن يغشاه، حديث رقم (3089) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 وخرّج مسلم من حديث شعبة عن محارب [أنه] سمع جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنهما] يقول: اشترى منى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعيرا بأوقيتين ودرهم أو درهمين، قال: فلما قدم صرارا أمر ببقرة فذبحت، فأكلوا منها، فلما قدم المدينة، أمرنى أن آتى المسجد فأصلى ركعتين، ووزن ثمن البعير فأرجح لي [ (1) ] . وفي لفظ له: وقال أمر ببقرة فنحرت، ثم قسم لحمها [ (2) ] . وأما كونه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يطرق أهله ليلا فخرج البخاري من حديث همام عن إسحاق بن أبى عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يطرق أهله ليلا، كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية. وخرجه مسلم بهذا السند، ولفظه: كان لا يطرق أهله ليلا، وكان يأتيهم غدوة أو عشية [ (3) ] .   [ () ] قال ابن بطال: فيه إطعام الإمام والرئيس أصحابه عند القدوم من السفر، وهو مستحب عند السلف، ويسمى النقيعة بنون وقاف، وزن عظيمة، ونقل عن المهلب أن ابن عمر كان إذا قدم من سفر أطعم من يأتيه، ويفطر معهم، ويترك قضاء رمضان، لأنه كان لا يصوم السفر، فإذا انتهى الطعام ابتدأ قضاء رمضان. قال: وقد جاء هذا مفصلا في (كتاب الأحكام) لإسماعيل القاضي وتعقبه ابن بطال بأن الأثر الّذي أخرجه إسماعيل ليس فيه ما ادعاه المهلب، يعنى من التقييد برمضان، وإن كان يتناوله بعمومه. مختصرا من (فتح الباري) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 38، كتاب المساقاة، باب (21) بيع البعير واستثناء ركوبه، حديث رقم (115) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (116) . [ (3) ] أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرقن أهله ليلا» . قال الحافظ في (الفتح) : التقييد فيه بطول الغيبة، يشير إلى أن علة النهى إنما توجد حينئذ، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فلما كان الّذي يخرج لحاجة مثلا نهارا، ويرجع ليلا، لا يتأتى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171   [ () ] له ما يحذر، مثل الّذي يطيل الغيبة، كأن طول الغيبة مظنة الأمن من الهجوم، فيقع للذي يهجم بعد طول الغيبة غالبا ما يكره، إما أن يجد أهله على غير أهبة من التنظيف والتزين المطلوب من المرأة، فيكون ذلك سبب النفرة بينهما. قال: وإما أن يجدها على حالة غير مرضية، والشرع محرض على التستر، وقد أشار إلى ذلك بقوله: «أن يتخونهم ويتطلب عثراتهم» ، فعلى هذا من أعلم أهله بوصوله، وأنه يقدم في وقت كذا مثلا، لا يناوله النهى. قال الحافظ: وفي الحديث الحث على التواد والتحاب، خصوصا بين الزوجين، لأن الشارع راعى ذلك بين الزوجين، مع اطلاع كل منهما على ما جرت العادة بستره، حتى إن كل واحد منهما لا يخفى عنه من عيوب الآخر شيء في الغالب، ومع ذلك فقد نهى عن الطروق لئلا يطلع على ما تنفر نفسه عنه. قال: ويؤخذ منه أن الاستحداد ونحوه مما تتزين به المرأة ليس داخلا في النهى عن تغيير الخلقة، وفيه التحريض على ترك التعرض لما يوجب سوء الظن بالمسلم. (فتح الباري) . وفي رواية أخرى: «نهى أن يطرق أهله ليلا» وزاد في رواية: «لئلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم» . وفي رواية: قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إذا جئت من سفر فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة، وعليك بالكيس» هذه روايات البخاري ومسلم. وفي رواية أبى داود قال: «كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فلما ذهبنا لندخل، قال: أمهلوا حتى لا ندخل ليلا، لكي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة» . وفي رواية له: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إن أحسن ما دخل الرجل على أهله إذا قدم من سفر: أول الليل» . وفي أخرى له، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكره أن يأتى الرجل أهله طروقا» . وفي رواية الترمذي: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهاهم أن يطرقوا النساء ليلا» . وفي أخرى له أنه قال: «لا تلجوا على المغيبات، فإن الشيطان يجرى من أحدكم مجرى الدم، قلنا: ومنك؟ قال: ومنى، ولكن اللَّه أعاننى عليه فأسلم» . قال سفيان بن عيينة: معنى «أسلم» أي فأسلم أنا منه فإن الشيطان لا يسلم. قال: و «المغيبات» جمع مغيبة، وهي التي زوجها غائب. يراجع في ذلك: البخاري في النكاح، باب لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة، مخافة أن يخونهم أو يلتمس عثراتهم، وفي الحج باب لا يطرق أهله إذا بلغ المدينة. ومسلم في الإمارة، باب كراهة الطروق وهو الدخول ليلا. وأبو داود في الجهاد، باب في الطروق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172   [ () ] والترمذي في الرضاع والاستئذان، باب ما جاء في كراهية طروق الرجل أهله ليلا. وفي رواية ذكرها رزين قال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قفل من غزاة أو سفر فوصل عشية، لم يدخل حتى يصبح، فإن وصل قبل أن يصبح، لم يدخل إلا وقت الغداة، ويقول، أمهلوا، كي تمتشط التفلة الشعثة، وتستحد المغيبة» . شرح الغريب: «يطرقوا» الطروق: أن يأتى الرجل المكان الّذي يريده ليلا. «يتخونهم» التخون: طلب الخيانة والتهمة. «تستحد» الاستحداد: حلق العانة، وهو استفعال من الحديد، كأنه استعمل الحديد، على طريق الكناية أو التورية. «المغيبة» : التي غاب عنها زوجها. «الشعثة» : البعيدة العهد بالغسل، وتسريح الشعر، والنظافة. «الكيس» : الجماع، والكيس: العقل، فيكون قد جعل طلب الولد من الجماع عقلا. «التفلة» ، امرأة تفلة: إذا كانت غير متطيبة، (جامع الأصول) : 5/ 28- 31. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 فصل في الأماكن التي حلها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي الرحلة النبويّة اعلم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سافرت به أمه إلى المدينة وهو غلام، وسافر إلى الشام مرة مع عمه أبى طالب، وله من العمر نحو اثنتي عشرة سنة، ومرة في تجارة لخديجة بنت خويلد، فبلغ أرض بصرى، وأسرى به صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فاجتمع بالأنبياء عليهم السلام، وصلّى بهم فيه، ثم رقا إلى السماء، [و] قد روى أنه نزل في ليلة الإسراء بطيبة، وطور سيناء [و] بيت لحم، وبقبر إبراهيم الخليل، وأنه ذهب إلى يأجوج ومأجوج، وإلى مدينة جابلقا بالمشرق، وإلى مدينة جابرسا بالمغرب، وخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف، وحضر مجنة، وعكاظ، [وذا المجاز] ، ثم هاجر إلى طيبة، واتخذها وطنا، وغزا منها سبعا وعشرين غزاة، وخرج إلى العمرة مرتين، صدّ عن البيت في الأولى، وطاف في الثانية بالبيت، وسعى [بين] الصفا والمروة، وقدم مكة مرتين بعد هجرته، سوى القدمة التي اعتمر فيها، ففتح مكة في إحدى قدمتيه، وسار منها إلى الطائف، وحج في الثانية صلّى اللَّه عليه وسلّم تسليما كثيرا. وأمّا سفره صلّى اللَّه عليه وسلّم مع عمه فخرّج أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، من حديث قراد أبى نوح، واسمه عبد الرحمن بن غزوان قال: أخبرنا يونس بن أبى إسحاق، عن أبى بكر بن أبى موسى، عن أبيه قال: خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا، فحلوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 رحالهم، فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت، قال: فهم يحلون رحالهم، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه اللَّه رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ قال: إنكم حين أشرفتم من العقبة، لم يبق حجر، ولا شجر، إلا خرّ ساجدا، ولا يسجدان إلا لنبىّ، وإني لأعرفه بخاتم النبوة، أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعاما، فلما أتاهم به، وكان هو في رعيه الإبل، قال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا إلى القوم، وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه، قال: فبينما هو قائم عليهم، وهو يناشدهم [أن لا] يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم إن رأوه، عرفوه بالصفة فيقتلونه، فالتفت فإذا بسبعة [من الروم قد أقبلوا] ، فاستقبلهم، فقال: ما جاء بكم؟. قالوا: جئنا [أن] هذا النبي، خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس، وإنا قد [أخبرنا خبره] وبعثنا إلى طريقك هذا، فقال: هل خلفكم أحد هو خير منكم؟ فقالوا: إنما أخبرنا خبره لطريقك هذا، قال: أفرأيتم أمرا أراد اللَّه أن يقضيه، هل يستطيع أحد [من الناس] رده؟ قالوا: لا، قال: فبايعوه وأقاموا معه، قال: أنشدكم اللَّه، أيكم وليه؟ قالوا: أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى ردّه أبو طالب، وبعث معه أبو بكر رضى اللَّه عنه بلالا، وزوده الراهب من الكعك والزيت. قال أبو عيسى: هذا حديث [حسن غريب] لا نعرفه إلا من هذا الوجه [ (1) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 550- 551، كتاب المناقب، باب (3) ما جاء في بدء نبوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3620) . وأخرجه أبو عبد اللَّه الحاكم في (المستدرك) : 2/ 672- 673، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4229) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 [قال مؤلفه] عفى اللَّه عنه: في هذا الحديث وهم، وهو أن أبا بكر رضى اللَّه عنه لم يكن حاضرا، ولا كان في حال من يملك، ولا ملك بلالا إلا بعد ذلك بنحو ثلاثين عاما، فإنه ما اشتراه إلا بعد المبعث، وخروج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مع عمه كان وله من العمر اثنى عشر سنة ونيف. وقال البيهقي [رحمة اللَّه عليه] : قال أبو العباس محمد بن يعقوب، سمعت العباس بن محمد يقول: ليس في الدنيا مخلوق يحدث به غير قراد [ (1) ] ، وسمع هذا أحمد ويحيى بن معين من قراد. قال البيهقي [ (2) ] : وإنما أراد بإسناده هذا موصولا، فأما القصة، فهي عند أهل المغازي مشهورة [ (3) ] .   [ () ] يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التخليص) : أظنه موضوعا فبعضه باطل. وأخرجه الحافظ البيهقي في (دلائل النبوة) : 2/ 24- 26، باب ما جاء في خروج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مع أبى طالب حين أراد الخروج إلى الشام تاجرا، ورؤية بحيرى الراهب من صفته وآياته، ما استدل به على أنه هو النبي الموعود في كتبهم صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (1) ] هو عبد الرحمن بن غزوان الخزاعي، أبو نوح المعروف بقراد، روى عنه: يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، وأخرج له البخاري، والأربعة سوى ابن ماجة. ووثقه: على بن المديني، وابن نمير، ويعقوب بن شيبة، وابن سعد، وابن حبان، وقال: «كان يخطئ» ، وروى له الدارقطنيّ في (غرائب مالك) ، وقال: «أخطأ فيه قراد» ، وقال الخليلي: «قراد قديم، روى عنه الأئمة، ينفرد بحديث عن الليث لا يتابع عليه» ، وقال الدار قطنى: «ثقة، وله أفراد» ، ترجمته في (تهذيب التهذيب) : 6/ 223- 225، ترجمة رقم (498) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 26. [ (3) ] ذكرها الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 170- 172، باب ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الشام في المرة الأولى، وما اشتمل عليه ذلك من الدلائل المتقدمة لنبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو ابن عشر سنين، حديث رقم (109) . وذكرها ابن هشام في (السيرة) : 1/ 319- 322، قصة بحيرى. وذكرها ابن سيد الناس في (عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير) : 1/ 40- 44 ذكر سفره صلّى اللَّه عليه وسلّم مع عمه أبى طالب إلى الشام، وخبره مع بحيرى الراهب، وذكر نبذة من حفظ اللَّه تعالى لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل النبوة، ثم قال في آخره: قلت: ليس في إسناد هذا الحديث إلا من خرج له في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 وقال شيخنا العماد بن كثير: وهو إسناد صحيح، ولكن في متنه غرابة، وفيه ذكر الغمامة، ولم أر لها ذكرا في حديث ثابت أعلمه سواه [ (1) ] . [وفي هذا الحديث أمور ينبغي النظر فيها:] [ (2) ] . [الأول: على أي شيء تابعوه أو بايعوه؟ وهل البيعة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ أو   [ () ] الصحيح» ، وعبد الرحمن بن غزوان لقبه قراد، انفرد به البخاري، ويونس بن أبى إسحاق انفرد به مسلم، ومع ذلك ففي متنه نكارة، وهي إرسال أبى بكر مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بلالا، وكيف وأبو بكر حينئذ لم يبلغ العشر سنين، فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أسن من أبى بكر بأزيد من عامين، وكانت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم تسعة أعوام، على ما قاله أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وغيره، أو اثنا عشر على ما قاله آخرون. وأيضا فإن بلالا لم ينتقل لأبى بكر إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عاما، فإنه كان لبني خلف الجمحيين، وعند ما عذب في اللَّه على الإسلام اشتراه أبو بكر رضى اللَّه عنه رحمة له، واستنقاذا له من أيديهم، وخبره بذلك مشهور. وقوله «فبايعوه» : إن كان المراد فبايعوا بحيرا على مسالمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقريب، وإن كان غير ذلك، فلا أدرى ما هو؟ (عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير) : 1/ 43- 44. [ (1) ] قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) : قلت: فيه من الغرائب أنه من مرسلات الصحابة، فإن أبا موسى الأشعري إنما قدم في سنة خيبر سنة سبع من الهجرة، ولا يلتفت إلى قول ابن إسحاق في جعله له من المهاجرة إلى أرض الحبشة من مكة وعلى تقدير ذلك فهو مرسل. فإن هذه القصة كانت ولرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من العمر فيما ذكره بعضهم ثنتا عشرة سنة. ولعل أبا موسى تلقاه من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيكون أبلغ، أو من بعض كبار الصحابة رضى اللَّه عنهم، أو كان هذا مشهورا مذكورا، أخذه من طريق الاستفاضة. الثاني: أن الغمامة لم تذكر في حديث أصح من هذا. الثالث: أن قوله: «وبعث معه أبو بكر بلالا» ، إن كان عمره صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ ذاك ثنتى عشرة سنة، فقد كان عمر أبى بكر إذا ذاك تسع سنين أو عشرة، وعمر بلال أقل من ذلك، فأين كان أبو بكر إذ ذاك؟ ثم أين كان بلال؟ كلاهما غريب، اللَّهمّ إلا أن يقال: إن هذا كان ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كبيرا، إما بأن يكون سفره بعد هذا، أو إن كان القول بأن عمره كان إذ ذاك ثنتى عشرة سنة غير محفوظ، فإنما ذكره مقيدا بهذا الواقدي. وحكى السهيليّ عن بعضهم: أنه كان عمره صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ ذاك تسع سنين، واللَّه تعالى أعلم. (البداية والنهاية) : 2/ 348. [ (2) ] ما بين الحاصرتين في كل الفقرات زيادة للسياق من النسخة (ج) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 للراهب؟ فإن كانت للراهب فلا فائدة إذا، لأنه قد ناشدهم فتركوه عند المناشدة، وإن كانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو الظاهر، لأن سياق اللفظ إنما هو راجع إليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان إذا ذاك في حيّز من لا يبايع، لأنه كان ابن تسع سنين] [ (1) ] . [الثاني: أبو بكر رضى اللَّه عنه لم يكن معهم في هذه السفرة، ولا كان في سنّ من يملك ولا ملك بلالا، إلا بعد هذا بنحو ثلاثين سنة، ولعل بعضهم وهم في هذا، ويشتبه أن يكون الحمل فيه على عبد الرحمن بن غزوان، الملقب بقراد، وإن كان البخاري قد خرّج حديثه، فإنه موصوف بالخطإ، والتفرد، وقلة العلم، وقد تفرد بهذا الحديث. قال العباس بن محمد الدوري، فيما ذكره ابن عساكر: ليس في الدنيا مخلوق يحدث بهذا غير قراد، أي نوح عن يونس بن أبى إسحاق، عن أبى بكر بن أبى موسى، عن أبيه] [ (1) ] . [وقال أبو الخطاب عمر بن دحية: يمكن أن يكون أبو بكر استأجر بلالا حينئذ، أو يكون أمية بن خلف بعثه معه، وذلك فيه أمران:] [ (1) ] . [أحدهما: أن أبا بكر رضى اللَّه عنه لم يكن معهم في هذه السفرة، ولا كان في سن من يملك، فإنه كان أصغر من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنحو ثلاث سنين، وإذا كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذه السفرة ابن تسع سنين، فيكون حينئذ أبو بكر له من العمر نحو ست سنين] [ (1) ] . [الثاني: أنّ بلالا رضى اللَّه عنه، توفى سنة عشرين، وقيل إحدى وعشرين، وسنه تسع وستون سنة، فيكون سنه في هذه السفرة نحو سنتين] [ (1) ] . [وشيء آخر: وهو أن أبا بكر رضى اللَّه عنه صحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو   [ (1) ] ما بين الحاصرتين في كل الفقرات زيادة للسياق من النسخة (ج) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 ابن ثمان عشرة، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن عشرين سنة، فكيف يكون معه في هذه السفرة وهو لم يصحبه إلا بعدها بنحو إحدى عشرة سنة؟] [ (1) ] . وقال يونس بن بكير [رحمه اللَّه] : قال محمد بن إسحاق: وكان أبو طالب هو الّذي يلي أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد جده وكان معه، ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجرا، فلما تهيأ للرحيل، وأجمع السير، صب له [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأخذ بزمام ناقته، وقال: يا عم! إلى من تكلني؟ لا أب لي ولا أم لي، فرق له أبو طالب وقال: واللَّه لأخرجن به معى ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا.. أو كما قال. فخرج به معه، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام [ (3) ] ، وبها راهب يقال له: بحيرا، في صومعة له، وكان أعلم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة راهب بصير، وكان علمهم عن كتاب فيه فيما يزعمون، يتوارثونه كابرا عن كابر. فلما نزلوا ببحيرا ذلك العام، وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم، حتى إذا كان ذلك العام، نزلوا به قريبا من صومعته، فصنع لهم طعاما كثيرا، وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه في صومعته في الركب حين أقبلوا، وغمامة بيضاء تظله من بين القوم، ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة، حتى أظلت   [ (1) ] ما بين الحاصرتين في كل الفقرات زيادة للسياق من (ج) . [ (2) ] الصبابة: الشوق، وقيل: رقته، وحرارته، وقيل: رقة الهوى. صببت إليه صبابة، فأنا صب أي عاشق مشتاق، والأنثى صبة. قال ابن الأعرابي: صب الرجل إذا عشق، يصب صبابة، ورجل صب، ورجلان صبان، ورجال صبون، وامرأتان صبتان، ونساء صبات. مختصرا من (لسان العرب) : 1/ 518. [ (3) ] بصرى، بضم أوله، وإسكان ثانيه، وفتح الراء المهملة: مدينة جوران، مشهورة عند العرب قديما وحديثا، وهي التي وصل إليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم للتجارة. (معجم البلدان) : 1/ 522 موضع رقم (1949) ، (معجم ما استعجم) : 1/ 253، (مراصد الاطلاع) : 1/ 201. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 الشجرة، وشمرت أغصان الشجرة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى استظل تحتها. فلما رأى ذلك بحيرا، نزل من صومعته، وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم، صغيركم وكبيركم، وحركم وعبدكم، فقال له رجل منهم: يا بحيرا! إن لك اليوم لشأنا، ما كنت تصنع هذا فيما مضى، وقد كنا نمر بك كثيرا، فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيرا: صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم، وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم. فاجتمعوا إليه، وتخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا في القوم، لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، قال: يا معشر قريش، لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا، قالوا له: يا بحيرا. ما تخلف عنك أحد ينبغي أن يأتيك إلا غلام، وهو أحد القوم سنا، تخلف في رحالهم، قال: فلا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم. فقال رجل من قريش مع القوم: [واللات والعزى] [ (1) ] إن هذا للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد اللَّه بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا [قال:] ثم قام إليه فاحتضنه، ثم أقبل حتى أجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرا، جعل يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء من جسده، قد كان يجدها عنده في صفته، حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا، قام بحيرا [فقال] [ (1) ] له: يا غلام! أسألك باللات والعزى ألا أخبرتنى عما أسألك عنه، وإنما قال بحيرا ذلك، لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا تسألنى   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 باللات والعزى شيئا، فو اللَّه ما أبغض بعضهما شيئا قط. فقال له بحيرا: فباللَّه إلا أخبرتنى عما أسألك عنه، [فقال] [ (1) ] : سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء، من حاله في نومه، وهيئته، وأموره، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخبره، فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه، على موضعه من صفته التي عنده. [قال] [ (1) ] : فلما فرغ منه أقبل على عمه أبى طالب فقال له: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني، فقال له بحيرا: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا، قال: فإنه ابن أخى، قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال: صدقت، قال: ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود فو اللَّه لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن، فأسرع به إلى بلاده. فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة، حين فرغ من تجارته بالشام، فزعموا فيما يتحدث الناس، أن زريرا [ (2) ] ، وتماما [ (3) ] ، ودريسا- وهم نفر من أهل الكتاب- قد كانوا رأوا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك السفر الّذي كان فيه مع عمه أبى طالب أشياء، فأرادوه، فردهم عنه بحيرا، وذكرهم اللَّه، وما يجدون في الكتاب من ذكر وصفته، وأنهم إن أجمعوا بما أرادوا، لم يخلصوا إليه، حتى عرفوا ما قاله لهم وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا [عنه] [ (4) ] ، فقال أبو طالب في ذلك شعرا، يذكر مسيره برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم،   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] في (الأصلين) : «زبيرا» ، وصوبناه من كتب السيرة. [ (3) ] في (دلائل البيهقي) : «ثمام» . [ (4) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 وما أراد منه أولئك النفر، وما قال لهم فيه بحيرا [ (1) ] . وقال الواقدي [رحمه اللَّه تعالى] : حدثنا محمد بن أبى حبيبة، عن داود ابن الحصين، قالوا لما خرج أبو طالب إلى الشام، خرج معه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المرة الأولى، وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فلما نزل الركب بصرى، وبها راهب يقال له: بحيرا في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة، يتوارثونها عن كتاب يدرسونه، فلما نزلوا ببحيرا، وكانوا كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم، حتى إذا كان ذلك العام، نزلوا [منزلا] قريبا من صومعته [قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا به] ، فصنع لهم طعاما،   [ (1) ] قال أبو طالب: إن ابن آمنة الأمين محمدا ... عندي بمثل منازل الأولاد لما تعلق بالزمام رحمته ... والعيس قد قلصن بالأزواد فارفضّ من عيني دمع ذارف ... مثل الجمان مفرق الأفراد راعيت منه قرابة موصولة ... وحفظت فيه وصية الأجداد وأمرته بالسير بين عمومة ... بيض الوجوه مصالت أنجاد ساروا لأبعد طية معلومة ... فلقد تباعد طية المرتاد حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا ... لاقوا على شرك من المرصاد حبرا فأخبرهم حديثا صادقا ... عنه ورد معاشر الحساد قوما يهودا قد رأوا ما قد رأى ... ظل الغمامة ثاغرى الأكباد ساروا لفتك محمد فنهاهمو ... عنه وأجهد أحسن الإجهاد فثنى [زبيرا] بحير فانثنى ... في القوم بعد تجادل وتعاد ونهى دريسا فانتهى لما نهى ... عن قول حبر ناطق بسداد (دلائل النبوة للبيهقي) : 2/ 29، باب ما جاء في خروج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مع أبى طالب حين أراد الخروج إلى الشام تاجرا، ورؤية بحيرى الراهب من صفته وآياته ما استدل به على أنه هو النبي الموعود في كتبهم صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال الحافظ البيهقي: وذكر ابن إسحاق ثلاث قصائد من شعره في ذلك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 ثم دعاهم، وإنما حمله على دعائمهم، أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بين القوم، حتى نزلوا تحت الشجرة، ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة، فأخضلت أغصان الشجرة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين استظل تحتها. فلما رأى بحيرا، نزل من صومعته، وأمر بذلك الطعام، فأتى به وقال: إني صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروه كلكم، ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا، حرا ولا عبدا، فإن هذا شيء تكرموني به، فقال رجل: إن لك لشأنا يا بحيرا، ما كنت تصنع بنا هذا، فما شأنك اليوم؟ قال: إني أحببت أن أكرمكم، ولكم حق، فاجتمعوا إليه. وتخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بين القوم لحداثة سنه، ليس في القوم أصغر منه في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا إلى القوم، ولم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده، جعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ويراها متخلفة على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: يا معشر قريش! لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي، قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا في رحالهم، فقال: ادعوه ليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد، مع أنى أراه من أنفسكم، فقال القوم: هو واللَّه أوسطنا نسبا، وهو ابن أخى هذا الرجل- يعنون أبا طالب- وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن المطلب: واللَّه إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه، وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه. وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء في جسده، قد كان [يجدها] عنده في صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم، قام إليه الراهب فقال: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 يا غلام! أسألك باللات والعزى إلا ما أخبرتنى عما أسألك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسألنى باللات والعزى، فو اللَّه ما أبغضت شيئا بعضهما، قال: فباللَّه إلا أخبرتنى عما أسألك، قال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله، حتى نومه، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخبره، فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر في عينيه، ثم كشف عن ظهره، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده، فقبل موضع الخاتم. وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرا، وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب، يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبى طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابني، قال: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا، قال: فابن أخى، قال: فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبا، قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فو اللَّه إن رأوه، وعرفوا منه ما أعرف ليبغنه سوءا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتابنا، وما درينا عن آبائنا، وأعلم أنى قد أديت إليك النصيحة. فلما فرغوا من تجارتهم، خرج به سريعا، وكان رجال من اليهود قد رأوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعرفوا صفته، فأرادوا أن يغتالوه، فذهبوا إلى بحيرا، فذاكروه أمره، فنهاهم أشد النهى وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قال: فما لكم إليه سبيل، فصدقوه وتركوه، ورجع به أبو طالب، فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه قال البلاذري [رحمة اللَّه عليه] فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اثنتي عشرة سنة، عرض لأبى طالب شخوص إلى الشام في تجارة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يألفه، فسأله إخراجه معه، فأبى ذلك ضنا عليه، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 وصيانة له، فاغتم وبكى، فأخرجه، فرآه راهب من علماء الرهبان يقال له: بحيرا، وكانت قد أظلته غمامة، قال: ابن أخى، قال أما ترى هذه الغمامة كيف تظله وتنتقل معه، واللَّه إنه لنبي كريم، وإني لأحسبه الّذي بشر به عيسى عليه السلام، فإن زمانه قد قرب، وينبغي لك أن تحتفظ به، فرده أبو طالب إلى مكة. وذكر بعض الرواة أن أبا طالب أشخص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الشام وهو ابن تسع، والأول أثبت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 وأمّا سفره صلّى اللَّه عليه وسلّم في تجارة خديجة رضى اللَّه تعالى عنها فخرج البيهقي من حديث محمد بن فضيل قال: حدثنا الربيع بن بدر، عن أبى الزبير عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم آجرت نفسي من خديجة سفرتين بقلوص [ (1) ] . وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: وكانت خديجة بنت خويلد [رضى اللَّه عنها] امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعل لهم منه، وكانت قريش قوما تجارا، فلما بلغها عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار، مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله منها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخرج في مالها، ذلك ومعه غلامها ميسرة، حتى قدم الشام. فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ظل شجرة، قريب من صومعة راهب من الرهبان، فأطلع الراهب إلى ميسرة فقال: من هذا الرجل الّذي نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال له ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم، فقال له   [ (1) ] (دلائل النبوة للبيهقي) : 2/ 66، وقال في هامشه: «الخبر في إسناده الربيع بن بدر ضعفه ابن معين وقال: «ليس بشيء» ، وقال النسائي ويعقوب بن سفيان: «متروك» ، وقال ابن حبان: «بقلب الأسانيد، ويروى عن الثقات المقلوبات» ، وقال الدارقطنيّ والأزدي: «متروك» (تهذيب التهذيب) : 3/ 207- 208، ترجمة رقم (462) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي [ (1) ] ، ثم باع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشترى، ثم أقبل قافلا إلى مكة، ومعه ميسرة، وكان ميسرة- فيما يزعمون- إذا كانت الهاجرة واشتد الحر، يرى ملكين يظلانه من الشمس، وهو يسير على بعيره، فلما قدم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به فأضعفت أو قريبا، وحدثها ميسرة عن قول الراهب، وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه. وكانت خديجة امرأة حازمة، شريفة لبيبة، مع ما أراد اللَّه [تعالى] بها من كرامته، فلما أخبرها ميسرة عما أخبرها به، بعثت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: فيما يزعمون يا ابن عم؟ إني قدر رغبت فيك لقرابتك منى، وشرفك في قومك، ووسيطتك فيهم، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت خديجة يومئذ أوسط قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم مالا، وكل قومها قد كان حريصا على ذلك منها، لو يقدر على ذلك [ (2) ] .   [ (1) ] قول الراهب: «ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي» ، قال السهيليّ: «يريد ما نزل تحتها هذه الساعة قط إلا نبي، لبعد العهد بالأنبياء قبل ذلك ... والشجرة لا تعمر في العادة هذا العمر الطويل، حتى يدرى أنه لم ينزل تحتها إلا عيسى صلّى اللَّه عليه وسلّم أو غيره من الأنبياء» . [ (2) ] (دلائل النبوة للبيهقي) : 2/ 66- 67، (سيرة ابن هشام) : 2/ 6- 8، ثم قال في هامشه: «قول خديجة رضى اللَّه عنها: لسطتك- أو وسيطتك- في عشيرتك» ، وقوله في وصفها: «هي أوسط قريش نسبا» فالسطة: من الوسط، مصدر، كالعدة والزنة، والوسط من أوصاف المدح، والتفضيل، ولكن في مقامين: في ذكر النسب، وفي ذكر الشهادة. أما النسب، فلأن أوسط القبيلة أعرفها، وأولاها بالصميم، وأبعدها عن الأطراف، وأجدر أن لا تضاف إليه الدعوة، لأن الآباء والأمهات قد أحاطوا به من كل جانب، فكان الوسط من أجل هذا مدحا في النسب بهذا السبب. وأما الشهادة، فنحو قوله سبحانه: قالَ أَوْسَطُهُمْ، وقوله: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، فكان هذا مدحا في الشهادة، لأنها غاية العدالة في الشاهد أن يكون وسطا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال: حدثني موسى بن شيبة، عن عميرة بنت عبيد اللَّه بن كعب بن مالك، عن أم سعد بنت سعد بن الربيع، عن نفيسة بنت منية- أخت يعلى بن منية- قالت: لما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسا وعشرين سنة، قال له أبو طالب: أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت [إليك] ، وبلغ خديجة ما كان من [محاورة] عمه له، فأرسلت إليه في ذلك، وقالت له: أنا أعطيك ضعف ما أعطى رجلا من قومك، فقال أبو طالب: هذا رزق قد ساقه اللَّه إليك، فخرج مع غلامها ميسرة، وجعل عمومته يوصون به أهل العير، حتى قدما بصرى من [أرض] الشام [ (1) ] . فنزلا في ظل شجرة، فقال نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة [قط] [ (2) ] إلا نبيّ، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة؟ قال: نعم، قال: لا تفارقه؟ قال نعم، قال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء، ثم باع سلعته، فوقع بينه وبين رجل تلاح [ (3) ] ، فقال له: احلف باللات والعزى، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما حلفت بهما قط، وإني لأمر [عليهما] فأعرض عنهما، فقال الرجل: القول قولك، ثم قال لميسرة: هذا واللَّه نبي تجده أحبارنا منعوتا في   [ () ] كالميزان، لا يميل مع أحد، بل يصمم على الحق تصميما، لا يجذبه هوى، ولا تميل به رغبة ولا رهبة، من هاهنا، ولا من هاهنا، فكان وصفه بالوسط غاية في التزكية والتعديل. وظنّ كثير من الناس أن معنى الأوسط: الأفضل على الإطلاق، وقالوا: معنى الصلاة الوسطى: الفضلى، وليس كذلك، بل هو في جميع الأوصاف لا مدح ولا ذم كما يقتضي لفظ التوسط. [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 129، ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الشام في المرة الثانية. [ (2) ] زيادة للسياق من (الطبقات) . [ (3) ] التلاحي: الشقاق والمنازعة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 كتبهم، وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة، واشتد الحر، يرى ملكين يظلان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الشمس، فوعى ذلك كله ميسر [ (1) ] . وباعوا تجارتهم، وربحوا ضعف ما كانوا يربحون [حتى] [ (2) ] دخل مكة في ساعة الظهيرة، وخديجة [رضى اللَّه عنها] في علية لها، فرأت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على بعيره، وملكان يظلان عليه، فأرته نساءها، فتعجبن لذلك، ودخل عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما ربحوا في وجههم فسرّت بذلك، فلما دخل عليها فميسرة أخبرته بما رأت، فقال: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام، وأخبرها بما قال الراهب نسطور، وبما قال الآخر الّذي خالفه [في البيع] [ (2) ] .   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 130. [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 وأمّا الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته آيات ربه الكبرى فإنه ثابت بكتاب اللَّه العزيز، الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبسنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الثابتة، المستفيضة عنه بالنقل، من حديث عبد اللَّه بن مسعود، وأبى ذر، وحذيفة، وعبد اللَّه بن عباس، وأبى هريرة، وأبى سعيد الخدريّ، ومالك بن صعصعة، وأبى بن كعب وأنس بن مالك، وشداد بن أوس، وأبى ليلى الأنصاري، وعبد الرحمن بن قرظ، وأم هاني بنت أبى طالب، رضى اللَّه عنهم، حتى صار في الثبوت مصير التواتر. قال اللَّه جلّ وعزّ سبحانه: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ (1) ] . اعلم ان التسبيح هو التنزيه، والتنزيه والتبعيد مأخوذ من قولهم: سبح الرجل في الأرض إذا ذهب فيها، ومنه قيل للفرس إذا كان جيد الركض: سابح، ومنه السبح في الماء، فقولك: سبحت اللَّه، أي نزّهته وبرأته مما لا يليق بجلاله، وأصل المعنى والاشتقاق، باعدته مما لا يليق به، أي جعلته بمعزل منها، متباعدا تباعد المنزلة والرتبة [ (2) ] .   [ (1) ] الإسراء: 1. [ (2) ] قال ابن الفرج: سمعت أبا الجهم الجعفري يقول: سبحت في الأرض وسبخت فيها إذا تباعدت فيها، ومنه قوله تعالى: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ أي يجرون، ولم يقل: تسبح، لأنه وصفها بفعل من يعقل. وكذلك قوله: وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً هي النجوم تسبح في الفلك، أي تذهب فيها بسطا، كما يسبح السابح في الماء سبحا، وكذلك السابح في الماء سبحا، وكذلك السابح من الخيل يمد يديه في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190   [ () ] الجرى سبحا. وقال الأزهري في قوله عز وجل: وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً، قيل: السابحات السفن، والسابقات الخيل. والتسبيح: التنزيه، وسبحان اللَّه: معناه: تنزيلها للَّه من الصاحبة والولد. وقيل: تنزيه للَّه تعالى عن كل ما لا ينبغي له أن يوصف. تقول: سبّحت اللَّه تسبيحا له أي نزّهته تنزيها، وكذلك روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال الزجّاج في قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا قال: منصوب على المصدر، المعنى: أسبح اللَّه تسبيحا، قال: وسبحان في اللغة تنزيه اللَّه عزّ وجلّ عن السوء. وسبّح الرجل: قال سبحان اللَّه، وفي التنزيل: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ. وقال قوم: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أي ما من دابة إلا وفيه دليل على أن اللَّه عز وجلّ خالقه، وأن خالقه مبرأ من الأسواء، ولكنكم أيها الكفار لا تفقهون أثر الصنعة في هذه المخلوقات. قال الأزهري: ومما يدلك. على أن تسبيح هذه المخلوقات تسبيح تعبدت به، قول اللَّه عز وجلّ للجبال: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ، ومعنى أوبي: سبحي مع داود النهار كله إلى الليل ولا يجوز أن يكون معنى أمر اللَّه عزّ وجل للجبال بالتأويب إلا تعبدا لها. وكذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها، لا نفقهها عنها، كما لا نفقه تسبيحها. وكذلك قوله تعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقد علم اللَّه تعالى هبوطها من خشيته، ولم يعرفنا ذلك، فنحن نؤمن بما أعلمنا، ولا ندعى بما لا نكلّف بأفهامنا من علم فعلها كيفية نحدها. ومن صفات اللَّه عز وجل: السّبوح القدوس، قال أبو إسحاق: السبوح: الّذي ينزه عن كل سوء، والقدوس: المبارك، وقيل: الطاهر. وقال ابن سيده: سبوح قدوس، من صفة اللَّه عز وجل، لأنه تعالى يسبّح ويقدس، ويقال: سبّوح قدس، قال الحيانى: المجتمع عليه فيها الضم. وسبحات وجه اللَّه، بضم السين والباء: أنواره، وجلاله، وعظمته، وقال جبريل عليه السلام: إن للَّه دون العرش سبعين حجابا، لو دنونا من أحدها لأحرقتنا سبحات وجه ربنا، رواه صاحب (العين) . قال ابن شميل: سبحات وجهه، نور وجهه. وفي حديث آخر: حجابه النور والنار، لو كشفه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 والإسراء: سير الليل، يقال: سرى سرى ومسرا، وأسرى إسراء، وقيل: أسرى، سار في أول الليل، وسرى، سار في آخره [ (1) ] .   [ () ] لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيء أدركه بصره. وقال ابن عرفة الملقب بنفطويه. في قوله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ: أي سبّحه بأسمائه، ونزهه عن التسمية بغير ما سمى به نفسه. قال: ومن سمى اللَّه تعالى بغير ما سمى به نفسه فهو ملحد في أسمائه، وكل من دعاه بأسمائه فمسبح له بها، إذ كانت أسماؤه مدائح له وأوصافا، قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها، وهي صفاته التي وصف بها نفسه، وكل من دعا اللَّه بأسمائه فقد أطاعه ومدحه، ولحقه ثواب. (لسان العرب) : 2/ 471- 474 مختصرا. [ (1) ] أسرى: لغة في سرى، بمعنى سار في الليل، فالهمزة هنا ليست للتعدية، لأن التعدية حاصلة بالباء، بل أسرى فعل مفتتح بالهمزة، مرادف سرى، وهو مثل: أبان المرادف بان، ومثل: انهج الثوب بمعنى نهج زي بلى ف أَسْرى بِعَبْدِهِ بمنزلة ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ. وللمبرد والسهيل نكتة في التفرقة بين التعدية بالهمزة والتعدية بالباء: بأن الثانية أبلغ، لأنها في أصل الوضع تقتضي مشاركة الفاعل المفعول في الفعل، فأصل ذهب به أنه استصحبه. كما قال تعالى: وَسارَ بِأَهْلِهِ. وقالت العرب: أشبعهم شتما، وراحوا بالإبل، وفي هذا لطيفة تناسب المقام هنا، إذا قال: أَسْرى بِعَبْدِهِ دون سرى بعبده، وهي التلويح إلى أن اللَّه تعالى كان مع رسوله في أسرائه، بعنايته وتوفيقه، كما قال تعالى: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا، وقال: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا. فالمعنى: الّذي جعل عبده مسريا، أي ساريا، وهو كقوله تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ. وإذ قد كان السّرى خاصا بسير الليل، كان قوله: ليلا إشارة إلى أن السير به إلى المسجد الأقصى كان في جزء ليلة، وإلا لم يكن ذكره إلا تأكيدا على أن الإفادة- كما يقولون- خير من الإعادة. وفي ذلك إيماء إلى أنه إسراء خارق للعادة، لقطع المسافة التي بين مبدإ السير ونهايته في بعض ليلة، وأيضا ليتوسل بذكر الليل إلى تنكيره، المفيد للتعظيم. فتنكير ليلا للتعظيم بقرينة الاعتناء بذكره، مع علمه من فعل أسرى، وبقرينة عدم تعريفه، أي هو ليل عظيم، باعتبار جعله زمنا لذلك السري العظيم، فقام التنكير هنا مقام ما يدل على التعظيم، ألا ترى كيف احتيج إلى الدلالة على التعظيم بصيغة خاصة في قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ إذا وقعت ليلة القدر غير منكرة (تفسير التحرير والتنوير) : 15/ 11- 12. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 والمراد بعبده: محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليلا: [أي] في جوف الليل، وقيل: في بعض الليل، لا في كله، وقيل: أي ذهب بعبده في سراة الأرض، أي متسعها [ (1) ] . والمسجد الحرام، قيل: المراد به نفس الكعبة، وقيل: نفس المسجد الّذي فيه الكعبة، وفيه يقع الطواف والصلاة إليها، وقيل: نفس مكة، وقيل: جميع الحرم، وقد أطلق لفظ المسجد الحرام بهذه الاعتبارات الأربعة، على الموضع الّذي [اسرى منه بالنبيّ عليه الصلاة والسلام] [ (2) ] .   [ (1) ] و «عبد» المضاف إلى ضمير الجلالة هنا هو محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، كما هو مصطلح القرآن، فإنه لم يقع فيه لفظ العبد مضافا إلى ضمير الغيبة الراجع إلى اللَّه تعالى، إلا مرادا به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولأن خبر الإسراء به إلى بيت المقدس قد شاع بين المسلمين، وشاع إنكاره بين المشركين، فصار المراد «بعبده» معلوما. والإضافة إضافة تشريف لا إضافة تعريف، لأن وصف العبوديّة للَّه متحقق لسائر المخلوقات، فلا تفيد إضافته تعريفا. (المرجع السابق) . [ (2) ] ذكر الماوردي في (الحاوي) في كتاب الجزية، أن كل موضوع ذكر اللَّه فيه المسجد الحرام، فالمراد به: الحرم، إلا في قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فإنه أراد به الكعبة. وأما ابن أبى الصيف اليمنى فقال بعد ذكر المواضع الخمسة عشر [التي ذكر اللَّه تعالى فيها اسم المسجد الحرام في القرآن الكريم] : منها ما أراد اللَّه به الكعبة، كقوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: 144] ، ومنها ما أراد به مكة كقوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء: 1] ، وقد روى أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أسرى به من بيت أم هانئ بنت أبى طالب. ومنها ما أراد به الحرم، كقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ [التوبة: 28] . قال: وقد روى النسائي في سننه، من حديث ميمونة رضى اللَّه عنها قالت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الكعبة. وروى أيضا من حديث أبى هريرة: إلا الكعبة. وفي رواية ابن ماجة: وصلاته بمكة بمائة ألف. مع ذكر المساجد يظهر أنه أراد مسجد مكة، والمصلى فيه مصل بمكة. [فإنه قال في الحديث الّذي أخرجه جابر، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل مائة ألف صلاة فيما سواه] . رواه ابن ماجة. قال: والإنصاف أن الكل داخل في الاسم المذكور في القرآن، إلا أن الإطلاق إنما ينصرف إلى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 فقد ثبت من حديث أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، عن النبي [عليه الصلاة والسلام] ، قال: بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان.. وذكر حديث الإسراء. وفي رواية: بينا أنا في الحطيم- وربما قال في الحجر- مضطجعا، إذا أتانى آت.. الحديث [ (1) ] ، فإن كان في الحجر، فقد وقع   [ () ] المسجد الّذي قدر به الطواف، ولهذا ورد: كنا في المسجد الحرام، وخرجنا من المسجد الحرام، واعتكفنا في المسجد الحرام، وبتنا فيه، ولا شك أن مساجد الحرم متعددة، واختص هو من بينها بالمسجد الحرام في العرف. وقد ذكر الأزرقي في (أخبار مكة) : عن جده، عن مسلم بن خالد، عن محمد بن الحارث، عن سفيان، عن على الأزدي، قال: سمعت أبا هريرة رضى اللَّه عنه يقول: إنا لنجد في كتاب اللَّه عزّ وجل أن حدّ المسجد الحرام من الحزورة إلى المسعى. وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أنه قال: أساس المسجد الّذي وضعه إبراهيم عليه السلام من الحزورة إلى المسعى إلى مخرج سيل أجياد. [الحزورة: موضع بمكة يلي البيت، وهو بفتح الحاء وسكون الزاى، والمحدثون يقولونه بتشديد الواو، وهو تصحيف، وأجياد: موضع من بطحاء مكة] (معجم ما استعجم للبكرى) ، (إعلام الساجد بأحكام المساجد) : 60- 61. فالمسجد الحرام هو المكان المعدّ للسجود، أي الصلاة، وهو الكعبة والفناء المجعول حرما لها، وهو يختلف سعة وضيقا باختلاف العصور من كثرة الناس فيه للطواف، والاعتكاف، والصلاة. والحرام: فعال بمعنى مفعول، كقولهم: امرأة حصان، أي ممنوعة بعفافها عن الناس. (تفسير التحرير والتنوير) : 15/ 13. ومن ذلك ما قاله حسّان بن ثابت رضى اللَّه عنه معتذرا عن خوضه مع الذين خاضوا في حديث الإفك، فقال مخاطبا لأم المؤمنين، المبرأة، أم عبد اللَّه عائشة رضى اللَّه عنها: حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل عقيلة حي من لؤيّ بن غالب ... كرام المساعي مجدهم غير زائل (ديوان حسان بن ثابت) : 228. [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 371، كتاب بدء الخلق، باب (6) ذكر الملائكة، حديث رقم (3207) ، وهو حديث طويل أمسكنا عن ذكره لطوله واشتهاره. وفي (المرجع السابق) : 7/ 255، كتاب مناقب الأنصار، باب (42) المعراج، حديث رقم (3887) ، وفيه: «بينما أنا في الحطيم- وربما قال: في الحجر- مضطجعا إذ أتانى آت ... فذكره، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (264) ، وأخرجه الترمذي في (السنن) : 5/ 281، كتاب تفسير القرآن، باب (18) ومن سورة بنى إسرائيل، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 الإسراء من نفس الكعبة، لأن معظم الحجر من البيت [ (1) ] . وإن كان من الحطيم، فقد وقع الإسراء من نفس المسجد، فإن الحطيم ما بين الركن والمقام، وما بين زمزم والحجر، على أن رواية «عند» محتملة للأمرين، فإن كان بالحجر، فإنه عند البيت، لأن الحجر لما أخرج من البيت، صار كأنه ليس منه، ولو لم يثبت أنه كان في الحجر، لصح لمن كان عند البيت أن يقال عنه أنه أسرى به من البيت، أي من عند البيت [ (2) ] .   [ () ] حديث رقم (3133) عن جابر بن عبد اللَّه مختصرا، ولفظه: «لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا اللَّه لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا انظر إليه» ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن مالك بن صعصعة، وأبى سعيد، وابن عباس. وأخرجه النسائي في (السنن) : 1/ 237، كتاب الصلاة، باب (1) فرض الصلاة، حديث رقم (447) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 236، حديث رقم (17378) من حديث مالك بن صعصعة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وحديث رقم (17379) ، وحديث رقم (17380) ، وحديث رقم (17381) كلهم من حديث مالك بن صعصعة بسياقات مختلفة. [ (1) ] قال الإمام النووي: قال أصحابنا: ست أذرع من الحجر مما يلي البيت محسوبة من البيت بلا خلاف، وفي الزائد خلاف، فإن طاف في الحج وبينه وبين البيت أكثر من ستة أذرع ففيه وجهان لأصحابنا، أحدهما: يجوز، لظواهر هذه الأحاديث، وهذا هو الّذي رجحه جماعات من أصحابنا الخراسانيين. والثاني: لا يصح طوافه في شيء من الحجر ولا على جداره، ولا يصح حتى يطوف خارجا من جميع الحجر، وهذا هو الصحيح، وهو الّذي نصّ عليه الشافعيّ، وقطع به جماهير أصحابنا العراقيين، ورجحه جمهور الأصحاب، وبه قال علماء المسلمين، سوى أبى حنيفة فإنه قال: إن طاف في الحجر وبقي في مكة أعاده، وإن رجع من مكة بلا إعادة أراق دما، وأجزأه طوافه. واحتج الجمهور بأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم طاف من وراء الحجر وقال: لتأخذوا [عنى] مناسككم، ثم أطبق المسلمون عليه من زمنه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الآن، وسواء كان كله من البيت أم بعضه، فالطواف يكون من ورائه، كما فعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 9/ 99- 100، كتاب الحج، باب (69) نقض الكعبة وبنائها. [ (2) ] حطيم مكة هو ما بين الركن والباب، وقيل: هو الحجر المخرج منها، سمى به لأن البيت رفع وترك هو محطوما، وقيل لأن العرب كانت تطرح فيه ما كانت به من الثياب، فبقي حتى حطم بطول الزمان، فيكون فعيلا بمعنى فاعل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 وثبت أيضا من حديث أنس، عن أبى ذر [رضى اللَّه عنهما] ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل. .. الحديث، وهذا صريح في أنه كان بمكة خارج المسجد لأن بيته بمكة لم يكن بالمسجد [ (1) ] . وروى الواقدي [رحمه اللَّه] ، أنه أسرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من شعب أبى طالب [ (2) ] إلى بيت المقدس، ليلة سبع عشرة من ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة. قال الواقدي: وذلك غير ثبت، كذا رواية أنه أسرى به من بيت أم هانئ، فإنّها تدل على أن الإسراء كان من خارج المسجد. [وقد روى إسرائيل، عن ثور، عن مجاهد، وروى عبد اللَّه بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قالا: الحرم كله مسجد. وعن عطاء: الحرم مسجد كله. وعن عطاء، عن ابن عباس: الحرم كله المسجد الحرام. ذكره عمر بن [أبى] شيبة في كتاب (أخبار مكة) ] [ (3) ] . والمسجد الأقصى، هو مسجد بيت المقدس، سمى بذلك لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام، وقيل: وصف بالأقصى من العرب، أو من أهل مكة، أو من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والأقصى: أفعل من القصي، والقاضي، وهو   [ () ] وقال ابن عباس: الحطيم الجدار بمعنى جدار الكعبة. وقال ابن سيده: الحطيم حجر مكة مما يلي الميزاب، سمى بذلك لانحطام الناس عليه، وإنما سمى حطيما لأن البيت رفع وترك ذلك محطوما. (لسان العرب) : 12/ 139- 140 مختصرا. [ (1) ] (جامع الأصول) : 11/ 305- 307، في الإسراء وما يتعلق به، حديث رقم (8868) . [ (2) ] كانت كل عشيرة تتخذ بيوتها متجاورة، ومجموع البيوت يسمى «شعبا» - بكسر الشين- وكانت كل عشيرة تسلك إلى المسجد الحرام من منفذ دورها، ولم يكن للمسجد الحرام جدار يحفظ به، وكانت المسالك التي بين دور العشائر تسمى أبوابا، لأنها يسلك منها إلى المسجد الحرام، مثل باب بنى شيبة، وباب بنى هاشم، وباب بنى مخزوم- وهو باب الصفا- وباب بنى سهم، وباب بنى تيم، وأول من جعل للمسجد الحرام جدار يحفظ به هو عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه سنة سبع من الهجرة. (تفسير التحرير والتنوير) 15/ 13 مختصرا. [ (3) ] ما بين الحاصرتين من (خ) وليس في (ج) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 البعيد [ (1) ] . وقد كثرت الأحاديث الواردة في صفة الإسراء، وتباينت كيفيته، وجاء في بعضها: أن الإسراء كان بجسده [صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي بعضها: أن الإسراء كان   [ (1) ] المسجد الأقصى: هو المسجد المعروف ببيت المقدس الكائن. بإيلياء، وهو المسجد الّذي بناه سليمان عليه الصلاة والسلام. والأقصى: أي الأبعد، والمراد بعده عن مكة، بقرينة جعله نهاية الإسراء من المسجد الحرام، وهو وصف كاشف اقتضاه هنا زيادة التنبيه على معجزة هذا الإسراء، وكونه خارقا للعادة لكونه قطع مسافة طويلة في بعض ليلة. وبهذا الوصف الوارد له في القرآن صار مجموع الوصف والموصوف علما بالغلبة على مسجد بيت المقدس، كما كان المسجد الحرام علما بالغلبة على مسجد مكة. وفي هذا الوصف بصيغة التفضيل باعتبار أصل وضعها معجزة خفيّة من معجزات القرآن، إيماء إلى أنه سيكون بين المسجدين مسجد عظيم، هو مسجد طيبة، الّذي هو قصي عن المسجد الحرام، فيكون مسجد بيت المقدس أقصى منه حينئذ. فتكون الآية مشيرة إلى جميع المساجد الثلاثة المفضلة في الإسلام على جميع المساجد الإسلامية، والتي بينها قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي» . والمسجد الأقصى هو ثانى مسجد بناه إبراهيم عليه السلام، كما ورد ذلك عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ففي الصحيحين عن أبى ذر قال: قلت يا رسول اللَّه، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة. فهذا الخبر قد بين أن المسجد الأقصى من بناء إبراهيم، لأنه حدّد بمدة هي من مدة حياة إبراهيم عليه السلام، وقد قرن ذكره بذكر المسجد الحرام. وهذا مما أهمل أهل الكتاب ذكره، وهو ما خصّ اللَّه تعالى نبيه بمعرفته، والتوراة تشهد له، فقد جاء في سفر التكوين في الإصحاح الثاني عشر: أن إبراهيم لما دخل أرض كنعان [وهي بلاد فلسطين] ، نصب خيمته في الجبل شرقىّ بيت إيل [بيت إيل مدينة على بعد أحد عشر ميلا من أورشليم إلى الشمال، وهو بلد كان اسمه عند الفلسطينيين «لوزا» فسماه يعقوب: «بيت إيل، كما في الإصحاح الثامن والعشرين من سفر التكوين] وغربىّ بلاد عاى [مدينة عبرانية تعرف الآن «الطيبة» ] وبنى هنالك مذبحا للرب (تفسير التحرير والتنوير) : 15/ 16، (العهد القديم) : 45، سفر التكوين، الإصحاح الثامن والعشرون، عدد (19) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 بروحه، فكان ذلك مناما، وفي بعضها: أن الإسراء كان بجسده] [ (1) ] في اليقظة إلى بيت المقدس فقط، فكانت رؤية عين، ثم عرج بروحه إلى السموات، فكانت رؤيا قلب. وذهب إلى كل من هذه الأحاديث جماعة، ثم من الناس من يقول: كان ذلك كله في ليلة واحدة، ومنهم من يقول: كان الإسراء في ليلة، والمعراج في أخرى، وأن المعراج غير الإسراء [ (2) ] . واختلفوا في تاريخ الإسراء، فقال أبو بكر محمد بن على بن [القاسم] الدّهنى في تاريخه: ثم أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة إلى بيت المقدس، وعرج به إلى السماء، بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا [ (3) ] . قال ابن عبد البر [رحمه اللَّه] : لا أعلم أحدا من أهل السّير، قال ما حكاه الذهبي، ولم يسند قوله إلى أحد ممن يضاف إليه هذا العلم، ولا رفعه إلى من يحتج به. وقال أبو إسحاق [الحربي، رحمه اللَّه] : فلما كانت ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة، أسرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفرض عليه خمسون صلاة، ثم نقصت إلى خمس صلوات، فأتاه جبريل [عليه السلام] ، فأمّه عند البيت، فصلى الظهر أربعا، والعصر أربعا، والمغرب، ثلاثا، والعشاء أربعا، والفجر ركعتين، كل ذلك نحو بيت المقدس، فلما كان الموسم من هذه السنة، لقيه الأنصار [رضى اللَّه عنهم] فبايعوه ثم انصرفوا.   [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (ج) . [ (2) ] الواقدي من الذين فرقوا بين الإسراء والمعراج، وجعلهما في تاريخين. (تاريخ الإسلام للذهبى) : 2/ 272. [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 213- 216، ذكر ليلة أسرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيت المقدس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 قال ابن عبد البر: هكذا قال في الإسراء، قبل الهجرة بسنة، وهو قول موسى بن عقبة واختلف في ذلك عن ابن شهاب، فذكر [رحمه اللَّه تعالى] من طريق محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: ثم أسرى به إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة، وفرض اللَّه [تعالى] عليه الصلاة. قال ابن شهاب: وزعم ناس أنه كان يسجد نحو بيت المقدس، ويجعل وراء ظهره الكعبة وهو بمكة. ويزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة حتى خرج منها، فلما قدم المدينة، استقبل بيت المقدس، وقد اختلف في ذلك. قال ابن عبد البر: هكذا قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة، وذلك بعد مبعثه بسبع سنين، أو باثني عشر سنة، على حسب اختلافهم في مقامه بمكة [بعد] مبعثه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وروى يونس عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة، قال ابن شهاب: وذلك بعد مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بسبعة أعوام، وخالفه الوقاصى عن ابن شهاب فقال: أسرى به بعد مبعثه بخمس سنين، وقال يونس بن بكير: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن- هو الوقاصى- عن الزهري، قال: فرضت الصلاة بمكة، بعد ما أوحى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخمس سنين، وفرض الصيام بالمدينة قبل بدر، وفرضت الزكاة والحج بالمدينة، وحرّمت الخمر بعد أحد. وقال ابن إسحاق: أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى- وهو بيت المقدس- وقد فشا [ (1) ] الإسلام بمكة، وفي القبائل كلها. قال يونس بن بكير وغيره، عن ابن إسحاق: ثم إن جبريل أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] فشا: ذاع وانتشر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 حين افترضت عليه الصلاة- يعنى في الإسراء- فهمز له بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت عين ماء مزن، فتوضأ جبريل عليه السلام، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر، فوضأ وجهه واستنشق، ومضمض، ومسح برأسه وأذنيه، ورجليه إلى الكعبين، ونضح فرجه، ثم قام [فصلى] ركعتين وأربع سجدات، فرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد أقرّ اللَّه تعالى عينه، وطابت نفسه، وجاءه ما يحب من أمر اللَّه، فأخذ بيد خديجة رضى اللَّه تعالى عنها، ثم أتى بها العين، فتوضأ كما توضأ جبريل [عليه الصلاة والسلام] ، ثم ركع ركعتين وأربع سجدات، هو وخديجة [رضى اللَّه عنها] ، ثم كان هو وخديجة يصليان سواء. قال ابن عبد البر [رحمة اللَّه عليه] : هذا يدلك على أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام، لأن خديجة [رضى اللَّه عنها] ، توفيت قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بثلاثة [أعوام] ، وقيل: بأربع [سنين] [ (1) ] . وقول ابن إسحاق مخالف لقول ابن شهاب في الإسراء، على أن ابن شهاب قد اختلف عنه في ذلك، على ما ذكرنا من رواية ابن عقبه، ورواية يونس بن بكير، ورواية الوقاصى، وهي روايات [مختلفات] على ما ترى. وروى أحمد بن زهير [عفا اللَّه عنه] : حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: فتزوجني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد متوفّى خديجة [رضى اللَّه عنها] ، وقبل هجرته إلى المدينة بسنتين أو ثلاث. وقال يونس عن أسباط بن نصر، عن إسماعيل السّدى، قال: فرض على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [الصلوات] الخمس في بيت المقدس، ليلة أسرى به، قبل   [ (1) ] (التمهيد لابن عبد البر) عند ذكر فرض الصلاة، كما أشار إليه فيه (الاستيعاب) : 1/ 40. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 مهاجره بستة عشر شهرا. وقال الواقدي: عن معمر بن راشد، عن عمرو بن عبد اللَّه، عن عكرمة، قال: أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسجد، وهو نائم في الحجر، بعد هدوء من الليل. وقال سفيان: عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، في قول اللَّه عز وجل: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [ (1) ] ، قال: رؤيا عين. وقال ابن أبى الزناد: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قال: أسرى بروح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو نائم على فراشه. وقال عبد الرزاق: عن معمر، عن قتادة عن الحسن قال: أسرى بروح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو نائم على فراشه. قال الحافظ أبو نعيم [الأصفهاني] : وحقيقة الإسراء، أوضح وأبين من أن يستقصى فيه بآحاد الأخبار، ولورود نص القرآن الكريم، يذكر المسرى، وظاهر القرآن يدل [على] أنه أسرى ببدنه يقظانا، إذ لو كان ذلك مناما على ما ذكرته الزائفة، لما اعترض فيه المشركون، وطعنوا عليه، ونسبوه فيه إلى الاستحالة، فإنه غير مستنكر في الرؤيا- رؤيا المنام- قطع تلك المسافة بين المسجدين، الحرام والأقصى، في حكم ساعة من الليل.   [ (1) ] الإسراء: 60، يقول ابن عباس: قالت عائشة، ومعاوية، والحسن، وقتادة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك، وابن أبى نجيح، وابن زيد: وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه أسرى به، وقيل: كانت رؤيا نوم، وهذا الآية تقضى بفساده، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها، وما كان أحد لينكرها. حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبّاس في قوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، قال: هي رؤيا عين، رآها ليلة أسرى به. (تفسير الطبري) : 15/ 76، (تفسير عبد الرزاق) : 1/ 324، مسألة رقم (1582) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 وقال القاضي عياض: الحق والّذي عليه أكثر الناس، ومعظم السلف، وعامة المتأخرين من الفقهاء، والمحدثين، والمتكلمين: أنه أسرى بجسده صلّى اللَّه عليه وسلّم والآثار تدل عليه لمن طالعها، وبحث عنها، ولا يعدل عن ظاهرها إلا بدليل، ولا استحالة في حملها عليه، فيحتاج إلى تأويل [ (1) ] .   [ (1) ] قال القاضي عياض: ثم اختلف السلف والعلماء، هل كان إسراؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم بروحه أو جسده؟ على ثلاث مقالات: فذهبت طائفة إلى أنه إسراء بالروح، وأنه رؤيا منام، مع اتفاقهم أن رؤيا الأنبياء حق ووحي، وإلى هذا ذهب معاوية، وحكى عن الحسن، والمشهور عنه خلافه، وإليه أشار محمد بن إسحاق وحجتهم قوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ. وما حكوا عن عائشة رضى اللَّه عنها: «ما فقدت جسد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» ، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «بينا أنا نائم» ، وقول أنس: «وهو نائم في المسجد الحرام» وذكر القصة، ثم قال في آخرها: «فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام» . وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه إسراء بالجسد، وفي اليقظة، وهذا هو الحق، وهو قول ابن عباس، وجابر، وأنس، وحذيفة، وعمر، وأبى هريرة، ومالك بن صعصعة، وأبى حبّة البدري، وابن مسعود، والضحاك، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن المسيب، وابن شهاب، وابن زيد والحسن وإبراهيم، ومسروق، ومجاهد، وعكرمة، وابن جريج. وهو دليل قول عائشة، وهو قول الطبري، وابن حنبل، وجماعة عظيمة من المسلمين، وهو قول أكثر المتأخرين من الفقهاء، والمحدثين، والمتكلمين، والمفسرين. وقالت طائفة: كان الإسراء بالجسد يقظة من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، وإلى السماء بالروح، واحتجوا بقوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فجعل المسجد الأقصى غاية الإسراء الّذي وقع التعجب فيه بعظيم القدرة والتّمدح بتشريف النبي محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم به، وإظهار الكرامة له بالإسراء إليه، قال هؤلاء: ولو كان الإسراء بجسده إلى زائد على المسجد الأقصى لذكره، فيكون أبلغ في المدح. ثم اختلفت هذه الفرقتان، هل صلّى في بيت المقدس أم لا؟ ففي حديث أنس وغيره ما تقدم من صلاته فيه، وأنكر ذلك حذيفة بن اليمان، وقال: ما زالا عن ظهر البراق حتى رجعا. قال القاضي- وفقه اللَّه- والحق من هذا والصحيح إن شاء اللَّه: أنه إسراء بالجسد والروح في القصة كلها، وعليه تدل الآية وصحيح الأخبار والاعتبار، ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة. وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة، إذ لو كان مناما لقال: بروح عبده، ولم يقل: بعده، وقوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى، ولو كان مناما لما كانت فيه آية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 وقد تعقب العلامة شمس الدين أبو شامة، عبد الرحمن بن إسماعيل ابن إبراهيم، قول القاضي عياض، رحمه اللَّه، فقال: أما أن هذا مذهب الأكثر فصحيح، وبه نقول، وأما أنه لم يكن إلا ذلك، فهذا موضع نظر، وأما أن الآثار تدل عليه، فإن أراد كل الآثار فممنوع، فإن فيها ما صرّح بأنه كان نائما، ثم ذكر حديث شريك، وفيه: أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام ... فذكره، وفي آخره: فاهبط [بسم] اللَّه، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام. وهذا نصّ لا يحتمل التأويل [في أنه كان نائما، وإن أراد بعض الآثار أو معظمها] ، فهو صحيح، فقد ظهر وجه قول من زعم أن الإسراء كان مناما. واستدل أبو شامة [أيضا] بقوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، وزعموا أن المراد بها ليلة الإسراء، [وقالوا: الرؤيا] ما كان في النوم، والّذي في اليقظة: رؤية، بالهاء، وفتنة الناس بها: أن منهم من ارتاب وتغيّر. واستدل من ذهب إلى أنه أسرى بجسده يقظة إلى السموات، بحديث حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه، ظاهره أن الإسراء إلى بيت   [ () ] ولا معجزة، ولما استبعده الكفار، ولا كذبوه، ولا ارتدّ به ضعفاء من أسلم وافتتنوا به، إذ مثل هذا من المنامات لا ينكر، بل لم يكن ذلك منهم إلا وقد علموا أن خبره إنما كان عن جسمه وحال يقظته، إلى ما ذكر في الحديث من ذكر صلاته بالأنبياء ببيت المقدس في رواية أنس رضى اللَّه عنه، أو في السماء على ما روى غيره، وذكر مجيء جبريل له بالبراق، وخبر المعراج، واستفتاح السماء فيقال: ومن معك، فيقول: محمد، ولقائه بالأنبياء فيها، وخبرهم معه وترحيبهم به، وشأنه في فرض الصلاة، ومراجعته مع موسى في ذلك. وفي بعض هذه الأخبار: فأخذ- يعنى جبريل- بيدي فعرج بى إلى السماء ... إلى قوله: ثم عرج بى حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام، وأنه وصل إلى سدرة المنتهى، وأنه دخل الجنة ورأى فيها ما ذكره. قال ابن عباس رضى اللَّه عنه: هي رؤيا عين رآها صلّى اللَّه عليه وسلّم لا رؤيا منام (الشفا) : 1/ 113- 115 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 المقدس، والمعراج كان في ليلة واحدة من غير نوم، ويؤيد ذلك: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أخبر به، كذبه المشركون، وارتد جماعة ممّن أسلم! ولو كان مناما لم يستنكر لمن هو بمكة، أن يرى نفسه ببيت المقدس، وقد يرى الإنسان أعظم من ذلك، فيحدّث به، فلا ينكر عليه. وقد اختلف الصحابة [رضى اللَّه عنهم] في رؤيته عليه الصلاة والسلام ربّه [ (1) ] ، [سبحانه و] تعالى، في ليلة الإسراء، حتى قالت عائشة رضى اللَّه   [ (1) ] قال القاضي عياض: وأما رؤيته صلّى اللَّه عليه وسلّم لربه جلّ وعزّ، فاختلف السلف فيها، فأنكرته عائشة رضى اللَّه عنها: حدثنا أبو الحسين سراج بن عبد الملك الحافظ بقراءتي عليه، قال: حدثني أبى وأبو عبد اللَّه ابن عتّاب الفقيه، قالا: حدثنا القاضي يونس بن مغيث، حدثنا أبو الفضل الصقلى، حدثنا ثابت ابن قاسم، عن أبيه وجده، قالا: حدثنا عبد اللَّه بن على، حدثنا محمود بن أدم، حدثنا وكيع، عن ابن أبى خالد، عن عامر، عن مسروق، أنه قال لعائشة رضى اللَّه عنها: يا أم المؤمنين، هل رأى محمد ربّه؟ فقالت: لقد قفّ شعرى مما قلت- ثلاث من حدثك بهن فقد كذب: من حدثك أن محمدا رأى ربّه فقد كذب، ثم قرأت: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وذكر الحديث. وقال جماعة بقول عائشة رضى اللَّه عنها، وهو المشهور عن ابن مسعود، ومثله عن أبى هريرة أنه قال: إنما رأى جبريل، واختلف عنه، وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدّثين والفقهاء والمتكلمين. وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما: أنه رآه بعينه، وروى عطاء عنه أنه رآه بقلبه، وعن أبى العالية عنه: رآه بفؤاده مرتين، وذكر ابن إسحاق أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس رضى اللَّه عنهما يسأله: هل رأى محمد ربه؟ فقال: نعم، والأشهر عنه أنه رأى ربه بعينه، روى ذلك عنه من طرق وقال: إن اللَّه تعالى اختص موسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة، ومحمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرؤية، وحجته قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى * أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: 11- 31] . قال الماوردي: قيل: إن اللَّه تعالى قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد صلّى اللَّه عليهما وسلّم، فرآه محمد مرتين، وكلمه موسى مرتين. وحكى أبو الفتح الرازيّ، وأبو الليث السمر قندى الحكاية عن كعب، وروى عبد اللَّه بن الحارث قال: اجتمع ابن عباس وكعب، فقال ابن عباس، أما نحن بنو هاشم فنقول: إن محمدا قد رأى ربه مرتين، فكبّر كعب حتى جاوبته الجبال، وقال: إن اللَّه قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، فكلمه موسى، ورآه محمد بقلبه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204   [ () ] وروى شريك عن أبى ذر رضى اللَّه عنه في تفسير الآية، قال: رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه. وحكى السمر قندى عن محمد بن كعب القرظيّ، وربيع بن أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سئل: هل رأيت ربك؟ قال: رأيته بفؤادى ولم أره بعيني. وروى مالك بن يخامر، عن معاذ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت ربى، وذكر كلمة، فقال: يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ ... الحديث. وحكى عبد الرزاق أن الحسن كان يحلف باللَّه لقد رأى محمد ربه، وحكاه أبو عمر الطّلمنكيّ عن عكرمة. وحكى بعض المتكلمين هذا المذهب عن ابن مسعود. وحكى ابن إسحاق أن مروان سأل أبا هريرة: هل رأى محمد ربه؟ فقال نعم. وحكى النقاش عن أحمد بن حنبل أنه قال: أنا أقول بحديث ابن عباس: بعينه رآه رآه، حتى انقطع نفسه- يعنى نفس أحمد. وقال أبو عمر: قال أحمد بن حنبل: رآه بقلبه وجبن عن القول برؤيته في الدنيا بالأبصار. وقال سعيد بن جبير: لا أقول رآه، ولا لم يره، وقد اختلف في تأويل الآية، عن ابن عباس، وعكرمة، والحسن، وابن مسعود، فحكى عن ابن عباس وعكرمة: رآه بقلبه، وعن الحسن وابن مسعود: رأى جبريل، وحكى عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه: أنه قال: رآه. وعن ابن عطاء في قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، قال: شرح صدره للرؤية، وشرح صدر موسى للكلام. وقال أبو الحسن على بن إسماعيل الأشعري رضى اللَّه عنه وجماعة من أصحابه، أنه رأى اللَّه تعالى ببصره وعيني رأسه، وقال: كل آية أوتيها نبي من الأنبياء عليهم السلام، فقد أوتى مثلها نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخصّ من بينهم بتفضيل الرؤية، ووقف بعض مشايخنا في هذا وقال: ليس عليه دليل واضح، ولكنه جائز أن يكون. قال القاضي أبو الفضل- وفقه اللَّه- والحق الّذي لا امتراء فيه، أن رؤيته تعالى في الدنيا جائزة عقلا، وليس في العقل ما يحيلها، والدليل على جوازه في الدنيا سؤال موسى عليه السلام لها، ومحال أن يجهل نبي ما يجوز على اللَّه وما لا يجوز عليه، بل لم يسأل إلا جائزا غير مستحيل، ولكن وقوعه ومشاهدته من الغيب الّذي لا يعلمه إلا من علمه، فقال له اللَّه تعالى: لَنْ تَرانِي أي لن تطيق، ولا تحتمل رؤيتي، ثم ضرب له مثلا مما هو أقوى من بنية موسى وأثبت، وهو الجبل، وكل هذا ليس فيه ما يحيل رؤيته في الدنيا، بل فيه جوازها على الجملة، وليس في الشرع دليل قاطع على استحالتها، ولا امتناعها، إذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة، ولا حجة لمن استدل على منعها بقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ لاختلاف التأويلات في الآية. وليس يقتضي قول من قال: في الدنيا الاستحالة، وقد استدل بعضهم بهذه الآية نفسها على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 عنها: قفّ شعرى، لما سألها مسروق عن ذلك، ولو كان مناما، لما قفّ [ (1) ] شعرها من سؤاله، إذ آحاد الناس يرى ذلك مناما. وسأل أبو ذر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل رأيت ربك؟ وهذا دليل على أن مسراه جميعه المذكور في الحديث كان يقظة، ويرد على من زعم أنه كان مناما، بأن الرؤيا بمعنى الرؤية، وله شاهد. وقال عكرمة عن ابن عباس: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً   [ () ] جواز الرؤية وعدم استحالتها على الجملة. وقد قيل: لا تدركه أبصار الكفار، وقيل: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، لا تحيط به، وهو قول ابن عباس. وقد قيل: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وإنما يدركه المبصرون. وكل هذه التأويلات لا تقتضي منع الرؤية ولا استحالتها، وكذلك لا حجة لهم بقوله تعالى: لَنْ تَرانِي، وقوله تعالى: تُبْتُ إِلَيْكَ لما قدمناه، ولأنها ليست على العموم، ولأن من قال: معناها لن تراني في الدنيا، إنما هو تأويل. وأيضا فليس فيه نص الامتناع، وإنما جاءت في حق موسى، وحيث تتطرق التأويلات، وتتسلط الاحتمالات، فليس للقطع إليه سبيل. وقوله: تُبْتُ إِلَيْكَ* أي من سؤالي ما لم تقدره لي، وقد قال أبو بكر الهدلى في قوله: لَنْ تَرانِي أي ليس لبشر أن يطيق أن ينظر إليّ في الدنيا، وأنه من نظر إليّ مات. وقد رأيت لبعض السلف والمتأخرين ما معناه أن رؤيته تعالى في الدنيا ممتنعة لضعف تركيب أهل الدنيا وقواهم، وكونها متغيرة عرضا للآفات والفناء، فلم تكن لهم قوة على الرؤية، فإذا كان في الآخرة وركبوا تركيبا آخر، ورزقوا قوى ثابتة باقية، وأتم أنوار أبصارهم وقلوبهم، قووا بها على الرؤية. وقد رأيت نحو هذا الملك بن أنس رحمه اللَّه، قال لم ير في الدنيا لانه باق، لا يرى الباقي بالفاني، فإذا كان في الآخرة ورزقوا أبصارا باقية رئي الباقي بالباقي. وهذا كلام مليح، وليس فيه دليل على الاستحالة، إلا من حيث ضعف القدرة، فإذا قوى اللَّه تعالى من شاء من عباده، وأقدره على حمل أعباء الرؤية، لم تمتنع في حقه. وقد تقدم ما ذكر في قوة بصر موسى ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتعوذ إدراكهما بقوة إلهية منحاها لإدراك ما أدركاه، ورؤية ما رأياه. واللَّه تعالى أعلم. (الشفا) 1/ 121- 123 مختصرا. [ (1) ] أي قام من الفزع والقفقفة: الرعدة من حمى أو غضب أو نحوه، وقيل: هي الرعدة مغموما. (لسان العرب) : 9/ 288. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 للناس، قال: هي رؤيا عين أريها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسرى به، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، هي شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. وعن ابن عباس، أن هذه الرؤيا: [ما رآه] عليه [الصلاة و] السلام قبل عمرة الحديبيّة، أنه يدخل مكة، وأخبر بذلك، فخرج معتمرا، وصده المشركون بالحديبية، فكان ذلك فتنة للناس، وامتنعوا من الحلق والنحر، وشك قوم، وتكلم عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه بما تكلم به، وبأن حديث شريك إنما هو حكاية حكاها عن أنس من تلقاء نفسه، فلا تعارض الروايات المتصلة من حديث أنس [ (1) ] . فقد روى الزهري عن أنس، عن أبى ذر [رضى اللَّه عنهما] ، وروى قتادة عن أنس، عن مالك بن صعصعة، وروى ثابت عن أنس، حديث الإسراء، وهم أئمة حفاظ، ولم يقل أحد منهم في روايته ما قاله شريك عن أنس، [رضى اللَّه عنه] ، وقد عد جماعة من الحفاظ هذا من أوهام شريك التي أعكروها عليه، [ونبه] مسلم على ذلك بقوله: فقدم وأخر، وزاد ونقص [ (2) ] ، فأما قوله: قبل أن يوحى إليه، فإنه غلط [منه] ، لم يوافق عليه، فإن الإسراء قد اختلف في تاريخه، فقال الزهري [في تاريخه] : أسرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد مبعثه بثمانية وعشرين شهرا. وقال إسحاق بن إبراهيم الحربي: أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة سبع وعشرين من [شهر] ربيع الآخر، قبل الهجرة بسنة، وفرضت الصلاة عليه.   [ (1) ] قال القاضي عياض: وقوله فتنة للناس يؤيد أنها رؤيا عين، وإسراء بشخص، إذ ليس في الحلم فتنة، ولا يكذب به أحد، لأن كل أحد يرى مثل ذلك في منامه من الكون، في ساعة واحدة، في أقطار متباينة. على أن المفسرين قد اختلفوا في هذه الآية، فذهب بعضهم إلى أنها نزلت في قضية الحديبيّة، وما وقع في نفوس الناس من ذلك، وقيل غير هذا. (الشفا) : 1/ 116. [ (2) ] ثم قال: «وليس في حديث ثابت من هذه الألفاظ إلا ما نورده على نصه» . (جامع الأصول) : 11/ 300، آخر الحديث رقم (8867) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة. وروى يونس بن بكير، عن عثمان بن عبد الرحمن الوحاطى، عن ابن شهاب: أن الصلاة فرضت بمكة، بعد ما أوحى إليه بخمس سنين. فعلى قول موسى بن عقبة، إذا كان الإسراء قبل الهجرة بسنة، فهو بعد مبعثه بتسع سنين، أو باثنتي عشرة سنة، على اختلافهم في مقامه بمكة قبل المبعث. وقول الزهري أولى من قول الوحاطى، لأن ابن إسحاق قال: أسرى به وقد [فشا] الإسلام بمكة، وفي القبائل كلها. ورواية الوحاطى من رواية موسى بن عقبة، لأنهم لم يختلفوا أن خديجة رضى اللَّه عنها، صلّت معه بعد فرض الصلاة عليه، وأنها توفيت قبل الهجرة بمدة، قيل: بثلاث سنين، وقيل: بخمس، وهذا يدل على أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام. وقد أجمع العلماء على أن فرض الصلاة، كان ليلة الإسراء، فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه؟. وأما قول شريك [ (1) ] : وهو نائم، وفي رواية: بينا أنا عند البيت بين النائم   [ (1) ] هو شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر القرشيّ، وقيل: الليثي أبو عبد اللَّه المدني، روى عن أنس رضى اللَّه عنه وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبى عتيق، وعبد الرحمن بن أبى سعيد الخدريّ وغيرهم. وعنه سعيد المقبري، وهو أكبر منه، والثوري، ومالك، ومحمد بن جعفر بن أبى كثير، وإسماعيل ابن جعفر، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز الدراوَرْديّ، وغيرهم. قال ابن معين والنسائي: ليس به بأس، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال ابن عدي: إذا روى عنه ثقة، فلا بأس برواياته. قال ابن عبد البر: مات سنة (44) ، وقال النسائي أيضا: ليس بالقوى، وذكره ابن حبان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 واليقظان، فلا حجة فيه على أن الإسراء كان بروحه عليه [الصلاة و] السلام دون بدنه، أو قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه، وليس في الحديث ما يدل على كونه نائما في القصة [كلها] ، وقد أنكر أهل العلم [رضى اللَّه عنهم] ، رواية شريك. [واللَّه أعلم] . قال الحافظ عبد الحق [رحمه اللَّه] في كتاب (الجمع بين الصحيحين) : هذا الحديث بهذا اللفظ، من رواية شريك بن [عبد اللَّه بن] أبى تمر [ (1) ] ، عن أنس رضى اللَّه عنه، [وقد زاد فيه] زيادة مجهولة، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة. وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقدمين، والأئمة المشهورين، كابن شهاب، وثابت البناني، وقتادة- يعنى عن أنس- فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث [ (2) ] ، قال: والأحاديث التي تقدمت قبل هذا، هي المعول عليها. انتهى. ولئن سلمنا أنه كان نائما إذ أتاه الملك، فقد نبه، وأسرى به، كما جاء في حديث أبى سعيد الخدريّ، [رضى اللَّه عنه] عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام، إذ أتانى آت فأيقظنى، فاستيقظت، فلم أر شيئا، ثم عدت في النوم فأيقظنى، كذلك أربع مرات، فإذا أنا بكهيئة [الخيال] ، فأتبعته حتى خرجت من المسجد، فإذا أنا بدابة يقال لها:   [ () ] في (الثقات) وقال: ربما أخطأ، وقال ابن الجارود: ليس به بأس، وليس بالقوى، وكان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه. قال الساجي: كان يرى القدر. (تهذيب التهذيب) : 4/ 296- 297، ترجمة رقم (588) . [ (1) ] ترجمته في التعليق السابق. [ (2) ] راجع ترجمته في التعليق السابق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 البراق، فركبته.. الحديث. وزعم من قال: إن الإسراء إلى بيت المقدس، كان يقظة بجسده صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأن الإسراء إلى السموات كان مناما بروحه، [عليه الصلاة والسلام] ، أن المشركين إنما استبعدوا، وأنكروا، وشنعوا قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه [عليه الصلاة والسلام] أتى بيت المقدس ورجع من ليلته، ولو كان صعوده صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات منضما إلى ذلك، لكان الاستبعاد أكبر، والشناعة به أتم، [واللَّه سبحانه وتعالى أعلم] ، فحيث لم يذكروا ذلك البتة، علم أن النبي عليه السلام، إنما ادعى أنه أسرى بجسده إلى بيت المقدس فحسب، والعروج به إلى السموات كان مناما. وحديث شريك لا ينافي ذلك، لأنه ليس فيه ذكر [الإسراء] إلى بيت المقدس، إنما فيه بيان العروج إلى السماء في نومه، وأيضا فإن اللَّه تعالى تمدح بقوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فلم يذكر إلا الانتهاء به إلى المسجد الأقصى، ولو كان انتهى به إلى أكثر من ذلك لذكره، فإنه كان أعظم للآية، وأبلغ في المدح. وأجيب بأن اللَّه تعالى قال: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى، ثم قال ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، فأثبت- سبحانه- أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى جبريل في الصورة التي خلق عليها بعين بصره، وهكذا كان كل شيء رآه في تلك الليلة، إنما هو بعين بصره. وأما اقتصار شناعة أهل الكفر على ذكرهم مسراه إلى بيت المقدس دون السموات، [فلأنهم] أرادوا تكذيبه عليه السلام بما شاهده الناس وعلموه، دون ما غاب عنهم، مما لم يعلموا كنهه، ولم يذكروا أنه صعد السموات، لأنه عندهم معلوم كذبه فيه، فطلبوا منه نعت بيت المقدس، لأنهم كانوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 210 يخبروا به، [ومتحققون] أنه عليه السلام لم يره قط، فعدوا قوله: أنه أسرى به إلى السموات من جنس قوله: أن الملك يأتيه منها في طرفة عين، وكان ذلك مستقرا عندهم استحالته، ولا يعلم إلا من جهته، إذ لا دليل عليه من خارج يشاهدونه، إلا قيام صدقه بالمعجزة، وقد عاندوا فيها، بخلاف إخباره أنه أتى بيت المقدس في ليلته، فإنه أمكنهم استعلام صدقه في ذلك، فطالبوه بنعته، فجلاه اللَّه له، فطفق يخبرهم عن آياته، وهو ينظر إليه، ولم يكن عليه السلام أتى بيت المقدس قبل الإسراء، فكان معلوما عندهم من حاله أنه لم يره قط، وإلا لما طالبوه بنعته. وعلى هذا، جاءت الآية: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى تشنيعا عليهم، ونداءا بما علموا صدقه فيه، فأصروا على تكذيبه، فلهذا اقتصر اللَّه تعالى على ذلك، دون ذكر صعوده إلى السماء. وزعم من قال: بأن [الإسراء] إلى بيت المقدس وإلى السموات، وقع أكثر من مرة واحدة، تارة في المنام، وتارة في اليقظة، بأن هذا فيه جمع بين الأحاديث المختلفة، وعليه، يخرج أيضا الاختلاف في المكان الّذي وقع منه الإسراء، وهذه اختيار أبى نصر بن أبى القاسم القشيري، وأبى القاسم السهيليّ، وأبى بكر محمد بن العربيّ، والمهلب بن أبى صفرة، وإليه مال أبو سعيد عبد الملك بن محمد النيسابورىّ الواعظ. قال: وترتيب الأخبار أن يقال: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معاريج، منها ما كان حقيقة، ومنها ما كان رؤيا، وعليه عوّل أبو شامة وقال: أنه أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مرارا قبل البعثة وبعدها. فأما قبل البعثة، فكان في النوم على ما شهد له حديث شريك، وكان ذلك من جملة ما أخبرت عنه عائشة رضى اللَّه عنها، وأجملته من حاله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 حين قالت: أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي، الرؤيا الصادقة في النوم.. الحديث. وكانت الحكمة في ذلك، التدرج له، والتسهيل عليه، لضعف القوى البشرية. وأما بعد تحقق البعثة والوحي إليه، تركه اللَّه ما شاء أن يتركه، ثم أسرى به يقظة، واستدل لذلك، ثم قال: أول ما أسرى به يقظة كان إلى بيت المقدس، وقد جاءت أحاديث تدل على ذلك، ثم تارة عرج به إلى السماوات، ولم يأت فيها بيت المقدس، وهو ظاهر حديث أنس [رضى اللَّه عنه] ، عن مالك بن صعصعة، فوقع كل منهما مفردا. ثم جمع له الأمر، أن في ليلة أخرى أسرى به إلى بيت المقدس، ورفع منه إلى السماء، وهو ظاهر حديث ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، ويجوز أن تكون هذه الحالة وقعت ثانية، لأنه كان عليه السلام قد تأنس به لإسرائه إلى بيت المقدس، فكرر عليه ذلك، وتمم بصعوده إلى السماء، ثم لما تأنس بصعوده إلى السماء، استغنى عن توسط بيت المقدس، فرفع من مكة إلى السماء، والأحاديث على اختلافها لا تخرج عن هذه الأحوال، فنزل على كل حال ما يليق بها منها، وبعض ذلك ظاهر، وبعضه فيه خفاء. ويدل على أن الإسراء وقع مرارا، اختلاف رؤية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لموسى، فإنه أخبر مرة أنه رآه قائما يصلى في قبره، ومرة أنه صلّى ببيت المقدس بجماعة من الأنبياء، وذكر موسى منهم، ومرة قال: إنه رآه في السماء السادسة، وفي حديث آخر رآه في السماء السابعة. وعلى ذلك أيضا، يحمل [الاختلاف] في وقته، فقيل: في رمضان، وقيل: في ربيع الأول، وقيل: في رجب، والكل صواب إن شاء اللَّه تعالى. ثم إنه ظاهر في بعض الأحاديث، أنه صعد إلى السماء على ظهر البراق، كما في حديث مالك بن صعصعة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 وقد ذهب العارف محيي الدين أبو عبد اللَّه محمد بن العربيّ الخاتمى الصوفىّ، إلى أن الإسراء وقع ثلاثين مرة، بحسب اختلاف الأحاديث التي جمعها في كتاب، فجعل كل حديث إسراء، ولم أقف على كتابه هذا. وقال البيهقي: وقد أوردوا أحاديث رؤية الأنبياء ليلة الإسراء، وليس بين هذه الأحاديث منافاة، فقد يراه قائما يصلى في قبره، ثم يساريه إلى بيت المقدس كما أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فيراه فيه، ثم يعرج به إلى السماء السادسة، كما عرج بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فيراه في السماء، وكذلك سائر من رآه من الأنبياء في الأرض ثم في السماء، والأنبياء أحياء عند ربهم كالشهداء، [فلا ينكر] حلولهم في أوقات بمواضع مختلفات، كما ورد خبر الصادق به . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 فصل جامع في ذكر حديث الإسراء والمعراج [فقد] روى من حديث أنس، فتارة يرويه أنس عن مالك بن صعصعة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتارة يرويه عن أبى [ذرّ] عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتارة يرويه دون ذكرهما. فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج مسلم من حديث حماد بن سلمة، [قال] حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضى اللَّه [تعالى] عنه [قال] : إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافرة عند منتهى طرفه، فركبته حتى أتيت بيت المقدس، [قال:] فربطته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام، بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل عليه السلام: اخترت الفطرة [ (1) ] .   [ (1) ] «البراق» بضم الباء الموحدة، قال أهل اللغة: البراق اسم الدابة التي ركبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الإسراء. قال الزبيدي في (مختصر العين) ، وصاحب (التحرير) : هي دابة كانت الأنبياء صلوات اللَّه وسلام عليهم يركبونها. وهذا الّذي قالاه من اشتراك جميع الأنبياء فيها، يحتاج إلى نقل صحيح. قال ابن دريد: اشتقاق البراق من البرق إن شاء اللَّه تعالى، يعنى لسرعته، وقيل: سمى بذلك لشدة صفائه، وتلألئه، وبريقه، وقيل: لكونه أبيض. وقال القاضي: يحتمل أنه سمى بذلك لكونه ذا لونين، يقال: شاه برقاء إذا كان في خلال صوفها الأبيض طاقات سود. قال: ووصف في الحديث بأنه أبيض، وقد يكون من نوع الشاة البرقاء، وهي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 قال: ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك، قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، قال: ففتح لنا، فإذا أنا بآدم عليه السلام، فرحّب بى، ودعا لي بخير [ (1) ] .   [ () ] معدودة في البيض، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 2/ 569، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (259) . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط به الأنبياء صلوات اللَّه عليهم» أما بيت المقدس ففيه لغتان مشهورتان غاية الشهرة: إحداهما: بفتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال المخففة، والثانية: بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة. قال الواحدي: أما من شدده فمعناه المطهر، وأما من خففه فقال أبو على الفارسي: لا يخلو إما أن يكون مصدرا، أو مكانا، فإن كان مصدرا كان كقوله تعالى: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ* ونحوه من المصادر، وإن كان مكانا فمعناه بيت المكان الّذي جعل فيه الطهارة، أو بيت مكان الطهارة، وتطهيره: إخلاؤه من الأصنام، وإبعاده منها. وقال الزجاج: البيت المقدس المطهر، وبيت المقدس أي المكان الّذي يطهر فيه من الذنوب. (المرجع السابق) . قوله: صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فربطته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء» الحلقة بإسكان اللام على اللغة الفصيحة المشهورة. وحكى الجوهري وغيره فتح اللام أيضا. قال الجوهري: حكى يونس عن أبى عمرو بن العلاء حلقة بالفتح، وجمعها حلق وحلقات. وأما على لغة الإسكان فجمعها حلق وحلق بفتح الحاء وكسرها، والمراد حلقة باب مسجد بيت المقدس واللَّه أعلم. وفي ربط البراق الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطى الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في التوكل، إذا كان الاعتماد على اللَّه تعالى. (المرجع السابق) . قوله: «اخترت الفطرة» فسروا الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة، ومعناه واللَّه تعالى أعلم: اخترت علامة الإسلام، والاستقامة، وجعل اللبن علامة لكونه سهلا، طيبا، طاهرا، سائغا للشاربين، سليم العاقبة. أما الخمر فإنّها أم الخبائث، وجالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل. واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) . [ (1) ] قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل له: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه» . أما قوله: «عرج» فبفتح العين والراء، أي صعد، وقوله: «جبريل» فيه بيان الأدب فيمن استأذن بدق الباب ونحوه، فقيل له: «من أنت» ، فينبغي أن يقول: زيد، مثلا، إذا كان اسمه زيدا، ولا يقول: أنا، فقد جاء الحديث الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 [قال:] ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، [قيل] : وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، قال: ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا، عليهما السلام، فرحبا بى، ودعوا لي بخير [ (1) ] . ثم عرج [بنا] إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال محمد، [قيل:] وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، قال: ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف عليه السلام، [إذ] هو قد أعطى شطر الحسن، قال فرحب بى، ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا، قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قال: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب ودعا لي بخير، قال اللَّه [تبارك و] تعالى: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا.   [ () ] بالنهى عنه، ولأنه لا فائدة فيه. وأما قول بواب السماء: «وقد بعث إليه» فمراده: وقد بعث إليه للإسراء وصعود السماوات، وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة، فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة، فهذا هو الصحيح، واللَّه أعلم بمعناه. ولم يذكر الخطابي في شرح البخاري وجماعة من العلماء غيره، وأن كان القاضي قد ذكر خلافا، أو أشار إلى خلاف في أنه استفهم عن أصل البعثة، أو عما ذكرته، قال القاضي: وفي هذا أن للسماء أبوابا حقيقية، وحفظة موكلين بها، وفيه إثبات الاستئذان. واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) . [ (1) ] قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فإذا أنا بآدم فرحّب بى ودعا لي بخير» ثم قال في السماء الثانية: «فإذا أنا بابني الخالة، فرحبا بى ودعوا» ، وذكر صلّى اللَّه عليه وسلّم في باقي الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم نحوه، فيه استحباب لقاء أهل الفضل بالبشر والترحيب، والكلام الحسن، والدعاء لهم، وإن كانوا أفضل من الداعي، وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب وغيره من أسباب الفتنة. وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فإذا أنا بابني الخالة» ، قال الأزهري: قال ابن السكيت: يقال لهما: ابنا عم، ولا يقال: ابنا خال، ويقال: هما ابنا خالة، ولا يقال ابنا عمة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون عليه السلام، فرحب ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى، عليه السلام، فرحب ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك، قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح، فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام، مسند ظهره إلى البيت المعمور [ (1) ] ، وإذا يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه. ثم ذهب بى إلى السدرة المنتهى [ (2) ] ، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال [ (3) ] ، فلما غشيها اللَّه ما غشيها تغيرت، فما أحد من خلق اللَّه يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى إليّ ما أوحى، فعرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى عليه السلام، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإنّي قد بلوت بنى إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعت إلى ربى فقلت: [يا رب] ، خفف على أمتى،   [ (1) ] قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فإذا أنا بإبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور» ، قال القاضي: يستدل به على جواز الاستناد إلى القبلة وتحويل الظهر إليها. [ (2) ] هكذا وقع في كل الأصول «السدرة» بالألف، وفي الروايات بعد هذا «سدرة المنتهى» . قال ابن عباس، والمفسرون، وغيرهم: سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهى إليها، ولم يجاوزها أحد إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وحكى عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه أنها سميت بذلك لكونها ينتهى إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر اللَّه تعالى. (المرجع السابق) . [ (3) ] القلال بكسر القاف: جمع قلة، والقلة جرّة عظيمة تسع قريتين أو أكثر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 فحط عنى خمسا، فرجعت إلى موسى، فقلت: حط عنى خمسا، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فسله التخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربى [ (1) ] تبارك وتعالى، وبين موسى عليه السلام، حتى قال يا محمد، انهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها، كتبت له حسنة، فإن عملها، كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها، لم تكتب له شيئا، فإن عملها، كتبت له سيئة واحدة. قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فقلت: قد رجعت إلى ربى حتى استحييت منه. [وفي بعض الطرق: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم راجع، وخفف عنه في كل مراجعة، وفي أخرى: أنه خفف عنه أولا الشطر، ثم خفف عنه ثانيا تخفيفا واحدا إلى الخمس، فتكون المراجعة على هذا مرتين، وفي أخرى: أن التخفيف كان عشرا عشرا، إلى المرة الأخيرة، فكان التخفيف فيها خمسا، وبقيت هذه الخمس] [ (2) ] . [والجمع بينهما أن يقال: لا تعارض، إنما فيه إجمال في بعضها، وتفصيل في الأخرى، لأن قوله فخفف عنى الشطر، أعم من كونه خففه مرة واحدة، أو في مرار متعددة، ولذا ذكر التفصيل والإجمال، وحمل الإجمال على التفصيل ولا تعارض. وللَّه الحمد] [ (2) ] . [وأما الحديث الّذي رواه حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه، وفيه: فحط عنى خمسا، من أفراد مسلم، والّذي اتفقا عليه من حديث   [ (1) ] معناه رجعت إلى الموضع الّذي ناجيته منه أولا، فناجيته فيه ثانيا، (المرجع السابق) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (خ) وأثبتناه من (ج) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 أنس، أنه حطّ عنه عشرا عشرا، وزعم ابن الجوزي: أن هذه الرواية التي فيها فحط عنى خمسا، غلط من الراويّ.] [ (1) ] . وخرّج مسلم أيضا من حديث بهز [قال:] حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا [ثابت عن] أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه قال:] قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتيت فانطلقوا بى إلى زمزم، فشرح عن صدري، ثم غسل بماء زمزم، ثم أنزلت [ (2) ] . ومن حديث حماد بن سلمة، [قال:] حدثنا ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه قال:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، ثم قال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان إلى أمه- يعنى ظئره- فقالوا: إن   [ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (خ) وأثبتناه من (ج) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 573، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفرض الصلوات، حديث رقم (260) . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت» معنى «شرح» ، شقّ، كما قال في الرواية التي بعد هذه. وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ثم أنزلت» هو بإسكان اللام وضم التاء، وهكذا ضبطناه، وكذا هو في جميع الأصول والنسخ، وكذا نقله القاضي عياض رحمه اللَّه تعالى عن جميع الروايات، وفي معناه خفاء، واختلاف. قال القاضي: قال الوقشى: هذا وهم من الرواة وصوا به «تركت فتصحف» . قال القاضي: فسألت عنه ابن السراج فقال: أنزلت في اللغة بمعنى تركت صحيح، وليس فيه تصحيف. قال القاضي: وظهر لي أنه صحيح بالمعنى المعروف في أنزلت، فهو ضد رفعت، لأنه قال: انطلقوا بى إلى زمزم ثم أنزلت، أي ثم صرفت إلى موضعي الّذي حملت منه. قال: ولم أزل أبحث عنه حتى وقعت على الجلاء فيه من رواية الحافظ أبى بكر البرقاني، وأنه طرف حديث، وتمامه «ثم أنزلت على طست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا» هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه اللَّه تعالى (المرجع السابق) . ومقتضى رواية البرقاني أن يضبط أنزلت بفتح اللام وإسكان التاء، وكذلك ضبطناه في الجمع بين الصحيحين للحميدي، وحكى الحميدي هذه الزيادة المذكورة عن رواية البرقاني وزاد عليها. (المرجع السابق) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس رضى اللَّه عنه: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . وخرّج أيضا من حديث ابن وهب، قال: أخبرنى سليمان بن بلال قال: [حدثني] شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر قال: سمعت أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، يحدثنا عن ليلة أسرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسجد الكعبة، أن جاءه ثلاثة نفر قبل أن [يوحى] إليه، وهو نائم في المسجد   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (261) . قوله: «ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه» أما الطّست: فبفتح الطاء وإسكان السين المهملتين، وهي إناء معروف، وهي مؤنثة، قال: وحكى القاضي عياض كسر الطاء لغة، والمشهور الفتح كما ذكرنا، ويقال فيها: طسّ بتشديد السين وحذف التاء، وطسّة أيضا، وجمعها طساس، وطسوس، وطسات. (المرجع السابق) . وأما «لأمه» فبفتح اللام وبعدها همزة، على وزن ضربه، وفيه لغة أخرى: لاءمه بالمد، على وزن آذنه، ومعناه: جمعه، وضمّ بعضه إلى بعضه، وليس في هذا ما يوهم جواز استعمال إناء الذهب لنا، فإن هذا فعل الملائكة واستعمالهم، وليس باللازم أن يكون حكمهم حكمنا، ولأنه كان أول الأمر، قبل تحريم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أواني الذهب والفضة. (المرجع السابق) . قوله: «يعنى ظئره» هي بكسر الظاء المعجمة بعدها همزة ساكنة، وهي المرضعة [من غير الأم الوالدة] ، ويقال أيضا لزوج المرضعة ظئر. قوله: «فاستقبلوه وهو منتقع اللون» هو بالقاف المفتوحة أي متغير اللون، قال أهل اللغة: امتقع لونه، فهو ممتقع، وابتقع بالباء فهو مبتقع، فيه ثلاث لغات، والقاف مفتوحة فيهن. قال الجوهري وغيره: والميم أفصحهنّ، ونقل الجوهري اللغات الثلاث عن الكسائي، قال: ومعناه تغير من حزن أو فزع. وقال الهروي في (الغريبين) ، في تفسير هذا الحديث: يقال: انتقع لونه، وانتقع، وامتقع، واستقع، وانتسف وانتشف- بالسين والشين- والتمع، والتمغ- بالعين والغين- وابتسر، والتهم، (المرجع السابق) . قوله: «كنت أرى أثر المخيط في صدره» هو بكسر الميم وإسكان الخاء وفتح الياء، وهي الإبرة. وفي هذا دليل على جواز نظر الرجل إلى صدر الرجل، ولا خلاف في جوازه، إلا أن ينظر بشهوة فإنه يحرم، إلا الزوج لزوجته ومملوكته إلا أن يكون لحاجة البيع والشراء، والتطبيب والتعليم ونحوهما، واللَّه تعالى أعلم (المرجع السابق) مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 الحرام ... وساق الحديث بقصته، نحو حديث ثابت البناني، [وقدّم] فيه شيئا وأخر، وزاد ونقص. هكذا قال مسلم [ (1) ] . وخرّجه البخاري من حديث سليمان عن شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر قال: سمعت أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، يحدثنا عن ليلة أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسجد الكعبة، جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام فقال [أولهم] : أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، أو قال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك، فلم يرهم حتى جاءوا ليلة أخرى في ما يرى قلبه، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نائمة عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فتولاه جبريل عليه السلام ثم عرج به إلى السماء.. هذا الّذي ذكره البخاري من هذا الحديث، وذكره في كتاب المناقب، وترجم عليه باب: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تنام عيناه ولا [ينام قلبه] [ (2) ] . وخرّجه في كتاب التوحيد، في باب: وكلم اللَّه موسى تكليما بهذا السند، ولفظة: سمعت ابن مالك يقول: ليلة أسرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسجد الكعبة، أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: [هو خيرهم] ، [فقال] أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، [فيما] يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء عليهم السلام، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند [بئر] زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبّته، حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقى جوفه،   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 575 كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (262) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 718- 719، كتاب المناقب، باب (24) كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تنام عينه ولا ينام قلبه، حديث رقم (3570) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 ثم أتى [بطست] من ذهب، فيه تور من ذهب، محشورا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده- يعنى عروق حلقه- ثم أطبقه. ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: [معى محمد] قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء ما يريد اللَّه به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك، فسلّم عليه فسلم عليه وردّ عليه آدم وقال: مرحبا وأهلا يا بنىّ، نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، قال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء، فإذا بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده، فإذا هو مسك أذفر، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الّذي خبّأ لك ربّك. ثم عرج به إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به وأهلا. ثم عرج إلى السماء الثالثة، وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فقالوا له مثل ذلك. كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فوعيت، منهم: إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة، لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة، بفضل كلامه للَّه، فقال موسى: ربّ لم أظنّ أن ترفع عليّ أحدا، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا اللَّه، حتى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة، فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللَّه فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة. ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلى خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار [عليه] جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى فقال وهو مكانه: [يا رب] خفف عنا، فإن أمتى لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه، حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمد، واللَّه لقد راودت بنى إسرائيل قومي على أدنى من هذا، فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجسادا، وقلوبا، وأبدانا، وأبصارا، وأسماعا، فارجع [فليخفف] عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل. فرفعه عند الخامسة، فقال: [يا رب] ، إن أمتى ضعفاء أجسادهم، وقلوبهم، وأسماعهم، وأبدانهم، فخفف عنا، فقال الجبار: يا محمد، قال: لبيك وسعديك، [قال] : إنه لا يبدل القول لدىّ، كما فرضت عليك في أم الكتاب، قال: فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهن خمس عليك. فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفّف عنّا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها، قال موسى: قد واللَّه راودت بنى إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا، قال رسول اللَّه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا موسى! قد واللَّه استحييت من ربى مما اختلفت إليه، قال: فاهبط باسم اللَّه، قال: واستيقظ وهو في المسجد الحرام [ (1) ] . وقد انتقد الحافظ أبو محمد أحمد بن على بن حزم، رحمه اللَّه [تعالى] ، حديث شريك هذا فقال: وما وجدنا للبخاريّ ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا حديثين، لكل واحد منهما حديث، ثم عليه في تخريجه الوهم، مع اتفاقهما، وحفظهما، وصحة معرفتهما،   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 584- 585، كتاب التوحيد، باب (37) ما جاء في قوله اللَّه عز وجل: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، حديث رقم (7517) ، قوله: «فاستيقظ وهو في المسجد الحرام» ، قال القرطبي: يحتمل أن يكون استيقاظا من نومة نامها بعد الإسراء، لأن إسراءه لم يكن طول ليلته، وإنما كان في بعضها، ويحتمل أن يكون المعنى أفقت مما كنت فيه مما خامر باطنه من مشاهده الملأ الأعلى، لقوله تعالى: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، فلم يرجع إلى حال بشريتة صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا وهو بالمسجد الحرام. وأما قوله في أوله: «بينا أنا نائم» ، فمراده في أول القصة وذلك أنه كان قد ابتدأ نومه فأتاه الملك فأيقظه. وفي قوله في الرواية الأخرى: «بينا أنا بين النائم واليقظان أتانى الملك» إشارة إلى أنه لم يكن استحكم في نومه. وهذا كله يبنى على توحيد القصة. وإلا فمتى حملت على التعدد، بأن كان المعراج مرة في المنام وأخرى في اليقظة، فلا يحتاج ذلك. قال الحافظ ابن حجر: قيل: اختص موسى عليه السلام بهذا دون غيره ممن لقيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الإسراء من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنه أول من تلقاه عند الهبوط، ولأن أمته أكثر من أمة غيره، ولأن كتابه أكبر الكتب المنزلة قبل القرآن وتشريعا وأحكاما، أو لأن أمة موسى كانوا كلفوا من الصلاة ما ثقل عليهم. فخاف على أمة محمد مثل ذلك، وإليه الإشارة بقوله: «فإنّي بلوت بنى إسرائيل» ، قاله القرطبي. وأما قول من قال: إنه أول من لاقاه بعد الهبوط فليس بصحيح، لأن حديث مالك بن صعصعة أقوى من هذا، وفيه: أنه لقيه في السماء السادسة. وإذا جمعنا بينهما بأنه لقيه في الصعود في السادسة، وصعد موسى إلى السابعة، فلقيه فيها بعد الهبوط ارتفع الإشكال، وبطل الرد المذكور، واللَّه تعالى أعلم. (فتح الباري) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 ثم ذكر هذا الحديث. وقال عقيبة: فهذه ألفاظ معجمة بلا شك، والآفة من شريك من ذلك. [وأما] قوله: إن ذلك كان قبل أن يوحى إليه، وأنه حينئذ فرضت عليه الخمسون صلاة، وهذا بلا خلاف بين أحد من أهل العلم، إنما كان قبل الهجرة بسنة، وبعد أن أوحى إليه بنحو اثنتي عشرة سنة. ثم قوله: إن الجبار دنا فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، وعائشة أم المؤمنين رضى اللَّه عنها، تروى أن الّذي دنا فتدلى، جبريل عليه السلام. قال الحافظ محمد بن طاهر المقدسي، رحمه اللَّه، في مسألة الانتصار لإمامى الأمصار، رحمهما اللَّه [تعالى] : ورأيت لأبى عبد اللَّه الحميدي بخط يده: ذكرت للقاضي الفقيه- أطال اللَّه [تعالى] مدته، وقرن بالسلامة أوبته- حديثين يتبعهما الحافظ على رواتهما، وأخرجت في الصحيح على ذلك لغرض لعله وقع لمخرجهما، وأردت أن أبين لك الحديثين، لتقف عليهما، وتعرضهما على من ربما وجد مخرجا لهما، وذكر الحديثين بلفظ ابن حزم، ثم قال عقبيهما: وقد عرضت هذا الاعتراض الّذي رأيته لبعض الحفاظ، على جماعة من المتحققين بعلم الحديث، فكلهم تحيّر في وجه المخرج في ذلك، وذكر لي أن لأبى سليمان الخطابي في ذلك كلاما، ذكره في كتاب (أعلام الحديث) ، الّذي [ألفه] في شرح معاني كتاب (الجامع الصحيح) ، وذكر كلام أبى سليمان على حديث شريك. قال ابن طاهر: [و] الحميدي سلك طريق أستاذه في التحريف، [لأنه] نسب البخاريّ ومسلما، إلى أنهما أخرجا هذين الحديثين لغرض وقع لهما، مع العلم بعلتهما، وهذا ارتكاب كبيرة في حقهما، فإنّهما معروفان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 بالإنصاف، غير متعصبين لفرقة، لم يسلكا في تصنيفهما ما سلكه المصنفون قبلهما أو بعدهما، من نصرة مذهب واحد، وإنما نصرا الصحيح وأخرجاه، ولذلك رفع اللَّه عزّ وجل كتابيهما، وجعلهما حجة بين المسلمين، لما علم من صدق نيتهما في ذلك، ولو سلكا طريق التعصب، لخرجا عن حيّز التحكيم، لأن شرط الحكم أن ينصف بين الخمصين، ورأينا الفرق قاطبة تحتج بما أخرجاه، [ويلتزم] الخصم ذلك من خصمه، فصح بذلك ما قلناه. قال جامعه ومؤلفه [عفى اللَّه عنه] : في كلام ابن طاهر هذا تحامل على الحميدي، فإنه لم يرد قط أن البخاريّ ومسلما، خرجا الحديثين لغرض سيئ، لكن أعلم أنهما- ومكانهما من العلم مكانهما- أخرجا ذلك مع ما فيهما [مما] ينتقد، لشيء من الأشياء قصداه، لا أنهما خفي عليهما ما ظهر لغيرهما، والحميدي لا يخفى عليه البتة شيء مما ذكره ابن طاهر، من جميل مقصد البخاري ومسلم فيما أخرجاه في صحيحيهما، واللَّه تعالى الموفق. قال ابن طاهر: إن كلامه في شريك، شيء لم يسبقه إليه أحد من أئمة الجرح والتعديل، بل قبلوه، ووثقوه، ورووا عنه، وأدخلوا حديثه في تصانيفهم، واحتجوا به، ثم ذكر عن يحيى بن معين أنه قال عنه: ليس به بأس، وذكر عن ابن [عدي] أنه قال: شريك رجل مشهور من أهل المدينة، حدّث عنه مالك وغيره من الثقات، وحديثه إذا روى عن نفسه فإنه لا بأس بروايته، إلا أن يروى عن ضعيف، ثم قال: فحكم ابن عدىّ، أن الآفة إنما تأتينا من الراويّ عنه، والراويّ عنه هذا الحديث سليمان بن بلال، أحد ثقات أهل المدينة، ومن عدّله مالك فمن بعده من الأئمة، لا يسمع فيه قول المتأخر بحال، فلما ثبتت عدالته، خرج عما قاله ابن حزم، وأن الآفة ليست الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 من شأنه، ويقول: إنّ الوهم في قوله: «وذلك قبل أن يوحى إليه» صحيح، وبالوهم لا يسقط حديث المحدّث الثقة الحافظ، على أن هذا الوهم قديم على من روى عنه هذا الحديث إلى عصر ابن حزم، ولم يستدركه أحد وقد قال يحيى بن معين: لو تركنا أحدا لكثرة غلطه، لتركنا حديث عيسى ابن يونس، على أن هذا الوهم ليس فيه ارتكاب كبيرة يترك لأجلها حديثه، وإنما هو وهم في التاريخ، ولو ترك حديث من وهم في تاريخ، لترك جماعة من أئمة المسلمين لاختلافهم في التواريخ في [الوفيات] وغيرها، ولعله أراد أن يقول: وذلك بعد أن أوحى إليه بنحو من كذا، فقال: وذلك قبل أن يوحى إليه، جريان اللسان، وهذا الوهم على الحقيقة، إنما يأتى من جهة ثلاثة: إما أنس رضى اللَّه عنه، وإمّا شريك، وإمّا سليمان، فلم خصّه من بينهم بهذا الوهم؟ فدلّ جميع ذلك عن أن كلامه في شريك لا وجه له. وأما احتجاجه بقول عائشة رضى اللَّه عنها، فذكره ابن طاهر من طريق أبى بكر بن أبى شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن زكريا بن أشوع، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة [رضى اللَّه عنها قالت:] قلت [لها] : دَنا فَتَدَلَّى، قالت: ذاك جبريل [عليه السلام] ، ثم قال: وهذا حديث مخرج في الصحيحين من حديث أبى أسامة، وحماد بن سلمة، عن زكريا بن أبى زائدة، ويعد في أفراد زكريا، عن سعيد بن عمرو بن أشوع. والحديث موقوف على عائشة [رضى اللَّه عنها] لم يتجاوز به غيرها، فيكون مع اتفاقه والتفرد الّذي في إسناده، قول واحد من الصحابة، [رضى اللَّه عنهم] والكلام عليه من وجهين: أحدهما: أن قولها يدل على [أن] الموحى جبريل [عليه الصلاة والسلام] ، وأجمعت الأمة على [أن] الموحى هو اللَّه عز وجل، لقوله [تبارك] وتعالى: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 والوجه الثاني: خلاف أنس وعبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما، أما حديث أنس، فقد تقدم من حديث شريك، المخرّج في الصحيحين، وأما حديث ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، فذكره ابن طاهر من طريق أبى القاسم البغوي، [قال:] حدثنا سعيد [بن] يحيى الأموي، قال: حدثني أبى، حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبى سلمة، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] ، في قول اللَّه عز وجل: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، قال: فدنا ربه عزّ وجل [منه] ، فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، قال: قال ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] : ورواه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال ابن طاهر: وهذا إسناد متصل، ورجاله ثقات، وهو من أصح الروايات في التفسير، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] . ورواه عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، وأخرج من حديثه في كتاب البخاري، ثم ذكر أيضا من حديث الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدثنا على بن مسلم، حدثنا سفيان عن عمر، وعن عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، قال: هي رؤيا عين رآها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسرى به، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ قال: شجرة الزقوم. وأخرجه البخاري في صحيحه، عن على بن [المديني] ، والحميدي عبد اللَّه بن الزبير، كليهما عن سفيان بن عيينة، هذا في التفسير، والقدر، والبعث، ثم ذكر أيضا من طريق أبى القاسم البغوي، حدثنا زيد بن أخرم، حدثنا عبد اللَّه بن داود، عن الأعمش، عن عبد الملك بن ميسرة، عن طاووس قال: أدركت خمسين أو سبعين من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذا سئلوا عن شيء فخالفوا ابن عباس، لم يقوموا حتى يقولوا: هو كما قلت، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 أو صدقت. وقد سئل الإمام أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ عن معنى هذا الحديث- يعنى قول عائشة رضى اللَّه عنها: من حدثك أن محمدا [صلّى اللَّه عليه وسلّم] رأى ربه؟ - فقال: معناه في الدنيا، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حيث عرج به، صار إلى الآخرة، فلما صحّ الإسناد إلى هذين الصحابيين، كان الرجوع إلى قولهما أولى بلا خلاف بين أئمة المحدثين وهو ظاهر الآية، فلا يترك الظاهر مع قوليهما، ويرجع إلى قول من فسّر القرآن على حسب رأيه ومراده، وتأويل من تأوله، على وفق مذهبه واجتهاده [وبذلك صح] ما رسمناه، وأن البخاري ومسلما في تخريجهما هذا الحديث مصيبان، وأن المعترض عليهما دخل عليه الوهم في نقده عليهما، لأنه وإن كان إماما مفتيا في علوم شتى، إلا أن كلامه على هذا الحديث يدل على أنه لم يسلك طريق الحفاظ في تعليل الحديث. وذلك أن الحفّاظ النقّاد، إنما يعللون الحديث من طريق الإسناد، الّذي هو المرقاة إليه، وهذا الرجل علل من حيث اللفظ، ولم يقف على أن لهذا اللفظ متابعات مع صحة النقل إليهما، والدليل على ذلك، أنه لو شرع في تعليله من طريق الإسناد، لوجد طريقا إلى ذلك، لاختلاف الرواة على أنس في إيراد هذا الحديث، على أن الجواب عن الاختلاف إن اعترض عليه معترض من أهل الصنعة، هو أن هذا الحديث رواه عن أنس أربعة من ثقات التابعين، فسلك كل رجل منهم في إيراده غير طريق صاحبه. [وروى] أبو بكر محمد بن مسلم الزهري، عن أنس، عن أبى ذر جندب بن جنادة، وتابع عقيلا- يعنى في روايته- عن ابن شهاب يونس ابن يزيد الإملي، وعنه مخرّج في الصحيحين، ورواه أبو خطاب قتادة بن دعامة السدوسي، عن أنس [بن] مالك، عن مالك بن صعصعة الأنصاري. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 وهذا الحديث أخرجه البخاري من كتابه في أربعة مواضع، عن هدبة بن خالد، وتابع قتادة على روايته عن أنس عباد بن على. هكذا ذكره البخاري في بعض الروايات عنه. وروى أبو محمد ثابت بن أسلم البناني، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم متصلا، ولم يذكر بينهما أحدا، ورواه أبو عبد اللَّه شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر الليثي، عن أنس رضى اللَّه عنه، موقوفا عليه، ثم صح النقل إلى كل واحد منهم، مع حفظهم وإتقانهم، فاحتجنا أن نطلب لهذا الاختلاف وجها، إذ ليس في بعض الأسانيد من يحمل عليه، فيسقط من طريق الترجيح. فلم يبق إلا أن نقول: هذه قصة جرت بمكة، لم يحضرها أنس [رضى اللَّه عنه] ، وإنما [سمعها] من غيره، سمعها أولا من أبى ذر، ومالك بن صعصعة، ثم سمعها من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والدليل على ذلك: أنا رأيناه سمع أحاديث من صحابى، ثم رواها عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذلك في روايته عن عبادة ابن الصامت، مشهور عند أهل الحديث. ثم ذكر ابن طاهر من طريق البغوي، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: حدثني محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك [قال:] فقدمت المدينة، فلقيت عتبانا فقلت: حديث بلغني عنك، قال: أصابنى في بصرى بعض الشيء، فذكر الحديث بطوله، فأنس رضى اللَّه عنه سمع هذا الحديث من محمود بن الربيع، وهو أصغر منه، ولم يقتصر على قوله، حتى رحل إلى المدينة، فسمعه من عتبان، على أن هذا الحديث الّذي رحل لأجله، وسمعه من غيره، لا يقاوم حديث الإسراء في الجلالة والشهرة، فتحققنا أنه سمعه بعد ذلك من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والدليل عليه، رواية جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 عنهما] ، وغيره لهذا الحديث، ممن لم يحضر القصة. ثم ذكر حديث ابن وهب: حدثني يونس بن يزيد قال: قال ابن شهاب: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لما كذبتني قريش، قمت في الحجر، فجلى اللَّه عز وجل لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا انظر إليه. ورواه عقيل، ومعمر، وابن أخى الزهري، عن الزهري كذلك [ومفاده] أن [جابرا] [رضى اللَّه عنه] لم يحضر هذه القصة، فإن قيل: فما السبب في هذا التفصيل؟ ولم لم يجمع بينهما وبين روايته، أو يقتصر على بعضها، إما على قول أحدهما أو على ما سمعه هو؟. الجواب أنه رضى اللَّه عنه أراد أن يؤدى عن كل واحد ما سمعه منه، ويفصل حديثه من حديثهم، لأن الجمع بين هذه الثلاثة يصعب، لما فيه من تقديم وتأخير، وزيادة ونقصان، أو لعله ذكر حديث مالك عقيب حديث إلى ذر [رضى اللَّه عنه] ، أو حديث أبى ذر عقيب حديث مالك، ثم ذكر حديثه بعدهما، فحمل كل واحد من الرواة ما حدثه به من الطرق، واقتصر على إيراده منها، لما قدمنا من صعوبة الجمع بين الطرق. والدليل على هذا: أن قتادة وثابتا من كبار أصحابه البصريين، حافظان متقنان جليلان، كانا في عصر واحد، ومصر واحد، نقل قتادة عنه عن مالك بن صعصعة، ونقل ثابت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فعلم بذلك ما قلناه. ثم ذكر عن أبى محمد عبد الرحمن بن أبى حاتم قال: سألت أبى عن حديث رواه الزهري عن أنس، عن أبى ذر [رضى اللَّه عنهما] في المعراج، ورواه قتادة عن أنس، عن مالك بن صعصعة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقيل لأبى: أيهما أشبه؟ قال: أنا لا أعدل بالزهري أحدا من أهل عصره، ثم قال: إني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 لأرجو أن يكونا جميعا صحيحين. قال ابن طاهر: وأما الكلام على إيقاف شريك للحديث، فإن الشيخ: أبا سليمان الخطابي- رحمه اللَّه تعالى- أشار إلى تعليل هذا الحديث من وجهين، أحدهما: إيقاف شريك له، والثاني: تفرده بهذه الزيادة، والجواب: أن هذا الحديث من طريق شريك، وإن كان موقوفا من حيث الحقيقة، مسندا لأنه قد روي من غير وجه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، يزيده بيانا طريق ثابت المتصل. وأما الجواب عن زيادته: فلا خلاف بين أهل الصّنعة، أن الزيادة من الثقة مقبولة، وقد صححنا ثقته مع متابعة ابن عباس رضي اللَّه [عنهما] له على روايته. واعلم أن إنكارهما لم يصدر عن معرفة صحيحة بعلم الحديث وصناعته، إنما ورد من جهة أخرى، وهي أنهما استبشعا هذه اللفظة وأنكراها، ولم يجدا طريقا إلى رفعها إلا من هذا الوجه الّذي انتقص عليهما، ثم إن القرآن والسنة، غير خاليين من هذا النوع، وأخبار الصفات غير عارية من مثل هذا الفن الّذي أنكراه، على أنهما ممن يثبت الصفات ويؤمن بها. انتهى كلام ابن طاهر، وفيه ما يقبل، وما ينتقد. وأما [ما رواه قتادة عن أنس بن مالك عن صعصعة [بن مالك] ، رضي اللَّه عنهما، فخرجه البخاري في كتاب [مناقب الأنصار] [ (1) ] من حديث همام [عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه] عن مالك بن صعصعة [قال] : أن [نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حدثه]   [ (1) ] في (الأصلين) : في كتاب مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والصواب ما أثبتناه، وسياق أول هذه الفقرة مضطرب في (الأصلين) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 عن ليلة أسري به قال: بينما أنا في الحطيم- وربما قال: في الحجر- مضطجعا، إذا أتاني آت، فقد- قال: وسمعته يقول: فشق- ما بين هذه إلى هذه، فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول: من قصّه إلى شعرته، فاستخرج قلبي، ثم أتيت [بطست] من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة، قال أنس [رضي اللَّه عنه] : نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، فإذا فيها آدم [عليه السلام] فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم صعد حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، إذا يحيى وعيسى [عليهما السلام] وهما ابنا خالة، قال: هذا يحيى وعيسى، فسلم عليهما، فسلمت، فردّا، ثم قالا: مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح. ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح لنا، فلما خلصت، إذا يوسف، قال: هذا يوسف، فسلم عليه، فسلمت عليه، فردّ ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت فإذا إدريس [عليه السلام] ، قال: هذا إدريس، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا هارون [عليه السلام] ، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا موسى، قال: هذا موسى، فسلم عليه [فسلمت عليه] فردّ ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما جاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي، يدخل الجنة من أمته، أكثر مما يدخلها من أمتي. ثم صعد بي إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم قال: مرحبا به، ونعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلم عليه، قال: فسلمت عليه، فردّ السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار، نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان، فنهران في الجنة، وأما الظاهران، فالنيل والفرات. ثم رفع لي البيت المعمور، [يدخله كل يوم سبعون ألف ملك] [ (1) ] ، ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك. ثم فرضت عليّ الصلاة خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بما أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني واللَّه قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله: فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كلّ يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم. قال: فلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي [ (2) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين من (الأصلين) وليس في رواية البخاري التي نحن بصددها. [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 255- 257، كتاب مناقب الأنصار، باب (42) حديث رقم (3887) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235   [ () ] «المعراج» بكسر الميم، وحكى ضمها من عرج بفتح الراء يعرج بضمها إذا صعد، وقد اختلف في وقت المعراج، فقيل: كان قبل المبعث، وهو شاذ إلا إن حمل على أنه وقع حينئذ في المنام كما تقدم، وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث، ثم اختلفوا، فقيل: قبل الهجرة بسنة، قاله ابن سعد وغيره، وبه جزم النووي، وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه، وهو مردود، فإن في ذلك اختلافا كثيرا يزيد على عشرة أقوال، [ذكرها الحافظ في (الفتح) : 7/ 257، وما بعدها] . قوله: «عن مالك بن صعصعة» أي ابن وهب بن عدي بن مالك الأنصاري من بني النجار، ليس له في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث، ولا يعرف من روى عنه إلا أنس بن مالك، [له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 10/ 16، ترجمة رقم (22) قال الحافظ ابن حجر: نسبه ابن سعد فقال: مالك بن صعصعة بن وهب بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار] . قوله «في الحطيم وربما قال في الحجر» هو شك من قتادة، كما بينه أحمد عن عفان عن همام ولفظه: «بينا أنا نائم في الحطيم» ، وربما قال قتادة: «في الحجر» ، والمراد بالحطيم هنا الحجر، وأبعد من قال: المراد به ما بين الركن والمقام، أو بين زمزم والحجر، وهو وإن كان مختلفا في الحطيم، هل هو الحجر أم لا؟ لكن المراد هنا بيان البقعة التي وقع فيها ذلك، ومعلوم أنها لم تتعدد، لأن القصة متحدة لاتحاد مخرجها، وقد تقدم في أول بدء الخلق بلفظ: «بينا أنا عند البيت» ، وهو أعم. وفي حديث أم هانئ عند الطبراني: أنه بات في بيتها، قال: «ففقدته من الليل فقال: إن جبريل أتاني» . والجمع بين هذه الأقوال أنه نام في بيت أم هانئ، وبيتها عند شعب أبي طالب، ففرج سقف بيتها، فنزل منه الملك، فأخرجه من البيت إلى المسجد فكان به مضطجعا وبه أثر النعاس، ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد فأركبه البراق. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «مضطجعا» زاد في بدء الخلق: «بين النائم واليقظان» وهو محمول على ابتداء الحال، ثم لما خرج به إلى باب المسجد فأركبه استمر في يقظته، وأما ما وقع في رواية شريك الآتية في التوحيد في آخر الحديث: «فلما استيقظت» ، فإن قلنا بالتعدد، فلا إشكال، وإلا حمل على أن المراد باستيقظت: أفقت، أي أنه أفاق مما كان فيه من شغل البال، بمشاهدة الملكوت، ورجع إلى العالم الدنيوي. قوله: «من نغره» بضم المثلثة وسكون المعجمة، وهي الموضع المنخفض الّذي بين الترقوتين. قوله: «إلى شعرته» بكسر المعجمة، أي شعر العانة، وفي رواية مسلم: «إلى أسفل بطنه» ، وفي بدء الخلق: «من النحر إلى مراق بطنه» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236   [ () ] قوله: «من قصّة» بفتح القاف وتشديد المهملة، أي رأس صدره. وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الإسراء وقال: إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد، ولا إنكار في ذلك، فقد تواردت الروايات به. وثبت شق الصدر أيضا عند البعثة، كما أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) ، ولكل منهما حكمة، فالأولى عن طفولته صلّى اللَّه عليه وسلّم لاستخراج حظ الشيطان، والثانية عند إرادة العروج إلى السماء، ليتأهب للمناجاة، وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك. قال القرطبي في (المفهم) : لا يلتفت لإنكار الشقّ ليلة الإسراء، لأن رواته ثقات مشاهير، ثم ذكر نحو ما تقدم. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فغسل قلبي» قال ابن أبي جمرة: وإنما لم يغسل بماء الجنة، لما اجتمع في ماء زمزم من كون أصل مائها من الجنة، ثم استقر في الأرض، فأريد بذلك بقاء بركة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الأرض. قال ابن أبي جمرة: الحكمة في شق قلب صلّى اللَّه عليه وسلّم- مع القدرة على أن يمتلئ إيمانا وحكمة بغير شق- الزيادة في قوة اليقين، لأنه أعطي برؤية شق بطنه، وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية، فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالا ومقالا، ولذلك وصف بقوله: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى واختلف هل كان شق الصدر وغسله مختصا به صلّى اللَّه عليه وسلّم أو وقع لغيره من الأنبياء؟ فقد وقع عند الطبراني في قصة تابوت بني إسرائيل أنه كان فيه الطست التي يغسل فيها قلوب الأنبياء، وهذا مشعر بالمشاركة. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ثم أتيت بدابة» قيل: الحكمة في الإسراء به صلّى اللَّه عليه وسلّم راكبا مع القدرة على طي الأرض له، إشارة إلى أن ذلك وقع تأنيسا له بالعادة في مقام خرق العادة، لأن العادة جرت بأن الملك إذا استدعى من يختص به، يبعث إليه بما يركبه. قوله: «دون البغل وفوق الحمار أبيض» كذا ذكر باعتبار كونه مركوبا، أو بالنظر للفظ البراق، والحكمة لكونه بهذه الصفة الإشارة إلى أن الركوب كان في سلم وأمن لا في حرب وخوف، أو لإظهار المعجزة بوقوع الإسراع الشديد بداية لا توصف بذلك في العادة (فتح الباري) . قوله: «فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم» هذا يوضح أن الّذي وقع في رواية بدء الخلق بلفظ دون البغل وفوق الحمار، أي هو البراق، وقع بالمعنى، لأن أنسا لم يتلفظ بلفظ البراق في رواية قتادة. قوله: «يضع خطوه» بفتح المعجمة أوله: المرة الواحدة، وبضمها: الفعلة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237   [ () ] قوله: «عند أقصى طرفه» بسكون الراء وبالفاء، أي نظره، أي يضع رجله عند منتهى ما يرى بصره. قوله: «حتى أتى السماء الدنيا» ظاهرة أنه استمر على البراق حتى عرج إلى السماء، وهو مقتضى كلام ابن أبي جمرة المذكور قريبا، وتمسك به أيضا من زعم أن المعراج كان في ليلة غير ليلة الإسراء إلى بيت المقدس، فأما العروج ففي غير هذه الرواية من الأخبار أنه لم يكن على البراق، بل رقى المعراج، وهو السلم كما وقع مصرحا به في حديث أبي سعيد عن ابن إسحاق والبيهقي في (الدلائل) ، ولفظه: «فإذا أنا بدابة كالبغل مضطرب الأذنين يقال له البراق، وكانت الأنبياء تركبه قبلي فركبته» فذكر الحديث قال: «ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصليت، ثم أتيت بالمعراج» . وفي رواية ابن إسحاق: «سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج فلم أر قط شيئا كان أحسن منه، وهو الّذي يحد إليه الميت عينيه إذا حضر، فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء» الحديث. وفي رواية كعب: «فوضعت له مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب، حتى عرج هو وجبريل» وفي رواية لأبي سعيد في (شرف المصطفى) أنه «أتي بالمعراج من جنة الفردوس، وأنه منضد باللؤلؤ، وعن يمينه ملائكة وعن يساره ملائكة» . وأما المحتج بالتعدد فلا حجة له، لاحتمال أن يكون التقصير في ذلك الإسراء من الراويّ. (فتح الباري) . قوله: «أرسل إليه» ؟ أي للعروج، وليس المراد أصل البعث، لأن ذلك كان قد اشتهر في الملكوت الأعلى، وقيل: سألوا تعجبا من نعمة اللَّه عليه بذلك، أو استبشارا به، وقد علموا أن بشرا لا يترقى هذا الترقي إلا بإذن اللَّه تعالى، وأن جبريل لا يصعد بمن لم يرسل إليه، وقوله: «من معك» ؟ يعشر بأنهم أحسوا معه برفيق، وإلا لكان السؤال بلفظ «أمعك أحد» ، وذلك الإحساس إما بمشاهدة لكون السماء شفافة، وإما بأمر معنوي كزيادة أنوار أو نحوها، يشعر بأمر يحسن معه السؤال بهذه الصيغة. (فتح الباري) . وفي قول: «محمد» دليل على أن الاسم أولى في التعريف من الكنية، وقيل: الحكمة في سؤال الملائكة: «وقد بعث إليه» ؟ أن اللَّه تعالى أراد إطلاع نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أنه معروف عند الملأ الأعلى لأنهم قالوا: «أوبعث إليه» ؟ فدل على أنهم كانوا يعرفون أن ذلك سيقع له، وإلا لكانوا يقولون: ومن محمد؟ مثلا (فتح الباري) . قوله: «مرحبا به» أي أصاب رحبا وسعة، وكنى بذلك عن الانشراح، واستنبط منه ابن المنير جواز رد السلام بغير لفظ السلام، وتعقب بأن قول الملك: «مرحبا به» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238   [ () ] ليس ردا للسلام، فإنه كان قبل أن يفتح الباب، والسياق يرشد إليه. قوله: «فنعم المجيء جاء» قيل: المخصوص بالمدح محذوف، وفيه تقديم وتأخير، والتقدير: «جاء فنعم المجيء مجيئه» . وقال ابن مالك: في هذا الكلام شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول، أو الصفة عن الموصوف في باب نعم، لأنها تحتاج إلى فاعل هو المجيء، وإلى مخصوص بمعناها، وهو مبتدأ مخبر عنه بنعم وفاعلها، فهو في هذا الكلام وشبهه موصول أو موصوف بجاء، والتقدير نعم المجيء الّذي جاء، أو نعم المجيء مجيء جاءه، وكونه موصولا أجود، لأنه مخبر عنه، والمخبر عنه إذا كان معرفة أولى من كونه نكرة، (فتح الباري) . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فلما جاوزت ناداني مناد: أمضيت فريضتي وخفّفت عن عبادي» هذا من أقوى ما استدل به على أن اللَّه سبحانه وتعالى كلم نبيه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الإسراء بغير واسطة. وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم: أن للسماء أبوابا حقيقية وحفظة موكلين بها. وفيه إثبات الاستئذان، وأنه ينبغي لمن يستأذن أن يقول: أنا فلان، ولا يقتصر على أنا، لأنه ينافي مطلوب الاستفهام. وأن المار يسلم على القاعد، وإن كان المار أفضل من القاعد. وفيه استحباب تلقى أهل الفضل بالبشر، والترحيب، والثناء والدعاء، وجواز مدح الإنسان المأمون عليه الافتتان في وجهه. وفيه جواز الاستناد إلى القبلة، بالظهر وغيره، مأخوذ من استناد إبراهيم إلى البيت المعمور، وهو كالكعبة في أنه قبلة من كل جهة. وفيه جواز نسخ الحكم قبل وقوع الفعل. وفيه فضل السير بالليل على السير بالنهار، لما وقع من الإسراء بالليل ولذلك كانت أكثر عيادته بالليل، وكان أكثر سفره صلّى اللَّه عليه وسلّم بالليل، وقال: «عليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل» . وفيه أن التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة، يستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه عالج الناس قبله وجربهم. ويستفاد منه تحكيم العادة، والتنبيه بالأعلى على الأدنى، لأن من سلف من الأمم كانوا أقوى أبدانا من هذه الأمة، وقد قال موسى في كلامه: إنه عالجهم على أقل من ذلك فما وافقوه، أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة- قال: ويستفاد منه أن مقام الرضا والتسليم، ومقام التكليم مقام الإدلال والانبساط، ومن ثمّ استبدّ موسى عليه السلام بأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بطلب التخفيف، دون إبراهيم عليه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 وخرّج البخاريّ أيضا في [كتاب] بدء الخلق، في باب ذكر الملائكة، من حديث همام عن قتادة، ومن حديث سعيد وهشام عن قتادة، حدثنا أنس عن مالك بن صعصعة، قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان ... الحديث إلى آخره بمعنى هذا، وقال في آخره: إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشرا [ (1) ] . وخرّج مسلم [ (2) ] من حديث ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، لعله قال: عن مالك بن صعصعة- رجل من قومه- قال: قال نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان، إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين، فأتيت فانطلق بي، فأتيت بطست من ذهب، فيها من ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا، قال قتادة: فقلت للذي معي: ما   [ () ] السلام، مع أن للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من الاختصاص بإبراهيم أزيد مما له من موسى لمقام الأبوة، ورفعة المنزلة، والاتباع في الملة. وقال غيره: الحكمة في ذلك ما أشار إليه موسى عليه السلام في نفس الحديث من سبقه إلى معالجة قومه في هذه العبادة بعينها، وأنهم خالفوه وعصوه. وفيه أن الجنة والنار قد خلقتا، لقوله في بعض طرقه: «عرضت عليّ الجنة والنار» . وفيه استحباب الإكثار من سؤال اللَّه تعالى وتكثير الشفاعة عنده، لما وقع منه صلّى اللَّه عليه وسلّم في إجابته مشورة موسى عليه السلام في سؤال التخفيف. وفيه فضيلة الاستحياء، وبذل النصيحة لمن يحتاج إليها وإن لم يستشر الناصح في ذلك (فتح الباري) . [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 371- 373، كتاب بدء الخلق، باب (6) ذكر الملائكة، حديث رقم (3207) ، وفي آخره: وقال همام عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «في البيت المعمور» . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 581- 583، كتاب الإيمان باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (264) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 يعني؟ قال: إلى أسفل بطنه، فاستخرج قلبي، فغسل بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، ثم حشي إيمانا وحكمة. ثم أتيت بدابة أبيض يقال له: البراق، فوق الحمار، ودون البغل، يقع خطوة عند أقصى طرفه، فحملت عليه، ثم انطلقنا حتى أتينا سماء الدنيا، فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: ففتح لنا، وقال: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء، قال: فأتينا على آدم صلّى اللَّه عليه وسلّم. . وساق الحديث بقصته، وذكر أنه لقي في السماء الثانية عيسى ويحيى عليهما السلام، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون. قال: ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى السماء السادسة، فأتيت على موسى عليه السلام، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما جاوزته بكى، فنودي: ما يبكيك؟ قال: رب هذا غلام بعثته بعدي، يدخل من أمته الجنة، أكثر مما يدخل من أمتي، قال: ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى السماء السابعة، فأتيت على إبراهيم. وقال في الحديث: وحدث نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنه رأى أربعة أنهار، يخرج من أصلهما نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل! ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان، فنهران في الجنة، وأما الظاهران، فالنيل والفرات. ثم رفع لي البيت المعمور، فقلت: يا جبريل! ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 ثم أتيت بإناءين، أحدهما لبن، والآخر خمر [ (1) ] ، فعرضا عليّ، فاخترت اللبن، فقيل: أصبت، أصاب اللَّه بك أمتك على الفطرة، ثم فرضت عليّ كل يوم [ (2) ] خمسون صلاة، ثم ذكر قصتها.. إلى آخر الحديث. هكذا أورد مسلم هذا الحديث كما كتبنا. وخرّج بعده من طريق معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة. أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ... فذكر نحوه، وزاد فيه: فأتيت بطست من ذهب، ممتلئ حكمة وإيمانا، فشق من النحر إلى مراق البطن، فغسل بماء زمزم، ثم ملئ حكمة وإيمانا [ (3) ] . وأما حديث أنس عن أبي ذرّ، فخرجه البخاري من حديث الليث [ (4) ] ، وخرجه مسلم من حديث ابن وهب [ (5) ] ، كلاهما عن يونس، عن ابن شهاب، عن أنس [بن] مالك [رضى اللَّه عنه قال:] كان أبو ذر [رضي اللَّه عنه] يحدث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل صلّى اللَّه عليه وسلّم ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب، ممتلئ حكمة وإيمانا، فأفرغها في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء الدنيا.   [ (1) ] في (صحيح مسلم) : «أحدهما خمر، والآخر لبن» . [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (265) . [ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 461- 463، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (5) ذكر إدريس عليه السلام، حديث رقم (3342) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 576- 580، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (263) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 فلما جئنا السماء الدنيا، قال جبريل [عليه السلام] [ (1) ] لخازن السماء الدنيا: افتح، قال: من هذا؟ قال: جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال: نعم، [معي] [ (1) ] محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فأرسل إليه؟ قال: نعم، ففتح، [قال:] فلما علونا السماء الدنيا، فإذا رجل قاعد، عن يمينه أسوده، وعن يساره أسوده، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبا بالنبيّ الصالح والابن الصالح، [قال] : قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه والأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة، الأسودة التي عن يساره أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى. قال: ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية، [فقال] لخازنها: افتح، فقال له خازنها، مثل ما قال خازن السماء الدنيا، ففتح، فقال أنس بن مالك: فذكر أنه وجد في السموات: آدم، وإدريس، وعيسى، وموسى، وإبراهيم، صلوات اللَّه عليهم [أجمعين] [ (2) ] ولم يثبت كيف منازلهم، غير أنه قد وجد آدم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السماء السادسة، [قال:] [ (2) ] [فلما مرّ جبريل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بإدريس قال: مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح، قال ثم مرّ، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا إدريس] [ (2) ] . ثم مررت بموسى، فقال: مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح، [قال] : قلت: من هذا؟ قال: هذا موسى، قال: ثم مررت بعيسى فقال: مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح، قلت: من هذا؟ قال: عيسى ابن مريم، قال: ثم مررت بإبراهيم [عليه   [ (1) ] زيادات للسياق من (صحيح مسلم) . [ (2) ] زيادات للسياق من (صحيح مسلم) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 السلام] [ (1) ] فقال: مرحبا بالنبيّ الصالح والابن الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم. قال ابن شهاب: وأخبرنى ابن حزم أن ابن عباس [رضي اللَّه عنهما] ، وأبا حبة الأنصاري، كانا يقولان: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثم عرج بي حتى ظهرت [لمستوى] [ (1) ] أسمع فيه صريف الأقلام. قال ابن حزم: وأنس بن مالك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ففرض اللَّه عزّ وجلّ على أمتي خمسين صلاة، قال: فرجعت بذلك حتى مرّ بموسى، فقال موسى: ماذا فرض ربك على أمتك؟ قلت: فرض عليهم خمسين صلاة، قال لي موسى: فراجع ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، قال: فراجعت ربي عزّ وجلّ، فوضع شطرها. قال: فرجعت إلى موسى فأخبرته، قال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، قال: فراجعت ربّي فقال: هي خمس وهي خمسون، لا يبدّل القول لدي، قال: فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك، فقلت: قد استحييت من ربي [ (2) ] . قال: ثم انطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال: ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك. وقال البخاري: حبائل اللؤلؤ، وقال بعد قوله: فوضع شطرها: فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال:   [ (1) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (2) ] (المرجع السابق) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق، فرجعت، فوضع عني شطرها.. الحديث ترجم عليه باب: كيف فرضت الصلاة في الإسراء [ (1) ] . وذكر مسلم في كتاب الإيمان، في أحاديث الإسراء [ (2) ] ، وذكره البخاري أيضا في كتاب الأنبياء، في ذكر إدريس [ (3) ] ، من حديث يونس عن الزهري، ومن حديث يونس عن ابن شهاب، قال: أنس [رضي اللَّه عنه] : كان أبو ذر ... بنحو ما تقدم، وقال فيه: فقال موسى: ما الّذي فرض على أمتك؟ قلت: فرض عليهم خمسون صلاة، قال: فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك. فرجعت، فراجعت ربي، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فذكر مثله، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، فأخبرته فقال: راجع ربّك، فإن أمتك لا تطيق ذلك،   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 605، كتاب الصلاة، باب (8) كيف فرضت الصلوات في الإسراء، حديث رقم (349) . قوله «جنابذ اللؤلؤ» ، «حبائل» : قال ابن حزم في أجوبته على مواضع من البخاري: فتشت على هاتين اللفظتين فلم أجدهما، ولا واحدة منهما، ولا وقفت على معناهما. وذكر غيره أن الجنابذ شبه القباب، واحدها جنبذة بالضم، وهو ما ارتفع من البناء، فهو فارسيّ معرب، وأصله بلسانهم كنبذه بوزنه لكن الموحدة مفتوحة، والكاف ليست خالصة، ويؤيده ما رواه المصنف في التفسير من طريق شيبان عن قتادة، عن أنس قال: «لما عرج بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ» . وقال صاحب (المطالع) : في الحبائل قيل: هي القلائد والعقود، أو هي من حبال الرمل أي فيها لؤلؤ مثل حبال الرمل، جمع حبل، وهو ما استطال من الرمل، وتعقب بأن الحبائل لا تكون إلا جمع حبالة، أو حبيلة، بوزن عظيمة. وقال بعض من اعتنى بالبخاري: الحبائل جمع حبالة، وحبالة جمع حبل على غير قياس، والمراد أن فيها عقودا وقلائد من اللؤلؤ. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 576- 580، كتاب الإيمان باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (263) . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 461- 462، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (5) ذكر إدريس عليه السلام، حديث رقم (3342) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 فراجعت ربي ... الحديث، وقال في آخره: فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، كما قال مسلم في حديثه [ (1) ] . قال ابن عبد البر: ورواه أبو ضمرة أنس بن عياض، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن أنس [رضي اللَّه عنه] عن أبي، وليس بشيء، وإنما هو عن أبي ذر واللَّه أعلم. وخرّج من حديث شعبة عن قتادة، قال: سمعت أبا العالية يقول: حدثني ابن عم نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم- يعني ابن عباس- قال: ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ليلة] [ (2) ] أسري به، فقال: موسى آدم طوال، كأنه من رجال شنوءة، وقال: عيسى جعد مربوع، وذكر مالكا خازن [النار] [ (3) ] ، وذكر الدجال [ (4) ] . وذكره البخاري في كتاب الأنبياء، وفي كتاب بدء الخلق، من حديث شعبة عن قتادة، ومن حديث سعيد عن قتادة، عن أبي العالية، قال: حدثنا ابن عم نبيكم- يعني ابن عباس- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت ليلة أسري بي، موسى رجلا أدم طوالا جعدا، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوعا مربوع الخلق   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 462، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (5) ذكر إدريس عليه السلام، حديث رقم (3342) . [ (2) ] في (الأصلين) : «حين» وصوبناه من (البخاري) . [ (3) ] في (الأصلين) : «جهنم» وصوبناه من (البخاري) . [ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 530، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (34) قول اللَّه تعالى: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، حديث رقم (3396) . قوله: «كأنه من رجال شنوءة» بفتح المعجمة، وضم النون، وسكون الواو بعدها همزة، ثم هاء تأنيث: حي من اليمن ينسبون إلى شنوءة، وهو عبد اللَّه بن كعب بن عبد اللَّه بن مالك بن نصر بن الأزد، ولقب شنوءة لشنآن كان بينه وبين أهله، والنسبة إليه شنوئي بالهمز بعد الواو وبالهمز بغير واو. (فتح الباري) . قال ابن قتيبة: سمي بذلك من قولك: رجل فيه شنوءة أي تقزز، والتقزز بقاف وزايين: التباعد من الأدناس (فتح الباري) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 إلى [الحمرة] والبياض، سبط الشعر، ورأيت مالكا خازن النار في آيات أراهنّ اللَّه، فلا تكن في مرية من لقائه [ (1) ] . وخرّجه مسلم في كتاب الإيمان، من حديث شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة، عن أبي العالية قال: حدثنا ابن عم نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم، ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يعني مررت ليلة أسري بي على موسى بن عمران، رجل آدم، طوال، جعد، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم، مربوع الخلق، إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، وأرى مالكا خازن النار، والدجال، في آيات أراهن اللَّه إياه، فلا تكن في مرية من لقائه. قال: كان قتادة يفسرها أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد لقي موسى عليه السلام [ (2) ] . وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] ، من حديث معمر عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، حين أسري به- وقال البخاري: ليلة أسري بي- لقيت موسى عليه السلام، فإذا رجل- حسبته قال: مضطرب- رجل الرأس، كأنه من   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 386، كتاب بدء الخلق، باب (7) إذا قال أحدكم «آمين» والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم كم ذنبه، حديث رقم (3239) ، ثم قال: قال أنس وأبو بكرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: تحرس الملائكة المدينة من الدجال. (المرجع السابق) : 350، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (24) قول اللَّه تعالى: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى، وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، حديث رقم (3396) مختصرا. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 585، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (267) . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 529، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (24) قول اللَّه تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، حديث رقم (3394) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 589- 590، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات، وفرض الصلوات، حديث رقم (272) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 رجال شنوءة، قال: ولقيت عيسى، فنعته النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: ربعة، أحمر، كأنما خرج من ديماس- يعني حمّاما- قال: ورأيت إبراهيم صلوات اللَّه عليه، وأنا أشبه ولده به، قال: فأتيت بإناءين، في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، فقيل لي: هديت الفطرة، أو أصبت الفطرة، أما أنك لو أخذت الخمر، غوت أمتك. لفظهما فيه متقارب. ذكره البخاري في باب: واذكر في الكتاب مريم [ (1) ] ، وذكر في باب: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [ (2) ] ، حديث معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليلة أسري بي، رأيت موسى، وإذا هو رجل ضرب رجل، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى، فإذا هو رجل ربعة أحمر.. الحديث إلى آخره، وفيه: فقال: أخذت الفطرة- ولم   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 589، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (48) قول اللَّه تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا، حديث رقم (3437) ولفظه: «قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسري بي: لقيت موسى، قال فنعته فإذا رجل حسبته قال مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة، قال: ولقيت عيسى، فنعته النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس- يعني الحمام، ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به، قال: وأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر فيه خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، فقيل لي: هديت الفطرة- أو أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك» . [ (2) ] (المرجع السابق) : 6/ 529، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (23) . قول اللَّه تعالى: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ إلى قوله تعالى: مُسْرِفٌ كَذَّابٌ، وقعت هذه الترجمة بغير حديث. واختلف في اسم هذا الرجل، فقيل: هو يوشع بن نون، وبه جزم ابن التين، وهو بعيد، لأن يوشع ابن نون كان من ذرية يوسف عليه السلام، ولم يكن من آل فرعون. والصحيح أن المؤمن المذكور كان من آل فرعون، واستدل لذلك الطبري بأنه لو كان من بني إسرائيل لم يصغ فرعون إلى كلامه ولم يستمع منه، اختلف في اسمه على أقوال ذكرها الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 يشك- ولم يقل فيه: يعني الحمام، وقال: اشرب أيهما شئت. وخرّج مسلم [ (1) ] من حديث عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد اللَّه بن الفضل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة [رضي اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس، لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثلها قط، قال: فرفعه اللَّه لي انظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب جعد، كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى [ابن] مريم [عليه السلام] قائما يصلي، أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم [عليه السلام] قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم- يعني نفسه- فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة، قال قائل: يا محمد! هذا مالك صاحب النار فسلم عليه، فالتفت إليه، فبدأني بالسلام. وأخرجاه معا من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن [قال:] سمعت جابر بن عبد اللَّه [رضي اللَّه عنهما] ، أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لما كذبتني قريش، قمت في الحجر، فجلى اللَّه لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا انظر إليه [ (2) ] ، ذكره البخاري في مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذكره في كتاب التفسير،   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 594، كتاب الإيمان، باب (75) ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال، حديث رقم (278) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 593، كتاب الإيمان، باب (75) ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال، حديث رقم (276) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 وقال بعقبة: زاد يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن أخي شهاب عن عمه: لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس.. نحوه [ (1) ] . وخرجه الترمذي بمثله [ (2) ] . وخرّج مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، وسليمان التيمي، عن أنس بن مالك [رضي اللَّه عنه] ، [قال:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أتيت على موسى ليلة أسري بي، عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره [ (3) ] . وله من حديث مالك بن معول، عن الزبير بن عدي، عن طلحة، عن [مرة] ، عن عبد اللَّه [رضي اللَّه عنه] قال: لما أسري برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، انتهى به إلى سدرة المنتهى، وهي السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها، فقبض منها، قال: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى، قال: فراش من ذهب، فأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك باللَّه من أمته شيئا المقحمات [ (4) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 499، كتاب التفسير، باب (3) أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، حديث رقم (4710) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 281، كتاب تفسير القرآن، باب (18) ومن سورة بني إسرائيل، حديث رقم (3133) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن مالك بن صعصعة وابن سعيد وابن عباس. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 360، حديث رقم (14616) من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 141، كتاب الفضائل، باب (42) من فضائل موسى صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (164) ولفظه: أتيت، وفي رواية هدّاب: مررت على موسى ليلة أسري بي ... إلخ. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 5، كتاب الإيمان باب (76) في ذكر سدرة المنتهى، حديث رقم (279) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 وخرجه النّسائي [ (1) ] والترمذي [ (2) ] بنحوه أو قريب منه. وخرج البيهقي من حديث عمرو بن الحارث، عن عبد اللَّه بن سالم الأشعري، عن الزبيدي محمد بن الوليد بن عامر، [قال:] حدثنا الوليد بن عبد الرحمن، أن جبير بن نفير [قال:] حدثنا شداد بن أوس قال: قلنا: يا رسول اللَّه! كيف أسري بك؟ قال: صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة معتما، وأتاني جبريل [عليه السلام] [ (3) ] بدابة بيضاء، فوق الحمار ودون البغل، فقال: اركب، فاستصعبت عليّ، فدارها بأذنها ثم حملني عليها، فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، حتى بلغنا أرضا ذات نخل، فأنزلني فقال: صلّ، فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: اللَّه أعلم، قال: صليت بيثرب، صليت بطيبة. فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم   [ (1) ] (سنن النسائي) : 1/ 243، كتاب الصلاة، باب (1) فرض الصلاة، وذكر اختلاف الناقلين في إسناد حديث أنس بن مالك رضي اللَّه عنه واختلاف ألفاظهم فيه، حديث رقم (450) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 366- 367، كتاب تفسير القرآن، باب (53) ومن سورة النجم، حديث رقم (3276) . قوله: «المقحمات» ، هو بضم الميم وإسكان القاف وكسر الحاء ومعناه الذنوب العظام الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها والتقحم الوقوع في المهالك ومعنى الكلام من مات من هذه الأمة غير مشرك باللَّه غفر له المقحمات والمراد واللَّه أعلم بغفرانها أنه لا يخلد في النار بخلاف المشركين وليس المراد أنه لا يعذب أصلا فقد تقررت نصوص الشرع وإجماع أهل السنة على إثبات عذاب بعض العصاة من الموحدين ويحتمل أن يكون المراد بهذا خصوصا من الأمة أي يغفر لبعض الأمة المقحمات وهذا يظهر على مذهب من يقول أن لفظة من لا تقتضي العموم مطلقا وعلى مذهب من يقول لا تقتضيه في الأخبار وإن اقتضته في الأمر والنهي ويمكن تصحيحه على المذهب المختار وهو كونها للعموم مطلقا لأنه قد قام دليل على إرادة الخصوص وهو ما ذكرناه من النصوص والإجماع واللَّه أعلم. (مسلم بشرح النووي) . [ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 بلغنا أرضا، فقال: انزل، فنزلت، ثم قال: صل، فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: اللَّه أعلم، قال: صليت بمدين، صليت عند شجرة موسى. [عليه السلام] [ (1) ] . ثم انطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا، بدت لنا قصور، فقال: انزل، فنزلت، فقال: صلّ، فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: اللَّه أعلم، قال: صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى [عليه السلام] [ (1) ] المسيح ابن مريم. ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد، فربط فيه دابته، ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء اللَّه. وأخذني من العطش ما أخذني، فأتيت بإناءين، في أحدهما لبن، وفي الآخر العسل، أرسل إليّ بهما جميعا، فعدلت بينهما، ثم هداني اللَّه عزّ وجلّ، فأخذت اللبن، فشربت حتى قرعت به جبيني، وبين يدي شيخ متكئ على مثراة له، فقال: أخذ صاحبك الفطرة، إنه ليهدى. ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الّذي في المدينة، فإذا جهنم تنكشف عن [مثل] الزرابي، قلت: يا رسول اللَّه: كيف وجدتها؟ قال: مثل الجمة السخنة. ثم انصرف بي، فمررنا بعير لقريش بمكان [كذا] وكذا، قد أضلوا بعيرا لهم، فجمعه فلان، فسلمت عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد.   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة، فأتى أبو بكر رضي اللَّه عنه، فقال: يا رسول اللَّه! أين كنت الليلة؟ فقد التمستك في مكانك، فقال: علمت أني أتيت بيت المقدس الليلة؟ فقال: يا رسول اللَّه! إنه مسيرة شهر، فصفه لي، قال: ففتح لي صراط كأني انظر فيه، لا يسلني عن شيء إلا أنبأته عنه، قال أبو بكر: أشهد أنك رسول اللَّه. فقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة، يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة، قال: فقال: إن من آية ما أقول لكم: أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا، قد أضلوا بعيرا لهم، فجمعه فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم كذا، ويأتوكم يوم كذا وكذا، يقدمهم جمل أدم، عليه مسح أسود، وغرارتان سوداوان. فلما كان ذلك اليوم، أشرف الناس ينتظرون، حتى كان قرب من نصف النهار، حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الّذي وصفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، وروى ذلك مفرقا في أحاديث غيره [ (1) ] . وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث يونس عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب، عن أبى هريرة [رضي اللَّه عنه] قال: أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسري به، بإيلياء بقدحين من خمر ولبن،   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 1/ 354- 357، باب الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وما ظهر في ذلك من الآيات. [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 37، كتاب الأشربة، باب (1) قول اللَّه تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، حديث رقم (5576) ، وقال في آخره: تابعه معمر وابن الهاد وعثمان بن عمر عن الزهري. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 589- 590، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (272) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 فنظر إليهما، ثم أخذ اللبن، فقال جبريل: الحمد للَّه الّذي هداك للفطرة، ولو أخذت الخمر، غوت أمتك. وقال صالح بن كيسان: عن ابن شهاب، قال: سمعت ابن المسيب يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين انتهى إلى بيت المقدس، لقي فيه إبراهيم، وموسى، وعيسى، عليهم السلام، وأنه أتى بقدحين، قدح لبن، وقدح خمر، فنظر إليهما، ثم أخذ قدح اللبن، فقال له جبريل عليه السلام: هديت الفطرة، لو أخذت الخمر لغوت أمتك. ثم رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة، فأخبر أنه أسري به، فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه، قال ابن شهاب: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: [فتجهزوا] ، وكلمه نحوها ناس من قريش، إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقالوا له: هل لك في صاحبك! يزعم أنه قد جاء بيت المقدس، ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة. فقال أبو بكر: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فأشهد لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: فتصدقه بأن يأتي الشام في ليلة واحدة، ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح! قال: نعم، إني أصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء. قال أبو سلمة: فيها سمي أبو بكر الصديق. قال أبو سلمة: فسمعت جابر بن عبد اللَّه [رضي اللَّه عنه] يحدث أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس، قمت في الحجر، فجلى اللَّه عزّ وجل لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا انظر إليه. وخرج البيهقي من حديث عبد اللَّه بن وهب، قال: حدثني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن أنس بن مالك [رضي اللَّه عنه] قال: لما جاء جبريل عليه السلام إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبراق، فكأنها أمرّت ذنبها، فقال لها جبريل: مه يا براق، فو اللَّه إن ركبك مثله. وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقال: ما هذه يا جبريل؟ قال: سر يا محمد، فسار ما شاء اللَّه أن يسير، فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول: هلم يا محمد، فقال [له] [ (1) ] جبريل: سر يا محمد، فسار ما شاء اللَّه أن يسير، قال: فلقيه خلق من الخلق، فقالوا: السلام عليكم يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل: أردد السلام يا محمد، فردّ السلام. ثم لقيه الثانية، فقال له مثل مقالته الأولى، ثم الثالثة كذلك، حتى انتهى إلى بيت المقدس، فعرض عليه الماء، والخمر، واللبن، فتناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اللبن، فقال له جبريل: أصبت الفطرة، لو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك، ثم بعث له آدم، فمن دونه من الأنبياء [عليهم السلام] [ (1) ] فأمّهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تلك الليلة. ثم قال له جبريل [عليه السلام] [ (1) ] : أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق، فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز، وأما الّذي أراد أن تميل إليه، فذلك عدو اللَّه إبليس، أراد أن تميل إليه، وأما الذين سلموا عليك، فإبراهيم، وموسى،   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 255 وعيسى [ (1) ] . [عليهم السلام] [ (2) ] وقال النضر بن شميل: أخبرنا عوف [قال:] [ (2) ] ، حدثنا زرارة بن أوفى قال: قال ابن عباس [رضي اللَّه عنهما] : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لما كانت ليلة أسري بي، ثم أصبحت بمكة، فظعت بأمري، وعلمت بأن الناس يكذبوني، قال: فقعد معتزلا حزينا، فمر به أبو جهل عدو اللَّه، فجاء فجلس، فقال كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] : نعم، فقال: ما هو؟ قال: إني أسري بي الليلة، فقال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم، قال: فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث، إذا دعا قومه، قال: أرأيت إن دعوت إليك قومك، أتحدّثهم بما حدثتني؟ قال: نعم، فقال أبو جهل: يا معشر بني كعب بن لؤيّ، [هلم!] [ (2) ] ، قال: فانفضّت المجالس، فجاءوا حتى جلسوا إليهما، فقال أبو جهل: حدّث قومك بما حدثتني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني أسري بي الليلة، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم، قال: فمن بين مصفق واضع يده على رأسه مستعجب للكذب، قال: وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد، ورأى المسجد، فقال: هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فذهبت [أنعت فما زلت] [ (2) ] حتى التبس عليّ بعض النّعت، قال: فجيء بالمسجد حتى وضع دون دار عقيل أو عقال، قال: فنعته وأنا انظر إليه: وقد كان مع هذا حديث لم يحفظه عوف، قال:   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 12/ 361- 362. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 فقالوا: أما النعت فقد واللَّه أصاب [ (1) ] . وخرّج أبو داود الطيالسي، من حديث حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيش، عن حذيفة [رضى اللَّه عنه قال] : أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى بالبراق، وهو دابة أبيض، فوق الحمار ودون البغل، فلم يزايلا. ظهره، هو وجبريل [عليه السلام] [ (2) ] ، حتى انتهيا به إلى بيت المقدس، فصعد به جبريل إلى السماء، فاستفتح جبريل، فأراه الجنة والنار، ثم قال لي: هل صلى في بيت المقدس؟ قلت نعم، قال: اسمع يا أصيلع، إني لأعرف، وجهك، ولا أدرى ما اسمك؟ قال: قلت: أنا زرّ بن حبيش، قال: فأين تجده صلّاها؟ فتأولت الآية: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ إلى آخر الآية، قال: فإنه لو صلّى لصليتم كما يصلون في المسجد الحرام، قال: قلت لحذيفة: أربط الدابة بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء، قال: أكان يخاف أن يذهب منه، وقد آتاه اللَّه بها؟ [ (3) ] . قال البيهقي: وبمعناه رواه حماد بن زيد، عن عاصم، إلا أنه لم يحفظ صفة البراق، وكان حذيفة لم يسمع صلاته في بيت المقدس [ (3) ] . وقد روينا في الحديث الثابت عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] [ (2) ] وغيره: أنه صلّى فيه، وأما الربط، فقد رويناه أيضا في حديث غيره، والبراق دابة مخلوقة، وربط الدواب عادة معهودة، وإن كان اللَّه عزّ وجلّ القادر على   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 363- 364، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 508. حديث رقم (2815) من مسند عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 364، وقد أخرجه الترمذي في (السنن) : 5/ 287- 288. كتاب تفسير القرآن باب (18) ومن سورة بنى إسرائيل، حديث رقم (3147) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه النسائي في (الكبرى) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 حفظها، والخبر المثبت أولى من النّافى [ (1) ] . وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، عن أبى بكر بن أبى سبرة، وغيره من رجاله، قالوا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سأل ربه أن يريه الجنة والنار، فلما كان ليلة السبت، ليلة سبع عشر خلت من رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نائم في بيته [ظهرا] أتاه جبريل وميكائيل، فقالا: انطلق إلى ما سألت اللَّه، فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتى بالمعراج، فإذا هو أحسن شيء منظرا فعرجا به إلى السموات سماء سماء، فلقى فيها الأنبياء، وانتهى إلى سدرة المنتهى، وأرى الجنة والنار، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولما انتهيت إلى السماء السابعة، لم أسمع إلا صريف الأقلام، وفرضت عليّ الصلوات الخمس، ونزل جبريل [عليه السلام] فصلى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلوات في مواقيتها] [ (2) ] . وخرّج البيهقي من حديث سعيد بن منصور قال: حدثنا الحارث بن عبيد الإيادي، عن أبى عمران الجونى، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: [قال] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا جالس، إذ جاء جبريل عليه السلام، فوكز بين كتفي، فقمت يعنى إلى شجرة، فيها مثل وكرى الطير، فقعد جبريل في أحدهما، وقعدت في الآخر، فسمت وارتفعت حتى سدّت الخافقين، وأنا أقلب طرفي، فلو شئت أن أمسّ السماء مسست، فالتفتّ إلى جبريل، فإذا هو كأنه جلس، فعرفت فضل علمه باللَّه عليّ، فتح لي باب من أبواب السماء، ورأيت النور الأعظم، وإذا دوني حجاب رفرف الدّرّ والياقوت، فأوحى إليّ ما شاء اللَّه أن يوحى. قال البيهقي، وقال غيره في   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 365. [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 213، ذكر المعراج وفرض الصلوات. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 هذا الحديث: ولطّ دوني الحجاب رفرف الدر والياقوت [ (1) ] . هكذا رواه الحارث بن عبيد. ورواه حماد بن سلمة، عن أبى عمران الجونى، عن محمد بن عمير بن عطارد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان في ملأ من أصحابه، فجاءه جبريل، فنكت في ظهره، فذهب به إلى الشجرة، فيها مثل وكرى الطير، فقعد في أحدهما، وقعد جبريل في الآخر فتسامت بنا حتى بلغت الأفق، فلو بسطت يدي إلى السماء لنلتها، فدلى بسبب، وهبط النور، فوقع جبريل مغشيا عليه كأنه جلس، فعرفت فضل خشيته، فأوحى إليّ: نبيا ملكا أو نبيا عبدا، أو إلى الجنة، ما أنت؟ [فأومأ] [ (2) ] إليّ جبريل وهو مضطجع: أن تواضع، قال: قلت: لا، بل نبيا عبدا [ (3) ] . وخرج من حديث عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، [عن] سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لما أسرى بى، مرّت بى رائحة طيبة، فقلت: ما هذه الرائحة؟ قالوا: ماشطة ابنة فرعون وأولادها، [كانت تمشطها] [ (4) ] ، فسقط مشطها من يدها فقالت: بسم اللَّه، فقالت بنت فرعون: أبى؟ قالت: ربى وربك ورب أبيك، قالت: أو لك رب غير أبى؟ قالت: نعم، ربى وربك ورب أبيك، قالت: أو لك رب غير أبى؟ قالت: نعم، ربى وربك ورب أبيك اللَّه، قال: فدعاها، فقال: ألك رب غيري؟ قالت: نعم، ربى وربك   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 368. 369. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 369، مرسل، وله شاهد عند الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 460- 461، حديث رقم (7120) مختصرا من مسند أبى هريرة، دون قصة الشجرة. [ (4) ] ليست في (دلائل البيهقي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 اللَّه [عزّ وجلّ] ، قال: فأمر ببقرة من نحاس [ (1) ] فأحميت، ثم أمر بها لتلقى فيها. قالت: إن لي إليك حاجة، قال: ما هي؟ قالت: تجمع عظامي، وعظام ولدى في موضع، قال: ذاك لك، لمالك علينا من الحق، قال: فأمر بهم فألقوا واحدا واحدا، حتى بلغ رضيعا فيهم، فقال: قعى يا أمه، ولا تقاعسى، فإنا على الحق، قال: وتكلم أربعة وهم صغار، هذا وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى [ابن] مريم عليه السلام [ (2) ] .   [ (1) ] قدر كبير من نحاس. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 389. وأما الثلاثة الذين تكلموا في المهد، فخرّج البخاري من حديث جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بنى إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلى، فجاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلى؟ فقالت: اللَّهمّ لا تمته حتى تريه وجه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها، فولدت غلاما، فقالت: من جريج، فأتوه فكسروا صومعته، وأنزلوه، وسبّوه، فتوضأ وصلّى، ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبنى صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين. وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بنى إسرائيل، فمرّ راكب ذو شارة، فقالت: اللَّهمّ اجعل ابني مثله، فترك ثديها، وأقبل على الراكب، فقال: اللَّهمّ لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصّه، قال أبو هريرة: كأنى انظر إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يمص إصبعه، ثم مرّ بأمة فقالت: اللَّهمّ لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقت، زنيت، ولم تفعل» ، أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب (48) قول اللَّه تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها، حديث رقم (3436) . قوله: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة» ، قال القرطبي: في هذا الحصر نظر، إلا أن يحمل على أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ذلك قبل أن يعلم الزيادة على ذلك، وفيه بعد. ويحتمل أن يكون كلام الثلاثة المذكورين مقيدا بالمهد، وكلام غيرهم من الأطفال بغير مهد، لكنه يعكر عليه أن في رواية ابن قتيبة أن الصبى الّذي طرحته أمه في الأخدود كان ابن سبعة أشهر، وصرّح بالمهد في حديث أبى هريرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260   [ () ] وفيه تعقيب على النووي في قوله: إن صاحب الأخدود لم يكن في المهد، والسبب في قوله هذا، ما وقع في حديث ابن عباس عند أحمد، والبزار، وابن حبان، والحاكم: «لم يتكلم في المهد إلا أربعة» ، فلم يذكر الثالث الّذي هنا، وذكر شاهد يوسف، والصبى الرضيع الّذي قال لأمه- وهي ماشطة بنت فرعون- لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار: «اصبري يا أمه فإنا على الحق» . وأخرج الحاكم نحوه من حديث أبى هريرة، فيجتمع من هذا خمسة، ووقع ذكر شاهد يوسف أيضا في حديث عمران بن حصين، لكنه موقوف، وروى ابن أبى شيبة من مرسل هلال بن يساف مثل حديث ابن عباس، إلا أنه لم يذكر ابن الماشطة. وفي صحيح مسلم من حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود «أن امرأة جيء بها لتلقى في النار أو لتكفر، ومعها صبي يرضع، فتقاعست، فقال لها: يا أمه اصبري فإنك على الحق» . وزعم الضحاك في تفسيره أن يحيى تكلم في المهد، أخرجه الثعلبي، فإن ثبت صاروا سبعة. وذكر البغوي في تفسيره أن إبراهيم الخليل تكلم في المهد. وفي (سير الواقدي) أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تكلم أوائل ما ولد، وقد تكلم في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مبارك اليمامة، وقصته في (دلائل النبوة للبيهقي) من حديث معرض- بالضاد المعجمة- واللَّه تعالى أعلى وأعلم (فتح الباري) . وفي الحديث إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع، لأن الاستمرار فيها نافلة، وإجابة الأم وبرها واجب قال النووي وغيره: إنما دعت عليه فأجيبت، لأنه كان يمكنه أن يخفف ويجيبها، لكن لعله خشي أن تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا ومتعلقاتها، كذا قال النووي، وفيه نظر، بسط القول فيه الحافظ في (الفتح) . وفي الحديث أيضا عظم برّ الوالدين وإجابة دعائهما ولو كان الولد معذورا، لكن يختلف الحال فيه بحسب المقاصد. وفيه الرّفق بالتابع إذا جرى منه ما يقتضي التأديب، لأن أم جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلا بما دعت به خاصة، ولولا طلبها الرّفق به لدعت عليه بوقوع الفاحشة أو القتل. وفيه أن صاحب الصدق مع اللَّه لا تضره الفتن. وفيه قوة يقين جريج المذكور وصحة رجائه، لأنه أستنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق، ولولا صحة رجائه بنطقه ما استنطقه. وفيه أن الأمرين إذا تعارضا بدئ بأهمّهما، وأن اللَّه تعالى يجعل لأوليائهم عند ابتلائهم مخارج، وإنما يتأخر ذلك عن بعضهم في بعض الأوقات تهذيبا، وزيادة لهم في الثواب. وفيه إثبات كرامات الأولياء، ووقوع الكرامة لهم باختيارهم وطلبهم. وفيه جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن علم من نفسه قوة على ذلك. وفيه أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة، وأن المفزع في الأمور المهمة إلى اللَّه يكون بالتوجه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 وخرّجه الحاكم بسنده، ومتنه، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه [ (1) ] . وخرج أيضا من حديث عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا أبو محمد ابن راشد الحمامي، عن أبى هارون العبديّ، عن أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال له أصحابه: يا رسول اللَّه، أخبرنا عن ليلة أسرى بك فيها، قال: قال اللَّه عزّ وجلّ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى [ (2) ] بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، قال: فأخبرهم، قال: بينما أنا قائم عشاء في المسجد الحرام، إذ أتانى آت فأيقظنى، فاستيقظت، فلم أر شيئا، ثم عدت في النوم، ثم أيقظني، فاستيقظت، فلم أر شيئا، [ثم عدت في النوم، ثم أيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا] [ (2) ] . فإذا أنا بكهيئة خيال، فأتبعته ببصرى حتى خرجت من المسجد، فإذا أنا بدابة أدنى شبيهه بدوا بكم هذه، بغالكم هذه، مضطرب الأذنين، يقال له: البراق، وكانت الأنبياء [صلوات اللَّه عليهم] [ (2) ] تركبه قبلي، يقع حافره مدّ بصره، فركبته. فبينما أنا أسير عليه، إذ دعاني داع عن يميني: يا محمد، أنظرني   [ () ] إليه بالصلاة. وفيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة خلافا لمن زعم ذلك، وإنما الّذي يختص بها الغرة والتحجيل في الآخرة (فتح الباري) ، (مصنف ابن أبى شيبة) : 6/ 342- 343، كتاب الفضائل، باب (7) ما ذكر فيما فضل به عيسى عليه السلام، حديث رقم (31864) ، (مسند أحمد) : 2/ 592- 593، حديث رقم (8010) مسند أبى هريرة رضى اللَّه عنه، (المستدرك) : 2/ 650، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4161) ، (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 14/ 411- 413، كتاب التاريخ، باب (5) المعجزات، ذكر خبر ثان يصرح بأن غير الأنبياء قد يوجد لهم أحوال تؤدى إلى المعجزات، حديث رقم (6489) . [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 أسألك، يا محمد، أنظرني أسألك، فلم أجبه، ولم أقم عليه. فبينما أنا أسير عليه، [إذ دعاني داع عن يسارى: يا محمد! أنظرني أسألك يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبه ولم أقم عليه] . وبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها، وعليها من كل زينة خلقها اللَّه، [فقالت] : يا محمد، أنظرني أسألك، فلم ألتفت إليها، ولم أقم عليها، حتى أتيت بيت المقدس، فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء توثقها به. فأتانى جبريل عليه السلام بإناءين، أحدهما خمر، والآخر لبن، فشربت اللبن وتركت الخمر، فقال جبريل: أصبت الفطرة، فقلت: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، فقال جبريل: ما رأيت في وجهك هذا؟ قال: فقلت: بينما أنا أسير، إذ دعاني داع عن يميني: يا محمد، أنظرني أسألك، فلم أجبه، ولم أقم عليه، قال: ذاك داعي اليهود، أما أنك لو أجبته أو وقفت عليه، [لتهودت] أمتك. قال: وبينما أنا أسير إذ دعاني داع عن يسارى، فقال: يا محمد، أنظرني أسألك، فلم ألتفت إليه، ولم أقم عليه، قال: ذاك داعي النصارى، أما أنك لو أجبته لتنصّرت أمتك. فبينما أنا أسير، إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها، عليها من كل زينة خلقها اللَّه، تقول: يا محمد، أنظرني أسألك، فلم أجبها، ولم أقم عليها، قال: تلك الدنيا، أما إنك لو أجبتها، لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة. قال: ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصلى كله واحد منا ركعتين، ثم أتيت بالمعراج الّذي تعرج عليه أرواح بنى آدم، فلم ير الخلائق أحسن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 من المعراج ما رأيتم الميت حين يشق بصره طامحا إلى السماء فإنما يشق بصره طامحا إلى السماء عجبه بالمعراج. قال: فصعدت أنا وجبريل، فإذا أنا بملك يقال له: إسماعيل، وهو صاحب سماء الدنيا، وبين يديه سبعون ألف ملك، مع كل ملك جنده مائة ألف ملك. قال: وقال اللَّه عزّ وجلّ: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ، فاستفتح جبريل باب السماء، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، فإذا أنا بآدم كهيئة يوم خلقه اللَّه على صورته، تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين، فيقول: روح طيبة ونفس طيبة، اجعلوها في عليين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار، فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة، اجعلوها في سجين. ثم مضت هنية، فإذا بأخونة- يعنى بالخوان: المائدة التي يؤكل عليها-، عليها لحم مشرح، ليس يقربها أحد، وإذا بأخونة أخرى، عليها لحم قد أروح ونتن، عندها أناس يأكلون منها، قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام. ثم مضت هنية، فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم، خرّ يقول: اللَّهمّ لا تقم الساعة، قال: وهم على سابلة آل فرعون، قال: فتجيء السابلة فتطؤهم، قال: فسمعتهم يضجون إلى اللَّه سبحانه، قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك الذين يأكلوا الربا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ. قال ثم مضت هنية، فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل، قال: فتفتح على أفواههم، ويلقمون ذلك الجمر، ثم يخرج من أسافلهم فسمعتهم يضجون إلى اللَّه عز وجل، فقلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال هؤلاء من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 أمتك يأكلون أموال اليتامى ظلما إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً. قال: ثم مضت هنية، فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن، فسمعتهن [يصحن] إلى اللَّه عزّ وجلّ، قلت: يا جبريل! من هؤلاء النساء؟ قال: هؤلاء الزناة من أمتك. قال: ثم مضت هنية، فإذا أنا بأقوام تقطع من جنوبهم اللحم فيلقمون، فيقال له: كل ما كنت تأكل من لحم أخيك، قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الهمّازون من أمتك اللمازون. ثم صعدنا إلى السماء الثانية، فإذا أنا برجل أحسن ما خلق اللَّه، قد فضّل عن الناس بالحسن، كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف، ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلّم عليّ. ثم صعدت إلى السماء الثالثة، فإذا أنا بيحيى وعيسى، ومعهما نفر من قومهما، فسلمت عليهما وسلما عليّ. ثم صعدت إلى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس، قد رفعه اللَّه مكانا عليا، فسلمت عليه وسلّم عليّ. ثم صعدت إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بهارون، ونصف لحيته بيضاء، ونصفها سوداء، تكاد لحيته تصيب سرّته من طولها، قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هذا المحب في قومه، هذا هارون بن عمران، ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلّم عليّ. ثم صعدت إلى السماء السادسة، فإذا أنا بموسى بن عمران، رجل آدم، كثير الشعر، لو كان عليه قميصان، لنفذ شعره دون القميص، وإذا هو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 يقول: يزعم الناس أنى أكرم على اللَّه من هذا، بل هذا أكرم على اللَّه منى، قال: قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران، قال: ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلّم عليّ. ثم صعدت إلى السماء السابعة، فإذا أنا بأبينا إبراهيم خليل الرحمن ساندا ظهره إلى البيت المعمور، كأحسن الرجال، قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال هذا أبوك إبراهيم خليل الرحمن، ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلّم عليّ. وإذا بأمتي شطرين، شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس، وشطر عليهم ثياب رمد، قال: فدخلت البيت المعمور، ودخل معى الذين عليهم الثياب البيض، وحجب الآخرون الذين عليهم الثياب الرّمد، وهم على خير، فصليت أنا ومن معى في البيت المعمور، ثم خرجت أنا ومن معى، قال: والبيت المعمور يصلى فيه كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون فيه إلى يوم القيامة. قال: ثم رفعت إلى السدرة المنتهى، فإذا كل ورقة منها تكاد أن تغطى هذه الأمة، وإذا فيها عين تجرى يقال لها: سلسبيل، فينشق منها نهران، أحدهما الكوثر، والآخر يقال له: نهر الرحمة، فاغتسلت فيه، فغفر لي، ما تقدم من ذنبي وما تأخر. ثم إني دفعت إلى الجنة، فاستقبلتني جارية، فقلت: لمن أنت يا جارية؟ قالت: لزيد بن حارثة، وإذا أنا بأنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمرة لذة للشاربين، وأنهار من عسل وصفى، وإذا رمانها كأنه الدّلاء عظما، وإذا بطير كالبخاتي هذه، فقال عندها صلّى اللَّه عليه وسلّم [وعلى جميع أنبيائه] [ (1) ] : إن اللَّه قد أعدّ لعباده الصالحين ما لا عين رأت،   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. قال: ثم عرضت عليّ النار، فإذا فيها غضب اللَّه وزجره ونقمته، لو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها، ثم أغلقت دوني. ثم إني دفعت إلى السدرة المنتهى، فتغشى لي، وكان بين وبينه قاب قوسين أو أدنى، قال: ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة، قال: وقال: فرضت عليّ خمسون صلاة، وقال: لك بكل حسنة عشر، [وإذا] هممت بالحسنة فلم تعملها، كتبت لك حسنة، وإذا عملتها كتبت لك عشرا، وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها، لم يكتب عليك شيء، فإن عملتها، كتبت عليك سيئة واحدة. ثم دفعت إلى موسى فقال: بما أمرك؟ قلت: بخمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، ومتى لا تطيقه تكفر، فرجعت إلى ربى فقلت [يا رب] ، خفف عن أمتى، فإنّها أضعف الأمم فوضع عنى عشرا، وجعلها أربعين، فما زلت اختلف بين موسى وربى، [كلما] أتيت عليه، قال لي مثل مقالته، حتى رجعت إليه فقال لي: بما أمرت؟ قلت: أمرت بعشر صلوات، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف عن أمتك فرجعت إلى ربى فقلت: أي ربّ، خفّف عن أمتى، فإنّها أضعف الأمم، فوضع عنى خمسا، وجعلها خمسا، فناداني ملك عندها: تمت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأعطيتهم بكل حسنة عشر أمثالها. ثم رجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: بخمس صلوات، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإنه لا يؤوده شيء، فسله التخفيف لأمتك، فقلت: رجعت إلى ربى حتى [استحييته] [ (1) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 ثم أصبح بمكة يخبرهم بالعجائب، إني رأيت البارحة بيت المقدس، وعرج بى إلى السماء، ورأيت كذا، ورأيت كذا، فقال أبو جهل بن هشام: ألا تعجبون مما يقول محمد، يزعم أنه أتى البارحة بيت المقدس، ثم أصبح فينا! وأحدنا يضرب مطيته مصعدة شهرا، ومنقلبة شهرا، فهذا مسيرة شهرين في ليلة واحدة، قال: فأخبرهم [بعير] لقريش لما كان في مصعدى، رأيتها في مكان كذا وكذا، وأنها نفرت، فلما رجعت رأيتها عند العقبة، وأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا، ومتاعه كذا وكذا، فقال أبو جهل: يخبرنا بأشياء؟ فقال رجل من المشركين: أنا أعلم الناس ببيت المقدس، وكيف بناؤه، وكيف هيئته، وكيف قربه من الجبل، فإن يكن محمد صادقا فسأخبركم، وإن يكن كاذبا فسأخبركم، فجاءه ذلك المشرك فقال: يا محمد! أنا أعلم الناس ببيت المقدس، فأخبرني كيف بناؤه، وكيف هيئته، وكيف قربه من الجبل. قال: فرفع لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيت المقدس من مقعده، فنظر إليه كنظر أحدنا إلى بيته، فقال: بناؤه كذا وكذا، وهيئته كذا وكذا، وقربه من الجبل كذا وكذا، فقال الآخر: صدقت، فرجع إلى أصحابه فقال: صدق محمد فيما قال، أو نحو هذا من هذا الكلام [ (1) ] . وخرّج البيهقي أيضا من حديث عيسى بن ماهان، عن الربيع بن أنس، عن أبى العالية، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال في هذه الآية: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى قال: أتى بفرس فحمل عليه، قال: كل خطوة منتهى أقصى بصره، فسار وسار معه جبريل عليه السلام.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 392 وما بعدها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 فأتى على قوم [ (1) ] يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المهاجرون في سبيل اللَّه، يضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. ثم أتى على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت، لا يفتّر عنهم من ذلك شيئا، فقال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة. ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الأنعام عن الضريع، والزقوم، ورضف جهنم، وحجارتها، قال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم، وما ظلمهم اللَّه، وما اللَّه بظلام للعبيد. ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم في قدر نضج طيب، ولحم آخر خبيث، فجعلوا يأكلون من الخبيث ويدعون النضج الطيب، فقال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هذا الّذي يقوم وعنده امرأة حلالا طيبا، فيأتى المرأة الخبيثة، فتبيت معه حتى يصبح. ثم أتى على خشبة على الطريق، لا يمر بها شيء إلا قصعته، يقول اللَّه عزّ وجلّ: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ [صِراطٍ] تُوعِدُونَ [ (2) ] . ثم مرّ على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يريد أن يزيد عليها، قال: يا جبريل! ما هذا؟ قال: هذا رجل من أمتك، عليه أمانة لا يستطيع أداءها، وهو يزيد عليها. ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد، كلما   [ (1) ] في (دلائل البيهقي) : «فأتى قوم» وما أثبتناه من (الأصلين) . [ (2) ] الأعراف: 86. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 قرضت عادت كما كانت، ولا يفتّر عنهم من ذلك شيء، قال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء الفتنة. ثم أتى على حجر صغير، يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يدخل من حيث خرج، ولا يستطيع، قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم عليها، فيريد أن يردّها ولا يستطيع. ثم أتى على واد، فوجد فيه ريحا باردة طيبة، ووجد ريح المسك، وسمع صوتا، فقال: يا جبريل! ما هذه الريح الباردة الطيبة؟ وريح المسك؟ وما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت الجنة، تقول: يا رب ائتني بأهلى وبما وعدتني، فقد كثر عرفي، وحريرى، وسندسى، وإستبرقى، وعبقري، ولؤلؤى، ومرجانى، وفضتى، وذهبي، وأباريقى، وفواكهى، وعسلى، وخمرى، ولبني، فائتني بما وعدتني، فقال: لك كل مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بى وبرسلي، وعمل صالحا، ولم يشرك بى شيئا، ولم يتخذ من دوني أندادا، ومن خشينى أمنته، ومن سألني أعطيته، ومن أقرضنى جزيته، ومن توكل على كفيته، وأنا اللَّه لا إله إلا أنا، لا أخلف الميعاد، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ* أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ* وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [ (1) ] قالت: قد رضيت.   [ (1) ] المؤمنون: 1- 14. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 ثم أتى على واد، فسمع صوتا منكرا، قال: يا جبريل! ما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت جهنم، يقول: ائتني بأهلى وما وعدتني، فقد كثر سلاسلى، وأغلالى، وسعيرى، وزقومى، وحميمي، وحجارتى، وغسّاقى، وغسلينى، وقد بعد قعرى، واشتد حرى، فائتنى بما وعدتني، فقال: لك كل مشرك ومشركة، وكافر وكافرة، وكل خبيث وخبيثة، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، قالت: قد رضيت. قال: ثم سار حتى أتى بيت المقدس، فنزل، فربط فرسه إلى صخرة، ثم دخل فصلى مع الملائكة، فلما قضيت قالوا: يا جبريل! من هذا معك؟ قال: محمد رسول اللَّه وخاتم النبيين، قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللَّه من أخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. قال: ثم أتى أرواح الأنبياء، فأثنوا على ربهم، قال فقال إبراهيم عليه السلام: الحمد اللَّه الّذي اتخذ إبراهيم خليلا، وأعطانى ملكا عظيما، وجعلني أمة قانتا [للَّه] [ (1) ] يؤتم بى، وأنقذنى من النار، وجعلها عليّ بردا وسلاما. قال: ثم إن موسى أثنى على ربه فقال: الحمد للَّه الّذي كلمني تكليما، واصطفاني برسالته وكلماته، وقربني إليه نجيا، وأنزل عليّ التوراة، وجعل هلاك آل فرعون على يدي، ونجى بنى إسرائيل على يدي. قال: ثم إن داود أثنى على ربه فقال: الحمد للَّه الّذي خوّلني ملكا، وأنزل عليّ الزبور، وألان لي الحديد، وسخّر لي الطير، والجبال، وآتاني الحكمة وفصل الخطاب. ثم إن سليمان أثنى على ربه فقال: الحمد للَّه الّذي سخر لي الرياح، والجن، والإنس، وسخر لي الشياطين، يعملون ما شئت من محاريب   [ (1) ] زيادات للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 وتماثيل، وجفان كالجواب، وقدور راسيات ... وعلمني منطق الطير، وكل شيء، وأسال لي عين القطر، وأعطانى ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي. ثم إن عيسى أثنى على ربه فقال: الحمد للَّه الّذي علمني التوراة والإنجيل [و] جعلني أبرئ الأكمه والأبرص، وأحى الموتى بإذنه، ورفعني وطهرني من الذين كفروا، وأعاذنى وأمى من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان عليها سبيل. ثم إن محمدا أثنى على ربه فقال: كلكم قد أثنى على ربه، وإني مثن على ربى، فقال: الحمد للَّه الّذي أرسلنى رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وأنزل عليّ الفرقان فيه تبيانا لكل شيء، وجعل أمتى خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمتى أمة وسطا، وجعل أمتى هم الأولون، وهم الآخرون، وشرح صدري، ووضع عنى وزري، ورفع لي ذكرى، وجعلني فاتحا وخاتما. فقال إبراهيم: بهذا فضلكم محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال: ثم أتى بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها، فأتى بإناء منها فيه ماء، فقيل له: اشرب، فشرب منه يسيرا، ثم رفع إليه إناء آخر فيه لبن، فشرب منه حتى روى، ثم رفع إليه إناء آخر فيه خمر، فقال: قد رويت لا أريده، فقيل له: قد أصبت، أما إنها ستحرم على أمتك، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليل. قال ثم صعد به إلى السماء.. فذكر الحديث بنحو ما رويناه بالأسانيد الثابتة إلى أن قال: ثم صعد بى إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: محمد، قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حياه اللَّه من أخ وخليفة، فنعم الأخ، ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. فدخل فإذا برجل أشمط، جالس على كرسي عند باب الجنة، وعنده قوم بيض الوجوه، وقوم سود الوجوه، وفي ألوانهم شيء، فأتوا نهرا، فاغتسلوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 فيه، فخرجوا منه، وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم إنهم أتوا نهرا آخر، فاغتسلوا فيه، فخرجوا [وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم دخلوا النهر الثالث، فخرجوا] وقد خلصت [من] [ (1) ] ألوانهم مثل ألوان أصحابهم، فجلسوا إلى أصحابهم. فقال: يا جبريل! من هؤلاء بيض الوجوه؟ وهؤلاء الذين في ألوانهم شيء، فدخلوا النهر [فخرجوا] [ (1) ] وقد خلصت ألوانهم؟ فقال: هذا أبوك إبراهيم، هو أول رجل شمط على وجه الأرض، وهؤلاء بيض الوجوه، قوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم، قال، وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء، خلطوا عملا صالحا، وآخر سيئا، فتابوا فتاب اللَّه عليهم، فأما النهر الأول، فرحمة اللَّه، وأما النهر الثاني، فنعمة اللَّه، وأما النهر الثالث، فسقاهم ربهم شرابا طهورا ثم انتهى إلى السدرة [المنتهى] [ (1) ] ، فقيل لي: هذه السدرة، إليها منتهى كل أحد من أمتك، يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، قال: وهي شجرة يسير الراكب في أصلها عاما لا يقطعها، وأن الورقة منها مغطية الخلق. قال: فغشيها نور الخالق، وغشيتها الملائكة، فكلمه ربه عند ذلك، قال له: سل، قال: إنك اتخذت إبراهيم خليلا، وأعطيته ملكا عظيما، وكلمت موسى تكليما، وأعطيت داود ملكا عظيما، وألنت له الحديد، وسخرت له الجبال، وأعطيت سليمان ملكا عظيما، وسخرت له [الجبال] [ (2) ] والجن والإنس، وسخرت له الشياطين والرياح، وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل، وجعلته يبرئ   [ (1، 2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 الأكمه والأبرص، ويحى الموتى بإذنك، وأعذته وأمه من الشيطان فلم يكن له عليهما سبيل. فقال له ربه: قد اتخذتك خليلا، قال: وهو مكتوب في التوراة خليل الرحمن، وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معى- يعنى بذلك الأذان- وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس، وجعلت أمتك [أمة وسطا] وجعلت أمتك هم الأولون، وهم الآخرون وجعلت من أمتك أقواما قلوبهن أنا جيلهم، وجعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلتك أول النبيين خلقا، وآخرهم مبعثا، وآتيتك سبعا من المثاني، لم أعطها نبيا قبلك، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة، من كنز تحت العرش، لم أعطها نبيا قبلك، وجعلتك فاتحا وخاتما. قال: وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فضلني ربى، أرسلنى رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وألقى في قلب عدوى الرعب [من] [ (1) ] مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت الأرض كلها لي مسجدا وطهورا، وأعطيت فواتح الكلام، وخواتمه، وجوامعه، وعرضت عليّ أمتى، فلم يخف عليّ التابع والمتبوع. ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشّعر، ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه، صغار الأعين، كأنما خزمت أعينهم بالمخيط، فلم يخف عليّ ما هم لاقون من بعدي، وأمرت بخمسين صلاة، فرجعت إلى موسى.. فذكر الحديث بمعنى ما روينا في الأسانيد الثابتة، غير أنه قال في آخره: قال: فقيل له: اصبر على خمس، فإنّهم يجزين عنك بخمس، كل خمس بعشر أمثالها، قال: فكان موسى أشدّ عليهم حين مرّ به، وخيرهم حين رجع   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 إليه [ (1) ] . قال كاتبه [عفى اللَّه عنه] : هكذا ساق البيهقي هذا الحديث كما أردته، وأن الوضع لائح عليه، ولولا أن الأئمة روته لما ذكرته. قال البيهقي: وقد روى في المعراج أحاديث أخر: منها حديث أبى حذيفة، إسحاق بن بشر، عن ابن جريج، عن مجاهد، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] [ (2) ] ، وجوير عن الضحّاك، عن ابن عباس. وإسحاق بن بشير متروك، لا [يفرح] [ (3) ] بما ينفرد به [ (4) ] . ومنها حديث إسماعيل بن موسى القواريري عن عمر بن سعد المصري، من بنى نصر بن قعين، قال: حدثني عبد العزيز، وليث بن أبى سليم، وسليمان الأعمش، وعطاء بن السائب- بعضهم يزيد في الحديث على بعض- عن على بن أبى طالب، وعن عبد اللَّه بن عباس، ومحمد بن إسحاق بن يسار، عن من حدثه عن ابن عباس، وعن سليم- أو سلم- العقيلي، عن عامر الشعبي، عن عبد اللَّه بن مسعود، وجويبر، عن الضحاك ابن مزاحم، قالوا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت أم هانئ راقدا، وقد صلّى العشاء الآخرة ... فذكر حديثا طويلا، يذكر فيه عدد الدرج [ (5) ] والملائكة، وغير ذلك مما لا ينكر شيء منها في قدرة اللَّه [تعالى] [ (6) ] ، إن صحت الرواية، [قال: وذلك حديث [راويه] مجهول، وإسناده منقطع] [ (7) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 397- 403. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (4) ] (المرجع السابق) : 404. [ (5) ] في (المرجع السابق) : «عدد الروح» وما أثبتناه من الأصلين وهو الأصوب، ولعلها درج الجنة. [ (6) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (7) ] ما بين الحاصرتين ليس في (المرجع السابق) ، وهو في الأصلين فقط. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 وخرج النسائي من حديث سعيد بن عبد العزيز، قال: حدثنا يزيد بن أبى مالك، حدثنا أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل، خطوها عند منتهى طرفها، فركبت، ومعى جبريل عليه السلام، فسرت، فقال: انزل فصلّ، ففعلت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة، وإليها المهاجر. ثم قال: انزل فصلّ، فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء، حيث كلم اللَّه عز وجل موسى عليه السلام. ثم قال: انزل فصلّ، فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى عليه السلام. ثم دخل بيت المقدس، فجمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمني جبريل حتى أممتهم. ثم صعد بى إلى السماء الدنيا، فإذا فيها آدم [عليه السلام] ثم صعد بى إلى السماء الثانية، فإذا فيها ابنا الخالة، عيسى ويحى [عليهما السلام] ثم صعد بى إلى السماء الثالثة، فإذا فيها يوسف [عليه السلام] ثم صعد بى إلى السماء الرابعة، فإذا فيها هارون [عليه السلام] ثم صعد بى إلى السماء الخامسة، فإذا فيها إدريس [عليه السلام] ثم صعد بى إلى السماء السادسة، فإذا فيها موسى [عليه السلام] ثم صعد إلى السماء السابعة، فإذا فيها [إبراهيم] ، عليه وعليهم السلام. ثم صعد بى فوق سبع سماوات، فأتينا سدرة المنتهى، فغشيتني ضبابة، فخررت ساجدا، فقيل لي: [إني] يوم خلقت السموات والأرض، فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 فرجعت إلى إبراهيم، فلم يسألنى عن شيء، ثم أتيت على موسى، فقال: كم فرض [اللَّه] [ (1) ] عليك وعلى أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: فإنك لا تستطيع أن تقوم بها أنت ولا أمتك، فارجع إلى ربك [فاسأله] التخفيف، فرجعت إلى ربى، فخفف عنى عشرا، ثم أتيت موسى، فأمرنى بالرجوع، فرجعت فخفف عنى عشرا، ثم ردّت إلى خمس صلوات، قال: فارجع إلى ربك، [فاسأله] التخفيف، فإنه فرض على بنى إسرائيل صلاتين فما قاموا بهما، فرجعت إلى ربى [عز وجل] [ (1) ] فسألته التخفيف. فقال: إني يوم خلقت السموات والأرض، فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فخمس بخمسين، فقم بها أنت وأمتك، فعرفت أنها من اللَّه [تبارك وتعالى] [ (1) ] صرّى، فرجعت إلى موسى [عليه السلام] [ (1) ] فقال: ارجع، فعرفت أنها من اللَّه صرّى [ (2) ] : [أي حتم] ، فلم أرجع [ (3) ] . وخرج أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، في أول تاريخه [ (4) ] ، من حديث أبى نعيم عمر بن صبح، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، [فذكر] حديثا طويلا فيه: أن اللَّه تعالى خلق مدينتين، [إحداهما] بالمشرق، والأخرى بالمغرب، أهل المدينتين جميعا من ولد آدم، فالمدينة التي بالمشرق، من بقايا عاد، من نسل مؤمنيهم، وأهل التي بالمغرب، من بقايا ثمود، من نسل الذين آمنوا بصالح.   [ (1) ] زيادة للسياق من (سنن النسائي) . [ (2) ] صرّى: بكسر الصاد المهملة وفتح الراء المشددة آخرها ألف مقصورة، أي عزيمة باقية لا تقبل النسخ. (حاشية السندي) . [ (3) ] (سنن النسائي) : 1/ 241- 242، كتاب الصلاة باب (1) فرض الصلاة، حديث رقم (449) . [ (4) ] (تاريخ الطبري) : 1/ 69 وما بعدها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 [و] اسم التي بالمشرق بالسريانية: قرقيسيا، وبالعربية جابلق [ (1) ] ، واسم التي بالمغرب بالسريانية: برجيسيا، وبالعربية: جابرس [ (2) ] ، ولكل مدينة   [ (1) ] جابلق بالباء الموحدة المفتوحة وسكون اللام، روى أبو روح، عن الضحاك، عن ابن عباس. أن جابلق مدينة بأقصى المغرب، وأهلها من ولد عاد، أهل جابرس من ولد ثمود، ففي كل واحدة منهما بقايا ولد موسى عليه السلام، كل واحدة من الأمتين. ولما بايع الحسن بن عليّ بن أبى طالب معاوية، قال عمرو بن العاص لمعاوية: قد اجتمع أهل الشام والعراق، فلو أمرت الحسن أن يخطب، فلعله يحصر، فيسقط من أعين الناس، فقال: يا ابن أخى، لو صعدت، وخطبت، وأخبرت الناس بالصلح، قال: فصعد المنبر، وقال بعد حمد اللَّه، والصلاة على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيها الناس، إنكم لو نظرتم ما بين جابرس وجابلق، ما وجدتم ابن نبي غيري وغير أخى، وإني رأيت أن أصلح بين أمة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكنت أحقهم بذلك، ألا إنا بايعنا معاوية، وجعل يقول: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ (لَكُمْ) وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ، فجعل معاوية يقول: انزل، انزل. (معجم البلدان) : 2/ 105- 106 ، موضع رقم (2868) . [ (2) ] جابرس: مدينة بأقصى المشرق، يقول اليهود: إن أولاد موسى عليه السلام هربوا، إما في حرب طالوت، أو في حرب بخت نصّر، فسيرهم اللَّه، وأنزلهم بهذا الموضع، فلا يصل إليهم أحد، وإنهم بقايا المسلمين، وإن الأرض طويت لهم، وجعل الليل والنهار عليهم سواء، حتى انتهوا إلى جابرس، فهم سكانها، ولا يحصى عددهم إلا اللَّه، فإذا قصدهم أحد من اليهود قتلوه، وقالوا: لم تصل إلينا حتى أفسدت سنتك، فيستحلون دمه بذلك. وذكر غير اليهود أنهم بقايا المؤمنين من ثمود، وبجابلق بقايا المؤمنين من ولد عاد (المرجع السابق) : 2/ 105، موضع رقم (2865) . وذكر القزويني في ترجمة جابرس هذه حديثا عن ابن عباس، - اللَّه أعلم بصحته- عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة أسرى به قال لجبريل عليه السلام: إني أحب أن أرى القوم الذين قال اللَّه تعالى فيهم: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، فقال جبريل عليه السلام: بينك وبينهم مسيرة ست سنين ذهابا، وست سنين راجعا، وبينك وبينهم نهر من رمل يجرى كجرى السهم، لا يقف إلا يوم السبت، لكن سل ربك، فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمّن جبريل عليه السلام، فأوحى اللَّه تعالى إلى جبريل عليه السلام، أن أجبه ما سأل، فركب البراق، وخطا خطوات، فإذا هو بين أظهر القوم، فسلم عليهم، فسألوه: من أنت؟ فقال: أنا النبي الأمي! فقالوا: نعم، أنت الّذي بشر بك موسى، عليه السلام، وإن أمتك لولا ذنوبها لصافحتها الملائكة. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأيت قبورهم على باب دورهم، فقلت لهم: لم ذاك؟ قالوا: لنذكر الموت صباحا ومساء، وإن لم نفعل ذلك ما نذكر إلا وقتا بعد وقت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 منها عشرة آلاف باب، ما بين كل باب [منهما] فرسخ، يئوب كل يوم على كل باب من أبواب هاتين المدينتين عشرة آلاف رجل من الحراس، عليهم السلاح، ثم لا تنوبهم الحراسة عد ذلك إلى يوم ينفخ في الصور، فو الّذي نفس محمد بيده، لولا كثرة هؤلاء القوم، وضجيج أصواتهم يسمع الناس من جميع أهل الدنيا، هذه وقعة الشمس حين تطلع، وحين تغرب، ومن ورائهم ثلاث أمم: منسك، وتافيل، وتاريس، ومن دونهم يأجوج ومأجوج. وإن جبريل انطلق بى إليهم ليلة أسرى بى من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فدعوت يأجوج ومأجوج إلى [عبادة] اللَّه، فأبوا أن يجيبوني، ثم انطلق بى إلى أهل المدينتين، فدعوتهم إلى دين اللَّه وعبادته، فأجابوا وأنابوا، فهم في الدين من أحسن منهم، فهو مع محسنكم، ومن أساء منهم، فأولئك مع المسيئين منكم. ثم انطلق بى إلى الأمم الثلاثة، فدعوتهم إلى دين اللَّه وإلى عبادته، فأنكروا ما دعوتهم إليه، وكفروا باللَّه، وكذبوا رسله، فهم مع يأجوج ومأجوج، وسائر من عصى اللَّه في النار. . وذكر الحديث بطوله [ (1) ] . وعمر بن الصبح بن عمران أبو نعيم التيمي- ويقال: العدوي الخراساني السمرقندي- يروى عن أبان بن أبى عياش، وقتادة، [والأوزاعي] وطائفة، وعنه مخلد بن يزيد الحراني، وعيسى غنجار، ومحمد بن حميد الحمصي، وآخرون، وهو [متهم] . قال البخاري: حدثنا على بن جرير قال: سمعت عمر بن الصبح يقول: أنا وضعت خطبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال إسحاق بن راهويه: أخرجت خراسان   [ () ] فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما لي لا أرى بنيانكم مستويا؟ قالوا: لئلا يشرف بعضنا على بعض، ثم ذكر الحديث بطوله. (المرجع السابق) : ص 105 هامش، نقلا عن (آثار البلاد) : 27. [ (1) ] (تاريخ الطبري) : 2/ 69 وما بعدها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 ثلاثة، لم يكن [لهم في الدنيا] نظير- يعنى في البدعة والكذب- جهم ابن صفوان، وعمر بن صبح، ومقاتل بن سليمان. وقال [ابن] عدي: منكر الحديث، وعامة ما يرويه غير محفوظ، لا متنا، ولا إسنادا. وقال الدارقطنيّ: متروك، له في ابن ماجة حديث في الجهاد [ (1) ] . وخرّج أبو نعيم من حديث الواقدي، قال مالك بن أبى الرجال، عن عمر ابن عبد اللَّه، عن محمد بن كعب، أن أبا سفيان قال [لقيصر] في آخر القصة أيها الملك، ألا أخبرك عنه خبرا، تعرف أنه قد كذب؟ قال: وما هو؟ قلت: إنه يزعم أنه خرج من أرضنا- أرض الحرم- في ليلة، فجاء مسجدكم هذا- مسجد إيليا- ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح، قال: وبطريق إيليا عند رأس قيصر، فقال بطريق إيليا، عند رأس قيصر، فقال: بطريق إيليا، قد علمت تلك الليلة، قال: فنظر إليه قيصر، فقال: وما علمك بهذا؟ قال: إني كنت لا أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد، فلما كنت تلك الليلة، أغلقت الأبواب كلها، غير باب واحد، فاستعييت عليه عمالى، ومن يحضرني كلهم علاجه، فلم نستطع أن نحركه، كأنما نزاول جبلا، فدعوت النجاجرة، فنظروا إليه، فقالوا: هذا باب سقط عليه النحاف والبنيان، فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح، فننظر من أين أتى. قال: فرجعت وتركت الناس مفتوحين، فلما أصبحت غدوت عليهما، فإذا الحجر الّذي في زاوية المسجد منقوب، وإذا فيه أثر مربط الدابة، قال: قلت لأصحابى: ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي، وقد صلّى الليلة في مسجدنا [نبي] .   [ (1) ] له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 7/ 407- 408، ترجمة رقم (722) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وحديثه في (سنن ابن ماجة) في كتاب الجهاد، باب رقم (7) فضل الرّباط في سبيل اللَّه، حديث رقم (2766) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280 قال أبو نعيم: حدّث أبو عبد اللَّه الجرشى، [حدثنا] يونس من أرقم الكندي، [قال] أخبرنا سعيد بن دينار، عن أبى الجارود زياد بن المنذر، عن أبى العلاء، قال: قلت لمحمد بن الحنفية: إنا نتحدث أن [بدء] هذا الأذان إنما كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه، [قال:] ففزع لذلك فزعا شديدا وقال: عمدتم إلى أجسم دينكم، فزعمتم أنه كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه. قال: قلت: هذا الحديث قد استفاض في الناس، قال: هذا واللَّه هو الباطل، قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما عرج به إلى السماء، فانتهى إلى مكان من السماء، وقف به، وبعث اللَّه ملكا، فقام من السماء مقاما، ما قامه قبل ذلك، قيل له: علمه الأذان، فقال الملك: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، فقال اللَّه: صدق عبدي، أنا اللَّه الأكبر، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، فقال اللَّه: صدق عبدي، أنا أرسلته، وأنا اخترته، وأنا ائتمنته، فقال الملك: حي على الصلاة، فقال اللَّه: صدق عبدي، ودعا إلى فريضتي وحقي، فمن أتاها محتسبا لها، كانت كفارة لكل ذنب. فقال الملك: حي على الفلاح، قال اللَّه: صدق عبدي، هي الفلاح، وهي النجاح، فقال الملك: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فقال اللَّه: صدق عبدي، أنا أقمت فريضتها، وعدتها، ومواقيتها. ثم قيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تقدم، فتقدم، فأم أهل السماء، فتم له شرفه على سائر الخلق. وخرّج الإمام أحمد من حديث حماد، عن على بن زيد، عن أبى الصلت، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت ليلة أسرى بى، لما انتهينا إلى السماء السابعة، فنظرت فوق -[قال عفان: فوقى]- [ (1) ] ، فإذا أنا برعد، وبرق، وصواعق، [قال] [ (1) ] فأتيت على قوم   [ (1) ] زيادة للسياق من (مسند أحمد) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 281 بطونهم كالبيوت، فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الرّبا، فلما [نزلت] إلى السماء الدنيا، نظرت أسفل منى، فإذا أنا برهج ودخان وأصوات، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه الشياطين [يوحون] على أعين بنى آدم، أن لا يتفكروا في ملكوت السموات والأرض، ولولا ذلك لرأوا العجائب] [ (1) ] . وروى ابن ماجة منه، قصته آكل الربا] [ (2) ] . وذكر أبو القاسم، الحسن بن محمد بن حبيب المفسر، في كتاب (التنزيل) في الآيات السّفرية، قال: وأنزل بيت المقدس، وقوله تعالى في الزخرف: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [ (3) ] نزلت عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسرى به، وقد عدّها غير ابن حبيب في الشامي، والأول أحسن مما ذكره.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 33، حديث رقم (8426) ، من مسند أبى هريرة، ونحوه بزيادة ونقصان وتقديم وتأخير حديث رقم (8539) . [ (2) ] (سنن ابن ماجة) : 762، كتاب التجارات، باب (58) التغليظ في الربا، حديث رقم (2273) ، قال في (مجمع الزوائد) : في إسناده على بن زيد بن جدعان. وهو ضعيف. [ (3) ] الزخرف: 45. قال الحافظ ابن كثير في قوله تعالى: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة اللَّه وحده لا شريك له، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد، كقوله جلت عظمته: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ. قال مجاهد في قراءة عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه واسئل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا، وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي وابن مسعود رضى اللَّه عنه، وهذا كأنه تفسير لا تلاوة واللَّه أعلم. وقال عبد الرحمن بن زيد أسلم: وأسألهم ليلة الإسراء فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جمعوا له، واختار ابن جرير الأول واللَّه أعلم. (تفسير ابن كثير) : 4/ 139، وما بين الحاصرتين سقط من (ج) وأثبتناه من (خ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 فصل جامع في معراج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال اللَّه جلّ جلاله: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى * ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى * أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [ (1) ] . قوله: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى، قسم، هوى، سقط، ما ضَلَّ، ما حاد عن الصواب، صاحِبُكُمْ، هو محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وَما غَوى ما تعلم بالباطل، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، أي وما يتقول من هواه وشهوته، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى أي ما القرآن إلا وحي من اللَّه يوحى إليه. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى، أي جبريل، ذو شدة وقوة، ذُو مِرَّةٍ، أي ذو إحكام للشيء، فَاسْتَوى، يعنى جبريل، وهو يعنى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، أي أيهما استويا بالأفق الأعلى ليلة الإسراء، وقيل: استوى جبريل وهو بالأفق الأعلى، على صورته التي خلقه اللَّه عليها، ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى، أي تدلى [فدنا] ، لأن التدلي سبب الدنوّ، وقيل: تدلى [للدنو] ، ودنا [للتدلى] ، وقيل: دنا، أي قرب، فتدلى، زاد في القرب. والمشار إليه، قيل: هو اللَّه، كما في الصحيح، من حديث أنس [رضى   [ (1) ] النجم (1- 18) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 اللَّه تعالى عنه] قال: دنا الجبار ربّ العزة، فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى. وهو اختيار مقاتل، ورواه أبو سلمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] . وقيل: المشار إليه، هو محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، دنا من ربه تعالى، قاله ابن عباس [والقرطبي] وقيل: ثم دنا محمد من ساق العرش، فتدلى، أي جاوز الحجاب والسرادقات، وهو قائم بإذن اللَّه، كالمتعلق بالشيء، لا تثبت قدمه على مكان، وهذا قول الحسين [بن] الفضل، وقيل: تدلى، [أي] هوى للسجود. وقيل: المشار إليه، هو جبريل عليه السلام، أي دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض، حين كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحراء، فطلع له جبريل من المشرق، فسدّ الأفق إلى المغرب، فخرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مغشيا عليه، فنزل جبريل وتدلى [إليه] ، حتى قرب لإلقاء الوحي، فكان قربه منه قاب قوسين، أي لم يماسه، وهذا قول الحسن وقتادة. وقيل: دنا جبريل ليلة الإسراء من [النبي] صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتدلى أي دنا، فإنّ دنا وتدلى بمعنى واحد، وقيل: دنا جبريل من ربه تعالى، [فكان] منه قاب قوسين أو أدنى. قاله مجاهد، والقاب، قيل: هو القدر، وقيل: ما بين مقبض القوس والسّية، ولكل قوس قابان، وسية القوس: ما انعطف من طرفها، يعنى قدر طول قوسين. قاله قتادة. وقيل: بحيث الوتر من القوس. قاله مجاهد، وقيل: هو من مقبض القوس إلى طرفيها. قاله عبد الوارث، وقيل: ما بين الوتر إلى كبد القوس. قاله عكرمة، وقيل: كان بينهما، أي بين محمد وجبريل عليهما السلام، قدر ذراعين. قاله عبد اللَّه بن مسعود، وسعيد بن جبير، والسّدى أَوْ أَدْنى أي أقرب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى أي أوحى اللَّه إلى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم كفاحا ليلة المعراج، وقيل: أوحى جبريل إلى محمد ما أوحى اللَّه إليه. رواه عطاء عن ابن عباس، وقيل: أوحى اللَّه إلى جبريل ما يوحيه. روى ذلك عن عائشة، والحسن، وقتادة. ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى يعنى ما أنكر فؤاده ما رأته عيناه، وقيل: ما أوهمه فؤاده أنه رأى ولم ير، بل صدقه الفؤاد، وهذا إخبار عن رؤية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه تعالى. قاله ابن عباس، وأنس، والحسن، وعكرمة. قال ابن عباس: رآه تعالى بفؤاده، ولم يره بعينه، وعن أنس، وعكرمة، والحسن، أنه رآه بعينه، وقال السّدى: رآه في المنام، وعن أبى العالية، أنه رأى جلال اللَّه وعظمته، وعن أبى ذرّ، وأبى سعيد الخدريّ، ومجاهد، أنه رأى نورا، وعن ابن مسعود، وعائشة رضى اللَّه عنها، أنه رأى جبريل على صورته التي خلق عليها. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى؟ أي أفتجحدونه؟ قاله أبو عبيدة، وعن المبرّد، أفتدفعونه عما يرى؟ وقيل: أفتجادلونه وتدافعونه؟ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، يعنى رأى محمد ربّه عزّ وجل، في قول ابن عباس وكعب، وقيل: رأى جبريل مرة أخرى، فسماها نزلة على الاستعارة، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى جبريل على صورته التي خلق عليها مرتين: مرة بالأفق، ومرة عند سدرة المنتهى في السماء. وهذا قول عائشة وغيرها، اختاره الثعلبي. وقال الواحدي: معنى [قوله:] نَزْلَةً أُخْرى: يعود إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقد كانت له عرجات في تلك الليلة، لاستحطاط عدد الصلوات، فكل عرجة نزلة عند سدرة المنتهى، ففي حديث مالك بن صعصعة- المتقدم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 ذكره- أنها فوق السماء السابعة، وقال مقاتل: هي عن يمين العرش، وتقدم في حديث مسلم، أنها في السماء السادسة، وبه قال الضحاك. وعن هلال بن يساف: سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر، فقال كعب: إنها سدرة في أصل العرش، على رءوس حملة العرش، إليها ينتهى علم الخلائق، وعن مقاتل: هي طوبى التي ذكرها اللَّه في سورة الرعد [وهي قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ] . عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى، أي عند سدرة المنتهى، [قال مجاهد: سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، قال: أقصى الدنيا، وأدنى الآخرة، وعندها يجتمع الليل والنهار، وقال زهير بن محمد: المنتهى، قد انتهى علم الخلائق دونها] [ (1) ] . إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى، ففي حديث مسلم قال: غشيها فراش من ذهب، وفي حديث مالك بن صعصعة قال: لما غشيها من أمر اللَّه ما غشيها، تغيرت، فما أحد من خلق اللَّه يستطيع أن يصفها من حسنها، وعن الحسن ومقاتل: تغشاها الملائكة أمثال الغربان، حيث يقعن على الشجر، وعن الضحاك: غشيها نور العزة جل جلاله. ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى، أي بصر محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ما عدل يمينا ولا شمالا، ولا زاد ولا جاوز ما أمر بالنظر إليه، وعن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] : ما مال بصره عن رؤية الآيات خوفا وجزعا، بل قوى على النظر في الآيات. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، أي رأى من آيات ربه الآية الكبرى، يعنى أنه رأى رفرفا أخضر من الجنة قد سدّ الأفق. قاله ابن مسعود، وقيل   [ (1) ] زيادة للسياق، الرعد: 29. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 286 أنه رأى جبريل عليه السلام، في صورته التي يكون عليها في السموات. قاله ابن زيد، وابن عباس، في رواية أبى صالح ومقاتل بن حيان. وقيل: رأى سدرة المنتهى. قاله الضحاك، وقيل: رأى ما غشي السدرة من فراش الذهب. قاله عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه، وقيل: رأى [المعراج] وما مرّ به في مسراه وعوده. قاله محمد بن جرير الطبري، وقيل: ما رآه حين نامت عيناه ونظر فؤاده. وهذا قول حكى عن الضحاك، وقيل من التبعيض، أي رأى بعض الآيات، وقيل: هي زائدة، أي رأى آيات ربه الكبرى، وقيل: فيه تقديم وتأخير، أي رأى الكبرى من آيات ربه عزّ وجلّ. [و] خرّج مسلم من حديث سليمان بن فيروز الشيباني، قال: سألت زرّ بن حبيش عن قول اللَّه تبارك وتعالى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، قال: أخبرنى ابن مسعود أن النبي رأى جبريل عليه السلام، له ستمائة جناح [ (1) ] . وخرجه البخاري، ولفظه، قال: سألت زرا عن قوله: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى قال: أخبرنا عبد اللَّه، أنه محمد رأى جبريل له ست مائة جناح. ذكره في كتاب التفسير [ (2) ] ، وفي كتاب بدء الخلق [ (3) ] ، وخرجه النسائي أيضا. ولمسلم عن الشيباني عن زر، عن عبد اللَّه ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى،   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 6، كتاب الإيمان باب (76) في ذكر سدرة المنتهى حديث رقم (280) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 784، كتاب التفسير، تفسير سورة النجم، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، حديث رقم (4856) ، (4857) ، وفي باب فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى. [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 385، كتاب بدء الخلق، باب (7) إذا قال أحدكم: آمين، حديث رقم 3232. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 287 قال: رأى جبريل عليه السلام، له ست مائة جناح [ (1) ] . وفي حديث آخر له، عن سليمان الشيباني، سمع زر بن حبيش، عن عبد اللَّه قال: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، قال رأى جبريل في صورته، له ست مائة جناح [ (2) ] . وذكره النسائي. وللبخاريّ من حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى قال: رأى رفرفا أخضر قد سدّ الأفق [ (3) ] . ذكره في التفسير. وفي كتاب بدء الخلق، ولفظه: رأى رفرفا خضرا سدّ أفق السماء [ (4) ] . ولمسلم من حديث عطاء، عن أبى هريرة، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى قال: رأى جبريل [عليه السلام] [ (5) ] . وله أيضا عن عطاء، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: رآه بقلبه [ (6) ] . ولمسلم والنسائي من حديث الأعمش، عن زياد بن الحصين أبى جهمة، عن أبى العالية، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، ما كَذَبَ   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 6، كتاب الإيمان، باب (76) في ذكر سدرة المنتهى، حديث رقم (281) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (282) . [ (3) ] (فتح الباري) : 8/ 786، كتاب التفسير، تفسير سورة (53) ، باب لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، حديث رقم (4858) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 385، كتاب بدء الحلق، باب (7) إذا قال أحدكم: آمين، حديث رقم (3233) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 7، كتاب الإيمان، باب (77) معنى قول اللَّه عزّ وجلّ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، وهل رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه ليلة الإسراء؟ حديث رقم (283) . [ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (284) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 الْفُؤادُ ما رَأى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، قال رآه بفؤاده مرتين [ (1) ] . وللبخاريّ من حديث ابن عون، قال: أنبأنا القاسم عن عائشة رضى عنها قالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم [الفرية] ، ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه سادا ما بين الأفق [ (2) ] . ذكره في بدء الخلق. وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث زكريا، عن أبى الأشوع، عن عامر، عن مسروق قال: قلت لعائشة رضى اللَّه عنها: فأين قوله: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى؟ [ (5) ] قالت: ذاك جبريل، كان يأتيه في صورة الرجل وإنما أتاه هذه المرة، في صورته التي هي صورته، فسدّ الأفق. ذكره البخاري في كتاب بدء الخلق. ولمسلم [ (6) ] [والترمذي] [ (7) ] ، من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن علية، عن داود بن أبى هند، عن الشعبي، عن مسروق قال: كنت متكئا عند عائشة رضى اللَّه عنها، فقالت: [يا أبا] عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن، فقد أعظم على اللَّه الفرية، فقلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمد   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (285) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 385، كتاب بدء الخلق، باب (7) إذا قال أحدكم: آمين حديث رقم (3234) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3235) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 14، كتاب الإيمان، باب (77) معنى قول اللَّه عزّ وجلّ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى وهل رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه ليلة الإسراء؟ حديث رقم (290) . [ (5) ] النجم. 9 [ (6) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 10- 12، كتاب الإيمان، باب (77) معنى قول اللَّه عزّ وجلّ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى وهل رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه ليلة الإسراء، حديث رقم (287) . [ (7) ] (سنن الترمذي) : 5/ 245- 246، كتاب التفسير، باب (7) ومن سورة الأنعام، حديث رقم (3068) وفي آخره، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ومسروق بن الأجدع يكنى أبا عائشة، وهو مسروق بن عبد الرحمن، وكذا كان اسمه في الديوان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 رأى ربه، فقد أعظم على اللَّه الفرية، قال: وكنت متكئا فجلست، فقلت: [يا أم] المؤمنين! أنظريني، ولا تعجلينى، ألم يقل اللَّه عزّ وجلّ: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ؟ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى؟ فقالت: إنا أول هذه الأمة، سأل عن ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها، غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض، فقالت: أو لم تسمع أن اللَّه عزّ وجل يقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [ (1) ] ؟ أو لم تسمع أن اللَّه عزّ وجلّ يقول: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [ (2) ] ؟. قالت: ومن زعم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتم شيئا من كتاب اللَّه، فقد أعظم على اللَّه الفرية، واللَّه عزّ وجلّ يقول: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ [ (3) ] . قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم على اللَّه الفرية، واللَّه عزّ وجلّ يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [ (4) ] . اللفظ لمسلم. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ذكره في تفسير سورة الأنعام، وذكره النسائي في تفسير [سورة] النجم. وذكر مسلم [ (5) ] بعقبه، حديث محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، حدثنا داود بهذا الإسناد نحو حديث ابن علية، وزاد، قالت: ولو   [ (1) ] الأنعام: 103. [ (2) ] الشورى: 51. [ (3) ] المائدة: 67. [ (4) ] النحل: 65. [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 13- 14، كتاب (الإيمان) ، باب (77) معنى قول اللَّه عز وجلّ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى وهل رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه ليلة الإسراء، حديث رقم (288) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 كان محمد كاتما شيئا مما أنزل عليه، لكتم هذه الآية: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ [ (1) ] . وخرّجه النسائي بهذا الإسناد الأخير في كتاب التفسير كما قال مسلم، وخرّج أيضا من حديث ابن عليه، عن الشعبي، عن مسروق، قال: سألت عائشة رضى اللَّه عنها، هل رأى محمد ربه؟ فقالت: سبحان اللَّه! لقد قفّ شعرى لما قلت.. وساق الحديث بقصته، وحديث داود أتم وأطول [ (2) ] . وخرّجه البخاري من حديث وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد، عن عامرة عن مسروق، قال: قلت لعائشة رضى اللَّه عنها: [يا أمتاه] ! هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قف شعرى مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثك بهن فقد كذب، من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ. ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، ولكن رأى جبريل في صورته مرتين. ذكره في تفسير سورة النجم [ (3) ] . وفي كتاب   [ (1) ] الأحزاب: 37. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (289) . [ (3) ] (فتح الباري) : 8/ 780، كتاب التفسير، تفسير سورة (53) سورة النجم، باب (1) حديث رقم (4855) . قولها: «قف شعرى» أي قام من الفزع لما حصل من هيبة اللَّه واستحالة وقوع ذلك، قال النضر بن شميل: القف بفتح القاف وتشديد الفاء كالقشعريرة، وأصله التقبض والاجتماع، لأن الجلد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 التوحيد [ (1) ] ، في باب قول اللَّه عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وفي تفسير سورة المائدة [ (2) ] ، وفي أول كتاب التوحيد [ (3) ] ، في باب قول اللَّه: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً، لكن باختصار. وخرج مسلم من حديث وكيع، عن يزيد بن إبراهيم، عن قتادة، عن عبد اللَّه بن شقيق، عن أبى ذر رضى اللَّه عنه، [قال] : سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل رأيت ربك؟ قال نور أنى أراه [ (4) ] . ومن حديث همام عن قتادة، عن عبد اللَّه بن شقيق قال: قلت لأبى ذر: لو رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لسألته، فقال: عن أي شيء كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله: هل رأيت ربك؟ قال أبو ذر: قد سألت فقال: رأيت نورا [ (5) ] . وخرجه الإمام أحمد بهذا السند، ولفظه، قلت لأبى ذر، لو رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لسألته، قال: وما كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله هل رأى ربه؟ قال: فإنّي قد سألته، فقال: رأيته نورا أنى آراه . وقال: قال عفان: وبلغني عن ابن هشام- يعنى معاذ- أنه رواه عن أبيه كما قال همام: قد رأيته [ (6) ] .   [ () ] ينقبض عند الفزع فيقوم الشعر لذلك (فتح الباري) . قولها: «أين أنت من ثلاث» ؟ أي كيف يغيب فهمك عن هذه الثلاث، وكان ينبغي لك أن تكون مستحضرها، ومعتقدا كذب من يدعى وقوعها. (فتح الباري) . [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 615، كتاب التوحيد، باب (46) قول اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، حديث رقم (7531) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 8/ 349، كتاب التفسير، باب (7) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، حديث رقم (4612) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 13/ 447، كتاب التوحيد باب (4) قول اللَّه تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً، حديث رقم (7380) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 15، كتاب الإيمان، باب (78) قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم نور أنى أراه، وفي قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت نورا، حديث رقم (291) . [ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (292) . [ (6) ] (مسند أحمد) : 6/ 215، حديث رقم (20987) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 292 وله أيضا من حديث الأعمش، عن عمرو [بن] مرة، عن أبى عبيدة، عن أبى موسى قال: قام فينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخمس كلمات فقال: إن اللَّه عزّ وجلّ لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور [ (1) ] . وفي رواية أبى بكر بن أبى شيبة، عن أبى معاوية، عن الأعمش: النار لو كشفته لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه [ (2) ] . ومن حديث جرير عن الأعمش بهذا الإسناد، قال: قام فينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأربع كلمات، ثم ذكر بمثل حديث أبى معاوية، ولم يذكر: من خلقه، وقال: حجابه النور [ (3) ] . وخرّج البخاري من حديث سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [ (4) ] ، قال: هي رؤيا عين، أريها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسرى به، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ [ (4) ] ، قال: شجرة الزقوم [ (5) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 5/ 553، حديث رقم (19135) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 16- 17، كتاب الإيمان، باب (79) في قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه لا ينام، وفي قوله: حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، حديث رقم (293) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (294) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 536، حديث رقم (19036) . [ (4) ] الإسراء: 60. [ (5) ] (فتح الباري) : 8/ 508، كتاب التفسير باب (9) وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، حديث رقم (4716) . قوله: «والشجرة الملعونة في القرآن قال: شجرة الزقوم» هذا هو الصحيح، ذكره ابن أبى حاتم عن بضعة عشر نفسا من التابعين، ثم روى من حديث عبد اللَّه بن عمرو أن الشجرة الملعونة: الحكم بن أبى العاص وولده، وإسناده ضعيف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 293 وخرّج الترمذي من حديث يحيى بن كثير العنبري، قال: حدثنا مسلم ابن جعفر، عن الحكم، عن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: رأى محمد ربه، قلت: أليس اللَّه يقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ] ؟ قال: ويحك! ذاك إذا تجلى بنوره، الّذي هو نوره [وقال: أريه مرتين] [ (1) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب [ (2) ] . وقال يونس بن بكير: حدثنا عبد اللَّه بن لهيعة، قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن، عن عروة عن عائشة، رضى اللَّه عنهما، أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان أول شأنه يرى في المنام، فكان أول ما رأى، جبريل بأجياد، أنه خرج لبعض حاجته، فصرخ به: يا محمد! يا محمد! فنظر يمينا وشمالا، فلم ير شيئا، ثم نظر فلم ير شيئا، فرفع بصره، فإذا هو يراه ثانيا واضعا إحدى رجليه على الأخرى، على أفق السماء، فقال: يا محمد! جبريل، يسكنه، فهرب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى دخل في الناس، فنظر، فلم ير شيئا، ثم خرج من الناس، فنظر فرآه، فذلك قول اللَّه عزّ وجلّ: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * [وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى] .   [ () ] وأما الزقوم، فقال أبو حنيفة الدينَوَريّ في (كتاب النبات) : الزقوم شجرة غبراء تنبت في السهل، صغيرة الورق مدورته، لا شوك لها، زفرة، ولها نور أبيض تجرسه النمل، ورءوسها قباح جدا. وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: قال المشركون: يخبرنا محمد أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر، فكان ذلك فتنة لهم. وقال السهيليّ: الزقوم فعول من الزقم، وهو اللقم الشديد، وفي لغة تميمية: كل طعام يتقيّأ منه يقال له: زقوم، وقيل: هو كل طعام ثقيل. (فتح الباري) . [ (1) ] في (الأصلين) : «وقد رأى ربه مرتين» ، وما أثبتناه من (سنن الترمذي) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 386، كتاب تفسير القرآن، باب (53) تفسير سورة النجم، حديث رقم (3279) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 وقد اختلف سلف الأمة وخلفها، في رؤية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه تعالى ليلة الإسراء، بعد اتفاق جمهور أهل العلم، على أنه سبحانه وتعالى، يضح أن يرى، وقالت المعتزلة والفلاسفة: لا يصح أن يرى، وقالت الأشاعرة: يصح أن يرى، واحتج من أثبت الرؤية بقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، وبقوله سبحانه: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، وبقوله تعالى عن موسى عليه السلام: قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي. ثم اختلف القائلون بجواز الرؤية، فذهب الأكثرون إلى جوازها في الدنيا، ومنهم من خصّها بالآخرة، وهو مذهب عائشة رضى اللَّه عنها، ونقل عثمان بن سعيد الدارميّ، إجماع الصحابة رضى اللَّه عنهم على قول عائشة في عدم وقوع رؤية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ربه تعالى ليلة الإسراء. [وقد] اختلف القائلون بجواز الرؤية، فقالت [الكرامية] والمشبهة- خزاهم اللَّه-: رؤيته كرؤية غيره، بارتسام، واتصال، ومواجهة. وقالت الأشاعرة: معناها أن تحصل لنا حالة في الانكشاف والظهور، نسبتها إلى ذاته المخصوصة، كنسبة الحالة المسماة بالإبصار، والرؤية إلى هذه المرئيات. فإذا تقرر ذلك فنقول: قد اختار إمام الأئمة محمد بن خزيمة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رآه سبحانه ببصره، وتبعه في ذلك جماعة من المتأخرين، وقد قال عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنه: أنه رآه بفؤاده، كما مرّ في رواية مسلم، وأنكرت عائشة رضى اللَّه عنها رؤية البصر، وإلى هذا مال جماعات من الأئمة قديما وحديثا، اعتمادا على حديث أبى ذرّ وأتباعا لقول عائشة رضى اللَّه عنها، وقالوا: وهذا مشهور عنها، ولم يعرف لها مخالف من الصحابة، إلّا ما روى عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، أنه رآه بفؤاده، ونحن نقول به. وما روى من ذلك من إثبات الرؤية بالبصر، فلا يصح شيء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 من ذلك، لا مرفوعا، ولا موقوفا. وقال القاضي عياض: اختلف السلف والخلف، هل رأى نبيّنا صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه ليلة [الإسراء] ؟ فأنكرته عائشة [رضى اللَّه عنها] ، وجاء مثله عن أبى هريرة وجماعة، وهو المشهور عن ابن مسعود، وإليه ذهب جماعة من المحدثين والمتكلمين. وروى عن ابن عباس أنه رآه بعينه، ومثله عن أبى ذر، وكعب، والحسن، وكان الحسن يحلف على ذلك، وحكى [مثله] عن ابن مسعود، وأبى هريرة، وأحمد بن حنبل، وحكى أصحاب المقالات عن أبى الحسن الأشعري، وجماعة من أصحابه، أنه رآه، ووقف بعض مشايخنا في هذا، وقال: ليس عليه دليل واضح، ولكنه جائز. ورؤية اللَّه تعالى في الدنيا جائزة، وسؤال موسى عليه السلام إياها، دليل على جوازها، إذ لا يجهل نبيّ ما يجوز أو يمتنع على ربه تعالى، وقد اختلفوا في رؤية موسى عليه السلام ربه تعالى، وفي مقتضى الآية، ورؤية الجبل، جواب القاضي أبى بكر، ما يقتضي أنهما رأياه. قال: وكذلك اختلفوا في قوله: ثُمَّ [دَنا] فَتَدَلَّى، والأكثرون على أن هذا الدنو والتدلي، مقسم بين جبريل والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أو مختص بأحدهما من الآخر، أو من السدرة المنتهى. وذكر ابن عباس، والحسن، ومحمد بن كعب، وجعفر بن محمد، وغيرهم، أنه دنوّ من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ربه تعالى، أو من اللَّه تعالى، وعلى هذا القول، يكون الدنوّ والتدلي منا ليس على وجهه، بل كما قال جعفر بن محمد الصادق: الدنوّ من اللَّه تعالى، لا حدّ له، ومن العباد بالحدود، فيكون معنى دون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من ربه سبحانه وتعالى، وقربه منه، ظهور الجزء: 8 ¦ الصفحة: 296 عظيم منزلته [لديه] ، وإشراق أنوار معرفته عليه، [وإطلاقه] من غيبه، وأسرار ملكوته، على ما لم يطلع سواه عليه. والدنوّ من اللَّه تعالى، لهو إظهار ذلك له، وعظيم يده، وفضله العظيم لديه، ويكون قوله تعالى: قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، على هذا عبارة عن لطف المحل، وإيضاح المعرفة، والإشراف على الحقيقة، من نبينا [صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، ومن اللَّه تعالى، إجابة الرغبة، وإبانة المنزلة، ونتناول في ذلك ما يتناول في قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ربه تعالى: من تقرب منى شبرا، تقربت منه ذراعا. .. الحديث. قال الشيخ محيي الدين أبو زكريا، يحيى النووي، رحمه اللَّه: وأما صاحب التحرير، فإنه اختار إثبات الرؤية، قال: والحجج في هذه المسألة، وإن كانت كثيرة، لكنا لا نتمسك إلا بالأقوى منها، وهو حديث ابن عباس رضى اللَّه عنه: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم. وعن عكرمة، سئل ابن عباس: هل رأى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم [ربه] ؟ قال: نعم. وقد روى بإسناد لا بأس به، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه، قال: رأى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه. وكان الحسن يحلف: لقد رأى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه. والأصل في الباب، حديث ابن عباس حبر الأمة، والمرجوع إليه في المعضلات، وقد راجعه ابن عمر رضى اللَّه [عنهما] في هذه المسألة [وقد سأله:] هل رأى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه؟ فأخبره أنه رآه، ولا يقدح في هذا حديث عائشة رضى اللَّه عنها، لأن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، لم تخبر أنّها سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لم أر ربى، وإنما ذكرت ما ذكرت، متأولة لقول اللَّه تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ والصحابي إذا قال قولا وخالفه غيره، لم يكن قوله حجة، وإذا صحّت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية، وجب المصير إلى إثباتها، فإنّها ليست مما يدرك بالعقل، ويؤخذ بالظن، وإنما تلقى بالسماع، ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس، أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد. وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس: عائشة ليست عندنا بأعلم من ابن عباس، ثم إن ابن عباس أثبت شيئا نفاه غيره، والمثبت مقدم على النافي. قال النووي: فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء، لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم، إثبات هذا لا يأخذونه بالسماع من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، هذا مما لا ينبغي أن يتشكّك فيه، ثم إن عائشة رضى اللَّه عنها، لم تنف الرؤية بحديث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولو كان معها فيه حديث لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات، وسنوضح الجواب عنها. فأما احتجاج عائشة [رضى اللَّه عنها] بقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، فجوابه ظاهر، فإن الإدراك هو الإحاطة، واللَّه تعالى لا يحاط به، وإذا ورد النصّ بنفي الإحاطة، لا يلزم منه نفى الرؤية بغير إحاطة، وأجيب عن الآية بأجوبة أخرى، لا حاجة إليها مع ما ذكرناه، فإنه في نهاية من الحسن مع اختصاره. وأما احتجاجها بقوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ، فالجواب عنه من أوجه: أحدها: أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حالة الرؤية، فيجوز وجود الرؤية من غير كلام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 الثاني: أنه عام، مخصوص بما تقدم من الأدلة. الثالث: ما قاله بعض العلماء: أن المراد بالوحي، الكلام من غير واسطة، وهذا الّذي قاله هذا القائل، وإن كان محتملا، ولكن الجمهور على أن المراد بالوحي هنا، الإلهام والرؤية في المنام، وكلاهما سمّى وحيا. وأما قوله تعالى: أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ، فقال الواحدىّ وغيره: معناه غير مجاهر لهم بالكلام، بل يسمعون كلامه سبحانه وتعالى من حيث لا يرونه، وليس المراد أن هناك حجاب يفصل موضعا عن موضع، ويدل على تحديد المحجوب، فهو بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب، حيث لم ير المتكلم، واللَّه أعلم. انتهى. قال كاتبه -[عفى اللَّه عنه]- : قد تحصّل مما تقدم أن في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه رآه ببصره وعيني رأسه، وهو قول أنس بن مالك، وعكرمة، والربيع، وحكاه بعضهم عن عبد اللَّه بن مسعود، وهو المشهور عن عبد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عباس، وحكى ابن إسحاق أن مروان سأل أبا هريرة: هل رأى محمد ربه؟ قال: نعم. وحكى النقاش عن الإمام أبى عبد اللَّه أحمد ابن محمد بن حنبل، أنه قال: أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه رآه- رآه حتى انقطع نفسه، يعنى نفس أحمد بن حنبل- وإلى هذا ذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري، وجماعة من المتكلمين، أنه رأى اللَّه سبحانه ببصره، وعيني رأسه. الثاني: أنه رآه بفؤاده وقلبه لا بعينه، وقد روى ذلك عن عبد اللَّه بن عباس، وأبى ذر، وإبراهيم التيمي، وأبى العالية، والربيع بن أنس، وحكى عن عكرمة، وقاله أحمد بن حنبل، قال: رآه بقلبه، وجبن عن القول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 برؤيته تعالى في الدنيا بالأبصار، وعن الإمام مالك بن أنس قال: لم ير في الدنيا لأنه باق، ولا يرى الباقي بالفاني، فإذا كان في الآخرة، رزقوا أبصارا باقية، رأوا الباقي بالباقي. قال القاضي عياض: وهذا الكلام حسن مليح، وليس فيه دليل على الاستحالة، إلا من حيث ضعف القوة، فإذا قوّى اللَّه تعالى من يشاء من عباده، وأقدره على القيام بأعباء الرؤية، لم يمتنع في حقه. وقال القاسم أبو عاصم، محمد بن أحمد العبادىّ، في قول ابن عباس وغيره، رآه بقلبه: وعلى هذا رأى ربه رؤية صحيحة، وهي أن اللَّه تعالى جعل بصره في فؤاده، وخلق لفؤاده بصرا حتى رأى ربه رؤية صحيحة، كما ترى العين. وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: ومعنى الآية- يعنى قوله: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى - أن الفؤاد رأى شيئا فصدق فيه ما رأى، أي ما كذب الفؤاد مرئيه، وقرأ أبو عامر: ما كَذَبَ بالتشديد، قال المبرد: معناه أنه رأى شيئا فقبله. قال الواحدي: وهذا الّذي قاله المبرد على أن الرؤية للفؤاد، فإن جعلها للبصر فظاهر، أي ما كذّب الفؤاد ما رأى البصر، واللَّه أعلم. الثالث: أنه إنما رأى ليلة الإسراء جبريل، ولم ير رب العزة تعالى، وهو مذهب عائشة، وعبد اللَّه بن مسعود، ويروى عن أبى هريرة، وأبى ذر، رضى اللَّه عنهم. فظهر مما تقدم، أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى جبريل عليه السلام ليلة الإسراء على صورته، وكان قد رآه قبل ذلك في ابتداء الوحي، منهبطا من السماء إلى الأرض، على الصورة التي خلق عليها، وهو المعنيّ بقوله: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ [دَنا] فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، فالصحيح من قول المفسرين: أن المتدلى في هذه الآية، هو جبريل، كما أخرجاه في الصحيحين عن عائشة، أنها سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ذلك فقال: [ذلك] جبريل، فقد قطع هذا الحديث النزاع و [أزاح] الإشكال، [واللَّه الحمد] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 301 فصل في كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للَّه عزّ وجلّ ليلة الإسراء اعلم أن الإله سبحانه وتعالى متكلم، دلّ على ذلك الكتاب و [السنة] ، وإجماع الأمة، فالمنكر كافر، وكلامه معلوم لكل عاقل ذي قلب سليم، والكيف مجهول، لا يعلمه إلا من سمعه منه، وغيرهم لا برهان لهم به، إن يتبعون إلا الظن. وقالت الأشاعرة [ (1) ] : كلامه معنى واحد، قائم بذاته، مغاير لعلمه وإرادته، وهو طلب فعل، أو طلب ترك، أو الحكم بنفي، أو إثبات. وقالت المعتزلة [ (1) ] : إذا أراد اللَّه شيئا، أو كرهه، أو حكم به، خلق الأصوات المخصوصة، في جسم من الأجسام، التي لا يصح أن تتصف بالكلام، لتدل هذه الأصوات على كونه تعالى مريدا لذاك الشيء، أو كارها له، أو حاكما به، بنفي أو إثبات، وكلامه على هذا، هو خلقه لتلك الأصوات، إلا أن الخلق عندهم نفس المخلوق، فيكون كلامه إذن: هو تلك الأصوات، فلهذا قالوا بأن كلام [اللَّه تعالى] مخلوق، لأن تلك الأصوات مخلوقة، ونفوا أن يقوم بذاته طلب أو حكم. وقالت الكرامية [ (1) ] ومن تبعهم: كلامه لفظ قائم بذاته، وهذا معنى كلام الإمام أحمد رحمه اللَّه، قال الإمام أحمد في رواية يعقوب والمروزي: تكلم اللَّه بصوت، وذكر الحديث: إذا تكلم اللَّه بالوحي، سمع صوته أهل السماء، فالأشاعرة والمعتزلة، متفقون على أن اللفظ لا يقوم بذاته تعالى،   [ (1) ] من الفرق الإسلامية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 302 وأنه مخلوق، واختلفوا في قيام المعنى به، فنفاه المعتزلة كدأبهم في نفى الصفات، وأثبته الأشاعرة. واتفق الأشاعرة والكرامية، على أن الكلام يجب أن يقوم بذاته عزّ وجل، واختلفوا في ذلك الكلام، فقال الأشاعرة: هو المعنى، وقال الكرامية: هو اللفظ، واتفق الكرامية والمعتزلة على أن كلامه سبحانه يجب أن يكون أصواتا وحروفا، واختلفوا بعد ذلك، فقال الكرامية: هو قائم به، وقالت المعتزلة: هو مخلوق في غيره، ولكل فريق من هذه الفرق الثلاثة احتجاجات، ورد ذكرها في غير هذا الكتاب، فإذا تقرر ذلك، فاعلم أن السلف والخلف في أن نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، هل كلم ربه سبحانه وتعالى ليلة الإسراء بغير واسطة؟ أم لا؟ فحكى عن الشيخ أبى حسن الأشعري- رحمه اللَّه- وقوم من المتكلمين، أنه كلّمه، وعزا بعضهم هذا إلى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وإلى عبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه [عنهم] ، ذكره القاضي عياض. وأشهر قولي أهل الحديث أنه كلمه ربه تعالى، فسمع خطابه، واستدلوا على ذلك بقوله [في] حديث الإسراء، فنوديت: أن قد أتممت فريضتي وخففت عن عبادي، يا محمد، إنه لا يبدّل القول لدى، هي خمس، وهي خمسون، قالوا: فمثل هذا لا يقوله إلا رب العالمين، كما في قوله لموسى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [ (1) ] . قال علماء السلف وأئمتهم: هذا من أدلّ الدلائل على أن كلام اللَّه غير مخلوق، لأن هذا لا يقوم بذات مخلوقة، وقال جماعة منهم: من زعم أن قوله تعالى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي، مخلوق، فهو كافر، لأنه   [ (1) ] طه: 14. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 303 بزعمه يكون ذلك المحل المخلوق، قد دعا موسى عليه السلام إلى عبادته، واستدلوا أيضا بقوله في الحديث الّذي خرّجه أبو بكر البزار، من طريق على رضى اللَّه عنه، وقد تقدم ذكره في ذكر من كان يؤذن لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفيه: [إذا] خرج ملك من الحجاب، وأنه أذن، فكان يجاب من وراء الحجاب بقوله: صدق عبدي، أنا أكبر، وبقوله: صدقت، أنا لا إله إلا أنا، وبقوله: أنا أرسلت محمدا، وظاهره يقتضي أنه عليه السلام، سمع كلام اللَّه تعالى، ولكن من وراء حجاب، كما قال تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ، أي وهو لا يراه، حجب بصره عن رؤيته. وقال الأستاذ أبو إسحاق: اتفق أهل [الحق] على أن اللَّه تعالى خلق في موسى عليه السلام معنى من المعاني، أدرك به كلامه، و [به] كان اختصاصه في سماعه، وأنه قادر على مثله، في جميع خلقه، واختلفوا في نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم [هل سمع في] ليلة المعراج كلام اللَّه تعالى؟ وهل سمع جبريل [كلامه] ؟ على قولين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 304 فصل في سفر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سافر- فيما حفظ من أحواله- إلى الطائف مرتين، مرة قبل الهجرة، ومرة بعد الهجرة، فأما التي قبل الهجرة، فإنه خرج بعد موت عمه أبى طالب، وبعد موت زوجته خديجة بنت خويلد، بثلاثة أشهر، ومعه زيد بن حارثة، في شوال سنة عشر من المبعث- في قول الواقدي- ليدعو ثقيفا إلى نصرته، فأقام بالطائف عشرة أيام، وقيل: شهرا. قال ابن إسحاق: ولما هلك أبو طالب، نالت قريش من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأذى، ما لم تكن تناله منه في حياة عمه أبى طالب، فخرج إلى الطائف يلتمس من ثقيف النّصرة، والمنعة بهم من قومه، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من اللَّه [عزّ وجلّ] فخرج إليهم وحده. قال: فحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: لما انتهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف، عهد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو بن عمير، ومسعود ابن عمرو بن عمير، وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة [بن] غيرة بن عوف بن ثقيف، وعند أحدهم امرأة من قريش، من بنى جمح، فجلس إليهم [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] ، فدعاهم إلى اللَّه، وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه. فقال أحدهم- وهو يمرط [ (2) ] ثياب الكعبة-: إن كان اللَّه أرسلك! وقال   [ (1) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) . [ (2) ] يمرط: ينزع ويرمى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 الآخر: أما وجد اللَّه أحدا يرسله غيرك؟ وقال الثالث: واللَّه لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسولا من اللَّه كما تقول، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على اللَّه، ما ينبغي لي أن أكلمك، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من عندهم، و [قد] يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم- فيما ذكر لي-: إذا فعلتم ما فعلتم، فاكتموا عنى [ (1) ] . وكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبلغ ذلك قومه، فيذئرهم [ (2) ] ذلك عليه، فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه، ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، [وألجئوه] [ (3) ] إلى حائط [ (4) ] لعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وهما فيه، ورجع عنه سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعهد إلى ظل حبلة [ (5) ] من عنب فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف. وقد لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- فيما ذكر لي- المرأة [التي] [ (6) ] من بنى جمح، فقال لها: ماذا لقينا من أحمائك؟ فلما اطمأن، قال- فيما ذكر لي: اللَّهمّ إليك [أشكو] ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت، رب المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني [ (7) ] ؟ أو إلى عدوّ ملكته أمرى، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالى، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بوجهك الّذي أشرقت له   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 267. [ (2) ] يذئرهم: يثيرهم. [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] حائط: حديقة أو بستان. [ (5) ] حبلة: شجرة العنب. [ (6) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (7) ] تجهم فلانا: أي استقبله بوجه قبيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بى غضبك، أو يحل عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك. فلما رآه ابنا ربيعة- عتبة وشيبة- وما لقي، تحركت له رحمهما [ (1) ] ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا، يقال له: عدّاس، فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه، ففعل عدّاس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال له: كل، فلما وضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده فيه قال: باسم اللَّه، ثم أكل، فنظر عدّاس في وجهه ثم قال: واللَّه إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ومن أهل أي البلاد أنت يا عدّاس؟ وما دينك؟ قال: نصرانىّ، وأنا رجل من أهل نينوى، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متّى؟ فقال له عدّاس: وما يدريكك ما يونس بن متى؟ قال: ذلك أخى كان نبيا، وأنا نبي، قال: فأكبّ عدّاس على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقبّل رأسه، ويديه، و [قدميه] [ (2) ] . قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك، فقد أفسد عليك، فلما جاءهما عداس قالا له: ويلك يا عداس، ما لك تقبل رأس هذا الرجل، ويديه، وقدميه؟! قال: يا سيدي! ما في الأرض [شيء] [ (3) ] خير من هذا، لقد أخبرنى بأمر ما يعلمه إلا نبي، قال: ويحك يا عداس! لا يصرفنّك عن دينك، فإن دينك خير من دينه. ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة، حين يئس من   [ (1) ] الرحم: شرعا، الصلة والقرابة. [ (2) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) ، وقال في هامشها: في قصة عداس غلام بنى ربيعة من فقه السنة: قبول هدية المشرك، وأن لا يتورع عن طعامه، وفيه تعجب عداس لمعرفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبار يونس ابن متى، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم أمىّ، وفي أمّة أمّية صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 خير ثقيف، حتى إذا كان بنخلة [ (1) ] ، قام من جوف الليل يصلى، فمرّ به النفر من الجن الذين ذكر اللَّه تبارك وتعالى، وهم- فيما ذكر لي- سبعة نفر من جن نصيبين، فاستمعوا له، فلما فرغ من صلاته، ولّوا إلى قومهم منذرين، قد آمنوا، وأجابوا إلى ما سمعوا، فقصّ اللَّه خبرهم عليه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] ، فقال [تعالى] [ (2) ] : وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ* يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [ (3) ] . وقال [تعالى] [ (2) ] : قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ... [ (4) ] إلى آخر القصة، من خبرهم في هذه السورة [ (5) ] ، وأما خروجه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف بعد الهجرة، فسيأتي في فتح مكة إن شاء اللَّه تعالى.   [ (1) ] نخلة: اسم وادي. [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] الأحقاف: 29- 31. [ (4) ] الجن: أول سورة الجن. [ (5) ] (سيرة ابن هشام) : 2: 266- 269، سعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف، وموقف ثقيف منه، وشكواه إلى اللَّه تعالى، وقصته مع عدّاس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 فصل في خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عكاظ، ومجنّة، وذي المجاز اعلم أنه كانت للعرب أسواق يجتمعون بها في تجاراتهم، ويجتمع إليها سائر الناس، فإذا انقضت لا يصل إليها أحد، ولا يرجع منها أحد إلا بخفيه، وكانت أعظم هذه الأسواق [عشرة أسواق] ، منها ما يقوم في أشهر الحرم، ثم لا يقوم إلى مثل ذلك من قابل، ومنها ما لا يقوم في أشهر الحرم ويقوم في غيرها. فمن الأسواق العشرة: عكاظ، في أعلا نجد، قريب من عرفات، وكانت تقوم في النصف من ذي القعدة، وكانت من أعظم أسواق العرب، وكانت قريش تنزلها، وهوازن، وغطفان، والأحابيش- وهم الحرث [من بنى] [ (1) ] عبد مناة، وعضل، والمصطلق، وطوائف أفناء العرب، فإذا نزلوها في نصف ذي القعدة، لا يبرحون حتى [يروا] [ (1) ] هلال ذي الحجة، فإذا رأوه انقشعت. وكان قيامها فيما بين نخلة والطائف، بينها وبين الطائف عشرة أيام، وبها نخل وأموال لثقيف، ولم يكن فيها عشور [ (2) ] ولا خفارة [ (3) ] ، وكانت فيها أشياء ليست في شيء من أسواق العرب، كأن يوافي [بالأسرى] [ (1) ]   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] عشر القوم يعشرهم عشرا بالضم، وعشورا، وعشّرهم: أخذ عشر أموالهم، والعشّار: قابض العشر. (لسان العرب) : 4/ 570. [ (3) ] الخفير: المجير، فكل واحد منهم مجير لصاحبه، والاسم من ذلك كله الخفرة، والخفارة: الأمان وخفير القوم: مجيرهم الّذي يكونوا في ضمانه ما داموا في بلاده. (المرجع السابق) : 253. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 فيفادون بها، وكان بيعهم في السرار، وإذا وجب البيع [وعند التاجر فيها ألف ممن يريد الشراء، ومن لا يريد أشركه في الربح] [ (1) ] . خرّج البيهقيّ من حديث سفيان بن عيينة، عن أبى حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: قدم وفد إياد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسألهم عن قس بن ساعدة الإيادي فقالوا: هلك يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد شهدته في الموسم بعكاظ، وهو على جمل له أحمر، أو على ناقة حمراء، وهو ينادى في الناس، فذكره [ (2) ] . وقال جابر بن عبد اللَّه: مكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين يتتبّع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنه، وفي [المواسم] [ (3) ] ، ويقول: من يؤوينى؟ من ينصرني؟ ومجنة سوق من أسواق العرب، بين عكاظ وذي المجاز، كانت بأسفل مكة، على بريد منها، وهي سوق لكنانة، وأرضها من أرض كنانة. وخرّج الدارقطنيّ من حديث ابن نمير، عن يزيد بن زياد بن أبى الجعد [قال] [ (4) ] : حدثنا أبو ضمرة جامع بن شداد، عن طارق بن عبد اللَّه المحاربي، قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرتين، مرة بسوق ذي المجاز، وأنا في تباعة لي- هكذا قال- أبيعها، فمرّ وعليه حلة حمراء، وهو ينادى   [ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من (خ) ، واستدركناه من (ج) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 102، حديث قسّ بن ساعدة بن عمرو بن عدىّ بن مالك، من بنى إياد، أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم في الجاهلية، ويقال: إنه أول عربي خطب متوكئا على سيف، أو عصا، وأول من قال في كلامه: أما بعد، وكان يفد على قيصر الروم زائرا فيعظمه، ويكرمه، وهو معدود في المعمرين، طالت حياته، وأدركه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل النبوة، ورآه في عكاظ، وسئل عنه بعد ذلك، فقال: يحشر أمة واحدة، خطب الناس بعكاظ وبشرهم بمبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وحثهم على اتباعه، وذلك قبل البعثة. [ (3) ] زيادة للسياق. [ (4) ] زيادة للسياق من (سنن الدار قطنى) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 [بأعلى] صوته: [يا أيها] [ (1) ] الناس! قولوا: لا إله إلّا اللَّه تفلحوا، ورجل يتبعه بالحجارة، قد أدمى كعبيه وعرقوبيه، وهو يقول: [يا أيها] الناس! لا تطيعوه فإنه كذاب، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا غلام [بنى] [ (1) ] عبد المطلب، قلت: من هذا الّذي يتبعه يرميه؟ قالوا: عمه عبد العزّى- وهو أبو لهب-. فلما ظهر الإسلام، وقدم المدينة، أقبلنا في ركب من الرَّبَذَة، وجنوب الرَّبَذَة، حتى نزلنا [قريبا] [ (1) ] من المدينة، ومعنا ظعينة لنا، فبينا نحن قعود، إذ أتانا رجل عليه ثوبان أبيضان، فسلّم، فرددنا عليه، فقال: من أين أقبل القوم؟ قلنا: من [الرَّبَذَة] [ (2) ] ، وجنوب الرَّبَذَة، [قال: ومعنا] [ (2) ] جمل أحمر، قال: تبيعوني جملكم؟ قلنا نعم، قال: بكم؟ قلنا: بكذا و [كذا] [ (2) ] صاعا من تمر، قال: فما استوضعنا شيئا، وقال: قد أخذته. ثم أخذ برأس الجمل حتى دخل المدينة، فتوارى عنا، فتلاومنا بيننا، وقلنا: أعطيتم جملكم من لا تعرفونه، فقالت الظعينة: لا تلاوموا، فقد رأيت وجه رجل ما كان ليحقركم، ما رأيت وجه رجل أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه، فلما كان العشاء أتانا رجل فقال: السلام عليكم، أنا رسول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليكم، وأنه أمركم أن تأكلوا من هذا حتى تشبعوا، وتكتالوا حتى تستوفوا. قال: فأكلنا حتى شبعنا، واكتلنا حتى استوفينا، فلما كان من الغد دخلنا المدينة، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قائم على المنبر، يخطب الناس وهو يقول: يد المعطى [العليا] [ (2) ] ، وابدأ بمن تعول، أمّك وأباك، وأختك وأخاك، وأدناك أدناك، فقام رجل من الأنصار فقال: يا رسول اللَّه! هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع الذين قتلوا فلانا في الجاهلية، فخذ لنا بثأرنا، فرفع يديه   [ (1، 2) ] زيادة للسياق من (سنن الدار قطنى) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 حتى [رأينا] [ (1) ] بياض إبطيه، فقال: ألا لا يجنى والد على ولده [ (2) ] . [وخرجه الحاكم وابن حبان] [ (3) ] . [وذكر ابن سعد عن عبد اللَّه بن عون، عن عمرو بن سعيد، أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز مع ابن أخى- يعنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- فأدركنى العطش فشكوت إليه، فقلت: يا ابن أخى! قد عطشت- وما قلت له ذاك وأنا أرى أن عنده شيئا إلا الجزع- قال: فثنى وركه، ثم نزل فقال: يا عم! أعطشت؟ قال: قلت: نعم، قال: فأهوى بعقبه إلى الأرض، فإذا [بالماء] ، قال: اشرب يا عم، قال: فشربت] [ (4) ] . [وروى عبد اللَّه بن الأجلح، عن الكلبي، عن أبى صالح، عن ابن عباس، عن العباس رضى اللَّه عنه قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عباس، لا أرى لي عندك ولا عند بنى أبيك ممنعة، فهل أنت مخرجي إلى السوق غدا، حتى تعرفني منازل قبائل الناس؟ قلت: نعم، قال: فخرجت به، فأتيت به سوق عكاظ- وكانت مجمع العرب- قال: فقلت هذه كندة ولفها، وهي أفضل من يحج البيت من اليمن، وهذه منازل بكر بن وائل، وهذه منازل بنى عامر بن صعصعة، فاختر لنفسك، قال: فبدأ بكندة، فأتاهم، فقال: ممن [القوم] ؟ فقالوا: من أهل اليمن، قال: من أي اليمن؟ قالوا: من كندة، قال: من أي كندة؟ قالوا: من بنى عمرو بن معاوية، قال: فهل لكم إلى خير؟ قالوا: وما هو؟ قال: تشهدون أن لا إله إلا اللَّه، وتقيمون الصلاة،   [ (1) ] زيادة للسياق من (سنن الدار قطنى) . [ (2) ] (سنن الدارقطنيّ) : 3/ 44- 45، كتاب البيوع، حديث رقم (186) . [ (3) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 8/ 130- 131، كتاب الزكاة، باب (9) صدقة التطوع، حديث رقم (3341) وأخرجه النسائي في الزكاة، باب أيتهما اليد العليا؟ عن يوسف بن عيسى، عن الفضل بن موسى بهذا الإسناد، وهو إسناد صحيح. [ (4) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 152- 153، ذكر علامات النبوة في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يوحى إليه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 وتؤمنون بما جاء به من عند اللَّه] . [قال ابن الأجلح: وحدثني أبى عن أشياخ قومه، أن كندة قالت له: إن ظفرت تجعل لنا الملك من بعدك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الملك للَّه يجعله حيث شاء، قالوا: لا حاجة لنا فيما جئتنا به. قال الكلبي في حديثه: فقال جئتنا لتصدنا عن آلهتنا، وتنابذ العرب، ألحق بقومك، فلا حاجة لنا بك] . [فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من عندهم، فأتى بكر بن وائل فقال: ممن القوم؟ قالوا: من بكر بن وائل، قال: من أي بكر بن وائل؟ قالوا: من بنى قيس بن ثعلبة، قال: كيف [الغلبة] ؟ قالوا: كثير مثل الثرى، قال: فكيف المنعة؟ قالوا: لا منعة، جاورنا فارس، فنحن لا نمنع منهم، ولا نجير عليهم، قال: فتجعلون للَّه عليكم إن هو أبقاكم حتى تنزلوا منازلهم، وتستنكحوا نساءهم، وتستعبدوا أبناءهم، أن تسبحوا اللَّه ثلاثا وثلاثين، وتحمدوه ثلاثا وثلاثين، وتكبروه ثلاثا وثلاثين، قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم انطلق عنهم] . [وكان عمه أبو لهب يتبعه، فيقول للناس: لا تسمعوا منه، ولا تقبلوا قوله، قال: ثم مرّ أبو لهب فقالوا: هل تعرف هذا الرجل؟ قال: نعم، هذا في الذروة منّا، أيّ شأنه تسألونى؟ فأخبروه بما دعاهم، وقالوا: زعم أنه رسول اللَّه، قال: لا ترفعوا لقوله رأسا، فإنه مجنون، يهذى من أم رأسه، قالوا: لقد رأينا ذلك، حيث ذكر من أمر فارس ما ذكر] . [وروى يزيد بن هارون، عن جرير بن عثمان، عن سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعكاظ فقلت: من تبعك على هذا الأمر؟ قال: حر وعبد] . [وروى أبو الزبير عن جابر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مكث سبع سنين، يتبع الحاج الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 في منازلهم في المواسم، بعكاظ ومجنة، يعرض عليهم الإسلام، وبعكاظ رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قسّ بن ساعدة، وحفظ كلامه] . [وخرج] الحاكم من حديث يونس بن بكير، حدثنا يزيد بن زياد بن أبى الجعد، عن جامع بن شداد، عن طارق [بن] عبد اللَّه المجازي، قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرتين [ (1) ] ، رأيته بسوق ذي المجاز- وأنا في بياعة لي- فمرّ وعليه حلة حمراء، فسمعته يقول: يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا اللَّه، تفلحوا، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة، قد أدمى كعبيه، وهو يقول: يا أيها الناس، لا تطيعوا هذا فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا غلام من بنى عبد المطلب، قلت: من الرجل الّذي يرجمه؟ قيل لي: هو عمه عبد العزّى أبو لهب. فلما أظهر اللَّه الإسلام خرجنا من الرَّبَذَة، ومعنا ظعينة لنا، حتى نزلنا قريبا من المدينة، فبينا نحن قعود، إذ أتانا رجل عليه ثوبان، فسلم علينا وقال: من أين القوم؟ فقلنا: من الرَّبَذَة، ومعنا جمل أحمر، فقال: تبيعوننى الجمل؟ فقلنا: نعم، فقال: بكم؟ فقلنا: بكذا وكذا صاعا من تمر، قال: أخذته وما استقضى، فأخذ بخطام الجمل، فذهب به حتى توارى في حيطان المدينة، فقال بعضنا لبعض: تعرفون الرجل؟ فلم يكن منا أحد يعرفه، فلام القوم بعضهم بعضا، فقالوا: أتعطون جملكم من لا تعرفون؟ فقالت الظعينة: لا تلاوموا، فلقد رأيت وجه رجل لا يغدرنكم، ما رأيت شيئا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه. فلما كان العشىّ، أتانا رجل فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه، أنتم الذين جئتم من الرَّبَذَة؟ قلنا: نعم، قال: أنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليكم، وهو يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر حتى تشبعوا، وتكتالوا حتى   [ (1) ] في (المستدرك) : «مرّ بسوق ذي المجاز» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 تستوفوا، فأكلنا من التمر حتى شبعنا، واكتلنا حتى استوفينا. ثم أتينا المدينة من الغد، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قائم يخطب الناس على المنبر، فسمعته يقول: يد المعطى العليا، وابدأ بمن تعول، أمّك وأباك، وأختك وأخاك، وأدناك أدناك، وثمّ رجل من الأنصار فقال: يا رسول اللَّه! هؤلاء [بنو] ثعلبة بن يربوع، الذين قتلوا فلانا في الجاهلية، فخذ لنا ثأرنا، فرفع رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] يديه حتى رأيت بياض إبطيه فقال: لا تجنى أم على ولد، لا تجنى أم على ولد، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . ولأبى نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبى شيبة قال: [حدثنا] محمد بن [مكاره، حدثنا] ابن أبى الزياد، قال: حدثني أبى قال: رأيت رجلا يقال له: ربيعة بن عباد، قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمر في فجاج ذي المجاز وهو يقول: يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا اللَّه تفلحوا، قال: فما يؤذيه أحد إلا أنهم يتبعونه، قال: فقالوا: هذا ابن عبد اللَّه بن عبد المطلب، إلا رجل أحول، وضيء، ذو غديرتين، يتبعه في فجاج ذي المجاز وهو يقول: إنه صابئ كاذب، قال: فقلنا: من هذا؟ قالوا: عمه أبو لهب. قال أبو نعيم: ورواه زيد بن أسلم، وسعيد بن خالد القارظي، وحسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عباس، في آخرين، عن ربيعة [ (2) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 668- 669، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4219) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : روى ابن أبى شيبة بعضه، وابن ماجة بعضه. [ (2) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 292- 293 مطولا، وبسياقه أتم من هذه التي اختصرها المقريزي، وزاد أبو نعيم في آخرها: قال الشيخ رحمة اللَّه عليه: ومن القبائل التي سماهم الواقدي أنه عليه السلام عرض عليهم نفسه، ودعاهم إلى الإسلام: بنو عامر، وغسّان، وبنو فزارة، وبنو مرة، وبنو حنيفة، وبنو سليم، وبنو عبس، وبنو نصر من هوازن، وثعلبة بن العكابة، وكندة، وكلب، وبنو الحارث بن كعب، وبنو عذرة، وقيس بن الخطيم، وأبو الجيش أنس بن رافع [أو ابن رافع] . وأخرجه أيضا ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 216، ذكر دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبائل العرب في المواسم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 فصل في ذكر هجرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة خرّج البخاري في آخر كتاب الكفالة، في باب جوار أبى بكر في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي كتاب الهجرة، من حديث الليث عن عقيل، قال [ابن] شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: لم أعقل أبويّ إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طرفي النهار، بكرة وعشية. فلما ابتلى المسلمون، خرج أبو بكر [رضى اللَّه عنه] مهاجرا نحو أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد، لقيه ابن الدّغنّة- وهو سيد القارة-[فقال] : أين تريد يا أبا بكر؟ [فقال] أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربى، فقال ابن الدّغنّة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، أنت تكسب المعدوم، وتصل الرحم وتحمل الكلّ، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع، وارتحل معه ابن الدّغنّة [فطاف ابن الدّغنّة] [ (1) ] عشية في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكلّ، ويقرى الضيف، ويعين على نوائب الحق، فلم تكذب [قريش] [ (1) ] بجوار ابن الدّغنّة. وقالوا لابن الدّغنّة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ فيها، وليقرأ [ما شاء] ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدّغنّة لأبى بكر، فلبث أبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره.   [ (1) ] زيادة للسياق من (البخاري) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 ثم بدا لأبى بكر، فابتنى مسجدا بفناء داره، وكان يصلى فيه، ويقرأ فيه القرآن، [فيتقذّف] عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون منه وينظرون إليه. وكان أبو بكر رجلا بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنّة، فقدم عليهم، فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك، على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجدا بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فانهه، فإن أقام على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك، فسله أن يرد ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبى بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدّغنّة أبا بكر [رضى اللَّه عنه] فقال: قد علمت الّذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إليّ ذمتي، فإنّي لا أحب أن تسمع العرب أنى أخفرت في رجل عقدت له، فقال أبو بكر: إني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار اللَّه، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ بمكة. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [للمسلمين] [ (1) ] : إن أريت دار هجرتكم، ذات نخل بين لابتين، وهما الحرّتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهّز أبو بكر قبل المدينة، فقال له صلّى اللَّه عليه وسلّم: على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي، فقال أبو بكر [رضى اللَّه عنه] : وهل ترجو ذلك؟ بأبي أنت! قال: نعم، [فحبس] أبو بكر نفسه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين [كانتا] [ (1) ] عنده، ورق السمر- وهو الخبط   [ (1) ] زيادة للسياق من (البخاري) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 - أربعة أشهر [ (1) ] . زاد في كتاب الهجرة: قال ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة رضى اللَّه عنها: فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبى بكر في نحو الظهيرة، وقال قائل لأبى بكر: هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متقنعا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر [فداء] له أبى وأمى، ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر؟! قالت: فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبى بكر: أخرج من عندك، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك، بأبي أنت وأمى يا رسول اللَّه، قال: فإنّي قد أذن لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحابة، بأبي أنت وأمى يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم، قال أبو بكر، فخذ بأبي أنت يا رسول إحدى راحلتيّ هاتين، قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بالثمن. قالت عائشة: فجهّزناهما أحسن الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبى بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سمّيت: ذات النّطاقين. قالت: ثم لحق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فمكثا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد اللَّه بن أبى بكر، وهو غلام شاب، ثقف، لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة- كبائت، فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة- مولى أبى بكر- منحة من غنم، فيريح عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل، وهو لبن منحتهما ورضيفهما، حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. واستأجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر رجلا من بنى الديل، وهو من بنى عبد   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 599- 600، كتاب الكفالة، باب (4) جوار أبى بكر رضى اللَّه عنه في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعهده، حديث رقم (2297) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 ابن عدىّ، هاديا خرّيتا- والخرّيت: الماهر بالهداية- قد غمس حلفا في آل العاصي بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث ليال، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل، فأخذ بهم طريق السواحل [ (1) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 291- 293، كتاب مناقب الأنصار، باب (45) هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (3905) . قوله: «برك الغماد» : موضع باليمن. قوله: «ابن الدّغنّة» : فتح الغين، وقيل: إن ذلك كان لاسترخاء في لسانه، والصواب الكسر، وثبت بالتخفيف والتشديد من طريق، وهي أمه، وقيل: أم أبيه، وقيل: دابته، ومعنى الدغنه المسترخية، وأصلها الغمامة الكثيرة المطر. واختلف في اسمه، فعند البلاذري من طريق الواقدي، عن معمر عن الزهري أنه الحارث بن يزيد، وحكى السهيليّ أن اسمه مالك، وقيل غير ذلك. قوله: «وهو سيد القارة» ، بالقاف وتخفيف الراء، وهي قبيلة مشهورة من بنى الهون- بالضم والتخفيف- ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وكانوا حلفاء بنى زهرة من قريش، وكانوا يضرب بهم المثل في قوة الرمي. قوله: «أخرجني قومي» ، أي تسببوا في إخراجي. قوله: «فأريد أن أسيح» ، بالمهملتين، لعلّ أبا بكر طوى عن ابن الدّغنّة تعيين جهة مقصدة لكونه كافرا، وإلا فقد تقدم أنه قصد التوجه إلى أرض الحبشة، ومن المعلوم أنه لا يصل إليها من الطريق التي قصدها، حتى يسير في الأرض وحده زمانا، فيصدق أنه سائح، ولكن حقيقة السياحة أن لا يقصد موضعا بعينه يستقر فيه. قوله: «وتكسب المعدوم» - أو المعدم في رواية- وقد تقدم شرح هذه الكلمات في حديث بدء الوحي، وفي موافقة وصف ابن الدغنة لأبى بكر رضى اللَّه عنه بمثل ما وصفت به خديجة النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ما يدل على عظيم فضل أبى بكر، واتصافه بالصفات البالغة في أنواع الكمال. قوله: «وأنا جار لك» ، أي مجير أمنع من يؤذيك. قوله: «فيتقذّف» بالمثناة والقاف والذال المعجمة الثقيلة، أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد ينكسر. قوله: «بكّاء» بالتشديد أي كثير البكاء. قوله: «لا يملك عينيه» ، أي لا يطيق إمساكها عن البكاء من رقة قلبه، وقوله: «إذا قرأ» ، إذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319   [ () ] ظرفية، والعامل فيه لا يملك، أو هي شرطية والجزاء مقدر. قوله: «فأفزع ذلك» أي أخاف الكفار لما يعلمونه من رقة قلوب النساء والشباب أن يميلوا إلى دين الإسلام. قوله: «نخفر له» بضم أوله وبالخاء المعجمة وكسر الفاء، أي نغدر بك، يقال: خفره إذا حفظه، وأخفره إذا غدر به. قوله: «مقرين لأبى بكر الاستعلان» أي لا نسكت عن الإنكار عليه للمعنى الّذي ذكروه من الخشية على نسائهم وأبناءهم أن يدخلوا في دينه. قوله: «وأرضى بجوار اللَّه» أي أمانته وحمايته، وفيه جواز الأخذ بالأشد في الدين- وقوة يقين أبى بكر رضى اللَّه عنه. قوله: «ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة» ، أي لما سمعوا باستيطان المسلمين المدينة، رجعوا إلى مكة، فهاجر إلى أرض المدينة معظمهم لا جميعهم، لأن جعفرا ومن معه تخلفوا في الحبشة، وهذا السبب في مجيء مهاجرة الحبشة غير السبب المذكور في مجيء من رجع منهم أيضا في الهجرة الأولى، لأن ذاك كان بسبب سجود المشركين مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والمسلمين في سورة النجم، فشاع أن المشركين أسلموا وسجدوا، فرجع من رجع من الحبشة، فوجدوهم أشدّ ما كانوا. قوله: «الخبط» بفتح المعجمة والموحدة ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر. قاله ابن فارس. قوله: «في نحر الظهيرة» ، أي أول الزوال، وهو أشدّ ما يكون في حرارة النهار، والغالب في أيام الحر القيلولة فيها، وفي رواية ابن حبان: «فأتاه ذات يوم ظهرا» ، وفي حديث أسماء بنت أبى بكر عند الطبراني: «كان يأتينا بمكة كل يوم مرتين بكرة وعشية، فلما كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة، فقلت: يا أبت هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قوله: «هذا رسول اللَّه متقنّعا» ، أي مغطيا رأسه، وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب، قالت عائشة: «وليس عند أبى بكر إلا أنا وأسماء» . وفي هذا الحديث جواز لبس الطيلسان، وجزم ابن القيم بأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يلبسه ولا أحد من أصحابه، وأجاب عن الحديث بأن التقنع يخالف التطليس. قال: ولم يكن يفعل التقنع عادة بل للحاجة، وتعقب بأن في حديث أنس: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يكثر التقنع» . وفي (طبقات ابن سعد) مرسلا: «ذكر الطيلسان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: هذا ثوب لا يؤدى شكره» . قوله: «ثقف» بفتح المثلثة وكسر القاف، ويجوز إسكانها وفتحا وبعدها فاء» الحاذق، تقول: ثقفت الشيء إذا أقمت عوجه. قوله: «لقن» بفتح اللام وكسر القاف بعدها نون، اللّقين: السريع الفهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 قال ابن شهاب: فأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي- وهو ابن أخى سراقة بن مالك بن جعشم- أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول: جاءتنا رسل كفار قريش، يجعلون في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبى بكر دية، كل واحد منهما لمن قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بنى مدلج، إذ أقبل رجل منهم، حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة: إني رأيت قد آنفا أسودة بالساحل، أراها محمدا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت له: إنهم ليسوا هم، ولكنك رأيت فلانا وفلانا، انطلقا بأعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي، وهي من وراء أكمة فتحبسها عليّ، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فخططت بزجّه الأرض، وخفضت عاليه، حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرب بى حتى دنوت منهم، فعثرت بى فرسي، فخررت عنها، فقمت، فأهويت يدي إلى   [ () ] قوله: «فيدلّج» بتشديد الدال بعدها جيم، أي يخرج بسحر إلى مكة. قوله: «فيصبح مع قريش بمكة كبائت» أي مثل البائت، يظنه من لا يعرف حقيقة أمره لشدة رجوعه بغلس. قوله: «يكتادان به» في رواية الكشميهني: «يكادان به» بغير مثناة، أي يطلب لهما فيه المكروه، وهو من الكيد. قوله: «رضيفهما» بفتح الراء وكسر المعجمة، بوزن رغيف، أي اللبن المرضوف، أي التي وضعت فيه الحجارة المحماة بالشمس أو النار، لينعقد وتزول رخاوته، وهو بالرفع، ويجوز الجر. قوله: «حتى ينعق بها عامر» ينعق بكسر العين المهملة أي يصيج بغنمه، والنعيق صوت الراعي إذا زجر الغنم. قوله: «والخريت الماهر بالهداية» قال ابن سعد وقال الأصمعي: إنما سمّى خريتا لأنه يهدى خرت الإبرة أي ثقبها، وقال غيره: قيل له ذلك لأنه يهتدى لأخرات المفازة وهي طرقها الخفية. قوله: «وقد غمس» بفتح العين المعجمة بعدها مهملة «حلفا» بكسر المهملة وسكون اللام، أي كان حليفا، وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيمانهم في دم، أو خلوق، أو في شيء يكن فيه تلويث، فيكون ذلك تأكيدا للحلف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضرهم أم لا؟ فخرج الّذي أكره، فركبت فرسي، وعصيت الأزلام، تقرّب بى حتى إذا سمعت قراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو لا يلتفت، وأبو بكر [رضى اللَّه عنه] يكثر الالتفات، ساخت [يدا] فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت، فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة، إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الّذي أكره، فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي ما لقيت من الحبس عنهم، أن سيظهر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآنى، ولم يسألانى إلا أن قال: أخف عنا، فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة [رضى اللَّه عنه] ، فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لقي الزبير في ركب من المسلمين، كانوا تجارا قافلين من الشام، [فكسا] الزبير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبا بكر رضى اللَّه عنه ثياب بياض. وسمع المسلمون بالمدينة فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، من مكة [فكانوا] يغدون كل غداة إلى الحرة، فينتظرونه، حتى يردّهم حرّ الظهيرة، فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم، أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم- قال ابن زبالة: وهي عز أهل المدينة ومنعتهم التي يتحصنون فيها من عدوهم- قال ابن شهاب: لأمر ينظر إليه، فبصر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه مبيضين، يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال [بأعلى] صوته: يا معاشر العرب، هذا جدكم الّذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بظهر الحرّة، فعدل بهم ذات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 اليمين، حتى نزل بهم في بنى [عمرو] بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، [وقيل: لثمان خلون منه] [ (1) ] . وفي الإكليل عن الحاكم، تواترت الأخبار بذلك، وقيل: قدم المدينة يوم الجمعة عشاء لثنتى عشرة مضت منه، وقيل: لليلتين مضتا منه، وقيل: لثمان عشرة ليلة، وقيل: بضع عشرة ليلة، وعند البيهقي اثنتين، وعندي ليلة، وعند ابن حزم: خرجنا من مكة وقد بقي من صفر ثلاث ليال، وقال البرقي: قدمها ليلا، وقيل قدم لثلاث عشر ليلة مضت منه، وجزم ابن النجار بقدومه حين [الضحى] يوم الاثنين لثنتى عشرة ليلة من ربيع الأول، ووافقه جازما بذلك النووي في زوائده من كتاب السير من (الروضة) [ (2) ] . قال [ابن] شهاب: فقام أبو بكر [رضى اللَّه عنه] للناس، وجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحىّ أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأقبل أبو بكر حتى ظلّل عليه بردائه، فعرف الناس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك، فلبث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بنى [عمر] بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسّس المسجد الّذي أسّس على التقوى، وصلّى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ركب راحلته، فسار يمشى معه الناس، حتى بركت عند مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة، وهو يصلى فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا للتمر، لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين بركت به راحلته: هذا إن شاء اللَّه المنزل. ثم دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغلامين، فساومهما بالمربد، ليتخذه مسجدا،   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 302- 303. [ (2) ] (روضة الطالبين للنووي) : 7/ 407. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 فقالا: بل نهبه لك يا رسول اللَّه، فأبى أن يقبل [منهما] هبته، حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا، وطفق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينقل معهم اللبن في بنيانه، ويقول وهو ينقل اللبن: هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبرّ ربنا وأطهر ويقول: اللَّهمّ إن الأجر أجر الآخرة ... فارحم الأنصار [والمهاجرة] فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي، قال ابن شهاب: ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات. وخرّجه أيضا في كتاب اللباس، في باب التقنع، من حديث معمر عن الزهري، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] باختصار [ (1) ] ، وفرّقه في كتاب الجهاد في باب حمل الزاد في الغزو [ (2) ] ، وهجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة [ (3) ] ، وفي كتاب الأطعمة في باب الخبز المرقق، والأكل على الخوان والسفرة [ (4) ] . وخرّج البخاري أيضا في الهجرة من حديث شعبة قال: سمعت أبا إسحاق الهمدانيّ يقول: سمعت البراء [رضى اللَّه عنه] يقول: أقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة إلى المدينة، فذكر قطعة مما تقدم [ (5) ] . وخرّجه   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 236، كتاب اللباس، باب (16) التقنّع، حديث رقم (5807) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 159، كتاب الجهاد والسير، باب (123) حمل الزاد في الغزو، وقول اللَّه عزّ وجلّ: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى [البقرة: 197] ، حديث رقم (2979) . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 302- 303، كتاب مناقب الأنصار، باب (45) هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (3906) . [ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 662، كتاب الأطعمة، باب (8) الخبز المرقق، والأكل على الخوان والسّفرة، حديث رقم (53388) . [ (5) ] (فتح الباري) : 7/ 304، كتاب مناقب الأنصار، باب (45) هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (3908) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 مسلم كذلك [ (1) ] . وخرّج البخاري ومسلم من حديث أبى إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب [رضى اللَّه [عنه]] يقول: جاء أبو بكر رضى اللَّه [عنه] إلى أبى في منزله، فاشترى منه رحلا، فقال لعازب: ابعث معى ابنك يحمله معى إلى منزلي، فقال أبى: احمله، فحملته، وخرج أبى معه ينتقد ثمنه، فقال له أبى: يا أبا بكر، حدثني كيف صنعت ليلة سريت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: نعم، أسرينا ليلتنا كلها، حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق، فلا يمر فيه أحد، حتى رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل، لم تأت الشمس بعد، فأتيت الصخرة، فنزلنا عندها، وسويت بيدي مكانا ينام فيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ظلها، ثم بسطت عليه فروة، ثم قلت: نم يا رسول اللَّه، وأنا أنفض لك ما حولك. فنام، وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براعي غنم مقبل بغنمه إلى الصخرة، يريد منها الّذي أردنا، فلقيته فقلت: لمن أنت يا غلام؟ قال: لرجل من أهل المدينة، قلت له: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم، قلت: أفتحلب لي؟ قال: نعم، فأخذ شاة، فقلت له: انفض الضرع من الشعر، والتراب، والقذى، قال: فرأيت البراء يضرب بيده على الأرض ينفض، فحلب لي في قعب معه كثبة من لبن، قال: ومعى إداوة أرتوى فيها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ليشرب منها ويتوضأ، قال: فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [فشرب منها وتوضأ] ، وكرهت أن أوقظه من نومه، فوافقته قد استيقظ، فصببت على اللبن من الماء، حتى برد أسفله، فقلت يا رسول اللَّه، اشرب من هذا اللبن، قال: فشرب حتى رضيت، ثم قال: ألم يأن للرحيل؟ قلت: بلى. قال: فارتحلنا بعد ما زالت الشمس، وأتبعنا سراقة بن مالك، ونحن في   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 190، كتاب الأشربة، باب (10) جواز شرب اللبن، حديث رقم (2009) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 جلد من الأرض فقلت: يا رسول اللَّه! أتينا، فقال: لا تحزن إن اللَّه معنا، [فدعا] عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فارتطمت فرسه إلى بطنها- أرى- فقال: إني قد علمت أنكما قد دعوتما عليّ، فادعوا لي، [فاللَّه] لكما أن أردّ عنكما الطلب، فدعا [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] اللَّه، فنجا، فرجع لا يلقى أحدا إلا قال: قد كفيتم هاهنا، فلا يلقى أحدا إلا ردّه ووفّى لنا. اللفظ لمسلم، وقال فيه البخاري: فقال لرجل من أهل المدينة أو مكة، وقال فيه: فقال: إني أراكما قد دعوتما عليّ. ذكره البخاري في باب علامات النبوة [ (1) ] . ولمسلم من حديث عثمان بن عمر، والنضر بن شميل، كلاهما عن أبى إسحاق، عن البراء، قال: اشترى أبو بكر من أبى [ (2) ] رحلا بثلاثة عشر درهما.. وساق الحديث بمعنى ما تقدم [ (3) ] . وقال في حديثه من رواية عثمان بن عمر، [عن إسرائيل] : فلما دنا [دعا] عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فساخ   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 771- 772، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3615) . وأخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقاق، باب (19) في حديث الهجرة، ويقال حديث الرحل، حديث رقم (3009) . [ (2) ] (الرحل) : سرج البعير- وهو الكور- وقد يراد به القتب والحداجة. (قائم الظهيرة) : أشدّ الحر وسط النهار، وقائمها: وقت استواء الشمس في وسط السماء. (كثبة) : الكثبة القليل من اللبن. (أرتوى) فيها الماء، أي أحمله للوضوء والشرب. (ألم يأن) : ألم يقرب ويجيء وقت الرواح. (الجلد) : الأرض الغليظة الصلبة. (أتينا) : أتى الرجل، أي قصد وطلب، والمراد: أنهم لحقونا وأدركونا. (فارتطمت) : ارتطمت في الوحل: إذا نشبت فيه ولم تكد تتخلص، وارتطم الرجل في أمره إذا سدّت عليه مذاهبه. (جامع الأصول) : 11/ 599، شرح الحديث رقم (9304) . [ (3) ] في (صحيح مسلم) : «معنى حديث زهير عن أبى إسحاق» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 فرسه في الأرض إلى بطنه، ووثب عنه وقال: يا محمد! قد علمت أن هذا عملك، فادع اللَّه أن يخلصني مما أنا فيه، ولك عليّ لأعمينّ على من ورائي، وهذه كنانتي فخذ سهما منها، فإنك ستمر على إبلي وغلماني [بمكان] كذا وكذا، فخذ منها حاجتك، قال: لا حاجة لي في إبلك. فقدمنا المدينة ليلا، فتنازعوا أيهم ينزل عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: انزل على بنى النجار أخوال عبد المطلب، أكرمهم بذلك، فصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمان والخدم في الطريق ينادون: يا محمد، يا رسول اللَّه [ (1) ] ... يا محمد يا رسول اللَّه! وخرّج البخاري في المناقب، من حديث إسرائيل بمعناه، وذكر نحوا أو   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 357- 358، كتاب الزهد والرقائق، باب (19) في حديث الهجرة، الحديث الّذي يلي الحديث رقم (3009) ، بدون رقم. قال الإمام النووي: وهذا الحديث مما يسأل عنه، فيقال: كيف شربوا اللبن من الغلام وليس هو مالكه؟ وجوابه من أوجه: أحدها: أنه محمول على عادة العرب أنهم يأذنون للرعاة إذا مرّ بهم ضيف أو عابر سبيل أن يسقوه اللبن ونحوه. الثاني: أنه كان لصديق لهم يدلون عليه، وهذا جائز. الثالث: لعلهم كانوا مضطرين، والجوابان الأولان أجود. وفي هذا الحديث فوائد، منها: هذه المعجزة الظاهرة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفضيلة ظاهرة لأبى بكر رضى اللَّه عنه من وجوه. وفيه خدمة التابع للمتبوع، وفيه استصحاب الركوة والإبريق ونحوهما في السفر للطهارة والشرب. وفيه فضل التوكل على اللَّه سبحانه وتعالى وحسن عاقبته، وفيه فضائل للأنصار لفرحهم بقدوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وظهور سرورهم به، وفيه فضيلة صلة الأرحام، سواء قربت القرابة والرحم أم بعدت، وأن الرجل الجليل إذا قدم بلدا له فيه أقارب ينزل عندهم يكرمهم بذلك. واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 قريبا منه في باب هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه [ (1) ] . وقال الواقدي: حدثني قدامة بن موسى، عن عائشة بنت قدامه قالت: لما أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتحول عن فراشه، ولا ينام عليه في الليلة التي ائتمرت قريش في دار الندوة، على أن يثبتوه فيقتلوه، خرج على القوم حتى انتهى إلى بيت بكر رضى اللَّه عنه، وكان فيه حتى خرجا منه إلى الغار- غار ثور- خرجا من خوخة في ظهر بيت أبى بكر رضى اللَّه عنه ليلا. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث: لقد خرجت من الخوخة متنكرا، وكان أول من لقيني، الخبيث أبو جهل، فعمى اللَّه تعالى بصره عنى وعن أبى بكر [رضى اللَّه عنه] حتى مضيت، ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، فقال أبو بكر لعائشة [رضى اللَّه عنهما] : لو رأيتني ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ صعدنا الغار، فأما قدما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فتقطرتا دما، وأما قدماي، فعادتا كأنها صفوان، فقالت عائشة رضى اللَّه عنها: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يتعود الحفية، ولا الرعية، ولا الشقوة، [قال:] ولو رأيتنا ونحن نصعد في الغار، مرة هو أمامى، ومرة أنا أمامه، حتى سبقته إلى الغار فدخلته، وكان فيه جحر، فألقمته عقبى، ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليّ، قال أبو بكر رضى اللَّه عنه: إن كانت لدغة لدغتني، أحب إلى من أن تلدغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن أبى الحسن بن زبالة، في (تاريخ المدينة) : حدثني محمد بن عبد اللَّه الأنصاري، عن إسحاق بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن حارثة، عن أبيه قال: نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على كلثوم ابن الهدم، بغلام [يقال] له: يا نجيح، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنجحت يا أبا بكر.   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 317- 318، كتاب مناقب الأنصار، باب (45) هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (3911) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 وذكر عن محمد بن كعب القرظيّ وغيره، قالوا: لما بركت ناقة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بباب أبى أيوب [رضى اللَّه عنه] ، جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يريد أن ينزل فتخلخل، فيطيف بها أبو أيوب [رضى اللَّه عنه] ، فيجد جبار بن صخر- أخا بنى سلمة- ينخسها، فقال أبو أيوب: يا جبار! أعن منزلي تنخسها؟ واللَّه بعثه بالحق، لولا الإسلام لضربتك بالسيف. قال: فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في منزل أبى أيوب، وقرّ قراره، وطابت داره، ونزل معه زيد بن حارثة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 فصل في ذكر غزوات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزا بنفسه سبعا وعشرين غزوة [ (1) ] ، وكانت سراياه التي بعث فيها، سبعا وأربعين سرية، وكان ما قاتل فيه من المغازي تسع غزوات] [ (2) ] . قال البخاري: وقال محمد بن إسحاق: أول ما غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الأبواء، ثم بواط، ثم العشيرة [ (3) ] . وخرّج من طريق شعبة، عن أبى إسحاق [قال:] كنت إلى جنب زيد بن أرقم، فقيل له: كم غزا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من غزوة؟ قال: تسع عشرة، [قيل:] كم [غزوت] أنت معه؟ قال: سبع عشرة، قلت: فأيهم كانت أول؟ قال: [العشيراء] أو العشير، فذكرت ذلك لقتادة فقال: العشيرة [ (3) ] . وخرجه مسلم بمعناه [ (4) ] . وقال محمد إسحاق: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة يوم الاثنين حين اشتد [الضحى] وكادت الشمس تعتدل لثنتى عشرة مضت من شهر ربيع الأول، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن ثلاث وخمسين سنة، وذلك بعد أن بعثه اللَّه   [ (1) ] اصطلح الرواة وأصحاب السّير، أن الغزوة: هي الحرب التي يحضرها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنفسه. وأما البعث أو السرية: فإنه يرسل فيها طائفة من أصحابه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (ج) ، وأثبتناه من (خ) ، و (عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير) : 1/ 223، ذكر الخبر عن عدد مغازي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبعوثه. [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 354، كتاب المغازي، باب (1) غزوة العشيرة أو العشيرة، قال ابن إسحاق: أول ما غزا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الأبواء، ثم بواط، ثم العشيرة، حديث رقم (3949) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 435- 436، كتاب الجهاد والسير، باب (49) عدد غزوات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1254) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 بثلاث عشرة سنة، فأقام بقية ربيع الأول، وشهر ربيع الآخر، وجمادين، ورجبا، وشعبان، وشهر رمضان، وشوال، وذا القعدة، وذا الحجة [وولى تلك الحجة المشركون] [ (1) ] . ثم خرج غازيا في صفر، على رأس اثنى عشر شهرا من مقدمه المدينة [ (2) ] ، حتى بلغ ودّان، وهي: [غزوة الأبواء] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 3/ 125. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 غزوة الأبواء [ (1) ] يريد قريشا وبنى ضمرة، بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فوادعته فيها بنو ضمرة، وكان الّذي وادعه منهم مخشىّ بن عمرو الضمريّ، وكان سيدهم في زمانه ذلك.   [ (1) ] الأبواء بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد: قرية من عمل الفرع، بينها وبين الجحفة من جهة المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. قيل: سميت بذلك لما كان فيها من الوباء، وهي على القلب، وإلا لقيل: الأوباء. (فتح الباري) . وقال ثابت بن أبى ثابت اللغوي: سميت الأبواء لتبوّئ السيول فيها، وهذا أحسن، وقال غيره: الأبواء فعلاء من الأبواة، أو أفعال كأنه جمع بوّ، وهو الجلد الّذي يحشى ترأمه الناقة فتدر عليه إذا مات ولدها، أو جمع بوى، وهو السواء، إلا أن تسمية الأشياء بالمفرد ليكون مساويا لما سمّى به، أو لا ترى أنا نحتال لعرفات وأذرعات، مع أن أكثر أسماء البلدان مؤنثة، ففعلاء أشبه به، مع أنك لو جعلته جمعا لاحتجت إلى تقدير واحده أو مفردة. وسئل كثير الشاعر: لم سميت الأبواء أبواء؟ فقال: لأنهم تبوءوا بها منزلا، والأبواء قرية من أعمال الفرع في المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. وقيل: الأبواء جبل على آرة، ويمين الطريق للمصعد إلى مكة من المدينة، وهناك جبل ينسب إلى هذا الجبل، وقد جاء ذكره في حديث الصعب بن جثامة وغيره. قال السكرى: الأبواء جبل شامخ مرتفع، ليس عليه شيء من النبات غير الخزم والبشام، وهو لخزاعة وضمرة. وبالأبواء قبر أم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم آمنة بنت وهب، وكان السبب في دفنها هناك، أن عبد اللَّه والد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان قد خرج إلى المدينة يمتار تمرا، فمات بالمدينة، فكانت زوجته آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب، تخرج في كل عام إلى المدينة تزور قبره، فلما أتى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ست سنين خرجت زائرة لقبره، ومعها عبد المطلب، وأم أيمن حاضنته صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما صارت بالأبواء منصرفة إلى مكة، ماتت بها. ويقال: إن أبا طالب زار أخواله صلّى اللَّه عليه وسلّم بنى النجار بالمدينة، وحمل معه آمنة أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما رجع منصرفا إلى مكة ماتت آمنة بالأبواء. (معجم البلدان) : 1/ 102، موضع رقم (152) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 ثم رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، ولم يلق كيدا، [فأقام بها بقية صفر، وصدرا من شهر ربيع الأول، وهي أول غزو غزاها] [ (1) ] . وقال الواقدي: وفي هذه الغزاة، وادع بنى ضمرة من كنانة، على أن لا يكثروا عليه، ولا يعينوا عليه أحدا، ثم كتب بينهم كتابا [ (2) ] ، ثم رجع، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) . [ (2) ] (مجموعة الوثائق السياسية) : 158، ونصّ كتاب الموادعة: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد رسول اللَّه لبني ضمرة، فإنّهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وأن لهم النصر على من رامهم، أن لا يحاربوا في دين اللَّه ما بلّ بحر صوفة، وأن النبي إذا دعاهم لنصر أجابوه، عليهم بذلك ذمة اللَّه ورسوله. (المواهب اللدنية) : 1/ 340. [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 125، (مغازي الواقدي) : 1/ 12. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 [غزوة بواط] [ (1) ] قال ابن إسحاق: ثم غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في شهر ربيع الأول يريد قريشا حتى بواط من ناحية رضوى، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيدا [ (2) ] . وقال الواقدي: ثم غزا بواط- وبواط حيال ضبّه من ناحية ذي خشب، بين بواط والمدينة ثلاثة برد- يعترض لعير قريش، فيها أمية بن خلف، ومائة رجل من قريش وألفان و [خمسمائة] بعير، [في ربيع الأول، على رأس ثلاث عشر شهرا] ، [ثم رجع ولم يلق كيدا] [ (3) ] . وقال ابن إسحاق: فلبث بها- يعنى المدينة-[بقية] [ (4) ] شهر ربيع الآخر، وبعض [جمادى الأولى] ، ثم غزا قريشا، فسلك نقب بنى دينار، ثم على فيفاء الخبار، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر، يقال لها: ذات الساق، فصلى عندها، فثم مسجده صلّى اللَّه عليه وسلّم وصنع له عندها طعام، فأكل منه، وأكل الناس منه، فموضع أثافى البرمة معلوم [هنالك] [ (4) ] ، واستقى له من ماء به يقال له: المشترب، ثم ارتحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فترك الخلائق بيسار، [وسلك   [ (1) ] بالضم وآخره طاء مهملة: واد من أودية القبيلة، عن الزمخشريّ عن على العلويّ، ورواه الأصيلي، والعذري، والمستملي- من شيوخ المغاربة- بواط، بفتح أوله، والأول أشهر، وقالوا: هو جبل من جبال جهينة بناحية رضوى، غزاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في شهر ربيع الأول في السنة الثانية من الهجرة يريد قريشا، ورجع ولم يلق كيدا. (معجم البلدان) : 1/ 596، موضع رقم (2209) . [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 142، وقال: «فلبث بها بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى» . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 12. [ (4) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) 3/ 143، والضبوعة: اسم موضع، وملل: اسم موضع، يقال: إنما سمى مللا لأن الماشي إليه من المدينة لا يبلغه إلا بعد جهد وملل. (المرجع السابق) : هامش ص 143. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 شعبة يقال لها: شعبة عبيد اللَّه، ثم صبّ لليسار حتى هبط بليل، فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة] [ (1) ] واستقى من بئر بالضبوعة، ثم سلك الفرش، فرش [ملل] [ (1) ] ، حتى لقي الطريق بصحيرات اليمام، ثم اعتدل [به] [ (1) ] الطريق حتى نزل العشيرة [واستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) 3/ 143. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 غزوة بدر الأولى ثم غزا في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا، في طلب كرز بن جابر الفهري، أغار على سرح المدينة، وكان يرعى بالجماء ونواحيها، حتى بلغ بدرا ولم يدركه] [ (1) ] . وذكر الواقدي أن غارة كرز في ربيع الأول بعد بواط، أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في طلبه، حتى بلغ واديا يقال له: سفوان من ناحية بدر، وفاته كرز بن جابر، فلم يدركه، وهي غزوة بدر الأولى، ثم رجع إلى المدينة [ (2) ] ، [وكان قد استخلف عليها زيد بن حارثة رضى اللَّه عنه] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين من (خ) وليس في (ج) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 12. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 336 غزوة ذي العشيرة [ثم غزا] العشيرة في جمادى الآخرة، على رأس ستة عشر شهرا، يعترض لعيرات قريش حين أبدأت إلى الشام، وكان قد جاءه الخبر بفصول العير من مكة تريد الشام، قد جمعت قريش أموالها، فهي في تلك العير، فسلك على نقب من بنى دينار، يريد بيوت السّقيا وهي غزوة ذي العشيرة، [واستخلف على المدينة في هذه الغزوة، أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي رضى اللَّه عنه] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: ولم يقم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر، حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في طلبه، حتى بلغ واديا يقل له: سفوان [ (2) ] ، من ناحية بدر، وفاته كرز بن جابر فلم يدركه، وهي غزوة بدر الأولى، ثم رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، فأقام بها بقية جمادى الآخرة، ورجبا، وشعبان] . [قال ابن إسحاق: فسلك على نقب بنى دينار، ثم على فيفاء الخبار، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر، يقال لها: ذات الساق، فصلى عندها، فثم مسجده صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصنع له عندها طعام، فأكل منه، وأكل الناس معه،   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 145- 146. [ (2) ] وسفوان واد من ناحية بدر، قال ابن إسحاق: ولما أغار كرز بن الفهري.. إلخ. (معجم البلدان) : 3/ 254. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 فموضع أثافىّ البرمة معلوم هنالك، واستقى له صلّى اللَّه عليه وسلّم من ماء به، يقال له: المشترب [ (1) ]] .   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 غزوة بدر الكبرى ثم خرج إلى غزاة بدر، [وهي البطشة التي أعزّ اللَّه تعالى بها الإسلام، وأهلك رءوس الكفر] [ (1) ] . قال ابن إسحاق: وبلغ [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [بدارا- ماء كان ليخلد بن النضر، ويقال لرجل من جهينة- وبين بدر والمدينة ثمانية برد] [ (2) ] ، وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أبا سفيان بن حرب، مقبل من الشام، في عير لقريش عظيمة، فيها أموال لقريش، وتجارة من تجارتهم، وفيها ثلاثون رجلا من قريش، أو أربعون، منهم: مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، و [عمرو] بن العاص بن وائل، فلما سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأبي سفيان مقبلا من الشام، ندب إليهم المسلمين، وقال: هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعل اللَّه ينفلكموها، فانتدب الناس، فخف بعضهم، وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلقى حربا. وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز، يتحسس [ (3) ] الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان، تخوفا على أمر الناس، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان، أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتى قريشا   [ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط في (خ) وأثبتناه من (ج) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) وأثبتناه من (خ) . [ (3) ] التحسس بالحاء: أن تتسمع الأخبار بنفسك، والتجسس بالجيم: هو أن تفحص عنها بغيرك، وفي الحديث: «لا تجسسوا ولا تحسسوا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه. فخرج ضمضم سريعا إلى مكة، فصرخ ببطن الوادي يقول: يا معشر قريش!! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبى سفيان، قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث. فتجهز الناس سراعا، فكانوا بين رجلين، إما خارج وإما باعث مكانه رجلا، فلم يتخلف من أشرافها أحد، إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب قد تخلف، وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة، وكان قد لاط [ (1) ] له بأربعة آلاف درهم، كانت له عليه، أفلس بها، فاستأجره بها، على أن يجزئ [عنه] بعثه، فخرج عنه، وتخلف أبو لهب. وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المدينة [يوم الاثنين] [ (2) ] لثمان ليالي خلون من رمضان، فساروا حتى التقوا مع المشركين ببدر. وقال الواقدي: ولما [تحين] [ (3) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انصراف العير من الشام، ندب أصحابه للعير، وبعث طلحة بن عبيد اللَّه، وسعيد بن زيد، قبل خروجه من المدينة بعشر ليال، يتحسسان خبر العير، قال: وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمن معه، حتى انتهى إلى نقب بنى دينار، ثم نزل بالبقيع- وهي بيوت السّقيا- يوم الأحد لثنتى عشرة [ليلة] خلت من رمضان، فضرب عسكره هناك، وعرض المقاتلة. [قال:] وقدم عدي بن أبى الزغباء، وبسبس بن عمرو، وراح عشية الأحد من بيوت السقيا، وخرج المسلمون معه، وهم ثلاثمائة وخمسة،   [ (1) ] لاط له: أي أربى له، وقال أبو عبيد: وسمى الرّبا لياطا لأنه ملصق بالبيع، وليس بيع، وقيل للربا: لياطا لأنه لاصق بصاحبه، لا يقتضيه، ولا يوضع عنه. [ (2) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) . [ (3) ] في (الأصلين) : «تحقق» وما أثبتناه من (مغازي الواقدي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 وثمانية تخلفوا ضرب لهم بسهامهم وأجورهم، وكانت الإبل سبعين بعيرا، وكانوا يتعاقبون الإبل، الاثنين، والثلاثة، والأربعة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، [ومرثد] ، ويقال: زيد بن حارثة، يتعاقبون بعيرا واحدا، واستعمل على الماء قيس [بن] أبي صعصعة عمرو ابن زيد بن عوف بن مبذول، وأمره حين فصل من بيوت السقيا أن يعد المسلمين، فوقف لهم، فعدّهم، وأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان [دوين] [ (1) ] ماء بدر، أتاه الخبر بمسير قريش، فأخبرهم [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ]] بمسيرهم، واستشار [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ]] الناس، قال: فلما فرغ سعد من المشورة، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سيروا على بركة اللَّه، فإن اللَّه وعدني إحدى الطائفتين، واللَّه لكأنّي انظر إلى مصارع القوم، قال: ونزل بأدنى بدر، عشاء ليلة الجمعة، ولسبع عشرة ليلة من رمضان، واستشار في المنزل، فأشار الحباب بن المنذر بنزوله على قليب بدر، فتحول إليه، وبنى له عريش من جريد، فدخله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر رضى اللَّه عنه [ (3) ] . وخرّج البخاري من حديث عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو في قبته يوم بدر: اللَّهمّ أنشدك عهدك ووعدك، اللَّهمّ إن تشأ لا تعبد بعد اليوم، فأخذ أبو بكر رضى اللَّه عنه بيده فقال: حسبك يا رسول اللَّه، ألححت على ربك، فخرج وهو ثبت في الدرع، فخرج وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ذكره في كتاب التفسير [ (4) ] ، وفي غزوة   [ (1) ] دوين: تصغير دون، أي على مسافة أقل. [ (2) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 19- 49 مختصرا. [ (4) ] (فتح الباري) : 8/ 796، كتاب التفسير، باب (5) قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 بدر، في باب ما قيل في درع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .   [ () ] حديث رقم (4875) ، قال الحافظ في (الفتح) : هذا من مرسلات ابن عباس لأنه لم يحضر القصة، وقد روى عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، إن عمر قال: لما نزلت سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ جعلت أقول: أي جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يثب في الدرع وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، فكأن ابن عباس حمل ذلك عن عمر، وكأن عكرمة حمله عن ابن عباس عن عمر، وقد أخرج مسلم من طريق سماك بن الوليد عن ابن عباس: حدثني عمر ببعضه. [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 364، كتاب المغازي، باب (4) إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ... حديث رقم (3953) . قوله: «اللَّهمّ إني أنشدك» - بفتح الهمزة وسكون النون والمعجمة وضم الدّال، أي أطلب منك. وعند الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: «ما سمعنا منا شدا ينشد ضالة أشدّ منا شدة من محمد لربه يوم بدر: «اللَّهمّ إني أنشدك ما وعدتني» . قال السهيليّ: سبب شدة اجتهاد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ونصبه في الدعاء لأنه رأى الملائكة تنصب في القتال، والأنصار يخوضون في غمرات الموت، والجهاد تارة يكون بالسلاح وتارة بالدعاء، ومن السنة أن يكون الإمام وراء الجيش، لأنه لا يقاتل معهم فلم يكن ليريح نفسه، فتشاغل بأحد الأمرين وهو الدعاء. قوله: «اللَّهمّ إن شئت لم تعبد» إنما قال ذلك لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم علم أنه خاتم النبيين، فلو هلك هو ومن معه حينئذ. لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان، واستمر المشركون يعبدون غير اللَّه، فالمعنى: لا تعبد في الأرض بهذه الشريعة. قوله: «فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك» قال الخطّابى: لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربه من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في تلك الحال، بل الحامل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على ذلك شفقته على أصحابه، وتقوية قلوبهم، لأنه كان أول مشهد شهده، فبالغ في التوجه والدعاء والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك، لأنهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة. فلما قال له أبو بكر ما قال كفّ عن ذلك وعلم أنه استجيب له، لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة، فلهذا عقب بقوله: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ. وقال غيره: وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في تلك الحالة في مقام الخوف، وهو أكمل حالات الصلاة، وجاز عنده أن لا يقع النصر يومئذ لأن وعده بالنصر لم يكن معينا لتلك الواقعة، وإنما كان مجملا. (فتح الباري) مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 342 وخرج مسلم [ (1) ] والترمذي، من حديث ابن المبارك، عن عكرمة بن عمار قال: حدثني سماك الحنفي قال: قال يونس: سمعت ابن عباس رضى اللَّه عنهما يقول: لما كان يوم بدر. وذكر مسلم من طريق عمر بن يونس الحنفي [قال:] حدثنا عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلة، ثم مدّ يديه، فجعل يهتف بربه: اللَّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللَّهمّ آتني ما وعدتني، اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض. فما زال يهتف بربه، مادا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر رضى اللَّه عنه، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي اللَّه! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللَّه [تعالى:] إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ، فأمده اللَّه [تعالى] بالملائكة [ (1) ] . زاد مسلم: قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: [بينما] رجل من المسلمين يومئذ يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخرّ مغشيا، فنظر إليه، فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه بضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة، فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين [ (1) ] . قال أبو زميل: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 327- 330، كتاب الجهاد والسير، باب (18) الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإتاحة الغنائم، حديث رقم (1763) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 لأبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: يا نبي اللَّه! هم بنو العم والعشيرة، أرى أن نأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى اللَّه أن يهديهم للإسلام، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ما ترى يا ابن الخطاب: قلت: لا واللَّه يا رسول اللَّه، ما أرى الّذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان- نسيب لعمر- فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد، جئت فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول اللَّه! أخبرنى من أي شيء تبكى أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبكى الّذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- فأنزل اللَّه عزّ وجل: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [ (1) ] إلى قوله: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً [ (1) ] فأحل اللَّه تعالى الغنيمة لهم [ (2) ] . قال الواقدي: كان انهزام القوم وتوليهم حين زالت الشمس، فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببدر، وأمر عبد اللَّه بن كعب بقيض الغنائم وحملها، [وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نفرا من أصحابه أن يعينوه [ (3) ]] فصلى العصر ببدر، ثم راح فمر   [ (1) ] الأنفال: 67- 69. [ (2) ] (مسلم الشرح النووي) : 12/ 327- 330، كتاب الجهاد والسير، باب (18) الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، حديث رقم (1763) . [ (3) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 بالأثيل [ (1) ] قبل غروب الشمس، فنزل به، وبات به، وأقبل بالأسرى، حتى إذا كان بعرق الظبية [ (2) ] ، أمر عاصم بن ثابت أن يضرب عنق عقبة بن أبى معيط، فقدمه فضرب عنقه، ولما نزلوا يسيرا بشعب بالصفراء، قسم الغنائم بها بين أصحابه، [وقدم] زيد بن حارثة، وعبد اللَّه بن رواحة، وتلقاه الناس يهنئونه بالروحاء حتى قدم المدينة [ (3) ] [واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر] [ (4) ] .   [ (1) ] الأثيل: واد طوله ثلاثة أميال، بينه وبين بدر ميلان، فكأنه بات على أربعة أميال من بدر. (المرجع السابق) . [ (2) ] عرق الظبية: موضع بالصفراء، وهناك قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عقبة بن أبى معيط. قال ابن هشام: وغير ابن إسحاق يقول: عرق الظّبية- بضم أوله- وكان عقبة بن أبى معيط قد تفل في وجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له صلّى اللَّه عليه وسلّم: لئن أخذتك خارج الحرم لأقتلنك، فلما أسره ببدر وبلغ عرق الظبية، ذكر نذره فقتله صبرا، وقتل حين خرج من مضيق الصفراء النضر بن الحارث. (معجم ما استعجم) : 2/ 903. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 114- 115. [ (4) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 غزوة بنى قينقاع ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة بنى قينقاع من اليهود، في يوم السبت، النصف من شوال بعد البدر، فحصرهم إلى هلال ذي القعدة وجلالهم. وقيل: كانت في صفر سنة ثلاث من الهجرة، وجعلها ابن إسحاق بعد غزاة قرارة الكدر، ولم يتجاوز أرض المدينة. [قال ابن الأثير: لما عاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بدر، أظهرت يهود له الحسد بما فتح عليه، وبغوا ونقضوا العهد، وكان قد وادعهم حين قدم المدينة مهاجرا] . [فلما بلغه حسدهم جمعهم بسوق بنى قينقاع، فقال لهم: احذروا ما نزل بقريش وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أنى نبي مرسل. فقالوا: يا محمد! لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة] . [فكانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبينه، فبينما هم على مجاهرتهم، إذ جاءت امرأة مسلمة إلى سوق بنى قينقاع، فجلست عند صائغ لأجل حلىّ لها، فجاء رجل منهم فحل درعها إلى ظهرها، وهي لا تشعر، فلما قامت بدت عورتها، فضحكوا منها، فقام إليه رجل من المسلمين فقتله، ونبذوا العهد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتحصنوا في حصونهم، فغزاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وحاصرهم خمس عشرة ليلة، فنزلوا على حكمه، فكتفوا وهو يريد قتلهم، وكانوا حلفاء الخزرج، فقام إليه عبد اللَّه بن أبىّ بن سلول، فكلمه فيهم، فلم يجبه، فأدخل يده إلى جيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فغضب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: ويحك! أرسلنى، فقال: لا أرسلك حتى تحسن إلى موالىّ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، قد منعونى من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة، وإني واللَّه لأخشى الدوائر، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هم لك، خلوهم، لعنهم اللَّه ولعنه معهم] [ (1) ] . [وغنم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والمسلمون ما كان لهم، ولم يكن لهم أرضون، إنما كانوا صاغة، وكان الّذي أخرجهم عبادة بن الصامت الأنصاري، فبلغ بهم ذباب [اسم موضع] ، ثم ساروا إلى أذرعات من أرض الشام، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى هلكوا] [ (1) ] . [وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم قد استخلف على المدينة أبا لبابة، وكان لواء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع حمزة، وقسم الغنيمة بين أصحابه وخمسها، وكان أول خمس أخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قول] [ (1) ] . [ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وحضر الأضحى، وخرج إلى المصلّى، فصلى بالمسلمين، وهي أول صلاة عيد صلاها، وضحى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشاتين، وقيل بشاة، وكان أول أضحى رآه المسلمون، وضحى معه ذو اليسار، وكانت الغزاة في شوال بعد بدر، وقيل: كانت في صفر سنة ثلاث، وجعلها بعضهم بعد غزوة الكدر] [ (1) ] .   [ (1) ] (الكامل في التاريخ) : 2/ 137- 139. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 347 غزوة السويق ثم خرج إلى غزوة السويق [ (1) ] ، يوم الأحد الخامس من ذي الحجة، على رأس اثنتين وعشرين شهرا من مهاجره صلّى اللَّه عليه وسلّم، فغاب خمسة أيام في طلب أبى سفيان بن حرب ومن معه [ (2) ] ، و [استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر العمرى] [ (3) ] . [قال ابن هشام: [لما] فل [المنهزمون] من قريش من بدر نذر أبو سفيان أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج في مائتي راكب من قريش ليبر يمينه، فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له: ثيب، من المدينة على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل حتى أتى بنى النضير تحت الليل، فأتى حيىّ بن أخطب فضرب على بابه، فأبى أن يفتح له بابه وخافه، فانصرف عنه إلى سلام بن مكشم- وكان سيد بنى النضير في زمانه ذلك وصاحب كنزهم- فاستأذن عليه فأذن له. فقراه وسقاه، وبطنه من خبر الناس [أعلمه بسرهم] ، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه، فبعث رجالا من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها يقال لها: العريض، فحرقوا أصوار نحل بها [أي نخل مجتمع] . ووجدوا بها رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما، ثم انصرفوا راجعين، ونذر بهم الناس] [ (2) ] .   [ (1) ] السويق: طعام عبارة عن حنطة، أو شعير محمص مطحون، ممزوج بعسل وسمن. [ (2) ] (سيرة بن هشام) : 3/ 310- 311. [ (3) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 [فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في طلبهم، واستعمل على المدينة بشير بن عبد المنذر، وهو أبو لبابة فيما قال ابن هشام، حتى بلغ قرارة الكدر [أرض ملساء]- ثم انصرف راجعا وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، وقد رأوا أزوادا من أزواد القوم قد طرحوها في الحرث يتخففون منها للنجاة، فقال المسلمون حين رجع بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا رسول اللَّه أتطمع لنا أن تكون غزوة؟ قال: نعم] [ (1) ] . [قال ابن هشام: وإنما سميت غزوة السويق، فيما حدثني أبو عبيده، أن أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق، فهجم المسلمون على سويق كثير، فسميت غزوة السويق] [ (1) ] . [وفي هذا الحديث أن الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية، بقية من دين إبراهيم وإسماعيل، كما بقي فيهم الحج، والزواج، ولذلك سموها جنابة، وقالوا: رجل جنب، وقوم جنب، لمجانبتهم في تلك الحال البيت الحرام، ومواضع قرباتهم، ولذلك عرف معنى هذه الكلمة في القرآن الكريم، في قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [ (2) ] ، وقوله تعالى: وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) . [ (2) ] المائدة: 6. [ (3) ] النساء: 43. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 غزوة قرارة الكدر ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة قرارة الكدر، للنصف من المحرم، على رأس ثلاثة وعشرين شهرا من هجرته في قول الواقدي. وعند ابن إسحاق: أنه خرج في شوال سنة اثنتين بعد بدر، في طلب غطفان وسليم، وعاد بعد خمس عشرة ليلة بغنائم [ (1) ] ، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم المعيصى] [ (2) ] . [قال الواقدي: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى قرارة الكدر إلى بنى سليم وغطفان للنصف من المحرم، على رأس ثلاثة وعشرين شهرا، وغاب خمس عشرة ليلة، وكان الّذي هاجه على ذلك أنه بلغه أن بها جمعا من غطفان وسليم، فسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم، وأخذ عليهم الطريق حتى جاء فرأى أثار النعم ومواردها، ولم يجد في المجال أحدا، فأرسل في أعلى الوادي نفرا من أصحابه، واستقبلهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بطن الوادي، فوجد رعاء فيهم غلام يقال له يسار، فسألهم عن الناس، فقال يسار: لا علم لي بهم، إنما أورد لخمس وهذا يوم ربعي، والناس قد ارتيعوا إلى المياه] [ (1) ] . [فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد ظفر بنعم، فانحدر إلى المدينة حتى إذا صلى الصبح، فإذا هو بيسار، فرآه يصلى، فأمر القوم أن يقسموا غنائمهم، فقال القوم: يا رسول اللَّه! إن أقوى لنا أن نسوق النعم جميعا، فإن فينا من يضعف عن حظه الّذي يصير إليه] [ (3) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 183- 184. [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 [فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقتسموا، فقالوا: يا رسول اللَّه: إن كان أنمّ بك العبد الّذي رأيته يصلى، فنحن نعطيكه في سهمك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد طبتم نفسا؟ قالوا: نعم، فقبله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأعتقه، وارتحل الناس، فقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، واقتسموا غنائمهم، فأصاب كل رجل منهم سبعة أبعرة، وكان القوم مائتين] [ (1) ] . [وعن أبى أروى الدوسيّ قال: كنت في السرية، وكنت ممن يسوق النعم، فلما كنا بصرار- على ثلاثة أميال من المدينة- خمس النعم، وكان النعم خمسمائة بعير، فأخرج خمسة، وقسم أربعة أخماس على المسلمين- فأصابهم بعيران] [ (1) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 غزوة ذي أمر [وهي غزوة غطفان] ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة ذي أمر- وهي غزوة غطفان- وكانت يوم الخميس الثامن عشر من ربيع الأول، على رأس خمسة وعشرين شهرا في قول الواقدي [ (1) ] ، وعند ابن إسحاق [ (2) ] : أنها كانت في المحرم سنة ثلاث من الهجرة، يريد ثعلبة ومحارب، وعاد من غير أن يلقى كيدا، بعد إحدى عشرة ليلة، [واستخلف على المدينة عثمان بن عفان- رضى اللَّه تعالى عنه] [ (3) ] . [سببها أن جمعا من بنى ثعلبة ومحارب تجمعوا يريدون الإغارة، جمعهم دعثور بن الحارث المحاربي، وكان شجاعا] [ (3) ] . [فندب صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين، وخرج في أربعمائة وخمسين فارسا، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، فلما سمعوا بمهبطه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليهم هربوا في رءوس الجبال، فأصابوا رجلا منهم يقال له: حبان من بنى ثعلبة، فأدخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدعاه إلى الإسلام فأسلم، وضمه إلى بلال رضى اللَّه تعالى عنه- ليعلمه الشرائع-] [ (3) ] . [وأصاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مطر، فنزع ثوبيه ونشرهما على شجرة ليجفّا، واضطجع تحتها، وهم ينظرون إليه، فقالوا لدعثور: قد انفرد محمد فعليك   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 193. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 312. [ (3) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 به، فأقبل ومعه سيف حتى قام على رأسه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من يمنعك منى؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّه، فدفع جبريل في صدره، فوقع السيف من يده، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من يمنعك منى؟ فقال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، ثم أتى قومه فدعاهم إلى الإسلام. وأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [ (1) ] ، ويقال: كان ذلك في ذات الرقاع] [ (2) ] . [وقال ابن إسحاق: فأقام بنجد صفرا كله أو قريبا من ذلك، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا، فلبث بها شهر ربيع الأول كله إلا قليلا منه] [ (3) ] .   [ (1) ] المائدة: 11. [ (2) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 388- 389. [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 312. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 غزوة بحران ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بحران من ناحية الفرع، في سادس [جمادى] الأولى على رأس سبعة وعشرين شهرا، ثم عاد بعد عشر ليالي، ولم يلق صلّى اللَّه عليه وسلّم كيدا، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [وسببها: أنه بلغه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن بها جمعا كبيرا من بنى سليم، فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه، فوجدهم قد تفرقوا في مياههم، فرجع ولم يلق كيدا] [ (2) ] . [قال ابن إسحاق: حتى بلغ بحران من ناحية الفرع بضمتين، يقال: هي أول قرية مارت إسماعيل وأمه التمر بمكة، وهي من ناحية المدينة، وفيها عينان يقال لهما: الربض والنجف، يسقيان عشرين ألف نخلة، كانت لحمزة بن عبد اللَّه بن الزبير، والفرع بفتحتين موضع بين الكوفة والبصرة، فأقام بها شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيدا] [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 389. [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 313. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 غزوة أحد ثم كانت غزاة أحد، يوم السبت لسبع خلون من شوال، على رأس اثنتين وثلاثين شهرا ظاهر المدينة، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [قال الواقدي: وقد روى كثير من الصحابة ممن شهد أحدا قال كل واحد منهم: واللَّه إني لأنظر إلى هند وصواحبها منهزمات، وكلما أتى خالد من قبل مسيرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليجوز حتى يأتى من قبل السفح فيرده الرماة، حتى فعلوا ذلك مرارا، ولكن المسلمين أتوا من قبل الرماة. إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو عز إليهم فقال: قوموا على مصافكم هكذا فاحموا ظهرنا، فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا] [ (2) ] . [فلما انهزم المشركون وتبعهم المسلمون، يضعون السلاح فيهم، حيث شاءوا حتى أجهضوهم عن العسكر، ووقعوا ينتهبون العسكر] [ (2) ] . [قال بعض الرماة لبعض: لم تقيمون هنا في غير شيء؟ قد هزم اللَّه العدو، وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم، فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم، فقال بعض الرماة لبعض: ألم تعلموا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لكم: احموا ظهورنا فلا تبرحوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا نغنم فلا تشركونا، احموا ظهورنا؟] [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 229 وما بعدها مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 [فقال الآخرون: لم يرد رسول اللَّه هذا، وقد أذل اللَّه المشركين وهزمهم، فادخلوا العسكر فانتهبوا مع إخوانكم يقول رافع بن خديج: فكنا أتينا من قبل أنفسنا ومعصية نبينا، واختلط المسلمون وصاروا يقتلون ويضرب بعضهم بعضا، ما يشعرون به من الدهشة والعجل. ولقد جرح يومئذ أسيد بن حضير جرحين، ضربه أحدهما أبو بردة وما يدرى، يقول: خذها وأنا الغلام الأنصاري! وكر أبو زغنة في حومة القتال فضرب أبا بردة ضربتين وما يشعر، إنه يقول: خذها وأنا أبو زغنة! حتى عرفه بعد ذلك، فكان إذا لقيه قال: انظر إلى ما صنعت بى، فيقول له أبو زغنة: أنت ضربت أسيد ابن حضير ولا تشعر، ولكن هذا الجرح في سبيل اللَّه] [ (1) ] . [فذكر ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: هو في سبيل اللَّه، يا أبا بردة لك أجره، حتى كأنه ضربك أحد من المشركين، ومن قتل فهو شهيد] [ (1) ] . [وكانت عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خرجت في نسوة تستروح الخبر- ولم يضرب الحجاب يومئذ- حتى إذا كانت بمنقطع الحرة وهي هابطة من بنى حارثة إلى الوادي، لقيت هند بنت عمرو بن حرام، أخت عبد اللَّه بن عمرو ابن حرام تسوق بعيرا لها، عليه زوجها عمرو بن الجموح، وابنها خلاد بن عمرو، وأخوها عبد اللَّه بن عمرو بن حرام أبو جابر، فقالت عائشة- رضى اللَّه عنها- عندك الخبر، فما وراءك؟ فقالت: هند: خيرا، أما رسول اللَّه فصالح، وكل مصيبة بعده جلل] [ (1) ] . [واتخذ اللَّه من المؤمنين شهداء، وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [ (2) ]] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 229 وما بعدها مختصرا. [ (2) ] الأحزاب: 25. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 غزوة حمراء الأسد وخرج يوم الأحد، صبيحة أحد إلى حمراء الأسد، في طلب قريش، ثم عاد بعد ثلاث، ولم يلق كيدا، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [قال الواقدي: وكانت يوم الأحد لثمان خلون من شوال، على رأس اثنين وثلاثين شهرا، ودخل المدينة يوم الجمعة وغاب خمسا] [ (2) ] . [وقال جابر بن عبد اللَّه: يا رسول اللَّه، إن مناديا نادى ألا يخرج معنا إلا من حضر القتال بالأمس، وقد كنت حريصا على الحضور، ولكن أبى خلفنى على أخوات لي وقال: يا بنى، لا ينبغي لي ولك أن ندعهن ولا رجل عندهن، وأخاف عليهنّ وهن نسيات ضعاف، فأذن لي يا رسول اللَّه أن أسير معك، فأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] . [قال جابر: فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس غيري، واستأذنه رجال لم يحضروا القتال فأبى ذلك عليهم] [ (2) ] . [وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو مجروح، في وجهه أثر الحلقتين، ومشجوج في جبهته في أصول الشعر، ورباعيته قد شطيت، وشفته قد كلمت من باطنها، وهو متوهن منكبه الأيمن بضربة ابن قميئة، وركبتاه محجوشتان] [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 334 وما بعدها مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 [فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسجد فركع ركعتين، والناس قد حشدوا، ونزل أهل العوالي حيث جاءهم الصريخ، وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم، فلحقوهم بحمراء الأسد، ولهم زجل، وهم يأتمرون بالرجوع] [ (1) ] . [ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد، قال جابر: وكان عامة زادنا التمر، وحمل سعد بن عبادة ثلاثين جملا حتى وافت الحمراء، وساق جزرا فنحروا في يوم اثنين وفي يوم ثلاثا] [ (1) ] . [وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمرهم في النهار بجمع الحطب، فإذا أمسوا أمرنا أن نوقد النيران، فيوقد كل رجل نارا، فلقد كنا تلك الليالي نوقد خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد، وذهب ذكر معسكرنا ونيراننا في كل وجه حتى كان مما كبت اللَّه تعالى عدونا] [ (1) ] . [ومر بأبي سفيان نفر من عبد القيس يريدون المدينة، فقال: هل أنتم مبلغون محمدا وأصحابه ما أرسلكم به، على أن أوقر لكم أباعركم زبيبا غدا بعكاظ، إن أنتم جئتمونى؟ قالوا: نعم، قال: حيثما لقيتم محمدا وأصحابه فأخبروهم أنا قد أجمعنا الرجعة إليهم، وأنا في آثارهم، فانطلق أبو سفيان] [ (1) ] . [وقد الركب على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه بالحمراء، فأخبروهم الّذي أمرهم أبو سفيان، فقالوا: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل، وفي ذلك أنزل اللَّه عز وجل: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ [ (2) ] ، وقوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [ (3) ]] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 334 وما بعدها. [ (2) ] آل عمران: 172. [ (3) ] آل عمران: 173. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 غزوة بنى النضير ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزوة بنى النضير من اليهود، في ربيع الأول، على رأس سبعة وعشرين شهرا من الهجرة، في قول الواقدي. وقال الزهري: [هي] غزوة كانت على رأس ستة أشهر من وقعة [بدر] قبل أحد. وجعلها ابن إسحاق بعد بئر معونة وأحد، فحصرهم ست ليالي، حتى أنزلهم وجلاهم عن المدينة، ثم عاد بعد خمسة عشر يوما [ (1) ] ، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (2) ] . [قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بنى النضير يستعينهم في دية القتيلين من بنى عامر، فلما أتاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالوا: نعم يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه] [ (3) ] . [ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد- فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقى عليه صخرة فيريحنا منه؟] [ (3) ] . [فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، أحدهم، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقى عليه صخرة كما قال، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في نفر من أصحابه، فيهم: أبو بكر، وعمر وعلى- رضوان اللَّه تعالى عليهم] [ (3) ] .   [ (1) ] قال الواقدي: كانت في ربيع الأول، على رأس سبعة وثلاثين شهرا من مهاجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. (المغازي) : 1/ 363. [ (2) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 43- 146 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 [فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعا إلى المدينة، فلما استلبث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه، قاموا في طلبه، فلقوا رجلا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلا المدينة، فأقبل أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى انتهوا إليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقطع النخيل والتحريق فيها، فنادوه: أن يا محمد! قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها؟] [ (1) ] . [قال أهل التأويل: وقع في نفوس المسلمين من هذا الكلام شيء، حتى أنزل اللَّه تعالى: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها، واللينة: ألوان التمر ما عدا العجوة والبرني، ففي هذه الآية: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يحرق من نخلهم إلا ما ليس بقوت للناس، وكانوا يقتاتون العجوة، وقال تعالى: لِينَةٍ، ولم يقل: نخلة على العموم، تنبيها على كراهة قطع ما يقتات ويغذو من شجر العدو، إذا رجى أن يصير إلى المسلمين] [ (1) ] . [وخلوا الأموال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة، يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا، فأعطاهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . [ولم يسلم من بنى النضير إلا رجلان: يامين بن عمير، أبو كعب بن عمرو بن جحاش، وأبو سعد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها] [ (1) ] .   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 143- 146 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 [قال ابن إسحاق: وقد حدثني بعض آل يامين: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ليامين: ألم تر ما لقيت من ابن عمك، وما هم به؟ فجعل يامين بن عمير لرجل جعلا على أن يقتل له عمرو بن جحاش، فقتله فيما يزعمون] . [ونزل في بنى النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم اللَّه به من نقمته، وما سلط عليهم به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما عمل به فيهم [ (1) ]] .   [ (1) ] (سيرة ابن هشام: 4/ 143- 146 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 غزوة بدر الموعد وخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بدر الموعد لهلال ذي القعدة، على رأس خمسة وأربعين شهرا، فأقام بها ليوافيه أبو سفيان، فلم يأته، وعاد بعد ست عشرة ليلة إلى المدينة، ولم يلق كيدا. [واستعمل على المدينة عبد اللَّه بن أبى ابن سلول الأنصاري] [ (1) ] . [خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لملاقاة أبى سفيان في شعبان إلى بدر لميعاد أبى سفيان، قال ابن إسحاق: فأقام عليه ثماني ليال ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة، من ناحية الظهران] [ (2) ] . [وبعض الناس يقول: قد بلغ عسفان، ثم بدا له في الرجوع، فقال: يا معشر قريش، إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع، فارجعوا، فرجع الناس. فسماهم أهل مكة جيش السويق، يقولون: إنما خرجتم تشربون السويق] [ (2) ] . [وأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده، فأتاه مخشى بن عمرو الضمريّ، وهو الّذي كان وادعه على بنى ضمرة في غزوة ودان، فقال: يا محمد، أجئت للقاء قريش على هذا الماء؟ قال: نعم يا أخا بنى ضمرة، وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك، ثم جالدناك حتى يحكم اللَّه بيننا وبينك، قال: لا واللَّه يا محمد، ما لنا بذلك منك حاجة [ (2) ]] .   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 165. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 غزوة ذات الرقاع ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل، ليلة السبت، لعشر خلون من المحرم، على رأس سبعة وأربعين شهرا، يريد أنمارا وثعلبة، فبلغ صرار، وعاد يوم الأحد لخمس بقين منه، [فكانت] غيبته خمسة عشرة ليلة، ولم يلق كيدا، [واستخلف على المدينة عثمان بن عفان- رضى اللَّه عنه] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: ثم أقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة بعد غزوة بنى النضير شهر ربيع الآخر، وبعض جمادى، ثم غرا نجدا يريد بنى محارب وبنى ثعلبة من غطفان، حتى نزل نخلا [موضع بنجد] ، وهي غزوة ذات الرقاع] [ (2) ] . [قال ابن هشام: وإنما قيل لها غزوة ذات الرقاع، لأنهم رفعوا فيها راياتهم، ويقال: ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع يقال لها ذات الرقاع] [ (2) ] . [وذكر غيره: أنها أرض فيها يقع سود، ويقع بيض، كأنها مرقعة برقاع مختلفة، فسميت ذات الرقاع لذلك، وكانوا قد نزلوا في تلك الغزاة] [ (2) ] . [وأصح من هذه الأقوال كلها، ما رواه البخاري في صحيحه من طريق أبى موسى الأشعري، قال: «خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفارى، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع، لما كنا نعصب من   [ (1) ] قال ابن إسحاق: واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاريّ، ويقال: عثمان بن عفان، فيما قال ابن هشام، (المرجع السابق) . [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 157- 165. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 الخرق على أرجلنا، فحدق أبو موسى بهذا، ثم كره ذلك فقال: ما كنت أصنع بأن أذكره، كأنه كره أن يكون شيئا من عمله أفشاه] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: فلقى بها جمعا عظيما من غطفان، فتقارب الناس، ولم يكن بينهم حرب، وقد خاف الناس بعضهم بعضا حتى صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس صلاة الخوف ثم انصرف بالناس] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: وحدثني عمرو بن عبيد، عن الحسن، عن جابر بن عبد اللَّه، أن رجلا من بنى محارب، يقال له: غورث، قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا: بلى، وكيف نقلته؟ قال: أفتك به، قال: فأقبل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس، وسيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجره، فقال: يا محمد، انظر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم- وكان محلى بفضة، فيما قال ابن هشام- قال: فأخذه فاستله، ثم جعل يهزه، ويهم فيكبته اللَّه تعالى، ثم قال: يا محمد! أتخافنى؟ قال: لا، وما أخاف منك؟ قال: أما تخافنى وفي يدي السيف؟ قال: لا، يمنعني اللَّه منك، ثم عمد إلى سيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرده عليه] [ (1) ] . [قال: فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان، أنها إنما أنزلت في عمرو بن جحاش، أخى بنى النضير، وما هم به، فاللَّه أعلم أي ذلك كان] [ (1) ] . [ثم حكى ابن إسحاق قصة جمل جابر بن عبد اللَّه- رضى اللَّه عنه- وتخلفه، وأنه سبق بعد ذلك ببركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا جابر،   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 157- 165. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 هل تزوجت بعد؟ قال: قلت: نعم يا رسول اللَّه، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أثيبا أم بكرا؟ قال: لا، بل ثيبا، قال: أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك! قال: قلت: يا رسول اللَّه، إن أبى أصيب يوم أحد، وترك بنات له سبعا، فنكحت امرأة جامعة تجمع رءوسهن، وتقوم عليهنّ، قال: أصبت إن شاء اللَّه] [ (1) ] . [قال: فلما جئنا صرارا [موضع قريب من المدينة] أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بجزور فنحرت، وأقمنا عليها ذلك اليوم، فلما أمسى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل ودخلنا] [ (1) ] . [فترك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منزلا، فقال: من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه؟ فانتدب رجل من المهاجرين، رجل آخر من الأنصار، فقالا: نحن يا رسول اللَّه، قال: فكونا بفم الشعب، قال: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي، وهما: عمار بن ياسر، وعباد بن بشر، فيما قال ابن هشام] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب، قال الأنصاري للمهاجرى: أي الليل تحب أن أكفيكه: أوله أم آخره؟ قال: بل اكفني أوله، قال: فاضطجع المهاجري فنام، وقام الأنصاري يصلى، قال: وأتى الرجل، فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة القوم أي الطليعة الّذي يحرس القوم من مكان مرتفع] [ (1) ] . [قال: فرمى بسهم فوضعه فيه، قال: فنزعه ووضعه، فثبت قائما، قال: ثم رماه بسهم آخر، فوضعه فيه، قال: فنزعه ووضعه فيه، وثبت قائما، ثم عادله بالثالث، فوضعه فيه، قال: فنزعه فوضعه، ثم ركع وسجد، ثم أهب صاحبة فقال: اجلس قد أثبت «أي جرحت جراحة بالغة» ] [ (1) ] .   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 157- 165. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 [قال: فوثب، فلما رآهما الرجل عرف أن قد نذرا به، فهرب، قال: ولما رأى المهاجري، بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان اللَّه! أفلا أهببتنى أول ما رماك؟ قال: كنت في سورة أقرأها، فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها «أتم قراءتها» ، فلما تابع على الرمي ركعت فأذنتك، وأيم اللَّه لولا أن أضيع ثغرا أمرنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها] [ (1) ] . [وفي هذا الحديث من الفقه صلاة المجروح، وفيه متعلق لمن يقول: إن غسل النجاسة لا يعد في شروط صحة الصلاة، وفيه من الفقه أيضا تعظيم حرمة الصلاة، وأن للمصلى أن يتمادى عليها وإن جر إليه ذلك القتل، وتفويت النفس، مع أن التعرض لفوات النفس لا يحل إلا في حالة المحاربة، ألا ترى إلى قوله: «لولا أن أضيع ثغرا أمرنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها» يعنى السورة التي كان يقرأها] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: ولما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة من غزوة الرقاع، أقام بها بقية جمادى الأولى، وجمادى الآخرة، ورجبا] [ (1) ] .   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 157- 165 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 غزوة دومة الجندل ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة دومة الجندل، في الخامس والعشرين من ربيع الأول، على رأس تسعة وأربعين شهرا، وعاد في العشرين من ربيع الآخر، [واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة] [ (1) ] . [دومة الجندل: بينها وبين المدينة خمس عشر ليلة بسير الإبل، وسميت بدومى بن إسماعيل عليه السلام، لأنها نزلها] [ (2) ] . [كانت غزوة دومة الجندل- كما قال الواقدي- في ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهرا، خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لخمس ليال بقين من ربيع الأول، وقدم لعشر بقين من ربيع الآخر] [ (2) ] . [[لما] أراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يدنو إلى الشام، وقيل له: إنها طرف من أفواه الشام، فلو دنوت لها كان ذلك مما يفزع قيصر، وقد ذكر له أن بدومة الجندل جمعا كثيرا، وأنهم يظلمون من مرّ بهم من الضافطة [جمع ضافط، وهو الّذي يجلب الميرة والمتاع إلى المدن، والمكاري الّذي يكرى الأحمال، وكانوا يؤمئذ قوما من الأنباط، يحملون إلى المدينة الدقيق والزيت] ، وكان بها سوق عظيم وتجار، وضوى إليهم قوم من العرب كثير، وهم يريدون أن يدنوا من المدينة] [ (2) ] . [فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس، فخرج في ألفين من المسلمين، فكان يسير الليل ويمكن النهار، ومعه دليل من بنى عذرة يقال له: مذكور، هاد خرّيت [ماهر بالطرق ومسالكها] [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 402- 404 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 [فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مغذّا للسير، ونكب عن طريقهم، ولما دنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من دومة الجندل- وكان بينه وبينها يوم أو ليلة سير الراكب المعتق-[السريع] ، قال له الدليل: يا رسول اللَّه: إن سوائمهم ترعى، فأقم لي حتى أطلع لك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم] [ (1) ] . [فخرج العذري طليعة حتى وجد آثار النعم والنساء وهم مغربون، ثم رجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، وقد عرف مواضعهم، فسار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى هجم على ماشيتهم ورعائهم، فأصاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أصاب، وهرب من هرب في كل وجه، وجاء الخبر أهل دومة الجندل فتفرقوا] [ (1) ] . [ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بساحتهم، فلم يجد بها أحدا، فأقام بها أياما وبث السرايا، وفرقها، حتى غابوا عنه يوما ثم رجعوا إليه، ولم يصادفوا منهم أحدا، وترجع السرية بالقطعة من الإبل، إلا أن محمد بن مسلمة أخذ رجلا منهم، فأتى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسأله عن أصحابه فقال: هربوا أمس حيث سمعوا بأنك قد أخذت نعمهم] [ (1) ] . [فعرض عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الإسلام أياما فأسلم، فرجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة] [ (1) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 402- 404. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 غزوة المريسيع ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة المريسيع، يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس من الهجرة، فأوقع بنى المصطلق من خزاعة، وعاد لهلال رمضان، فغاب شهرا إلا ليلتين، وعند ابن إسحاق: أنها كانت في شعبان من السنة السادسة، [واستخلف على المدينة زيد بن حارثة] [ (1) ] . [المريسيع] : بضم أوله وفتح ثانيه بعده ياء ساكنة، وسين مكسورة مهملة، بعدها ياء أخرى، وعين مهملة، على لفظ التصغير: قرية من وادي القرى، كان الزبير بن خبيب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير نازلا في ضيعته بالمريسيع، مقيما في مسجدها، لا يخرج منها إلا إلى وضوء، فكان دهره كالمعتكف] [ (2) ] . [قال البخاري: المريسيع: ماء بنجد، في ديار بنى المصطلق من خزاعة] [ (2) ] . [قال ابن إسحاق: من ناحية قديد إلى الشام، غزاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سنة ست، فهي غزوة المريسيع، وغزوة بنى المصطلق، وغزوة نجد، قال ابن إسحاق: سنة ست، وقال موسى بن عقبة: سنة أربع، قال الزهري: وفيها كان حديث الإفك] [ (2) ] . [قال ابن إسحاق: فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجبا، ثم غزا بنى المصطلق من خزاعة، في شعبان سنة ست] [ (2) ] .   [ (1) ] قال ابن هشام: واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاريّ، ويقال: نميلة بن عبد اللَّه الليثي. [ (2) ] المرجع السابق (سيرة ابن هشام) : 4/ 252. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 [قالوا: [لما] بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن بنى المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبى ضرار، أبو جويرية بنت الحارث، زوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء لهم يقال له: المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم اللَّه بنى المصطلق، وقتل من قتل منهم، ونفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبناءهم، ونساءهم، وأموالهم] [ (1) ] . [وقد استشهد رجل من المسلمين يقال له: هشام بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت، وهو يرى أنه من العدو، فقتله خطأ] [ (1) ] . [ثم راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس، وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع يقال له: بقعاء، فلما راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هبت على الناس ريح شديدة آذتهم، وتخوفوها] [ (1) ] . [فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تخافوها، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار، فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت، أحد بنى قينقاع، وكان عظيما من عظماء اليهود، وكهفا للمنافقين، مات في ذلك اليوم] [ (1) ] . [وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما- فيما يظهر- فقال: يا رسول اللَّه، جئتك مسلما، وجئتك أطلب دية أخى، قتل خطأ، فأمر له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بدية أخيه هشام بن صبابة، فأقام عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدا] [ (1) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 [وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أصاب منهم سبيا كثيرا، فشا قسمه بين المسلمين، وكان فيمن أصيب من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار زوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . [وقد أقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من سفره ذلك، حتى إذا كان قريبا من المدينة، وكانت معه عائشة في سفره ذلك، قال فيها أهل الإفك ما قالوا] [ (1) ] .   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 252 وما بعدها مختصرا، وحديث الإفك معروف أمسكنا عن ذكره لطوله واشتهاده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 [غزوة الخندق] ثم كانت غزاة الخندق، ظاهر المدينة، في ذي القعدة سنة خمس، وقيل: كانت في شوال، وقيل: بل كانت في سنة أربع، فأقام فيها خمسة عشر يوما، وقيل: عشرين يوما، وقيل: نحو شهر، ولم يتجاوز أرض المدينة، [وهي آخر غزاة غزاها أهل الكفر إليه صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [لم يكن حفر الخندق من عادة العرب، ولكنه من مكايد الفرس وحربها، ولذلك أشار به سلمان الفارسي رضى اللَّه عنه] [ (2) ] . [كان من حديث الخندق: أن نفرا من اليهود حزّبوا الأحزاب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، خرجوا حتى قدموا على قريش مكة، فدعوهم إلى حرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله] [ (2) ] . [فلما سمع بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما أجمعوا له من الأمر، ضرب الخندق على المدينة، فعمل فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ترغيبا للمسلمين في الأجر، وعمل معه المسلمون فدأب فيه ودأبوا، وأبطأ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين، وظهر أثناء حفر الخندق كثير من المعجزات ودلائل النبوة، سبق ذكرها في أبواب معجزات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] . ولما فرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الخندق، أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة، بين الجرف وزغابة [أسماء مواضع] في عشرة آلاف من   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 170- 192 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 أحابيشهم، ومن تبعهم من بنى كنانة، وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد، حتى نزلوا بذنب نقمى، إلى جانب أحد، وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع [جبل بالمدينة] في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء فجعلوا في الآكام، [الحصون] .] [ (1) ] . [وعظم عند ذلك البلاء، واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، حتى ظن المؤمنون كل الظن، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير، أخو بنى عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط] [ (1) ] . [قال ابن هشام: وأخبرنى من أثق به من أهل العلم أن معتب بن قشير لم يكن من المنافقين، واحتج بأنه كانت من أهل بدر] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: وحتى قال أوس بن قيظى أحد بنى حارثة بن الحارث: يا رسول اللَّه، إن بيوتنا عورة من العدو، وذلك عن ملأ من رجال قومه، فأذن لنا أن نخرج فنرجع إلى دارنا، فإنّها خارج من المدينة، فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأقام عليه المشركون بضعا وعشرين ليلة، قريبا من شهر، لم تكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: وكانت عائشة أم المؤمنين في حصن بنى حارثة يوم الخندق، وكان من أحرز حصون المدينة. قال: وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن، فقالت عائشة وذلك قبل أن يضرب عليها الحجاب: فمرّ سعد وعليه درع له مقصلة [قصيرة قد ارتفعت عن حدها] ، قد خرجت منها ذراعه كلها، وفي يده حربته يرفل بها ويقول:] [ (1) ] .   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 170- 192 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 [لبّث قليلا يشهد الهيجا جمل ... لا بأس بالموت إذا حان الأجل] [ (1) ] [فقالت له أمه: ألحق أي بنى، فإنك واللَّه أخّرت!] [ (1) ] [قالت عائشة: فقلت لها يا أم سعد، واللَّه لوددت أنّ درع سعد كانت أسبغ مما هي؟ قال: وخفت عليه حيث أصاب السهم منه، فرمى سعد بن معاذ بسهم، فقطع منه الأكحل [عرق في وسط الذراع] ، رماه كما حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة: حبان بن قيس بن العرقة، أحد بنى عامر بن لؤيّ، فلما أصابه قال: خذها منى وأنا ابن العرقة، فقال له سعد: عرّق اللَّه وجهك في النار، اللَّهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقنى لها، فإنه لا قوم أحب إليّ أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه. اللَّهمّ إن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة، ولا تمتنى حتى يقرّ عيني من بنى قريظة.] [ (1) ] [فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس، وكان من صنع اللَّه لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورءوس غطفان إلى بنى قريظة: عكرمة بن أبى جهل في نفر من قريش وغطفان، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر [الإبل والخيل] ، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا، ونفرغ ما بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت، وهو يوم لا نفعل فيه شيئا، وقد كان أحدث بعضنا حدثا، فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا، ثقة لنا نناجز محمدا، فإنا نخشى إن ضرّتكم الحرب [نالت منكم] ، واشتد عليكم القتال أن تنشمروا [ترجعوا] إلى بلادكم، وتتركونا، والرجل في بلادنا، ولا طاقة لنا بذلك منه.] [ (1) ]   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 170- 192 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 [فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: واللَّه إن الّذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق، فأرسلوا إلى بنى قريظة: إنا واللَّه لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا] [ (1) ] . [فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا: إن الذين ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، خلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم، فأرسلوا إلى قريش وغطفان إنا واللَّه لا نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا، فأبوا عليهم، وخذّل اللَّه بينهم] [ (1) ] . [وبعث اللَّه عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح أبنيتهم، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم واللَّه ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأحلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الّذي نكره ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإنّي مرتحل] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: ولما أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة، والمسلمين، ووضعوا السلاح [ (1) ]] .   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 170- 192 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 [غزوة بنى قريظة] وخرج [صلّى اللَّه عليه وسلّم] إلى غزاة بنى قريظة من اليهود، يوم الأربعاء لسبع خلون من ذي الحجة، سنة خمس، فحصرهم خمسا وعشرين ليلة، وقيل: خمسة عشر يوما، وقيل: شهرا، حتى نزلوا، فقتل المقاتلة، وسبى النساء والذّرية، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: فلما كانت الظهيرة أتى جبريل عليه السلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما حدثني الزرى، معتجرا [الاعتجار التعمم على الرأس فقط دون جوانب الوجه أو اللحية] بعمامة من إستبرق [ديباج غليظ حسن] على بغلة عليها رحالة [سرج] عليها قطيفة من ديباج، فقال: أوقد وضعت السلاح يا رسول اللَّه؟ قال: نعم، فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن اللَّه عزّ وجلّ يأمرك يا محمد بالمسير إلى بنى قريظة، فإنّي عامد إليهم فمزلزل بهم] [ (2) ] . [فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مؤذنا، فأذن في الناس: من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة، وقدّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليّ بن أبى طالب برايته إلى بنى قريظة، وابتدرها الناس، فسار عليّ بن أبى طالب حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرجع حتى لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالطريق، فقال: يا رسول اللَّه، لا عليك أن تدنو من هؤلاء الأخابث، قال: لم؟ أظنك سمعت منهم لي أذى؟ قال: نعم يا رسول اللَّه، قال: لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا، فلما دنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 192- 212 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 حصونهم قال: يا إخوان القردة، هل أخزاكم اللَّه وأنزل بكم نقمته؟ قالوا: يا أبا القاسم. ما كنت جهولا] [ (1) ] . [ومرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنفر من أصحابه قبل أن يصل إلى بنى قريظة، قال: هل مرّ بكم أحد؟ قالوا: يا رسول اللَّه قد مرّ بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة، عليها قطيفة دباج، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ذلك جبريل بعث إلى بنى قريظة يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم، وحاصرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسا وعشرين ليلة، حتى جهدهم الحصار، وقذف اللَّه في قلوبهم الرعب] [ (1) ] . [قال ابن هشام: حدثني بعض من أثق به من أهل العلم: أن على بن أبى طالب صاح وهم محاصرو بنى قريظة: يا كتيبة الإيمان، وتقدم هو والزبير بن العوام، وقال: واللَّه لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم، فقالوا: يا محمد، ننزل على حكم سعد بن معاذ، ثم استنزلوا فحبسهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة في دار بنت الحارث، - امرأة من بنى النجار- ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى سوق المدينة، التي هي سوقها اليوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، ثم يخرج بهم أرسالا [طائفة بعد أخرى] وفيهم عدو اللَّه حيىّ بن أخطب، وكعب بن أسد رأس القوم، وهم ستمائة أو سبعمائة، والمكثر لهم يقول: كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة، وأتى بحييّ بن أخطب مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما نظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أما واللَّه ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل اللَّه يخذل، ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر اللَّه، كتاب وقدر، ملحمة كتبها اللَّه على بنى إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه، قال ابن إسحاق:] [ (1) ] .   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 912- 212 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 377 [ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قسم أموال بنى قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأخرج منها الخمس، فعلى سنتها وما مضى من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها وقعت المقاسم، ومضت السنة في المغازي] [ (1) ] . [ثم بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سعد بن زيد الأنصاري بسبي من سبايا بنى قريظة إلى نجد، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: فلما انقضى شأن بنى قريظة، انفجر بسعد بن معاذ جرحه، فمات منه شهيدا [ (1) ] .]   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 192- 212 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 [غزوة بنى لحيان] ثم خرج [صلّى اللَّه عليه وسلّم] إلى غزوة بنى لحيان من هذيل، لهلال ربيع الأول سنة ست، فنزل عسفان وعاد بعد أربع عشرة ليلة، وقيل: كانت في [جمادى] بعد بنى قريظة، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [قال ابن هشام: ثم أقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع، وخرج في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة، إلى بنى لحيان يطلب بأصحاب الرجيع: خبيب بن عدي وأصحابه، وأظهر أنه يريد الشام، ليصيب من العدو غرّة] [ (2) ] . [قال ابن إسحاق: فسلك على غراب، - جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام-، ثم على محيص، ثم على البتراء، ثم صفّق [عدل] ذات اليسار، فخرج على بين، ثم على صخيرات اليمام، ثم استقام به الطريق على المحجّة من طريق مكة، إلى بلد يقال له: ساية، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال، فلما نزلها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخطأه من غرتهم ما أراد، قال: لو أنّا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنّا قد جئنا مكة، فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغ كراع الغميم، ثم كرّ وراح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قافلا] [ (2) ] . [فكان جابر بن عبد اللَّه يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول حين وجه راجعا: آئبون تائبون إن شاء اللَّه لربنا حامدون، أعوذ باللَّه من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال] [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] المرجع السابق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 [غزوة الغابة] ثم خرج [صلّى اللَّه عليه وسلّم] إلى الغابة، في طلب عيينة بن حصن الفزاري، لما أغار على لقاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، في يوم الأربعاء لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة ست، ورجع ليلة الإثنين، وقيل: بل خرج إلى غزاة المريسيع في شعبان، بعد غزوة الغابة هذه، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [وتعرف بذي قرد- بفتح القاف وبالدال المهملة- وهو ماء على بريد من المدينة، في ربيع الأول سنة ست، قبل الحديبيّة] [ (2) ] . [وعند البخاري أنها كانت قبل خيبر بثلاثة أيام، وفي مسلم نحوه. قال مغلطاى: وفي ذلك نظرا لإجماع أهل السير على خلافهما. قال القرطبي- شارح مسلم- لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبيّة. وقال الحافظ ابن حجر: ما في الصحيح من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح مما ذكر أهل السير] [ (2) ] . [وسببها أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشرون لقحة- وهي ذوات اللبن، القريبة العهد بالولادة- ترعى بالغابة، وكان أبو ذرّ فيها، فأغار عليهم عيينة بن حصن الفزاري ليلة الأربعاء، في أربعين فارسا فاستاقوها، وقتلوا ابن أبى ذرّ] [ (2) ] . [ونودي: يا خيل اللَّه اركبي، وكان أول ما نودي بها، وركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في خمسمائة، وقيل: سبعمائة وخلف سعد بن عبادة في ثلاثمائة   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 474- 476. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 يحرسون المدينة] [ (1) ] . [وكان قد عقد للمقداد بن عمرو لواء في رمحه وقال له: امض حتى تلحقك هذه الخيول، وأنا على أثرك، فأدرك أخريات العدو، وأدرك سلمة ابن الأكوع القوم وهو على رجليه، فجعل يرميهم بالنبل وهو يقول:] [ (1) ] [خذها وأنا بن الأكوع ... واليوم يوم الرّضع] [ (1) ] [يعنى هلاك اللئام، من قولهم: لئيم راضع، أي راضع اللؤم في بطن أمه، وقيل: معناه: اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها، ويعرف غيره] [ (1) ] . [وذهب الصريخ إلى بنى عمرو بن عوف، فجاءت الأمداد، فلم تزل الخيل تأتى والرجل على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذي قرد، فاستنفذوا عشر لقاح، وأفلت القوم بما بقي وهي عشر] [ (1) ] . [وصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذي قرد صلاة الخوف، وأقام يوما وليلة ورجع. وقد غاب خمس ليال، وقسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها] [ (1) ] .   [ (1) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 474- 476، مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 [غزوة خيبر] ثم خرج [صلّى اللَّه عليه وسلّم] إلى غزوة خيبر في صفر سنة سبع، وقيل: كانت في سنة ست، فحاصر اليهود حتى غنّمه اللَّه ديارهم، وأموالهم، ومضى منها إلى وادي القرى، فقابل يهود، وأخذها عنوة، وانصرف بعد ما أقام بوادي القرى أربعة أيام، فقدم المدينة، [واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ] [ (1) ] . [أخرج البخاري من حديث أبى هريرة قال: شهدنا خيبر فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لرجل ممن معه يدّعى الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة، فكاد بعض الناس يرتاب، فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته، فاستخرج منها سهما فنحر نفسه، فاشتدّ رجال من المسلمين فقالوا: يا رسول اللَّه، صدّق اللَّه حديثك، انتحر فلان فقتل نفسه، فقال: قم يا فلان فأذّن لا يدخل الجنة إلا مؤمن، إن اللَّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر] [ (2) ] . [وقاتل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل خيبر، وقاتلوه أشدّ القتال، واستشهد من المسلمين خمسة عشر، وقتل من اليهود ثلاثة وتسعون، وفتحها اللَّه حصنا حصنا، وهي: النطاة، وحصن الصعب، وحصن ناعم، وحصن قلعة الزبير، والشق، وحصن أبىّ، وحصن البريء، والقموص، والوطيح،   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] رواه البخاري برقم (4203) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 والسلام، وهو حصن بنى أبى الحقيق] [ (1) ] . [وأخذ كنز آل بنى الحقيق الّذي كان في مسك [جلد] الحمار، وكانوا غيبوه في خربة، فدل اللَّه رسوله عليه فاستخرجه] [ (1) ] .   [ (1) ] (المواهب اللدنية) : 4/ 517- 524 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 [غزوة الفتح] ثم كانت غزاة الفتح، خرج إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المدينة، يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان سنة ثمان من الهجرة، ونزل الحجون يوم الجمعة، لعشر بقين منه، وقيل: لثلاث عشرة مضت منه، وكان يأتى المسجد من الحجون لكل صلاة، وقد فتح اللَّه عليه مكة عنوة، وقيل: صلحا، وقيل: بعضها عنوة، وبعضها صلحا، [واستخلف ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكتائب الإسلام وجنود الرحمن لنقض قريش العهد الّذي وقع بالحديبية، فإنه كان قد وقع الشرط: أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعهده فعل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فعل. فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم، ودخلت خزاعة في عقد رسول اللَّه وعهده] [ (2) ] . [ثم خرج عليه السلام فأمر عائشة أن تجهزه ولا تعلم أحدا. قالت: فدخل عليها أبو بكر فقال: يا بنية، ما هذا الجهاز؟ فقال: واللَّه ما أدرى، فقال: واللَّه ما هذا زمان غزو بنى الأصفر، فأين يريد رسول اللَّه؟ قالت: واللَّه لا علم لي] [ (2) ] . [وقدم أبو سفيان بن حرب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة يسأله أن يجدد العهد ويزيد في المدة، فأبى عليه فانصرف إلى مكة، فتجهز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 560- 580 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 من غير إعلام أحد بذلك. فكتب حاطب كتابا وأرسله إلى مكة يخبر بذلك، فأطلع اللَّه نبيه على ذلك، فقال عمر رضى اللَّه عنه: دعني يا رسول اللَّه أضرب عنق هذا المنافق مع تصديق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحاطب فيما اعتذر به، لما كان من عند عمر من القوة في الدين، وبغض المنافقين، فظن أن من خالف ما أمر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم استحق القتل، لكنه لم يجزم بذلك، فلذلك استأذن في قتله، وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما أظهر، وعذر حاطب ما ذكره، فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه] [ (1) ] . [وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى من حوله من العرب فجلبهم: أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وأشجع، وسليم، فمنهم من وافاه بالمدينة، ومنهم من لحقه بالطريق، فكان المسلمون في غزوة الفتح ما بين العشرة آلاف والاثني عشر ألفا على خلاف بين أهل السير] [ (1) ] . [وخرج يوم الأربعاء لعشر ليال خلون من رمضان، بعد العصر، سنة ثمان، قال الواقدي: وعند أحمد بإسناد صحيح عن أبى سعيد قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان، ثم سار صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما كان بقديد عقد الألوية والرايات، ودفعها إلى القبائل. ثم نزل مرّ الظهران عشاء، فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار، ولم يبلغ قريشا مسيره، وهم مغتمون لما يخافون من غزوهم إياهم، فبعثوا أبا سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء حتى أتوا مر الظهران، فلما رأوا العسكر أفزعهم] [ (1) ] . [فرآهم ناس من حرس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأدركوهم، فأخذوهم، فأتوا بهم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأسلم أبو سفيان، فلما سار قال للعباس: احبس أبا   [ (1) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 560- 180 باختصار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين، فحبسه العباس، فجعلت القبائل تمر مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كتيبة كتيبة على أبى سفيان] [ (1) ] . [قال الخطّابى: تمنى أبو سفيان أن تكون له يد فيحمى قومه ويدفع عنهم، وقيل هذا يوم الغضب للحريم والأهل، والانتصار لهم لمن قدر عليه، وقيل: هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتى من أن ينالني مكروه] [ (1) ] . [وقال ابن إسحاق: زعم بعض أهل العلم أن سعدا قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، فسمعها رجل من المهاجرين فقال: يا رسول اللَّه! ما آمن أن يكون لسعد في قريش صولة، فقال لعلىّ: أدركه فخذ الراية منه فكن أنت تدخل بها] [ (1) ] . [وقد روى أن أبا سفيان قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لما حاذاه: أمرت بقتل قومك؟ قال: لا، فذكر له ما قال سعد بن عبادة، ثم ناشده اللَّه والرحم، فقال: يا أبا سفيان: اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز اللَّه قريشا، وأرسل إلى سعد فأخذ الراية منه، فدفعها إلى ابنه قيس] [ (1) ] . [وفي يوم فتح مكة اغتسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت أم هانئ ثم صلّى الضحى ثماني ركعات، قالت: لم أره صلّى صلاة أخفّ منها، غير أنه يتم الركوع والسجود] [ (1) ] . [ولما كان الغد من يوم الفتح، قام صلّى اللَّه عليه وسلّم خطيبا في الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه، ومجده بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس، إن اللَّه حرّم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يسفك بها دما، أو يعضد بها شجرة، فإن أحد   [ (1) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 560- 580 باختصار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 ترخص فيها لقتال رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم فقولوا: إن اللَّه أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أحلت ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب] [ (1) ] . [ثم قال: يا معشر قريش، ما ترون أنى فاعل فيكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء] [ (1) ] .   [ (1) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 560- 580 باختصار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 [غزوة حنين] ثم سار إلى غزاة حنين، وقد اجتمع بها هوازن وثقيف، فأوقع بهم، وغنم ما بأيديهم، في يوم [الثلاثاء] ، لعشر خلون من شوال، ثم نزل على الطائف ثمانية عشر يوما، وقيل: تسعة عشر يوما، وقيل: خمسة عشر يوما، وقيل: أربعين يوما، ثم رحل عن ثقيف، وعاد إلى الجعرانة، وقسّم غنائم هوازن، وأقام بها ثلاثة عشر يوما، وخرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة، ودخل مكة محرما بعمرة، وخرج منها يوم الخميس، فسلك على سرف إلى مرّ الظهران، وقد يوم الجمعة، لثلاث بقيت من ذي القعدة، [واستخلف يومئذ ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [حنين- بالتصغير- واد قرب ذي المجاز، وقيل: ماء بينه وبين مكة ثلاث ليال قرب الطائف، وتسمى غزوة هوازن] [ (2) ] . [لما فرغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من فتح مكة وتمهيدها، وأسلم عامة أهلها، مشت أشراف هوازن وثقيف بعضهم إلى بعض، وحشدوا وقصدوا محاربة المسلمين، وكان رئيسهم مالك بن عوف النصري] [ (2) ] . [فخرج إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة يوم السبت لست ليال خلون من شوال، في اثنى عشر ألفا من المسلمين، عشرة آلاف من أهل المدينة، وألفان ممن أسلم من أهل مكة، وهم الطلقاء، يعنى الذين خلى عنهم يوم فتح مكة وأطلقهم، فلم يسترقهم، واحدهم طليق- فعيل بمعنى مفعول- وهو الأسير إذا أطلق سبيله] [ (2) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة. [ (2) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 596- 605 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 [وخرج معه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثمانون من المشركين، منهم صفوان بن أمية، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم استعار منه مائة درع بأداتها، فوصل إلى حنين ليلة الثلاثاء لعشر خلون من شوال، فبعث مالك بن عوف ثلاثة نفر يأتونه بخبر أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم من الرعب، ووجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن أبى حدرد الأسلمي، فدخل عسكرهم، فطاف به، وجاء بخبرهم] [ (1) ] . [وقال رجل يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلة، فشقّ ذلك على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم ركب بغلته البيضاء [دلدل] ، ولبس درعين والمغفر والبيضة، فاستقبلهم من هوازن ما لم يروا مثله قط من السواد والكثرة، وذلك في غبش الصبح، وخرجت الكتائب من مضيق الوادي، فحملوا حملة واحدة فانكشفت خيل بنى سليم مولية، وتبعهم أهل مكة والناس] [ (1) ] . [ولم يثبت معه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ إلا العباس بن عبد المطلب، وعلى بن أبى طالب، والفضل بن العباس، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأبو بكر، وعمر، وأسامة بن زيد، في أناس من أهل بيته وأصحابه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . [قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلته أكفها مخافة أن تصل إلى العدو، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يتقدم في نحر العدو، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بركابه، وجعل عليه السلام يقول للعباس: ناديا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة [يعنى شجرة بيعة الرضوان] التي بايعوه تحتها أن لا يفروا عنه] [ (1) ] . [فجعل ينادى تارة: يا أصحاب السمرة، وتارة: يا أصحاب سورة البقرة- وكان العباس رجلا صيتا- فلما سمع المسلمون نداء العباس، أقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت على أولادها] [ (1) ] .   [ (1) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 596- 605 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 [فأمرهم صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يصدقوا الحملة، فاقتتلوا مع الكفار، فأشرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فنظر إلى قتالهم فقال: الآن حمى الوطيس، وهو التنور يخبز فيه، يضرب مثلا لشدة الحرب الّذي يشبه حرها حرّه، وهذه من فصيح الكلام الّذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتناول صلّى اللَّه عليه وسلّم حصيات من الأرض ثم قال: شاهت الوجوه - أي قبحت- ورمى بها في أوجه المشركين، فما خلق اللَّه تعالى منهم إنسانا إلا ملأ عينيه من تلك القبضة] [ (1) ] . [وفي البخاري [4316، 4317] عن البراء وسأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم حنين؟ فقال ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يفر، كانت هوازن رماة، ولما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلتنا بالسهام، ولقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها، وهو يقول: أنا النبي لا كذب، أبا ابن عبد المطلب] [ (1) ] . [وهذا فيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب، فكأنه قال: أنا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم، بل أنا متيقن أن الّذي وعدني اللَّه به من النصر حق، فلا يجوز عليّ الفرار] [ (1) ] . [وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بطلب العدوّ، فانتهى بعضهم إلى الطائف، وبعضهم نحو نخلة، وقوم منهم إلى أوطاس، واستشهد من المسلمين أربعة، وقتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلا] [ (1) ] .   [ (1) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 596- 605 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 [غزوة تبوك] ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة تبوك، في رجب سنة تسع، فأقام بها عشرين ليلة وعاد ولم يلق كيدا، وهي آخر غزوة خرج إليها بنفسه [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم، [واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة، وقيل: على بن أبى طالب، وقيل: سباع بن عرفطة] [ (2) ] . وقاتل صلّى اللَّه عليه وسلّم مع هذه في تسع، وهي: بدر المعظمة، وأحد، والخندق، وقريظة، والمصطلق، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وقيل أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاتل في وادي القرى والغابة، ولم يكن في سائرها قتال أصلا. [تبوك: مكان معروف، وهي نصف طريق المدينة إلى دمشق وهي غزوة العسرة، وتعرف بالفاضحة لافتضاح المنافقين فيها] [ (2) ] . [كانت يوم الخميس في رجب سنة تسع من الهجرة بلا خلاف، وكان حرا شديدا، وجدبا كثيرا، فلذلك لم يور عنها كعادته صلّى اللَّه عليه وسلّم في سائر الغزوات] [ (2) ] . [وفي (تفسير عبد الرزاق) ، عن معمر عن ابن عقيل قال: خرجوا في قلة من الظهر وفي حرّ شديد، حيث كانوا ينحرون البعير فيشربون ما في كرشه من الماء، فكان ذلك عسرة في الماء، وفي الظهر، وفي النفقة، فسميت غزوة العسرة] [ (2) ] .   [ (1) ] المرجع السابق) : 629. [ (2) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 625- 638 مختصرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391 [وسببها أنه بلغه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة، أن الروم تجمعت بالشام مع هرقل، فندب صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس إلى الخروج، وأعلمهم بالمكان الّذي يريد، ليتأهّبوا لذلك] . [وروى عن قتادة أنه قال: حمل عثمان في جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا] . [وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان بن عفان بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة، فنثرها في حجره صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقلبها في حجره وهو يقول: ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم] . [ولما تأهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للخروج، قال قوم من المنافقين لا تنفروا في الحر، فنزل قوله تعالى: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ] [ (1) ] . [وأرسل صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة وقبائل العرب يتنفرهم، وجاء البكاءون يستحملونه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أجد ما أحملكم عليه، وهم الذين قال اللَّه فيهم تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ] [ (2) ] . وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم في التخلف، فأذن لهم، وهم اثنان وثمانون رجلا، وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر وإظهار علة، جرأة على اللَّه ورسوله، وهو قوله تعالى: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ] [ (3) ] . وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب، منهم: كعب بن   [ (1) ] [التوبة: 81] . [ (2) ] [التوبة: 91] . [ (3) ] [التوبة: 90] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وفيهم نزل: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا] [ (1) ] . [ولما رأى أبا ذر الغفاريّ- وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم نزل في بعض الطريق- فقال: يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فكان كذلك] [ (1) ] . [ولما انتهى صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى تبوك أتاه صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء، وأذرح [بلدين بالشام بينهما ثلاثة أميال] فأعطوه الجزية وكتب لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا] [ (1) ] . [وفي هذه الغزوة كتب صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، فقارب الإجابة ولم تجب] [ (1) ] . [وفي (مسند أحمد) أن هرقل كتب من تبوك إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنى مسلم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذب، وهو على نصرانيته] [ (1) ] . [وفي كتاب (الأموال) لأبى عبيد بسند صحيح من مرسل بكر بن عبد اللَّه نحوه، ولفظه: فقال: كذب عدوّ اللَّه، ليس بمسلم] [ (1) ] . [ثم انصرف صلّى اللَّه عليه وسلّم من تبوك، بعد أن أقام بها بضع عشر ليلة وأقبل حتى نزل بدى أوان [بينها وبين المدينة ساعة] جاءه خبر مسجد الضرار من السماء، فدعا مالك بن الدخشم، ومعن بن عدي العجلاني فقال: فخرجا فحرّقاه وهدماه، وذلك بعد أن أنزل اللَّه فيه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً] [ (2) ] . [ولما دنا من المدينة خرج الناس لتلقيه، وخرج الناس والصبيان والولائد يقلن:] [ (1) ] .   [ (1) ] (المواهب اللدنية) : 1/ 625- 638 مختصرا. [ (2) ] التوبة: 107. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا للَّه داع [وقد وهم بعض الرواة وقال: إنما كان هذا عند مقدمه المدينة وهو وهم ظاهر، لأن ثنيات الوداع [ (1) ] إنما هي من ناحية الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يراها إلا إذا توجه إلى الشام] [وفي البخاري [ (2) ] : «لما رجع صلّى اللَّه عليه وسلّم من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال: إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم. قالوا: يا رسول اللَّه، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر] . [وهذا يؤيد معنى ما ورد: «نية المؤمن خير من عمله» [ (3) ] ، والمسابقة إلى اللَّه تعالى وإلى الدرجات العلا بالنيات والهمم، لا بمجرد الأعمال] . [وجاء من كان تخلف عنه- فحلفوا له فعذرهم، واستغفر لهم، وأرجأ أمر كعب وصاحبيه، حتى نزلت توبتهم في قوله تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ   [ (1) ] ثنية الوداع: بفتح الواو، وهو اسم من التوديع عند الرحيل: وهي ثنية مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة، واختلف في تسميتها بذلك، فقيل: لأنها موضع وداع المسافرين من المدينة إلى مكة، وقيل: لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودع بها بعض من خلفه بالمدينة في آخر خرجاته، وقيل: في بعض سراياه المبعوثة عنه، وقيل: الوداع اسم واد بالمدينة، والصحيح أنه اسم جاهلي قديم، سمي لتوديع المسافرين (معجم البلدان) : 2/ 100، موضع رقم (2846) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 159، كتاب المغازي- باب (82) بدون ترجمة، حديث رقم (4423) . [ (3) ] قال ابن دحية: لا يصح، وقال البيهقي: إسناده ضعيف، ورواه العسكري في (الأمثال) عن أنس به مرفوعا وسنده ضعيف، وله طريق ضعيف عن النواس بن سمعان، كما ذكره الزركشي. وإنما كانت نية المؤمن خير من عمله، لأنها بانفرادها تصير عبادة يترتب عليها الثواب، بخلاف أعمال الجوارح، فإنّها إنما تكون عبادة إذا صاحبت النية لخبر: «من هم بحسنة فلم يعملها كتبها اللَّه عنده حسنه كاملة» ولأن مكانها مكان المعرفة، أعني قلب المؤمن. (الموضوعات لابن الجوزي) : 3/ 375- 376 حديث رقم (568) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [ (1) ] . [وعند البيهقي في (الدلائل) : من حديث ابن عباس في قوله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [ (2) ] . قال: كانوا عشرة رهط تخلفوا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة تبوك، فلما رجع أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا رجع من المسجد عليهم، فلما رآهم قال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم بالسوارى؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له، تخلفوا عنك يا رسول اللَّه، حتى يطلقهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويعذرهم] قال: وأنا أقسم باللَّه لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون اللَّه تعالى هو الّذي يطلقهم: رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين!! فلما أن بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون اللَّه تعالى هو الّذي يطلقنا، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (3) ] فلما نزلت، أرسل إليهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأطلقهم وعذرهم، فجاءوا بأموالهم، فقالوا: يا رسول اللَّه! هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا، قال: ما أمرت أن آخذ أموالكم، فأنزل اللَّه تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ يقول: استغفر لهم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ (4) ] . وبمعناه رواه عطية بن سعد عن ابن عباس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما-[ (5) ] .   [ (1) ] التوبة: 117- 118. [ (2) ] التوبة: 102. [ (3) ] التوبة: 102. [ (4) ] التوبة: 103. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 272، حديث أبى لبابة وأصحابه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 [ المجلد التاسع ] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم فصل في ذكر عمرات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم التي اعتمرها بعد هجرته قال [الزّجّاج] : معنى العمرة في العمل: الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فقط، والعمرة للإنسان في جميع السنة، والحج وقته وقت واحد من السنة، ومعنى اعتمر في قصد البيت، أنه إنما خصّ بهذا، لأنه قصد بعمل في موضع عامر، وقال كراع: الاعتمار: العمرة، سمّاها بالمصدر. قاله ابن سيده في (المحكم) [ (1) ] .   [ (1) ] قال في (اللسان) : والعمرة: طاعة اللَّه عزّ وجل، والعمرة في الحج: معروفة، وقد اعتمر، وأصله من الزيارة، والجمع العمر. وقوله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، قال الزّجّاج: معنى العمرة في العمل: الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فقط، والفرق بين الحج والعمرة أن العمرة تكون للإنسان في السنة كلها، والحج في وقت واحد في السنة. قال: ولا يجوز أن يحرم به إلا في أشهر الحج: شوال، وذي القعدة، وعشر من ذي الحجة، وتمام العمرة أن يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، والحج لا يكون إلا مع الوقوف بعرفة يوم عرفة. والعمرة مأخوذة من الاعتمار، وهو الزيارة ومعنى اعتمر قصد البيت، إنه إنما خص بهذا لأنه قصد بعمل في موضع عامر، ولذلك قيل للمحرم بالعمرة: معتمر. وفي الحديث ذكر العمرة والاعتمار في غير موضع، وهو الزيارة والقصد، وهو في الشرع: زيارة البيت الحرام بالشروط المخصوصة المعروفة. وفي حديث الأسود قال: خرجنا عمارا فلما انصرفنا مررنا بأبي ذر فقال: أحلقتم الشعث وقضيتم التفث عمارا؟ أي معتمرين. وقال الزمخشريّ: ولم يجئ فيما أعلم عمر بمعنى اعتمر، ولكن عمر اللَّه إذا عبده، وعمر فلان ركعتين إذا صلاهما، وهو يعمر ربه أي يصلى ويصوم. والعمرة: أن يبنى الرجل بامرأته في أهلها، فإن نقلها فذلك العرس، قاله ابن الأعرابي. (لسان العرب) 4/ 604- 605 مختصرا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3 وقد اتفقوا على أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، اعتمر ثلاث عمر، صدّه المشركون في الأولى عن البيت، فعاد من الحديبيّة ثم اعتمر من قابل، وكانت عمرة القضاء، واعتمر أيضا من الجعرانة، بعد فتح مكة- شرّفها اللَّه-[قال] ابن إسحاق: واعتمر عمرة رابعة مع حجته. خرج الحاكم من حديث داود بن عبد الرحمن قال: سمعت عمرو بن دينار يحدّث عن عكرمة [عن] ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعتمر أربع عمر: عمرة الحديبيّة، وعمرة القضاء من قابل، والثالثة من الجعرانة، والرابعة مع حجّته. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. [ولم يخرجاه] [ (1) ] . وأما عمرة الحديبيّة [ (2) ] فقال ابن إسحاق: ثم أقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة رمضان، وشوّالا- يعنى سنة ست- وخرج من ذي القعدة معتمرا،   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 52، كتاب المغازي والسرايا، حديث رقم (4372) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (2) ] الحديبيّة: بئر سمى المكان بها، وقيل: شجرة حدباء صغرت فسمى المكان بها. قال المحب الطبري: الحديبيّة قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم. ووقع في رواية ابن إسحاق في (المغازي) عن الزهري: «خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم عام الحديبيّة يريد زيارة البيت لا يريد قتالا. ووقع عند ابن سعد: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج يوم الاثنين لهلال ذي القعدة. في بضع عشر مائة، فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره، وأحرم منها بعمرة، وبعث عينا له من خزاعة، يدعى ناجية، يأتيه بخبر قريش، كذا سماه ناجية، والمعروف أن ناجية اسم الّذي بعث معه الهدى، كما صرح بذلك ابن إسحاق وغيره. وأما الّذي بعثه عينا لخبر قريش، فاسمه بسر بن سفيان، كذا سماه ابن إسحاق، وهو بضم الموحدة، وسكون المهملة على الصحيح. وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى كان بغدير الأشطاط [اسم موضع] أتاه عينه قال: إن قريشا جمعوا جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك وصادوك، عن البيت، ومانعوك، فقال: أشيروا علي أيها الناس، أترون أن أميل إلى عيالهم، وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت، فإن يأتونا كان اللَّه عز وجل قد قطع عينا من المشركين، إلا وتركناهم محروبين. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4   [ () ] فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد توجه له، فمن صدنا عنه قاتلناه، قال: امضوا على اسم اللَّه، وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وبلغ المشركين خروجه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأجمعوا رأيهم على صده عن مكة وعسكروا ببلدح [موضع خارج مكة] . وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان بالثنية فقال: من يخرجنا على طريق غير طريقهم التي هم بها؟ فقال رجل من أسلم: أنا يا رسول اللَّه، فسلك بهم طريقا وعرا، فخرجوا منها بعد أن شق عليهم، وأفضوا إلى أرض سهلة، فقال لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم: استغفروا اللَّه ففعلوا. فقال: والّذي نفسي بيده إنها للحطة التي عرضت على بنى إسرائيل فامتنعوا [إشارة إلى قوله تعالى وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ* فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ البقرة: [58- 59] . قال ابن إسحاق عن الزهري في حديثه، فقال: اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض، في طريق تخرجه على ثنية المرار مهبط الحديبيّة. وثنية المرار- بكسر الميم وتخفيف الراء هي طريق في الجبل تشرف على الحديبيّة- وزعم الداوديّ أنها الثنية التي أسفل مكة، وهو وهم. وسمى ابن سعد الّذي سلك بهم: حمزة بن عمرو الأسلمي. وفي رواية أبى الأسود عن عروة: فقال من رجل يأخذ بنا عن يمين المحجة نحو سيف البحر، لعلنا نطوى مسلحة القوم، وذلك من الليل، فنزل رجل من دابته، فذكر القصة. فلما فرغوا من القضية أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالهدى فساقه المسلمون- يعنى إلى جهة الحرم- حتى قام إليه المشركون من قريش فحبسوه، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنحر. فما قام رجل كأنهم توقفوا لاحتمال أن يكون الأمر بذلك للندب، أو لرجاء نزول الوحي بإبطاء الصلح المذكور، أو تخصيصه بالإذن بدخولهم مكة ذلك العام لإتمام نسكهم، وسوغ ذلك لهم لأنه كان في زمان وقوع النسخ. ويحتمل أن يكونوا قد ألهتهم صورة الحال، فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند أنفسهم، من ظهور قوتهم، واقتدارهم في اعتقادهم على بلوغ غرضهم، وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة، أو أخروا الامتثال لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور، ويحتمل مجموع هذه- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 5   [ () ] الأمور جميعها، كما سيأتي في كلام أم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، وليس فيه حجة لمن أثبت أن الأمر للفور، ولا لمن نفاه، ولا لمن قال: إن الأمر للوجوب لا للندب، لما يطرق القصة من الاحتمال. فاشتد ذلك عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخل على أم سلمة فقال: هلك المسلمون! أمرتهم أن يحلقوا فلم يفعلوا، قال: فجلى اللَّه تبارك وتعالى عنهم يومئذ بأم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. قالت أم سلمة رضى اللَّه وتبارك وتعالى عنها: يا نبي اللَّه! أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم، فإنّهم قد دخلوا في أمر عظيم لما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح، ورجوعهم بغير فتح، فأشارت عليه أن يتحلل لينتفى عنهم هذا الاحتمال. وعرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صواب ما أشارت به ففعله، فلما رأى الصحابة ذلك بادروا إلى فعل ما أمرهم به، إذ لم يبق بعد ذلك غاية تنتظر. وفيه فضل المشورة، وأن الفعل إذا انضم إلى القول كان أبلغ من القول المجرد، وليس فيه أن الفعل مطلقا أبلغ من القول، وفيه جواز مشاورة المرأة الفاضلة، وفضل أم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها ووفور عقلها حتى قال إمام الحرمين: لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة، كذا قال: وقد استدرك بعضهم عليه بنت شعيب في أمر موسى عليه السّلام. نحر صلّى اللَّه عليه وسلّم هديه، وكان سبعين بدنة، كان فيها جمل لأبى جهل، في رأسه برة من فضة ليغيظ به المشركين، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم غنمه منه في غزوة بدر، ودعا حالقة خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي، فحلقه. قال ابن إسحاق: فحدثني عبد اللَّه بن أبى نجيح عن مجاهد، عن ابن عباس: حلق رجال يومئذ وقصر آخرون، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يرحم اللَّه المحلقين، قالوا: والمقصرين ... الحديث، وفي آخره قالوا: يا رسول اللَّه! لم ظاهرت للمحلقين دون المقصرين؟ قال: لأنهم لم يشكوا. قال ابن إسحاق: قال الزهري في حديثه: ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قافلا، حتى إذا كان بين مكة والمدينة، ونزلت سورة الفتح- فذكر الحديث في تفسيرها إلى أن قال: - قال الزهري: فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم من فتح الحديبيّة. (فتح الباري) : 5/ 412 كتاب الشروط باب (15) الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابه الشروط حديث رقم (2731، 2732) مع اختصار الشرح. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 6   [ () ] (3) عمرة القضاء، تسمى بعمرة القضية، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاضى فيها قريشا، لا لأنها قضاء عن العمرة التي صدّ عنها، لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها، بل كانت عمرة تامة، ولهذا عدوا عمرات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أربعا. وقال آخرون بل كانت قضاء عن العمرة الأولى، وعدوا عمرة الحديبيّة في العمر لثبوت الأجر فيها. لا لأنها كملت، وهذا الخلاف مبنى على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصد عن البيت، فقال الجمهور: يجب عليه الهدى ولا قضاء عليه. وعند أبى حنيفة عكسه، وعن أحمد رواية: أنه لا يلزمه هدى ولا قضاء، وأخرى: أنه يلزمه القضاء والهدى. فحجة الجمهور: قوله تبارك وتعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196] . وحجة أبى حنيفة: أن العمرة تلزم بالشروع، فإذا أحصر جاز له تأخيرها فإذا زال الحصر أتى بها، ولا يلزم من التحلل بين الإحرامين سقوط القضاء. وحجة من أوجبها: ما وقع للصحابة، فإنّهم نحروا الهدى حيث صدوا واعتمروا من قابل وساقوا الهدى. وحجة من لم يوجبها: أن تحللهم بالحصر لم يتوقف على نحر الهدى بل أمر من معه هدى أن ينحر، ومن ليس معه هدى أن يحلق. قال الحاكم في (الإكليل) : تواترت الأخبار أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما هلّ ذو القعدة- يعنى سنة سبع- أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء لعمرتهم التي صدهم المشركون عنها بالحديبية، وأن لا يتخلف أحد ممن شهد الحديبيّة، فلم يتخلف منهم إلا رجال استشهدوا بخيبر، ورجال ماتوا. وخرج معه من المسلمين ألفان، واستخلف على المدينة أبا رهم الغفاريّ، وساق صلّى اللَّه عليه وسلّم ستين بدنة، وحمل السلاح، وقاد مائة فرس، فلما انتهى إلى ذي الخليفة قدم الخيل أمامه، عليها محمد بن مسلمة، وقدم السلاح، واستعمل عليه بشير بن سعد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وأحرم صلّى اللَّه عليه وسلّم ولبى، والمسلمون يلبون معه، ومضى محمد بن مسلمة في الخيل إلى مر الظهران، فوجد بها نفرا من قريش، فسألوه فقال: هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصبح هذا المنزل غدا إن شاء اللَّه تعالى. فأتوا قريشا فأخبروهم ففزعوا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 7 لا يريد حربا، واستنفر العرب من حوله من أهل البوادي والأعراب ليخرجوا   [ () ] ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمر الظهران وقدم السلاح إلى بطن يأجج [موضع بمكة] حيث ينظر إلى أنصاب الحرم [أي إلى حدوده] ، وخلف عليه أوس بن خولى الأنصاري في مائتي رجل، وخرجت قريش من مكة إلى رءوس الجبال. وقدّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الهدى أمامه، فحبس بذي طوى، وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على راحلته القصواء، والمسلمون متوشحون السيوف محدّقون برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلبّون، فدخل من الثنية التي تطلعه على الحجون، وابن رواحة آخذ بزمام راحلته، ولم يزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلبى حتى استلم الركن بمحجنه مضطبعا بثوبه، وطاف على راحلته والمسلمون يطوفون معه وقد اضطبعوا بثيابهم. ثم طاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الصفا والمروة على راحلته، فلما كان الطواف السابع عند فراغه- وقد وقف الهدى عند المروة- قال: هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر، وحلق هناك وكذلك فعل المسلمون. وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجالا منهم أن يذهبوا إلى أصحابهم ببطن يأجج فيقيموا على السلاح، ويأتى الآخرون فيقضوا نسكهم ففعلوا وأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة ثلاثا: (المواهب اللدنية) : 1/ 540- 546 مختصرا. قال ابن سعد: أخبرنا أحمد بن عبد اللَّه بن يونس، عن داود بن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن مزاحم، عن عبد العزيز بن عبد الملك، عن محرش الكعبي، هكذا قال: اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلا من الجعرانة ثم رجع كبائت، قال: فلذلك خفيت عمرته على كثير من الناس، قال داود: عام الفتح. ثم قال: أخبرنا موسى بن داود، أخبرنا ابن لهيعة عن عياض بن عبد الرحمن، عن محمد بن جعفر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعتمر من الجعرانة، وقال: اعتمر منها سبعون نبيا. (طبقات ابن سعد) : 2/ 171- 172، ذكر عمرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال ابن سعد: أخبرنا الهيثم بن خارجة، أخبرنا يحى بن حمزة عن أبى وهب عن مكحول أنه سئل: كيف حج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن حج معه من أصحابه؟ فقال: حج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن حج معه من أصحابه معهم النساء والولدان، قال مكحول: تمتعوا بالعمرة إلى الحج، فحلوا فأحل لهم ما يحل للحلال من النساء والطيب. (طبقات ابن سعد) : 2/ 176. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 8 معه، وهو يخشى من قريش الّذي صنعوا، أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت، فأبطأ عليه كثير من الأعراب، وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمن معه من المهاجرين والأنصار، ومن لحق به من العرب، وساق معه الهدى، وأحرم بالعمرة، ليأمن الناس من حربه، وليعلم الناس أنه إنما خرج زائرا لهذا البيت، ومعظما له. وخرّج البخاري في كتاب الشروط، من حديث عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر قال: أخبرنى الزهري قال: أخبرنى عروة بن الزبير، عن المسور ابن مخرمة، [ومروان] ، يصدّق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زمن الحديبيّة، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن خالد بن الوليد بالغميم، في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين، فو اللَّه ما شعر بهم خالد، حتى إذا هم بقترة- القترة: غبرة الخيل، ويقال: القتر أيضا- فانطلق يركض نذيرا لقريش. وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حل حل، فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والّذي نفسي بيده، لا يسألوننى خطة يعظمون فيها حرمات اللَّه إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت، قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبيّة على ثمد قليل الماء يتربضه الناس تربضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فو اللَّه ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه. فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة- وكانوا عيبة نصح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أهل تهامة- فقال: إني تركت كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ نزلوا أعداد مياه الحديبيّة، ومعهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لم نجيء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 9 بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر، فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جمّوا، وإن هم أبوا فو الّذي نفسي بيده لأقتلنهم على أمرى هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن اللَّه أمره، فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. قال: فانطلق حتى أتى قريشا قال: إنا جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء. وقال ذوو الرأى منهم: هات ما سمعته يقول، قال: يقول سمعته يقول: كذا وكذا، فحدثهم بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهموننى؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أنى استنفرت أهل عكاظ، فلما بلّحوا عليّ [أي تمنعوا من الإجابة] جئتكم بأهلى وولدى ومن أطاعنى؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آتيه. قالوا: ائته. فأتاه، فجعل يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه نحوا من قوله لبديل. قال عروة عند ذلك: أي محمد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإنّي واللَّه لا أرى وجوها، وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر: امصص ببظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر، قال: أما والّذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكلما تكلم كلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضرب يده بنصل السيف وقال له: أخر يدك عن لحية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قال: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر، ألست أسعى في غدرتك؟ وكان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 10 المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء. ثم إن عروة أخذ يرمق أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعينه. قال: فو اللَّه ما تنخم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم! واللَّه لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، واللَّه إن رأيت مليكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، واللَّه إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له وأنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بنى كنانة دعوني آتيه، فقالوا: ائته، فلما أشرف على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له، فبعثت له، واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان اللَّه ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت. فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آتيه. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا مكرز، وهو رجل فاجر. فجعل يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو. قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد سهل لكم من أمركم. قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاءه سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الكاتب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال سهيل: أما الرحمن فو اللَّه ما أدرى ما هي، ولكن اكتب باسمك اللَّهمّ كما كنت تكتب، فقال المسلمون: واللَّه لا نكتبها إلا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 11 الرَّحِيمِ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اكتب «باسمك اللَّهمّ» . ثم قال: «هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللَّه» ، فقال سهيل: واللَّه لو كنا نعلم أنك رسول اللَّه ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب «محمد بن عبد اللَّه» قال الزهري: وذلك لقوله «لا يسألوننى خطة يعظمون فيها حرمات اللَّه إلا أعطيتهم إياها» ، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به. فقال سهيل: واللَّه لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك في العام المقبل، فكتب فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل- وإن كان على دينك- إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان اللَّه، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلى. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لم نمض الكتاب بعد. قال: فو اللَّه إذا لم أصالحك على شيء أبدا. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأجزه لي، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في اللَّه. قال: فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: ألست نبي اللَّه حقا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: إني رسول اللَّه ولست أعصيه، وهو ناصري. قلت: أوليس كنت تحدثا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى. فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال: قلت: لا. قال فإنك آتيه ومطوف به. قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي اللَّه حقا؟ قال: بلى. قال: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قال فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليس يعصى ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فو اللَّه إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 12 سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال: فو اللَّه ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي اللَّه أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقة فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. ثم جاءه نسوة مؤمنات، فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حتى بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (1) ] فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبى سفيان والأخرى صفوان بن أمية. ثم رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير، رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الّذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير، لأحد الرجلين: واللَّه إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر فقال: أجل واللَّه إنه لجيد، فقد جربت به ثم جربت به ثم جربت. فقال أبو بصير: أرنى انظر إليه فأمكنه منه فضربه حتى برد، وفرّ الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين رآه: لقد رأى هذا ذعرا، فلما انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: قتل واللَّه صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي اللَّه، قد واللَّه أوفى اللَّه ذمتك قد رددتني إليهم، ثم أنجانى اللَّه منهم. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ويل أمه مسعر حرب لو   [ (1) ] الممتحنة: 10 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 13 كان معه أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر. قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فو اللَّه ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها. فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تناشده اللَّه والرحم لما أرسل، فمن أتاه فهو آمن فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم، فأنزل اللَّه تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ حتى بلغ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ [ (1) ] وكانت حميتهم أنهم لا يقروا أنه نبي اللَّه، ولم يقروا ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت [ (2) ] .   [ (1) ] الفتح: 24- 26 [ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 412، 416، كتاب الشروط، باب (15) الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، حديث رقم (2731) ، (2732) ، وفي هذا الحديث فوائد تتعلق بالمناسك، منها: أن ذا الحليفة ميقات أهل المدينة للحاج والمعتمر، وأن تقليد الهدى وسوقه سنة للحاج وللمعتمر فرضا كان أو سنة، وأن الإشعار سنة لامثله، وأن الحلق أفضل من التقصير، وأنه نسك في حق المعتمر محصورا كان أو غير محصور، وأن المحصر ينحر هديه حيث أحصر ولو لم يصل إلى الحرم ويقاتل من صده عن البيت، وأن الأولى في حقه ترك المقاتلة إذا وجد إلى المسالمة طريقا، وغير ذلك مما قد تقدم بسط أكثره في كتاب الحج، وفيه أشياء تتعلق بالجهاد: منها جواز سبى ذراري الكفار إذا انفردوا عن المقاتلة ولو كان قبل القتال، وفيه الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش لطلب غرتهم، وجواز التنكب عن الطريق السهل إلى الطريق الوعر لدفع المفسدة وتحصيل المصلحة، واستحباب تقديم الطلائع والعيون بين يدي الجيش، والأخذ بالحزم في أمر العدو لئلا ينالوا غرة المسلمين، وجواز الخداع في الحرب، والتعريض بذلك من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإن كان من خصائصه أنه منهيّ عن خائنة الأعين. وفي الحديث أيضا فضل الاستشارة لاستخراج وجه الرأى واستطابة قلوب الأتباع، وجواز بعض المسامحة في أمر الدين واحتمال الضيم فيه ما لم يكن قادحا في أصله إذا تعين ذلك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 14 [قال أبو عبد اللَّه: معرة، العر: الجرب، تزيلوا: انمازوا، وحميت القوم منعتهم حماية، وأحميت الحمى: جعلته حمى لا يدخل. وأحميت الرجل إذا أغضبته إحماء.] قال عقيل عن الزهري: قال عروة: فأخبرتنى عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يمتحنهن وبلغنا أنه لما أنزل اللَّه أن يردوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهن، وحكم على المسلمين أن لا يمسكوا بعصم الكوافر، أن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه طلق امرأتين، قريبة بنت أبى أمية، وابنة جرول الخزاعي، فتزوج قريبة معاوية، وتزوج الأخرى أبو جهم. فلما أبى الكفار أن يقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم، أنزل اللَّه: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ [ (1) ] ، والعقب ما أدى المسلمون إلى من هاجرت امرأته من الكفار، فأمر أن يعطى من ذهبت له زوج من المسلمين ما أنفق من صداق نساء الكفار اللاتي هاجرن، وما نعلم أحدا من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها. وبلغنا أن أبا بصير بن أسيد الثقفي قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مؤمنا مهاجرا في المدة، فكتب الأخنس بن شريق [إلى] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسأله أبا   [ () ] للسلامة في المال والسلاح والمآل، سواء كان ذلك في حال ضعف المسلمين أو قوتهم، وأن التابع لا يليق به الاعتراض على المتبوع بمجرد ما يظهر في الحال بل عليه التسليم، لأن المتبوع أعرف بمآل الأمور غالبا بكثرة التجربة ولا سيما مع من هو مؤيد بالوحي. وفيه جواز الاعتماد على خبر الكافر إذا قامت القرينة على صدقه، قال الخطابي مستدلا بأن الخزاعي الّذي بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عينا له ليأتيه بخبر قريش كان حينئذ كافرا: وإنما اختاره لذلك مع كفره ليكون أمكن له في الدخول فيهم، والاختلاط بهم، والاطلاع على أسرارهم، قال: ويستفاد من ذلك قبول قول الطبيب الكافر، قلت: ويحتمل أن يكون الخزاعي المذكور كان قد أسلم حينئذ، فليس ما قاله دليلا على ما ادعاه، واللَّه سبحانه أعلم بالصواب. [ (1) ] الممتحنة: 11 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 15 بصير، فذكر الحديث [ (1) ] . ترجم عليه وعلى ما اتصل به: باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط مع الناس بالقول، فذكر منه طرفا في غزوة الحديبيّة [ (2) ] ، وفرقه في كتاب الشروط. وخرجه باختصار من حديث البراء بن عازب [ (3) ] ، وخرجه مسلم من   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 416، 417، كتاب الشروط، باب (15) ، الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، حديث رقم (2733) . [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 557- 558، وكتاب المغازي، باب (36) غزوة الحديبيّة، وقول اللَّه تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18] ، حديث رقم (4178) ، (4179) ، (4180) ، (4181) ، (4185) . [ (3) ] ولفظه: حدثني فضل بن يعقوب، حدثنا الحسن بن أعين أبو على الحراني، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق قال، أنبأنا البراء بن عازب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنهم كانوا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الحديبيّة ألفا وأربعمائة أو أكثر، فنزلوا على بئر فنزحوها، فأتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتى البئر ثم قعد على شفيرها ثم قال: ائتوني بدلو من مائها، فأتى به، فبصق فدعا، ثم قال: دعوها ساعة، فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا. (فتح الباري) : 7/ 559، 560، كتاب المغازي، باب (36) غزوة الحديبيّة، وقول اللَّه تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، حديث رقم (4151) . ونحوه حديث رقم (4152) من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وذكر معجزة تكثير الماء في الركوة، وقال في آخره: «فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة» . وقد أخرج الإمام أحمد من حديث جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، من طريق نبيح العنزي عنه، وفيه: فجاء رجل بإداوة فيها شيء من ماء ليس يفى الوضوء، ثم انصرف وترك القدح، قال: فتزاحم الناس على القدح، فقال: على رسلكم، فوضع كفه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القدح ثم قال: أسبغوا الوضوء، قال: فلقد رأيت العيون عين الماء تخرج من بين أصابعه صلّى اللَّه عليه وسلّم. (فتح الباري) : 7/ 561. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 16 حديث أنس [ (1) ] ، وحديث البراء مختصرا [ (2) ] ، وفرقه البخاري في مواضع. وأما عمرة القضاء فقال ابن إسحاق: فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة من خيبر، أقام بها شهري ربيع، وجمادين ورجبا، وشعبان، و [شهر] [ (3) ] رمضان، وشوالا ثم خرج في ذي القعدة، في الشهر الّذي صده فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء، مكان عمرته التي صدوه عنها [ (4) ] . قال ابن هشام- ويقال لها: عمرة القصاص [ (5) ] ، لأنهم صدوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذي القعدة، في الشهر الحرام من سنة ست، فاقتص رسول اللَّه   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 380، 381، كتاب الجهاد والسير، باب (34) صلح الحديبيّة، حديث رقم (1784) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (91) ، قال الإمام النووي: وفي هذه الأحاديث جواز مصالحة الكفار إذا كان فيها مصلحة، وهو مجمع عليه عند الحاجة، وأن مدتها لا تزيد على عشر سنين إذا لم يكن الإمام مستظهرا عليهم، وإن كان مستظهرا لم يزد على أربعة أشهر، وفي قول: يجوز دون سنة، وقال الإمام مالك: لا حد لذلك، بل يجوز ذلك قل أم كثر بحسب رأى الإمام، واللَّه تعالى أعلم. [ (3) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) . [ (4) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 17، عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع. [ (5) ] وهذا الاسم أولى بها لقوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ وهذه الآية فيها نزلت، فهذا الاسم أولى بها، وسميت عمرة القضاء لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاضى قريشا عليها، لا لأنه قضى العمرة التي صد عن البيت فيها، فإنّها لم تكن فسدت بصدهم عن البيت، بل كانت عمرة تامة متقبلة، إنهم حين حلقوا رءوسهم بالحل احتملها الريح فألقتها في الحرم، فهي معدودة في عمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي أربع: عمرة الحديبيّة، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، والعمرة التي قرنها مع حجه في حجة الوداع، فهو أصح القولين أنه كان قارنا في تلك الحجة وكانت إحدى عمره عليه السّلام في شوال كذلك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 17 صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخل مكة في الشهر الحرام الّذي صدوه فيه من سنة سبع-: بلغنا عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: فأنزل اللَّه في ذلك: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [ (1) ] .   [ () ] روى عروة عن عائشة وأكثر الروايات أنهن كن كلهن في ذي القعدة إلا التي قرن مع حجه، كذلك روى الزهري وانفرد معمر عن الزهري بأنه عليه السلام كان قارنا، وأن عمراته كن أربعا بعمرة القران. وأما حجاته عليه السلام فقد روى عن الترمذي أنه حج ثلاث حجات ثنتين بمكة، وواحدة بالمدينة، وهي حجة الوداع، ولا ينبغي أن يضاف إليه في الحقيقة إلا حجة الوداع، وإن كان حج مع الناس، إذ كان بمكة، كما روى الترمذي، فلم يكن ذلك الحج على الناس، وكماله، لأنه كان مغلوبا على أمره وكان الحج منقولا عن وقته، كما تقدم في أول الكتاب، فقد ذكر أنهم كانوا ينقلونه على حسب الشهور الشمسية، ويؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوما، وهذا هو الّذي منع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يحج من المدينة، حتى كانت مكة دار إسلام، وقد كان أراد أن يحج مقفله من تبوك، وذلك بإثر الفتح بيسير، ثم ذكر أن بقايا المشركين يحجون، ويطوفون عراة فأخر الحج، حتى نبذ إلى كل ذي عهد عهده، وذلك في السنة التاسعة، ثم حج في السنة العاشرة بعد إمحاء رسوم الشرك، وانحسار سير الجاهلية، ولذلك قال في حجة الوداع: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض» . والعمرة واجبة في قول أكثر العلماء، وهو قول ابن عمر وابن عباس، وقال الشعبي: ليست بواجبة، وذكر عنه أنه كان يقرؤها: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ بالرفع أي برفع لفظ العمرة على جعل وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ كلاما مستأنفا- لا يعطفها على الحج. وقال عطاء: هي واجبة إلا على أهل مكة، ويكره مالك أن يعتمر الرجل في العام مرارا، وهو قول الحسن وابن سيرين، وجمهور العلماء على الإباحة في ذلك، وهو قول على وابن عباس وعائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالوا: يعتمر الرجل في العام ما شاء. [ (1) ] البقرة: 194. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 18 قال موسى بن عقبة: فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ناجح، وضع الأداة كلها: الجحف، والرماح، والمجان، والنبل، ودخلوا بسلاح الراكب: السيوف في القرب. قال ابن إسحاق: فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه، وتحدثت قريش بينها: أن محمدا وأصحابه في عسرة وجهد وشدة، فحدثني من لا أتهم، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: صفوا له عند دار الندوة، لينظروا إليه وإلى أصحابه، فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسجد، اضطبع بردائه [ (1) ] ، واخرج عضده اليمنى، ثم قال: رحم اللَّه امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة، ثم استلم الركن، وخرج يهرول [ (2) ] ويهرول أصحابه معه حتى واراه البيت منهم، واستلم [ (3) ] الركن اليماني، ومشى حتى استلم الركن الأسود ثم يهرول كذلك ثلاثة أشواط، ومشى سائرها، فكان ابن عباس يقول: كان الناس يظنون أنها ليست عليهم، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما صنعها لهذا الحي من قريش، للذي بلغه عنهم، حتى حج حجة الوداع، فلزمها فمضت السنة بها. قال موسى بن عقبة: فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة، أمر أصحابه فقال: اكشفوا عن المناكب، واسعوا في الطواف ليرى المشركون جلدكم وقوتكم، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكايدهم بكل ما استطاع، فانكفأ أهل مكة، الرجال والنساء ينظرون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، وهم يطوفون بالبيت، وعبد اللَّه بن رواحة يرتجز بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، متوشحا بالسيف، وهو يقول: خلوا بنى الكفار عن سبيله ... إني شهدت أنه رسوله حقا وكل الخير في سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله   [ (1) ] اضطبع: أدخل الرداء تحت إبطه الأيمن وغطى به الأيسر. [ (2) ] الهرولة ضرب من السير، فوق المشي ودون الجرى. [ (3) ] في (ابن هشام) : «حتى يستلم» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 19 ويذهل الخليل عن خليله [ (1) ] فقال عمر بن الخطاب: يا ابن رواحة! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عمر، إني أسمع! فأسكت عمر. قال: وتغيب رجال من أشراف المشركين، كراهية ان ينظروا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه غيظا، وحنقا، ونفاسة، وحسدا، خرجوا إلى بوادي مكة. قال ابن إسحاق: فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة، فأتاه حويطب بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل، في نفر من قريش، في اليوم الثالث، وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة، فقالوا له: إنه قد انقضى أجلك، فاخرج عنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما عليكم لو تركتموني، فأعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه؟ قالوا: لا حاجة لنا في طعامك، فاخرج عنا، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة، حتى أتاه بها بسرف [ (2) ] ، فبنى بها هنالك ثم انصرف إلى المدينة.   [ (1) ] هذه الأبيات في (ابن هشام) هكذا: خلوا بنى الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير في رسوله يا رب إني مؤمن بقيله ... أعرف حق اللَّه في قبوله نحن قتلناكم على تأويله ... كما قاتلناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله [ (2) ] مكان قرب التنعيم، وبسرف كانت وفاتها رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، وذلك سنة ثلاث وستين، وقيل سنة ست وستين، صلى عليها ابن عباس ويزيد بن الأصم، وكلاهما ابن أخت لها، ويقال فيها نزلت: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ [الأحزاب: 50] في أحد الأقوال، وذلك أن الخاطب جاءها وهي على بعيرها فقالت البعير وما عليه لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واختلف الناس في تزويجه إياها، أكان محرما أم حلالا، وقد أوضحنا ذلك مفصلا في الحديث عن أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 20 قال ابن هشام [ (1) ] : فأنزل اللَّه عز وجل- فيما حدثني أبو عبيدة: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [ (2) ] .   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 20- 21. [ (2) ] الفتح: 27، والفتح القريب: يعنى خيبر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 21 وأما عمرة الجعرانة [ (1) ] فخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث همام، حدثنا قتادة، أن أنسا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعتمر أربع عمر، كلهن في ذي القعدة، إلا التي كانت في حجته، عمرة من الحديبيّة أو [زمن] الحديبيّة في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة [حيث قسم] غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته. لم يقل البخاري: أو زمن الحديبيّة. ذكره في عمرة الحديبيّة، وذكره في آخر كتاب الجهاد، في باب من قسم الغنيمة في غزوة وسفره، ولفظه: أن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أخبره قال: اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الجعرانة، حيث قسم غنائم حنين. لم يذكر في هذا الباب غير هذا، وكرره.   [ (1) ] الجعرانة: ماء بين مكة والطائف، وهر إلى مكة أقرب، نزلها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما قسم غنائم هوازن مرجعه من غزاة حنين، وأحرم منها صلّى اللَّه عليه وسلّم، وله فيها مسجد، وبها آبار متقاربة، وفي الحديث دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الجعرانة، فجاء إلى المسجد فركع ما شاء اللَّه تعالى، ثم أحرم ثم استوى على راحلته» . (معجم البلدان) 2/ 165، (الروض المعطار) : 176 قال ابن سعد: اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلا من الجعرانة، ثم رجع كبائت، قال: فلذلك خفيت عمرته على كثير من الناس. ثم قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعتمر من الجعرانة، وقال: اعتمر منها سبعون نبيا. (طبقات ابن سعد) 2/ 171- 172. [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 557- 558، كتاب المغازي، باب (36) ، غزوة الحديبيّة، وقول اللَّه تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18] ، حديث رقم (4148) ، (فتح الباري) : 6/ 223، باب 186، من قسم الغنيمة في غزوة وسفره، حديث رقم (3066) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 8/ 484- 485، كتاب الحج، باب (35) بيان عدد عمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وزمانهن، حديث رقم (1253) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 22 وخرج النسائي من حديث ابن جريج قال: حدثني مزاحم بن أبى مزاحم، عن عبد العزيز بن عبد اللَّه، عن [محرش] الكعبي، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج من الجعرانة يعتمر ليلا، فدخل مكة ليلا فقضى عمرته، ثم خرج من تحت ليلته، فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد، خرج من بطن سرف، حتى جامع الطريق- طريق المدينة بسرف [ (1) ]- فلذلك خفيت عمرته على كثير من الناس. وقال الواقدي: انتهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الجعرانة ليلة الخميس، لخمس ليال خلون إلى المدينة، خرج من الجعرانة ليلة الأربعاء [لاثنتي] عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلا، فأحرم من المسجد الأقصى، الّذي بحيز [ (2) ] الوادي بالعدوة القصوى ولم يجز الوادي إلا محرما، فلم يزل يلبى حتى استلم الركن. ويقال لما نظر إلى البيت قطع التلبية، فلما أتى البيت أناخ راحلته على باب بنى شيبة ودخل فطاف ثلاثة أشواط، يرمل من الحجر إلى الحجر، ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة على راحلته، حتى إذا انتهى إلى المروة في الطواف السابع حلق رأسه عند المروة، ثم انصرف إلى الجعرانة من ليلته، فكان كبائت بها، فلما رجع الجعرانة، خرج يوم الخميس فسلك في وادي الجعرانة، وسلك معه الناس، حتى خرج على سرف، ثم أخذ الطريق حتى انتهى إلى مر الظهران [ (3) ] . قال: وقدم المدينة يوم الجمعة لثلاث بقين من ذي القعدة [ (4) ] .   [ (1) ] (سنن النسائي) : 5/ 219- 220، كتاب المناسك، باب (104) دخول مكة ليلا، حديث رقم (2863) ، حديث رقم (2864) . وأخرجه أيضا: أبو داود في مناسك الحج باب المهلة بالعمرة تحيض فيدركها الحج فتنقض عمرتها وتهل بالحج هل تقضى عمرتها؟ حديث رقم (1996) ، رقم (935) . [ (2) ] في (المواهب اللدنية) : «تحت الوادي» . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 959 مختصرا. [ (4) ] (المرجع السابق) : 960. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 23 وخرج الإمام أحمد من حديث ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: أخبرني عروة بن الزبير قال: كنت أنا وابن عمر، مستندين إلى حجرة عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أنا لنسمعها بست [ (1) ] ، قلت: يا أبا عبد الرحمن، اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رجب؟ [قال: نعم، قلت: يا أماه! أما تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: ما يقول؟ قلت يقول: اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في [رجب] [ (2) ] ، قالت: يغفر اللَّه لأبى عبد الرحمن، [نسي] [ (3) ] ، ما اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رجب، قال: وابن عمر يسمع، فما قال: لا، ولا نعم، سكت [ (4) ] .   [ (1) ] في (مسند أحمد) : «تسنن» . [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المسند) . [ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المسند) . [ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 82- 83، حديث رقم (23758) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 24 فصل في ذكر حجة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد الهجرة قال سفيان: حج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يهاجر حججا، وحج بعد ما هاجر الوداع. ذكره الحاكم [ (1) ] ، [وقيل: حج ثلاث حجج، حجتين قبل الهجرة، وحجة بعد ما هاجر، معها عمرة] . وخرج مسلم [ (2) ] من حديث أبى بكر بن أبى شيبة، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل المزني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فسأل عن القوم حتى انتهى إلى فقلت: أنا محمد بن على بن حسين، فأهوى بيده الى رأسي، فنزع زرى الأعلى، ثم نزع زرى الأسفل، ثم وضع كفه على ثديي، وأنا يومئذ غلام شاب، فقال: مرحبا بك يا ابن أخى، سل عما شئت، فسألته- وهو أعمى وحضر وقت الصلاة- فقام في [شملة ملتحفا بها] ، كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه على المشجب، فصلى بنا، فقلت: أخبرنى عن حجة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال بيده: فعقد تسعا، فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة، أن   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 56- 57، كتاب المغازي والسرايا حديث رقم (4382) ، وقد سكت عنه الذهبي في (التلخيص) ، ولفظه: حج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يهاجر حجة الوداع، وكان جميع ما جاء به مائة بدنة، فيه جمل كان في أنفه برة من فضة، نحر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده الشريفة ثلاثا وستين ونحر على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه غير، فقيل للثوري من ذكره؟ فقال: جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وابن أبى ليلى عن مقسم، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. قال الحاكم: وأما الأحاديث المأثورة المفسرة في حجة الوداع قد اتفق الشيخان على إخراجها بأسانيد صحيحة على شرطهما وأتمها وأصحها حديث جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جابر الّذي انفرد بإخراجه مسلم بن الحجاج، وقد انتهيا بمشيئة اللَّه وعونه إلى ابتداء مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 8/ 420- 439، باب (19) حجة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1218) ، وهو حديث طويل ذكر المقريزي طرفا منه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 25 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاج، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبى بكر، فأرسلت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف أصنع؟ فقال: اغتسلي واستشفرى بثوب، وأحرمى. فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت بها ناقته على البيداء، نظرت إلى مدّ بصرى، بين يديه من راكب، وماش ويمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل من شيء عملنا به، وأهل بالتوحيد: لبيك اللَّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك والملك، لا شريك لك، وأهل الناس بهذا الّذي يهلون به، فلم يرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليهم شيئا منه، ولزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تلبيته. قال جابر: لسنا ننوى إلا الحج لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن، فرمل ثلاثا، ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم، فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ [مُصَلًّى] ، فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبى يقول- ولا أعلمه ذكرها إلا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- كان يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا، قرأ: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ، فبدأ بما بدأ اللَّه به، فبدأ بالصفا، فرقى عليها حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد اللَّه عز وجل، وكبره، وقال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا اللَّه وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى انصبت قدماه في بطن الوادي، حتى إذا صعدنا، مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طواف على المروة، قال: لو أنى استقبلت من أمرى ما استدبرت، لم أسق الهدى، ولجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل، وليجعلها عمرة، فقام الجزء: 9 ¦ الصفحة: 26 سراقة بن مالك بن جشعم [فقال: يا رسول اللَّه] [ (1) ] ! ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصابعه، واحدة في الأخرى، وقال: دخلت العمرة في الحج مرتين، لا بل أبدا أبدا. وقدم على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (2) ] من اليمن ببدن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوجد فاطمة [ (3) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها ممن حل ولبست ثيابا صبيغا، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: أبى أمرنى بهذا، قال: وكان علي يقول بالعراق فذهبت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محرشا على فاطمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها للذي صنعت، مستفتيا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [فيما] [ (4) ] ذكرت عنه، فأخبرته أنى أنكرت ذلك عليها فقال: صدقت، صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قال: قلت: اللَّهمّ إني أهل بما أهل به رسول اللَّه [ (5) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فإن معى [الهدى فلا تحل] . قال: فكان جماعة الهدى الّذي قدم به عليّ من اليمن، والّذي أتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مائه، قال: فحل الناس كلهم وقصروا، إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن كان معه هدى، فلما كان يوم التروية، توجهوا إلى منى، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلى بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم مكث قليلا، حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر، فضربت [ (6) ] له بنمرة، فسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا تشك قريش، إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس، أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: ان دماءكم   [ (1) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] كذا في (الأصلين) ، وفي (صحيح مسلم) : «رضى اللَّه عنها» . [ (4) ] زيادة للسياق. [ (5) ] في (صحيح مسلم) : «رسولك» . [ (6) ] في (صحيح مسلم) : «تضرب له» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 27 وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا، دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بنى سعد، فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربا عباس ابن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا اللَّه في النساء، فإنكم أخذتموهنّ بأمان اللَّه، واستحللتم فروجهن بكلام اللَّه، ولكم عليهنّ ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب اللَّه. وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس، اللَّهمّ اشهد، اللَّهمّ اشهد، [اللَّهمّ اشهد] [ (1) ] ، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا، ثم ركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل [ (2) ] المشاة بين يديه، واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا، حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد شنق للقصواء الزمام، حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس! السكينة، السكينة. كلما [ (3) ] أتى جبلا من الجبال، أرخى لها قليلا حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء، بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئا، ثم اضطجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حتى تبين له الصبح، بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل   [ (1) ] في (صحيح مسلم) «اللَّهمّ أشهد» . [ (2) ] في الأصلين:. «خيل» . [ (3) ] في الأصلين:. «فلما» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 28 القبلة، فدعاه وكبره، وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس. وأردف الفضل بن عباس- وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما- فلما دفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، مرت ظعن يجزين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يديه على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده من الشق الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلا، ثم سلك الطريق الوسطى، التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي. ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا وستين بدنه، ثم أعطى عليا فنحر ما غير، وأشركه في هديه، ثم أمر من بين بدنه ببضعه، فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر، فأتى بنى عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: انزعوا بنى عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فناولوه دلوا فشرب منه [ (1) ] . وكرره مسلم من طرق [ (2) ] ، وأخرجه أبو داود من طريق حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه بنحو حديث مسلم [ (3) ] ، وقد روى هذا الحديث عن جعفر بن محمد، وعبد الملك بن جريج، وعبيد اللَّه وعبد اللَّه العرنيين وسفيان الثوري، وعلى بن صالح، ومالك بن أنس، ومحمد بن   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 8/ 420- 439، باب (19) حجة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1218) [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (148) ، من حديث جابر. [ (3) ] (سنن أبى داود) : 2/ 455، 456، كتاب المناسك، باب (57) صفة حجة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (1905) ، أخرجه النسائي في الحج، باب الكراهية في الثياب المصبغة للمحرم مختصرا رقم (46) ، حديث رقم (2713) ، وفي مواضع أخر، وفي مواقيت الصلاة، باب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وأخرجه ابن ماجة في المناسك، باب حجة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3074) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 29 إسحاق، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وعبد اللَّه بن عمرو بن علقمة المكيّ، وحاتم بن إسماعيل، وسلام القاري، وجماعة يطول ذكرهم. وقال الواقدي: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، سار من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة، ودخل مكة يوم الثلاثاء، الرابع من ذي الحجة، وكان يوم التروية يوم الجمعة، فركب حين زاغت الشمس إلى [منى] ، ويقال: بل ركب يوم الخميس، فبات بمنى ليلة الجمعة، التاسع من ذي الحجة، ثم أصبح فركب إلى عرفة. [ (1) ] وقد اختلف العلماء فيما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجته به محرما، فقال قوم: كان مفردا. روى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، وعن محمد بن عبد الرحمن بن عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفرد بالحج. وروى ابن عيينة وغيره، عن الزهري عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أراد أن يهل بحج فليهل، من أراد أن يهل بحج وعمرة فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل. قالت عائشة: وأهل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحج، وأهل به الناس معه. وذكر الحديث. وكذلك رواه جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها سواء وقالوا فيه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأما أنا فإنّي أهل بالحج. وروى الدراوَرْديّ، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفرد بالحج.   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1101. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 30 وروى الدراوَرْديّ، عن علقمة بن أبى علقمة، عن أمه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفرد بالحج [ (1) ] . وروى أبو مصعب عن مالك، عن علقمة بإسناد مثله، ورواه عباد بن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: أهللنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحج مفردا، وروى بكر المزني عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما مثله. وهذا حجة من قال بإفراد الحج وفضله، وهو قول مالك، وأشهر قول الشافعيّ، واستحسنه أبو ثور، وفضله على التمتع والقران، وهو قول عبد العزيز بن أبى مسلمة، والأوزاعي وغيره، وروى ذلك عن أبى بكر، وعمر، وعثمان، وعن عائشة وجابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وقال قوم: بل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متمتعا، فروى معمر عن أيوب قال: قال عروة لابن عباس: ألا تتق اللَّه ترخص لي المتعة، فقال ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: سل أمك يا عروة، فقال عروة: أما أبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما فلم [يفعلاه] ، فقال ابن عباس رضى اللَّه عنهما: واللَّه ما أراكم منتهين حتى يعذبكم اللَّه! أحدثكم عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتحدثونا عن أبى بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. وروى عن الليث عن عقيل، عن ابن شهاب عن سالم، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: تمتع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى، وساق الهدى معه من ذي الحليفة، وبدأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعمرة   [ (1) ] أخرج ابن سعد من حديث عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ثلاثة أنواع: منا من قرن بين عمرة وحج، ومنا من أهل بالحج، ومنا من أهل بعمرة، فأما من قرن بين عمرة وحج، فإنه لا يحل حتى يقضى المناسك، ومن أهل بعمرة فإنه إذا طاف وسعى حل من كل شيء حتى يستقبل الحج. ثم قال: أخبرنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة عن أنس: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صرح بهما جميعا. (طبقات ابن سعد) : 2/ 74- 175. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 31 إلى الحج، قال عقيل: قال ابن شهاب: وأخبرنى عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها بمثل خبر سالم عن أبيه، في تمتع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعمرة إلى الحج. وعن سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في المتعة: صنعها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصنعناها معه، وعن عمران بن حصين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: تمتعنا على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متعة الحج، وروى شعبة عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب، عن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تمتع، ورواه حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد، وروى مالك وعبيد اللَّه بن عمر عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أنها قالت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما بال الناس حلوا بعمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال: إني لبدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر [ (1) ] . روى ابن إسحاق عن الزهري، عن سالم قال: إني [لجالس] مع ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما في المسجد، [إذ] جاءه رجل من أهل الشام، فسأله عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: حسن جميل، قال: فإن أباك كان ينهى عنها، فقال: ويلك! فإن كان أبى نهى عن ذلك، وقد فعله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمر به، أفبقول أبى آخذ، أم بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قم عنى. وقال عبد الملك بن شريك: تمتعت، فسألت ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، رضى اللَّه تعالى تبارك وتعالى عنهم فقالوا: هديت لسنة نبيك. وقال شعبة عن أبى حمزة: تمتعت، فنهاني عنها أناس، فسألت ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما فقال: سنة أبى القاسم صلّى اللَّه عليه وسلّم هي التمتع. وروى الثوري عن ليث بن أبى سليم، عن [طاووس] ، عن ابن عباس رضى اللَّه   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 6/ 7، لبد رأسه: جعل في رأسه صلّى اللَّه عليه وسلّم صمغا حتى لا يتشعث، (مغازي الواقدي) : 3/ 1092. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 32 تبارك وتعالى عنهما قال: تمتع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى مات، وأول من نهى عنها معاوية. قال ابن عبد البر: ليث هذا منكر ضعيف، والمشهور عن عمر وعثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنهما كانا ينهيان عن التمتع. وذكر معمر عن الزهري، عن سالم قال: سئل ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما عن متعة الحج، فأمر بها، فقيل له: إنك لتخالف أباك، فقال ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: لم يقل الّذي تقولون، إنما قال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: أفردوا الحج من العمرة، فإنه أتم للعمرة، إن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدى، وأراد أن يزار البيت في غير شهر الحج، فجعلتموها أنتم حراما، وعاقبتم الناس عليها، وقد أحلها اللَّه تعالى، وعمل بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإذا أكثروا عليه قال: كتاب اللَّه بيني وبينكم، كتاب اللَّه أحق أن يتبع، أم عمر؟. وهذا نحو حجة من قال: التمتع أفضل، وهو مذهب عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن الزبير، وعائشة أيضا رضى اللَّه تعالى تبارك وتعالى عنهم، وبه قال أحمد بن حنبل، وهو أحد قولي الشافعيّ، كان رحمه اللَّه يقول: الإفراد أحب إلى من التمتع، ثم القران، وقال في (البويطي) : التمتع أحب إليّ من القران. [وقال] قوم: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قارنا، وجعل القران الأصل، وهم: أبو حنيفة، والثوري، والمزني، وإسحاق بن راهويه، وروى عن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وحجتهم حديث عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول وهو بوادي العقيق: أتانى الليلة آت من ربى، فقال: صلى في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة. رواه الأوزاعي، وعلى بن المبارك، عن يحيى بن أبى كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، [أنه] سمع عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: [إنه] سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول بذلك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 33 وحديث الصبى بن معبد، عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال الصبى: أهللت بالحج والعمرة، فلما قدمت على عمر، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ذكرت ذلك له فقال، هديت لسنة نبيك صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال ابن عبد البر: وهو حديث كوفى جيد الإسناد ورواه الثقات عن أبى وائل عن الصبى [ (1) ] بن معبد، عن عمر، ومنهم من يجعله عن أبى وائل، عن عمر، فيمن رواه هكذا عن أبى وائل، عن عمر: الحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل، وعاصم بن أبى النجود، وسيار [والحكم، ورواه الأعمش، منصور، وعبدة بن أبى لبابة عن أبى وائل، عن الصبى بن معبد، عن عمر، وهو الأجود، وهم أحفظ] . وقد روى عن الصبى بن معبد، وأبو وائل، حديث أنس [بن مالك] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لبيك بحج وعمرة معا، رواه حميد الطويل، وحبيب بن الشهيد، وعن بكر المزني قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلبى بالحج والعمرة جميعا. قال بكر: فحدثت بذلك عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال لي: بالحج وحده، فلقيت أنسا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فحدثته فقال: ما تعدونا إلا صبيانا، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لبيك بحج وعمرة معا [ (2) ] . قال ابن عبد البر: وهذا الحديث يعارض ما روى عن ابن عمر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تمتع، وفيهما نظر، ويخرج على مذهب ابن عمر في التمتع، أنه لبى بالحج وحده، وقد روى معمر وغيره، عن أيوب عن أبى قلابة، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل بحجة وعمرة، وروى عن أنس من وجوه، وروى قتادة عن مطرف، عن عمران بن حصين   [ (1) ] هو الصبى بن معبد التغلبي الكوفي، روى عن عمر في الجمع بين الحج والعمرة، وفيه قصة زيد ابن صوحان، وسلمان بن ربيعة، وحكى عن هريم بن عبد اللَّه التغلبي، وذكره ابن حبان في (الثقات) ، وهو تابعي ثقة، رأى عمر ابن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وعامة أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم (تهذيب التهذيب) : 4/ 359 360 مختصرا. [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 174. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 34 أنه قال له: إني أحدثك حديثا، لعل اللَّه أن ينفعك به: اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد جمع بين حج وعمرة، ولم ينزل فيها كتاب، ولم ينه عنها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال فيها برأيه. قال ابن عبد البر: وهذا قد تأوله جماعة على التمتع وقالوا: إنما الّذي أراد ابن عمر أن يقوله: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد جمع بين حج وعمرة، أي أنه جمع بينهما في سفرة واحدة، وحجة واحدة، وقد روى عن عمر ما يعضد هذا التأويل. روى أبو الحسن، وأبو رجاء، عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللَّه تعالى، وفعلناها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم ينزل قرآن يحرمها، ولم ينه عنه حتى مات، قال رجل بعد برأيه ما شاء. وروى شعبة عن الحكم، عن على بن حسين، عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان، وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ما بين مكة والمدينة، وعثمان ينهى أن يجمع بين الحج والعمرة، فلما رأى ذلك على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أتى بهما جميعا، فقال: لبيك بحجة وعمرة معا، فقال له عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: تراني أنهى عنهما وأفعله؟ فقال على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: لم أكن [أخالف] سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال ابن عبد البر: وهذا يحتمل أن يكون، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أباح ذلك فصار سنة. فقال: والإفراد أفضل، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مفردا، فلذلك قلنا: أنه أفضل، لأن آثاره أصح في إفراده صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد اختلف أيضا في وقت خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المدينة، فقيل: كان خروجه [صلّى اللَّه عليه وسلّم لخمس] بقين من ذي القعدة، [و] قال بعضهم: كان يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة بالمدينة، وصلّى العصر بذي الحليفة. وذكر الواقدي أنه كان يوم السبت لخمس ليال [ (1) ] بقين من ذي القعدة، ولا يصح على ما جاء في الصحيح، أن الوقفة كانت بالجمعة، فيكون هلال   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1089. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 35 ذي الحجة بالخميس، فلا يكون المتبقى خمسا، ولا يصح حمله على الأيام، ويحسب يوم الخروج منها لقوله لخمس، ولو أراد الأيام لقال: لخمسة. وذكر الواقدي أيضا: أن يوم التروية وافق يوم الجمعة [ (1) ] ، فعلى هذا تكون الوقفة يوم السبت، ويكون قوله: لخمس بقين، مستقيما، إلا أنه خلاف ما جاء في الصحيح. وقال أبو محمد على بن حزم: أنه خرج يوم الخميس لستة بقين، وهو أيضا [خلاف ما] جاء في الصحيح، أنه لخمس بقين. وخرج الترمذي عن عبد اللَّه بن أبى زيادة عن زيد بن حباب، عن سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حج ثلاث حجج قبل أن يهاجر، وحجة بعد ما هاجر، ومعها عمرة، وساق ثلاثة وثلاثين بدنة، وجاء على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، من اليمن ببقيتها، فيها جمل لأبى جهل في أنفه برة من فضة فنحرها، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كل بدنة ببضعة، فطبخت، وشرب من مرقها، وقال: [قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد بن حباب] . ورأيت عبد اللَّه بن عبد الرحمن يروى هذا الحديث، عن عبد اللَّه بن أبى زياد، وسألت محمدا عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري، عن جعفر، عن أبيه عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورأيته لا يعده محفوظا. قال: وإنما روى عن الثوري، عن أبى إسحاق، عن مجاهد مرسلا [ (2) ] ، حدثنا عبد اللَّه بن أبى زياد، حدثنا زيد بن حباب، فذكره سواء. وخرجه ابن ماجة عن أبى محمد القاسم بن محمد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبى صفرة، حدثنا عبد اللَّه بن داود، حدثنا سفيان الثوري قال:   [ (1) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 3/ 178- 179، كتاب الحج، باب (6) ما جاءكم حج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (815) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 36 حج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاث حجج: حج حجتين قبل أن يهاجر، وحج حجة بعد ما هاجر إلى المدينة، وقرن في حجته عمرة، واجتمع ما جاء به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما جاء به على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، مائة بدنة، فيها جمل لأبى جهل، على أنفه برة من فضة، فنحر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة وستين، ونحر على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ما غير. قيل له: من ذكره؟ قال: جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر، وابن أبى ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. [ (1) ]   [ (1) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 1027، كتاب المناسك، باب (84) باب حجة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3076) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 37 فصل في ذكر من حدّث عنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبر عن رب العزة جلت قدرته، بما أوحى إليه من الكتاب والحكمة، فالكتاب هو القرآن الكريم، والحكمة سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وروى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ربه عز وجل أحاديث كثيرة، ورأى جبريل عليه السلام على صورته التي خلق عليها مرتين، ونزل عليه بالقرآن عن اللَّه تعالى على قلبه الكريم، ورأى صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الإسراء خازن الجنة وخازن النار، وشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، وتلقاه المقربون من الأخرى، وأتاه صلّى اللَّه عليه وسلّم ملك الجبال يوم قرن الثعالب برسالة من اللَّه فقال: إن شاء أن يطبق عليهم الأخشبين، فقال: بل استأنى بهم، ونزل عليه ملك يبشره بالفاتحة، وبالآيتين من آخر سورة البقرة، وأتاه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يجمع الأقباض، وجبريل عليه السلام عن يمينه ملك، فبلغه سلام ربه، وأخبره عن اللَّه بتصويب ما أشار به الحباب بن المنذر، واجتمع ليلة الإسراء بالأنبياء، ورآهم على مراتبهم، فرأى إبراهيم، وإدريس، وموسى، وعيسى، ويحيى، ويوسف، وهارون، وآدم، وسلموا عليه، ورحبوا به وحدثه إبراهيم عليه السلام، بحديث رواه عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وحدث صلّى اللَّه عليه وسلّم عن تميم الداريّ بقصة الدجال، وحدث صلّى اللَّه عليه وسلّم عن قس بن ساعدة، بما سمعه يقول بسوق عكاظ. فأما ما أخبر به صلّى اللَّه عليه وسلّم عن رب العزة جلت قدرته فقد قدمت فيما سلف اختلاف أئمة الإسلام في رؤيته صلّى اللَّه عليه وسلّم للَّه عز وجل، وفي سماعه كلام اللَّه تعالى وخطابه له ليلة الإسراء فأغنى عن إعادته. فالكتاب العزيز الّذي هو القرآن العظيم، المعجز المبين، وحبل اللَّه المتين، فإنه علم على صدق نبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم، اقترن بدعوته، ولم يزل أيام حياته، ودام في أمته بعد وفاته وهو كما وصفه به من أنزله فقال جل من قائل: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 38 إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [ (1) ] ، وقال: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [ (2) ] ، وقال: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [ (3) ] ، وقال: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [ (4) ] وقال: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [ (5) ] ، وقال: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ* فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ* فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ* مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ* بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرامٍ بَرَرَةٍ [ (6) ] ، وقال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [ (7) ] فإن اللَّه جل جلاله أنزل هذا القرآن الكريم، على وصف مباين لأوصاف كلام البشر، لأنه منظوم وليس منثور ونظمه ليس كنظم الرسائل، ولا نظم الخطب، ولا نظم الأشعار، ولا هو كسجع الكهان. وأعلم سبحانه وتعالى أن أحدا لا يستطيع أن يأتى بمثله، ثم أمره صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتحداهم على الإتيان به إن ادعوا أنهم قادرون عليه، أو ظنوه، فقال تبارك وتعالى: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [ (8) ] ثم أنقصهم تسعا، فقال: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (9) ] ، وكان امتناع قريش من ذلك، دلالة على صدقه، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان من الموافق له، والمخالف عليه، غير مدفوع عن الحصانة والمتانة، ورصانة العقل، وقوة الرأى.   [ (1) ] فصلت: 41، 42. [ (2) ] الواقعة: 77، 78، 79، 80. [ (3) ] البروج: 21، 22. [ (4) ] آل عمران: 62. [ (5) ] الأنعام: 155. [ (6) ] عبس: 11- 16. [ (7) ] الإسراء: 88. [ (8) ] هود: 13. [ (9) ] البقرة: 23. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 39 ومعلوم أن من كان بهذه المنزلة، وهو مع ذلك قد انتصب لدعوة الناس إلى دينه، لم يجز بوجه من الوجوه أن يقول للناس: ائتوا بسورة من مثل ما جئتكم به من القرآن، ولن تستطيعوا أن تأتوا بذلك، فإن أتيتم به فأنا كاذب، وهو يعلم من نفسه أن القرآن لم ينزل عليه، ولا يأمن أن يكون في قومه من يعارضه، وأنه إن عارضه أحد بطلت دعوته. فكان هذا دليل قاطع، على أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يقل للعرب: ائتوا بمثله إن استطعتموه، ولن تستطيعوه، إلا وهو واثق متحقق أنهم لا يستطيعونه، ولا يجوز أن يكون هذا اليقين وقع له إلا من قبل ربه الّذي أوحى إليه به، حتى إنه وثق بخبره، ويؤيد ذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لهم: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وطالت النظرة والمهلة لهم في ذلك، ووقائعه لهم تتواتر، ومحاربته لهم لا تزال: فيقتل صناديدهم، ويسبى ذراريهم، ونساءهم، ويأخذ أموالهم بالقوة، فلم يتعرض أحد لمعارضته، ولو قدروا عليها، لافتدوا بها أنفسهم، وأولادهم، وأهاليهم، وأموالهم، ولكان الأمر في ذلك قريبا سهلا عليهم، إذ هم أهل اللسن، والفصاحة، والشعر، والخطابة. فلما لم يأتوا بذلك، ولا ادعوه صح أنهم كانوا عاجزين عنه، وفي ظهور عجزهم بيان أنه في العجز مثلهم، إذ كان بشرا مثلهم، لسانه لسانهم وعاداته عاداتهم، وطباعه طباعهم، وزمانه زمانهم، وإذ كان كذلك، وقد جاء بالقرآن، وجب القطع بأنه من عند اللَّه تعالى، لا من عنده صلّى اللَّه عليه وسلّم. فإن أورد ملحد أسجاع مسيلمة، قيل له: إنما كان الّذي جاء به مسيلمة، لا [يعدو] أن يكون إلا مجالا، أو سرقة، أو كأسجاع الكهان، وأراجيز العرب، وقد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما هو أحسن لفظا، وأقوم معنى، وأبين فائدة، من أسجاع مسيلمة، ومع ذلك فلم تقل له العرب: يا محمد، أما أنت تتحدانا على الإتيان بمثل [القرآن] ، وتزعم أن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله لم يقدروا عليه، ثم قد جئت بمثله، فما هو إلا مفترى، إنه ليس من عند اللَّه، وذلك قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 40 أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: تاللَّه لولا اللَّه ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: [اللَّهمّ] إن العيش عيش الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة. وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: تعس عبد الدينار والدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطى منها رضى، وإن لم يعط سخط، نفس وانتكس، وإن شيك فلا انتكش. فلم يدع أحد من العرب أن شيئا من هذا يشبه القرآن، ولا أن فيه كسر لقوله، وكان عرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على العرب هذا الكلام، الّذي أعجزهم عن الإتيان بمثله، أعجب في الآية، وأوضح في الدلالة، من إحياء عيسى عليه السّلام الموتى، وإبرائه الأكمه والأبرص، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى أهل البلاغة، وأرباب الفصاحة، ورؤساء البيان، والمتقدمين في اللسن بكلام مفهوم المعنى عندهم، فكان عجزهم عن الإتيان بمثله أعجز من عجز شاهد المسيح، وعجز عن إحياء الموتى لأنهم لم يكونوا يطيقون إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، ولا يتعاطون علمه، بخلاف قريش فإنّها كانت تتعاطى الكلام الفصيح، والبلاغة والخطابة فدل [على] أن العجز عن إتيانهم بمثل القرآن، إنما كان معجزة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتؤيد صدق رسالته، وصحة نبوته. وهذا برهان واضح وحجة قاطعة لمن وفقه اللَّه، ومع ذلك ففي القرآن الكريم وجهان آخران في الإعجاز: أحدهما: ما تضمنه من الإخبار عن المغيبات، كقوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ (1) ] وقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [ (2) ] وقوله في الروم:   [ (1) ] الفتح: 28. [ (2) ] النور: 55. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 41 وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ [ (1) ] ونحوها من الآيات التي وعد اللَّه فيها بالفتوح في زمن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبعده، وكان كما أخبر، ومعلوم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يعلم النجوم ولا الكهانة، ولا يجالس أهلها. والثاني: ما اشتمل عليه من قصص الأولين، من غير أن يعلم ذلك من أحد من علماء أهل الكتاب، ومعلوم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أميا، لا يقرأ كتابا، ولا يخطه، ولا يجالس أهل الكتاب، ليأخذ عنهم، ولما زعم بعض مشركي قريش أن ما يعلمه بشر، ردّ اللَّه تعالى عليه قوله، فقال سبحانه: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [ (2) ] ، وذلك أنه كان لابن الحضرميّ غلامان نصرانيان، يقرءان كتابا لهما بالعبرانية، وبالرومية، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأتيهما فيحدثهما، ويعلمهما، فقال المشركون: إنما يتعلم محمد منهما، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية. وإذا تقرر ذلك، فاعلم أن أعظم المعجزات، وأشرفها، وأوضحها دلالة، القرآن الكريم، لأن الخوارق في الغالب، تقع مغايرة للوحى الّذي يتلقاه النبي، وتأتى المعجزة شاهدة به، والقرآن بنفسه هو الوحي [المدعى] ، وهو الخارق المعجز فدلالته في عينه، ولا نفتقر إلى دليل أجنبى عنه، كسائر الخوارق مع الوحي، فهو أوضح دلالة، لاتحاد الدليل والمدلول فيه. وهذا معنى ما خرجه البخاري ومسلم، من حديث الليث، عن سعيد بن أبى سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبى هريرة، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الّذي [أوتيته] وحيا أوحى اللَّه إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة [ (3) ] .   [ (1) ] الروم: 3- 4. [ (2) ] النحل: 103. [ (3) ] رواه البخاري في فضائل القرآن، باب كيف نزول الوحي وأول ما نزل، وفي الاعتصام، باب قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم،: بعثت بجوامع الكلم، ومسلم في الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم حديث رقم (152) ، (جامع الأصول) : 8/ 533، حديث رقم (6333) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 42 يشير صلّى اللَّه عليه وسلّم، إلى أن المعجزة متى كانت بهذه المثابة في الموضوع، وقوة الدلالة، وهي كونها نفس الوحي، كان المصدق لها أكثر لوضوحها، فكثر المصدق المؤمن، وهم التابع والأمة. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. ويدلك هذا، على أن القرآن من بين الكتب [الإلهية] ، إنما تلقاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتلا كما هو، بكلماته وتراكيبه، بخلاف التوراة والإنجيل، وغيرهما من الكتب الإلهية، فإن الأنبياء عليهم السلام يتلقونها في حال الوحي، معاني يعبرون عنها بعد رجوعهم إلى الحالة البشرية، بكلامهم المعتاد لهم، ولذلك لم يكن فيها إعجاز، واختص الإعجاز بالقرآن الكريم. وكان تلقى الأنبياء لكتبهم، مثل ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتلقى المعاني التي يسندها إذا حدث بها إلى اللَّه تعالى، ويشهد لتلقيه صلّى اللَّه عليه وسلّم القرآن متلوا قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [ (1) ] ، أي محمد لا تحرك بالقرآن لسانك عجلان، خائفا أن يفوتك، ويزول حفظه عن قلبك، إن علينا أن نجمعه في نفسك، حتى تقرأه بلسانك، فإذا أنزلناه عليك فاستمع قراءته ثم علينا أن نحفظه، ونبينه بلسانك. خرج البخاري ومسلم من حديث أبى عوانة، موسى بن أبى عائشة، عن سعيد بن الجبير، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] في قوله عز وجل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، قال: [كان] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه، فأنزل اللَّه عز وجل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ، قال: جمعه في صدرك، ثم تقرأه، فإذا قرأناه فاتبع قراءته، قال: فاستمع، وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل، قرأه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما قرأه. ذكره مسلم [ (2) ] في كتاب الصلاة،   [ (1) ] القيامة: 16- 18. [ (2) ] (فتح الباري) ،: 13/ 611، كتاب التوحيد، باب رقم 43 [بدون ترجمة] ، حديث رقم (7524) ، وزاد عليه بعد قوله: يحرك به شفتيه فقال ابن عباس: أحركهما لك كما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحركهما؟ فقال سعيد: أنا أحركهما كما كان ابن عباس يحركهما فحرك شفتيه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 43 وذكره البخاري في كتاب التوحيد، في باب قول اللَّه عز وجل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ ، وذكره في أول كتابه، [وذكره في] التفسير، في فضائل القرآن، ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا نزل جبريل بالوحي، كان يحرك به لسانه وشفتيه، فيشتد عليه، وكان يعرف منه، فأنزل اللَّه [عز وجل] الآية التي في: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ، لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [ (1) ] ، قال: علينا أن نجمعه في صدرك وقراءته، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [ (2) ] ، فإذا أنزلناه فاستمع ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [ (3) ] ، علينا أن نبينه بلسانك، قال: فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتاه جبريل [عليه السلام] يقرئه القرآن؟ فإذا ذهب قرأه كما وعده اللَّه [عز وجل] . أَوْلى لَكَ فَأَوْلى [ (4) ] ، توعد [ (5) ] . فقد تبين أن سبب نزول الآية، ما كان يقع له صلّى اللَّه عليه وسلّم من بدارة إلى تدارس الآية، خشية من النسيان، وحرصا على حفظ ذلك المتلو المنزل، فتكفل اللَّه عز وجل له بحفظه، يقول [تبارك وتعالى] : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (6) ] ، هذا هو معنى الحفظ الّذي اختص به القرآن، لا قيل غير ذلك، فإنه بمعزل عن المراد. وفي القرآن الكريم آيات عديدة، تشهد بأنه نزل قرآنا، متلوا، معجزا بسورة منه، وهذا القرآن العظيم، أعظم معجزات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يكن في معجزاته- مع كثرتها- أعظم منه ومن ائتلاف العرب على دعوته، كما   [ (1) ] القيامة: 16- 17. [ (2) ] القيامة: 18. [ (3) ] القيامة: 19. [ (4) ] القيامة: 34. [ (5) ] زيادة للسياق من (البخاري) ، (فتح الباري) : 8/ 882، كتاب التفسير باب رقم 2 [بدون ترجمة] ، حديث رقم (4929) . [ (6) ] الحجر: 9. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 44 قال [تبارك] وتعالى: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما [أَلَّفْتَ] بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [ (1) ] . فاعلم هذا، وتذكره، تجده صحيحا، وكما قررت لك، وتأمل ما يشهد لك به، من ارتفاع رتبته على الأنبياء، وعلو مقامه صلّى اللَّه عليه وسلّم.   [ (1) ] الأنفال: 63. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 45 وأما الأحاديث [الإلهية] [ (1) ]   [ (1) ] وتسمى أيضا [الأحاديث القدسية] ، والحديث القدسي: هو ما رواه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ربه تبارك تعالى على غير النسق القرآني، ونظمه، وإعجازه، ولكنه في نظمه وأسلوبه بسائر الحديث النبوي أشبه، وهو يعد في جملة السنة النبويّة لكون راويه هو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وله صيغ متعددة يعرف بها. صيغة الحديث القدسي: أكثر الصيغ التي يعرف بها الحديث القدسي وأشهرها ما كان صريحا في بيان هذه النسبة، مثل قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «وقال اللَّه» أو «يقول اللَّه:» أو «قال ربكم: «أو يقول ربكم» أو «أوحى اللَّه» أو ما أشبه ذلك من الصيغ التي تثبت القول للرب تبارك وتعالى عن طريق إسناد فعل القول أو ما يؤدى معناه إسنادا صريحا إليه، وهناك صيغ أخرى يعرف بها الحديث القدسي عن طريق الدلالة، منها: ما رواه ابن حبان في صحيحه، عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يؤتى بالموت يوم القيامة فيوثق على الصراط، فيقال: يا أهل الجنة، فينطلقوا خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الّذي هم فيه، ثم يقال: يا أهل النار، فينطلقوا فرحين مستبشرين أن يخرجوا من مكانهم الّذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون ذلك؟ فيقولون: نعم ربنا، فيقال: هذا الموت فيؤمر به فيذبح على الصراط، ثم يقال للفريقين كليهما: خلود ولا موت فيه أبدا. ففي هذا الحديث يقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فيقال» هكذا على من لم يسم فاعله، فلم يحدد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الّذي نادى أهل الجنة وأهل النار فسألهم جميعا عن الموت قائلا لهم: «هل تعرفون ذلك؟ «فلم نعرف هل هو الحق تبارك وتعالى؟ أم هو ملك من ملائكته؟ حتى ورد في الحديث جواب أهل الجنة وأهل النار لهذا السائل قائلين: «نعم ربنا» فدل جوابهم هذا على أن الّذي خاطبهم بالنداء والسؤال هو المولى عز وجل، فعرفنا حينئذ أن الحديث قدسي بهذه الدلالة. مكان الحديث القدسي: الحديث القدسي مبثوث في مدونات السنة ومصنفاتها المختلفة من مسانيد وسنن، ومعاجم وجوامع وغيرها، لا يتميز دون سائر أحاديثها في باب مستقل، أو موضع محدد. أهم المؤلفات في الحديث القدسي: * كتاب (مشكاة الأنوار فيما روى عن اللَّه سبحانه من الأخبار) للشيخ محيي الدين بن عربي. * كتاب (الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية) للشيخ محمد المدني. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 46 وهي التي يرويها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، عن اللَّه تبارك وتعالى، فهي كثيرة، كحديث: [يا عبادي] كلكم جائع إلا من أطعمته.. الحديث أخرجه مسلم [ (1) ] ، وله أشباه عديدة، وقد أفرد العلماء فيها مصنفات فجمع زاهر بن طاهر فيها مصنفا، وكتب الحافظ الضياء فيها كتابا، ولعلى بن بليان فيها مجلد، يحتوي على نحو مائة حديث، وقد تقدم رؤية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، جبريل عليه السّلام، على صورته التي خلقها اللَّه عليها، وكيف تلقى عنه القرآن الكريم، الّذي نزل على قلبه المقدس، وتقدم أيضا رؤية خازن الجنة وخازن النار، وتشييع ملائكة السموات، وتلقيهم له.   [ () ] * كتاب (الأحاديث القدسية) إعداد لجنة القرآن والحديث بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة. [ (1) ] ونحوه في (سنن الترمذي) : 4/ 556، 567، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب (48) بدون ترجمة، حديث رقم (2495) ولفظه: «حدثنا هناد، حدثنا أبو الأحوص عن ليث عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبى ذر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يقول اللَّه تعالى: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فسلوني الهدى أهدكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت فسلوني أرزقكم، وكلكم مذنب إلا من عافيت، فمن علم منكم أنى ذو قدرة على المغفرة فاستغفرني غفرت له ولا أبالى، ولو أن، أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم، اجتمعوا على أشقى قلب عبد من عبادي، ما نقص ذلك من ملكي شيئا ... (الحديث) . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1422- كتاب الزهد، باب (30) ذكر الذنوب، حديث رقم (4257) ، (صحيح الأحاديث القدسية) : 174، فصل في النهى عن الظلم، باب (7) حديث إني حرمت الظلم على نفسي رقم (167) ، والمقصود من هذا المثل هو التقريب إلى الأفهام بما شاهدوه، فإن البحر من أعظم المرئيات عيانا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 47 وأما الحكمة، وهي سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعيّ- رحمه اللَّه ورضى عنه-: قد وضع اللَّه [عز وجل] رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم من [دينه] ، وفرضه، وكتابه، الموضع الّذي أبان جل ثناؤه أنه جعله علما لدينه بما افترض من طاعته، وحرم معصيته، وأبان من فضيلته، بما قرن من الإيمان برسوله، مع الإيمان به، فقال: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (1) ] ، وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (2) ] ، فجعل كمال ابتداء الإيمان الّذي ما سواه، تبع له الإيمان باللَّه، ثم برسوله. قال الشافعيّ: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد في قوله عز وجل: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (3) ] قال: لا أذكر إلا ذكرت، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه. قال: وفرض اللَّه على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله، فقال في كتابه: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [يَتْلُوا] عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (4) ] مع آي سواها، ذكر فيهن الكتاب والحكمة. قال الشافعيّ: فذكر اللَّه الكتاب والقرآن، وذكر الحكمة، فسمعت ممن أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [ (5) ] ، فقال: بعض أهل العلم [أولو] الأمر: هم أمراء سرايا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: فإن تنازعتم في   [ (1) ] النساء: 136. [ (2) ] النور: 62. [ (3) ] الشرح: 4. [ (4) ] آل عمران: 164. [ (5) ] النساء: 59. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 48 شيء، يعنى اختلفتم في شيء، يعنى- واللَّه أعلم- هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعته، فردوه للَّه والرسول، يعنى- واللَّه أعلم- إلى ما قاله اللَّه والرسول. ثم ساق الكلام إلى أن قال: فأعلمهم أن طاعة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طاعته، فقال: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] . واحتج أيضا في فرض اتباع أمره بقوله عز وجل: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [ (2) ] وقوله: [وَ] ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ (3) ] ، وغيرها من الآيات التي دلت على اتباع أمره، ولزوم طاعته. قال: وكان فرضه جل ثناءه على من عاين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعده إلى يوم القيامة واحدا، من أن على كل طاعته، لم يكن أحد غاب عن رؤية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلم أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا بالخبر عنه، والخبر عنه خبران: خبر عامة عن عامة: عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بجمل ما فرض اللَّه سبحانه من العبادات، يأتوا به بألسنتهم وأفعالهم، ويؤتوه من أنفسهم وأموالهم، وهذا ما لا يسع جهله، وما يكاد أهل العلم والعوام أن يستووا فيه لأن كلا كلفه، كعدد الصلاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وتحريم الفواحش، وأن للَّه عليهم حقا في أموالهم، وما كان في معنى هذا. وخبر خاصة: في خاص الأحكام، لم يأت أكثره كما جاء الأول، لم يكلفه العامة وكلف علم ذلك من فيه الكفاية للقيام به دون العامة، وهذا مثل ما يكون بينهم في الصلاة من سهو يجب به سجود السهو أو لا يجب، وما يفسد الحج، و [ما] لا يفسده، وما يجب به الفدية، وما لا يجب فيما لا يفعل، وغير   [ (1) ] النساء: 5. [ (2) ] النور: 63. [ (3) ] الحشر: 7. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 49 ذلك. وهو الّذي على العلماء فيه عندنا، قبول خبر الصادق على صدقه، ولا يسعهم رده، بفرض اللَّه طاعة نبيه. قال: ولولا ثبوت الحجة بالخبر، لما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في خطبته بعد تعليم من شهده أمر دينهم: ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلما ندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى استماع مقالته وأدائها، أمر أن يؤديها، والأمر واحد، دل على أنه لا يأمر أن يؤدى عنه إلا ما تقوم الحجة به على من أدى إليه. قال: سفيان بن عيينة: أخبرنى سالم أبو النصر، أنه سمع عبيد اللَّه ابن أبى رافع، يخبر عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمرى، مما أمرت به أو نهيت عنه، يقول: لا أدرى، ما وجدنا في كتاب اللَّه اتبعنا [ (1) ] . والحجج في تثبيت خبر الواحد كثيرة، وفيما احتج به الإمام الشافعيّ رحمه اللَّه [و] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على ذلك كفاية.   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 5/ 12، كتاب السنة، باب (6) في لزوم السنة، حديث رقم (4605) ، (سنن الترمذي) : 5/ 36- 37، كتاب العلم، باب (9) ما جاء فيمن روى حديثا، وهو يرى أنه كذب، حديث رقم (2663) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وروى بعضهم عن سفيان عن ابن المنكدر عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا، وسالم ابن لأبى النضير عن عبيد اللَّه بن أبى رافع عن أبيه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان ابن عيينة إذا روى هذا الحديث على الانفراد بين حديث ابن المنكدر من حديث سالم ابن أبى النضر، وإذا جمعهما روى هكذا، وأبو رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، اسمه أسلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 50 وأما مجيء الجبال إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج البخاري في كتاب بدء الخلق، في باب ذكر الملائكة، من حديث ابن وهب قال: أخبرنى يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير، أن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حدثته أنها قالت: يا رسول اللَّه! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم، يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت، فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن اللَّه قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، وسلم على، ثم قال: يا محمد! إن اللَّه عز وجل قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرنى بأمرك، فما شئت [ (1) ] ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد اللَّه وحده لا يشرك به شيئا [ (2) ] ، وذكر طرفا من هذا الحديث في كتاب التوحيد [ (3) ] ، وخرجه مسلم أيضا [ (4) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين ليس في (البخاري) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 384، كتاب بدء الخلق، باب (7) بدون ترجمة، حديث رقم (3231) . [ (3) ] (فتح الباري) : 13/ 460، كتاب التوحيد، باب (9) بدون ترجمة، حديث رقم (7389) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 396- 397، كتاب الجهاد والسير، باب (39) ما لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أذى المنافقين، حديث رقم (111) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 51 وأما إنزال الملك يبشره بالفاتحة وبالآيتين من سورة البقرة فخرج مسلم من حديث عبد اللَّه بن عباس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنها] قال: بينما جبريل عليه السّلام قاعدا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، ولم يفتح قط إلا اليوم! فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم! فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتها، لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، [لم] تقرأ بحرف منها الا أعطيته [ (1) ] . وأما الملك الّذي نزل بتصويب الحباب ففي مغازي الأموي، عن أبيه قال: وزعم الكلبي عن أبى صالح، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يجمع الأقباض وجبريل عن يمينه، إذ أتاه ملك من الملائكة، قال: يا محمد، إن اللَّه يقرأ عليك السلام، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام، فقال الملك: إن اللَّه يقول لك: إن الأمر الّذي أمرك به الحباب ابن المنذر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا جبريل! هل تعرف هذا؟ قال: ما كل أهل السماء أعرف، وإنه لصادق، وما هو بشيطان [ (2) ] . وإسناد هذا الحديث ليس بذاك، وقد خالف فيه محمد بن عمر الواقدي فقال: حدثني ابن أبى حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: نزل جبريل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 339، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (43) فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، حديث رقم (806) . [ (2) ] قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) : 3/ 327، قال الأموي: حدثنا أبى قال: وزعم الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس به، والكلبي وهو مدلس. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 52 فقال: الرأى ما أشار به حباب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا حباب! أشرت بالرأي، فنهض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ففعل كل ذلك [ (1) ] . وأما اجتماعه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأنبياء ورؤيتهم في ليلة الإسراء فقد مضى ذكر ذلك مجودا فراجعه [ (2) ] . وأما حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن إبراهيم عليه السّلام فخرج الترمذي من حديث القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسرى بى، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك منى السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان اللَّه، والحمد اللَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر. قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجهة [ (3) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن عمر، عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسرى به مر على إبراهيم عليه السلام، فقال من معك يا جبريل؟ قال: هذا محمد، قال له إبراهيم: مر أمتك   [ (1) ] أخرجه الواقدي في (المغازي) : 1/ 54، وفي إسناده داود بن الحصين وهو ضعيف، فضلا عن أن روايته عن عكرمة منكرة، كما صرح بذلك الحفاظ كعليّ بن المديني وابن معين، انظر (تهذيب التهذيب) : 3/ 157. [ (2) ] راجع (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا: 1/ فصل في الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 476، كتاب الدعوات باب 59 [بدون ترجمة] (3462) وفيه عبد الرحمن ابن إسحاق بن سعد الحارث، قال فيه أحمد: ليس بشيء، منكر الحديث، وقال الدوري عن ابن معين: ضعيف، ليس بشيء، وقال البخاري: فيه نظر، وكذا ضعفه النسائي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 53 فليكثروا من غراس الجنة، فإن تربتها طيبة، وأرضها واسعة، قال: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه [ (1) ] . وخرج ابن حبان في صحيحه، من حديث حيوة بن شريح قال: أخبرنى أبو صخر، أن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، أخبره عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر قال: حدثني أيوب صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة اسرى به، مر على إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، فقال لجبريل عليه السّلام،: من معك يا جبريل؟ فقال جبريل: هذا محمد، فقال: مر أمتك أن يكثروا غراس الجنة، فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لإبراهيم: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه [ (2) ] . [[و] إبراهيم خليل الرحمن، أبو الضيفان] ، وهو الأب الثالث، أب الآباء، وعمود العالم، وإمام الحنفاء، الّذي اتخذه اللَّه تعالى خليلا، وجعل النبوة والكتاب في ذريته، وشيخ الأنبياء ابن [آذر] ، ويقال: [آذر] بن تارح ابن نوحود بن مسروغ بن رعوا بن فالغ بن عيبر، ويقال: عابر بن شالخ بن أرفخشاذ بن سام بن نوح [ (3) ] ، صلوات اللَّه وسلامه عليه، كان آباؤه في   [ (1) ] (كنز العمال) : 3948. [ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 101، كتاب الرقاق، باب (8) الأذكار، ذكر البيان بأن المرء كلما كثر تبريه من الحول والقوة إلا ببارئه كثر غراسه في الجنة، حديث رقم (821) ، وفيه عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، وثقة ابن حبان، وأبو صخر وهو حميد بن زياد وهو متكلم فيه من قبل حفظه، وما بين الحاصرتين سقط من (ج) . [ (3) ] وتمام النسب: ابن نوح بن لامخ بن مثوشالح بن حنوح- وهو إدريس- بن يارذ بن ماهللئيل بن قنن بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السّلام، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين. (المقفى الكبير) : 1/ 13. قال العلامة المقريزي رحمه اللَّه: هذه الأسماء كلها ليست بعربية، وقد خبط في ضبطها كثير من نقلة الأخبار لبعدهم عن معرفة العبرانية، والصواب في ذلك ما وقع في التوراة، إذ هذه الأسماء ليست مما يدخله النسخ والتبديل، وهي هناك كما أوردته لك هنا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 54   [ () ] وأزيدك أيضا بيانا بضبطها بالحروف، فإنّها إنما كتبت في التوراة بالقلم العبرانىّ، وقد منّ اللَّه بعد معرفتها بالقلم العبرانىّ أن يسّر ضبطها بالحروف العربية. فإبراهيم، كان اسمه «أبرام» بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وضم الراء المهملة، ثم ألف بعدها ميم، ومعنى ذلك تقريبا: رفيع القدر «فسماه اللَّه تعالى: أبروهام: وصار معناه: أبو جمهور الأحزاب. وعرّبته العرب فقالت: إبراهيم: بكسر الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وكسر الهاء ثم ياء آخر الحروف ساكنة بعدها ميم. وقالت أيضا «إبراهام» بفتح الهاء، وبهما جاء تنزيل العزيز الحكيم في القرآن المجيد. وسمع أيضا «إبرهم» . قال عبد المطلب بن عبد مناف بن أساف: نحن آل اللَّه في بلدته، لم يزل ذاك على عهد إبرهم. وتارح، بفتح التاء المثناة من فوق ثم ألف ساكنة بعدها راء مهملة مفتوحة ثم حاء مهملة. ونوحور، بضم النون وسكون الواو وضمّ الحاء المهملة، وبعدها واو ثم راء مهملة. وسروغ، بفتح السين المهملة وضم الراء المهملة، ثم واو ساكنة بعدها غين معجمة. ورعو، بضم الراء والعين المهملتين ثم واو. وفالغ، بفاء مفتوحة بعدها ألف ثم لام مفتوحة وغين معجمة. وهذه الفاء ليست في اللغة. وبعضهم يقول: فالج بالجيم، وهذه الفاء بين الفاء والباء الموحدة. وعيبر، بكسر العين المهملة وسكون الباء اخر الحروف وفتح الباء الموحدة ومن نقلة الأخبار من يقول: «عابر بفتح العين» . وأصله ما ذكرت. وشالح، بفتح الشين المعجمة واللام وسكون الحاء المهملة. وأرفخشاذ، بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة، وفتح الفاء وسكون الخاء المعجمة وفتح الشين، ثم ألف بعدها ذال معجمة. وهذه الفاء أيضا بين الفاء والباء الموحدة. وسام، أصله بشين معجمة، وعرّب فقيل: بسين مهملة مفتوحة، ثم ألف بعدها ميم، وكثيرا ما تكون الشين المعجمة في العبرانية سينا مهملة في اللسان العربيّ. ولامخ، بفتح اللام والميم وبعدها خاء معجمة. ومثوشالح، بفتح الميم وضم المثلثة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة بعدها ألف ساكنة ثم لام مفتوحة ثم حاء مهملة كأن بعدها ألفا. وحنوخ، بحاء مهملة مفتوحة ونون مضمومة بعدها واو ساكنة، ثم خاء معجمة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 55 السريانيين، يقال: ابن الكنعانيين، وولد [عليه السّلام] بكوثى، وقيل: ولد بهرمزجرد، ثم انتقل إلى كوثى من أرض بابل، وأمه [عليه الصلاة والسلام] يونا بنت كرنيا بن كوثى، من بنى أرفخشاذ بن سام، ويقال: بل اسمها أبيونا وأنها من ولد أفرام بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن أرفخشاذ. وكان أبوه [ (1) ] على أصنام الملك نمروذ، ولسانهم السريانية، وبينه عليه السّلام، وبين نوح [عليه السّلام] عشرة قرون، وولد ولأبيه من العمر سبعون سنة، وخرج به أبوه بعد ما تزوج بسارة، ومعه لوط فسكن حران، وبها [مات] أبوه. وكان قد أراه اللَّه تعالى ملكوت السموات والأرض، وكاد أصنام قومه [ (2) ] ، وحاجهم   [ () ] ويرذ، ويقال يارذ- بياء آخر الحروف مفتوحة إذا أشبعت الفتحة صار كأن بعدها ألفا ثم راء مهملة مفتوحة بعدها ذال معجمة. وماهللئيل، بميم مفتوحة بعدها ألف ساكنة، ثم هاء مفتوحة ولام مفتوحة أيضا، ثم لام أخرى ساكنة بعدها ألف مهموزة مكسورة كأنما بعدها ياء آخر الحروف ساكنة، ثم لام ثلاثة. وقنن، بقاف مكسورة كأن بعدها ياء آخر الحروف ساكنة، ثم نون مضمومة كأن بعدها واو ساكنة، ثم نون أخرى. وأنوش، بفتح الهمزة وضم النون وسكون الواو ثم شين معجمة. (المقفى الكبير) : 1/ 13- 15، ترجمة إبراهيم الخليل عليه السّلام، ترجمة رقم (1) . [ (1) ] عن مجاهد قال: آزر صنم، ليس بأبيه، وفي التوراة: «إبراهيم بن تارح» . وهذا قول مردود، فقد قال تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأنعام: 74] ، وهذا هو الحق. وقال بعضهم: آزر هو تارح، وأحدهما اسم، والآخر لقب، وليس ببعيد. (المرجع السابق) . [ (2) ] أخذ إبراهيم قدوما وأتاها ليلا وكسرها وعلّق القدوم على عنق صنم الشمس وهو أكبرها- حيث قد كانوا سموها بأسماء الكواكب- فلما رأوها قالوا: مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا [الأنبياء: 59] ، قال رجل منهم: سمعت إبراهيم يذكرها، فأتوا إبراهيم فقالوا: من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال لهم: سلوا كبيرهم هذا إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ [الأنبياء: 63] . (المرجع السابق) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 56 في إثبات اللَّه تعالى [ (1) ] ، فألقوه في النار، فصارت بردا   [ (1) ] عن كعب الأحبار قال: رأى إبراهيم عليه السلام قوما يأتون نمروذ الجبار فيصيبون منه طعاما، فانطلق معهم، فكان مرّ بالنمروذ رجل قال له: «من ربك؟» قال: «أنت ربى» ، وسجد له إعظاما له، فأعطاه حاجته، حتى مرّ به إبراهيم فقال: من ربك؟ قال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قال: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [البقرة: 258] ، وخرج إبراهيم ولم يعطه شيئا، فعمد إبراهيم إلى تراب فملأ به وعاءه ودخل به منزله، وأمر أهله أن لا يحلوه، ووضع رأسه فنام، فحلت امرأته الوعاء فإذا هو أجود دقيق رأت. (المرجع السابق) . وقال محمد بن إسحاق: حدثني أبو الأحوص بن عبد اللَّه قال: خرج قوم إبراهيم إلى عيد لهم فمروا عليه فقالوا: يا إبراهيم، ألا تخرج معنا؟ قال: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: 89] . وقد كان قبل ذلك قال: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ [الأنبياء: 57] . فسمعه إنسان منهم فلما خرجوا إلى عيدهم انطلق إلى أهله فأخذ طعاما ثم انطلق إلى آلهتهم فقربه إليهم فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ* ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ* فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ [الصافات: 91- 93] فكسرها إلا كبيرا لهم، ثم ربط في يده الفأس الّذي كسر به آلهتهم. فجاهرهم عند ذلك وقال: أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ؟ [الصافات: 95] ، أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأنبياء: 66- 67] . (المرجع السابق) . عن عكرمة في قوله تعالى قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ [الأنبياء: 96] أن نار الدنيا كلها لم ينتفع بها أحد من أهلها، فلما أخرج اللَّه تبارك وتعالى إبراهيم عليه السّلام من النار زاده اللَّه في حسنه وجماله سبعين ضعفا. وعن على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كانت البغال تتناسل، وكانت أسرع الدواب في نقل الحطب لحرق إبراهيم عليه السّلام فدعا عليها، فقطع اللَّه نسلها. وكانت الضفادع مساكنها القفار فجعلت تطفئ النار عن إبراهيم عليه السّلام فدعا لها فأنزلها اللَّه الماء، وكانت الأوزاغ تنفث عليه النار فلعنها فصارت ملعونة، فمن قتل منها أجر. (المرجع السابق) . وعن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لما ألقى بإبراهيم عليه السّلام في النار قال: حسبي اللَّه ونعم الوكيل. (المرجع السابق) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 57   [ () ] وقال الزبير بن بكار: حدثني عبد الرحمن بن المغيرة قال: لما رأى الناس أن إبراهيم عليه السلام لا تحرقه النار قالوا: ما هو إلا عرق الندى وما نعرفه، ألا ترى ما تضره النار ولا تحرقه؟ فسمى عرق الندى. (المرجع السابق) . وقال مقاتل: أول من اتخذ المنجنيق نمروذ، وذلك أن إبليس جاءهم لما لم يستطيعوا أن يدنوا من النار التي أضرمها لرمي إبراهيم عليه السّلام فيها، فقال: أنا أدلكم، فاتخذ لهم المنجنيق، صنعه له رجل من الأكراد يقال له: هبون. وكان أول من صنع المنجنيق، فخسف اللَّه به الأرض، وجيء بإبراهيم عليه السّلام فخلعوا ثيابه وشدوا رباطه، فوضع في المنجنيق، فبكت السموات، والأرض، والجبال، والشمس، والقمر، والعرش، والكرسي، والسحاب، والريح، والملائكة، كل يقول: يا رب عبدك إبراهيم بالنار يحرق، فائذن لنا في نصرته، فقالت النار وبكت: يا رب سخرتني لبني أدم، وعبدك يحرق بى عليه السّلام. فأوحى اللَّه إليهم أن عبدي إياي عبد، وفي جنبي أوذى، إن دعاني أجبته، وإن استنصركم فانصروه. فلما رمى استقبله جبريل عليه السّلام بين المنجنيق والنار فقال: السلام عليك يا إبراهيم، أنا جبريل، ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، حاجتي إلى اللَّه ربى. (المرجع السابق) . قال اللَّه تعالى: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ [الأنبياء: 69] ، فلو لم يخلط بالسلام لآذاه البرد، ودخل جبريل معه وإسرائيل، وأنبت اللَّه تعالى حوله روضة خضراء، وبسط له بساط من درنوك [بسط] الجنة، وأتى بقميص من حلل جنة عدن فألبسه، وأجرى عليه الرزق غدوة وعشيا. (المرجع السابق) . قال وهب: فلما رأوا الآية الباهرة، آمن منهم بشر كثير فأتى الجمع إلى نمروذ فقالوا: إن إبراهيم قد استمال الناس، وقد صبأ إليه خلق كثير، فجمع نمروذ وزحف، يريد إبراهيم ومن معه، فأوحى اللَّه إلى إبراهيم: أرحل بمن معك، فرفع بامرأته سارة وجميع من آمن به حتى بلغ مدين، فنزل، ونمروذ سائر بجموعه خلفه، فأرسل اللَّه عليهم جندا من البعوض فأعمى أعين الدواب، ودخل خياشيم الرجال حتى ماتوا، وأبقى اللَّه نمروذ، وقد دخلت خيشومه بعوضة فسكنت دماغه حتى كان أحب الناس إليه من ضرب رأسه ليكف عنه أكل البعوض. ثم هلك بعد ذلك. (المرجع السابق) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 58 وسلاما [ (1) ] فخرج عليه الصلاة والسلام عند ذلك بزوجته سارة، ومعه لوط إلى حران، فأقام بها خمس سنين ثم مضى منها وعمره خمس وسبعون، فهاجر إلى ربه [ (2) ] . فلما عبر الفرات من حران، غير اللَّه تعالى لسانه، وتكلم بالعبرانية، وسار حتى نزل أرض القدس، ومعه مواشيه، وزوجته، ولوط، فبنى عند صخرة بيت المقدس مذبحا، يقرب فيه قرابينه للَّه تعالى. ثم قدم مصر لغلاء نزل [بأرض] القدس، فكان أمر سارة مع الملك ما كان [ (3) ] وأخذ منها هاجر، ثم خرج [عليه الصلاة والسلام] من مصر، بعد ما أقام بها ثلاثة أشهر، فنزل خارج غزة، وقد كثر ماله، وابتنى بئر سبع، وجعلها سبيلا، وفرق أموالا في وجوه البر، وكان عليه الصلاة والسلام نصيف من كل مزية، وأمر ابن أخيه لوطا أن يتحول عنه، فسار عنه لوط إلى أرض القدس، ونزل سدوم، ونزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام حبرون، التي تعرف اليوم ببلد الخليل. وولد له عليه الصلاة والسلام بعد عشر سنين من سكناه إسماعيل عليه السلام من هاجر، وعمره ست وثمانون سنة، [ثم اختتن وله تسع وتسعين سنة] [ (4) ] وفي الصحيح أنه اختتن وعمره ثمانون سنة، وولد له إسحاق   [ (1) ] قال العلامة المقريزي: وكان من خبر إبراهيم عليه السّلام مع طوطيس بن ماليا فرعون إبراهيم، أنه عليه الصلاة والسلام قدم إلى مصر بزوجته سارة، فعند ما رآها الحرس الموكلون بأبواب مدينة منف عجبوا من حسنها، فرفعوا خبرها إلى طوطيس، فأمر وزيره فأحضر إبراهيم عليه السّلام وسأله عنها وبعث بها إلى طوطيس، فأكرمها وكف عنها طوطيس، وجفت يده لما مدها إليها حتى دعت اللَّه سبحانه وتعالى فخلصها، وهابها طوطيس بعد ذلك وبعث بها إلى ابنته حوريا فأكرمتها وأعادتها إلى إبراهيم عليه السّلام، ووهبتها هاجر أم إسماعيل. (المقفى الكبير) : 4/ 36. [ (2) ] هكذا ورد في التوراة وهو خلاف لما في الصحيح. [ (3) ] (فتح الباري) : 11/ 104، كتاب الاستئذان، باب (51) ، الختان بعد الكبر ونتف الإبط، حديث رقم (6298) . [ (4) ] قال تعالى: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا مريم: 41. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 59 [عليهما السلام] وهو ابن مائة سنة من سارة، وأنزل ابنه إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر بمكة، وقد وعده اللَّه [تبارك و] تعالى أن يجعل منه ومن إسحاق [عليهما السلام] شعوبا كبارا. وامتحنه اللَّه [عز وجل] بذبح ولده، فبادر لطاعة ربه، وأراد ذبحه، ففداه اللَّه [تعالى] بذبح عظيم، وماتت سارة، فتزوج بعدها قطورا، فولدت له عليه السلام ستة أولاد، ثم مات عليه السلام، وعمره مائة وخمس وسبعون سنة، فدفن حيث قبره الآن من قرية حبرون، مع زوجته سارة. ويقال: معنى إبراهيم بالسريانية، أب رحيم، وقد سماه اللَّه تعالى إماما [ (1) ] [وحليما [ (2) ] ، وأواها، ومنيبا وصديقا [ (3) ]] وأمّة، وقانتا، وحنيفا [ (4) ] ، فالأمة: هو القدوة، المعلم للخير. والقانت: المطيع للَّه، الملازم لطاعته. والحنيف: المقبل على اللَّه، المعرض عما سواه. وقد اتفق أهل الملة على تعظيمه، وتوليته، [و] محبته، وكان خير بنيه، وسيد ولد آدم، محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، يجله، ويعظمه، ويبجله، ويحترمه. ففي صحيح مسلم من حديث المختار بن فلفل، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا خير البرية، فقال ذاك إبراهيم [ (5) ] ، وسماه شيخه، فإنه لما دخل الكعبة، وجد   [ (1) ] قال تعالى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً البقرة: 124. [ (2) ] قال تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ هود: 75. [ (3) ] قال تعالى: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا مريم: 41. [ (4) ] قال تعالى: أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً النحل: 120. [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 130، كتاب الفضائل، باب (41) من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام، حديث رقم (2369) . قال العلماء: إنما قال هذا تواضعا واحتراما لإبراهيم لخلقه وأبوّته، وإلا فنبينا أفضل، كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد ولد آدم، ولم يقصد به الافتخار ولا التطاول على من تقدمه، بل قاله بيانا لما أمر ببيانه وتبليغه، ولهذا قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولا فخر، لينفى ما قد يتطرق إلى بعض الأفهام السخيفة. (المرجع السابق) . - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 60 المشركين قد صوروا فيها صورة إبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام، فقال قائلهم: سبحان اللَّه! لقد علموا أن شيخنا لم يكن يستقسم بالأزلام، ولم يأمر اللَّه [تبارك وتعالى] رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتبع ملة أحد من الأنبياء، غير إبراهيم عليه السّلام، وأمر أمته بذلك. وأخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم، أن إبراهيم عليه السّلام، أول من [يكسي] يوم القيامة، وكان أشبه الخلق به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو عليه [الصلاة] والسّلام أول من [أقرى] الضيف، وأول من اختتن، وأول من رأى الشيب، وقد شهد اللَّه [تبارك و] تعالى له، أنه وفّى ما أمر به، يعنى وفّى جميع ما أمر به من تبليغ الرسالة، وفّى جميع شرائع الإسلام، وجعله [تبارك] تعالى إماما للخلائق يأتمون به. وكان كما قيل: قلبه للرحمن، وولده للقربان، وبدنه للنيران، وماله للضيفان، وبه سنّ اللَّه الهدايا والضحايا، وهو الّذي للأمة مناظر المشركين، والمبطلين، وكسر حجتهم، وهو أذن في الناس بالحج، لما فرغ من بناء الكعبة البيت الحرام، فكل من حجه واعتمره، كان لإبراهيم مزيد الثواب، بعدد الحجاج والمعتمرين إلى يوم القيامة، وقد ذكرت له سيرة في (التاريخ الكبير المقفى) [ (1) ] ، صلى اللَّه عليه وعلى نبينا وسلم.   [ () ] وأخرجه الترمذي في كتاب التفسير، باب من سورة لم يكن، حديث رقم (3349) . وأبو داود في كتاب السنة باب في التخيير بين الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، حديث رقم (4672) ، (جامع الأصول) : 8/ 512، كتاب الفضائل في فضل جماعة من الأنبياء، حديث رقم (6306) ، (مسند أحمد) : 4/ 19، حديث رقم (12415) من مسند أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (1) ] (المقفى للمقريزي) : 1/ 13، 4/ 36. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 61 وأما حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن تميم الداريّ [ (1) ]   [ (1) ] هو تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن جذيمة بن دراع بن عدي بن الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم بن عدي، ينسب إلى الدار، وهو بطن من لخم، يكنى أبا رقية [بابنة له تسمى رقية] لم يولد له غيرها. كان نصرانيا، وكان إسلامه في سنة تسع من الهجرة، وكان يسكن المدينة ثم انتقل منها إلى الشام بعد قتل عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وروى عنه عبد اللَّه بن وهب، وسليم بن عامر، وشرحبيل بن مسلم، وقبيصة بن ذؤيب، وعطاء بن يزيد الليثي. روى الشعبي عن فاطمة بنت قيس أنها سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يذكر الدجال في خطبته، وقال فيها: حدثني تميم الداريّ، وذكر خبر الجساسة وقصة الدجال. وهذا أولى مما يخرجه المحدثون في رواية الكبار عن الصغار. قال أبو نعيم: كان راهب أهل فلسطين، وعالم أهل فلسطين، وهو أول من أسرج السراج في المسجد. رواه الطبراني من حديث أبى هريرة، وأول من قصّ: وذلك في عهد عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. رواه إسحاق بن راهويه، وابن أبى شيبة. كان كثير التهجد، قام ليلة بآية حتى أصبح، وهي أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ [الجاثية: 21] ، رواه البغوي في (الجعديات) بإسناد صحيح إلى مسروق. وروى البغوي في (الصحابة) قصة مع عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فيها كرامة واضحة لتميم، وتعظيم كثير من عمر له، موجزها، عن معاوية بن حرمل قال: قدمت على عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين، تائب من قبل أن يقدر عليّ، فقال: من أنت؟ قلت: معاوية بن حرمل صهر مسيلمة، قال: اذهب فانزل على خير أهل المدينة، قال: فنزلت على تميم الداريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فبينا نحن نتحدث إذ خرجت نار بالحرة، فجاء عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إلى تميم، فقال: يا تميم، فخرج، فقال: وما أنا؟ وما تخشى أن يبلغ من أمرى؟ فصغر نفسه، ثم قام فحاشها حتى أدخلها الباب الّذي خرجت منه، ثم اقتحم في أثرها، ثم خرج فلم تضر. له ترجمة في: (مسند أحمد) : 4/ 102، (طبقات ابن سعد) : 7/ 408 (طبقات خليفة) : 70، 305، (تاريخ خليفة) : 341، (التاريخ الكبير) : 2/ 150- 151، (المعارف 102، 168 (الجرح والتعديل) : 2/ 440، (الإستيعاب) : 2/ 58، (تهذيب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 62 فخرج مسلم من حديث الحسين بن ذكوان قال: حدثنا ابن بريدة قال: حدثني عامر بن شرحبيل الشعبي، شعب همدان، أنه سأل فاطمة بنت قيس- أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول، - فقال: حدثيني حديثا سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لا [تسنديه] إلى أحد غيره، فقالت: لئن شئت لأفعلن، فقال [لها] : أجل حدثيني، فقالت: نكحت ابن المغيرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو من خيار شباب قريش يومئذ، فأصيب في أول الجهاد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما تأيمت خطبنى عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في نفر من أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخطبنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على مولاه أسامة بن زيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكنت قد حدثت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من أحبنى فليحب أسامة، فلما كلمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلت: أمرى بيدك، فأنكحنى من شئت، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: انتقلي إلى أم شريك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- وأم شريك امرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل اللَّه، ينزل عليها الضيفان-[فقلت: سأفعل، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تفعلي، إن أم شريك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها ينزل عليها الضيفان] فإنّي أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك، عبد اللَّه بن عمرو بن أم مكتوم رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو رجل من بنى فهر قريش، وهو من البطن الّذي هي منه، فانتقلت إليه، فلما انقضت عدتى، سمعت المنادي- منادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- ينادى: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكنت في صف النساء الّذي يلي ظهور القوم، فلما قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلتزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ فقالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: إني واللَّه ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الداريّ كان رجلا نصرانيا، فجاء وبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الّذي أحدثكم عن مسيح الدجال.   [ () ] التهذيب) : 1/ 511، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 442: 448، (ضوء الساري في معرفة خبر تميم الداريّ للمقريزي) : 38 وما بعدها، قصة الجساسة والدجال. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 63 حدثني أنه ركب في سفينة بحرية، مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم [أرفأوا] إلى جزيرة في البحر، حيث مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب، كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره، من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، فقالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمّت لنا رجلا، فرقنا منها أن تكون شيطانا، فانطلقنا سراعا حتى أتينا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه بالحديد إلى كعبيه، قلنا: ويلك! ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين [اغتلم] ، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأنا الى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب، كثير الشعر، لا ندري ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك! ما أنت؟ فقال: الجساسة، فقلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعبروا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعا، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانا. قال: أخبرونى عن نخل بيسان، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟ فقلنا له: نعم، قال: أما إنه توشك ألا يثمر، قال: أخبرونى عن بحيرة طبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبرونى عن عين زغر؟ قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبرونى عن نبي الأميين ما فعل؟ [قالوا] : أخرج من مكة، ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا له: نعم، قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عنى: إني أنا المسيح [الدجال] ، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قريه إلا هبطتها في أربعين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 64 ليلة، إلا مكة وطيبة، فهما محرمتان عليّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحدا منهما، استقبلني ملك بيده السيف مصلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وطعن [أو طنّ] بمخصرته في المنبر: هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة، يعنى المدينة، ألا هل كنت أحدثكم ذاك؟ فقال الناس: نعم، فإنه أعجبنى حديث تميم، أنه وافق الّذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة، ومكة، إلا أنه في بحر الشام، أو نحو اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق وما هو من قبل المغرب، ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق، قالت: فحفظت هذا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر له عدة طرق، تدور على الشعبي [ (1) ] .   [ (1) ] مسلم: (18/ 291- 297) ، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قصة الجساسة، باب (24) ، (حديث رقم 119، 120، 121، 122، 123) ، وهذا الحديث معدود في مناقب تميم الداريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم روى هذه القصة وهي من باب رواية الفاضل عن المفضول، والمتبوع عن تابعه، وفيها دليل على قبول خبر الواحد. [والجساسة- بفتح الجيم وتشديد السين المهملة الأولى- سميت بذلك لأنها تتجسس الأخبار للدجال] . [وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنها دابة الأرض المذكورة في القرآن] ، في قوله تعالى: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ النمل: (82) . [وفاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن واثلة بن عمرو بن شيبان ابن محارب بن فهر القرشية الفهرية، إحدى المهاجرات الأول الجميلات العاقلات النبيلات، كانت عند أبى عمرو بن حفص [بن عمرو] بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم المخزومي القرشي، واسمه: عبد الحميد، وقيل: اسمه كنيته. طلقها لما بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع على بن أبى طالب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حين وجهه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أميرا على اليمن، وبعث إليها تطليقة، وهي بقية طلاقها، ثم مات هناك مع على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فتأيمت- أي صارت أيّما- وهي [التي] لا زوج لها، فخطبها معاوية، وأبو جهم بن حذيفة، فاستشارت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيهما، فأشار عليها بأسامة بن زيد، فتزوجته] . - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 65   [ () ] [وذكر البخاري في (التاريخ) أنه عاش إلى خلافة عمر، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه] . [وقولها: «فأصيب» ، وليس معناه أنه قتل في الجهاد مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتأيمت بذلك، بل إنما تأيمت بطلاقه البائن، ويكون معنى فأصيب [بجراحة أو أصيب] في ماله أو نحو ذلك، وأرادت عد فضائله، فابتدأت بكونه خير شباب قريش، ثم ذكرت الباقي] . [وقوله: «وأم شريك من الأنصار» أنكر هذا بعضهم وقال: إنما هي قريشة، وهي من بنى عامر بن لؤيّ، واسمها غزية، وقيل: غزيلة. وذهب آخرون إلى أنهما ثنتان: قريشة وأنصارية، فالقرشية العامرية هي: أم شريك غزية بنت دودان بن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة بن حجر. ويقال: حجير بن عبد معيص بن عامر بن لؤيّ [وقيل: هي أم شريك بنت عوف بن جابر بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر ابن لؤيّ] وهي التي وهبت نفسها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، على خلاف في ذلك قد ذكرته في كتاب (إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأحوال والحفدة والمتاع) ، [عند ذكر أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، قال محققه: راجع (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا: الجزء السادس. وأما أم شريك الأنصارية فمن بنى النجار، ولم يذكرها ابن عبد البر، وإنما روى الحاكم في (المستدرك) عن طريق محمد بن إسحاق: حدثنا أبو الأشعث، حدثنا زهير بن العلاء، حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة قال: وتزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أم شريك الأنصارية من بنى النجار قال: «إني أحب أن أتزوج في الأنصار» ، ثم قال: «إني أكره غيرتهن» فلم يدخل بها. [و قوله: «انتقلي إلى ابن عمك: عبد اللَّه بن عمرو بن أم مكتوم» وهو رجل من بنى فهر- فهر قريش- وهو من البطن الّذي هي منه- ابن أم مكتوم صفة لعبد اللَّه لا لعمرو، فإنه عبد اللَّه ابن أم مكتوم [وهي أمه فينسب تارة إلى أبيه عمرو، وتارة ينسب إلى أمه أم مكتوم] ، فينبغي أن يكتب في قولنا: ابن أم مكتوم بألف في «ابن» وفي قولها هذا إشكال، فإن ابن أم مكتوم من بنى عامر بن لؤيّ، وفاطمة بنت قيس من بنى محارب بن فهر، فكيف يكون ابن عمها، وأنها من البطن الّذي هو منه] ؟. [وقد أجيب عن هذا الإشكال بأن المراد بالبطن هاهنا: القبيلة، لا البطن الّذي هو دون القبيلة، والمراد ابن عمها مجازا، لكونه من قبيلتها. وفيه نظر] ! (هدى الساري) . قال أبو الفوز محمد أمين البغدادي الشهير بالسويدي: اعلم أن العرب كلها ترجع إلى أصلين: عدنان، وقحطان، وكان الملك في الجاهلية لقحطان حتى نقله الإسلام إلى عدنان، ولكل واحد منهم فروع اتفقت العرب فيما نقل إلينا على أن جعلتها ست طبقات، وكذلك عدها أهل اللغة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 66   [ () ] الطبقة الاولى: الشعب بفتح الشين، وهو النسب الأبعد كعدنان مثلا، قال الجوهري: وهو أبو القبائل الّذي ينسبون اليه وبجمع على شعوب. قال الماوردي في الأحكام السلطانية: وسمى شعبا لأن القبائل تتشعب منه، وذكر الزمخشريّ في كشافه نحوه. الطبقة الثانية: القبيلة وهي ما انقسم فيه الشعب كربيعة ومضر. قال الماوردي: وسميت قبيلة لتقابل الأنساب فيها، وتجمع القبيلة على قبائل وربما سميت القبائل جماجم أيضا كما يقتضيه كلام الجوهري، حيث قال: جماجم العرب هي القبائل التي تجمع البطون. الطبقة الثالثة: العمارة بكسر العين وهي ما انقسم فيه أنساب القبيلة كقريش وكنانة وتجمع على عمارات وعمائر. الطبقة الرابعة: البطن، وهي ما انقسم فيه أنساب العمارة كبني عبد مناف وبنى مخزوم، ويجمع على بطون وأبطن. الطبقة الخامسة: الفخذ. وهو ما انقسم فيه أنساب البطن كبني هاشم، وبنى أمية، ويجمع على أفخاذ. الطبقة السادسة: الفصيلة. بالصاد المهملة وهي ما انقسم فيه أنساب الفخذ كبني العباس وبنى عبد المطلب هكذا رتبها الماوردي رحمه اللَّه في الأحكام السلطانية، وعلى نحو ذلك جرى الزمخشريّ في تفسيره في الكلام على قوله تعالى: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ [الحجرات: 13] إلا أنه مثّل الشعب بخزيمة، وللقبيلة بكنانة، وللعمارة بقريش، وللبطن بقصي، وللفخذ بهاشم، وللفصيلة بالعباس. وبالجملة، فالفخذ يجمع القبائل، والبطن يجمع الأفخاذ، والعمارة تجمع البطون، والقبيلة تجمع العمائر، والشعب يجمع القبائل، وإنما يعلو بعضها على بعض بشرطين: قدم المولد، وكثرة الولد، وليس دون الفصيلة إلا الرجل وولده. قال النووي في (تحرير التنبيه) : وزاد بعضهم العشيرة قبل الفصيلة. قال الجوهري: وعشيرة الرجل رهطه الأدنون. وحكى أبو عبيد، عن ابن الكلبي، عن أبيه: تقديم الشعب، ثم القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم الفخذ، فأقام الفصيلة مقام العمارة في ذكرها بعد القبيلة، والعمارة مقام الفصيلة في ذكرها قبل الفخذ، ولم يذكر ما يخالفه (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب) : 13- 14. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 67 وأما حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن قسّ بن ساعدة [يقال: عاش قس بن ساعدة ستمائة سنة، وهو أول من أخبر بالبعث من أهل الجاهلية في غير علم، وأول من خطب بعصا، وقد ثبت قوم قسا وهم الأكثر، ونفاه آخرون، وقالوا: لم يخلق قس وقد ذكره الشعراء] ففي سنده نظر. وقد خرجه البيهقيّ من حديث أبو عبيد اللَّه سعيد بن عبد الرحمن [بن] حسان القرشيّ المخزوميّ، وقد وثقه النسائىّ، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبى حمزة الثماليّ، عن سعيد بن جبير، عن عبد اللَّه بن عباس، رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] قال: قدم وفد أياد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسألهم عن قس بن ساعدة الأيادي، فقالوا: هلك يا رسول اللَّه، فقال: لقد شهدته في الموسم بعكاظ، وهو على جمل له أحمر- أو على ناقة حمراء- وهو ينادى في الناس: اجتمعوا، واسمعوا، وعوا، واتعظوا، تنتفعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. أما بعد، فإن [في] السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، نجوم تمور، وبحار تفور ولا تخور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع، ونهار منبوع. أقسم قس قسما باللَّه، لا كذبا [ولا إثما] ليتبعن هذا الأمر سخطا، ولئن كان بعضه رضا، إن بعضه سخطا، وما هذا باللعب، وإن من وراء هذا للعجب. أقسم قس قسما باللَّه، لا كذبا ولا إثما، إن للَّه دينا، هو أرضى له من دين نحن عليه، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثم أنشد قس بن ساعدة أبيات من الشعر لم أحفظها عنه فقام أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: أنا حضرت ذلك المقام، وحفظت تلك المقالة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما هي؟ فقال أبو بكر: قال قس بن ساعدة في آخر كلامه: في الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 68 ورأيت قومي نحوها ... تمضى الأكابر والأصاغر لا يرجع الماضي ولا ... يبقى من الباقين غابر أيقنت أنى لا محالة ... حيث صار القوم صائر ثم أقبل صلّى اللَّه عليه وسلّم على وفد أياد فقال: هل وجد لقس بن ساعدة وصية؟ فقالوا: نعم، وجدوا له صحيفة تحت رأسه مكتوب فيها: يا ناعي الموت والملحود في جدث ... عليهم من بقايا بزهم خرق دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم ... فهم إذا أنبهوا من نومهم فرقوا حتى يعودا لحال غير حالهم ... خلقا جديدا كما من قبل قد خلقوا منهم عراة، ومنهم [في] ثيابهم ... منها الجديد، ومنها المنهج الخلق [ (1) ] وقد روى من طريق معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ومن حديث مجالد عن الشعبي، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ومن حديث على بن سليمان، عن سليمان ابن على بن عبد اللَّه بن عباس، عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، [ومن حديث الكلبي عن أبى صالح، عن ابن عباس] ، وروى عن الحسن البصري منقطعا، وروى من حديث سعد بن أبى وقاص، وأبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما بزيادات ألفاظ، ونقصان ألفاظ، وفيها ما هو مختصر، وفيها ما هو مطول. قال البيهقي: وإذا روى الحديث من أوجه، وإن كان بعضها ضعيفا، دل على أن للحديث أصلا، واللَّه تبارك وتعالى أعلم [ (2) ] . قال [الحافظ] : إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم روى هذه الخطبة، وهي فضيلة لأياد.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 101، باب ذكر حديث قس بن ساعدة الأيادي، هو قس بن ساعدة ابن عمرو بن عدي بن مالك، من بنى أياد، أحد حكماء العرب، وهو من كبار خطبائهم في الجاهلية، ويقال: إنه أول عربي خطب متوكئا على سيف أو عصا، وأول من قال في كلامه: أما بعد، وكان يفد على قيصر الروم زائرا فيطعمه ويكرمه، وهو معدود في المعمرين، طالت حياته، وأدركه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل النبوة، ورآه في عكاظ، وسئل عنه بعد ذلك فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يحشر أمة وحده [ (2) ] راجع هذه الأسانيد والألفاظ في المرجع السابق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 69 وأما حديثه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أبى كبشة فذكر الكلبي في كتاب (الرقائق) : حدثني أبى عن أبى صالح، عن ابن عباس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: حدثني أبو كبشة: أنهم لما أرادوا دفن [بلال] بن حبشية- وكان سيدا معظما- حفروا له، فوقعوا له على باب مغلق، ففتحوه، فإذا سرير عليه رجل، وعليه ملك عدة، وعند رأسه كتاب: أنا أبو سمر، ذو النون، مأوى المساكين، ومستفاد الغارمين، أخذنى الموت غصبا، وقد أعيا الجابرة قبلي. قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: كان ذو النون هذا، هو سيف [ذي النون] الحميري، وأبو كبشة هذا، يقال: أنه الحوت، زوج حليمة السعدية، ظئر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . فصل في ذكر من حدث وروى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أصحابه رضى اللَّه تعالى عنهم بمكة والمدينة وغيرهما من البلدان التي غزا إليها وحلها بعرفة ومنى غير ذلك اعلم أنه آمن برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الجن والإنس خلائق حدثوا عنه، ورووا ما وعوه، وسمعوه، فسمع منه الجن القرآن وهو يقرأ بأصحابه بعكاظ وجاءوه فسألوه عن أشياء، ومكث معهم أيضا في ليلة شهدها عبد اللَّه بن مسعود، فأسلم منهم طائفة من جن نصيبين. إسلام الجن، وإنذارهم قومهم فقد ثبت بكتاب اللَّه تعالى، وحديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال اللَّه تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ   [ (1) ] وهذا الحديث، الآفة فيه، الكلبي، وهو متهم، وضعفه أكثر أهل العلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 70 يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (1) ] اختلف أئمة التفسير في سبب صرف الجن إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قيل: وصرفوا إليه بسبب ما حدث من رجمهم بالشهب، وقيل: صرفوا إليه لينذرهم، وأمر عليه السّلام أن يقرأ عليهم القرآن، وإليه ذهب قتادة. وقيل: مروا به وهو يقرأ القرآن بنخلة [ (2) ] ، لما عاد من الطائف [ (3) ] . واختلف أيضا في المكان الّذي سمعوا فيه قراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قيل: بالحجون [ (4) ] ، وهو قول ابن مسعود وقتادة، وقيل ببطن نخل [ (5) ] ، وهو قول ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. واختلف من أي بلدهم، فقيل: هم جن نصيبين- قرية باليمن- لا مدينة نصيبين التي بالجزيرة- قاله ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما وقيل: من أهل نينوى [ (6) ] ، قاله قتادة. وقيل: من جزيرة الموصل، قاله عكرمة، وقيل: من أهل حيران، قاله مجاهد، واختلف في عدتهم. فقيل: كانوا سبعة، قاله ابن مسعود، وزر بن حبيش، ومجاهد، ورواه عكرمة بن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. وقيل: كانوا تسعة، رواه أبو صالح عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. وقيل: كانوا اثنى عشر، وهو مروى عن عكرمة، ويرد بقوله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ والنفر لا يطلق على الكثير، فإن النفر ما بين الثلاثة إلى العشرة.   [ (1) ] الأحقاف 29- 32 [ (2) ] نخلة: اسم موضع [ (3) ] الطائف: مسيرة يوم للطالع من مكة، ونصف يوم للهابط إلى مكة. [ (4) ] الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها. [ (5) ] بطن نخل: قريبة من المدينة على طريق البصرة. [ (6) ] نينوى: قرية يونس بن متى عليه السّلام بالموصل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 71 وذكر السهيليّ في (التفسير) أنهم كانوا يهودا، لذلك قالوا: مِنْ بَعْدِ مُوسى ولم يقولوا: «من بعد عيسى» ذكره ابن سلام، وكانوا سبعة، وقد ذكروا بأسمائهم في التفاسير والمسندات، وهم: شاصر، وآصر، ومنشى، وماشى، والأحقب، وهؤلاء الخمسة ذكرهم ابن دريد، ووجدت في خبر ذكره، أن منهم آخر يقال له: سرق، وفي خبر آخر: أن منهم عمرو بن [جابر] [ (1) ]] فَلَمَّا حَضَرُوهُ، أي حضروا استماعه، قالوا: أنصتوا، قال   [ (1) ] مطموس بالأصل، واستدركناه من كتب السيرة. قال الحافظ ابن كثير في (التفسير) : كانوا سبعة نفر: ثلاثة من أهل حران، وأربعة من أهل نصيبين، وكانت أسماؤهم: حسي، وحسبي، ومنسي، وساصر، وناصر، والأردوبيان، والأحتم. وذكر أبو حمزة الثمالي أن هذا الحي من الجن كان يقال لهم بنو الشيصبان وكانوا أكثر الجن عددا، وأشرفهم نسبا، وهم كانوا عامة جنود إبليس. وقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كانوا تسعة أحدهم زوبعة أتوه من أصل نخلة وتقدم عنهم أنهم كانوا خمسة عشر. وفي رواية أنهم كانوا اثنى عشر ألفا فلعل هذا الاختلاف دليل تكرر وفادتهم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومما يدل على ذلك ما قاله البخاري في صحيحه حدثنا يحيى بن سليمان حدثنا ابن وهب حدثنا عمر وهو ابن محمد قال إن سالما حدثه عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: ما سمعت عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول لشيء قط إني لأظنه هكذا إلا كما يظن، بينما عمر ابن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه جالس إذا مر به رجل جميل فقال لقد أخطأ ظني أو أن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم، عليّ بالرجل، فدعى له فقال له: ذلك فقال: ما رأيت كاليوم أستقبل به رجل مسلم قال: فأنى أعزم عليك إلا ما أخبرتنى قال كنت كاهنكم في الجاهلية فما أعجب ما جاءتك به جنيتك قال بينما أنا يوما في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها ... ويأسها من بعد إنكاسها ولحقوها بالقلاص وأحلاسها قال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه صدق، بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول لا إله إلا اللَّه قال: فوثب القوم فقلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى يا جليح أمر نجيح برجل فصيح يقول لا إله إلا اللَّه فقمت فما نشبنا إن قيل هذا نبي. هذا سياق البخاري. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 72 بعضهم لبعض: اسكتوا كي نستمع إلى قراءته، فَلَمَّا قَضى، أي فرغ من التلاوة، وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، انصرفوا إليهم محذرين عذاب اللَّه إن لم يؤمنوا. واختلف هل أنذروا قومهم من قبل أنفسهم؟ أم جعلهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رسلا إلى قومهم؟ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى يعنى القرآن، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [ (1) ] . قال عطاء: كان دينهم اليهودية، ولذلك قالوا: إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى، يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ [ (2) ] ، يعنون محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو دليل على أنه بعث إلى الجن، كما بعث إلى الإنس، قال مقاتل: ولم يبعث اللَّه نبيا إلى الجن والإنس قبله. قال ابن عبد البر: ولا يختلفون أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم رسول إلى الإنس والجن، نذيرا، وبشيرا، هذا مما فضل به على الأنبياء، أنه بعث إلى الخلق كافة، الجن والإنس، وغيره لم يرسل إلا بلسان قومه، ودليل ذلك ما نطق به القرآن الكريم من دعائهم إلى الإيمان، بقوله في مواضع من كتابه: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [ (3) ] وقال ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: فاستجاب لهم من قومهم سبعين رجلا من الجن، ثم رجعوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوافوه بالبطحاء، فقرأ عليهم القرآن، وأمرهم، ونهاهم.   [ () ] وقد رواه البيهقي من حديث ابن وهب بنحوه ثم قال: وظاهر هذه الرواية يوهم أن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بنفسه سمع الصارخ صرخ من العجل الّذي ذبح وكذلك هو صريح في رواية ضعيفة عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وسائر الروايات تدل على أن هذا الكاهن هو الّذي أخبر بذلك عن رؤيته وسماعه واللَّه أعلم، (تفسير ابن كثير) : 4/ 180. [ (1) ] الأحقاف: 30. [ (2) ] الأحقاف: 30. [ (3) ] الرحمن: 33. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 73 وقال أبو حنيفة [رحمه اللَّه] : ليس لمؤمن الجن ثواب إلا النجاة من النار، لقوله تعالى: وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [ (1) ] . وقال الحسن: ثوابهم أن يجاروا من النار، يقال لهم: كونوا ترابا مثل البهائم. وقال مالك وابن أبى ليلى: إن كان عليهم العقاب في الإساءة، وجب أن يكون لهم الثواب في الإحسان مثل الإنس. وقال جويبر عن الضحاك: الجن يدخلون الجنة، ويأكلون، ويشربون. وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ [ (2) ] أي لا يعجز اللَّه في الأرض ولن يعجزه هربا، وليس له من دونه أولياء، أي أنصار يمنعونه من عذاب اللَّه أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، أي الذين لا يجيبون الرسل. وقال تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً* وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً* وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً* وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً* وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً* وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً* وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً* وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً* وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً* وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً* وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً* وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً [ (3) ] . أي قل يا محمد لأمتك: أوحى إلى على لسان جبريل، أنه استمع إليك نفر من الجن، ولم يكن صلّى اللَّه عليه وسلّم عالما به قبل أن يوحى إليه.   [ (1) ] الأحقاف: 31. [ (2) ] الأحقاف: 32. [ (3) ] الجن: 1- 15. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 74 قال ابن عباس وغيره: وظاهر القرآن يدل على أنه يراهم، [لقوله] اسْتَمِعْ، ولقوله: يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ: وقال عكرمة: السورة التي كان يقرؤها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ* كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى * إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى* أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى* أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ* فَلْيَدْعُ نادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ* كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [ (1) ] . وقد خرج البخاري ومسلم، من حديث [أبى] عوانه، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: ما قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الجن ولا أراهم، انطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيئا حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السماء. فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك [النفر] الذين توجهوا إلى نحو تهامة، إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ، وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا واللَّه الّذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم قالوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً، فأنزل اللَّه   [ (1) ] العلق: 1- 19. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 75 عز وجل على نبيه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [ (1) ] وإنما أوحى إليه قول الجن [ (2) ] . قال البيهقي: وهذا الّذي حكاه عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، إنما [هو] أول ما سمعت الجن قراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلمت بحاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم كما حكاه، ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى، فذهب معه، وقرأ عليهم القرآن، كما حكاه عبد اللَّه بن مسعود، ورأى آثارهم وآثار نيرانهم، وعبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حفظ القصتين جميعا فرواهما. أما القصة الأولى: فذكر البيهقي من طريق أبى بكر بن أبى شيبة، حديث سفيان عن عاصم، عن زر، عن عبد اللَّه قال: [هبطوا] على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوا قالوا: أنصتوا، قالوا: صه، وكانوا سبعة، أحدهم زوبعة، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ* يا قَوْمَنا أَجِيبُوا.   [ (1) ] الجن: 1. [ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 321، كتاب الأذان، باب (105) الجهر بقراءة صلاة الفجر، حديث رقم (773) . وذكره أيضا في: 8/ 865، كتاب التفسير، باب (1) سورة قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ، حديث رقم (4921) . وذكره في مسلم: 4/ 411، كتاب الصلاة، باب (33) في (السنن) ، حديث رقم (149) . وذكره الترمذي: 5/ 3980، كتاب تفسير القرآن، باب (69) ومن سورة الجن، حديث رقم (3323) ، قال أبو عيسى الترمذي: وبهذا الإسناد عن ابن عباس، قال قول الجن لقومهم: لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [الجن: 19] قال: لما رأوه يصلى وأصحابه يصلون بصلاته فيسجدون بسجوده، قال: فعجبوا من طواعية أصحابه له، قالوا لقومهم: لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 76 داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (1) ] . وخرجه الحاكم وصححه، وذكر ما خرجه البخاري ومسلم، من حديث أبى قدامة، عبيد اللَّه بن سعيد قال: حدثنا أبو أسامة عن مسعر، عن معن، قال: سمعت أبى قال: سألت مسروقا: من آذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ قال: حدثني أبوك- يعنى عبد اللَّه- أنه آذنت به الشجرة، ذكره البخاري في كتاب المبعث، وذكره مسلم في كتاب الصلاة، ولفظه: حدثني أبوك- يعنى ابن مسعود- أنه آذنته بهم شجرة [ (2) ] . قال البيهقي: وأما القصة الأخرى: فذكر حديث مسلم من طريق عامر الشعبي، قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن؟ فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات ليلة، ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير [ (3) ] أو اغتيل [ (4) ] ، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا، إذ هو جاء من قبل حراء، [قال] : فقلنا: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فقال: أتانى داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن، قال: فانطلق بنا، فأرانا آثارهم، وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم اللَّه عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فلا تستنجوا بهما، فإنّهما طعام إخوانكم [ (5) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 228، باب ذكر إسلام الجن وما ظهر في ذلك من آيات المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، والآيات: 29- 32، من سورة الأحقاف. [ (2) ] سبق تخريج أحاديث البخاري ومسلم والترمذي. [ (3) ] استطير: طارت به الجن. [ (4) ] اغتيل: قتل سرا. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 228- 229، واللفظ لمسلم كما قال. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 77 وفي لفظ له قال: قال الشعبي: وسألوه الزاد وكان من جن الجزيرة- إلى آخر الحديث، من قول الشعبي مفصلا من حديث عبد اللَّه. وقد خرجه الترمذي من طريق الشعبي. قال البيهقي: والأحاديث الصحاح، تدل على أن عبد اللَّه بن مسعود لم يكن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن، وإنما كان معه حين انطلق به وبغيره، يريهم آثار الجن وآثار نيرانهم. وقد خرج مسلم من حديث أبى معشر، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: لم أكن ليلة الجن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ووددت أنى كنت معه. ذكره في كتاب الصلاة [ (1) ] . قال البيهقي: وقد روى من أوجه أخر، أنه كان معه ليلتئذ، فذكر من طريق الليث بن سعد قال: حدثني يونس بن زيد، عن ابن شهاب قال: أخبرنى أبو عثمان بن سنة الخزاعي- وكان رجلا من أهل الشام- أنه سمع عبد اللَّه ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لأصحابه وهو بمكة: من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل، فلم يحضر منهم أحد غيري، فانطلقنا، حتى إذا [كنا] بأعلى مكة، خط لي برجله خطا، ثم أمرنى أن أجلس فيه، ثم انطلق حتى قام، فافتتح القرآن، فغشيته، أسودة كثيرة، حالت بيني وبينه، حتى ما أسمع صوته، ثم انطلقوا وطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين، حتى بقي منهم رهط، وفرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع الفجر، فانطلق فبرز، ثم أتانى فقال: ما فعل الرهط؟ فقلت: هم أولئك يا رسول اللَّه فأخذ عظما وروثا، فأعطاهم إياه زادا، ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو بروث [ (2) ] . قال البيهقي: يحتمل قوله في الحديث الصحيح، ما صحبه منا أحد، أراد به في حال ذهابه لقراءة القرآن عليهم، إلا أنه ما روى في هذا الحديث، من إعلام أصحابه بخروجه إليهم، يخالف ما روى في الحديث الصحيح من   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 415، كتاب الصلاة، باب (33) الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن، حديث رقم (125) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 230. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 78 فقدانهم إياه، حتى قيل: اغتيل، استطير، إلا أن يكون المراد بمن فقده غير، الّذي علم بخروجه [ (1) ] . وذكر البيهقي أيضا: من طريق موسى بن على بن رباح، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: استتبعني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن نفرا من الجن خمسة عشر، بنى إخوة، وبنى عم، يأتوننى الليلة، فأقرأ عليهم القرآن، فانطلقت معه إلى المكان الّذي أراد، فخط خطا وأجلسنى فيه، وقال لي: لا تخرج من هذا، فبت فيه، حتى أتانى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع السحر، في يده عظم حائل، وروثة، وحممة، فقال لي: إذا ذهبت إلى الخلاء فلا [تستنج] بشيء من هؤلاء، قال: فلما أصبحت قلت: لأعلمن حيث كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فذهبت فرأيت موضع مبرك ستين بعيرا [ (1) ] . وذكر أيضا من طريق يزيد بن هارون، قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أبى عثمان النهدي، أن ابن مسعود أبصر زطا في بعض الطريق، فقال: ما هؤلاء؟ فقالوا: هؤلاء الزط، قال: ما رأيت شبههم إلا الجن ليلة الجن، وكانوا مستنفرين يتبع بعضهم بعضا [ (1) ] . ومن طريق أبى الجوزاء، عن عبد اللَّه [بن مسعود] قال: انطلقت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن حتى إذا أتى الحجون، فخط لي خطا ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه، فقال سيد لهم يقال له: وردان: إني أنا أرحلهم عنك، فقال: إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ [ (2) ] . ومن طريق المسعودي، عن قتادة، عن أبى المليح الهذلي، أنه كتب إلى أبى عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود: أين قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الجن؟ فكتب إليه أنه قرأ عليهم بشعب يقال له: الحجون [ (3) ] . وخرج البخاري من حديث يحيى بن سعيد، قال: أخبرنى جدي عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: أنه كان يحمل مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 229- 230 مختصرا. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 231، 232، باب إسلام الجن وما ظهر في ذلك من آيات المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، والآية رقم: 22، من سورة الجن. [ (3) ] (المرجع السابق) : 232- 233. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 79 إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها فقال: من هذا؟ فقال: أنا أبو هريرة. فقال: ابغني حجارا استنفض بها، ولا تأتنى بعظم ولا بروثة. فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت معه فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: هما من طعام الجن، وإنه أتانى وفد جن نصبين- ونعم الجن- فسألوني الزاد، فدعوت اللَّه لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلى وجدوا عليها طعما. [حديث رقم: (3860) ، باب ذكر الجن من كتاب مناقب الأنصار] . وخرج الترمذي من حديث زهير بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [على] أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: قرأتها على الجن ليلة الجن، وكانوا أحسن مردودا منكم، كنت كلما أتيت على قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا: لا بشيء من [نعمك] ربنا نكذب، فلك الحمد، قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد. قال ابن حنبل: كان زهير بن محمد هو الّذي وقع بالشام ليس هو الّذي يروى عنه بالعراق، كأنه رجل آخر قلبوا اسمه، يعنى لما يروون عنه من المناكير. وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير، وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة [ (1) ] . قلت: وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة، ففي بعضها لما قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الرحمن على الناس سكتوا، فلم يقولوا شيئا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: للجن كانوا أحسن جوابا منكم، لما قرأت عليهم: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا: لا بشيء من آلائك ربنا نكذب [ (2) ] . وفي بعضها قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال: ما لي أراكم سكوتا، للجن كانوا أحسن منكم ردا، لما قرأت عليهم هذه   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 372، 373، كتاب تفسير القرآن، باب (55) ، حديث رقم (3291) . [ (2) ] (تفسير ابن كثير) : 4/ 289، مقدمة تفسير سورة الرحمن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 80 الآية من مرة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ إلا أن قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب [فلك الحمد] . [وخرج الحاكم من حديث مسلم [ (1) ] بن قتيبة، قال: حدثني [عمرو بن سنان، حدثني] [ (2) ] سلام أبو عيسى، حدثنا صفوان بن المعطل السلمي قال: خرجنا حجاجا فلما كنا بالعرج، إذ نحن بحية تضطرب، فلم تلبث أن ماتت، فأخرج رجل منا خرقة من عيبة [ (3) ] له، فلفها فيها وغيبها في الأرض فدفنها، ثم قدمنا مكة فأتينا إلى المسجد الحرام، إذ وقف علينا شخص فقال: أيكم صاحب عمرو بن جابر؟ فقلنا: ما نعرف عمرو بن جابر، قال: أيكم صاحب الجان؟ قالوا: هذا، قال: [جزاك اللَّه خيرا] أما أنه [قد كان آخر التسعة موتا، الذين أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستمعون القرآن] . وأما الصحابة رضوان اللَّه عليهم قال ابن سيده: صحبه صحبة، وصاحبه عاشره، والصاحب المعاشر، قال: والجمع أصحاب، وأصاحيب، وصحبان، وصحاب، وصحابة، وأكثر الناس على الكسر دون الهاء، وعلى الفتح معها، قال: فأما الصحبة والصحب، فاسمان للجمع، قالوا: وقال في النساء: هن صواحب يوسف، وصواحبات يوسف [ (4) ] . انتهى. وفي (النهاية) لابن الأثير: الصحابة بالفتح، جمع صاحب ولم يجمع فاعلة على فعال إلا هنا [ (5) ] .   [ (1) ] في (المستدرك) : «سالم بن قتيبة» . [ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (3) ] في (المستدرك) : «عيبته له» [ (4) ] (لسان العرب) : 1/ 520. [ (5) ] قال الإمام العلامة أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري: صحبه يصحبه صحبة بالضم وصحابة، بالفتح، وصاحبه: عاشره، والصحب: جمع الصاحب مثل راكب وركب. والأصحاب: جماعة الصحب، مثل فرخ وأفراخ، والصاحب المعاشر، لا يتعدى تعدى الفعل، أعنى أنك لا تقول: زيد صاحب عمرا، لأنهم إنما استعملوه استعمال الأسماء. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 81 واعلم ان الصاحب اسم شريف، والصحبة خطة رفيعة، سمى اللَّه تعالى بها نفسه على لسان نبيه فقال: اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر [ (1) ] . وسمى اللَّه سبحانه بها رسوله، فقال تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى [ (2) ] [ (3) ] يعنى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل الأصحاب، وخير من صحب، وأصحابه خير أمة أخرجت للناس: وأصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجملة على قسمين: قسم يقال لهم المهاجرون، وقسم يقال لهم: الأنصار، وقسمان: السابقون الأولون، والتابعون لهم بإحسان. فالمهاجرون أقسام: الذين أسلموا قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دار الأرقم وفي دار الأرقم، والذين أسلموا بعد ذلك، والذين عذبوا في اللَّه، والذين هاجروا إلى الحبشة. ومن جهة أخرى، الصحابة قسمان: من أسلم قبل الفتح، ومن أسلم بعد الفتح، ومن شهد بدرا، وبيعة الرضوان، ومن لم يشهدهما، ثم الذين أسلموا بعد الفتح، منهم الطلقاء، ومنهم المؤلفة [قلوبهم] ، ومنهم الوفود. وقد قال الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعيّ- رحمه اللَّه-: توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والمسلمون ستون ألفا، ثلاثون ألف بالمدينة، وثلاثون ألفا في غيرها. وقال الحافظ أبو زرعة، عبيد اللَّه بن عبد الكريم الرازيّ- رحمه اللَّه-: توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد رآه وسمع منه زيادة عن مائة ألف. وقال الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الحاكم النيسابورىّ، روى عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أربعة آلاف صحابى.   [ () ] وقال الجوهري: الصحابة بالفتح الأصحاب، وهو في الأصل مصدر، وجمع الأصحاب الأصاحيب، ويقال صاحب وأصحاب، كما يقال: شاهد وأشهاد، وناصر وأنصار (لسان العرب) : 1/ 519، 520 مختصرا. [ (1) ] (النهاية) : 3/ 12. [ (2) ] سبق تخريجه في أذكار السفر. [ (3) ] النجم: 2. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 82 قال كاتبه [عفى اللَّه عنه] : قد أفرد النقلة أسماء الصحابة رضى اللَّه عنهم، في مصنفات على حدة، كأبى عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري، في أول (تاريخه الكبير) ، وأبى بكر أحمد بن أبى خيثمة زهير بن حرب، والحافظ أبى عبد اللَّه محمد ابن إسحاق بن يسار، والحافظ أبى نعيم أحمد الأصفهاني، والحافظ أبى عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر، والعلامة عز الدين أبى الحسن على بن محمد بن الأثير، وغيرهم، وقد أفرد الفقيه الحافظ أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم أسماءهم في جزء، جمعه من كتاب الإمام بقي بن مخلد، وذكر ما روى كل واحد منهم من الأحاديث [هو كتاب (أسماء الصحابة الرواة ومروياتهم) ، وقابله مع كتاب (تلقيح فهوم أهل الأثر) لابن الجوزي] [ (1) ] . [قال ابن سعد [ (2) ] : قال محمد بن عمر الأسلمي وغيره: إنما قلّت الرواية عن الأكابر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنهم هلكوا قبل أن يحتاج إليهم، وإنما كثرت عن عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، لأنهما [أفتيا] وقضيا بين الناس، وكل أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانوا أئمة يقتدى بهم، ويحفظ عنهم، ويستفتون فيفتون، وسمعوا أحاديث فأدوها] . [وكان الأكابر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أقل حديثا من غيرهم، مثل أبى بكر، وعثمان، وطلحة، والزبير وسعد بن أبى وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبى عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبى بن كعب، وسعد بن عبادة، وعبادة بن الصامت، وأسيد بن حضير، ومعاذ بن جبل، ونظرائهم، [لم] يأت عنهم من كثرة الحديث مثل ما جاء عن الأحداث من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، مثل جابر بن عبد اللَّه، وأبى سعيد الخدريّ وأبى هريرة، وعبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، وعبد اللَّه   [ (1) ] زيادة للبيان. [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 334 وما بعدها، ذكر من كان يفتى بالمدينة ويقتدى به من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبعد ذلك وإلى من انتهى علمهم 2/ 350 وما بعدها، باب أهل العلم والفتوى من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما بين الحاصرتين سقط في (ج) ، واستدركناه من (خ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 83 ابن عمرو بن العاص، وعبد اللَّه بن عباس، ورافع بن خديج وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، ونظرائهم كل [واحد] من هؤلاء، كان يعد من فقهاء أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانوا يلزمون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع غيرهم من نظرائهم وأحدث منهم، مثل: عقبة بن عامر الجهنيّ، وزيد بن خالد الجهنيّ، وعمران بن الحصين، والنعمان بن بشير، ومعاوية بن أبى سفيان، وسهل بن سعيد الساعدي، وعبد اللَّه بن يزيد الخطميّ، ومسلمة بن مخلد الزرقيّ، وربيعة بن كعب الأسدي، وهند وأسماء ابني حارثة الأسلميين، وكانا يخدمان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويلزمانه] [ (1) ] . [فكان أكثر الرواية والعلم في هؤلاء ونظرائهم، من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنهم بقوا وطالت أعمارهم، فاحتاج الناس إليهم، ورضى كثير من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبله وبعده بعلمهم، لم يؤثر عنه شيء، ولم يحتج إليه، لكثرة أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] . [وقد شهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تبوكا- وهي آخر غزوة غزاها- من المسلمين ثلاثون ألف رجل، وذلك سوى من قد أسلم وأقام من بلاده وموضعه لم يغزو، فكانوا عندنا أكثر مما غزا معه تبوكا، قال: فمنهم من حفظ عنه ما حدث به عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن أفتى برأيه، ومنهم من لم يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا، ولعله أكثر له صحبة ومجالسة وسماعا، من الّذي حدث عنه] . [ولكنا حملنا الأمر في ذلكم منهم على التوقي في الحديث، أو على أنه لم يحتج إليه لكثرة أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعلى الاشتغال بالعبادة، والأسفار في الجهاد في سبيل اللَّه حتى مضوا، ولم يحفظ عنهم عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا، وليس كلهم كان يلزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمنهم من أقام وقومه، وشهد معه المشاهد كلها، وإن منهم من قدم عليه فرآه، ثم انصرف إلى بلاد قومه، ومنهم كان يقدم عليه الفينة بعد الفينة من منزله بالحجاز وغير ذلك] . [وخرج ابن عساكر من طريق ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، [عن الزهري] عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:   [ (1) ] انظر التعليق السابق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 84 احفظوني في أصحابى، فمن حفظنى في أصحابى رافقني على حوضي، ومن لم يحفظني فيهم لم يرد على حوضي، ولم يرنى إلا من بعيد] . [وعن سفيان الثوري في قوله تعالى: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [ (1) ] قال: هم أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] . أما المهاجرون قال ابن سيده: الهجرة، الخروج من أرض الى أرض. وهاجر، خرج من أرض إلى أخرى. وهاجر أرضه وقومه، باعدهم. أما المهاجرون الذين ذهبوا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، مشتق منه. وقد أثنى اللَّه [تعالى] في القرآن على المهاجرين: فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (3) ] . وقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [ (4) ] . وقال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ* يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ* خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [ (5) ] .   [ (1) ] (كنز العمال) : 11/ 539، حديث رقم (32526) ، وعزاه إلى ابن عساكر وقال وورد عن ابن عمر وسنده حسن. [ (2) ] (تفسير ابن كثير) : 3/ 381. [ (3) ] البقرة: 218. [ (4) ] الأنفال: 74. [ (5) ] التوبة: 20- 22. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 85 وقال تعالى: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ (1) ] . وذكر سنيد قال: حدثنا حجاج عن شعبة، عن عمر بن مرثد، عن أبى البختري، عن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لما نزلت: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [ (2) ] قرأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى ختمها، وقال الناس خير، وقال: وأنا وأصحابى خير، وقال: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، فقال له مروان بن الحكم: كذبت، وعنده زيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وهما قاعدان معه على السرير- فقال أبو سعيد: لو [شاء هذان] لحدثاك ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة، فرفع مروان عليه ليضربه، فلما رأيا ذلك قالا: صدق [ (3) ] وخرج قاسم بن أصبغ، من حديث عبد الوارث قال: حدثنا بهز بن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ألا إنكم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على اللَّه [ (4) ] . ولأحمد بن حنبل من حديث سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] ، في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قال: [هم الذين هاجروا مع محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة قال أبو نعيم: مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] .   [ (1) ] الحشر: 8. [ (2) ] النصر: 1. [ (3) ] (تفسير ابن كثير) : 4/ 601 وعزاه للمسند وقال ابن كثير: تفرد به أحمد، الّذي أنكره مروان على أبى سعيد ليس بمنكر فتقدم من رواية ابن عباس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال يوم الفتح: لا هجرة ولكن جهاد ونية ولكن إذا استنفرتم فانفروا. أخرجه البخاري ومسلم. [ (4) ] (مسند أحمد) : 5/ 623، حديث رقم (19525) ، عن بهز بن حكيم، عن أبيه عن جده. [ (5) ] (مسند أحمد) : 1/ 450، حديث رقم (2459) وما بين الحاصرتين زيادة من (المسند) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 86 ذكر هجرة الذين هاجروا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة قال ابن عبد البر: وأكثر الرواة عن سماك يقولون: أنهم الذين هاجروا من مكة الى المدينة، والمعنى واحد، لأنهم هاجروا بأمره، وإن لم يكونوا هاجروا معه في سفر واحد، وإنما أشار عليهم ابن عباس بالذكر، لأنهم الذين قاتلوا من خالفهم على الدين حتى وصلوا إليه، ولذلك قال أبو هريرة، ومجاهد والحسن، وعكرمة، خير الناس الذين يقاتلونهم حتى يدخلوهم في الدين طوعا وكرها، وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن المهاجرين الأولين والأنصار في ذلك سواء. وذكر محمد بن إسحاق السراج في (تاريخه) قال: حدثنا أبو كريب، حدثنا محمد بن عبيد، وأبو أسامة، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن عامر الشعبي قال: المهاجرون الأولون، هم الذين بايعوا بيعة الرضوان. قال: وحدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا أبى، عن أبى هلال عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب لم سموا المهاجرين الأولين؟ قال: من صلّى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلتين جميعا، فهو من المهاجرين الأولين [ (1) ] . قال [أبو] عمر: قول الشعبي وسعيد بن المسيب يعطى أن معنى قولهم: المهاجرين الأولين كمعنى قول اللَّه تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ [ (2) ] لأنهم صلوا القبلتين جميعا، وبايعوا بيعة الرضوان. وخرج قاسم بن أصبغ، من حديث أبى حازم: عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قال: خير الناس الذين يجيئون بهم في السلاسل يدخلون في الإسلام. وعن مجاهد أنه قال: كانوا خير الناس على الشرط الّذي ذكره اللَّه تعالى: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [ (3) ] . وجاء عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: من سره أن يكون من تلك الأمم، فليؤد شرط اللَّه فيها.   [ (1) ] (تفسير ابن كثير) : 2/ 398. [ (2) ] التوبة: 100. [ (3) ] آل عمران: 109. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 87 وقال هيثم: حدثنا منصور عن الحسن، قال فرق بين المهاجرين الأولين وسائر المهاجرين، فتح مكة. وأما السابقون الأولون فقد أثنى اللَّه [تعالى] عليهم بقوله [تعالى] : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ (1) ] .   [ (1) ] التوبة: 100، قال الحافظ الذهبي في (سير الأعلام) : السابقون الأولون هم: خديجة بنت خويلد، على بن أبى طالب، أبو بكر الصديق، زيد بن حارثة النبوي، ثم عثمان، والزبير، وسعد بن أبى وقاص، وطلحة بن عبيد اللَّه، وعبد الرحمن بن عوف، ثم أبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبى الأرقم بن أسد بن عبد اللَّه بن عمر، المخزوميان، وعثمان بن مظعون الجمحيّ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب المطلبي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، وأسماء بنت الصديق، وخباب بن الأرت الخزاعي، حليف بنى زهرة، وعمير بن أبى وقاص، أخو سعد، وعبد اللَّه بن مسعود الهذلي، من حلفاء بنى زهرة، ومسعود بن ربيعة القارئ من البدريين، وسليط بن عمرو بن عبد شمس العامرىّ، وعياش بن أبى ربيعة بن المغيرة المخزوميّ، وامرأته أسماء بنت سلامة التميمة، وخنيس بن حذافة السهمىّ، وعامر بن ربيعة العنزىّ، حليف آل الخطاب، وعبد اللَّه بن جحش ابن رئاب الأسديّ، حليف بنى أمية، وجعفر بن أبى طالب الهاشميّ، وامرأته أسماء بنت عميس، وحاطب بن الحارث الجمحيّ، وامرأته فاطمة بنت المجلل العامرية، وأخوه خطاب، وامرأته فكيهة بنت يسار، وأخوهما معمر ابن الحارث، والسائب ولد عثمان بن مظعون، والمطلب بن أزهر بن عبد عوف الزهرىّ، وامرأته رملة بنت أبى عوف السهمية، والنحام نعيم بن عبد اللَّه العدوىّ، وعامر بن فهيرة، مولى الصديق، وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية، وامرأته أميمة بنت خلف الخزاعية، وحاطب بن عمرو العامرىّ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة العبشمىّ، وواقد بن عبد اللَّه بن عبد مناف التميميّ اليربوعىّ، حليف بنى عدىّ، وخالد، وعامر، وعاقل، وإياس، بنو البكير بن عبد يا ليل الليثىّ، حلفاء بنى عدىّ، وعمار بن ياسر بن عامر العنسيّ بنون، حليف بنى مخزوم، وصهيب بن سنان بن مالك النمرىّ، الرومىّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 88 قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه: حدثنا هيثم، [قال] : حدثنا أشعب [قال] : أخبرنا إسرائيل عن ابن سيرين، في قوله عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ قال: هم الذين صلوا القبلتين، وهو قول محمد بن الحنفية، وسعيد بن المسيب، وابن سيرين، وحدثنا هيثم عن إسماعيل ومطرف، عن الشعبي، قال: هم الذين بايعوا بيعة الرضوان. وقال أبو الزبير: عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جاء عبد لحاطب بن أبى بلتعه، يشتكي سيده، فقال: [يا] رسول اللَّه- ليدخلن حاطب النار! فقال له: كذبت، لا يدخلها أحد شهد بدرا والحديبيّة [ (1) ] ، وقال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [ (2) ] ، ومن رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه لم يسخط عليه أبدا. وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: كنا بالحديبية أربعة عشر مائة، فبايعنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة [فبايعناه] ، غير الجد ابن قيس اختبأ تحت بطن [بعيره] [ (3) ] . وخرج الحارث بن أبى أسامة، من حديث الليث بن سعد، عن أبى الزبير، عن جابر، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة.   [ () ] المنشأ وولاؤه لعبد اللَّه بن جدعان، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاريّ، وأبو نجيح عمرو بن عبسة السلمىّ البجليّ، لكنهما رجعا إلى بلادهما. فهؤلاء الخمسون من السابقين الأولين. وبعدهم أسلم: أسد اللَّه حمزة بن عبد المطلب، والفاروق عمر بن الخطاب، عز الدين، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم أجمعين. [ (1) ] المستدرك: 3/ 340، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (5308) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. [ (2) ] الفتح: 18. [ (3) ] (تفسير التحرير والتنوير) : 26/ 174. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 89 وخرج الإمام أحمد من حديث سفيان، عن عمرو، قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: كنا يوم الحديبيّة ألف و [أربعمائة] ، فقال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنتم اليوم خير أهل الأرض [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث شعبة، عن الأعمش، قال سمعت ذكوان يحدث عن أبى سعيد الخدريّ، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا تسبوا أصحابى، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه [ (2) ] . وخرجه أبو داود أيضا [ (3) ] . وقال محمد بن كعب القرظي، وعطاء بن يسار، في قوله [تعالى] : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ، قالا: أهل بدر.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 323، حديث رقم (14409) بسياقة أتم. [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 562، كتاب المغازي، باب (36) من باب غزوة الحديبيّة، حديث رقم (4145) ، (مسند أحمد) : 4/ 245، حديث رقم (13901) ، (دلائل البيهقي) : 5/ 235 وفي رواية مسلم: لا تسبوا أحدا من أصحابى، وأخرجه البخاري أيضا في فضائل أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب تحريم سب الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. [ (3) ] أخرجه أبو داود في (السنن) ، باب النهى عن سب أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4658) ، وأخرجه الترمذي في المناقب، باب فيمن سب أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3860) . والمد: ربع الصاع، والنصيف: نصف المد، والتقدير، ما بلغ هذا القدر اليسير من فضلهم ولا نصفه. (جامع الأصول) : 8/ 553. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 90 وأما الذين أسلموا إلى أن خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من دار الأرقم بن أبى الأرقم بن عبد مناف بن أسد بن عبد اللَّه ابن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ [ (1) ] فذكر سعيد بن أبى مريم قال: [حدثني] عطاء بن خالد قال: حدثني عبد اللَّه بن عثمان بن الأرقم، عن جده الأرقم رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكان بدريا، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في داره عند الصفا، حتى تكاملوا أربعين رجلا مسلمين، وكان آخرهم إسلاما عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فلما كانوا أربعين رجلا خرجوا. وقال سيف بن سهل بن يوسف عن أبيه قال: قال عثمان بن مظعون [ (2) ] : أول وصية أوصانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، مقتل الحارث بن أبى هالة، ونحن أربعون ليس بمكة أحد على مثل ما نحن عليه، فقال: أوصيكم بتقوى اللَّه، فإن تقوى اللَّه خير ما عمل به الناس، وخير عاقبة، وبتقوى اللَّه أصيب خير منازل الدنيا والآخرة، والتقوى رأس كل حكم، وجماع كل أمر، وباب كل خير، وفي تقوى اللَّه عصمة من كل سوء، ونجاة من كل شبهة، لا ترضون إلا بعمل، ولا تسخطوا إلا [بعلم، فإن الرضا والسخط يدعوان]   [ (1) ] قال ابن السكن: أمه تماضر بنت حذيم السهمية، ويقال: بنت عبد الحارث الخزاعية، كان من السابقين الأوليين، قيل: أسلم بعد عشرة، وقال البخاري: له صحبة، وذكره ابن إسحاق وموسى ابن عقبة فيمن شهد بدرا. وكانت داره على الصفا، وهي الدار التي كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يجلس فيها قبل الإسلام، وكان قد حبسها، لكن أجناده بعد ذلك باعوها لأبى جعفر المنصور. (الإصابة) : 1/ 43- 44 مختصرا. [ (2) ] هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحيّ، قال ابن إسحاق: أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا وهاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب، الهجرة الأولى في جماعة، فلما بلغهم أن قريشا أسلمت رجعوا. وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين، وأول من دفن بالبقيع بعد شهوده بدرا في السنة الثانية من الهجرة. (الإصابة) : 4/ 461- 462- ترجمة رقم (5457) مختصرا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 91 إلى العمل، وإن العمل [بالعلم] ليس كالعمل بالجهل، وقولوا آمنا باللَّه ثم استقيموا، فإن اللَّه [تعالى] إذا أراد أمرا أصابه، وإذا كره أمرا [أخره] ، ولا تستعجلوا الأقدار فيصرعكم البلاء، واصبروا يتوكل اللَّه تعالى بحفظكم، ويخلفني فيكم. وقال الزبير بن بكار: ودار الخيزران، هي دار الأرقم بن عبد مناف [بن أسد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ] . وقال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: وكانت خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أول من آمن باللَّه ورسوله، وصدق بما جاء به. قال: ثم إن جبريل عليه السّلام، أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين افترضت عليه الصلاة، فهمز له بعقبه من ناحية الوادي، فانفجرت له عين من ماء، فتوضأ جبريل، ومحمد، عليهما السّلام، ثم صلّى ركعتين، وسجد أربع، سجدات. ثم رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد أقر اللَّه عينه، وطابت نفسه، وجاءه ما يحب من اللَّه، فأخذ بيد خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حتى أتى بها العين، فتوضأ كما توضأ جبريل، ثم ركع ركعتين، وأربع سجدات، هو وخديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، ثم كان هو وخديجة يصليان سرا. قال: ثم إن على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، جاء بعد ذلك بيوم فوجدهما [يصليان] فقال: ما هذا؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دين اللَّه الّذي اصطفى لنفسه، وبعث به رسله، فأدعوك إلى اللَّه وحده لا شريك له، وإلى عبادته، وكفر باللات والعزى، فقال على: هذا أمر لم أسمعه قبل اليوم، فلست بقاض أمرا حتى أحدث به أبا طالب، وكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يفشي سره قبل أن يستعلن أمره، قال له: يا على، [إذا] لم تسلم فأكتم، فمكث على تلك الليلة، ثم إن اللَّه تعالى أودع في قلبه الإسلام، فأصبح غاديا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى جاءه فقال له: تشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 92 وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد ففعل عليّ، وأسلم على خوف من أبى طالب وكتم إسلامه [ (1) ] . وأسلم زيد بن حارثة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (2) ] فمكثا قريبا من شهر يختلف عليّ إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان مما أنعم اللَّه على عليّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه كان في حجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل الإسلام. قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن أبى الأشعث الكندي، حدثني إسماعيل بن إياس بن عفيف عن أبيه عن جده عفيف، أنه قال: كنت امرأ تاجرا، فقدمت منى أيام الحج، وكان العباس [بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه] امرأ تاجرا، فأتيته أبتاع منه وأبيعه، فبينما نحن [كذلك] إذ خرج رجل من خباء يصلى، فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت تصلى، وخرج غلام فقام يصلى معه، [فقلت: يا عباس]-! ما هذا الدين؟ إن هذا الدين ما ندري ما هو؟ فقال: محمد بن عبد اللَّه يزعم أن اللَّه أرسله، وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به وهذا الغلام ابن عمه، عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه آمن به، قال: عفيف: فليتني كنت آمنت به يومئذ فكنت أكون معه ثانيا. وخرج الإمام أحمد في (المسند) ، من حديث حجاج بن دينار، عن محمد بن ذكوان، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت يا رسول اللَّه، من معك على هذا الأمر؟ قال: حر وعبد الحديث [ (3) ] .   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 83- 85 مختصرا. [ (2) ] (المرجع السابق) : 2/ 87. [ (3) ] (مسند أحمد) 5/ 521، 522، حديث رقم (18940) ، وفيه: «حر وعبد: أبو بكر وبلال» وحديث رقم (18941) وفيه: أن تكون حر وعبد يعنى أبا بكر وبلالا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 93 و [في] لفظ الحاكم [ (1) ] ، من حديث ابن وهب، أخبرنى معاوية بن صالح، [قال:] حدثنا أبو يحيى [وضمرة] بن حبيب، وأبو طلحة، عن أبى أمامه الباهلي قال: حدثني عمرو بن عبسة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو نازل بعكاظ فقلت: يا رسول اللَّه! من اتبعك على هذا الأمر؟ [قال] اتبعنى عليه رجلان: حر وعبد، أبو بكر وبلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: فأسلمت عند ذلك [ (2) ] . قال ابن إسحاق: ثم إن أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد، من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا؟ فقال: بلى، إني رسول اللَّه ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته، وأدعوك إلى اللَّه بالحق، فو اللَّه [إني] للحق أدعوك يا أبا بكر، إلى اللَّه وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته، فقرأ عليه القرآن، فلم يقر ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد وآمن بحق الإسلام، ورجع وهو مؤمن مصدق. قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن الحصين التميمي، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت [فيه] عنده كبوة [ (3) ] ، ونظرة [وتردد] ، إلا ما كان من أبى بكر، ما عكم عنه حين ذكرته [له] ، وما تردد فيه [ (4) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 1/ 453، كتاب صلاة التطوع، حديث رقم (1162) ، وفيه: «فقلت يا رسول اللَّه هل من دعوة أقرب من أخرى، أو ساعة تبقى أو ينبغي ذكرها؟ قال: «نعم» إن أقرب ما يكون الرب من العبد جوف الليل الآخر فان استطعت ممن يذكر اللَّه في هذه الليلة فكن، وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 714، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر عمرو بن عبسة السلمي- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- حديث رقم (6582) ، حيث ذكر له ترجمة وافية، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (3) ] الكبوة: التأخر وعدم الإجابة. [ (4) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 91، ذكر من أسلم من الصحابة بدعوة أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، عكم: أي تردد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 94 وقال إسرائيل عن أبى إسحاق، عن أبى ميسرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا برز، سمع من يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت فانطلق هاربا، فأسر ذلك إلى أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكان نديما له في الجاهلية. قال يونس بن بكير، عن إسحاق: كان أول من تبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خديجة بنت خويلد زوجته، ثم كان أول ذكر آمن به على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة، ثم أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فلما أسلم أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أظهر إسلامه، و [دعا] إلى اللَّه ورسوله، وكان أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه رجلا مانعا لقومه، محببا سهلا، وكان أنسب قريش [لقريش] ، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا، ذا خلق ومعروف، وكان قومه يأتونه ويألفونه، لغير واحد من الأمر، لعلمه، وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل [يدعو] إلى الإسلام، ممن يثق به من قومه، ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه فيما بلغني: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اللَّه، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف. فانطلقوا حتى أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومعهم أبو بكر، فعرض عليهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن، وأنبأهم بحق الإسلام، وبما [وعدهم] اللَّه من الكرامة، فآمنوا، وأصبحوا مقرين بحق الإسلام، وكانوا هؤلاء الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، [دخلوا] وصدقوا رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، وآمنوا بما جاء من عند اللَّه تبارك و [تعالى] . وخرج البخاري من حديث وبرة [بن عبد الرحمن] ، عن همام قال: سمعت عمارا يقول: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما معه إلا خمسة أعبد، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 95 وامرأتان، وأبو بكر [ (1) ] . [وذكر ابن أبى شيبة أن عمار بن ياسر أول من بنى مسجدا صلّى فيه] [ (2) ] . وخرج مسلم من حديث شداد بن عمار، ويحيى بن أبى كثير، عن أبى أمامة، عن عمرو بن عبسة، قال أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أول ما بعث وهو بمكة، وهو حينئذ مستخفى، فقلت: ما أنت؟ قال: أنا نبي، قلت: وما رسول اللَّه؟ قال: رسول اللَّه، قلت: آللَّه أرسلك؟ قال: نعم، قلت: بم أرسلك؟ قال بأن تعبد اللَّه، وتكسر الأوثان، وتوصل الأرحام، قال: قلت: نعم ما أرسلك به، فمن تبعك على هذا؟ قال: حر وعبد، - يعنى أبا بكر وبلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: وكان عمرو يقول: لقد رأيتني أنا وربع أو رابع، قال: فأسلمت، قلت، فأتبعك يا رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكن ألحق بقومك، فإذا أخبرت أنى قد خرجت فاتبعنى [ (3) ] . وخرج البخاري من حديث أبى أسامه [قال] : حدثنا هاشم بن هاشم، عن سعيد بن المسيب قال: سمعت، سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: ما أسلم أحد إلا في اليوم الّذي أسلمت فيه، ولكن مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام [ (4) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) 7/ 21، كتاب فضائل صحابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (5) ، في قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لو كنت متخذا خليلا حديث رقم (3757) ، (3758) . وأخرجه أيضا في كتاب مناقب الأنصار، باب (30) إسلام أبى بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3857) . [ (2) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 7/ 251، حديث رقم (35772) ولفظه: كان أول من أفشى القرآن من في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن مسعود، وأول من بنى مسجدا صلّى فيه عمار بن ياسر، وأول من أذن بلال، وأول من رمى بسهم في سبيل اللَّه سعد بن مالك، وأول من قتل بين المسلمين مهجع، وأول من عدا به فرسه في سبيل اللَّه المقداد، وأول من أدوا الصدقة من قبل أنفسهم بنو عذرة، وأول حي التقوا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جهينة. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 362- 366 كتاب صلاة المسافرين، باب (52) ، إسلام عمرو بن عبسة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (832) . [ (4) ] (فتح الباري) : 7/ 104، كتاب فضائل أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب رقم (15) ، في مناقب سعد بن أبى وقاص، حديث رقم (3727) ، وفي كتاب مناقب الأنصار، باب (31) ، إسلام سعد ابن أبى وقاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3858) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 96 وقال يحيى بن أبى بكير: حدثنا زائدة عن عاصم، عن زر، عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم [ (1) ] . [وللبخاريّ] من حديث سفيان، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، في مسجد الكوفة، يقول: واللَّه لقد رأيتني وإن عمر لموثقي وأخته على الإسلام، قبل أن يسلم عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (2) ] . وخرج أبو داود من حديث عاصم عن زر، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه [قال] : كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبى معيط بمكة، فأتى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وأبو بكر] وقد فرا من المشركين، فقالا: يا غلام! عندك لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن ولست بساقيكما، فقالا: هل عندك من جذعه لم ينز عليها الفحل [بعد] ؟ قلت: نعم، فأتيتهما بها، فاعتقلها أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الضرع، فدعا [بعد] فحفل الضرع، وأتاه أبو بكر بصخرة منقعرة فحلب فيها، ثم شرب هو وأبو بكر، ثم سقاني، ثم قال للضرع: اقلص، فقلص فلما كان بعد، أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت، علمني من هذا القول الطيب- يعنى القرآن   [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 677، حديث رقم (3822) من مسند عبد اللَّه بن مسعود، ولفظه: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب وبلال، والمقداد، فأما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمنعه اللَّه بعمه أبى طالب، وأما أبو بكر فمنعه اللَّه بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدرع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في اللَّه، وهان على قومه، فأعطوه الولدان، وأخذوا يطوفون به شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد. [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 223، كتاب مناقب الأنصار، باب (34) إسلام سعيد بن زيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3862) ، باب (35) إسلام عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3867) وكتاب الإكراه، باب (1) من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر، حديث رقم (6942) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 97 - فقال إنك غلام معلم، فأخذت من فيه سبعين سورة، ما ينازعني فيها أحد [ (1) ] . [وفي مصنف [ابن] أبى شيبة، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان أول من أفشى القرآن بمكة من فىّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (2) ] . وقال الواقدي: حدثني جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير، عن محمد ابن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان قال: كان أول إسلام خالد بن سعيد بن العاصي قديما، وكان أول إخوته أسلم، وكان [بدؤ] إسلامه أنه رأى في النوم أنه وقف به على شفير النار، كأن أباه يدفعه منها ويرى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم آخذ بحقويه لا يقع، ففزع من نومه. فقال: أحلف باللَّه أن هذه لرؤيا حق فلقى أبا بكر بن أبى قحافة، فذكر له ذلك، فقال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أريد بك خيرا، هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاتبعه، فإنك ستتبعه، وتدخل معه في الإسلام والإسلام يحجزك أن تدخل فيها، وأبوك واقع فيها. فلقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأجياد، فقال: يا محمد! إلى ما تدعو؟ فقال: أدعو إلى اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وتخلع ما كنت عليه من عبادة حجر لا يضر ولا ينفع، ولا يدرى من عبده، ممن لم يعبده. قال خالد: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أنك رسول اللَّه، فسر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بإسلامه، وأرسل إلى من بقي من ولده ممن لم يسلم ورافعا مولاه فوجده فأتوا به أباه أبا أحيحة فأنبه وبكته وضربه بصريمة في يده حتى كسرها على رأسه، ثم قال: اتبعت محمدا وأنت ترى خلاف قومه وما جاء به من عيب آلهتم وعيبه من مضى آبائهم. فقال خالد: قد صدق واللَّه واتبعته فغضب أبوه أبو أحيحة ونال منه وشتمه، ثم قال: اذهب يا لكع حيث شئت واللَّه لأمنعك القوت، فقال خالد: إن منعتني فإن اللَّه عز وجل يرزقني ما أعيش به فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلمه   [ (1) ] (مسند أحمد) : 2/ 50، حديث رقم (4398) . [ (2) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 7/ 251، كتاب الأوائل، حديث رقم (35772) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 98 أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به فانصرف خالد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان يكرمه ويكون معه [ (1) ] . قال ابن إسحاق: ثم انطلق أبو عبيدة بن الحارث [ (2) ] ، وأبو سلمة بن عبد الأسد- واسمه عبد اللَّه- والأرقم بن أبى الأرقم المخزوميّ، وأبو عبيدة ابن الجراح، وعثمان بن مظعون الجمحيّ، حتى أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلموا [ (3) ] . قال: ثم أسلم أناس من قبائل العرب، منهم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أخو بنى عدي [ (4) ] ، وامرأته فاطمة بنت الخطاب [ (5) ] ، أخت عمر بن الخطاب [ (6) ] ، وأسماء بنت أبى بكر [ (7) ] ، وعائشة بنت أبى بكر [ (8) ] ، وهي صغيرة، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم.   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 277- 278، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر مناقب خالد بن سعيد بن العاص، حديث رقم (5082) ، وقد حذفه الحافظ الذهبي من (التلخيص) لضعفه، (الاستيعاب) : 2/ 423- 424، ترجمة رقم (599) وما بين الحاصرتين تصويب منه. [ (2) ] هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ. [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 91، 92. [ (4) ] هو سعيد بن عمرو بن نفيل العدوىّ أبو الأعور، أحد العشرة، له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 4/ 30، ترجمة رقم (53) . [ (5) ] هي فاطمة بنت الخطاب بنت نفيل القرشية العدوية أخت عمر بن الخطاب، أسلمت قديما هي وزوجها سعيد بن المسيب بن عمرو بن نفيل، لها ترجمة في (الإصابة) : 8/ 62، رقم (11590) . [ (6) ] هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بتحتانيتين، ابن عبد اللَّه بن قرط بن رزاح، بمهملة ومعجمة وآخره مهملة، ابن عدي بن كعب بن لؤيّ بن غالب القرشيّ العدوىّ أبو حفص أمير المؤمنين، له ترجمة في (الإصابة) : 4/ 588، رقم (5740) . [ (7) ] هي أسماء بنت عبد اللَّه بن عثمان التيمية، والدة عبد اللَّه بن الزبير بن العوام التيمية، وهي بنت أبى بكر الصديق، لها ترجمة في (الإصابة) : 7/ 468، ترجمة رقم (10798) . [ (8) ] سبقت لها ترجمة مفصلة في أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 99 وقدامة بن مظعون [ (1) ] ، وعبد اللَّه بن مظعون [ (2) ] الجمحيان، وخباب بن الأرت [ (3) ] حليف بنى زهرة، وعمير بن أبى وقاص [ (4) ] ، وعبد اللَّه بن [مسعود] [ (5) ] حليف بنى زهرة [ (6) ] ، ومسعود بن القاري [ (7) ] ، وسليط بن عمرو [ (8) ] ، أخو بنى عامر بن لؤيّ، وعياش بن أبى ربيعة المخزوميّ [ (9) ] ، وامرأته أسماء بنت سلامة [ (10) ] ، وحنيش بن حذافة السهمىّ [ (11) ] ، وعامر بن ربيعة [ (12) ] ، حليف بنى عدىّ بن كعب، وعبد اللَّه بن جحش [ (13) ] الأسدي، وأبو أحمد بن جحش [ (14) ] ، وجعفر بن أبى طالب [ (15) ] ، وامرأته أسماء بنت عميس [ (16) ] ، وحاطب ابن الحارث الجمحيّ [ (17) ] ، وامرأته أسماء بنت المجلل [ (18) ] ، الخطاب بن [ (19) ]   [ (1) ] هو قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي أخو عثمان بن مظعون يكنى أبا عمرو، أحد السابقين الأولين، هاجر الهجرتين وشهد بدرا، له ترجمة في (الإصابة) : 5/ 423، ترجمة رقم (7093) . [ (2) ] ترجمته في (الإصابة) : 4/ 239، وهو شقيق الّذي قبله، ترجمة رقم (4967) . [ (3) ] ترجمته في (الإصابة) : 2/ 258، ترجمة رقم (2212) . [ (4) ] لم أجد له ترجمة. [ (5) ] زيادة للسياق. [ (6) ] ترجمته في (الإصابة) : 4/ 233، ترجمة رقم (4957) . [ (7) ] ترجمة في (الإصابة) : 6/ 101، ترجمة رقم (9760) وهو مسعود بن عمرو القاري، بالتشديد بغير همز من القارة. [ (8) ] ترجمته في (الإصابة) : 3/ 162، ترجمة رقم (3424) . [ (9) ] ويلقب ذا الراحمين ترجمته في (الإصابة) : 4/ 750، ترجمة رقم (10795) . [ (10) ] ترجمتها في (الإصابة) : 7/ 484- 485 ترجمة رقم (10795) . [ (11) ] ترجمته في (الإصابة) : 2/ 345، 2346، ترجمة رقم (2296) . [ (12) ] ترجمته في (الإصابة) : 3/ 2579، ترجمة رقم (3384) . [ (13) ] ترجمته في (الإصابة) : 4/ 35- 37، ترجمة رقم (4586) . [ (14) ] اسمه بغير إضافة، وقبل عبد اللَّه ترجمته في (الإصابة) : 7/ 706، ترجمة رقم (9492) . [ (15) ] ترجمته في (الإصابة) : 1/ 458، 488، ترجمة رقم (1168) . [ (16) ] ترجمتها في (الإصابة) : 7/ 489، 491، ترجمة رقم (10803) . [ (17) ] ترجمته في (الإصابة) : 2/ 6، ترجمة رقم (1541) . [ (18) ] لم أجد لها ترجمة. [ (19) ] ترجمته في (الإصابة) : 2/ 280، ترجمة رقم (2380) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 100 الحارث [ (1) ] ، وامرأته فكيهة بنت يسار [ (2) ] ، ومعمر بن الحارث بن معمر الجحمي [ (3) ] ، والسائب بن عثمان مظعون [ (4) ] ، والمطلب بن أزهر بن عبد عوف الزهري [ (5) ] ، وامرأته رملة بنت أبى عوف بن صبيرة [ (6) ] ، [والنحام] واسمه نعيم ابن عبد اللَّه، أخو بنى عدىّ بن كعب [ (7) ] ، وعامر بن فهيرة، مولى أبى بكر [ (8) ] ، وخالد بن سعيد العاصي [ (9) ] ، وامرأته أميمة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة [بن سبيع بن حليفة بن سعد بن مليح بن عمرو] من خزاعة [ (10) ] ، وحاطب بن عبد شمس [ (11) ] أخو بنى عامر بن لؤيّ، وأبو حذيفة ابن عتبة بن ربيعة [ (12) ] وواقد بن عبد اللَّه التميميّ، حليف بن عدىّ بن كعب، خالد بن البكير، وإياس بن البكير، وعمار بن ياسر حليف بنى مخزوم   [ (1) ] ترجمتها في (الإصابة) : 8/ 267، ترجمة رقم (61631) . [ (2) ] ترجمته في (الإصابة) : 6/ 186، ترجمة رقم (8151) . [ (3) ] ترجمته في (الإصابة) : 3/ 224، ترجمة رقم (3070) . [ (4) ] ترجمته في (الإصابة) : 6/ 131، ترجمة رقم (8030) . [ (5) ] ترجمته في (الإصابة) : 6/ 131، ترجمة رقم (11188) . [ (6) ] ترجمته في (الإصابة) : 7/ 655، ترجمة رقم (8782) . [ (7) ] ترجمته في (الاستيعاب) : 2/ 796، 797، ترجمة رقم (1338) . [ (8) ] (ترجمته في (الإصابة) : 2/ 236، ترجمة رقم (2169) . [ (9) ] ترجمتها في (الإصابة) : 7/ 527، ترجمة رقم (10906) ، قال الحافظ (الإصابة) : ذكرها أبو عمر فيمن اسمها أميمة فصحف، وكذا ذكرها ابن مندة، لكن قال: أميمة بنت خالد فصحف اسم أبيها أيضا. والصواب أمينة بنون بدل الميم الثانية، وقيل فيها: همينة بهاء بدل الهمزة، وقد مضت على الصواب: أميمة بنت خالد الخزاعية، كذا سمى ابن مندة أباها. قال ابن الأثير: وهم فيه، والصواب خلف كما تقدم. انظر أيضا (الاستيعاب) : 4/ 1790- 1791، ترجمة رقم (3240) . [ (10) ] ترجمته في (الإصابة) : 2/ 26- 27، ترجمة رقم (1543) . [ (11) ] اسمه مهشم وقيل هشيم ترجمته في (الإصابة) 7/ 87، ترجمة رقم (9748) . [ (12) ] ترجمته في (الإصابة) : 6/ 549، ترجمة رقم (9103) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 101 وصهيب بن سنان، وزاد غيره: وعامر بن البكير، وغافل بن البكير [ (1) ] ، وإياس بن البكير [ (2) ] وعمار بن ياسر [ (3) ] حليف بنى مخزوم وصهيب بن سنان [ (4) ] وزاد غيره: وقال ابن إسحاق [ (5) ] : ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء، حتى فشا ذكر الإسلام بمكة، وتحدث به، فلما أسلم هؤلاء وفشا أمرهم، أعظمت ذلك قريش، وغضبت له، وأظهروا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم البغي والحسد، وشخص له منهم رجال، فبدءوه وأصحابه بالعداوة، منهم أبو جهل بن هشام، وأبو لهب، وذكر أسماءهم. قال: حدثني رجل من أسلم- وكان واعية- أن أبا جهل بن هشام، اعترض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند الصفا، فآذاه وشتمه، ونال منه ما يكره من العيب لدينه، فذكر ذلك لحمزة بن عبد المطلب، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه، رفع القوس فضربه به ضربة، فشجه شجة منكرة، وقامت رجال من قريش من بنى [المخزوم] إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال ما نراك يا حمزة إلا قد صبأت، فقال: وما يمنعني وقد استبان لي منه، أنا أشهد أنه رسول اللَّه، وأن الّذي يقوله حق، فو اللَّه [لا أنزع] ، فامنعوني إن كنتم صادقين. فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإنّي واللَّه قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا فلما أسلم حمزة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عرفت قريش أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد عز وامتنع، فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولون به، وذكر الخبر ثم قال: وكان حمزة ممن أعز اللَّه الدين به [ (6) ] . وقال: أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه عن جده، قال: قال لنا عمر ابن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: أتحبون أن أعلمكم كيف كان إسلامي؟ قلنا: نعم، قال: كنت من أشد الناس على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبينا أنا في يوم حار   [ (1) ] ترجمته في (الإصابة) : 2/ 227، ترجمة رقم (2150) . [ (2) ] ترجمته في (الاستيعاب) : 1/ 124، ترجمة رقم (122) . [ (3) ] ترجمته في (الاستيعاب) : 3/ 1135، ترجمة رقم (1863) . [ (4) ] ترجمته في (الإصابة) : 3/ 449، 452، ترجمة رقم (4108) . [ (5) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 97، وما بعدها، مباداة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قومه وما كان منهم. [ (6) ] (المرجع السابق) : 128- 129، إسلام حمزة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 102 شديد الحر بالهاجرة، في بعض طرق مكة، إذا لقيني رجل من قريش فقال: أين تريد يا ابن الخطاب؟ فقلت: أري [كذا وكذا] ، قال عجبا لك يا ابن الخطاب؟ أنت تزعم أنك كذلك، وقد أدخل عليك الأمر في بيتك قال: قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد أسلمت، قال: فرجعت مغضبا حتى قرعت الباب وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أسلم الرجل والرجلان، ممن لا شيء له، ضمهما إلى الرجل الّذي في يديه السعة، لأنه من فضل طعامه، وقد كان ضم إلى زوج أختى رجلين، فلما قرعت البيت، قيل: من هذا؟ قلت: عمر بن الخطاب، فبادروا فاختفوا منى، وقد كانوا يقرءون في صحيفة بين أيديهم، تركوها أو دسوها، فقامت أختى تفتح الباب فقلت: يا عدوة نفسها أصبوت؟ وضربتها بشيء في يدي على رأسها، فسال الدم، فلما رأت الدم بكت وقالت يا ابن الخطاب، ما كنت فاعلا فافعل، فقد صبوت. قال: ودخلت حتى جلست على السرير، فنظرت إلى الصحيفة وسط البيت، فقلت: ما هذا؟ فتناولتها، فإذا فيها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* فلما مررت باسم من أسماء اللَّه [ذعرت] منه، فألقيت الصحيفة، ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها، فإذا فيها: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ* يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فقرأتها حتى بلغت: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [ (1) ] ، فقلت أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فخرجوا متبادرين وكبروا وقالوا: أبشر يا ابن الخطاب فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دعا يوم الاثنين فقال: اللَّهمّ أعز دينك   [ (1) ] الحديد: 1- 7. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 103 بأحب الرجلين إليك: إما أبو جهل بن هشام وإما عمر بن الخطاب [ (1) ] ، وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فلما عرفوا الصدق منى قالوا: في بيت بأسفل الصفا، فخرجت حتى قرعت البيت عليهم، فقالوا: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، قال: وقد علموا من شدتي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما يعلمون بإسلامي- فما اجترأ أحد بفتح الباب حتى قال: افتح له إن يرد اللَّه به خيرا بهذه، فقال: خلوا عنه، ثم أخذ بمجامع قميصي، ثم جذبني إليه، ثم قال: أسلم يا ابن الخطاب، اللَّهمّ اهده. فقلت: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وان محمدا عبده ورسوله، فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بفجاج مكة، وكانوا مستخفين، فلم أشأ أن أرى رجلا يضرب، فيضرب إلا رأيته، ولا يصيبني من ذلك شيء فخرجت حتى جئت خالي- وكان شريفا- فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: ابن الخطاب، فخرج إليّ فقلت: قد علمت أنى صبوت؟ قال: أوقد فعلت؟ قلت نعم، قال: لا تفعل، فقلت: قد فعلت، فدخل وأجاف الباب دوني. فقلت: ما هذا شيء فذهبت إلى رجل من عظماء قريش، فناديته، فخرج إلي فقلت: مثل مقالتي لخالي، وقال مثل ما قال، ودخل وأجاف الباب دوني. فقلت في نفسي ما هذا شيء إن المسلمين يضربون وأنا لا أضرب، فقال رجل: أتحب ان يعلم بإسلامك؟ قلت نعم، قال: فإذا جلس الناس في الحجر، فأت فلان- لرجل لا يكتم السر- فقل له فيما بينك وبينه: إني صبوت فإنه قل ما يكتم السر. قال: فجئت، وقد اجتمع الناس في الحجر، فقلت فيما بيني وبينه إني قد صبوت، قال: أو فعلت؟ [قلت] نعم، قال: فنادى بأعلى صوته: إن ابن الخطاب قد صبأ، فبادروا إليّ أولئك الناس، فما زلت أضربهم ويضربونني، واجتمع على الناس، قال خالي: ما هذه الجماعة؟ قيل: عمر بن الخطاب قد صبأ.   [ (1) ] (مسند أحمد) 2/ 226، حديث رقم (5663) ، (سنن الترمذي) : 5/ 576، كتاب المناقب، باب (18) في مناقب عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3681) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 104 فقام على الحجر، وأشار بكمه هكذا، ألا إني قد أجرت ابن أختى، فتكشّفوا عنى، فكنت لا أشاء أن أرى رجلا من المسلمين يضرب ويضرب إلا رأيته، فقلت: ما هذا بشيء حتى يصيبني، فأتيت خالي فقلت: جوارك عليك ردّ، فقل ما شئت، فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز اللَّه الإسلام. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: كان إسلام عمر بن الخطاب بعد خروج من خرج من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أرض الحبشة، قال. حدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن عبد العزيز بن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة، عن أمه ليلى قالت: كان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، من أشد الناس علينا في إسلامنا. فلما تهيأنا للخروج من أرض الحبشة، جاءني عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأنا على بعير نريد أن نتوجه- فقال: أين تريدين يا أم عبد اللَّه؟ فقلت: آذيتمونا في ديننا، فنذهب في أرض اللَّه، حيث لا نؤذى في عبادة اللَّه، فقال صحبكم اللَّه، ثم ذهب فجاء زوجي عامر بن ربيعة، وأخبرته بما رأيت من رقة عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال [ترحبين] يسلم؟ فقلت نعم، قال: واللَّه لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب وهذا من شدته على المسلمين، ثم رزقه اللَّه الإسلام. قال ابن إسحاق: والمسلمون يومئذ بضع وأربعون رجلا وإحدى عشر امرأة [ (1) ] . وأما المستضعفون الذين عذبوا في اللَّه فإنّهم كانوا قوما لا عشائر لهم ولا منعة، فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء أنصاف النهار ليرجعوا إلى دينهم، وفيهم نزلت: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ   [ (1) ] ذكر البزار في إسلام عمر أنه قال: فلما أخذت الصحيفة فإذا فيها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فجعلت أفكر: من أي شيء اشتق؟ ثم قرأت فيها سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وجعلت أفكر وأفكر حتى بلغت: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فقلت: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله وذلك إن كانت وردت رواية أن ما في الصحيفة من سورة الحديد. (سيرة ابن هشام) : 2/ 190. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 105 يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ [حِسابِكَ] عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [ (1) ] وهم: عمار بن ياسر [ (2) ] بن عامر بن مالك [بن كنانة بن قيس بن الحصين بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن مالك بن عبس بن زيد] أحد بنى عبس، أخى مر بن مالك بن أدد بن زيد أبو اليقظان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأبوه ياسر، وأمه سمية، [بنت سليم من لخم] ، وأخوه عبد اللَّه ابن ياسر. قال الواقدي: عن عبد اللَّه بن أبى عبيدة، عن أبيه قال: قال عمار بن ياسر: لقيت صهيب بن سنان، على باب الأرقم بن أبى الأرقم، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها، فقلت له: ما تريد؟ فقال: ما تريد أنت؟ قلت: أريد [أن] أدخل على محمد فأسمع كلامه، قال: وأنا أريد ذلك، قال: فدخلنا، فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا ذاك، حتى أمسينا، ثم خرجنا مستخفين، فكان إسلام عمار وصهيب بعد إسلام بضع وثلاثين رجلا. حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن أبى شيبة أبو بكر، حدثنا جرير بن عبد الحميد الضبيّ، عن منصور عن مجاهد، فقال: أول من أظهر الإسلام سبعة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وسمية أم عمار. قال: فأما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمنعه عمه، وأما أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فمنعه قومه، وأما الآخرون فلبسوا الدروع الحديد ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ، فأعطوهم كل ما سألوا، فجاء إلى كل رجل منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء فألقوهم فيه ثم حملوا بجوانبه إلا بلال، فجعلوا في عنقه، ثم أمروا صبيانهم يشتدون به بين أخشبى مكة وجعل يقول: أحد أحد، وجاء أبو جهل إلى سمية، فطعنها في قبلها، فكانت أول شهيدة في في الإسلام لأنها أغلظت له في القول فأغضبته، وقيل: أو قتيل الحارث بن أبى هالة ابن خديجة.   [ (1) ] الأنعام: 52. [ (2) ] زيادة للنسب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 106 قال الواقدي: عن عثمان بن محمد، عن الحارث بن الفضل، عن محمد بن كعب القرظي قال: أخبرنى من رأى عمار بن ياسر متجردا في سراويل، قال ونظرت إلى ظهره، فإذا فيه خط، قلت: ما هذا قال: هذا مما كانت قريش تعذبني به في رمضاء مكة. وحدثني عثمان بن محمد في إسناده قال: كان عمار رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يعذب حتى لا يدرى ما يقول، وكان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدرى ما يقول، وبلال، وعمار، وابن فهيرة، وقوم من المسلمين، وفيهم نزلت: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. [ (1) ] ويقال نزلت في أبى سلمة بن عبد الأسد وبلال [أول] من أذن في الإسلام، وعثمان بن مظعون وكانا أول من قدم المدينة. قال: وحدثنا محمد بن حاتم المروزي، حدثنا هيثم عن حصين، عن أبى مالك في قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [ (2) ] قال هو عمار. وحدثنا أبو صالح الفراء الأنطاكي، حدثنا أبو إسحاق الفرازي، عن عبد اللَّه بن المبارك، عن معمر عن عبد الكريم، عن أبى عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: لما أخذ المشركون عمارا فعذبوه، لم يتركوه حتى سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما وراءك يا عمار؟ [قال] : شر واللَّه، ما تركني المشركون حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال وكيف تجدك؟ قال: مطمئن بالإيمان، قال: فإن عادوا فعد، ونزلت فيه: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ. وحدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده عن أبى صالح عن أم هانئ أن عمار بن ياسر، وأباه ياسر، وأخاه عبد اللَّه بن ياسر، وسمية أم عمار كانوا يعذبون في اللَّه، فمر بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أصبروا آل ياسر،   [ (1) ] النحل: 41- 42. [ (2) ] النحل: 106. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 107 فإن موعدكم الجنة، فمات ياسر في العذاب، وأغلظت سمية لأبى جهل، فطعنها في قبلها فماتت، وزمن عبد اللَّه فسقط. وخباب بن الأرت [ (1) ] بن جندلة بن سعد بن خزيمة من بنى سعد بن زيد مناة بن تميم [حليف بنى زهرة ويقال: إنه من البحرين فأنبط، وأنه أسود ويقال هو خباب بن الأرت بن حدار بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد] ، وقع عليه رسا فصار إلى أم أنمار فأعتقته، وكان به رنة إذا تكلم فسمى الأرت، وكان قينا بمكة، فأسلم سادس ستة من بنى مظعون، وأبى سلمة، وجماعة قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دار الأرقم، فعذب في اللَّه، وجعلوا يلصقون ظهره بالأرض على الرضف، حتى ذهب ماء متنه. وقال مجاهد عن الشعبي، دخل خباب بن الأرت على عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأجلسه على متكأة، وقال: [ما على الأرض] أحد أحق بهذا المجلس منك، إلا رجل واحد، فقال: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال بلال، قال: ما هو بحق منى، إن بلالا كان له من المشركين من يمنعه اللَّه به، ولم يكن لي أحد، لقد رأيتني يوما وقد أوقدوا لي نارا، ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتقيت الأرض إلا بظهرى، ثم كشف خباب عن ظهره، فإذا هو قد برص. وقال هشام بن الكلبي، عن أبى صالح: كان خبابا قينا، وكان قد أسلم، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يألفه ويأتيه، فأخبرت بذلك مولاته، فكانت تأخذ الحديدة قد أحمتها، فتضعها على رأسه، فشكى ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اللَّهمّ انصر خبابا، فشتت مولاته- وهي أم أنمار- فكانت تعوى مع الكلاب، فقيل لها: اكتوى، فكان خباب يأخذ الحديدة وقد أحماها، فيكوى بها رأسها.   [ (1) ] هو خباب بن الأرت من بنى سعد بن زيد مناة حليف لبني زهرة كنيته: أبو يحيى وقد قيل: أبو عبد اللَّه مولى ثابت بن الأرت بن أم أنمار الخزاعية مات بالكوفة منصرف على من صفين سنة سبع وثلاثين وهو ابن خمسين سنة، وصلّى عليه على بن أبى طالب، وقيل: إنه مات سنة تسع عشرة بالمدينة وصلى عليه عمر بن الخطاب، والأول أصح. (تاريخ الصحابة) : 88 ترجمة (363) ، (الثقات) : 3/ 106، (الإصابة) : 1/ 416. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 108 وذكر الواقدي أن الّذي كان يعذب خبابا حين أسلم، عتبة بن أبى وقاص، ويقال: الأسود بن عبد يغوث، قال: وهو الثبت، [توفى بالكوفة سنة سبع وثلاثين، منصرف على من صفين إلى الكوفة، وهو أول من توفى] من الصحابة. وصهيب بن سنان بن مالك [ (1) ] بن عمرو بن نفيل بن عقيل بن عامر بن جندلة بن خزيمة بن كعب بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط، [ويقال: إن [أمه امرأة] من تميم، يقال لها: سلمى بنت الحارث] ، أسلم مع عمار في دار الأرقم. قال: يزيد بن رومان، عن عروة: كان صهيب من المستضعفين من المؤمنين الذين يهزءون، فقال صهيب: نحن جلساء نبي اللَّه، آمنا وكفرتم، وصدقناه وكذبتموه، ولا خسيسة مع الإسلام، ولا عز مع الشرك، فعذبوه وضربوه، وجعلوا يقولون: أنتم الذين منّ اللَّه عليهم من بيننا [توفى سنة ثمان وثلاثين] . وبلال بن رباح [ (2) ] [مولى أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان أسود مولدا من مواليد بنى جمح] كان أبوه رباح حبشيا [سبيا] وكان ابنه   [ (1) ] هو صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن مناة بن النمر بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن عدنان، كنيته أبو يحيى، مولى عبد اللَّه بن جدعان التميمي، وقد قيل حليف ابن جدعان من سبى الموصل أصله من الجزيرة، أمه سلمى بنت قعيد. مات في شوال ستة ثمان وثلاثين في خلافة على بن أبى طالب، عليه السّلام ودفن بالبقيع وكان له يوم مات سبعون سنة. ومن أولاده عمرة وعمارة. (تاريخ الصحابة) : 136، 137، ترجمة رقم (671) ، (الإصابة) : 2/ 195. [ (2) ] هو بلال بن رباح مؤذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أعتقه أبو بكر وكان تربه، وكان له ولاؤه، كنيته أبو عمرو. ويقال أبو عبد اللَّه. وقد قيل أبو عبد الكريم. أمه حمامة. قيل لأبى بكر بعد موت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن كنت أعتقتني للَّه فدعني أذهب حيث شئت، وإن كنت أعتقتنى لنفسك فأمسكنى، قال أبو بكر: اذهب حيث شئت، فذهب إلى الشام فسكنها مؤثرا الجهاد على الأذان، إلى أن مات سنة عشرين، ويقال: إن قبره بدمشق، وسمعت أهل فلسطين يقولون: إن قبره بعمواس، وقد قيل: قبره بداريا، وامرأة بلال هند الخولانية. وكان- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 109 بلال من مولدي السراة، وكانت أمه حمامة سبية، تلقب بسكينة، وأسلم قديما في أول ما دعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويقال: إنه كان الثالث في الإسلام، وكان لأمية ابن خلف، وكان أمية بن خلف يخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت، فيلقيه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة، فتوضع على صدره، ويقول: واللَّه لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد، فيقول: أحد أحد، ويضع أمية بن خلف في عنقه حبلا، ويأمر الصبيان فيجرونه، فمر به أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو يعذبه، فقال له: يا أمية! أما تتقى اللَّه في هذا المسكين؟ فقال: أنت أفسدته، فأنقذه. وكان بلالا تربا لأبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأحد من دعاه أبو بكر إلى الإسلام، فقال أبو بكر: عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى، وهو على دينك، فأعطيك إياه ثمنا لبلال، قال: قد قبلت، فأعطاه ذلك الغلام، وأخذ بلالا فأعتقه. وقال معمر عن قتادة: إن عمرو بن العاص قال: مررت ببلال وهو يعذب، ولو أنه بضعة لحم وضعت لنضجت، وهو [يقول] : أنا كافر باللات والعزى، وأمية يغاظ عليه، فيزيده عذابا فيقبل عليه، فيدعث حلقه، فيغشى عليه، ثم يفيق. وذكر الواقدي أن حسان بن ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: حججت، أو قال: اعتمرت، فرأيت بلالا في حبل طويل، يمده الصبيان، معه عامر بن فهيرة وهو يقول: أحد أحد، أنا كافر باللات، والعزى، وهبل، وإساف، ونائلة، فأضجعه أمية في الرمضاء. وقتل بلال أمية بن خلف يوم بدر، فقال أبو بكر: هنيئا زادك الرحمن عزا ... لقد أدركت ثأرك يا بلال [توفى سنة عشرين، وقيل غير ذلك، وكانت وفاته بدمشق] .   [ () ] لبلال يوم مات بضع وستون سنة، (طبقات ابن سعد) : 3/ 232، 7/ 385، (حلية الأولياء) : 1/ 147، (تاريخ الصحابة) : 42، 43 ترجمة (106) ، (الإصابة) : 1/ 165. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 110 وعامر بن فهيرة، [يقال: إنه من عنز بن وائل، وأنه عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن سعد بن عبد اللَّه بن الحارث بن رفيدة بن عنز بن وائل العنزي وقيل في نسبه غير ذلك [ (1) ] . أسلم عامر قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دار الأرقم، وكان من المستضعفين، فكان يعذب ليرجع عن دينه، حتى اشتراه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأعتقه، وكان حسن الإسلام، وكان يرعى الغنم، واستشهد ببئر معونة. قال ابن إسحاق: عن هشام بن عروة عن أبيه، أن عامر بن الطفيل قال يومئذ: من رجل لما طعنته رفع حتى رأيت السماء دونه، رواه البكاري عن ابن إسحاق، وفي رواية يونس بن بكير عنه بهذا الإسناد، أن عامر بن الطفيل قدم المدينة بعد ذلك، وقال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: من رجل يا محمد لما طعنته رفع إلى السماء؟ فقال: هو عامر بن فهيرة. وروى عبد الرزاق وابن المبارك، أن عامر بن فهيرة التمس في القتلى يومئذ ففقد، فيرون الملائكة قد رفعته أو دفنته.   [ (1) ] وعنز بسكون النون أخو بكر بن وائل حليف بنى عدىّ، ثم الخطاب والد عمر، منهم من ينسبه إلى مذحج. وكان أحد السابقين الأولين، وهاجر إلى الحبشة، ومعه امرأته ليلى بنت أبى خيثمة، ثم هاجر إلى المدينة أيضا، وشهد بدرا وما بعدها، وله رواية عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من طريق أبيه عبد اللَّه، ومن طريق عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن الزبير، وأبى أسامة بن سهل، وغيرهم. وذلك في الصحيحين وغيرهما، وكان صاحب عمر لما قدم الجابية، واستخلفه عثمان على المدينة لما حج. وقال ابن سعد: كان الخطاب قد تبنى عامرا، فكان يقال: عامر بن الخطاب حتى نزلت: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ، [الأحزاب: 5] . وقال يحي بن سعد الأنصاري، عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة: قام عمر بن ربيعة يصلى من الليل، وذلك حين نشب الناس في الطعن على عثمان، فنام فأتاه آت فقال له: قم فاسأل اللَّه أن يعيذك من الفتنة. فقام فصلى ثم اشتكى فما خرج بعد إلا بجنازته. أخرجه في الموطأ. قال مصعب الزبيري: مات سنة اثنين وثلاثين، كذا قال أبو عبيدة، ثم ذكره في سنة سبع وثلاثين، وقال: أظن هذا أثبت. وقال الواقدي: كان مؤتة بعد قتل عثمان بأيام. وقيل: في وفاته غير ذلك. (الإصابة) : 3/ 579- 580، ترجمة رقم (4384) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 111 وأبو فكيهة أفلح، وقيل: يسار كان عبدا لصفوان بن أمية الجمحيّ، فأسلم حين أسلم بلال [ (1) ] ، فمر به أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقد أخذه أمية بن خلف فربط في رجله حبلا، وأمر به فجر، ثم ألقاه في الرمضاء، ومر به جعل، فقال له أمية: أليس هذا ربك؟ قال: اللَّه ربى خالقي، وخالقك، وخالق هذا الجعل، فغلظ عليه وجعل يخنقه، ومعه أخوه أبى ابن خلف يقول: زده عذابا، حتى يأتيه محمد فيخلصه بسحره، ولم يزل على تلك الحال حتى ظنوا أنه قد مات، ثم أفاق فمر به أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فاشتراه فأعتقه. وقال ابن عبد البر: كانوا يعذبونه، وإنه إنما كان لهم، فأخرجوه يوما مقيدا، نصف النهار إلى الرمضاء، ووضعوا على صدره صخرة حتى [دلع] لسانه، وقيل: قد مات، ثم أفاق، وقتل يوم بدر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وجارية بنى المؤمل بن حبيب بن تميم بن عبد اللَّه بن قرظ بن رازح ابن عدىّ، ويقال لها لبيبة، أسلمت [ (2) ] قبل إسلام عمر بن الخطاب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان عمر يعذبها حتى تفتر، فيدعها ثم يقول: أما أنى أعتذر إليك، ما أدعوك الا مسلمة، فتقول: كذلك يعذبك اللَّه إن لم تسلم. وذكر الواقدي: أن حسان بن ثابت قال: قدمت مكة معتمرا، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو الناس، وأصحابه يؤذون ويعذبون، فوقعت على عمر وهو مؤتزر، يخنق جارية بنى عمرو بن المؤمل حتى تسترخي في يده، فأقول: قد ماتت ثم   [ (1) ] أبو فكيهة أفلح أو يسار، هو أبو فكيهة الجهمى، مولى صفوان بن أمية، وقيل مولى ابن عبد الدار أسلم قديما فربط أمية بن خلف في رجله حبلا فجره حتى ألقاه في الرمضاء وجعل يخنقه، فجاء أخوه أبىّ بن خلف فقال: زده، فلم يزل على ذلك حتى ظن أنه مات، فمر أبو بكر الصديق فاشتراه فأعتقه، واسمه يسار، وقد تقدم في التحتانية، وقيل اسمه أفلح بن يسار، وقال عمر بن شبة كان ينسب للأشعريين (الإصابة) : 232- 323، ترجمة (10391) . [ (2) ] هي زنيرة الروميّة، كانت من السابقات في الإسلام فعذبها المشركون على إسلامها فاحتملت عذابهم بصبر ورباطة جأش ولم تصبأ عن دينها ثم اشتراها أبو بكر الصديق فأعتقها. (أعلام النساء) : 2/ 39. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 112 يخلى عنها، ثم يثب على زنيرة، فيفعل بها مثل ذلك، [قال: وكان أبو جهل يقول:] لا تعجبون لهؤلاء واتباعهم محمدا، فلو كان أمر محمد خيرا وحقا، ما سبقونا إليه، أفتسبقنا زنيرة إلى رشد وهي كما ترون؟ وكانت زنيرة قد عميت، فقال لها أبو جهل: إن اللات والعزى، بك ما ترين، فقالت هي، ولا تبصره: وما يدرى اللات والعزى من يعبدهما ممن لا يعبدهما، ولكن هذا أمر من السماء، وربى قادر على أن يرد على بصرى، فأصبحت من تلك الليلة، وقد ردّ اللَّه عليها بصرها، فقالت قريش: هذا من سحر محمد، فاشترى أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه جارية بنى المؤمل، وزنيرة وأعتقهما، ويقال: أن زنيرة لبني مخزوم، وكان أبو جهل يعذبها. وكانت النهدية مولدة لبني نهد بن زيد فصارت لامرأة من بنى عبد الدار وأسلمت، فكانت تعذبها وتقول: واللَّه لا أقلعت عنك أو يعتقك بعض صباتك، فأتاها أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعتقها، وكان معها طحين، ويقال: نوى لمولاتها يوم أعتقها، فردته عليها. وكانت أم عبيس [ (1) ] بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أمة لبني زهرة، وكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها، فابتاعها أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعتقها.   [ (1) ] أم عبيس: هي أحد من كان يعذبه المشركون ممن سبق إلى الإسلام. قال أبو بشر الدولابي عن الشعبي: أسلمت وهي زوج كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، ولدت له عبيسا فكنيت به. وروى يونس بن بكير في (زيادات المغازي) لابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه- أن أبا بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أعتق ممن يعذب في اللَّه سبعة، وهم: بلال، وعامر بن فهيرة، وزنيرة، وجارية ابنة المؤمل، والنهدية، وابنتها، وأم عبيس. وأخرج محمد بن عثمان بن أبى شيبة في تاريخه، عن منجاب بن الحارث، عن إبراهيم بن يوسف بن زياد البكائي، عن ابن إسحاق، عن حميد، عن أنس: قال: قالت أم هانئ بنت أبى طالب: أعتق أبو بكر بلالا، وأعتق معه ستة، منهم أم عبيس. وأخرجه أبو نعيم، وأبو موسى، من طريقه. وقال الزبير بن بكار: كانت فتاة لبني تيم ابن مرة، فأسلمت أول الإسلام، وكانت ممن استضعفه المشركون يعذبونها، فاشتراها أبو بكر فأعتقها، وكنيت بابنها عبيس بن كريز. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 113 قال الواقدي عن ابن أبى حبيبة، عن داود بن الحصين، عن أبى غطفان، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] أنه قال له: هل كان المشركون يبلغون من المسلمين من العذاب ما يعذرون به من ترك دينهم؟ قال: نعم، إن كانوا ليضربون أحدهم، ويجيعونه ويعطشونه، ويضربونه حتى ما يقدر أن يقعد، فيعطهم ما سألوه من الفتنة، ويقولون له: اللات والعزى إلهك من دون اللَّه؟ فيقول: نعم، حتى إن الجعل ليمر، فيقولون: إن هذا الجعل إلا إلهك من دون اللَّه؟ فيقول: نعم، افتداء منهم بما يبذلون من جهده، فإذا أفاق رجع إلى التوحيد. وقال الكلبي: عذب قوم لا عشائر لهم ولا مانع منهم، فبعضهم ارتد، وبعضهم أقام على الإسلام، وبعضهم أعطى ما أريد منهم من غير اعتقاد منه للكفر، وكان قوم من الأشراف قد أسلموا، ثم فتنوا، منهم سلمة بن هشام بن المغيرة، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وعياش بن أبى ربيعة، وهشام بن العاص السهمي. قالوا: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس في المسجد، جلس إليه المستضعفون من أصحابه: عمار، وخباب، وصهيب، وبلال، وأبو فكيهة، وعامر بن فهيرة، وأشباههم من المسلمين، فيقول بعض قريش لبعض [ما هو] ولا جلساؤه كما ترون قد من اللَّه عليهم من بيننا، فأنزل اللَّه [عز وجل] : أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [ (1) ] ونزل فيهم: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [ (2) ] ونزل فيهم: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [ (3) ] ونزل   [ (1) ] الأنعام: 53. [ (2) ] الأنعام: 52. [ (3) ] النحل: 42. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 114 فيهم: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [ (1) ] وكان مجاهد يقول: يعنى الذين تكلموا بما تكلموا به وهم مكرهون. قال [الواقدي] : عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: كان أبو جهل يأتى الرجل الشريف إذا أسلم، فيقول له: أتترك دين أبيك وتقيل رأيه، وتضع شرفه؟ وإن كان تاجرا قال له: ستكسد تجارتك، ويهلك مالك، وإن كان ضعيفا أغرى به حتى يعذب، فأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه فهاجروا إلى الحبشة. وأما المهاجرون إلى الحبشة [ (2) ] فإنه خرجت طائفة أولى، ثم خرجت طائفة بعدها، فكانت الأولى اثنى عشر رجلا وأربع نسوة، وقيل: أحد عشر وامرأتان، وقيل: كانوا عشر رجال وأربع نسوة، وأميرهم عثمان بن مظعون، وأنكر الزهري ذلك وقال: لم يكن لهم أمير. قال قتادة: أول من هاجر إلى اللَّه بأهله عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (3) ] .   [ (1) ] النحل: 110. [ (2) ] قال ابن إسحاق: فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية، بمكانه من اللَّه ومن عمه أبى طالب، وأنه لا يقدر أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم: لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل اللَّه لكم فرجا مما أنتم، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أرض الحبشة، مخافة الفتنة، وفرارا إلى اللَّه بدينهم، فكانت أول هجرة كانت في الإسلام. أوائل المهاجرين إلى الحبشة: وكان أول من خرج من المسلمين من بنى أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصىّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر: عثمان بن عفان ابن أبى العاص بن أمية، معه امرأته رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. - [ (3) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 115 قال: سمعت النضر بن أنس يقول: سمعت أبا حمزة- يعنى أنسا رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، يقول: خرج عثمان بن عفان، ومعه رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أرض الحبشة، فأبطأ على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبرهم، فقدمت امرأة من قريش فقالت: يا محمد! قد رأيت ختنك ومعه امرأته، قال: على أي حال رأيتينهما؟ قالت: رأيته قد حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة وهو يسوقها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صحبهم اللَّه، إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط. وذكر الواقدي أن الهجرة الثانية إلى الحبشة كانت سنة خمس من المبعث. وخرج أبو داود الطيالسي، عن خديج بن معاوية، عن أبى إسحاق أن عن عبد اللَّه بن عتبة، عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى النجاشي [ (1) ] ونحن ثمانون رجلا، معنا جعفر بن أبى طالب، وعثمان بن عفان، فذكره.   [ (1) ] اسم لكل ملك يلي الحبشة، كما أن كسرى اسم لمن ملك الفرس، وخاقان اسم لملك الترك كائنا من كان، وبطليموس اسم لمن ملك اليونان. واسم هذا النجاشي أصحمة بن أبحر، وتفسيره: عطية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 116 وأما من أسلم قبل الفتح فقد قال تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [ (1) ] .   [ (1) ] الحديد: 10، قوله تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أي لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله وذلك أن قبل فتح مكة كان الحال شديدا فلم يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون وأما بعد الفتح فإنه ظهر الإسلام ظهورا عظيما ودخل الناس في دين اللَّه أفواجا، ولهذا قال تعالى: أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى والجمهور على أن المراد بالفتح هاهنا فتح مكة، وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح هاهنا صلح الحديبيّة، وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك حدثنا زهير حدثنا حميد الطويل عن أنس قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فبلغنا أن ذلك ذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: «دعوا لي أصحابى فو الّذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم» ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبيّة وفتح مكة وكانت هذه أعمالهم» وكانت هذه المشاجرة بينهما في بنى جذيمة الذين بعث إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالد بن الوليد بعد الفتح فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم فخالفه عبد الرحمن بن عوف، وعبد اللَّه بن عمر وغيرهما فاختصمهم خالد وعبد الرحمن بسبب ذلك. والّذي في الصحيح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال «لا تسبوا أصحابى فو الّذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» وروى بن جرير وابن أبى حاتم من حديث ابن وهب أخبرنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدريّ خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عام الحديبيّة حتى إذا كنا بعسفان قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يوشك أن يأتى قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم فقلنا: من هم يا رسول اللَّه أقريش؟ قال: لا، ولكن أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوبا، فقلنا أهم خير منا يا رسول اللَّه؟ قال: لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه، إلا أن هذه الآية فضلت ما بيننا وبين- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 117 وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] ، من حديث شعبة عن الأعمش، سمعت ذكوان يحدث عن أبى سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسبوا أصحابى فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. ذكره البخاري في مناقب أبى بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. وذكره مسلم [ (3) ] في آخر المناقب من طريق الأعمش، عن أبى صالح عن أبى سعيد قال: كان بين خالد بن الوليد، وبين عبد الرحمن بن عوف   [ () ] الناس: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. وهذا الحديث غريب بهذا السياق والّذي في الصحيحين من رواية جماعة عن عطاء ابن يسار عن أبى سعيد وقد ذكر الخوارج: تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، يرمقون من الدين كما يمرق السهم من الرّميّة، والحديث الّذي في الصحيح: المؤمن القوى خير وأحب إلى اللَّه من المؤمن الضعيف وفي كل خير، وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب آخر لمدح الأول دون الآخر، فيتوهم متوهم ذمه، فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه مع تفضيل الأول عليه، لهذا قال: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أي فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن فعل ذلك بعد ذلك، وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام، وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق. (تفسير ابن كثير) 4/ 328- 329 مختصرا. [ (1) ] رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو كنت متخذا خليلا. ومسلم في فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم حديث رقم (2541) وأبو داود في السنة، باب النهى عن سبب أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4658) والترمذي في المناقب، باب فيمن سب أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3860) ، والمدّ: ربع الصاع، والنصيف نصف المد، والتقدير: ما بلغ هذا القدر اليسير من فضلهم ولا نصفهم. (جامع الأصول) 8/ 552- 553 باب في فضائل الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم ومناقبهم، حديث رقم (6361) ، و (6362) . [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 118 شيء، فسبه خالد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسبوا أحدا من أصحابى فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه. وخرج مسلم [ (1) ] من حديث أبى معاوية، عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسبوا أصحابى، فو الّذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه. كذا وقع في كتاب مسلم في هذا الحديث، عن أبى معاوية عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، ولعله وهم من مسلم، أو ممن كتب عنه وإنما الحديث عن أبى سعيد الخدريّ، وهكذا هو في مسند ابن أبى شيبة، وفي كتاب الترمذي وغيرهما، ويدل على الوهم في ذلك قول مسلم بعد ما أورده من رواية وكيع، ومعاذ، وشعبه عن الأعمش، بإسناد جرير وأبى معاوية، [و] إنما تدل هذه الإحالة على أمر متفق، لا مختلف. وخرجه أبو داود [ (2) ] الترمذي [ (3) ] ، من حديث أبى معاوية، عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى سعيد قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسبوا أصحابى، فو الّذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى قوله: نصيفه، يعنى نصف المد. وقال أبو بكر محمد بن أبى نصر الحميدي في كتابه، بعد ذكره حديث الأعمش: رواه أبو بكر البرقاني في كتابه (المخرج على الصحيح) ، من حديث أبى بكر بن عياش عن الأعمش، وفيه: لا تسبوا أصحابى، دعوا لي أصحابى، فإن أحدكم لو أنفق كل يوم مثل أحد ذهبا لم يبلغ مدّ أحدهم، قال أبو بكر البرقاني: قوله: كل يوم، حسن مليح.   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] سبق تخريجه. [ (3) ] سبق تخريجه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 119 وقال سعيد بن منصور المكيّ في كتابه (الزهد) : حدثني سفيان عن زيد بن أسلم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يأتى قوم من ها هنا- وأشار بيده نحو اليمين- تحتقرون أعمالكم عند أعمالهم، قالوا: فنحن خير أم هم؟ قال: بل أنتم، لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه، فضلت هذه الآية بيننا وبين الناس: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا [وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ] . حديث مرسل. وقال أبو عمر بن عبد البرّ: فضّل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جماعة من أصحابه بفضائل، وسمهم بها، وذكرهم فيها، ولم يأت عنه أنه فضّل منهم واحد على صاحبه بعينه من وجه يصح، ولكنه ذكر من فضائلهم، ما يستدل به على مواضعهم ومنازلهم من الفضل، والدين، [و] العلم. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم أحلم وأكرم معاشرة، وأعلم بمحاسن الأخلاق، من أن يواجه فاضلا منهم، بأن غيره أفضل منه، فيجد من ذلك في نفسه، بل فضل السابقين منهم، وأهل الاختصاص به، على من لم ينل منازلهم، فقال لهم: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا، ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه، وهذا معنى قول اللَّه تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا ومحال أن يستوي من قاتله صلّى اللَّه عليه وسلّم، مع من قاتل عنه. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لبعض من لم يشهد بدرا وقد رآه يمشى بين يدي أبى بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: تمشى بين يدي من هو خير منك؟! لأنه كان أعلمهما، ذلك في الجملة، لمن شهد بدرا والحديبيّة، ولكل طبقة منهم منزلة معروفة، وحال موصوفة، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 120 وأما الذين شهدوا بدرا وبيعة الرضوان [ (1) ] تحت الشجرة بالحديبية فخرج الإمام أحمد من حديث هشام، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة قال: كان عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر، أو أربعة عشر، أحد العددين. ومن حديث سفيان قال: حدثنا أبو إسحاق، حدثنا البراء بن عازب قال: كنا- يعنى أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- نتحدث أن عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، كعدد أصحاب طالوت الذين جازوا، وما جاز معه النهر إلا مؤمن.   [ (1) ] سبب البيعة ونصها: قال ابن إسحاق: فحدثني عبد اللَّه بن أبى بكر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: حين بلغه أن عثمان قد قتل: لا نبرح حتى نناجز القوم، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس يقولون: بايعهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الموت، وكان جابر بن عبد اللَّه يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يبايعنا على الموت، ولكن بايعنا على أن لا نفر. فبايع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها، إلا الجد ابن قيس، أخو بنى سلمة، فكان جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: واللَّه لكأنّي انظر إليه لاصقا بإبط ناقته. قد خبأ إليها، يستتر بها من الناس ثم أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن الّذي ذكر من أمر عثمان باطل. قال ابن هشام: فذكر وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد، عن الشعبي: أن أول من بايع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيعة الرضوان: أبو سنان الأسدي. قال ابن هشام: وحدثني من أثق به عمن حدثه بإسناد له، عن ابن أبى مليكة عن ابن أبى عمر: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بايع لعثمان، فضرب بإحدى يديه على الآخرى. ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو أخا بنى عامر بن لؤيّ، إلى رسول اللَّه وقالوا له: ائت محمدا فصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فو اللَّه لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدا. فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقبلا، قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، تكلم فأطال الكلام، وتراجعا، ثم تم بينهم الصلح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 121 وقال ابن إسحاق [ (1) ] : جميع من شهد بدرا من المسلمين، من المهاجرين والأنصار، ثلاثمائة رجل، وأربعة عشر رجلا: من المهاجرين ثلاثة وثمانون، ومن الأوس أحد وستون، ومن الخزرج مائة وسبعون. وقال ابن جريج: أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: كنا بالحديبية أربعة عشر مائة .... الحديث. وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: كم كانوا الذين شهدوا بيعة الرضوان، قال: أربع عشر مائة، قال: رحم اللَّه جابرا، هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة. ولأحمد بن حنبل [ (2) ] من حديث سفيان، عن عمرو قال: سمعت جابر ابن عبد اللَّه يقول: كنا يوم الحديبيّة أنا وأربع عشر مائة، فقال [لنا] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنتم اليوم خير أهل الأرض. وقال معقل بن يسار، وعبد اللَّه بن أبى أوفى- وكانا ممن شهد البيعة تحت الشجرة- كانوا ألفا [وأربعمائة] . وخرج   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 261، عدد من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار. وقال القسطلاني: وكان عدة من خرج معه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثمائة وخمسة، وثمانية لم يحضروها، وإنما ضرب لهم بسهمهم وأجرهم، فكانوا كمن حضرها، وهم: عثمان ابن عفان، تخلف بسبب مرض زوجته رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وطلحة بن عبيد اللَّه، وسعيد ابن زيد، كانا في مهمة استطلاعية تتعلق بالعير، وأبو لبابة استخلفه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المدينة، وعاصم بن عدي على أهل العالية، والحارث بن حاطب على بنى عمرو ابن عوف، والحارث بن الصمة وقع أثناء الطريق فرد، وخوات بن جبير أصابه حجر في ساقه فرد من الصفراء. (المواهب اللدنية) : 1/ 349. [ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 244، حديث رقم (13901) ، (14409) ، كلاهما من مسند جابر بن عبد اللَّه، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 122 البخاري [ (1) ] في آخر الجهاد من حديث هيثم، أنبأنا حصين، عن سعد بن عبيدة، عن أبى عبد الرحمن- وكان عثمانيا فقال لابن عطية- وكان علويا-: إني لا أعلم ما الّذي جرأ صاحبك على الدماء، سمعته يقول: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والزبير فقال: ائتوا روضة كذا، وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا، فأتينا الروضة فقلنا: الكتاب؟ فقالت: لم يعطني، قلنا لتخرجنه أو لأجردنك، فأخرجت من حجزتها، فأرسل الى حاطب فقال: لا تعجل، واللَّه ما كفرت، ولا ازددت للإسلام إلا حبا، ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع اللَّه به عن أهله وماله، ولم يكن لي أحد، فأحببت أن أتخذ عندهم يدا. فصدقه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: دعني أضرب عنقه، فإنه قد نافق، فقال: وما يدريك لعل اللَّه أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم، فهذا الّذي جرّأه.   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 234، كتاب الجهاد والسير، باب (195) إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة، والمؤمنات إذا عصين اللَّه، وتجريدهن، حديث رقم (3081) . قوله: «باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة، والمؤمنات إذا عصين اللَّه، وتجريدهن» أورد فيه حديث في قصة المرأة التي كتب معها حاطب إلى أهل مكة، ومناسبته للترجمة ظاهرة في رؤية الشعر، من قوله في الرواية الأخرى «فأخرجته من عقاصها» وهي ذوائبها المضفورة، وفي التجريد من قول علي «لأجردنك» وقد تقدم في «باب الجاسوس» من وجه آخر عن على، ويأتى شرحه في تفسير سورة الممتحنة. وقوله في الإسناد «عن أبي عبد الرحمن» هو السلمي. وقوله «وكان عثمانيا» أي يقدم عثمان على عليّ في الفضل، وقوله «فقال لابن عطية» هو حبان بكسر المهملة وبالموحدة. وقوله «وكان علويا» أي يقدم عليا في الفضل على عثمان وهو مذهب مشهور لجماعة من أهل السنة بالكوفة. قال ابن الأثير: ليس في الحديث بيان هل كانت المرأة مسلمة أو ذمية، لكن لما استوى حكمها في تحريم النظر لغير حاجة شملهما الدليل. وقال ابن التين: إن كانت مشركة لم توافق الترجمة، وأجيب بأنها كانت ذات عهد فحكمها حكم أهل الذمة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 123 وخرجه [ (1) ] في كتاب استتابه المرتدين بأبسط من هذا، لفظه: فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت ما الّذي جرأ صاحبك على الدماء- يعني   [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 375، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب (9) ما جاء في المتأولين، حديث رقم (6939) . وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن المؤمن ولو بلغ بالصلاح أن يقطع له بالجنة لا يعصم من الوقوع في الذنب لأن حاطبا دخل فيمن أوجب اللَّه لهم الجنة ووقع منه ما وقع. وفيه تعقب على من تأول أن المراد بقوله: «اعملوا ما شئتم أنهم حفظوا من الوقوع في شيء من الذنوب. وفيه الرد على من كفر مسلما بارتكاب الذنب، وعلى من جزم بتخليده في النار، وعلى من قطع بأنه لا بد وأن يعذب. وفيه من وقع منه الخطأ لا ينبغي له أن يجحده بل يعترف ويعتذر لئلا يجمع بين ذنبين. وفيه جواز التشديد في استخلاص الحق والتهديد بما لا يفعله المهدد تخويفا لمن يستخرج منه الحق. وفيه هتك ستر الجاسوس، وقد استدل به من يرى قتله من المالكية لاستئذان عمر في قتله ولم يردّه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ذلك إلا لكونه من أهل بدر، ومنهم من قيده بأن يتكرر ذلك منه، والمعروف عن مالك يجتهد فيه الإمام، وقد نقل الطحاوي الإجماع على أن الجاسوس المسلم لا يباح دمه وقال الشافعية والأكثر: يعزر، وإن كان من أهل الهيئات يعفى عنه. وفيه العفو عن زلة ذوى الهيئة. وأجاب الطبري عن قصة حاطب واحتجاج من احتج بأنه إنما صفح عنه لما أطلعه اللَّه عليه من صدقه في اعتذاره فلا يكون غيره كذلك. قال القرطبي وهو ظن خطأ لأن أحكام اللَّه في عباده إنما تجرى على ما ظهر منهم، وقد أخبر اللَّه تعالى نبيه عن المنافقين الذين كانوا بحضرته ولم يبح له قتلهم مع ذلك لإظهارهم الإسلام، وكذلك الحكم في كل من أظهر الإسلام تجرى عليه أحكام الإسلام. وفيه من أعلام النبوة اطلاع اللَّه نبيه على قصة حاطب مع المرأة كما تقدم بيانه من الروايات في ذلك. وفيه إشارة الكبير على الإمام بما يظهر له من الرأى العائد نفعه على المسلمين ويتخير الإمام في ذلك. وفيه جواز العفو عن العاصي. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 124 عليا- قال: ما هو لا أبا لك؟ قال: شيء سمعته يقول، قال: ما هو؟ قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والزبير وأبا مرثد- وكلنا فارس- قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ- قال أبو سلمة: هكذا قال أبو عوانة خاخ- فإن امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبى بلتعة إلى المشركين فأتوني بها. فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تسير على بعير لها، وكان إلى أهل مكة بمسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم. فقلنا: أين الكتاب الّذي معك؟ قالت: ما معى كتاب. فأنخنا بها بعيرها، فابتغينا في رحلها فما وجدنا شيئا. فقال صاحباي ما نرى معها كتابا، قال فقلت: لقد علمنا ما كذب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ثم حلف على: والّذي يحلف به لتخرجن الكتاب أو لأجردنك. فأهوت إلى حجزتها- وهي محتجزة بكساء فأخرجت الصحيفة، فأتوا بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال عمر: يا رسول اللَّه، قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، دعني فأضرب عنقه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يا حاطب ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول اللَّه، وما لي أن لا أكون مؤمنا باللَّه ورسوله، ولكنى أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها أهلي ومالي، وليس   [ () ] وفيه أن العاصي لا حرمة له وقد أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة ولولا أنها لعصيانها سقطت حرمتها ما هددها عليّ بتجريدها. قاله ابن بطال. وفيه جواز غفران جميع الذنوب الجائزة الوقوع عمن شاء اللَّه خلافا لمن أبى ذلك من أهل البدع، وقد استشكلت إقامة الحد على مسطح بقذف عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها كما تقدم مع أنه من أهل بدر فلم يسامح بما ارتكبه من الكبيرة وسومح حاطب، وعلل بكونه من أهل بدر، والجواب ما تقدم في «باب فضل من شهد بدرا» أن محل العفو عن البدري في الأمور التي لا حد فيها. وفيه جواز غفران ما تأخر من الذنوب ويدل على ذلك الدعاء به في عدة أخبار. وفيه تأدب عمر، وأنه لا ينبغي إقامة الحد والتأديب بحضرة الإمام إلا بعد استئذانه وفيه منقبة لعمر ولأهل بدر كلهم. وفيه البكاء عند السرور ويحتمل أن يكون عمر بكى حينئذ لما لحقه من الخشوع والندم على ما قاله في حق حاطب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 125 من أصحابك أحد إلا له هنالك من قومه من يدفع اللَّه به عن أهله وماله. قال: صدق، لا تقولوا له إلا خيرا. قال فعاد عمر فقال: يا رسول اللَّه، قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، دعني فلأضرب عنقه قال: أو ليس من أهل بدر؟ وما يدريك لعل اللَّه اطلع عليهم فقال: اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكن الجنة، فاغرورقت عيناه فقال: ورسوله أعلم، وهو مما أتفقا على إخراجه. ولمسلم [ (1) ] من حديث الليث عن أبى الزبير، عن جابر، أن عبدا لحاطب جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يشكو] حاطبا، فقال: يا رسول اللَّه! ليدخلن حاطب النار، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبت، لا يدخلها، فإنه شهد بدرا والحديبيّة. وخرجه النسائي أيضا، ولمسلم [ (2) ] من حديث ابن جريج، أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول:   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 290، كتاب فضائل الصحابة، باب (36) من فضائل أهل بدر، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وقصة حاطب بن أبى بلتعة، حديث رقم (162) . وفيه فضيلة أهل بدر، والحديبيّة، وفضيلة حاطب لكونه منهم. وفيه أن لفظة الكذب هي الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو، عمدا كان أو سهوا، كان الإخبار عن ماض، أو مستقبل، وخصته المعتزلة بالعمد، وهذا يرد عليهم، وسبقت المسألة في كتاب الإيمان، وقال بعض أهل اللغة: لا يستعمل الكذب إلا في الإخبار عن الماضي، بخلاف ما هو مستقبل، وهذا الحديث يرد عليهم، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (شرح النووي) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 290، كتاب فضائل الصحابة، باب (37) من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، حديث رقم (163) . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يدخل النار إن شاء اللَّه من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها» ، وقال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعا، كما صرح به في الحديث الّذي قبله- حديث حاطب- وإنما قال: إن شاء اللَّه للتبرك، لا للشك، وأما قول حفصة: بلى، وانتهار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لها فقالت: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: وقد قال تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 126 أخبرتنى أم مبشر، أنها سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول عن حفصة: لا يدخل النار إن شاء اللَّه من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها، قالت: بلى يا رسول اللَّه! فانتهرها، فقالت حفصة: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا [ (1) ] ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد قال اللَّه عز وجل: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [ (2) ] ، وخرجه [ (3) ] أبو بكر بن أبى شيبة والترمذي [ (4) ] بمعناه. [وقال أبو بكر بن أبى شيبة [ (5) ] : حدثنا وكيع، حدثنا إسماعيل بن أبى خالد عن الشعبي قال: أول من بايع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيعة الرضوان، أبو سنان الأسدي] .   [ () ] الَّذِينَ اتَّقَوْا، فيه دليل للمناظرة والاعتراض، والجواب على وجه الاسترشاد وهو مقصود حفصة، لا أنها أرادت رد مقالته صلّى اللَّه عليه وسلّم. والصحيح أن المراد بالورود في الآية: المرور على الصراط وهو جسر منصوب على جهنم، فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون. (شرح النووي) . [ (1) ] مريم: 71. [ (2) ] مريم: 72. [ (3) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 6/ 400- 401، كتاب الفضائل، باب (51) ما جاء في أهل بدر من الفضل، حديث رقم (32335) ، (32336) ، (32337) ، (32338) . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 5/ 652، كتاب المناقب، باب (58) في فضل من بايع تحت الشجرة، حديث رقم (3860) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. [ (5) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 7/ 250، كتاب الأوائل، حديث رقم (35758) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 127 وأما رفقاؤه النجباء [فعلى [ (1) ] ، وأبناؤه [ (2) ] ، جعفر، أبو بكر [ (3) ] ، عثمان [ (4) ] ، عمر [ (5) ] ، أبو ذر [ (6) ] ، المقداد [ (7) ] ، وعمار بن ياسر، وبلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم.   [ (1) ] هو: على بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو الحسن القرشي، الهاشمي ابن عم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أمه فاطمة بنت أسد بن هشام، مولده قبل البعثة بعشر سنين، على الصحيح. وفاته: قتل في ليلة السابع عشر من شهر رمضان سنة (40) ، رابع الخلفاء الراشدين وزوج فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ووالد الحسن والحسين، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم (أسماء الصحابة الرواة) : 44، ترجمة رقم (10) ، (الإصابة) : 4/ 269، (تهذيب التهذيب) : 7/ 334، (الأعلام) : 4/ 295. [ (2) ] هما الحسن والحسين وقد سبقت لهما ترجمة وافية في أبناء بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (3) ] سبقت له ترجمة في أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (4) ] سبقت له ترجمة في أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (5) ] سبقت له ترجمة في أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (6) ] هو أبو ذر جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن سفار بن مليل بن ضمرة بن بكر ابن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة الغفاريّ هاجر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو أول من حيّا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تحية الإسلام. (تاريخ الصحابة) : 60، ترجمة رقم (194) ، (الإصابة) : 4/ 62، (الثقات) : 3/ 55، (الطبقات ابن سعد) : 4/ 219. [ (7) ] هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن سعد بن بهراء ابن لؤيّ بن ثعلبة بن مالك بن الشريد بن أبى أهون بن فائش بن دريم بن القين بن أهود بن بهراء ابن الحاف، مات آخر سنة ثلاثة وثلاثين، وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة، وصلّى عليه عثمان بن عفان وكان له يوم مات نحو سبعين سنة، وكان فارس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر. (الاستيعاب) : 4/ 1480- 1483، ترجمة رقم (2561) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 128 وسلمان [ (1) ] ، وحذيفة [ (2) ] ، وعبد اللَّه بن مسعود [ (3) ] ،   [ (1) ] هو سلمان بن الإسلام وسلمان الخير وسلمان الفارسي، أبو عبد اللَّه، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم توفى سنة (35) ، وكان قد سمع بأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سيبعث فخرج في طلب ذلك، فأسر وبيع بالمدينة فاشتغل بالرق، حتى كان أول مشاهده الخندق، وشهد فتوح العراق، وولى المدائن، وقال ابن عبد البر: يقال: إنه شهد بدرا، وكان عالما زاهدا، وروى عنه أنس، وكعب بن عجرة وغيرهم، (الإصابة) : 3/ 141، (أسماء الصحابة الرواة) : 74 ترجمة (54) . [ (2) ] حذيفة بن اليمان، يكنى أبا عبد اللَّه، واسم اليمان حسيل بن جابر، واليمان لقب، وهو حذيفة بن حسل بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث بن مازن بن قطيعة ابن عبس العبسيّ القطيعي، من بنى عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، حليف لبني عبد الأشهل من الأنصار. وأمه امرأة من الأنصار من الأوس من بنى عبد الأشهل، واسمها الرباب بنت كعب بن عدي بن عبد الأشهل، وإنما قيل لأبيه: حسيل اليمان، لأنه من ولد اليمان جروة ابن الحارث ابن قطيعة بن عبس، وكان جروة بن الحارث أيضا يقال له: اليمان، لأنه أصاب في قومه دما فهرب إلى المدينة، فخالف بنى عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان، لأنه حالف اليمانية. شهد حذيفة وأبوه حسيل وأخوه صفوان أحدا، وقتل أباه يومئذ بعض المسلمين وهو يحسبه من المشركين. كان حذيفة من كبار أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو الّذي بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الخندق ينظر إلى قريش، فجاءه بخبر رحيلهم، وكان عمر بن الخطب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يسأله عن المنافقين، وهو معروف في الصحابة بصاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان عمر ينظر إليه عند موت من مات منهم، فإن لم يشهد جنازته حذيفة لم يشهدها عمر، وكان حذيفة يقول: خيرنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الهجرة والنصرة. فاخترت النصرة، وهو حليف للأنصار لبني عبد الأشهل. وشهد حذيفة نهاوند فلما، قتل النعمان بن مقرن أخذ الراية، وكان فتح همذان والري والدينور على يد حذيفة، وكانت فتوحه كلها سنة اثنتين وعشرين. ومات حذيفة سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان في أول خلافة على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وقيل: توفى سنة خمس وثلاثين، والأول أصح، وكان موته بعد أن أتى نعى عثمان إلى الكوفة ولم يدرك الجمل. وقتل صفوان وسعيد ابنا حذيفة بصفين، وكانا قد بايعا عليا بوصية أبيهما إياهما بذلك. سئل حذيفة أي الفتن أشد؟ قال: أن يعرض عليك الخير والشر فلا تدري أيهما تركت. وقال حذيفة: لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها. [ (3) ] هو عبد اللَّه بن مسعود بن غافل بن حبيب بن سمع بن فار بن مخزوم بن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 129 وأما أهل الفتيا من أصحابه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم [قال ابن سيده: أفتاه في الأمر، أبانه له والفتيا، والفتوى: ما أفتى به الفقيه] . روى: عكرمة بن خالد، عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] ، أنه سئل عن من كان يفتى زمن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: أبو بكر وعمر، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، لا أعلم غيرهما. وقال القاسم بن محمد: كان أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، يفتون على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وروى موسى بن ميسرة، عن محمد بن سهيل بن أبى خيثمة، عن أبيه قال: كان الذين يفتون على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثلاثة من المهاجرين، عمر، عثمان، وعلى، رضى اللَّه تبارك وتعالى تعالى عنهم، وثلاثة من الأنصار: أبى بن كعب [ (1) ] ،   [ () ] بن تيم بن سعد بن هذيل أبو عبد الرحمن الهذلي، حليف بنى زهرة، توفى سنة (32) ، وقيل: (33) ، قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أول الإسلام: إنك غلام معلم، وقال هو: لقد رأيتني سادس ستة وما على الأرض مسلم غيرنا، وكان يقول أخذت من في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سبعين سورة. وهو أول من جهر بالقرآن بمكة، (أسماء الصحابة الرواة) : 42، ترجمة (8) ، (تاريخ الصحابة) : 148، ترجمة (716) . [ (1) ] هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك النجار أبو المنذر أبو الطفيل، سيد القراء، سيد المسلمين، الأنصاري، النجاري، الخزرجي، المعاوي، مات سنة- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 130 ومعاذ بن جبل [ (1) ] ، وزيد بن ثابت [ (2) ] ، رضي اللَّه تعالى عنهم، ذكره ابن [سعد في (الطبقات) ] . صاهلة بن الحارث [وذكر أبو محمد بن حزم أن كل من روى عنه ولو مسألة واحدة فأكثر من الصحابة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، لم يبلغوا مائة وأربعين، منهم سبعة مكثرون، وثلاثة عشر متوسطون، وسائرهم مقلون جدا، لا يجتمع من جميع فتياهم كلهم، إلا جزء صغير، لا يبلغ عشرة أوراق، إلى عمر، وعلى، وعبد اللَّه، ومعاذ، وأبى الدرداء، وزيد بن ثابت، فشاممت هؤلاء الستة، فوجدت علمهم انتهى إلى عليّ، وعبد اللَّه] . [وعن زهير بن معاوية، أخبرنا جابر، عن عامر قال: كان هؤلاء الأمة بعد نبيها صلّى اللَّه عليه وسلّم ستة: عمر، وعبد اللَّه، وزيد بن ثابت، فإذا قال عمر قولا وقال هذان قولا، كان قولهما لقوله تبعا- وعليّ، وأبى بن كعب، وأبو   [ () ] [22] في خلافة عمر، وقيل بقي إلى خلافة عثمان، كان من أصحاب العقبة الثانية وشهد بدرا والمشاهد، قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن اللَّه قد أمرنى أن أقرأ عليك" وكان عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يسميه سيد المسلمين وهو أول من كتب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، (أسماء الصحابة الرواة) : 45، ترجمة (25) . [ (1) ] هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدى بن على بن أسد بن ساردة، أبو عبد الرحمن، الخزرجي، الأنصاري، ثم الجشمي، توفى في طاعون عمواس سنة (18) ، وله (38) سنة، وقيل غير ذلك وهو صاحبي مشهور بالعلم من صحابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وروى عنه من الصحابة عمر وابنه عبد اللَّه وأنس بن مالك وغيرهم، (أسماء الصحابة الرواة) 55، ترجمة (27) ، (الإصابة) : 6/ 136، (الاستيعاب) : 3/ 1402، (الثقات) : 3/ 368. [ (2) ] هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد، استصغر يوم بدر، ويقال: أنه شهد أحدا، وكانت معه راية بنى النجار يوم تبوك، وكتب الوحي للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان من علماء الصحابة وكان هو الّذي قسم غنائم اليرموك، وهو الّذي جمع القرآن في عهد أبى بكر، ثبت ذلك في الصحيح، عن زيد بن ثابت قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا عليّ أو ينقصوا، فتعلم السريانية فتعلمتها في (17) يوم، مات سنة (142) ، وقيل غير ذلك، (الإصابة) : 2/ 594. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 131 موسى الأشعري [ (1) ] ، فإذا قال عليّ قولا، وقال هذان قولا، كان قولهما لقوله تبعا] . [وعن مطرف [ (2) ] قال: حدثني عامر عن مسروق، قال: كان أصحاب الفتوى من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: عمر، وعلى، وابن مسعود، وزيد، وأبيّ بن كعب، وأبو موسى الأشعري.] [وعن عامر الشعبي [ (3) ] قال: قضاة هذه الأمة أربعة: عمر، وعلى، وزيد، وأبو موسى الأشعري، ووصاة هذه الأمة أربعة: عمرو بن   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن قيس بن سليم بن حصار بن حرب بن عامر بن غنم بن بكر بن عامر بن عزب ابن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر، توفى سنة (42 أو 44) وله (63) ، هو صحابى مشهور كان حسن الصوت بالقرآن وله رواية صلّى اللَّه عليه وسلّم كثيرة (أسماء الصحابة الرواة) : 46، ترجمة (13) ، (الإصابة) : 4/ 119، (الاستيعاب) : 4/ 1762. (تجريد أسماء الصحابة) : 2/ 206، (الأنساب) 1/ 266، (تهذيب التهذيب) : 12/ 251. [ (2) ] (مجمع الزوائد) : 9/ 312. [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 527، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر مناقب أبى موسى عبد اللَّه بن قيس الأشعري، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (5959) ، ولفظه: أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد الأحمسي، أخبرنا الحسين بن عبيد اللَّه، أخبرنا أبو غسان، حدثنا عباد، عن الشيباني، سمعت الشعبي يقول: القضاء في ستة نفر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثلاثة بالمدينة، وثلاثة بالكوفة: فبالمدينة: عمر، وأبىّ، وزيد بن ثابت، وبالكوفة: على، وعبد اللَّه، وأبو موسى. قال الشيباني: فقلت للشعبى: أبو موسى يضاف إليهم؟ قال: كان أحد الفقهاء. فحدثنيه أبو عبد اللَّه محمد بن العباس بن أحمد. حذفه الذهبي من (التلخيص) . وحديث رقم (5960) ولفظه: حدثنا مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق قال: انتهى علم أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى هؤلاء النفر: عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب، وعبد اللَّه بن مسعود، وأبىّ بن كعب ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبى الدرداء، وأبى موسى الأشعري. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 132 العاص [ (1) ] ، ومعاوية بن أبى سفيان [ (2) ] ، والمغيرة بن شعبة [ (3) ] ، وزياد [ (4) ]] . [وعن زياد بن مينا، كان ابن عباس [ (5) ] ، ابن عمر [ (6) ] ، أبو سعيد   [ () ] قال مسروق: القضاة أربعة: عمر، وعلى، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. هذا الحديث سكت عنه الذهبي في التلخيص. [ (1) ] ذكرناه باستفاضة سابقا. [ (2) ] هو معاوية بن أبى سفيان صخر بن أمية بن عبد شمس، روى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن أبى بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ولاه عمر بن الخطاب الشام فأقره عثمان مدة ولايته ثم ولى الخلافة، قال ابن أسد: كان أميرا عشرين سنة وخليفة عشرين سنة وقال يحيي ابن بكير عن الليث: توفى في رجب سنة (60) ، وقيل مات وله (86) سنة على خلاف بين المؤرخين، (تهذيب التهذيب) : 10/ 186، (الإصابة) : 6/ 151. [ (3) ] هو المغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن معتب، أبو عبد اللَّه وقيل: أبو عيسى الثقفي، توفى بالكوفة سنة (50) ، قال ابن الأثير: أسلم عام الخندق وشهد الحديبيّة وله في صلحها كلام مع عروة بن مسعود، وكان موصوفا بالدهاء، (أسماء الصحابة الرواة) : 58 ترجمة (31) ، (الإصابة) : 6/ 131، (الثقات) : 3/ 382 (الاستيعاب) : 4/ 1445 (تهذيب التهذيب) : 10/ 262. [ (4) ] لعله زياد بن حنظلة التيمي، حليف بنى عدي، قال أبو عمر: بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الزبرقان ابن بدر، وقيس بن عاصم ليتعاونا على قتل مسيلمة، ثم عاش زياد إلى أن شهد مع عليّ مشاهده، وذكر سيف في (الفتوح) ، عن أبى الزهراء القشيري، عن رجال من بنى قشير قالوا: لما خرج هرقل من الرها كان أول من أنبح كلابها زياد بن حنظلة، وكان من الصحابة، (الإصابة) : 2/ 583. [ (5) ] سبقت له ترجمة وافية. [ (6) ] هو عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن غالب العدوي كنيته أبو عبد الرحمن عرض على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد وهو ابن (14) سنة فلم يجزه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يره بلغ، وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن (15) سنة فأجازه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومات سنة (72) بمكة وهو ابن (87) ، ودفن بفخ وكان ابن عمر يصفر لحيته، (الإصابة) : 4/ 181، (الثقات) : 3/ 209، (تهذيب التهذيب) : 5/ 278. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 133 الخدريّ [ (1) ] ، أبو هريرة [ (2) ] ، عبد اللَّه بن عمرو بن العاص [ (3) ] ، جابر بن عبد اللَّه [ (4) ] ، رافع بن خديج [ (5) ] ، وسلمة بن   [ (1) ] هو سعد بن مالك بن سنان بن الحارث بن الخزرج الخدريّ الأنصاري، توفى سنة (74) كان من الحفاظ لحديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المكثرين، ومن العلماء الفضلاء العقلاء، روى عن أبى سعيد قال: «عرضت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الخندق وأنا ابن ثلاث عشرة، فجعل أبى يأخذ بيدي ويقول يا رسول اللَّه إنه عبل العظام [أي ضخم العظام] ، فردني. (أسماء الصحابة الرواة) : 42، ترجمة (7) ، (الإصابة) : 7/ 84. [ (2) ] سبقت له ترجمة. [ (3) ] هو عبد اللَّه بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤيّ أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن القرشي توفى سنة (63) تقريبا أسلم قبل أبيه وكان من فضلاء الصحابة عالما بالقرآن والكتب المتقدمة، وكان من أشهر حفاظهم. (الإصابة) : 4/ 111، (أسماء الصحابة الرواة) : 42، ترجمة (9) ، (تهذيب التهذيب) : 5/ 337 (الثقات) : 3/ 211. [ (4) ] هو جابر بن عبد اللَّه بن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة أبو عبد اللَّه. وقيل: أبو عبد الرحمن الأنصاري السلمي، أمه نسيبة بنت عقبة بن عدي بن سنان، شهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صبي، توفى سنة (74) تقريبا وعمره (93) سنة، ومن فضائله قال: استغفر لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة البعير خمسا وعشرين مرة، يعنى بقوله: ليلة البعير، أنه باع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعيرا واشترط ظهره إلى المدينة وكان في غزوة لهم. (أسماء الصحابة الرواة) : 41، ترجمة (6) ، (الإصابة) : 1/ 222، (تهذيب التهذيب) : 2/ 42. [ (5) ] هو رافع بن خديج بن عدي بن يزيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، أبو عبد اللَّه، أبو خديج، الأنصاري، الأوسي، الحارثي، أمه حليمة بنت مسعود بن سنان، عرض نفسه يوم بدر على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرضه لصغره، ثم أجازه يوم أحد فشهد أحدا وأصيب بها، ثم الخندق وأكثر المشاهد، وشهد صفين مع عليّ، واستوطن بالمدينة، وكان عريف قومه إلى أن مات بها وصلّى عليه ابن عمر. توفى سنة (74) ، وله (68) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 67، ترجمة (43) ، (الإصابة) : 2/ 186. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 134 الأكوع [ (1) ] ، وأبو واقد الليثي [ (2) ] ، وعبد اللَّه بن بحينة [ (3) ] ، مع أشباه لهم، من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يفتون بالمدينة، ويحدثون عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من لدن توفى عثمان إلى أن توفوا، والذين صارت إليهم الفتوى منهم: ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد الخدريّ، وأبو هريرة، وجابر بن عبد اللَّه] . [وقال أبو محمد [بن] حزم: وقد غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هوازن بحنين، في اثنى عشر ألفا، كلهم يقع عليه اسم الصحبة، ثم غزا تبوك في أكثر من ذلك، ووفد عليه وفود جميع قبائل العرب، وكلهم صاحب، وعددهم بلا شك يبلغ أزيد من ثلاثين ألف إنسان، ووفد عليه أيضا وفود الجن فأسلموا، وصح لهم اسم الصحبة، وأخذوا عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، القرآن وشرائع الإسلام، وكل من ذكرنا ممن لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخذ عنه، فكل امرئ منهم إنسهم وجنهم، فبلا شك أنه أفتى أهله وجيرانه وقومه، هذا أمر يعلم ضرورة] .   [ (1) ] هو سلمة بن الأكوع، أول مشاهده الحديبيّة، وكان من الشجعان، ويسبق الفرس عدوا بايع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند الشجرة على الموت، روى عنه ابنه إياس وغيره، مات سنة (74) وله (80) سنة، وذلك في آخر خلافة معاوية كما قال ابن سعد، (الإصابة) : 3/ 151، (تهذيب التهذيب) : 4/ 133. [ (2) ] هو الحارث بن عوف، وقيل: عوف بن الحارث بن أسيد بن جابر بن عبد مناة بن أشجع ابن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن على بن كنانة، أبو واقد الليثي الكناني، توفى سنة (68) ، وله (75) أو (85) سنة، وقيل: إنه شهد بدرا وقيل: لم يشهدها، وكان معه لواء بنى ضمرة وبنى ليث وبنى سعيد بن بكر بن عبد مناة يوم الفتح وقيل: إنه من مسلمة الفتح، والصحيح أنه شهد الفتح مسلما، يعد في أهل المدينة، وشهد اليرموك، وجاور بمكة سنة، ومات بها، ودفن في مقبرة المهاجرين بفخ سنة ثمان وستين. (أسماء الصحابة الرواة) : 113 ترجمة (109) ، (الإصابة) 7/ 455. [ (3) ] هو عبد اللَّه ابن بحينة وهي أمه بحينة بنت الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، ويكنى أبا محمد، وأبوه مالك بن القشب الأزدي، ممن أزد شنوءة، كان حليفا لبني المطلب بن عبد مناف وكان ابن بحينة ناسكا فاضلا صائم الدهر ومات في عهد معاوية، (الاستيعاب) : 3/ 871. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 135 [ثم لم ترو الفتيا في العبادات والأحكام، إلا عن مائة ونيف وثلاثين [أو] أربعين منهم فقط، من رجل وامرأة، بعد [التدقيق] الشديد، قال المكثرون فيما روى عنهم من الفتيا: عائشة أم المؤمنين، عمر بن الخطاب، ابنه عبد اللَّه، على بن أبى طالب، عبد اللَّه بن العباس، عبد اللَّه بن مسعود زيد بن ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فهم سبعة فقط، يمكن أن يجمع من في كل واحد منهم سفر ضخم] . [وقد جمع أبو محمد بن موسى بن أمير المؤمنين المأمورية، في عبد اللَّه بن العباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، في عشرين كتابا، وأبو بكر المذكور، أحد الأئمة في العلم والحديث] . [والمتوسطون منهم في ما روى عنهم من الفتيا: أم سلمة [ (1) ] أم المؤمنين، أنس بن مالك [ (2) ] ، أبو سعيد الخدريّ، أبو هريرة، عثمان بن عفان، عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، عبد اللَّه بن الزبير، وأبو موسى الأشعري، وسعد بن أبى وقاص [ (3) ] ، و   [ (1) ] سبقت لها ترجمته في أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] سبقت لها ترجمة وافية. [ (3) ] سعد بن أبى وقاص، واسم أبى وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤيّ. الأمير أبو إسحاق القرشيّ الزهرىّ المكىّ. أحد العشرة، وأحد السابقين الأولين، وأحد من شهد بدرا والحديبيّة، وأحد الستة أهل الشورى. روى جملة صالحة من الحديث، وله في «الصحيحين» خمسة عشر حديثا، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بثمانية عشر حديثا. عن سعيد بن المسيب، سمعت سعدا يقول: ما أسلم أحد في اليوم الّذي أسلمت، ولقد مكثت سبع ليالي وإني لثلث الإسلام. عن قيس قال: قال سعد بن مالك: ما جمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبويه لأحد قبلي، ولقد رأيته ليقول لي: يا سعد، ارم، فداك أبى وأمى! وإني لأول المسلمين رمى المشركين بسهم. ولقد رأيتني مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق السمر، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة، ثم أصبحت بنو أسد تعزرنى على الإسلام، لقد خبت إذن وضل سعيي. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 136 سلمان الفارسي [ (1) ] ، وجابر بن عبد اللَّه، ومعاذ بن جبل، وأبو بكر الصديق، فهم ثلاثة عشر فقط، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، يمكن أن يجمع من في كل امرئ منهم جزء صغير، ويضاف إليهم أيضا: طلحة [ (2) ] ، الزبير [ (3) ] ، عبد الرحمن بن   [ () ] قال ابن المسيب: كان جيد الرمي، سمعته يقول: جمع لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبويه يوم أحد. عن أبى عثمان أن سعدا قال: نزلت هذه الآية فىّ: وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما. [العنكبوت: 8] . قال: كنت برا بأمي، فلما أسلمت، قالت: يا سعد! ما هذا الدين الّذي قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا، أو لا آكل، ولا أشرب حتى أموت، فتعيّر بى، فيقال: يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا أمه، إني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثت يوما لا تأكل ولا تشرب وليلة، وأصبحت وقد جهدت، فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمه! تعلمين واللَّه لو كان لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا، ما تركت ديني، إن شئت فكلي أو لا تأكلى، فلما رأت ذلك، أكلت. ومن مناقب سعد أن فتح العراق كان على يديه، وهو كان مقدم الجيوش يوم وقعة القادسية، ونصر اللَّه دينه، ونزل سعد بالمدائن، ثم كان أمير الناس يوم جلولاء، فكان النصر على يده، واستأصل اللَّه الأكاسرة. قال خليفة بن خياط: وفي سنة خمس عشرة وقعة القادسية، وعلى المسلمين سعد، وفي سنة إحدى وعشرين شكا أهل الكوفة سعدا أميرهم إلى عمر، فعزله. قال الزهرىّ: لما استخلف عثمان، عزل عن الكوفة المغيرة، وأمّر عليها سعدا. النعمان ابن راشد عن الزهري، عن عامر بن سعد قال: كان سعد آخر المهاجرين وفاة. قال المدائنيّ، وأبو عبيدة، وجماعة: توفى سنة خمس وخمسين. وقع له في (مسند بقي بن مخلد) مائتان وسبعون حديثا، فمن ذاك في الصحيح ثمانية وثلاثون حديثا. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 15- 16، ترجمة رقم (5) . [ (1) ] سبقت ترجمته. [ (2) ] هو طلحة بن عبد اللَّه بن عثمان بن عمرو بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ من الستة الأوائل في الإسلام توفى سنة خمس وخمسين، هو أحد العشرة المبشرين بالجنة (سير أعلام النبلاء) : 1/ 24. [ (3) ] هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي، قتل بعد منصرفه يوم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 137 عوف [ (1) ] ، عمران بن الحصين [ (2) ] ، أبو بكرة [ (3) ] ، عبادة بن الصامت [ (4) ] ، معاوية ابن أبى سفيان] .   [ () ] الجمل في جمادى الأول سنة (36) ، وله (66 أو 67) ، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى، (أسماء الصحابة الرواة) : 95 ترجمة (82) ، (الإصابة) : 3/ 5، (تهذيب التهذيب) : 3/ 318، (المصباح المضيء) : 1/ 114. [ (1) ] هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشيّ الزهرىّ توفى سنة (31) ، بالمدينة من مشاهير الصحابة وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة أهل الشورى الذين أوصى إليهم عمر بعده وأحد الثمانية الذين أسلموا على يدي أبى بكر الصديق وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصلّى خلفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. (أسماء الصحابة الرواة) : 72، ترجمة (51) . [ (2) ] هو عمران بن الحصين بن عبيد بن خلف بن عبد نهم بن حذيفة بن جهمة بن غاضرة بن حبشة ابن كعب الخزاعىّ الكعبيّ، توفى سنة (52 أو 53) ، روى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عدة أحاديث، وكان إسلامه عام خيبر، وغزا عدة غزوات، وكان صاحب راية خزاعة يوم الفتح، وكان مجاب الدعوة، ولم يشهد الفتنة. (أسماء الصحابة الرواة) : 52 ترجمة (21) ، (الإصابة) : 5/ 26، (تهذيب التهذيب) : 8/ 125، (الاستيعاب) : 3/ 1208. [ (3) ] هو نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن عوف بن ثقيف الثقفيّ، توفى سنة (51 أو 52) ، هو ممن نزل يوم الطائف إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من حصن الطائف في بكرة [الفتى من الإبل] وكنى أبا بكرة وأعتقه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو معدود من مواليه، أبو بكرة يقول: أنى من إخوانكم في الدين، وأنا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإن أبى الناس إلا أن ينسبونى، فأنا نفيع بن مسروح. (أسماء الصحابة الرواة) : 59 ترجمة (32) ، (الإصابة) : 7/ 22، (تهذيب التهذيب) : 12/ 46. [ (4) ] عبادة بن الصامت بن قيس بن صرم بن فهر بن قيس بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمر بن عوف بن الخزرج أبو الوليد الأنصاري، الخزرجي. أمه: قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن العجلان، توفى سنة 34 بالرملة، ومن مناقبه: نزل فيه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ [المائدة: 51] لما تبرأ من حلفه مع بنى- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 138 [والباقون منهم رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم مقلون في الفتيا جدا، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان، والزيادة اليسيرة على ذلك فقط، يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط بعد التقصي والبحث: أبو الدرداء [ (1) ] ، أبو اليسر [ (2) ] ، أبو سلمة المخزومي [ (3) ] ، أبو عبيدة ابن الجراح [ (4) ] ، سعيد   [ () ] قينقاع لما خانوا المسلمين في غزوة الخندق. (أسماء الصحابة الرواة) : 51، ترجمة (20) ، (الإصابة) : 4/ 27، (تهذيب التهذيب) : 5/ 111، (الاستيعاب) : 2/ 807. [ (1) ] هو عويمر بن عامر بن مالك بن زيد بن قيس بن عامر بن على بن عدىّ بن كعب بن الخزرج ولقبه أبو الدرداء، توفى قبل مقتل عثمان بسنتين، تأخر إسلامه قليلا كان آخر أهل داره إسلاما، وحسن إسلامه وكان فقيها عاقلا حكيما، آخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بينه وبين سلمان الفارسي وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «عويمر حكيم أمتى» ، شهد ما بعد أحد من المشاهد، (أسماء الصحابة الرواة) : 52، ترجمة (22) (الإصابة) : 7/ 58. [ (2) ] هو كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، أمه نسيبة بنت الأزهر من بنى سلمة أيضا، توفى بالمدينة سنة (55) ، شهد العقبة وبدرا، وكان عظيم الغناء يوم بدر وغيره، وهو الّذي أسر العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو الّذي انتزع راية المشركين يوم بدر وكانت بيد أبى عزيز بن عمير، ثم شهد المشاهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم شهد صفين مع على بن أبى طالب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. (أسماء الصحابة الرواة) : 153 ترجمة رقم: (174) ، (الإصابة) : 7/ 218. [ (3) ] هو أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب أخو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة، وزوج أم المؤمنين أم سلمة قبل أن يتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، بعد وفاة أبى سلمة، مات سنة أربع وقيل سنة ثلاث، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 150. [ (4) ] هو عامر بن عبد اللَّه بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبّة بن الحارث بن فهر بن مالك ابن النضر القرشي الفهري، وقيل: اسمه عبد اللَّه بن عامر والأول أصح أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة، توفى في طاعون عمواس سنة (18) ، وقيل: سنة (25) أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وشهد بدرا وأحدا وسائر المشاهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهاجر إلى الحبشة- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 139 بن زيد [ (1) ] ، الحسن، الحسين ابنا عليّ، والنعمان بن بشير [ (2) ] ، وأبو مسعود [ (3) ] ، وأبىّ بن كعب [ (4) ] ، وأبو أيوب [ (5) ] ، وأبو طلحة [ (6) ] ، وأبو ذر [ (7) ] ، وأم عطية [ (8) ] ، وصفية أم المؤمنين، وحفصة أم المؤمنين،   [ () ] الهجرة الثانية، (أسماء الصحابة الرواة) : 139 ترجمة (148) ، (الإصابة) : 7/ 128، (تهذيب التهذيب) : 12/ 159. [ (1) ] هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب ابن لؤيّ بن غالب، أبو الأعور القرشيّ العدوىّ، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن السابقين الأولين البدريين، ومن الذين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم ورضوا عنه. شهد المشاهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وشهد حصار دمشق وفتحها، فؤلاه عليها أبو عبيدة بن الجراح، فهو أول من عمل نيابة دمشق من هذه الأمة. توفى سنة (50) وقيل غير ذلك بالعقيق، وقيل بالكوفة، وصلّى عليه المغيرة بن شعبة وعاش (73) وكان إسلامه قبل دخول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دار الأرقم. روى عنه بعض الصحابة مثل: ابن عمر، وعمر بن حريث، وأبو الطفيل، ومن كبار التابعين: أبو عثمان النهدي، وابن المسيب، وقيس بن أبى حازم. وغيرهم. قال ابن حجر في (الإصابة) : وذكر عروة وابن إسحاق وغيرهم في (المغازي) أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضرب له بسهمه يوم بدر لأنه كان غائبا بالشام. (أسماء الصحابة الرواة) : 82، ترجمة رقم (64) ، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 124- 143، ترجمة رقم (6) . [ (2) ] هو النعمان بن بشير بن سعيد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب، أبو عبد اللَّه الأنصاريّ، الخزرجي ولد بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا، وكان أول مولود في الإسلام من الأنصار وهو صحابىّ مشهور، ولا يصحح بعض أهل الحديث سماعة، وكان شاعرا كريما جوادا، أمه عمرة بنت روحة، أخت عبد اللَّه بن رواحة، توفى سنة (65) . (أسماء الصحابة الرواة) : 62، ترجمة (36) ، (الثقات) : 3/ 409. [ (3) ] هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة (يسيرة) أبو مسعود الأنصاري البدري، توفى سنة (41 أو 42) ، وهو المعروف بالبدريّ لأنه سكن أو نزل ماء بدر وشهد العقبة ولم يشهد بدرا عند أكثر أهل السير وقيل: شهدها ثم أورد له حديثا في الأحق بالإمامة. (أسماء الصحابة الرواة) : 63 ترجمة (37) (الإصابة) : 7/ 276، (تهذيب التهذيب) : 12/ 159. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 140   [ () ] (3) هو أبىّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار أبو المنذر، أبو الطفيل، سيد القراء، سيد المسلمين، الأنصاريّ، النجارىّ، الخزرجىّ، المعاويّ، من فضائله: كان من أصحاب العقبة الثانية، وشهد بدرا والمشاهد، روى عنه من الصحابة عمر وكان يسأله عن النوازل، ويتحاكم إليه في المعضلات، وأبو أيوب، وعباده بن الصامت، وسهل بن سعد، وأبو موسى، وابن عباس، وأبو هريرة، وأنس، وسليمان بن صرد، وغيرهم، أمه صهيلة بنت الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد، مات سنة (22) ، في خلفة عمرو، وقيل: بقي إلى خلافة عثمان. (أسماء الصحابة الرواة) : 54، ترجمة رقم (25) . (الثقات) : 3/ 5. [ (4) ] هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن الخزرج أبو أيوب الأنصاري، معروف باسمه وكنيته، أمه هند بنت سعيد بن عمرو، من بنى الحارث ابن الخزرج من السابقين، نزل عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قدم المدينة ومات في زمن معاوية سنة (52) ، وقال لهم إذا أنا مت فقدموني في بلاد العدو ما استطعتم ثم ادفنوني فمات وكان المسلمون على حصار القسطنطينية فقدموه حتى دفن إلى جانب حائط القسطنطينية، (تاريخ الصحابة) : 86 ترجمة (350) ، (الإصابة) : 2/ 234- 235، ترجمة رقم (2165) . [ (5) ] هو زيد بن سهيل بن الأسود بن حرام أبو طلحة الأنصاريّ النجارىّ، توفى سنة (34) وله (70) سنة، وهو عقبىّ بدريّ نقيب آخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بينه وبين أبى عبيدة بن الجراح وشهد المشاهد كلها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان من الرماة المذكورين وكان له يوم أحد مقام مشهود وكان يقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنفسه وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: «صوت أبى طلحة في الجيش خير من مائة رجل» ، أمه عبادة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، قتل يوم حنين عشرين رجلا وأخذ أسلابهم. وكان لا يخض. كانت تحته أم سلمة بنت ملحان، وعقبة منها، اختلف في وفاته فقيل: توفى سنة (31) ، وقيل: (34) ، وهو بن (70) سنة، وصلّى عليه عثمان بن عفان، وروى حماد بن سلمة عن ثابت البناني، وعلى بن زيد، عن أنس أن أبا طلحة سرد الصوم بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم (40) سنة، وأنه ركب البحر فمات فدفن في جزيرة. وقال المدائني: مات أبو طلحة سنة (51) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 110، ترجمة (104) ، (الإصابة) : 7/ 231، (الاستيعاب) : 4/ 1697- 1699. [ (6) ] سبقت له ترجمة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 141 وأم حبيبة أم المؤمنين، وأسامة بن زيد [ (1) ] ، وجعفر بن أبى طالب [ (2) ] ، والبراء بن عازب [ (3) ] ، وقرظة بن كعب [ (4) ] ، وأبو عبد اللَّه البصري [ (5) ] ، ونافع [ (6) ] أخوه لأمه، والمقداد بن الأسود [ (7) ] ، وأبو السائل بن بعكك [ (8) ] ،   [ () ] (7) هي نسيبة بنت الحارث وقيل بنت كعب الأنصارية، وأنكره عمر لأن نسيبة بنت كعب أم عمارة، روت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن عمر، وروى عنه أنس وغيره، وحديثها في غسل آنية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مشهور في الصحيح، وكان جماعة من علماء التابعين يأخذون ذلك الحكم، (أسماء الصحابة الرواة) : 93 ترجمة (79) ، (الإصابة) : 8/ 259. [ (8) ] سبقت لهن ترجمة في أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (1) ] هو أسامة بن زيد بن شرحبيل بن امرئ القيس بن عوف بن كنانة بن بكر أمه أم أيمن حاضنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم توفى في آخر خلافة معاوية، روى ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إن أسامة بن زيد لأحب إليّ أو من أحب الناس إليّ وأنا أرجو أن يكون من صالحيكم فاستوصوا به خبرا» ، (أسماء الصحابة الرواة) : 60 ترجمة (33) ، (الإصابة) : 1/ 29، (تهذيب التهذيب) : 10/ 208. [ (2) ] هو جعفر بن أبى طالب بن هاشم ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأحد السابقين الأولين إلى الإسلام، وقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أشبهت خلقي وخلقي» ، وقالت عائشة «لما أتت وفاة جعفر عرفنا في وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحزن، توفى سنة (89) وله (40) سنة، (الإصابة) : 1/ 485. [ (3) ] هو البراء بن عازب بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري توفى سنة (72) ، رده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن بدر، استصغره. وأول مشاهده أحد وقيل: الخندق وغزا مع رسول اللَّه (14) غزوة وهو الّذي افتتح الري سنة (24) صلحا أو عنوة، نزل الكوفة وابتنى له دارا، (أسماء الصحابة الرواة) : 46 ترجمة (14) ، (الإصابة) : 1/ 147. [ (4) ] قرظة بن كعب بن ثعلبة بن عمرو بن كعب بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث الأنصاري الخزرجي له صحبة سكن الكوفة كنيته أبو عمرو، حديثه عند الشعبي، مات في خلافة على بن أبى طالب. [ (5) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (6) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 142 والجارود العبديّ [ (1) ] ، وليلى بنت قائف [ (2) ] ، وأبو محذورة [ (3) ] ، وأبو شريح الكعبي [ (4) ] ، وأبو برزة الأسلمي [ (5) ] ، وأسماء بنت أبى بكر [ (6) ] ، وأم شريك [ (7) ] ،   [ () ] (7) هو المقداد بن عمرو الأسود الكندي بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود شهرته: المقداد بن الأسود الكندي، توفى سنة (33) ، في خلافة عثمان وله (70) سنة، أسلم قديما وتزوج ابنة عم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد بعدها، وروى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم (أسماء الصحابة الرواة) : 89، ترجمة (749) ، (الثقات) : 3/ 371، (الإصابة) : 6/ 133، (تهذيب التهذيب) : 10/ 285 [ (8) ] هو أبو السنابل بن بعكك بموحدة ثم مهملة ثم كافين بوزن بوزن جعفر بن الحارث بن عميلة بفتح أوله ابن السباق بن عبد الدار القرشيّ البدريّ اسمه صبّة، قال البغوي: سكن الكوفة، قال البخاري: لا أعلم أنه عاش بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. (الإصابة) : 7/ 190. [ (1) ] الجارود بن عمرو بن المعلّى العبديّ، وقيل عنه أسماء كثيرة، وفد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سنة (10) من وفد عبد القيس فأسلم وكان نصرانيا ففرح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بإسلامه فأكرمه وقرّبه، روى عنه من الصحابة: عبد اللَّه بن عمرو بن العاص. (أسماء الصحابة الرواة) : 247 ترجمة (347) ، (الإصابة) : 1/ 226، (تهذيب التهذيب) : 2/ 53. [ (2) ] هي ليلى بنت قائف الثقفية، ذكر أنها قالت: كنت ممن شهد غسل أم كلثوم بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأول ما أعطانى من كفنها الحقو، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت في الإذخر إدراجا. (أسماء الصحابة الرواة) : 539 ترجمة (985) ، (الإصابة) : 8/ 182، (تهذيب التهذيب) : 2/ 53. [ (3) ] هو أبو محذورة المؤذن الجمحيّ كان مؤذن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان رسول اللَّه قد سمعه يحكى الأذان فأعجبه صوته فأمر أن يؤتى به فأسلم يومئذ وأمره بالأذان بمكة منصرفه من حنين، وقال الكلبي: لم يهاجر أبو محذورة، بل أقام بمكة إلا أن مات بعد موت سمرة بن جندب، وقال غيره مات سنة (59) ، وقيل سنة (79) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 161 ترجمة (188) ، (الإصابة) : 7/ 172. [ (4) ] هو أبو شريح الخزاعىّ الكعبيّ توفى سنة (68) ، أسلم قبل فتح مكة وكان يحمل أحد ألوية بنى كعب بن خزاعة يوم الفتح من عقلاء الرجال وكان يقول إذا رأيتموني أبلغ من أنكحته أو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 143 والحولاء [ (1) ] بنت تويت، وأسيد بن الحضير [ (2) ] ، والضحاك بن قيس [ (3) ] ، وحبيب ابن مسلمة [ (4) ] ، و [حبيب بن أوس] [ (5) ] ، وحذيفة بن اليمان [ (6) ] ، وثمامة بن أثال [ (7) ]   [ () ] أنكحت إليه إلى السلطان فاعلموا أنى مجنون، ومن وجد لأبى شريح سمنا أو لبنا أو جداية فهو له حل فليأكله وليشربه، (أسماء الصحابة الرواة) : (122) . [ (5) ] هو أبو برزة الأسلمي قال الواقدي: زعم ولده أن اسمه عبد اللَّه وهو نضلة بن عبيد اللَّه بن الحارث بن حبال بن أنس بن خزيمة بن مالك نزل البصرة وله بها دار وسار إلى خراسان فنزل مرو وعاد إلى البصرة (أسماء الصحابة الرواة) : 121 ترجمة (121) ، (الإصابة) : 6/ 237، (تهذيب التهذيب) : 2/ 20. [ (6) ] هي بنت أبى بكر الصديق أسلمت قديما بمكة وتزوجها الزبير بن العوام وهاجرت وهي حامل بولده عبد اللَّه وعاشت إلى أن ولى ابنها الخلافة ثم إلى أن قتل وماتت بعده بقليل، وكانت تلقب بذات النطاقين، وسماها بذلك رسول اللَّه. (أسماء الصحابة الرواة) : 78 ترجمة 58، (أعلام النساء) : 1/ 36 [ (7) ] هي أم شريك الأنصارية: من ربات البر والإحسان والثراء وكان ينزل عليها الضيفان فتنفق عليهم ابتغاء وجه اللَّه تعالى ومرضاته وتزوجها رسول اللَّه وقال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار ثم قال: إني أكره غيرتهن فلم يدخل بها، لها ترجمة في أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. (أعلام النساء/ 296) . [ (1) ] هي الحولاء بنت تويت بن حبيب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية، ذكرها ابن سعد وقال أسلمت وبايعت، وقالت عائشة: إن الحولاء بنت تويت مرت بها وعندها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: هذه الحولاء بنت تويت يزعمون أنها لا تنام الليل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خذوا من العمل ما تطيقون، (الإصابة) : 7/ 592. [ (2) ] هو أسيد بن الحضير بن سماك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي توفى سنة (20) ، وقيل: في إمارة عمر، شهد العقبة الثانية وكان نقيبا لبني عبد الأشهل، وشهد أحدا، وكان ممن ثبت يومها، وجرح حينئذ سبع جراحات، وقال أبو هريرة: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «نعم الرجل أسيد بن الحضير» ، (أسماء الصحابة الرواة) : 130 ترجمة (133) ، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 299. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 144   [ () ] (3) هو الضحاك بن قيس بن خالد بن وهب القرشيّ الفهرىّ، ولد قبل وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بسبع سنين كان على شرطة معاوية وله في الحروب معه بلاء عظيم، وسيّره معاوية على جيش فعبر جسر منبج وصار إلى الرقة ومضى منها فأغار على سواد العراق وأقام بهيت ثم عاد ثم استعمله معاوية على الكوفة بعد زياد سنة (53) ، ثم عزله سنة (57) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 471 ترجمة (831) ، (تهذيب التهذيب) : 4/ 394 ترجمة (791) . [ (4) ] هو حبيب بن مسلمة بن مالك بن وهب بن ثعلبة بن واثلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر أبو عبد الرحمن الفهرىّ الحجازىّ، وقيل أبو سلمة القرشي الفهري، ويقال له: حبيب الرمي وحبيب الروم لكثرة جهاده فيهم، وقال بن سعد عن الواقدي: كان له يوم توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم اثنتا عشر سنة وقال ابن معين: أهل الشام يثبتون صحبته، وأهل المدينة ينكرونها، وقال سعيد بن عبد العزيز كان مجاب الدعوة، وقال ابن حبيب: هو حبيب بن مسلمة، هو الّذي فتح أرمينية فمات بها سنة (42) ، ولم يبلغ (50) سنة. (أسماء الصحابة الرواة) : 182 ترجمة (227) ، (الإصابة) : 2/ 24، (الثقات) : 3/ 81، (تهذيب التهذيب) : 2/ 167. [ (5) ] هو حبيب بن أوس ويقال ابن أبى أوس الثقفي المصري، روى عن أبى أيوب وعمرو بن العاص الثقفي، ذكره ابن يونس، فيمن شهد فتح مصر فدل على أن له إدراكا، ولم يبق من ثقيف في حجة الوداع أحد إلا وقد أسلم وشهدها، فيكون هذا صحابيا. (تهذيب التهذيب) : 2/ 155، (الثقات) : 4/ 139، (الإصابة) : 2/ 15. [ (6) ] سبقت ترجمته. [ (7) ] هو ثمامة بن أثال بن النعمان بن سلمة بن عتبة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة الحنفىّ، أبو أمامة اليمامىّ، حديثه في البخاريّ من طريق سعيد المقبري، عن أبى هريرة، قال: بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له: ثمامة ابن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه. وذكر أيضا ابن إسحاق أن ثمامة ثبت على إسلامه لما ارتد أهل اليمامة، وارتحل هو ومن أطاعه من قومه، فلحقوا بالعلاء الحضرميّ، فقاتل معه المرتدين من أهل البحرين، فلما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 145 وعمار بن ياسر [ (1) ] ، وعمر بن الغادية السلمي [ (2) ] ، وأم الدرداء الكبرى [ (3) ] ، والضحاك بن حذيفة المازني [ (4) ] ، والحكم بن عمرو الغفاريّ [ (5) ] ، ووابصة بن معبد الأسدي [ (6) ] ، وعبد اللَّه بن جعفر [ (7) ] ، وعوف بن مالك [ (8) ] ، وعبيد اللَّه بن   [ () ] ظفروا اشترى ثمامة حلة كانت لكبيرهم، فرآها عليه ناس من بنى قيس بن ثعلبة. فظنوا أنه هو الّذي قتله وسلبه فقتلوه. (الإصابة) : 1/ 411. [ (1) ] هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم ... المذحجي أبو اليقظان: العنسيّ. حليف بنى مخزوم، قتل مع على بصفين سنة (37) وله (93 سنة) . وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام ... وأمه سمية وهي أول من استشهد في سبيل اللَّه عز وجل وأبوه وأمه من السابقين، وكان إسلام عمار بعد بضعة وثلاثين وهو ممن عذب في اللَّه، وقال عمار: لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها فقلت ما تريد؟ فقال: ما تريد أنت؟ قلت أريد أن أدخل على محمد وأسمع منه كلامه. فقال: وأنا أريد ذلك فدخلنا عليه فعرض علينا الإسلام فأسلمنا. وهو من مشاهير الصحابة. (الإصابة) : 4/ 373، (الاستيعاب) : 3/ 1135، (أسماء الصحابة الرواة) : 73، ترجمة رقم 52. [ (2) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (3) ] هي خيرة بنت أبى حدرة الأسلمي هي زوج أبى الدرداء، توفيت في خلافة عثمان بالشام قبل وفاة أبى الدرداء بسنتين، كانت من فضلى النساء وعقلائهن وذوات الرأى فيهن مع العبادة والنسك، (أسماء الصحابة الرواة) : (223) ترجمة (302) ، (الإصابة) : 8/ 73. [ (4) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (5) ] هو الحكم بن عمرو بن مجدع بن حزيم بن الحارث بن ثعلبة الغفاريّ، توفى في القيد سنة (45) ، صحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى توفى ثم سكن البصرة واستعمله زياد بن أبيه على خرسان على غير قصد منه لولايته إنما أرسل زياد يستدعى الحكم فمضى الرسول غلطا منه وأحضر الحكم ابن عمرو فلما رآه زياد قال: هذا من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاستعمله عليه، (أسماء الصحابة الرواة) : 445 ترجمة (775) . [ (6) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 146   [ () ] (7) هو عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، أبو محمد، وأبو جعفر وهي أشهر. وحكى المرزباني أنه كان يكنى أبا هاشم. أمه أسماء بنت عميس الخثعمية أخت ميمونة بنت الحارث لأمها، ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها، وهو أول من ولد بها من المسلمين، وحفظ عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال ابن حبان: كان يقال له: قطب السخاء، وكان له عند موت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين، وقال يعقوب بن سفيان: كان أحد أمراء عليّ يوم صفين، وأخباره في الكرم كثيرة شهيرة. مات سنة ثمانين عام الجحاف، وهو سيل كان ببطن جحف الحاج، وذهب بالإبل، وعليها الحمولة، وصلّى عليه أبان بن عثمان وهو أمير المدينة حينئذ لعبد الملك بن مروان، هذا هو المشهور. وقال الواقدي: مات سنة تسعين، وكان له يوم مات تسعون سنة، وكذا رأيته في (ذيل الذيل) لأبى جعفر الطبري، وقال المدائني: مات عبد اللَّه بن جعفر سنة أربع أو خمس وثمانين وهو ابن ثمانين قلت: وهو غلط أيضا. وقال خليفة: مات سنة اثنتين. وقيل سنة أربع وثمانين. وقال ابن البرقي ومصعب: في سنة سبع وثمانين، فهذا يمكن أن يصح معه قول الواقدي: إنه مات وله تسعون سنة، فيكون مولده قبل الهجرة بثلاث. وأخرج ابن أبى الدنيا والخرائطى بسند حسن إلى محمد بن سيرين، أن دهقانا من أهل السواد كلم ابن جعفر في أن يكلم عليا في حاجة، فكلمه فيها، فقضاها، فبعث إليه الدهقان أربعين ألفا، فقالوا: أرسل بها الدهقان فردها، وقال إنا لا نبيع معروفا. وأخرج الدار قطنى في الأفراد، من طريق هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، قال: جلب رجل من التجار سكرا إلى المدينة فكسد عليه، فبلغ عبد اللَّه بن جعفر، فأمر قهرمانه أن يشتريه وينهبه الناس. (الإصابة) : 4/ 40- 44، (أسماء الصحابة الرواة) : 109، ترجمة (103) . [ (8) ] هو عوف بن مالك بن أبى عوف الأشجعي، مختلف في كنيته. قيل: أبو عبد الرحمن. وقيل: أبو محمد. وقيل: غير ذلك. قال الواقدي أسلم عام خيبر، ونزل حمص، وقال غيره: شهد الفتح وكانت معه راية أشجع، وسكن دمشق. وقال ابن سعد: آخى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بينه وبين أبى الدرداء. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 147 سلام [ (1) ] ، وعمر بن عبسة [ (2) ] ، وعتاب بن أسيد [ (3) ] ، وعثمان بن أبى العاص [ (4) ] ، وعبد اللَّه بن سرجس [ (5) ] ، وعبد اللَّه بن رواحة [ (6) ] ، وعقيل بن   [ () ] روى أبو عبيد في كتاب (الأموال) ، من طريق مجالد عن الشعبي، عن سويد بن غفلة، قال: لما قدم عمر الشام قام إليه رجل من أهل الكتاب، فقال: إن رجلا من المسلمين صنع بى ما ترى، وهو مشجوع مضروب. فغضب عمر غضبا شديدا وقال لصهيب: انطلق فانظر من صاحبه فائتنى به، فانطلق فإذا هو عوف بن مالك. فقال: إن أمير المؤمنين قد غضب عليك غضبا شديدا فأت معاذ بن جبل فكلمه، فإنّي أخاف أن يعجل عليك. فلما قضى عمر الصلاة قال: أجئت بالرجل؟ قال: نعم، فقام معاذ فقال: يا أمير المؤمنين، إنه عوف بن مالك، فاسمع منه ولا تجعل عليه. فقال له عمر: مالك ولهذا؟ قال: رأيته يسوق بامرأة مسلمة على حمار فنخس بها لتصرع فلم تصرع، فدفعها فصرعت فغشيها أو أكب عليها. قال: فلتأتني المرأة فلتصدق ما قلت، فأتاها عوف، فقال له أبوها وزوجها: ما أردت إلى هذا، فضحتنا فقالت المرأة: واللَّه لأذهبنّ معه. فقالا: فنحن نذهب عنك، فأتيا عمر فأخبراه بمثل قول عوف، فأمر عمر باليهودي فصلب، وقال: ما على هذا صالحناكم. قال سويد: فذلك اليهودي أول مصلوب رأيته في الإسلام. قال الواقدي والعسكري وغيرهما: مات سنة ثلاث وسبعين في خلافة عبد الملك. (الإصابة) : 4/ 472- 473 . (أسماء الصحابة الرواة) : 70 ترجمة (48) . (الثقات) : 3/ 319. [ (1) ] هو عبد اللَّه بن سلام بن الحارث، من ذرية يوسف عليه السّلام، توفى سنة (43) ، كان إسلامه لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة مهاجرا وروى عنه ابناه يوسف ومحمد، وأنس بن مالك، زرارة بن أوفى، كان اسمه في الجهالية الحصين فسماه رسول اللَّه حين أسلم عبد اللَّه وله موقفا حميد في نصح الناس يوم مقتل عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. (أسماء الصحابة الرواة) : 110، ترجمة (105) ، (الإصابة) : 4/ 118- 120. [ (2) ] هو عمرو بن عبسة بن خالد بن عامر بن غاضرة بن امرئ القيس السلمىّ البجليّ القيسيّ أسلم قديما أول الإسلام كان يقال هو رابع الإسلام، وكان قدومه المدينة بعد مضى بدر وأحد والخندق، (أسماء الصحابة الرواة) : 96 ترجمة (84) ، (تهذيب التهذيب) : 8/ 699. [ (3) ] هو عتاب بن أسيد بن أبى العيص بن أمية بن عبد الرحمن بن عبد مناف القرشي ولاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة وهو ابن (18) سنة حين خرج إلى حنين وتوفى في يوم توفى أبو بكر الصديق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 148 أبى طالب [ (1) ] ، وعائذ بن عمرو [ (2) ] ، وأبو قتادة [ (3) ] ، وعبد اللَّه بن معمر العدوي [ (4) ] ، وعمير بن سعد [ (5) ] ، وعبد اللَّه ابن أبى بكر [ (6) ] الصديق، وعبد   [ () ] ولم يعلم أحدهما بموت الآخر لأن هذا مات بمكة وذاك مات بالمدينة، (تاريخ الصحابة الرواة) : 96 ترجمة (84) ، (الثقات) : 3/ 269. [ (4) ] هو عثمان بن أبى العاص بن بشر بن عبد دهمان بن عبد اللَّه بن همام بن أبان بن سيار بن مالك بن حطيط، أبو عبد اللَّه الثقفي، وفد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في وفد ثقيف فأسلم واستعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الطائف ولم يزل على الطائف حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وخلافة أبى بكر، وسنتين من خلافة عمر واستعمله عمر سنة (15) ، على البحرين وعمان فسار إلى عمان ووجه أخاه الحكم إلى البحرين وسار هو إلى توج فافتتحها ومصرها وقتل ملكها «شهرك» سنة (21) . (أسماء الصحابة الرواة) : 104 ترجمة (95) . [ (5) ] هو عبد اللَّه بن سرجس المزني، حليف بنى مخزوم، له صحبة سكن البصرة، وقال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأكلت معه خبزا ولحما أو قال: ثريدا فقلت له: غفر اللَّه لك يا رسول اللَّه قال: ولك، قال: قلت لعبد اللَّه بن سرجس أستغفر لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: نعم وتلى هذه الآية وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، (تاريخ الصحابة الرواة) : 131 ترجمة (136) ، (الثقات) : 3/ 230، (تلقيح الفهوم) : 368. [ (6) ] هو عبد اللَّه بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأنصاري الخزرجي، استشهد في مؤتة في جمادى سنة (8) ، كان ممن شهد العقبة وكان نقيب بنى الحارث بن الخزرج وشهد بدرا، وأحدا، والخندق، والحديبيّة، وعمرة القضاء، والمشاهد كلها، مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا الفتح وما بعده، فإنه كان قد قتل قبله وهو أحد الأمراء في غزوة مؤتة، (أسماء الصحابة الرواة) : 498 ترجمة (886) . [ (1) ] هو عقيل بن أبى طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب، أبو يزيد القرشيّ، الهاشميّ، أخو عليّ ابن أبى طالب وجعفر، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، كان سريع الجواب المسكت، وله فيه أشياء حسنة، وكان أعلم قريش بالنسب، وأعلمهم بيأمها، ولكنه كان مبغضا إليهم لأنه كان يعد مساويهم، تأخر إسلامه عام الفتح، وقيل: أسلم بعد الحديبيّة، وهاجر في أول سنة ثمان، وكان أسر يوم بدر ففداه عمه العباس. ووقع ذكره في الصحيح في مواضع. توفى في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 149   [ () ] خلافة معاوية، وقيل: أول خلافة يزيد. (أسماء الصحابة الرواة) : 207، ترجمة (273) . (الثقات) : 3/ 259. [ (2) ] هو عائذ بن عمرو بن هلال بن عبيد بن يزيد أبو هبيرة المزنيّ. كان ممن بيعة الرضوان، تحت الشجرة وكان من صالحي الصحابة، سكن البصرة وابتنى بها دارا، وتوفى في إمارة عبيد اللَّه ابن زياد أيام يزيد بن معاوية وأوصى عليه أبو برزة الأسلمي لئلا يصلى عليه ابن زياد روى عنه: الحسن. ومعاوية بن قرة. وعاصم الأحول. وغيرهم. وزاد ابن حجر فيمن روى عنه: ابنه حشرج، وأبو جمرة الضبيّ، وغيرهم. وقال ابن حجر في (الإصابة) : كان ممن بايع تحت الشجرة ثبت ذلك في البخاري، وله عند مسلم في الصحيح حديثان غير هذا. روى البغوي من طريق أسماء بن عبيد: كان بن عمرو لا يخرج من داره ولا غيره فسئل فقال: لأن أصب طستى في حجرتي أحب إليّ من أن أصبّه في طريق المسلمين. (أسماء الصحابة الرواة) : 176، ترجمة (217) ، (الإصابة) : 3/ 609. [ (3) ] هو الحارث بن ربعي بن بلدمة بن خناس بن عبيد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد وقيل: اسمه النعمان وقيل: عمرو أبو قتادة الأنصاري. الخزرجي. السلمي. أمه: كبشة بنت مطهر بن حرام بن سواد بن غنم. وفاته: قيل توفى سنة (54) بالمدينة. وقيل بالكوفة في خلافة على وقيل توفى سنة (40) . اختلف في شهوده بدرا، قال ابن سعد: شهد أحدا وما بعدها. وقال أبو أحمد الحاكم: يقال: كان بدريا وقال إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خير فرساننا أبو قتادة. وقال أبو نضرة، عن أبى سعيد: أخبرنى من هو خير منى أبو قتادة. (أسماء الصحابة الرواة) : 53، ترجمة (23) ، (الإصابة) : 7/ 327- 329 . [ (4) ] لم أجد له ترجمة في بين يدي من مراجع. [ (5) ] هو عمير بن سعد بن فهد ويقال عمير بن جودان، روى عنه محمد بن سيرين وابنه أشعث، ولكن ليست له صحبة وحديثه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسل عند أكثرهم ومنهم من يصحح صحبته قال الحافظ في (الإصابة) : عمير بن سعد عامل عمر على حمص. استدركه يحيى بن عبد الوهاب بن مندة على جده، ووهم فيه، فإن جده ذكره فقال: عمير بن سعد وهو الصحيح. (الإصابة) : 5/ 308، (أسماء الصحابة الرواة) : 405 ترجمة (687) . (التاريخ الكبير) : 6/ 536، (الجرح والتعديل) 6/ 675. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 150 الرحمن بن أبى بكر الصديق [ (1) ] ، وعاتكة بنت زيد بن عمر [ (2) ] ، وعبد الرحمن ابن عوف الزهري [ (3) ] ، وسعد بن معاذ [ (4) ] ، وأبو منيب [ (5) ] ، وسعد بن   [ () ] (6) هو عبد اللَّه بن أبى بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما بن عمرو بن كعب بن لؤيّ القرشي التيمي، توفى سنة (11) ، أول خلافة أبيه، كان قديم الإسلام لم يسمع له بمشهد إلا شهوده الفتح، وحنينا، والطائف، وهو الّذي كان يأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأباه بأخبار الناس والطعام في غار ثور في الهجرة، (أسماء الصحابة الرواة) : 446 ترجمة (777) . [ (1) ] هو عبد الرحمن بن عبد اللَّه [أبو بكر الصديق] بن عثمان القرشي التيمي، توفى ودفن بمكة سنة (53) ، صحابى مشهور له أخبار كثيرة في المغازي والسير. [ (2) ] هي عاتكة بنت زيد بن نفيل القرشية، تزوجها أكثر من صحابى، واستشهد ولها منزلة بين قومها. (أعلام النساء) : 3/ 201. [ (3) ] هو عبد الرحمن بن عبد عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة أبو محمد. القرشيّ الزهرىّ. أمه: الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث. من مشاهير الصحابة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى الذين أوصى إليهم عمر بعده، وأحد الثمانية الذين أسلموا على يد أبى بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وشهد بدرا، وأحدا والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وصلى خلفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومناقبه كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، توفى سنة (31) بالمدينة. (أسماء الصحابة الرواة) : 72، ترجمة (51) ، (التاريخ الكبير) : 5/ 239، (التاريخ الصغير) : 1/ 50، (شذرات الذهب) : 1/ 25، 38، 62. [ (4) ] هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن مالك بن أوس الأنصاريّ الأشهليّ، شهد بدرا، ورمى بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهرا، حتى حكم في بنى قريظة، ومات، وقال المنافقون لما خرجت جنازته: ما أخفها فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن الملائكة حملته، وقيل: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ، (الإصابة) : 3/ 84- 86. [ (5) ] هو أبو منيب الكلبي ذكره البخاري في الكنى، وأخرج له من طريق بقية بن الوليد عن مسلمة ابن زياد، قال: رأيت أربعة نفر من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم روح بن يسار وأبو منيب الكلبي، يلبسون العمائم ويرخون من خلفهم [وثيابهم] إلى الكعبين. وأخرجه ابن مندة من طريق بقية، قال: حدثني مسلمة بن زياد. (الإصابة) : 7/ 390. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 151 عبادة [ (1) ] ، وقيس بن سعد [ (2) ] ، وعبد الرحمن ابن سهل [ (3) ] ، وسمرة بن جندب [ (4) ] ، وسهل بن سعد الساعدي [ (5) ] ، ومعاوية بن مقرن [ (6) ] ، والسويد بن المقرن [ (7) ] ، ومعاوية بن الأرقم [ (8) ] ، وجرير بن عبد اللَّه.   [ (1) ] هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبى خزيمة بن أبى الخزرج بن ساعدة بن كعب السعدىّ الأنصاريّ توفى سنة (11) ، وقيل غير ذلك بالشام، قتلته الجن شهد بدرا، كان صاحب راية الأنصار في المشاهد كلها، وكان غيورا شديد الغيرة وإياه أراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله: «إن سعد غيورا وإني لأغير من سعدا واللَّه أغير منا وغيرة اللَّه أن تأتى محارمه» . (أسماء الصحابة الرواة) : 119 ترجمة (119) . (الثقات) : 3/ 148، (التاريخ الكبير) : 1/ 25، (الجرح والتعديل) : 4/ 382، (الإصابة) : 3/ 65. [ (2) ] هو قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبى خزيمة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب الساعدىّ الأنصاريّ، توفى سنة (59) كان من فضلاء الصحابة وأحد دهاة العرب وكرمائهم، وكان من ذوى الرأى الصائب والمكيدة في الحرب مع النجدة والشجاعة وكان شريف قومه غير مدافع ومن بيت سيادتهم، (أسماء الصحابة الرواة) : 133 ترجمة 139، (الإصابة) : 5/ 473، (تهذيب التهذيب) : 8/ 395. [ (3) ] هو عبد الرحمن بن سهل الأنصاري، شهد أحد، والخندق، والمشاهد، وهو الّذي نهش فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عمارة بن حزم، فرقاه رقية عند آل عروة بن حزم، (الإصابة) : 4/ 312. [ (4) ] هو سمرة بن جندب بن هلال بن جريج بن مرة بن فزارة أبو سليمان توفى سنة (58) سكن البصرة قدمت به أمه المدينة بعد موت أبيه فتزوجها رجل من الأنصار وكان في حجره إلى أن صار غلاما وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعرض غلمان الأنصار كل سنة فمر به غلام فأجازه في البعث وعرض عليه سمرة بعده فرده، فقال سمرة: لقد أجزت هذا ورددتني ولو صار عنه لصرعته قال: فدونكه، فصارعه فصرعه سمرة، فأجازه من البعث، قيل: أجازه يوم أحد، (أسماء الصحابة الرواة) : 61 ترجمة (35) . [ (5) ] هو سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن الخزرج الأنصاري الساعدي، توفى سنة (88) ، شهد قضاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المتلاعنين وأنه فرق بينهما وكان اسمه حزنا فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سهلا، (أسماء الصحابة الرواة) : 50 ترجمة (19) ، (الإصابة) : 3/ 200، (تهذيب التهذيب) : 4/ 252. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 152 البجلي [ (1) ] ، وجابر بن سمرة [ (2) ] ، و [جويرية] أم المؤمنين [ (3) ] ، وحسان بن ثابت [ (4) ] ، وحبيب بن عدىّ [ (5) ] ، وقدامة بن مظعون [ (6) ] ، وعثمان بن مظعون [ (7) ] ،   [ () ] (6) هو معاوية بن سويد بن مقرن المزني، أبو أسيد الكوفي، وهو مشهور من التابعين وحديثه عن أبيه، وعن البراء بن عازب في صحيح مسلم وغيره، (الإصابة) : 6/ 155. [ (7) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (8) ] هو معاوية بن الحكم السلمىّ كان يسكن في بنى سليم وينزل المدينة، له صحبة، ويعد من أهل الحجاز سكن المدينة، وروى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حديثا، قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) : ثبت ذكره وحديثه في صحيح مسلم من طريق عطاء بن يسار عنه قال: صليت خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعطس رجل من القوم في صلاته فقلت: يرحمك اللَّه. الحديث. ثم ذكر له عدة أحاديث أخرى يمكنك مراجعتها من موضعها بالإصابة. (أسماء الصحابة الرواة) : 143 ترجمة (155) ، (الإصابة) : 6/ 148. [ (1) ] هو جرير بن عبد اللَّه بن جابر بن السليل بن مالك بن خزيمة البجلي وقيل اليمنى، توفى سنة (51) ، أسلم قبل وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان حسن الصورة، قال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: جرير يوسف هذه الأمة وهو سيد قومه، وقابل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأكرمه وقال: «إذا أتاكم كريم قومه فأكرموه» ، وكان له في الحروب بالعراق القادسية وغيرها أثر عظيم. وقال ابن حجر في (التهذيب) : روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن عمر، ومعاوية. وعنه أولاده المنذر وعبيد اللَّه وأيوب وغبراهيم وابن ابنه أبو زرعة بن عمر وأنس وأبو وائل.. وغيرهم، (أسماء الصحابة الرواة) : 63، ترجمة (38) ، (الإصابة) : 1/ 475، (تهذيب التهذيب) : 2/ 63. [ (2) ] هو جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير بن صعصعة العامرىّ السوائىّ، حليف بنى زهرة، توفى أيام المختار سنة (66) ، له صحبة، وروى شريك عن سماك بن جابر بن سمرة ابن جندب قال: جالست رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثر من مائة مرة، وفي الصحيح عنه قال: صليت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثر من ألفى مرة، (أسماء الصحابة الرواة) : 57 ترجمة (29) ، (الإصابة) : 1/ 178. [ (3) ] هي جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار بن حبيب بن جذيمة بن المصطلق بن حارثة، توفيت سنة (50) ، سباها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم المريسيع وهي غزوة بنى المصطلق ولما تزوجها رسول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 153 وميمونة أم المؤمنين [ (1) ] ، ومالك بن الحويرث [ (2) ] ، وأبو أمامة الباهلي [ (3) ] ، ومحمد بن مسلمة [ (4) ] ، وخباب بن الأرت [ (5) ] ، وخالد بن الوليد [ (6) ] ، وضمرة بن   [ () ] اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حجبها وقسم لها، وكان اسمها برد فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جويرية وروت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، (أسماء الصحابة) : 195 ترجمة (259) (الإصابة) : 7/ 565. [ (4) ] هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد بن عدىّ الأنصاريّ الخزرجىّ النجارىّ توفى قبل الأربعين وهو صحابى مشهور، وقد جاء في الصحيحين عن البراء أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لحسان: «اهجهم أو هاجهم وجبريل معك. (أسماء الصحابة الرواة) : 465 ترجمة (819) ، (الإصابة) : 2/ 62. [ (5) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (6) ] هو قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشيّ الجمحيّ كان أحد السابقين الأولين هاجر الهجرتين، وشهد بدرا، له صحبة، ويكنى أبا عمرو، أسلم قديما، وكانت تحته صفية بنت الخطاب، أخت عمر بن الخطاب، مات سنة (36) ، في خلافة على، وله (68) سنة، (الإصابة) : 5/ 423. [ (7) ] هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن كعب بن لؤيّ القرشيّ الحجمىّ، توفى في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو أول رجل مات من المهاجرين بالمدينة بعد شهوده بدرا سنة (2) وهو أول من دفن بالبقيع هو صحابى مشهور أسلم قديما وهاجر الهجرتين وأوذى في اللَّه أذى شديدا بعد أن كان في جوار الوليد بن المغيرة. (أسماء الصحابة الرواة) : 233 ترجمة (233) (الإصابة) : 4/ 461. [ (1) ] هي ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية أم المؤمنين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، وكان اسمها برة فغيره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأسماها ميمونة توفيت بسرف سنة (51) تقريبا، روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحاديث كثيرة منها في الصحيحين والمتفق عليه، (أسماء الصحابة الرواة) : 68 ترجمة (44) ، (الإصابة) : 8/ 126، (أعلام النساء) : 5/ 138. [ (2) ] هو مالك بن الحويرث بن أشيم بن زياد الليثي أبو سليمان، توفى سنة (64) ، هو من أهل البصرة قدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في شبيبة من قومه فعلمهم الصلاة وأمرهم بتعليم قومه إذا رجعوا إليهم، (أسماء الصحابة الرواة) : 203 ترجمة (267) ، (الإصابة) : 5/ 719. [ (3) ] هو صدى بن عجلان بن الحارث وقيل: عجلان بن وهب أبى أمامة الباهلىّ السهمىّ توفى سنة (81) ، سكن مصر ثم انتقل منها، فسكن حمص من الشام، ومات بها وكان من المكثرين في الرواية وأكثر حديثه عند الشاميين، (أسماء الصحابة الرواة) : 48 ترجمة (17) ، (الإصابة) : 7/ 19. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 154 بن مسلمة [ (1) ] ، وخباب بن الأرت [ (2) ] ، وخالد بن الوليد [ (3) ] ، وضمرة بن الفيض [ (4) ] ، وطارق بن شهاب [ (5) ] ، وضهير بن رافع [ (6) ] ، ورافع بن خديج [ (7) ] ، وفاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (8) ] .   [ () ] (4) هو محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدىّ الأنصاريّ الأوسيّ الحارثىّ، توفى سنة (46) وله (77) سنة، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا تبوك ومات بالمدينة ولم يستوطن غيرها، واستخلفه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض غزواته واستعمله عمر على صدقات جهينة (أسماء الصحابة الرواة) : 134 ترجمة (140) ، (الإصابة) : 6/ 33. [ (5) ] سبقت ترجمته. [ (6) ] هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ، توفى سنة (21) ، في خلافه عمر، وكان إليه الأعنة: وهي أن يكون على مقدم الخيول في الحرب، ولا يصح له غزو مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل فتح مكة وروى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، (أسماء الصحابة الرواة) : 127 ترجمة (130) ، (الإصابة) : 02/ 98. [ (1) ] ذكره بن قانع في الصحابة وهو ضمرة بن فياض الجهنيّ حليف بنى سواد من الأنصار، (الإصابة) : 3/ 492. [ (2) ] هو طارق بن شهاب بن عبد شمس بن سلمة بن هلال بن عوف بن جسم بن عمرو بن لؤيّ ابن رحم البجلي الأحمسي، توفى سنة (82) أو (83) أو (84) ، رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو رجل لم يسمع منه شيئا. (أسماء الصحابة الرواة) : 415 ترجمة رقم (709) . [ (3) ] هو ظهير بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك الأنصاري الأوسي الحارثي، وقيل: شهد العقبة الأولى وشهد بدرا، وقيل: لم يشهدها وشهد أحد وما بعدها وهو عم رافع بن خديج ووالد أسيد بن ظهير، (أسماء الصحابة الرواة) : 332 ترجمة (5173) ، (الإصابة) : 3/ 304. [ (4) ] هو رافع بن خديج بن عدي بن يزيد بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوشي الأنصاري، توفى سنة (74) ، عرض نفسه يوم بدر على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرده لصغره ثم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 155 [فاطمة بنت قيس [ (1) ] ، هشام بن الحكيم بن حزام [ (2) ] ، أبو حكيم بن حزام [ (3) ] ، شرحبيل بن السمط [ (4) ] ، أم سليم [ (5) ] ، دحية بن خليفة الكلبي [ (6) ] ، ثابت   [ () ] أجازه يوم أحد فشهد أحدا وأصيب بها، ثم الخندق وأكثر المشاهد، وشهد صفين مع على واستوطن المدينة وكان عريف قومه إلى أن مات بها وصلى عليه ابن عمر، (أسماء الصحابة الرواة) : 67 ترجمة (43) ، (الإصابة) : 2/ 436. [ (5) ] هي الزهراء بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وزوج على كرم اللَّه وجه وأم الحسنين (الإصابة) : 8/ 53. [ (1) ] فاطمة بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية. أخت الضحاك بن قيس. تقدم نسبها في ترجمته، وكانت أسن منه. قال أبو عمر: كانت من المهاجرات الأول، وكانت ذات جمال وعقل، وكانت عند أبى بكر بن حفص المخزوميّ فطلقها فتزوجت بعده بعده أسامة بن زيد. قلت: وخبرها بذلك في الصحيح لما طلبت النفقة من وكيل زوجها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: اعتدّى عند أم شريك، ثم قال: عند ابن أم مكتوم، فلما خطبت أشار عليها بأسامة ابن زيد، وهي قصة مشهورة، وهي التي روت قصة الجساسة بطولها فانفردت بها مطولة. رواها عنها الشعبي لما قدمت الكوفة على أخيها، وهو أميرها، وقد وقفت على بعضها من حديث جابر وغيره. وقيل: إنها أكبر من الضحاك بعشر سنين، قاله أبو عمر. قال: وفي بيتها اجتمع أهل الشورى لما قتل عمر. قال ابن سعد: أمها أميمة بنت ربيعة، من بنى كنانة. (الإصابة) : 8/ 69، (طبقات ابن سعد) : 8/ 200. [ (2) ] هو هشام بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصىّ القرشيّ الأسديّ، ثبت ذكره في الصحيح من رواية الزهري عن عروة عن المسور، وعبد الرحمن بن عبد القاري، عن عمر، سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم، وفيه أنه أحضره لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاستقرأهما فصوبهما، وقال: نزل القرآن على سبعة أحرف .... الحديث بطوله. قال ابن سعد: كان مهيبا. وقال الزهري: كان يأمر بالمعروف في رجال معه. وقال مصعب الزبيري: كان له فضل. وقال ابن وهب، عن مالك: لم يكن يتخذ أخلاء ولا له ولد. وقد روى عنه أيضا جبير بن نفير، وقتادة السلمي وغيرهما ومات قبل أبيه بمدة طويلة، قال أبو نعيم: استشهد بأجنادين، أسلم يوم الفتح (أسماء الصحابة الرواة) : 205 ترجمة (270) ، (الإصابة) : 6/ 538- 539. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 156   [ () ] (3) هو حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، أخو خديجة أم المؤمنين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها وولد حكيم بن حزام. ذكره ابن الأثير في الصحابة. (الإصابة) : 2/ 210، ترجمة رقم (2090) . [ (4) ] هو شرحبيل بن السمط بن الأسود، أو الأعور، أو شرحبيل بن جبلة بن عدي بن ربيعة ابن معاوية الكندي، أبو يزيد. قال البخاري: له صحبة، وتبعه أبو أحمد الحاكم. وأما ابن السكن فقال: زعم البخاري أن له صحبة، ثم قال: يقال: إنه وفد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم شهد القادسية، ثم نزل حمص فقسمها منازل. وذكره البغوي وابن حبان في الصحابة ثم أعاده في التابعين، زاد البغوي: سكن الشام، وجدته في كتاب محمد بن إسماعيل، ولم أر له حديثا. وقال ابن سعد: جاهلى إسلامي، وفد على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلم، وشهد القادسية، وافتتح حمص. وقال ابن السكن: ليس في شيء من الروايات ما يدل على صحبته إلا حديثه من رواية يحيى بن حمزة عن نصر بن علقمة، عن كثير بن مرة، عن أبى هريرة وابن السمط، قالا: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يزال من أمتى عصابة قوامة على الحق ... الحديث. وقال البغوي: ذكر في الصحابة، ولم يذكر له حديث أسنده عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وذكر له سيف بسنده أن سعد بن أبى وقاص استعمل شرحبيل بن السمط بن شرحبيل وكان شابا، وكان قاتل في الردة، وغلب الأشعث على الشرق، وكان أبوه قدم الشام مع أبى عبيدة، وشهد اليرموك، وكان شرحبيل من فرسان أهل القادسية. وله رواية عن عمر، وكعب بن مرة وعبادة وغيرهم وقال ابن سعد: شهد القادسية وافتتح حمص، وله ذكر في البخاري في صلاة الخوف. وذكر خليفة أنه كان عاملا على حمص نحوا من عشرين سنة، وقال أبو عامر الهوزني: حضرت مع حبيب بن مسلمة جنازة شرحبيل. وقال أبو داود: مات بصفين: وقال يزيد بن عبد ربه: مات سنة أربعين. وقال غيره: سنة اثنتين وأربعين وقال صاحب (تاريخ حمص) : سنة ست وثلاثين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 157   [ () ] قلت: وهو غلط، فإنه ثبت أنه شهد صفين، وكانت سنة سبع وثلاثين، وذكره ابن حبان في الصحابة، وقال: كان عاملا على حمص، ومات بها، (الإصابة) : 3/ 329- 331، (الاستيعاب) : 699، (طبقات ابن سعد) : 7/ 155، (تهذيب التهذيب) : 4/ 283. [ (5) ] هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية، وهي أم أنس خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، اشتهرت بكنيتها. واختلف في اسمها، فقيل سهلة، وقيل رميلة، وقيل رميثة، وقيل مليكة، وقيل الغميصاء أو الرميصاء تزوجت مالك بن النضر في الجاهلية، فولدت أنسا في الجاهلية، وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار، فغضب مالك وخرج إلى الشام فمات بها، فتزوجت بعده أبا طلحة، فروينا في مسند أحمد بعلو في (الغيلانيات) ، من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، وإسماعيل بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك- أن أبا طلحة أم سليم- يعنى قبل أن يسلم، فقالت: يا أبا طلحة، ألست تعلم أن إلهك الّذي تعبد نبت من الأرض؟ قال: بلى. قلت: أفلا تستحي تعبد شجرة! أن أسلمت فإنّي لا أريد منك صداقا غيره. قال: حتى انظر في أمرى، فذهب ثم جاء، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، فقالت: يا أنس، زوج أبا طلحة، فزوجها وبه: خطب ابو طلحة أم سليم- وكانت أم سليم تقول: لا أتزوج حتى يبلغ أنس ويجلس في المجالس، فيقول: جزى اللَّه أمى عنى خيرا، لقد أحسنت ولايتي. فقال لها أبو طلحة: فقد جلس انس وتكلم، فتزوجها. قلت: والجواب عن دخوله بنت أم حرام وأختها أنهما كانتا في دار واحدة وأنت تغزو مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولها قصص مشهورة، منها ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فقال أبو طلحة: يا رسول اللَّه، هذه أم سليم معها خنجر، فقالت: اتخذته إن دنا منى أحد من المشركين بقرت بطنه. ومنها قصتها المخرجة في الصحيح لما مات ولدها ابن أبى طلحة، فقالت لما دخل: لا يذكر أحد ذلك لأبى طلحة قبلي، فلما جاء وسأل عن ولده قالت: هو أسكن ما كان، فظن أنه عوفي، وقام فأكل ثم تزينت له وتطيبت فنام معها، وأصاب منها، فلما أصبح قالت له: احتسب ولدك، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: بارك اللَّه لكما في ليلتكما، فجاءت بولد وهو عبد اللَّه بن ابى طلحة، فأنجب وزرق أولادا، قرأ القرآن منهم عشرة كملا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 158   [ () ] وفي الصحيح أيضا عن أنس- أن أن سليم لما قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: يا رسول اللَّه، هذا أنس يخدمك، وكان حينئذا بن عشر سنين، فخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ قدم المدينة حتى مات، فاشتهر بخادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وروت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عدة أحاديث، روى ابنها أنس، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وآخرون. (أسماء الصحابة الرواة) : 142 ترجمة (153) ، (الإصابة) : 8/ 227/ 230 ترجمة رقم (12073) . [ (6) ] هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج، بفتح المعجمة وسكون الزاى ثم جيم، ابن عامر بن بكر بن عامر الأكبر ابن عوف الكلبي. صحابى مشهور، أول مشاهدة الخندق وقيل أحد، ولم يشهد بدرا، وكان يضرب به المثل في حسن الصورة، وكان جبريل عليه السلام ينزل في صورته، جاء ذلك من حديث أم سلمة، ومن حديث عائشة. وروى النسائي بإسناد صحيح، عن يحيى بن معمر، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: كان جبرائيل يأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صورة دحية الكلبي. وروى الطبراني من حديث عقير بن معدان، عن قتادة، عن أنس- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كان جبرائيل يأتيني على صورة دحية الكلبي مكان دحية رجلا جميلا. وروى العجليّ في تاريخه عن عوانة بن الحكم، قال: أجمل الناس من كان جبرائيل ينزل على صورته. قال ابن قتيبة في غريب الحديث: فأما حديث ابن عباس: كان دحية إذا قدم المدينة لم تبق معصر غلا خرجت تنظر غليه، فالمعنى بالمعصر العاتق. وقد روى الترمذي من حديث المغيرة ان دحية أهدى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خفين فلبسهما، وروى أحمد من طريق الشعبي عن دحية، قال: قلت: يا رسول اللَّه، ألا أحمل لك حمارا على فرس فينتج لك بغلا فتركبها؟ قال: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون. وقال ابن سعد أخبرنا وكيع، حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دحية سرية وحده، وقد شهد دحية اليرموك، وكان على كردوس، وقد نزل دمشق وسكن المرة، وعاش إلى خلافة معاوية. (الإصابة) : 2/ 284/ 286 ترجمة رقم (2392) ، (طبقات ابن سعد) : 4/ 184. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 159 ابن قيس ابن الشماسى [ (1) ] ، ثوبان [ (2) ] مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، سرف بن المغيرة ابن شعبة [ (3) ] ، يزيد بن الحصيب الأسلمي [ (4) ] ، رويفع بن ثابت [ (5) ] أبو حميد [ (6) ] ،   [ (1) ] هو ثابت بن قيس بن زهير بن مالك أبو عبد الرحمن أبو محمد الأنصاري الخزرجي، قتل شهيدا يوم اليمامة في خلافة أبى بكر، كان خطيب الأنصار، وخطيب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، شهد أحدا وما بعدها. (أسماء الصحابة الرواة) : 374 ترجمة (613) ، (الإصابة) : 1/ 203. [ (2) ] صحابى مشهور يقال: أنه من العرب حكمي من حكم بنى سعد بن حمير وقيل من السراة اشتراه، ثم أعتقه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخدمه إلى أن مات، (الإصابة) : 1/ 413. [ (3) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (4) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (5) ] هو رويفع بن ثابت بن السكن بن عدي بن حارثة من بنى مالك بن النجار، نزل مصر، وولاه معاوية على طرابلس سنة ست وأربعين، فغزا إفريقية. وروى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وعنه بشر بن عبيد اللَّه الحضرميّ، وحنش الصنعاني، وأبو الخير، وآخرون. وقال ابن البرقي: توفى ببرقة وهو أمير عليها، وقال ابن يونس: مات سنة ست وخمسين، وهو أمير عليها من قبل مسلمة بن مخلد، (الإصابة) : 2/ 501، ترجمة رقم: (2701) ، (الاستيعاب) : 2/ 504، ترجمة رقم: (788) . [ (6) ] هو أبو حميد الساعدي الصحابي المشهور، اسمه عبد الرحمن بن سعد، ويقال عبد الرحمن بن عمرو بن سعد، وقيل المنذر بن سعد بن المنذر، وقيل: اسم جده مالك، وقيل: هو عمرو ابن سعد بن المنذر بن سعد بن خالد بن ثعلبة بن عمرو، ويقال: إنه عم سهل بن سعد، أو عم العباس بن سهل بن سعد. روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عدة أحاديث، وله ذكر معه في الصحيحين. روى عنه ولد ولده سعيد بن المنذر بن أبى حميد، وجابر الصحابي، وعباس بن سهل بن سعد، وعبد الملك بن سعيد بن سويد، وعمرو بن سليم، وعروة، ومحمد بن عمرو بن عطاء وغيرهم. قال خليفة وابن سعد وغيرهما: شهد أحدا وما بعده. وقال الواقدي: توفى في آخر خلافة معاوية أو أول خلافة يزيد بن معاوية، (الإصابة) : 7/ 94- 95، ترجمة رقم: (9787) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 160 وفضالة بن عبيد [ (1) ] ، رجل يعرف بأبي محمد- روينا عنه- وحرب بن الوثن [ (2) ] ، وزينب بنت أم سلمة [ (3) ] ، وعقبة بن مسعود [ (4) ] ، وبلال المؤذن [ (5) ] ،   [ (1) ] هو فضالة بن عبيد بن ناقذ بن قيس بن صهيب بن الأصرم بن جحجبى ابن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاريّ الأوسيّ، أبو محمد قال ابن السكن: أمه عقبة بنت محمد بن عقبة بن الجلاح الأنصارية، أسلم قديما، ولم يشهد بدرا، وشهد أحدا فما بعدها، وشهد فتح مصر والشام قبلها، ثم سكن الشام، وولى الغزو، وولاه معاوية قضاء دمشق بعد أبى الدرداء، قاله خالد بن يزيد بن أبى مالك، عن أبيه، قال: وكان ذلك بمشورة من أبى الدرداء، روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعن عمر، وأبى الدرداء. روى عنه ثمامة بن شفى، وحيش بن عبد اللَّه الصنعاني، وعليّ بن رباح، وأبو على الجنبي، ومحمد بن كعب القرضي وغيرهم. قال مكحول، عن ابن محيريز: كان ممن بايع تحت الشجرة، وقال ابن حبان: مات في خلافة معاوية، وكان معاوية ممن حمل سريره، وكان معاوية استخلفه على دمشق في سفرة سافرها، وأرخ المدائني وفاته سنة ثلاث وخمسين، وكذا قال ابن السكن، وقال: مات بدمشق لأن معاوية كان جعله قاضيا عليها، وبنى له بها دارا، وقيل مات بعد ذلك، وقال هارون الحمال، وابن أبى حاتم: مات وسط إمرة معاوية، وقال أبو عمر: قيل مات سنة تسع وستين، والأول أصح، وذكر ابن الكلبي أن أباه كان شاعرا، وله ذكر في حرب الأوس والخزرج وكان يسبق الخيل، ويضرب الحجر بالحجر بالرحلة فيورى النار. (الاستيعاب) : 1263. (تهذيب التهذيب) : 8/ 241، (أسماء الصحابة الرواة) : 80 ترجمة (62) . [ (2) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (3) ] هي زينب بنت أبى سلمة عبد اللَّه بن عبد الأسد بن عمرو بن مخزوم القرشية المخزومية ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أمها أم سلمة بنت أبى أمية. يقال: ولدت بأرض الحبشة، وتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أمها، وهي ترضعها. وفي مسند البزار ما يدل على أن أم سلمة وضعتها بعد قتل أبى سلمة، فخطبها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتزوجها، وكانت ترضع زينب. وقصتها في ذلك مطولة، وكان اسمها برة، فغيره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. أسنده ابن أبى خيثمة، من طريق محمد بن عمرو بن عطاء، عنها، وذكر مثله في زينب بنت جحش، أصله في مسلم في حق زينب هذه وفي حق جويرية بنت الحارث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 161 ومكرز [ (1) ] ، وعرفه بن الحارث [ (2) ] ، وسيار بن روح [ (3) ] ، وروح بن سيار، وسعيد بن المعلى [ (4) ] ، والعباس بن عبد المطلب [ (5) ] ، ولبيد بن أرطاة [ (6) ] ، وصهيب بن سنان [ (7) ] ، وأم أيمن [ (8) ] ، وأم يوسف [ (9) ] ، وماعز الغامدي [ (10) ]] .   [ () ] وقد حفظت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وروت عنه، وعن أزواجه: أمها، وعائشة وأم حبيبة، وغيرهن. روى عنها ابنها أبو عبيدة بن عبد اللَّه بن زمعة، ومحمد بن عطاء، وعراك بن مالك، وحميد بن نافع، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وزين العابدين على بن الحسين، وآخرون. قال ابن سعد: كانت أسماء بنت أبى بكر أرضعتها، فكانت أخت أولاد الزبير، وقال بكر ابن عبد اللَّه المزني: أخبرنى أبو رافع، يعنى الصائغ، قال: كنت إذا ذكرت امرأة فقيهة بالمدينة ذكرت زينب بنت أبى سلمة. وقال سليمان التيمي، عن أبى رافع: غضبت على امرأتي، فقالت زينب بنت أبى سلمة وهي يومئذ أفقه امرأة بالمدينة .... فذكر قصة، وذكرها العجليّ في ثقات التابعين كأنه كان يشترط للصحبة البلوغ، وأظن أنها لم تحفظ، وروينا في (القطعيات) ، من طريق عطاف بن خالد، عن أمه، عن زينب بنت أبى سلمة، قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل يغتسل تقول أمى: ادخلى عليه، فإذا دخلت نضح في وجهي من الماء، ويقول: ارجعي. قالت: فرأيت زينب وهي عجوز كبيرة ما نقص من وجهها شيء. وفي رواية ذكرها أبو عمر: فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت وعمرت، وذكرها ابن سعد فيمن لم يرو عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا وروى عن أزواجه، (الطبقات) : 8/ 338، (أسماء الصحابة الرواة) : 194 ترجمة (250) ، (الإصابة) : 7/ 675- 676، ترجمة رقم (11235) . [ (4) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (5) ] سبقت له ترجمة. [ (1) ] هو مكرز بن حفص بن الأخيف، بالخاء المعجمة والياء المثناة، ابن علقمة بن عبد الحارث بن منقذ بن عمرو بن بغيض بن عامر بن لؤيّ القرشيّ العامرىّ، ذكره ابن حبان في الصحابة، وقال: يقال له صحبة، ولم أراه لغيره، وله ذكر في المغازي عند ابن إسحاق والواقدي: أنه هو الّذي أقبل لافتداء سهيل بن عمرو يوم بدر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 162   [ () ] وذكره المرزباني في معجم الشعراء، ووصفه بأنه جاهلى، ومعناه أنه لم يسلم وإلا فقد ذكر هو أنه أدرك الإسلام، وقدم المدينة بعد الهجرة لما أسر سهيل بن عمرو يوم بدر فافتداه، وذكر له الزبير بن بكار قصة افتدائه سهيل بن عمرو، وأنه قدم المدينة، فقال: اجعلوا القيد في رجلي مكان رجليه حتى يبعث إليكم بالفداء، وله ذكر في صلح الحديبيّة في البخاري، (الإصابة) : 6/ 206- 207، ترجمة رقم: (8199) . [ (2) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (3) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (4) ] هو رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن عدي بن زيد بن، ثعلبة الأنصاريّ الخزرجىّ ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق وغيرهما فيمن استشهد ببدر، وقتله عكرمة بن أبى جهل. ووهم ابن شهاب في نسبه، فقال: إنه من الأوس، ثم من بنى زريق: وبنو زريق من الخزرج لا من الأوس والمقتول ببدر من الخزرج. (الإصابة) : 2/ 445 ترجمة رقم (2547) . [ (5) ] هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، القرشيّ الهاشميّ. عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أبو الفضل. أمه نتيلة بنت جناب بن كلب. ولد قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بسنتين، وضاع وهو صغير، فنذرت أمه إن وجدته أن تكسو البيت الحرير، فوجدته فكست البيت الحرير، فهي أول من كساه ذلك، وكان إليه في الجاهلية السقاية والعمارة، وحضر بيعة العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم، وشهد بدرا مع المشركين مكرها، فأسر فافتدى نفسه، وافتدى ابن أخيه عقيل بن أبى طالب، ورجع إلى مكة، فيقال: إنه أسلم، وكتم قومه ذلك، وصار يكتب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأخبار، ثم هاجر قبل الفتح بقليل، وشهد الفتح، وثبت يوم حنين، وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أذى العباس فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه، أخرجه الترمذي في قصة. وقد حدث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأحاديث، روى عنه أولاده وعامر بن سعد، والأحنف بن قيس، وعبد اللَّه بن الحارث، وغيرهم. وقال ابن المسيب، عن سعد: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأقبل العباس، فقال: هذا العباس أجود قريش كفأ وأوصلها. أخرجه النسائي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 163   [ () ] وأخرج البغوي في ترجمة أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بسند له إلى الشعبي، عن أبى هياج، عن أبى سفيان بن الحارث، عن أبيه، قال: كان العباس أعظم الناس عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، والصحابة يعترفون للعباس بفضله ويشاورونه، ويأخذون رأيه، ومات بالمدينة في رجب أو رمضان سنة اثنتين وثلاثين، وكان طويلا جميلا أبيض. (الإصابة) : 3/ 631- 632، ترجمة رقم: 4510 (أسماء الصحابة الرواة) : 97 ترجمة (85) ، (الثقات) 3/ 288، (المصباح المضيء) : 2/ 55، (الجرح والتعديل) : 6/ 210، (التاريخ الصغير) : 1/ 15، 99، 70، (التاريخ الكبير) : 7/ 2 (شذرات الذهب في أخبار من ذهب) : 1/ 38. [ (6) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (7) ] هو صهيب بن سنان بن مالك. ويقال خالد بن عبد عمرو بن عقيل. ويقال: طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر ابن قاسط النمري، أبو يحيى. وأمه من بنى مالك بن عمرو بن تميم، وهو الرومي. قيل له ذلك لأن الروم سبوه صغيرا. قال ابن سعد: وكان أبوه وعمه على الأبلة من جهة كسرى، وكانت منازلهم على دجلة من جهة الموصل، فنشأ صهيب بالروم، فصار ألكن، ثم اشتراه رجل من كلب فباعه بمكة فاشتراه عبد اللَّه بن جدعان التميمي فأعتقه. ويقال: بل هرب من الروم فقدم مكة، فحالف ابن جدعان. وروى ابن سعد أنه أسلم هو وعمار، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في دار الأرقم. ونقل الوزير أبو القاسم المغربي أنه كان اسمه عميرة فسماه الروم صهيبا، وقال: وكانت أخته أميمة تنشده في المواسم، وكذلك عماه: لبيد، وزحر، ابنا مالك. وزعم عمارة بن وثيمة أن اسمه عبد الملك. ونقل البغوي أنه كان أحمر شديد الصهوبة تشوبها حمرة، وكان كثير شعر الرأس يخضب بالحناء، وكان من المستضعفين ممن يعذب في اللَّه، وهاجر إلى المدينة مع على بن أبى طالب في آخر من هاجر في تلك السنة فقدما في نصف ربيع الأول وشهد بدرا والمشاهد بعدها. وروى ابن عدي من طريق يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي بن صهيب عن آبائه عن صهيب، قال: صحبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يبعث، ويقال: إنه لما هاجر تبعه نفر من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 164   [ () ] المشركين، فسئل، فقال: يا معشر قريش، إني من أرماكم ولا تصلون إلى حتى أرميكم بكل سهم معى، ثم أضربكم بسيفي، فإن كنتم تريدون ما لي دللتكم عليه، فرضوا فعاهدهم ودلهم فرجعوا فأخذوا ماله، فلما جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: ربح البيع، فأنزل اللَّه عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [البقرة: 207] . ورواه ابن سعد أيضا من وجه آخر عن أبى عثمان النهدي، ورواه الكلبي في تفسيره، عن أبى صالح، عن ابن عباس. وله طريق أخرى. وروى ابن عدي من حديث أنس، والطبراني من حديث أم هانئ، ومن حديث أبى أمامة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: السباق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبشة، وسلمان سابق الفرس. وروى ابن عيينة في تفسيره، وابن سعد من طريق منصور عن مجاهد: أول من أظهر إسلامه سبعة، فذكره فيهم. وروى ابن سعد من طريق عمر بن الحكم، قال: كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدرى ما يقول، وكذا صهيب وأبو فائد، وعامر بن فهيرة وقوم، وفيهم نزلت هذه الآية: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا . [النحل: 110] . وروى البغوي من طريق زيد بن أسلم، عن أبيه: خرجت مع عمر حتى دخلت على صهيب بالعالية، فلما رآه صهيب، قال: يا ناس، يا ناس. فقال عمر: ما له يدعو الناس! قلت: إنما يدعو غلامه يحنس. فقال له: يا صهيب، ما فيك شيء أعيبه إلا ثلاث خصال: أراك تنسب عربيا ولسانك أعجمى، وتكنى باسم نبي، وتبذر مالك، قال: أما تبذيرى مالي فما أنفقه إلى في حق، وأما كنيتي فكنانيها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأما انتمائى إلى العرب فإن الروم سبتني صغيرا، فأخذت لسانهم. ولما مات عمر أوصى أن يصلى عليه صهيب، وأن يصلى بالناس إلى أن يجتمع المسلمون على إمام. رواه البخاري في تاريخه. وروى الحميدي والطبرانىّ من حديث صهيب من طريق الستة عنه، قال: لم يشد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مشهدا قط إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضرها، ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضرها، ولا غزا غزاة إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله، وما خافوا أمامهم قط إلا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 165   [ () ] كنت أمامهم، ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيني وبين العدو قط، حتى توفى. ومات صهيب سنة ثمان وثلاثين. وقيل سنة تسع، وروى عنه أولاده: حبيب، وحمزة، وسعد، وصالح، وصيفي، وعباد، وعثمان، ومحمد، وحفيده زياد بن صيفي. وروى عنه أيضا جابر الصحابي، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبى ليلى، وآخرون. قال الواقدي: حدثني أبو حذيفة- رجل من ولد صهيب عن أبيه عن جده قال: مات صهيب في شوال سنة ثمان وثلاثين وهو ابن سبعين. (أسماء الصحابة الرواة) : 103 ترجمة (93) ، (الإصابة) : 3/ 449- 452، ترجمة رقم: 4108، (الثقات) : 3/ 194، (حلية الأولياء) : 1/ 372. [ (8) ] هي أم أيمن، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وحاضنته. قال أبو عمر: اسمها بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، وكنا يقال لها أم الظباء. وقال ابن أبى خيثمة: حدثنا سليمان بن أبى شيخ، قال: أم أيمن اسمها بركة وكانت أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: أم أيمن أمى بعد أمى. وقال أبو نعيم: قيل: كانت لأخت خديجة، فوهبتها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال ابن سعد: قالوا: كان ورثها عن أمه، فأعتق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أم أيمن حين تزوج خديجة، وتزوج عبيد بن زيد، من بنى الحارث بن الخزرج، أم أيمن، فولدت له أيمن فصحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاستشهد يوم خيبر، وكان زيد بن حارثة لخديجة فوهبته لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم، فأعتقه وزوجه أم أيمن بعد النبوة، فولدت له أسامة. ثم أسند عن الواقديّ، عن طريق شيخ من بنى سعد بن بكر، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم يقول لأم أيمن: يا أمه. وكان إذا نظر إليها بقول هذه بقية أهل بيتي. وقال ابن سعد: أخبرنا أبو أمامة عن جرير بن حازم: سمعت عثمان بن القاسم يقول: لما هاجرت أم أيمن أمست بالمنصرف ودون الروحاء فعطشت وليس معها ماء وهي صائمة، فأجهدها العطش، فدلى عليها من السماء دلو من ماء برشاء أبيض، فأخذته فشربته حتى رويت، فكانت تقول: ما أصابنى بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر، فما عطشت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 166   [ () ] وأخرجه ابن السكن، من طريق هشام بن حسان، عن عثمان بنحوه، وقال في روايته: خرجت مهاجرة من مكة إلى المدينة وهي ماشية ليس معها زاد، وقال فيه: فلما غابت الشمس إذا أنا بإناء معلق عند رأسي، وقالت فيه: ولقد كنت بعد ذلك أصوم في اليوم الحار، ثم أطوف في الشمس كي أعطش فما عطشت بعد. أخبرنا عبد اللَّه بن موسى، أخبرنا فضيل بن مرزوق، عن سفيان بن عيينة، قال: كانت أم أيمن تلطف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتقدم عليه، فقال: من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن، فتزوجها زيد بن حارثة. وأخرج البغوي، وابن السكن، من طريق سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن أم أيمن- وكانت حاضنة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لبعض أهله: إياك والخمر ... الحديث. قال ابن السكن: هذا مرسل. وأخرج البخاري في تاريخه، ومسلم، وابن السكن، من طريق الزهري، قال: كان من شأن أم أيمن أنها كانت وصيفة لعبد اللَّه بن عبد المطلب والد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ما توفى أبوه كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر، ثم أنكحها زيد بن حارثة- لفظ ابن السكن. وأخرج أحمد، والبخاري أيضا، وابن سعد، من طريق سليمان التيمي عن أنس- أن الرجل كان يجعل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم النخلات حتى فتحت عليه قريظة والنضير، فجعل يرد بعد ذلك، فكلمني أهلي أن أسأله الّذي كانوا أعطوه أو بعضه، وكان أعطاه لأم أيمن، فسألته فأعطانيه، فجاءت أم أيمن فجعلت تلوح بالثوب وتقول: كلا واللَّه لا يعطيكهن، وقد أعطانيهن، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لك كذا وكذا. وتقول: كلا حتى أعطاها، حسبته قال: عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله. وأخرج ابن السكن، من طريق عبد الملك بن حصين، عن نافع بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أم أيمن، قالت: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فخارة يبول فيها بالليل، فكنت إذا أصبحت صببتها، فنمت ليلة وأنا عطشانة، فغلطت فشربتها، فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إنك لا تشتكين بطنك بعد هذا. (الإصابة) : 7/ 531- 532، ترجمة رقم: (10916) ، 8/ 169- 171، ترجمة رقم: 11898، (الاستيعاب) : 4/ 1925. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 167 [وذكر ابن سعد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أن أبا بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشورة أهل الرأى وأهل الفقه، [دعا] رجلا من المهاجرين والأنصار، [و] دعا عمر، وعثمان وعليا، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبىّ بن كعب، وزيد بن ثابت، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وكل هؤلاء كان يفتى في خلافة أبى بكر، وإنما تصير فتوى الناس إلى هؤلاء، فمضى أبو بكر ذلك، ثم ولى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكان [يدعو] هؤلاء النفر، وكانت الفتوى تصير إليهم وهو خليفة، إلى عثمان، وأبىّ وزيد] .   [ () ] (9) قال الحافظ ابن حجر: أم يوسف التي شربت بول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، تقدم ذكرها في بركة في الباء الموحدة من أسماء النساء، ثم قال: أن كل منهما كانت تكنى أم أيمن، وتسمى بركة ويتأيد ذلك بأن قصة البول وردت من طريق أخرى مروية لأم أيمن، [فاللَّه تعالى أعلم أي ذلك كان] . (الإصابة) : 7/ 531، ترجمة بركة الحبشة رقم: (10914) ، 8/ 325، ترجمة أم يوسف رقم: (12303) . [ (10) ] هو ماعز بن مالك الأسلمي، قال ابن حبان: له صحبة، وهو الّذي رجم في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثبت ذكره في الصحيحين وغيرهما من حديث أبى هريرة وزيد بن خالد وغيرهما، وجاء ذكره في حديث أبى بكر الصديق وأبى ذر، وجابر بن سمرة، وبريدة بن الحصيب، وابن عباس، ونعيم بن هزال، وأبى سعيد الخدريّ، ونصر الأسلمي وأبى برزة: سماه بعضهم، وأبهمه بعضهم، وفي بعض طرقه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتى لأجزأت عنهم. وفي صحيح أبى عوانة وابن حبان وغيرهما من طريق أبى زبير، عن جابر أن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم لما رجم ماعز بن مالك قال: لقد رأيته يتحضحض في أنهار الجنة. ويقال: إن اسمه عريب، وماعز لقب، وفي حديث بريدة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: استغفروا لماعز، (الإصابة) : 5/ 705، ترجمة رقم (7593) ، (الاستيعاب) : 4/ 1345. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 168 [وعن عبد اللَّه بن دينار الأسلمي عن أبيه، قال: كان عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يستشير في خلافته إذا حزبه الأمر أهل الشورى [من] الأنصار: معاذ بن جبل، وأبىّ بن كعب، وزيد بن ثابت.] [وعن مسروق قال: شاممت أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة] . فصل في ذكر أنصار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن الأنصار رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم قبيل عظيم من الأزد وليست هذه التسمية لأب، ولأم، بل لنصرتهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد سماهم اللَّه تعالى بذلك في كتابه العزيز، وأثنى عليهم، قال تعالى وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ (1) ] وقال: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (2) ] . وقال قتادة في قوله: كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [ (3) ] ، قال: كان ذلك بحمد اللَّه، جاءه سبعون رجلا فبايعوه عند العقبة فنصروه، وآووه حتى أظهر اللَّه دينه. قال: ولم يسم حي من الناس باسم لم يكن لهم إلا هم. وعن غيلان بن حرب، قلت لأنس بن مالك: أرأيت اسم الأنصار اسم سماكم به اللَّه، أم كنتم تسمون به؟ قال: بل اسم سمانا اللَّه [تعالى] به.   [ (1) ] التوبة: 100. [ (2) ] التوبة: 117. [ (3) ] الصف: 14. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 169 وقال النعمان بن بشير الأنصاري: يا سعد لا تعد الدعاء فما لنا ... نسب نجيب به سوى الأنصار نسب تخيره الإله لقومنا ... أثقل به نسبا على الكفار إن الذين ثووا ببدر منكمو ... يوم القليبة هم وقود النار والأنصار: جمع نصير، مثل شريف وأشراف، وقد جاء النسب إليهم بلفظ الجمع، خلافا للقياس، كما جاء في أمثاله من النوادر. والأنصار كانوا يسمون أولاد قيلة، والأوس، والخزرج، لأنهم ولد الأوس، والخزرج أبناء حارث بن ثعلبة، وهو العنقاء بن عمرو، وهو مزيقياء بن عامر، وهو ماء السماء بن حارثة، وهو الغطريف ثم امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد. هكذا يقول الأنصار. وكان الكلبي [ (1) ] وغيره يقولون: عمرو، مزيقاء بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد. والأزد اسمه أدد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبإ- واسمه عامر- وسمى سبأ لأنه أول من سبا السبي. وكان يدعى أيضا عبد شمس بن حسنة بن يشجب بن يعرف، وهو المرعف بن يقطن، وهو قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام ابن نوح عليه السّلام، على اختلاف في بعض ذلك. وأم الأوس والخزرج: قيلة ابنة كاهل بن عذرة بن سعيد بن زيد بن ليت بن سؤدد بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. قال هشام بن الكلبي: هكذا [نسبها] أبى والنساب كلهم، وقالت الأنصار: هي قيلة بنت الأرقم بن عمرو ابن جفنة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء. واللَّه [تبارك وتعالى] أعلم [ (2) ] .   [ (1) ] عن الكلبي من نسخة محمد بن حبيب، حدثنا محمد بن حبيب، قال: أخبرنا هشام بن الكلبي: ولد مالك بن زيد بن كهلان نبتا، والخيار، فولد نبت بن مالك: الغوث، فولد الغوث أدد وهو الأزد، وعمرو، فمن ولد عمرو: خثعم، وبجيلة. (جمهرة أنساب العرب) : 330. [ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 332. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 170 فصل في ذكر نزول الأوس والخزرج يثرب اعلم أن مواطن العرب في الدهر الأول، والزمن الغابر، كانت باليمن، ومدينة ملكهم مأرب، فلما قام في الملك بمأرب عمر بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، سمى مزيقياء، لأنه كان له حلة يمانية من ذهب، منظومة بالجوهر، تعمل في حول كامل، فإذا خرج وقد لبسها يوم عيده وعاد إلى قصره وقف لرجاله ومزقها قطعا، كي لا يلبسها أحد بعده [ (1) ] . وأخذ هذه السنة عن ذي القرنين، الصعب بن ذي مراثد، وفي أيامه خرب سد مأرب، ومزّق اللَّه العرب كل ممزق، كما قال اللَّه تعالى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي [مَسْكَنِهِمْ] آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ* فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ* ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ* وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ* فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [ (2) ] . وكان عمرو بن عامر عنده أثارة من علم بخراب سد مأرب [ (3) ] ، [وتمزقهم] في البلاد، فعمل حيلة حتى باع عقاره بمأر، وخرج بأهله وولده   [ (1) ] كذا في (الأصل) وفي (الاشتقاق) : 435: كان يمزق عنه كل يوم حلة لئلا يلبسها أحد بعده، وفي (جمهرة أنساب العرب) : 616: كانت تمزق عليه في كل يوم حلتان، ويقال: سمى بذلك لتمزق ملكهم. [ (2) ] سبأ: 15- 19. [ (3) ] وأما خبر خراب سد مأرب، وقصة سيل العرم، فإنه في ملك حبشان فأخرب الأمكنة المعمورة في أرض اليمن، وكان أكثر ما أخرب بلاد كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب، وعامة بلاد حمير بن سبإ، وكان ولد حمير وولد كهلان هم سادة اليمن في ذلك الزمان، وكان عمرو بن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 171 فتبعه الأزد كلها، فساروا حتى نزلوا على عك [ (1) ] ، وأقاموا بأرضهم مدة، فمات عمرو بن عامر، وقام من بعده ابنه [ثعلبة العنقاء] بن عمرو بن عامر بعهده إليه، فكانت بين قومه وبين عك [ (1) ] حروب، آلت إلى مسير ثعلبة [بمن] معه، ونزولهم في أرض همدان، وإخراجهم [منها] بعد حروب [كبيرة] ، ثم رحل عنها، وعادت همدان إليها. فمضى ثعلبة بقومه إلى نجران، وبها مدحج، فنزلوا معهم ثم احتربوا شهرا كاملا، حتى فرق بينهم سيل العرم، [وقد] خرب سد مأرب، فأتى السيل أرض مدحج، وهم في محاربة ثعلبة وقومه، فولوا هاربين، ونزل ثعلبة بقومه في أرض السراة، بعد ما تخلت عنه طوائف، وأقاموا بعدة مواضع.   [ () ] عامر كبيرهم وسيدهم، وهو جد الأنصار، فمات عمرو ابن عامر قبل سيل العرم، وصارت الرئاسة إلى أخيه عمران بن عامر الكاهن وكان عاقرا لا يولد له ولد، كان جوادا عاقلا، كان له ولد ولولد أخيه من الحدائق والجنان ما لم يكن لأحد من ولد قحطان، وكان فيهم امرأة كاهنة تسمى طريفة، فأقبلت يوما حتى وقفت على عمران بن عامر، وهو في نادى قومه [فقالت له كلاما ينبئ بخراب سد مأرب] . [ (1) ] عك: بطن اختلف في نسبه، فقال بعضهم: بنو عك بن عدثان بن عبد اللَّه بن الأزد، من كهلان، من القحطانية، وذهب آخرون إلى أنهم من العدنانية، وعك أصغر من معد بن عدنان أبو العدنانية. وقال آخرون: إنه عك بن الدّيث بن عدنان بن أدد، أخو معد بن عدنان كانت مواطنهم في نواحي زبيد، وقطنوا مدينة الكدراء وغيرها من مدن اليمن النتهامية، ومن أراضيهم: الأعلاب، تقع بين كة، والساحل، وينسب إلى هذا البطن مخلاف عك، ومن بلادهم: رمع باليمن. وكان من تاريخهم: أن أغارت خثعم ومسلية على بنى عك في راكة، فهزمتهم عك، وقد ارتدوا بعد وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأعلاب، فخرج إليهم بأمر أبى بكر الصديق، الطاهر بن أبى هالة، فواقعهم بالأعلاب، فقتلهم شر قتلة، وحاربوا سنة 37 هـ، مع معاوية بن أبى سفيان. ( معجم قبائل العرب) : 2/ 802. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 172 وسار حارثة بن ثعلبة بابني الأوس والخزرج إلى يثرب، فأدركه أبوه ثعلبة قريب مكة، فلما مروا بمكة وبها جرهم، قاتلهم جرهم، فمضوا إلى الجحفة، وسار ثعلبة إلى الشام فمات، وقام من بعده ابنه حارثة بن ثعلبة، فنزل الشام وبها سليخ من قبل الروم، فنزلوا معهم حتى أتاهم جابى قيصر ملك الروم لأخذ الإتاوة، فأنف حارثة وقومه من ذلك، وجرت لهم [مع الروم] خطوب، آخرها أن سار حارثة وولده الأوس والخزرج و [بنو] أبيه إلى يثرب، وأقام بنو ضعيف بن عمرو بن عامر وأخوهم بالشام مع سليخ. وكان بيثرب يومئذ اليهود، وملكهم شريف بن كعب، فكتب بينه وبين حارثة بن ثعلبة كتاب عهد، أقاموا زمانا في هدوء، ثم وقع الشر بينهم واقتتلوا فقتل من اليهود عددا كبير، وملكت العرب المدينة بما فيها، فاجتمع يهود تيماء، وخبير، وفدك، والعوالي على حربهم، فآل أمرهم إلى الصلح. ونزل الأوس والخزرج بيثرب، وعمروها بجموعهم، فمات الملك حارثة ثم ثعلبة العنقاء، وقام من بعده ابنه العجلاء بن حارثة، وثارت يهود والأوس والخزرج، فقتلوا، وسلبوا، ونهبوا، فبعثوا إلى جبلة بن عمرو بن جبلة، ملك غسان يستصرخه، فأقبل من الشام لنصرتهم على اليهود، وحاربهم فقتل ملكهم شريف بن كعب في جمع كبير منهم، حتى ذلوا له، ثم عاد إلى الشام، فمات في طريقه. وقام من بعده ابنه الحارث بن الجبلة، فسار إليه مالك بن العجلان ليهنئه بالملك، ففقد ليلا في بنى قريظة، وقد عرش بمنازلهم، فأوقع بهم العجلان، وقتل منهم بضعا وثمانون رجلا بحيل دبرها، وكان قد قام بأمر اليهود بعد ملكهم شريف بن كعب، ابنه القيطون بن شريف- واسمه جونى، والقيطون لقب- فجمع يهود الحجاز، وتيماء، وفدك، والعوالي، وزحف إلى يثرب، فكان بينه وبين الأوس والخزرج قتال شديد، قتل فيه كثير من الفريقين فبعث العجلان يستنصر بطيئ وهم بأطراف نجد، فأتوه، وهزموا اليهود، وقتل القيطون في عدد كبير من قومه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 173 وأقامت الأوس والخزرج بعد ذلك دهرا طويلا من الزمن بغير منازع حتى كثروا، وضاقت وبمن معهم من قبائل غسان أرض يثرب، فسارت قبائل غسان إلى الشام حتى لم يبق [بيثرب] إلا الأوس والخزرج، وبنو الحشحاش ابن جدع بن سنان. فلما رأت ذلك اليهود، جمعهم ملكهم لحرب العرب، واستصرخ بعملوق الطسمى، من أرض اليمامة، وبدليل بن شريك الجديسى، وبكامل بن علقمة الراسبي، فأتوه في جيوش عظيمة، وحصروا يثرب وقتلوا عدة من رجال الأوس والخزج، وسبوا النساء والذرية، فنزل بهم بلاء كبير من اليهود، وانقطع منهم الملك والتيجان من حينئذ، حتى جاء اللَّه بالإسلام. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 174 فصل في ذكر بطون الأوس والخزرج أما الأوس فإنّها ترجع إلى أوس بن حارثة، ولم يكن له ولد إلا مالك، وكان لأخيه الخزرج خمسة: عمرو، وعوف، وجشم، والحارث، وكعب، فقال للأوس قومه: أمرناك بالنزوح فلم تفعل، فقال: لم يهلك هالك ترك مثل مالك، وإن كان الخزرج ذا عدد وليس لمالك ولد، فلعل الّذي استخرج العرق من الجريمة، والنار من الوثيمة، أن يجعل لمالك نسلا ورجالا، بكلام في كلام بليغ. واعلم أن بطون الأوس والخزرج كثيرة، وأشهر بطون الأوس: عبد الأشهل بن [جشم] بن الحارث بن الخزرج بن عمرو النبيت بن مالك بن الأوس، وأمه صخرة ابنة ظفر بن الخزرج بن عمرو النبيت. وحارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس. وظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس. وخطمة، واسمه عبد اللَّه بن جشم بن مالك بن الأوس. وواقف، واسمه مالك بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس. والسلم ابن امرئ القيس بن مالك بن الأوس. ووائل بن زيد بن قيس بن عامر بن مرة بن مالك بن الأوس. وأمية بن زيد بن قيس بن عامر بن مرة بن مالك بن الأوس. وعمرو ابن عوف بن مالك بن الأوس. وفيهم بطون منها: أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف. وضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف وعبيد [بن] زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف. ويقال لآل حنش: أهل عوف. وحنش بن عوف ومعاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف وحنش بن عوف بن عمرو بن عوف، ويقال لأهل حنش: أهل المسجد وحجاج ابن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف. وثعلبة بن عمرو بن عوف ابن مالك بن الأوس. وبنو السميعة، وهم بنو لوذان بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وكان يقال لهم: الصماء، فسألهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أنتم؟ فقالوا: نحن بنو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 175 الصماء، فقال أنتم بنو السميعة، وهي من بلقين. وحبيب بن عمرو بن عوف ابن مالك بن الأوس. فهذه بطون الأوس، وكلها ترجع إلى مالك بن الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة، ويقال لهم: أوس اللَّه، وهم الجعاذره، وسموا بذلك لقصر فيهم، أو لأنهم [كانوا] إذا أجاروا جارا قالوا له: جعذر حيث شئت. ومن بطون الخزرج: النجار، واسمه تيم اللَّه [بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج] وقال الكلبي: اسمه العثر بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج وأمه الصدوف ابنة مالك من حمير، وسمى النجار لأنه ضرب وجه رجل فنجره، وقيل: بأنه اختتن بقدوم، وكان يقال له أيضا العثر. وفي النجار بطون منها: مالك بن النجار، وفيهم بطون منها غنم بن مالك بن النجار، وهو مغالة، وهم من بنى عمرو بن مالك بن النجار، ومغالة، أم عدي بن عمرو وبها يعرفون، ومبذول واسمه عامر بن مالك بن النجار، وعدي بن النجار، ومازن بن النجار، ودينار بن النجار. والحارث بن الخزرج، وفيهم بطون: هي جشم وزيد مناة ابنا الحارث بن الحارث بن الخزرج، وهم التوأمان، الأبخر بن عوف بن الحارث بن الخزرج، وجدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج، وكعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، وساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة. وفيهم بطون: هي طريف بن الخزرج بن ساعدة وثعلبة بن الخزرج ابن ساعدة، وعمرو بن الخزرج بن ساعدة، وسالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج بن حارثة. والقواقلة وهم: قوقل واسمه غانم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، كانوا من أعز أهل يثرب، وكانوا يقولون للغريب إذا دخل المدينة: قوقل حيث شئت، أي انزل حيث شئت، فأنت آمن، فسموا: القواقلة، [وليس] أحد يقول هذا غيرهم. [والحبلى] ، وهو سالم بن غنم بن الخزرج بن حارثة، وإنما سمى الحبلى لعظم بطنه، والنسبة إليه الحبلىّ بفتح الباء، وهو شاذ النسب، وكان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 176 القياس: حبلىّ بإسكان الباء، وحبلاوىّ. وسلمة بكسر اللام، بن سعد بن على ابن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج بن حارثة. وفي سلمة بطون، وهم: [بنو] حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة، وعبيد بن عدي بن غنم [بن] كعب بن سلمة، وسواد بن غنم بن كعب بن سلمة، وأدى بن سعد بن على بن أسد، أخو سلمة، وهم مع بنى سلمة، وزريق- بتقديم الزاى على الراء- ابن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب- بعين معجمة مفتوحة- ابن جشم بن الخزرج بن حارثة، وبياضة بن عامر، وزريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن حارثة، وحبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن حارثة، فهذه قبائل الأنصار وبطونها من الأوس والخزرج ابني حارثة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 177 فصل في ذكر ما أكرم اللَّه تعالى به الأوس والخزرج من لقاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومبادرتهم إلى إجابته ودخولهم في طاعته، وتصديقهم برسالته ومسارعتهم إلى مبايعته [وحرصهم] على إيوائه ونصرته، بعد ما عرض نفسه على قبائل العرب فردوه ولم يقبلوه. [اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان [ (1) ]] يقف بالموسم على [القبائل] [ (2) ] فيقول: يا بنى فلان، إني رسول اللَّه إليكم، يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وكان يمشى خلفه أبو لهب ويقول: لا تطيعوه. وأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كندة في منازلهم، فدعاهم إلى اللَّه فأبوا، وأتى كلبا في منازلهم، فلم يقبلوا منه، وأتى بنى حنيفة في منازلهم، فردوا عليه أقبح ردّ، وأتى عامر بن صعصعة، وكان لا يدع من العرب من [له [ (1) ]] اسم وشرف إلا دعاه، وعرض عليه ما عنده. خرج الترمذي من حديث إسرائيل، حدثنا عثمان [بن [ (2) ]] المغيرة عن سالم بن أبى الجعد، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعرض نفسه بالموقف فقال: [إلا [ (2) ]] رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشا قد منعونى أن أبلغ كلام ربى. قال أبو عيسى: هذا حديث [غريب [ (3) ]] صحيح [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] زيادة للسياق والبيان من (سنن الترمذي) . [ (3) ] في (الأصل) :: «حسن» . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 5/ 168- 169، كتاب فضائل القرآن، باب (24) ، حديث رقم (2925) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 178 وخرج أبو داود من حديث إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن سالم ابن أبى الجعد، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعونى أن أبلغ كلام [ (1) ] ربى. زاد ابن إسحاق في روايته قال: فأتاه رجل من همدان فقال: أنا، فقال: وهل في قومك منعة؟ وسأله: من أين هو؟ فقال: من همدان، ثم إن الهمدانيّ خشي أن يخفره قومه، أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: آتيهم فأخبرهم، ثم ألقاك من عام قابل؟ قال: نعم، فانطلق، وجاء وفد الأنصار في رجب. وخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] . [ولم يخرجاه [ (3) ]] . وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب من كل موسم، ويكلم كل شريف قوم، لا يسألهم مع ذلك أن لا يؤذوه ويمنعوه، يقول: لا أكره أحدا منكم على [شيء] ، من رضى منكم بالذي أدعو إليه [قبله] ، ومن كره لم أكرهه، إنما أريد أن تحرزوني مما يراد بى من القتل، حتى أبلغ رسالات ربى، وحتى يقضى اللَّه عز وجل لي و [لمن] صحبني بما شاء، فلم يقبله أحد منهم، ولم يأت أحد من تلك القبائل إلا قال: قوم الرجل أعلم به، أترون أن رجلا يصلحنا   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 5/ 103، كتاب السنة، باب (22) في القرآن، حديث رقم (4734) [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 669، كتاب تواريخ الأنبياء والمتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4220) . [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) ، (سيرة ابن هشام) : 2/ 270- 275، عرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نفسه على القبائل، (مسند أحمد) : 4/ 382، حديث رقم (14770) من مسند جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، (سنن ابن ماجة) : 1/ 73، المقدمة، باب (13) فيما أنكرته الجهمية، حديث رقم (201) . (سنن الدارميّ) : 2/ 440، باب القرآن كلام اللَّه، (المجموعة الصحيحة) : 4/ 591، حديث رقم (1947) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 179 وقد أفسد قومه ولفظوه؟ فكان ذلك مما ادّخر اللَّه عز وجل للأنصار وأكرمهم به، [من البركة [ (1) ]] . فلما توفى أبو طالب ارتد البلاء على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أشد ما كان، فعهد إلى ثقيف بالطائف، رجاء أن يؤووه، فوجد ثلاثة نفر، هم سادة ثقيف يومئذ، وهم إخوة: عبد ياليل بن عمرو، وحبيب بن عمرو، ومسعود بن عمرو، فعرض عليهم نفسه، وشكا إليهم البلاء، وما انتهك منه قومه، فقال أحدهم: أنا أسرق أستار الكعبة إن كان اللَّه قد بعثك بشيء! وقال الآخر: أعجز اللَّه أن يرسل غيرك؟ وقال الآخر: واللَّه لا أكلمك بعد مجلسك هذا أبدا، واللَّه لئن كنت رسول اللَّه، لأنت أعظم شرفا وحقا من أن أكلمك، ولئن كنت تكذب على اللَّه، لأنت أشر من أن أكلمك، وهزءوا به، وأفشوا في قومهم الّذي راجعوه به، وقعدوا له صفين على طريقه، فلما مر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين صفيهم، جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعها، إلا رضخوها بالحجارة، حتى دموا رجليه، فخلص منهم وهما يسيلان الدماء. فعمد إلى حائط من حوائطهم واستظل في ظل حبله [ (2) ] منه، [وهو] مكروب موجع، تسيل رجلاه دما، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما، لما يعلم من عداوتهما للَّه ورسوله، فلما رأياه أرسلا إليه غلاما [لهما] يدعى عدّاس- هو نصرانىّ من أهل نينوى معه عنب- فلما جاءه عداس، قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أي أرض أنت يا عداس؟ قال: أنا من أهل نينوى، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال له عدّاس: وما يدريك من يونس بن متى؟ قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وكان لا يحقر أحدا أن يبلغه رسالة ربه-: أنا رسول اللَّه، واللَّه عز وجل أخبرنى خبر يونس [بن] متى، فلما أخبره بما أوحى اللَّه إليه من شأن يونس بن متى، خرّ عداس ساجدا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء، فلما أبصر عتبة وشيبة ما صنع غلامهما، سكتا،   [ (1) ] (دلائل أبى نعيم) : 1/ 295 حديث رقم (221) . [ (2) ] الحبلة: شجرة العنب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 180 فلما أتاهما قالا: ما شأنك؟ سجدت لمحمد وقبلت قدميه؟ ولم نرك فعلته بأحد منا! قال: هذا رجل صالح، أخبرنى بشيء عرفته، من شأن رسول بعثه اللَّه إلينا، يدعى يونس بن متى، فضحكا به وقالا: لا يفتنك عن نصرانيتك، فإنه رجل خداع، فرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة [ (1) ] . وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر- يعنى الواقدي- قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن أبى الحويرث، عن محمد بن جبير ابن مطعم قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد موت أبى طالب إلى الطائف، ومعه زيد بن حارثة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وذلك في الثالث من شوال سنة عشر. قال الواقدي: فأقام بالطائف عشرة أيام- قال غيره: شهرا- لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه فكلمه فلم يجيبوه، وخافوا على أحداثهم فقالوا: يا محمد! اخرج من بلدنا وألحق بمحالك من الأرض، وأغروا به سفهاءهم، فجعلوا يرجمونه بالحجارة، حتى إن رجليه لتدميان، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتى لقد شج في رأسه شجاجا، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة وهو محزون. فلما نزل نخلة، قام يصلى من الليل، فصرف إليه نفر من الجن، سبعة من أهل نصيبين، فاستمعوا القرآن، وأقام بنخلة أياما، فقال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وهم أخرجوك؟ فأرسل رجلا من خزاعة إلى مطعم ابن عدي، أدخل في جوارك؟ قال: نعم. ويروى أنه أن ذهب إلى الأخنس بن شريق فقال: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالة ربى؟ فقال: إن الحليف لا يجير على الصريح، فقال الرسول: ائت سهيل بن عمرو، فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربى؟ فأتاه، فقال له ذلك، فقال: إن بنى عامر بن لؤيّ لا تجير على بنى كعب، فرجع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فأخبره فقال: ائت   [ (1) ] نينوى: بكسر أوله وسكون ثانيه، وفتح النون والواو، وهي قرية نبي اللَّه يونس عليه السّلام بالموصل. (معجم البلدان) : 5/ 391. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 181 المطعم ابن عدي فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربى؟ قال: نعم، فليدخل، فرجع إليه فأخبره. وأصبح المطعم بن عدي قد لبس سلاحه هو وبنوه، وبنو أخيه، ودخلوا المسجد، فلما رآه أبو جهل قال: أمجير أم تابع؟ قال: بل مجير، قال: أجرنا من أجرت، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فانتهى إلى الركن فاستلمه، وصلّى ركعتين، وانصرف إلى بيته، ومطعم وأولاده مطيفون به [ (1) ] . وخرج الترمذي من حديث حماد بن سلمة قال: حدثنا ثابت، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد أخفت في اللَّه، وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه، وما يؤذى أحد، ولقد أتت على ثلاثون من بين يوم وليلة، وما لي [ولبلال] طعام يأكله ذو كبد، إلا شيء يواريه إبط بلال [ (2) ] ، قال أبو عيسى: هذا حديث [حسن غريب] [ (3) ] . قال بعضهم: ومعناه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين خرج فارا من مكة ومعه بلال، إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطه [ (4) ] . وخرج البخاري [ (5) ] من حديث ابن شهاب قال: أخبرنى عمرو بن الزبير أن عائشة [رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها زوجة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم]   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 210- 212، ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 556، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب (34) ، حديث رقم (2472) . [ (3) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) ، وفي (الأصل) : «حديث صحيح» ، وقال: ومعنى هذا الحديث: حين خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فارا من مكة ومعه بلال إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطه. [ (4) ] (المرجع السابق) : تعقيبا على الحديث رقم (2472) . [ (5) ] (فتح الباري) : 6/ 384- 385، كتاب بدء الخلق، باب (7) إذا قال أحدكم: «آمين» والملائكة في السماء، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه، حديث رقم (3231) ، 13، 460، كتاب التوحيد باب (9) وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً حديث رقم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 182 حدثته أنها قالت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك [ما لقيت و] كان أشد منه يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل [بن] عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السّلام، فناداني فقال: إن اللَّه قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث اللَّه إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم ناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال: يا محمد إن اللَّه عز وجل قد سمع قومك، وأنا ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرنى بما شئت، إن شئت نطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أرجو أن يخرج اللَّه من أشرارهم [أو قال من أصلابهم] [ (1) ] من يعبد اللَّه لا يشرك به شيئا. قال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق، قال: حدثني الزهري قال: أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ناسا من كندة [في] مياه لهم، وفيهم سيد لهم يقال له: مليح، فدعاهم إلى اللَّه عز وجل، فعرض عليهم نفسه، فأبوا أن يقبلوا منه نفاسة، ثم أتى حيا من كلب، يقال لهم، بنو عبد اللَّه، فقال لهم: يا بنى عبد اللَّه! قد أحسن اللَّه اسم أبيكم، فلم يقبلوا ما عرض عليهم. قال أبو نعيم: وحمله عرض نفسه صلّى اللَّه عليه وسلّم على القبائل على تأكيد الحجة على منى لم يقبله، ولزوال اللائمة عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الإساءة بهم إذا أعلاه اللَّه [لكي] لا ينسب إليه- إذا لم يعدم العذر، ويلزمهم الحجة- الغلظة والإساءة بقومه. وقيل: بل عرض نفسه على القبائل رياضة من اللَّه له، وتنبيها على التوكل عليه في كل أموره، فيبقى له العلو والتمكين، من حيث لا يحتسب،   [ () ] (7389) ، وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب (39) ما لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم (1795) . [ (1) ] ما بين الحاصرتين ليس في البخاري. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 183 فقيض له الأنصار مع بعد نسبهم، فصاروا له وزراء وأنصارا، دون أقاربه وقومه وعشيرته، الذين هم أولى بنصرته. أول من لقيه من الأوس سويد بن الصامت قال يونس بن بكير [عن] ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن أشياخ من قومه قالوا: قدم سويد بن الصامت أخو بنى عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا، وكان سويد [إنما] يسميه قومه فيهم: الكامل، لسنه، وجلده، وشعره [وشرفه، ونسبه] ، قال: فتصدى له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، [حين سمع به] ودعاه إلى اللَّه عز وجل، وإلى الإسلام، فقال سويد: فلعل الّذي معك مثل الّذي معى، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وما الّذي معك؟ فقال: مجلة لقمان، يعنى حكمته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اعرضها عليّ، فعرضها عليه، فقال: إن هذا لكلام حسن، والّذي معى أفضل منه، قرآن أنزله اللَّه عزّ وجل عليّ، هو هدى ونور، فتلا عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم القرآن، ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعد منه، وقال: إن هذا لقول حسن، ثم انصرف [عنه] . فقدم المدينة على قومه، فلم يلبث أن قتلته الخزرج، وكان الّذي قتله المجذر بن [زياد] البلوى، حليف بنى عوف بن الخزرج، وكان رجال قومه يقولون: إنا لنرى أنه قتل وهو مسلم، وكان قتله قبل يوم بعاث [ (1) ] . وذكر ابن عبد البر: أن سويد بن الصامت هذا لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بسوق ذي المجاز من مكة، في حجة حجها سويد [على ما كانوا يحجون عليه في [الجاهلية] ، وذلك في أول مبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعائه إلى اللَّه   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 273- 275، عرضه صلّى اللَّه عليه وسلّم نفسه على سويد بن الصامت، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) ، ومجلة لقمان: صحيفة، ويوم بعاث: يوم من أيام العرب في الجاهلية وقعت فيه الحرب بين الأوس والخزرج، هلك فيها كثير من صناديدهم وأشرافهم، وبعاث: اسم أرض بها عرفت. هامش (المرجع السابق) ، (أيام العرب في الجاهلية) : 73 وما بعدها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 184 تعالى، فدعاه عليه السّلام إلى الإسلام، فلم يرد عليه سويد شيئا، ولم يظهر له قبول ما دعاه إليه وقال له: لا أبعد ما جئت به، ثم انصرف إلى قومه بالمدينة. قال أبو عمر: أنا شاك في إسلام سويد بن الصامت، كما شك فيه غيري [ (1) ] . ثم لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد لقاء سويد بن الصامت فتية من بنى عبد الأشهل قال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ، عن محمود بن لبيد، أخى بنى عبد الأشهل قال: لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة، ومعه فتية من بنى عبد الأشهل، فيهم إياس بن معاذ، [يلتمسون] [ (2) ] الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتاهم، فجلس إليهم، فقال لهم: هل لكم [في] [ (3) ] خير مما جئتم له؟ فقالوا [له] [ (4) ] : وما ذاك؟ قال: أنا رسول اللَّه، بعثني إلى العباد، أدعوهم إلى أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وأنزل عليّ الكتاب، ثم ذكر لهم الإسلام، [وتلى] عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذ- وكان غلاما حدثا-: [أي] [ (5) ] قوم! هذا واللَّه خير مما جئتم له، [قال] [ (6) ] فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع، حفنة من البطحاء، فضرب بها وجه إياس [   [ (1) ] (الاستيعاب) : 2/ 677- 678، ترجمة رقم (1116) . [ (2) ] في (الأصل) : «يلتمس» . [ (3) ] في (الأصل) : «إلى» . [ (4) ] زيادة للسياق. [ (5) ] في (الأصل) : «يا» . [ (6) ] زيادة للسياق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 185 ابن معاذ] [ (1) ] وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا [قال: فصمت إياس] [ (2) ] . وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، [وكانت] وقعة بعاث بين الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك. قال محمود ابن لبيد: فأخبرني من حضره [من] قومه [عند موته] أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل اللَّه تعالى، ويكبره، ويحمده، ويسبحه، حتى مات، وكانوا لا يشكون أن قد مات مسلما، [فقد] كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس، حين سمع من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما سمع [ (3) ] . وخرج البخاري وأحمد من حديث أبى أسامة قال: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: كان يوم بعاث يوما قدمه اللَّه لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، وقد افترق ملأهم، وقتلت سرواتهم [ (4) ] . وزاد أحمد: ورقوا للَّه ولرسوله في دخولهم في الإسلام [ (5) ] .   [ (1) ] زيادة للنسب. [ (2) ] زيادة للسياق، وفي (الأصل) : «فسكت» . [ (3) ] (سيرة ابن هاشم) : 2/ 275- 276، إسلام إياس بن معاذ وقصة أبى الحيسر. [ (4) ] (فتح الباري) : 7/ 138، كتاب مناقب الأنصار، باب (1) مناقب الأنصار، باب (46) مقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه المدينة، حديث رقم (3930) . [ (5) ] أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 90، حديث رقم (23799) ، من مسند السيدة عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. وسرواتهم: سادتهم وكبرائهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 186 وكان من خبر يوم بعاث [ (1) ] [اعلم] أن الأوس والخزرج لما استقروا بيثرب كما تقدم، وقع بينهم عدة حروب [في مدة] مائة وعشرين سنة، آخرها أن قريظة والنضير [حيان] من اليهود، جددوا مع الأوس العهود على المؤازرة والتناصر. وأدخلوا معهم قبائل أخر من اليهود، وجدّوا في أمرهم، فجمعت الخزرج، واستنفروا حلفاءهم من أشجع، وجهينة، فراسل الأوس أيضا حلفاءهم من مزينة، وأقام الفريقان مدة أربعين يوما يتجهزون للحرب، ثم التقوا ببعاث- وهي من أموال بنى قريظة- وعلى الأوس حضير الكتائب بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس [بن] زيد بن الأشهل بن جشم بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس [ (2) ] وعلى الخزرج رحيلة بن ثعلبة بن خالد بن عامر بن بياضة بن زريق ابن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن حارثة البياضيّ [ (3) ] ، وتخلف عبد اللَّه بن أبىّ ابن سلول فيمن تبعه عن الخزرج، وتخلف بنو حارثة ابن الحارث عن الأوس، [فاقتتلوا] قتالا شديدا صبروا فيه جميعا، ثم انهزمت الأوس، فثبت حضير الكتائب، ونزل عن فرسه، وضرب بحربته ظهر قدمه، وصرخ وا عقراه، وصاح: واللَّه لا أبرح حتى أقتل، فعطفوا عليه، وقاتلوا، فقتل عمرو بن النعمان رئيس الخزرج، فانهزم الخزرج،   [ (1) ] بعاث: بالضم، وآخره ثاء مثلثة: موضع في نواحي المدينة، كانت به وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية- وحكاه صاحب (كتاب العين) بالغين المعجمة، ولم يسمع في غيره، وقال أبو أحمد العسكري: هو تصحيف. [ (2) ] ترجمته في (جمهرة أنساب العرب) : 339، 346، (جمهرة النسب) : 634، 635. [ (3) ] ترجمته في (جمهرة أنساب العرب) : 357، (الإصابة) : 2/ 481، ترجمة رقم (2647) ، وقال الحافظ: رخيلة بالخاء المعجمة مصغرا، ابن ثعلبة بن خالد بن ثعلبة ابن عامر بن بياضة الأنصاري الزرقيّ. ذكره ابن إسحاق، وموسى بن عقبة فيمن شهد بدرا. قال ابن هشام: قاله ابن إسحاق بالجيم، والصواب بالخاء، كذا أطلق، وقيده الدار قطنى وغيره بالخاء المعجمة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 187 ووضع الأوس فيهم السلاح، ثم كفوا عنهم. وأما حضير الكتائب فمات من جراحته، وأحرق الأوس دور الخزرج ونخيلهم. وخرج الترمذي من حديث الفضل بن موسى، عن عيسى بن عبيد، عن غيلان بن عبد اللَّه، عن أبى زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن اللَّه أوحى إليّ أي هؤلاء الثلاثة نزلت، فهي دار هجرتك: المدينة، أو البحرين، أو قنسرين [ (1) ] قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الفضل بن موسى [ (2) ] . وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال، فلما اشتدوا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والمسلمين، أمرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [بالخروج] إلى المدينة، فخرجوا   [ (1) ] قنسرين: بكسر أوله وفتح ثانيه وتشديده- وقد كسره قوم- ثم سين مهملة. وسبب تسميتها بذلك أن ميسرة بن مسروق العبسيّ مرّ عليها فلما نظر إليها قال: ما هذه؟ فسميت له بالرومية، فقال: واللَّه لكأنها قين نسر، فسميت قنسرين، وقيل غير ذلك. وكان فتح قنسرين على يد أبى عبيدة بن الجراح رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في سنة (17) ، وكانت حمص وقنسرين شيئا واحدا، قال أحمد بن يحيى: سار أبو عبيدة بن الجراح بعد فراغه من اليرموك إلى حمص، فاستقر بها، ثم أتى قنسرين وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فقاتله أهل مدينة قنسرين، ثم لجئوا إلى حصنهم، وطلبوا الصلح، فصالحهم، وغلب المسلمون على أرضها وقراها. وكانت قنسرين مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص، بقرب العواصم، وبعضهم يدخل قنسرين في العواصم، وكانت عامرة آهلة إلى أن كانت سنة (351) وغلبت الروم على مدينة حلب فليس بها اليوم إلا خان ينزله القوافل وعشار السلطان، وفريضة صغيرة. وكان خراب قنسرين في سنة (355) قبل موت سيف الدولة بأشهر. كان قد خرج إليها ملك الروم، وعجز سيف الدولة عن لقائه فأمال عنه، فجاء إلى قنسرين وخربها، وأحرق مساجدها، ولم تعمر بعد ذلك، وحاضرة قنسرين بلدة باقية إلى الآن. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 678، كتاب المناقب، باب (68) في فضل المدينة، حديث رقم (3923) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 188 أرسالا أرسالا [ (1) ] فخرج منهم قبل خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة: أبو سلمة ابن عبد الأسد، وامرأته أم سلمة بنت أبى أمية، وعامر بن ربيعة، وامرأته أم عبد اللَّه بنت أبى حثمة- ويقال: أول ظعينة قدمت المدينة أم سلمة، ويقول بعض الناس: أم عبد اللَّه، واللَّه أعلم- ومصعب بن عمير، وعثمان بن مظعون، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وعبد اللَّه بن جحش، وعثمان بن الشريد، وعمار بن ياسر. فنزل أبو سلمة، وعبد اللَّه بن جحش في بنى عمرو بن عوف، ثم خرج عمر بن الخطاب، وعباس بن أبى ربيعة في أصحاب لهم، فنزلوا في بنى عمرو بن عوف، وعدا أبو سفيان بن حرب على دار بنى جحش، وهي دار إياب بن عثمان عند الروم فيملكها، إذ بقيت [خرابا] لا أحد بها، لأنهم هاجروا بنسائهم، وطلب أبو جهل بن هشام، والحارث بن هشام، والعاص بن هشام، عباس بن أبى ربيعة- وهو أخوهم لأمهم- فقدموا المدينة، فذكروا له حزن أمه وقالا له: إنها حلفت أنها لا يظلها سقف بيت، ولا يمس رأسها دهن حتى تراك، [ولولا] ذاك لم نطلبك، فنذكرك اللَّه في أمك- وكان بها رحيما، وكان يعلم من حبها إياه، ورأفتها به- فصدق قولهم، [ورق] لها، لما ذكروا [له] منها، وأبى أن يتبعهما، حتى عقد له الحارث بن هشام عقدا، فلما خرجا به أوثقاه، فلم يزل به، قال: حتى خرج من خرج قبل فتح مكة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو له بالخلاص. قال: وخرج عبد الرحمن بن عوف، على سعد بن الربيع، في بنى الحارث بن الخزرج، وخرج عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اللَّه، والزبير ابن العوام، وطائفة أخرى، فأما طلحة فخرج إلى الشام، ثم تتابع أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [كذلك] إلى المدينة أرسالا. ومكث من أصحابه بمكة، حتى بعد مقدمه المدينة، منهم: سعد بن أبى وقاص- وقيل: بل قدم قبل قدوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.   [ (1) ] أرسالا: على دفعات متفرقة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 189 وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني نافع عن عبد اللَّه ابن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: لما اجتمعنا للحرة، اتعدت أنا وعباس بن أبى ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وقلنا: الميعاد بيننا القاصب [ (1) ] من أضاة بنى غفار، فمن أصبح منكم لم يأتها فقد حبس، فليمض صاحباه، فأصبحت أنا وعباس بن أبى ربيعة، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن. وقدمنا المدينة، و [كنا] نقول: ما اللَّه يقبل من هؤلاء توبة، قوم عرفوا اللَّه وآمنوا به، وصدقوا رسوله، ثم رجعوا عن ذلك، لبلاء أصابهم من الدنيا، وكانوا يقولونه لأنفسهم، فأنزل اللَّه عز وجل فيهم: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ] [ (2) ] . قال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فكتبتها بيدي كتابا، ثم بعثت بها إلى هشام بن العاص، فقال هشام: فلما قدمت على، خرجت بها إلى ذي طوى، فجعلت أصعدها، وأصوب لأفهمها، فقلت: اللَّهمّ فهمنيها، فعرفت أنها أنزلت فينا، لما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا. فرجعت، فجلست على بعيري، فلحقت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقتل هشام شهيدا بأجنادين [ (3) ] ، في ولاية أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.   [ (1) ] كذا في الأصل، ولم أجد لها توجيها. [ (2) ] الزمر: 53. [ (3) ] هو هشام بن العاص السهمي، الرجل الصالح المجاهد، ابن أخت أبى جهل، وهي أم حرملة المخزومية، وقد مضى قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ابنا العاص مؤمنان. قال ابن سعد: كان هشام قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى الحبشة، ثم رد إلى مكة إذ بلغه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد هاجر ليلحق به فحبسه قومه بمكة. ثم قدم بعد الخندق مهاجرا وشهد ما بعدها. قال ابن عيينة: قالوا العمرو بن العاص: أنت خير أم أخوك هشام؟ قال: أخبركم عنى وعنه، عرضنا أنفسنا على اللَّه فكلنا نسأل اللَّه الشهادة يوم اليرموك، فلما أصبحنا حرمتها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 190 وقال عبد العزيز بن محمد، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر [قال ابن إسحاق: ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة ومن لحق به من أهله وقومه، وأخوه زيد بن الخطاب، وعمرو، وعبد اللَّه ابنا سراقة بن المعتمر، وخنيس بن حذافة السهمي وكان صهره على ابنته حفصة بنت عمر مخلف عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعده وسعيد بن زيد عمرو بن نفيل، وواقد ابن عبد اللَّه التميمي حليف لهم، وخولى بن أبى خولى، ومالك بن أبى خولى، حليفان لهم] [ (1) ] . وقال إسرائيل عن أبى إسحاق عن البراء، فذكر حديث الهجرة والقبلة، قال البراء: وكان أول من قدم علينا من المهاجرين، مصعب بن عمير، أخو بنى عبد الدار بن قصي، فقلنا له ما فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: هو مكانه، وأصحابه على إثري، ثم أتى بعده عمر، و [ابن] أم مكتوم الأعمى، أخو بنى فهر، فقلنا له: ما فعل من ورائك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه؟ قال: هم على الإثر، ثم أتى بعده عمار بن ياسر، وسعد بن أبى وقاص، وعبد اللَّه بن مسعود، وبلال، ثم أتانا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا، ثم أتانا بعدهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه معه. أخرجه مسلم.   [ () ] ورزقها. قتل يوم اليرموك أو أجنادين شهيدا، لما راى بعض النكوص من المسلمين، فألقى المغفر عن وجهه، وجعل يتقدم في نحر العدو، ويصيح: يا معشر المسلمين، إلى إليّ، أنا هشام بن العاص، أمن الجنة تفرون؟ حتى قتل. له ترجمة في (الإصابة) : 6/ 540- 541، ترجمة رقم (8971) ، (المستدرك) : 3/ 267- 268، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب هشام بن العاص بن وائل السهمي رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 137، (الاستيعاب) : 4/ 1539- 1540، ترجمة رقم (2683) ، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (148) ، 2821) ، (الجرح والتعديل) 9/ 63، (جهرة أنساب العرب) : 163، (طبقات ابن سعد) : 4/ 191- 194. [ (1) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (الأصل) ، واستدركناه من (سيرة ابن هشام) : 2/ 325، منازل المهاجرين بالمدينة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 191 وذكر محمد بن إسحاق أسماء من هاجر إلى المدينة، أتم من ذكر موسى بن عقبة، ثم قال: وكان آخر من قدم المدينة من الناس ممن لم يفتن في دينه أو يحبس، على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخره بمكة، وأمره أن ينام على فراشه، وأجله ثلاثا، وأمره أن يؤدى كل ذي حق حقه، ففعل، ثم لحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 192 فصل في ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة إذ مكر به المشركون، وهجرته إلى المدينة دار هجرته ونزوله على الأنصار رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم وتلاحق المهاجرين به [صلّى اللَّه عليه وسلّم] قال ابن قتيبة: الهجرة، من هجرت الرجل هجرانا وهجرا، إذا قطعته، وكان الرجل إذا أسلم هجر قومه، فيفر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسمى مسيره إليه هجرة. وقيل: هاجر، خرج من أرض، والمدينة [فعيلة تجمع [ (1) ] على مدائن بالهمز] ولذلك همزت في الجمع، لأنه لا أصل للياء في الحركة، وقيل: هي من دان، تدين دينا، إذا أطاع، والدين، الطاعة، والمدينة، موضع الطاعة. وقال أبو عبيد: دنته، ملكته، وقال ابن كيسان: مدينة، فعلة من مدنت، وتكون مفعله من دان يدين. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب [عن] الزهري: ومكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد الحج، بقية ذي الحجة، والمحرم، وصفر، ثم إن مشركي قريش أجمعوا أن يقتلوه، أو يخرجوه، حين ظنوا أنه خارج، وعلموا أن اللَّه قد جعل له مأوى ومنعة، ولأصحابه، وبلغهم إسلام من أسلم، ورأوا من يخرج إليهم من المهاجرين، فأجمعوا أن يقتلوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أو يثبتوه، فقال اللَّه عز وجل: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [ (2) ] . وبلغه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك اليوم الّذي آتى فيه أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنهم مبيتوه إذا أمسى على فراشه، فخرج وأبو بكر من جوف   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان من (لسان العرب) : 13/ 402. [ (2) ] الأنفال: 30. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 193 الليل قبل الغار- غار ثور- وهو الّذي ذكر اللَّه عز وجل في الكتاب، وعمد على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فرقد على فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وباتت قريش يختلفون ويأتمرون، أيهم يجثم على صاحب الفراش فيوثقه، فكان ذلك أمرهم حتى أصبحوا، فإذا هم بعلي بن أبى طالب، فسألوه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرهم أنه لا علم له به، فعلموا عند ذلك أنه قد خرج فارا منهم، فركبوا في كل وجه يطلبونه. وقال يونس بن بكير، إن ابن إسحاق قال: فلما أيقنت قريش أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم قد بويع، وأمر من كان بمكة من أصحابه أن يلحقوا بإخوانهم بالمدينة [تآمروا] فيما بينهم فقالوا: الآن فأجمعوا في أمر محمد، فو اللَّه لكأنه قد كر عليكم بالرجال، فأثبتوه، أو اقتلوه، أو أخرجوه، فاجتمعوا له في دار الندوة ليقتلوه، فزعم ابن دريد في (الوشاح) ، أنهم كانوا خمسة عشر رجلا. وذكر ابن دحية في كتاب (المولد) ، أنهم كانوا مائة رجل. قال ابن [إسحاق] : فلما دخلوا الدار، اعترضهم الشيطان في صورة رجل [جميل] في بت له، قال: أدخل؟ قالوا: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل نجد، سمع بالذي اجتمعتم له، وأراد أن يحضره معكم، فعسى أن لا يعدمكم رأى ونصح، فقالوا: أجل، فادخل، فلما دخل قال بعضهم لبعض: قد كان من الأمر ما قد علمتم، [أجمعوا] في هذا الرجل رأيا واحدا، وكان ممن اجتمع له في دار الندوة: شيبة، وعتبة ابنا ربيعة، وأبو جهل بن هشام، والنضر بن الحارث، فقال قائل منهم: أرى أن تحبسوه، وتربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء، زهير بن أبى سلمى، والنابغة، وغيرهما، فقال النجدي: واللَّه ما هذا لكم برأي، واللَّه لئن فعلتم لخرج رأيه وحديثه حيث حبستموه، إلى من وراءه من أصحابه، فأوشك أن ينتزعوه من أيديكم، ثم يغلبوكم على ما في أيديكم من أمركم. فقال قائل منهم: بل نخرجه فننفيه من بلادنا، فإذا غيب عنا وجهه وحديثه، فو اللَّه ما نبالى أين وقع من البلاد، ولئن كان أجمعنا بعد ذلك أمرنا، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 194 وأصلحنا ذات بيننا، قال [الشيخ] النجدي: لا، واللَّه ما هذا لكم برأي، أما رأيتم حلاوة منطقه، وحسن حديثه، وغلبته على ما يلقاه، دون من خالفه، واللَّه لكأنّي به إن فعلتم ذلك، قد دخل على قبيلة من قبائل العرب، فأصفقت معه على رأيه، ثم سار بهم إليكم، حتى بطأكم بهم، فلا واللَّه ما هذا لكم برأي. فقال أبو جهل بن هشام: واللَّه إن لي فيه لرأيا، ما أراكم وقعتم عليه، قالوا: وما هو؟ قال: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة من قريش غلاما، فتيا، جلدا، نسيبا، وسيطا، ثم تعطوهم شفارا صارمة، ثم يجتمعوا، فيضربوه ضربة رجل واحد، فإذا قتلتموه، تفرق دمه في القبائل، فلم تدر عبد مناف بعد ذلك ما تصنع، يقعوا على حرب قومهم، فإنما قصرهم عند ذلك أن يأخذوا العقل، [فتؤدونه] لهم، قال الشيخ النجدي: للَّه در الفتى، هذا هو الرأى، وإلا فلا شيء، فتفرقوا على ذلك واجتمعوا له، وأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر، وأمر أن لا ينام على فراشه تلك الليلة، فلم يبت حيث كان يبيت، وبيت عليا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في مضجعه. وقال ابن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبى نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: وحدثني الكلبي عن باذان، مولى أم هانئ، عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن نفرا من قريش، من أشراف كل قبيلة، اجتمعوا، فذكر معنى هذه القصة، إلى أن قال: فأتى جبريل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمره أن لا يبيت في مضجعه الّذي كان يبيت فيه، وأخبره بمكر القوم، فلم يبت في بيته تلك الليلة. وأذن اللَّه عز وجل عند ذلك بالخروج، وأنزل عليه بعد قدومه المدينة في [سورة] الأنفال يذكر نعمته عليه، وبلاءه عنده: صلّى اللَّه عليه وسلّم وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 195 الْماكِرِينَ [ (1) ] ، وأنزل في قولهم: تربصوا [به] حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [ (2) ] . وقال يونس عن ابن إسحاق: وأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينتظر أمر اللَّه، حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت، وأرادوا به [ما] أرادوه، أتاه جبريل عليه السّلام، فأمره أن لا يبيت في مكانه الّذي كان يبيت به، ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بن أبى طالب، فأمره أن يبيت على فراشه، ويتشح ببرد له أخضر، ففعل، ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على القوم وهم على بابه، وخرج [و] معه [حفنة] من تراب، فجعل ينثرها على رءوسهم، وأخذ اللَّه عز وجل بأبصارهم عن نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وهو] يقرأ: يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ* لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ* وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [ (3) ] وذكر الواقدي: أن الذين كانوا ينتظرونه: أبو جهل، والحكم بن أبى العاصي، وعقبة بن أبى معيط، والنضر بن الحارث، وأمية بن خلف، وابن القيطلة، وزمعة بن الأسود، والمطعم بن عدي، وأبو لهب، وأبى بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج. وذكر أن قريشا بعثت قائفين يقصان آثار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أحدهما كرز ابن علقمة بن هلال الخزاعي، فاتبعاه حتى انتهيا إلى غار ثور، فرأى كرز عليه نسج العنكبوت، فقال: هاهنا انقطع الأثر، فانصرفوا، وقال بعضهم: ادخلوا الغار، فقال أمية بن خلف: وما أريكم إلى الغار، وعليه من نسج العنكبوت ما عليه، واللَّه إني لأرى هذا النسج قبل أن يولد محمد، وبال حتى جرى بوله بين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبى بكر.   [ (1) ] الأنفال: 30. [ (2) ] الطور: 30. [ (3) ] يس: 1- 9. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 196 وقال محمد بن عبد الملك بن هشام، عن زياد بن عبد اللَّه البكائي، عن ابن إسحاق: واذن اللَّه لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك في الهجرة وكان أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه رجلا ذا مال، فكان حين استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الهجرة قال له: لا تعجل، لعل اللَّه يجعل لك صاحبا، فيطمع [أبو بكر] بأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما يعنى نفسه حين قال ذلك، [فابتاع] راحلتين، فحبسهما في داره يعلفهما إعدادا لذلك. فحدثني من لا أتهم، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أنها قالت: كان لا يخطئ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يأتى بيت أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أحد طرفي النهار، إما بكرة، وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الّذي أذن اللَّه فيه لرسوله في الهجرة والخروج من مكة، من بين ظهري قومه، أتانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالهاجرة، في ساعة كان لا يأتى فيها، قالت: فلما رآه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ما جاء رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] هذه الساعة إلا لأمر حدث، قالت: فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليس عند أبى بكر إلا أنا، وأختى أسماء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أخرج عنى من عندك، فقال يا رسول اللَّه: إنما هما ابنتاى، وما ذاك؟ فداك أبى وأمى، قال: إن اللَّه عز وجل أذن لي في الخروج والهجرة. قالت: فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول اللَّه، قال: الصحبة، قالت فو اللَّه ما شعرت قط قبل ذلك اليوم، أن أحدا يبكى من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكى يومئذ، ثم قال: يا نبي اللَّه، إن هاتين راحلتان، كنت أعددتهما لهذا. وفي (طبقات ابن سعد) : أن ثمنها ثمان مائة درهم، اشتراهما من نعم بنى قشير، فأخذ صلّى اللَّه عليه وسلّم القصواء بثمنها. قال ابن هشام: فاستأجرا عبد اللَّه بن أريقط- رجلا من بنى الديل من بكر، وكانت أمه امرأة من بنى سهم بن عمرو، وكان مشركا يدلهما على الطريق، ودفعا إليه راحلتيهما، وكانتا عنده يرعاهما لميعادهما. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 197 قال ابن إسحاق: ولم يعلم فيما بلغني بخروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحد حين خرج، إلا على بن أبى طالب، وأبو بكر الصديق، وآل أبى بكر، أما على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما بلغني أخبره بخروجه، وأمره أن يتخلف بمكة، حتى يؤدى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الودائع التي كانت عنده للناس، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده، لما يعلم من صدقه وأمانته، فلما أجمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخروج، أتى أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرجا من خوخة لأبى بكر في ظهر بيته، ثم إلى غار بثور- جبل بأسفل مكة- فدخلاه وأمر أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ابنه عبد اللَّه بن أبى بكر، أن يسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيها إذا أمسى، بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر عامر بن فهيرة مولاه، أن يرعى غنمة نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى في الغار، وكانت أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما تأتيهما من الطعام إذا أمست، بما يصلحهما. فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الغار ثلاثا، ومعه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائة ناقة لمن يرده عليهم، وكان عبد اللَّه بن أبى بكر يكون في قريش [نهاره] معهم، يسمع ما يأتمرون به، وما يقولون في شأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر، وكان عامر بن فهيرة مولى أبى بكر، يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فاحتلبا وذبحا، فإذا عبد اللَّه بن أبى بكر غدا من عندهما إلى مكة، اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم، حتى يعفى عليه. حتى إذا مضت الثلاث، وسكن عنهما الناس، أتاهما صاحبهما الّذي استأجراه ببعيريهما وبعير له، وأتتهما أسماء بنت أبى بكر بسفرتهما، ونسيت أن تجعل لها عصاما، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها [عصام] [ (1) ] ،   [ (1) ] العصام: الحبل يشد على فهم المزادة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 198 فتحل نطاقها، فتجعله عصاما [ (1) ] ، ثم علقتها به، وكان يقال لأسماء: ذات [النطاقين] لذلك. فلما قرب أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه الراحلتين إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قدم أفضلهما، ثم قال: اركب، فداك أبى وأمى، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني لا أركب بعيرا ليس لي، قال: فهي لك يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمى، قال لا، ولكن بالثمن الّذي ابتعتها به [ (1) ] ؟ قال: كذا وكذا، قال: قد أخذتها به، قال هي لك يا رسول اللَّه، فركبا وانطلقا، وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة مولاه خلفه، ليخدمهما في الطريق، وحمل أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه مع نفسه جميع ماله، وهو نحو ستة آلاف درهم. قال ابن إسحاق: ولما خرج بهما دليلهما عبد اللَّه بن أريقط، سلك بهما أسفل مكة، ثم مضى بهما على الساحل، أسفل من عسفان [ (2) ] . وذكر المبارك، حتى قال: ثم قدم بهما قبائل بنى عمرو بن عوف، لاثنتي عشر ليلة خلت من شهر ربيع الأول، يوم الاثنين حين اشتد الضحى، وكادت الشمس أن تعتدل. قال ابن هاشم: ويقال بل نزل على سعد بن خيثمة، ونزل أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على حبيب بن إساف. ويقال: بل كان منزله على خارجة بن زيد. وأقام على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى رد عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنزل معه على كلثوم بن هدم، فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقباء في بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس، وأسس مسجده، ثم أخرجه اللَّه بين أظهرهم، يوم الجمعة،   [ (1) ] إنما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك، لتكون هجرته إلى اللَّه بنفسه وماله، رغبة منه صلّى اللَّه عليه وسلّم في استكمال فضل الهجرة والجهاد على أتم أحوالها، وهو قول حسن، عن كثير من أهل العلم. [ (2) ] سمى عسفان لتعسف السيول فيه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 199 حتى أسس مسجده- كما تقدم- ونزل بدار أبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم تحول إلى مساكنه. قال محمد بن زبالة: ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفل بيت أبى أيوب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، [فكره] أبو أيوب أن [يكون] منزله فوق رأس رسول اللَّه، فلم يزل ساهرا حتى أصبح. فقال يا رسول اللَّه، إني أخشى أن أكون قد ظلمت نفسي، أنى فوق رأس رسول اللَّه، فينزل التراب من وطئ أقدامنا، وإنه أطيب لنفسي أن أكون تحتك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: السفل أرفق بنا وبمن يغشانا، فلم يزل أبو أيوب يتضرع إليه حتى انتقل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في العلو، فابتاع المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ذلك البيت من أبى أفلح، مولى أبى أيوب بألف دينار، فتصدق به، وقد بنى ولم يغير سقفه. وقال ابن إسحاق: وتلاحق المهاجرون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يبق منهم أحد إلا مفتون أو محبوس، قال: فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة، إذ قدمها شهر ربيع الأول، إلى صفر من السنة الداخلة، حتى بنى له فيها مسجده ومساكنه، فاستجمع له إسلام هذا الحي من الأنصار، فلم يبق دار من دور إلا أسلم أهلها، إلا من كان من خطمة، وواقف، ووائل، وأمية، وكذلك أوس اللَّه، وهم حي من الأوس، فإنّهم أقاموا على شركهم. وكتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود، وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم، وشرط لهم، وقد تقدم ذكره [ (1) ] . قال ابن إسحاق: وآخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، ثم ذكرهم. وقد خرج البخاري حديث الهجرة من طريق يحى بن بكير، قال: حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، فذكره في آخر كتاب الكفالة، وترجم عليه باب: جوار   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 17- 31. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 200 أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ] وذكره في كتاب الهجرة مطولا [ (2) ] . وفرقه في عدة مواضع من طرق أخر [ (3) ] . وخرجه مسلم من طرق [ (4) ] . وأخرج الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن ثابت عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، لعبت الحبشة بحرابها فرحا بذلك [ (5) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 599، كتاب الكفالة، باب (4) جوار أبى بكر في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعقده، حديث رقم (2297) [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 291، كتاب مناقب الأنصار، باب (45) هجرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (3905) . [ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 442، كتاب البيوع، باب (57) إذا اشترى متاعا أو دابة، فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض، حديث رقم (2138) ، 4/ 577 كتاب الإجارة، باب (3) استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام وعامل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يهود خيبر، حديث رقم (2263) ، 4/ 558، كتاب الإجارة باب (4) إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام، أو بعد شهر أو بعد سنة جاز وهي على شرطها الّذي اشترطاه إذا جاء الأجل، حديث رقم (2264) ، 7/ 291، كتاب مناقب الأنصار، باب (45) هجرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (3905) ، 7/ 494، كتاب المغازي، باب (29) غزوة الرجيع، ورعل وذكوان، وبئر معونة، وحديث عضل والقارة وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه. قال ابن إسحاق: حدثنا عاصم ابن عمر أنها بعد أحد، حديث رقم (4093) ، 10/ 336، كتاب اللباس باب (16) التقنع، حديث رقم (5807) ، 10/ 610، كتاب الأدب باب (64) هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرة وعشيا، حديث رقم (6079) . وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 283، حديث رقم (25098) ، من حديث السيدة عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 190- 191، كتاب الأشربة، باب (10) جواز شرب اللبن، حديث رقم (90) ، (91) ، (92) من طرق وسياقات مختلفة مختصرا. [ (5) ] (مسند أحمد) : 3/ 638، حديث رقم (12238) ، من مسند أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 201 وقال عبد الأعلى: عن عوف، عن ثمامة، عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مر بجوارى من الأنصار وهن يغنين يقلن: نحن جوار بنى النجار وحبذا محمد من جار فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّه يعلم أنى أحبكن [ (1) ] . وقال أبى خليفة، الفضل بن الحباب: سمعت ابن عائشة يقول: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل النساء والصبيان [الولائد] يقلن: طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا للَّه داع [أيها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع [ (2) ]] وخرج الحاكم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: شهدت يوم دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، فلم أر يوما أحسن أو أضوأ منه. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم [ (3) ] . [ولم يخرجاه] [ (4) ] . ومن حديث إسرائيل، عن ابن إسحاق، عن البراء، عن أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ومضى رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] حتى قدم المدينة، وخرج الناس حتى دخلنا في الطريق، وصاح النساء، والخدام، والغلمان، جاء محمد، جاء رسول اللَّه، اللَّه أكبر، جاء رسول اللَّه، فلما أصبح انطلق، فنزل حيث أمر. قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (5) ] . [ولم يخرجاه] [ (6) ] وله ولابن حبان، من حديث الحسين بن واقد، عن يزيد النحويّ، أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، كانوا من   [ (1) ] (تاريخ الخميس) : 1/ 341- 342 [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 14، كتاب (29) الهجرة، حديث رقم (4281) . [ (3) ] زيادة في السياق من (المستدرك) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4282) . [ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2482) . [ (6) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 202 أخبث الناس كيلا، فأنزل اللَّه تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ. [ (1) ] فأحسنوا الكيل بعد ذلك [ (2) ] . قال هذا حديث صحيح. وفي كتاب (شرف المصطفى) : لما بركت الناقة على باب أبى أيوب، خرج جوار من بنى النجار يضربن بالدفوف ويقلن: نحن جوار بنى النجار ... يا حبذا محمد من جار فقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] : أتحبينني؟ قلن: نعم يا رسول اللَّه، فقال: أنا واللَّه أحبكن، قالها صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثا. [ (3) ]   [ (1) ] المطففين: 1- 3. [ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 11/ 286، كتاب (24) البيوع، ذكر السبب الّذي من أجله أنزل اللَّه جل وعلا: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، حديث رقم (4919) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 2/ 38، كتاب البيوع، حديث رقم (2240) ، وقال في آخره: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، وله شاهد عن أبى هريرة مفسر وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، وأخرجه الواقدي في (أسباب النزول) : 298. [ (3) ] (تاريخ الخميس) : 1/ 341- 342. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 203 فصل في ذكر مواساة الأنصار المهاجرين بأموالهم لما قدموا عليهم المدينة قال تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ (1) ] قال أبو عبد اللَّه القرطبي: لا خلاف أن الذين تبوءوا الدار هم الأنصار الذين استوطنوا المدينة قبل المهاجرين. قال: والتبوؤ، التمكن والاستقرار، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، لا يحسدون المهاجرين على ما خصوا به [من] الفيء وغيره. وخرج البخاري ومسلم، من حديث يونس عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لما قدم المهاجرون من مكة [إلى] المدينة، قدموا وليس بأيديهم شيء، وكان الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام، ويكفونهم العمل والمؤنة، وكانت أم أنس [بن مالك وهي تدعى أم سليم، وكانت أم عبد اللَّه بن أبى طلحة، كان أخا لأنس] [ (2) ] لأمه، كانت أعطت [أم أنس] [ (2) ] رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم عذاقا لها، فأعطاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أم أيمن، مولاته، أم أسامة بن زيد، فلما فرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المدينة، رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم، قال: فرد اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أمى عذاقها، وأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أم أيمن مكانهم من حائطه. وفي رواية: من خالصة [ (3) ] زاد مسلم: قال ابن شهاب: وكان من   [ (1) ] الحشر: 9. [ (2) ] زيادة للسياق من (البخاري) . [ (3) ] رواه البخاري في الهبة، باب فضل المنيحة، ومسلم في الجهاد، باب (24) رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر والثمر حين استغنوا عنها بالفتوح، حديث رقم (1771) ، والعذاق: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 204 شأن أم أيمن- أم أسامة بن زيد- أنها كانت وصيفة لعبد المطلب، وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ما توفى أبوه، كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة، ثم توفيت بعد ما توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخمسة أشهر وفي رواية قال: «كان الرجل يجعل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم النخلات من أرضه حتى افتتح قريظة والنضير، فجعل بعد ذلك يرد عليهم، وأن أهلي أمرونى أن آتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسأله ما كان أهله أعطوه أو بعضه؟ وكان نبي اللَّه قد أعطاه أم أيمن فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعطانيهن، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي، وقالت واللَّه لا يعطيكهن وقد أعطانيهن، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أم أيمن، اتركيه، ولك كذا، وتقول: كلا، واللَّه الّذي لا إله إلا هو، فجعل يقول كذا حتى أعطاها عشرة أمثاله، أو قريبا من عشرة أمثاله.   [ () ] جمع عذق- بفتح العين، وهو النخلة بما عليها من الحمل، منائحهم: المنائح جمع منحية، وهو العطية، والأصل فيه الناقة أو الشاة تعيرها غيرك لينتفع بلبنها ثم يردها. (جامع الأصول) : 5/ 11- 13 ، حديث رقم (2989) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 205 فصل في ذكر من بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلم الأنصار وغيرهم القرآن ويفقههم في الدين اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث عدة من أصحابه يعلمون الناس القرآن، ويفقهونهم في الدين، وكان أول من بعثه لذلك مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، القرشي، العبديّ، أبو عبد اللَّه، أحد الجلة من الصحابة، الذين أسلموا قديما، وهاجر إلى الحبشة، ثم بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة قبل الهجرة، بعد العقبة الثانية. يقرئهم القرآن [ويفقههم في الدين] وكان يدعى: القارئ والمقرئ وهو أول من سمى المقرئ، ويقال: إنه أول من جمّع- أي صلاة الجمعة- بالمدينة قبل الهجرة، وشهد بدرا، واستشهد يوم أحد [ (1) ] . قال الواقدي: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، وبكر بن الهيثم، قالا: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا شعبة، عن أبى إسحاق عن البراء بن عازب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أول من قدم علينا من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المدينة، مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم [ (2) ] .   [ (1) ] له ترجمة في: (تاريخ خليفة) : 69، (حلية الأولياء) : 1/ 106- 108، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 96- 97، (الإصابة) : 6/ 123- 124، ترجمة رقم (808) . [ (2) ] أخرجه أبو عبد اللَّه الحاكم في (المستدرك) : 2/ 683، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، من كتاب الهجرة الأولى إلى الحبشة، حديث رقم (4254) ولفظه: «حدثنا أبو الطيب محمد بن محمد الشعيري، حدثنا محمد بن عصام، حدثنا حفص بن عبد اللَّه، حدثني إبراهيم ابن طهمان، عن شعبة بن الحجاج، عن أبى إسحاق، عن البراء بن عازب أنه قال: أول من قدم علينا المدينة من المهاجرين مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، فكانوا يقرءوننا، فقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد قرأت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وسورا من المفصّل، ثم قدم سعد بن مالك، وعمار ابن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين، ثم قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فما فرحنا بشيء فرحنا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، جعل النساء والصبيان يسعون يقولون: هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 206 قال الواقدي: وقد روى أن مصعبا سار من المدينة إلى مكة، هاجر إليها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه. وقال نصر بن على: حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبى عن ابن إسحاق قال: ثم انصرفوا، وبعث معهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مصعب بن عمير. قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمران، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إنما بعثه بعدهم، وإنما كتبوا إليه: أن الإسلام قد فشا فينا، فابعث إلينا رجلا من أصحابك، يقرئنا القرآن، ويفقهنا في الإسلام، ويقيمنا بسننه وشرائعه، ويؤمنا في صلاتنا، فبعث مصعب بن عمير، وكان منزل مصعب على أبى أمامة أسعد بن زرارة، وكان مصعب يسمى بالمدينة: المقرئ، وكان أبو أمامه يذهب به إلى دور الأنصار، يدعوهم إلى الإسلام، ويفقه من أسلم منهم. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: يزيد بن أبى حبيب قال: لما انصرف عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القوم، وبعث معهم مصعب بن عمير، فحدثني عاصم بن عمر، عن ابن قتادة، أن مصعب بن عمير، كان يصلى بهم،   [ () ] قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. وأما عبد اللَّه بن أم مكتوم فإنه مختلف في اسمه، فأهل المدينة يقولون: عبد اللَّه بن قيس بن زائدة الأصم بن رواحة القرشيّ العامرىّ. وأما أهل العراق فسموه عمرا وأمه أم مكتوم هي عاتكة بنت عبد اللَّه بن عنكثة بن عامر ابن مخزوم بن يقظة المخزومية. كانت من السابقين المهاجرين، وكان ضريرا مؤذنا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع بلال وسعد القرظ، وأبى محذورة مؤذن مكة. هاجر بعد وقعة بدر بيسير، وقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحترمه ويستخلفه على المدينة، فيصلي بيقايا الناس. عن أبى إسحاق، سمع البراء يقول: أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، فجعلا يقرئان الناس القرآن. قال عروة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع رجال من قريش فيهم عتبة بن ربيعة فجاء ابن أم مكتوم يسأل عن شيء، فأعرض عنه، فأنزلت: عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى [عبس: 12] . عن أنس: أن عبد اللَّه بن أم مكتوم يوم القادسية، كانت معه راية سوداء، عليه درع له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 207 وذلك أن الأوس كره بعضهم أن يؤمه بعض، وحدثني عبد اللَّه بن أبى بكر بن حزم، وعبد اللَّه بن المغيرة بن معيقب قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مصعب بن عمير. مع النفر الاثني عشر، الذين بايعوه في العقبة الأول إلى المدينة، [يفقه] أهلها، ويقرئهم القرآن. وذكر الخبر، ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، أن مصعب بن عمير، كان أول من جمع الجمعة بالمدينة للمسلمين، قبل أن يقدمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر غير الواقدي: أن الأنصار صلت قبل الهجرة سنتين إلى بيت المقدس وابن أم مكتوم كان ممن قدم المدينة معه مصعب بن عمير، قال الواقدي: قدمها بعد بدر بيسير [ (1) ] . ومعاذ بن جبل، بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاضيا الى الجند باليمن يعلم الناس القرآن. وشرائع الإسلام ويقضى بينهم، وقد تقدم التعريف به. وعمرو [بن] [حزم بن] زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم ابن مالك بن النجار، الأنصاريّ، الخزرجىّ، النجارىّ، ومنهم من ينسبه في مالك بن جشم بن الخزرج، ومنهم من ينسبه في ثعلبة بن زيد بن مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك [يكنى] أبا الضحاك، أول مشاهده الخندق، واستعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على نجران، وهو ابن سبع عشرة سنة، ليفقههم في الدين، ويعلمهم القرآن ويأخذ صدقاتهم، وذلك في سنة عشر، وكتب له كتابا، فيه الفرائض، والسنن والديات، ومات [بالمدينة] سنة إحدى وخمسين وقيل: غير ذلك [ (2) ] .   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] وقيل سنة (51) ، وقيل: سنة (54) ، وقيل: سنه (53) ، والصحيح أنه توفى بالمدينة بعد الخمسين، في خلافة عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن حبان، والدارميّ، وغير واحد، روى عنه ابنه محمد، وجماعة. له ترجمة في: (الإصابة) : 4/ 621، ترجمة رقم (5814) ، (الاستيعاب) : 3/ 1172- 1173، ترجمة رقم (1907) ، (الثقات) : 3/ 267، (أسماء الصحابة الرواة) : 217، ترجمة رقم (292) ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 208 عقوبة من سب أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [حدثنا] [ (1) ] محمد بن الحسن بن زبالة، عن أبيه، أنبانا عبد اللَّه بن موسى بن جعفر، عن على بن موسى، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن على بن الحسين، عن أبيه، عن الحسين بن على، عن أبيه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من سب نبيا فاقتلوه، ومن سب أصحابى فاضربوه [ (2) ] . ومن حديث أبى برزة: كنت يوما عند أبى بكر، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فغضب على رجل، حكى القاضي إسماعيل وغيره في هذا الحديث، أنه سب أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وفي رواية النسائي   [ () ] (تلقيح فهوم أهل الأثر) : 372، (الجرح والتعديل) : 6/ 24، (التاريخ الكبير) : 6/ 305، (تهذيب التهذيب) : 8/ 18- 19، ترجمة رقم (31) (الأعلام) : 5/ 76. [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق. [ (2) ] قال العلامة نور الدين على بن محمد بن سلطان المشهور بالملا على القاري: حديث: «سب أصحابى ذنب لا يغفر» ، قال ابن تيمية: هذا كذب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد قال اللَّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: 48] . قال: وقد يوجه معناه إن صحّ مبناه بأنه ذنب عظيم تعلق به حق الأصحاب، بل وحق سيد الأحباب صلّى اللَّه عليه وسلّم مع أن الغالب في الساب، أن يستحله ويرجو به الثواب، به يكفر ويستحق به العقاب، وللصادق أن يخبر عن بعض الذنوب بأنه سبحانه لا يغفره، حيث عظّم شأنه. وهو لا ينافي قوله تعالى: وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. وقد كتبت في المسألة رسالة مستقلة، ولا يبعد أن يكون المعنى: سب أصحابى ذنب لا يغفر، أي لا يسامح، لحديث: «من سب أصحابى فاضربوه، ومن سبني فاقتلوه» . (الأسرار المرفوعة) : 213- 214، حديث رقم (223) . وقال في هامشه: ذكره السيوطي في (الجامع الصغير) بلفظ: «من سب الأنبياء قتل، ومن سب أصحابى جلد» ، أخرجه الطبراني في (الأوسط) و (الصغير) عن العمرى، شيخ الطبراني، قال في (الميزان) : رماه النسائي بالكذبة وقال في (اللسان) : ومن مناكيره هذا الخبر، وساقه، ثم قال: رواته كلهم ثقات إلا العمرى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 209 قال: [أغلظ رجل لأبى بكر الصديق فقلت: أقتله] ؟ فانتهزنى، وقال: ليس هذا لأحد بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .   [ (1) ] (سنن النسائي) : 7/ 25، كتاب التحريم، باب (16) الحكم فيمن سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (4082) ، وسياقه مضطرب في (الأصل) ، وما بين الحاصرتين تصويب للسياق من (سنن النسائي) . وأخرج النسائي في باب (17) ذكر الاختلاف على الأعمش في هذا الحديث: الحديث رقم (4083) ، (4084) ، (4085) بسياقات مختلفة من طرق كلها عن أبى برزة. وعن أبى برزة أيضا أخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 530- 531، كتاب الحدود، باب (2) الحكم فيمن سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4363) . وقال الخطابي في (معالم السن) : أخبرنى الحسن بن يحى عن ابن المنذر قال: قال أحمد بن حنبل في معنى هذا الحديث: أي لم يكن لأبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن يقتل رجلا إلا بإحدى الثلاث التي قالها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس» ، وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقتل. قال: وفيه دليل على أن التعزير ليس بواجب، وللإمام أم يعزر فيما يستحق به التأديب، وله أن يعفو فلا يفعل ذلك. (معالم السنن) . وقال الإمام ابن تيمية في (الصارم المسلول) : من سبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسلم أو كافر فإنه يجب قتله، هذا مذهب عليه عامة أهل العلم. قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن حدّ من سبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القتل. وممن قاله: مالك، والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعيّ. قال: وحكى عن النعمان: لا يقتل، يعنى الّذي هم عليه من الشرك أعظم، وقد حكى أبو بكر الفارسي من أصحاب الشافعيّ إجماع المسلمين على أن حدّ من سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القتل، كما أن حدّ من سبّ غيره الجلد. وإن الإجماع الّذي حكاه هذا محمول على إجماع الصدر الأول من الصحابة والتابعين أو أنه أراد به إجماعهم على أن سابّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يجب قتله إذا كان مسلما، وكذلك قيد القاضي عياض، فقال: أجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابّه، وكذلك حكى عن غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 210   [ () ] وقال الإمام إسحاق بن راهويه- أحد الأئمة الأعلام- أجمع المسلمون على أن من سبّ اللَّه، أو سب رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، أو دفع شيئا مما أنزل اللَّه عزّ وجل، أو قتل نبيا من أنبياء اللَّه عزّ وجل: أنه كافر بذلك، وإن كان مقرا بكل ما أنزل اللَّه. قال الخطّابى: لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله. وقال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والمتنقص له كافر، والوعيد جاء عليه بعذاب اللَّه له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر. وتحرير القول فيه: أن السابّ إن كان مسلما فإنه يكفّر ويقتل بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد تقدم من حكى الإجماع على ذلك إسحاق بن راهويه وغيره، وإن كان ذميا فإنه يقتل أيضا في مذهب مالك وأهل المدينة، وسيأتي حكاية ألفاظهم، وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث. وقد نصّ أحمد على ذلك في مواضع متعددة. قال حنبل: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: كل من شتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو تنقصه مسلما كان أو كافرا فعليه القتل، وأرى أن يقتل ولا يستتاب. قال: وسمعت أبا عبد اللَّه يقول: كل من نقض العهد وأحدث في الإسلام حدثا مثل هذا رأيت عليه القتل، وليس على هذا أعطوا العهد والذمة. وكذلك قال أبو الصفراء: سالت أبا عبد اللَّه عن رجل من أهل الذمة شتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ماذا عليه؟ قال: إذا قامت البينة عليه يقتل من شتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، مسلما كان أو كافرا، رواهما الخلّال. وفي رواية عبد اللَّه وأبى طالب وقد سئل عن شتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: يقتل، قيل له: فيه أحاديث؟ قال: نعم، أحاديث منها: حديث الأعمى الّذي قتل المراة، قال: سمعتها تشتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وحديث حصين أن ابن عمر قال: من شتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتل. وكان عمر بن العزيز يقول: يقتل، وذلك أنه من شتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فهو مرتد عن الإسلام، ولا يشتم مسلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. زاد عبد اللَّه: سألت أبى عمن شتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يستتاب؟ قال: قد وجب عليه القتل، ولا يستتاب، لأن خالد بن الوليد قتل رجلا شتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يستتبه، رواهما أبو بكر في (الشافي) . وفي رواية أبى طالب: سئل أحمد عمن شتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: يقتل، قد نقض العهد وقال جرير: سالت أحمد عن رجل من أهل الذمة شتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: يقتل إذا شتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، رواهما الخلال، وقد نصّ على هذا في غير هذه الجوابات، فأقواله كلها نصّ في وجوب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 211 وفي صحيح مسلم، من طريق عبد اللَّه بن نمير، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا كفّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما [ (1) ] . وأخرجه البخاري [ (2) ] من حديث على بن المبارك، عن يحيى بن أبى كثير، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما. وقال عكرمة بن عمار، عن يحيى، بن عبد اللَّه بن يزيد: سمع أبا سلمة، سمع أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ذكره البخاري في كتاب الأدب. وخرج مسلم [ (3) ] من حديث إسماعيل بن جعفر، عن عبد اللَّه بن دينار، أنه سمع ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه. وخرجه البخاري [ (4) ] من حديث عبد الوارث، حدثنا حسين [المعلم] ، عن [عبد اللَّه بن بريدة] ، عن يحيى بن يعمر، أن أبا الأسود [الدؤلي] حدثه، عن أبى ذر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ () ] قتله، وفي أنه قد نقض العهد وليس عنه في هذا اختلاف. (الصارم المسلول على شاتم الرسول) : 3- 5. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 408- 409، كتاب الإيمان، باب (26) بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم: يا كافر، حديث رقم (111) . [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 630 كتاب الأدب باب (73) من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، حديث رقم (6103) ، (6104) . [ (3) ] مسلم بشرح النووي) : 2/ 408 كتاب الإيمان باب (26) بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم: يا كافر الحديث. الّذي يلي رقم (111) [بدون رقم] . [ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 669 كتاب المناقب باب (5) [بدون ترجمة] ، حديث رقم (3508) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 212 يقول: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، [ومن ادعى ما ليس له فيهم نسب فليتبوَّأ مقعده من النار] . وخرجه البخاري [ (1) ] أيضا من حديث عبد الوارث، عن الحسين، عن عبد اللَّه بن بريدة، قال: حدثني يحيى بن يعمر، أن أبا الأسود [الدؤلي] ، حدثه عن أبى ذر، أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا يرمى رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك. قال الشيخ أبو زكريا النووي: هذا الحديث مما عده بعض العلماء من المشكلات، من حيث أن ظاهره غير مراد، وذلك أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر المسلم بالمعاصي كالقتل، والزنا، وكذا قوله لأخيه: كافر من غير اعتقاد بطلان [دين] الإسلام، فإذا عرف ما ذكرناه [فقيل] في تأويل الحديث أوجه: أحدهما: أنه محمول على المستحل لذلك، وهذا يكفر، فعلى هذا معنى [باء] بها، أي بكلمة الكفر، وكذا، حار عليه، وهو بمعنى رجعت عليه، أي رجع عليه الكفر، فباء، وحار، ورجع بمعنى واحد. والوجه الثاني: معناه، رجعت عليه نقيصته لأخيه، ومعصية تكفيره. والوجه الثالث: أنه محمول على الخوارج المكفرين للمؤمنين، وهذا الوجه نقله القاضي عياض، عن الإمام مالك بن أنس، وهو ضعيف، لأن المذهب الصحيح المختار، الّذي قاله الأكثرون، والمحققون، أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع. والوجه الرابع: معناه أن ذلك يؤول به إلى الكفر، وذلك أن [المعاصي]- كما قالوا- بريد الكفر، ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها، المصير إلى [الكفر] ، ويؤيد هذا الوجه، ما جاء في رواية أبى عوانة الأسفراييني، في كتابه (المخرج على صحيح مسلم) : فإن كان   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 569، كتاب الأدب، باب (44) ما ينهى عن السباب واللعن، حديث رقم (6045) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 213 كما قال، وإلا فقد باء بالكفر، وفي رواية: إذا قال لأخيه: يا كافر، وجب الكفر على أحدهما. والوجه الخامس: معناه، فقد رجع عليه تكفيره، فليس الراجع عليه حقيقة الكفر، بل التكفير، لكونه جعل أخاه المؤمن كافرا، فكأنه كفر نفسه، إما لأنه كفر من هو مثله، وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر، يعتقد بطلان دين الإسلام واللَّه أعلم [ (1) ] . قال الشيخ الإمام أبو الفتح السبكى: كون الخوارج لا يكفرون، لست موافقا عليه، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، صح عنه في صحيح مسلم [ (2) ] ، من حديث على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: سيخرج في آخر الزمان قوم، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرءون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا عند اللَّه لمن قتلهم يوم القيامة. وقد رويت آثارا تدل على أنهم هم الذين قاتلهم عليّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهم الخوارج، وهم ومن كان مثلهم بهذه المنزلة، يجوز قتلهم بهذا الحديث، وإن ادعى الإسلام، ولا نترك ما عندنا إلا اعتقاده، ولا يلتفت إليه بنص هذا الحديث، فإن هذا نص في القتل، وأما مجرد سب أبى بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وغيرهما من الصحابة، فلم يجئ قط ما يقتضي قتل قاتله ولا كفره، والحديث الّذي يروى: من سب صحابيا فاجلدوه، إن صح فمعناه صحيح، لان واجبه التعزير، وهو يقتضي أنه لا يقتضي كفرا ولا قتلا، وحديث أبى برزة يدل على أن إغضاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 409، كتاب الإيمان، باب (26) بيان حال من قال لأخيه المسلم: يا كافر، شرح الحديث رقم (111) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 8/ 175، كتاب الزكاة، باب (48) التحريض على قتل الخوارج، حديث رقم (1066) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 214 يوجب القتل دون غيره من الناس. قال: وفي الصحيحين [ (1) ] عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولعن المؤمن كقتله. قال الشيخ تقى الدين ابن دقيق العيد [سؤال] . لا يمكن أن يزاد في أحكام الدنيا، لأن اللعن لا يوجب القصاص [في الدنيا] ولا في الآخرة، لأن الإثم يتفاوت. قال المازرنى: يشبهه في الإثم، لأن اللعن قطع الرحمة، والموت قطع التصرف. وقيل: لعنة، تقتضي قصد إخراجه من المسلمين، وقطع منافعه الأخروية عنه، وقيل: استواؤهما في التحريم، فاقتضى كلام ابن دقيق العيد، أن اللعنة تعريض بالدعاء، الّذي قد يقع في ساعة إجابة، إلى البعد من رحمة اللَّه تعالى، وهو أعظم من القتل الّذي هو تفويت الحياة. قال السبكى الشيخ محيي الدين: أخذ بظاهر المنقول من عدم التكفير، وذلك محمول على ما إذا لم يصدر منهم سبب يكفر، كما إذا لم يحصل إلا مجرد الخروج [والقتال] ، ونحوه، أما مع التكفير لمن تحقق إيمانه، فمن أين ذلك؟. فإن قلت: قد قال الأصوليون في أصول الدين- ومنهم سيف الدين المزي- جوابا عن قول المكفرين: كيف لا نكفر الشيعة والخوارج بتكفيرهم أعلام الصحابة، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم؟ وبتكذيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قطعه لهم بالجنة؟ وأجاب: أن ذلك إنما هو إذا كان المكفر يعلم بتزكية من كفره، قطعا على الإطلاق إلى مماته، وليس كذلك، وهذا الجواب يمنع ما قلتم، قلت: هذا الجواب، إنما ننظر فيه إلى أن المكفر لا يلزمه بذلك تكذيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم ينظر إلى ما قلناه من الحكم عليه بالكفر [بالحديث] الّذي ذكرناه، إن لم يكن في باطنه تكذيب، كما قاله إمام الحرمين وغيره في الحكم بالكفر على السجود للصنم والملقى للمصحف في القاذورات، وإن لم يكن في باطنه تكذيب.   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 570، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن السباب واللعن، حديث رقم (604) ، (مسلم بشرح النووي) : 2/ 478 كتاب الإيمان، باب (47) غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وإن من قتل نفسه بشيء عذب به، حديث رقم (110) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 215 فإن قلت: يلزم على هذا أن كل من قال لمسلم أنه كافر يحكم بكفره، قلت: إن كان ذلك المسلم مقطوعا بإيمانه، كالعشرة المشهود لهم بالجنة، فنعم، وكذا عبد اللَّه بن سلام [ونحوه] ، ممن ثبت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الشهادة لهم بالجنة، وكذا كل من بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر، وكذا أهل بدر، وأما إذا لم يكن ذلك المسلم مقطوعا بإيمانه، بل هو من عرض المسلمين، فلا قول فيه، ذلك، وإن كان إيمانه ثابتا من حيث الحكم الظاهر، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أشار إلى اعتبار الباطن بقوله: إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه، وبقوله: فقد باء بها أحدهما. بقي قسم آخر، وهو أن لا يكون من الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، المشهود لهم بالجنة، ولكن ممن [أجمعت] الأمة على جلالته وإمامته، كسعيد بن المسيب، والحسن، وابن سيرين، وأقرانهم من التابعين، ومن بعدهم من علماء المسلمين، المجمع عليهم، فهذا عندي أيضا ملتحق بمن ورد النص فيه، فيكفّر من كفّره. وحاصله أنّا نكفّر من يكفّر من نحن نقطع بإيمانه، إما بنص أو إجماع، فإن قلت: هذا طريق لم يذكره أحد من المتكلمين، ولا من الفقهاء، قلت الشريعة كالبحر، كل وقت يعطى جواهر، وإذا صح دليل، لم يضره خفاؤه على كثير من الناس في مدة طويله، على أننا قد ذكرنا من كلام مالك- رحمه اللَّه- ما يشهد له، فإن قلت: الكفر هو جحد الربوبية [أو الوحدانية] ، أو الرسالة، وهذا رجل موحد- يعنى الرافضيّ- مؤمن برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكثير من صحابته، فكيف يكفّر. قلت: التكفير، حكم شرعي، سببه جحد الربوبية، أو الوحدانية، أو الرسالة، أو قول، أو فعل حكم الشارع بأنه كفر وإن لم يكن جحدا، وهذا منه، فهذا دليل لم يرد في هذه المسألة [أحسن] منه، لسلامته عن اعتراض صحيح قادح فيه، وينضاف إليه قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم [فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى] : من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب، ولكن لا يقال بظاهره، بل هو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 216 كقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (1) ] ، على أنه يمكن التزامه، وأن المراد إذا لم يترك [الربا] ، ولا أقر به، كفر. ولا شك أن أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ولى اللَّه، [فإن] مبارزته مبارزة للَّه تعالى ومحاربته محاربة للَّه تعالى، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحديث الصحيح: «ولعن المؤمن كقتله» وأبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه مؤمن، وفي الحديث الأول كفاية، وهو في (صحيح مسلم) [ (2) ] . الدليل الثاني: استحلاله لذلك، ومن استحل ما حرمه اللَّه تعالى، فقد كفر، ولا شك أن لعنه الصديق، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وسبه محرم. قال ابن حزم: واللعن، أشد من السب، وقد صح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سباب المسلم فسوق، فسب أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فسق، واستحلال الفسق كفر، فإن قلت: إنما يكون استحلال الحرام كفر، إذا كان تحريمه معلوما من الدين بالضرورة، بالنقل المتواتر، من حسن إسلامه، وأفعاله أدلة على إيمانه، وأنه دام على ذلك، إلى أن قبضه اللَّه تعالى، هذا مما لا يشك فيه معلوم من الدين بالضرورة، فيكون مستحله كافرا. ولا يرد على هذا إلا شيء واحد، وهو أن يكفر مستحل ما علم تحريمه بالضرورة، فذلك كفرت الجهميّ والرافضيّ، لم يكن ذلك العلم الضروريّ بالتحريم، حاصلا عنده، فلم يلزم منه تكذيبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا ينفصل من هذا إلا بأن يقال: إن تواتر ذلك عند عموم الخلق يكفى فلا يعذر الرافضيّ بالشبهة الفاسدة، التي غطت على قلبه، حتى لم يعلم ذلك، وهذا محل نظر وجدل، وان كان القلب يميل إلى بطلان هذا العذر [وهذا هو الدليل الثالث] [ (3) ] .   [ (1) ] البقرة: 279. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 480، كتاب الإيمان، باب (47) غلط تحريم قتل إنسان نفسه وإن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار الحديث الّذي يلي رقم (176) بدون رقم. [ (3) ] زيادة للبيان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 217 [الدليل] الرابع: مذهب أبى حنيفة- رحمه اللَّه- أن من أنكر خلافة الصديق، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فهو كافر، وكذلك من أنكر خلافة عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ومنهم من لم يحك في ذلك خلافا، ومنهم من ذكر في ذلك خلافا، وقال: الصحيح أنه كافر، [والمسألة] مذكورة في (الغاية) للسروجى، وفي (الفتاوى الطهيرية) ، وفي (الأصل) لمحمد بن الحسن، رحمه اللَّه، والظاهر أنهم أخذوا ذلك عن إمامهم أبى حنيفة، وهو أعلم بالروافض، لأنه كوفى، والكوفة منبع الروافض، والروافض طوائف منهم من يجب تكفيره ومنهم من لا يجب تكفيره فإذا قال أبو حنيفة [رحمه اللَّه] بتكفير من ينكر إمامة الصديق فتكفير لا عنه أولى. والظاهر أن المستند، أن منكر امامة الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه مخالف للإجماع، بناه على أن جاحد [الحكم] المجمع عليه كافر، وهو المشهور عند الأصوليين، وإمامة الصديق مجمع عليها، من حين بايعه عمر ابن الخطاب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ولا يمنع من ذلك تأخر بيعة بعض الصحابة، فإن الذين تأخرت بيعتهم، لم يكونوا مخالفين في صحة إمامته، ولهذا كانوا يأخذون [عطاءه] ويتحاكمون إليه، فالبيعة شيء، والإجماع شيء، لا يلزم من أحدهما الآخر، ولا من عدم أحدهما عدم الآخر، فافهم ذلك، فإنه قد يغلط فيه. وهذا قد يعترض عليه شيء من شيئين: أحدهما: قول: بعض الأصوليين: أن جاحد الحكم المجمع عليه، إنما يكفر إذا كان معلوما من الدين بالضرورة، وأما المجمع عليه الّذي ليس معلوما من الدين بالضرورة، فلا يكفر بإنكاره، مثل كون بنت الابن لها السدس مثل البنت، مجمع عليه، وليس معلوما بالضرورة، فلا يكفر منكره، ويجاب على هذا [بأن] خلافة الصديق، وبيعة الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم له، ثبتت بالتواتر المنتهى إلى حد الضرورة، فصارت كالمجمع عليه: المعلوم بالضرورة، وهذا لا شك فيه، ولم يكن أحد من الروافض في أيام الصديق، ولا في أيام عمر، ولا في أيام عثمان، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وإنما حدثوا بعده، وحدثت مقالتهم بعد حدوثهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 218 الشيء الثاني: أن خلافة الصديق، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وإن علمت بالضرورة، فالخلافة من الوقائع الحادثة، ليست حكما شرعيا، والّذي يكفر جاحده إذا كان معلوما بالضرورة، إنما هو الحكم الشرعي، لأنه من الدين، كالصلاة، والزكاة، والحج، لأنه لا يلزم من جحده، تكذيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهذا محل يجب التمهل [فيه] والنظر، نعم، وجوب الطاعة وما أشبهه حكم شرعي يتعلق بالخلافة. قال: فإن قلت: قد جزم- يعنى القاضي حسين- في كتاب (الشهادات) بفسق سابّ الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، ولم يحك فيه خلافا، وكذلك ابن الصباغ في (الشامل) ، وغيره. وحكوه عن الشافعيّ، رحمه اللَّه، فيكون ذلك ترجيحا لعدم الكفر، قلت: لا، وهما مسألتان المسألة المذكورة في (الشهادات) في السب المجرد دون التكفير وهو موجب لفسق، ولا فرق في الحكم بالفسق بين ساب أبى بكر، [وغيره من] أعلام الصحابة، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. والمسألة المذكورة في كلام القاضي حسين، في كتاب (الصلاة) - في الابتداء في ساب الشيخين [ (1) ] ، أو الحسنين [ (2) ] ، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وهي محل الوجهين في الكفر، أو الفسق، ولا مانع من أن يكون سب مطلق [الصحابة] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم موجبا للفسق، وسب بهذا الصحابي مختلف في كونه موجبا للفسق أو الكفر. وأما المسألة الثالثة. وهي تكفير أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ونظرائه من الصحابة، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فهذه لم يتكلم فيها أصحابنا في كتاب (الشهادات) ولا في كتاب (الصلاة) ، وهي مسألتنا، والّذي أراه، أنه موجب للكفر قطعا، عملا بمقتضى الحديث المذكور.   [ (1) ] الشيخان: في السيرة: أبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وفي الحديث: البخاري ومسلم، وفي الشعر الحديث: أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم. [ (2) ] الحسنان: الحسن والحسين سبطي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 219 قال: فتلخص أن سب أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، على مذهب أبى حنيفة، وأحمد [رحمهما اللَّه] ، وأحد الوجهين عند الشافعيّ، كفر، أما مالك، فالمشهور أنه أوجب به الجلد فيقتضى أنه ليس كفر ولم أر عنه خلاف ذلك إلا ما قدمته في الخوارج فيخرج عنه أنه كفر فتكون [المسألة] عنده على حالين: إن اقتصر على سبّ من غير تكفير، يكفروا، إن كفر فالرافضي قد زاد إلى تكفير فهو كافر عند مالك وأبى حنيفة، وأحد وجهي الشافعيّ، وزنديق عند أحمد، بتعرضه إلى عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه المتضمن تخطئة المهاجرين والأنصار، وكفره كفر ردة، لأن حكمه قبل ذلك حكم المسلمين والمرتد يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل وهذا استتيب، فلم يتب، يعنى في رافضي قتل في زمانه. قال: فكان قتله على مذهب جمهور العلماء، أو جمعيهم، لأن القائل بأن الساب لا يكفر، لم يتحقق منه أنه يطرده فيمن يكفر أعلام الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فأحد الوجهين عندنا، إنما اقتصر على الفسق، في مجرد السب دون التكفير، وكذلك الإمام أحمد، إنما عن قتل من لم يصدر منه إلى السب والّذي صدر من هذا أعظم من السب. ومن جملة المنقول: قول الطحاوي- أحد أئمة الحنفية- في (عقيدته) [ (1) ] في الصحابة: وبعضهم كفّر، وهذا يحتمل أن يحمل على مجموع الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، ويحتمل أن يحمل على كل واحد منهم إذا أبغضه [لا] لأمر خاص به، لا بل مجرد صحبته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا شك أن ذلك كفر، لأنه لا يبغضه لصحبته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا وهو يبغض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبغض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كفر. ويحتمل أن يحمل على ما إذا أبغض صحابيا، لا لأمر من الأمور، والقول بأن هذا وحده كفر يحتاج إلى دليل، وأما إذا أبغضه لشحناء بينهما دنيوية، ونحوها، فلا يظهر كفره، والرافضيّ ومن أشبهه، بغضهم لأبى بكر، وعمر، وعثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، لا شك أنه ليس لأجل   [ (1) ] العقيدة الطحاوية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 220 الصحبة، لأنهم يحبون عليا، والحسن، والحسين، رضى اللَّه تبارك وتعالى تعالى عنهم، ويحبون [غيرهم] ولكنه لهوى في أنفسهم، واعتقادهم بجهلهم، ظلمهم لأهل بيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فالظاهر أنهم إذا اقتصروا على السب من غير تكفير، ولا جحد لمجمع عليه، لا يكفرون. واعلم أن من كان كفره للطعن في الدين، فإن توبته مقبولة، لقوله تعالى: وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [ (1) ] دليل لقبول توبتهم، وهذا الرافضيّ، لم ينته، ولم يتب، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. فصل في التنبيه على شرف مقام أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم هم الحواريون، الذين وعوا سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأدوها ناصحين محتسبين، حتى كمل بما نقلوه الدين، وثبتت لهم حجة اللَّه على المسلمين، وهم خير القرون، وخير أمة أخرجت للناس، ثبتت عدالة جميعهم بثناء اللَّه وثناء رسوله، ولا أعدل ممن ارتضاه اللَّه لصحبة نبيه ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منه، ونحن وإن بلغنا من الفضل ما عسانا نبلغه، فإن فهم مقامهم على مقدارهم، مستحيل أن يصل منا أحد إليه، لبلوغنا الغاية في الانحطاط عن مرتبتهم. لكنا إنما نفهم مقامهم على قدرنا، وذلك أن أكثر ما نبحث عنه من العلوم، وندأب فيه، فإنه حاصل عند الصحابة بأصل الخلقة، لا يحتاجون فيه إلى تكلف طلب، ولا مشقة درس، كاللغة، والنحو، والصرف، وعلم المعاني والبيان، وأصول الفقه، وأصول الدين، وكذلك ما فطروا عليه من العقول الرصينة، ما من اللَّه تعالى به عليهم، من إفاضة نور النبوة العاصم   [ (1) ] التوبة: 12. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 221 من الخطأ في الفكر، يغنيهم عن علم المنطق، والجدل وسائر العلوم العقلية، وبما [ألف] سبحانه بين قلوبهم، حين صاروا بنعمته إخوانا، على سرر متقابلين، أغناهم عن الاستعداد للمناظرة، والمجادلة. فلم يكونوا يحتاجون في علومهم إلى ما يسمعونه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما أوحى إليه ربه من كتابه العزيز، وسنته التي هي الحكمة، فإذا سمعوا ذلك فهموه أحسن فهم، وحملوه على أجمل حمل، ونزلوه منزلته. وأما وصاياه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج مسلم [ (1) ] من حديث سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان ابن بريدة، عن أبيه، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذا أمر أميرا، على جيش، أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى اللَّه، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا بسم اللَّه، قاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال، أو خلال- فأيتهن ما أجابوا فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجرى عليهم حكم اللَّه الّذي يجرى على المؤمنين، ولا يكون لهم في القسمة والغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبو فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم [وإن هم] أبوا فاستعن باللَّه [وقاتلهم] ، وإذا حاصرت   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 281- 283، كتاب الجهاد والسير، باب (2) تأمير الأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، حديث رقم (3) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 492، حديث رقم (22521) ، من حديث بريدة الأسلمي رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 222 أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة اللَّه وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة اللَّه ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم، أهون من أن [تخفروا] ذمة اللَّه وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن، [فأرادوك] أن تنزلهم على حكم اللَّه، فلا تنزلهم على حكم اللَّه، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم اللَّه [أم لا] . فصل في ذكر [أمراء] سرايا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [السرية [ (1) ] ، ما بين خمسة [أنفس] ، إلى ثمانية، وقيل: هي من الخيل نحو أربعمائة] ، وعدة سرايا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. التي بعثها لجهاد أعداء اللَّه، ثمان وخمسون سرية، استعمل عليها سبعة وثلاثين رجلا وكان يعتذر عن تخلفه عنها، ويوصى [أمراءه] بتقوى اللَّه، ويعلمهم [ما] يحتاجون إلى فعله في غزوهم، وينكر ما لا يصلح من فعل [الأمراء] . فأما اعتذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن التخلف فخرج البخاري [ (2) ] من حديث الزهري، قال: أخبرنى سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: والّذي نفسي بيده، لولا أن رجالا من المؤمنين، لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عنى، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغدو في سبيل اللَّه، والّذي نفسي بيده، لوددت أنى أقتل في سبيل اللَّه، ثم أحيا، [ثم أقتل] ثم أحيا، ثم أقتل، ترجم عليه باب: تمنى الشهادة.   [ (1) ] السرية قطعة من الجيش ما بين خمسة أنفس إلى ثلاثمائة أو هي من الخيل نحو أربعمائة وجمعها سرايا- (المعجم الوسيط) : 1/ 429. قال إبراهيم الحربي: هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها، قالوا: سميت سرية لأنها تسرى في الليل ويخفى ذهابها- وهي فعيلة بمعنى فاعلة- يقال سرى وأسرى إذا ذهب ليلا (مسلم بشرح النووي) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 190، كتاب الجهاد والسير باب (7) تمنى الشهادة حديث رقم (2797) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 223 وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبى زرعه عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكرراه من طرق، وخرجه النسائي أيضا. [ (2) ] وذلك كله من غير مجاهدة نفس، ولا تكلف الهواجر، [ومقاساة] شدة الظمأ، ولا قيام ليل طويل، ولا استغراق الأوقات في الذكر، بل بإفاضة نور النبوة عليه، قد استحال في أقل من طرفة عين هذه الاستحالة الشريفة وارتقى إلى أعلى مقام تتقاصر أعمال العاملين من بعده بأسرهم عن بلوغه. وأنت إن كنت ممن سلك طريق اللَّه، فإنك تعلم إن إجابة من إجابات الحق [توازى] عمل الثقلين، هذا في حق الأتباع الذين سلكوا منهاج الصحابة وأما الصحبة، فأين الثريا من يد المتناول هيهات أن يحصى الرمل، أو يحصر القطر، فالزم الأدب مع الحق، وقف مع حذاك من العبوديّة، [وأد إلى كل] إلى كل ذي حق حقه، ولا تكونن من المعقدين فتردى أسفل سافلين، وتعجز عن الوصول إلى منازل العارفين واللَّه يهدى من يشاء بمنه. وهم مع هذه الفضائل الجمة، قد برأهم اللَّه تعالى ونزههم عن أن يمارى أحد فيما يسمع من الكتاب والسنة أو يجادل فيه، ولم يكن بينهم على ذلك بدعة ولا ضلالة، وإذا صلى أحد منهم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلوات المفروضة، أو حج واعتمر، أو جاهد في سبيل اللَّه من صد عن سبيله وكفر، أو أدى زكاة ماله، أو [حض] من يؤديها، أو شاهد قضاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في شيء، أغناه ذلك عن التكلف والدءوب في طلب علم الفقه، ومعاناة المشفقة في حفظه ودراسته. ولم يكونوا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم مع هذا محتاجين إلى تجربة، ولا سلوك، ولا رياضة، ولا دخول خلوة، ولا سياحة، بل كانوا لمجرد رؤية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدهم، أو دعايته إياه إلى الإسلام، يحصل له   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 27 كتاب الإمارة باب فضل الجهاد حديث رقم (106) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 6/ 339، كتاب الجهاد، باب (30) تمنى القتل في سبيل اللَّه، حديث رقم (3152) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 224 أجل مقامات العارفين، وأعلى منازل المقربين، و [أعلى] درجات الصديقين، من غير صيام نهار، ولا قيام ليل، ولا مجاهدة نفس، ولا تهذيب أخلاق، بل يستحيل في تلك اللحظة [صديقا] مقربا، ووليا للَّه عارفا، وحبرا من أحبار الأمة عالما قد غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وواقفه فيما بقي من عمره وحفظه. واعتبر بحال أمير المؤمنين، أبى حفص، عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، كيف كان أشد الناس في عداوة اللَّه [عز وجل] ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى لقد هم بقتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما هو إلا أن وقف على دار الأرقم، وطرق الباب، فقام إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتلقاه، وعانقه، وضرب صدره ثلاث مرات، وهو يقول: اللَّهمّ أخرج ما في صدره من غل، وأبدله إيمانا، فللحال انصبغ عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، واستحال بعد الشرك باللَّه، وعبادة الأصنام، والأوثان، والطواغيت، وبذل الجهد في إطفاء نور اللَّه، ما سلك فجا، إلا سلك الشيطان فجا غيره، ولو كان بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نبي لكان عمر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 225 فصل في ذكر من استخلفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المدينة في غيبته عنها في غزو، أو حج، أو عمرة اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزا خمسا وعشرين غزاة، وخرج للعمرة مرتين، وحج مرة واحدة بعد الهجرة، واستخلف على المدينة في ذلك اثنى عشر رجلا. وكان عند قدومه المدينة، قد وادع يهودها، وكتب بينه وبينهم كتابا، واشترط عليهم ألا يمالئوا عليه عدوه، وأن ينصروه على من دهمه، وأن لا يقاتل عنهم كما يقاتل عن أهل الذمة. فلم يحارب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدا ولم يهجه، ولم يبعث سرية، حتى أنزل اللَّه تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ* وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ. فكان أول لقاء عقده لواء حمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال سفيان عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: أول آية أنزلت في القتال أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ وقال عبد اللَّه بن المبارك، عن يونس، عن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن عروة أن أول آيه أنزلت في الجهاد: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 226 وأول غزوة غزاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزاة الأبواء، وهي غزاة ودان، في صفر على أثنى عشر شهرا من هجرته، يريد عير قريش، فلم يلق كيدا. فأما الذين استخلفهم على المدينة في غيبته عنها فهم: سعد بن عبادة الخزرجي، خلفه في غزوة ودان، خمس عشرة ليلة، وسعد بن معاذ، خلفه في غزوة بواط. وزيد بن حارثة، [خلفه] في غزوة سفوان، وفي غزوة المريسيع. وأبو سلمة بن عبد الأسد. خلفه في غزاة بنى قينقاع، وفي غزاة السويق، وعاصم بن عدي [خلفه] على قباء، وأهل العالية، في غزوة بدر، وقد رده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الروحاء، لشيء بلغه عن أهل مسجد الضرار، وكان قد استخلفه على قباء والعالية، فرده لينظر في ذلك، وضرب له بسهمه مع أهل بدر. وابن أم مكتوم، خلفه في غزاة قرقرة الكدر، ثم في غزاة بنى سليم، ثم في غزاة أحد، ثم في غزاة حمراء الأسد، ثم في غزاة بنى لحيان، ثم في غزاة بنى النضير، ثم في غزاة الخندق ثم في غزاة بنى قريظة، ثم في غزاة بنى لحيان، ثم في غزاة ذي قرد، ثم في عمرة الحديبيّة. وقيل: بل كان على المدينة في عمرة الحديبيّة أبو رهم، وكان ابن مكتوم على المدينة في غزاة تبوك، وقيل بل كان على المدينة في غزاة تبوك محمد بن مسلمة، وقيل: أبو رهم، وقيل: سباع بن عرفطة، وكان ابن أم مكتوم على المدينة في حجة الوداع. وعثمان بن عفان صلّى اللَّه عليه وسلّم وابن رواحة [خلفه] في غزاة بدر الموعد. وسباع بن عرفطة الكناني، [خلفه] في غزاة دومة الجندل، وفي غزاة خيبر، وقيل: بل كان على المدينة في غزاة خيبر نميلة بن عبد اللَّه الكناني، وكان سباع على المدينة في غزاة وادي القرى. وأبو ذر الغفاريّ [خلفه] في عمرة القضية، وقيل: بل خلف فيها أبو رهم الغفاريّ. وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [خلفه] على أهل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزاة تبوك واللَّه تبارك وتعالى أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 227 فصل في ذكر من استعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جيوشه عند عودته صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقام في جهات جيوشه، وعلى عسكره، لما كان يخرج إلى الغزو جماعة من أصحابه، فاستعمل على المشاة لما خرج إلى بدر، قيس بن أبى صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمر بن غنم بن مازن بن النجار الأنصاريّ، أحد من شهد بيعة العقبة على المشاة، وأمره حين فصل من بيوت السقيا، أن يعد المسلمين، فوقف لهم [مع] أبى عتبة، فعدهم، ثم أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعله على الساقة يومئذ وقدم يوم أحد طليعتين، هما مالك والنعمان، ابنا خلف بن عوف [بن] دارم بن عمر بن وائلة بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة ابن عمرو مزيقياء، ودفنا في قبر واحد. قال الكلبي: وجعل في غزاة أحد على الرماة- وهم خمسون رجلا- عبد اللَّه بن جبير بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس، واسمه البرك بن ثعلبة ابن عمرو بن عوف الأنصاري، أحد من شهد العقبة، وهو أخو خوات بن جبير، وتقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الرماة فقال: احموا لنا ظهورنا، فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا، والزموا مكانكم، لا تبرحوا منه، وإن رأيتمونا نهزمهم، حتى تدخل عسكرهم، فلا تفارقوا مكانكم وإن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا [ولا تدفعوا عنا] ، اللَّهمّ إني أشهدك عليهم، وأرشقوا خيلهم بالنبل، فإن الخيل لا تقوم على النبل. فلما التحمت الحرب، وكانت الدولة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المشركين، قال بعض الرماة لبعض [لما تقيمون] هاهنا في غير شيء، قد هزم اللَّه العدو، وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم، فادخلوا عسكر المشركين، فاغنموا مع [إخوانكم] فقال بعض الرماة لبعض ألم تعلموا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لكم: احموا ظهورنا، ولا تبرحوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن غنمنا فلا تشركونا، احموا ظهورنا؟ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 228 فقال الآخرون: لم يرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هذا، وقد أذل اللَّه المشركين وهزمهم فادخلوا العسكر، وانتهبوا مع إخوانكم، فخطبهم عبد اللَّه بن [حمير] ، فحمد اللَّه، وأثنى عليه، وأمر بطاعته، وطاعة رسوله، فعصوا، وانطلقوا حتى لم يبق معه إلا دون العشرة، ومضوا إلى عسكر المشركين ينتهبون، فبين المسلمون قد شغلوا بالنهب، وضع الرماة [ ... ] دخل المشركون عليهم وهم غارون [آمنون] ، فوضعوا فيهم السيوف، فقتلوا فيهم قتلا ذريعا، وتفرق المسلمون في كل وجه. وكر خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبى جهل إلى موضع الرماة، فحملوا على من بقي منهم، فرموهم حتى أصيبوا، ورمى عبد اللَّه بن جبير، حتى فنيت نبله، ثم طاعن بالرمح حتى انكسر، ثم كسر جفن سيفه، فقاتلهم حتى قتل شهيدا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. ولما سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بنى النضير، ورجع بعد أن صلّى العشاء إلى بيته في عشرة من أصحابه، استعمل عليّ بن أبى طالب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم لما رجع من الغداة أمر بنخل بنى النضير، فقطعت، وحرقت، واستعمل على قطعها أبا ليلى، عبد الرحمن بن كعب بن عمرو الأنصاري المازني، أخا عبد اللَّه بن كعب المازني، وعبد اللَّه بن سلام بن الحارث، أبا يوسف الإسرائيلي، حليف الأنصار، فكان أبو ليلى يقطع العجوة، وكان عبد اللَّه بن سلام يقطع اللون، فقيل لهما في ذلك، فقال أبو ليلى: كانت العجوة أحرق لهم، وقال عبد اللَّه بن سلام: قد عرفت أن اللَّه سيغنمه أموالهم، وكانت العجوة خير أموالهم، [فنزل] في ذلك رضاء بما [صنعنا جميعا] قول اللَّه عز وجل: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ، ألوان النخل الّذي فعل بن سلام، أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها، يعنى العجوة، [فبإذن اللَّه] ، وقطع أبو ليلى العجوة، وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ يعنى بنى النضير، [رضا] من اللَّه تعالى، بما صنع الفريقان جميعا ولما نزل بنو قريظة على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بأسراهم، فكتفوا رباطا، وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة الأنصاري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، [ونحوا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 229 ناحية] وأخرجوا النساء والذرية من الحصون، فكانوا ناحية، واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سعد بن زيد الأنصاري الأشهلي، على سبايا بنى قريظة، وبعثه بهم إلى نجد، فاتباع له بها خيلا وسلاحا. قال ابن إسحاق، واستعمل سعدا هذا في غزوة الغابة أميرا على الخيل، وكانوا ثمانية، وقدم عباد بن بشير أمامه طليعة في خيل قوتها عشرون فرسا، لما خرج يريد العمرة، فصده المشركون عن البيت بالحديبية، ثم قدمه في فوارس طليعة، لما خرج إلى غزاة خيبر، فأخذ عينا لليهود من أشجع، فقال: من أنت؟ قال: باغ أبغى أبعرة ضلت لي، أنا على إثرها، قال له ألك علم بخيبر؟ قال: عهدي بها حديث، فأنتم تسألون عنه، قال: عن يهود؟ قال: نعم كان كنانة بن أبى الحقيق، وهودة بن قيس ساروا في حلفائهم من غطفان، فاستنفروهم، وجعلوا لهم تمر خيبر سنة، فجاءوا معدين بالكراع، والسلاح، يقودهم عينية بن بدر، ودخلوا معهم في حصونهم، وفيها عشرة آلاف مقاتل، وهم أهل حصون لا ترام، وسلاح وطعام كثير، لو أحصروا سنين لكفاهم، فرفع عباد [بن] بشر السوط، فضربه ضربات وقال: ما أنت إلا عين لهم، أصدقني وإلا ضربت عنقك، فقال الأعرابي: فتؤمنى على أن أصدقك، فقال عباد: نعم، قال الأعرابي: القوم مرعوبون منك، خائفون وجلون، لما قد صنعتم بمن كان [قبلكهم] بيثرب من يهود، [إن يهود] بعثوا ابن عم لي وجدوه بالمدينة، قد قدم بسلعه له يبيعها، فبعثوه إلى كنانة بن أبى الحقيق، يخبرونه بقتالهم وقال، خيلكم وسلاحكم فأصدقوهم الضرب، ينصرفوا عنكم، فإنه لم يلق [قوما] يحسنون القتال، وقريش والعرب قد سروا بمسيره إليكم، لما يعلمون من كثرة عددكم وسلاحكم، وجودة حصونكم، وقد بايعت قريش وغيرهم، ممن يهوى هوى محمد، تقول قريش: إن جاءهم يظهر، ويقول الآخرون: يظهر محمد فإن ظفر محمد فهو ذل الدهر. قال الأعرابي: وأنا أسمع كل هذا، فقالت لي كنانة: اذهب معترضا للطريق فإنّهم لا يستنكرون مكانك، فاحذرهم لنا، وادن منهم كالسائل لهم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 230 ما يقوى به، ثم ألق [إليهم] كثرة عددنا، وموادنا، فهم [لن يدعوا سؤالك] ، وعجل الرجعة إلينا بخبرهم، فأتى به عباد بن بشر، إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره الخبر، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: أضرب عنقه، فقال عباد: جعلت له الأمان، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمسكه معك يا عباد فأوثقه رباطا، فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر، عرض عليه الإسلام وقال: إني داعيك ثلاثا، فإن لم تسلم وإلا ضرب عنقك، فأسلم، وندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمد بن مسلمة ليرتاد له منزلا، وذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لما نزل على خيبر، بات وأصبح بمنزله، فجاء الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال: يا رسول اللَّه: - إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان عن أمر أمرت به، فلا نتكلم فيه، وإن كان الرأى تكلمنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل هو الرأى: فقال: يا رسول اللَّه، دنوت من الحصون، ونزلت بين ظهري النخل، إن أهل النطاق لي ولهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى، ولا أعدل، وهم مرسون علينا، وهو أسرع لانحطاط نبلهم، مع أنى لا آمن بياتهم، يدخلون في خمر النخل، فتحول يا رسول اللَّه إلى موضع يرى من البر، ومن الوباء، نجعل الحرة بيننا وبينهم، حتى لا ينالنا نبلهم، ونأمن من نبالهم، ومرتفع من البر. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أشرت بالرأي، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نقاتلهم هذا اليوم، ودعي محمد بن مسلمة فقال: انظر لنا منزلا بعيدا من حصونهم يرى من البر لا ننال من نبالهم، فطاف محمد [بن مسلمة] حتى انتهى إلى الرجيع، ثم رجع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلا فقال وجدت لك منزلا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: على بركة اللَّه، وقاتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومه ذلك إلى الليل، فقال الحباب: لو تحولت يا رسول اللَّه، فقال: إذا أمسينا إن شاء اللَّه تحولنا فلما أمسى تحول، وأمر الناس فتحولوا إلى الرجيع. واستخلف عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، على العسكر بخيبر، وذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تحول إلى الرجيع، خاف على أصحابه البيات، فضرب عسكره هناك، وبات فيه، فأقام سبعة أيام، يغدو كل يوم بالمسلمين، ويترك العسكر بالرجيع، ويستخلف عليه عثمان، ويقاتل أهل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 231 النطاة يومه إلى الليل، فإن أمسى رجع إلى الرجيع، وكل من خرج من المسلمين يحمل على العسكر. واستعمل عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على الحرس، وذلك أنه كان يناوب بين أصحابه في حراسة الليل، مدة مقامه بالرجيع، فلما كانت الليلة السادسة من السبع استعمل عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فطاف عمر بأصحابه حول العسكر، وفرقهم، فأتى برجل من اليهود في جوف الليل، فأمر به عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن يضرب عنقه، فقال: اذهب بى إلى نبيكم حتى أكلمه، فأمسك عنه، وأتى به إلى باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [فوجده] يصلى، فسمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلام عمر، فسلم، وأدخله عليه، فدخل اليهودي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لليهودي: ما وراءك؟ ومن أين أنت؟ فقال تؤمني يا أبا القاسم وأنا أصدقك، قال: نعم، فقال: خرجت من حصن النطاة، من عند قوم ليس لهم نظام [تركتهم] يتسللون من الحصن في هذه الليلة، قال: فأين يذهبون؟ قال: أذل مما كانوا فيه إلى الشق، وقد رغبوا منك، حتى إن أفئدتهم لتخفق، وهنا حصن فيه السلاح، والطعام، والودك، وفيه آلة حصونهم التي كانوا يقاتل بها بعضهم بعضا، قد غيبوا ذلك في بيت من حصنهم تحت الأرض. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما هو؟ قال: منجنيق مفككة، وسلاح ودروع، وبيض، وسيوف، فإذا دخلت الحصن غدا، وأنت تدخله، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن شاء اللَّه، قال اليهودي: إن شاء اللَّه، أوقعك عليه، فإنه لا يعرفه أحد من اليهود غيري، وأخرى، قال: ما هي؟ قال: تستخرجه ثم انصب المنجنيق على حصن الشق، ويدخل الرجال تحت [الدبابتين] فيحفروا الحصن، فتفتحه من يومك، وكذلك تفعل بحصون الكتيبة. فقال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] : إني أحسبه قد صدق، قال اليهودي: يا أبا القاسم: احقن دمي، قال: أنت آمن، قال: ولي زوجة في حصن النزار فهبها لي، قال: هي لك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما لليهود حولوا ذراريهم من النطاة؟ قال: جردوها للمقاتلة، وتحول الذراري إلى الشق والكتيبة، ثم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 232 دعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الإسلام، فقال: أنظرني أياما، فلما أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزا بالمسلمين إلى النطاة ففتح اللَّه الحصن، فاستخرج ما كان قال اليهودي فيه، فأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمنجنيق أن يصلح وينصب على الشق وعلى حصن النزار، فما رموا عليها بحجر، حتى فتح اللَّه عليهم حصن النزار. واستعمل [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] على غنائم خيبر، فروة بن عمرو بن ودقة ابن عبيد بن غانم بن بياضه، البياضي، الأنصاري، أحد من شهد العقبة، وحصن الشق، وحصن الكتيبة، فلم يترك على أحد من أهل الكتيبة إلا ثوبا على ظهره، من الرجال، والنساء، والصبيان، وجمعوا أثاثا كبيرا، وبزا، [وقطائف] ، وسلاحا وغنما، وبقرا، وطعاما، وأدما كثيرا، فلم يخمس الطعام، والأدم، والعلف، بل أخذ الناس منه [حاجاتهم، وكل] من احتاج [إلى سلاح] يقاتل به، أخذوه من فروة بن عمرو، صاحب المغنم، حتى فتح اللَّه عليهم فردوا ذلك في المغنم، فلما اجتمع ذلك كله، أمر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجزئ [خمسة] أجزاء، منهم سهم اللَّه، وأمر ببيع أربعة أخماس فيمن يزيد، فجعل فروة بن عمرو يبيعها فيمن يزيد، فدعا فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اللَّهمّ ألق عليه النفاق، قال فروة بن عمرو: فلقد رأيت الناس يتداركون على، ويتواثبون، حتى نفق في يومين، ولقد كنت أرى أنا لا نتخلص منه حينا لكثرته. واستعمل [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] على إحصاء الناس بخيبر، زيد بن ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بينهم الّذي غنموه من المتاع الّذي بيع، ثم أحصاهم ألفا و [أربعمائة] ، والخيل مائتي فرس، فكانت السهمان على ثمانية عشر سهما، للرجال [أربعمائة] ، وللخيل [أربعمائة] . واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزاة الفتح، الزبير بن العوام رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، على مائتين من المسلمين، وقدمه أمامه، وجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم من العرج، أتته الطليعة بعين من هوازن، فقالوا: يا رسول اللَّه رأيناه حين طلعنا عليه، وهو على راحله قد تغيب عنها في هذه، ثم جاء فأوفى على [سهل] فقعد عليه، فركضنا إليه، فأراد أن يهرب منا، وإذا بعيره قد عقله، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 233 فأدركناه، فقلنا: ممن أنت؟ قال: رجل من غفار، فقلنا: هم أهل [هذا] البلد، فأى بنى غفار أنت؟ فلم يذكر لنا نسبا، فازددنا به ريبة، وأسأنا به الظن هنالك؟ فلم يقل شيئا، فلما رأينا ما خلط، فقلنا: لتصدقنا، أو لنضربن عنقك قال: فإن صدقتكم ينفعني ذلك [عندكم] قلنا: نعم فإنّي رجل من هوازن، من بنى النضير، بعثتني هوازن عينا، وقالوا: ائت المدينة حتى تلقى محمدا، فتستخبر لنا ما يريد في أمر حلفائه، أيبعث إلى قريش بعثا، أو يغزوهم بنفسه، ولا نراه إلا سيغزوهم، فإن خرج سائرا، أو بعث بعثا، فسر معه، حتى ينتهى إلى بطن سرف، فإن كان يريدنا أولا، فاسلك في بطن سرف حتى يخرج إلينا، وإن كان يريد شيئا، [فسيلزم] الطريق. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأين هوازن؟ قال: تركتهم [شيعا] ، وقد جمعوا الجموع، وأجلبوا في العرب، وبعثوا إلى ثقيف، فأجابتهم، فتركت ثقيفا على ساق، قد جمعوا الجموع، وبعثوا إلى جرش في عمل الرايات والمنجنيق، وهم سائرون إلى جمع هوازن، فيكونون جميعا. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وإلى من جعلوا أمرهم؟ قال: إلى مالك بن عوف، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وكل هوازن قد أجاب إلى ما دعي إليه مالك؟ قال: وقد أبطأ من بنى عامر أهل الجد والجلد، قال: من؟ قال: كعب وكلاب، قال ما فعلت هلال؟ قال: ما أقل من ضوى إليه منهم، ومررت بقومك أمس بمكة، وقد قدم عليهم أبو سفيان بن حرب فرأيتهم ساخطين لما جاء به، وهم خائفون وجلون. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حسبنا اللَّه ونعم الوكيل، ما أراه إلا صدقنى، قال الرجل: فلينفعنى ذلك، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالد بن الوليد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن يحبسه، وخافوا أن يتقدم ويحذر الناس، فلما نزل العسكر مر الظهران، أفلت الرجل، فطلبه خالد بن الوليد، فأخذه عند الأراك، وقال لولا عهد لك لضربت عنقك، وأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأمر به يحبس حتى يدخل مكة، فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة وفتحها، أتى به إليه، فدعاه إلى الإسلام، فأسلم، ثم خرج معه، فقتل [بأوطاس] فلما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 234 في غزاة الفتح قديدا، لقيته سليم في تسعمائة أو في ألف فارس، فجعل معهم خالد بن الوليد في المقدمة، حتى نزلوا مر الظهران معه، فكان أول من قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالدا في بنى سليم، وهم ألف، فيهم لواء يحمله عباس بن مرداس، ولواء يحمله خفاف بن ندبة، وراية يحملها آخر، [فلم يزل] خالد بهم في المقدمة، حتى ورد الجعرانة بعد فتح مكة. وروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل يوم الفتح على المجنة اليمنى، خالد بن الوليد، وعلى المجنة اليسرى الزبير بن العوام، رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] ، وعلى الساقة، أبو عبيدة بن الجراح، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ذكره مسلم. واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا عامر، بن قيس، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: عبيد، وقيل عباد بن قيس، وهو أخو أبى موسى الأشعري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وذلك أن المشركين لما انهزموا بحنين، عسكر منهم طائفة بأوطاس، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في آثارهم أبا عامر الأشعري، وعقد له لواء، وكان معه في ذلك البعث سلمة بن الأكوع، وكان يحدث ويقول: لما انهزمت هوازن عسكروا بأوطاس عسكرا، فإذاهم ممتنعون، فبرز رجل منهم فقال: من يبارز، فبرز له رجل معلم، فبرز له أبو عامر فقتله، فلما كان العاشر، برز له رجل معتم بعمامة صفراء، فقال أبو عامر: اللَّهمّ اشهد، فقال الرجل: اللَّهمّ لا تشهد فضرب أبا عامر فأثبته، فاحتملناه وبه رمق. واستخلف أبو موسى الأشعري، فأخبر أبو عامر [أبا موسى، أن قاتله صاحب العمامة الصفراء. وأوصى أبو عامر إلى أبى موسى، ودفع إليه الراية وقال: ادفع فرسي وسلاحي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقاتلهم أبو موسى حتى فتح اللَّه عليه، وقتل قاتل أبى عامر، وجاء بسلاحه وبذلته إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: إن أبا عامر أمرنى بذلك، وقال: قل لرسول اللَّه يستغفر لي، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلى ركعتين ثم قال: اللَّهمّ اغفر لأبى عامر، واجعله من أعلى أمتى إلى الجنة، وأمر بتركته [فبعثت] إلى أبيه، فقال أبو موسى: يا رسول اللَّه إني أعلم أن اللَّه قد غفر لأبى عامر وقتل شهيدا فادع اللَّه لي، فقال: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 235 اللَّهمّ اغفر لأبى موسى، واجعله في أعلى أمتى قال الواقدي: فيرون أن ذلك وقع يوم الخميس. واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على سبايا حنين، يزيد بن ورقاء بن عبد العزيز ربيعة الخزاعي، وأمر بالسبي أن يوجه إلى الجعرانة، وبالغنائم [فحبست] [ (1) ] أيضا فسيقت إلى الجعرانة، ومضى صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف وندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة، أبا عمرو، الأنصاري، السلمي، الّذي يقال له ذو الرأى لما نزلوا على الطائف أن يرتاد له مكانا، وذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم نزل من الطائف قريبا من الحصن، فضرب عسكره هناك، فساعة حل وأصحابه، جاء الحباب بن المنذر فقال: يا رسول اللَّه إنا قد دنونا من الحصن، فإن كان عن أمر سلمنا، وإن كان الرأى، فالتأخر عن حصنهم، فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان عمرو بن أمية الضمريّ يحدث ويقول: لقد طلع علينا من نبلهم ساعة، تركنا بنى سليم كأنه رجل جراء، وترسنا حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة، فدعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحباب فقال: انظر مكانا مرتفعا نتأخر عن القوم. فخرج الحباب حتى انتهى إلى موضع مسجد الطائف، وجاء رجل من القرية فجاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره [فأمر] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يتحولوا، قال عمرو بن أمية: إني لأنظر إلى أبى محجن، يرمى به من فوق الحصن كأنها الرماح، فما يسقط لهم سهم. واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيد بن ثابت الأنصاري، على غنائم أوطاس وأمره بإحصاء الناس والغنائم ثم قسمها على الناس فكانت سهامهم لكل رجل أربع من الإبل، وأربعون شاة، فإن كان فارسا أخذ اثنى عشر من الإبل، أو عشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس واحد، لم يسهم له، وكان أبى حذيفة العدوي على مقاسم الغنم.   [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في الأصلين، ولعل ما أثبتناه متمم للسياق من كتب السيرة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 236 واستخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على العسكر لما خرج لغزوة تبوك وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عسكر بثنية الوداع والناس كثير، لا يجمعهم كتاب. واستخلف أبا بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على العسكر يصلى بالناس، [حين] اشتغل صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمسير، وكان صفوان بن المعطل بن رحضة بن خزاعيّ بن محارب بن مرة بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن نهبة ابن سليم السلمي الذكوانيّ أبو عمر، على ساقة العسكر، يلتقط من متاع المسلمين حتى يأتيهم به. فصل في نصرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرعب [خرج البخاري من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم رأيتني أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي] . قال أبو هريرة: فقد ذهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنتم تنتثلونها. قال البخاري: بلغني أن جوامع الكلم: أن اللَّه عز وجل يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد أو الاثنين، [أخرجه البخاري ومسلم] . ذكره في الجهاد وذكره في كتاب التعبير ولفظ منه: «وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، ووضعت في يدي» . وذكره في كتاب الاعتصام من حديث إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب بسنده وذكره أيضا من حديث أيوب عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب وبينا أنا نائم البارحة إذا أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي» وقال أبو هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فذهب صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنتم تنتثلونها. وذكره في كتاب الصلاة من حديث هشام، عن سيرين، عن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 237 الحكم، عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عنهم، وفيه «ونصرت بالرعب مسيرة شهر» وهو فيما اتفقا على إخراجه. وخرجه مسلم في كتاب الصلاة من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي، «قال أبو هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فذهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنتم تنتثلونها» [ (1) ] . ومن حديث الزبيدي، عن الزهري قال: أنبأنا سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:   [ (1) ] رواه البخاري في الجهاد، باب قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نصرت بالرعب مسيرة شهر، في التعبير، باب رؤيا الليل، وباب المفاتيح في اليد، في الاعتصام، باب قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثت بجوامع الكلم. ومسلم في المساجد في فاتحته، حديث رقم (523) ، والترمذي في السير، باب ما جاء في الغنيمة، حديث رقم (1553) ، والنسائي في الجهاد، باب وجوب الجهاد. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «نصرت بالرعب» ، الرعب: الفزع والخوف، وذلك أن أعداء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان قد أوقع اللَّه في قلوبهم الرعب، فإذا كان بينه وبينهم مسيرة شهر هابوه وفزعوا منه، فلا يقدمون على لقائه. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «جوامع الكلم» أراد به القرآن. جمع اللَّه تعالى بلطفه في الألفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة. كذلك ألفاظه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت قليلة الألفاظ، كثيرة المعاني. و «مفاتيح الكلم» ، المفاتيح: كل ما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها، فأخبر عليه السّلام أنه أولى مفاتيح الكلم، وهو ما سهل اللَّه تعالى عليه من الوصول إلى غوامض المعاني، وبدائع الحكم التي أغلقت على غيره وتعذرت. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم «مفاتيح خزائن الأرض» ، أراد به ما سهل اللَّه تعالى له ولأمته من استخراج الممنعات، وافتتاح البلاد المتعذرات، من كان في يده مفاتيح شيء سهل اللَّه عليه الوصول إليه. قوله: «تنتثلونها» الانتثال: نثر الشيء، يقال نثلت كنانتي: إذا استخرجت ما فيها جميعه ونثرته، والمراد: أنكم تأخذونها جميعا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 238 سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: فذكر من حديث يونس ومن حديث معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمثله. ومن حديث ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن أبي يونس مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة، عنه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «نصرت بالرعب على العدو، وأعطيت جوامع الكلم، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي» . ومن حديث عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحاديث منها «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نصرت بالرعب وأتيت جوامع الكلم» . ذكره مسلم والّذي قبله في كتاب الصلاة. وخرجه النسائي أيضا من حديث معمر ويونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كما قال مسلم في حديث يونس. وأخرجه أيضا من حديث الزهري، عن سعيد وأبى سلمة، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بمثل ذلك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 239 فصل في ذكر مشورة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحرب وذكر من رجع إلى رأيه قال الترمذي: ويروى عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وذكر مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلم أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعرض عنه، ثم تكلم عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقام سعد بن عبادة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فقال إيانا تريد يا رسول اللَّه، والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها في البحر لخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى [برك الغماد] لفعلنا، قال: فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس فانطلقوا وذكر الحديث [ (2) ] .   [ (1) ] (تحفة الأحوذي) : 5/ 306، كتاب أبواب الجهاد، باب (34) ما جاء في المشورة، حديث رقم (1767) ولفظه: حدثنا هناد، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة، عن أبى عبيدة عن عبد اللَّه قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسارى قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما تقولون في هؤلاء؟ وذكر قصة طويلة. وفي الباب عن عمر وأبى أيوب وأنس وأبى هريرة، [قال] : هذا حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه" ويروى عن أبى هريرة قال: " ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال الحافظ في (الفتح) بعد ذكر هذا الحديث: رجاله ثقات إلا أنه منقطع. [ (2) ] (صحيح مسلم) : 6/ 366، كتاب الجهاد والسير باب (30) غزوة بدر، حديث رقم (1779) وتمامه: «فانطلقوا حتى نزلوا بدرا وورد عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه فكان أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسألونه عن أبى سفيان وأصحابه فيقول: ما لي علم بأبي سفيان ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف فإذا قال ذلك ضربوه، فقال نعم أنا أخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه، فقال: ما لي بأبي سفيان علم ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس فإذا قال هذا أيضا ضربوه ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قائم يصلى فلما رأى ذلك انصرف قال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 240 وذكره أبو داود من طريق حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بهذا المعنى، وذكر الثاني في النسائي من حديث محمد بن [المثنى] قال: أنبأنا خالد وقال أنبأنا حميد، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سار إلى بدر فاستشار المسلمون فأشار عليه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم استشارهم فأشار عليه عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم استشارهم فقال الأنصاري: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالوا: إذا لا تقولوا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا، والّذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادنا إلى برك الغماد لاتبعناك [ (1) ] . وقد ذكر محمد بن إسحاق عن محمد بن عمر الواقدي وساقه الواقدي أنه قال: ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان [دوين] [ (2) ] بدر أتاه الخبر بمسير قريش فأخبرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمسيرهم واستشار الناس فقام أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال فأحسن، ثم قام عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال فأحسن، ثم قال يا رسول اللَّه، إنها واللَّه قريش وعزها، واللَّه ما ذلّت منذ عزت، واللَّه ما آمنت منذ كفرت، واللَّه لا تسلم عزها أبدا، ولتقاتلنك، فاتهب لذلك أهبته وأعد لذلك عدته. ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول اللَّه، امض لأمر اللَّه فنحن معك، واللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [ (3) ] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والّذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك- وبرك الغماد من وراء مكة بخمس ليال من وراء الساحل مما يلي البحر، وهو على ثمان ليال من مكة إلى اليمن. فقال له رسول اللَّه   [ () ] والّذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم وتتركوه إذا كذبكم. قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا مصرع فلان قال ويضع يده على الأرض هاهنا وهاهنا قال فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (1) ] سبق تخريج الأحاديث والآثار في شرح غزوات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] في (الأصل) : (دون) ، وما أثبتناه من (مغازي الواقدي) . [ (3) ] المائدة: 24. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 241 صلّى اللَّه عليه وسلّم خيرا، ودعا له بخير ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أشيروا عليّ أيها الناس! وإنما يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأنصار، وكان يظن أن الأنصار لا تنصره إلا في الدار، وذلك أنهم شرطوا له أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أشيروا عليّ! فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول اللَّه تريدنا! قال: أجل. قال: إنك عسى أن تكون خرجت عن أمر قد أوى إليك في غيره، وإنا قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن كل ما جئت به حق، وأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامض يا نبي اللَّه، فو الّذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما بقي منا رجل، وصل من شئت، واقطع من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت. والّذي نفسي بيده، ما سلكت هذا الطريق قط، وما لي بها من علم، وما نكره أن يلقانا عدونا غدا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل اللَّه يريك منا ما تقر به عينك [ (1) ] . حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني محمد بن صالح، عن عاصم ابن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد قال: قال سعد: يا رسول اللَّه، إنا قد خلفنا من قومنا ما نحن بأشد حبّا لك منهم، ولا أطوع لك منهم لهم رغبة في الجهاد ونية، ولو ظنوا يا رسول اللَّه أنك ملاق عدوا ما تخلفوا، ولكن إنما ظنوا أنها العير، نبني لك عريشا فتكون فيه ونعد لك رواحلك، ثم نلقى عدوّنا فإن أعزّنا اللَّه وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن تكن الأخرى جلست على رواحلك فلحقت من وراءنا. فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: خيرا. وقال: أو يقضي اللَّه خيرا من ذلك يا سعد! [ (2) ] قالوا: فلما فرغ سعد من المشورة، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سيروا على بركة اللَّه، فإن اللَّه قد وعدني إحدى الطائفتين واللَّه، لكأنّي انظر إلى مصارع القوم [ (3) ] قال: وأرانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مصارعهم يومئذ، هذا مصرع فلان، وهذا   [ (1) ] ، (2) ، (3) (مغازي الواقدي) : 1/ 48- 55 باختلاف يسير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 242 مصرع فلان، فما عدا كل رجل مصرعه. قال: فعلم القوم أنهم يلاقون القتال، وأن العير تفلت، ورجوا النصر لقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال الواقدي: ولما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أدنى بدر عشاء ليلة الجمعة لسبعة عشر ليلة مضت من رمضان، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه: أشيروا علي في المنزل. فقال الحباب بن المنذر: يا رسول اللَّه، أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه اللَّه فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: فإن هذا ليس بمنزل! انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم، فإنّي عالم بها وبقلبها، بها قليب قد عرفت عذوبة مائه، وماء كثير لا ينزح، ثم نبني عليها حوضا ونقذف فيه الآنية، فنشرب ونقاتل، ونغور ما سواها من القلب [ (1) ] . حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود ابن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نزل جبريل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: الرأي ما أشار به الحباب فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: [يا حباب أشرت بالرأي! فنهض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ففعل كل ذلك] [ (2) ] ، وأبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما استشارهما صلّى اللَّه عليه وسلّم في أسرى بدر. [قال الواقدي: ولما حبس الأسرى ببدر- استعمل عليهم شقران وكان المسلمون قد اقترعوا عليهم- طمعوا في الحيا فقالوا: لو بعثنا إلى أبي بكر فإنه أوصل قريش لأرحامنا، ولا نعلم أحدا آثر عند محمد منه! فبعثوا إلى أبي بكر، فأتاهم فقالوا: يا أبا بكر، إن فينا الآباء والأبناء والإخوان والعمومة وبني العم، وأبعدنا قريب، كلّم صاحبك فيمن علينا أن يفادنا. فقال: نعم إن شاء اللَّه، لا آلوكم خيرا.   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 53. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 54. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 243 ثم انصرف إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالوا: وابعثوا إلى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. فإنه من علمتم، فلا نأمن أن يفسد عليكم لعله يكف عنكم فأرسلوا إليه. فجاءهم فقالوا له مثل ما قالوا لأبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لن آلوكم خيرا، ثم انصرف إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. فوجد أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يلينه. يقول: يا رسول اللَّه بأبي أنت وأمى قومك فيهم الآباء والأبناء والعمومة والإخوان، وبنو العم وأبعدهم منك قريب فامنن عليهم من اللَّه عليك، أو فادهم يستنفدهم اللَّه بك من النار. فتأخذ منهم ما أخذت قوة المسلمين. فلعل يقبل بقلوبهم عليك. ثم قام فتنحى ناحية، وسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يجبه. ثم جاء عمر، فجلس مجلس أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. فقال: يا رسول اللَّه، هم أعداء اللَّه كذبوك، وقاتلوك، وأخرجوك. اضرب رقابهم. هم رءوس الكفر، وأئمة الضلالة. يوطئ اللَّه بهم الإسلام، ويذل بهم اللَّه أهل الشرك. فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يجبه، وعاد أبو بكر إلى مجلسه الأول، وقال: يا رسول اللَّه بأبي أنت وأمى، قومك فيهم الآباء، والأبناء، والعمومة، والإخوان، وبنو العم وأبعدهم منك قريب. فامنن عليهم، أو فادهم فهم عترتك وقومك لا تكن أول من يستأصلهم، يهديهم اللَّه خيرا من أن تهلكهم فسكت عنه ساعة، ولم يرد عليه شيئا، فقام عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فجلس مجلسه، فقال: يا رسول اللَّه: ما تنتظر بهم؟ اضرب رقابهم يوطئ اللَّه بهم الإسلام، ويذل أهل الشرك، هم أعداء اللَّه كذبوك، وقاتلوك، وأخرجوك، يا رسول اللَّه اشف صدور المؤمنين لو قدروا على مثل هذا منا ما أقالونا أبدا، فجلس فعاد أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكلمه مثل كلامه الّذي كلمه، فلم يجبه، ثم قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدخل، فمكث فيها ساعة، وخرج والناس يخوضون في شأنهم. يقول بعضهم: القول ما قال أبو بكر، وآخرون يقولون: القول ما قال عمر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 244 فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما تقولون في صاحبيكم هذين دعوهما. فإن لهما مثلا، مثل أبى بكر كمثل ميكائيل ينزل برضاء اللَّه، وعفوه عن عباده، ومثله في الأنبياء كمثل إبراهيم كان ألين على قومه من العسل. أوقد له قومه النار فطرحوه فيها. فما زاد على أن قال: أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [ (1) ] ، وقال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (2) ] ، ومثله مثل عيسى، إذ يقول: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ (3) ] ومثل عمر في الملائكة كمثل جبريل ينزل بالسخط من اللَّه والنقمة على [عباد] اللَّه، ومثله في الأنبياء كمثل نوح، كان أشد على قومه من الحجارة. إذ يقول رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [ (4) ] . فدعى عليهم دعوة أغرق اللَّه الأرض جميعها، ومثل موسى إذ يقول: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [ (5) ] ، وإن بكم عيلة، فلا يفوتكم رجلا من هؤلاء إلا بفداء أو ضربة عنق، فقال عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يا رسول اللَّه: إلا سهيل بن بيضاء [قال ابن واقد: هذا وهم، سهيل بن بيضاء من مهاجرة الحبشة فما شهد بدرا، إنما هو أخ له يقال له [سهل] [ (6) ] فإنّي رأيته يظهر الإسلام بمكة. فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال عبد   [ (1) ] الأنبياء: 67. [ (2) ] إبراهيم: 36. [ (3) ] المائدة: 118. [ (4) ] نوح: 26. [ (5) ] يونس: 88. [ (6) ] من بنى الحارث بن فهر وهو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث وهو من العشرة الأوائل الذين هاجروا إلى الحبشة وكان عليهم عثمان بن مظعون (سيرة ابن هشام) 2/ 165 وذكره ابن هشام أيضا فيمن ذكر ممن هاجروا من بنى الحارث (المرجع السابق) : 2/ 172. وذكره ابن إسحاق أيضا في العائدين من أرض الحبشة من بنى الحارث (المرجع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 245 اللَّه: فما مرت على ساعة قط كانت أشد على من تلك الساعة، فجعلت انظر إلى السماء أتخوف أن تسقط على الحجارة لتقدمى بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالكلام. فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه. فقال إلا سهيل بن بيضاء فما مرت على ساعة أقر لعيني منها. إذ قالها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه عز وجل ليشدد على القلب فيه حتى يكون أشد من الحجارة، وإنه ليلين القلب فيه حتى يكون ألين من الزبد، وقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم الفداء، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لو نزل من السماء نار يوم بدر ما نجا منه إلا عمر كان يقول: اقتل ولا تأخذ الفداء، وكان سعد بن معاذ يقول: اقتل ولا تأخذ الفداء [ (1) ] . قال الواقدي: وخرج مسلم [ (2) ] في الجهاد والترمذي [ (3) ] في التفسير من حديث عكرمة بن عمار، حدثني سماك الحنفي، قال: سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: اللَّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللَّهمّ آت ما وعدتني، اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه، ومادا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي اللَّه! كفاك مناشدتك ربك   [ () ] السابق) : 2/ 213 وذكره ابن إسحاق فيمن صحب عبد اللَّه بن جحش في سريته من بني الحارث بن فهر. (المرجع السابق) 3/ 147. [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 108- 110. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 326، كتاب الجهاد باب (18) الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم حديث رقم (1763) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 251- 252، كتاب تفسير القرآن باب (9) سورة الأنفال حديث رقم (3081) وقال في آخر الحديث: حسن صحيح غريب، لا نعرفه من حديث عمر، إلا من حديث عكرمة بن عمار عن أبى زميل، وأبو زميل اسمه سماك الحنفي، وإنما كان هذا يوم بدر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 246 فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللَّه عز وجل: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ [ (1) ] قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخر مستلقيا، فنظر إليه، فإذا هو قد حطم أنفه، وشق، كضربة السوط، فاخضرّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة، فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين. قال أبو زميل: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبى بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي اللَّه، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى اللَّه أن يهديهم، للإسلام فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا واللَّه يا رسول اللَّه، ما أرى الّذي رأى أبو بكر، ولكنى أرى أن تمكنا فتضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان «نسيبا لعمر» فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قال عمر، فلما كان من الغد، جئت فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول اللَّه، أخبرنى من أي شيء تبكى أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبكى للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض على عذابهم أدنى هذه   [ (1) ] الأنفال: 9. وأخرجه أيضا أبو داود في الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال مختصرا وسياق هذا الحديث مضطربا في (الأصل) وأثبتناه من (صحيح مسلم) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 247 الشجرة - شجرة قريبة من نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وأنزل اللَّه عز وجل: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. فأحل اللَّه الغنيمة لهم. وقال الواقدي [ (1) ] : حدثني محمد بن عبد اللَّه عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ورأيت في سيفي فلّا فكرهته، فهو الّذي أصاب وجهه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أشيروا عليّ، ورأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ألا يخرج من المدينة لهذه الرؤيا، في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب أن يوافق على مثل ما رأى، وعلى ما عبر عليه الرؤيا فقام عبد اللَّه بن أبىّ فقال: يا رسول اللَّه كنا نقاتل في الجاهلية ونجعل النساء والذراري في هذه الصياصي، ونجعل معهم الحجارة واللَّه لربما مكث الولدان شهرا ينقلون الحجارة إعدادا لعدونا، ونشبك المدينة بالبنيان فتكون كالحصن من كل ناحية، وترمى المرأة والصبى من فوق الصياصي والآطام ونقاتل بأسيافنا في السكك. يا رسول اللَّه، إن مدينتنا عذراء ما فضت علينا قط، وما خرجنا إلى عدو قط منها إلا أصاب منا، وما دخل علينا قط إلا أصبناه. فدعهم يا رسول اللَّه. فإنّهم إن أقاموا أقاموا بشر محبس، وأن رجعوا خائبين مغلوبين، لم ينال خيرا. يا رسول اللَّه، أطعني في هذا الأمر، وأعلم أنى ورثت هذا الأمر الرأى من أكابر قومي، وأهل الرأى منهم. فهم كانوا أهل الحرب والتجربة. فكان رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع رأى ابن أبىّ، وكان ذلك رأى الأكابر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار.   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 209- 211. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 248 فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: امكثوا في المدينة، واجعلوا النساء والذراري في الآطام فإن دخل علينا قاتلناهم في الأزقة، فنحن أعلم بها منهم، وارموا من فوق الصياصي والآطام، وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية. فهي كالحصن. فقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدرا وطلبوا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخروج إلى عدوهم، ورغبوا في الشهادة، وأحبوا لقاء العدو: اخرج بنا إلى عدونا، وقال رجال من أهل السن، وأهل النية، منهم حمزة بن عبد المطلب، وسعد بن عبادة، والنعمان بن مالك بن ثعلبة، في غيرهم من الأوس والخزرج رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم: إنا نخشى يا رسول اللَّه أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم، فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل، فظفرك اللَّه عليهم، ونحن اليوم بشر كثير قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعوا اللَّه به، فقد ساقه اللَّه إلينا في ساحتنا. ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما يرى من إلحاحهم كاره، وقد لبسوا السلاح يخطرون بسيوفهم، يتسامون كأنهم الفحول. وقال مالك بن سنان أبو أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه نحن واللَّه بين إحدى الحسنيين، إما يظفرنا اللَّه بهم، فهذا الّذي نريد، فيذلهم اللَّه لنا فتكون هذه وقعة مع وقعة بدر، فلا يبقى منهم الا الشريد، والأخرى يا رسول اللَّه، يرزقنا اللَّه الشهادة، واللَّه يا رسول اللَّه ما أبالى أيهما، كان أن كلّا لفيه الخير، فلم يبلغنا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجع إليه قولا، وسكت. فقال حمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: والّذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفي خارجا من المدينة. وكان يقال كان حمزة يوم الجمعة صائما، ويوم السبت صائما، فلاقاهم وهو صائم. وقال النعمان بن مالك بن ثعلبة أخو بنى سالم: يا رسول اللَّه، أنا أشهد أن البقر المذبح قتلى من أصحابك وأنى منهم، فلم تحرمنا الجنة؟ فو الّذي لا إله إلا هو لأدخلنها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بم؟ قال: إني أحب اللَّه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 249 ورسوله ولا أفر يوم الزحف. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صدقت! فاستشهد يومئذ وقال إياس بن أوس بن عتيك: يا رسول اللَّه، نحن بنو عبد الأشهل من البقر المذبح، نرجو يا رسول اللَّه أن نذبّح في القوم ويذبّح فينا، فنصير إلى الجنة، ويصيرون إلى النار. مع أنى يا رسول اللَّه لا أحب أن ترجع قريش إلى قومها فيقولون: حصرنا محمدا في صياصي يثرب وآطامها! فيكون هذا جرأة لقريش، وقد وطئوا سعفنا، فإذا لم نذب عن عرضنا لم نزرع، وقد كنا يا رسول اللَّه في جاهليتنا والعرب يأتوننا فلا يطمعون بهذا منا حتى نخرج إليهم بأسيافنا حتى نذبهم عنا، فنحن اليوم أحق إذ أيّدنا اللَّه بك، وعرفنا مصيرنا، لا نحصر أنفسنا في بيوتنا. وقام خيثمة أبو سعد بن خيثمة فقال: يا رسول اللَّه، إن قريشا مكثت حولا تجمع الجموع وتستجلب العرب في بواديها ومن تبعها من أحابيشها، ثم جاءونا وقد قادوا الخيل، وامتطوا الإبل، حتى نزلوا بساحتنا فيحصروننا في بيوتنا وصياصينا، ثم يرجعون وافرين لم يكلموا، فيجرئهم ذلك علينا حتى يشون الغارات علينا، ويصيبوا أطرافنا ويضعوا العيون والأرصاد علينا مع ما قد صنعوا بحروثنا، ويجترئ علينا العرب حولنا حتى يطعموا فينا إذا رأونا لم نخرج إليهم، فنذبهم عن جوارنا وعسى اللَّه أن يظفرنا بهم فتلك عادة اللَّه عندنا، أو تكون الأخرى فهي الشهادة. لقد أخطأتنى وقعة بدر وقد كنت عليها حريصا، لقد بلغ من حرصي أن ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة، وقد كنت حريصا على الشهادة. وقد رأيت ابني البارحة في النوم في النوم أحسن صورة، يسرحى في ثمار الجنة وأنهارها وهو يقول: ألحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربى حقا، وقد واللَّه يا رسول اللَّه أصبحت مشتاقا إلى مرافقته في الجنة وقد كبرت سنى، ورق عظمي، وأحببت لقاء ربى، فادع اللَّه يا رسول اللَّه أن يرزقني الشهادة ومرافقة سعد في الجنة. فدعى له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك، فقتل بأحد شهيدا. وقال أنس بن قتادة: يا رسول اللَّه، هي إحدى الحسنيين، إما الشهادة وإما الغنيمة والظفر في قتلهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني أخاف عليكم الهزيمة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 250 فلما أبوا إلا الخروج صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجمعة بالناس، ثم وعظ الناس وأمرهم بالجد والجهاد، وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا، ففرح الناس بذلك حيث أعلمهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالشخوص إلى عدوهم، وكره ذلك المخرج بشر كثير من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم، ثم صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العصر بالناس، وقد حشد الناس وحضر أهل العوالي، ورفعوا النساء في الآطام. فحضرت بنو عمرو بن عوف ولفها، والنبيت ولفها، وتلبث السلاح. فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيته، ودخل معه أبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فعمماه ولبساه، وصف الناس له ما بين حجرته إلى منبره، ينتظرون خروجه. فجاءهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقالا: قلتم لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قلتم واستكرهتموه على الخروج، والأمر ينزل عليه من السماء، فردوا الأمر، إليه فما أمركم، فافعلوه وما رأيتم له فيه هوى أو رأى فأطيعوه. فبينا القوم على ذلك من الأمر، وبعض القوم يقول: القول ما قال سعد، وبعضهم على البصيرة على الشخوص، وبعضهم للخروج كاره، إذا خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد لبس لأمته، وقد لبس الدرع فأظهرها، وحزم وسطها بمنطقة من حمائل سيف من أدم، كانت عند آل أبى رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد، واعتم، وتقلد السيف. فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ندموا جميعا على ما صنعوا، وقال الذين يلحون على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما كان لنا أن نلح على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أمر يهوي خلافه. وندّمهم أهل الرأي الذين كانوا يشيرون بالمقام، فقالوا: يا رسول اللَّه ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك، وما كان لنا أن نستكرهك والأمر إلى اللَّه ثم إليك، فقال: قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم اللَّه بينه وبين أعدائه. وكانت الأنبياء قبله إذا لبس النبي لأمته لم يضعها حتى يحكم اللَّه بينه وبين أعدائه. ثم قال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 251 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انظروا ما أمرتكم به فاتّبعوه، امضوا على اسم اللَّه فلكم النصر ما صبرتم. وقال الواقدي [ (1) ] : حدثنا محمد بن عبد اللَّه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال حصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه بضع عشرة حتى خلص إلى كل امرئ منهم الكرب، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إني أنشدك عهدك ووعدك، اللَّهمّ إنك إن تشأ لا تعبد! فبينا هم على ذلك من الحال أرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف- ولم يحضر الخندق الحارث بن عوف ولا قومه، ويقال حضرها الحارث بن عوف. قال ابن واقد: وهو أثبت القولين عندنا. وإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسل إليه وإلى عيينة: أرأيت إن جعلت لكم ثلث تمر المدينة ترجعان بمن معكم وتخذلان بين الأعراب؟ قالا: تعطينا نصف تمر المدينة. فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يزيدها على الثلث، فرضيا بذلك وجاءا في عشرة من قومهما حين تقارب الأمر، فجاءوا وقد أحضر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه وأحضر الصحيفة والدواة، وأحضر عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأعطاه الصحيفة وهو يريد أن يكتب الصلح بينهم، وعباد ابن بشر قائم على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقنع في الحديد. فأقبل أسيد بن حضير إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا يدري بما كان من الكلام فلما جاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجاء وعيينة مادّا رجليه بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلم ما يريدون، فقال: يا عين الهجرس [ (2) ] اقبض رجليك! أتمد رجليك بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ - ومعه الرمح- واللَّه، لولا رسول اللَّه لأنفذت صلّى اللَّه عليه وسلّم خصيتك بالرمح! ثم أقبل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه إن كان أمرا من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فو اللَّه لا نعطيهم إلا السيف! متى طمعوا بهذا   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 476- 480. [ (2) ] الهجرس بالكسر: ولد الثعلب. (لسان العرب) : 6/ 246. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 252 منا؟ فاسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعا سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما فاستشارهما في ذلك، وهو متكئ عليهما والقوم جلوس، فتكلم بكلام يخيفه، وأخبرهما بما قد أراد من الصلح، فقالا: إن كان هذا أمرا من السماء فامض له، وإن كان أمرا لم تؤمر فيه ولك فيه هوى فامض لما كان لك فيه هوى، فسمعا وطاعة، وإن كان إنما هو الرأى فما لهم عندنا إلا السيف. وأخذ سعد بن معاذ الكتاب فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة فقلت أرضيهم ولا أقاتلهم فقالا: يا رسول اللَّه، إن كانوا ليأكلون العلهز [ (1) ] في الجاهلية من الجهد، وما طمعوا بهذا منا قط أن يأخذوا تمرة الا بشرى أو قرى! فحين أتانا اللَّه تعالى بك وأكرمنا بك، وهدانا بك نعطي الدنية! لا نعطيهم أبدا إلا السيف. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شق الكتاب فتفل سعد فيه، ثم شقه وقال: بيننا السيف! فقام عيينة وهو يقول: أما واللَّه للتي تركتم خير لكم من الخطة التي أخذتم، وما لكم بالقوم طاقة. فقال عباد بن بشر يا عيينة أبا السيف تخوفنا؟ ستعلم أينا أجزع وإلا فو اللَّه لقد كنت أنت وقومك تأكلون العلهز والرمة من الجهد فتأتون هاهنا ما تطمعون بهذا منا ألا ترى وقرى أو شرى ونحن لا نعبد شيئا، فلما هدانا اللَّه وأيدنا بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم سألتمونا هذه الخطة! أما واللَّه لولا مكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما وصلتم إلى قومكم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ارجعوا، بيننا السيف! رافعا صوته. فرجع عيينة والحارث وهما يقولان: واللَّه، ما نرى أن ندرك منهم شيئا ولقد أنهجت للقوم بصائرهم! واللَّه، ما حضرت إلا كرها لقوم غلبوني، وما مقامنا بشيء، مع أن قريشا إن علمت بما عرضنا على محمد عرفت أنا قد خذلناها ولم ننصرها. قال عيينة: هو واللَّه ذلك! قال الحارث: أما إنا لم نصب بتعرضنا لنصر قريش على محمد، واللَّه لئن ظهرت قريش على محمد   [ (1) ] العلهز: هو شيء يتخذونه في سنى المجاعة، يخلطون الدم بأوبار الإبل ثم يشوونه بالنار ويأكلونه. (النهاية) : 3/ 124. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 253 ليكونن الأمر فيها دون سائر العرب، مع أنى أرى أمر محمد أمرا ظاهرا. واللَّه، لقد كان أحبار يهود خيبر وأنهم يحدثون أنهم يجدون في كتبهم أنه يبعث نبي من الحرم على صفته. قال عيينة: أنا واللَّه ما جئنا. ننصر قريشا ولو استنصرنا قريشا ما نصرتنا ولا خرجت معنا من حرمها، ولكنى كنت أطمع أن نأخذ تمر المدينة فيكون لنا به ذكر مع ما لنا فيه من منفعة الغنيمة، مع أنا ننصر حلفاءنا من اليهود فهم جلبونا إلى ما هاهنا. قال الحارث قد واللَّه أبت الأوس والخزرج إلا السيف، واللَّه لتقاتلن عن هذا السعف، ما بقي منها رجل مقيم، وقد أجدب الجناب، وهلك الحباب وهلك الخف والكراع. قال عيينة لا شيء. فلما أتيا منزلهما جاءتهما غطفان فقالوا: ما وراءكم؟ قالوا: لم يتم الأمر، رأينا قوما على بصيرة وبذل أنفسهم دون صاحبهم وقد هلكنا وهلكت قريش، وقريش تنصرف ولا تكلم محمدا! وإنما يقع حرّ محمد ببني قريظة، إذا ولينا جثم عليهم فحصرهم جمعة حتى يعطوا بأيديهم. قال الحارث: بعدا وسحقا! محمد أحب إلينا من اليهود. وقال الواقدي [ (1) ] : حدثني خارجة بن عبد اللَّه عن داود بن الحصين، عن أبى سفيان، عن محمد بن مسلمة قال وتنحى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجلس، ودنت الأوس الى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه حلفاؤنا دون الخزرج وقد رأيت ما صنعت بنى قينقاع بالأمس حلفاء ابن أبى، وهبت له ثلاثمائة حاسر وأربعمائة دارع. وقد ندم حلفاؤنا على ما كان من نقضهم العهد، فهبهم لنا. ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ساكت لا يتكلم حتى أكثروا عليه وألحوا ونطقت الأوس كلها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟ قالوا: بلى. قال: فذلك إلى سعد بن معاذ. وسعد يومئذ في المسجد في خيمة رفيدة بنت سعد بن عتبة، وكانت تداوى الجرحى، وتلم الشعث، وتقوم على الضائع والّذي لا أحد له. وكان لها خيمة في المسجد وكان رسول اللَّه   [ (1) ] (المغازي للواقدي) : 2/ 510. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 254 صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل سعد بن معاذ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فيها. فلما جعل صلّى اللَّه عليه وسلّم الحكم إلى سعد بن معاذ خرجت الأوس حتى جاءوه، فحملوه على حمار، وعلى الحمار قطيفة وخطامه حبل من ليف، فخرجوا حوله يقولون: يا أبا عمرو إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ولاك أمر مواليك لتحسن فيهم فأحسن، فقد رأيت ابن أبىّ وما صنع في حلفائه. والضحاك بن خليفة [ (1) ] يقول: يا أبا عمرو مواليك، مواليك! قد منعوك في المواطن كلها واختاروك على من سواك ورجوا عياذك، ولهم جمال وعدد. وقال سلمة بن سلامة بن وقش: يا أبا عمرو، أحسن في مواليك وحلفاءك، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب البقية، نصروك يوم البعاث والحدائق والمواطن كلها، ولا تكن شرا من ابن أبىّ. قال إبراهيم بن جعفر، عن أبيه: وجعل قائلهم يقول يا أبا عمرو، إنا واللَّه قاتلنا بهم فقتلنا، وعاززنا بهم فعززنا، قالوا: وسعد لا يتكلم، حتى إذا أكثروا عليه قال سعد: قد آن لسعد ألا تأخذه في اللَّه لومة لائم. فقال الضحاك ابن خليفة ثم: وا قوماه! ثم رجع الضحاك إلى الأوس فنعى لهم بنى قريظة. وقال معتب [ (2) ] بن قشير وا سوء صباحاه! وقال حاطب بن أمية الظفري: ذهب قومي آخر الدهر. وأقبل سعد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والناس حوله جلوس فلما طلع سعد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قوموا إلى سيدكم. فكان رجال من بنى عبد الأشهل يقولون   [ (1) ] هو الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي بن كعب بن عبد الأشهلي، شهد غزوة بنى النضير، وله ذكر وليست له رواية. (الإصابة) : 3/ 475. [ (2) ] معتب بن قشير بقاف ومعجمة مصغرا، ابن مليل بن زيد بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن الأوس الأنصاريّ الأوسيّ، ذكروه فيمن شهد العقبة، وقيل: إنه كان منافقا، وإنه الّذي قال يوم أحد لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا وقيل: إنه تاب، وقد ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدرا. (الإصابة) : 6/ 175، ترجمة رقم (8125) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 34. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 255 فقمنا له على أرجلنا صفين، يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقائل يقول: إنما عنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله: قوموا إلى سيدكم، يعنى به الأنصار دون قريش. قالت الأوس الذين بقوا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لسعد: يا أبا عمرو، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ولاك الحكم، فأحسن فيهم، واذكر بلاءهم عندك. فقال سعد بن معاذ: أترضون بحكمي لبني قريظة؟ قالوا: نعم، قد رضينا بحكمك وأنت غائب عنا، اختيارا منا، ورجاء أن تمن علينا كما فعله غيرك من حلفائه من قينقاع، وأثرنا عندك أثرنا، وأحوج ما كنا اليوم إلى مجازاتك، فقال سعد: لا آلوكم جهدا. فقالوا: ما يعنى بقوله هذا؟ ثم قال عليكم عهد اللَّه وميثاقه أنّ الحكم فيكم ما حكمت؟ قالوا: نعم. قال سعد للناحية الأخرى التي فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو معرض عنها إجلالا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وعلى من هاهنا مثل ذلك؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن معه: نعم. قال سعد: فإنّي أحكم فيهم أن يقتلا من جرت عليه الموسى [ (1) ] ، وتسبى النساء والذرية، وتقسم الأموال، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد حكمت بحكم اللَّه عز وجل من فوق سبع أرقعة [ (2) ] . وكان سعد بن معاذ في الليلة التي في صبحها نزلت قريظة على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قد دعا فقال: اللَّهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقنى لها، فإنه لا قوم أحب إليّ أن أقاتل من قوم كذبوا رسول اللَّه، وآذوه   [ (1) ] وفي ذلك كناية عن الإنبات، وهو نبات شعر العانة، فجعله علامة على البلوغ، وليس ذلك حد إلا في أهل الشرك عند الأكثرين، وقال أحمد بن حنبل رحمه اللَّه: الإنبات حد يقام به الحد على من أنبت، ويحكى مثل ذلك عن مالك رحمه اللَّه، فأما من جعله مخصوصا بأهل الشرك: فيشبه أن يكون أن أهل الشرك لا يوقف على بلوغهم من جهة السن، ولا يمكن الرجوع إلى قولهم لأنهم متهمون في ذلك لدفع القتل عنهم، وأداء الجزية، وغير ذلك من الأحكام، بخلاف المسلمين فإنّهم يمكن أن تعرف أوقات بلوغهم وولادتهم. (جامع الأصول) : 8/ 279. [ (2) ] الأرقعة السموات، والواحدة رقيع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 256 وأخرجوه، وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها عنا وعنهم فاجعله لي شهادة، ولا تمتنى حتى تقر عيني من بنى قريظة! فأقر اللَّه عينه منهم. فأمر بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد، والنساء والذرية العزار ابنتة الحارث [ (1) ] وأمضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بنى قريظة حكم سعد فضرب أعناق الرجال واسترق النشئ والذرية وقسم الأموال وذكر ابن إسحاق أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف اللَّه في قلوبهم الرعب ونزلوا على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ الأوسي الأشهلي فحكم فيهم بأن يقتل الرجال ويقسم الأموال ويسبى الذراري والنساء [ (2) ] . وقد خرج البخاري ومسلم حكم سعد في بنى قريظة من حديث شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف قال سمعت أبا سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى سعد، فأتاه على حمار، فلما دنا قريبا من المسجد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للأنصار: قوموا إلى سيدكم، ثم قال: إن هؤلاء نزلوا على حكمك، قال: تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم:   [ (1) ] رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد الأنصارية النجارية، ذكرها ابن حبيب في (المبايعات) ، وذكر ابن إسحاق في (السيرة النبويّة) أن بنى قريظة لما حكم فيهم سعد ابن معاذ حبسوا في دار رملة بنت الحارث، امرأة من الأنصار من بني النجار. قال الحافظ في (الإصابة) : وتكرر في السيرة، وأما الواقدي فيقول: رملة بنت الحدث، بفتح الدال المهملة بغير ألف قبلها. وقال ابن سعد في (الطبقات) : رملة بنت الحارث، وهو الحارث بن ثعلبة بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، تكنى أم ثابت، وأمها كبشة بنت ثابت بن النعمان ابن حرام، وزوجها معاذ بن الحارث بن رفاعة. لها ترجمة في (الإصابة) : 7/ 651، ترجمة رقم (11183) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 327. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 195. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 257 قضيت بحكم اللَّه، وربما قال: قضيت بحكم الملك، ولم يذكر محمد بن المثنى من رواية مسلم [ (1) ] : وربما قال قضيت بحكم الملك، وذكر من رواية عبد الرحمن ابن مهدي عن شعبة بهذا الإسناد، وقال في حديثه: وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد حكمت بحكم اللَّه. وقال مرة: حكمت بحكم الملك. وكرره البخاري في [الاستئذان] ، وفي كتاب الجهاد، وفي كتاب المناقب، وغير ذلك مطولا، ومختصرا، وذكره مسلم من عدة طرق [ (2) ] . وذكر الواقدي: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قام في المسلمين، فأثنى على اللَّه بما هو أهله ثم قال: أما بعد، فكيف ترون يا معشر المسلمين في هؤلاء الذين استنفروا إليّ من أطاعهم ليصدون عن المسجد الحرام؟ أترون أن نمضي لوجهنا إلى البيت فمن صدنا عنهم قاتلناه، أم ترون أن نخلف هؤلاء الذين استنفروا لنا إلى أهليهم فنصيبهم؟ فإن اتبعونا اتبعنا منهم عنق يقطعها اللَّه، وأن قعدوا قعدوا محزونين موتورين!. فقام أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: اللَّه ورسوله اعلم! نرى يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن نمضي لوجهنا فمن صدنا عن البيت قاتلناه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فإن خيل قريش فيها خالد بن الوليد بالغميم. فقال أبو هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فلم أر أحدا كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت مشاورته أصحابه في الحرب فقط. قال: فقام المقداد ابن عمرو فقال: يا رسول اللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى:   [ (1) ] (شرح مسلم للنووي) : 12/ 339، كتاب الجهاد باب (22) جواز قتال من نقض العهد حديث رقم (65) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 203، كتاب الجهاد، باب (168) إذا نزل العدو، على حكم رجل، حديث رقم (3043) ، وذكره في المغازي، باب مرجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأحزاب، وفي فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب مناقب سعد بن معاذ، وفي الاستئذان، باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: قوموا إلى سيدكم، ومسلم في الجهاد، باب جواز قتل من نقض العهد، حديث رقم (1768) ، وأبو داود في الأدب، باب ما جاء في القيام، حديث رقم (5215) ، (5216) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 258 فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [ (1) ] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، واللَّه يا رسول اللَّه لو سرت إلى برك الغماد [ (2) ] لسرنا معك ما بقي منا رجل. وتكلم أسيد بن حضير فقال يا رسول اللَّه نرى أن نصمد لما خرجنا له فمن صدّنا قاتلناه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنا لم نخرج لقتال أحد إنما خرجنا عمار. ولقيه بديل بن ورقاء في نفر من أصحابه فقال يا محمد لقد اغتررت بقتال قومك جلابيب العرب، واللَّه ما أرى معك أحد له وجه، مع أنى أراكم قوما لا سلاح معكم، قال أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: عضضت بظر اللات! قال بديل: أما واللَّه لولا يد لك عندي لأجبتك، فو اللَّه ما أتهم أنا ولا قومي ألا أكون أحب أن يظهر محمد! إني رأيت قريشا مقاتلتك عن ذراريها وأموالها، قد خرجوا إلى بلدح فضربوا الأبنية، معهم العوذ المطافيل، ورادفوا على الطعام، يطعمون الجزر من جاءهم، يتقوون بهم على حربكم فر رأيك. قال الواقدي: فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الحديبيّة نزل بمر الظهران ثم نزل عسفان، فأرملوا [ (3) ] من الزاد، فشكى الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنهم قد بلغوا الجهد [ (4) ] من الجوع وفي الناس ظهر، وقالوا: فننحر يا رسول اللَّه، وندهن من شحومه، ونتخذ من جلوده حذاء، فأذن لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبر بذلك عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فجاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه لا تفعل فإن يك في الناس بقية ظهر يكن أمثل، ولكن أدعهم بأزوادهم ثم ادع اللَّه فيها.   [ (1) ] المائدة: 24 [ (2) ] برك الغماد: ووضع وراءه مكة بخمس ليال مما يلي البحر، وفي كتاب عياض هو موضع أقاصى أرض هجر. (معجم البلدان) : 1/ 475، موضع رقم (1799) . [ (3) ] أرمل القوم: إذا نفد زادهم. [ (4) ] كذا في الأصل، وفي (مغازي الواقدي) : «قد بلغوا من الجوع» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 259 فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأنطاع فبسطت، ثم نادى مناديه: من كان عنده بقية من زاد فلينثره على الأنطاع. قال أبو شريح [ (1) ] الكعبي: فلقد رأيت من يأتى بالتمرة الواحدة، وأكثرهم لا يأتى بشيء، ويأتى بالكف من الدقيق، والكف من السويق، وذلك كله قليل. فلما اجتمعت أزوادهم وانقطعت موادهم مشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليها فدعى فيها بالبركة، ثم قال: قربوا أوعيتكم، فجاءوا بأوعيتهم. قال أبو شريح: فأنا حاضر، فيأتي الرجل فيأخذ ما شاء من الزاد حتى إن الرجل لأخذه ما لا [يجد له محملا [ (2) ]] . قال الواقدي: ولما انتهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى منزله بعين خيبر [ (3) ] جعل مسجدا فصلى إليه من آخر الليل نافلة. فثارت راحلته تجر زمامها. فأدركت توجّه إلى الصخرة لا تريد أن تركب فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوها فإنّها مأمورة حتى بركت عند الصخرة، فتحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الصخرة، وأمر برحله فحط، وأمر الناس بالتحول إليها، ثم ابتنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليها مسجدا. فهو مسجدهم اليوم. فلما أصبح جاءه الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليك، إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان عن أمر أمرت به فلا نتكلم فيه، وإن كان الرأى [تكلمنا] . فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل هو الرأى. فقال:   [ (1) ] هو أبو شريح الخزاعي ثم الكعبي، خويلد بن عمرو وقيل عمرو بن خويلد وقيل هانئ وقيل كعب بن عمرو وقيل عبد الرحمن والأول أشهر، بكعب جزم ابن نمير وأبو خيثمة وتردد هارون الجمال في خويلد وكعب قال الطيرى هو خويلد بن عمرو بن صخر بن عبد العزى بن معاوية من بنى عدي بن عمرو بن ربيعة أسلم قبل الفتح وكان معه لواء خزاعة يوم الفتح. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 616. [ (3) ] (معجم البلدان) : 2/ 468 الموضع المذكور في غزاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي على ناحية ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام، تشتمل الولاية على سبعة حصون ومزارع ونخل كثير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 260 يا رسول اللَّه دنوت من الحصن ونزلت بين ظهري النخل والنز [ (1) ] ، مع أن أهل النطاة لي بهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى منهم، ولا أعدل منهم [وهم مرتفعون] ، علينا وهو أسرع لانحطاط نبلهم، مع أنى لا آمن بيتهم يدخلون في خمر [ (2) ] النخل، تحول يا رسول اللَّه إلى موضع بريء من النز ومن الوباء، نجعل الحرة بيننا وبينهم حتى لا ينالنا نبلهم. ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نقاتلهم هذا اليوم، ودعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمد ابن مسلمة فقال: انظر لنا منزلا بعيدا من حصونهم، بريئا من الوباء، نأمن فيه بياتهم، فطاف محمد حتى انتهى إلى الرجيع [ (3) ] ، ثم رجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلا فقال: وجدت لك منزلا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: على بركة اللَّه تعالى. وقاتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومه ذلك إلى الليل، يقاتل أهل النطاة، يقاتلها من أسفلها، وحشدت اليهود يومئذ، فقال الحباب بن المنذر: لو تحولت يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا أمسينا إن شاء اللَّه تحولنا. وجعلت نبل اليهود تخالط عسكر المسلمين وتجاوزه، وجعل المسلمون يلتقطون نبلهم، ثم يردونها عليهم. فلما أمسى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحول، وأمر الناس فتحولوا إلى الرجيع، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يغدو بالمسلمين على راياتهم، وكان شعارهم: يا منصور أمت! فقال له الحباب بن المنذر: يا رسول اللَّه، إن اليهود ترى النخل أحب إليهم من أبكار أولادهم، فاقطع نخلهم، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقطع النخل ووقع المسلمون في قطعها حتى أسرعوا في القطع، فجاءه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال يا: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن اللَّه عز وجل قد وعدكم خيبر، وهو منجز ما وعدك، فلا تقطع النخل. فأمر فنادى منادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فنهى عن قطع النخل.   [ (1) ] النزّ: ما يتحلب من الأرض من الماء. [ (2) ] الخمر بالتحريك: كل ما سترك من شجر أو بناء أو غيره. (النهاية) : 1/ 320. [ (3) ] الرجيع: واد قرب خيبر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 261 قال وحدثني محمد بن يحيى، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت نخلا بخيبر في النطاة مقطعة، فكان ذلك مما قطع أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وحدثني أسامة بن زيد الليثي، عن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة قال: قطع المسلمون في النطاة أربعمائة عذق، ولم تقطع في غير النطاة فكان محمد بن مسلمة ينظر إلى صور من كبيس [ (1) ] ، قال: أنا قطعت هذا الصور بيدي حتى سمعت بلالا ينادى: عزمة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يقطع النخل، فأمسكنا. قال الواقدي [ (2) ] حدثني يحيى بن عبد العزيز، عن بشير بن محمد بن عبد اللَّه بن زيد قال: قدم رجل من أشجع يقال له حسيل بن نويرة، وقد كان دليل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خيبر، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أين يا حسيل؟ قال: قدمت من الجناب [ (3) ] . فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما وراءك؟ قال: تركت جمعا من غطفان بالجناب، قد بعث إليهم عيينة يقول لهم: إما تسيروا إلينا وإما نسير إليكم. فأرسلوا إليه أن سر إلينا حتى نزحف إلى محمد جميعا، وهم يريدونك أو بعض أطرافك. قال: فدعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فذكر لهما ذلك، فقالا جميعا: ابعث بشير بن سعد، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشيرا فعقد له لواء، وبعث معه ثلاثمائة رجل، وأمرهم أن يسيروا الليل ويمكنوا النهار، وخرج معهم حسيل بن نويرة دليلا، فسار الليل وكمنوا   [ (1) ] الصور: النخل الصغار أو المجتمع. والكبيس: ضرب من التمر. (القاموس المحيط) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 727. [ (3) ] (معجم البلدان) : 2/ 191، والجناب موضع بعراض خيبر وسلاح ووادي القرى وقيل هو منازل بنى مازن وقال نصر الجناب من ديار بنى فزارة من الدينة وفيد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 262 النهار حتى أتوا أسفل خيبر فنزلوا بسلاح [ (1) ] ، ثم خرجوا من سلاح حتى دنوا من القوم فقال لهم الدليل: بينكم وبين القوم ثلثا نهار أو ونصفه، فإن أحببتم كمنتم وخرجت طليعة آتيكم بالخبر وإن أحببتم سرنا جميعا. فقالوا: بل نقدمك، فقدموه، فغاب عنهم ساعة ثم كرّ عليهم فقال: هذا أوائل سرحهم، فهل لكم أن تغيروا عليهم؟ فاختلف أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال بعضهم: إن أغرنا الآن حذرنا الرجال والطعن. وقال أخرون: نغنم ما ظهر لنا، ثم نطلب القوم، فشجعوا على النعم، فأصابوا نعما كثيرا ملئوا منه أيديهم، وتفرق الرعاء وخرجوا سراعا، ثم حذروا الجمع فتفرق الجمع وحذروا، ولحقوا بعلياء بلادهم، فخرج بشير بأصحابه حتى أتى محالهم فيجدها وليس بها أحد. فرجع بالنعم حتى إذا كانوا بسلاح راجعين لقوا عينا لعيينة فقتلوه ثم لقوا جمع عيينة وعيينة لا يشعر بهم فناوشوهم، ثم انكشف جمع عيينة وتبعهم أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأصاب منهم رجل أو رجلين فأسروهما أسرا، فقدموا بهما على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلما فأرسلهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال الواقدي: ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى نزل قريبا من حصن الطائف فضرب عسكره هناك فحين حل وأصحابه جاءه الحباب بن المنذر فقال فأخبره، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يتحولوا. قال عمرو بن أمية إني لأنظر إلى أبى محجن يرمى من فوق الحصن ما يسقط له سهم، وكان عمرو ابن أمية الضمريّ يحدث يقول: لقد طلع علينا من نبلهم ساعة نزلنا [شيء اللَّه به عليم كأنه رجل من جراد] وترسنا لهم حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة، ودعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحباب فقال: انظر مكانا مرتفعا مستأخرا عن القوم فخرج الحباب حتى انتهى إلى موضع مسجد الطائف خارج من القرية فجاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يتحولوا. قال   [ (1) ] سلاح: موضع أسفل من خيبر، وكان بشير بن سعد الأنصاري لما بعثه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى يمن وجبار في سرية للإيقاع بجمع من غطفان لقيهم بسلاح. (معجم البلدان) : 3/ 263، موضع رقم (6510) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 263 عمرو بن أمية إني لأنظر إلى أبى محجن يرمى من فوق الحصن بعشرته بمعابل كأنها الرماح، ما يسقط له سهم قالوا: وارتفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند مسجد أهل الطائف اليوم. قال الواقدي [ (1) ] في غزوة تبوك: وكان هرقل قد بعث رجلا من غسّان إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فينظر إلى صفته وإلى علاماته، إلى حمرة في عينيه، ثم وإلى خاتم النبوة بين كتفيى، وسأل فإذا هو لا يقبل الصدقة، فوعى أشياء من حال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم انصرف إلى هرقل فذكر له ذلك له، فدعى قومه إلى التصديق به، فأبوا حتى خافهم على ملكه، وهو في موضعه لم يتحرك ولم يزحف. وكان الّذي خبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من بعثته أصحابه ودنوه إلى أدنى الشام باطلا ولم يرد ذلك ولم يهم به. وشاور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه في التقدم، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن كنت أمرت بالمسير فسر، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو أمرت به ما استشرتكم فيه، قال: يا رسول اللَّه فإن للروم جموعا كثيرة، وليس بها أحد من أهل الإسلام وقد دنوت منهم حيث ترى، وقد أفزعهم دنوك، فلو رجعت هذه السنة حتى ترى، أو يحدث اللَّه لك في ذلك أمرا. قال الواقدي [ (2) ] : فلما أجمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسيرة من تبوك أرمل الناس إرمالا شديدا فشخص على ذلك الحال حتى جاء الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستأذنونه أن ينحروا ركابهم فياكلوها، فأذن لهم فلقيهم عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهم على نحرها، فأمرهم أن يمسكوا عن نحرها، ثم دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في خيمة له فقال: أذنت الناس في نحر حمولتهم يأكلونها؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شكوا إلى ما بلغ منهم الجوع فأذنت لهم،   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1018. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1037- 1039. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 264 بنحر الرفقة البعير والبعيرين، ويتعاقبون فيما فضل من ظهرهم، وهم قافلون إلى أهليهم. فقال: يا رسول اللَّه، لا تفعل، فإن يكن للناس فضل من ظهرهم يكن خيرا، فالظهر اليوم رقاق، ولكن أدع بفضل أزوادهم ثم اجمعها فادع اللَّه فيها بالبركة كما فعلت في منصرفنا من الحديبيّة حيث أرمنا، فإن اللَّه عز وجل يستجيب لك، فنادى منادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كان عنده فضل من زاد فليأت به، وأمر بالأنطاع فبسطت، فجعل الرجل يأتى بالمد الدقيق والسويق والتمر، والقبضة من الدقيق والسويق والتمر والكسر فيوضع كل صنف من ذلك على حدة، وكل ذلك قليل، فكان جميع ما جاءوا به من الدقيق والسويق والتمر ثلاثة أفراق [ (1) ] حزرا، ثم قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتوضأ وصلّى ركعتين، ثم دعا اللَّه عز وجل أن يبارك فيه. فكان أربعة من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدثون جميعا حديثا واحدا، حضروا ذلك وعاينوه: أبو هريرة، وأبو حميد الساعدي، وأبو زرعة الجهنيّ معبد بن خالد، وسهل بن سعد الساعدي، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. قالوا ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونادى مناديه: هلموا إلى الطعام خذوا منه حاجتكم، فأقبل الناس فجعل كل من جاء بوعاء ملأه. فقال بعضهم لقد طرحت يومئذ كسرة من خبز وقبضة من تمر، ولقد رأيت الأنطاع تفيض، وجئت بجرابين فملأت إحداهما سويقا والآخر خبزا، وأخذت في ثوبي دقيقا، ما كفانا إلى المدينة، فجعل الناس يتزودون الزاد حتى نهلوا عن آخرهم حتى كان آخر ذلك أن أخذت الأنطاع ونثر ما عليها. فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول وهو واقف: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنى عبده ورسوله وأشهد أنه لا يقولها أحد من حقيقة قلبه إلا وقاه اللَّه حر النار. وكان الذين رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى رأيهم الحباب بن المنذر بن   [ (1) ] الأفراق: جمع فرق، وهو مكيال المدينة يسع ثلاثة آصع، أو يسع ستة عشر رطلا، أو أربعة أرباع. والحرز: التقدير والخرص. (القاموس المحيط) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 265 الجموح، وسعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأبو بكر، عمر، وسلمان فإنه أشار بحفر الخندق ولم تكن العرب تخندق عليها، وأشار أيضا بعمل المنجنيق. قال الواقدي [ (1) ] عن عبد الحميد عن سليم بن يسار: أن سلمان الفارسي أشار بنصب المنجنيق على الطائف فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعملوا ثم نصبه. على حصن الطائف.   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 927. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 266 فصل في ذكر ما كان يقوله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا خرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا قال: اللَّهمّ أنت عضدي وأنت نصيري وبك أقاتل. وخرجه أبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] بهذا السند ولفظهما: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا قال: اللَّهمّ أنت عضدي وأنت نصيرى، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل، وذكر أبو داود وأبو بكر البزار هذا الحديث [وقال] : لا يعلم رواه عن قتادة عن أنس إلا المثنى بن سعيد.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 30 حديث رقم (12498) ، ولفظه: إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن اللَّه عز وجل يقول: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي قال وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا قال: اللَّهمّ ... فذكره. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 97، كتاب الجهاد باب (99) ما يدعى عند اللقاء حديث رقم (2623) ، قوله: أحول، معناه أحتال، قال ابن الأنباري: الحول معناه في كلام العرب الحيلة، يقال: ما للرجل حولة وما له محالة، قال: ومنه قولك: لا حول ولا قوة إلا باللَّه. أي لا حيلة في دفع سوء، ولا قوة في درك خير إلا باللَّه، وفيه وجه آخر وهو أن يكون معناه المنع والدفع، من قولك: حال بين الشيئين إذا منع أحدهما عن الآخر، يقول: لا أمنع ولا أدفع إلا بك. (معالم السنن) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 534، كتاب الدعوات باب (122) في الدعاء إذا غزا حديث رقم (3584) ، وأخرجه النسائي في (الكبرى) ، و (عمل اليوم والليلة) : 188، باب الاستنصار عند اللقاء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 267 فصل في ذكر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد غزوة ورّى بغيرها خرج البخاري [ (1) ] من حديث ابن شهاب قال: أخبرنى عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان قائد كعب من بنيه- قال: سمعت كعب بن مالك حين تخلف عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لم يكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يريد غزوة إلا ورّى بغيرها. حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل غزو عدو كثير، فجلّى للمسلمين أمره ليتأهّبوا أهبة عدوهم وأخبرهم بوجهه الّذي يريد. وخرجه مسلم [ (2) ] من حديث ابن شهاب. وذكراه مطويا في كتاب التوبة.   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 139- 140 كتاب الجهاد والسير، باب (103) من أراد غزوة فوري بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس، حديث رقم (2947) ، (2948) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 94، كتاب التوبة، باب (9) حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، حديث رقم (2769) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 268 فصل في وقت إغارة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري [ (1) ] من حديث حميد الطويل عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى خيبر ليلا- وكان إذا أتى قوما بليل لم يقربهم حتى يصبح- فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالوا: محمد واللَّه، محمد والخميس. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين. ذكره في كتاب الصلاة في باب ما يحقن بالأذان من الدماء. وذكره في كتاب المغازي، ولفظه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى خيبر ليلا وكان إذا أتى قوما بليل لم يغزهم حتى يصبح فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 593- 594 كتاب المغازي، باب (39) غزوة خيبر حديث رقم (4197) ، قوله: «أتى خيبر ليلا» أي قرب منها، وذكر ابن إسحاق أنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم، قال: فبلغني أن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر، فسمعوا حسا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم، فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر. قوله: «لم يغز بهم حتى يصبح» كذا للكثر من الإغارة، ولأبى ذر عن المستملي «لم يقربهم» بفتح أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الموحدة، فإن سمع أذانا كف عنهم وإلا أغار، قال: فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب. وحكى الواقدي أن أهل خيبر سمعوا بقصده لهم، فكانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين فلا يرون أحدا. حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك، وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم فوجدوا المسلمين. قوله: «بمساحيهم» بمهملتين جمع مسحاة وهي من آلات الحرث «ومكاتلهم» جمع مكتل وهو القفة الكبيرة التي يحول فيها التراب وغيره. وعند أحمد من حديث أبى طلحة في نحو هذه القصة «حتى إذا كان عند السحر وذهب ذو الزرع إلى زرعه وذو الضرع إلى ضرعه أغار عليهم. يؤخذ من هذا الحديث التفاؤل، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما رأى آلات الهدم أخذ منه أن مدينتهم ستخرب، ويحتمل أن يكون قال «خربت خيبر» بطريق الوحي. ويؤيده قوله بعد ذلك: «إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» . (فتح الباري) مختصرا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 269 رأوه قالوا: محمد واللَّه والجيش فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، وذكره في غزوة خيبر من حديث محمد بن سيرين وثابت البناني، وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وخرجه مسلم [ (1) ] من طرق متعددة. وخرج مسلم [ (2) ] وابن أبى خيثمة من حديث يحيى بن سعيد، عن حماد ابن سلمة قال: أنبأنا ثابت، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار، فسمع رجلا يقول اللَّه أكبر اللَّه أكبر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خرجت من النار فنظروا فإذا هو راعى معزى.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 405، كتاب الجهاد، باب (43) غزوة خيبر، حديث رقم (1865) ، قوله: «اللَّه أكبر خربت خيبر» فيه استحباب التكبير عند اللقاء، قال القاضي: قيل: تفاءل بخرابها بما رآه في أيديهم من آلات الخراب من الفؤوس والمساحي وغيرها، وقيل أخذه من اسمها، والأصح أنه أعلمه اللَّه تعالى بذلك. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم «إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» الساحة الفناء وأصلها الفضاء بين المنازل، ففيه جواز الاستشهاد في مثل هذا السياق بالقرآن في الأمور المحققة، وقد جاء لهذا نظائر كثيرة كما في فتح مكة أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل يطعن في الأصنام ويقول: جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد، وقوله: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. قال العلماء: يكره من ذلك ما كان على ضرب الأمثال في المحاورات والمزح ولغو الحديث فيكره في كل ذلك تعظيم لكتاب اللَّه تعالى. (شرح النووي) مختصرا. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 326، كتاب الصلاة، باب (6) الإمساك عن الإغارة على قوم في دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان، حديث رقم 382 قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «خرجت من النار» أي بالتوحيد، واحتج به في أن الأذان مشروع للمنفرد، وهذا هو الصحيح المشهور في مذهبنا ومذهب غيرنا. وفي الحديث دليل على أن الأذان يمنع الإغارة على أهل ذلك الموضع فإنه دليل على أسلمهم، وفيه أن النطق بالشهادتين يكون إسلاما وإن لم يكن باستدعاء ذلك منه وهذا هو الصواب. (شرح النووي) : مختصرا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 270 وخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث عفان فذكره وقال: حديث حسن صحيح وخرجه النسائي [ (2) ] من حديث عبد الأعلى عن سعيد، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وخرج قاسم بن أصبغ من حديث ابن إسحاق عن حميد، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزي قوما لم يغز عليهم حتى يصبح، فذكره. فصل في ذكر الوقت الّذي كان يقاتل فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج الإمام مسلم [ (3) ] من حديث الليث، عن أبى الزبير، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال لم يكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى فإذا حضره ذلك أقام حتى تنسلخ. وخرج من حديث موسى بن عقبة عن أبى النضر، عن عبد اللَّه بن معقل، عن أبى أوفى رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب ان ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس، وخرج أبو داود [ (4) ] والنسائي من حديث حماد قال أنبأنا أبو عمران الجونى عن علقمة بن عبد اللَّه المزني، عن معقل   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 102 كتاب السير، باب (3) في البيات والغارات، حديث رقم (1550) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 1/ 293، كتاب المواقيت، باب (26) التغليس في السفر، حديث رقم (546) ولفظه: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم خيبر صلاة الصبح بغلس وهو قريب منهم، فأغار عليهم وقال: اللَّه أكبر خربت خيبر مرتين، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين. [ (3) ] (مسند أحمد) : 4/ 287، حديث رقم (14173) ، 306، حديث رقم (12303) ، وفي الأصل: «خرجه الإمام مسلم» . [ (4) ] (سنن أبى داود) : 3/ 113، كتاب الجهاد، باب (111) في أي وقت يستحب اللقاء، حديث رقم (2655) ، وأخرجه الترمذي في السير، باب الساعة التي يستحب فيها القتال، حديث رقم (1612) ، ونسبه المنذر للنسائى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 271 ابن يسار، أن النعمان- يعنى ابن مقرن-، قال: شهدت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [كان] [ (1) ] إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، [وتهب الرياح وينزل النصر] [ (2) ] . وخرجه البخاري [ (3) ] من طريق المعتمر بن سليمان قال أنبأنا [سعيد] ابن عبيد اللَّه، قال النعمان: ربما أشهدك اللَّه مثلها مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يندمك ولم يخزك ولكنى شهدت القتال مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح، وتحضر الصلوات. فصل في ذكر دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على المشركين في محاربتهم خرج البخاري [ (4) ] من حديث خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو في قبة يوم بدر: أنشدك عهدك ووعدك، اللَّهمّ إن   [ (1) ] زيادة من الأصل. [ (2) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) . [ (3) ] (فتح الباري) 6/ 317- 318، كتاب الجزية والموادعة، باب (1) الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، حديث رقم (3160) . [ (4) ] (فتح الباري) : 8/ 796، كتاب التفسير، باب (5) قوله تعالى سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ حديث رقم (4875) ، قال الحافظ في (الفتح) : هذا الحديث من مرسلات ابن عباس لأنه لم يحضر القصة، وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة أن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما نزلت سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ جعلت أقول: أي جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يثب في الدرع وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ فكأن ابن عباس حمل ذلك عن عمر، وكأن عكرمة حمله عن ابن عباس عن عمر، وقد أخرج مسلم من طريق سماك بن الوليد عن ابن عباس: حدثني عمر ببعضه. وأخرجه في كتاب المغازي، باب (4) قول اللَّه تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 272 تشأ لا تعبد بعد اليوم. فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك يا رسول اللَّه، ألححت على ربك- وهو يثب في الدرع، فخرج وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. ذكره في كتاب التفسير وفي غزوة بدر في [المغازي] بألفاظ متقاربة. وخرجه مسلم من طرق مطولا [ (1) ] . وخرجه الترمذي كذلك والنسائي عن أبى إسحاق، عن أبى عبيدة، عن عبد اللَّه قال: لما التقينا يوم بدر فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلى فما رأيت ناشدا ينشد حقا له أشد من مناشدة محمد لربه وهو يقول اللَّهمّ إني أنشدك وعدك وعهدك، اللَّهمّ إني أسألك ما وعدتني، اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض. وخرج البخاري من حديث عبيدة ووكيع عن إسماعيل بن أبى خالد سمعت عبد اللَّه بن أبى أوفى يقول: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأحزاب فقال: في كتاب الجهاد [ (2) ] ، من حديث إسماعيل بن أبى خالد أنه سمع عبد اللَّه بن أبى أوفى رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، يقول: دعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب على المشركين فقال: اللَّهمّ منزل الكتاب، سريع الحساب، اللَّهمّ اهزم الأحزاب اللَّهمّ اهزمهم وزلزلهم وفي كتاب الدعاء [ (3) ] .   [ () ] لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ* إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ [الأنفال 9- 13] ، حديث رقم (3953) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 291- 292، كتاب الجهاد والسير، باب (7) استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو حديث رقم (1743) ، مختصرا، ومطولا في باب (18) الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم، حديث رقم (1763) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 131، كتاب الجهاد، باب (98) الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، حديث رقم (2933) . [ (3) ] (فتح الباري) : 11/ 231، (كتاب الدعوات) باب (58) ، الدعاء على المشركين، وقال ابن مسعود قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف. وقال: اللَّهمّ عليك بأبي جهل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 273 وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث خالد بن عبد اللَّه عن إسماعيل بن أبى خالد عن عبد اللَّه بن أبى أوفى قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مثله ومن حديث وكيع بن الجراح عن إسماعيل مثل حديث خالد، غير أنه قال: هازم الأحزاب. ولم يذكر قوله: اللَّهمّ. ومن حديث ابن عيينة عن إسماعيل بهذا الإسناد وزاد ابن أبى عمر في روايته: [مجرى السحاب] . وذكره أبو عبد اللَّه البخاري [ (2) ] في كتاب التوحيد من حديث سعفان بن عبد اللَّه عن إسماعيل بن أبى خالد عن عبد اللَّه بن أبى أوفى رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب اللَّهمّ منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب وزلزلهم. وخرجه النسائي. وخرجه البخاري [ (3) ] في كتاب الجهاد من حديث عبد اللَّه عن إسماعيل ابن أبى خالد أنه سمع عبد اللَّه بن أبى أوفى يقول: دعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب على المشركين فقال: [اللَّهمّ منزل الكتاب سريع الحساب اللَّهمّ اهزمهم] . وخرج النسائي في الجهاد من حديث معاذ بن هشام قال حدثني أبو قتادة، عن أبى بردة، عن عبد اللَّه بن قيس أن أباه حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خاف قوما قال: [اللَّهمّ إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم] ، وخرجه في كتاب (عمل اليوم والليلة) .   [ () ] وقال ابن عمر: دعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة وقال: اللَّهمّ العن فلانا وفلانا، حتى أنزل اللَّه عز وجل: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، حديث رقم (6392) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 291، (كتاب الجهاد والسير) ، باب (7) استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو، حديث رقم (21) ، (22) ، (23) ، ذكر في الباب دعاه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند لقاء العدو وقد اتفقوا على استحبابه. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «اللَّهمّ اهزمهم وزلزلهم» أي أزعجهم وحركهم بالشدائد، قال أهل اللغة: الزلزال والزلزلة الشدائد التي تحرك الناس. [ (2) ] سبق تخريجه. [ (3) ] سبق تخريجه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 274 وقال الواقدي حدثني كثير بن زيد، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن جابر بن عبد اللَّه قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأحزاب في مسجد الأحزاب، يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، فاستجيبت له بين الظهر والعصر يوم الأربعاء، قال: فعرفنا السرور في وجهه، قال جابر: فما نزل بى أمر غائظ مهم إلا تحينت تلك الساعة من ذلك اليوم فأدعو اللَّه عز وجل فأعرف الإجابة. وخرجه البخاري في الأدب المفرد به بمثله، وخرجه أحمد [ (1) ] أيضا في الجهاد، وقال الواقدي: وكان بن أبى ذئب يحدث عن رجل من بنى سلمة، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الجبل الّذي عليه المسجد، فدعا ورفع يديه مدا، ثم جاءه مرة أخرى فصلى ودعا. فصل في ذكر شعار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حروبه خرج أبو داود [ (2) ] من حديث يزيد بن هارون، عن الحجاج عن قتادة عن الحسن، عن سمرة بن جندب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان شعار المهاجرين: عبد اللَّه، وشعار الأنصار: عبد الرحمن. والنسائي [ (3) ] من حديث عبد الرحمن بن مهدي، عن عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: كنا مع أبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو أول من أمّره علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان شعارنا: أمت أمت، وخرجه أبو داود [ (4) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 5/ 469- 471، حديث رقم (18628) ، (18635) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 73، كتاب الجهاد، باب (78) في الرجل ينادى الشعار حديث رقم (2595) . [ (3) ] لم أجده في (السنن) ولعله في (الكبرى) . [ (4) ] (سنن أبى داود) : 3/ 73- 74 كتاب الجهاد، باب (78) في الرجل ينادى بالشعار، حديث رقم (2596) ولفظه: «غزونا مع أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، زمن النبي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 275 ولأبى داود [ (1) ] والترمذي [ (2) ] من حديث أبى إسحاق، عن المهلب بن أبي صفرة قال أخبرني من سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن بيتم فليكن شعاركم: حم لا ينصرون. وخرجه النسائي [ (3) ] وابن الجارود. وقال الواقدي [ (4) ] : فحدثني ابن أبى حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: جعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شعار المهاجرين يوم بدر: يا بنى عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بنى عبد اللَّه، وشعار الأوس: يا بني عبيد اللَّه، وفي يوم أحد: أمت أمت، وفي بنى النضير: أمت أمت، وفي المريسيع: أمت أمت، وفي الخندق: حم لا ينصرون، وفي قريظة والغابة لم يسم أحدا، وفي حنين: يا منصور أمت، وفي الفتح شعار المهاجرين: بنى عبد الرحمن، ويجعل شعار الخزرج: بنى عبد اللَّه، والأوس: بنى عبد اللَّه، وفي خيبر: بنى عبد الرحمن للمهاجرين، وللخزرج: بنى عبد اللَّه، وللأوس: بنى عبيد اللَّه، وفي الطائف لم يسم أحدا.   [ () ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان شعارنا: أمت أمت» ، وأخرجه الدارميّ في السير، باب الشعار، حديث رقم (2455) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 637، حديث رقم: (16063) ، من حديث عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: «كان شعارنا ليلة بيتنا في هوازن مع أبى بكر الصديق أمّره علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمت أمت، وقتلت بيدي ليلتئذ سبعة أهل أبيات» . [ (1) ] المرجع السابق من طريق أخرى وبسياقه مختلفة حديث رقم (2597) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 170، كتاب الجهاد، باب (11) ما جاء في الشعار، حديث رقم (1682) ، ونسبه المنذري للنسائى، قال المنذري: ووقع عند غيرهما «يا منصور أمت، أمت» . قيل: هو أمر بالموت، والمراد به التفاؤل بالنصر، بعد الأمر بالإماتة، مع حصول الغرض بالشعار، فإنّهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها، لأجل ظلمة الليل فيعرف بها الرجل وقفاءه. (معالم السنن) . [ (3) ] لم أجده في (السنن) ولعله في (الكبرى) . [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 8، 71- 72. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 276 فصل في ذكر المغازي التي قاتل فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال الواقدي: وكان ما قاتل صلّى اللَّه عليه وسلّم تسعا: بدر القتال، يوم أحد، المريسيع، الخندق، قريظة، خيبر، الفتح، وحنين، والطائف قال: ويقال: قد قاتل في بني النضير ولكن اللَّه جعلها له خاصة، وقاتل في غزوة تبوك، ووادي القرى منصرفة من خيبر، وقتل بعض أصحابه، وقاتل في الغابة حتى قتل محرز بن فضل، وقتل من العدو ستة. قال الواقدي في وقعة أحد: ورمى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ عن قوسه حتى صارت شظايا، فأخذها قتادة بن النعمان وكانت عنده. وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته. قال قتادة بن النعمان: فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: أي رسول اللَّه، إن تحتى امرأة شابة جميلة أحبها وتحبني وأنا أخشى أن تقذر مكان عيني. فأخذها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فردها فأبصرت وعادت كما كانت، فلم تضرب عليه ساعة من ليل ولا نهار، وكان يقول بعد أن أسن: هي واللَّه أقوى عينىّ! وكانت أحسنهما. وباشر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القتال، فرمى بالنبل حتى فنيت نبله وتكسرت سية قوسه، وقبل ذلك انقطع وتره، وبقيت في يده قطعة تكون شبرا في سية القوس، وأخذ القوس عكاشة بن محصن يوتره له، فقال: يا رسول اللَّه، لا يبلغ الوتر. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مده، يبلغ! قال عكاشة: فو الّذي بعثه بالحق، لمددته حتى بلغ وطويت منه ليتين أو ثلاثة على سية القوس. ثم أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قوسه، فما زال يرمى القوم، وأبو طلحة أمامهم يستره مترسا عنه، حتى نظرت إلى قوسه قد تحطمت، فأخذها قتادة بن النعمان. قال الواقدي [ (1) ] : حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: لما كان يوم أحد أقبل أبيّ بن خلف يركض فرسه، حتى إذا دنا من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اعترض له ناس من أصحابه ليقتلوه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استأخروا عنه! فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحربته في يده فرماه بها بين سابغة البيضة   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 250. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 277 والدرع فطعنه هناك، فوقع أبي عن فرسه وكسر ضلع من أضلاعه واحتملوه فمات بالطريق، ونزلت فيه وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ (1) ] . فحدثني يونس بن محمد الظفري. عن عاصم بن عمر، عن عبد اللَّه ابن كعب بن مالك، عن أبيه، قال: كان أبى بن خلف قدم في فداء ابنه، وكان أسر يوم بدر، فقال: يا محمد، إن عندي فرسا لي أجلها فرقا من ذرة كل يوم، أقتلك عليها. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل- أنا أقتلك عليها إن شاء اللَّه ويقال قال ذلك بمكة فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمته بالمدينة فقال: أنا أقتله عليا إن شاء اللَّه. قالوا وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القتال لا يلتفت وراءه، وكان يقول لأصحابه: إني أن يأتى أبىّ بن خلف من خلفي، فإذا رأيتموه فآذنونى به، فإذا بأبىّ يركض على فرسه، وقد رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعرفه، جعل فجعل يصيح بأعلى صوته: يا محمد، لا نجوت إن نجوت! فقال القوم: يا رسول اللَّه، ما كنت صانعا حين يغشاك؟ فقد جاءك، وإن شئت عطف عليه بعضنا فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ودنا أبيّ فتناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم انتقض بأصحابه كما ينتقض البعير، فتطايرنا عنه تطاير الشعارير، ولم يكن أحد يشبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جد الجد. ثم أخذ الحربة فطعنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحربة في عنقه وهو على فرسه، فجعل يخور كما يخور الثور، ويقول له أصحابه: أبا عامر، واللَّه ما بك بأس، ولو كان هذا الّذي بك بعين أحدنا ما ضرّه. فقال واللات والعزى لو كان هذا الّذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون! أليس قال: لأقتلنك؟ فاحتملوه وشغلهم ذلك عن طلب رسول اللَّه   [ (1) ] الأنفال: 17. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 278 صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولحق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعظم أصحابه في الشّعب. ويقال: تناول الحربة من الزبير بن العوام. وكان ابن عمر يقول: مات أبىّ بن خلف ببطن رابغ، فإنّي لأسير ببطن رابغ بعد هوى من الليل، إذ نار تأجج، فهبتها، وإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح: العطش! وإذا رجل يقول: لا تسقه، فإن هذا قتيل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، هذا أبىّ بن خلف. فقلت: ألا سحقا! ويقال مات بسرف. ويقال لما تناول الحربة من الزبير حمل أبىّ على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليضربه، فاستقبله مصعب بن عمير يحول بنفسه دون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فضرب مصعب ابن عمير وجهه، وأبصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجة بين سابغة البيضة والدرع فطعنه هناك، فوقع وهو يخور [ (1) ] . فصل في ذكر ما كان للنّبيّ عليه السلام من الغنيمة خرج أبو داود [ (2) ] من حديث سفيان عن مطرف، عن الشعبي، قال: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم سهم يدعي الصفيّ، إن شاء عبدا، وإن شاء أمة، وإن شاء فرسا، يختاره قبل الخمس. ومن حديث ابن عون قال: سألت محمدا عن سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والصفي، قال: كان يضرب له بسهم من المسلمين وإن لم يشهد، والصفي يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شيء.   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 250- 252، (طبقات ابن سعد) : 1/ 64. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 397- 398، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (21) ما جاء في سهم الصفىّ، حديث رقم (2991) ، قال المنذري: هذا حديث مرسل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 279 ومن حديث سعيد- يعنى ابن بشير- عن قتادة، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث شاءه، فكانت صفية من ذلك السهم، وكان إذا لم يغز بنفسه ضرب له بسهمه ولم يخير. ومن حديث سفيان عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان صفية من الصفي [ (1) ] . ولأبي بكر بن أبي شيبة [ (2) ] من حديث وكيع قال: أنبأنا قرة بن خالد، عن أبي العلاء يزيد بن عبد اللَّه بن الشخير قال: كنا جلوسا بهذا المسجد بالبصرة فأتى أعرابيّ معه قطعة أديم أو قطعة جراب فقال: هذا كتاب كتبه لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذته فقرأته على القوم فإذا فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول اللَّه لبني زهير، إنكم إن أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم الخمس من المغنم، ثم سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والصفي، فأنتم آمنون بأمان اللَّه وأمان رسول اللَّه قال: قلنا للأعرابي: من أين سمعت هذا؟ من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: نعم، سمعته يقول: صوم شهر الصبر يعني رمضان أو ثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر، ثم أخذ الكتاب وانطلق مسرعا ثم قال ألا أراكم تخافون أن أكذب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، واللَّه لا أحدثكم اليوم حديثا. وخرجه أبو محمد بن الجارود من حديث وكيع عن قرة بن خالد بنحوه إلى قوله: وأمان رسوله، وبعد هذا قال: قلنا له: هل سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول شيئا؟ قال سمعته يقول صوم شهر الصبر، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، يذهبن وحر الصدر. قال: ثم أخذ الكتاب وانصاع مسرعا.   [ (1) ] (سنن أبى داود) 3/ 398،: كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (21) ما جاء في سهم الصفي، حديث رقم (2994) . [ (2) ] وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 76- 77، حديث رقم (20213) ، وحديث رقم (20216) ، وأخرجه أيضا الإمام الحافظ البيهقي في (السنن الكبرى) 6/ 303، كتاب قسمة الفيء والغنية، باب سهم الصفي، (مجموعة الوثائق السياسة في العهد النبوي والخلافة الرشيدة) : 208- 209 ، وثيقة رقم 233. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 280 وحدثني قدامة بن موسى، عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزام، قال: كتب إليّ عمر بن عبد العزيز في خلافته أن افحص لي عن الكتيبة [أكانت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر أم كانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالصة] ، قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فسألت عمرة بنت عبد الرحمن فقالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما صالح بني أبي الحقيق جزّأ النطاة، والشق، والكتيبة، خمسة أجزاء، وكانت الكتيبة جزء منها، ثم جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمس بعرات، وأعلم في بعرة منها فجعلها للَّه. ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اجعل سهمك في الكتيبة، فكان أول من خرج منها الّذي فيه مكتوب على الكتيبة، فكانت الكتيبة خمس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت السهمان أغفالا ليس عليها علامات، فكانت فوضى للمسلمين على ثمانية عشر سهما، قال أبو بكر: فكتبت إلى عمر ابن عبد العزيز بذلك. وحدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن أبي مالك، عن حزام بن سعد بن محيصة، قال: لما خرج سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان الشق والنطاة أربعة الأخماس للمسلمين فوضى. وحدثني عبد اللَّه بن عون، عن أبي مالك الحميري، عن سعيد بن المسيب، وحدثني محمد، عن الزهري، قال: الكتيبة خمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال: فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يطعم من أطعم في الكتيبة وينفق على أهله منها. قال ابن واقد: والثبت عندنا أنها خمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يطعم من الشق والنطاة أحدا، وجعلها سهمانا للمسلمين، وكانت الكتيبة التي أطعم فيها. وكانت الكتيبة تخرص ثمانية آلاف وسق تمر، وكان لليهود نصفها أربعة آلاف، كان يزرع في الكتيبة شعير، وكان يحصد منها ثلاثة آلاف صاع، فكان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم نصفه، ألف وخمسمائة صاع شعير، وكان يكون فيها نوى فربما اجتمع ألف صاع، فيكون لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نصفه، فكل هذا قد أعطى منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين من الشعير، والتمر، والنوى ثلاث مائة وسق شعير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 281 أطعم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا تمرا وعشرين وسقا شعيرا. وللعباس بن عبد المطلب مائه وسق، ولفاطمة وعليّ عليهما السلام من الشعير والتمر ثلاث مائة وسق، والشعير من ذلك خمس وثمانين وسق، لفاطمة من ذلك مائتا وسق. ولأسامة بن زيد مائة وخمسون، منها أربعون شعير، وخمسون وسقا نوى، ولأم رمثة بنت عمر بنت هاشم بن المطلب خمسة أو ساق شعير، وللمقداد بن عمر خمسة عشر وسقا شعيرا. وحدثني موسى بن يعقوب، عن عمته عن أمها، قالت: بعن طعمة المقداد بن عمرو من خيبر خمسة عشر وسقا شعيرا من معاوية بن أبى سفيان بمائة ألف درهم. بسم اللَّه الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى محمد رسول اللَّه لأبى بكر بن أبى قحافة مائة وسق، ولعقيل بن أبى طالب مائة وأربعين، ولبني جعفر بن أبى طالب خمسين وسقا، ولربيعة بن الحارث مائة وسق، ولأبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب مائة وسق، وللصلت بن مخرمة بن المطلب ثلاثين وسقا، ولأبى نبقة خمسين وسقا، ولركانة بن عبد يزيد خمسين وسقا، وللقاسم بن مخرمة بن المطلب خمسين وسقا، ومسطح بن أثاثة بن عباد وأخته هند ثلاثين وسقا، ولصفية بنت عبد المطلب أربعين وسقا، ولبحينة بنت الحارث بن عبد المطلب ثلاثين وسقا، ولضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أربعين وسقا، وللحصين، وخديجة، وهند بنت عبيدة بن الحارث مائة وسق، ولأم الحكم بنت الزبير بن عبد اللَّه ثلاثين وسقا، ولأم هانئ بنت أبى طالب أربعين وسقا، ولجمانة بنت أبى طالب ثلاثين وسقا، ولأم طالب بنت أبى طالب ثلاثين وسقا، ولقيس بن مخرمة بن المطلب خمسين وسقا، ولأبى أرقم خمسين وسقا، ولعبد الرحمن بن أبى بكر أربعين وسقا، ولأبى بصرة أربعين وسقا، ولابن أبى حبيش ثلاثين وسقا، ولعبد اللَّه بن وهب وابنيه خمسين وسقا، لابنيه أربعين وسقا، ولنميلة الكلبي من بنى ليث خمسين وسقا، ولأم حبيبة بنت جحش ثلاثين وسقا، ولملكان بن عبدة ثلاثين وسقا، ولمحيصة بن مسعود ثلاثين وسقا، وأوصى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للرهاويين بطعمة من خمس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 282 خيبر بجادّ مائة وسق، وللداريين بجادّ مائة وسق، وهم عشرة من الداريين قدموا من الشام إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأوصى لهم بطعمة مائة وسق: هانئ بن حبيب، والفاكه ابن النعمان، وجبلة بن مالك، وأبو هند بن برّ، وأخوه الطيب بن برّ، سماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه، وتميم بن أوس، ونعيم ابن أوس، ويزيد بن قيس، وعزيز بن مالك، سماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد الرحمن، وأخوه مرة بن مالك، وأوصى للأشعريين بجادّ مائة وسق [ (1) ] . قال الواقدي: حدثني معمر، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن عتبة قال: لم يوص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا بثلاثة أشياء، للداريين بجادّ مائة وسق، وللأشعريين بجادّ مائة وسق، وللرهاويين بجادّ مائة وسق، وأن ينفذ جيش أسامة بن زيد، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عقد له إلى مقتل أبيه، وألا يترك بجزيرة العرب دينان. قالوا: ثم استشار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل عليه السلام في قسم خمس خيبر، فأشار عليه أن يقسمه في بنى هاشم وبني عبد المطلب وبني عبد يغوث وحدثني معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: قال جبير ابن مطعم: لما قسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سهم ذوى القربى بخيبر من بني هاشم وبني المطلب مشيت أنا وعثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى دخلنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: يا رسول اللَّه، هؤلاء إخواننا من بنى المطلب لا ننكر فضلهم لمكانك الّذي وضعك اللَّه به منهم، أفرأيت إخواننا من بني المطلب، إنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة، أعطيتهم وتركتنا. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن بني المطلب لم يفارقوني في الجاهلية والإسلام، ودخلنا معا في الشّعب، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد! وشبك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أصابعه [ (2) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) 2/ 692- 695. [ (2) ] (المرجع السابق) : 695- 696، (فتح الباري) 6/ 300، كتاب فرض الخمس، باب (17) ومن الدليل على أن الخمس للإمام وأنه يعطى بعض قرابته دون بعض ما قسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لبني المطلب وبنى هاشم من خمس خيبر. قال عمر بن عبد العزيز: لم يعمهم بذلك ولم يخص- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 283   [ () ] قريبا دون من أحوج إليه، وإن كان الّذي أعطى لما يشكو إليه من الحاجة، ولما مستهم في جنبه من قومهم وحلفائهم، حديث رقم (3140) ولفظه: عن عقيل عن بن شهاب عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: يا رسول اللَّه، أعطيت بنى عبد المطلب وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما بنى المطلب وبنى هاشم شيء واحد. قال الليث حدثني يونس وزاد: قال جبير: ولم يقسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل. وقال ابن إسحاق: عبد شمس وهاشم والمطلب إخوة. وأمهم عاتكة بنت مرة. وكان نوفل أخاهم لأبيهم. وأخرجه البخاري أيضا في كتاب المنقاب، باب (2) مناقب قريش، حديث رقم (3502) ، وأخرجه في كتاب المغازي، باب (39) غزوة خيبر حديث رقم (4229) ، وفي حديث حجة للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوى القربى لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من قريش، وعن عمر بن عبد العزيز: هم بنو هاشم خاصة، وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين، وهذا الحديث يدل لإلحاق بنى المطلب بهم، وقيل هم قريش كلها لكن يعطى الإمام منهم من يراه، بهذا قال أصبغ، وهذا الحديث حجة عليه. وفيه توهين قول من قال إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما أعطاهم بعلة الحاجة إذ لو أعطاهم بعلة الحاجة لم يخص قوما دون قوم، والحديث ظاهر في أنه أعطاهم بسبب النصرة وما أصابهم بسبب الإسلام من بقية قومهم الذين لم يسلموا، والملخص أن الآية نصت على استحقاق قربى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي متحققة في بنى عبد شمس لأنه شقيق، وفي بنى نوفل إذا لم تعتبر قرابة الأم. واختلف الشافعية في سبب إخراجهم فقيل: العلة القرابة مع النصرة فلذلك دخل بنو هاشم وبنو عبد المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو نوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها، وقيل: الاستحقاق بالقرابة، ووجد ببني شمس ونوفل مانع لكونهم انحازوا عن بنى هاشم وحاربوهم. والثالث أن القربى عام مخصوص وبينته السنة. قال ابن بطال: وفيه رد لقول الشافعيّ إن خمس الخمس يقسم بين ذوى القربى لا يفضل غنى على فقير، وأنه يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. قال الحافظ: ولا حجة فيه لما ذكر لا إثباتا ونفيا، وأما الأول فليس في الحديث إلا أنه قسم خمس الخمس بين بنى هاشم والمطلب ولم يتعرض لتفضيل ولا عدمه، وإذا لم يتعرض فالأصل في القسمة إذا أطلقت التسوية والتعميم، فالحديث إذا حجة للشافعي لا عليه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 284 خرجه البخاري [ (1) ] من حديث عقيل، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم، ومن حديث يحيى بن بكير عن الليث عن يونس، عن ابن شهاب، وخرجه أبو داود [ (2) ] من حديث يونس وابن إسحاق عن ابن شهاب، وخرجه النسائي كذلك، قال الواقدي: [ (3) ] وكان عبد المطلب بن ربيعة ابن الحارث يحدث قال: اجتمع العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث فقالا: لو بعثنا هذين الغلامين- لي وللفضل بن عباس- إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكلماه فأمّرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدى الناس، وأصابا ما يصيبون من المنفعة. فبعث بى والفضل فخرجنا حتى جئنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسبقناه وانصرف إلينا من الظهر وقد وقفنا له عند حجرة زينب، فأخذ بمناكبها فقال: أخرجا ما تسران فلما دخلا عليه فكلماه فقالا: يا رسول اللَّه جئناك لتؤمّرنا على هذه الصدقات فنودي ما يودي الناس، ونصيب ما يصبون من المنفعة، فسكت ورفع رأسه إلى سقف البيت، ثم أقبل علينا فقال: إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس. ادع لي محمية بن جزء الزبيدي وأبا سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب. فقال لمحمية: زوج هذا ابنتك- للفضل. وقال لأبى سفيان: زوج هذا ابنتك- لعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث. وقال لمحمية: أصدق عنهما مما عندك من الخمس. فكان ابن عباس يقول: قد دعانا عمر إلى أن ينكح فيه أيامانا، ويخدم منه عائلنا، ويقضى منه غارمنا، فأبينا عليه إلا أن يسلمه كله، وأبى ذلك علينا.   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 70، كتاب المغازي، باب (58) السرية التي قبل نجد، حديث رقم (4338) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 179- 180، كتاب الجهاد، حديث رقم (2744) . وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب (12) الأنفال، حديث رقم (1749) ، وأخرجه الإمام مالك في (الموطأ) في الجهاد. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 696- 697. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 285 قلت: خرجه مسلم من حديث جويرية، عن مالك عن الزهري، أن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أخبره قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا واللَّه لو بعثنا هذين الغلامين «قالا لي والفضل بن عباس» إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكلماه فأمّرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدى الناس، وأصابا مما يصيب الناس، قال: فبينما هما في ذلك، جاء على بن أبى طالب، فوقف عليهما، فذكرا له ذلك، فقال على بن أبى طالب: لا تفعلا، فو اللَّه ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: واللَّه ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، فو اللَّه لقد نلت صهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فما نفسناه عليك، قال على: أرسلوهما، فانطلقا. واضطجع على، قال: فلما صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا، ثم قال: أخرجا ما تصرران، ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ هند زينب بنت جحش، قال: فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول اللَّه أنت أبر الناس، وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح، فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدى إليك كما يؤدى الناس، ونصيب كما يصيبون. قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه، قال: ثم قال: أن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، ادعوا لي محمية- وكان على الخمس- ونوفل ابن الحارث بن عبد المطلب، قال فجاءاه فقال لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك- فضل بن العباس- فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك- لي- فأنكحنى، وقال لمحمية: أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا. قال الزهري ولم يسمه لي [ (1) ] .   [ (1) ] قوله: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد» دليل على أنها محرمة، سواء كانت بسبب العمل، أو بسبب الفقر والمسكنة وغيرهما من الأسباب الثمانية [وهي المذكورة في الآية رقم (60) من سورة التوبة، وهي قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 286 وخرجه أيضا من حديث يونس بن زيد عن ابن شهاب عن عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أخبره أن أتاه ربيعة بن الحارث وعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة والفضل بن عباس ائتيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وساق الحديث بنحو حديث مالك إلا ألفاظ متعددة [ (1) ] . قال الواقدي: حدثني مصعب بن ثابت، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير أن أبا بكر وعمرو وعليا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم جعلوا هذين السهمين على اليتامى والمساكين. وقال بعضهم: في السلاح والعدة في سبيل اللَّه، وكانت تلك الأطعمة تؤخذ بصاع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حياته، وفي خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، حتى كان يحيى بن الحكم فزاد في الصاع سدس المد، فأعطى الناس بالصاع الّذي زاد، ثم كان أبان بن عثمان فزاد فيه فأعطاهم بذلك، وكان من مات من المطعمين أو قتل في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فإنه يرثه تلك الطعمة من ورث ماله، فلما ولي عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قبض طعمة كل من مات ولم يورثه، فقبض طعمة زيد ابن حارثة، وقبض طعمة جعفر بن أبي طالب، وكلمه فيه علي بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأبى، وقبض طعمة صفية بنت عبد المطلب، فكلمه الزبير في ذلك حتى غالظه فأبى عليه   [ () ] وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] ، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وجوز بعض أصحابنا لبني هاشم ولبني المطلب العمل عليها بسهم العامل، لأنه إجارة، وهذا ضعيف أو باطل وهذا الحديث صريح في رده. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إنما هي أوساخ الناس» تنبيه على العلة في تحريمها على بنى هاشم، وبنى المطلب، وأنها لكرامتهم تنزيهم عن الأوساخ، ومعنى أوساخ الناس: أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم، كما قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التوبة: 103] ، فهي كغسالة الأوساخ. (شرح النووي) . [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (168) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 287 بردّه، فلما ألح عليه قال: أعطيك بعضه. فقال الزبير لا واللَّه، لا تخلف تمرة واحدة تحبسها عني! فأبى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه تسليمه كله إليه. فقال الزبير: لا آخذه إلا جميعا! فأبى عمر وأبى أن يردّ على المهاجرين. وقبض طعمة فاطمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها فكلم فيها. فأبى أن يفعل. وكان يجيز لأزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما صنعنا، فماتت زينب بنت جحش في خلافته فخلى بين ورثتها وبين تلك الطعمة، وأجاز ما صنعن فيه من بيع أو هبة، وورث ذلك كل من ورثهن ولم يفعل بغيرهن. وأبى أن يجيز بيع من باع تلك الطعمة، وقال: هذا شيء لا يعرف، إذا مات المطعم بطل حقه فكيف يجوز بيعه؟ إلا أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإنه أجاز ما صنعن، فلما ولي عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كلم في تلك الطعمة فرد على أسامة ولم يرد على غيره. فكلمه الزبير في طعمة صفية أمّه فأبى أن يرده وقال: أنا حاضرك حين تكلم عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وعمر يأبى عليك يقول: «خذ بعضه» ، فأنا أعطيك بعضه الّذي عرض عليك عمر، أنا أعطيك الثلثين وأحتبس الثلث، فقال الزبير: لا واللَّه، لا تمرة واحدة حتى تسلمه كله أو تحتبسه. قال الواقدي: حدثني شعيب بن طلحة بن عبد اللَّه بن عبد بن الرحمن ابن أبى بكر، عن أبيه، قال: لما توفي أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان ولده وورثته يأخذون طعمته من خيبر مائة وسق في خلافة عمر وعثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وورثت امرأته أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية [وحبيبة] بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير، فلم يزل جاريا عليهنّ حتى كان زمن بن عبد الملك أو بعده فقطع. قال أبو عبد اللَّه: سألت إبراهيم بن جعفر عمّن أعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمس خيبر فقال: لا تسأل عنه أحدا أبدا أعلم مني، كان من أعطى منه طعمة جرت عليه حتى يموت، ثم يرثه من ورثته يبيعون، ويطعمون، ويهبون، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 288 كان هذا على عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي اللَّه تعالى عنهم. قلت: ممن سمعت ذلك؟ قال من أبي وغيره من قومي. قال أبو عبد اللَّه: فذكرت لعبد الرحمن بن عبد العزيز هذا الحديث فقال: أخبرني من أثق به أن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان يقبض تلك الطعمة إذا مات الميت [في حياة] أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وغيرهن، ثم يقول: توفيت زينب بنت جحش في سنة عشرين في خلافة عمر فقبض طعمتها، وكلم فأبى أن يعطيها الورثة. وقال: إنما كانت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم طعمة ما كان المرء حيا، فإذا مات فلا حق لورثته. قال: فكان الأمر على ذلك في خلافة عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى توفي، ثم ولى عثمان. وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أطعم زيد بن حارثة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه طعمة من خيبر لم يكن له بها كتاب، فلما توفي زيد جعلها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لأسامة بن زيد. قلت: وفأن بعض من يروي يقول كلهم أسامة بن زيد عمر وعثمان في طعمة أبيه فأبى، قال: ما كان إلا كما أخبرتك. قال أبو عبد اللَّه: هذا الأمر [ (1) ] . [وقال: أبو زيد عمر بن محمد بن يحيى عن الواقدي عن صالح، عن جعفر، عن المسور بن رفاعة، عن ابن كعب قال: أو صدقة في الإسلام وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمواله، قال: فقلت: لابن كعب يقولون صدقة عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أول، فقال: على رأس اثنين وثلاثين شهرا من مهاجر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأوصى إن أصيب قاموا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقبضها رسول اللَّه فتصدق بها فهذا قبل ما تصدق عمر إنما تصدق عمر يسمع حين رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر سنة سبع من الهجرة واللَّه أعلم [ (2) ]] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 697- 699. [ (2) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 289 فصل في ذكر من جعله النبي عليه السلام على مغانم حروبه اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل على مغانم حروبه غير واحد من أصحابه فجعل على المغانم يوم بدر في قول ابن إسحاق: عبد اللَّه بن كعب بن عمرو ابن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن النجار أبا الحارث. وقيل: أبا يحيى الأنصاري المازني، وقال أبو عمر بن عبد البر: شهد بدرا وكان على غنائم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر، وشهد المشاهد كلها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكان على خمس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في غيرها. كانت وفاته بالمدينة سنة ثلاثين، وصلّى عليه عثمان [ (1) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وذكر الواقدي [ (2) ] : أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استعمل على غنائم بدر عبد اللَّه بن كعب، هذا أتم. قال: وقد قيل: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم استعمل عليها خباب بن الأرتّ [ (3) ] بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، التميمي بالنسب، الخزاعي بالولاء، الدهري بالحلف، أحد المهاجرين الأولين، جعله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أسرى بدر. ذكر أبو محمد بن حزم بن عبد اللَّه بن عبد يغوث بن عويج بن عمرو أن زيد الأصغر الّذي ولاه الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم الغنائم يوم بدر. وقال ابن عبد البر   [ (1) ] (الاستيعاب) : 3/ 981. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 100. [ (3) ] هو خباب بن الأرت، أصله عربي ولحقه سباء في الجاهلية فبيع بمكة وهو أحد السابقين وممن عذب في اللَّه تعالى وكان سادس ستة في الإسلام، وكان حدادا يصنع السيوف. وشهد بدرا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والمشاهد كلها. قال الشعبي: سأل عمر بن الخطاب خبابا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عما لقي من المشركين فقال: يا أمير المؤمنين انظر إلى ظهري، فنظر، فقال: ما رأيت كاليوم ظهر رجل. قال خباب: لقد أوقدت نارا وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري. روى عنه ابنه عبد اللَّه ومسروق وقيس بن أبى حازم وغيرهم. نزل الكوفة وتوفى بها سنة (37) وهو أول من دفن بظهر الكوفة من الصحابة. (أسماء الصحابة الرواة) : 100، ترجمة رقم (89) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 290 كان من مهاجرة الحبشة وتأخر إقفاله منها، وأول مشاهده المريسيع واستعمله، رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأخماس. وذكر مسلم [ (1) ] في كتاب الزكاة أن محمية بن جزء استعمله الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأخماس. وقال الواقدي [ (2) ] في غزاة المريسيع: حدثني أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبى سبرة، عن أبي بكر بن عبد اللَّه بن أبى الجهم، قال: أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 186- 187، كتاب الزكاة باب (51) ترك استعمال آل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الصدقة، حديث رقم (168) ، ولفظه: حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب أخبرنى يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل الهاشمي، أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أخبره أن أباه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب والعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن عباس ائتيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وساق الحديث بنحو حديث مالك وقال فيه: فألقى عليّ رداءه ثم اضطجع عليه وقال أنا أبو حسن القرم واللَّه لا أريم مكاني حتى يرجع اليكما ابناكما بحور ما بعثتما به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال في الحديث: ثم قال لنا: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولآل محمد، وقال أيضا: ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادعوا لي محمية بن جزء وهو رجل من بنى أسد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استعمله على الأخماس. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم «ادعوا لي محمية بن جزء وهو رجل من بنى أسد» : أما محمية فبميم مفتوحة ثم حاء مهملة ساكنة ثم ميم أخرى مكسورة ثم ياء مخففة، وأما جزء فبجيم مفتوحة ثم زاي ساكنة ثم همزة، هذا هو الأصح قال القاضي: هكذا تقوله عامة الحفاظ وأهل الإتقان ومعظم الرواة، وقال عبد الغنى بن سعيد: يقال: جزي بكسر الزاى يعنى وبالياء وكذا وقع في بعض النسخ في بلادنا. قال القاضي: وقال أبو عبيد: هو عندنا جزّأ مشدد الزاى، وأما قوله: «وهو رجل من بنى أسد» ، فقال القاضي: كذا وقع والمحفوظ أنه من بنى زبيد لا من بنى أسد. (شرح النووي) . وقال الواقدي استعمل على الأسرى شقران مولاه، واستعمل على مقسم الخمس وصهبان المسلمين محمية بن جزء الزبيدي، فأخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الخمس من جميع المغنم، فقال يليه محمية بن جزء الزبيد. (مغازي الواقدي) : 1/ 410. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 409- 410. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 291 بالأسرى فتكفوا وجعلوا ناحية، واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب، وأمر بما وجد في رحالهم من رثة [المتاع] والسلاح فجمع، وعمد إلى النعم والشاء فسيق واستعمل عليهم شقران مولاه، وجمع الذرية ناحية، واستعمل على المقسم- مقسم الخمس- وسهمان المسلمين محمية بن جزء الزبيدي، فأخرج الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم الخمس من جميع المغنم، فكان يليه محمية بن جزء. [ولما نزل بنو قينقاع على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وربطوا جعل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي، وأجلاهم محمد بن مسلمة الأنصاري [ (1) ] ، وقبض أموالهم [ (2) ]] . وقال الواقدي [ (3) ] أيضا: وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبادة بن الصامت [ (4) ] أن يجليهم، فجعلت قينقاع تقول: يا أبا الوليد، من بين الأوس والخزرج- ونحن مواليك- فعلت هذا بنا؟ فقال لهم عبادة: لما حاربتم جئت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللَّه إني أبرأ إليك منهم ومن حلفهم. وكان عبد اللَّه ابن أبيّ ابن سلول، وعبادة بن الصامت منهم بمنزلة واحدة في الحلف. فقال عبد اللَّه بن أبي: تبرأت من حلف مواليك؟ ما هذه بيدهم عندك. فذكّره مواطن   [ (1) ] هو محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة أبو عبد اللَّه وأبو سعيد الأنصاري، ولد قبل البعثة باثنين وعشرين سنة، شهد بدرا وأحدا، والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا تبوك ومات بالمدينة سنه (46) أو (47) وله (77) سنة وهو أحد الذين قتلوا كعب بن الأشرف. واستخلفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المدينة في بعض غزواته.. واستعمله عمر على صدقات جهينة. (أسماء الصحابة الرواة) : 134 ترجمة (140) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 179- 180. [ (4) ] هو عبادة بن الصامت بن قيس بن صرم بن فهر بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري، الخزرجي، توفى سنة (34) بالرملة، عاش (45) سنه. من مناقبه: نزل فيه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ [المائدة: 51] . لما تبرأ من حلفه من بنى قينقاع لما خانوا المسلمين في غزوة الخندق. (أسماء الصحابة الرواة) : 51 ترجمة (20) ، (الإصابة) : 3/ 624، (الاستيعاب) : 807- 808. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 292 قد أبلوا فيها. فقال عبادة: أبا الحباب، تغيرت القلوب، ومحا الإسلام العهود، أما واللَّه إنك لمعتصم بأمر سترى غبه غدا! فقالت قينقاع: يا محمد، إن لنا دينا في الناس. قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: تعجلوا وضعوا! وأخذهم عبادة بالرحيل والإجلاء، وطلبوا التنفس فقال لهم: ولا ساعة من نهار، لكم ثلاث لا أزيدكم عليها! هذا أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولو كنت أنا ما نفستكم. فلما مضت ثلاث خرج في آثارهم حتى سلكوا الشام، وهو يقول: الشرف الأبعد، الأقصى، فأقصى، وبلغ خلف ذباب [ (1) ] ، ثم رجعوا ولحقوا بأذرعات [ (2) ] . وولى إخراج بني النضير محمد بن مسلمة، الّذي قبض أموالهم والحلقة وكشفهم عنها. قال الواقدي أيضا [ (3) ] : وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد استعمل على أموال بني النضير- يعني التي جعلها اللَّه تعالى خاصة- أبا رافع مولاه، وربما جاءه بالباكورة منها. وقال في بنى قريظة: فلما جهدهم الحصار ونزلوا على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بأسراهم فكتفوا رباطا، وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة ونحوا ناحية، وأخرجوا النساء والذرية من الحصون وكانوا ناحية، واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليهم عبد اللَّه بن سلام. قال الواقدي [ (4) ] : فحدثني ابن أبي سبرة، عن يعقوب بن زيد بن طلحة، عن أبيه، قال: لما سبى بنو قريظة النساء والذرية باع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم   [ (1) ] ذباب بكسر أوله وباءين: جبل بالمدينة، له ذكر في المغازي والأخبار، ذكر ابن هشام في سيرته في غزوة تبوك: وضرب عبد اللَّه بن أبىّ مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على حدة عسكره أسفل منها، نحو ذباب، فلما سار رسول اللَّه تخلف عنه عبد اللَّه بن أبىّ في من تخلف من المنافقين وأهل الريب. (معجم البلدان) : 3/ 3. [ (2) ] أذرعات: بالفتح، ثم السكون، وكسر الراء، وعين مهملة، وألف وتاء. كأنه جمع أذرعة، جمع ذراع جمع قلة: وهو بلد في أطراف الشام، يجاور أرض البلقاء وعمان، ينسب إليه الخمر. (المرجع السابق) : 1/ 158. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 378. [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 523- 524. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 293 من عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف طائفة وبعث طائفة، إلى نجد، وبعث طائفة إلى الشام مع سعد بن عبادة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، يبيعهم ويشترى بهم سلاحا وخيلا. ويقال باعهم بيعا من عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فاقتسما فسهمه عثمان بمال كثير، وجعل عثمان على كل من جاء من سبيهم شيئا موفيا، فكان يوجد عند العجائز المال ولا يوجد عند الشواب، فربح عثمان مالا كثيرا- وسهم عبد الرحمن- وذلك أن عثمان صار في سهمه العجائز. ويقال: لما قسم جعل الشواب على حدة والعجائز على حدة، ثم خير عبد الرحمن عثمان، فأخذ عثمان العجائز. قال: حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: كان السبي ألفا من النساء والصبيان، فأخرج الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسة قبل بيع المغنم، وجزّأ السبي خمسة أجزاء، فأخذ خمسا، فكان يعتق منه، ويهب منه، ويخدم منه من أراد. وكذلك صنع بما أصاب من رثتهم، قسمت قبل أن تباع، وكذلك النخل، عزل خمسة. وكل ذلك يسهم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسة أجزاء ويكتب في سهم منها «للَّه» ثم يخرج السهم، فحيث صار سهمه أخذه ولم يتخير. وصار الخمس إلى محمية بن جزء الزبيدي، وهو الّذي قسم المغنم بين المسلمين. حدثني عبد اللَّه بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يسهم ولا يتخيبر [ (1) ] . حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يفرق بين بنى قريظة في القسم والبيع والنساء والذرية. وذكر ابن فتحون في (الذيل على كتاب الاستيعاب) : أن صاحب المغانم يوم خيبر هو كعب بن عمرو بن زيد الأنصاري، وعن ابن وهب أنه كان على المغانم يوم خيبر أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 524. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 294 سواد بن غنم ابن كعب بن سلمة الأنصاري [ (1) ] ، [وقيل كعب بن عمر بن تميم ابن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي] [ (2) ] . وقال الواقدي [ (3) ] : واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الغنائم يوم خيبر فروة ابن عمرو البياضي الأنصاري. فكان قد جمع ما غنم المسلمون في حصون النطاة، وحصون الشق، وحصون الكتيبة، لم يترك على أحد من أهل الكتيبة إلا ثوبا على ظهره من الرجال والنساء والصبيان، جمعوا أثاثا كثيرا وسلاحا كثيرا، وغنما وبقرا، وطعاما وأدما كثيرا، فأما الطعام والأدم والعلف فلم يخمس، يأخذ منه الناس حاجتهم، وكان من احتاج إلى سلاح يقاتل به أخذه من صاحب المغنم، حتى فتح اللَّه عليهم فرد ذلك إلى المغنم، فلما اجتمع ذلك كله أمر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجزّى خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها «اللَّه» وسائر السهمان أغفال، فكان أول ما خرج سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يتخير في الأخماس، ثم أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببيع الأربعة الأخماس فيمن يزيد، فجعل فروة يبيعها فيمن يزيد، فدعا فيها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبركة، وقال: اللَّهمّ ألق علينا النفاق! قال فروة ابن عمرو: فلقد رأيت الناس يتداركون علي ويتواثبون حتى نفق في يومين، ولقد كنت أرى أنا لا نتخلص منه حينا لكثرته. وفي مسند الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سبى يوم خيبر ستة آلاف بين امرأة وغلام فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليها أبا سفيان بن الحارث رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.   [ (1) ] هو كعب بن عمرو الأنصاري. شهد بدرا بعد العقبة، وهو الّذي أسر العباس بن عبد المطلب يوم بدر، وهو الّذي انتزع راية المشركين، ثم شهد صفين مع على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، يعد في أهل المدينة، ومات بها وله (55) سنة. (الاستيعاب) : 4/ 1776. [ (2) ] ما بين الحاصرتين: زيادة للسياق من (الإصابة) : 7/ 468. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 680. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 295 وذكر أبو محمد بن حزم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم استعمل أبا الجهم [ (1) ] عامر بن عبيد بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد اللَّه بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب القرشي العدوي على الغنائم يوم خيبر. وذكر عز الدين أبو الحسن علي بن محمد الأثير في كتاب (الكامل في التاريخ) [ (2) ] أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم خيبر أمر بالسبايا والأموال فجمعت إلى الجعرانة، وجعله عليها بديل بن ورقاء [بن عمرو بن ربيعة بن عبد العزى ابن ربيعة بن جرى بن عامر بن مازن بن عدي بن عمرو بن ربيعة] [ (3) ] بن ربيعة الخزاعي. وذكر البخاري عند سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي عن أبيه، عن ابن إسحاق قال: حدثني إبراهيم ابن أبي عبلة، عن ابن بديل بن ورقاء، سمع أبيه يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بديلا أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة حتى   [ (1) ] كان من أعلم الناس بأنساب قريش وله صحبة، وكان يخاف للسانه، والجهامة غلظ الوجه وبه سمى الأسد جهمنا. ومنه قولهم: تجاهمنى فلان، إذا لقيني لقاء بشعا. (جمهرة النسب للكلبي) : 108، (الاشتقاق) : 104، (الاستيعاب) : 4/ 1623، ترجمة رقم (2899) . [ (2) ] (الكامل في التاريخ) : 2/ 266، وكان ذلك في غزوة هوازن بحنين. [ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للنسب من (الإصابة) ، قال ابن السكن: له صحبة. سكن مكة، وفي (المغازي) عن ابن إسحاق وغيره- أن قريشا لجئوا يوم فتح مكة إلى دار بديل ابن ورقاء ودار رافع مولاه، وكان إسلامه قبل الفتح، وقيل يوم الفتح. وروى البخاري في (تاريخه) والبغوي من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني إبراهيم بن أبى عبلة، عن ابن بديل بن ورقاء، عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أمره أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة حتى يقدم عليه ففعل. وروى أبو نعيم، من طريق ابن جريج، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أم الحارث بنت عياش بن أبى ربيعة، أنها رأت بديل بن ورقاء يطوف على جمل أورق يمنى يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينهاكم أن تصوموا هذه الأيام، فإنّها أيام أكل وشرب، (الإصابة) : 1/ 275- 276، ترجمة رقم: (614) ، (الاستيعاب) : 1/ 150، ترجمة رقم: (167) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 296 يقدم عليه ففعل. وقال ابن إسحاق كان على المغانم يوم حنين مسعود بن عمرو [الغفاريّ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ] . وقال الواقدي: فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الجعرانة أقام يتربص أن يقدم عليه وفدهم، وبدأ بالأموال فقسمها، وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس. وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قد غنم فضة كثيرة، أربعة آلاف أوقية، فجمعت الغنائم بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجاء أبو سفيان بن حرب وبين يديه الفضة، فقال: يا رسول اللَّه، أصبحت أكثر قريش مالا! فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال [أبو سفيان] : أعطنى من هذا المال يا رسول اللَّه! فقال يا بلال، زن لأبى سفيان أربعين أوقية وأعطوه مائة من الإبل. قال أبو سفيان: ابني يزيد أعطه! قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: زنوا ليزيد أربعين أوقية، وأعطوه مائة من الإبل. قال أبو سفيان: ابني معاوية، يا رسول اللَّه! قال: زن له يا بلال أربعين أوقية، وأعطوه مائة من الإبل. قال أبو سفيان: إنك لكريم، فداك أبي وأمي-! واللَّه لقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت، جزاك اللَّه خيرا! وأعطى في بنى أسد. قال الواقدي: وحدثني معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، قالا: حدثنا حكيم بن حزام قال: سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحنين مائة من الإبل فأعطانيها. ثم سألته مائة فأعطانيها، ثم سألته مائة فأعطانيها، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا حكيم بن حزام، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من السفلى، وابدأ بمن تعول! قال: فكان حكيم يقول: والّذي بعثك بالحق، لا أرزأ [ (2) ] أحدا بعدك شيئا! فكان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يدعوه إلى عطائه فيأبى يأخذه، فيقول عمر: أيها الناس، إني أشهدكم على حكيم أنى   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 129، سبايا حنين وأموالها، ثم قال: وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحبست بها. وما بين الحاصرتين زيادة للنسب من (ابن هشام) . [ (2) ] لا أرزأ: أي لا آخذ من أحد. (النهاية) : 2/ 78. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 297 أدعوه إلى عطائه فيأبى أن يأخذه. قال: حدثنا ابن أبى الزناد، قال: أخذ حكيم المائة الأولى ثم ترك. وفي بنى عبد الدار: النضير، وهو أخو النضر بن الحارث بن كلدة، مائة من الإبل. وفي بنى زهرة: أسيد بن حارثة حليف لهم، مائة من الإبل. وأعطى العلاء بن جارية خمسين بعيرا، وأعطى مخرمة بن نوفل خمسين بعيرا، وقد رأيت عبد اللَّه بن جعفر ينكر أن يكون أخذ مخرمة في ذلك، وقال: ما سمعت أحدا من أهلي يذكر أنه أعطى شيئا، ومن بنى مخزوم: الحارث بن هشام مائة من الإبل، وأعطى سعيد بن يربوع خمسين من الإبل. وأعطى في بنى جمح صفوان بن أمية مائة بعير، ويقال: إنه طاف مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتصفح الغنائم إذ مر بشعب مما أفاء اللَّه عليه، فيه غنم وإبل ورعاؤها مملوء، فأعجب صفوان وجعل ينظر إليه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أعجبك يا أبا وهب هذا الشعب؟ قال: نعم. قال: هو لك وما فيه. فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا نفس أحد قط إلا بنى، وأشهد أنك رسول اللَّه! وأعطى قيس بن عدي مائة من الإبل، وأعطى عثمان بن وهب خمسين من الإبل. وفي بنى عامر بن لؤيّ أعطى سهيل بن عمرو مائة من الإبل، وأعطى حويطب بن عبد العزى مائة من الإبل، وأعطى هشام بن عمر خمسين من الإبل، وأعطى في العرب الأقرع بن حابس التميمي مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن بدر الفزارىّ مائة من الإبل، وأعطى مالك بن عوف مائة من الإبل. وأعطى العباس بن مرداس السلمي أربعا من الإبل، فعاتب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في شعر قاله [ (1) ] .   [ (1) ] وذكر الواقدي شعر العباس بن مرداس السلمي فقال: كانت نهابا تلافيتها ... بكرّى على القوم في الأجرع وحثّى الجنود لكي يدلجوا ... إذا هجع القوم لم أهجع فأصبح نهى ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع إلّا أفائل أعطيتها ... عديد قوائمها الأربع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 298 فرفع أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أبياته إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم للعباس: أنت الّذي تقول: «أصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة» ؟ فقال أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: بأبي وأمى يا رسول اللَّه، ليس هكذا! قال، قال: كيف؟ قال: فأنشده أبو بكر كما قال عباس، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: سواء ما يضرك بدأت بالأقرع أم عيينة! فقال أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: بأبي أنت وأمى، ما أنت بشاعر ولا راوية، ولا ينبغي لك [ (1) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقطعوا لسانه عنى. فأعطوه مائة من الإبل، ويقال خمسين من الإبل، ففزع منها أناس، وقالوا: أمر بعباس يمثل به. وقد اختلف علينا فيما أعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ الناس. فحدثني عبد اللَّه بن جعفر، عن ابن أبى عون، عن سعد، عن إبراهيم ويعقوب بن عتبة، قالا: كانت العطايا فارعة من الغنائم. قال: حدثني موسى ابن إبراهيم، عن أبيه، قال: كانت من الخمس. فأثبت القولين أنها من الخمس.   [ () ] وقد كنت في الحرب ذا تدرإ ... فلم أعط شيئا ولم أمنع وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع معاني المفردات: - كانت: يعنى الإبل والماشية. - النهاب: جمع نهب، وهو ما ينهب ويغنم. - الأجرع: المكان السهل. - العبيد: فرس عباس بن مرداس. - أفائل: جمع أفيل، وهي الصغار من الإبل. - ذا تدرإ: أي ذا دفع، من قولك: درأه إذا دفعه. [ (1) ] يشر بذلك إلى قوله تعالى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ* لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ [يس: 69- 70] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 299 قال سعد بن أبى وقاص: يا رسول اللَّه، أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمريّ! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما والّذي نفسي بيده، لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلها مثل عيينة والأقرع، ولكنى تالفتهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه. وجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ وفي ثوب بلال فضة يقبضها للناس على ما أراه اللَّه، فأتاه ذو الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول اللَّه! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويلك! فمن يعدل إذا لم أعدل؟ قال عمر: يا رسول اللَّه، ائذن لي أن أضرب عنقه! قال: دعه، إن له أصحابا! يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر [الرامي] في قذذه فلا يرى شيئا، ثم ينظر في نصله فلا يرى شيئا، ثم ينظر في رصافه فلا يرى شيئا، قد سبق الفرث والدم، يخرجون على فرقة من المسلمين، رأيتهم إن فيهم رجلا أسود، إحدى يديه [مثل ثدي] المرأة وكبضعة تدردر [ (1) ] . فكان أبو سعيد يقول: أشهد لسمعت عليا يحدث هذا الحديث [ (2) ] . قال عبد اللَّه بن مسعود: سمعت رجلا من المنافقين يومئذ ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعطى تلك العطايا، وهو يقول: إنها العطايا ما يراد بها وجه اللَّه! قلت:   [ (1) ] تدردر: أي ترجرج، تجيء وتذهب، والأصل تتدردر، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا (النهاية) 2/ 20. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 766، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام حديث رقم (3610) ، وتمامة: قال أبو سعيد: فأشهد أن سمعت هذا الحديث من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأشهد إن على بن أبى طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به، حتى نظرت إليه على نعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي نعته. وأخرجه في الأدب باب (95) ، وفي استتابة المرتدين باب (7) ، (مسلم) في الزكاة، (148) - (156) - (157) ، و (أبو داود) : في السنة، باب (38) ، والإمام أحمد في (المسند) : 3/ 459 حديث رقم (11143) ، 3/ 473، حديث رقم (11227) ، كلاهما من مسند أبى سعيد الخدريّ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 300 أما واللَّه لأبلغن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قلت. فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته، فتغير لونه حتى ندمت على ما صنعته، فوددت أنى لم أخبره، ثم قال: يرحم اللَّه أخى موسى! قد أوذى بأكثر من هذا فصبر! وكان المتكلم بهذا معتب بن قشير العمرى. ثم أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم، ثم فضها على الناس، فكانت سهامهم، لكل رجل أربع من الإبل أو أربعون شاة، فإن كان فارسا أخذ اثنتي عشرة من الإبل، أو عشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس واحد لم يسهم له [ (1) ] . فصل في ذكر من كان على ثقل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرّج البخاري [ (2) ] من حديث ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان على ثقل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل يقال له كركرة [فمات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها] [ (3) ] [يعنى يوم خيبر] [ (4) ] . وخرج مسلم [ (5) ] من حديث سفيان بن عيينة، عن صالح بن كيسان، عن سليمان بن يسار، قال: قال أبو رافع: لم يأمرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أنزل   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 944، وما بعدها، مختصرا. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 230، كتاب الجهاد والسير، باب (190) ، القليل من الغلول، حديث رقم (3074) ، وفي الحديث تحريم قليل الغلول وكثيرة، وقوله: «هو في النار» أي يعذب على معصية، أو المراد هو في النار إن لم يعف اللَّه عنه، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 950، كتاب الجهاد، باب (34) الغلول، حديث رقم (2849) . [ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (الأصل) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) 9/ 67، كتاب الحج باب (59) استحباب النزول بالمحصب يوم النفر، والصلاة به، حديث رقم (1313) ، قال الكتاني: ترجمة في (الإصابة) لعبد اللَّه بن زيد بن عمرو بن مازن الأنصاريّ، فقال: ذكره ابن مندة وأخرجه من طريق يونس بن بكير، عن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 301 بالأبطح حين خرج من منى، ولكنى جئت فضربت فيه قبته، فجاء فنزل. قال أبو بكر في رواية صالح: قال: سمعت سليمان بن يسار. وفي رواية قتيبة قال: عن أبى رافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكان على ثقل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [في حجة الوداع واللَّه أعلم] . فصل في ذكر من حدا [ (1) ] برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أسفاره اعلم أنه حدا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى خيبر: عامر بن الأكوع وهو عامر بن سنان بن عبد اللَّه بن قشير الأسلمي، المعروف بابن الأكوع، عم سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان، ويقال أخوه. أحد من بايع تحت الشجرة [ (2) ] .   [ () ] ابن إسحاق، أنه كان على ثقل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتعقبه أبو الفتح بأن الّذي كان على الثقل عبد بن كعب بن عمرو بن عوف. وترجم لعبد اللَّه بن كعب الأنصاريّ فذكر أنه كان على ثقل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. (التراتيب الإدارية) 1/ 351- 352، باب في ذكر صاحب الثقل متاع المسافر وحشمه. [ (1) ] حدا الإبل، وحدا بها، يحدو حدوا وحداء، ممدود: زجرها خلفها وساقها. قال الجوهري: الحدو سوق الإبل والغناء لها. (لسان العرب) : 14/ 168. [ (2) ] ثبت ذكره في الصحيح من حديث سلمة في قصة خيبر، قال: فقاتل أخى عامر قتالا شديدا فارتد عليه سيفه فقتله، فقالوا: حبط عمله، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذب من قال، إنه لجاهد ومجاهد قلّ عربىّ نشأ بها مثله. قال ابن عبد البر: قرأت على سعيد بن نصر أن قاسم بن أصبغ حدثهم، حدثنا محمد بن وضاح، حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة. حدثنا هاشم بن القاسم. حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع، قال أخبرنى أبى قال: لما خرج عمى عامر بن سنان إلى خيبر مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل يرتجز بأصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وفيهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجعل يسوق الركاب، وهو يقول: باللَّه لولا اللَّه ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 302 خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع، عن سلمة بن الأكوع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خيبر فسرنا ليلا، وقال البخاري: فسرنا ليلا. فقال رجل من القوم لعامر: يا ابن الأكوع، يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول: اللَّهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما اقتفينا ... وثبت الأقدام ان لاقينا وألقين سكينة علينا ... إنا إذا صيح بنا أتينا وبالصياح عولوا علينا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع قال يرحمه اللَّه، قال رجل من القوم: وجببت يا نبي اللَّه، لولا أمتعتنا به، قال: فأتينا خيبر فحاصرناهم، حتى أصابتنا مخمصة شديدة. ثم قال: إن اللَّه عز وجل فتحها عليكم، قال: فلما أمسى الناس مساء اليوم الّذي فتحت عليهم   [ () ] إن الذين قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبّت الأقدام إن لاقينا وأنزلن سكينة علينا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من هذا؟ قالوا: عامر يا رسول اللَّه. قال: غفر لك ربك. وقال: وما استغفر لإنسان قط يخصه بالاستغفار إلا استشهد. قال: فلما سمع ذلك عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: يا رسول اللَّه، لو متعتنا بعامر، فاستشهد يوم خيبر. (الإصابة) : 3/ 582- 583، ترجمة رقم (4396) ، (الاستيعاب) : 2/ 785- 787، ترجمة رقم (1317) . [ (1) ] (فتح الباري) 7/ 589، كتاب (المغازي) ، باب (39) غزوة خيبر، حديث رقم (4196) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 408- 412، كتاب الجهاد والسير، باب 43 غزوة خيبر، من طرق وبسياقات مختلفة، بنحو حديث البخاري، حديث رقم (123) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 303 أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما هذه النيران؟ على أي شيء يوقدون؟ فقالوا: على لحم، قال: أي لحم؟ وقال البخاري: على أي لحم قالوا: لحم حمر الإنسية، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أهريقوها، واكسروها، فقال رجل من القوم أو يهريقوها ويغسلوها؟ وقال البخاري: فقال رجل يا رسول اللَّه أو نهريقها ونغسلها؟ قال: أو ذاك، فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه، ويرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبة عامر فمات منه. قال: فلما قفلوا، قال سلمة وهو آخذ بيدي: قال فلما رآني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ساكتا قال: مالك؟ قلت له: فداك أبى وأمه، زعموا أن عامرا حبط عمله، قال: من قاله؟ قلت: فلان وفلان، وأسيد بن حضير الأنصاريّ، فقال: كذب من قاله. إن له لأجرين، وجمع بين إصبعيه، إنه لجاهد مجاهد، قل عربي مشى بها مثله. وخالف قتيبة محمدا في الحديث في حرفين. وفي رواية ابن عباد: وألق سكينة علينا. حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبى عبيد، عن سلمة بن الأكوع، قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسرنا ليلا، فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ وذكر الحديث. ذكره في الأدب، في باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه، وفيه: فلما قفلوا قال سلمة: رآني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شاحبا، فقال لي: ما لك؟ فقلت: فدى لك أبي وأمي ... الحديث [ (1) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 658- 659، كتاب الأدب باب (90) ما يجوز من الشعر، والرجز، والحداء، وما يكره منه، وقوله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء: 224- 227] ، قال ابن عباس: في كل لغو يخوضون، حديث رقم (6148) . قال الحافظ: وأما الرجز فهو بفتح الراء والجيم بعدها زاي، وهو نوع من الشعر عند الأكثر، وقيل: ليس بشعر لأنه يقال راجز، لا شاعر وسمى رجزا لتقارب أجزائه واضطراب اللسان به، ويقال: رجز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 304 وذكره في غزوة خيبر بهذا الإسناد إلى آخره، وقال فيه: فسرنا ليلا، وفيه: قال: على أي لحم؟ وقال: فاغفر، فداء لك ما اتقينا [ (1) ] .   [ () ] البعير إذا تقارب خطوه واضطرب لضعف فيه، وأما الحداء فهو بضم الحاء وتخفيف الدال المهملتين يمد ويقصر: سوق الإبل بضرب مخصوص من الغناء، والحداء في الغالب إنما يكون بالرجز وقد يكون بغيره من الشعر وبذلك عطفه على الشعر والرجز، وقد جرت عادة الإبل أنها تسرع السير إذا حدى بها. وأخرج ابن سعد بسند صحيح عن طاوس مرسلا، وأورده موصولا عن ابن عباس دخل حديث بعضهم في بعض: إن أول من حدا الإبل عبد لمضر بن نزار بن معد بن عدنان كان في إبل لمضر فقصر، فضربه على يده فأوجعه فقال: يا يداه يا يداه، وكان حسن الصوت فأسرعت الإبل لما سمعته في السير، فكان ذلك مبدأ الحداء. ونقل ابن عبد البر الاتفاق على إباحة الحداء، وفي كلام بعض الحنابلة إشعار بنقل خلاف فيه، ومانعه محجوج بالأحاديث الصحيحة، ويلتحق بالحداء هنا الحجيج المشتمل على التشوق إلى الحج بذكر الكعبة وغيرها من المشاهد، ونظيره ما يحرض أهل الجهاد على القتال، ومنه غناء المرأة لتسكين الولد في المهد. وأخرجه البخاري (الأدب المفرد) أيضا من حديث عبد اللَّه بن عمر مرفوعا بلفظ: الشعر بمنزلة الكلام، فحسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام. وسنده ضعيف. وأخرجه الطبراني في (الأوسط) ، وقال: لا يروى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا بهذا الإسناد. وقد اشتهر هذا الكلام عن الشافعيّ. واقتصر ابن بطال على نسبته إليه فقصر. وعاب القرطبي المفسر على جماعة من الشافعية والاقتصار على نسبة ذلك للشافعي، وقد شاركهم في ذلك ابن بطال وهو مالكي، وأخرج الطبري من طريق ابن جريج قال: سألت عطاء عن الحداء والشعر والغناء فقال: لا بأس به ما لم يكن فحشا. (فتح الباري) مختصرا. [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 588- 589، كتاب المغازي، باب (39) غزوة خيبر، حديث رقم (4195) ، قوله: «إنه لجاهد مجاهد» كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما وكسر الهاء والتنوين، والأول مرفوع على الخبر. والثاني إتباع للتأكيد، كما قالوا: جاد مجد. وقال ابن التين: الجاهد من يرتكب المشقة، ومجاهد أي لأعداء اللَّه تعالى. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 305 وذكره في كتاب الدعاء من حديث مسدد، حدثنا يحيى عن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة، حدثنا سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خيبر، قال رجل من القوم: أيا عامر لو أسمعتنا من هنيهاتك، فنزل يحدو بهم يذكر «تاللَّه لولا اللَّه ما اهتدينا» وذكر شعرا غير هذا، ولكنى لم أحفظه. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع. قال: يرحمه اللَّه. فقال رجل من القوم: يا رسول اللَّه، لولا متعتنا به. فلما صافّ القوم قاتلوهم، فأصيب عامر بقائمة سيف نفسه، فمات. فلما أمسوا أوقدوا نارا كثيرة. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما هذه النار، على أي شيء توقدون؟ قالوا: على حمر إنسية. فقال: أهريقوا ما فيها وكسروها. قال رجل: يا رسول اللَّه، ألا نهريق ما فيها ونغسلها؟ قال: أو ذاك [ (1) ] . وخرّج مسلم [ (2) ] بعد حديث حاتم بن إسماعيل [ (3) ] من حديث ابن وهب قال أخبرني يونس بن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن ونسبه غير ابن وهب، فقال: ابن عبد اللَّه بن كعب بن مالك أن سلمة بن الأكوع قال: لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالا شديدا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك وشكّوا فيه: رجل مات في سلاحه، وشكوا في بعض أمره، قال سلمة: فقفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر، فقلت: يا رسول اللَّه ائذن أن أرجز لك، فأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: أعلم ما تقول، قال: فقلت:   [ (-) ] قوله: «قلّ عربي مشى بها مثله» كذا في هذه الرواية بالميم، والقصر من المشي، والضمير للأرض، أو المدينة، أو للحرب، أو للخصلة. (فتح الباري) مختصرا. [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 163، كتاب الدعوات باب (19) قول اللَّه تبارك وتعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، ومن خص أخاه بدعاء دون نفسه، وقال أبو موسى: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اغفر لعبيد أبى عامر، اللَّهمّ اغفر لعبد اللَّه بن قيس ذنبه، حديث رقم (6331) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 411- 412، كتاب الجهاد والسير، باب (43) غزوة خيبر، حديث رقم (124) . [ (3) ] حديث حاتم بن إسماعيل هو الحديث رقم (123) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 306 واللَّه لولا اللَّه ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صدقت: وأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا والمشركون قد بغوا علينا قال فلما قضيت وجزى قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من قال هذا؟ قلت له: أخي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يرحمه اللَّه، قال: فقلت: يا رسول اللَّه إن ناسا ليهابون الصلاة عليه، يقولون: رجل مات بسلاحه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مات جاهدا مجاهدا، قال ابن شهاب: ثم سألت ابنا لسلمة بن الأكوع فحدثني عن أبيه مثل ذلك، غير أنه قال حين قلت: إن ناسا يهابون الصلاة عليه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبوا، مات جاهدا مجاهدا، فله أجره مرتين، وأشار بإصبعيه. قال الواقدي [ (1) ] : فلما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى خيبر، قال لعامر بن سنان انزل يا ابن الأكوع فخذ لنا من هناتك، فاقتحم عامر عن راحلته ثم ارتجز برسول اللَّه وهو يقول: واللَّهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فألقين سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا إنا إذا صيح بنا أتينا ... وبالصياح عولوا علينا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يرحمك اللَّه، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: وجبت واللَّه يا رسول اللَّه فقال رجل من القوم لولا متعتنا به يا رسول اللَّه! فاستشهد عامر يوم خيبر. وخرج النسائي [ (2) ] من حديث يونس عن ابن شهاب قال: أخبرنى عبد الرحمن وعبد اللَّه ابنا كعب بن مالك، أن سلمة بن الأكوع قال: لما كان   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 638- 639. [ (2) ] (سنن النسائي) 6/ 338- 339، كتاب الجهاد، باب (29) من قاتل في سبيل اللَّه فارتد عليه سيفه فقتله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 307 يوم خيبر قاتل أخى قتال شديدا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وشكوا فيه: رجل مات بسلاحه، قال سلمة: فقفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر، فقلت: يا رسول اللَّه أتأذن لي أن أرتجز بك؟ فأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أعلم ما تقول قلت: واللَّه لولا اللَّه ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صدقت فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا والمشركون قد بغوا علينا فلما قضيت رجزى قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من قال هذا؟ قلت: أخى، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يرحمه اللَّه، فقلت: يا رسول اللَّه، واللَّه إن ناسا لا ليهابون الصلاة عليه، يقولون: رجل مات بسلاحه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مات جاهدا مجاهدا. قال ابن شهاب: ثم سألت ابنا لسلمة بن الأكوع فحدثني عن أبيه مثل ذلك، غير أنه قال حين قلت: إن ناسا ليهابون الصلاة عليه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبوا مات جاهدا مجاهدا، فله أجره مرتين وأشار بإصبعيه. وذكر الواقدي [ (1) ] في مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خيبر: أنه قال لعبد اللَّه بن رواحة: ألا تحرك بنا الركب، فنزل عبد اللَّه عن راحلته فقال: واللَّه لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا والمشركون قد بغوا علينا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ ارحمه، فقال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: وجبت يا رسول اللَّه، قال الواقدي: قتل يوم مؤتة شهيدا. وخرّج الترمذي [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا جعفر ابن سليمان، حدثنا ثابت، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن النبي   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 639. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 127- 128، كتاب الأدب، باب (70) ، ما جاء في إنشاد الشعر، حديث رقم (2847) . [ (3) ] (سنن النسائي) : 5/ 222، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 308 صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد اللَّه بن رواحة بين يديه يمشى وهو يقول: - خلوا بنى الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي حرم اللَّه تقول الشعر؟ فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: خل عنه يا عمر، فلهى أسرع فيهم من نضح النبل. قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقد روى عبد الرزاق هذا الحديث أيضا عن معمر عن الزهري عن أنس نحو هذا، وروى في غير هذا الحديث أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه، وهذا أصح عند بعض أهل الحديث لأن عبد اللَّه بن رواحة قتل يوم مؤتة، وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك. قلت: من قال: أن عمرة القضاء كانت بعد مؤتة، لأنه لم يكن بعد مؤتة الأصح مكة وكانت عمرة الحديبيّة وهي التي صدّ المشركون فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن البيت في ذي القعدة سنة ست وفيها صالح المشركين على أن يرجع إلى المدينة ثم يعتمر من قابل، وكان فتح مكة في رمضان في عمرة القضاء.   [ () ] كتاب المناسك، باب (109) إنشاد الشعر في الحرم والمشي بين يدي الإمام، حديث رقم (2873) ، وأخرجه النسائي أيضا في باب (121) استقبال الحج، حديث رقم (2893) ، وقوله: «فقال له عمر إلخ» كأنه رأى أن الشعر مكروه فلا ينبغي أن يكون بين يديه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي حرمه تعالى ولم يلتفت إلى تقرير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لاحتمال أن يكون قلبه مشتغلا بما منعه عن الالتفات إلى الشعر. قوله: «أسرع فيهم» أي في التأثير في قلوبهم من نضح النبل، بنون وضاد معجمة، وحاء مهملة، من الرمي بالسهم، أي فيجوز للمصلحة واللَّه تعالى أعلم. (حاشية السندي على سنن النسائي) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 309 وقال موسى بن عقبة في عمرة القضاء: أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يكشفوا عن المناكب وأن يسعوا في الطواف ليرى المشركون جلدكم وقوتكم فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يطوف بالبيت بين أصحابه] أهل مكة والرجال والنساء ينظرون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه وهم يطوفون. وكان يحدو بالإبل غلام حسن الحداء يقال له أنجشة، فكانت الإبل تزيد في الحركة لحدائه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رويدك يا أنجشة رفقا بالقوارير، يعني النساء [ (1) ] . وإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ظلله في الحر أبو بكر وأسامة ظلله من الحر أبو بكر الصديق وأسامة بن زيد وبلال المؤذن [ (2) ] . فخرج البخاري [ (3) ] من حديث ابن شهاب قال: فأخبرني عروة بن الزبير، فذكر حديث الهجرة وقدوم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أن قال: فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بنى عمرو بن عوف، وذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه للناس وجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار- ممن لم ير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- يحيى أبا بكر، حتى   [ (1) ] كان أنجشة يحدو بالنساء، وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال، وكان أنجشة حسن الصوت، وكان إذا حدا أسرعت الإبل، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أنجشة رويدك [أي على مهل] بالقوارير [أو انى الزجاج] الواحدة قارورة شبه النساء لضعف قلوبهن بقوارير الزجاج. (التراتيب الإدارية) : 1/ 342- 343، باب في الحادي. [ (2) ] ذكر ابن إسحاق في خبر هجرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ووصوله إلى المدينة وخروج الناس إليه سرعانا: فلما زال الظل عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قام إليه أبو بكر فأظله بردائه، وفي صحيح مسلم عن أم الحصين بنت إسحاق الأخمصية أو الأخمسية قالت: حجبت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حجة الوداع فرأيت أسامة بن زيد وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة. [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 303- 304، كتاب مناقب الأنصار، باب (45) ، هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (3906) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 310 أصابت الشمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأقبل أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك، فلبث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بنى عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الّذي أسس على التقوى، وصلّى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ثم ركب راحلته، فسار يمشى معه الناس، حتى بركت عند مسجد الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة، وهو يصلى فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مريدا للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين بركت به راحلته: هذا إن شاء اللَّه المنزل. ثم عاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: لا، بل نهيه لك يا رسول اللَّه، فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا، وطفق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول- وهو ينقل اللبن: - هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر ويقول: اللَّهمّ إن الأجر أجر الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة فتمثل بعشر رجل من المسلمين لم يسم لي. قال ابن شهاب: ولم يبلغنا- في الأحاديث- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات. ذكره في آخر كتاب الكفالة، في باب جوار أبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعقده [ (1) ] . وخرج مسلم [ (2) ] من حديث معقل عن زيد بن أبي أنيسه عن يحيى بن حصين عن جدته أم الحصين قال: سمعتها تقول: حججت مع الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 599- 600، كتاب الكفالة، باب (4) جوار أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعقده، حديث رقم (2297) . [ (2) ] (صحيح مسلم) : 9/ 51- كتاب الحج باب (51) استحباب رمى جمرة العقبة يوم النحر راكبا، وبيان قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لتأخذوا منا مناسككم، حديث رقم (311) ، وفيه جواز تسميتها حجة الوداع، وفيه الرمي راكبا كم سبق وفيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 311 حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته والآخر رافع ثوبه على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الشمس، قالت: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قولا كثيرا، ثم سمعته يقول: إن أمّر عليكم عبد مجدع، حسبتها قالت: أسود يقودكم بكتاب اللَّه، فاسمعوا له وأطيعوا. وفي لفظ [ (1) ] : حججت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالا، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة. خرج عمر بن شبة من حديث يزيد بن عبد ربه، حدثنا الوليد أبو مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة بنحو حديث علي بن زيد، عن القاسم بن أبي أمامة عمن رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سائرا إلى منى يوم التروية وإلى جانبه بلال في يده عود عليه ثوب يظل به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الشمس. وخرجه الإمام أحمد [ (2) ] من حديث الوليد بن مسلم عن عثمان بن أبى العاتكة، عن على بن زيد عن القاسم، عن أبى أمامة عمن رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإلى جانبه بلال فذكره.   [ () ] وقال مالك وأحمد لا يجوز وإن فعل لزمته الفدية وعن أحمد رواية أنه لا فدية وأجمعوا على أنه لو قعد تحت خيمة أو سقف جاز ووافقونا على أنه إذا كان الزمان يسيرا في المحمل لا فدية وكذا لو استظل بيده. وعن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه أبصر رجلا على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس فقال: اضح لمن أحرمت له. ورواه البيهقي بإسناد صحيح، وعن جابر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من محرم يضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه. رواه البيهقي وضعفه واحتج الجمهور بحديث أم الحصين، وهذا المذكور في مسلم ولأنه لا يسمى لبسا وأما حديث جابر فضعيف كما ذكرنا مع أنه ليس فيه نهى وكذا فعل عمر وقول ابن عمر ليس فيه نهى ولو كان فحديث أم الحصين مقدم عليه. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (312) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 359، حديث رقم (21802) ، من حديث أبى أمامة الباهلي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 312 قال الواقدي: وقدّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيد بن حارثة، وعبد اللَّه بن رواحة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما من الأثيل، فجاءوا يوم الأحد شد الضحى، وفارق عبد اللَّه بن زيد بالعقيق منصرفة من غزوة بدر، فجعل عبد اللَّه ينادي على راحلته: يا معشر الأنصار، أبشروا بسلامة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقتل المشركين وأسرهم! قتل ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وأبو جهل، وقتل زمعة ابن الأسود، وأمية بن خلف، وأسر سهيل بن عمر ذو الأنياب في أسرى كثيرة، ونزل آيات في ذلك، قال عاصم بن عدي: فقمت إليه فنحوته فقلت: أحق ما تقول يا ابن رواحة؟ قال: إي واللَّه، وغدا يقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن شاء اللَّه ومعه الأسرى مقرنين، ثم اتبع دور الأنصار بالعالية، فبشرهم دارا دارا، والصبيان يشتدون معه ويقولون: قتل أبو جهل الفاسق! حتى انتهوا إلى بنى أمية بن زيد [ (1) ] [وعبد اللَّه بن رواحة يرجز بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متوشحا السيف وهو يقول:] [ (2) ] [خلوا بني الكفار عن سبيله ... أنى شهدت أنه رسوله حقا وكل الخير في سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله [ (2) ]] ويذهل الخليل عن خليله ولأبي داود الطيالسي من حديث حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان أنجشة يحدو بالنساء،   [ (1) ] (مغازي الواقدي) 1/ 114، من أحداث غزوة بدر الكبرى. [ (2) ] ما بين الحاصرتين مكانه في المغازي 2/ 736، من أحداث غزوة القضية، وعلى ذلك التلفيق واضح في سياق هذه الفقرة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 313 وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال، وكان أنجشة حسن الصوت، وكان إذا حدا أعنقت الإبل [ (1) ] ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير. وخرجه البخاري [ (2) ] من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، وأيوب عن قلابة، عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] العنق، من السير: المنبسط، والعنيق، كذلك وسير عق وعنيق: معروف، وقد اعنقت الدابة، فهي معنق، ومعناق وعنيق. وفي حديث معاذ وأبى موسى: أنهما كانا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، في سفر ومعه أصحابه فأناخوا ليلة وتوسد كل رجل منهم بذراع راحلته، قالا: فانتبهنا ولم نر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، عند راحلته فاتبعناه، فأخبرنا، عليه السّلام، أنه خير بين أن يدخل نصف أمته الجنة وبين الشفاعة، وأنه اختار الشفاعة، فانطلقنا معانيق إلى الناس نبشرهم، قال شمر: قوله معانيق أي مسرعين، يقال: أعنقت إليه أعنق إعناقا. وفي حديث أصحاب الغار: فانفرجت الصخرة فانطلقوا معانقين أي مسرعين، من عانق مثل أعنق إذا سارع وأسرع، ويروى: فانطلقوا معانيق، ورجل معنق وقوم معنقون ومعانيق، قال: والعنق ضرب من سير الدابة والإبل، وهو سير منبسط. مختصرا من (لسان العرب) : 10/ 273- 274 . [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 675، كتاب الأدب، باب (95) ما جاء في قول الرجل «ويلك» حديث رقم (6161) ، وأخرجه والحديثين بعده في كتاب الأدب باب (90) ، ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه حديث رقم (6149) ، وقال في آخره: قال أبو قلابة: فتكلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بكلمات لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه، وأخرجه في باب (111) ، من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا، حديث رقم (620) ، وفيه: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يا أنجش» ، وفي باب (116) ، المعاريض مندوحة عن الكذب، وقال إسحاق: سمعت أنس: مات ابن لأبى طلحة، فقال: كيف الغلام؟ قالت أم سليم: هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح. وظن أنها صادقة، حديث رقم (6209) ، وفيه: «أرفق يا أنجشة- ويحك- بالقوارير» ، وحديث رقم (6210) ، وفيه: «قال أبو قلابة: القوارير يعنى النساء» ، وحديث رقم (6211) ، وفيه: «قال قتادة: يعنى ضعفة النساء» . - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 314   [ () ] وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب (18) ، رحمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم للنساء، وأمر السواق مطاياهن بالرفق بهن، حديث رقم (70) ، وفيه: «يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير» وحديث رقم (71) ، وفيه: «ويحك يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير» وحديث رقم (72) ، وفيه: «أي أنجشة رويدا سوقك بالقوارير» ، وحديث رقم (73) ، وفيه: «رويدا يا أنجشة لا تكسر القوارير يعنى ضعفة النساء» . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم (يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير) وفي رواية ويحك يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير، وفي رواية: يا أنجشة لا تكسر القوارير يعنى ضعفة النساء، أما أنجشة فهمزة مفتوحة وإسكان النون وبالجيم وبشين معجمة، وأما رويدك فمنصوب على الصفة بمصدر محذوف أي سق سوقا رويدا، ومعناه الأمر بالرفق بهن وسوقك منصوب بإسقاط الجار، أي أرفق في سوقك بالقوارير، قال العلماء: سمى النساء قوارير لضعف عزائمهن تشبيها بقارورة الزجاج لضعفها، وإسراع الانكسار إليها واختلف العلماء في المراد بتسميتهن قوارير على قولين: ذكرهما القاضي وغيره، أصحهما عند القاضي وآخرين وهو الّذي جزم به الهروي وصاحب (التحرير) وآخرون: أن معناه أن أنجشة كان حسن الصوت وكان يحدو بهن وينشد شيئا من القريض والرجز، وما فيه تشبيب، فلم يأمن أن يفتنهن ويقع في قلوبهن حداؤه، فأمره بالكف عن ذلك، ومن أمثالهم المشهورة: الغناء رقية الزنا، قال القاضي: هذا أشبه بمقصوده صلّى اللَّه عليه وسلّم وبمقتضى اللفظ، قال: وهو الّذي يدل عليه كلام أبى قلابة المذكور في هذا الحديث في مسلم والقول الثاني: أن المراد به الرّفق في السير، لأن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي، واستلذته فأزعجت الراكب، وأتعبته، فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن عند شدة الحركة، ويخاف ضررهن، وسقوطهن. وأما «ويحك» فهكذا وقع في مسلم ووقع في غيره «ويلك» قال القاضي: قال سيبويه: «ويل» كلمة تقال لمن وقع في هلكة، «وويح: تقال لمن أشرف على الوقوع في هلكة، وقال الفراء: «ويل وويح وويس» بمعنى، وقيل: «ويح» كلمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها- يعنى في عرفنا- فيرثى له، ويترحم عليه، و «ويل» ضده، قال القاضي: قال بعض أهل اللغة: لا يراد بهذه الألفاظ حقيقة الدعاء وإنما يراد بها المدح، والتعجب. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 315 في سفر، وكان معه غلام له أسود يقال له أنجشة يحدو، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويحك يا أنجشة، رويدك بالقوارير. وروى عن حماد بن زيد قال أنبأنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال كان عبد أسود يقال له أنجشة فبينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر وكان أنجشة يحدو، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويحك يا أنشجة رويدك سوقك بالقوارير وكان يسوق بالنساء وكانت فيهن أم سليم. قال أبو عمر بن عبد البر [ (1) ] : أنجشة العبد الأسود كان يسوق أو يقود بنساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، عام حجة الوداع، وكان حسن الحداء، وكانت الإبل تزيد في الحركة بحدائه، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رويدا يا أنجشة، رفقا بالقوارير، يعنى النساء. حديثه عند أنس بن مالك، أخبرنا أحمد بن عبد اللَّه، حدثنا سلمة بن قاسم، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الأصبهاني، حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: كان أنجشة يحدو بالنساء، وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال، وكان إذا حدا أعنقت الإبل، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير.   [ () ] وفي هذه الأحاديث جواز الحداء، وهو بضم الحاء، ممدود، وجواز السفر بالنساء، واستعمال المجاز، وفيه مساعدة النساء من الرجال، ومن سماع كلامهم إلا الوعظ، ونحوه. (شرح النووي) : 15/ 86- 88. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 35، حديث رقم (12532) ، 4/ 102، حديث رقم (12964) ، كلاهما من مسند أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وأخرجه الحافظ البيهقي في (السنن الكبرى) : 10/ 227، كتاب الشهادات باب لا بأس باستماع الحداء ونشيد الأعراب كثر أو قل، وفيه: «رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير» . [ (1) ] (الاستيعاب) : 1/ 140، ترجمة أنجشة رقم (151) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 316 وروى حماد بن زيد، قال حدثنا أيوب عن أبى قلابة عن أنس، قال: كان عبد أسود يقال له أنجشة، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، وكان أنجشة يحدو بهم، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويحك يا أنجشة، رويدك بالقوارير، وكان يسوق بالنساء. قال: وكانت فيهن أم سليم [ (1) ] .   [ (1) ] هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، اختلف في اسمها، فقيل: سهلة. وقيل: رميلة. وقيل: رميثة، وقيل: ملكية، ويقال: الغمصياء، أو الرميصاء، كانت تحت مالك بن النضر، أبى أنس بن مالك في الجاهلية، فولدت له أنس بن مالك، فلما جاء اللَّه بالإسلام، أسلمت مع قومها، وعرضت الإسلام على زوجها، فغضب عليها، وخرج إلى الشام، فهلك هناك، ثم خلف عليها بعده أبو طلحة الأنصاريّ، خطبها مشركا، فلما علم أنه لا سبيل له إليها إلا بالإسلام أسلم وتزوجها وحسن إسلامه، فولد له منها غلام كان قد أعجب به فمات صغيرا، فأسف عليه، ويقال: إنه أبو عمير صاحب النغير. ثم ولدت له عبد اللَّه بن أبى طلحة فبورك فيه، وهو ولد إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة الفقيه وإخوته، وكانوا عشرة، كلهم حمل عنه العلم، وروت أم سليم عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحاديث. وكانت من عقلاء النساء، روى عنها ابنها أنس بن مالك، وروى سليمان بن المغيرة عن ثابت، عن أنس، قال: أتيت أبا طلحة وهو يضرب أمى. فقلت: تضرب هذه العجوز ... في حديث ذكره، وروى عن أم سليم أنها قالت: لقد دعا لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى ما أريد زيادة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 317 فصل في ذكر وزير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوزير [ (1) ] الّذي يحمل نعل الملك ويعينه، وقد استوزره، وهي الوزارة بكسر الواو وفتحها والكسر أعلى، وأوزره على الأمر: أعانه وقوّاه، الأصل أوزر، وقد اختلف في اشتقاق الوزير فقيل من الوزر بفتح الواو والزاي وهي الملجأ لأن الوزير يلجأ إلى رأيه، وقيل سمى وزيرا من الوزر بكسر الواو وسكون الزاي وهي النعل لأنه يحمل عن صاحبه نعله ويعينه. قال ابن قتيبة: وما حمله الإنسان على ظهره، وآزرني فلان أعانني ووازرني صار لي وزيرا، وقال ابن جريج: وأزر الرجل الرجل موازرة أعانه، وكذلك آزره. قال: السبكي الوزير مأخوذ من أزر، وكان الأصل أزير فقيل وزير. ومن عرف سيرة أبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وعمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وكيف كانا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الهوى، والعصبية، وإعراض عن تقليد الآباء والمشيخة، تبين له أنهما كانا منه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمنزلة الوزيرين.   [ (1) ] قال الإمام أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري: وازره على الأمر: أعانه وقواه، والأصل آزره. قال بن سيده: ومن هاهنا ذهب بعضهم إلى أن الواو في وزير بدل من الهمزة. وفي التنزيل العزيز: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، [طه: 29] ، قال: الوزير في اللغة اشتقاقه من الوزر، وكذلك وزير الخليفة معناه الّذي يعتمد على رأيه في أموره ويلتجئ إليه، وقيل لوزير السلطان: وزير لأنه يزر عن السلطان أثقال ما أسند إليه من تدبير المملكة أي يحمل ذلك. الجوهري: الوزير الموازر كالأكيل المواكل لأنه يحمل عنه وزره أي ثقله. وقد استوزر فلان، فهو يوازره الأمر ويتوزر له. وفي حديث السقيفة: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، جمع وزير وهو الّذي يوازره فيحمل عنه ما حمله من الأثقال والّذي يلتجئ الأمير إلى رأيه وتدبيره، فهو ملجأ له ومفزع. ووزرت الشيء أزره وزرا أي حملته، ومنه قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى. [الإسراء: 15] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 318 وقد خرج أبو عيسى الترمذي [ (1) ] من حديث تليد بن سليمان عن أبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما من نبي إلا له وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وأبو الجحاف واسمه داود بن أبي عوف. ويروى عن سفيان الثوري حدثنا أبو الجحاف وكان رافضيا، وتليد بن سليمان يكنى أبا إدريس وهو شيعىّ. وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث عطاء بن عجلان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وإنما يعرف هذا الحديث   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 576، كتاب المناقب، باب (7) مناقب أبى بكر، حديث رقم 3680، (حلية الأولياء) : 8/ 160، ترجمة وهيب بن الورد رقم (369) ، (تاريخ بغداد) : 3/ 298، ترجمة محمد بن مجيب الثقفي الكوفي رقم (1385) على الحديث رقم (6462) : في سنده محمد بن مجيب الثقفي، وهو كذاب، ومع ذلك فقد قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال الشيخ الألباني: ضعيف كما في المشكاة: (6056) ، (ضعيف الجامع الصغير) ، (55223) ، (ضعيف سنن الترمذي) : (492) ، قوله: «فأما وزيراي من أهل السماء فجبرئيل وميكائيل» فيه دلالة ظاهرة على فضله صلوات اللَّه وسلامه عليه على جبرئيل وميكائيل عليهما السلام كما أن فيه إيماء إلى تفضيل جبرئيل. «وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر» فيه دلالة ظاهرة على فضلهما على غيرهما من الصحابة وهم أفضل الأمة وعلى أن أبا بكر أفضل من عمر لأن الواو وإن كان لمطلق الجمع ولكن ترتيبه في لفظه الحكيم لا بد له من أثر عظيم. قوله: «وهذا حديث حسن غريب» ، وأخرجه الحاكم وصححه وأقروه، والحكيم في (نوادره) عن ابن عباس، وغيره وابن عساكر، وأبو يعلى، وغيرهما عن أبى ذر بأسانيد ضعيفة، كذا في (التيسير) ، (تحفة الأحوذي) : 10/ 114. [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 290- 291، كتاب التفسير، حديث رقم (3047) ، قال الحافظ الذهبي في (التخليص) : صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 319 من حديث سوار بن مصعب عن عطية العوفيّ عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن لي وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل وأما وزيراي من أهل الأرض، فأبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: ورواه عبيد بن القاسم بن سلام عن أبى معاوية عن عطية بلفظ آخر. وخرج أيضا من حديث ربيعة بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب قال: كان أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مكان الوزير، فكان يشاوره في جميع أموره، وكان ثانية في الإسلام، وكان ثانية في الغار، وكان ثانية في العريش يوم بدر، وكان ثانية في القبر، ولم يكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقدم أحدا [ (1) ] [إلا هو هذا] [ (2) ] . أما ما أخرجه البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث إبراهيم بن سعد قال حدثنا ابن سعد عن أبيه عن سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 66، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4409) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة في الأصل، وليست في (المستدرك) . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 454، كتاب المغازي، باب (18) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ حديث رقم (4054) ، 10/ 347، كتاب اللباس، باب (24) الثياب البيض، حديث رقم (5826) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 72- 73، كتاب الفضائل، باب (10) في قتال جبريل وميكائيل عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد، حديث رقم (46/ 3206) ، وحيث رقم (47) من أحاديث الباب ولفظه: « ... حدثنا سعد بن أبى وقاص قال: لقد رأيت يوم أحد عن يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن يساره رجلين، عليهما ثياب بيض، يقاتلان عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أشد القتال، ما رأيتها قبل ولا بعد» . وفي هذا الحديث بيان كرامة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على اللَّه تعالى، وإكرامه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيان أن الملائكة تقاتل، وأن قتالهم لم يختص بيوم بدر، وهذا هو الصواب، خلافا لمن زعم اختصاصه به، فهذا صريح في الرد عليه. وفيه فضيلة الثياب البيض، وأن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء، بل يراهم الصحابة والأولياء. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 320 قال: لقد رأيت يوم أحد عن يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن يساره رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد. ذكره البخاري في [المغازي] وأخرجه في كتاب اللباس. وأخرجه مسلم في المناقب من حديث سعد عن سعيد بن إبراهيم، عن أبيه، عن سعد قال: رأيت عن يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل [عليهما السلام] . لم يقل البخاري: يعني جبريل وميكائيل. قال الواقدي: حدثني أبو إسحاق بن أبي عبد اللَّه، عن عبد الواحد بن أبى عون، عن صالح بن إبراهيم قال: كان عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: لقد رأيت يوم بدر رجلين عن يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدهما، وعن يساره أحدهما، يقاتلان أشد القتال ثم ثلثهما ثالث من خلفه ثم ربعهما رابع أمامه [ (1) ] . وحدثني أبو إسحاق بن أبي عبد اللَّه عن عبد الواحد بن أبي عون، عن زياد مولى سعد، عن سعد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: رأيت رجلين يوم بدر [يقاتلان] عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدهما عن يساره والآخر عن يمينه وإني لأراه ينظر إلى ذا مرة وإلى ذا مرة سرورا بما ظفره اللَّه تعالى [ (2) ] .   [ () ] وفيه منقبة لسعد بن أبى وقاص الّذي رأى الملائكة. واللَّه تعالى أعلا وأعلم. (مسلم بشرح النووي) . [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 78 [ (2) ] (المرجع السابق) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 321 فصل في ذكر صاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن صاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هو حذيفة بن اليمان لقب، وإنما هو عبد اللَّه حذيفة بن حسن ويقال: حسيل بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة ويقال لجروة اليمنى أيضا ابن الحارث بن قطيعة العبسيّ بن بغيض بن ريث بن غطفان العبسيّ القطيعي. حليف لبني عبد الأشهل المعروف بالصحابة بصاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، شهد أحدا، وكان من كبار الصحابة، وشهد نهاوند، فأخذ الراية بعد مقتل النعمان بن مقرن، ففتح اللَّه على يديه همذان والري والدينور في سنة اثنين وعشرين، ومات سنة ست وثلاثين على الصحيح [ (1) ] . خرج البخاري [ (2) ] من حديث إسرائيل عن المغيرة عن إبراهيم عن علقمة قال: قدمت الشام وصليت ركعتين ثم قلت اللَّهمّ يسر لي جليسا صالحا، فأتيت قوما فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي. فقلت: من هذا؟ قالوا أبو الدرداء رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقلت: إني دعوت اللَّه عز وجل أن ييسر لي جليسا صالحا فيسرك لي، قال: ممن أنت؟ قال: من أهل الكوفة قال: أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة؟ أفيكم الّذي أجاره اللَّه يعنى من الشيطان على لسان نبيه؟ أوليس فيكم صاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي لا يعلم أحد غيره؟ قال: كيف يقرأ عبد اللَّه   [ (1) ] (الاستيعاب) : 1/ 334- 2335 ترجمة رقم 492، (الإصابة) : 2/ 44- 45، ترجمة رقم (1649) ، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 361- 369، ترجمة رقم (76) ، (كنز العمال) : 13/ 343، (تهذيب التهذيب) : 2/ 193، ترجمة رقم (405) ، (حلية الأولياء) : 1/ 270- 283، (التاريخ الكبير) : 3/ 95، (الجرح والتعديل) : 3/ 256، (تاريخ خليفة) : 182، طبقات خليفة) : 48، 130، (طبقات ابن سعد) : 6/ 15، 7/ 317. [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 113- 114، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (20) مناقب عمار وحذيفة رضى اللَّه عنهما، حديث رقم (3742) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 322 وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى فقرأت عليه وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى فقال: واللَّه لقد أقرأنيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من فيه إلى في. ومن حديث شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال: ذهب علقمة إلى الشام فلما دخل المسجد قال: اللَّهمّ يسر لي جليسا صالحا، فجلس إلى أبي الدرداء، فقال أبو الدرداء: ممن أنت؟ قال من أهل الكوفة. قال: أليس فيكم- أو منكم صاحب السر الّذي لا يعلمه غيره؟ يعنى حذيفة. قال: قلت بلى. قال أليس فيكم- أو منكم- الّذي أجاره اللَّه على لسان نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ يعنى من الشيطان، يعنى عمارا، قلت: بلى. قال: أليس فيكم- أو منكم- صاحب السواك، والوساد، أو السرار؟ قال: بلى. قال: كيف كان عبد اللَّه يقرأ: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى؟ قلت: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى، قال: ما زال بى هؤلاء حتى كادوا يستنزلونى عن شيء سمعته من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. ذكرهما في مناقبهما [ (1) ] وذكر في كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 114، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (20) مناقب عمار وحذيفة، رضى اللَّه عنهما، حديث رقم (3743) . قوله: «قال: أوليس عندكم ابن أم عبد» يعنى عبد اللَّه بن مسعود، ومراد أبى الدرداء بذلك أنه فهم منهم أنهم قدموا في طلب العلم، فبين لهم أن عندهم من العلماء من لا يحتاجون معهم إلى غيرهم، ويستفاد منه أن المحدث لا يرحل عن بلده حتى يستوعب ما عند مشايخها. قوله: «صاحب النعلين» أي نعلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان عبد اللَّه بن مسعود يحملها. قوله: «الّذي أجاره اللَّه من الشيطان، يعنى على لسان نلبيه» زعم ابن التين أن المراد بذلك قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار «وهو محتمل، ويحتمل أن يكون المراد بذلك حديث عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها مرفوعا:» ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما أخرجه الترمذي. ولأحمد من حديث ابن مسعود مثله، أخرجهما الحاكم، فكونه يختار أرشد الأمرين دائما يقتضي أنه أجير من الشيطان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 323 شعبة قريبا [ (1) ] منه. وذكره أيضا في مناقب عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه من حديث أبي عوانة عن مغيرة باختلاف ألفاظ [ (2) ] .   [ () ] قوله: «والوساد» في رواية شعبة: «صاحب السواك- بالكاف- أو السواد بالدال، ووقع في رواية الكشميهني هنا: «الوساد» ورواية غيره أوجه. والسواد: السرار- براءين- يقال: ساودته سوادا أي ساررته سرارا، وأصله أدنى السواد، وهو الشخص من السواد. قوله: «والمطهرة» في رواية السرخسي «والمطهر» بغير هاء، وأغرب الداوديّ فقال: معناه أنه لم يكن يملك من الجهاز غير هذه الأشياء الثلاثة، وكذا قال، وتعقب ابن التين كلامه فأصاب، وقد روى مسلم عن ابن مسعود أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: «إذنك عليّ أن ترفع الحجاب وتسمع سوادي» أي سراري، وهي خصوصية لابن مسعود. قوله: «أوليس فيكم صاحب سر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي لا يعلم أحد غيره» كذا فيه بحذف المفعول، وفي رواية الكشميهني «الّذي لا يعلمه» والمراد بالسر ما أعلمه به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من أحوال المنافقين. قوله: ثم قال كيف يقرأ عبد اللَّه" يعنى ابن مسعود، وفي هذا بيان واضح أن قراءة ابن مسعود كانت كذلك، وفي رواية إسرائيل عن مغيرة في المناقب وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى بحذف وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى كذا في رواية أبى ذر، وأثبتها الباقون، ومن عداهم قرءوا وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى وعليها استقر الأمر مع قوة إسناد ذلك إلى أبى الدرداء ومن ذكر معه. والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة على علقمة وعن ابن مسعود، وإليها تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام، حملوا القراءة عن أبى الدرداء. ولم يقرأ أحد منهم بهذا، فهذا مما يقوى أن التلاوة بها نسخت. (فتح الباري) : 7/ 115- 116، 8/ 917 مختصرا. [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 114، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب (20) مناقب عمار وحذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم (3743) . [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 128، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (27) مناقب عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه حديث رقم (3761) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 324 وخرجه الترمذي من حديث قتادة عن خيثمة بن أبي سبرة قال أتيت المدينة فسألت اللَّه أن ييسر لي جليسا صالحا. [فيسر لي أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فجلست إليه فقلت له: إني سألت اللَّه إن ييسر لي جليسا صالحا] فوفقت لي، فقال لي: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة جئت ألتمس الخير وأطلبه فقال: أليس فيكم سعد بن مالك مجاب الدعوة، وابن مسعود صاحب طهور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبغلته؟ وحذيفة صاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعمار الّذي أجاره اللَّه من الشيطان على لسان نبيه، وسلمان صاحب الكتابين، قال قتادة: الكتابان الإنجيل والفرقان. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب [صحيح] وخيثمة هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة، إنما نسب إلى جده [ (1) ] . وقال الحاكم في (المستدرك) : اتفق الشيخان على إخراج حديث شعبة عن عدي بن ثابت عن عبد اللَّه بن يزيد عن حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: أخبرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما هو كائن إلى يوم القيامة فما من شيء إلا وقد سألته عنه إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة [ (2) ] . وخرجه الحاكم من حديث إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال: قال أبو إدريس [عائذ اللَّه] الخولانيّ: سمعت حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: واللَّه إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما ذاك أن يكون حدثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بها من شيء لم يحدث بها   [ (1) ] (سنن الترمذي) 5/ 633، كتاب المناقب، باب (38) مناقب عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3811) ، وقال الحافظ في (الفتح) : تنبيه: توارد أبو هريرة في وصف المذكورين مع أبى الدرداء بما وصفهم وزاد عليه، فروى الترمذي من طريق خيثمة ابن عبد الرحمن، قال ... وذكر الحديث. (فتح الباري) : 7/ 116، تعقيبا على الحديث رقم (3743) . [ (2) ] (المستدرك) 4/ 472، كتاب الفتن والملاحم، آخر الحديث رقم (8311) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم، وقال أبو عبد اللَّه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، فليعلم طالب هذا العلم أن حذيفة بن اليمان صاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 325 غيري ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو يحدث في مجلس أنا فيه عن الفتن وهو يعد الفتن فيهن ثلاث لا تذرن شيئا منهن كهياج الصيف منها صغار ومنها كبار فذهب أولئك الرهط كلهم غيري. قال: هذا حديث صحيح [ (1) ] [على شرط الشيخين ولم يخرجاه] . وخرجه مسلم عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب قال أنبأنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب [ (2) ] . وخرج الترمذي من حديث زائدة عن عاصم، عن زر عن حذيفة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: أخبرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما هو كائن إلى يوم القيامة فما من شيء إلا وسألته عنه إلا أنى لم أسأله عن ما يخرج أهل المدينة من المدينة. قال: قال أبو إدريس الخولانيّ سمعت حذيفة يقول واللَّه إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة وما ذاك أن يكون حدثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشيء لم يحدث به غيري، ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو يحدث في مجلس أنا فيه عن الفتن وهو يعد الفتن كذا لا يذرن شيئا منهن كرياح الصيف، ومنها صغارا ومنها كبارا، فذهب أولئك الرهط كلهم غيري. قال: هذا حديث صحيح خرجه مسلم عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب قال: أنبأنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب [ (3) ] . وخرج الترمذي من حديث زائدة عن عاصم عن حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قام فينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقام خير أخبر فيه ما يكون   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 518، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8454) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 231، كتاب الفتن وأشراط الساعة باب (6) ، إخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما يكون إلى قيام الساعة، حديث رقم (2819) . [ (3) ] سبق تخريجه من طرق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 326 فيه إلى قيام الساعة، عقله منا من عقله، ونسيه من نسيه. قال: حديث صحيح [ (1) ] . سلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العقبة [وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان يسوق خلفه] فبينا إذ سمع حس القوم قد غشوه فغضب وأمر حذيفة أن يردهم فرجع حذيفة إليهم فجعل يضرب وجوه رواحلهم [بمحجن في يده] فانحطوا من العقبة وأقبل حذيفة فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من   [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 604، كتاب القدر، باب (4) وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً، حديث رقم (6604) ولفظه: «عن حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لقد خطبنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره علمه من علمه وجهله من جهله، إن كنت لأرى الشيء قد نسيته، فأعرف كما يعرف الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه» . قوله: «لقد خطبنا» في رواية جرير عن الأعمش عند مسلم: «قام فينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقاما» . قوله: «إلا ذكره» ، في رواية جرير: «إلا حدث به» . قوله: «علمه من علمه وجهله من جهله» في رواية جرير: «حفظه من حفظه ونسيه من نسيه» وزاد: «قد علمه أصحابى هؤلاء» ، أي علموا وقوع ذلك المقام وما وقع من الكلام (فتح الباري) . وقد سبق ذكر حديث مسلم من طريق أبى إدريس الخولانيّ عن حذيفة، والّذي قال في آخره: «فذهب لأولئك الرهط غيري» ، وهذا لا يناقض الأول، بل يجمع بأن يحمل على مجلسين، أو المراد بالأول أعم من المراد بالثاني. (فتح الباري) . قال الحافظ في (الفتح) : أخرج هذا الحديث القاضي عياض في (الشفاء) من طريق أبى داود بسنده إلى قوله: «ثم إذا رآه عرفه» ، ثم قال حذيفة: «ما أدرى أنسي أصحابى أم تناسوه واللَّه ما ترك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا بلغ من معه ثلاثمائة إلا قد سماه لنا» . قلت: ولم أر هذه الزيادة في كتاب أبى داود، وإنما أخرجه أبو داود بسند آخر مستقل من وجه آخر عن حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [في أول كتاب الفتن والملاحم] باب (1) ذكر الفتن ودلائلها، حديث رقم (4240) ] ولم أجده في (سنن الترمذي) كما ذكر المقريزي عليه رحمة اللَّه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 327 العقبة وترك الناس قال: يا حذيفة هل عرفت أحدا من الركب الذين ركبوا قال: يا رسول اللَّه عرفت راحلة فلان وفلان وكان القوم متلثمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل [ (1) ] . قال الواقدي حدثني يعقوب بن محمد عن [ربيح] بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدريّ عن أبيه عن جده قال: كان أهل العقبة الذين أرادوا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ما أرادوا ثلاثة عشر رجلا قد سماهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحذيفة وعمار [ (2) ] . وحدثني معمر بن راشد عن الزهري فقال نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن راحلته فأوحى إليه وراحلته باركة فقامت تجر زمامها حتى أمسكها حذيفة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأخذ بزمامها فاقتادها حين رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا فأناخها ثم جلس عندها حتى قام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتاه فقال: من هذا؟ قال: أنا حذيفة فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنّي مسر إليك أمرا فلا تذكرنه: إني- نهيت أن أصلى على فلان وفلان رهط عدة من المنافقين ولا يعلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرهم لأحد غير حذيفة. فلما توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في خلافته إذا مات الرجل ممن يظن به أنه من أولئك الرهط أخذ بيد حذيفة فقاده إلى الصلاة عليه فإن مشى معه حذيفة صلّى عليه عمر، وإن انتزع يده وأبى أن يمشي انصرف معه. حدثني ابن أبي سبرة عن سليمان بن أبى سحيم عن نافع بن جبير قال: لم يخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدا إلى حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال الواقدي: وهم اثنا عشر رجلا ليس فيهم قرشي وهذا الأمر المجتمع عليه عندنا [ (3) ] وأبو ذر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.] [ (4) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1042- 1043 مختصرا. [ (2) ] (المرجع السابق) : 3/ 1044. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1044- 1045 مختصرا. [ (4) ] زيادة في (الأصل) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 328 خرج الإمام أحمد من حديث خالد بن ذكوان حدثني أيوب بن بشير عن فلان الغبرى [الغزى ولم يقل] [ (1) ] أنه أقبل مع أبي ذر فلما رجع تقطع الناس عنه فقلت: يا أبا ذر إني سائلك [عن] [ (2) ] بعض أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن كان سرا من سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم أحدثك به قلت ليس بسر ولكن كان إذا لقي الرجل يأخذ بيده يصافحه قال على الخير سقطت لم يلقني قط إلا أخذ بيدي غير مرة واحدة وكانت تلك آخرهن أرسل إلي في مرضه الّذي توفى فيه، فوجدته مضطجعا فأكببت عليه فرفع يده فالتزمني [ (3) ] [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] . وخرجه من حديث حماد بن سلمة قال أخبرني ابن أبى الحسين عن أيوب بن بشير بن كعب العدوي عن رجل من عتر أنه قال لأبي ذر حين سير من الشام فذكر الحديث وقال فيه: هل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصافحكم إذا لقيتموه منه فقال: ما لقيته قط إلا صافحني [ (4) ] [فقال أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه صاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] . خرج البخاري في كتاب الاستئذان باب حفظ السر من حديث معتمر بن سليمان قال سمعت أبي قال سمعت أنس بن مالك [ (6) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.   [ (1) ] زيادة من (مسند أحمد) . [ (2) ] زيادة في (الأصل) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 6/ 204، حديث رقم (20932) . [ (4) ] (مسند أحمد) : 6/ 211، حديث رقم (20965) . [ (5) ] زيادة في (الأصل) . [ (6) ] (فتح الباري) : 11/ 97 كتاب الاستئذان، باب (46) حفظ السر، حديث رقم (6289) ولفظه: «سمعت أنس بن مالك أسر إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سرا فما أخبرت به أحدا بعده، ولقد سألتني أم سليم فما أخبرتها به» . قال بعض العلماء: كأن هذا السر كان يختص بنساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإلا فلو كان من العلم ما وسع أنسا كتمانه وقال ابن بطال: الّذي عليه أهل العلم أن السر لا يباح به إذا كان على صاحبه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 329 وخرج مسلم [ (1) ] من حديث معتمر قال: وسمعت أبى يحدث عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال أسر إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سرا فما أخبرت به أحدا بعد ولقد سألتني عنه أم سليم رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فما أخبرتها به. وخرج مسلم من حديث معمر قال أنبأنا عمار قال أنبأنا ثابت عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أتى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا ألعب مع الغلمان قال فسلم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت: ما حبسك قلت: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحاجة قالت: ما حاجته قالت؟ إنها سر،   [ () ] منه مضرة، وأكثرهم يقول: إنه إذا مات لا يلزمه كتمانه ما كان يلزم في حياته إلا أن يكون عليه فيه غضاضة. قال الحافظ: الّذي يظهر انقسام ذلك بعد الموت: إلى ما يباح، وقد يستحب ذكره ولو كرهه صاحب السر، كأن يكون فيه تزكية له من كرامة أو منقبة أو نحو ذلك. وإلى ما يكره مطلقا وقد يحرم وهو الّذي أسار إليه ابن بطال، وقد يجب كأن يكون فيه ما يجب ذكره كحق عليه كان يعذر بترك القيام به فيرجى بعده إذا ذكر لمن يقوم به عنه أن يفعل ذلك. ومن الأحاديث الواردة في حفظ السر، حديث أنس «أحفظ سرى تكن مؤمنا» أخرجه أبو يعلى والخرائطى، وفيه على بن زيد، وهو صدوق كثير الأوهام، وقد أخرج أصله الترمذي وحسنه، ولكن لم يسق هذا المتن، بل ذكر بعض الحديث ثم قال: وفي الحديث طول. وحديث «إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة، فلا يحل لأحد أن يفشي على صاحبه ما يكره» أخرجه عبد الرزاق من مرسل أبى بكر بن حزم. وحديث جابر رفعه «إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة» . أخرجه ابن أبى شيبة، وأبو داود، والترمذي، وله شاهد من حديث أنس عند أبى يعلى. (فتح الباري) مختصرا. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 274، كتاب فضائل الصحابة، باب (32) من فضائل أنس ابن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (146) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 330 قالت: لا تحدثن بسر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدا قال أنس: [واللَّه لو] حدثت به أحدا لحدثتك يا ثابت [ (1) ] . فصل في ذكر من كان يكتب الوحي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن الوحي [ (2) ] على قسمين: متلو، وهو كتاب اللَّه تعالى الّذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ (فصلت: 42) ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ   [ (1) ] (المرجع السابق) حديث رقم (145- 2482) وسنده: حدثنا أبو بكر بن نافع، حدثنا بهز حدثنا حماد، أخبرنا ثابت عن أنس. [ (2) ] الوحي: ما يقع به الإشارة القائمة مقام العبارة من غير عبارة، فإن العبارة يجوز منها إلى المعنى المقصود بها، ولذا سميت عبارة، بخلاف الإشارة التي هي الوحي فإنّها ذات المشار إليه والوحي هو المفهوم الأول، والإفهام الأول، ولا تعجب من أن يكون عين الفهم عين الإفهام عين المفهوم منه، فإن لم تحصل لك هذه النكتة فلست بصاحب وحي، ألا ترى أن الوحي هو السرعة، ولا سرعة أسرع مما ذكرنا. فهذا الضرب من الكلام يسمى وحيا، ولما كان بهذه المثابة وأنه تجل ذاتي، لهذا ورد في الحديث الّذي رواه ابن حبان في صحيحه وغيره: أن اللَّه إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفاة فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذا جاءهم فزع عن قلوبهم فيقولون يا جبريل ماذا قال ربك فيقول الحق، فينادون الحق، وهو العلى الكبير، وما سالت فالوحى: ما يسرع أثره من كلام الحق في نفس السامع، ولا يعرف هذا إلا العارفون بالشئون الإلهية فإنّها عين الوحي الإلهي في العالم وهم لا يشعرون. فافهم. وقد يكون الوحي إسراع الروح الإلهي بالإيمان بما يقع به الإخبار والمفطور عليه كل شيء مما لا كسب فيه من الوحي أيضا، كالمولود يلتقم ثدي أمه، ذلك من أثر الوحي الإلهي إليه كما قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ . [الواقعة: 85] ، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ [البقرة: 154] وقال تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل: 68] فلولا أنها فهمت من اللَّه وحيه لما صدر منها ما صدر، ولهذا لا تصور معه المخالفة إذا كان الكلام وحيا، فإن سلطانه أقوى من أن يقاوم، وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 331   [ () ] خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص: 7] ، ولذا فعلت ولم تخالف، والحالة تؤذن بالهلاك، ولم تخالف ولا ترددت، ولا حكمت عليها البشرية بأن هذا من أخطر الأشياء، فدل على أن الوحي أقوى سلطانا في نفس الموحى إليه من طبعه الّذي هو عين نفسه، قال تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، [ق: 16] ، حبل الوريد من ذاته، فإذا زعمت يا ولى بأن اللَّه أوحى إليك فانظر نفسك في التردد والمخالفة، فإن وجدت لذلك أثر تدبير أو تفصيل أو تفكر فلست بصاحب وحي، فإن حكم عليك وأعماك وأصمك، وحال بينك وبين فكرك وتدبيرك، وأمضى حكمه فيك، فذلك هو الوحي، وأنت عند ذلك صاحب وحي، وعلمت عند ذلك أن رفعتك وعلو مرتبتك أن تلحق بمن يقول إنه دونك من حيوان أو نبات أو جماد، فإن كل شيء مفطور على العلم باللَّه إلا مجموع الإنس والجان، فإنه من حيث تفضيله منطو على العلم باللَّه كسائر ما سواهما من المخلوقات من ملك وحيوان ونبات وجماد، فما من شيء فيه من: شعر، وجلد، ولحم، وعصب، ودم، وروح، ونفس، وظفر، وناب إلا وهو عالم باللَّه، حتى ينظر ويفكر ويرجع إلى نفسه فيعلم أن له صانعا صنعه، وخالقا خلقه، فلو أسمعه اللَّه نطق جلده، أو يده، أو لسانه، أو عينه، لسمعه ناطقا بمعرفته بربه، مسبحا لجلاله، مقدسا لجماله يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ. [النور: 24] . الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ، [يس: 65] ، وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا. فالإنسان من حيث تفصيله عالم باللَّه، ومن حيث جملته جاهل باللَّه حتى يتعلم، أي يعلم بما في تفصيله، فهو العالم الجاهل فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ. [السجدة: 17] . قال أبو القاسم الأصفهاني: الوحي: الإشارة سريعة، ولتضمّن السرعة قيل: أمر وحىّ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز أو التعريض وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح وبالكتابة، وقد حمل على كل ذلك قوله تعالى فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم: 11] . فقد قيل: رمز، وقيل: أشار، وقيل: كتب. وحمل على هذه الوجوه أيضا قوله تعالى: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً، [الأنعام: 112] ، وقوله: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ، [الأنعام: 121] ، فذلك بالوسواس المشار إليه بقوله: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ، [الناس: 4] ، ويقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إن للشيطان لمة» الحديث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 332   [ () ] ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى [إلى] أنبيائه وأوليائه وحي، وذلك أضرب حسب ما دل عليه قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ، [الشورى: 51] ، وذلك إما برسول مشاهد ترى ذاته ويسمع كلامه كتبليغ جبريل عليه السلام للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في صورة معينة، وإما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى عليه السّلام كلام اللَّه تعالى، وإما بإلقاء في الروع كما ذكر صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إن روح القدس نفث في روعي» وإما بإلهام نحو قوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ، [القصص: 7] ، وإما بتسخير نحو قوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل: 68] ، وإما بمنام كما قاله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات» . [أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس] . فالإلهام والتسخير والمنام دل عليه قوله تعالى: إِلَّا وَحْياً، [الشورى: 51] ، وسماع الكلام من غير معانية دل عليه: مِنْ وَراءِ حِجابٍ وتبليغ جبريل عليه السّلام في صورة معنية دل عليه: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ وقوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ، [الأنعام: 93] ، فذلك ذم لمن يدعى شيئا من أنواع ما ذكرنا من الوحي، أي نوع ادعاه من غير أن حصل له. وقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ، [الأنبياء: 25] ، فهذا الوحي هو عام في جميع أنواعه، وذلك أن معرفة وحدانية اللَّه تعالى، ومعرفة وجوب عبادته ليست مقصورة على الوحي المختص بأولي العزم من الرسل بل ذلك يعرف بالعقل والإلهام، كما يعرف بالسمع، فإذا القصد من الآية تنبيه أنه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانية اللَّه تعالى ووجوب عبادته. وقوله: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ، [المائدة: 111] ، فذلك وحي بوساطة عيسى عليه السّلام. وقوله: وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ، [الأنبياء: 73] فذلك وحي إلى الأمم بوساطة الأنبياء عليهم السّلام. ومن الوحي المختص بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، [الأنعام: 106] ، وقوله: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ، [يونس: 87] ، فوحيه إلى موسى بوساطة جبريل، وإلى هارون بوساطة موسى عليه السّلام. وقوله: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ، [الأنفال: 12] فذلك وحي إليهم بوساطة اللوح والقلم فيما قبل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 333 الأمين [ (1) ] جبريل عليه السّلام على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان يمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على كتبة الوحي، فيكتبون- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، كما يمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكانت كتابتهم لذلك في العسب، واللخاف، والأكتاف والرقاع. والقسم الآخر من الوحي: سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ودونت بعد وفاته صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان كتاب الوحي: عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فإن غابا كتب أبى بن كعب، وزيد بن ثابت، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وكان أبىّ ممن كتب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الوحي قبل زيد بن ثابت، وكتب معه أيضا. وكان زيد ألزم الصحابة لكتابة الوحي، وكان زيد وأبىّ يكتبان الوحي بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإن لم يحضر أحد من هؤلاء الأربعة، كتب من حضر من الكتاب، وهم: معاوية بن أبى سفيان، وخالد بن سعيد، وأبان بن سعيد، والعلاء بن الحضرميّ، وحنظلة بن الربيع، وكتب عبد اللَّه بن سعد بن أبى سرح الوحي، ثم ارتد [ (2) ] .   [ () ] وقوله: وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها، [فصلت: 12] ، فإن كان الوحي إلى أهل السماء فقط فالموحى إليه محذوف ذكره كأنه قال: أوحى إلى الملائكة، لأن أهل السماء هم الملائكة ويكون كقوله: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ، وإن كان الموحى إليه هي السماوات فذلك تسخير عند من يجعل السماء غير حي، ونطق عند من يجعله حيا. وقوله: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها، [الزلزلة: 5] قريب من الأول. وقوله: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، [طه: 114] فحث له على التثبت في السماع، وعلى ترك الاستعجال في تلقيه وتلقنه. (البصائر) : 5/ 177- 182. [ (1) ] الشعراء: 193. [ (2) ] قال ابن حديدة الأنصاريّ في (المصباح المضيء) : 1/ 28: وقد كتب له عدة من أصحابه صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم: الخلفاء الأربعة، وعبد اللَّه بن الأرقم، ومعيقيب بن أبى فاطمة، وخالد ابن سعيد وأخوه أبان، وزيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن أبىّ بن سلول، وأبىّ بن كعب القارئ، ومعاوية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 334 فصل في ذكر خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي كان يختم به تقدم حديث البخاري عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما أراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يكتب إلى الروم، قيل له: إنهم لن يقرءوا كتابا إذا لم يكن مختوما، فاتخذ خاتما من فضة، ونقشه: محمد رسول اللَّه [ (1) ] . وقال ابن بطال: عن المهلب، كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يختم به، وبه كان يختم الكتب إلى البلدان، وأخرجه يونس عن الزهري، قال: حدثني أنس أن معاذا بعث إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخاتم من اليمن من ورق فصّه حبشىّ، كتب عليه: محمد رسول اللَّه، فكان يتختم به، ويختم أبو بكر، وعمر، وعثمان، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما ست سنين من إمارته، فبينما هو على رأس بئر اريس سقط منه، فبرحت، فلم يوجد [ (2) ] . وخرج الترمذي في (الشمائل) من حديث أبى عوانة، عن أبى بشر، عن نافع، عن ابن عمر، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اتخذ خاتما من فضة، فكان يختم به ولا يلبسه [ (3) ] .   [ () ] ابن أبى سفيان بعد عام الفتح، وكتب له أيضا الزبير بن العوام، والمغيرة بن شعبة، وشرحبيل ابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وجهيم بن الصلت، وعبد اللَّه بن رواحة، ومحمد بن مسلمة، وعبد اللَّه بن سعد ابن أبى سرح، وحنظلة بن الربيع الأسيدي، والعلاء بن الحضرميّ- ذكر معمر بن شبة في كتاب الكتاب له، فجميعهم ثلاثة وعشرون. (المصباح المضيء) : 1/ 27- 28، باب ذكر من كتب له صلّى اللَّه عليه وسلّم من الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. [ (1) ] سبق تخريج أحاديث خاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي كان يلبسه ويختم به كتبه ورسائله إلى الملوك والرؤساء، وكان نقشه محمد رسول اللَّه، في الجزء السابع من (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا: 7/ 34 وما بعدها في شأن فص خاتمه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسبب اتخاذه، فليراجع هناك. [ (2) ] سبق تخريجه وشرحه. [ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 88، باب (2) ما جاء في ذكر خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (89) ، وهو حديث صحيح، قال أبو عيسى: أبو بشر اسمه جعفر بن أبى وحشية، وأخرجه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 335 وذكر البخاري في (التاريخ) من حديث إياس بن الحارث بن معيقيب عن جده معيقيب، قال: كان خاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديد ملوىّ عليه فضة، فربما كان في يده، وإن معيقيب يلي خاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .   [ () ] أيضا النسائي في (السنن) : كتاب الزينة، باب نزع الخاتم عند دخول الخلاء، حديث رقم (5218) ، وفي باب طرح الخاتم وترك لبسه، حديث رقم (5292) ، عن قتيبة بتمامه وإسناده صحيح، ورجاله رجال الشيخين، وأبو عوانة هو الوضاح بن عبد اللَّه اليشكري. [ (1) ] (التاريخ الكبير للبخاريّ) : 8/ 52- 53، حديث رقم (2123) ، وفيه: «وكان المعيقيب على خاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 336 فصل في ذكر ما كان يختم به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتبه اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يختم كتبه بطين، ثم يطبع بالخاتم في الطين. قال: ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد اللَّه بن الزبير رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استكتب عبد اللَّه بن الأرقم، وكان يجيب عنه الملوك، وبلغ من أمانته عنده أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك- فيكتب، ويأمره أن يطينه ويختمه، وما يقرأه لأمانته عنده. قال: إذا أردت أن تجعل على الكتاب طين، فأطن الكتاب، فتقول: قد طنته، أطينه طينا، وهو كتاب مطين، فإذا أعدت الطين على الكتاب مرة بعد مرة، قلت: طينته بالتشديد تطيينا، فهو مطيّن. ويقال [للذي] يجعل فيها الطين: مطينة بالكسر، والجمع مطاين [ (1) ] . واقتدى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك الخلفاء، فوضع معاوية بن أبى سفيان ديوان الخاتم، واستعمل عليه عبد اللَّه بن محصن الحميري، فهو أول من أحدثه، وكان طين الختم في الدولة العباسية يجلب من سيراف، وهو طين أحمر، وقيل: لم تزل الكتب منشورة غير معنونة، حتى كانت قصة المسلمين. وقيل: أول من ختم الكتاب سليمان عليه السّلام، وأول من كتبها بالعربية قسّ بن ساعدة [ (2) ] .   [ (1) ] قال في (اللسان) والطينة: قطعة من الطين يختم بها الصك ونحوه وطنت الكتاب طينا: جعلت عليه طينا لأختمه به. وطان: الكتاب طينا وطينه: ختمه بالطين، هذا هو المعروف وقال يعقوب: وسمعت من يقول أطن الكتاب أي اختمه وطينته خاتمه الّذي يطين به. (لسان العرب) : 13/ 270. [ (2) ] هو قس بن ساعدة الإيادي، سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 337 فصل في ذكر صاحب خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن الّذي كان على خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي كان يختم به معيقيب ابن أبى فاطمة، مولى سعيد بن العاص، وقيل: هو دوسيّ حليف لآل سعيد ابن العاص: أسلم قديما بمكة، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وقدم المدينة في السفينتين. وقيل: قبل ذلك، وكان على خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاستعمله أبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على بيت المال. وكان قد نزل به داء الجذام، فعولج حتى وقف، ومات سنة أربعين وقيل: قبل ذلك [ (1) ] .   [ (1) ] هو معيقيب بن أبى فاطمة مولى سعيد بن العاص، ويزعمون أنه دوسيّ حليف لآل سعيد ابن العاص، أسلم قديما بمكة، وهاجر إلى الحبشة، وقدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة في السفينتين. وكان على خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، واستعمله ابو بكر وعمر على بيت المال. ونزل به داء الجذام فعولج منه بأمر عمر بالحنظل فتوقف أمره. وهو قليل الحديث- قاله ابن عبد البر. فقلت: روينا عنه في الصحيحين حديثا ليس له فيهما غيره عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن معيقيب عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الرجل يسوى التراب حيث يسجد قال: إن كنت فاعلا فواحدة. قال ابن عبد البر: عن أبى راشد مولى معيقيب قال: قلت لمعيقيب: ما لي لا أسمعك تحدث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كما يحدث غيرك؟ فقال: أما واللَّه إني لمن أقدمهم صحبة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولكن كثرة الصمت خير من كثرة الكلام. توفى في آخر خلافة عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وقيل: بل توفى سنة أربعين في آخر خلافة على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. قال السهيليّ: ذكره عمر بن شبة في كتاب (الكتّاب) له. وقال عبد الكريم الحلبي: معيقيب ابن أبى فاطمة الدوسيّ، ذكره ابن عساكر وابن الأثير وشيخنا الدمياطيّ واللَّه سبحانه وتعالى أعلم له ترجمة في (المصباح المضيء) : 1/ 186، ترجمة رقم (41) ، (طبقات ابن سعد) : 4/ 116، (طبقات خليفة) : 13 و 123، (تاريخ خليفة) : 199- 202، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 338 فصل في ذكر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكتابة الجيش وقسمه العطاء فيهم وعرضهم وعرفائهم اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بكتابه المسلمين فكتبوا في عصره، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يقسم الفيء بينهم، وإنما كانوا يكتبون في أوقات دون أوقات. فإذا عين صلّى اللَّه عليه وسلّم طائفة من المسلمين في بعث أو سرية كتبوا، وكذلك كان العطاء في عصره صلّى اللَّه عليه وسلّم في وقت دون وقت، من غير تعيين وقت لذلك، ولا تحديد مقدار لا يزاد عليه [ (1) ] . واقتدى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خليفته أبو بكر الصديق [ (2) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى، فكان يعطى الناس في خلافته الأعطيات. فلما استخلف أمير   [ () ] (المعارف) : 316 و 584، (الاستيعاب) : 4/ 1478- 1479، ترجمة رقم (2559) ، (سير الأعلام) : 2/ 491- 493، ترجمة رقم (102) ، (التاريخ الكبير) : 8/ 52- 53 ترجمة رقم (2123) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 186، ترجمة رقم (235) (الثقات) : 3/ 404، (الأعلام) : 7/ 274، (الجرح والتعديل) : 8/ 426، (تهذيب التهذيب) : 10/ 227- 228 ، ترجمة رقم (458) ، (شذرات الذهب) : 1/ 48. [ (1) ] خرج أبو داود عن عوف بن مالك، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أتاه الفيء قسمه في يومه، فأعطى صاحب الأهل حظين، وأعطى الأعزب حظا، فدعينا، وكنت قبل عمار، فدعيت، فأعطانى حظين، وكان لي أهل، ثم دعا بعدي عمار بن ياسر فأعطاه حظا واحدا. (التراتيب الادارية) : 1/ 224- فصل في ثبوت العطاء في عهده صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] وفي (الموطأ) أن أبا بكر كان إذا أعطى الناس أعطياتهم سأل الرجل: هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة؟ فإن قال: نعم، أخذ من عطائه زكاة ذلك المال، وإن قال: لا، أسلم إليه عطاءه ولم يأخذ منه شيئا. (المرجع السابق) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 339 المؤمنين عمر بن الخطاب [ (1) ] . وضع الديوان [ (2) ] . وفرض الأعطيات. ورتب الناس في الديوان على منازلهم، وقدر أعطياتهم، وذلك أن الناس كثروا   [ (1) ] قال الإمام أبو يوسف في كتاب (الخراج) : لم يكن في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرتبة معينة للجنود الذين كانوا يتألفون من جميع أرجاء المسلمين، وإنما كانوا يأخذون مالهم في أربعة أخماس ما يغنمون، وفيما يرد من خراج الأرض التي أبقيت في أيدي أهلها كأرض خيبر، ولما ولى أبو بكر أعطى الناس وسوى بينهم في العطاء قائلا: هذا معاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة. فلما ولى عمر، رأى في ذلك غير رأى أبى بكر، وقسم العطاء مفضلا الأسبق فالأسبق. وفي ترجمة عمرو بن الغفواء من (طبقات ابن سعد) عنه قال: دعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد أراد أن يبعثني بمال إلى أبى سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح فقال: التمس صاحبا، قال: فجاءني عمرو بن أمية الضمريّ، فقال: بلغني أنك تريد الخروج، وأنك تلتمس صاحبا. قلت: أجل، قال: فأنا صاحب. قال: فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: وجدت صاحبا. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لي: إذا وجدت صاحبا فآذنى. قال: فقال من؟ قلت: عمرو بن أمية الضمريّ، قال: فقال إذا هبطت بلاد قومه فاحذره، فإنه قد قال القائل: أخوك البكريّ ولا تأمنه. (التراتيب الادارية) : 1/ 224- 225، فصلا في ثبوت العطاء في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، (الاستيعاب) : 3/ 1198، ترجمة عمرو بن الغفواء رقم (1946) ، (الإصابة) : 4/ 670 ترجمة رقم (5936) . [ (2) ] الديوان دفتر يكتب فيه أسماء أهل العطاء، والعساكر، على القبائل والبطون. وفي (النهاية) : الديوان دفتر يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء. ذكر أبو هلال العسكرىّ في (الأوائل) ، والماورديّ في (الأحكام السلطانية) أن أول من وضع الديوان في الإسلام عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وفي ترجمة عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، في (تهذيب الأسماء واللغات) للنووي: وكان عمر هو أول من دوّن الديوان للمسلمين ورتب الناس على سابقتهم في العطاء، وفي الإذن، والاكرام، فكان أهل بدر أول الناس دخولا عليه، وكان على بن أبى طالب أولهم، وأثبت أسماءهم في الديوان على قربهم من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبدأ ببني هاشم، وبنى المطلب، ثم الأقرب، فالأقرب. وفي (صبح الأعشى) للقلقشندىّ أيضا ما نصه: هو- أي عمر- أول من رتب بيت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 340   [ () ] المال فيما ذكره العسكرىّ، لكنه ذكر في موضع آخر أن عمر كان على بيت المال من قبل أبى بكر، فيكون أبو بكر قد سبقه إلى ذلك. وفي ترجمة أبى بكر من (تاريخ الخلفاء) للسيوطي في فصل أولياته: ومنها أنه أول من اتخذ بيت المال، أخرج ابن سعد عن سهل بن أبى خيثمة وغيره أن أبا بكر كان له بيت مال بالسنح، ليس يحرسة أحد، فقيل له: ألا تجعل عليه من يحرسه؟ قال عليه قفل، فكان يعطى ما فيه حتى يفرغ، فلما انتقل إلى المدينة حوّله فجعله في داره، فقدم عليه مال فكان يقسمه على فقراء الناس فيسوى بين الناس في القسم، وكان يشترى الإبل، والخيل، والسلاح، فيجعله في سبيل اللَّه، واشترى قطائف أتى بها من المدائن ففرقها في أرامل المدينة. فلما توفى أبو بكر ودفن، دعا عمر الأمناء ودخل بهنم في بيت أبى بكر، منهم عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، ففتحوا بيت المال فلم يجدوا فيه شيئا، لا دينارا، ولا درهما. وبهذا الأثر يرد قول أبى هلال العسكري في (الأوائل) : إن أول من اتخذ بيت المال عمر، وقد رددت عليه في كتابي الّذي صنفته في (الأوائل) ، ثم رأيت العسكري تنبه له في موضع آخر من كتابه فقال إن أول من ولى بيت المال أبو عبيدة بن الجراح لأبى بكر ويمكن الجمع بأن أبا بكر أول من اتخذ بيت المال من غير إحصاء ولا تدوين، وعمر أول من دون مثلا. وفي (الكامل في التاريخ) لابن الأثير: وفي سنة (15) من الهجرة فرض عمر الفروض ودوّن الدواوين، وأعطى العطايا. وفي (الأحكام السلطانية) للماوردى أقوال في السبب الّذي حمل عمر على ذلك، منها: أن أبا هريرة قدم إليه بمال من البحرين فقال عمر: ماذا جئت به؟ قال: خمسمائة ألف درهم، فاستكثره عمر، وقال أتدري ما تقول؟ فقال؟ نعم مائة ألف خمس مرات، فصعد عمر المنبر، وحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلناه لكم كيلا، وإن شئتم عددناه لكم عدا، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين قد رأيت الأعاجم يدونون لهم ديوانا، فدون أنت ديوانا، فاستشار عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه الناس في تدوين الديوان، فقال عثمان: أرى مالا كثيرا يسع الناس، وإن لم يحصوا، حتى يعلم من أخذ ممن لم يأخذ خشية أن ينتشر الأمر. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 341   [ () ] فقال خالد بن الوليد قد كنت بالشام، فرأيت ملوكا لهم دواوين وجندوا أجنادا فدون ديوانا وجند جنودا، فأخذ عمر بقوله، ودعا عقيل بن أبى طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، وكانوا من شبان قريش، فقال: اكتبوا الناس على منازلهم. وفي (وفيات الأسلاف) للشهاب المرجاني: وأول من وضع ديوان العساكر في الدولة الإسلامية عمر في محرم سنة عشرين، أمر عقيل بن أبى طالب، ومخرمة، وجبيرا من كتاب قريش، فكتبوا ديوان الجيش بالابتداء من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما بعده على ترتيب الإنسان الأقرب فالأقرب. وقد استظهر الخزاعي هنا وفصل، أن كتابة الناس في عصر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتدوينهم إنما كانت في أوقات مخصوصة نحو كتبهم، حين أمر حذيفة بإحصاء الناس، وكذلك العطاء في عصره عليه السّلام، لم يكن له وقت معين، ولا مقدار معين، فلما كثر الناس في خلافة عمر، وبيت الأموال وتأكدت الحاجة إلى ضبطهم، وضع الديوان بعد مشاورة الصحابة على ترتيب الأنساب الأقرب فالأقرب، على ما كان يعطيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لرؤساء قريش وصناديدهم، مثل أبى سفيان بن حرب وصفوا بن أمية، والأقرع بن حابس التميمي، وأمثالهم وذكر أن أبا بكر، وعمر، ما أعطيا المؤلفة قلوبهم شيئا، قال: فإنه روى أنه لما قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، جاءوا إلى أبى بكر واستبدلوا الحظ منه لسهامهم، فبدل لهم الحظ، ثم جاءوا إلى عمر، وأخبره بذلك، فأخذ الحظ من يدهم، ومزقة، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يعطيكم ليؤلفكم على الإسلام، فأما اليوم فقد أعز اللَّه دينه، فانصرفوا إلى أبى بكر، فأخبروه بما صنع عمر، وقالوا: أنت الخليفة أم هو؟ فقال إن شاء اللَّه هو فأنكر أبو بكر قوله وفعله، وبلغ الصحابة فلم ينكروا، وهذا يدل على أن الناس في زمنه عليه السّلام كانوا يأخذون العطاء بالضبط والتقييد، فيدل ذلك على وقوع التدوين، وجعل قوائم للمسلمين وهذا هو الديوان بعينه فتأمل ذلك في (صبح الأعشى) ما نصه: فإن صح ذلك فتكون هذه الدواوين قد وضعت في زمانه عليه السّلام، وانظر الفصل الأول من باب كتاب الجيش، وما نقل فيه عن الحافظ في (الفتح) مما يؤول جميعه، بخلاف ما للمتأخرين في هذه الترجمة. وفي (أحكام القرآن) لابن العربيّ: وأما ولاية الديوان فهي الكتابة، وقد كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم كتاب، وللخلفاء بعده، وهي ضبط الجيوش لمعرفة أرزاقهم، والأموال، لتحصيل فوائدها لمن يستحقها. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 342 وجبيت الموال، فتأكدت الحاجة إلى ضبطهم، ولذلك اتفق أهل الأثر، وعلماء الأخبار والسير، على أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أول من وضع الديوان في الإسلام. وفرض الأعطيات. وقد أوردت من ذلك في كتاب (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) [ (1) ] . ما يكفى ويشفى، إن شاء اللَّه تعالى.   [ () ] وفي (المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار) للتقى المقريزي: أن معاوية جعل كل قبيلة من قبائل العرب بمصر رجلا يصبح كل يوم فيدور على المجالس فيقول: هل ولد الليلة فيكم مولود، وهل نزل بكم نازل، فيقال: ولد للفلان غلام، ولفلان جارية، فيكتب أسماءهم ويقال: نزل بهم رجل من أهل كذا بعياله، فيسميه، وعياله فإذا فرغ من القبيلة أتى إلى الديوان ليثبت ذلك. [ (1) ] أحد مؤلفات المقريزي المعروف بالخطط المقريزية، حيث وقف المقريزي حياته الخصبة على تدوين تاريخ مصر الإسلامية، وتدوين أمجادها، ومحنها، في مثابرة تثير الدهشة والإعجاب، يدفعه إلى ذلك حب مضطرم لذلك الوطن الّذي نشأ فيه، وترعرع بين ربوعه، وشهد خلال حياته طرفا من محنه وأمجاده، وسحرته معاهده ومعانيه، وصروحه وآثاره. وأشد ما تبدر هذه القاهرة التي تطبع كتابات المقريزي، في كتابه (الخطط) ، والخطط في الواقع هي أجل ثمار هذه العاطفة المضطرمة، وما أوحت من مثابرة وجلد، وفي الخطط يبلغ المقريزي ذروة الاستيعاب والافتنان والروعة، في وصف الخطط المصرية، وخطط الفسطاط والقاهرة المعزية، نشأة كل منهما، وأحيائها، وصروحها، وتطوراتها الجغرافية، والعمرانية، ومساجدها، وقصورها، ومعاهدها، وكل ما احتوت من بذخ وبهاء وفن، ويقرن ذلك في معظم الأحيان بتاريخ الدول والشخصيات التي قامت في ظلها هذه الصروح، أو أوحت بإنشائها، ثم هو لا يقف عند النواحي التخطيطية والأثرية والفنية، ولكن يفيض في النواحي العمرانية والاقتصادية. ولهذه المحتويات يلقى كتاب (الخطط) على تاريخ مصر السياسي، والأثري، والاجتماعي، والاقتصادى، في العصور الوسطى، أعظم أضواء اجتمعت في هذا الأثر الخالد. وقد لبث هذا الأثر الخالد (كتاب الخطط) على كر العصور موضع التقدير والإعجاب، وما يزال إلى يومنا من أنفس المصادر في تاريخ مصر الإسلامية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 343 وخرج البخاري من حديث سفيان عن الأعمش، عن أبى وائل، عن حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اكتبوا إليّ من تلفظ بالإسلام من الناس، فكتبنا له الفا وخمسمائة رجل، فقلنا: نخاف ونحن ألف وخمسمائة، ولقد رأيتنا ابتلينا حتى إن الرجل ليصلي وحده وهو خائف [ (1) ] ؟   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 218، كتاب الجهاد والسير، باب (181) ، كتابة الإمام الناس، حديث رقم (3060) . قوله: (اكتبوا من تلفظ بالإسلام) في رواية أبى معاوية عن الأعمش عند مسلم «أحصوا» بدل «اكتبوا» ، وهي أعم من اكتبوا، وقد يفسر أحصوا باكتبوا. قوله: (فقلنا نخاف) هو استفهام تعجب وحذفت منه أداة الاستفهام وهي مقدرة، وزاد أبو معاوية في روايته" فقال: " إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا، وكأن ذلك وقع عند ترقب ما يخاف منه، ولعله كان عند خروجهم إلى أحد أو غيرها. ثم رأيت في شرح ابن التين الجزم بأن ذلك كان عند حفر الخندق وحكى الداوديّ احتمال أن ذلك وقع لما كانوا بالحديبية لأنه قد اختلف في عددهم، هل كانوا ألفا وخمسمائة؟ أو ألفا وأربعمائة؟. وأما قول حذيفة: «فلقد رأيتنا ابتلينا إلخ» فيشبه أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان من ولاية بعض أمراء الكوفة، كالوليد بن عقبة، حيث كان يؤخر الصلاة، أو لا يقيمها على وجهها، وكان بعض الورعين يصلى وحده سرا، ثم يصلى معه خشية من وقوع الفتنة، وقيل: كان ذلك حين أتم عثمان الصلاة في السفر، وكان بعضهم يقصر سرا وحده خشية الإنكار عليه، ووهم من قال إن ذلك كان أيام قتل عثمان لأن حذيفة لم يحضر ذلك، وفي ذلك علم من أعلام النبوة، من الإخبار بالشيء قبل وقوعه، وقد وقع أشد من ذلك بعد حذيفة في زمن الحجاج وغيره. قوله: «قال: أبو معاوية ما بين ستمائة إلى سبعمائة» أي أن أبا معاوية خالف الثوري أيضا عن الأعمش بهذا الإسناد في العدة، وطريق أبى معاوية هذه وصلها مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجة، وكأن رواية الثوري رجحت عند البخاري، فلذلك اعتمدها لكونه أحفظهم مطلقا، وزاد عليهم، وزيادة الثقة الحافظ مقدمة، وأبو معاوية وإن كان أحفظ أصحاب الأعمش الجزء: 9 ¦ الصفحة: 344   [ () ] بخصوصه، ولذلك اقتصر مسلم على روايته، لكنه لم يجزم بالعدد، فقدم البخاري رواية الثوري لزيادتها بالنسبة لرواية الاثنين ولجزمها بالنسبة لرواية أبى معاوية. وأما ما ذكره الإسماعيلي أن يحيى بن سعيد الأموي وأبا بكر بن عياش وافقا أبا حمزة في قوله: خمسمائة فتعارض الأكثرية والحفظية، فلا يخفى بعد ذلك الترجيح بالزيادة، وبهذا يظهر رجحان نظر البخاري على غيره. وسلك الداوديّ الشارح طريق الجمع فقال: لعلهم كتبوا مرات في مواطن. وجمع بعضهم بأن المراد بآلاف وخمسمائة جميع من أسلم من رجل وامرأة وعبد وصبي، وبما بين الستمائة إلى السبعمائة الرجال خاصة، وبالخمسمائة المقاتلة خاصة، وهو أحسن من الجمع الأول، وإن كان بعضهم أبطله بقوله في الرواية الأولى: ألف وخمسمائة رجل لإمكان أن يكون الراويّ أراد بقوله: رجل نفس، وجمع بعضهم بأن المراد بالخمسمائة المقاتلة من أهل المدينة خاصة، وبما بين الستمائة إلى السبعمائة هم ومن ليس بمقاتل، وبالألف وخمسمائة هم ومن حولهم من أهل القرى والبوادي. وقال الحافظ: ويخدش في وجوه هذه الاحتمالات كلها اتحاد مخرج الحديث ومداره على الأعمش بسنده، واختلاف أصحابه عليه في العدد المذكور واللَّه أعلم. وفي الحديث مشروعية كتابة دواوين الجيوش، وقد يتعين ذلك عند الاحتياج الى تمييز من يصلح للمقاتلة بمن لا يصلح، وفيه وقوع العقوبة على الإعجاب بالكثرة، وهو نحو قوله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ. وقال ابن المنير: موضع الترجمة من الفقه أن لا يتخيل أن كتابة الجيش وإحصاء عدده يكون ذريعة لارتفاع البركة، بل الكتابة المأمور بها لمصلحة دينية، والمؤاخذة التي وقعت في حنين كانت من جهة الإعجاب. ثم ذكر المصنف حديث ابن عباس «قال رجل: يا رسول اللَّه، إني اكتتبت في غزوة كذا» وهو يرجح الرواية الأولى بلفظ «اكتبوا» لأنها مشعرة بأنه كان من عادتهم كتابة من يتعين للخروج في المغازي. (فتح الباري) مختصرا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 345 أنبأنا عبدان عن أبى حمزة عن الأعمش، فوجدناهم خمسمائة، وقال أبو معاوية: ما بين ستمائة إلى سبعمائة. ترجم عليه: باب كتابه الإمام الناس [ (1) ] . وخرج مسلم من طريق أبى معاوية عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أحصوا كم تلفظ بالإسلام، قال: فقلنا: أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟ فقال: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا، قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلى إلا سرا. وقال النسائي: أنبأنا هناد بن السري، عن أبى معاوية بهذا الإسناد. وقال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحصوا من كان تلفظ بالإسلام، فقلنا: أيخاف علينا؟ ... الحديث، كما قال مسلم. ذكره في الجهاد، وترجم عليه: باب إحصاء الإمام الناس [ (2) ] . وخرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث سفيان بن عيينة قال: حدثنا عمرو بن دينار عن أبى معبد، قال: سمعت ابن عباس رضى اللَّه تبارك   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 537- 538، كتاب الإيمان، باب (67) الاستسرار بالإيمان للخائف، حديث رقم (149) . [ (2) ] لم أجده في (المجتبى) ، ولعله في (الكبرى) ، وفي التعليق السابق وشرحه ما يفى إن شاء اللَّه تعالى. [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 176، كتاب الجهاد والسير، باب (140) من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة أو كان له عذر هل يؤذن له؟ حديث رقم (3006) ، 9/ 413، كتاب النكاح، باب (112) لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، حديث رقم (5233) . ويستفاد منه أن الحج في حق مثله أفضل من الجهاد لأنه اجتمع له مع حج التطوع في حقه تحصيل حج الفرض لامرأته وكان اجتماع ذلك له أفضل من مجرد الجهاد الّذي يحصل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 346   [ () ] المقصود منه بغيره، وفيه مشروعيه كتابة الجيش، ونظر الإمام لرعيته بالمصلحة، ومعنى الحديث على نحو ما روى لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان. وهذا الحديث الّذي أشار إليه أخرجه أحمد من حديث عامر بن ربيعة. وقال النووي: اتفق أهل العلم باللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه، وعمه وأخيه، وابن أخيه، وابن عمه، ونحوهم، وأن الأختان أقارب زوجة الرجل، وأن الأصهار تقع على النوعين. وقد اقتصر أبو عبيد وتبعه ابن فارس والداوديّ على أن الحمو أبو الزوجة، زاد ابن فارس: وأبو الزوج، يعنى أن والد الزوج حمو المرأة، وولد الزوجة حمو الرجل، وهذا الّذي عليه عرف الناس اليوم. وقال الأصمعي وتبعه الطبري والخطّابى ما نقله النووي، وكذا نقل عن الخليل، ويؤيده قوله عائشة: «ما كان بيني وبين على إلا ما كان بين المرأة وأحمائها» ، وقد قال النووي: المراد في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، لأنهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت. قال: وإنما المراد الأخ، وابن الأخ، والعم، وابن العم، وابن الأخت، ونحوهم. مما لا يحل لها تزويجه لو لم تكن متزوجة، وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي. وقد جزم الترمذي وغيره كما تقدم، وتبعه المازري بأن الحمو أبو الزوج، وأشعر المازري إلى أنه ذكر للتنبيه على منع غيره بطريق الأولى، وتبعه ابن الأثير في (النهاية) ، ورده النووي فقال: هذا كلام فاسد مردود ولا يجوز حمل الحديث عليه. وسيظهر في كلام الأئمة في تفسير المراد بقوله: «الحمو الموت» ما تبين منه أن كلام المازري ليس بفاسد. وقال الحافظ في (الفتح) : محرم المرأة من حرم عليه نكاحها على التأييد إلا أم الموطوءة بشبهة والملاعنة، فإنّهما حرامان على التأييد، ولا محرمية هناك، وكذا أمهات المؤمنين، وأخرجهن بعضهم بقوله في (التعريف) : بسبب مباح لا لحرمتها. وخرج بقيد التأبيد أخت المرأة، وعمتها، وخالتها، وبنتها، إذا عقد على الأم ولم يدخل بها. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 117، كتاب الحج، باب (74) سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، حديث رقم (424) . - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 347 وتعالى عنه يقول: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطب يقول: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعهما ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني أكتتب في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك.   [ () ] قال الإمام النووي في (شرح مسلم) ، قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم» هذا استثناء منقطع لأنه متى كان معها محرم لم تبق خلوة، فتقدير الحديث لا يقعدن رجل مع امرأة إلا ومعها محرم. وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ومعها ذو محرم» يحتمل أن يريد محرما لها ويحتمل أن يريد محرما لها أو له، وهذا الاحتمال الثاني هو الجاري على قواعد الفقهاء فإنه لا فرق بين أن يكون معها محرم لها، كابنها، وأخيها، وأمها، وأختها، أو يكون محرما له كأخته، وبنته، وعمته، وخالته، فيجوز القعود معها في هذه الأحوال. ثم إن الحديث مخصوص أيضا بالزوج، فإنه لو كان معها زوجها كان كالمحرم، وأوله بالجواز، وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا يستحى منه لصغره، كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك، فإن وجوده كالعدم، وكذا لو اجتمع رجال بامرأة أجنبية فهو حرام، بخلاف ما لو اجتمع رجل بنسوة أجانب، فإن الصحيح جوازه، وقد أوضحت المسألة في (المختار) : أن الخلوة بالأمرد الأجنبي الحسن كالمرأة، فتحرم الخلوة به حيث حرمت بالمرأة إلا إذا كان في جمع من الرجال المعصومين. قال أصحابنا: ولا فرق في تحريم الخلوة حيث حرمناها بين الخلوة في صلاة أو غيرها، ويستثنى من هذا كله مواضع الضرورة بأن يجد امرأة أجنبية منقطعة في الطريق أو نحو ذلك فيباح له استصحابها بل يلزمه ذلك، إذا خاف عليها لو تركها، وهذا لا اختلاف فيه، ويدل عليه حديث عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها في قصة الإفك واللَّه تبارك وتعالى أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 348 اللفظ لمسلم. وقال البخاري: اذهب فاحجج مع امرأتك. ذكره البخاري في كتاب الجهاد، وترجم عليه: باب من اكتتب في جيش، فخرجت امرأته حاجة أو كان له عذر، هل يؤذن له [ (1) ] ؟ وقال في النكاح: أنبأنا على بن عبد اللَّه قال: أنبأنا سفيان، قال: أنبأنا عمرو بهذا الإسناد، ولم يقل في هذا: ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم [ (2) ] . وذكره في الجهاد في باب: كتابة الإمام الناس، من حديث ابن جريح، عن عمرو بن دينار، عن أبى معبد، عن أبى عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: يا رسول اللَّه، إني كتبت في غزوة كذا وكذا، وامرأتي حاجة، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ارجع فاحجج مع امرأتك [ (3) ] . وأخرجاه من حديث حماد عن عمرو بهذا الإسناد نحوه، وذكر البخاري في كتاب الحج في باب: حج النساء، من طريق حماد بن زيد، عن عمرو، عن أبى معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم. فقال رجل: يا رسول اللَّه، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج، فقال: أخرج معها [ (4) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 176، كتاب الجهاد، باب (140) من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة، أو كان له عذر هل يؤذن له؟ حديث رقم (3006) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 9/ 413، كتاب النكاح، باب (112) لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة، حديث رقم (5233) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 219، كتاب الجهاد والسير، باب (181) كتابة الإمام الناس، حديث رقم (3061) . [ (4) ] (فتح الباري) : 4/ 89، كتاب جزاء الصيد، باب (26) حج النساء، حديث رقم (1862) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 349 وخرج البخاري من حديث إبراهيم بن طمهان، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال، أتى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بمال من   [ () ] قوله: «بمال من البحرين» روى ابن أبى شيبة من طريق حميد بن هلال مرسلا أنه كان مائة ألف، وأنه أرسل به العلاء بن الحضرميّ من خراج البحرين، قال: وهو أول خراج حمل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وعند المصنف في المغازي من حديث عمرو بن عوف: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرميّ، وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم، فقدم أبو عبيدة بمال فسمعت الأنصار بقدومه..» الحديث. فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال، لكن في (الردة) للواقدي: أن رسول العلاء بن الحضرميّ بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي، فلعله كان رفيق أبى عبيدة، وأما حديث جابر، «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: لو قد جاء مال البحرين أعطيتك» وفيه: «فلم يقدم مال البحرين حتى مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم..» الحديث، فهو صحيح كما سيأتي عند المصنف، وليس معارضا لما تقدم، بل المراد أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنه كان مال خراج أو جزية فكان يقدم من سنة إلى سنة. قوله: «وفأديت عقيلا» أي ابن أبى طالب وكان أسر مع عمه العباس في غزوة بدر. وقوله «فحثا» بمهملة ثم مثلثة مفتوحة، والضمير في ثوبه يعود على العباس. قوله: «مر بعضهم» بضم الميم وسكون الراء، وفي رواية «اؤمر» بالهمز، قوله: «يرفعه» بالجزم لأنه جواب الأمر، ويجوز الرفع أي فهو يرفعه. قوله: «على كاهله» أي بين كتفيه، وقوله: «يتبعه» بضم أوله من الإتباع، و «عجبا» بالفتح، وقوله: «وثم منها درهم» بفتح المثلثة أي هناك. وفي هذا الحديث بيان كرم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعدم التفاته إلى المال قل أو كثر، وأن الإمام ينبغي له أن يفرق مال المصالح في مستحقيها ولا يؤخره. وموضع الحاجة منه هنا جواز وضع ما يشترك المسلمون فيه من صدقة ونحوه في المسجد، ومحله ما إذا لم يمنع مما وضع له المسجد من الصلاة وغيرها مما بنى المسجد لأجله ويستفاد منه جواز وضع ما يعم نفعه في المسجد كالماء لشرب من يعطش، ويحتمل التفرقة بين ما يوضع للخزن فيمنع الثاني دون الأول، وباللَّه التوفيق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 350 البحرين فقال: انثروه في المسجد، وكان أكثر مال أتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الصلاة فلم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدا إلا أعطاه، إذ جاءه العباس فقال: يا رسول اللَّه، أعطنى، فإن فأديت نفسي، وفأديت عقيلا، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خذ، فحثا في ثوبه، ثم ذهب يقله، فلم يستطيع، فقال: يا رسول اللَّه [اؤمر] بعضهم يرفعه إليّ، قال: لا، قال: فارفعه أنت على، قال: لا، فنثلا منه ثم ذهب يقله [ (1) ] ، فقال: يا رسول اللَّه [اؤمر] بعضهم يرفعه على، قال: لا، قال: فارفعه أنت عليّ، قال: لا، فنثر منه، ثم احتمله فألقاه على كاهله، ثم انطلق، فما زال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبعه بصره حتى خفي علينا، عجبا من حرصه، فما قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وثم منها درهم [ (2) ] . وخرج عبد اللَّه بن على بن الجارود. من حديث محمد بن يحيى، قال: أنبأنا أبو المغيرة، قال: أنبأنا صفوان، قال: أنبأنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جاءه سبى فقسمه من يومه، فأعطى الآهل حظين، وأعطى العزب حظا   [ (1) ] في (الأصل) : «فلم يقله» ، «فلم يستطع» ، وما أثبتناه من البخاري. [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 678- 679، كتاب الصلاة، باب (42) القسمة وتعليق القنو في المسجد، حديث رقم (421) . قال أبو عبد اللَّه: القنو: العذق، الاثنان قنوان، والجماعة أيضا قنوان، مثل صنو وصنوان، وأخرجه أيضا في كتاب الجهاد والسير، باب (172) فداء المشركين، حديث رقم (3049) مختصرا، وأخرجه في كتاب الجزية والموادعة، باب (4) ، أقطع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من البحرين، وما وعد من مال البحرين والجزية، ولم يقسم الفيء والجزية؟ حديث رقم (3165) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 351 واحدا، قال: فدعيت، وكنت أدعى قبل عمار بن ياسر، فدعيت فأعطانى حظين، وكان لي أهل، ثم دعا بعد عمار، فأعطاه حظا واحدا. ورواه أبو داود السجستاني [ (1) ] ، عن ابن المصفى، قال حدثنا أبو المغيرة، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن نفير، عن أبى، عن عوف بن مالك، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. كان إذا أتاه الفيء ... الحديث. ولأبى داود من حديث هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، أن عبد اللَّه ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، دخل على معاوية فقال: حاجتك يا أبا عبد الرحمن، فقال: عطاء [المحررين، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أول ما جاءه شيء بدأ بالمحررين [ (2) ]] .   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 3/ 359- 360، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (14) قسمة الفيء، حديث رقم (2953) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 358، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (14) في قسم الفيء، حديث رقم (2951) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. قال الخطابي: يريد بالمحررين المعتقتين، وذلك أنهم قوم لا ديوان لهم، وإنما يدخلون تبعا في جملة مواليهم، وكان الديوان موضوعا على تقديم بنى هاشم، ثم الذين يلونهم في القرابة والسابقة، وكان هؤلاء مؤخرين في الذكر، فأذكر بهم عبد اللَّه بن عمر، وتشفع في تقديم أعطيتهم، لما علم من ضعفهم وحاجتهم. ووجدنا الفيء مقسوما لكافة المسلمين على ما دلت عليه الأخبار، إلا من أستثني منهم من أعارب الصدقة، وقال عمر بن الخطاب: لم يبق أحد من المسلمين إلا له فيه حق إلا بعض من تملكون من أرقّائكم، وإن عشت إن شاء اللَّه ليأتين كل مسلم حقه، حتى يأتى الراعي بسر وحمير لم يعرق جبينه، واحتج عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في ذلك بقوله تعالى: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 352 وله من حديث عبد اللَّه بن دينار، عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى بظبية [ (1) ] فيها خرز، فقسمها للحرة والأمة، قالت عائشة: كان أبى رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقسم للحر والعبد [ (2) ] .   [ () ] وقال أحمد وإسحاق: الفيء للغنى والفقير إلا العبيد، واحتج أحمد في ذلك بأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أعطى العباس من مال البحرين، والعباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه غنى. والمشهور عن أبى بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه سوى بين الناس، ولم يفضل بالسابقة، وأعطى الأحرار والعبيد. وعن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه فضل بالسابقة، والقدم، وأسقط العبيد، ثم رد على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، الأمر إلى التسوية بعد، ومال الشافعيّ إلى التسوية، وشبهه بقسم المواريث. (معالم السنن) . [ (1) ] الظبية: الجراب، أو الخريطة، أو الكيس. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 359، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (14) في قسمة الفيء، حديث رقم (2952) . قال الخطابي: وكان الشافعيّ يقول: ينبغي للإمام أن يحصى جميع من في البلدان من المقاتلة- وهم من قد احتلم أو استكمل خمس عشرة سنة من الرجال- ويحصى الذرية- وهي من دون المحتلم، ودون البالغ، والنساء صغيرتهن، وكبيرتهن- ويعرف قدر نفقاتهم وما يحتاجون إليه في مؤناتهم بقدر معايش مثلهم في بلدانهم ثم يعطى المقاتلة في كل عام عطاءهم. والعطاء الواجب من الفيء لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله الجهاد، ثم يعطى الذرية والنساء ما يكفيهم لسنتهم في كسوتهم ونفقتهم. قال: ولم يختلف أحد لقيناه في أن ليس للمماليك في العطاء حق، ولا للأعراب الذين هم أهل الصدقة، قال: وإن فضل من المال فضل بعد ما وصفت، وضعه الإمام في إصلاح الحصون والازدياد في الكراع، وكل ما قوى به المسلمون. فإن استغنى المسلمون وكملت كل مصلحة لهم فرق ما يبقى من بينهم كله على قدر ما يستحقون في ذلك المال. قال: ويعطى من الفيء رزق الحكام، وولاة الأحداث، والصلات بأهل الفيء، وكل من قام بأمر الفيء من وال، وكاتب، وجندي- ممن لا غنى لأهل الفيء عنه- رزق مثله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 353 وللبخاريّ من حديث مروان بن الحكم، ومستورد بن مخرمة ... فذكر حديث وفد هوازن إلى أن قال: فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المسلمين، فأثنى على اللَّه تعالى بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين، وإني [قد] رأيت أن أراد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء اللَّه علينا فليفعل، فقال الناس: قد طيبنا ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن، فأرجعوا حتى يرفعوا إلينا عرفاؤكم أمركم. فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا [ (1) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 609، كتاب الوكالة، باب (7) إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز لقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لوفد هوازن حين سألوه المغانم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: نصيبي لكم، حديث رقم (2307) ، (2308) ، وأخرجه في كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (10) من رأى الهبة الغائبة جائزة، حديث رقم (2583) ، (2584) ، وفي باب (24) إذا وهب جماعة لقوم، حديث رقم (2607) (2608) ، وأخرجه في كتاب فرض الخمس، باب (15) ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ما سأل هوازن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم برضاعة فيهم فتحلل من المسلمين، وما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعذ الناس أن يعطيهم من الفيء والأنفال من الخمس، وما أعطى الأنصار، وما أعطى جابر بن عبد اللَّه من تمر خيبر، حديث رقم (3131) ، (3132) . وأخرجه في كتاب المغازي، باب (55) قول اللَّه تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة: 25] . حديث رقم (4318) ، (4319) ، وأخرجه في كتاب الأحكام، باب (26) العرفاء للناس، حديث رقم (7176) ، (7177) . قال الحافظ في (الفتح) : قال ابن بطال: في الحديث مشروعية إقامة العرفاء لأن الإمام الجزء: 9 ¦ الصفحة: 354   [ () ] لا يمكنه أن يباشر جميع الأمور بنفسه فيحتاج إلى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه، قال: والأمر والنهى إذا توجه إلى الجميع يقع التوكل فيه من بعضهم فربما وقع التفريط، فإذا أقام على كل قوم عريفا لم يسع كل أحد إلا القيام بما أمره به. وقال ابن المنير في (الحاشية) : يستفاد منه جواز الحكم بالإقرار بغير إشهاد، فإن العرفاء ما أشهدوا على كل فرد شاهدين بالرضا، وإنما أقر الناس عندهم وهم نواب للإمام فاعتبر ذلك. وفيه أن الحاكم يرفع حكمه إلى حاكم آخر مشافهة فينفذه إذا كان كل منهما في محل ولايته. قال الحافظ في (الفتح) : وقع في (سير الواقدي) : أن أبا رهم الغفاريّ كان يطوف على القبائل حتى جمع العرفاء، واجتمع الأمناء على قول واحد. وفيه أن الخبر الوارد في ذم العرفاء لا يمنع إقامة العرفاء لانه محمول- إن ثبت- على أن الغالب على العرفاء الاستطالة، ومجاوزة الحد، وترك الإنصاف المفضي إلى الوقوع في المعصية. والحديث المذكور أخرجه أبو داود من طريق المقدام بن معديكرب رفعه: «العرافة حق، ولا بد للناس من عريف، والعرفاء في النار. «ولأحمد وصححه ابن خزيمة من طريق عباد بن أبى على عن أبى حازم عن أبى هريرة رفعه: ويل للأمراء، ويل للعرفاء» قال الطيبي: قوله: «والعرفاء في النار» ظاهر أقيم مقام الضمير يشعر بأن العرافة على خطر، ومن باشرها غير أمن من الوقوع في المحذور المفضي إلى العذاب، فهو كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً فينبغي للعاقل أن يكون على حذر منها لئلا يتورط فيما يؤديه إلى النار. قال الحافظ: ويؤيد هذا التأويل الحديث الآخر حيث توعد الأمراء بما توعد به العرفاء، فدل على أن المراد بذلك الإشارة إلى أن كل من يدخل في ذلك لا يسلم، وأن الكل على خطر، والاستثناء مقدر في الجميع. وأما قوله: «العرافة حق» فالمراد به أصل نصبهم، فإن المصلحة تقتضيه لما يحتاج إليه الأمير من المعاونة على ما يتعاطاه بنفسه، ويكفى في الاستدلال لذلك وجودهم في العهد النبوي كما دل عليه حديث الباب. وأخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 141- 142، كتاب الجهاد، باب (131) فداء الأسير، حديث رقم (2693) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 355 والعرفاء [هم] رؤساء الأخبار وقوادهم، وقيل: العريف: النقيب، وهو دون الرئيس. وقال هيثم بن بشرة: أخبرنى عبد الحميد بن جعفر الأنصاري عن أبيه أن أم سمرة بن جندب مات عنها زوجها، وترك ابنه سمرة وكانت امرأة جميلة، فقدمت المدينة فخطبت، فجعلت تقول، لا أتزوج إلا رجلا يضمن لها نفقة ابنها سمرة حتى يبلغ، فتزوجها رجل من الأنصار على ذلك، فكانت معه في الأنصار، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعرض غلمان الأنصار في كل عام، فمر به غلام فأجازه في البعث، وعرض عليه سمرة من بعده فرده، فقال سمرة: يا رسول اللَّه، لقد أجزت غلاما ورددتني، ولو صارعته لصرعته، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: فصارعه، فصارعته، فصرعته، فأجازنى في البعث [ (1) ] .   [ () ] وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 428، حديث رقم (18435) من حديث المسور بن مخرمة. [ (1) ] هو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، من علماء الصحابة، نزل البصرة، له أحاديث صالحة، حدث عنه ابنه سليمان، والحسن البصري، وابن سيرين، وجماعة، وبين العلماء فيما روى الحسن عن سمرة اختلاف في الاحتجاج بذلك، وقد ثبت سماع الحسن من سمرة، ولقيه بلا ريب، صرح بذلك في حديثين: حديث رقم (2838) من (سنن أبى داود) ، وحديث رقم (1522) من (سنن الترمذي) . وكان زياد بن أبيه يستخلفه على البصرة إذا سار إلى الكوفة، ويستخلفه على الكوفة إذا سار إلى البصرة، وكان شديدا على الخوارج، قتل منهم جماعة، وكان الحسن وابن سيرين يثنيان عليه، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. مات سمرة سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة تسع وخمسين، له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 6/ 34، 7/ 49، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (423) ، (1404) (التاريخ الكبير) : 4/ 176، (التاريخ الصغير) : 1/ 106- 107، (المعارف) : 305، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 235، (الوافي بالوفيات) : 15/ 454، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 356 وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث هشيم، قال: أنبأنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن سمرة بن جندب، قال: أيمت أمى، وقدمت المدينة، فخطبها الناس، فقالت: لا أتزوج إلا برجل يكفل لي هذا اليتيم، فتزوجها رجل من الأنصار. قال: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعرض غلمان الأنصار في كل عام، فليلحق من أدرك منهم، فعرضت عاما، فألحق غلاما وردني، فقلت: يا رسول اللَّه!! لقد ألحقته ورددتني، ولو صارعته لصرعته، فصارعته، فصرعته، فألحقنى. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.   [ () ] (تهذيب التهذيب) : 4/ 236، (مرأة الجنان) : 1/ 131، (الإصابة) : 3/ 178- 179، ترجمة رقم (3477) ، (شذرات الذهب) : 1/ 65. [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 69، كتاب البيوع، حديث رقم (2356) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 357 فصل في ذكر ما أقطعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأرضين ونحوه خرج أبو داود [ (1) ] والترمذي [ (2) ] من حديث شعبة، عن سماك، عن علقمة بن وائل بن حجر. عن أبيه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطعه أرضا بحضرموت. زاد الترمذي: وبعث معه معاوية ليقطعها إياه، وقال: هذا حديث حسن [صحيح] [ (3) ] . ولأبى داود [ (4) ] من حديث فطر، قال: حدثني أبى، عن عمرو بن حريث، قال: خط لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دارا بالمدينة بقوس، وقال: «أزبدك، أزبدك» [ (5) ] . وله من حديث مالك، عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن، عن غير واحد، قال: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع بلال بن الحارث المزني، معادن القبلية، وهي من ناحية الفرع، فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم [ (6) ] .   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 3/ 443، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (36) في إقطاع الأرضين، حديث رقم (3058) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 3/ 665، كتاب الأحكام، باب (39) ما جاء في القطائع، حديث رقم (1381) . [ (3) ] زيادة من (الأصل) . [ (4) ] (سنن أبى داود) : 3/ 443، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (36) في إقطاع الأرضين، حديث رقم (3060) . [ (5) ] أزبدك: أعطيك وأمنحك، وبابه: ضرب. [ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3061) ، وهو حديث مرسل، وهكذا رواه مالك في (الموطأ) مرسلا، ولفظه: عن غير واحد من علمائهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 358 ومن حديث أبى أويس، قال: حدثني كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه عن جده، قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية، جلسيها [ (1) ] وغوريها [ (2) ] ، وقال غيره: جلسها وغورها، حيث يصلح الزرع من قدس، ولم يعطه حق مسلم، وكتب له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول اللَّه بلال بن الحارث المزني، أعطاه معادن القبلية، جلسيها وغوريها، حيث يصلح الزرع من قدس، ولم يعطه حق مسلم [ (3) ] . قال: أبو أويس: وحدثني ثور بن زيد، مولى بنى الديل بن بكر بن كنانة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما مثله [ (4) ] ، [زاد ابن النضر: وكتب أبى بن كعب [ (5) ]] .   [ (1) ] جلسيها: يريد نجديها، ويقال لنجد: جلس، وقال الأصمعي: وكل مرتفع جلس. [ (2) ] غوريها: الغور ما انخفض من الأرض، يريد أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطعها وهادها ورباها. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3062) ، (3063) . [ (4) ] (المرجع السابق) ، قال الخطابي في (معالم السنن) : إنما يقطع الناس من بلاد العنوة ما لم يحزه ملك مسلم، فإذا أقطع الإمام رجلا بياض أرض فإنه يملكها بالعمارة والإحياء ويثبت ملكه عليها فلا تنتزع من يده أبدا. فإذا أقطعه معدنا نظر فإن كان المعدن شيئا ظاهرا كالنفط والقار ونحوهما، فإنه مردود لأن هذه منافع حاصلة، وللناس فيها مرفق وهي لمن سبق إليها ليس لأحد أن يتملكها فيستاثر بها على الناس، وإن كان المعدن من معادن الذهب والفضة أو النحاس وسائر الجواهر المستكنة في الأرض المختلطة بالتربة والحجارة التي لا تستخرج إلا بمعاناة ومؤنة فإن العطية ماضية إلا أنه لا يملك رقبتها حتى يحظرها على غيره إذا عطلها وترك العمل فيها، إنما له أن يعمل فيها ما بدا له أن يعمل، فإذا ترك العمل خلى بينه وبين الناس، وهذا كله على معاني الشافعيّ. وفي قوله «ولم يعطه حق مسلم» دليل على أنه من ملك أرضا مرة ثم عطلها أو غاب عنها فإنّها لا تملك عليه بإقطاع أو إحياء وهي باقية على ملكه الأول. [ (5) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 359 قال: أبو عمر بن عبد البر، وقد ذكر حديث مالك الّذي بعده: هكذا هو [في] (الموطأ) عند جميع الرواة مرسلا، ولم يختلف فيه عن مالك، وهذا الحديث رواه عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ، عن ربيعة، عن الحارث بن بلال المزني عن أبيه. ورواه كثير بن عبد اللَّه، عن عمرو بن عوف، عن أبيه عن جده، فذكره [ (1) ] . ورواه أبو أويس عن كثير، عن أبيه عن جده، وعن الثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وهو غريب من حديث ابن عباس، ليس برواية غير أبى أويس عن ثور ... [ (2) ] . وانفرد أبو سبرة المزني، عن مطرف، عن مالك، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن بلال بن الحارث مثله سواء، ولم يتابع أبو سبرة على هذا الإسناد، وإسناد ربيعة فيه صالح حسن [ (3) ] . وخرج أبو داود من حديث ثمامة بن شراحيل، عن سمى بن قيس، عن شمير، قال ابن المتوكل: ابن عبد المدان، عن أبيض بن حمال، أنه وفد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاستقطعه الملح، قال ابن المتوكل: الّذي بمأرب، فقطعه له، فلما أن ولى، قال رجل من المجلس: أتدري ما قطعت له؟ إنما قطعت له الماء العد [ (4) ] . قال: فانتزع منه، قال: وسأله عن ما يحمى من الأراك، قال: ما لم تنله خفاف الإبل [ (5) ] ، وقال ابن المتوكل: أخفاف الإبل فأقر به عليه   [ (1) ] وهو الحديث رقم (3062) من (سنن أبى داود) . [ (2) ] وهو الحديث رقم (3063) من (سنن أبى داود) . [ (3) ] (مجموعة الوثائق السياسية) : 160- 161، وثيقة رقم (163) وفي آخرها: «وكتب أبى ابن كعب» ، وثيقة رقم (164) وفي آخرها: «وكتب معاوية» . [ (4) ] الماء العد: هو الماء الدائم الّذي لا ينقطع. [ (5) ] (سنن أبى داود) : 3/ 446- 447، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (36) في إقطاع الأرضين، حديث رقم (3064) . - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 360 قال: أبو عيسى [ (1) ] : حديث أبيض غريب، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وغيرهم في القطائع يرون جائزا أن يقطع الإمام، لمن رأى ذلك. وخرج البخاري من حديث هشام قال: أخبرنى أبى عن أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه تعالى عنهما. قالت: كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رأسي، وهي منى على ثلثي فرسخ. وقال أبو ضمرة: عن هشام عن أبيه، إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع الزبير رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أرضا من أموال بنى النضير. ذكره في كتاب فرض الخمس [ (2) ] ، وذكره في كتاب النكاح في باب: الغيرة، أتم من هذا [ (3) ] . وخرجه مسلم أيضا مطولا في كتاب الأدب، وخرجه النسائي كذلك. ولأبى داود من حديث أبى بكر بن عياش، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أقطع الزبير نخلا [ (4) ] .   [ () ] قال الخطابي في (معالم السنن) . وفيه من الفقه: أن الحاكم إذا تبين الخطأ في حكمه نقضه وصار إلى ما استبان من الصواب في الحكم الثاني. وقوله: «ما لم تنله أخفاف الإبل» ذكر أبو داود عن محمد بن الحسن المخزومي أنه قال: معناه أن الإبل تأكل منتهى رءوسها ويحمى ما فوقه [حديث رقم 30/ 65] . وفيه وجه آخر: وهو أنه إنما يحمى من الأراك ما بعد عن حضرة العمارة فلا تبلغه الإبل الرائحة إذا أرسلت في الرعي. وفي هذا: دليل على أن الكلأ والرعي لا يمنع من السارحة وليس لأحد أن يستأثر به دون سائر الناس. [ (1) ] (سنن الترمذي) : 3/ 664- 665، كتاب الأحكام، باب (39) ما جاء في القطائع، حديث رقم (1380) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 309، كتاب فرض الخمس، باب (19) ، كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، حديث رقم (3151) . [ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 399، كتاب النكاح، باب (108) الغيرة، حديث رقم (5224) . - [ (4) ] (سنن أبى داود) : 3/ 451، كتاب الخراج والفيء والإمارة، حديث رقم (3069) ، قال الخطابي: النخل مال ظاهر العين، حاضر النفع كالمعادن الظاهرة، فيشبه أن يكون إنما أعطاه ذلك من الخمس الّذي هو سهمه، وكان أبو إسحاق المروزي يتأول إقطاع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المهاجرين الدور على معنى العارية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 361 ومن حديث عبد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع الزبير حضر فرسه [ (1) ] ، فأجرى فرسه حتى قام [ (2) ] ، ثم رمى بسوطه، فقال: أعطوه من حيث بلغ السوط [ (3) ] . وعبد اللَّه بن عمر [ (4) ] هذا ضعفه يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، ووثقه ابن معين، وقال على بن المديني: عبد اللَّه بن عمر من الطبقة الثامنة فيتابع، وضعفه. وأخوه عبيد اللَّه من الطبقة الأولى في نافع، ولم يخرج لعبد اللَّه بن عمر هذا في الصحيحين شيء. وذكر عمر بن شبة من حديث مجزر بن جعفر، عن صالح بن كيسان قال: ضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في موضع [النبيط] [ (5) ] فقال: هذا سوقكم، فأقبل كعب بن الأشرف، فدخلها، وقطع أطنابها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا جرم، لأنقلنها إلى موضع هو أغيظ له من هذا، فنقلها إلى موضع سوق المدينة. ثم   [ (1) ] حضر فرسه- بضم الحاء وسكون الضاد- أراد قدر ما تعدو عدوة واحدة. [ (2) ] حتى قام: أي وقف. [ (3) ] (سنن أبى داود) : 3/ 453، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (36) في إقطاع الأرضين، حديث رقم (3072) . [ (4) ] هو عبد اللَّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وفيه مقال. [ (5) ] تكملة للسياق من (سنن ابن ماجة) ، والنبيط: اسم موضع مكانها مطموس في (الأصل) ، ولعل ما أثبتناه يوافق السياق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 362 قال: هذا سوقكم، لا يحجر، ولا يضرب عليه الخراج، فلما قتل كعب بن الأشرف استقطع الزبير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم البقيع فقطعه، فهو يتبع الزبير [ (1) ] . وذكر من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى ابن معدة، قال: لما قدم المدينة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع الناس الدور، فجاءه حي من بنى زهرة يقال لهم: بنو عبد زهرة، فقالوا: يكتب عنا ابن أم عبد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فلم ابتعثنى اللَّه إذا؟ إن اللَّه لا يقدس أمة لا يؤخذ لضعيف فيهم حقه [ (2) ] . ذكر ابن عبد البر: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع بلال بن الحارث المزني العقيق، وكتب له فيه كتابا نسخته: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى، محمد رسول اللَّه بلال بن الحارث المزني، أعطاه من العقيق ما صلح فيه معتملا، وكتب معاوية [ (3) ] . قال: فلم يعتمل بلال من العقيق [ (4) ] شيئا، فقال له عمر بن الخاطب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في ولايته: إن قريت على ما أعطاك رسول اللَّه   [ (1) ] وأخرج ابن ماجة في (السنن) : 2/ 751، كتاب التجارات، باب (40) الأسواق ودخولها، حديث رقم (2233) عن أبى أسيد الساعدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذهب إلى سوق النبيط فنظر إليه فقال: ليس هذا لكم بسوق، ثم ذهب إلى سوق فنظر إليه فقال: ليس هذا بسوق، ثم رجع إلى هذا السوق فطاف فيه ثم قال: هذا سوقكم، فلا ينتقص ولا يضربن عليه خراج. قوله: «فلا ينتقص» أي لا يبطلن هذا السوق، بل يدوم لكم. قوله: «ولا يضربن عليه خراج» بأن يقال: كل من يبيع ويشترى فيه فعليه كذا. قال في (الزوائد) : رواة إسناده ضعاف. [ (2) ] (السنن الكبرى) : 6/ 145 كتاب إحياء الموات، باب سواء كل موات لا مالك له أين كان. [ (3) ] سبق تخريجه من (الوثائق السياسية) : 161، وثيقة رقم (164) . [ (4) ] العقيق: بفتح أوله وكسر ثانيه، وقافين بينهما ياء مثناة من تحت، والعرب تقول لكل مسيل ماء شقه السيل في الأرض فأنهره، ووسعه: عقيق، وفي بلاد العرب أربعة أعقة، والعقيق المقصود في هذا الأثر هو من بلاد مزينة، وهو الّذي أقطعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بلال بن الحارث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 363 صلّى اللَّه عليه وسلّم من معتمل العقيق فاعتمله، فما اعتملت فهو لك، كما أعطاكه، وإن لم تعتمله له قطعته بين الناس، ولم تحجزه عليهم، فقال بلال: تأخذ منى ما أعطانى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال له: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد اشترط عليك فيه شرطا فقطعه عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بين الناس، ولم يعمل فيه بلال شيئا، فلذلك أخذه منه عمر. وذكر من حديث حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة. عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف قال: أقطعنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أرضا كذا وكذا. وذكر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قطع لأبى سفيان بن حرب. داره التي يقال لها: دار معاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.   [ () ] المزني. ثم أقطعه عمر الناس. (معجم البلدان) : 4/ 156- 157، موضع رقم (8496) مختصرا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 364 فصل في ذكر أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجزية والخراج قال: أبو عمر بن عبد البر: أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران، وكانوا نصارى، ثم قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجزية من أهل البحرين، وكانوا مجوسا. فأما أهل نجران: فخرج البخاري [ (1) ] من حديث إسرائيل عن أبى إسحاق عن صلة بن زفر، عن حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جاء السيد والعاقب [ (2) ] صاحبا نجران إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يريدان [أن] [ (3) ] يلاعناه. فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فو اللَّه إن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا، فقال: لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين، فاستشرف له أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح، فلما قام قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا أمين هذه الأمة. وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن صلة بن زفر، عن حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: جاء أهل نجران إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه ابعث لنا رجلا أمينا.   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 117- 118، كتاب المغازي، باب (73) قصة أهل نجران، حديث رقم (4380) . [ (2) ] في (المرجع السابق) : «العاقب والسيد» . [ (3) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (4) ] (المرجع السابق) حديث رقم (4381) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 201، كتاب فضائل الصحابة، باب (7) فضائل أبى عبيدة ابن الجراح، حديث رقم (2420) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 365 فقال: لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين، قال: فاستشرف [له] [ (1) ] الناس، قال: فبعث أبا عبيدة بن الجراح [ (2) ] . وقال البخاري: «حق أمين» ، مرة واحدة. وخرجه الترمذي من حديث سفيان، عن أبى إسحاق، عن صلة بن زفر عن حذيفة بن اليمان، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: جاء العاقب والسيد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالا: ابعث معنا أمينا، فقال: فإنّي سأبعث معكم أمينا حق أمين، فأشرف لها الناس، فبعث أبا عبيدة بن الجراح رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وقال: وكان أبو إسحاق إذا حدث بهذا الحديث عن صلة، قال:   [ (1) ] في رواية مسلم: «لها» . [ (2) ] قال الحافظ في (الفتح) : وفي قصة أهل نجران من الفوائد: أن إقرار الكافر بالنّبوّة لا يدخله في الإسلام حتى يلتزم أحكام الإسلام، وفيها جواز مجادلة أهل الكتاب، وقد تجب إذا تعينت مصلحته، وفيها مشروعية مباهلة المخالف إذا أصرّ بعد ظهور الحجة، وقد دعا ابن عباس إلى ذلك ثم الأوزاعي، ووقع ذلك لجماعة من العلماء. ومما عرف بالتجربة أن من باهل وكان مبطلا لا تمضى عليه سنة من يوم المباهلة. ووقع لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة فلم يقم بعدها غير شهرين. وفيها مصالحة أهل الذمة على ما يراه الإمام من أصناف المال، ويجرى ذلك مجرى ضرب الجزية عليهم، فإن كلا منهما مال يؤخذ من الكفار على وجه الصغار في كل عام. وفيها بعث الإمام الرجل العالم الأمين إلى أهل الهدنة في مصلحة الإسلام. وفيها منقبة ظاهرة لأبى عبيدة بن الجراح رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وقد ذكر ابن إسحاق أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث عليا إلى أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم، وهذه القصة غير قصة أبى عبيدة، لأن أبا عبيدة توجه معهم فقبض مال الصلح ورجع، وعليّ أرسله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك يقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية، ويأخذ ممن أسلم منهم ما وجب عليه من الصدقة واللَّه أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 366 سمعته منذ ستين سنة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] . [وقد روى عن ابن عمر وأنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة عبيدة بن الجراح] . ولأبى داود حديث يونس بن بكير قال: أنبأنا أسباط بن نصر الهمذانيّ، عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي [ (2) ] ، عن ابن عباس قال: صالح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل نجران على ألفى حلة، النصف في صفر ... البقية في رجب .... يؤدونها إلى المسلمين، وعارية ثلاثين درعا، وثلاثين فرسا، وثلاثين بعيرا، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد، أو غدرة [ (3) ] على أن لا تهدم لهم بيعة، ولا يخرج لهم قس، ولا يفتنوا عن دينهم   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 625- 626، كتاب المناقب، باب (33) مناقب معاذ بن جبل، وزيد ابن ثابت، وأبى، وأبىّ عبيدة بن الجراح رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3796) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] قال المنذري: هو المعروف بالسدي، وفي سماع السدي من ابن عباس نظر، وإنما قيل: أنه رآه، ورأى ابن عمر، وسمع من أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. [ (3) ] قال الخطابي: قلت: هذا وقع في كتابي، وفي رواية غيرها: «كيد ذات غدر» وهو أصوب، على أن لا تهدم لهم بيعة، ولا يخرج لهم قس، ولا يفتنون عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا. قال: في هذا دليل على أن للإمام أن يزيد وينقص فيما يقع عليه الصلح من دينار أو أكثر على قدر طاقتهم، ووقوع الرضا منهم به. وفيه دليل على أن العارية مضمونة. وقوله: «كيد ذات عذر» يريد الحرب، أخبرنى أبو عمر، قال: قال ابن الأعرابي: الكيد: الحرب، ومنه ما جاء في بعض الحديث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج في بعض مغازيه فلم يلق كيدا، أي حربا. (معالم السنن) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 367 ما لم يحدثوا حدثا، أو يأكلون الربا [ (1) ] . [قال إسماعيل: فقد أكلوا الربا] [ (2) ] ، [قال أبو داود: إذا نقضوا به ما اشترط عليهم فقد أحدثوا] . وقال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق، وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إلى أهل نجران ليجمع صدقائهم، ويقدم عليه بجزيتهم. قال ابن الأثير: وذلك في سنة عشر، ففعل، وعاد فلقى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة في حجة الوداع [ (3) ] .   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 3/ 429- 431، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (30) في أخذ الجزية، حديث رقم (3041) . [ (2) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) . [ (3) ] (الكامل في التاريخ) لابن الأثير: 2/ 294، ثم قال فلما استخلف أبو بكر عاملهم [بذلك] ، فلما استخلف عمر أجلى أهل الكتاب عن الحجاز وأجلى أهل نجران، فخرج بعضهم إلى الشام وبعضهم إلى نجرانية الكوفة، واشترى منهم عقارهم وأموالهم. وقيل: إنهم كانوا قد كثروا فبلغوا أربعين ألفا فتحاسدوا بينهم، فأتوا عمر بن الخطاب وقالوا: أجلنا، وكان عمر بن الخطاب قد خافهم على المسلمين فاغتنمها فأجلاهم، فندموا بعد ذلك ثم استقالوه فأبى، فبقوا كذلك إلى خلافة عثمان، فلما ولى عليّ أتوه وقالوا: ننشدك اللَّه خطك بيمينك. فقال: إن عمر كان رشيد الأمر وأنا أكره خلافه، وكان عثمان قد أسقط عنهم مائتي حلة، وكان صاحب النجرانية بالكوفة يبعث إلى من بالشام والنواحي من أهل نجران يجبونهم الحلل. فلما ولى معاوية ويزيد بن معاوية شكوا إليه تفرقهم وموت من مات منهم وإسلام من أسلم منهم، وكانوا قد قلوا، وأروه كتاب عثمان، فوضع عنهم مائتي حلة تكملة أربعمائة حلة. فلما ولى الحجاج العراق وخرج عليه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث اتهم الدهاقين بموالاته واتهمهم معهم فردهم إلى ألف وثلاثمائة حلة وأخذهم بحلل وشى. فلما ولى عمر بن عبد العزيز شكوا عليه فناءهم ونقصهم وإلحاح العرب عليهم بالغارة وظلم الحجاج، فأمر بهم فأحصوا ووجدوا على العشر من عدتهم الأولى، فقال: أرى هذا الصلح جزية وليس على أرضهم شيء وجزية المسلم والميت ساقطة، فألزمهم مائتي حلة. فلما تولى يوسف بن عمر الثقفي ردهم إلى أمرهم الأول عصبية للحجاج، فلما استخلف السفاح عمدوا إلى طريقه يوم ظهوره من الكوفة فالقوا فيها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 368 وأما أهل البحرين، فخرج البخاري من حديث الزهري قال: حدثني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، أنه أخبره أن عمرو بن عون الأنصاري، وهو حليف لبني عامر بن لؤيّ، وكان شهد بدرا، أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتى بجزيتها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين، وأمر عليهم العلاء بن الحضرميّ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبى عبيدة، فوافت صلاة الصبح مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما صلّى بهم الفجر انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين رآهم، وقال: أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء، فقالوا: أجل يا رسول اللَّه، قال: فأبشروا، وأملوا ما يسركم، فو اللَّه لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم. كرره من طرق عن الزهري [ (1) ] ، وأخرجه مسلم بهذا الإسناد أيضا [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث سفيان، قال: سمعت عمرا قال: كنت جالسا مع جابر بن زيد وعمرو بن أوس. فحدثها بجالة، سنة سبعين عام حج مصعب بن الزبير بأهل البصرة، عند درج زمزم. قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى   [ () ] الريحان ونثروا عليه، فأعجبه ذلك من فعلهم، ثم رفعوا إليه أمرهم وتقربوا إليه بأخواله بنى الحارث بن كعب، فكلمه فيهم عبد اللَّه بن الحارث فردهم إلى مائتي حلة، فلما ولى الرشيد شكوا إليه العمال فأمر أن يعفوا من المال وأن يكون مؤداهم بيت المال. [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 318- 319، كتاب الجزية والموادعة، باب (1) الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، حديث رقم (3158) . أخرجه في باب (4) ما أقطع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من البحرين وما وعد من مال البحرين والجزية، ولمن يقسم الفيء والجزية؟ حديث رقم (3164) ، وأخرجه في كتاب المغازي، باب (12) بدون ترجمة حديث رقم (4015) . [ (2) ] غير أنه قال: «وتلهيكم كما ألهتهم» حديث رقم (2961) ، من كتاب الزهد والرقاق، والحديث الّذي يليه بدون رقم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 369 عنه قبل موته بسنة: فرّقوا بين كل ذي محرم من المجوس، ولم يكن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر [ (1) ] . وخرجه أبو داود من حديث سفيان عن عمرو بن دينار، سمع بجالة يحدث عمرو بن أوس، وأبا الشعثاء [ (2) ] قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس، إذ جاءنا كتاب عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قبل موته، بسنة: اقتلوا كل ساحر، وفرّقوا بين كل ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة، فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر، وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمة في كتاب اللَّه عز وجل، وصنع طعاما كثيرا فدعاهم، فعرض السيف على فخذه، فأكلوا، ولم يزمزموا، وألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق، ولم يكن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 316، كتاب الجزية والموادعة، باب (1) الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، حديث رقم (3156) ، (3157) . [ (2) ] أبو الشعثاء: هو جابر بن زيد، من ثقات التابعين. [ (3) ] (سنن أبى داود) : 3/ 431- 432، كتاب الخراج والفيء والإمارة باب (31) في أخذ الجزية من المجوس، حديث رقم (3043) . قال الخطابي في (معالم السنن) : قوله «ألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق» يريد أخلة من الورق يأكلون بها، قلت: ولم يحملهم عمر على هذه الأحكام فيما بينهم وبين أنفسهم إذا خلوا وإنما منعهم من إظهار ذلك للمسلمين، وأهل الكتاب لا يكشفون عن أمورهم التي يتدينون بها ويستعملونها فيما بينهم إلا أن يترافعوا إلينا في الأحكام. فإذا فعلوا ذلك فإن على حاكم المسلمين أن يحكم فيهم يحكم اللَّه المنزل. وإن كان ذلك في الأنكحة فرق بينهم وبين ذوات المحارم كما يفعل ذلك في المسلمين. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 370 وخرجه النسائي من حديث سفيان، عن عمرو، سمع بجالة: لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر [ (1) ] . ولأبى داود من حديث هشيم، قال: أنبأنا داود بن أبى هند، عن قشير ابن عمرو، عن بجالة بن عبدة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: جاء رجل من الأسبذيين [ (2) ] من أهل البحرين، وهم مجوس أهل   [ () ] وفي امتناع عمر من أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر دليل أن رأى الصحابة أنه لا تقبل الجزية من كل مشرك كما ذهب إليه الأوزاعي وإنما تقبل من أهل الكتاب. وقد اختلف العلماء في المعنى الّذي من أجله أخذت منهم الجزية فذهب الشافعيّ في أغلب قوليه إلى أنها قبلت لأنهم من أهل الكتاب وروى ذلك عن على بن أبى طالب. وقال أكثر أهل العلم: إنهم ليسوا من أهل الكتاب، وإنما أخذت الجزية من اليهود والنصارى بالكتاب، ومن المجوس بالسنة. واتفق عامة أهل العلم على تحريم نسائهم وذبائحهم، وسمعت ابن أبى هريرة يحكى عن إبراهيم الحربي أنه قال: لم يزل الناس متفقين على تحريم نكاح المجوس حتى جاءنا خلاف من الكرخ، يعنى أبا ثور. والحديث أخرجه أيضا الترمذي في (السنن) : 4/ 124- 125 كتاب السير، باب (3) ما جاء في أخذ الجزية من المجوس، حديث رقم (1586) . [ (1) ] أخرجه النسائي في كتاب السير من (الكبرى) . [ (2) ] الأسبذيين: بفتح الهمزة وسكون السين بعدها باء مفتوحة، فذال-: وقيل: منسوبون إلى أسبذ بوزن أحمد، وهي بلدة بهجر بالبحرين، أو قرية لأنهم نزلوها، وقيل: الكلمة فارسية، ومعناها عبدة الفرس، وكانوا يعبدون فرسا، والفرس في لغة الفرس: أسب. وقال أبو عبيد: هو اسم قائد من قواد كسرى على البحرين، فارسي، وقد تكلمت به العرب. (معالم السنن) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 371 هجر [ (1) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمكث عنده، ثم خرج فسألته: ما قضى اللَّه ورسوله فيكم؟ قال: شر، فقلت: مه؟ قال: الإسلام أو القتل، قال:، وقال عبد الرحمن بن عوف، قبل منهم الجزية، قال ابن عباس: فأخذ الناس بقول عبد الرحمن بن عوف، وتركوا ما سمعت أنا من الأسبذي [ (2) ] . قال قتادة: أكبر مال قدم به على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثمانون ألفا من جزية مجوس البحرين، فأمر بها، فصبت على حصير فما ترك ساكنا، ولا حرم سائلا. ولأبى داود من حديث الأعمش، عن أبى وائل عن معاذ بن جبل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم -[يعنى محتملا]- دينارا، أو عدله من المغافر [ (3) ] [ثياب تكون باليمن] .   [ (1) ] هجر- بفتح الهاء والجيم-: مدينة في بلاد البحرين، وهناك قرية صغيرة بجانب المدينة المنورة. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 433، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (31) في أخذ الجزية من المجوس، حديث رقم (3044) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 3/ 428، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (30) في أخذ الجزية، حديث رقم (3038) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. - - قال الخطابي في (معالم السنن) : قلت في قوله: «من كل حالم» ، دليل على أن الجزية في قوله: من كل الحالم، دليل على أن الجزية إنما تجب على الذكران منهم دون الإناث، لأن الحالم عبارة عن الرجل فلا وجوب لها على النساء ولا على المجانين والصبيان. وفيه بيان أن الدينار مقبول من جماعتهم، أغنياؤهم وأوساطهم في ذلك سواء لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثه إلى اليمن وأمره بقتالهم ثم أمره بالكف عنهم إذا أعطوا دينارا، وجعل بذل الدينار حاقنا لدمائهم فكل من أعطاه فقد حقن دمه، وإلى هذا ذهب الشافعيّ، قال: وإنما هو على كل محتلم من الرجال الأحرار دون العبيد. وقال أصحاب الرأى وأحمد بن حنبل: يوضع على الموسر منهم ثمانية وأربعون درهما وأربعة وعشرون واثنا عشر. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 372 ولأبى داود من حديث محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وعن عثمان بن أبى سليمان أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة، فأخذ، فأتوه به فحقن له دمه، وصالحة على الجزية [ (1) ] . ولم يأخذ صلّى اللَّه عليه وسلّم [من] يهود خيبر جزية، فإنه صالحهم على أن مقرهم في الأرض ما شاء اللَّه، ولم تكن الجزية نزلت بعد، ثم أمره تعالى أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، فلم يدخل في هذا يهود خيبر، لأن العقد قد تم بينه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبينهم على إقرار، ثم أن يكونوا عمالا في الأرض بالشطر، فلم يطالبهم بغير ذلك، وطلب من إخوانهم من أهل الكتاب، ممن لم يكن بينه وبينهم عهد كنصارى نجران ويهود اليمن، وقد ظن بعضهم أن عدم أخذ   [ () ] وقال أحمد على قدر ما يطيقون، قيل: له فيزداد في هذا اليوم وينقص، قال: نعم على قدر طاقتهم وعلى قدر ما يرى الإمام، وقد علق الشافعيّ القول في إلزام الفقير الجزية. وأخرجه الترمذي في الزكاة حديث (623) باب زكاة البقر مطولا، والنسائي في الزكاة حديث (2455) سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلا، وابن ماجة في الزكاة حديث (1803) باب صدقة البقر، وقال الترمذي: حديث حسن، وذكر أن بعضهم رواه مرسلا وأن المرسل أصح، وسبق عند أبى داود برقم (1576) . [ (1) ] (سنن أبى داود) : 427- 428، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (30) في أخذ الجزية، حديث رقم (3037) . قال الخطابي في (معالم السنن) : أكيدر دومة رجل من العرب يقال هو من غسان، ففي هذا من أمره دلالة على جواز أخذ الجزية من العرب كجوازه من العجم، وكان أبو يوسف يذهب إلى أن الجزية لا تؤخذ من عربي، وقال مالك والأوزاعي والشافعيّ، العربيّ والعجمي في ذلك سواء. - وكان الشافعيّ يقول: إنما الجزية على الأديان لا على الأنساب، ولولا أن نأثم بتمني الباطل وددنا الّذي قال أبو يوسف كما قال وأن لا يجرى على عربي صغار، ولكن اللَّه أجل في أعيننا من أن نحب غير ما قضى به. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 373 الجزية من يهود خيبر يختص بهم، فلا يؤخذ منهم جزية، وليس كذلك، بل الأمر كما بينته لك. وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وضع الجزية على أهل أيلة [ (1) ] ثلاثمائة دينار كل سنة، وكانوا ثلاثمائة رجل وعلى أهل أذرح [ (2) ] مائة دينار في كل رجب [ (3) ] .   [ (1) ] أيلة: على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام. [ (2) ] أذرح: قرية بالشام. [ (3) ] قال الواقدي: وكتب لهم كتابا: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا أمنة من اللَّه ومحمد النبي ليوحنة بن رؤبة وأهل أيلة، لسفنهم وسائرهم في البر والبحر ولهم ذمة اللَّه وذمة محمد رسول اللَّه، ولمن كان معه من أهل الشام. وأهل اليمن، وأهل البحر، ومن أحدث حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يريدونه، ولا طريقا يريدونه من بر أو بحر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 374 فصل في ذكر عمال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الجزية اعلم أنه قد تبين مما تقدم أن الذين بعثهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأخذ الجزية ثلاثة نفر، فبعث أبا عبيدة عامر، وقيل: عبد اللَّه بن عامر، والصحيح عامر ابن عبد اللَّه بن الجراح بن هلال بن اهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشيّ الفهرىّ. أحد العشرة الذين شهد لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالجنة، وأحد كبراء الصحابة، وفضلائهم، وأهل السابقة منهم، وأمين هذه الأمة إلى أهل نجران أيضا [ (1) ] ، وبعث معاذ بن جبل [ (2) ] رضى اللَّه   [ (1) ] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 3/ 409، (طبقات خليفة) : 27، 300، (تاريخ خليفة) : 138، (التاريخ الكبير) : 6/ 44- 445، (التاريخ الصغير) : 1/ 40، (المعارف) : 427- 428، (الجرح والتعديل) : 6/ 325، (جامع الأصول) : 9/ 20- 21 ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 259، (تهذيب التهذيب) : 5/ 263، (الإصابة) : 3/ 586، ترجمة رقم (590) ، (تاريخ الخميس) : 2/ 255، (كنز العمال) : 13/ 214- 219، (شذرات الذهب) : 1/ 29، (سير الأعلام) : 1/ 5- 23 ، ترجمة رقم (1) . [ (2) ] هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدى بن سعد ابن على بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج. روى الواقدي عن رجاله أن معاذا شهد بدرا وله عشرون سنة أو إحدى وعشرون قال ابن سعد: شهد العقبة في روايتهم جميعا مع السبعين. قال أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن مسروق، عن عبد اللَّه ابن عمرو قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وأبى، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبى حذيفة، توفى سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة. له ترجمة في (التاريخ الكبير) : 7/ 359- 360، (التاريخ الصغير) : 1/ 41، 47، 49، 52، 53، (المعارف) : 254، (الجرح والتعديل) : 1/ 244- 245، (حلية الأولياء) : 1/ 228- 244 ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 98- 100، (كنز العمال) : 13/ 583، -- (شذرات الذهب) : 1/ 29 (سير أعلام النبلاء) : 1/ 443- 461، ترجمة رقم (86) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 375 تبارك وتعالى عنه إلى أهل نجران أيضا، وبعث على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إلى أهل نجران أيضا، وبعث معاذ بن جبل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إلى أهل اليمن، لأخذ الجزية، وغير ذلك، واللَّه تعالى أعلم بالصواب. فصل في ذكر عمال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الزكاة اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما صدر من الحج سنة عشر، أقام بالمدينة حتى رأى هلال المحرم سنه إحدى عشر، فبعث المصدقين في العرب [ (1) ] ، فبعث عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على الصدقات، وبعث خالد بن سعيد بن العاص، وقد قدم قرة بن أشقر الجذاعى لملوك كندة، ومباعدا لهم فاستعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على صدقات زبيد ومذحج كلها، وبعثه معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة، وكان معه في بلاده حتى توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبعث معاذ بن جبل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، وفي كل أربعين شاة شاة. رواه أبو داود [ (2) ] .   [ (1) ] المصدّق بتشديد الدال وكسرها: أي عاملا يستوفي الزكاة من أربابها وفي (معالم السنن) للخطابى: ان المصدق بتخفيف الصاد: العامل، وفي (المطالع) : المصدق بتخفيف الصاد: آخذ الصدقة، قال ثابت: ويقال أيضا للذي يعطيها من ماله، فإذا شددت الصاد فهو المتصدق لا غير. (التراتيب الادارية) : 1/ 396- 397، باب في العامل على الزكاة. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 2/ 224- 255، كتاب الزكاة، باب (4) في زكاة السائمة، حديث رقم (1568) ، وأخرجه ابن ماجة في الزكاة، باب صدقة الإبل، حديث رقم (1798) ، والترمذي في الزكاة، باب في زكاة الإبل والغنم، حديث رقم (621) وقال: «حديث حسن، والعمل على هذا الحديث عند عامة الفقهاء، وقد روى يونس بن يزيد وغير واحد عن الزهري عن سالم بن عبد اللَّه بن عمرو الخطاب بهذا الحديث ولم يرفعوه وإنما رفعه سفيان بن حسين» - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 376 وبعث أبى بن كعب مصدقا على بلى وعذرة وجميع بنى سعد بن هدم على ما رواه الإمام أحمد، وبعث عدي بن حاتم على طيِّئ وصدقاتها، وعلى بنى أسد. روى مسلم عن عدي بن حاتم، قال: أتيت عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: إن أول صدقة بيضت وجه رسول اللَّه   [ () ] وسفيان بن حسين أخرج له مسلم واستشهد به البخاري، إلا أن حديثه عن الزهري فيه ما قال، وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه، وقال الترمذي في (كتاب العلل) : «سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث، فقال: أرجو أن يكون محفوظا وسفيان بن الحسين صدوق» . ولفظ الحديث عند أبى داود: كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه، فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى قبض، فكان فيه «في خمس من الإبل شاة» ، وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين ابنة مخاض، إلى خمس وثلاثين، فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون، إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة، إلى ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة، إلى خمس وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون، إلى تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان، إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون، وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة، إلى عشرين ومائة، فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين، فإن زادت [واحدة] على المائتين ففيها ثلاث [شياه] ، إلى ثلاثمائة، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة شاة، وليس فيها شيء حتى بلغ المائة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق، مخافة الصدقة وما كان من خليطين فإنّهما يتراجعان [بينهما] بالسوية، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب. قال: قال الزهري: إذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثا: ثلثا شرارا، وثلثا خيارا، وثلثا وسطا، فأخذ المصدق من الوسط، ولم يذكر الزهري البقر، ثم قال في الحديث رقم (1569) : حدثنا عثمان بن أبى شيبة، حدثنا: محمد بن يزيد الواسطي، أخبرنا سفيان بن حسين، بإسناده ومعناه، قال: فإن لم تكن ابنة مخاض، فابن لبون، ولم يذكر كلام الزهري. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 377 صلّى اللَّه عليه وسلّم ووجوه أصحابه صدقة طيِّئ جئت بها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] ، وبعث الزبير، قال ابن زيد وقيس بن عاصم على صدقة بنى سعد، فبعث الزبير [ (2) ] ، قال: على ناحية، وقيس بن عاصم [ (3) ] على ناحية.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 310، كتاب فضائل الصحابة، باب (47) من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيِّئ، حديث رقم (2523) و (مسند أحمد) : 1/ 74، حديث رقم (318) من مسند عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب- حواري رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى، وأول من سل سيفه في سبيل اللَّه، وأبو عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أسلم وهو حدث، له ست عشرة سنة. قتل الزبير في رجب سنة ست وثلاثين عن أربع وستين أو بضع وخمسين سنة بوادي السباع على سبعة فراسخ من البصرة، أما أنه قد بعثه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الصدقة، فيعكر على ذلك ما قاله هشام- فيما ذكر الحافظ الذهبي في (سير الأعلام) : ردّ، وما ولى إمارة قط، ولا جباية، ولا خراجا، ولا شيئا، إلا أن يكون في غزو مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أو مع أبى بكر، وعمر، وعثمان، له ترجمة في (التاريخ الكبير) : 3/ 409، (التاريخ الصغير) : 1/ 75، (المعارف) : 219- 277، (حلية الأولياء) : 1/ 89، (جامع الأصول) : 9/ 5- 10، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 194- 196، (كنز العمال) : 13/ 204- 212، (تاريخ الخميس) : 1/ 172، (سير الأعلام) : 1/ 41- 267 ترجمة رقم (3) (الإصابة) : 3/ 553- 557، ترجمة رقم (2791) . [ (3) ] هو قيس بن عاصم بن أسيد بن جعونة بن الحارث بن عامر بن نمير بن عامر بن صعصعة النميرىّ، قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) : وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الضحاك ساعيا فجاء بإبل جلة، فقال: أتيتهم فأخذت جلة أموالهم. ارددها عليهم، وخذ صدقاتهم من مواشى أموالهم. (الإصابة) : 3/ 434- 435، ترجمة قرة بن دعموص النميري رقم (7108) ، 3/ 482- 483، ترجمة قيس بن عاصم بن أسيد رقم (7198) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 378 وذكر ابن قتيبة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استعمل الزبير قال ابن بدر: على صدقات قومه، وتوفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فذهب بالصدقة إلى أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهي سبعمائة بعير. قال عمر بن شبة: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: أنبأنا يوسف بن الماجشون قال: أخبرنا ابن شهاب أن عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان يلي صدقات الإبل والغنم في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان بلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يلي صدقات الثمار، وكان محمية بن جزء يلي الخمس، وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل خزانة بلال التي يضع فيها الصدقات، فوجد فيها صبرة من تمر فقال: ما هذا التمر يا بلال؟ قال: يا رسول اللَّه أخذتها لنوائبك، قال: أفأمنت أن تصبح ولها في جهنم بخارا، أنفق، ولا تخش من ذي العرش إقلالا، أو إقتارا [ (1) ] .   [ (1) ] أخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 347، باب ذكر أخبار رويت في زهده صلّى اللَّه عليه وسلّم في الدنيا وصبره على القوت الشديد فيها، واختياره الدار الاخرة، وما أعد اللَّه تعالى له فيها على الدنيا. وأخرجه أيضا في (شعب الإيمان) : 2/ 118، باب (13) التوكل والتسليم، حديث رقم (1345) عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم قال: خالفه روح ابن عبادة، فرواه عن عوف، عن محمد قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بلال فوجد تمرا أدخره، فرواه مرسلا، وحديث رقم (1346) من حديث روح بن عبادة فذكر ثم قال: ورواه مبارك ابن فضالة، عن يونس، عن عبيد، عن محمد بن سيرين، عن أبى هريرة موصولا، وقال في هامشه: قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 3/ 126: رواه الطبراني في الكبير، وفيه مبارك بن فضالة، وهو ثقة وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. قال في (كشف الخفاء) : 1/ 210- 211، حديث رقم (635) : رواه الطبرانىّ في الكبير، والقضاعيّ في مسندة عن ابن مسعود قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على بلال وعنده صبرة من تمر فقال: ما هذا يا بلال؟ قال يا رسول اللَّه: ذخرته لك ولضيفانك، فقال أما تخشى أن يفور لها بخار من جهنم أنفق بلال- الحديث، وذكره النجم عن أبى هريرة أيضا بلفظ أما تخشى يا بلال أن ترى له بخارا في نار جهنم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 379 فصل في ذكر الصدقة على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال الفقيه أبو الليث محمد بن على بن أحمد بن سعيد بن حزم: رحمه اللَّه في كتاب (جوامع السيرة) : وكان كاتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصدقات   [ () ] ورواه العسكري في (الأمثال) وكذا البزار في مسندة عن عائشة بلفظ قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أطعمنا يا بلال فقال: يا رسول اللَّه ما عندي إلا صبرة من تمر خبأته لك، فقال: أما تخشى أن يقذف به في نار جهنم أنفق- الحديث، وأخرجه البزار أيضا عن أبى هريرة بلفظ أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل على بلال وعنده صبره من تمر فقال ما هذا قال أدخره فقال أما تخشى أن ترى له بخارا في نار جهنم أنفق- الحديث، ورواه البيهقي في الشعب عن أبى هريرة مرفوعا، ورواه أيضا مرسلا عن ابن سيرين، ورواه أبو يعلى بلفظ أنفق يا بلال ولا تخافن من ذي العرش إقلالا. قال في (المقاصد) : وما يحكى على لسان كثيرين في لفظ الحديث وإنه «بلالا» ويتكلفون في توجيهه بكونه نهيا عن المنع وبغير ذلك فشيء لم أقف له على أصل. انتهى، وأقول مما قيل فيه أن أصله أنفق بلال، قولك: ومنه إن مصدر بلّ يبلّ مشدد اللام، وقد وجهه الجلال السيوطي في (الأشباه والنظائر) النحوية بأنه من الإتباع وان كان منادى مفردا علما، وعبادته فيها ومنه اتباع كلمة في التنوين لكلمة أخرى منونة صحبتها كقوله تعالى وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ، إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا، في قراءة من نوّن الجميع، وحديث أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش. انتهى، وقال في (الهمع) أواخر الكتاب الخامس: روى البزار في مسندة وغيره: أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا، نون المنادي المعرفة ونصبه لمناسبة إقلالا. انتهى، وأقول ظاهر كلامه في الكتابين أن الرواية بالنصب، ومقتضى ما في المقاصد أنه بالضم فليراجع، وكلام السيوطي لا يفيد حصر الرواية بالنصب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 380 الزبير بن العوام رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فإن غاب أو اعتذر كتب جهم بن الصلت، وحذيفة بن اليمان رضى اللَّه عنهما [ (1) ] . فصل في ذكر الخارص على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: خرص العود يخرصه، خرصا حزرة، وقيل: الخرص المصدر، والخرص الاسم، والخراص الحراز، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبعث من يخرص الثمار على أربابها لأجل الزكاة الواجبة في تلك الثمار توسعة عليهم، ورفقا بهم، لأنهم لو منعوا من أجل سهم المساكين من أكلها طيبا، ومن التصرف فيها بالصلة والصدقة لأضر بهم ذلك، وكانت عليهم فيه مشقة كبيرة، ولو تركوا، والمتصرف بالأكل وغيره لأضرّ ذلك بالمساكين، ولتلف كثير مما يجب فيه الزكاة، ولهذا كان توجيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الخارص وإرساله إياه. وقد وقع في (الموطأ) من رواية مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ليهود خيبر [يوم الفتح] : أقركم [فيها] ، ما أقركم اللَّه [عز وجل] [ (2) ] ، على أن الثمر بيننا وبينكم، قال: فكان رسول   [ (1) ] (التراتيب الادارية) : 1/ 398- 399، ثم قال: نقل الحافظ في (تلخيص الحبير) عن القضاعي: كان الزبير وجهم يكتبان أموال الصدقات، وترجم الحافظ في (الإصابة) : جهم بن سعد، فقال: ذكره القضاعي في كتاب (النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) ، وأنه هو والزبير كانا يكتبان أموال الصدقة، وكذا ذكره القرطبي في (المولد النبوي) من تأليفه. ونقل القلقشندي في (صبح الأعشى) ، عن (عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف) للقضاعى: أن الزبير بن العوام، وجهم بن الصلت كانا يكتبان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أموال الصدقات، وأن حذيفة بن اليمان كان يكتب له خرص النخل، فإن صح ذلك فتكون هذه الدواوين قد وضعت في زمانه صلّى اللَّه عليه وسلّم (المرجع السابق) . [ (2) ] زيادة للسياق من (الموطأ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 381 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبعث عبد اللَّه بن رواحة فيخرّص بينه وبينهم، ثم يقول: إن شئتم فلكم، وإن شئتم فلي، فكانوا يأخذونه [ (1) ] . قال أبو عمر بن عبد البر: هكذا روى هذا الحديث بهذا الإسناد، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد جماعة رواة الموطأ، وكذلك رواه أكثر أصحاب الزهري، وقد وصله منهم صالح بن أبى الأخضر، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما فتح خيبر دعي اليهود، فقال: نعطيكم الثمر على أن يعملوها على النصف، أقركم ما أقركم اللَّه، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبعث عبد اللَّه بن رواحة يخرصها عليهم، ثم يخبرهم أيأخذون بخرصه أم يتركون. وقال معمر عن الزهري: في هذا الحديث خمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر، ولم يكن له ولا لأصحابه عمال ليعملونها، ويزرعونها، فدعا يهود خيبر، وكانوا أخرجوا منها، فدفع إليهم خيبر أن تعملوها على النصف، يردونه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، وقال لهم: أقركم على ذلك ما أقركم اللَّه، فكان يبعث إليهم عبد اللَّه بن رواحة فيخرص النخل حين يطيب، ثم يحضر يهود يأخذونها بذلك الخرص، أو يدفعونها بذلك الخرص. قال: وإنما أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك الخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن يؤكل الثمر، ويفرق، وكانوا كذلك، وذكر تمام الخبر. وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق، قال: أنبأنا ابن جريج، قال: أخبرت عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أنها قالت وهي تذكر شأن خيبر: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبعث ابن رواحة إلى اليهود، فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه، ثم يخبرون يهود أيأخذونه بذلك الخرص أم يدفعونه عليهم بذلك، وإنما كان أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالخرص لكي يحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمرة، ويفرق [ (2) ] .   [ (1) ] (موطأ مالك) : 494، كتاب المساقاة، باب ما جاء في المساقاة. [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 234، حديث رقم (24777) من حديث السيدة عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم (24778) ، وفيه: " حين يطيب التمر، وقال: قبل أن يؤكل الثمار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 382 وقد اختصره أبو داود [ (1) ] ، ولم يذكر الزكاة أيضا، ولأحمد من حديث وكيع أنبأنا العمرى، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، بعث ابن رواحة إلى خيبر، يخرص عليهم، ثم خيرهم أن يأخذوا أو يردوا، فقالوا: هذا الحق بهذا قامت السموات والأرض [ (2) ] . وذكر ابن إسحاق أن عبد اللَّه بن رواحة، خرص عاما واحدا، ثم أصيب بموته، وكان جبار بن صخر أخو بنى سلمة، هو الّذي يخرص عليهم بعد عبد اللَّه بن رواحة، وكان جبار جاء من أهل المدينة وحاسبهم. وقد روى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، بعث سهل بن خثيمة خارصا خيبر. وقال ابن شهاب، عن عتاب بن أسد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثه، وأمره أن يخرص العنب، كما يخرص النخل، وأن يأخذ زكاة العنب زبيبا، كما يأخذ زكاة النخل تمرا، وذكره أبو داود [ (3) ] ، وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 3/ 699، كتاب البيوع والإجارات، باب (36) في الخرص، حديث رقم (3413) ، (3414) ، (3415) ، بأسانيد وسياقات مختلفة. [ (2) ] سبق تخريجه. [ (3) ] (سنن أبى داود) : 2/ 257، كتاب الزكاة، باب (13) في خرص العنب، حديث رقم (1603) ، قال الخطابي في (معالم السنن) : إنما يخرص من الثمر ما يحيط به البصر بارزا لا يحول دونه حائل ولا يخفى موضعه في خلال ورق الشجر، والعنب في هذا المعنى كثمر النخل. فأما سائر الثمار فإنّها لا تجرى فيها الخرص لأن هذا المعنى فيها معدوم وفائدة الخرص ومعناه أن الفقراء شركاء أرباب الأموال في الثمر فلو منع أرباب المال من حقوقهم ومن الانتفاع بها إلى أن تبلغ الثمرة غاية جفافها لأضر ذلك بهم، ولو انبسطت أيديهم فيها لأخل ذلك بحصة الفقراء منها إذ ليس مع كل أحد من التقية ما تقع به الوثيقة في أداء الأمانة فوضعت الشريعة هذا المعيار ليتوصل به أرباب الأموال إلى الانتفاع ويحفظ على المساكين حقوقهم. وإنما يفعل ذلك عند أول وقت «بدو» صلاحها قبل أن يؤكل ويستهلك ليعلم حصة الصدقة منها فيخرج بعد الجفاف بقدرها تمرا وزبيبا. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 383 سابق، قال: أنبأنا إبراهيم بن طهمان، عن أبى الزبير، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: أفاء اللَّه خيبر على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأقرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [كما كانوا] [ (1) ] ، وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد اللَّه بن رواحة فخرصها عليهم، ثم قال: يا معشر اليهود أنتم أبغض [الخلق] إليّ، [قتلتم أنبياء اللَّه] وكذبتم على اللَّه، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم، قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر، فإن شئتم فلكم، وإن   [ () ] وفيه دليل على صحة القسمة في الثمار بين الشركاء بالخرص لأنه إذا صح ان يكون عيارا في إفراز حصة الفقراء من حصة أرباب الأموال كان كلك عيارا في إفراز حصص الشركاء. قلت: ولم يختلف أحد من العلماء في وجوب الصدقة في التمر والزبيب، واختلفوا في وجوب الصدقة في الزيتون، فقال ابن أبى ليلى: لا زكاة فيه لأنه" أدم غير مأكول بنفسه وهو آخر قولي الشافعيّ وأوجبها أصحاب الرأى وهو قول مالك والأوزاعي والثوري إلا أنهم اختلفوا في كيفية ما يؤخذ من الواجب فيه فقال أصحاب الرأى: يؤخذ من ثمرته العشر أو نصف العشر. قال الأوزاعي: يؤخذ العشر منه بعد أن يعصر زيتا صافيا. وأما الحبوب فقد اختلف العلماء فيها فقال أصحاب الرأى تجب الصدقة في الحبوب ما كان مقتاتا منها أو غير مقتات. وقال الشافعيّ: كل ما جمع من الحبوب أن يزرعه الآدميون وييبس ويدخر ويقتات ففيه الصدقة، فأما ما يتفكه به أو ما يؤتدم به أو يتداوى به فلا شيء فيه. وأخرجه الترمذي في الزكاة باب في الخرص حديث (644) ، وقال: [هذا حديث حسن غريب] وابن ماجة في الزكاة باب خرص النخل والعنب حديث (1819) قال الترمذي: [وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن عروة عن عائشة، وسألت محمدا- يعنى البخاري- عن هذا، فقال: حديث ابن جريج غير محفوظ وحديث سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أصح] . قال المنذري: [وذكر غيره أن هذا الحديث منقطع، وما ذكره ظاهر جدا، فإن عتاب بن أسيد توفى في اليوم الّذي توفى فيه أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنهما، ومولد سعيد بن المسيب في خلافة عمر، سنة خمسة عشرة، على المشهور، وقيل: كان مولده بعد ذلك، واللَّه أعلم] . [ (1) ] زيادة للسياق من (المسند) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 384 [أبيتم] فلي، فقالوا: [لهذا] قامت السموات والأرض [ (1) ] . [قد أخذنا فاخرجوا عنا] . وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لما فتح خيبر، سأله يهود، فقالوا: يا محمد نحن أرباب النخل، وأهل المعرفة بها، فساقاهم على الشطر من التمر، والزرع، وكان يزرع تحت النخل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أقركم ما أقركم اللَّه، فكانوا على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى توفى، وأبى بكر، وصدرا من خلافة عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبعث عبد اللَّه بن رواحة، يخرص عليهم النخل، فإذا خرص قال: إن شئتم فلكم وتضمنون نصف ما خرصت، وإن شئتم لنا، ويضمن لكم ما خرصت، وأنه خرص عليهم أربعين ألف وسق فجمعوا له حليا من حلى نسائهم. فقالوا: هذا لك وتجاوز في القسم، فقال: يا معشر يهود واللَّه إنكم لمن أبغض خلق اللَّه إلى، وما ذاك يحملني أن أحيف عليكم، قالوا: لهذا قامت السموات والأرض، وكان عبد اللَّه يخرص عليهم، فلما قتل يوم موته، بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا الهيثم بن التيهان، يخرص عليهم، ويقال جبار بن صخر، وكان نصنع بهم مثل ما كان يصنع ابن رواحة، ويقال: الّذي خرص بعد ابن رواحة عليهم فروة بن عمرو [ (2) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 344، حديث رقم (14536) من مسند جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 690- 691. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 385 فصل في ذكر من ولى السوق في زمن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتعرف هذه الولاية اليوم بالحسبة ومتوليها يقال له المحتسب [ (1) ] اعلم أن الحسبة أمر بالمعروف، إذا ظهر تركه، ونهى عن المنكر، إذا ظهر فعله، والأصل أن الاحتساب طلب الأجر، والاسم الحسبة [ (2) ] .   [ (1) ] قال الإمام العلامة أبو الفضل جمال الدين بن مكرم بن منظور الإفريقيّ المصريّ: الحسبة في الأمر: أي حسن التدبير والنظر فيه، وليس هو من احتساب الأجر وفلان محتسب البلد، ولا تقل: محسبه (لسان العرب) : 1/ 317. [ (2) ] قال العلامة مصطفى بن عبد اللَّه القسطنطىّ الرومىّ الحنفىّ، الشهير بالملا كاتب الجلبى، والمعروف بحاجى خليفة، في (كشف الظنون) : 1/ 77- 78: علم الاحتساب: وهو علم باحث عن علم الاحتساب وهو علم باحث عن الأمور الجارية بين أهل البلد من معاملاتهم اللاتي لا يتم التمدن بدونها من حيث إجرائها على قانون العدل بحيث يتم التراضي بين المتعاملين وعن سياسة العباد بنهي عن المنكر وأمر بالمعروف بحيث لا يؤدى إلى مشاجرات وتفاخر بين العباد بحسب ما رآه الخليفة من الزجر والمنع ومبادئه بعضها فقهي، وبعضها أمور استحسانية ناشئة من رأى الخليفة، والغرض منه تحصيل الملكة في تلك الأمور، وفائدته إجراء أمور المدن في المجاري على الوجه الأتم، وهذا العلم من أدق العلوم ولا يدركه إلا من له فهم ثاقب، وحدس صائب، إذ الأشخاص والأزمان والأحوال ليست على وتيرة واحدة، فلا بد لكل واحد من الزمان والأحوال سياسة خاصة، وذلك من أصعب الأمور فلذلك لا يليق بمنصب الاحتساب إلا من له قوة قدسية مجردة عن الهوى، كعمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ولذلك كان علما في هذا الشأن كذا في (موضوعات) لطف اللَّه، وعرفه المولى أبو الخير بالنظر في أمور أهل المدينة بإجراء ما رسم في الرئاسة وما تقرر في الشرع ليلا ونهارا سرا وجهارا ثم قال وعلم الرئاسة [السياسة] المدنية مشتمل على بعض لوازم ها المنصب ولم نر كتابا صنف فيه خاصة وذكر في (الأحكام السلطانية) ما يكفى. وتقول الدكتورة سعاد مصطفى أبو زيد في (الحسبة في مصر الإسلامية) : والمصادر التي تتحدث عن الحسبة شرعا تذكر دون استثناء تقريبا أنها وظيفة دينية أساسها الأمر بالمعروف- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 386   [ () ] والنهى عن المنكر، والمقصود بالمعروف هنا هو كل قول أو فعل أو قصد حسنه الشارع وأمر به، والمنكر هو: هو كل قول أو فعل أو قصد قبحه الشارع ونهى عنه. وقد حبب اللَّه إلينا الخير، وأمرنا أن ندعو إليه، فكره إلينا المنكر ونهانا عنه، وأمرنا بمنع غيرنا منه، ونحن نجد في نصوص القرآن الكريم وفي الآيات البينات خير أدلة على ذلك، فقد صدر الأمر بها صراحة في قوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ كذلك امتدحها في قوله: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وكذلك جعلها من صفات الإيمان وقرنها بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة وطاعة اللَّه مع تقديمها في الذكر في قوله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ كما قرنها بكثير من صفات المؤمنين في قوله: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ وجعل تركها والعمل بخلافها من صفات المنافقين في قوله: الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ، وذم من تركها وجعل تركها سببا للعنة في قوله: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ* كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ. ثم أضافت الدكتورة سعاد مصطفى أبو زيد في (المرجع نفسه) ، الملحق رقم (5) وأثبتت به جدولا بأسماء أهم المحتسبين في مصر، وسنوات توليتهم، والحكام الذين تولوا في عهودهم، مؤيدا بالمراجع المتخصصة في الموضوع، وذلك من ص 252- 272، فليراجع هناك. وأفرد الدكتور أحمد عبد الرزاق أحمد، في كتابه (البذل والبرطلة زمن سلاطين المماليك، دراسة عن الرشوة) ، فصلا خاصا أسماه: الوظائف الدينية والبذل والبرطلة، فقال: أما الحسبة، خامس الوظائف الدينية الرفيعة التي كان لصاحبها مجلس بالحضرة السلطانية، وبدار العدل الشريف، فقد فسد أيضا أمرها نتيجة للبذل عليها طوال عصر سلاطين المماليك، وفي هذا المعنى يقول أحد كتاب القرن الثامن الهجريّ الرابع عشر الميلادى: «وأما أمر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 387   [ () ] الحسبة فاعلموا- رحمكم اللَّه- أن أمرها قد فسد، واستحكم فساده، وكثر الطمع في أموال الناس يسببها، وقد بقيت سيئة فلا يحل للسلطان أن يوليها أحدا، ولا حاجة للناس بها. والحق أن البذل على هذه الوظيفة يعتبر أحد الأسباب الرئيسية، التي عجلت يتدهورها وانهيارها، خاصة وأن الأمر لم يعد يقتصر على توليها بالرشوة والبراطيل، وإنما استقر الحال على توليها حسب مصطلح العصر عن طريق البذل، مما أدى إلى كثرة الطامعين فيها وإلى المزايدة عليها فيما بينهم، وبالتالي لم يعد المحتسب بحاجة إلى مجرد تناول رشوة مقنعة أو خفية، وإنما وصل به الحال إلى فرض مقررات شهرية على الباعة والتجار وأصحاب الحرف والصنائع. ولهذا لم يكن عجيبا أن تسير الحسبة بخطي سريعة إلى الهاوية، بسبب تلاعب الجهلة بهذا المنصب الجليل، ففي سنة 809 هـ 1406 م، والتي يعدها وليها في الشهر الواحد ثلاثة أو أربعة، " بسبب ذلك أنهم فرضوا على المنصب مالا مقررا، فكان من قام في نفسه أن يليه يزن المبلغ ويخلع عليه، ثم يقوم آخر ويزن ويصرف الّذي قبله. وفي رمضان سنة 789 هـ/ 1387 م، استقر نجم الدين محمد الطنبدى، وكيل بيت المال في حسبة القاهرة، عوضا عن جمال الدين محمود القيصري بحكم انتقاله إلى قضاء العسكر بعد أن سعى فيها بخمسين ألف درهم، قيمتها يومئذ أكثر من ألفى دينار ذهب. ويبدو أن بهاء الدين محمد بن البرجي كان دائب السعي على هذه الوظيفة بدليل أنه عاد إليها في شهر ربيع الأول سنة 799 هـ/ 1397 م، بمال قام به في ذلك، إذ أنه لم يل قط إلا بمال، فتشاءم الناس من ولايته. وفي شعبان من نفس العام استقر زين الدين شعبان الآثاري في حسبة الفسطاط، عوضا عن نور الدين على بن عبد الوارث البكري بمال التزم به، يبدو أنه استدان أغلبه، لأنه يفهم من المصادر المعاصرة أنه اضطر إلى الفرار من هذا المنصب في شهر ذي القعدة سنة 800 هـ 1398 م، هربا من مطالبة أرباب الديون بمالهم، فخلع بها على شمس الدين محمد الشاذلى، الّذي كان عاريا من العلم، غاية في الجهل، حتى تولى بالبذل والبراطيل. وحل القرن التاسع الهجريّ لتدخل الحسبة أخطر مراحل تدهورها وانهيارها، بسبب كثرة البذل والسعي عليها، مما نتج عنه عدم استقرار هذه الوظيفة البالغة الأهمية بالنسبة للحياة الاقتصادية، ويكفى للتدليل على ذلك، أنه وليها على مدى هذا القرن مائة وثلاثة وعشرين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 388 وخرج البخاري من حديث الليث عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرنى سالم بن عبد اللَّه، أن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: رأيت الناس في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبتاعون جزافا [يعنى الطعام] يضربون أن يبيعون في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم [ (1) ] .   [ () ] محتسبا للقاهرة فقط، اتهمت المصادر المعاصرة أغلبهم بالسعي عليها بالمال رغم جهلهم وسوء سلوكهم. ويجمع المعاصرون على أن أضخم مبلغ بذل على هذه الوظيفة خلال القرن التاسع الهجريّ الخامس عشر الميلادى، هو عشرة آلاف دينار، بذلها شمس الدين بن يعقوب في المحرم سنة 820 هـ 1317 م، على هيئة هدايا قدمها للسلطان المؤيد، ومع ذلك فلم يمكث فيها سوى ستة أشهر، حيث عزل في جمادى الآخرة، بعد أن سعى عليه عماد الدين ابن بدر الدين ابن الرشيد. قال محققه: ومع ذلك فهناك ثلاثة من الأتقياء العلماء العاملين قد شغلوا وظيفة المحتسب بجدارة، وعن استحقاق، وبعضهم شغلها أكثر من مرة، وهم: - بدر الدين العيني، صاحب كتاب (عمدة القاري بشرح صحيح البخاري) ، وصاحب قصر العيني المقام عليه كلية الطب- جامعة القاهرة حتى الآن. - أحمد بن على بن عبد القادر المقريزي، تقى الدين، المؤرخ، صاحب كتاب (إمتاع الأسماع) . - أحمد بن على بن حجر صاحب كتاب (فتح الباري شرح صحيح البخاري) ، والّذي قال عنه السيوطي في (طبقات الحفاظ) : «حافظ الدنيا على الإطلاق» . [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 441، كتاب البيوع، باب (56) من رأى إذا اشترى طعاما جزافا أن لا يبيعه حتى يؤويه إلى رحله، والأدب في ذلك، حديث رقم (2137) ، قوله: «باب من رأى إذا اشترى طعاما جزافا أن لا يبعه حتى يؤويه إلى رحله، والأدب في ذلك» أي تعزير من يبيعه قبل أن يؤويه إلى رحله، ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك، وهو ظاهر فيما ترجم له، وبه قال الجمهور، لكنهم لم يخصوه بالجزاف ولا قيدوه بالإيواء إلى الرحال، أما الأول فلما ثبت من النهى عن بيع الطعام قبل قبضه فدخل فيه المكيل، وورد التنصيص على المكيل من وجه آخر عن ابن عمر مرفوعا أخرجه أبو داود. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 389 وخرجه مسلم من حديث ابن وهب، قال: أخبرنى يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرنى سالم أن أباه قال: قد رأيت الناس في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون أن يبيعوه في مكانهم، ذلك حتى تؤوي   [ () ] وأما الثاني: فلان الإيواء إلى الرحال خرج مخرج الغالب، وفي بعض طرق مسلم عن ابن عمر: «كنا نبتاع الطعام فيبعث إلينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من يأمرنا بانتقاله من المكان الّذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه،» وفرق مالك في المشهور عنه بين الجزاف والمكيل: فأجاز بيع الجزاف قبل قبضه وبه قال الأوزاعي وإسحاق، واحتج لهم بأن الجزاف مر بي فتكفى فيه التخلية، والاستيفاء إنما يكون في مكيل أو موزون، وقد روى أحمد من حديث ابن عمر مرفوعا «من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبيعه حتى يقبضه» . ورواه أبو داود والنسائي بلفظ «نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه» والدار قطنى من حديث جابر «نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان البائع والمشترى» ونحوه للبزار من حديث أبى هريرة بإسناد حسن، وفي ذلك دلالة على اشتراط القبض في المكيل بالكيل وفي الموزون بالوزن، فمن اشترى شيئا مكايلة أو موازنة فقبضه جزافا فقبضه فاسد، وكذا لو اشترى مكايلة فقبضه موازنة وبالعكس، ومن اشترى مكايلة وقبضه ثم باعه لغيره لم يجز تسليمه بالكيل الأول حتى يكيله على من اشتراه ثانيا، وبذلك كله قال الجمهور، وقال عطاء: يجوز بيعه بالكيل الأول مطلقا، وقيل: إن باعه بنقد جاز بالكيل الأول، وإن باعه بنسيئة لم يجز بالأول والأحاديث المذكورة ترد عليه، وفي الحديث مشروعية تأديب من يتعاطى العقود الفاسدة، وإقامة الإمام على الناس من يراعى أحوالهم في ذلك واللَّه تعالى أعلم. وفي هذا الحديث جواز بيع الصبرة جزافا سواء علم البائع قدرها أم لم يعلم، وقال ابن قدامة: يجوز بيع الصبرة جزافا لا نعلم فيه خلافا إذا جهل البائع والمشترى قدرها فإن اشتراها جزافا ففي بيعها قبل نقلها روايتان عن أحمد، ونقلها قبضها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 390 إلى رحالهم [ (1) ] ، [قال ابن شهاب: وحدثني عبيد اللَّه بن عمر أن أباه كان يشترى طعاما جزافا فيحمله إلى أهله] [ (2) ] . وخرجه البخاري أيضا في كتاب الحدود من حديث معمر، عن الزهري عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه، أنهم كانوا يضربون على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم. ذكره في باب كم التعزير والأدب [ (3) ] . وخرجه مسلم بهذا السند، ولفظه: عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عنهما، أنهم كانوا يضربون على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذا اشتروا طعاما جزافا، أن يبعوه في مكانه حتى يحولوه [ (4) ] . وخرجه البخاري أيضا من حديث الأوزاعي [عن الزهري] عن سالم، عن أبيه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أن يبيعوه، حتى يؤووه إلى رحالهم، ذكره في باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة [ (5) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 427، كتاب البيوع، باب (8) بطلان بيع المبيع قبل القبض، حديث رقم (38) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (3) ] (فتح الباري) : 12/ 216، كتاب الحدود، باب (42) كم التعزير والأدب، حديث رقم (6852) ، قال الحافظ في (الفتح) : التعزير مصدر عزره، وهو مأخوذ من العزر، وهو الرد والمنع، واستعمل في الدفع عن الشخص، كدفع أعدائه عنه، ومنعهم إضراره، ومنه: وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ، وكدفعه عن إتيان القبيح، ومنه: عزره القاضي أي لئلا يعود إلى القبيح، ويكون بالقول وبالفعل، بحسب ما يليق به، والمراد بالأدب في الترجمة التأديب، وعطفه على التعزير لأن التعزير يكون بسبب المعصية، والتأديب أعم منه. (فتح الباري) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 427، كتاب البيوع، باب (8) بطلان بيع المبيع قبل القبض، حديث رقم (37) . [ (5) ] (فتح الباري) : 4/ 437، كتاب البيوع، باب (54) ما يذكر في بيع الطعام أو الحكرة، حديث رقم (2131) ، قال الحافظ في (الفتح) قوله: «باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة» - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 391 وخرج مسلم من حديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: كنا في زمان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نبتاع الطعام، فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الّذي اتبعناه فيه، إلى مكان سواه قبل أن نبيعه [ (1) ] .   [ () ] أي بضم المهملة وسكون الكاف: حبس السلع عن البيع، هذا مقتضى اللغة، وليس في أحاديث الباب للحكرة ذكر كما قال الإسماعيلي، وكأن المصنف استنبط ذلك من الأمر بنقل الطعام إلى الرحال ومنع بيع الطعام قبل استيفائه، فلو كان الاحتكار حراما لم يأمر بما يؤول إليه، وكأنه لو يثبت عنده حديث معمر بن عبد اللَّه مرفوعا ولا يحتكر إلا خاطئ «أخرجه مسلم، لكن مجرد إيواء الطعام إلى الرحال لا يستلزم الاحتكار الشرعي، لأن الاحتكار الشرعي إمساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة الناس إليه، وبهذا فسره مالك عن أبى الزناد عن سعيد بن المسيب، وقال مالك فيمن رفع طعاما من ضيعته إلى بيته: ليست هذه بحكرة، وعن أحمد إنما يحرم احتكار الطعام المقتات دون غيره من الأشياء، ويحتمل أن يكون البخاري أراد بالترجمة بيان تعريف الحكرة التي نهى عنها في غير هذا الحديث وأن المراد بها قدر زائد على ما يفسره أهل اللغة، فساق الأحاديث التي فيها تمكين الناس من شراء الطعام ونقله، ولو كان الاحتكار ممنوعا لمنعوا من نقله، أو لبين لهم عند نقله المدى الّذي ينتهون إليه، أو لأخذ على أيديهم من شراء الشيء الكثير الّذي هو مظنة الاحتكار، وكل مشعر بأن الاحتكار إنما يمنع في حالة مخصوصة بشروط مخصوصة، وقد ورد في ذم الاحتكار أحاديث: منها حديث معمر المذكور أولا وحديث عمر مرفوعا «من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه اللَّه بالجذام والإفلاس» رواه ابن ماجة وإسناده حسن، وعنه مرفوعا قال: «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون» أخرجه ابن ماجة والحاكم إسناده ضعيف، وعن ابن عمر مرفوعا «من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد بريء من اللَّه وبريء منه.» أخرجه أحمد والحاكم وفي إسناده مقال. وعن أبى هريرة مرفوعا «من احتكر حكرة يريد أن يغالى بها على المسلمين فهو خاطئ. » أخرجه الحاكم. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 426، كتاب البيوع، باب (8) بطلان بيع المبيع قبل القبض، حديث رقم (33) ، قال الإمام النووي: وفي هذه الأحاديث النهى عن بيع المبيع حتى يقبضه البائع، واختلف العلماء في ذلك فقال الشافعيّ لا يصح بيع المبيع قبل قبضه سواء كان طعاما- الجزء: 9 ¦ الصفحة: 392 وخرجه أبو داود، وزاد في آخره: «يعنى نشتري به جزافا [ (1) ] ، وخرجه النسائي أيضا [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث موسى بن عقبة، عن نافع قال: أنبأنا ابن عمر أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه، حتى ينقلوه حيث   [ () ] أو عقارا، أو منقولا، أو نقدا، أو غيره. وقال عثمان البتي: يجوز في كل مبيع. وقال أبو حنيفة: لا يجوز في كل شيء إلا العقار. وقال مالك: لا يجوز في الطعام ويجوز فيما سواه، ووافقه كثيرون. وقال آخرون: لا يجوز في المكيل والموزون ويجوز فيما سواهما. أما مذهب عثمان البتي فحكاه المازري والقاضي ولم يحكه الأكثرون بل نقلوا الإجماع على بطلان بيع الطعام المبيع قبل قبضه قالوا: وإنما الخلاف فيما سواه فهو شاذ متروك واللَّه تبارك وتعالى أعلم. [ (1) ] (سنن أبى داود) : 3/ 760- 761، كتاب البيوع والإجارات، باب (67) في بيع الطعام قبل أن يستوفي، حديث رقم (3493) . قال الخطابي: القبوض تختلف في الأشياء بحسب اختلافها في أنفسها وحسب اختلاف عادات الناس فيها، فمنها ما يكون بأن يوضع المبيع في يد صاحبه ومنها ما يكون بالتخلية بينه وبين المشترى، ومنها ما يكون بالنقل من موضعه ومنها ما يكون بأن يكتال وذلك فيما بيع من المكيل كيلا، فأما ما يباع منه جزافا صبرة مضمومة على الأرض فالقبض فيه: أن ينقل ويحول من مكانه، فإن ابتاع طعاما كيلا ثم أراد أن يبيعه بالكيل الأول لم يجز حتى يكليه على المشترى ثانيا، وذلك لما روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم «أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان، صاع البائع وصاع المشترى» . وممن قال إنه يجوز بيعه بالكيل الأول حتى يكال ثانيا: أبو حنيفة وأصحابه، والشافعيّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وهو مذهب الحسن البصريّ، ومحمد بن سيرين، والشعيبي، وقال مالك: إذا باعه نسيئة فهو المكروه، فأما إذا باعه نقدا فلا بأس أن يبيعه بالكيل الأول، وروى عن عطاء أنه أجاز بيعه نسيئة كان أو نقدا. [ (2) ] (سنن النسائي) : 7/ 231، كتاب البيوع، باب (57) بيع ما يشترى من الطعام جزافا قبل أن ينقل من مكانه، حديث رقم (4619) . قال السيوطي في قوله: «من يأمرنا» هذا أصل إقامة المحتسب أهل السوق. - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 393 يباع الطعام [ (1) ] . وذكر أبو عمر بن عبد البر، أن سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف القرشي، استعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد الفتح على سوق مكة، فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف، خرج معه، فاستشهد [ (2) ] ، واستعمل عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على سوق المدينة السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة بن الأسود، مع عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود [ (3) ]   [ (1) ] وأخرج الإمام أحمد قريبا منه في (المسند) : 2/ 296، حديث رقم (6156) ، من مسند عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] ترجمته في (الاستيعاب) : 2/ 621، ترجمة رقم (984) ، (الإصابة) : 3/ 105 ترجمة رقم (3265) . [ (3) ] هو السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة بن الأسود بن أخت النمر مختلف في نسبته، فقيل: كثانى، وقيل: كندى، وقيل: ايثى، وقيل: سلمى، وقيل: هذلي، وقيل: أزدى، وقال ابن شعاب: هو من الأزد، وعداوة في بنى كنانة، وقيل: هو حليف لبني أمية، أو لبني عبد شمس ولد في سنة الثانية من الهجرة، فهو يرب ابن الزبير، والنعمان بن بثير في قول من قال ذلك، كان عاملا لعمر على سوق المدينة مع عبد اللَّه بن عتبة مسعود. وقال السائب: حج بى أبى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وانا ابن سبع سنين، هذه رواية محمد بن يوسف، عنه. قال ابن عيينة، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، قال: لما قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من غزوة تبوك تلقاه الناس، فتلقيته مع الناس، وقال مرة: مع الغلمان، وفي حجة الوداع أيضا. حدثنا محمد بن الحكم، حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا غسحاق ابن أبى حيان [الأنماطي] ، حدثنا هشام بن عمارة، حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا الجعيد ابن عبد الرحمن، قال: سمعت السائب بن يزيد يقول: ذهبت بى خالتي الى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن أختى وجع، فدعا لي، ومسح برأسي، ثم توضأ، فشبت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه كأنه زر الحجلة. اختلف في وقت وفاته، واختلف في سنه ومولده، فقيل: توفى سنة ثمانين، وقيل: سنة ست وثمانين، وقيل: سنة إحدى وتسعين، وهو ابن أربع وتسعين وقيل: بل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 394 [وسليمان بن أبى خيثمة] [ (1) ] . وقال ابن أبى خثيمة [كانت الشفاء ممن استعمله عمر على سوق المدينة] [ (2) ] ، والشفاء هذه هي الشفاء أم سليمان بنت عبد اللَّه بن قرط بن رزاح ابن عدي بن كعب العدوية [ (3) ] ، وكانت سمراء بنت نهيك الأسدية ممن أدركت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعمرت وكانت تمر في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس على ذلك بسوط معها [ (4) ] .   [ () ] توفى وهو ابن ست وتسعين، وقال الواقدي: ولد السائب بن يزيد ابن أخت النمر- وهو رجل من كندة من أنفسهم، له حلف في قريش- في سنة ثلاث من التاريخ، له ترجمة في (الاستيعاب) : 2/ 576- 577، (الإصابة) : 3/ 26- 28، ترجمة رقم (3079) . [ (1) ] زيادة للسياق من (افصابه) : 3/ 27. [ (2) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (الأصل) ، وصوبناه من قواميس التراجم. [ (3) ] هي الشفاء بنت عبد اللَّه بن عبد شمس بن خلف بن شداد- أو صيداد- بن عبد اللَّه بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشية العدوية، وقيل: خالد بدل خلف، وقيل: صداد بدل شداد، وقيل: ضرار، أمها فاطمة بنت وهب بن عمرو بن عائد بن عمران المخزومية. أسلمت الشفاء قبل الهجرة، وهي من المهاجرات الأول، وبايعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يزورها ويقيل عندها في بيتها، وكانت قد اتخذت له فراشا وإزارا ينام فيه، فلم يزل ذلك عند ولدها حتى أخذه منه مروان بن الحكم، وقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: علمي حفصة رقية النحلة كما علمتها الكتابة. وأقطعها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دارها عند الحكاكين بالمدينة، فنزلتها مع ابنها سليمان، وكان عمر يقدمها في الرأى ويرعاها، [ويرضاها] ، ويفضلها، وربما ولاها شيئا من أمر السوق، لها ترجمة في (الإصابة) : 7/ 727- 729، ترجمة رقم (11373) ، (الاستيعاب) : 4/ 1868- 1870 ، ترجمة رقم (3398) . [ (4) ] (الاستيعاب) : 4/ 1863، ترجمة رقم (3386) ، (الإصابة) : 7/ 712، ترجمة رقم (11332) . وعن جواز قيام المرأة بوظيفة المحتسب، فقد نقل الكتاني في (التراتيب الإدارية) ما ذكره القاضي أبو العباس أحمد بن سعيد في كتابه (التيسير في أحكام التسعير) ، أن من شرط المحتسب أن يكون ذكرا، إذ الداعي للذكورة أسباب لا تحصى، وأمور لا تستقصى، ولا يرد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 395 تم بحمد اللَّه تعالى الجزء التاسع ويليه الجزء العاشر وأوله: «فصل في ذكر من كان من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير»   [ () ] ما ذكر ابن هارون أن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ولى الحسبة في سوق من الأسواق امرأة تسمى أم الشفاء الأنصارية، لأن الحكم للغالب، والنادر لا حكم له، وتلك القضية من الندرة بمكان، ولعله في أمر خاص يتعلق بأمور النسوة. (التراتيب الإدارية) : 1/ 285- 286. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 396 [ المجلد العاشر ] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم فصل في ذكر من كان من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بمنزله صاحب الشرطة من الأمير [ (1) ] خرج البخاري في كتاب الأحكام من حديث محمد بن عبد اللَّه الأنصاري، قال: حدثني أبى عن ثمامة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: إن قيس بن سعد كان يكون بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، ذكره في باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الّذي فوقه [ (2) ] . وخرجه الترمذي [ (3) ] في كتاب المناقب بهذا السند، ولفظه عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان قيس بن سعد، من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. قال الأنصاري: يعنى مما يلي من أموره. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الأنصاري [حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن عبد اللَّه الأنصاري نحوه، ولم يذكر فيه قول الأنصاري] [ (4) ] .   [ (1) ] الشرطة في السلطان: من العلامة والإعداد، ورجل شرطي وشرطي: منسوب إلى الشرطة، والجمع شرط، سموا بذلك لأنهم أعدوا لذلك وأعلموا أنفسهم بعلامات. وقيل: هم أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت. (لسان العرب) : 7/ 330. [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 167، كتاب الأحكام، باب (12) الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الّذي فوقه، حديث رقم (7155) . قال الحافظ في (الفتح) : وفي الحديث تشبيه ما مضى بما حدث بعده، لأن صاحب الشرطة لم يكن موجودا في العهد النبوي عند أحد من العمال، وإنما حدث في دولة بنى أمية، فأراد أنس تقريب حال قيس عند السامعين فشبهه بما يعهدونه. [ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 647- 648، كتاب المناقب، باب (52) في مناقب قيس بن سعد بن عبادة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3850) . [ (4) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 3 وخرج الحاكم من حديث محمد بن إسحاق الصغاني، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبى، قال: سمعت منصور بن زاذان يحدث عن ميمون بن أبى شبيب عن قيس بن سعد بن عبادة [قال] : إن أباه دفعه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يخدمه، قال: فأتى على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وقد صليت ركعتين، فضربني برجله، فقال: ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه العلى العظيم، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (1) ] . وكان القصد في ذكره في هذا الموضع أن الوالد له مباح يخدم ولده، ثم للموهوب له الخدمة أن يستخدم منه، ثم يعرف من فضل قيس بن سعد، أنه خدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حتى صار منه بمنزلة صاحب الشرطة. وقيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الأنصاريّ، الخزرجىّ، أبو الفضل أحد كرام الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وأحد الفضلاء الجلة، وأحد دهاة العرب، وأهل الرأى، والمكيدة في الحروب، مع النجدة والسخاء [والشجاعة] [ (2) ] . وكان شريف قومه غير مدافع هو وأبوه وجده [كذلك] ، وصحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هو، وأبوه، وأخوه سعيد بن سعد بن عبادة، ثم صحب عليّ ابن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وشهد معه الجمل، وصفين، والنهروان هو قومه، وولاه مصر، ثم صرفه، وتوفى بالمدينة سنه ستين أو تسع وخمسين [ (3) ] . وقد ذكرته ذكرا مبسوطا في كتاب (عقد جواهر الأسفاط فيمن ملك مصر الفسطاط) [ (4) ] ، وذكرته أيضا في (التاريخ الكبير المقفى) [ (5) ] فانظره.   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 323، حديث رقم (7787) . [ (2) ] زيادة للسياق من (الإصابة) . [ (3) ] سبقت له ترجمة مطولة. [ (4) ] من مؤلفات المقريزي رحمه اللَّه. [ (5) ] له أخبار في (المقفى الكبير) للمقريزي: 2/ 421، 5/ 530. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4 فصل في ذكر من كان يقيم الحدود بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ومن كان يضرب الرقاب ذكر القاضي أبو بكر بن العربيّ [ (1) ] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم جعل إقامة الحدود لجماعة منهم: على بن أبى طالب، ومحمد بن مسلمة الأنصاريّ، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وقال الواقدي في وقعة بدر: وأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالأسرى حتى إذا كان بعرق الظبية، وقيل: بالصفراء، أمر عاصم بن ثابت بن أبى الأقلح أن يضرب عنق عقبة بن أبى معيط، وكان أسره عبد اللَّه بن سلمة بن مالك العجلانىّ، جمح به فرسه فأخذه، فأخذ عقبة يقول: يا ويلى! علام أقتل يا معشر قريش من بين من هاهنا؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لعداوتك للَّه ورسوله. قال: يا محمد منك أفضل، فاجعلني كرجل من قومي إن قتلتهم قتلتني، وإن مننت عليهم مننت على، وإن أخذت منهم الفداء كنت كأحدهم، يا محمد! من للصبية؟. قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: النار قدمه يا عاصم، فاضرب عنقه! فقدمه عاصم، فضرب عنقه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: بئس الرجل كنت، واللَّه ما علمت كافرا باللَّه، وبرسوله، وكتابه، مؤذيا لنبيه منك، فأحمد اللَّه الّذي هو   [ (1) ] هو محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد اللَّه بن أحمد المعروف بابن العربيّ المعافري الإشبيلي المالكي، يكنى أبا بكر. كان مولده ليلة الخميس لثمان بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربعمائة. حج في موسم سنة تسع وثمانين، وسمع بمكة من أبى على الحسين بن على الطبري وغيره من العلماء والأدباء، فدرس عندهم الفقه والأصول، وقيد الحديث، واتسع في الرواية، وأتقن مسائل الخلاف، والأصول، والأحكام، على أئمة هذا الشأن. توفى في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، منصرفه من مراكش، وحمل ميتا إلى مدينة فاس، ودفن بها. (أحكام القرآن) لابن العربيّ، المقدمة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5 قتلك، وأقر عيني منك [ (1) ] [قيل: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أمر به فصلب، وكان أول مصلوب في الإسلام] [ (2) ] . [قال ابن الكلبي: كان أمية بن عبد شمس خرج إلى الشام فأقام بها عشر سنين، فوقع على أمة للخم يهودية من أهل صفورية يقال لها: ترنا، وكان لها زوج من أهل صفورية يهودي، فولدت له ذكوان فادعاه أمية واستخلفه وكناه أبا عمرو، ثم قدم به مكة، فلذلك قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لعقبة يوم أمر بقتله: إنما أنت يهودي من أهل صفورية، ولاه عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على صدقات بنى تغلب، وولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبى وقاص وكان أبو عزة عمرو بن عبد اللَّه الجمحيّ قد من عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر، وكان فقيرا ذا عيال وحاجة، وكان في الأسارى فقال: إني فقير ذو عيال وحاجة، قد عرفتها، فامنن عليّ، فمن عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] . [فقال له صفوان ابن أمية: يا أبا عزة! إنك امرؤ شاعر، فأعنا بلسانك، فاخرج معنا، فقال: إن محمدا قد منّ عليّ، فلا أريد أن أظاهر عليه، قال: فأعنا بنفسك، فلك اللَّه عليّ إن رجعت أن أغنيك، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي، يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر، فخرج أبو عزة في تهامة، ويدعو بنى كنانة ويقول: إيها بنى عبد مناة الرزام [ (3) ] ... أنتم حماة وأبوكم حام [لا تعدونى نصركم بعد العام ... لا تسلموني لا يحل إسلام] [ (4) ] ثم سار مع قريش فأسر، ولم يؤسر غيره من قريش، فقال: يا محمد إنما خرجت كرها، ولي بنات فامنن عليّ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أين ما   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 113- 114. [ (2) ] ما بين الحاصرتين ليس في (المغازي) . [ (3) ] الرزام: من يثبتون في مكانهم لا يبرحونه، يذكرهم أنهم ثابتون في الحرب. [ (4) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (الأصل) وأثبتناه من (سيرة ابن هشام) : 4/ 6 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 6 أعطيتنى من العهد والميثاق [لا واللَّه لا تمسح عارضيك تقول: سخرت بمحمد مرتين] [ (1) ] ... شهد مرتين. وفي رواية أنه قال له: إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، يا عاصم [بن ثابت] قدمه، فاضرب عنقه، فقدمه عاصم، فضرب عنقه، وحمل رأسه إلى المدينة في رمح، فكان أول رأس حمل في الإسلام، وقيل: بل رأس كعب بن الأشرف أول رأس حمل في الإسلام [ (2) ] . وذكر الواقدي أن حضير الكتائب [ (3) ] جاء بنى عمرو بن عوف فكلم سويد بن الصامت بن خالد بن عطية [ (4) ] بن حوط بن حبيب بن عمرو بن عوف ابن مالك، بن الأوس [ (5) ] ، وخوات بن جبير [ (6) ] ، وأبا لبابة بن عبد المنذر [ (7) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين استدراك من (سنن البيهقي) : 9/ 65، (مغازي الواقدي) : 1/ 309 [ (2) ] قاله ابن سعد في (الطبقات) : 2/ 33، سرية قتل كعب بن الأشرف. [ (3) ] هو حضير الكتائب بن سماك، سيد الأوس يوم بعاث، وقتل يومئذ، وابنه أسيد بن الحضير، بدريّ، عقبىّ، نقيب، لا عقب له، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. (جمهرة أنساب العرب) : 339. [ (4) ] كذا في (جمهرة أنساب العرب) ، وفي (الإصابة) : ابن عقبة. [ (5) ] لقي سويد بن الصامت بن الأوس النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بسوق ذي المجاز من مكة في حجة حجها سويد على ما كانوا يحجون عليه في الجاهلية، وذلك في أول مبعث النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، ودعائه إلى اللَّه عز وجل، فدعاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الإسلام، فلم يرد عليه سويد شيئا، ولم يظهر له قبول ما دعاه إليه، وقال له: لا أبعد ما جئت به، ثم انصرف إلى قومه بالمدينة، فيزعم قومه أنه مات مسلما وهو شيخ كبير، قتلته الخزرج في وقعة كانت بين الأوس والخزرج، وذلك قبل بعاث. قال أبو عمر: أنا شاك في إسلام سويد بن الصامت، كما شك فيه غيري، ممن ألف في هذا الشأن قبلي، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. وكان شاعرا، محسنا، كثير الحكم في شعره، وكان قومه يدعونه الكامل لحكمة شعره، وشرفه فيهم، له ترجمة في (الاستيعاب) : 2/ 677، ترجمة رقم (1116) ، (الإصابة) : 3/ 305، 306، ترجمة رقم (3822) ، (جمهرة أنساب العرب) : 327- 328، (مغازي الواقدي) : 1/ 303- 304. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 7   [ () ] (6) هو خوات بن جبير الأنصاري، ومن حديثه: أنه حضر سوق عكاظ، فانتهى إلى امرأة من هذيل تبيع السمن، فأخذ نحيا من أنحائها [النحى بكسر النون: الزق الّذي يجعل فيه السمن خاصة] ، ففتحه وذاقه، ودفع فم النحى إليها، فأخذته بإحدى يديها، وفتح الآخر وذاقه ودفع فمه إليها، فأمسكته، بيدها الأخرى، ثم غشيها وهي لا تقدر على الدفع عن نفسها، لحفظها فم النحيين، فلما قام عنها، قالت: لا هناك، فرفع خوات عقيرته، يقول: وأم عيال واثاقين بكسبها ... خلجت لها جار استها خلجات شغلت يديها إذا أردت خلاطها ... بنحيين من سمن ذوى عجرات وأخرجته ريان ينطف رأسه ... من الرامك المخلوط بالمقرات فكان لها الويلات من ترك نحيها ... وويل لها من شدة الطعنات فشدت على النحيين كفى شحيحة ... على سمنها والفتك من فعلاتى فضربت العرب بهما المثل فقالت: «أنكح من خوات» ، «وأغلم من خوات» ، «أشغل من ذات النحيين» ، «أشح من ذات النحيين» . والرامك: ضرب من الطيب تتضايق به المرأة، كما تتضايق بعجم الزبيب، ومن ذلك ما قاله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين في كتابه إلى الحجاج الثقفي يلومه لما تطاول على سيدنا أنس بن مالك: أما بعد، فإنك عبد من ثقيف طمحت بك الأمور، فعلوت فيها وطغيت، حتى عدوت قدرك، وتجاوزت طورك، يا ابن المستفرمة بعجم الزبيب، (الوافي) 9/ 412. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: خوات بن جبير هو صاحب النحيين- بكسر النون وسكون المهملة تثنية نحى، وهو ظرف السمن، فقد ذكر ابن أبى خيثمة القصة من طريق ابن سيرين، قال: كانت امرأة تبيع سمنا في الجاهلية، فدخل رجل فوجدها خالية، فراودها، فأبت، فخرج فتنكر ورجع، فقال: هل عندك سمن طيب؟ قالت: نعم، فحلت زقا فذاقه، فقال: أريد أطيب منه، فأمسكته وحلت آخر، فقال: أمسكيه فقد انفلت بعيري، قالت: اصبر حتى أوثق الأول، قال: لا، قالت: وإلا تركته من يدي يهراق، قال: فإنّي أخاف أن لا أجد بعيري، فأمسكته بيدها الأخرى، فانقض عليها، فلما قضى حاجته قالت له: لا هناك. قال الواقدي: عاش خوات إلى سنة أربعين، فمات فيها وهو ابن أربع وسبعين سنة بالمدينة، وكان ربعة من الرجال، له ترجمة في (الإصابة) : 2/ 346- 348، ترجمة رقم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 8 ويقال سهل بن حنيف [ (1) ] ، فقال: تزورونني فأسقكم من الشراب، وأنحر لكم، وتقيمون عندي أياما، قالوا: نحن نأتيك يوم كذا وكذا، فلما كان ذلك اليوم جاءوه، فنحر لهم جزورا، وسقاهم الخمر، وأقاموا عنده ثلاثة أيام، حتى تغير اللحم.   [ () ] (2300) ، (الاستيعاب) : 2/ 455- 457، ترجمة رقم (686) ، (مغازي الواقدي) : 1/ 303، (جمهرة أمثال العرب) : 1/ 564، 2/ 321- 322. [ (7) ] هو أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري، مختلف في اسمه، قال موسى بن عقبة: اسمه بشير بوزن عظيم، وقال ابن إسحاق: اسمه رفاعة، وكذا قال ابن نمير وغيره. قال ابن إسحاق: زعموا أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رد أبا لبابة والحارث بن حاطب بعد أن خرجا معه إلى بدر، فأمّر أبا لبابة على المدينة، وضرب لهما بسهميهما وأجرهما مع أصحاب بدر، وكذلك ذكره موسى بن عقبة في البدريين، وقالوا: كان أحد النقباء ليلة العقبة. يقال: مات في خلافة على، وقال خليفة بن خياط: مات بعد مقتل عثمان، ويقال: عاش إلى بعد الخمسين، له ترجمة في (الإصابة) : 7/ 349- 350، ترجمة رقم (10466) ، (تهذيب التهذيب) : 12/ 214، (الاستيعاب) : 4/ 1740، 1742، ترجمة رقم (3149) (مغازي الواقدي) : 1/ 303. [ (1) ] هو سهل بن حنيف بن وهب- أو واهب- بن الحكيم بن ثعلبة، بن مجدعة بن الحارث بن عمرو بن خانس، ويقال: ابن خنساء بن عوف بن مالك بن الأوس. شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وثبت يوم أحد، وكان بايعه يومئذ على الموت، فثبت معه حين انكشف عنه الناس، وجعل ينضح بالنبل يومئذ عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: نبلو سهلا فإنه سهل، ثم صحب عليا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه من حين بويع له، وإياه استخلف عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حين خرج من المدينة إلى البصرة، ثم شهد مع عليّ، صفين، وولاه على فارس، فأخرجه أهل فارس، فوجه عليّ زيادا، فأرضوه وصالحوه، وأدوا الخراج. مات سهل بن حنيف بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه عليّ وكبر ستا، وروى عنه ابنه وجماعة معه، له ترجمة في: (الاستيعاب) : 2/ 662- 663- ترجمة رقم (1084) ، (الإصابة) : 3/ 198- 199، ترجمة رقم (3529) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 39. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 9 وكان سويد يومئذ شيخا كبيرا، فلما مضت الثلاث، قالوا: ما نرانا إلا راجعين إلى أهلنا، فقال حضير: ما أحببتم! إن أحببتم فأقيموا، وإن أحببتم فانصرفوا. فخرج الفتيان بسويد بحملانه حملا من الثمل، فمروا لاصقين بالحرة حتى كانوا قريبا من بنى غصينة، وهي وجاه بنى سالم إلى مطلع الشمس. فجلس سويد وهو يبول، وهو ممتلى سكرا، فبصر به إنسان من الخزرج. فخرج حتى أتى المجذر بن زياد فقال: هل لك في الغنيمة الباردة؟ قال: ما هي؟ قال: سويد أعزل لا سلاح معه، ثمل، قال: فخرج المجذر ابن زياد بالسيف صلتنا، فلما رآه الفتيان وليا، وهما أعزلان لا سلاح معهما- فذكرا العداوة بين الأوس والخزرج- فانصرفا سريعين، وثبت الشيخ ولا حراك به- فوقف عليه مجذر بن زياد فقال: قد أمكن اللَّه منك! فقال: ما تريد بى؟ قال: قتلك. قال: فارفع عن الطعام واخفض عن الدماغ، وإذا رجعت إلى أمك فقل: إني قتلت سويد بن الصامت، وكان قتله هيج وقعة بعاث. فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة أسلم الحارث بن سويد بن الصامت ومجذر بن زياد، فشهدا بدرا فجعل الحارث يطلب مجذرا ليقتله بأبيه، فلا يقدر عليه يومئذ، فلما كان يوم أحد وجال المسلمون تلك الجولة، أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه، فرجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، ثم خرج إلى حمراء الأسد، فلما رجع من حمراء الأسد أتاه جبريل عليه السلام فأخبره أن الحارث ابن سويد قتل مجذرا غيلة، وأمره بقتله، فركب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى قباء في اليوم الّذي أخبره جبريل، في يوم حار، وكان ذلك يوما لا يركب فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى قباء، إنما كانت الأيام التي يأتى فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قباء يوم السبت ويوم الاثنين، فلما دخل وسمعت الأنصار فجاءت تسلم عليه، وأنكروا إتيانه في تلك الساعة وفي ذلك اليوم، فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يتحدث ويتصفح الناس حتى طلع الحارث بن سويد في ملحفة مورسة [ (1) ] ، فلما رآه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم دعا عويم   [ (1) ] مورسة، أي مصبوغة بالورس، وفي (ديوان حسان) : ملحفة حمراء، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: قتلت المجذر؟ قال: نعم يا رسول اللَّه، واللَّه ما شككت في ديني، ولكنى رأيت قاتل أبى فحملتني الحمية، وأنا أصوم أربعة أشهر متتابعات، وأعتق رقبتين، وأطعم عشرين ومائة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 10 ابن ساعدة فقال له: قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد فاضرب عنقه بمجذر بن زياد، فإنه قتله يوم أحد فأخذه عويم فقال الحارث: دعني أكلم رسول اللَّه! فأبى عويم عليه، فجابذه يريد كلام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ونهض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يريد أن يركب، ودعا بحماره على باب المسجد، فجعل الحارث يقول: قد واللَّه قتلته يا رسول اللَّه، واللَّه ما كان قتلى إياه رجوعا عن الإسلام ولا ارتيابا فيه، ولكن حمية الشيطان وأمر وكلت فيه إلى نفسي، وإني أتوب إلى اللَّه وإلى رسوله مما عملت، وأخرج ديته، وأصوم شهرين متتابعين، وأعتق رقبة، وأطعم ستين مسكينا، إني أتوب إلى اللَّه ورسوله! وجعل يمسك بركاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وبنو المجذر حضور لا يقول لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم شيئا حتى إذا استوعب كلامه قال: قدمه يا عويم فاضرب عنقه! وركب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقدمه عويم على باب المسجد فضرب عنقه. ويقال: إن خبيب بن يساف، نظر إليه حين ضرب عنقه فجاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، فركب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إليهم يمحص عن هذا الأمر، فبينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على حماره، فنزل عليه جبريل فخبره بذلك في مسيره، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عويما فضرب عنقه، وقال حسان بن ثابت [للحارث بن سويد ابن الصامت الأنصاري] : يا حار في سنة من نوم أولكم ... أم كنت ويحك مغترا بجبريل أم كنت يا ابن زياد حين تقتله ... ذي غرة في فضاء الأرض مجهول وقلتم لن نرى واللَّه يبصركم ... وفيكم محكم الآيات والقيل محمد والعزيز اللَّه يخبره ... بما تكنّ سريرات الأقاويل [ (1) ] .   [ () ] مسكين، وأخرج ديتين، فصمت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى استفرغ كلامه، ثم وضع رجله في الركاب وقال: يا عويم بن ساعدة، اضرب عنقه! ومضى، فضرب عويم عنقه. فقال حسان للحارث بن سويد بن الصامت الأنصاري: ... وذكر الأبيات. [ (1) ] هذه الأبيات مضطربة السياق والوزن والقافية في (الأصل) ، فأثبتناها من (ديوان حسان) : 301، قصيدة رقم (200) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 11 فصل في ذكر من أقام عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حد الزنا قال ابن سيده: زنا الرجل يزني زنا وزناء، وكذلك المراة أيضا وزانى مزاناة وزناء بالمد، عن اللحياني، وكذلك المرأة أيضا. والمرأة تزانى مزاناة وزناء أي تباغى، قال اللحياني: الزنى مقصور، لغة أهل الحجاز، قال اللَّه تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى بالقصر، والنسبة إلى المقصور زنوى، والزناء ممدود لغة بنى تميم، وفي (الصحاح) : المد لأهل نجد، والنسبة إلى الممدود: زنائى، وزناه زنية، نسبة إلى الزنا، وقال له: يا زانى. وفي الحديث: ذكر قسطنطينية الزانية، يريد الزاني أهلها، كقوله تعالى: وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً، أي كانت ظالمة الأهل. وقد زانى المرأة مزاناة وزناء، وقال اللحياني: قيل لابنة الخس: ما أزناك؟ قالت: قرب الوساد وطول السواد، فكأن قوله: ما أزناك؟ ما حملك على الزنا؟ قال: ولم يسمع هذا إلا في حديث ابنة الخس. وهو ابن زنية وزنية، والفتح أعلى، أي ابن زنا، ويقال للولد إذا كان من زنا: هو لزنية، وقد زناه: من التزنية، أي قذفه [ (1) ] . كانت عقوبة الزنا في صدر الإسلام، عقوبة خفيفة مؤقتة، لأن الناس كانوا حديثي عهد بحياة الجاهلية، ومن سنة اللَّه جل وعلا في تشريع الأحكام أن يسير بالأمة في طريق التدرج، ليكون أنجح في العلاج، وأحكم في التطبيق، وأسهل على النفوس لتقبل شريعة اللَّه، عن رضى واطمئنان. وقد كانت العقوبة في صدر الإسلام هي ما قصّه اللَّه تعالى علينا في سورة النساء في قوله جل شأنه: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَ   [ (1) ] (لسان العرب) : 14/ 359- 360، مختصرا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 12 الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا* وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً [ (1) ] . فكانت عقوبة المرأة: الحبس في البيت، وعدم الإذن لها بالخروج منه، وعقوبة الرجل، التأنيب، والتوبيخ بالقول والكلام، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ (2) ] . ويظهر أن هذه العقوبة كانت في أول الإسلام من قبيل التعزير لا من قبيل الحد، بدليل التوقيت الّذي أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وقد استبدلت بهذه العقوبة عقوبة أشد، هي الجلد للبكر، والرجم للزاني المحصن، وانتهى ذلك الحكم المؤقت إلى تلك العقوبة الرادعة الزاجرة. خرج مسلم [ (3) ] ، وأبو داود [ (4) ] ، والترمذي [ (5) ] من حديث عبادة بن الصامت رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: كان نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا أنزل عليه   [ (1) ] النساء: 15- 16، والمراد بالفاحشة جريمة الزنى، وسميت فاحشة لأنها فعلة قد زادت في القبح على كثير من القبائح المنكرة، قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا [الإسراء: 32] . [ (2) ] النور: 2. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 201، كتاب الحدود، باب (3) حد الزنى، حديث رقم (1690) ، أما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: فقد جعل اللَّه لهن سبيلا» فإشارة إلى قوله تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، فبين النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن هذا هو ذلك السبيل. واختلف العلماء في هذه الآية، فقيل: هي محكمة، وهذا الحديث مفسر لها، وقيل: هي منسوخة بالآية التي في أول سورة النور، وقيل: إن آية النور في البكرين وهذه الآية في الثيبين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 13   [ () ] وأجمع العلماء على وجود جلد الزاني البكر مائة، ورجم المحصن وهو الثيب، ولم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة إلا ما حكى القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة كالنّظّام وأصحابه، فإنّهم لم يقولوا بالرجم، واختلفوا في جلد الثيب مع الرجم، فقالت طائفة: يجب الجمع بينهما فيجلد ثم يرجم، وبه قال على بن أبى طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، والحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، وداود، وأهل الظاهر، وبعض أصحاب الشافعيّ. وقال جمهور العلماء: الواجب الرجم وحده، وحكى القاضي عن طائفة من أهل الحديث، أنه يجب الجمع بينهما إذا كان الزاني شيخا ثيبا، فإن كان شابا ثيبا اقتصر على الرجم، وهذا مذهب باطل لا أصل له، وحجة الجمهور أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم اقتصر على رجم الثياب في أحاديث كثيرة، منها قصة ماعز وقصة المرأة الغامدية، وفي قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: وأغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، قالوا: وحديث الجمع بين الجلد والرجم منسوخ، فإنه كان في أول الأمر. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم في البكر: ونفى سنة ففيه حجة للشافعي، والجمهور: أنه يجب نفيه سنة، رجلا كان أو امرأة، وقال الحسن لا يجب النفي، وقال مالك والأوزاعي: لا نفى على النساء، وروى مثله عن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقالوا: لأنها عورة، وفي نفيها تضييع لها، وتعريض لها للفتنة، ولهذا نهيت عن المسافرة إلا مع ذي محرم، وحجة الشافعيّ قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة. وأما العبد والأمة ففيهما ثلاثة أقوال للشافعي: أحدهما: يغرب كل واحد منهما لظاهر الحديث، وبهذا قال سفيان الثوري، وأبو ثور، وداود، وابن جرير. والثاني: يغرب نصف سنة، لقوله تعالى فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ وهذا أصح الأقوال عند أصحابنا، وهذه الآية مخصصة لعموم الحديث، والصحيح عند الأصوليين جواز تخصيص السنة بالكتاب، لأنه إذا جاز تخصيص الكتاب بالكتاب فتخصيص السنة به أولى. والثالث: لا يغرب المملوك أصلا، وبه قال الحسن البصري، وحماد، ومالك، وأحمد، وإسحاق، لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم في الأمة إذا زنت: فليجلدها سيدها، ولم يذكروا النفي، لأن نفيه يضر سيده، مع أنه لا جناية من سيده، وأجاب أصحاب الشافعيّ عن حد الأمة إذا زنت، أنه ليس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 14   [ () ] فيه تعرض للنفي، والآية ظاهرة في وجوب النفي فوجب العمل بها، وحمل الحديث على موافقتها. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «البكر بالبكر والثيب بالثيب» فليس هو على سبيل الاشتراط بل حد البكر الجلد والتغريب سواء زنى ببكر أم بثيب، وحد الثيب الرجم سواء زنى بثيب أم ببكر، فهو شبيه بالتقييد الّذي يخرج على الغالب. واعلم أن المراد بالبكر من الرجال والنساء من لم يجامع في نكاح صحيح وهو حر بالغ، سواء كان جامع بوطء شبهة، أو نكاح فاسد، أو غيرهما، أم لا. والمراد بالثيب، من جامع في دهره مرة من نكاح صحيح وهو بالغ، عاقل، حر، والرجل والمرأة في هذا سواء. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. وسواء في كل هذا المسلم، والكافر، والرشيد، والمحجور عليه لسفه. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. [ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 569- 571، كتاب الحدود، باب (23) في الرجم، حديث رقم (4415) . [ (5) ] (سنن الترمذي) : 4/ 32، كتاب الحدود، باب (8) ما جاء في الرجم على الثيب، حديث رقم (1434) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، منهم: على بن أبى طالب، وأبىّ بن كعب، وعبد اللَّه بن مسعود، وغيرهم، قالوا: الثيب تجلد وترجم، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم، وهو قول إسحاق. وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم منهم أبو بكر، وعمر، وغيرهما: الثيب إنما عليه الرجم ولا يجلد، وقد روى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مثل هذا في غير حديث، في قصة ماعز وغيره، أنه أمر بالرجم، ولم يأمر أن يجلد قبل أن يرجم، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعيّ، وأحمد. وأخرجه أيضا ابن ماجة في (السنن) : 2/ 853، كتاب الحدود، باب (7) حد الزنا، حديث رقم (2550) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 15 الوحي كرب لذلك وتربد [ (1) ] وجهه فأنزل اللَّه تبارك وتعالى عليه ذات يوم فلقى كذلك، فلما سرى عنه قال: خذوا عنى، خذوا عنى، قد جعل اللَّه لهن سبيلا: البكر بالبكر، جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم. خرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فاعترف بالزنى، فأعرض عنه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أبك جنون؟ قال: لا، قال: أحصنت؟ قال: نعم: فأمر به فرجم في المصلى، فلما أذلقته الحجارة، فرّ، فأدرك، فرجم حتى مات، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم خيرا، وصلى عليه. وفي لفظ لهما [ (4) ] : أنه قال له: أحق ما بلغني عنك؟ قال: وما بلغك عنى؟ قال: بلغني أنك وقعت بجارية بنى فلان، فقال: نعم، قال: فشهد على نفسه أربع شهادات، ثم دعاه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أبك جنون؟ قال، لا: قال: أحصنت؟ قال: نعم، ثم أمر به فرجم. وفي لفظ لهما [ (5) ] : فلما شهد على نفسه أربع شهادات، ودعاه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أبك جنون؟ قال: لا: قال أحصنت:؟ قال: نعم، قال: اذهبوا به فارجموه.   [ (1) ] كرب وتربد: أي أصبح كالمكروب، وتغيرت ملامح وجهه الشريف صلى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] (فتح الباري) : 12/ 155، كتاب الحدود، باب (25) الرجم بالمصلى، حديث رقم (6820) ، قال: ولم يقل يونس وابن جريج عن الزهري: فصلى عليه، سئل أبو عبد اللَّه هل قوله: «فصلى عليه» يصح أم لا؟ قال: رواه معمر، قيل له: هل رواه معمر، قيل له: هل رواه غير معمر؟ قال: لا. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 204- 206، كتاب الحدود، باب (5) من اعترف على نفسه بالزنا، حديث رقم (16) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (19) . [ (5) ] (فتح الباري) : 9/ 486، كتاب الطلاق، باب (11) الطلاق في الإغلاق والمكره والسكران والمجنون، حديث رقم (5271) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 16 وفي لفظ للبخاريّ [ (1) ] : أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت، قال: لا يا رسول اللَّه، قال: صلى اللَّه عليه وسلّم أنكتها؟ لا يكنى، قال: نعم، فعند ذلك أمر برجمه.   [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 162- 163، كتاب الحدود، باب (28) هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت؟ حديث رقم (6824) ، (سنن أبى داود) : 4/ 597، كتاب الحدود، باب (24) رجم ماعز بن مالك، حديث رقم (4427) ، (4428) . فتضمنت هذه الأقضية رجم الثيب، وأنه لا يرجم حتى يقر أربع مرات، وأنه إذا أقر دون الأربع، لم يلزم بتكميل نصاب الإقرار، بل للإمام أن يعرض عنه، ويعرض له بعدم تكميل الإقرار، وإن إقرار زائل العقل بجنون، أو سكر، ملغى لا عبرة به، وكذلك طلاقه، وعتقه، وأيمانه، ووصيته، وجواز إقامة الحد في المصلى، وهذا لا يناقض نهيه أن تقام الحدود في المساجد، وأن المحصن إذا زنى بجارية، فحده الرجم، كما لو زنى بحرة. وأن الإمام يستحب له أن يعرض للمقر بأن لا يقر، وأنه يجب استفسار المقر في محل الإجمال، لأن اليد، والفم، والعين، لما كان استمتاعها زنى، استفسر عنه دفعا لاحتماله، وأن الإمام لا يصرح له أن يصرح باسم الوطء الخاص به إلا عند الحاجة إليه، كالسؤال عن الفعل، وأن الحد لا يجب على جاهل بالتحريم، لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم سأله عن حكم الزنى، فقال: أتيت منها حراما ما يأتى الرجل من أهله حلالا. وأن الحد لا يقام على الحامل، وأنها إذا ولدت الصبى، أمهلت حتى ترضعه، وتفطمه، وأن المرأة يحفر لها دون الرجل، وأن الإمام لا يجب عليه أن يبدأ بالرجم. وأنه لا يجوز سب أهل المعاصي إذا تابوا، وأنه يصلى على من قتل في حد الزنى، وأن المقر إذا استقال في أثناء الحد، وفر، ترك ولم يتمم عليه الحد، فقيل: لأنه رجوع. وقيل: لأنه توبة قبل تكميل الحد، فلا يقام عليه كما لو تاب قبل الشروع فيه، هذا اختيار شيخنا، وأن الرجل إذا أقر أنه زنى بفلانة، لم يقم عليه حد القذف مع حد الزنى، وأن ما قبض من المال بالصلح الباطل باطل يجب رده، وأن الإمام له أن يوكل في استيفاء الحد. وأن الثيب لا يجمع عليه بين الجلد والرجم، لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يجلد ما عزا ولا الغامدية، ولم يأمر أنيسا أن يجلد المرأة التي أرسله إليها، وهذا قول الجمهور، وحديث عبادة: «خذوا عنى قد جعل اللَّه لهن سبيلا: الثيب بالثيب جلد مائة والرجم» منسوخ. فإن هذا كان في أول الأمر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 17 وفي لفظ لأبى دواد: أنه شهد على نفسه أربع مرات، كل ذلك يعرض عنه، فأقبل في الخامسة، قال: «أنكتها» ؟ قال نعم. قال: «حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم، قال: كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟ «قال: نعم، قال:» فهل تدري ما الزنى؟ قال: نعم. أتيت منها حراما ما يأتى الرجل من امرأته حلالا. قال: «فما تريد بهذا القول؟ «قال: أريد أن تطهرني، قال: فأمر به فرجم، فسمع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الّذي ستر اللَّه عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما، ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: «أين فلان وفلان» ؟ فقالا: نحن ذان يا رسول اللَّه، قال: «انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار» فقالا: يا نبي اللَّه، من يأكل من هذا؟ قال:   [ () ] قبل نزول حد الزنى، ثم رجم ماعزا والغامدية، ولم يجلدهما، وهذا كان بعد حديث عبادة بلا شك، وأما حديث جابر في (السنن) : أن رجلا زنى، فأمر به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فجلد الحد، ثم أقر أنه محصن، فأمر به فرجم. فقد قال جابر في الحديث نفسه: أنه لم يعلم بإحصانه، فجلد، ثم علم بإحصانه، فرجم. رواه أبو داود. وفيه: أن الجهل بالعقوبة لا يسقط الحد إذا كان عالما بالتحريم، فإن ماعزا لم يعلم أن عقوبته القتل، ولم يسقط هذا الجهل الحد عنه. وفيه: أنه يجوز للحاكم أن يحكم بالإقرار في مجلسه، وإن لم يسمعه معه شاهدان، نص عليه أحمد، فإن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لم يقل لأنيس: فإن اعترفت بحضرة شاهدين فأرجمهما وأن الحكم إذا كان حقا محضا للَّه لم يشترط الدعوى به عند الحاكم. وأن الحد إذا وجب على امراة، جاز للإمام أن يبعث إليها من يقيمه عليها، ولا يحضرها، وترجم النسائي على ذلك: صونا للنساء عن مجلس الحكم. وأن الإمام والحاكم والمفتى يجوز له الحلف على أن هذا حكم اللَّه عزّ وجل إذا تحقق ذلك، وتيقنه بلا ريب، وأنه يجوز التوكيل في إقامة الحدود، وفيه نظر، فإن هذا استنابة من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وتضمن تغريب المرأة كما يغرب الرجل، لكن يغرب معها محرما إن أمكن، وإلا فلا، وقال مالك: لا تغريب على النساء، لأنهن عورة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 18 «فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من أكل منه، والّذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينقمس فيها. [ (1) ] وفيه: أنه لما وجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم ردوني إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي، وأخبرونى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم غير قاتلي [ (2) ] [فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأخبرنا قال: «فهلا تركتموه وجئتونى به، ليستثبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم منه، فأما لترك حد فلا، قال: فعرفت وجه الحديث] [ (3) ] . ***   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 580- 581، كتاب الحدود باب (24) رجم ماعز بن مالك، حديث رقم (4428) ، ينقمس معناه ينغمس، قال الخطابي في (معالم السنن) : وفي أصل المنذري ينغمس بالغين وكذلك في النسخة الهندية بالغين، ونسبه المنذري للنسائى، وقال فيه: «أنكحتها» ؟. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 576، كتاب الحدود، باب (24) رجم ماعز بن مالك، حديث رقم (4420) . [ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) ، وأخرجه الترمذي في كتاب الحدود، باب في درء الحد عن المعترف إذا رجع، حديث رقم (1429) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 19 [فصل في ذكر من رجمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من النساء المسلمات] فخرج مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] من حديث بريدة: ... فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه، إني قد زنيت فطهرني، وأنه ردها، فلما كان من الغد، قالت: يا رسول اللَّه! لم تردني؟ لعلك تردني كما رددت ما عزا، فو اللَّه إني لحبلى، قال: «إما لا، فاذهبي حتى تلدي» ، فلما ولدت، أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: «اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبى إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فتنضح الدم على وجه خالد، فسبها، فسمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سبه إياها فقال:   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 211- 214، كتاب الحدود، باب (5) من اعترف على نفسه بالزنى، حديث رقم (1695) ، وقال المنذري: وفي إسناده: بشير بن المهاجر الفنوىّ الكوفيّ، وليس له في (صحيح مسلم) سوى هذا الحديث، وقد وثقه يحى بن معين، وقال الإمام أحمد: منكر الحديث، يجيء بالعجائب. ولا عيب على مسلم في إخراج هذا الحديث فإنه أتى به في الطبقة الثانية، بعد ما ساق طرق حديث ماعز، وأتى به آخرا، ليبين اطلاعه على طرق الحديث، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (معالم السنن) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 589، كتاب الحدود، باب (25) المرأة التي أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم برجمها من جهينة، حديث رقم (4442) . وقال بعضهم: يحتمل أن تكونا امرأتين، إحداهما وجد لولدها كفيل وقبلها، والأخرى: لم يوجد لولدها كفيل أو لم يقبل، فوجب إمهالها حتى يستغنى عنها لئلا يهلك بهلاكها. (المرجع السابق) . قال الإمام النووي: قوله (قال إما فاذهبي حتى تلدي) هو بكسر الهمزة من إما وتشديد الميم وبالامالة ومعناه إذا أبيت أن تسترى على نفسك وتتوبي وترجعى عن قولك فاذهبي حتى تلدي فترجمين بعد ذلك وقد سبق شرح هذه اللفظ مبسوطا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 20 «مهلا يا خالد! فو الّذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، ثم أمر بها، فصلى عليها، ودفنت. وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] .... أن رجلا قال له: أنشدك باللَّه إلا قضيت بيننا بكتاب اللَّه، فقام خصمه، وكان أفقه منه فقال: صدق، اقض بيننا   [ () ] قوله (فتنضح الدم على وجه خالد) روى بالحاء المهملة وبالمعجمة والأكثرون على المهملة ومعناه ترشش وانصب. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم (لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده وتكرر ذلك منه انتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها وصرفها في غير وجهها وفيه أن توبة الزاني لا تسقط عنه حد الزنا وكذا حكم حد السرقة والشرب هذا أصح القولين في مذهبنا حد المحاربة بلا خلاف عندنا وعند ابن عباس وغيره لا تسقط. قوله (ثم أمر بها فصلى عليه ثم دفنت) وفي الرواية الثانية أمر بها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فرجمت، ثم صلى عليه فقال له عمر: تصلى عليها يا نبي اللَّه وقد زنت، أما الرواية الثانية فصريحة في أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم صلى عليها وأما الرواية الأولى فقال القاضي عياض رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: هي بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة صحيح مسلم قال: وعند الطبري بضم الصاد قال وكذا في رواية ابن أبى شيبة، وأبى داود قال: وفي رواية لأبى داود، ثم أمرهم أن يصلوا عليها قال القاضي: ولم يذكر مسلم صلاته صلى اللَّه عليه وسلّم على ماعز وقد ذكرها البخاري. وقد اختلف العلماء في الصلاة على المرجوم فكرهها مالك وأحمد للإمام ولأهل الفضل دون باقي الناس ويصلى عليه غير الامام وأهل الفضل وغيرهم والخلاف بين الشافعيّ ومالك إنما هو في الامام وأهل الفضل وأما غيرهم فاتفقا على أنه يصلى وبه قال جماهير العلماء قالوا فيصلي على الفساق والمقتولين في الحدود والمحاربة وغيرهم وقال الزهري: لا يصلى أحد على المرجوم وقاتل نفسه وقال قتادة: لا يصلى على ولد الزنا واحتج الجمهور بهذا الحديث وفيه دلالة للشافعي أن الامام وأهل الفضل يصلون على المرجوم كما يصلى عليه غيرهم وأجاب أصحاب مالك عنه بجوابين: أحدهما: أنهم ضعفوا رواية الصلاة لكون أكثر الرواة لم يذكروها. والثاني: تأولوها على أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أمر بالصلاة أو دعا فسمى صلاة على مقتضاها في اللغة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 21 بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال: «قل، قال: إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته. فافتديت منه بمائة شاة وخادم، وإني سألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال: والّذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: المائة والخادم ردّ عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأغد يا أنيس على امرأة هذا فاسألها، فإن اعترفت فارجمها» فاعترفت، فرجمها. [فصل في ذكر من رجمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من أهل الكتاب] فخرج البخاري ومسلم: أن اليهود جاءوا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم» ؟ قال نفضحهم ويجلدون، فقال عبد اللَّه بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة، فنشروها، فوضع أحدهم يده على آيه الرجم، فقرأ   [ () ] وهذان الجوابان فاسدان أما الأول فإن هذه الزيادة ثابتة في الصحيح وزيادة الثقة الشرعية إلى ارتكابه وليس هنا شيء من ذلك فوجب حمله على ظاهره واللَّه أعلم. [ () ] (1) أخرجه البخاري في المحاربين: باب الاعتراف بالزنا، وباب البكران يجلدان وينفيان، وباب من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائبا، وباب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنى عند الحاكم، وباب هل يأمر الإمام رجلا فيضرب الحد غائبا عنه، وفي الوكالة: باب الوكالة في الحدود، وفي الشهادات: باب شهادة القاذف، والسارق، والزاني، وفي الصلح: باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، وفي الشروط: باب الشروط التي لا تعمل في الحدود، وفي الأيمان والنذور: باب كيف كان يمين النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وفي الأحكام: باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده للنظر في الأمور، وفي خبر الواحد: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد، وفي الاعتصام: باب الاقتداء بسنن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] وأخرجه مسلم (1697) ، (1698) ، ومالك في (الموطأ) : 2/ 822. والترمذي (1433) ، وأبو داود (4445) ، والنسائي: 8/ 240- 241، وابن ماجة: (2549) ، والدارميّ: 2/ 177، كلهم من حديث أبى هريرة وزيد بن خالد الجهنيّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، والعسيف: الأجير. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 22 ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد اللَّه بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، إن فيها الرجم، فأمر بهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فرجما [ (1) ] .   [ (1) ] أخرجه البخاري في المحاربين: باب أحكام أهل الذمة، وباب الرجم في البلاط، وفي الجنائز. باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد، وفي الأنبياء: باب قول اللَّه تعالى: يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وفي تفسير سورة آل عمران: باب قول اللَّه تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وفي الاعتصام: باب ما ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وحض على اتفاق أهل العلم، وفي التوحيد: باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب اللَّه تعالى بالعربية وغيرها. قال الخطابي في (معالم السنن) : فيه من الفقه: ثبوت أنكحة أهل الكتاب، إذا ثبتت أنكحتهم ثبت طلاقهم وظهارهم وإيلاؤهم. وفيه دليل على أن نكاح أهل الكتاب يوجب التحصين، إذ لا رجم على المحصن. ولو أن مسلما تزوج يهودية أو نصرانية ودخل بها ثم زنا كان عليه الرجم وهو قول الزهري، وإليه ذهب الشافعيّ. وقال أبو حنيفة وأصحابه: الكتابية لا تحصن المسلم، وتأول بعضهم معنى الحديث على أنه إنما رجمهما بحكم التوراة، ولم يحملهما على أحكام الإسلام وشرائطه. قلت: وهذا تأويل غير صحيح لأن اللَّه سبحانه وتعالى يقول: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وإنما جاءه القوم مستفتين طمعا في أن يرخص لهم في ترك الرجم ليعطلوا به حكم التوراة، فأشار عليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بما كتموه من حكم التوراة، ثم حكم عليهم بحكم الإسلام على شرائطه الواجبة فيه، وليس يخلو الأمر فيما صنعه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من ذلك عن أن يكون موافقا لحكم الإسلام أو مخالفا، فإن كان مخالفا فلا يجوز أن يحكم بالمنسوج ويترك الناسخ. وإن كان موافقا له فهو شريعته، والحكم الموافق لشريعته لا يجوز أن يكون مضافا إلى غيره، ولا أن يكون فيه تابعا لمن سواه. وأخرجه مسلم في الحدود: باب (6) رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، حديث رقم (1699) ، ومالك في (الموطأ) : 2/ 819، والترمذي (1436) ، وأبو داود (4446) ، (4449) ، كلهم من حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال الإمام النووي: قوله «إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 23   [ () ] قوله (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أتى يهودي ويهودية قد زنيا إلى قوله فرجما) في هذا دليل لوجوب حد الزنا على الكافر وأنه يصح نكاحه لأنه لا يجب الرجم إلا على محصن فلو لم يصح نكاحه لم يثبت إحصانه ولم يرجم، وفيه أن الكافر مخاطبون بفروع الشرع وهو الصحيح وقيل لا يخاطبون بها وقيل أنهم مخاطبون بالنهى دون الأمر، وفيه أن الكفار إذا تحاكموا إلينا حكم القاضي بينهم بحكم شرعنا وإذا تحاكموا إلينا حكم القاضي بينهم بحكم شرعنا وقال مالك لا يصح إحصان الكافر قال وإنما رجمها لأنهما لم يكونا أهل ذمة وهذا تأويل باطل لأنهما كانا من أهل العهد ولأنه رجم المرأة والنساء لا يجوز قتلهن مطلقا. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: (فقال ما تجدون في التوراة) قال العلماء: هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا معرفة الحكم منهم فإنما هو لالزامهم بما يعتقدونه في كتابهم ولعله صلى اللَّه عليه وسلّم قد أوحى اليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا أشياء أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم ولهذا لم يخف ذلك عليه حين كتموه. قوله (نسود وجوههما ونحملهما) هكذا هو في أكثر النسخ نحملهما بالحاء واللام، وفي بعضها نجملها بالجيم وفي بعضها نحممهما بميمين وكله متقارب فمعنى الأول نحملهما على الحمل ومعنى الثاني نجملهما جميعا على الجمل ومعنى الثالث نسود وجوههما بالحمم بضم الحاء وفتح الميم وهو الفحم وهذا الثالث ضعيف لأنه قال قبله نسود وجوههما فان قيل كيف رجم اليهوديان بالبينة أم بالإقرار قلنا الظاهر أنه بالإقرار وقد جاء في سنن أبى داود وغيره أنه شهد عليهما أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها فان صح هذا فان كان الشهود مسلمين فظاهر وإن كانوا كفارا فلا اعتبار بشهادتهم ويتعين أنهما أقرا بالزنا. قال العلامة ابن القيم في (زاد المعاد) : فتضمنت هذه الحكومة أن الإسلام ليس بشرط في الإحصان، وأن الذمي يحصن بالذمية، وإلى هذا ذهب أحمد والشافعيّ، ومن لم يقل بذلك اختلفوا في وجه هذا الحديث، فقال مالك في غير (الموطأ) : لم يكن اليهود بأهل ذمة، والّذي في (صحيح البخاري) : أنهم أهل ذمة، ولا شك أن هذا كان بعد العهد الّذي وقع بين النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وبينهم ولم يكونوا إذا ذاك حربا، كيف وقد تحاكموا إليه، ورضوا بحكمه؟ وفي بعض طرق الحديث: أنهم قالوا: اذهبوا بنا إلى هذا النبي، فإنه بعث بالتخفيف وفي بعض طرقه: أنهم دعوه إلى بيت مدارسهم، فأتاهم وحكم بينهم، فهم كانوا أهل عهد وصلح بلا شك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 24 فصل في ذكر من قطع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] من حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: إن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ فقالوا: ومن   [ () ] قال الزهري في حديثه: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم منهم. [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 103- 104، كتاب الحدود، باب (12) كراهة الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان حديث رقم (6788) ، وفي هذا الحديث من الفوائد منع الشفاعة في الحدود. وفيه قبول توبة السارق. ومنقبة لأسامة. وفيه ما يدل على أن فاطمة عليها السلام عند أبيها في أعظم المنازل. وفيه ترك المحاباة في إقامة الحد على من وجب عليه ولو كان ولدا أو قريبا أو كبير القدر والتشديد في ذلك والإنكار على من رخص فيه أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه وفيه جواز ضرب المثل بالكبير القدر بالمبالغة في الزجر عن الفعل ومراتب ذلك مختلفة، ويؤخذ منه جواز الإخبار عن امر مقدر يفيد القطع بأمر محقق. وفيه أن من حلف على أمر لا يتحقق أنه يفعله أو لا يفعله لا يحنث كمن قال لمن خاصم أخاه: واللَّه لو كنت حاضرا لهشمت أنفك. وفيه جواز التوجع لمن أقيم عليه الحد بعد إقامته عليه وقد حكى ابن الكلبي في قصة أم عمرو بن سفيان أن امرأة أسيد بن حضير آوتها بعد أن قطعت وصنعت لها طعاما وأن أسيدا ذكر ذلك للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم كالمنكر على امرأته، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: رحمتها رحمها اللَّه. وفيه الاعتبار بأحوال ما مضى من الأمم، ولا سيما من خالف أمر الشرع، وتمسك به بعض من قال: أن شرع من قبلنا شرع لنا لأن فيه إشارة تحذير من فعل من الشيء الّذي جر الهلاك إلى الذين من قبلنا لئلا يهلك كما هلكوا، وفيه نظر، وإنما يتم إن لو لم يرد قطع السارق في شرعنا، وأما اللفظ العام فلا دلالة فيه على المدعى أصلا. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 198- 199، كتاب الحدود، باب (2) قطع السارق الشريف وغيره، والنهى عن الشفاعة في الحدود، حديث رقم (1688) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 537- 538، كتاب الحدود، باب (4) في الحد يشفع فيه، حديث رقم (4373) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 25 يجترئ عليه إلا أسامة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه؟ حب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فكلمه أسامة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى؟ ثم قام فاختطب فقال: أيها الناس: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم اللَّه لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. وفي رواية لمسلم إنما هلك الذين من قبلكم. ولم يقل البخاري وأبو داود والنسائي: أيها الناس. وخرجه البخاري في كتاب الحدود بهذا الإسناد ونحوه وقال فيه: ثم قام فخطب فقال: أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم. وقال في آخره: لقطع محمد يدها. وخرج مسلم [ (1) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرنى يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرنى عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عنها: أن قريشا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في غزوة الفتح، فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فأتى بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فكلمه فيها أسامة بن زيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فتلوّن وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى؟ فقال له أسامة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والّذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها. قال يونس: قال ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فحسنت توبتها بعد وتزوجت وكانت تأتى بعد ذلك فأرفع حاجتها   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 199- 200، كتاب الحدود باب (2) قطع السارق الشريف وغيره والنهى عن الشفاعة في الحدود، حديث رقم (9) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 26 إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. ذكره في غزوة الفتح من حديث يونس عن الزهري بنحو حديث مسلم أو قريبا منه. وخرج مسلم [ (1) ] من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كانت امرأة   [ (1) ] ن (مسلم بشرح النووي) : 11/ 200، كتاب الحدود، باب (2) قطع السارق الشريف وغيره والنهى عن الشفاعة في الحدود، حديث رقم (10) ، ذكر مسلم رضى اللَّه عنه في الباب أحاديث النهى عن الشفاعة في الحدود، وأن ذلك هو سبب هلاك بنى إسرائيل وقد أجمع العلماء على تحريم الشفاعة في الحد بعد بلوغه إلى الإمام لهذه الأحاديث، وعلى أنه يحرم التشفيع فيه، فأما قبل بلوغه إلى الإمام فقد أجاز الشفاعة فيه أكثر العلماء، إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس، فإن كان، لم يشفع فيه، وأما المعاصي التي لا حد فيها وواجبها التعزير فتجوز الشفاعة والتشفيع فيها، سواء بلغت الإمام أم لا، لأنها أهون، ثم الشفاعة فيها مستحبة إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب أذى ونحوه. قوله «ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم» هو بكسر الحاء أي محبوبه، ومعنى يجترئ: يتجاسر عليه بطريق الإدلال، وفي هذا منقبة ظاهرة لأسامة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وأيم اللَّه لو أن فاطمة» فيه دليل لجواز الحلف من غير استحلاف وهو مستحب إذا كان فيه تفخيم لأمر مطلوب كما في الحديث وقد كثرت نظائره. قوله: «كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة فكلموه» قال العلماء: المراد أنها قطعت بسرقة، وإنما ذكرت العارية تعريفا لها ووصفا لها، لا أنها سبب القطع. وقد ذكر مسلم هذا الحديث في سائر الطرق المصرحة بأنها سرقت وقطعت بسبب السرقة، فيتعين حمل هذه الرواية على ذلك جمعا بين الروايات، فإنّها قضية واحدة، مع أن جماعة من الأئمة قالوا: هذه الرواية شاذة، فإنّها مخالفة لجماهير الرواة والشاذة لا يعمل بها، قال العلماء: وإنما لم يذكر السرقة في هذه الرواية لأن المقصود منها عند الراويّ ذكر منع الشفاعة في الحدود، لا الإخبار عن السرقة. قال جماهير العلماء وفقهاء الأمصار: لا قطع على من جحد العارية، وتأولوا هذا الحديث بنحو ما ذكرته، وقال أحمد وإسحاق: يجب القطع في ذلك. (شرح النووي) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 27 مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، أن تقطع يدها، فأتى أهلها أسامة بن زيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فكلموه فكلم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فيها. ثم ذكر نحو حديث الليث ويونس. قال المؤلف، هذه المرأة التي سرقت وقطعت يدها التي كانت تستعير المتاع وتجحده، وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد اللَّه بن عمرو ابن مخزوم، وهي بنت أخى أبى سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل كان زوج أم سلمة قبل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قتل أبوها كافرا يوم بدر، قتله حمزة بن عبد المطلب، ووهم من زعم أن له صحبة. وقيل: هي أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد، وهي بنت عمر المذكورة، أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرنى بشر بن تيم أنها أم عمرو بن سفيان بن عبد الأسد. وخرج أبو داود [ (1) ] من حديث عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بها فقطعت يدها، [وقص نحو حديث الليث، قال: فقطع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يدها] . ومن حديث يونس عن ابن شهاب قال: كان عروة يحدث أن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: استعارت امرأة- تعنى حليا- على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي، حليا فباعته، فأخذت ثمنه، فأتي بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأمر بقطع يدها، وهي التي شفع فيها أسامة بن زيد، وقال فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ما قال [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 538- 539، كتاب الحدود باب (4) في الحد يشفع فيه حديث رقم (4374) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4396) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 28 وخرج النسائي [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن المبارك عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة عن أبى المنذر مولى أبى ذر، عن أبى أمية المخزوميّ قال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أتى بلص اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ما إخالك سرقت؟ قال: بلى، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: اذهبوا به فاقطعوه ثم جيئوا به، فقطعوه ثم جاءوا به فقال له: قل أستغفر اللَّه وأتوب إليه، فقال: استغفر اللَّه وأتوب إليه، قال: اللَّهمّ تب عليه. ترجم عليه باب تلقين السارق. وخرجه أبو داود [ (2) ] من حديث مصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: جيء بسارق إلى رسول   [ (1) ] (سنن النسائي) : 8/ 438، كتاب قطع السارق، باب (3) تلقين السارق، حديث رقم (4892) ، قال الحافظ السندي: قوله: «ما إخالك» بكسر الهمزة هو الشائع المشهور بين الجمهور، والفتح لغة بعض، وإن كان القياس لكونه صيغة المتكلم من خاله كخاف بمعنى ظن. قيل: أراد صلى اللَّه عليه وسلّم تلقين الرجوع من الاعتراف، وللإمام ذلك في السارق إذا اعترف، ومن لا يقول به لعله ظن بالمعترف غفلة عن معنى السرقة وأحكامها، أو لأنه استبعد اعترافه بذلك، لأنه ما وجد معه متاع. (حاشية السندي على سنن النسائي) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 565- 567، كتاب الحدود باب (20) في السارق يسرق مرارا حديث رقم (4410) ، قال الخطابي: هذا في بعض إسناده مقال: وقد عارض الحديث الصحيح الّذي بإسناده، وهو أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ولا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس، والسارق ليس بواحد من الثلاثة فالوقوف عن دمه واجب. ولا يعلم أحدا من الفقهاء يبيح دم السارق- وإن تكررت منه السرقة مرة بعد أخرى- إلا أنه قد يخرج على مذاهب بعض الفقهاء أن يباح دمه، وهو أن يكون هذا من المفسدين في الأرض، في أن للإمام أن يجتهد في تعزير المفسدين، ويبلغ به ما رأى من العقوبة، وإن زاد على مقدار الحد وجوازه وإن رأى القتل قتل ويعزى هذا الرأى إلى الإمام مالك بن أنس. وهذا الحديث- إن كان له أصل- فهو يؤيد هذا الرأى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 29 اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول اللَّه! إنما سرق، فقال: اقطعوه، قال: فقطع، ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول اللَّه! إنما سرق فقال: اقطعوه قال: فقطع، ثم جاء به الثالثة فقال: اقتلوه، فقالوا يا رسول اللَّه إنما سرق فقال: اقطعوه ثم أتى به الرابعة فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق، فقال: اقطعوه، فأتى به الخامسة فقال: اقتلوه، قال جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فانطلقنا به فقتلناه، ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة. وخرج أبو داود [ (1) ] من حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا ابن جريح قال: أخبرنى إسماعيل بن أمية أن نافعا مولى عبد اللَّه بن عمر حدثة أن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما حدثهم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قطع يد رجل سرق ترسا من صفّة النساء ثمنه ثلاثة دراهم. وخرج من حديث محمد بن إسحاق، عن أيوب بن موسى، عن عطاء، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: قطع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم [ (2) ] .   [ () ] وقد يدل على ذلك من نفس الحديث: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم قد أمر بقتله لما جيء به أول مرة، ثم كذا في الثانية والثالثة والرابعة، إلى أن قتل في الخامسة. فقد يحتمل أن يكون هذا رجل مشهورا بالفساد، ومخبورا بالشر، معلوما من أمره أنه سيعود إلى سوء فعله، ولا ينتهى عنه حتى ينتهى خبره. [ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 548، كتاب الحدود، باب (11) ما يقطع فيه السارق، حديث رقم (4368) . [ (2) ] (المرجع السابق) حديث رقم (4387) ، قال الخطابي: وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأصحابه وجعلوه حدا فيما يقطع فيه اليد، وهو قول سفيان الثوري، وقد روى ذلك عن ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال: وهكذا تنفيذ، وليس في موضع التحديد، لأنه إذا كان السارق مقطوعا في ربع دينار فلأن يكون مقطوعا في دينار أولى، وكذلك إذا قطع في ثلاثة دراهم يبلغ قيمتها ربع دينار، فهو بأن يقطع في عشرة دراهم أولى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 30 فصل في ذكره من جلده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري [ (1) ] من حديث يحى بن بكير قال: حدثني الليث قال حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبى هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رجلا على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان اسمه عبد اللَّه وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد جلده في الشراب فأتى به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم فقال اللَّهمّ العنة ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تلعنوه فو اللَّه ما علمت إنه يحب اللَّه ورسوله. وخرج من حديث بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بسكران فأمر يضربه، فمنا من ضربه بيده، ومنا من ضربه بنعله، ومنا من ضربه بثوبه، فلما انصرف قال رجل: ما له أخزاه اللَّه! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم. ترجم عليهما ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج عن الملة [ (2) ] .   [ () ] وقال ابن أبى ليلى وابن شبرمة: لا تقطع الخمس إلا في الخمسة دراهم، وقد روى ذلك عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه خلاف الرواية الأولى. [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 89، كتاب الحدود، باب (5) ما يكر من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج عن الملة، حديث رقم (6780) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6781) . قال الحافظ في (الفتح) : قوله: «باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج من الملة «يشير إلى طريق الجمع بين ما تضمنه حديث الباب من النهى عن لعنه وما تضمنه حديث الباب الأول «لا يشرب الخمر وهو مؤمن» وأن المراد به نفى كمال الإيمان لا أنه يخرج عن الإيمان جملة، وعبر بالكراهة هنا إشارة إلى أن النهى للتنزيه في حق من يستحق اللعن إذا قصد به اللاعن محض السب لا إذا قصد معناه الأصلي وهو الإبعاد عن رحمة اللَّه، فأما إذا قصده فيحرم ولا سيما في حق من لا يستحق اللعن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 31   [ () ] كهذا الّذي يحب اللَّه ورسوله ولا سيما مع إقامة الحد عليه، بل يندب الدعاء له بالتوبة والمغفرة، وسبب هذا التفصيل عدل عن قوله في الترجمة كراهية لعن شارب الخمر إلى قوله: «ما يكره من» فأشار بذلك إلى التفصيل، وعلى هذا التقرير فلا حجة فيه لمنع الفاسق المعين مطلقا، وقيل: إن المنع خاص بما يقع في حضرة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لئلا يتوهم الشارب عند عدم الإنكار أنه مستحق لذلك، فربما أوقع الشيطان في قلبه ما يتمكن به من فتنه، وإلى ذلك الإشارة بقوله في حديث أبى هريرة «لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم» وقيل المنع مطلقا في حق من أقيم عليه الحد، لأن الحد قد كفر عنه الذنب المذكور، وقيل المنع مطلقا في حق ذي الزلة والجواز مطلقا في حق المجاهرين. قال النووي في (الأذكار) : وأما الدعاء على إنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي فظاهر الحديث أنه لا يحرم وأشار الغزالي إلى تحريمه وقال في «باب الدعاء على الظلمة» بعد أن أورد أحاديث صحيحة في الجواز قال الغزالي: وهي معنى اللعن الدعاء على الإنسان بالسوء حتى على الظالم مثل «لا أصح اللَّه جسمه» وكل ذلك مذموم انتهى. والأولى حمل كلام الغزالي على الأول. أما الأحاديث فتدل على الجواز كما ذكره النووي في قوله صلى اللَّه عليه وسلّم للذي قال له كل: بيمينك فقال: لا أستطيع فقال «لا استطعت فيه دليل على جواز الدعاء من خالف الحكم الشرعي، ومال هنا إلى الجواز قبل إقامة الحد والمنع بعد إقامته. وصنيع البخاري يقتضي لعن المتصف بذلك من غير أن يعين باسمه فيجمع بين المصلحتين، لأن لعن المعين والدعاء عليه قد يحمله على التمادي أو يقنطه من قبول التوبة، بخلاف ما إذا صرف ذلك إلى المتصف فإن فيه زجرا وردعا عن ارتكاب ذلك وباعثا لفاعله على الإقلاع عنه، ويقويه النهى عن التثريب على الأمة إذا جلدت على الزنا كما سيأتي قريبا. واحتج شيخا الإمام البلقيني على جواز لعن المعين بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح وهو في الصحيح، وقد توقف فيه بعض من لقيناه بأن اللاعن لها الملائكة فيتوقف الاستدلال به على جواز التأسي بهم وعلى التسليم فليس في الخبر تسميتها، والّذي قاله شيخنا أقوى فإن الملك معصوم والتأسي بالمعصوم مشروع البحث في جواز لعن المعين وهو الموجود. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 32   [ () ] قوله: (إن رجلا كان على عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان اسمه عبد اللَّه وكان يلقب حمارا) ذكر الواقدي في غزوة خيبر من (مغازيه) عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال ووجد حصن الصعب ابن معاذ فذكر ما وجد من الثياب وغيرها إلى أن قال: (وزقاق خمر فأريقت، وشرب يومئذ من تلك الخمر رجل يقال له عبد اللَّه الحمار) وهو باسم الحيوان المشهور، وقد وقع في حديث الباب أن الأول اسمه والثاني لقبه وجوز ابن عبد البر أنه النعيمان المبهم في حديث عقبة بن الحارث فقال في ترجمة النعيمان «كان رجلا صالحا وكان له ابن انهمك في الشراب فجلده النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فعلى هذا يكون كل من النعيمان وولده عبد اللَّه جلد في الشرب. وقوى هذا عنده بما أخرجه الزبير بن بكار في (المفاكهة) من حديث محمد بن عمرو بن حزم قال: كان بالمدينة رجل يصيب الشراب فكان يؤتى به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فيضربه بنعله ويأمر أصحابه فيضربونه بنعالهم ويحثون عليه التراب، فلما كثر ذلك منه قال له رجل هل الشارب النعيمان أو ابن النعيمان والراجح النعيمان فهو غير المذكور هنا لأن قصة عبد اللَّه كانت في خيبر فهي سابقة على قصة النعيمان فإن عقبة بن الحارث من مسلمة الفتح والفتح كان بعد خيبر بنحو من عشرين شهرا. قوله (وكان يضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم) أي يقول بحضرته أو يفعل ما يضحك منه، وقد أخرج أبو يعلى من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم بسند الباب «ان رجلا كان حمارا وكان يهدى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم العكة من السمن والعسل فإذا جاء صاحبه يتقاضاه جاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أعط هذا متاعه، فما يزيد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن يتبسم ويأمر به فيعطى «ووقع في حديث محمد ابن عمرو بن حزم بعد قوله: «يحب اللَّه ورسوله» قال: «وكان لا يدخل إلى المدينة طرفة إلا اشترى منها ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه هذا أهديته لك، فإذا جاء صاحبه يطلب ثمنه جاء به فقال: أعط هذا الثمن، فيقول ألم تهده إلى؟ فيقول: ليس عندي، فيضحك ويأمر بثمنه» وهذا مما يقوى أن صاحب الترجمة والنعيمان واحد واللَّه أعلم. قوله: (قد جلده في الشراب) أي بسبب شربه الشراب المسكر وكان فيه مضمرة أي كان قد جلده، ووقع في رواية معمر عن زيد بن أسلم بسنده هذا عند عبد اللَّه الرزاق «أتى برجل قد شرب الخمر فحد، ثم أتى به فحد، ثم أتى به فحد، ثم أتى به فحد أربع مرات» . قوله: (ما أكثر ما يؤتى به) في رواية الواقدي «ما يضرب» وفي رواية معمر «ما أكثر ما يشرب وما أكثر ما يجلد» . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 33   [ () ] قوله: (لا تلعنوه) في رواية الواقدي «لا تفعل يا عمر» وهذا قد يتمسك به من يدعى اتحاد القصتين، وهو لما بينته من اختلاف الوقتين، ويمكن الجمع بأن ذلك وقع للنعيمان ولابن النعيمان وأن اسمه عبد اللَّه ولقبه حمار، واللَّه أعلم. قوله: (فو اللَّه ما علمت إنه يحب اللَّه ورسوله) كذا للأكثر بكسر الهمزة، ويجوز على رواية ابن السكن الفتح والكسر، وقال بعضهم الرواية بفتح الهمزة. وفي هذا الحديث من الفوائد جواز التلقيب وقد تقدم القول فيه في كتاب الأدب، وهو محمول هنا على أنه كان لا يكرهه، أو أنه ذكر به على سبيل التعريف لكثرة من كان يسمى بعبد اللَّه، أو أنه لما تكرر منه الإقدام على الفعل المذكور نسب إلى البلادة فأطلق عليه اسم من يتصف بها ليرتدع بذلك. وفيه الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر لثبوت النهى عن لعنه والأمر بالدعاء له. وفيه أن لا تنافى بين ارتكاب النهى وثبوت محبة اللَّه ورسوله في قلب المرتكب لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم أخبر بأن المذكور يحب اللَّه ورسوله مع وجوب ما صدر منه، وأن من تكررت منه المعصية لا تنزع منه محبة اللَّه ورسوله، ويؤخذ منه تأكيد ما تقدم أن نفى الايمان عن شارب الخمر لا يراد به زواله بالكلية بل نفى كماله كما تقدم، ويحتمل أن يكون استمرار ثبوت محبة اللَّه ورسوله في قلب العاصي مقيدا بما إذا ندم على وقوع المعصية وأقيم عليه الحد فكفر عنه الذنب المذكور، بخلاف من لم يقع منه ذلك فإنه يخشى عليه بتكرار الذنب أن يطبع على قلبه شيء حتى يسلب منه، نسأل اللَّه العفو والعافية. وفيه ما يدل على نسخ الأمر الوارد بقتل شارب الخمر إذا تكرر منه إلى الرابعة أو الخامسة، فقد ذكر ابن عبد البر أنه أتى به أكثر من خمسين مرة. وله من طريق أخرى عن أبى هريرة، أخرجها عبد الرزاق، وأحمد، والترمذي تعليقا، والنسائي، كلهم من رواية سهيل بن أبى صالح، عن أبيه عنه بلفظ «إذا شربوا فاجلدوهم ثلاثا، فإذا شربوا الرابعة فاقتلوهم «وروى عن عاصم بن بهدلة عن أبى صالح فقال أبو بكر بن عياش عن أبى صالح عن أبى سعيد كذا أخرجه حبان من رواية عثمان بن أبى شيبة عن أبى بكر. أخرجه الترمذي عن أبى كريب عنه فقال: «عن معاوية» بدل «أبى سعيد» وهو المحفوظ. وكذا أخرجه أبو داود من رواية أبان العطار عنه، وتابعه الثوري وشيبان بن عبد الرحمن وغيرهما عن عاصم، ولفظ الثوري عن عاصم «ثم إن شرب الرابعة فاضربوا عنقه» الجزء: 10 ¦ الصفحة: 34 وخرج البخاري [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] من حديث يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أتى برجل قد شرب الخمر فقال: اضربوه قال أبو هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك اللَّه فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تقولوا هكذا لا تعينوا الشيطان عليه. ***   [ () ] ووقع في رواية أبان عند أبى داود «ثم إن شربوا فاجلدوهم» ثلاث مرات بعد الأولى ثم قال:» إن شربوا فاقتلوهم» . ثم ساقه أبو داود من طريق حميد بن يزيد عن نافع عن ابن عمر قال: «وأحسبه قال في الخامسة ثم إن شربها فاقتلوه «قال وكذا في حديث عطيف في الخامسة، قال: أبو داود «وفي رواية عمر بن أبى سلمة عن أبيه وسهيل بن أبى صالح عن أبيه كلاهما عن أبى هريرة في الرابعة «وكذا في رواية عبد اللَّه بن عمرو بن العاص والشريد. وفي رواية معاوية: «فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه «وقال الترمذي بعد تخريجه: وفي الباب عن أبى هريرة والشريد وشرحبيل بن أوس وأبى الرمداء وجرير وعبد اللَّه بن عمرو وقلت: وقد ذكرت حديث أبى هريرة، وأما حديث الشريد وهو ابن أوس الثقفي فأخرجه أحمد والدارميّ والطبراني وصححه الحاكم بلفظ «إذا شرب فاضربوه» وقال في آخره «ثم إن عاد الرابعة فاقتلوه. [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 77، كتاب الحدود، باب (4) الضرب بالجريد والنعال، حديث رقم (6777) ، وأخرجه أيضا في باب (5) ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج عن الملة، حديث رقم (6780) ، وقد سبق تخريجه وشرحه. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 620، كتاب الحدود، باب (36) الحد في الخمر، حديث رقم (4477) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 35 فصل في ذكر فارس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أبو قتادة الأنصاري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فارس رسول اللَّه وكان يعرف بذلك. اختلف في اسمه، فقيل: الحارث بن ربعي بن بلدمة، وقيل: النعمان بن عمر بن بلدمة، وقيل: عمر بن ربعي بن بلدمة، وقيل بلدمة بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة. اختلف في شهوده بدرا. فقال بعضهم: كان بدريا. ولم يذكره ابن عقبه، ولا ابن إسحاق في البدريين، وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد كلها. [ (1) ]   [ (1) ] قال الحافظ في (الاستيعاب) : 4/ 1731) ، ترجمة رقم (3130) ، (الإصابة) : المشهور أن اسمه الحارث. وجزم الواقدي، وابن القداح، وابن الكلبي، بأن اسمه النعمان. وقيل اسمه عمرو. وأبوه ربعي هو ابن بلدمة بن خناس، بضم المعجمة وتخفيف النون، وآخره مهملة، ابن غنم بن سلمة بن الأنصاري الخزرجي السلمي. وأمه كبشة بنت مطهر بن حرام بن سواد ابن غنم. اختلف في شهوده بدرا، فلم يذكره موسى بن عقبة ولا ابن إسحاق، واتفقوا على أنه شهد أحدا وما بعدها، وكان يقال له فارس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. ثبت ذلك في صحيح مسلم، في حديث ابن الأكوع الطويل الّذي فيه قصة ذي قرد وغيرها. وأخرج الواقدي من طريق يحيى بن عبد اللَّه بن أبى قتادة، عن أبيه، قال: أدركنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوم ذي قرد، فنظر إلى فقال: اللَّهمّ بارك في شعره وبشره، وقال- أفلح وجهه فقلت: ووجهك يا رسول اللَّه. قال: ما هذا الّذي بوجهك؟ قلت: سهم رميت به. قال ادن. فدنوت، فبصق عليه، فما ضرب على قط ولا فاح - ذكره في حديث طويل. وقال سلمة بن الأكوع في حديثه الطويل الّذي أخرجه مسلم: خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالنا سلمة بن الأكوع. ووقعت في هذه القصة بعلو في (المعرفة) لابن مندة، ووقعت لنا من حديث أبى قتادة نفسه في آخر (المعجم الصغير) للطبراني، وكان يقال له فارس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 36   [ () ] وروى أيضا عن معاذ وعمر. روى عنه ابناه: ثابت، وعبد اللَّه، ومولاه أبو محمد نافع الأفرغ، وأنس، وجار، وعبد اللَّه بن رباح، وسعيد بن كعب بن مالك، وعطاء ابن يسار، وآخرون. قال ابن سعد: شهدا أحدا وما بعدها. وقال أبو أحمد الحاكم: يقال كان بدريا. وقال إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: خير فرساننا أبو قتادة. وقال أبو نضرة، عن أبى سعيد: أخبرنى من هو خير منى أبو قتادة. ومن لطيف الرواية عن أبى قتادة ما فرى على فاطمة بنت محمد الصالحية ونحن نسمع، عن أبى نصير بن الشيرازي أخبرنا عبد الحميد بن عبد الرشيد في كتابه، أخبرنا الحافظ أبو العلاء العطار، أخبرنا أبو على الحداد، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا الطبراني، حدثتنا عبدة بنت عبد الرحمن مصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن أبى قتادة، حدثني أبى عبد الرحمن، عن أبيه مصعب، عن أبيه ثابت، عن أبيه عبد اللَّه، عن أبيه أبى قتادة- أنه حرس النّبي صلى اللَّه عليه وسلّم ليلة بدر، فقال: اللَّهمّ احفظ أبا قتادة كما حفظ نبيك هذه الليلة. وبه عن أبى قتادة، قال: انحاز المشركون على لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأدركتهم فقتلت مسعدة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين رآني: أفلح الوجه قال الطبراني: لم يروه عن أبى قتادة إلا ولده، ولا سمعناها إلا منه عنده، وكانت امرأة فصيحة عاقلة متدينة. قلت: الحديث الأول جاء عن أبى قتادة في قصة طويلة من رواية عبد اللَّه بن رباح، عن أبى قتادة، قال: كنت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في بعض أسفاره إذ مال عن راحلته، قال: فدعمته فاستيقظ- فذكر الحديث، وفيه: حفظك اللَّه كما حفظت نبيه. أخرجه مسلم مطولا، وفيه: ليس التفريط في النوم. وفي آخره: إن ساقى القوم آخر القوم آخرهم شربا. وقوله في رواية عبدة ليلة بدر غلط، فإنه لم يشهد بدرا، والحديث الثاني قد تقدمت الإشارة إليه. وكانت وفاة أبى قتادة بالكوفة في خلافة على. ويقال إنه كبر عليه ستا. وقال: إنه بدري. وقال الحسن بن عثمان: مات سنة أربعين، وكان شهد مع مشاهده. وقال خليفة: ولاه على مكة ثم ولاها قثم بن العباس. وقال الواقدي: مات بالمدينة سنة أربع وخمسين، وله اثنتان وسبعون سنة. ويقال ابن سبعين. قال: ولا أعلم بين علمائنا اختلافا في ذلك. وروى أهل الكوفة أنه مات بالكوفة وعلى بها سنة ثمان وثلاثين، وذكره البخاري في (الأوسط) فيمن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 37 فصل ذكر أمناء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عدة أمناء، فخرج البخاري ومسلم من حديث أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة: أنشدك اللَّه هل سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: يا حسان أجب عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، اللَّهمّ أيده بروح القدس؟ قال أبو هريرة: نعم. ذكره البخاري في كتاب الصلاة، في باب الشعر في المسجد. وذكره في كتاب الأدب في باب هجاء المشركين [ (1) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة عن عدي بن ثابت قال سمعت: البراء بن عازب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول لحسان بن ثابت اهجهم أو هاجهم وجبريل معك. ذكره البخاري في كتاب الأدب، باب هجاء المشركين، وفي كتاب المغازي، في آخر باب مرجع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الأحزاب ومخرجه إلى بنى قريظة ومحاصرته إياهم، من حديث عدي بن ثابت عن البراء بن عازب رضى اللَّه   [ () ] مات بين الخمسين والستين، وساق بإسناد له أن مروان لما كان واليا على المدينة من قبل معاوية أرسل إلى أبى قتادة ليريه مواقف النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، فانطلق معه فأراه. ويدل على تأخره أيضا ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر، عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل- أن معاوية لما قدم المدينة تلقاه الناس، فقال لأبى قتادة: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار، (الإصابة) : 7/ 327- 329، ترجمة رقم (10405) . [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 720، كتاب الصلاة باب (68) الشعر في المسجد، حديث رقم (453) ، (فتح الباري) : 6/ 374، كتاب بدء الخلق باب (6) ذكر الملائكة، حديث رقم (3212) (فتح الباري) : 10/ 669، كتاب الأدب باب (91) هجاء المشركين حديث رقم (6152) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 38 تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوم قريظة لحسان من ثابت: اهج المشركين، فإن جبريل معك [ (1) ] . وخرج مسلم [ (2) ] من حديث عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم عن سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أن رسول   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 529، كتاب المغازي، باب (31) مرجع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الأحزاب ومخرجه إلى بنى قريظة، ومحاصرته إياهم، حديث رقم (4142) ، (فتح الباري) : 10/ 669، كتاب الأدب باب (91) هجاء المشركين، حديث رقم (6153) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 282- 284، كتاب فضائل الصحابة باب (34) فضائل حسان ابن ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (157) ، وتمامه: قال حسان: هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند اللَّه في ذاك الجزاء هجوت محمدا برا حنيفا ... رسول اللَّه شيمته الوفاء فإن أبى ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وفاء ثكلت بنيتي إن لم تروها ... تثير النقع من كنفى كداء يبارين الأعنة مصعدات ... على أكتافها الأسل الظماء تظل جيادنا متمطرات ... تلطمهن بالخمر النساء فإن أعرضتموا عنا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لضراب يوم ... يعز اللَّه فيه من يشاء وقال اللَّه قد أرسلت عبدا ... يقول الحق ليس به خفاء وقال اللَّه قد يسرت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللقاء يلاقى كل يوم من معدّ ... سباب أو قتال أو هجاء فمن يهجو رسول اللَّه منكم ... ويمدحه وينصره سواء وجبريل رسول اللَّه فينا ... وروح القدس ليس له كفاء قوله «لأفرينهم بلساني فرى الأديم» أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم «هجاهم حسان فشفى واشتفى» أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافخ عن الإسلام والمسلمين قوله «هجوت محمدا برا تقيا» وفي كثير من النسخ حنيفا بدل تقيا فالبر بفتح الباء الواسع الخير وهو مأخوذ من البر بكسر الباء وهو الاتساع في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 39   [ () ] الإحسان وهو اسم جامع للخير وقيل البر هنا بمعنى المتنزه عن المآثم وأما الحنيف فقيل هو المستقيم والأصح أنه المائل إلى الخير وقيل الحنيف التابع إبراهيم صلى اللَّه عليه وسلّم. قوله: «شيمته الوفاء» أي خلقه. قوله: «فان أبى ووالدتي وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء» هذا مما احتج به ابن قتيبة لمذهبه أن عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف وقال غيره: عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم من نفسه وأسلافه وكان ما لحقه نقص يعيبه وأما قوله وقاء فبكسر الواو وبالمد وهو ما وقيت به الشيء. قوله «تثير النقع» أي ترفع الغبار وتهيجه. قوله: «من كنفى كداء» هو بفتح النون أي جانبي كداء بفتح الكاف وبالمد هي ثنية على باب مكة سبق بيانها في كتاب الحج وعلى هذه الرواية في هذا البيت أقواء مخالف لباقيها وفي بعض النسخ: غايتها كداء وفي بعضها: موعدها كداء. قوله «يبارين الأعنة» ويروى يسار عن الأعنة، قال القاضي: الأول هو رواية الأكثرين ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفوسها تضاهي أعنتها بقوة جبذها لها وهي منازعتها لها أيضا قال القاضي وفي رواية ابن الحذاء يبارين الأسنة وهي الرماح قال فان صحت هذه الرواية فمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها. قوله «مصعدات» أي مقبلات إليكم ومتوجهات يقال: أصعد في الأرض إذا ذهب فيها مبتدئا ولا يقال للراجع. قوله: «على أكتافها الأسل الظماء» أما أكتافها فبالتاء المثناة فوق والأسل بفتح الهمزة والسين المهملة وبعدها لام هذه رواية الجمهور، والأسل الرماح والظماء الرقاق فكأنها لقلة مائها عطاش وقيل المراد بالظماء العطاش لدماء الأعداء وفي بعض الروايات الأسد الظماء بالدال أي الرجال المشبهون للأسد العطاش الى دمائكم. قوله: «تظل جيادنا متمطرات» أي تظل خيولنا مسرعات يسبق بعضها بعضا. قوله «تلطمهن بالخمر النساء» أي تمسحهن النساء بخمرهن بضم الخاء والميم جمع خمار أي يزلن عندهم الغبار وهذا لعزتها وكرامتها عندهم وحكى القاضي أنه روى بالخمر بفتح الميم جمع خمرة وهو صحيح المعنى لكن الأول هو المعروف وهو الأبلغ في إكرامها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 40 اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: اهجوا قريشا فإنه أشدّ عليها من رشق النبل، فأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم فهجاهم، فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه فجعل يحركه فقال: والّذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فرى الأديم، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبا حتى يلخص لك نسبي، فأتاه حسان ثم رجع فقال: يا رسول اللَّه قد لخص لي نسبك، والّذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، قالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فسمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن اللَّه ورسوله، وقالت: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: هجاهم حسان فشفى واشتفى. وقد تقدم التعريف بحسان بن ثابت الأنصاري، وكعب بن مالك، وأبى ابن كعب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وعبد اللَّه بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك بن كعب بن الخزرج الأنصاريّ أبو محمد، أحد النقباء، شهد العقبة وبدرا وما بعدها، واستشهد بمؤتة في جمادى سنة ثمان، وهو أحد الأمينين، وأحد الشعراء، وفي حسان وكعب بن مالك نزل قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [ (1) ] . ***   [ () ] قوله: «وقال اللَّه قد يسرت جندا» أي هيأتهم وأرصدتهم. قوله: «عرضتها اللقاء» هو بضم العين أي مقصودها ومطلوبها. قوله: «ليس له كفاء» أي مماثل ولا مقاوم. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. [ (1) ] الشعراء: 227، وفي (الأصل) : حتى وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 41 فصل في ذكر شعراء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مدحه بالشعر جماعة من الرجال والنساء، ذكر من ذكره منهم الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد عبد البر نحو مائة وعشرين [ (1) ] ، وجمعهم الحافظ فتح الدين محمد بن محمد الأندلسى المعروف بابن سيد الناس في قصيدة ميمية ثم شرحها في مجلد سماه (منح المدح) ، أو (فتح المدح) ، ورتبهم على حروف المعجم، قارب بهم المائتين وكان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة شعراء يناضلون عنه بشعرهم ويهجون كفار قريش وهم حسان بن ثابت، وعبد اللَّه بن رواحة، وكعب بن مالك، وهم من الأنصار، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. ***   [ (1) ] كان شعراء المسلمين: حسان بن ثابت، وعبد اللَّه بن رواحة، وكعب بن مالك، وأما شعراء المشركين: فعمرو بن العاص، وعبد اللَّه بن الزبعري، وأبو سفيان بن الحارث. قال أبو عمر بن عبد البر: قيل لعلى بن أبى طالب: اهج عنا القوم الذين يهجوننا فقال: إن أذن لي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فعلت، فقالوا: يا رسول اللَّه ائذن له، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن عليا ليس عنده ما يراد في ذلك منه، أو ليس في ذلك هنالك، ثم قال ما يمنع القوم الذين نصروا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟ قال ابن سيرين: وانتدب لهجو المشركين ثلاثة من الأنصار: حسان، وكعب، وعبد اللَّه بن رواحة، فكان حسان وكعب يعرضان بهم في الوقائع والأيام والمآثم ويذكران مثالبهم، وكان عبد اللَّه بن رواحة يعيرهم بعبادة ما لا ينفع. فكان قوله أهون عليهم يومئذ، وكان قول حسان وكعب أشد القول عليهم، فلما أسلموا وفقهوا كان أشد القول عليهم قول عبد اللَّه بن رواحة، وفي ترجمة حسان بن ثابت من (الإصابة) : قال أبو عبيدة: فضل حسان بن ثابت على الشعراء بثلاثة: وكان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في أيام النبوة، وشاعر اليمن كلها في الإسلام. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 42 فصل في ذكر من حجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: الحجم: المصّ. يقال: حجم الصبى ثدي أمه إذا مصه. والحجام: المصاص. قال الأزهري: يقال للحاجم حجّام لامتصاصه فم المحجمة. وقد حجم يحجم حجما، وحاجم حجوم وفتق أحجم [ (1) ] . وقد ورد [أنه كان ل] [ (2) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اثنان، هما: أبو طيبة مولى بنى حارثة، واسمه نافع، وقيل: ميسرة، لم يشهد بدرا [ (3) ] .   [ (1) ] قال ابن الأثير: المحجم بالكسر، الآلة التي يجمع فيها دم الحجامة عند المصّ، قال: والمحجم أيضا مشرط الحجام، ومنه الحديث: لعقة عسل أو شرطة محجم. وحرفته وفعله الحجامة، والحجم: فعل، وهو الحجام. واحتجم: طلب الحجامة، هو محجوم. وفي حديث الصوم: أفطر الحاجم والمحجوم. قال ابن الأثير: معناه: أنها تعرضا للإفطار، أما المحجوم فللضعف الّذي يلحقه، وأما الحاجم فلم يأمن أن يصل إلى حلقه شيء من الدم فيبلعه أو من طعمه. قال: وقيل: هذا على سبيل الدعاء عليهما، أي بطل أجرهما صارا مفطرين، كقوله: من صام الدهر فلا صام ولا أفطر. وقولهم: أفرغ من حجّام ساباط، لأنه كانت تمر به الجيوش فيحجمهم نسيئة من الكساد، حتى يرجعوا. فضرب به المثل. (لسان العرب) : 12/ 166- 117. [ (2) ] زيادة يقتضيها السياق. [ (3) ] هو أبو طيبة الحجام، مولى الأنصار، من بنى حارثة، وقيل: من بنى بياضة، يقال: اسمه دينار. حكاه ابن عبد البر، ولا يصح، فقد ذكر الحاكم أبو أحمد أن دينار الحجام آخر. تابعي، وأخرج ابن مندة حديثا لدينار الحجام عن أبى طيبة، ويقال: اسمه ميسرة. ذكر البغوي في (معجم الصحابة) عن أحمد بن عبيد أبى طيبة- أنه سأله عن اسم جده أبى طيبة؟ فقال: ميسرة، ويقال اسمه نافع. قال العسكري: قيل اسمه نافع، ولا يصح، ولا يعرف اسمه. قال الحافظ: كذا قال، ووقع مسمى كذلك في مسند محيصة بن مسعود من (مسند أحمد) ، ثم من طريق أبى حبيب، عن أبى عقير الأنصاري، عن محمد بن سهل بن أبى خيثمة، عن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 43 وأبو هند عبد اللَّه، مولى فروة بن عمرو البياضي، تخلف عن بدر، وشهد ما بعدها [ (1) ] .   [ () ] محيصة- أنه له غلام حجام يقال له نافع أبو طيبة، فسأل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عن خراجه، فقال: أعلفه الناضح ... الحديث. وقد أخرجه أحمد وغيره من حديث الليث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن أبى عقير الأنصاري، عن محمد بن سهل بن أبى خيثمة، عن محيّصة بن مسعود- أنه كان له غلام حجام يقال له نافع أبو طيبة. وقد ثبت ذكره في الصحيحين أنه حجم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من حديث أنس وجابر وغيرهما. وأخرج ابن أبى خيثمة بسند ضعيف عن جابر، قال: خرج علينا أبو طيبة لثمان عشرة خلون من رمضان، فقال له: أين كنت؟ قال: حجمت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. وأخرج ابن السكن بسند آخر ضعيف من حديث ابن عباس: كذا جلوسا بباب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فخرج علينا أبو طيبة بشيء في ثوبه، فقلنا: ما هذا معك يا أبا طيبة؟ قال: حجمت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأعطانى أجرى. [ (1) ] هو أبو هند الحجام، مولى بنى بياضة. قال ابن السكن: يقال اسمه عبد اللَّه. وقال ابن مندة: يقال اسمه يسار، ويقال سالم، قال: وقال ابن إسحاق: هو مولى فروة بن عمرو البياضي من الأنصار. وروى عنه ابن عباس، وجابر، وأبو عميرة، ووقع في موطأ ابن وهب: حجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أبو هند يسار. وقال ابن إسحاق في (المغازي) أيضا: لما انتهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم رجوعه من بدر إلى عرق الظبية استقبله أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي بحيس أي بزق مملوء حيسا، كان قد تخلف عن بدر، وشهد المشاهد بعدها. وأخرج ابن مندة، من طريق شعيب بن أبى حمزة، عن الزهري، يقال: كان جابر يحدث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم احتجم على كاهله من أجل الشاة التي أكلها، حجمه أبو هند مولى بنى بياضة بالقرن. وأخرج أبو نعيم، من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة: أن أبا هند حجم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في اليافوخ من وجع كان به، وقل: إن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة، كذا قال حماد بن سلمة، وخالفه الدراوَرْديّ، فرواه عن محمد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 44 خرج البخاري من حديث محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد اللَّه، أخبرنا حميد الطويل، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه سئل عن أجر الحجام، فقال: احتجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، حجمه أبو طيبة، وأعطاه صاعين من طعام، وكلهم مواليه فخففوا عنه، وقال: إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري، وقال: لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة، وعليكم بالقسط. ذكره في كتاب الطب، وترجم عليه باب الحجامة من الداء [ (1) ] . وأخرجه أيضا من حديث مالك، عن حميد عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: حجم أبو طيبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأمر له بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا من خراجه. ذكره في كتاب البيوع، باب ذكر الحجام [ (2) ] .   [ () ] ابن عمرو، عن أبى سلمة، عن هند، قال: حجمت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في اليافوخ، فقال: إن كان في شيء من الدواء خير فهو في هذه الحجامة، يا بنى بياضة، أنكحوا أبا هند، وأنكحوا إليه. أخرجه ابن جريح، والحاكم أبو أحمد عنه، وذكر الحاكم في الإكليل أنه حلق رأس رسول اللَّه في عمرة الجعرانة. وأخرج ابن السكن، والطبراني، من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة- أن أبا هند مولى بنى بياضة كان حجاما يحجم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال: من سره أن ينظر إلى من صور اللَّه الإيمان في قلبه فلينظر إلى أبى هند. وقال: أنكحوه وأنكحوا إليه، وسنده إلى الزهري ضعيف. وأخرجه الحاكم أبو أحمد مختصرا، وزاد: ونزلت: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى. [الحجرات: 13] . وذكر الواقدي في كتاب الردة عن زرعة بن عبد اللَّه بن زياد بن لبيد- أن أبا بكر الصديق أرسل أبا هند مولى بنى بياضة إلى زياد بن لبيد عامل كندة وحضرموت يخبره باستخلافه بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 185، كتاب الطب، باب (13) الحجامة من الداء، حديث رقم (5696) . [ (2) ] (فتح الباري) : 4/ 407، كتاب البيوع، باب (39) ذكر الحجام، حديث رقم (2102) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 45 وله من حديث سفيان، عن حميد الطويل، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: حجم أبو طيبة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأمر له بصاع أو صاعين من طعام، وكلم مواليه فخفف من غلته وضريبته. ذكر في كتاب الإجارة، ترجم عليه باب ضريبة العبد [ (1) ] . وخرجه مسلم [ (2) ] من حديث إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس، وخرج البخاري من حديث شعبة، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: دعا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم غلاما حجاما فحجمه، وأمر له بصاع أو صاعين أو مد أو مدّين، وكلم فيه، فخفف من ضريبته، وقال مسلم: بصاع أو مدّ، أو مدّين. ترجم عليه البخاري في باب من كلم موالي العبد أن يخففوا عنه من خراجه [ (3) ] . وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث وهيب، قال: حدثنا طاووس، عن أبيه عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم احتجم وأعطى الحجام أجره واستعط. ذكره البخاري في الإجارة، ومسلم في البيوع. ولمسلم [ (6) ] من حديث عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن عاصم، عن الشعبي، عن ابن عباس قال: حجم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عبد لبني بياضة، فأعطاه النبي   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 577، كتاب الإجارة، باب (17) ضريبة العبد وتعاهد ضرائب الإماء حديث رقم (2277) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 502، كتاب المساقاة، باب (11) حل أجرة الحجامة، حديث رقم (64) . [ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 579، كتاب الإجارة، باب (19) من كلم موالي العبد أن يخففوا عنه من خراجه، حديث رقم (2278) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2278) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 502، كتاب المساقاة، باب (11) حل أجرة الحجامة، حديث رقم (65) . [ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (66) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 46 صلى اللَّه عليه وسلّم أجره، وكلم سيده فخفف عنه من ضريبته، ولو كان سحتا لم يعطه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وخرجه البخاري [ (1) ] من حديث يزيد بن زريع، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: احتجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأعطى الحجام أجره، ولو علم كراهية لم يعطه. وخرجه الخطيب [ (2) ] من حديث محمد بن فضل عن الأعمش، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دعا أبا طيبة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فحجمه، وسأله عن خراجه فقال: ثلاثة آصع، فوضع عنه صاعين وأعطاه أجره صاعا. وذكر ابن أيمن من حديث ابن جريح، عن أبى الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: احتجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأعطاه أجره، وكان خراجه صاعين كل يوم، فأوصى سيده فوضع عنه صاعا [ (3) ] . وخرج الحاكم [ (4) ] من حديث أسيد بن موسى قال: أنبانا جماد بن سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يا   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 578، كتاب الإجارة، باب (18) خراج الحجام، حديث رقم (2279) . [ (2) ] (تاريخ بغداد) : 13/ 95، في ترجمة محمود بن محمد الواسطي رقم (7079) بسياقة أخرى. [ (3) ] راجع التعليقات السابقة ففيها كفاية. [ (4) ] (المستدرك) : 2/ 178، كتاب النكاح، حديث رقم (2693) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. وأبو هند الحجام قيل: اسمه عبد اللَّه، ويقال: اسمه يسار، ذكره ابن وهب في (موطإه) في حجامة المحرم، وقال ابن مندة: سالم بن أبى سالم الحجام يقال له: أبو هند. وقيل: اسم أبى هند سنان. روى عنه أبو الجحاف. قال ابن إسحاق: هو مولى فروة بن عمرو البياضي، تخلف أبو هند عن بدر، ثم شهد المشاهد كلها. وكان يحجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقال فيه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: إنما أبو هند امرؤ من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 47 بنى بياضة أنكحوا أبا هند، وأنكحوا إليه، قال: وكان حجاما. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. فصل في ذكر حلق شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن المحفوظ من هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه لم يحلق رأسه المقدم إلا في عمرة أو حجة. وأول عمرة اعتمرها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعد الهجرة عمرة الحديبيّة وهي التي صده المشركون فيها عن البيت، فقاضاهم، ثم نحر هديه وحلق. قال الواقدي: وحدثني يعقوب بن محمد، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن أبى صعصعة، عن الحارث بن عبد اللَّه، عن أم عمارة، قالت: فأنا انظر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين فرغ عن نحر البدن، فدخل قبة له من أدم حمراء، فيها الحلاق فحلق رأسه، فأنظر إليه قد أخرجه رأسه من قبته وهو يقول: رحم اللَّه المحلقين. قيل: يا رسول اللَّه، والمقصرين! قال: رحم اللَّه المحلقين- ثلاثا- ثم قال والمقصرين [ (1) ] . وحدثني إبراهيم بن يزيد، عن أبى الزبير، عن جابر، قال وأنا انظر إليه حين حلق رأسه، ورمى بشعره على شجره كانت إلى جنبه من سمره خضراء [ (1) ] .   [ () ] الأنصار، فأنكحوه وأنكحوا إليه يا بنى بياضة. (الاستيعاب) : 4/ 1772، ترجمة رقم (2309) . قال الإمام النووي في (شرح مسلم) : وفي هذه الأحاديث إباحة التداوي، وإباحة الأجرة على المعالجة بالتطبب، وفيها الشفاعة إلى أصحاب الحقوق، والديون، في أن يخففوا منها. وفيها جواز مخارجة العبد برضاه ورضا سيده. (مسلم بشرح النووي) : 10/ 502. [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 615- 616. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 48 قالت أم عمارة: فجعل الناس يأخذون الشعر من فوق الشجرة، فيتحاصّون فيه، وجعلت أزاحم حتى أخذت طاقات من شعر، فكانت عندها حتى ماتت تغسل للمريض. قال: وحلق يومئذ ناس، وقصّر آخرون. قالت أم سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: وقصّرت يومئذ أطراف شعرى. وكانت أم عمارة تقول: قصرت يومئذ- بمقص معى- الشعر وما شدّ. [قال الواقدي] ، حدثني خراش بن هنيد، عن أبيه، قال: كان الّذي حلق خراش بن أمية [ (1) ] ، يعنى ابن الفضل الكعبي الخزاعي، وهو الّذي بعث به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة، وعقروا جمله، وشهد الحديبة وما بعدها، ومات آخر خلافة معاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. ثم اعتمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عمرة القضية، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة. وقال الواقدي: حدثني حزام بن هشام- عن أبيه، أن خراش بن أمية حلق رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عند المروة [ (1) ] . وقال الواقدي: حدثني حزام بن هشام، عن أبيه، أن خراش بن أمية حلق رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عند المروة [ (1) ] . وحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن يحى بن حبان، أن الّذي حلقه معمر بن عبد اللَّه العدوي. ويقال فيه: معتمر بن أبى معتمر بن أبى معمر أحد شيوخ بنى عدي، أسلم قديما، وهاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة، وتأخرت هجرته إلى المدينة، وعاش عمرا طويلا، وله أحاديث منها: لا يحتكر إلا خاطئ. ولما اعتمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الجعرانة، وأحرم، ودخل مكة، وطاف بالبيت ماشيا، ثم سعى بين الصفا والمروة على راحلته، حتى انتهى إلى المروة من الطواف السابع، وحلق رأسه عند المروة.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 2/ 737. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 49 قال والواقدي: حلقه أبو هند، عبد بنى بياضة، ويقال: حلقه خراش ابن أمية [ (1) ] . وأبو هند هذا هو الحجام المذكور آنفا. ولما كانت حجة الوداع حلق رأسه بمنى. قال الواقدي: لما نحر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الهدى، دعا الحلاق، وحضر المسلمون يطلبون من شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فأعطى الحلاق شق رأسه الأيمن، ثم أعطاه أبا طلحة الأنصاري. وكلمه خالد بن الوليد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في ناصيته حين حلق، فدفعها إليه، وكان يجعلها في مقدم قلنسوته [ (2) ] ، [فلا يلقى جمعا إلا فضّه، فقال أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كنت انظر إلى خالد بن الوليد، وما نلقى منه في أحد، وفي الخندق وفي الحديبيّة، وفي كل موطن لاقانا، ثم نظرت إليه يوم النحر يقدم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بدنة، وهي تعتب في العقل، ثم نظرت إليه ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يحلق رأسه، وهو يقول: يا رسول اللَّه، نا صيتك! لا تؤثر بها على أحدا فداك أبى وأمى! فأنظر إليه أخذ ناصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فكان يضعها على عينية وفيه] [ (3) ] . [قال: وسألت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: من أين هذا الشعر الّذي عندكن؟ قالت: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما حلق رأسه في حجمته فرّق شعره في الناس، فأصابنا ما أصاب الناس. فلما حلق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم رأسه أخذ من شاربه وعارضيه، وقلم أظفاره، وأمر بشعره وأظفاره أن يدفنا، وقصر   [ (1) ] (المرجع السابق) : 2/ 959. [ (2) ] (المرجع السابق) : 3/ 1108- 1109. [ (3) ] ما يبن الحاصرتين زيادة يقتضيها السياق من (المرجع السابق) . وفي ترجمة معمر بن نضلة، قال يعقوب بن محمد الزهري: حدثني محمد بن إبراهيم مولى بنى زهرة، عن ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبى حبيب، عن عبد الرحمن مولى معمر بن نضلة، قال: قمت على رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ومعى موسى لأحلق رأسه، فقال: يا معمر، مكنك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من شحمة أذنيه. قلت: ذلك من منن اللَّه عليّ. قال: أجل فحلقت رأسه (الإصابة) : 16/ 190، ترجمة رقم (8160) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 50 قوم من أصحابه وحلق آخرون، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: رحم اللَّه المحلقين! ثلاثا، كل ذلك يقال: المقصرين يا رسول اللَّه! فقال: والمقصرين! في الرابعة] [ (1) ] . فصل في ذكر من طبخ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم أنه جاء عن جماعة، أنهم طبخوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فمنهم أبو عبيدة مولاه [ (2) ] ، ويقال: خادمه. خرج أبو عيسى الترمذي في (الشمائل) [ (1) ] ، من حديث قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبى عبيدة، قال: طبخت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم قدرا، وقد كان يعجبه الذراع، فناولته الذراع، ثم قال ناولني الذراع، فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والّذي نفسه بيده لو سكت لناولتنى الذراع ما دعوت. وسلمى بنت عميس [ (3) ] أخت أسماء بنت عميس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. خرج أبو يعلى، وأبو عيسى في (الشمائل) [ (4) ] ، من حديث الفضيل بن   [ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 141، باب (26) ما جاء في إدام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (170) ، وهو حديث صحيح لغيره، وقد تفرد به الترمذي، وفي سنده ضعف، وله شواهد. [ (2) ] هو أبو عبيد مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ذكره الحاكم أبو أحمد فيمن لا يعرف اسمه، وأخرج حديثه الترمذي في (الشمائل) ، والدارميّ من طريق شهر بن حوشب عنه. قال: طبخت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم قدرا، وكان يعجبه الذراع ... الحديث ورجاله رجال الصحيح إلا شهر بن حوشب. قال البغوي: له صحبة، حدثني عباس، عن يحى بن معين، قال: أبو عبيد الّذي روى عنه شهر هو من الصحابة. (الإصابة) : 7/ 269، ترجمة رقم (10224) . [ (3) ] هي سلمى بنت عميس الخثعمية، أخت أسماء، وهي إحدى الأخوات التي قال فيهن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: الأخوات مؤمنات. كانت تحت حمزة، فولدت له أمة اللَّه بنت حمزة، ثم خلف عليها بعد قتل حمزة شداد بن الهاد الليثي، فولدت له عبد اللَّه وعبد الرحمن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 51 سليمان قال: أنبأنا عبد اللَّه بن على، عن جدته سلمى قالت: أن الحسن بن عليّ، وابن عباس، وابن جعفر أتوها فقالوا لها: أصنعى لنا طعاما مما كان يعجب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ويحسن أكله، فقالت: يا بنى إنك لا تشتهيه اليوم، قال: بل اصنعيه لنا وصبّت عليه شيئا من زيت، ودقت الفلفل والتوابل، فقربته إليهم فقال: هذا مما كان يعجب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ويحسن أكله. اللفظ لأبى يعلى، وأبى رافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وخرج مسلم والنسائي من حديث عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبى هلال، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن أبى غطفان، عن أبىّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال: أشهد لقد كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بطن الشاة، ثم صلى ولم يتوضأ. هذا لفظ مسلم [ (1) ] .   [ () ] وأخرج ابن مندة من طريق عبد اللَّه بن المبارك، عن جرير بن حازم، عن محمد بن عبد اللَّه بن أبى يعقوب، وأبى فزارة، جميعا عن عبد اللَّه بن شداد، قال: كانت بنت حمزة أختى من أمى، وكانت أمنا سلمى بنت عميس. وقال ابن سعد: زوجها حمزة، وكانت أسلمت قديما مع أختها أسماء فولدت لحمزة ابنته عمارة، وهي التي اختصم فيها على وجعفر وزيد بن حارثة ثم بانت سلمى من حمزة، فتزوجها شداد، فولدت له عبد اللَّه، فقضى بها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لجعفر، وقال: الخالة بمنزلة الأم. وكانت أسماء تحت جعفر، فتعين أن أمها سلمى، وقد بالغ ابن الأثير في الرد على من زعم أن أسماء كانت تحت حمزة. لها ترجمة في (الإصابة) : 7/ 706- 707، ترجمة رقم (11317) ، (الاستيعاب) : 4/ 1816، ترجمة رقم (3381) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 209. [ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 148، باب (26) ما جاء في إدام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (179) ، وهو حديث ضعيف تفرد به الترمذي. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 285، كتاب الحيض، باب (24) نسخ الوضوء مما مسته النار، حديث رقم (357) . قال الإمام النووي: أما غطفان، بفتح الغين المعجمة، والطاء المهملة، فهو ابن طريف المري المدني. قال الحاكم أبو أحمد: لا يعرف اسمه. قال: ويقال في كنيته أيضا: أبو مالك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 52 ولفظ النسائي: عن أبى رافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بطن الشاة، وقد توضأ للصلاة، فيأكل منه ثم يخرج إلى الصلاة ولا يتوضا [ (1) ] . وخرج النسائي من حديث أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: طبخت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم شاة، فقال: ناولني الذراع، فناولته الذراع، قال: ناولني الذراع، فناولته الذراع، قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه! إنما للشاة ذراعان، قال: والّذي نفسي بيده، ولو سكت لناولتني الذراع ما دعوت [ (2) ] . فصل في ذكر مواشط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: مشط شعره يمشطه ويمشطه مشطا: رجّله، والمشاطة: ما سقط منه عند المشط. وقد أمتشط، وامتشطت المرأة، ومشطتها الماشطة مشطا. والماشطة التي تحسن المشط وحرفتها المشاطة. والمشاطة الجارية التي تحسن المشاطة [ (3) ] .   [ () ] وأما أبو رافع. فهو مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، واسمه أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل: هرمز، وقيل: ثابت. وقوله: بطن الشاة، يعنى الكبد وما معه من حشوها، وفي الكلام حذف تقديره: أشوى بطن الشاة، فيأكل منه ثم يصلى ولا يتوضأ، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) . [ (1) ] (سنن النسائي) : 1/ 116، كتاب الطهارة، باب (123) ترك الوضوء مما غيرت النار، حديث رقم (183) . [ (2) ] وأخرجه الدارميّ في (السنن) من حديث قتادة عن شهر بن حوشب، عن أبى عبيد، وفيه: والّذي نفسي بيده أن لو سكت لأعطيت أذرعا ما دعوت به. (سنن الدارميّ) : 1/ 22، باب ما أكرم به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في بركه طعامه. [ (3) ] (لسان العرب) : 7/ 402- 403. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 53 وذكر ابن فتحون أن أم زفر كانت ماشطة خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها وأنها كانت تأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فيكرمها، ويقول: أنها كانت تأتينا أيام خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها [ (1) ] . وأم سليم، سهلة، وقيل: زميلة، وقيل: رميثة، وقيل: مليكة، وقيل: الغميصاء، أو والرميصاء، بنت ملحان بن خالد، بن زيد بن حرام ابن جندب الأنصارية، وهي أم أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، خادم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] .   [ (1) ] هي أم زفر: ماشطة خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. ذكر عبد الغنى بن سعيد في (المبهمات) : أنها المرأة التي قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فيها: أنها كانت تغشانا في زمن خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. فروى من طريق الزبير بن بكار، عن سليمان بن عبد اللَّه بن سليم، أخبرنى شيخ من أهل مكة، قال: هي زفر ماشطة خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- يعنى العجوز التي قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: إنها كانت تغشانا في زمن خديجة. قال الحافظ في (الإصابة) : ومضى في جثامة من أسماء النساء من طريق أبى عاصم، عن أبى عامر الخزاز، عن ابن مليكة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، ما يقتضي أنه كان اسمها جثامة المزنية، فغيره النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال: بل أنت حضانة، وفي رواية: حسانة، فكونها مزنية واسمها حضانة، يقوى أنها غير الحبشية. (الإصابة) : 8/ 211- 212، ترجمة رقم (12027) . [ (2) ] تزوجت مالك بن النضير في الجاهلية. هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية. تقدم نسبها في ترجمة أخيها حرام بن ملحان، وهي أم أنس خادم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، اشتهرت بكنيتها. واختلف في اسمها، فقيل سهلة، وقيل رميلة، وقيل رميثة، وقيل مليكة، وقيل الغميصاء أو الرميصاء تزوجت مالك بن النضر في الجاهلية، فولدت أنسا في الجاهلية، وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار، فغضب مالك وخرج إلى الشام فمات بها، فتزوجت بعده أبا طلحة، فروينا في (مسند أحمد) بعلو (الغيلانيات) ، من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، وإسماعيل بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك- أن أبا طلحة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 54   [ () ] خطب أم سليم- يعنى قبل أن يسلم، فقالت: يا أبا طلحة، ألست تعلم أن إلهك الّذي تعبد نبت من الأرض؟ قال: بلى. قلت: أفلا تستحي تعبد شجرة! إن أسلمت فإنّي لا أريد منك صداقا غيره. قال: حتى انظر في أمرى، فذهب ثم جاء، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، فقالت: يا أنس، زوج أبا طلحة، فزوجها. ولهذا الحديث طرق متعددة. وقال ابن سعد: أخبرنا خالد بن مخلد، حدثني محمد بن موسى، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك، قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: إني قد آمنت بهذا الرجل، وشهدت بأنه رسول اللَّه، فإن تابعتنى تزوجتك. قال: فأنا على ما أنت عليه، فتزوجت أم سليم، كان صداقها الإسلام. وبه: خطب أبو طلحة أم سليم- وكانت أم سليم تقول: لا أتزوج حتى يبلغ أنس ويجلس في المجالس، فيقول: جزى اللَّه أمى عنى خيرا، لقد أحسنت ولايتى. فقال لها أبو طلحة: فقد جلس أنس وتكلم، فتزوجها. قلت: والجواب عن دخوله بيت أم حرام وأختها أنهما كانتا في دار واحدة، وكانت تغزو مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ولها قصص مشهورة، منها ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فقال أبو طلحة: يا رسول اللَّه، هذه أم سليم معها خنجر، فقالت: اتخذته إن دنا أحد من المشركين بقرت بطنه. ومنها قصتها المخرجة في (الصحيح) لما مات ولدها ابن أبى طلحة، فقالت لما دخل: لا يذكر أحد لأبى طلحة قبلي، فلما جاء وسأل عن ولده قالت: هو أسكن ما كان، فظن أنه عوفي، وقام فأكل ثم تزينت له وتطيبت فنام معها، وأصاب منها فلما أصبح قالت له: احتسب ولدك، فذكر ذلك للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: بارك اللَّه لكما في ليلتكما، فجاءت بولد وهو عبد اللَّه بن أبى طلحة، فأنجب ورزق أولادا، قرأ القرآن منهم عشرة كملا. وفي الصحيح أيضا عن أنس- أن أم سليم لما قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قالت: يا رسول اللَّه، هذا أنس يخدمك، وكان حينئذ ابن عشر سنين، فخدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم منذ قدم المدينة حتى مات، فاشتهر بخادم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وروت عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عدة أحاديث، وروى عنها ابنها أنس، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وآخرون. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 55 ذكر ابن إسحاق [ (1) ] ، والواقدي، وسياقة الواقدي عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال انصرفنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من خيبر، وهو يريد وادي القرى، ومعه أم سليم بنت ملحان، وكان بعض القوم يريد أن يسأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صفية حتى مرّ بها، فألقى عليها رداءه ثم عرض عليها الإسلام، فقال: أن تكوني على دينك لم نكرهك، فإن اخترت اللَّه ورسوله اتخذتك لنفسي. قالت: بل أختار اللَّه ورسوله، قال: فأعتقها فتزوجها، وجعل عتقها مهرها. فلما كان بالصهباء، قال لأم سليم: انظري صاحبتك هذه، فأمشطيها، وأراد أن يعرّس بها هناك، فقامت أم سليم- قال أنس: وليس معنا فساطيط ولا سرادقات- فأخذت كساءين وعباءتين فسترت بهما عليها إلى شجرة فمشطتها وعطرتها، وأعرس بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هناك [ (2) ] ... وذكر بقية الخبر [ (3) ] .   [ (1) ] (السيرة النبويّة) : 4/ 307، قصة صفية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 707- 708. [ (3) ] وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما خرج من خيبر وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما خرج من خيبر، وقرب بعيرها وقد سترها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بشوبه، أدنى فخذه لتضع رجلها عليه، فأبت ووضعت ركبتها على فخذه، فلما بلغ ثبارا أراد أن يعرس بها هناك، فأبت عليه حتى وجد في نفسه، خرج بلغ الصهباء فمال إلى دومة هناك فطاوعته، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ما حملك على ما صنعت حين أردت أن أنزل بثبار- وثبار على ستة أميال والصهباء على اثنى عشر ميلا- قالت: يا رسول خفت عليك قرب اليهود، فلما بعدت أمنت. فزادها عند النبي صلى اللَّه عليه وسلّم خيرا وعلم أنها قد صدقته، ودخلت عليه مساء تلك الليلة، وأولم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يومئذ عليها بالحيس والسويق والتمر، كان قصاعهم الأنطاع قد بسطت، فرئي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يأكل معهم على تلك الأنطاع. قالوا: وبات أبو أيوب الأنصاري قريبا من قبته آخذا بقائم السيف حتى أصبح، فلما خرج رسول اللَّه بكرة فكبر أبو أيوب فقال: مالك يا أبا أيوب؟ فقال: يا رسول اللَّه، دخلت بهذه الجارية وكنت قد قتلت أباها وإخوتها وعمومتها وزوجها وعامة عشيرتها، فخفت أن تغتالك. فضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وقال له معروفا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 56 فصل في ذكر من كانت تعلم نساء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج الحاكم من حديث صالح بن كيسان، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد بن سعد أن أبا بكر بن سليمان بن أبى حثمة القرشيّ، حدثه أن رجلا من الأنصار خرجت به نملة، فدل أن الشفاء بنت عبد اللَّه ترقى من النملة، فجاءها، فسألها أن ترقيه، فقالت: واللَّه ما رقيت منذ أسلمت، فذهب الأنصاري إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فأخبره بالذي قالت الشفاء، فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الشفاء فقال: أعرضى عليّ، فأعرضتها عليه، فقال: ارقيه وعلميها حفصة كما علمتيها الكتاب. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وقد سمعه أبو بكر بن سليمان من جدته [ (1) ] . وقال أبو عمر بن عبد البر: الشفاء أم سليمان بن أبى حثمة، وهي الشفاء بنت عبد اللَّه بن عبد شمس بن خلف بن صداد- ويقال: ضرار- بن عبد اللَّه بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، القرشية، العدوية، من المبايعات. قال أحمد بن صالح المصري: اسمها ليلى، وغلب عليها الشفاء. أمها فاطمة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمر بن مخزوم، أسلمت الشفاء قبل الهجرة، فهي من المهاجرات الأول، وبايعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يأتيها ويقيل عندها في بيتها، وكانت قد اتخذت له فراشا وإزارا ينام فيه، فلم يزل عند ولدها حتى أخذه منهم مروان، وقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: علمي حفصة رقية النملة كما علمتيها الكتاب.   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 63، كتاب معرفة الصحابة، ذكر الشفاء بنت عبد اللَّه القرشية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم (6888) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 57 وأقطعها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم دارا عند الحكاكين [ (1) ] ، فنزلتها مع ابنها سليمان، وكان عمر يقدمها في الرأى، ويرضاها، ويفضلها، وربما ولاها شيئا من أمر السوق [ (2) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها [ (3) ] .   [ (1) ] موضع بالمدينة. [ (2) ] راجع (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا: 9/ 387، فصل في ذكر من ولى السوق في زمن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وتعرف هذه الولاية اليوم بالحسبة، ومتوليها يقال له المحتسب. [ (3) ] (الاستيعاب) : 4/ 1868- 1869، ترجمة رقم (3398) . وقال الحافظ في (الإصابة) : روى عنها حفيداها: أبو بكر، وعثمان ابنا سليمان بن أبى حثمة، وروى عنها أيضا ابنها سليمان، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وحفصة أم المؤمنين، ومولاها أبو إسحاق. وفي (المسند) ، من طريق المسعودي، عن عبد اللَّه الملك بن عمير، عن رجل من آل أبى حثمة، عن الشفاء بنت عبد اللَّه، وكانت من المهاجرات، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سئل عن أفضل الأعمال فقال: إيمان باللَّه، وجهاد في سبيله، وحج مبرور. وأخرج ابن مندة حديث رقية النملة من طريق الثوري، عن ابن المنكدر، عن ابى بكر ابن سليمان بن أبى حثمة، عن حفصة، أن امرأة من قريش يقال لها الشفاء، كانت ترقى من النملة، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: علميها حفصة. وذكر الاختلاف في وصله وإرساله على الثوري. (الإصابة) : 7/ 828، ترجمة رقم (11373) . وحديث رقية النملة أخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 215، كتاب الطب، باب (18) ما جاء في الرقى، حديث رقم (3887) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 516، حديث رقم (26555) من حديث الشفاء بنت عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. والياء في «علمتيها» ناشئة عن إشباع كسرة. قال العلامة شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن أبى بكر بن قيم الجوزية في (زاد المعاد) : النملة قروح تخرج في الجنبين، وهو داء معروف، وسمى نملة، لأن صاحبه يحس في مكانه كأن نملة تدب عليه وتعضه، وأصنافها ثلاثة، قال ابن قتيبة وغيره: كان المجوس يزعمون أن ولد الرجل من أخته إذا خطّ على النملة، شفى صاحبها، ومنه قول الشاعر: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 58 فصل في ذكر قابلة أولاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: قبلت القابلة الولد قبالا، أخذته من الوالدة وهي قابلة المرأة وقبولها، وقبيلها [ (1) ] . ذكر ابن إسحاق، والواقدي، والبلاذري، وابن عبد البر [ (2) ] وغيرهم: أن سلمى خادم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قبلت إبراهيم بن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وكانت قابلة فاطمة رضى   [ () ] ولا عيب فينا غير عرف لمعشر ... كرام وأنّا لا نخطّ على النمل وروى الخلال: أن الشفاء بنت عبد اللَّه كانت ترقى في الجاهلية من النملة، فلما هاجرت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وكانت بايعته بمكة، قالت: يا رسول اللَّه! إني كنت أرقى في الجاهلية من النملة، وإني أريد أن أعرضها عليك، فعرضت عليه فقالت: بسم اللَّه ضلّت حتى تعود من أفواهها، ولا تضر أحدا، اللَّهمّ اكشف البأس ربّ الناس قال: ترقى بها على عود سبع مرات، وتقصد مكانا نظيفا، وتدلكه على حجر بخلّ خمر حاذق، وتطليه على النملة. (زاد المعاد) : 4/ 184- 185 ، فصل في هديه صلى اللَّه عليه وسلّم في رقية النملة. قال الخطابي في (معالم السنن) : النملة قروح تخرج في الجنبين، ويقال: أنها تخرج أيضا في غير الجنب، ترقى، فتذهب بإذن اللَّه تعالى. وفي الحديث دليل على أن تعليم الكتابة للنساء غير مكروه. [ (1) ] (لسان العرب) : 11/ 543- 544. [ (2) ] (الاستيعاب) : 4/ 1862- 1863، ترجمة (3383) ، وقال: وشهدت سلمى هذه خيبر مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. من حديثها عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن، أصبغ حدثنا أحمد بن زهير بن حرب، حدثنا عبد اللَّه بن محمد الكرماني، حدثنا عبدة بن سليمان، عن حارثة ابن عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن جدته- وكانت خادما للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أوصى بالهجرة، وقال: إن امرأة عذبت في هرة ربطتها فلم تطعمها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 59 اللَّه تبارك وتعالى عنها، وهي التي غسلتها مع على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ومع أسماء بنت عميس. فصل في ذكر مرضعة إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال البلاذري: وتنافست [نساء] الأنصار في إبراهيم [ابن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] ، أيهم تحضنه وترضعه، حتى جاءت أم بردة [ (1) ] ، وهي كبشة بنت المنذر ابن زيد بن لبيد بن خراش، من بنى النجار، فدفعه إليها لترضعه. وزوج أم بردة البراء بن أوس بن خالد، من بنى مبذول بن عمرو بن غنيم بن مازن بن النجار [ (2) ] فكان إبراهيم في بنى مازن، إلا أن أمه كانت تأتى به- ثم يعاد إلى منزل ظئره- أم بردة، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يأتى أم بردة فيقيل عندها، وتخرج إليه إبراهيم فيحمله.   [ () ] قال الحافظ في (الإصابة) : سلمى، مولاة صفية. ذكر الواقدي أنها كانت قابلة خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، عند ولادة أولادها من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. (الإصابة) : 7/ 711، ترجمة رقم (11320) . [ (1) ] (الإستيعاب) : 4/ 1926، ترجمة رقم (4126) . [ (2) ] هو البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول الأنصاري قال ابن شاهين: عن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن زيد، عن رجاله، أنه شهد أحدا وما بعدها، قال: وهو زوج مرضعة إبراهيم ابن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم واسمها خولة بنت المنذر بن زيد. وقال الواقدي: عن يعقوب بن محمد بن أبى صعصعة، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة، عن البراء بن أوس بن خالد، أنه قاد مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فرسين، فضرب له بخمسة أسهم. وذكره أبو نعيم، وقال أبو عمر: هو والد إبراهيم بن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة. زوج أم بردة التي أرضعته. (الإصابة) : 1/ 277- 278، ترجمة رقم (616) ، (الاستيعاب) : 1/ 153، (171) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 60 قال: وأعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أم بردة قطعة من نخل. قال: وتوفى إبراهيم. فصل في ذكر من كان يضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن عبد اللَّه بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد [أو سعيد] بن سهم. أبو حذافة القرشيّ السهمىّ، أحد المهاجرين الأولين، كانت فيه دعابة معروفة [ (1) ] . ذكر الزبير بن بكار قال: حدثني عن الجبار بن سعد، عن عبد اللَّه بن وهب عن الليث، عن سعد، قال: بلغني أنه حلّ حزام راحلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في بعض أسفاره، حتى كاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقع. قال ابن وهب: قلت لليث: ليضحكه؟ قال، كانت فيه دعابة.   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشيّ، السهمىّ، يكنى أبا حذافة، كناه الزهري، أسلم قديما، وكان من المهاجرين الأولين، هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية مع أخيه قيس بن حذافة في قول ابن إسحاق والواقدي، وخنيس بن حذافة الّذي كان زوج حفصة قبل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. يقال: إنه شهد بدرا، ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين، روى محمد ابن عمرو بن علقمة عن عمرو بن الحكم بن ثوبان، عن أبى سعيد الخدريّ، قال: كان عبد اللَّه ابن حذافة بن قيس السهمي من أصحاب بدر، وكانت فيه دعابة. قال أبو عمرو: كان عبد اللَّه بن حذافة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى كسرى بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يدعوه إلى الإسلام، فمزق كسرى الكتاب، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ مزق ملكه، وقال: إذا مات كسرى فلا كسرى بعده. قال الواقدي: فسلط اللَّه على كسرى ابنه شيرويه، فقتله ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى سنة سبع. وعبد اللَّه بن حذافة هو القائل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين قال: سلوني عما شئتم: من أبى؟ قال: أبوك حذافة بن قيس، فقالت له أمه: ما سمعت بابن أعق منك، أمنت أن تكون أمك قارفت ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس! فقال: واللَّه لو ألحقنى بعبد أسود للحقت به. وكانت في عبد اللَّه بن حذافة دعابة معروفة. (الاستيعاب) : 3/ 889- 890. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 61 قال الزبير: هكذا قال ابن وهب، عن الليث: حلّ حزام راحلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ولم يكن لابن وهب علم بلسان العرب، وإنما تقول العرب لحزام الراحلة: غرطة، إذا ركب بها على رحل، فإن ركب بها على جمل فهي بطان، وإن ركب بها على فرس فهي حزام، وإن ركب بها على رحل أنثى فهو وضين [ (1) ] . قلت- أي المقريزي-: هكذا نقل أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البرّ [ (2) ] . وقد خرج الحاكم في (المستدرك) [ (3) ] من حديث يحيى بن بكير قال أنبأنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمرو ابن الحكم ابن ثوبان، عن أبى سعيد الخدريّ، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم علقمة بن محرز على بعث، فلما بلغنا راس مغزانا أذن لطائفة من الجيش، وأمر عليهم عبد اللَّه بن حذافة بن قيس السهمي، وكان من أهل بدر، وكانت فيه دعابة، فإنه كان يحل رحل ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في بعض أسفاره ليضحكه بذلك وكان الروم قد أسروه في زمن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأرادوه على الكفر، فعصمه اللَّه عزّ وجل حتى أنجاه اللَّه تبارك وتعالى منهم.   [ (1) ] قال أبو عمر: شاهد ذلك ما روى أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه سار في بعض حجاته. فلما أتى وادي محسّر، فضرب فيه راحلته حتى قطعته وهو يرتجز: إليك تعدو قلقا وضينها ... مخالفا دين النصارى دينها معترضا في بطنها جنينها ... قد ذهب الشحم الّذي يزينها (المرجع السابق) : 890. قال خليفة بن خياط: وفي سنة تسع عشرة أسرت الروم عبد اللَّه بن حذافة السهمي. [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 731، كتاب معرفة الصحابة، ذكر عبد اللَّه بن حذافة السهمي، حديث رقم (6639) ، وقد سكت عنه الذهبي في (التلخيص) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 62 وقال الزبير بن بكار في كتاب (نسب قريش) : وعبد اللَّه بن حذافة كان من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وهو رسوله بكتابه إلى كسرى، وهو الّذي أمره أيام التشريق أن ينادى في الناس: إنها أيام أكل وشرب. قال ابن عبد البر: ومن دعابة عبد اللَّه بن حذافة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أمّره على سرية، فأمرهم أن يجمعوا حطبا ويوقدوا نارا، فلما أوقدوها، أمرهم بالتقحم فيها، فأبوا، فقال لهم: ألم يأمركم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بطاعتي؟ وقال: من أطاع أميرى فقد أطاعنى؟ فقالوا: ما آمنا باللَّه واتبعنا رسول اللَّه إلا لننجو من النار. فصوّب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فعلهم وقال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. قال اللَّه تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [ (1) ] : وهو حديث صحيح الإسناد مشهور [ (2) ] . قال الواقدي [ (3) ] : حدثني موسى بن محمد، عن أبيه، وإسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن أبيه- زاد أحدهما على صاحبة- قالا: بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن ناسا من الحبشة تراءاهم أهل الشعيبة- ساحل بناحية مكة- في مراكب، فبلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فبعث علقمة بن مجزر المدلجي في ثلاثمائة رجل، حتى انتهى إلى جزيرة في البحر، فخاض إليهم فهربوا منه، ثم انصرف، فلما كان ببعض المنازل استأذنه بعض الجيش في الانصراف حيث لم يلقوا كيدا. فأذن لهم، وأمرّ عليهم عبد اللَّه بن حذافة السهمىّ- وكانت فيه دعابة- فنزلنا ببعض الطريق، وأوقد القوم نارا يصطلون عليها ويصنعون الطعام، فقال: عزمت عليكم ألا تواثبتم في هذه النار! فقام بعض القوم فتحاجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها، فقال: اجلسوا، إنما كنت أضحك معكم! فذكر ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أمركم بمعصية فلا تطيعوه!   [ (1) ] النساء: 28 [ (2) ] (الاستيعاب) : 3/ 890. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 983- 984، شأن سرية أميرها علقمة بن مجزر المدلجي في ربيع الآخر سنة تسع. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 63 وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] هذا الحديث من حديث الأعمش. عن سعد ابن عبيدة، عن أبى عبد الرحمن، عن عليّ قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سرية،   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 152، كتاب الأحكام، باب (4) السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، حديث رقم (7145) . قوله «السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية» إنما قيده بالإمام وإن كان في أحاديث الباب الأمير، ولم يكن إماما، لأن محل الأمر بطاعة أن يكون مؤمرا من قبل الإمام. قوله: «لو دخلوها ما خرجوا منها» قال الداوديّ: يريد تلك النار، لأنهم يموتون بتحريقها، فلا يموتون منها أحياء. قال: وليس المراد بالنار نار جهنم، ولا أنهم مخلدون فيها، لأنه قد ثبت في حديث الشفاعة: «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان» وأخرجه في كتاب المغازي، باب (60) سرية عبد اللَّه بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزر المدلجي، ويقال: إنها سرية الأنصاريّ، حديث رقم (4340) . وأخرجه في كتاب (أخبار الآحاد) ، باب (1) ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام، وقوله اللَّه تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة] : 122. ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى التوبة: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فلو اقتتل رجلان دخلا في معنى الآية. وقوله تعالى: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا. وكيف بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أمراءه واحدا بعد واحد، فإن سها أحد منهم ردّ إلى السنة، حديث رقم (7257) . وفي الحديث من الفوائد: أن الحكم حال الغضب ينفذ منه ما لا يخالف الشرع، وأن الغضب يغطى على ذوى العقول، وفيه أن الإيمان ينجى من النار لقولهم «إنما فررنا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من النار» الفرار إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فرار إلى اللَّه، والفرار إلى اللَّه يطلق على الإيمان. قال اللَّه تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ وفيه أن الأمر المطلق لا يعم الأحوال، لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم أمرهم أن يطيعوا الأمير، فحملوا ذلك على عموم الأحوال، حتى في حال الغضب، في حال الأمر بالمعصية، واستنبط منه الشيخ أبو محمد بن أبى حجرة، أن الجمع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 64 وأستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه في شيء فقال: أجمعوا لي حطبا، فجمعوا له، ثم قال: أوقدوا نارا، فأوقدوا ثم قال: ألم يأمركم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فنظر بعضهم إلى بعض! فقالوا: انما فررنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من النار، فكانوا كذلك، وسكن غضبه، وطفئت النار، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف واللفظ لمسلم. [قال: وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا وكيع، وأبو معاوية بهذا الإسناد نحوه] . وقال البخاري في حديثه: فلما هموا بالدخول [فقاموا] ينظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: إنما تبعنا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فرارا من النار! أفندخلها؟ فبينما هم كذلك .... الحديث. وقال في آخره: ما خرجوا منها أبدا ذكره في كتاب الأحكام، وذكره مسلم في كتاب الإمارة، وقال البخاري في كتاب المغازي، في سرية عبد اللَّه بن حذافة السهمىّ وعلقمة بن مجزر المدلجي- ويقال لها: سرية الأنصاري- وذكر حديث الأعمش بنحو مما تقدم أو قريبا منه.   [ () ] من هذه الأمة لا يجتمعون على خطأ، لانقسام السرية قسمين: منهم من هان عليه دخول النار فظنه طاعة، ومنهم من فهم حقيقة الأمر، وأنه مقصور على ما ليس بمعصية، فكان اختلافهم سببا لرحمة الجميع. قال: وفيه أن من كان صادق النية لا يقع إلا في خير، ولو قصد الشر فإن اللَّه تعالى يصرفه عنه. ولهذا قال بعض أهل المعرفة: من صدق مع اللَّه وقاه اللَّه، ومن توكل على اللَّه كفاه اللَّه. (فتح الباري) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 470، كتاب الإمارة، باب (8) وجوب طاعة الأمراء من غير معصية، وتحريمها في المعصية حديث رقم (40) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 65 وذكره مسلم [ (1) ] وذكره النسائي [ (2) ] أيضا من حديث شعبة عن زبيد عن سعد بن عبيدة، عن أبى عبد الرحمن، عن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعث جيشا وأمّر عليه رجلا، فأوقدوا نارا، وقال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوها، وقال الآخرون: إنما فررنا منها، فذكروا ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين قولا حسنا، وقال لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف. اللفظ لمسلم. وقال فيه البخاري: وقال للآخرين: لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف. ولم يذكر: قولا حسنا. وقال النسائي في آخره: وقال للآخرين خيرا.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 469- 470، كتاب الإمارة باب (8) وجوب طاعة الأمراء من غير معصية، وتحريمها في المعصية، حديث رقم (40) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 7/ 179، كتاب البيعة، باب (34) جزاء من أمر بمعصية فأطاع، حديث رقم (4216) . وأخرجه أيضا أبو داود في (السنن) : 3/ 93- 94، كتاب الجهاد، باب (96) في الطاعة، حديث رقم (2625) . قال الخطابي هذه القصة وما ذكر فيها من شأن النار والوقوع فيها، يدل على أن المراد به طاعة الولاة، وأنها لا تجب إلا في المعروف، كالخروج في البعث إذا أمر به الولاة، وفي الأمور التي هي طاعات ومعاون للمسلمين ومصالح لهم، فأما ما كان فيها معصية كقتل النفس المحرمة، وما أشبهه، فلا طاعة لهم في ذلك. وقد يفسر قوله: «لا طاعة في معصية اللَّه» تفسيرا آخر، وهو أن الطاعة لا تسلم صاحبها ولا تخلص إذا كانت مشوبة بالمعصية، وإنما تصح الطاعات مع اجتناب المعاصي (معالم السنن) . وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 151، حديث رقم (726) ، 1/ 200، حديث رقم (1021) ، كلاهما من مسند على بن أبى طالب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 66 ولعمر بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن غنم بن مالك بن النجار ويقال فيه: نعيمان- قال ابن الكلبي: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا نظر إلى نعيمان لم يتمالك نفسه أن يضحك، فأشترى نعيمان يوما بعيرا ينحره ولم يعط ثمنه، فجاء صاحبه يشكوه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [فقال] اذهبوا بنا نطلبه، فوجده، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: هذا نعمان لصاحب البعير، فقال نعمان: لا جرم، لا يغرم البعير عندك، فغرمه عنه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. أمه فطيمة الكاهنة. وقال ابن عبد البر: شهد العقبة الآخرة. وهو من السبعين فيها، في قول ابن إسحاق، وشهد بدرا والمشاهد كلها. رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ] .   [ (1) ] هو النعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري. وفي (مسند محمد بن هارون الروياني) : حدثنا خالد بن يوسف، حدثنا أبو عوانة، عن عمرو بن أبى سلمة، عن أبيه، قال: مات عبد الرحمن بن عوف عن أربع نسوة: أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط، وأخت نعيمان. قال البخاري، وأبو حاتم وغيرهما: له صحبة. وذكره موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري، وأبو الأسود، عن عروة وغيرهما فيمن شهدا بدرا وذكر ابن إسحاق أنه شهد العقبة الأخيرة، وقال ابن سعد: شهد بدرا، وأحدا، والخندق والمشاهد كلها. ذكره الزبير بن بكار في كتاب (الفكاهة والمزاح) من طريق أبى طوالة، عن أبى بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، قال: كان بالمدينة رجل يقال له النعيمان يصيب من الشراب، فذكر نحوه، وبه أن رجلا من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال للنعيمان يصيب من الشراب، فذكر نحوه، وبه أن رجلا من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال للنعيمان: لعنك اللَّه، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تفعل، فإنه يحب اللَّه ورسوله. وقد بينت في (فتح الباري) أن قائل ذلك عمير، لكنه قاله اللَّه الّذي كان يلقب حمارا فهو يقوى قول من زعم أنه ابن النعيمان، فيكون ذلك وقع للنعيمان وابنه، ومن يشابه أباه فما ظلم. قال الزبير: وكان لا يدخل المدينة طرفه إلا اشترى منها، ثم جاء بها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فيقول: ها أهديته لك، فإذا جاء صاحبها يطلب نعيمان بثمنها أحضره إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وقال: أعط هذا ثمن متاعه، فيقول: أو لم تهده لي؟ فيقول: إنه واللَّه لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله، فيضحك، وبأمر لصاحبه بثمنه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 67   [ () ] وأخرج الزبير قصة البعير بسياق آخر من طريق ربيعة بن عثمان، قال: دخل أعرابى على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وسلّم وسلم، وأناخ ناقته بفنائه، فقال بعض الصحابة للنعيمان الأنصاري: لو عقرتها فأكلناها، فإنا قد قرمنا، إلى اللحم. ففعل، فخرج الأعرابي وصاح: وا عقراه يا محمد. فخرج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال: من فعل هذا؟ فقالوا: النعيمان، فاتبعه يسأل عنه حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، واستخفى تحت سرب لها فوقه جريد، فأشار رجل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وآله وسلّم حيث هو، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: الذين دلوك عليّ يا رسول اللَّه، هم الذين أمرونى. قال: فجعل يمسح التراب عن وجهه ويضحك ثم غرمها للإعرابى. وقال الزبير أيضا: حدثني عمى، عن جدي، قال: كان مخرمة بن نوفل قد بلغ مائة وخمس عشرة سنة، فقام في المسجد يريد أن يبول فصاح به الناس: المسجد! المسجد! فأخذ نعيمان بن عمرو بيده وتنحى به ثم أجلسه في ناحية أخرى، فقال له: بل هاهنا. قال: فصاح به الناس. فقال ويحكم: فمن أتى به إلى هذا الموضع؟ قالوا: النعيمان. قال: أما إن للَّه على إن ظفرت به أن أضربه بعصاي هذه ضربة تبلغ منه ما بلغت. فبلغ ذلك نعيمان، فمكث ما شاء اللَّه، ثم أتاه يوما وعثمان قائم يصلى في ناحية المسجد، فقال لمخرمة: هل لك في نعيمان؟ قال: عم. قال: فأخذ بيده حتى أوقفه على عثمان، وكان إذا صلى لا يلتفت، فقال: دونك هذا نعيمان، فجمع بيده بعصاه فضرب عثمان فشجه، فصاحوا به: ضربت أمير المؤمنين .... فذكر بقية القصة. وقال عبد الرازق: أنبأنا معمر، عن أيوب، عن محمد بن سيرين- أن ناسا من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم نزلوا بماء، وكان النعيمان بن عمرو يقول لأهل الماء: يكون كذا وكذا، فيأتونه باللبن والطعام، فيرسله إلى أصحابه، فبلغ أبا بكر خبره، فقال: أرانى آكل من كهانة النعيمان منذ اليوم، فاستقاء ما في بطنه. قلت: وقد استقاء أ [وبكر ما أكل من جهة كهانة عبد كان يخدمه، أخرجها البخاري، وهي غير هذه القصة، فإن فيها أنه قال: كنت تكهنت لهم في الجاهلية. له ترجمة (الإصابة) : 6/ 463- 466 ، ترجمة رقم (8794) ، (الاستيعاب) : 4/ 1503، ترجمة رقم (2621) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 68 فصل في ذكر بناء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مسجده وبيوته اعلم أن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة مسجدين بناهما، أحدهما مسجد قباء، والآخر مسجده، الّذي بنى حجر نسائه بجواره، وهو المعروف المشهور، الّذي تشد إليه الرحال، ومثابة الناس، عربهم وعجمهم، من أقطار الأرض في كل عام، حيث قبره المقدس صلى اللَّه عليه وسلّم وكانت في المدينة فيما ذكر البلاذري تسعه مساجد، وكانوا يصلون فيها ويجتمعون مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. أما مسجد قباء فقال البلاذري: وكان من يقدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، بعد أبى سلمة بن عبد الأسد، ومن نزلوا عليه بقباء [ (1) ] ، بنوا مسجدا يصلون فيه،   [ (1) ] قباء: بالضم: وأصله أسم بئر هناك، عرفت القرية بها، وهي مساكن بنى عمرو بن عوف من الأنصار وألفه واو يمد ويقصر ويصرف ولا يصرف، وقال عياض: وأنكر البكري فيه القصر قال أبو حنيفة، رحمه اللَّه في اشتقاق قبا: إنه مأخوذ من القبو وهو بالضم والجمع ولم يذكر أهو جمع أو مفرد، ولا يصح أن يكون على قوله جمعا لأن فعل لا يجمع على فعل يجمع فيما علمت. وهي قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة بها أثر بنيان كثير وهناك مسجد التقوى عامر قدّامة رصيف وفضاء حسن وآبار ومياه عذبة وبها مسجد الضرار يتطوع العوامّ بهدمه، كذا قال البشاري، قال أحمد بن يحى بن جابر: كان المتقدمون في الهجرة من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ومن نزلوا عليه من الأنصار بنوا بقباء مسجدا يصلون فيه الصلاة سنة إلى البيت المقدس، فلما هاجر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وورد قباء صلى بهم فيه، وأهل قباء يقولون هو المسجد الّذي أسس عل التقوى من أول يوم، وقيل: إنه مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقد وسع مسجد قباء وكبر بعد، وكان عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، إذا دخله صلّى إلى الأسطوانة المحلقة، وكان ذلك مصلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وأقام لما هاجر بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وركب يوم الجمعة يريد المدينة فجمّع في مسجد بنى سالم بن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 69 والصلاة يومئذ إلى بيت المقدس، فجعلوا قبلته إلى ناحية بيت المقدس، فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلى بهم فيه. وقال [الوزير الفقيه أبى عبيد، عبد اللَّه بن عبد العزيز البكري الأندلسى [ (1) ]] في (معجم ما استعجم [من أسماء البلاد والمواضع] ) : من العرب من يذكره ويصرفه، ومنهم من يؤنثه ولا يصرفه. وذكر ابن زبالة: أنها إنما سميت قباء ببئر كانت تسمى قباء، يتطيرون منها فسموها قباء. وقال ابن إسحاق [ (2) ] فأقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بقباء في بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس. وقيل: أقام اثنين وعشرين ليله حكاه يحى. وفي (صحيحه) : أقام فيهم أربعة عشرة ليلة. قال ابن إسحاق [ (3) ] : وأسس مسجده، ثم أخرجه اللَّه تعالى من بين أظهرهم يوم الجمعة، وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك، فيقال: أقام ثلاثا وعشرين ليلة، ويقال: بضع عشرة ليلة. وقال موسى بن عقبة: ومكث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في بنى عمرو بن عوف ثلاث ليال. ويقول بعض الناس: بل مكث أكثر من ذلك، وأخذ فيهم مسجدا وأسسه، وهو الّذي ذكر في القرآن الكريم أنه أسس على التقوى [ (4) ] . وقال أبو القاسم السهيليّ: وذكر ابن أبى خيثمة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أسسه كان هو أول من وضع حجرا في قبلته، ثم جاء أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بحجر فوضعه، ثم جاء عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بحجر   [ () ] عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج فكانت أول جمعة جمعت في الإسلام، وقد جاء في فضائل مسجد قباء أحاديث كثيرة. [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق والبيان، (معجم ما استعجم) : 3/ 1045. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 22. [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 22. [ (4) ] (المرجع السابق) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 70 فوضعه إلى حجر أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم أخذ الناس في البنيان. وعن الشموس بنت النعمان [ (1) ] قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين بنى مسجد قباء، أتى بالحجر قد صهره إلى بطنه فيضعه، فيأتى الرجل يريد أن يقله فلا يستطيع، حتى يأمره أن يدعه ويأخذ غيره صهره وأصهره إذا ألصقه بالشيء، ومنه اشتقاق الصهر في القرابة [ (2) ] .   [ (1) ] هي الشموس بنت النعمان بن عامر بن مجمع الأنصارية، مدنية، روى عنها عبيد بن وديعة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين بنى مسجده كان جبرائيل يؤم الكعبة ويقيم له قبلة المسجد، ذكرها أبو عمر مختصرا. ووصله ابن أبى عاصم، والحديث المذكور من طريق يعقوب بن محمد [الزهري، عن عاصم بن سويد، عن عتبة، وأخرجه الزبير بن بكار في (أخبار المدينة) ، عن محمد بن الحسن] المخزومي، عن عاصم مطولا. وكذلك أخرجه الحسن بن سفيان وابن مندة، من طريق سلمة، عن عاصم بن سويد، لكن خالف في شيخ عاصم، فقال: عن أبيه، عن الشموس بنت النعمان، قالت: كأنى انظر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين قدم وأسس هذا المسجد مسجد قباء، فرأيته يأخذ الصخرة أو الحجر حتى بصهرة الحجر، وأنا انظر إلى بياض التراب على بطنه، فيأتى الرجل فيقول: يا رسول اللَّه، أعطنى أكفلة، فيقول: لا، خذ حجرا مثله. حتى أسسه، ويقول: إن جبريل يؤم الكعبة. فكان يقال: إنه أقوم مسجد قبلة وفي رواية محمد ابن الحسن بالسند المذكور إلى عتبة- أن الشموس بنت النعمان أخبرته، وكانت من المبايعات، فذكره، وفيه: فيأتى الرجل من قريش أو الأنصار. وفيه: فيقولون تراءى له جبريل حتى أم له القبلة، قال عتبة: فنحن نقول: ليس قبلة أعدل منها وقد استشكل ابن الأثير قوله في رواية شبابة يؤم الكعبة بعد ذلك، وخطر لي في جوابه أنه أطلق الكعبة وأراد القبلة أو الكعبة على الحقيقة، وإذا بين له جهتها كان إذا أسند برها استقبل بيت المقدس، وتكون النكتة فيه أنه سيحول إلى الكعبة، فلا يحتاج إلى تقويم آخر، فلما وقع لي سياق محمد بن الحسن رجح الاحتمال الأول. (الإصابة) : 7/ 731- 732. ترجمة رقم (11381) . [ (2) ] (لسان العرب) : 4/ 472. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 71 قال: وهذا المسجد في الإسلام، وفي أهله نزلت: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا [ (1) ] : فهو على هذا هو المسجد الّذي أسس على التقوى، وإن كان قد روى أبو سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سئل عن المسجد الّذي أسس على التقوى فقال: مسجدي هذا. وفي رواية أخرى قال: وفي الآخر خير كثير. وقد قال لبني عمرو بن عوف حين نزلت: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى [ (2) ] : ما الطهور الّذي من اللَّه به عليكم؟ فذكروا له الاستنجاء بالماء بعد الاستجمار بالحجارة، فقال: هو ذاكم فعليكموه. وليس بين الحديثين تعارض، كلاهما أسس على التقوى، غير أنه قوله سبحانه: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ [ (3) ] يقتضي مسجد قباء، لأن تأسيسه كان من أول يوم من حلول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم دار هجرته، والبلد الّذي هو مهاجره. قلت: حديث أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. الّذي أشار إليه أبو القاسم السهيليّ خرجه مسلم [ (4) ] من طريق يحيى بن سعيد عن حميد الخراط قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بى عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدريّ، قال: فقلت: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الّذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا، لمسجد المدينة قال: فقلت: اشهد أنى سمعت أباك هكذا ذكره. وذكره من طريق حاتم بن إسماعيل، عن حميد، عن أبى سلمة عن أبى سعيد، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمثله. ولم يذكر عبد الرحمن بن أبى سعيد في الإسناد [ (5) ] ذكره في كتاب الحج.   [ (1) ] التوبة: 108. [ (2) ] التوبة: 108. [ (3) ] التوبة: 108. [ (4) ] مسلم بشرح النووي: 9/ 178، كتاب الحج، باب (96) بيان أن المسجد الّذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة، حديث رقم (514) . [ (5) ] (المرجع السابق) . الحديث الّذي يلي رقم (514) ، بدون رقم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 72 وخرجه الترمذي [ (1) ] من طريق قتيبة بن حاتم بن إسماعيل، عن أنيس ابن أبى نجيح، عن أبيه، عن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال الترمذي: من بنى حدده، ورجل من بنى عمرو بن عوف، في المسجد الّذي أسس على التقوى: فقال الخدريّ: هو مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في ذلك، فقال: هذا هو، يعنى مسجده وفي ذلك خير كثير قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي [ (2) ] من حديث قتيبة بن سعيد قال: انبأنا الليث عن عمران بن أبى أنس، عن ابن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: تمارى رجلان في المسجد الّذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: هو مسجدي هذا.   [ () ] قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وقد سئل عن المسجد الّذي أسس على التقوى، فأخذ كفا من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم، هذا لمسجد المدينة «هذا نص بأنه المسجد الّذي أسس على التقوى المذكور في القرآن، ورد لما يقول بعض المفسرين: أنه مسجد قباء. وأما أخذه الحصباء، وضربه في الأرض. فالمراد به المبالغة في الإيضاح، لبيان أنه مسجد المدينة. والحصباء بالمد: الحصى الصغار. (مسلم بشرح النووي) . [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 261- 262، كتاب تفسير القرآن، باب (10) من تفسير سورة التوبة. حديث رقم (3099) ، ولفظه: تمارى رجلان في المسجد الّذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: هو مسجدي هذا. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، من حديث عمران بن أبى أنس، وقد روى هذا عن أبى سعيد من غير هذا الوجه، ورواه أنيس بن أبى يحيى، عن أبيه عن أبى سعيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] أخرجه النسائي في كتاب التفسير من (السنن الكبرى) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 73 وخرجه الترمذي [ (1) ] من هذا الطريق وقال: حديث حسن صحيح غريب من حديث عمران بن أبى أنس. ذكره في التفسير. وقال القاضي عياض: وروى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم سئل أي مسجد هو قال: مسجدي هذا. وهو قول ابن المسيب، وزيد بن ثابت وابن عمر، ومالك بن أنس، وغيرهم. وعن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنه مسجد قباء. وخرج الدارقطنيّ [ (2) ] من حديث عتبة بن أبى حكيم، عن طلحة بن نافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه حدثه قال: حدثني أبو أيوب، وجابر بن عبد اللَّه، وأنس بن مالك، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في هذا، الآية: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ فقال: يا معشر الأنصار، إن اللَّه قد أثنى عليكم خيرا في الطهور، فما طهوركم؟ قالوا: يا رسول اللَّه، نتوضأ للصلاة، ونغتسل من الجنابة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: فهل مع ذلك غير؟ قالوا: لا، غير أن أحدنا إذا خرج من الغائط، أحب أن يستنجى بالماء، قال: هو ذاك فعليكموه.   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] (سنن الدار قطنى) : 1/ 61- 62، كتاب الطهارة، باب في الاستنجاء، حديث رقم (1) ، قال في (التعليق المغنى على الدار قطنى) : قوله عتبة بن أبى حكيم ليس بقوى، أخرج ابن ماجة أيضا من طريقه، قال الزيلعى: سنده حسن، لكن فيه عتبة بن أبى عدي: أرجو أنه لا بأس به، وضعفه النسائي. وعن ابن معين فيه روايتان، وأخرجه الحاكم في (مستدركه) وصححه، ورواه البيهقي في (سننه) . وأخرجه الترمذي من حديث محمد بن العلاء، أبو كريب، حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبى ميمون عن أبى صلح، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت هذه الآية فيهم. قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه. قال: وفي الباب عن أبى أيوب وأنس ابن مالك، ومحمد بن عبد اللَّه بن سلام، ومن تفسير سورة التوبة، حديث رقم (3100) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 74 وذكر السهيليّ: أن عمار بن ياسر هو الّذي أشار على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ببناء مسجد قباء، وهو الّذي جمع الحجارة له، فلما أسسه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [اعتنى] ببنائه عمار. وكذلك ذكره ابن إسحاق، في رواية يونس بن بكير عنه. وقال الحاكم [ (1) ] : قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أول من قدمها ضحى، فقال عمار ابن ياسر: ما لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يريد أن نجعل له مكانا إذا استيقظ من قائلتنا استظل فيه، فجمع عمار بن ياسر حجارة فبنى مسجد قباء، فهو أول ما بنى. وقال عمر بن شبة عن الواقدي، عن أفلح بن سعيد عن ابن كعب القرظي قال: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قباء وقد بنى أصحابه مسجدا يصلون فيه الى بيت المقدس، فلما قدم صلى بهم إليه، ولم يحدث في المسجد شيئا. وعن مسلم بن حماد، عن ابن ونيس، قال: بنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مسجد قباء، وقدم القبلة إلى موضعها اليوم. وقال عمار الذهبي: قال لي أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن ما بين الصومعة الى القبلة زاده عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وقال حماد بن سلمة عن أبى جعفر الخطميّ، أن عبد اللَّه بن رواحة كان يقول وهم بينون مسجد قباء: أفلح من يعالج المساجدا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: المساجدا، فقال عبد اللَّه: ويقرأ القرآن قائما وقاعدا فقال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم: قاعدا، فقال عبد اللَّه: ولا يبيت عنه الليل راقدا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: راقدا. وقال عمر بن شبة أنبأنا عفان قال: أنبأنا حماد بن زيد، قال: انبأنا أيوب عن سعيد بن جبير، أن بنى عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا، وأرسلوا إلى   [ (1) ] (المستدرك) 3/ 434، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (5655) ، وقد حذفه الذهبي من (التلخيص) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 75 رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. فدعوه ليصلي فيهم، ففعل، وأتاهم فصلى فيه، فحسدتهم اخوتهم بنو عوف فقالوا: لنبنى مسجدا، وندعو النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فيصلي فيه كما يصلى في مسجد إخوتنا، ولعل أبا عامر يصلى فيه. وكان بالشام، فابتنوا مسجدا، وأرسلوا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ليصلي فيه فقام ليأتيهم. فأنزل اللَّه تبارك وتعالى القرآن: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ* أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ (1) ] حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أنبأنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان موضع مسجد قباء لامرأة يقال لها لبة. كانت تربط حمارا لها فيه، فابتنى سعد بن خيثمة مسجدا، فقال أهل مسجد الضرار: نحن نصلي في مربط حمار لبة؟ لا، لعمرو اللَّه، لكنا نبنى مسجد الضرار نحن نصلي فيه حتى يجيء أبو عامر فيؤمنا فيه، وكان أبو عامر فر من اللَّه ورسوله ولحق بمكة، ثم لحق بعد ذلك بالشام، فتنصر، فمات بها فأنزل اللَّه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [ (2) ] .   [ (1) ] التوبة: 107- 110، وفي (الأصل) : إلى قوله الْمُطَّهِّرِينَ. [ (2) ] التوبة: 107- 110. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 76 وفي الصحيحين [ (1) ] عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يزور قباء راكبا وماشيا. وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يأتي قباء كل سبت، ولم تزل الصحابة تزوره وتعظمه. ولما بنى عمر بن عبد العزيز المسجد النبوي، بنى مسجد قباء ووسعه، فذكر خبر ذلك هنا إن شاء اللَّه تعالى. قال أبو غسان: طول مسجد قباء وعرضه سواء، وهو ست وستون ذراعا، وطول ذرعه في السماء تسعة عشر ذراعا، وطول رحبته التي في جوفه خمسون ذراعا، وعرضها سبعة أذرع وشبر في تسعة أذرع، وفيه ثلاثة أبواب، وثلاثة وثلاثون أسطوانة، ومواضع القناديل أربعة عشر قنديلا. قال الحمامي: بين مسجد قباء ومسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ميلان ونصف. [و] وذكر ابن زبالة أن مسجد قباء على سبع أساطين، وكانت لها درجة فيه يؤذن فيها، يقال لها النعامة، حتى زاد فيه الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد ذلك. وإن سعد بن عبيد [ (2) ] بن قيس بن النعمان بن عمرو بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، كان يصلى في مسجد قباء في عهد   [ (1) ] رواه البخاري في التطوع، باب من أتى مسجد قباء كل سبت، وباب إتيان مسجد قباء ماشيا وراكبا، وفي الاعتصام، باب ما ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وحض على اتفاق أهل العلم، ومسلم في الحج، باب فضل مسجد قباء، وفضل الصلاة فيه، حديث رقم (1399) . وأخرجه الإمام مالك في (الموطأ) : 1/ 167، في الصلاة في السفر، باب العمل في جامع الصلاة، والنسائي 2/ 37 في المساجد، باب فضل مسجد قباء والصلاة فيه. وأخرجه أبو داود في المناسك، باب في تحريم المدينة، حديث رقم (2040) . [ (2) ] هو سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمنه بن زيد الأنصاري الأوسي. ذكره موسى بن عقبة وغيره فيمن شهد بدرا. وقال ابن نمير في (تاريخه) : مات سعد ابن عبيد الفارس بالقادسية شهيدا سنة ست عشرة، وهو أبو زيد الّذي جمع القرآن. وروى الزبير بن بكار في (أخبار المدينة) ، عن عتبة بن عويم بن ساعدة أن سعد بن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 77 رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وفي زمان أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حتى توفى زمان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأمر عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه مجمع بن جارية [ (1) ] أن يصلى بهم بعد أن رده وقال له: كنت إمام مسجد الضرار، فقال: يا أمير المؤمنين، كنت غلاما حدثا، وكنت أرى أن أمرهم على أحسن ذلك، وقدمونى لما معى من القرآن، وكان قد جمع   [ () ] عبيد- وساق نسبة- كان يؤم في مسجد قباء في زمن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأبى بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وتوفى في زمنه، فأمر عمر فجمع ابن جارية أن يصلى بهم. وروى البخاري في (تاريخه) من طريق قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: شهد سعد بن عبيد القادسية، فقام خطيبا، فقال: إنا مستشهدون غدا فلا تكفنونا إلا في ثيابنا التي أصبنا فيها ... الحديث. وروى ابن جرير، من طريق قيس بن مسلم، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، قال: قال عمر لسعد بن عبيد- وكان انهزم يوم أصيب أبو عبيد، وكان يسمى القارئ، ولم يكن أحد يسمى القارئ غيره- فذكر قصته. قلت: اختلف في أبى زيد الّذي جمع القرآن في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقيل هذا اسمه: وقيل: بل اسمه سعيد. وقيل غير ذلك. (الإصابة) : 3/ 68، ترجمة رقم (3178) . [ (1) ] هو مجمع بن جارية بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة ابن زيد بن مالك بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي. له في ترجمة سعيد بن عبيد بن قيس ذكر، وأخرج له في السنن ثلاثة أحاديث صحح الترمذي بعضها. وقال ابن إسحاق في (المغازي) : كان مجمع بن جارية بن العطاف حدثا قد جمع القرآن، وكان أبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع يصلى بهم فيه: ثم إنه أحرق فلما كان زمن عمرو بن الخطاب كلم في مجمع أن يؤم قومه، فقال: لا أو ليس بإمام المنافقين في مسجد الضرار، فقال: واللَّه الّذي لا إله إلا هو، ما عملت بشيء من أمرهم، فزعموا أن عمر أذن له أن يصلى بهم، ويقال: إن عمر بعثه إلى أهل الكوفة يعلمهم القرآن فتكلم ابن مسعود فعلمه القرآن. (الإصابة) : 5/ 776- 777 ترجمة رقم (7739) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 78 القرآن في زمن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلا سورة أو سورتين، فأمره رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم فصلى بهم. وأما مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فإنه وما يليه من جهة المشرق، دار بنى غنم بن مالك بن النجار، ويقال: كان جدارا محددا بلا سقف، بناه أسعد، وكان يصلى فيه. وجمع الجمعة بأصحابه. وقيل: إن مصعب بن عمير كان يصلى فيه. خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] ، من حديث عبد الوارث، عن أبى التياح، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال: قدم رسول   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 689- 690 كتاب الصلاة، باب (48) هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها؟، حديث رقم (428) ، قوله، باب هل تنبش قبور الجاهلية، أي دون غيرهما من قبور الأنبياء وأتباعهم لما في ذلك من الإهانة لهم، بخلاف المشركين فإنّهم لا حرمة لهم. وأما قوله: «لقول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلخ» فوجه التعليل أن الوعيد على ذلك يتناول من اتخذ قبورهم مساجد تعظيما ومغالاة كما صنع أهل الجاهلية وجرهم ذلك إلى عبادتهم، ويتناول من اتخذ أمكنة قبورهم مساجد بأن تنبش وترمى عظامهم، فهذا يختص الأنبياء ويلتحق بهم أتباعهم، وأما الكفرة فإنه لا حرج في نبش قبورهم، إذ لا حرج في إهانتهم. ولا يلزم من اتخاذ المساجد في أمكنتها تعظيم، فعرف بذلك أن لا تعارض بين فعله صلى اللَّه عليه وسلّم في نبش قبور المشركين واتخاذ مسجده مكانها وبين لعنه صلى اللَّه عليه وسلّم من اتخذ قبور الأنبياء مساجد لما تبين من الفرق، (المرجع السابق) : 4/ 100، كتاب فضائل المدينة، باب (9) حرم المدينة رقم (1868) ، (المرجع السابق) : 5/ 500، كتاب الوصايا، باب (27) إذ وقف جماعة أرضا مشاعا فهو جائز، حديث رقم (2771) ، قوله، باب إذا وقف جماعة أرضا مشاعا فهو جائز قال ابن المنير: احتز عما إذا وقف الواحد المشاع فإن مالكا لا يجيزه لئلا يدخل الضرر على الشريك، وفي هذا نظر، لأن الّذي يظهر أن البخاري أراد الرد على من ينكر وقف المشاع مطلقا، وقد تقدم قبل أبواب أنه ترجم (إذا تصدق أو وقف بعض ماله فهو جائز) وهو وقف الواحد المشاع، وقد تقدم البحث فيه هناك. وأوراد المصنف في الباب حديث أنس في قصة بناء المسجد، وقد تقدم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 79   [ () ] بهذا الإسناد مطولا في أبواب المساجد من أوائل كتاب الصلاة، والغرض منه هنا ما اقتصر عليه من قولهم لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه عز وجل فإن ظاهره أنهم تصدقوا بالأرض للَّه عز وجل، فقبل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ذلك، ففيه دليل لما ترجم له، وأما ما ذكره الواقدي أن أبا بكر دفع ثمن الأرض لمالكها منهم وقدره عشرة دنانير فإن ثبت ذلك كانت الحجة للترجمة من جهة تقرير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على ذلك ولم ينكر قولهم ذلك، فلو كان وقف المشاع لا يجوز لأنكر عليهم وبين لهم الحكم، واستدل بهذه القصة على أن الحكم المسجد يثبت للبناء إذا وقع بصورة المسجد ولو لم يصرح الباني بذلك، ومن بعض المالكية إن أذن فيه ثبت له حكم المسجد، ومن الحنفية إن أذن للجماعة بالصلاة فيه ثبت والمسألة مشهورة، ولا يثبت عند الجمهور إلا إن صرح الباني بالوقفية أو ذكر صيغة محتملة ونوى معها. وجزم بعض الشافعية بمثل ما نقل عن الحنفية لكن في الموات خاصة، والحق أنه ليس في حديث الباب ما يدل لإثبات ذلك ولا نفيه واللَّه أعلم. قوله «لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه» أي لا نطلب ثمنه من أحد لكن هو مصروف إلى اللَّه، فالاستثناء على هذا التقدير منقطع، أو التقدير لا نطلب ثمنه إلا مصروفا إلى اللَّه، فهو متصل (المرجع السابق) : 7/ 337- 338، كتاب مناقب الأنصار، باب (46) مقدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه المدينة حديث رقم (3932) قوله: (بحائطكم) أي بستانكم وقد تقدم في الباب قبله أنه كان مربدا، فعله كان أولا حائطا ثم خرب فصار مربدا، ويؤيده قوله: «إنه كان فيه نخل وخرب» وقيل: كان بعضه بستانا وبعضه مربدا، وقد تقدم في الباب الّذي قبله تسمية صاحبي المكان المذكور ووقع عند موسى بن عقبة عن الزهري أنه اشتراه منهما بعشرة دنانير، وزاد الواقدي أن أبا بكر دفعها لهما عنه، قوله «خرب» بكسر المعجمة وفتح الراء والموحدة، وتقدم توجيه آخر في أوائل الصلاة بفتح أوله وكسر ثانيه، قال الخطابي: أكثر الرواة بالفتح ثم الكسر، حدثناه الخيام بالكسر ثم الفتح، ثم حكى احتمالات: منها الخرب بضم أوله وسكون ثانيه قال: هي الخروق المستديرة في الأرض، والجرف بكسر الجيم وفتح الراء بعدها فاء ما تجرفه السيول تأكله من الأرض، والحدب بالمهملة وبالدال المهملة أيضا المرتفع من الأرض، قال وهذا لائق بقوله: «فسويت» لأنه إنما يسوى المكان المحدوب، وكذا الّذي جرفته السيول، وأما الخراب فيبني ويعمر دون أن يصلح ويسوى. قلت: وما المانع من تسوية الخراب بأنه ما يزال ما بقي منه ويسوى أرضه، ولا ينبغي الا لنفاث إلى هذه الاحتمالات مع توجيه الرواية الصحيحة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 80   [ () ] قوله. فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بقبور المشركين فنبشت، قال ابن بطال: لم أجد في نبش قبور المشركين لتتخذ مسجدا نصا عن أحد من العلماء نعم اختلفوا هل تنبش بطلب المال؟ فأجازه الجمهور ومنعه الأوزاعي وهذا الحديث حجة للجواز، لأن المشرك لا حرمة له حيا ولا ميتا، وقد تقدم في المساجد البحث فيما يتعلق بها. قوله: «وبالنخل فقطع» هو محمول على أنه لم يكن يثمر لكن دعت الحاجة إليه لذلك. قوله: «فصفوا النخل» أي موضع النخل وقوله: «عضادتيه» بكسر المهملة وتخفيف المعجمة تثنية عضادة، وهي الخشبة التي على كتف الباب، ولكل باب عضادتان، وأعضاء كل شيء ما يشد حوانيه. قوله: «يرتجزون» أي يقولون رجزا، وهو ضرب من الشعر على الصحيح. وقوله: «فانصر الأنصار والمهاجرة» كذا رواه أبو داود بهذا اللفظ، وسبق ما فيه في أبواب المساجد، واحتج من أجاز بيع المالك بهذه القصة لأن المساومة وقعت مع غير الغلامين وأجيب باحتمال أنهما كان من بنى النجار فساومهما وأشرك معهما في المساومة عمها الّذي كانا في حجرة كما تقدم في الحديث الثاني عشر (فتح الباري) . [ (2) ] مسلم بشرح النووي: 5/ 10، كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب (1) اقتناء مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (524) ، وفي هذا الحديث جواز الارتجاز وقول الأشعار، في حال الأعمال الثقال ونحوها لتثبيت النفوس وتسهيل الأعمال والمشي عليهما (شرح النووي) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 1/ 302، كتاب الصلاة، باب (12) في بناء المسجد، حديث رقم (453) ، وقال الخطابي في (معالم السنن) : فيه من الفقه أن المقابر إذا نبشت ونقل ترابها ولم يبق هناك نجاسة تخالط أرضها فإن الصلاة فيها جائزة، وإنما نهى صلى اللَّه عليه وسلّم عن الصلاة في المقبرة إذا كان قد خالط ترابها صديد الموتى ودمائهم فإذا نقلت عنها، زال ذلك الاسم وعاد حكم الأرض إلى الطهارة. وفيه من العلم أنه أباح نبش قبور الكفار عند الحاجة إليه. وقد روى عنه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه أمر أصحابه بنبش قبر أبى رغال في طريقه إلى الطائف، وذكر لهم أنه دفن معه غصن من ذهب فابتدروه فأخرجوه. وفي أمره بنبش قبور المشركين بعد ما جعل أربابها تلك البقعة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، دليل على أن الأرض التي يدفن فيها الميت باقية على ملك أوليائه. وكذلك ثيابه التي يكفن فيها، وان النباش سارق من حرز في ملك ولو كان موضع القبر وكفن الميت مبقّى على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 81 اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة، فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشر ليلة، ثم أرسل إلى بنى النجار، فجاءوا متقلدين سيوفهم. قال أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: وكأنى انظر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على راحلته، وأبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ردفه. وملأ بنى النجار حوله، حتى ألقى بفناء بنى أيوب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وذكر ابن إسحاق في (التهذيب) أن [أبا] أيوب كان يتبع بناء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وتبع هذا اسمه بناء. حدثنا سعد قال: قال أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يصلى حيث أدركته الصلاة، ويصلى في مرابض الغنم ثم أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى بنى النجار، فجاءوا، فقال: يا بنى النجار، ثامنونى بحائطكم هذا، قالوا: لا واللَّه، لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه. وظاهر هذا أنهم لم يأخذوا ثمنه. وفي (طبقات ابن سعد) ، عن الواقدي: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم اشتراه من ابني عفراء بعشرة دنانير ذهبا، دفعها أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. ونقل ابن عقبة أن أسعد مات قبل أن يبنى المسجد، فابتاعه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من وليهما. وعن أبى معشر: اشتراه أبو أيوب منهما، فأعطاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فبناه مسجدا. قال أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كان فيه ما أقول لكم: كان فيه نخل، وقبور المشركين، خرب، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالنخل فقطع وبقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت [قد صنعوا] النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادته حجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون. ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم معهم ويقولون:   [ () ] ملك الميت حتى ينقطع ملك الحىّ عنه من جميع الوجوه لم يكن يجوز بنبشها واستباحتها بغير إذن مالكها. وفيه دليل على أن من لا حرمه لدمه في حياته فلا حرمة لعظامه بعد مماتة، وقد قال صلى اللَّه عليه وسلّم: كسر عظام المسلم ميتا ككسره حيا فكان دلالته أن عظام الكفار بخلافه (خطابي) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 82 اللَّهمّ لا خير إلا خير الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة ذكره البخاري في باب نبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد، وذكره في كتاب الهجرة بهذا السند، إلا أنه قال: فانصر الأنصار والمهاجرة. وذكره في آخر كتاب الحج، في باب حرم المدينة، وفي باب بنيان المسجد [ (1) ] . وقال أبو سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كان سقف المسجد من جريد النخل، وأمر عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ببناء مسجد فقال: اكفوا الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس. وأورد حديث صالح بن كيسان: أنبأنا نافع أن عبد اللَّه أخبره أن المسجد كان على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مبينا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده عسب النخل. قال موسى بن عقبة: والمسجد يومئذ سقفه من جريد النخل، وخوص لبن على السقف، كثير الطين، إذا كان المطر يملأ المسجد طينا، وإنما هو كهيئة العريش، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبا، ثم عمره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جدره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج. وأخرجه أبو داود. وخرج أبو داود [ (2) ] أيضا من حديث عمر بن سليم الباهلي، عن أبى الوليد، قال: سألت ابن عمر عن الحصا الّذي في المسجد فقال: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يجيء بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته، فلما قضى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الصلاة قال: أحسن هذا. وخرجه قاسم بن أصبغ بهذا السند، ولفظه: حدثني أبو الوليد، قال: قلت لابن عمر: بدؤ هذا الحصا في المسجد؟ قال: نعم، مطرنا من الليل،   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 1/ 315- 316 كتاب الصلاة باب (15) في حصى المسجد، حديث رقم (458) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 83 فخرجت لصلاة الغداة، وكان الرجل يمر على البطحاء فيجعل في ثوبه من الحصباء، فيصلي عليه، فلما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذلك قال: ما أحسن هذا البساط! وكان ذلك بدؤه. قلت: عمر بن سليم الباهلي، البصري، يروى عن الحسن، وأبى غالب صاحب أبى أمامة، وقتادة، وغيرهم. ويروى عنه: زيد بن الخطاب، وكثير بن هشام، ومسلم بن إبراهيم، وسهل بن عامر، وآخرون. خرج له أبو داود، وابن ماجة، وقال ابن أبى حاتم: صدوق، وأبو الوليد هذا مجهول. قال أبو حاتم: هو مولى عبد اللَّه بن رواحة [ (1) ] . ويقال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أمر يخضب المسجد، فمات قبل ذلك، فخضبه عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وزاد فيه، دار العباس، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وقال ابن إسحاق [ (2) ] : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة، قال: حدثني رجال من قومي، من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قالوا: سمعنا بمخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من مكة، وتوكفنا [ (3) ] قدومه، كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرّتنا، ننتظر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فو اللَّه ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال، فإذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلك في أيام حارة. حتى إذا كان اليوم الّذي قدم فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، جلسنا كما كنا نجلس، حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا، وقدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين دخلنا البيوت، فكان أول من رآه رجل من اليهود، وقد رأى ما كنا نصنع، وأنا ننتظر قدوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم علينا، فصرح بأعلى صوته: يا بنى قيلة! هذا جدكم قد جاء!.   [ (1) ] له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 7/ 402، ترجمة رقم (762) ، (الثقات) : 7/ 176. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 19- 20 قدومه صلى اللَّه عليه وسلّم قباء. [ (3) ] توكفنا: انتظرنا، هامش (المرجع السابق) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 84 قال: فخرجنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وهو في ظل نخلة، ومعه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في مثل سنه، وأكثر [الناس] لم يكن رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قبل ذلك.. وركبه الناس ولا يعرفونه من أبى بكر حتى زال الظل عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقام أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأظله بردائه، فعرفناه عند ذلك [ (1) ] . قال ابن إسحاق: فنزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فيما يذكرون على كلثوم بن هدم، أخى بنى عمرو بن عوف، ثم أحد بنى عبيد، ويقال: بل نزل على سعد بن خيثمة. ويقول من تذكر: انه نزل على كلثوم بن هدم، وإنما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم، جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة. قال ابن إسحاق [ (2) ] : فأقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بقباء في بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس. وأسس مسجده، ثم أخرجه اللَّه تعالى من بين أظهرهم يوم الجمعة، فأدركت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الجمعة في بنى سالم بن عوف، فصلاها، فكانت أول جمعة بالمدينة صلاها بالمدينة. فأتاه عتبان بن مالك، وعباس بن عبادة بن نضلة، في رجال من بنى سالم بن عوف، فقالوا: يا رسول اللَّه! أقسم عندنا في العدد والعدة والمنعة، قال: خلوا سبيلها فإنّها مأمورة لنا فيه، فخلوا سبيلها. فذكره إلى أن قال: فانطلقت حتى جاءت دار بنى مالك بن النجار، وبركت على باب مسجده صلى اللَّه عليه وسلّم، وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بنى النجار، ثم من بنى مالك، في حجر معاذ بن عفراء سهل وسهيل ابني عمرو.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 3/ 20. [ (2) ] (المرجع السابق) : 3/ 21- 22. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 85 فلما بركت [ (1) ] ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عليها لم ينزل وثبت، فسارت غير بعيد ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت إلى خلفها، فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه، ثم تحلحلت وزمت، وألقت بجرانها فنزل نها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه رحله فوضعه في بيته، فنزل عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . وسأل عن المربد، لمن هو؟ فقال له معاذ ابن عفراء: هو يا رسول اللَّه لسهل وسهيل ابني عمرو، وهما يتيمان لي، وسأرضيهما منه، فاتخذه مسجدا، فأمر به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يبنى [ (3) ] . ونزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على أبى أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه، فعمل فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليرغب المسلمين في العمل فيه، فيعمل فيه المهاجرون والأنصار، ودأبوا فيه. فقال قائل من المسلمين: لئن قعدنا والنبي يعمل ... لذاك منا العمل المضلل وارتجز المسلمون وهم بينونة، يقولون: لا عيش إلا عيش الآخرة ... اللَّهمّ ارحم الأنصار والمهاجرة فدخل عمار بن ياسر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وقد أثقلوه باللبن، فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم! قتلوني، يحملون عليّ ما لا يحملون، قالت أم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ينفض وفرته بيده، وكان رجلا جعدا وهو يقول: ويح ابن سمية! ليسوا بالذين يقتلونك، إنما تقتلك الفئة الباغية [ (4) ] . وارتجز عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يومئذ:   [ (1) ] (المرجع السابق) : 3/ 23- 24. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 23-، مبرك الناقة. [ (3) ] (المرجع السابق) : 3/ 24، بناء مسجد المدينة. [ (4) ] قال ابن هشام: هذا كلام وليس برجز، وقال ابن إسحاق: فيقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لا عيش إلا عيش الآخرة، اللَّهمّ ارحم الأنصار والمهاجرة، (المرجع السابق) 3/ 25. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 86 لا يستوي من يعمر المساجدا ... يدأب فيها [ (1) ] قائما وقاعدا ومن بريء عن العباد مكائدا [ (2) ] فأخذهما عمار وجعل يرتجزهما. قال ابن إسحاق: وأقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في بيت أبى أيوب حتى بنى له مسجده ومساكنه، ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبى أيوب [ (3) ] . قال فأقام بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة، حتى بنى له فيها مسجده ومساكنه. وقال موسى بن عقبة: عن ابن شهاب: وكان المسجد مربدا للتمر لغلامين يتيمين من بنى النجار، في حجر أسعد بن زرارة لسهل وسهيل ابني عمرو. وزعموا أنه كان رجال من المسلمين يصلون في ذلك المربد، قبل قدوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ويقال: بل اشتراه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم منهما، فابتناه مسجدا، فطفق هو وأصحابه ينقلون اللبن ويقولون- وهو ينقل اللبن مع أصحابه-: هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبرّ ربّنا وأطهر ويقول: اللَّهمّ لا خير إلا خير الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة وقال البلاذري: وكان مربدا ليتيمين في حجر أسعد بن زرارة [ (4) ] وفيه جدار كان أسعد بناه تجاه بيت المقدس، وكان يصلى إليه بمن أسلم قبل قدوم مصعب بن عمير، ثم صلى بهم إليه مصعب.   [ (1) ] كذا في (الأصل) ، وفي (ابن هشام) : «فيه» . [ (2) ] هذه الشطرة من (الأصل) فقط. [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 26- 27. [ (4) ] هو أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك من النجار، أبو أمامة الأنصاري الخزرجي. قديم الإسلام، شهد العقبتين، وكان نقيبا على قبيلته، ولم يكن في النقباء أصغر سنا منه. ويقال: انه أول من بايع ليلة العقبة. وقال الواقدي- عن عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن حبيب، عن عبد الرحمن، قال: خرج أسعد بن زرارة، وذكوان بن عبد القيس إلى مكة يتنافران إلى عقبة بن ربيعة، فسمعا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 87 ويقال: إن أسعد صلى بهم قبل قدوم مصعب وبعده، إلى قدوم المهاجرين والأنصار، لأن مصعب لم يزد على تعليمهم القرآن. وذكر محمد بن سعد عن الواقدي، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم اشتراه من ابني عفراء بعشرة دنانير ذهبا، دفعها أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وروى أبو بكر بن أبى الدنيا، من حديث الحسين بن حماد، والصبى، قال: أنبأنا عبد الرحيم بن سليمان، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، قال: لما بنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المسجد، وأعانه عليه أصحابه، وهو معهم يتناول اللبن حتى اغبر صدره، فقال: ابنوا عريشا كعريش موسى، فقلت للحسن: ما عريش موسى؟ قال: إذا رفع يده بلغ العريش، يعنى السقف. وقال ملازم بن عمرو [ (1) ] : أنبأنا عبد اللَّه بن زيد، عن قيس بن طلق. عن أبيه طلق بن على قال: بنيت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مسجد المدينة، فكان يقول: الثمامي من الطين، فإنه من أحسنكم له بناء.   [ () ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فأتياه، فعرض عليهما الإسلام، وتلى عليهما القرآن، فأسلما ولم يقربا عتبة، ورجعا إلى المدينة، فكانا أول من قدم بالإسلام المدينة. وأما ابن إسحاق فقال: إن أسعد إنما أسلم في العقبة الأولى مع النفر والستة فاللَّه أعلم. وقال ابن إسحاق: شهد العقبة الأولى والثانية والثالثة، وروى أبو داود والحاكم من طريق عبد الرحمن بن مالك، قال: كنت قائد أبى حين كف بصره، فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان استغفر لأسعد بن زرارة الحديث. وفيه: كان أسعد أول من جمع بنا بالمدينة قبل مقدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وسم في حرة بنى بياضة في نقيع الخضمات. وذكر الواقدي أنه مات على رأس تسعة أشهر من الهجرة، ورواه الحاكم في (المستدرك) من طريق الواقدي عن ابن أبى الرجال، فيه: فجاء بنو النجار فقالوا: يا رسول اللَّه: مات نقيبا فنقب علينا، فقال: أنا نقيبكم. وقد اتفق أهل المغازي والتواريخ على أنه مات في حياة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قبل بدر. [ (1) ] هو ملازم بن عمرو بن عبد اللَّه بن بدر السحيمى أبو عمرو اليمامي يلقب بلزيم. روى عن عبد اللَّه بن بدر وعبد اللَّه بن النعمان وموسى بن نجده وهوذة بن قيس بن طلق وسراج بن عقبة وعجيبة بن الحميد ومحمد بن جابر وزفر بن أبى كثير الحنفيين. وعنه عمر بن يونس وسليمان بن حرب وعلى بن المديني ومسدد ومحمد بن عيسى بن الطباع وعارم وأبو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 88 وقد ذكر أبو عبد اللَّه محمد بن الحسين بن أبى إسحاق بن زبالة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بنى مسجده مرتين: بناه حين قدم أقل من مائة في مائة، فلما فتح اللَّه تعالى عليه خيبر، بناه وزاد عليه مثله في الدور، وضرب الحجرات، ما بينه وبين القبلة والمشرق إلى الشام، ولم يضربها في غربية. وقد ذكر غير واحد أن المسجد النبوي بنى باللبن، وجعل له ثلاثة أبواب: باب في مؤخره، وباب يقال له باب الرحمة، وباب يدخل منه عليه السلام، وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائتي ذراع. وقال السهيليّ: وبنى مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وسقف بالجريد، وجعلت قبلته من اللبن إلى بيت المقدس، ويقال: بل من حجارة منضودة بعضها على بعض، وجعلت عمده من جريد النخل، فتخرب في خلافة عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فجدده، فلما كانت [خلافة] عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بناه بالحجارة المنقوشة بالقصة، وسقفه بالساج، وجعل قبلته من الحجارة إلى بيت المقدس، فلما كانت أيام بنى العباس، بناه محمد بن أبى جعفر المهدي، وزاد فيه، وذلك في سنة ستين ومائة، ثم زاد فيه المأمون بن الرشيد في سنة ثنتين ومائتين، وأتقن بنيانه. ***   [ () ] بكر بن أبى شيبة وعمرو بن على وهناد بن السري وأبو الأشعث العجليّ وآخرون. قال أبو طالب عن أحمد: من الثقات. وقال صالح بن أحمد عن أبيه حاله مقارب، وقال عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه: كان يحيى بن سعيد يختاره على عكرمة بن عمار ويقول هو أتيت حديثا منه. قال عبد اللَّه: قال أبى: ملازم ثقة. وقال عثمان الدارميّ عن أبى معين: ثقة وكذا قال أبو زرعة والنسائي وقال أبو حاتم صدوق لا بأس به وقال أبو داود: ليس به بأس وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال عمرو بن على كان فصيحا. قلت: وقال أبو بكر الضبعي شيخ الحاكم: فيه نظر وقال الدارقطنيّ: يمامى ثقة يخرج حديثه. (تهذيب التهذيب) : 10/ 343- 344، ترجمة رقم (689) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 89 بسم اللَّه الرحمن الرحيم وصلى اللَّه على سيدنا محمد وسلّم وصحبه وسلم [ (1) ] فصل في ذكر من بنى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مسجده خرج الإمام أحمد من طريق ملازم بن عمر، حدثنا سراج عن عقبة وعبد اللَّه بن بدير، أن قيس بن طلق حدثهم أن أباه طلق بن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: بنيت المسجد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فكان يقول: قرب اليمامي من الطين، فإنه أحسنكم له مسا وأشدكم منكبا [ (2) ] . وخرجه الطبراني في (الكبير) من حديث مسدّد، حدثنا ملازم، حدثنا عبد اللَّه بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه، قال: بنيت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المسجد. وله عنده طرق آخر. وخرجه الإمام أحمد من حديث أيوب عن قيس، عن أبيه قال: جئت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه يبنون، قال: فكان لم يعجبه عملهم، قال: فأخذت   [ (1) ] كذا في الأصل، فأثبتناها كما هي. [ (2) ] قال الكتاني في (التراتيب الإدارية) : ترجم في (الإصابة) لطلق بن على التميمي، فقال: حدثني في السنن أنه بنى معهم في المسجد فقال صلى اللَّه عليه وسلّم قربوا له الطين فإنه اعرف به وكذا ترجمه ابن سعد في (الطبقات) وهذا سياقه عن طلق قال قدمت على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يبنى مسجده والمسلمون يعملون فيه وكنت صاحب علاج وخلط طين فأخذت المسحاة أخلط الطين ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ينظر إلى ويقول: إن هذا الحنفي لصاحب طين وحديثه الّذي عزاه الخزاعي لابن فتحون خرجه ابن حبان في صحيحه عن طلق بن على الحنفي قال بنيت المسجد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأخذت المسحاة بمخلطة الطين فكأنه أعجبه فقال دعوا الحنفي والطين فإنه أضبطكم للطين. وفي البيان والتحصيل لابن رشد عن مالك ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وقف على قبر فكأنه رأى باللبنة خلطا فأمر بأن يصلح وقال إن اللَّه يحب إذا عمل العبد عملا ان يحسنه ويتقنه. (التراتيب الإدارية) 2/ 83، (الإصابة) : 3/ 538، ترجمة رقم (4287) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 90 المسحاة فخلطت بها الطين، قال: فكأنه أعجبه أخذى المسحاة وعملي، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: دعوا الحنفي والطين، فإنه أضبطكم للطين. وقال البزار: حدثنا أحمد بن داود، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا أبو مالك النخعي، عن سفيان بن أبى حبيبة، عن أبى أوفى، قال: لما توفيت امرأته جعل يقول: احملوا وارغبوا في حملها، فإنّها كانت تحمل ومواليها بالليل حجارة المسجد الّذي أسس على التقوى وكنا نحمل بالليل حجرين. وطلق بن على بن طلق [ (1) ] بن عمرو، ويقال: طلق بن على بن قيس ابن عمرو بن عبد اللَّه بن عمرو بن عبد العزيز بن سخيم بن مرة بن الدؤل بن حنيفة، السحمىّ، الحنفىّ، اليمامي، أبو على. ويقال: طلق بن يمامة، وهو والد قيس بن طلق اليمامي، وقد ابتنى في المسجد، وروى أحاديثا، فحدث عنه ابنه قيس، وبنته خلدة، وعبد اللَّه بن بدر، وعدة من أهل اليمامة. وأما بيوته صلى اللَّه عليه وسلّم فإنّها كانت تسعة بعضها من جريد مطين بالطين وعليها جريد وبعضها من حجارة مرصوفة بعضها على بعض مسقفة بالجريد أيضا. وخرج البخاري في (الأدب المفرد) من طريق حداث بن السائب قال: سمعت الحسن يقول: كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في خلافة عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأتناول سقفها بيدي [ (2) ] .   [ (1) ] هو طلق بن على بن المنذر بن قيس بن عمرو بن عبد اللَّه بن عمرو الحنفي السحيمى أبو على اليمامي. وفد على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وعمل معه في بناء المسجد وروى عنه. وعنه ابنه قيس وابنته خالدة وعبد اللَّه بن بدر وعبد الرحمن بن على بن شيبان. قلت: ذكره ابن السكن وقال: يقال: له طلق بن ثمامة. (تهذيب التهذيب) 5/ 29 ترجمة رقم (51) . [ (2) ] قال في (التراتيب الادارية) : ثم بنى صلى اللَّه عليه وسلّم مساكنه الى جنب المسجد باللبن وسقفها بجذوع النخل والجريد وكان محيطها مبنيا باللبن وقواطعها الداخلية من الجريد المكسو بالطين والمسوح الجزء: 10 ¦ الصفحة: 91 وخرج من طريق عبد اللَّه، قال: أنبأنا داود بن قيس قال: رأيت الحضورات من جريد النخل يغشى من خارج نطوح الشعر وأظن عرض البيت من باب حضوره، قال: رأيت البيت نحوا من ست أذرع أو سبع أذرع وأحجز البيت الداخل عشرة أذرع وأظن سمكة بين الثماني والتسع، ووقفت عند باب عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها فإذا هو مستقبل المغرب. ومن طريق إبراهيم بن المنذر، أنبأنا محمد بن أبى فديك رأى حجر أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من جريد مستورة بمسوح الشعر، فسألته عن بيت عائشة   [ () ] الصوفية وجعل لها أبواب منافذ منفذة الهواء داعية الى السهولة في الدخول والخروج وخفة الحركة مع وفر الزمن والسرعة إلى المقصد وكان منزل السيدة عائشة صفة إلى منزل السيدة فاطمة وكان به فتحة الى القبلة، يؤيد ذلك قول بن زبالة كان بين بيت حفصة ومنزل عائشة طريق وكانتا تتهاديان الكلام وهما في منزلهما من قرب ما بينهما وكان بيت حفصة على يمين خوخة آل عمر في جنوب بيت عائشة إلى الشرق وكان من دونهما منازل بقية الأزواج الطاهرات وكان بمنزل فاطمة شباك يطل على منزل أبيها وكان صلى اللَّه عليه وسلّم يستطلع أمرها منه. قال السهيليّ في (الروض) : إن بيوت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كانت تسعة بعضها من جريد مطين بالطين وسقفها جريد وبعضها من حجارة موضوعة بعضها على بعض مسقفة بالجريد أيضا وكان لكل بيت حجرة وهي أكسية من شعر مربوطة بخشب العرعر. أقول: إذا علمت أنها تسعة وأن كل بيت لا بد له من محل لقضاء الحاجة ومحل لمئونة السنة والطبخ ومحل للقاء الناس ومحل لمبيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مع زوجته الطاهرة وإن زدتها محل خزائن السلاح وأدوات النقل ومحل الدواب والخيل والنعم والحمير وغير ذلك من المتملكات النبويّة وممتلكات بيت المال مع دار الضيوف والسجن ومحل المرضى ومحل أهل الصفة وغير ذلك من الضروريات ظهر لك عظيم تلك المباني وسعة تلك المرافق وهذه الضروريات التي الاتساع في البناء ضروري لها يجهلها أكثر الناس اليوم ويظنون أن مساكن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كانت في نهاية الضيق والقلة ولعمري إذا أمكنه صلى اللَّه عليه وسلّم ذلك في المبادي فكيف لا يتسع أكثر من ذلك في آخر امره ولو عاش في المدينة بعد الهجرة أكثر من عشر سنوات وكان يشتغل فيها بغير الحروب وتوجيه البعوث وإرسال السرايا الى الجهات انظر ماذا كان يصنع (الإصابة) : 3/ 404 ترجمة رقم (4035) ، (التراتيب الإدارية) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 92 رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها فقال: كان بابه مواجه الشام، فقلت: مصراع كان أو مصرعين؟ قال: كان بابا واحدا، قلت من أي شيء؟ قال من عرر. ومن طريق مالك بن إسماعيل حدثنا المطلب بن زياد، حدثنا أبو بكر بن عبد اللَّه الأصبهاني، محمد بن مالك بن المنتصر بن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن أبواب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كانت تقرع، الاطاشى أي لا خلف لها ولما توفى أزواجه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهن، خلط البيوت والحجر بالمسجد وذلك في زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان، فلما ورد كتابه بذلك فج أهل المدينة بالبكاء كيوم وفاته صلى اللَّه عليه وسلّم. وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر الواقدي. قال: سألت مالك ابن أبى الرجال أين كانت منازل أزواج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ فأخبرني عن أبيه عن أمه أنها كانت كلها في الشق الأيسر إذا قمت إلى الصلاة إلى وجه الإمام في وجهه المنبر. ولما توفيت زينب بنت خزيمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أدخلت أم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها بينها في بيتها. قال الواقدي: كانت لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد وحوله، فكلما أحدث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أهلا، تحول له حارثة عن منزله، حتى صارت منازله كلها لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأزواجه. قال ابن سعد [ (1) ] : وأوصت سودة ببيتها لعائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وباع أولياء صفية بنت حيي بيتها من معاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، بمائة ألف وثمانين ألفا، وقيل: بمائتي ألف، وشرط لها سكناه حياتها، وحمل إليها المال، فما قامت من محلها، يعنى قسمته. وقيل: بل اشتراه ابن الزبير من عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما بعث إليها خمسة أحمال تحمل المال، وشرط لها سكناها حياتها، ففرقت المال،   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 8/ 67 وما بعدها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 93 فقيل لها: لو خبأت منه درهما [تشترى به لحما [ (1) ]] ؟ قالت: لو ذكرتموني لفعلت. وتركت حفصة بيتها، فورثه ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فلم تأخذ له ثمنا. فأدخل في المسجد. قال ابن سعد [ (2) ] : فقال عبد اللَّه بن زيد الهذلي: رأيت منازل أزواج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين هدمها عمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، في خلافة الوليد بن عبد الملك، وزادها في المسجد، كانت بيوتا من لبن ولها حجز من جريد، عددت تسعة أبيات. بحجزها، ورأيت بيت أم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها وحجرتها من لبن، فقال ابن ابنتها: لما غزا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم دومة الجندل، بنت أم سلمة حجرتها بلبن، فلما قدم قال: ما هذا البنيان؟ فقالت: أردت أن أكف أبصار الناس، فقال: إن شر ما ذهب فيه مال المسلم البنيان. وقال عطاء الخراساني [ (3) ] أدركت حجر أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من جريد النخل، على أبوابها المسوح من شعر أسود، فحضرت كتاب الوليد يقرأ، يأمر بإدخال   [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق والبيان من (سير أعلام النبلاء) ، وفيه: عن هشام بن عروة، عن ابن المنكدر، عن أم ذرة قالت: بعث ابن الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين، يكون مائة ألف، فدعت بطبق، فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست، قالت: هاتي يا جارية فطوري، فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين! أما استطعت أن تشترى لنا لحما بدرهم؟ قالت: لا تعنفينى، لو ذكرتيني لفعلت. (سير أعلام النبلاء) : 2/ 187، (طبقات ابن سعد) : 8/ 67، (حلية الأولياء) : 2/ 47، ورجاله ثقات. [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 8/ 67 وما بعدها. [ (3) ] هو عطاء بن أبى مسلم الخراساني أبو أيوب، ويقال: أبو عثمان، ويقال أبو محمد، ويقال: أبو صالح البلخي، نزيل الشام، مولى المهلب بن أبى صفرة الأزدي. اسم أبيه عبد اللَّه ويقال ميسرة. روى عن الصحابة مرسلا كابن عباس، وعدي بن عدي الكندي، والمغيرة بن شعبة، وأبى هريرة، وأبى الدرداء، وأنس وكعب بن عجرة، ومعاذ ابن جبل، وغيرهم، وعن سعيد بن المسيب، عبد اللَّه بن بريدة، ويحيى بن يعمر، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 94 حجر أزواج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في مسجد رسول اللَّه، فما رأيت يوما أكثر باكيا من ذلك اليوم، فسمعت سعيد بن المسيب، يومئذ يقول: واللَّه لوددت أنهم تركوها على حالها، يبيت ناس من أهل المدينة، ويقدم القادم من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته، فيكون ذلك مما يزهّد الناس في التكاثر والمفاخرة. فصل في ذكر منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم ان المنبر النبوي عمل من طرفاء الغابة في سنة ثمان من الهجرة، وقيل في سنة سبع، وأن امرأة أنصارية من بنى ساعدة، أمرت غلامها حسنا ويقال إبراهيم، فصنعه، وقيل: بل هي امرأة من الأنصار، وقيل: بل صنعه   [ () ] وأبى الغوث القرعى، وعمرو بن شعيب، ونافع مولى ابن عمر، وحمران مولى العبلات، وعطاء بن أبى رباح وخلق. وعنه عثمان ابنه، وشعيبة إبراهيم بن طهمان، وعبد الرحمن بن إسحاق بن أسيد الخراساني، وداود بن أبى هند، ومعمر، وابن جريح، والأوزاعي، وعبد الرحمن بن يزيد، وجابر، والضحاك بن عبد الرحمن بن أبى حوشب، وشعيب بن زريق، وعمر بن المثنى، والقاسم بن أبى بزة بن عاصم الكلبي، ومالك بن أنس، وهشام بن سعد المدني، وآخرون. قال ابن معين: ثقة وقال ابن أبى حاتم عن أبيه: ثقة صدوق. قلت: يحنج به؟ قال: نعم وقال النسائي ليس به بأس، وقال الدارقطنيّ ثقة في نفسه إلا أنه لم يلق ابن عباس وقال أبو داود: ولم يدرك ابن عباس ولم يره. وقال حجاج بن محمد عن شعيبة ثنا عطاء الخراساني وكان نسيا وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر كان يحيى الليل وعن عطاء قال أوثق أعمالى في نفس نشر العلم قال ابنه عثمان بن عطاء مات سنة خمس وثلاثين ومائه وقال أبو نعيم الحافظ كان مولده سنة (50) . (تهذيب التهذيب) : 7/ 190، ترجمة رقم (395) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 95 غلام العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه واسمه صباح [ (1) ] ويقال: كلاب [ (2) ] . وفي رواية: فأرسله إلى أثلة في الغابة، فقطعها، ثم عملها درجتين ومجلسا، ثم جاء بالمنبر فوضعه موضعه. وقيل كان المنبر من أثلة قريب المسجد، وقيل: إنما عمله تميم الداريّ [ (3) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقيل: عمله غلام سعيد بن العاص، واسمه ناقول [ (4) ] وقيل: عمله غلام لرجل من بنى مخزوم، ويقال: إنما عمله يا قوم باني الكعبة لقريش [ (5) ] .   [ (1) ] هو صباح، مولى العباس بن عبد المطلب، روى عمر بن شبة، من طريق صالح بن ابى الأخضر، عن عمر بن عبد العزيز، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم استعمل صباحا مولى العباس بن عبد المطلب، فأعطاه عمالته. وقرأت في المبهمات لابن بشكوال قال: قرأت بخط ابن حبان قال: ذكر عبد اللَّه بن حسين الأندلسى في كتابه في الرجال عن عمر بن عبد العزيز أن المنبر عمله صباح مولى العباس (الإصابة) : 3/ 404- 405، ترجمة رقم (4035) . [ (2) ] هو كلاب، مولى العباس بن عبد المطلب. ذكر ابن سعد، وأخرج بسند فيه الواقدي، عن أبى هريرة، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوم الجمعة يخطب إلى جذع في المسجد قائما، فقال: إن القيام قد شق عليّ، فقال تميم الداريّ ألا أعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام؟ فشاور النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المسلمين في ذلك، فرأوا أن يتخذه. فقال العباس بن عبد المطلب: إن لي غلاما يقال له كلاب أعمل الناس، فقال: مره أن يعمله، فأرسله إلى أثله بالغابة فقطعها وعمل منها درجتين ومقعدا، ثم جاء فوضعه في موضعه اليوم، فقام عليه، وقال: منبري على ترعة من ترع الجنة. (الإصابة) 5/ 616- 617 ترجمة رقم (7445) . [ (3) ] سبقت له ترجمة وافية في (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا: 9/ 38، فصل في ذكر من حدث عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. [ (4) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع. [ (5) ] القباطي: نوع من القماش. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 96 وكان صلى اللَّه عليه وسلّم يجلس على المنبر، ويضع رجليه على الدرجة الثانية، فلما ولى أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قام على الدرجة الثانية، ووضع رجليه على الدرجة السفلى، فلما ولى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قام على الدرجة السفلى، ووضع رجليه على الأرض إذا قعد، فلما ولى عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فعل ذلك ستة سنين من خلافته، ثم علا إلى موضع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وكسا المنبر قبطية، وكان أول من كساه، فسرقتها امرأة، فأتى بها، فقال لها: سرقت؟ قولي: لا، فاعترفت، فقطعها، وكساه معاوية ابن [أبى] سفيان بعد عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه لما حج، ثم كساه عبد اللَّه بن الزبير رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فسرقتها امرأة، فقطعها كما قطع عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وكساه الخلفاء من بعده. وكان طول المنبر ذراعان في السماء وثلاثة أصابع، وعرضه ذراع راجح، وطول صدره، وهو مسند النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ذراع وطول رمانتى المنبر اللتين كان يمسكهما بيديه الكريمتين إذا جلس شبر وإصبعان، وعدد درجاته ثلاث بالمقعد، وفيه خمسة أعواد من جوانبه الثلاثة. فلما كان في خلافة معاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، زاد مروان ابن الحكم وهو على المدينة في المنبر من أسفله ست درجات، ورفعوه عليها، فصار المنبر تسع درجات بالمجلس، فصار طوله بعد الزيادة أربعة أذرع، ومن أسفل عتبته إلى أعلاه تسعة أذرع وشبر. ثم تعاقب المنبر النبوي على طول الزمان، فجدده بعض خلائف بنى العباس منبرا، واتخذ من بقايا أعواد المنبر النبوي أمساطا للتبرك بها، فلم يزل المنبر المجدد حتى أحرق ليلة حريق المسجد أول ليلة من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة، فبعث المظفر يوسف صاحب اليمن منبرا في سنة ست وستين، فخطب عليه مائة واثنتان وثلاثون سنة إلى أن بعث الظاهر برقوق من مصر منبرا في سنة سبع وتسعين وسبعمائة. [خرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللَّه القارئ القرشي الإسكندراني، حدثنا أبو حازم بن دينار، قال: إن رجالا أبو سهل رضى اللَّه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 97 تبارك وتعالى عنه، كانت تسعة، بعضها من جريد، مطين بالطين، وسقفها من جريد، وبعضها من حجارة مرصوصة بعضها على بعض، مسقفة بالجريد أيضا [ (1) ]] . وخرج البخاري في (الأدب المفرد) من [طريق] حديث ابن السائب قال: سمعت الحسن يقول: كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، في خلافة عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأتناول سقفها بيدي. وخرج من طريق عبد اللَّه قال: أنبأنا داود بن قيس قال: رأيت الحجرات من جريد النخل، مغشى من خارج مسوح الشعر، وأظن عرض البيت من باب الحجرة، قال: باب البيت نحوا من ست أذرع أو سبع أذرع. وأحرز البيت الداخل عشر أذرع، وأظن سمكه بين الثمان والتسع، ووقفت عند باب عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، فإذا هو مستقبل المغرب. ومن طريق إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن أبى فديك عن محمد بن هلال، أنه رأى حجر أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من جريد بمسوح الشعر، فسألته عن بيت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، فقال: كان بابه مواجه الشام، فقلت: مصراعا كان أو مصراعين؟ قال: كان بابا واحدا، فلت: من أي شيء؟ قال عن عرعر. ومن طريق مالك بن إسماعيل- وقد امتاروا في المنبر مم عوده؟ - فسألوه عن ذلك، فقال: واللَّه إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم صنع، وأول يوم جلس إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، أرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى فلانة- امرأة قد سماها سهل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- مري غلامك النجار أن يعمل أعوادا أجلس عليهم إذا كلمت الناس، فأمرته بعملها من طرفاء الغاية ثم جاء بها فأرسلت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأمرها فوضعت هاهنا، ثم رأيت رسول اللَّه   [ (1) ] ما بين الحاصرتين لذا بالأصل ولم أجد له معنى ولا توجيها فيما بين يدي من مراجع، رغم إشارة المؤلف إلى تخريج كل من البخاري ومسلم وأبى داود والنسائي لهذا الحديث، ولعله خطأ من الناسخ، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 98 صلى اللَّه عليه وسلّم صلى عليها وكبر عليها ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس فقال أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا ولتعلموا صلاتي. ذكره البخاري [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] في كتاب الجمعة وترجم عليه البخاري باب الخطبة على المنبر، وترجم عليه أبو داود باب اتخاذ المنبر، وترجم عليه النسائي باب الصلاة على المنبر [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 504، كتاب الجمعة، باب (26) الخطبة على المنبر، وقال أنس رضى اللَّه تبارك وعنه: خطب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على المنبر. قوله: «باب الخطبة على المنبر» أي مشروعيتها، ولم يقيدها بالجمعة ليتناولها، ويتناول غيرها. قوله: «وقال أنس: خطب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على المنبر» هذا طرف من حديث أورده المصنف في الاعتصام، وفي الفتن مطولا، وفيه قصة عبد اللَّه بن حذافة، ومن حديثه أيضا في الاستسقاء في قصة الّذي قال: «هلك المال» . قوله: «امتروا» من المماراة، وهي المجادلة، وقال الكرماني: من الامتراء، وهو الشك، ويؤيد الأول قوله في رواية عبد العزيز بن أبى حازم عن أبيه عند مسلم «أن تماروا» فإن معناه تجادلوا، قال الراغب: الامتراء والمماراة المجادلة، ومنه فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وقال أيضا: المرية التردد في الشيء، ومنه فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ. وقوله: (واللَّه إني لأعرف مما هو) فيه القسم على الشيء لإرادة تأكيده للسامع، وفي قوله: «ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه «زيادة على السؤال، لكن فائدته إعلامهم بقوة معرفته بما سألوه عنه، وقد تقدم في باب الصلاة على المنبر أن سهلا قال: «ما بقي أحد أعلم به منى» . قوله: (أرسل إلخ) هو شرح الجواب. قوله: (إلى فلانة امرأة من الأنصار) في رواية أبى غسان عن أبى حازم «امرأة من المهاجرين» كما سيأتي في الهبة، وهو وهم من أبى غسان لإطباق أصحاب أبى حازم على قولهم: «من الأنصار» ، وكذا قال أيمن عن جابر كما سيأتي في علامات النبوة، وقد تقدم الكلام على اسمها في أيمن عن جابر كما سيأتي في علامات النبوة، وقد تقدم الكلام على اسمها في «باب الصلاة على المنبر» في أوائل الصلاة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 99   [ () ] وقوله: (مري غلامك النجار) سماه عباس بن سهل عن أبيه فيما أخرجه قاسم بن أصبغ وأبو سعد في «شرف المصطفى» جميعا من طريق يحيى بن بكير عن ابن لهيعة حدثني عمارة ابن غزية عنه ولفظه «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يخطب إلى خشبة. فلما كثر الناس قيل له: لو كنت جعلت منبرا. قال وكان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون فذكر الحديث، وأخرجه ابن سعد من رواية سعيد بن سعيد الأنصاري عن ابن عباس نحو هذا السياق ولكن لم يسمه، وفي الطبراني من طريق أبى عبد اللَّه الغفاريّ «سمعت سهل بن سعد يقول: كنت جالسا مع خال لي من الأنصار. فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أخرج إلى الغابة وأتنى من خشبها فاعمل لي منبرا» الحديث. وجاء في صانع المنبر أقوال أخر: أحدهما: اسمه إبراهيم أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أبى نضرة عن جابر، وفي إسناده العلاء من مسلمة الرواس وهو متروك. ثانيها: باقول بموحدة وقاف مضمومة رواه عبد الرزاق بإسناد ضعيف منقطع. ووصله أبو نعيم في (المعرفة) لكن قال باقوم آخره ميم وإسناده ضعيف أيضا. ثالثها: صباح بضم المهملة بعدها موحدة خفيفة وآخره مهملة أيضا ذكره ابن بشكوال بإسناد شديد الانقطاع. رابعها: قبيصة أو قبيصة المخزومي مولاهم ذكره عمر بن شبة في (الصحابة) بإسناد مرسل. خامسها: كلاب مولى العباس كما سيأتي. سادسها: تميم الداريّ رواه داود مختصرا والحسن بن سفيان والبيهقي من طريق أبى عاصم عن عبد العزيز بن أبى رواد «عن نافع عن ابن عمر أن تميما الداريّ قال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما كثر لحمه: ألا نتخذ لك منبرا يحمل عظماك؟ قال: بلى فاتخذ له منبر أ «الحديث وإسناده جيد، وسيأتي ذكره في علامات النبوة فإن البخاري أشار إليه ثم، روى ابن سعد في (الطبقات) من حديث أبى هريرة» أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يخطب وهو مستند إلى جذع فقال: إن القيام قد شق على فقال له تميم الداريّ: ألا أعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام؟ فشاور النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المسلمين في ذلك فرأوا أن يتخذه، فقال العباس بن عبد المطلب: إن لي غلاما يقال له كلاب أعمل الناس، فقال: مره أن يعمل «الحديث رجاله ثقات إلا الواقدي. سابعها: ميناء، ذكره ابن بشكوال عن الزبير بن بكار: «حدثني إسماعيل» هو ابن أبى أويس عن أبيه، قال: عمل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 100   [ () ] المنبر غلام لامرأة من الأنصار من بنى سلمة- أو من بنى ساعدة أو امرأة لرجل منهم- يقال له ميناء» . وهذا يحتمل أن يعود الضمير فيه على الأقرب، فيكون ميناء اسم زوج المرأة، وهو بخلاف ما حكيناه في «باب الصلاة على المنبر والسطوح» ، عن ابن التين، أن المنبر عمله غلام سعد بن عبادة، وجوزنا أن تكون المرأة زوج سعد وليس في جميع هذه الروايات التي سمى فيها البخاري شيء قوى السند إلا حديث ابن عمر، وليس فيه لتصريح بأن الّذي اتخذ المنبر تميم الداريّ، وقد تبين من رواية ابن سعد أن تميما لم يعلمه. وأشبه الأقوال بالصواب قول من قال: هو ميمون، لكون الإسناد من طريق سهل بن سعد أيضا، وأما الأقوال الأخرى فلا اعتداد بها لوهائها. ويبعد جدا أن يجمع بينها بأن النجار كانت له أسماء متعددة. وأما احتمال كون الجميع اشتركوا في عمله، فيمنع منه قوله في كثير من الروايات السابقة: ولم يكن بالمدينة إلا نجار واحد «إلا ان كان يحمل على أن المراد بالواحد الماهر في صناعته، والبقية أعوانه. واللَّه تعالى أعلم. ووقع عند الترمذي وابن خزيمة وصححاه من طريق عكرمة بن عمار عن إسحاق بن أبى طلحة، عن أنس: «كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يخطب، فجاء إليه رومي فقال: ألا أصنع لك منبرا؟ «الحديث. ولم يسمه فيحتمل أن يكون المراد بالرومي تميم الداريّ لأنه كان كثير السفر إلى أرض الروم. وقد عرف مما تقدم سبب عمل المنبر، وجزم ابن سعد بأن ذلك كان في السنة السابعة، وفيه نظر لذكر العباس وتميم فيه وكان قدوم العباس بعد الفتح في آخر سنة ثمان، وقدوم تميم سنة تسع. وجزم ابن النجار بأن عمله كان في سنة ثمان، وفيه نظر أيضا لما ورد في حديث الإفك في الصحيحين عن عائشة قالت: «فثار الحيان الأوس والخزرج حتى كادوا أن يقتتلوا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على المنبر، فنزل فخفضهم حتى سكتوا «فإن حمل على التجوز في ذكر المنبر وإلا فهو أصح مما مضى. وحكى بعض أهل السير أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يخطب على منبر من طين قيل أن يتخذ المنبر الّذي من خشب، ويعكر عليه أن في الأحاديث الصحيحة أنه كان يستند إلى الجذع إذا خطب، ولم يزل المنبر على حاله ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 101   [ () ] وكان سبب ذلك ما حكاه الزبير بين بكار في (أخبار المدينة) بإسناده إلى حميد بن عبد الرحمن ابن عوف قال: «بعث معاوية إلى مروان- وهو عامله على المدينة- أن يحمل إليه المنبر، فأمر به فقلع، فأظلمت المدينة، فخرج مروان فخطب وقال: إنما أمرنى أمير المؤمنين أن أرفعه، فدعا نجارا، وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التي هو عليها اليوم» . ورواه من وجه آخر قال: فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم وقال: «فزاد فيه ست درجات وقال: إنما زدت في حين كثر الناس «قال ابن النجار وغيره: استمر على ذلك إلا ما أصلح منه إلى أن احترق مسجد المدينة سنة أربع وخمسين وستمائة فاحترق، ثم جدد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين منبرا، ثم أرسل الظاهر بيبرس بعد عشر سنين منبرا فأزيل منبر المظفر، فلم يزل ذلك إلى هذا العصر فأرسل الملك المؤيد سنة عشرين وثمانمائة منبرا جديدا، وكان أرسل في سنة في سنة ثماني عشرة منبرا جديدا إلى مكة أيضا، شكر اللَّه له صالح عمله آمين. قوله: (فعملها من طرفاء الغابة) في رواية سفيان عن أبى حازم «من أثلة الغابة» كما تقدم في أوائل الصلاة، ولا مغايرة بينهما فإن الأثل هو الطرفاء وقيل يشبه الطرفاء وهو أعظم منه، والغابة بالمعجمة وتخفيف الموحدة موضع من عوالي المدينة جهة الشام، وهي اسم قرية بالبحرين أيضا، وأصلها كل شجرة ملتف. قوله: (فأرسلت) أي المرأة تعلم بأنه فرغ. قوله: (فأمر بها فوضعت) أنث لإرادة الأعواد والدرجات، ففي رواية مسلم من طريق عبد العزيز بن أبى حازم «فعمل له هذه الدرجات الثلاث» . قوله: (ثم رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلى عليها) أي على الأعواد، وكانت صلاته على الدرجة العليا من المنبر. قوله: (وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى) لم يذكر القيام بعد الركوع في هذه الرواية وكذا لم يذكر القراءة بعد التكبيرة، وقد تبين ذلك في رواية سفيان عن أبى حازم ولفظه «كبر فقرأ» وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى» والقهقرى بالقصر المشي إلى خلف. والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة، وفي رواية هشام بن سعد عن أبى حازم عند الطبراني «فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة فكبر وهو على المنبر «فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 102   [ () ] قوله: (في أصل المنبر) أي على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه. قوله: (ثم عاد) زاد مسلم من رواية عبد العزيز حتى فرغ من صلاته. قوله: (ولتعلموا) بكسر اللام وفتح المثناة وتشديد اللام أي لتتعلموا، وعرف منه أن الحكمة في صلاته في أعلى المنبر ليراه من قد يخفى عليه رؤيته إذا صلى على الأرض ويستفاد منه أن من فعل شيئا يخالف العادة أن يبين حكمته لأصحابه. وفيه مشروعية الخطبة على المنبر لكل خطيب خليفة كان أو غيره. وفيه جواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل، وجواز العمل اليسير في الصلاة، وكذا الكثير إن تفرق، وقد تقدم البحث فيه وكذا في جواز ارتفاع الإمام في «باب الصلاة في السطوح» وفيه استحباب اتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه، واستحباب الافتتاح بالصلاة في كل شيء جديد إما شكرا وإما تبركا. وقال ابن بطال: إن كان الخطيب هو الخليفة فسنته أن يخطب على المنبر، وإن كان غيره يخير بين أن يقوم على المنبر أو على الأرض. وتعقبه الزين بن المنير بأن هذا خارج عن مقصود الترجمة ولأنه إخبار عن شيء أحدثه بعض الخلفاء، فإن كان من الخلفاء الراشدين فهو سنة متبعة، وإن كان من غيرهم فهو بالبدعة أشبه منه بالسنة. قلت: ولعل هذا هو حكمة هذه الترجمة، أشار بها إلى أن هذا التفصيل غير مستحب، ولعل مراد من استحبه أن الأصل أن لا يرتفع الإمام عن المأمومين. ولا يلزم من مشروعية ذلك للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم ثم لمن ولى الخلافة أن يشرع لمن جاء بعدهم، وحجة الجمهور وجود الاشتراك في وعظ السامعين وتعليمهم بعض أمور الدين. واللَّه الموفق. (فتح الباري) : 2/ 504- 508، باب (26) الخطبة على المنبر، حديث رقم (917) ، باختلاف يسير في اللفظ. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 1/ 651- 652، كتاب الصلاة، باب (221) في اتخاذ المنبر، حديث رقم (1080) . قال الخطابي في (معالم السنن) : الغابة: موضع قريب من المدينة من عواليها من ناحية الشام. والطرفاء: شجر من شجر البادية واحدها طرفة بفتح الطاء مثل قصبة وقصباء. قلت: الغابة الفيضة وجمعها غابات وغاب. ومنه قولهم ليث غاب قال الشاعر: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 103 وألفاظهم في هذا الحديث قريبة جدا، ولم يذكر مسلم له لفظا، بل أحاله على حديث عبد العزيز بن أبى حازم، عن ابنه، قال: إن نفرا جاءوا إلى سهل ابن سعد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قد تماروا في المنبر، من أي عود هو؟ فقال: أما واللَّه إني لأعرف ما عوده، ومن عمله. ورأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أول يوم جلس عليه. قال: فقيل له: يا أبا عباس! فحدثنا. قال: أرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى امرأة- قال أبو حازم: إنه ليسميها يومئذ- انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أكلم الناس عليها، فعمل هذه الثلاث درجات، ثم أمر بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فوضعت بهذا الموضع، فهي من طرفاء الغابة، وقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قام فكبر، وكبر الناس، ورآه وهو على المنبر، ثم رجع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس، إنما صنعت هذا المنبر لتأتموا بى، ولتصلوا بصلاتي. وذكره البخاري في كتاب البيوع [ (1) ] ، من حديث قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن أبى حازم، عن أبى حازم بنحو أو قريب مما تقدم.   [ () ] وكنا كالحريق أصاب غابا ... فتخبو ساعة وتهب ساعا. وفيه من الفقه: جواز أن يكون مقام الإمام أرفع من مقام المأموم إذا كان ذلك لأمر يعلمه الناس ليقتدوا به، وفيه أن العمل اليسير لا يقطع الصلاة وإنما نزل القهقرى لئلا يولى الكعبة قفاه. فإما إذا قرأ الإمام السجدة وهو يخطب يوم الجمعة فإنه إذا أراد النزول لم يقهقر ونزل مقبلا على الناس بوجهه حتى يسجد وقد فعله عمر بن الخطاب. وعند الشافعيّ أنه إن أحب أن يفعله فعل. فإن لم يفعله أجزأه، وقال أصحاب الرأى: ينزل ويسجد، وقال مالك: لا ينزل ولا يسجد ويمضى في خطبته. [ (3) ] (النسائي) : 2/ 390- 391، كتاب المساجد، باب (45) الصلاة على المنبر، حديث رقم (738) . [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 400، كتاب البيوع، باب (32) النجار حديث رقم (2094) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 104 وذكره بهذا الإسناد في كتاب الصلاة [ (1) ] مختصرا، في باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد. وذكره في كتاب الهبة [ (2) ] من حديث أبى غسان قال: حدثني أبو حازم، عن سهل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أرسل إلى امرأة من المهاجرين- وكان لها غلام نجار- قال: مري عبدك فليعمل لنا أعواد المنبر، فأمرت عبدها، فذهب، فقطع من الطرفاء [ (3) ] ، فصنع له منبرا، فلما قضاه، أرسلت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قد قضاه، قال صلى اللَّه عليه وسلّم: أرسلوا به إليّ فجاءوا به،   [ (1) ] (فتح الباري) 1/ 715، كتاب الصلاة، باب (64) الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد، حديث رقم (448) . [ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 250، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (3) من استوهب من أصحابه شيئا، وقال أبو سعيد، وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «اضربوا لي معكم سهما» حديث رقم (2596) . قوله: «باب من استوهب من أصحابه شيئا» أي سواء كان عينا أو منفعة جاز، أي بغير كراهية في ذلك إذا كان يعلم طيب أنفسهم. قوله: «وقال أبو سعيد» هو الخدريّ. قوله: «اضربوا لي معكم سهما» هو طرف من حديث الرقية وقد تقدم بتمامه مشروحا في كتاب الإجارة. قوله: «حدثنا أبو غسان» هو محمد بن مطرف، وسهل هو ابن سعد، وتقدم الحديث مشروحا في كتاب الجمعة، وفيه استيهابه من المرأة منفعة غلامها، وقد سبق ما نقل في تسمية كل منهما. وأغرب الكرماني هنا فزعم أن اسم المرأة مينا وهو وهم، وإنما قيل ذلك في اسم النجار كما تقدم وأن قول أبى غسان في هذه الرواية إن المرأة من المهاجرين وهم، ويحتمل أن تكون أنصارية حالفت مهاجريا وتزوجت به أو العكس، وقد ساقه ابن بطال في هذا الموضع بلفظ «امرأة من الأنصار» والّذي في النسخ التي وقفت عليها من البخاري ما وصفته. [ (3) ] الطرفاء: نخل لبني عامر بن حنيفة باليمامة، وإياها عنت بقولها: هل زاد طرفاء القصب ... بالقرب مما احتسب؟ (معجم البلدان) : 4/ 35 موضع رقم (7906) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 105 فاحتمله النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فوضعه حيث ترون. ترجم عليه باب من استوهب من أصحابه شيئا. وخرج أبو داود [ (1) ] من حديث أبى عاصم، عن أبى روّاد عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لما بدّن قال: له تميم الداريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ألا أتخذ لك منبرا يا رسول اللَّه يجمع أو يحمل عظامك؟ قال صلى اللَّه عليه وسلّم: بلى، فاتخذ له صلى اللَّه عليه وسلّم منبرا مرقاتين. خرج البخاري [ (2) ] في كتاب البيوع، في باب النجار، من حديث خلاد قال: حدثنا عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: «إن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول اللَّه! ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه، فإن لي غلاما نجارا؟ قال صلى اللَّه عليه وسلّم: إن شئت. فعملت له المنبر. فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على المنبر الّذي صنع فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها، حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبى الّذي يسكت حتى استقرت. قال صلى اللَّه عليه وسلّم: بكت على ما كانت تسمع من الذكر» . وذكره في كتاب علامات النبوة في الإسلام [ (3) ] وفي كتاب الجمعة [ (4) ] كما ستأتي طرقه إن شاء اللَّه تعالى في ذكر المعجزات.   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 1/ 653، كتاب الصلاة، باب (221) في اتخاذ المنبر، حديث رقم (1081) ، قوله «بدّن» قال: أبو عبيد روى للتخفيف، إنما هو بالتشديد، أي كبر وأسنّ، وهو بالتخفيف: البدانة وكثرة اللحم، ولم يكن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم سمينا. [ (2) ] (فتح الباري) : 4/ 400، كتاب البيوع، باب (32) النجار حديث رقم (2095) . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 746- 747، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (2583- 2584) . قوله: «كصوت العشار» بكسر المهملة بعدها معجمه خفيفة جمع عشراء، تقدم شرحه في الجمعة، والعشراء الناقة التي انتهت في حملها إلى عشرة أشهر، ووقع في رواية عبد الواحد بن أيمن «فصاحت النخلة صياح الصبى» وفي حديث أبى الزبير عن جابر عن النسائي في (الكبير) «اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج» انتهى. والخلوج بفتح الخاء الجزء: 10 ¦ الصفحة: 106 وقد اختلف في اسم هذا النجار، فقيل: مينا، وقيل: ناقول مولى العاص بن أمية، وقيل: ميمون، وقيل: صباح غلام العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقيل: بل عمله غلام قبيصة المخزومي، وقيل: عمله غلام سعد بن عبادة، وقيل: غلام امرأة من الأنصار. وكان عمله في سنة سبع بعد عوده من خيبر، وقيل: عمله سنة ثمان، وقال ابن زبالة: وكان المنبر من أثلة كانت قريبا من المسجد، والّذي زاد في درجة معاوية بن أبى سفيان. قال سفيان بن حمزة: قال كثير: فأخبرني الوليد بن رباح، قال: كسفت الشمس يوم زاد معاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في المنبر، حتى رئيت النجوم.   [ () ] المعجمة وضم اللام الخفيفة وآخره جيم الناقة التي انتزع منها ولدها، وفي حديث أنس عن ابن خزيمة «فحنت الخشبة حنين الوالد» وفي روايته الأخرى عن الدارميّ وابن ماجة «فلما خار الجذع حتى تصدع وانشق» وفي حديثه «فأخذ أبى بن كعب ذلك الجذع لما هدم المسجد فلم يزل عنده حتى بلى وعاد رفاتا» . وهذا لا يتنافى ما تقدم من أنه دفن، لاحتمال أن يكون ظهر بعد الهدم عند التنظيف فأخذه أبى بن كعب، وفي حديث بريدة عن الدارميّ أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال له: «اختر أن أغرسك في المكان الّذي كنت فيه فتكون كما كنت- يعنى قبل أن تصير جذعا- وإن شئت أن أغرسك في الجنة فتشرب من أنهارها فيحسن نبتك وتثمر فيأكل منك أولياء اللَّه، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: اختار أن أغرسه في الجنة» . قال البيهقي: قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها الخلف عن السلف، ورواية الأخبار الخاصة فيها كالتكلف. وفي الحديث دلالة على أن الجمادات قد يخلق اللَّه لها إدراكا كالحيوان بل كأشرف الحيوان، وفيه تأييد لقول من يحمل وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ على ظاهره. وقد نقل ابن أبى حاتم في (مناقب الشافعيّ) عن أبيه عن عمرو بن سواد عن الشافعيّ قال: ما أعطى اللَّه نبيا ما أعطى محمدا، فقلت: أعطى عيسى إحياء الموتى، قال: أعطى محمدا حنين الجذع حتى سمع صوته، فهذا أكبر من ذلك. (فتح الباري) . [ (4) ] سبق تخريجه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 107 وذكر الواقدي وغيره: أنه لما كانت سنة خمسين، أمر معاوية بن أبى سفيان بحمل المنبر إلى الشام، وقال: لا يترك هو وعصا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة [ (1) ] . وهم قبله [ (2) ] عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فطلب العصا- يعنى العنزة وهي عند سعد القرظ، فلما حرك المنبر ليخرج من موضعه كسفت الشمس حتى رئيت النجوم بادية، فأعظم الناس ذلك، فترك المنبر على حاله. وقيل: بل أتاه جابر بن عبد اللَّه، وأبو هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فقالا له: يا أمير المؤمنين! لا يصلح أن تخرج منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من موضع وضعه فيه، ولا تنقل عصاه إلى الشام. فترك المنبر، وزاد فيه ست درجات، واعتذر مما صنع [ (3) ] . وذكر ابن زبالة، من حديث عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه قال: بعث معاوية بن [أبى] سفيان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، إلى مروان بن الحكم، عامله على المدينة، يأمره أن يحمل إليه منبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عن ما وضعه، فأمر به أن يقلع، فأظلمت المدينة، وأصابتهم ريح شديدة، فخرج مروان، فخطب فقال: يا أهل المدينة! إنكم تزعمون أن أمير المؤمنين بعث إلى منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليزيله! وأمير المؤمنين أعلم باللَّه من أن يغير منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن ما وضعه عليه، إنما أمرنى أن أكرمه وأرفعه، ودعا نجارا- وكان ثلاث درجات- فزاد فيه الزيادة التي هو عليها اليوم، ووضعه موضعه، وكان من طرفاء الغابة [ (4) ] . وعن عبد اللَّه بن زياد، عن ابن فطن، قال: قلع مروان بن الحكم منبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وكان درجتين والمجلس، وأراد أن يبعث به إلى معاوية،   [ (1) ] (الكامل في التاريخ) : 3/ 463- 464، ذكر إرادة معاوية نقل المنبر إلى المدينة [في أحداث سنة خمسين] . [ (2) ] كذا في (الأصل) وفي (المرجع السابق) : «قتله» . [ (3) ] (الكامل في التاريخ) : 3/ 463- 464، ذكر إرادة معاوية نقل المنبر إلى المدينة [في أحداث سنة خمسين] . [ (4) ] المرجع السابق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 108 فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم! فزاد فيه ست درجات، وخطب الناس فقال: إني إنما رفعته حين كثر الناس، ولما ولى عبد الملك بن مروان الخلافة، همّ بنقل المنبر، فقال له قبيصة بن ذؤيب: أذكرك اللَّه أن تفعل، إن معاوية حركه فكسفت الشمس! وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من حلف على منبري كاذبا فليتبوَّأ مقعده من النار [ (1) ] ، وهو مقطع الحقوق بينهم بالمدينة، فتركه عبد الملك. فلما ولى الخلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان، وحجّ، همّ بذلك، فأرسل سعيد بن المسيب إلى عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: كلم صاحبك لا يتعرض لذلك، فكلمه، فتركه. ثم لما كانت خلافة سليمان بن عبد الملك، وحجّ، أخبره عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بما كان من عبد الملك، ومن الوليد، فقال: ما كنت أحب أن يذكر عن أمير المؤمنين عبد الملك هذا، ولا عن الوليد، ما لنا ولهذا؟ أخذنا الدنيا فهي في أيدينا، ونريد أن نعمد إلى علم من أعلام الإسلام يوفد إليه فنحمله، هذا ما لا يصلح [ (2) ] . فلما حج أمير المؤمنين محمد المهدي في سنة ستين ومائة، قال لمالك ابن أنس: إني أريد أن أعيد منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى حاله التي كان عليها، فقال له مالك: إنه من طرفاء، وقد سمّر إلى هذه العيدان [وثبت] ، فمتى نزعته خفت أن يتهافت وتهلك، ولا أرى أن تعيده، فانصرف رأى المهدي عن تغييره [ (3) ] .   [ (1) ] (موطأ مالك) : 515، ما جاء في الحنث على منبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1406) من حديث جابر بن عبد اللَّه الأنصاري. [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] قال ابن جرير الطبري: وقسم المهدي في هذه السنة بمكة في أهلها- فيما ذكر- مالا عظيما، وفي أهل المدينة كذلك، فذكر أنه نظر فيما قسم في تلك السفرة فوجد ثلاثين ألف ألف درهم، حملت معه، ووصلت إليه من مصر ثلاثمائة ألف دينار، ومن اليمن مائتا ألف دينار، فقسم ذلك كله وفرق من الثياب مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب، ووسع في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وأمر بنزع المقصورة التي في مسجد الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فنزعت، وأراد أن ينقص منبر رسول اللَّه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 109 فصل في ذكر من كان يؤذن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن الأذان والتأذين: النداء إلى الصلاة والمئذنة موضع الأذان، وهي المنارة، والصومعة. وقد كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أربعة من أصحابه يؤذنون: اثنان منهم بمسجده، وواحد بمسجد قباء، وواحد بمكة. فالمؤذنان بمسجده صلى اللَّه عليه وسلّم: بلال بن رباح [ (1) ] وابن أم مكتوم [ (2) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. والّذي يؤذن بقباء سعد القرظ [ (3) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ومؤذن مكة أبو محذورة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم.   [ () ] صلى اللَّه عليه وسلّم فيعيده إلى ما كان عليه، ويلغى منه ما كان معاوية زاد فيه، فذكر عن مالك عن أنس أنه شاور في ذلك، فقيل له: إن المسامير قد سلكت في الخشب الّذي أحدثه معاوية، وفي الخشب الأول وهو عتيق، فلا نأمن إن خرجت المسامير التي فيه وزعزعت أن يتكسّر، فتركه المهدي. (تاريخ الطبري) : 8/ 133. [ (1) ] هو بلال بن رباح الحبشي المؤذن، وهو بلال بن حمامة، وهي أمه اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد، فأعتقه، فلزم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأذن له، وشهد معه جميع المشاهد، وآخى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بينه وبين أبى عبيده بن الجراح، ثم خرج بلال بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مجاهدا إلى أن مات بالشام. قال أبو نعيم: كان ترب أبى بكر، وكان خازن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وروى أبو إسحاق الجوزجاني في تاريخه، من طريق منصور، عن مجاهد، قال: قال عمار: كل قد قال: ما أرادوا- يعنى المشركين- غير بلال. ومناقبه كثيرة مشهورة، قال ابن إسحاق: كان لبعض بنى جمح مولد من مولد بهم، واسم أمه حمامة. وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره، ثم يقول: لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد، فيقول وهو في ذلك: أحد أحد. فمر به أبو بكر فاشتراه منه يعبد له أسود جلد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 110   [ () ] قال البخاري: مات بالشام زمن عمر. وقال ابن بكير: مات في طاعون عمواس. وقال عمرو بن على: مات سنة عشرين. وقال بن زبر: مات بداريا، وفي المعرفة لابن مندة أنسه دين يحلب. (الاصابة) : 1/ 326- 327 ترجمة رقم (736) . [ (2) ] هو عمرو بن أم مكتوم القرشي. ويقال اسمه عبد اللَّه. وعمرو أكثر وهو ابن قيس بن زائدة ابن الأصم. ومنهم من قال عمرو بن زائدة، لم يذكر قيسا، ومنهم من قال قيس: بدل زائدة. وقال ابن حبان: من قال ابن زائدة نسبة لجده، ويقال: كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه، حكاه ابن حبان. وقال ابن سعد: أهل المدينة يقولون اسمه عبد اللَّه، وأهل العراق يقولون اسمه عمرو، قال: واتفقوا على نسبه، وأنه ابن قيس بن زائدة بن الأصم. وفي هذا الاتفاق نظر فقد تقدم ما يخالفه كما ترى، وتقدم ما يخالفه أيضا. قلت: نسبه كذلك ابن مندة، وتبعه أبو نعيم، وحكى في اسمه أيضا عبد اللَّه بن عمرو. قال: وقيل عمرو بن قيس بن شريح بن مالك. وقال الثعلبي في تفسيره: اسمه عبد اللَّه ابن شريح بن مالك بن ربيعة بن قيس بن زائدة، واسم الأصم جندب بن هدم بن رواحة بن حمير بن معيص بن عامر بن لؤيّ القرشيّ العامرىّ. واسم أمه أم مكتوم عاتكة بنت عبد اللَّه بن عنكثة، بمهملة ونون ساكنة وبعد الكاف مثلثة، ابن عائذ بن مخزوم، وهو ابن خال خديجة أم المؤمنين، فإن أم خديجة أخت قيس بن زائدة، واسمها فاطمة. أسلم قديما بمكة، وكان من المهاجرين الأولين، قدم المدينة قبل أن يهاجر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وقيل: بل بعده، بعد وقعة بدر بيسير، قاله الواقدي. والأول أصح، فقد روى من طريق أبى إسحاق عن البراء، قال: أول من أتانا مهاجرا مصعب بن عمير، ثم قدم ابن أم مكتوم، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يستخلفه على المدينة في عامة غزواته يصلى بالناس. وقال الزبير بن بكار: خرج إلى القادسية، فشهد القتال، واستشهد هناك، وكان معه اللواء حينئذ، وقيل: بل رجع إلى المدينة بعد القادسية فمات بها، ذكره البغوي. وقال الواقدي: بل شهدها، ورجع إلى المدينة فمات بها، ولم يسمع له بذكر بعد عمر ابن الخطاب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 111 وقد روى أن حبان بن بحّ الصدائى [ (1) ] ، وزياد بن الحارث الصدائى [ (2) ] ، أذن كل منهما في السفر.   [ () ] روى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وحديثه في كتب السنن. روى عنه عبد اللَّه بن شداد بن الهاد، وعبد الرحمن بن أبى ليلى، وأبو رزين الأسدي وآخرون. وقال ابن عبد البر: روى جماعة من أهل العلم بالنسب والسير أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم استحلف ابن أم مكتوم ثلاث عشرة مرة: في الأبواء، وبواط، وذي العشيرة، وغزوته في طلب كرز بن جابر، وغزوة السويق، وغطفان. وفي غزوة أحد، وحمراء الأسد، ونجران. وذات الرقاع، وفي خروجه في حجة الوداع، وفي خروجه إلى بدر، ثم استخلف أبا لبابة لما رده من الطريق، قال: وأما رواية قتادة عن أنس: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم استخلف ابن أم مكتوم فلم [448] يبلغه ما بلغ غيره. (الإصابة) : 4/ 600- 603 ترجمة رقم (5768) . [ (3) ] هو سعد بن عمار بن سعد القرظ المؤذن مولى «عمار» أنزله المدينة، فكان يؤذن في مسجد رسول اللَّه فولده إلى اليوم يؤذنون في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. روى عن أبيه عن جده نسخة وعن أم عمار حاضنة عمار بن ياسر، وعنه ابنه عبد الرحمن وعبد الكريم ابن أبى المخارق. قلت: قال ابن القطان لا يعرف حاله ولا حال أبيه. (المعارف) : 258 (تهذيب التهذيب) : 3/ 415، ترجمة رقم (891) . [ (1) ] هو حبان، بكسر أوله على المشهور، وقيل بفتحها وهو بالموحدة، وقيل بالتحتانية- ابن بحّ- بضم الموحدة بعدها مهملة ثقيلة. روى حديثه البغوي، وابن أبى شيبة، والطبراني، من طريق ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن زياد بن نعيم، عن حبان بن بحّ صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. قال: أسلم قومي، فأخبرت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم جهز إليهم جيشا فأتيته، فقلت له: إن قومي على الإسلام ... فذكر الحديث في أنه أذن، وفي نبع الماء من بين أصابع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وفيه: لا خير في الإمارة لرجل مسلم. وفيه: إن الصدقة صداع في الرأس وحريق في البطن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 112 فأما بدؤ الأذان فخرج البخاري [ (1) ] ، ومسلم [ (2) ] ، والنسائي [ (3) ] ، والترمذي [ (4) ] ، وقاسم بن أصبغ من حديث ابن جريج، قال: أخبرنى نافع مولى ابن عمر عن عبد اللَّه   [ () ] وأخرج له الطبراني من هذا الوجه حديثا آخر. وذكر ابن الأثير أنه شهد فتح مصر، ولم أر ذلك في أصوله، وإنما قال ابن عبد البر: يعدّ فيمن نزل مصر. (الإصابة) : 2/ 12- 13 ترجمة رقم (1557) . [ (2) ] هو زياد بن الحارث الصدائى: بضم المهملة، وقيل زياد بن حارثة. قال البخاري: أصح. له حديث طويل في قصة إسلامه، وفيه من أذن فهو يقيم. أخرجه أحمد بطولة. وأخرجه أصحاب السنن، وفي إسناده الإفريقي. قال ابن السكن: في إسناده نظر. قلت: وله طريق أخرى، من طريق المبارك بن فضالة، عن عبد الغفار بن ميسرة، عن الصدائى، ولم يسمه. وروى البارودي، من طريق عبد اللَّه بن سليمان، عن عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن زياد بن نعيم، عن زياد الصدائى، فذكر طرفا من الحديث الطويل. وقال ابن يونس: هو رجل معروف نزل مصر. (الإصابة) : 2/ 582 ترجمة رقم (2852) . [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 99 (كتاب الأذان) باب (1) حديث رقم (604) . (فائدتان) : (الأولى) وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة، منها للطبراني من طريق سالم بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه قال: لما أسرى بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم أوحى اللَّه إليه الأذان فنزل به فعلمه به فعلمه بلالا وفي إسناده طلحة بن زيد وهو متروك وقطنى في (الأطراق) من حديث أنس أن جبريل أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالأذان حين فرضت الصلاة، وإسناده ضعيف أيضا. ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا: لما أسرى بى أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلى بهم فقد منى فصليت، وفيه من لا يعرف. وللبزار وغيره من حديث على قال: لما أراد اللَّه أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها فذكر الحديث وفيه: إذ خرج ملك من وراء الحجاب فقال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، وفي آخره: ثم أخذ الملك بيده فأم بأهل السماء وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضا ويمكن على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 113   [ () ] تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة. وأما قول القرطبي: لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه، ففيه نظر لقوله في أوله: لما أراد اللَّه أن يعلم رسوله الأذان، وكذا قول المحب الطبري يحمل الأذان ليلة الإسراء على معنى اللغوي وهو الإعلام ففيه نظر أيضا. والحق أنه لا يصلح شيء من هذه الأحاديث. وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يصلى بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد اللَّه بن عمر ثم حديث عبد اللَّه ابن زيد انتهى. وقد حاول السهيليّ الجمع بينهما فتكلف وتعسف، والأخذ بما صح أولى، فقال بانيا على صحة الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم سمعه فوق سبع سماوات وهو أقوى من الوحي، فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى الصحابي المنام فقصها فوافقت ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم سمعه فقال: «إنها لرؤيا حق» وعلم حينئذ أن مراد اللَّه بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض، وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطلق على لسانه، والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه صلى اللَّه عليه وسلّم التنوية بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفخم لشأنه. انتهى ملخصا. والثاني حسن بديع، يؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا عبد اللَّه بن زيد حتى أضيف عمر للتقوية التي ذكرها، لكن قد يقال: فلم لا اقتصر على عمر؟ فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة، وقد جاءني رواية ضعيفة سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى لكنها مؤولة فإن لفظة «سبقك بها بلال» فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين برؤيا عبد اللَّه زيد. ومما كثر السؤال عنه باشر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الأذان بنفسه، وقد وقع عند الهيلى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح برفعه إلى أبى هريرة وليس هو من حديث أبى هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مرة، وكذا جزم النووي بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أذن مرة في السفر وعزاه للترمذي وقواه، ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الّذي أخرجه الترمذي ولفظه «فأمر بلالا فأذن» فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا وأن معنى قوله: «أذن» أمر بلالا به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا، وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرا به. ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد اللَّه بن الزبير قال: أخذ الأذان من أذان إبراهيم وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ الآية قال: فأذن رسول الجزء: 10 ¦ الصفحة: 114   [ () ] اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل [أمر] بالأذان لآدم: أهبط من الجنة. (الفائدة الثانية) قال الزبير بن المنبر: أعرض البخاري عن التصريح يحكم الأذان لعدم إفصاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين، فأثبت مشروعيته، وسلم من الاعتراض. وقد اختلف في ذلك ومنشأ الخلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بين أصحابه حتى استقر برؤيا كان ذلك بالمندوبات أشبه، ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه كان ذلك بالواجبات أشبه انتهى. وسيأتي بقية الكلام على ذلك قريبا إن شاء اللَّه تعالى. قوله: (حدثنا عبد الوارث) هو ابن سعيد، وخالد هو الحذاء كما ثبت في رواية كريمة، والإسناد كله يصربون. قوله: (ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى) كذا ساقه عبد الوارث مختصرا، ورواية عبد الوهاب الآتية في الباب الّذي بعده أوضح قليلا حيث قال: «لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا» وأوضح من ذلك رواية روح بن عطاء عن خالد عند أبى الشيخ ولفظه «فقالوا لو أتتخذنا ناقوسا. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذلك للنصارى. فقالوا: لو اتخذنا بوقا، فقال: ذلك لليهود. فقال: لو رفعنا نارا، فقال: ذاك للمجوس «فعلى هذا ففي رواية عبد الوارث اختصار كأنه كان فيه: ذكروا النار والناقوس والبوق فذكروا اليهود والنصارى والمجوس، واللف والنشر فيه معكوس، فالنار للمجوس والناقوس للنصارى والبوق لليهود. وسيأتي في حديث ابن عمر التنصيصى على أن البوق لليهود. وقال الكرماني: يحتمل أن تكون النار والبوق جميعا لليهود جمعا بين حديثي أنس وابن عمر انتهى، ورواية روح تغني عن هذا الاحتمال. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 317- 319، كتاب الصلاة، باب (1) بدء الأذان، حديث رقم (377) قال الإمام النووي: قال أهل اللغة: الأذان الإعلام قال اللَّه تعالى: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وقال تعالى: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ ويقال الأذان والتأذين والأذان. وقوله (كان المسلمون يجتمعون فيتحينون الصلاة) قال القاضي عياض رحمه اللَّه تعالى: معنى يتحينون يقدرون حينها ليأتوا إليها فيه والحين الوقت من الزمان. قوله (فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 115 ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أنه قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون، فيتحينون الصلوات، وليس ينادى بها أحد، فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرنا مثل قرن اليهود، فقال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أولا تبعثون رجلا ينادى بالصلاة قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يا بلال، قم فناد بالصلاة. وقال البخاري: ليس ينادى لها. وقال: بل بوقا مثل قرن اليهود ترجم عليه باب بدء الأذان. وخرج في باب الأذان مثنى مثنى [ (1) ] ، من حديث خالد الحذاء، عن أبى قلابة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما كثر الناس قال: ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن ينوروا نارا أو   [ () ] قال أهل اللغة هو الّذي يضرب به النصارى لأوقات صلواتهم وجمعه نواقيس والنقس ضرب الناقوس. قوله (كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادى بها أحد فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا وقال بعضهم قرنا فقال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أولا تبعثون رجلا ينادى بالصلاة قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قم يا بلال فناد بالصلاة، في هذا الحديث فوائد منها منقبة عظيمة لعمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وذكر ابن جريح أخبرنى نافع مولى ابن عمر عن عبد اللَّه بن عمر أنه قال كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات وليس ينادى أحد فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا مثل النصارى وقال بعضهم قرنا مثل قرن اليهود فقال عمر أولا تبعثون رجلا ينادى بالصلاة قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يا بلال قم فناد بالصلاة. (شرح النووي) . [ (3) ] (سنن النسائي) : 2/ 329، كتاب الأذان، باب (1) بدء الأذان، حديث رقم (625) . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 1/ 362- 363، أبواب الصلاة، باب (25) ما جاء في بدء الأذان، حديث رقم (190) ، وقال هذا حديث حسن صحيح، غريب من حديث ابن عمر. [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 105، كتاب الأذان، باب (2) - الأذان مثنى مثنى، حديث رقم (606) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 116 يضربوا ناقوسا، فأمر بلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة. وخرجه مسلم من حديث خالد أيضا بمثله، غير أنه قال: فذكروا أن يوروا نارا [ (1) ] . وفي لفظ: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا بمثل ما تقدم، غير أنه قال: أن يوروا نارا [ (2) ] . وفي لفظ البخاري: عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والناقوس والنصارى فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ذكره في باب بدء الأذان [ (3) ] وفي باب ما ذكر عن بنى إسرائيل [ (4) ] والإسناد واحد. وقال ابن إسحاق: فلما اطمأن [ (5) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة، واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين، واجتمع أمراء الأنصار، استحكم أمر الإسلام، فقامت الصلاة، وفرضت الزكاة، والصيام، وقامت الحدود، وفرض الحلال والحرام وبنو الإسلام بين أظهرهم، وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوءوا الدار والإيمان، وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين قدمها، إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها لغير دعوة، فهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يجعل بوقا كبوق اليهود الذين يدعون به لصلاتهم، ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب للمسلمين الصلاة.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 320، كتاب الصلاة، باب (2) الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة، حديث رقم (3) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4) . [ (3) ] (فتح الباري) : 2/ 98، كتاب الأذان، باب (1) بدء الأذان، قوله عز وجل: وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة 58] . [ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 613، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (50) ما ذكر عن بنى إسرائيل، حديث رقم (3450) . [ (5) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 40، خير الأذان، التفكير في اتخاذ علامة لحلول وقت الصلاة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 117 فبينا هم على ذلك رأى عبد اللَّه بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج النداء، فأتى رسول اللَّه فقال: يا رسول اللَّه، إنه طاف هذه الليلة طائف، مرّ بى رجل عليه ثوبان أخضران، يحمل ناقوسا في يده، فقلت يا عبد اللَّه أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: [ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟] [ (1) ] قال: قلت: وما هو؟ قال: تقول: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح. حي على الفلاح اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه [ (2) ] . فلما أخبر بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: إنها لرؤيا حق، إن شاء اللَّه تعالى فقم مع بلال فألقها عليه «فليؤذن بها» فإنه أندى [ (3) ] صوتا منك، فلما أذن بها بلال، سمعها عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو في بيته، فخرج إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يجر رداءه، وهو يقول: يا بنى اللَّه! والّذي بعث بالحق، لقد رأيت مثل الّذي رأى، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فلله الحمد [ (4) ] [على ذلك [ (5) ]] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] أندى: أحسن وأبدع (المرجع السابق) [هامش] ، وقال في هامشه: فبينما هم في ذلك- أرى عبد اللَّه بن زيد الرؤيا التي ذكر ابن إسحاق، فلما أخبر بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم- وأمره أن يلقيها على بلال، قال: يا رسول اللَّه أنا رأيتها، وأنا كنت أحبها لنفسي، فقال: ليؤذن بلال، ولتقم أنت الصلاة، ففي هذا من الفقه جواز أن يؤذن الرجل يقيم غيره. [ (4) ] (المرجع السابق) . [ (5) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق في (المرجع السابق) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 118 قال ابن إسحاق: حدثني بهذا الحديث محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن محمد بن عبد اللَّه بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه عن أبيه [ (1) ] . قال ابن هشام: وذكر ابن جريح، قال: لي عطاء: سمعت عبيد بن عمير الليثي يقول: ائتمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة، فبينما عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يريد أن يشترى خشبتين للناقوس إذ رأى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في المنام لا تجعلوا الناقوس، بل أذنوا للصلاة، فذهب عمر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليخبره بالذي رأى، وقد جاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الوحي بذلك، فما راع عمر إلا بلال يؤذن، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: حين أخبره بذلك: قد سبقك بذلك الوحي [ (2) ] . وقد خرجه أبو داود [ (3) ] ، وابن الجارود، والترمذي [ (4) ] ، وقال: حديث عبد اللَّه بن زيد حديث حسن صحيح [ (5) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) ، وبعد هذه الفقرة في (الأصل) سطران من النسب بسياق مضطرب لا يخدمان المعنى ولا الموضوع فأثرنا حذفهما. [ (2) ] (المرجع السابق) : 42، ثم قال في هامشه فأما الحكمة في تخصيص الآذان برؤيا رجل من المسلمين ولم يكن عن وحي فلأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد أريه ليلة الإسراء، وأسمعه مشاهدة فوق سبع سماوات وهذا أقوى من الوحي، فلما تأخر فرض الأذان إلى المدينة، وأرادوا إعلام الناس بوقت الصلاة تلبث الوحي حتى رأى عبد اللَّه الرؤيا، فوافقت ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فلذلك قال: إنها لرؤيا حق إن شاء اللَّه، وعلم حينئذ أن مراد الحق بما رآه في السماء، أن يكون سنة في الأرض وقوى ذلك عنده موافقة رؤيا عمر للأنصاريّ، مع أن السكينة تنطق على لسان عمر واقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الأذان على لسان غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من المؤمنين، لما فيه من التنويه من اللَّه لعبده، والرفع لذكره، فلأن يكون ذلك على غير لسانه أنوه به وأفخم لشأنه، وهذا معنى بين فإن اللَّه سبحانه يقول وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ فمن رفع ذكره أن أشاد به على لسان غيره، عن (الروض الأنف) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 1/ 337- 338، كتاب الصلاة، باب (28) كيف الأذان، حديث رقم (499) ، قال أبو داود: هكذا رواية الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد اللَّه بن زيد، وقال فيه ابن إسحاق عن الزهري: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لم يثنيا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 119   [ () ] قال الإمام الخطابي في (معالم السنن) : قلت روى هذا الحديث والقصة بأسانيد مختلفة وهذا الإسناد أصحها. وفيه أنه ثنى الأذان وأفرد الإقامة، وهو مذهب أكثر علماء الأمصار، وجرى به العمل في الحرمين والحجاز وبلاد الشام واليمن وديار مصر ونواحي المغرب إلى أقصى حجر من بلاد الإسلام. وهو قول الحسن البصري ومكحول والزهري ومالك والأوزاعي والشافعيّ وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم. وكذلك حكاه سعد القرظ وقد كان أذن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته بقباء، ثم استخلفه بلال بن رباح زمان عمر رضى اللَّه عنه، فكان يفرد الاقامة ولم يزل ولد أبى محذورة وهم الذين يلون الأذان بمكة يفردون الاقامة ويحكون عن جدهم، إلا أنه قد روى في قصة أبى محذورة الّذي علمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم منصرفه من حنين أن الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة، وقد رواه أبو داود في هذا الباب، إلا أنه قد روى من غير هذا الطريق أنه أفرد الإقامة، غير أن التثنية عنه أشهر، إلا أن فيه إثبات الترجيع فيشبه أن يكون العمل من أبى محذورة ومن ولده بعده إنما استمر على إفراد الإقامة إما لأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أمره بذلك بعد الأمر الأول بالتثنية وإما لأنه استمر قد بلغه أنه أمر بلالا بافراد الاقامة فاتبعه وكان أمر الأذان ينقل من حال إلى حال ويدخله الزيادة والنقصان وليس كل أمور الشرع ينقلها رجل واحد ولا كان وقع بيانها كلها ضربة واحدة. وقيل لأحمد: وكان يأخذ في هذا بأذان بلال أليس أذان أبى محذورة بعد أذان بلال؟ فإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أليس لما عاد إلى المدينة أقر بلالا على أذانه. وكان سفيان الثوري وأصحاب الرأى يرون الأذان والإقامة مثنى مثنى على حديث عبد اللَّه بن زيد من الوجه الّذي روى فيه تثنية الإقامة. وقوله: طاف بى رجل: يريد الطيف وهو الخيال الّذي يلم بالنائم. يقال منه طاف يطيف، ومن الطواف يطوف، ومن الإحاطة بالشيء أطاف يطيف. وفي قوله: «ألقها على بلال فأنه أندى صوتا منك» دليل على أن من كان ارفع صوتا كان أولى بالأذان. لأن الأذان إعلام فكل من كان الإعلام بصوته أوقع كان به أحق وأجدر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 120 وخرج أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار من حديث محمد ابن عثمان بن مجالد، حدثنا أبى عن زياد بن المنذر، عن محمد بن على بن الحسين، عن أبيه عن جده، عن على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما أراد اللَّه تعالى أن يعلّم رسول اللَّه الأذان، أتاه جبريل عليه الصلاة والسلام بداية يقال لها البراق، فذهب يركبها، فاستعصت، فقال لها جبريل: اسكني، فو اللَّه ما ركبك عبد أكرم على اللَّه من محمد قال: فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الّذي يلي الرحمن تبارك وتعالى، قال: فبينا هو كذلك،   [ () ] وقوله: ثم استأخر غير بعيد يدل على أن المستحب أن تكون الإقامة في غير موقف الأذان. (سنن أبى داود) : 1/ 338- 339. وأخرجه أيضا ابن ماجة في (السنن) : 1/ 232- 233، كتاب الأذان والسنة فيه باب (1) بدء الأذان، حديث رقم (706) وزاد في أخره، قال أبو عبيد: فأخبرني أبو بكر الحكمىّ، أن عبد اللَّه بن زيد الأنصاري قال في ذلك: أحمد اللَّه ذا الجلال وذا الإكرام ... حمد على الأذان كثيرا إذا أتانى به البشير من الله ... فأكرم به لدى بشيرا في ليال وإلى بهن ثلاث ... كلما جاء زادني توقيرا [ (4) ] (سنن الترمذي) : 1/ 358- 363، باب (25) ما جاء في بدء الأذان، حديث رقم (189) ، وقال في آخره وفي الباب ابن عمر، قال أبو عيسى: حديث عبد اللَّه بن زيد حديث صحيح، وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد بن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول، وذكر فيه قصة الأذان مثنى مثنى والإقامة مرة [مرة] . وعبد اللَّه بن زيد هو ابن عبد ربه، [ويقال ابن عبد رب] . ولا نعرف له عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم شيئا يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان. وعبد اللَّه بن زيد بن عاصم المازني له أحاديث عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو عم عباد بن تميم. [ (5) ] قال في هامش (المرجع السابق) : والظاهر أن هذه الرواية رواية فيها شيء من التصرف من ابن إسحاق، ليناسب سياق السيرة، وأن أول الحديث قوله «وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين قدمها» . وقال ابن إسحاق بعد روايته: «حدثني بهذا الحديث محمد بن إبراهيم بن الحرث عن محمد بن عبد اللَّه بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه عن أبيه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 121 إذ خرج ملك من الحجاب، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يا جبريل من هذا؟ قال: والّذي بعثك بالحق أنى لأقرب الخلق مكانا، وإن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه. فقال الملك: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، فقيل له من وراء الحجاب: صدق عبدي، أنا أكبر، أنا أكبر. ثم قال الملك: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، فقيل له من وراء الحجاب: صدقت، أنا لا إله إلا أنا. فقال الملك: أشهد أن محمد رسول اللَّه، فقيل له من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أرسلت محمدا. قال الملك: حي على الصلاة، حي على الفلاح، ثم قال الملك: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، فقيل من وراء الحجاب: أنا أكبر، أنا أكبر، ثم قال: لا إله إلا اللَّه، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا لا إله إلا أنا ثم أخذ الملك بيد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقدمه، فأم أهل السماء، فيهم آدم ونوح. قال أبو جعفر، محمد بن على، عليهما السلام، يومئذ أكمل اللَّه عز وجل لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم الشرف على أهل السموات والأرض. وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث نوح بن دراج، عن الأجلح، عن البهي عن سفيان بن الليل، قال: لما كان من أمر الحسن بن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما ومعاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ما كان، قدمت عليه المدينة، فذكر الحديث، قال: فتذاكرنا عنده الآذان فقال [بعضنا إنما] كان بدؤ [الأذان] رؤيا عبد اللَّه بن زيد [بن عاصم] فقال [له] الحسن رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إن شأن الأذان أعظم من ذاك أذن جبريل عليه السلام في السماء مثنى مثنى وعلمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مرة مرة، فعلمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فأذن به الحسن رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه حين ولى.   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 187، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4798) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : قال أبو داود: نوح بن دراج كذاب، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 122 وأما أنه كان له مؤذنان بمسجده صلى اللَّه عليه وسلّم فخرج مسلم [ (1) ] من حديث عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مؤذنان: بلال، وابن أم مكتوم الأعمى. وخرجه من طريق عبيد اللَّه [ (2) ] ، حدثنا القاسم، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها مثله. وأخرجه أيضا بأتم من هذا، ولم يذكر البخاري أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان له مؤذنان. ولمسلم [ (3) ] من حديث محمد بن جعفر، حدثنا هشام عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كان ابن أم مكتوم رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يؤذن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو أعمى.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 324، كتاب الصلاة، باب (4) استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد، حديث رقم (7) . [ (2) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي بين رقمي (7، 8) بدون رقم. [ (3) ] (المرجع السابق) : باب (5) جواز أذان الأعمى إذا كان معه بصير، حديث رقم (8) . قال الإمام النووي: وفي هذا الحديث استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر والآخر عند طلوعه كما كان بلال وابن مكتوم يفعلان قال أصحابنا فإذا احتاج إلى أكثر من مؤذنين اتخذ ثلاثة وأربعة فأكثر بحسب الحاجة وقد اتخذ عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أربعة للحاجة عند كثرة الناس قال أصحابنا ويستحب أن لا يزاد على أربعة الا لحاجة ظاهرة. قال أصحابنا: وإذا ترتب للأذان اثنان فصاعدا فالمستحب أن لا يؤذنوا دفعة واحدة بل إن اتسع الوقت ترتبوا فيه فإن تنازعوا في الابتداء به أقرع بينهم وإن ضاق الوقت فإن كان المسجد كبيرا أذنوا متفرقين في أقطاره وإن كان ضيقا وقفوا معا وو أذنوا وهذا إذا لم يؤد اختلاف الأصوات إلى تهويش فإن أدى إلى ذلك لم يؤذن إلا واحد فإن تنازعوا أقرع بينهم وأما الإقامة فإن أذنوا على الترتيب فالأول أحق بها إن كان هو المؤذن الراتب أو لم يكن هناك مؤذن راتب فان كان الأول غير المؤذن الراتب فأيهما أولى بالإقامة فيه وجهان لأصحابنا أصحهما الجزء: 10 ¦ الصفحة: 123 وأما أن أبا محذورة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان يؤذن بمكة فخرج الترمذي [ (1) ] من حديث بسر بن معاذ البصري، حدثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبى محذورة، قال: أخبرنى أبى، وجدي جميعا   [ () ] أن الراتب أولى لأنه منصبه ولو أقام في هذه الصور غير له ولاية الإقامة اعتد به على المذهب الصحيح المختار الّذي عليه جمهور أصحابنا وقال بعض أصحابنا لا يعتد به كما لو خطب بهم واحد وأم بهم غيره فلا يجوز على قول وأما إذا أذنوا معا فإن اتفقوا على إقامة واحد وإلا فيقرع قال أصحابنا رحمهم اللَّه ولا يقيم في المسجد الواحد إلا واحد إلا إذا لم تحصل الكفاية بواحد وقال بعض أصحابنا لا بأس أن يقيموا معا إذا لم يؤد إلى التهويش. وفي باب جواز أذان الأعمى إذا كان معه بصير فيه حديث عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها «كان ابن أم مكتوم يؤذن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو أعمى» وقد تقدم معظم فقه الحديث في الباب قبله ومقصود الباب أن أذان الأعمى صحيح وهو جائز بلا كراهة إذا كان معه بصير كما كان بلال وابن أم مكتوم قال أصحابنا ويكره أن يكون الأعمى مؤذنا وحده واللَّه أعلم. [ (1) ] (سنن الترمذي) : 1/ 191 باب (26) ما جاء في الترجيع في الأذان، حديث رقم (191) رواه الترمذي هنا مختصرا، اكتفاء بما علم من ألفاظ الأذان بالتواتر العملي، وهو مروى مفصلا أيضا في كتب السنة. وممن رواه مفصلا الشافعيّ في (الأم) : 1: 73 عن مسلم بن خالد عن ابن جريح عن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبى محذورة عن عبد اللَّه بن محيريز- وكان يتيما في حجر أبى محذورة- عن أبى محذورة، وقال ابن جريج في آخره: «فأخبرني ذلك من أدركت من آل أبى محذورة على نحو مما أخبرنى ابن محيريز» . ثم قال الشافعيّ: «وأدركت إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبى محذورة يؤذن كما حكى ابن محيريز. قال الشافعيّ: وسمعته عن أبيه عن ابن محيريز عن أبى محذورة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: معنى ما حكى ابن جريج. قال الشافعيّ: وسمعته يقيم- وحكى الشافعيّ الإقامة مفصلة- وحسبتنى سمعته يحكى الإقامة خبرا كما يحكى الأذان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 124 عن أبى محذورة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أقعده، وألقى عليه الأذان حرفا حرفا، قال إبراهيم: مثل أذاننا، قال بسر: فقلت له: أعد عليّ، فوصف الأذان بالترجيع. قال أبو عيسى: حديث أبى محذورة في الأذان، حديث صحيح، وقد روى من غير وجه، وعليه العمل بمكة، وهو قول الشافعيّ. وخرج قاسم بن أصبغ، ومحمد بن عبد الملك بن أيمن، من حديث روح بن عبادة، عن ابن جريح قال: أخبرنى عثمان بن السائب، عن أم عبد الملك بن أبى محذورة، عن أبى محذورة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما رجع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من حنين، خرجت عاشر عشرة من مكة، فطلبتهم، فسمعتهم يؤذنون للصلاة، فقمنا نؤذن نستهزئ. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: [لا يؤذن] إنسان إلا حسن الصوت، فأرسل إلينا، فأذنا رجلا رجلا، فكنت آخرهم، فقال حين أذنت: تعالى، فأجلسنى بين يديه، فمسح على ناحيتي، وبارك عليّ ثلاث مرات، ثم قال: اذهب فأذن، قلت: كيف يا رسول اللَّه؟ فعلمني الأذان: كما يؤذنون اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح- الصلاة خير من النوم،   [ () ] قال الشافعيّ: والأذان والإقامة كما حكيت عن آل أبى محذورة، فمن نقص منهما شيئا أو قدم مؤخرا أعاد، حتى يأتى بما نقص وكل شيء منه في موضعه. والحديث رواه أيضا الدار قطنى ص 86 والبيهقي 1: 393 من طريق الشافعيّ عن مسلم ابن خالد، ورواه الطحاوي في (معاني الآثار) : 1: 78 والدارقطنيّ (86) وابن عبد البر في (الاستيعاب) : 680 من طريق روح بن عبادة. ورواه أحمد في (المسند) : 3: 409 عن روح بن عبادة ومحمد بن بكر كلاهما عن ابن جريح. ورواه أيضا أحمد وأبو داود والنسائي والدارقطنيّ والطحاوي والبيهقي وابن عبد البر من طريق ابن جريج عن عثمان بن السائب عن أبيه السائب مولى أبى محذورة وعن أم عبد الملك بن أبى محذورة: أنهما سمعاه من أبى محذورة، فذكر الحديث. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 125 الصلاة خير من النوم، في الأذان من الصبح- اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه. قال: وعلمني الإقامة مرتين: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، حي على الصلاة، حي على الصلاة. حي على الفلاح، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، اللَّه أكبر اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه. قال ابن جريج: أخبرنى عثمان هذا الخبر كله عن أم عبد الملك بن أبى محذورة، أنها سمعت ذلك من أبى محذورة. وخرج قاسم أيضا من طريق روح عن ابن جريح، قال: أخبرنى عبد العزيز بن عبد الملك بن عبد اللَّه بن محيريز، أخبره- وكان يتيما في حجر أبا محذورة بن معتمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال له: خرجت في نفر، فكنا ببعض الطريق، فأذن مؤذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالصلاة عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فسمعنا صوت المؤذن ونحن مسكتون، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به، فسمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الصوت، فأرسل إلينا، إلى أن وقفنا بين يديه، فقال: أيكم الّذي سمعت صوته قد ارتفع؟ فأشار القوم كلهم إليّ، وصدقوا، فأرسلهم كلهم وحبسني، ثم قال- قم فأذن بالصلاة. فقمت، ولا شيء أكره إليّ من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فألقى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم التأذين هو نفسه. فقال: قل: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه. ثم دعاني حين قضيت التأذين، فأعطانى صرة فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على ناصية أبى محذورة، ثم أمالها على وجهة، ثم من بين يديه، ثم صلى على كبده، حتى بلغت يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سرة أبى محذورة، ثم قال: بارك اللَّه فيك، وبارك عليك، فقلت: يا رسول اللَّه، مرني بالتأذين بمكة، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: قد أمرتك به. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 126 وذهب كل ما كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من كراهته، وعاد ذلك كله محبة، لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. فقدمت على عتاب بن أسيد، عامل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بمكة فأذنت معه بالصلاة على أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأخبرني بذلك من أهلي، ممن أدرك أبا محذوره، على نحو ما أخبرنى عبد اللَّه بن محيريز [ (1) ] . ومن حديث حجاج الأعور عن ابن جريج، قال: أخبرنى عبد العزيز ابن عبد الملك بن محذوره، أن عبد اللَّه بن محيريز أخبره أنه كان يتيما في حجر أبى محذورة فذكر مثل الحديث الّذي رواه روح عن ابن جريج، عن عبد العزيز، إلى قوله: فألقى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم التأذين. هو نفسه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: قل: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه ثم ذكر الحديث إلى آخره [ (2) ] . قال: وأخبرنى ذلك من أدركت من أهلي، ممن أدرك أبا محذورة، على نحو مما أخبرنى عبد اللَّه بن محيريز. قال: وأخبرنى ابن جريج وأخبرنى عثمان بن السائب، قال: أخبرنى أبى وأم عبد الملك بن أبى محذورة، عن أبى محذورة، قال: فلما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى حنين، خرجت عاشر عشرة، فذكر مثل الحديث الّذي حدث به روح بن عبادة. عن ابن جريج، عن عثمان بن السائب، إلى قوله: فعلمني الأذان كما يؤذنون الآن: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد، أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي الصلاة، حي على الصلاة حي على الفلاح، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم- في الأولى من الصبح- اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه. قال: وعلمني الإقامة مرتين، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه ثم ذكر الحديث إلى آخره، قال: أخبرنى عثمان هذا الخبر كله عن أبيه،   [ (1) ] سبق تخريج هذه الأحاديث بما يغنى عن إعادتها. [ (2) ] سبق تخريج هذه الأحاديث بما يغنى عن إعادتها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 127 وأم عبد الملك بن أبى محذورة، عن أبى محذورة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قلت: عثمان بن النائب، وأبوه، وابن عبد الملك، كلهم غير معروف. وأخرجه الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق عن أبى محذورة فذكره. وقد خرج مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] والنسائي [ (4) ] ، وقاسم بن أصبغ، حديث أبى محذوره، من حديث مكحول عن عبد اللَّه بن محيريز، عن أبى   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 322- 324، كتاب الصلاة، باب (3) صفة الأذان، قال الإمام النووي في (شرح مسلم) : هكذا وقع هذا الحديث في صحيح مسلم في أكثر الأصول في أوله اللَّه أكبر مرتين فقط ووقع هذا الحديث في صحيح مسلم اللَّه أكبر اللَّه أكبر، اللَّه أكبر اللَّه أكبر، أربع مرات قال القاضي عياض: رحمه اللَّه ووقع في بعض طرق الفارسي في صحيح مسلم أربع مرات وكذلك اختلف في حديث عبد اللَّه بن زيد في التثنية والتربيع والمشهور فيه التربيع وبالتربيع قال الشافعيّ، وأبو حنيفة، وأحمد، وجمهور العلماء، وبالتثنية قال مالك واحتج بهذا الحديث وبأنه عالم أهل المدينة وهم أعرف بالسنن، واحتج الجمهور بأن الزيادة من الثقة مقبولة وبالتربيع عمل أهل مكة وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم. واللَّه أعلم. وفي هذا الحديث حجة بينة ودلالة واضحة لمذهب مالك والشافعيّ وأحمد وجمهور العلماء أن الترجيع في الأذان ثابت مشروع وهو العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت بعد قولهما مرتين بخفض الصوت وقال أبو حنيفة والكوفيون: لا يشرع الترجيع عملا بحديث عبد اللَّه بن زيد فأنه ليس فيه ترجيع وحجة الجمهور هذا الصحيح والزيادة مقدمة مع أن حديث أبى محذورة هذا متأخر عن حديث عبد اللَّه بن زيد فإن حديث أبى محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين وحديث ابن زيد في أول الأمر وانضم إلى هذا كله أهل مكة وسائر الأمصار وباللَّه التوفيق. واختلف أصحابنا في الترجيع هل هو ركن لا يصح الأذان إلا به أم هو سنة ليس ركنا حتى لو تركه صح الأذان مع فوات كمال الفضيلة على وجهين والأصح عندهم أنه سنة وقد ذهب جماعة من المحدثين وغيرهم إلى التخيير بين فعل الترجيع وتركه والصواب إثباته واللَّه أعلم. قوله حي على الصلاة معناه تعالوا إلى الصلاة وأقبلوا عليها قالوا وفتحت الياء لسكونها وسكون الياء السابقة المدغمة، ومعنى حي على الفلاح هلم إلى الفوز والنجاة وقيل إلى البقاء أي أقبلوا على سبب البقاء في الجنة والفلاح بفتح الفاء واللام لغة في الفلاح حكاهما الجوهري وغيره ويقال: لحي على كذا الحيعلة قال الإمام أبو منصور الأزهري: قال الخليل بن أحمد: رحمهما اللَّه تعالى الحاء والعين لا يأتلفان في كلمة أصلية الحروف لقرب مخرجيهما إلا أن يؤلف فعل من كلمتين مثل حي على فيقال منه حيعل واللَّه أعلم. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 1/ 340، كتاب الصلاة، باب (28) في الأذان، حديث رقم (500) ، وأخرجه ابن ماجة (في السنن) : 1/ 35، كتاب الأذان والسنة فيها، باب (2) الترجيع في الأذان، حديث رقم (709) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 128 محذوره رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم علمه هذا الأذان: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن محمدا رسول اللَّه، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، مرتين، حي على الصلاة، مرتين، حي على الفلاح، مرتين، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه. هذا لفظ مسلم. ولفظ النسائي، عن أبى محذورة، قال: علمني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الأذان، فقال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، إلى آخره بنحو ما قال مسلم. وعن أبى داود [ (1) ] أن ابن محيريز حدثه أن أبا محذورة حدثه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشره كلمه، الحديث إلى آخره بمثله. وذكر الترمذي [ (2) ] صدر متنه في كتابه، لفظه: عن أبى محذوره أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة، لم يزد   [ () ] (3) (سنن الترمذي) : 1/ 366، أبواب الصلاة، باب (26) ما جاء في الترجيع في الأذان، حديث رقم (191) ، [والترجيع في الأذان] هو إعادة الشهادتين بصوت عال بعد ذكرهما بصوت منخفض. [ (4) ] (سنن النسائي) : 2/ 332، كتاب الأذان، باب (5) كيف الأذان، حديث رقم (631) . [ (1) ] (سنن أبى داود) : 1/ 342، كتاب الصلاة، باب (28) كيف الأذان حديث رقم (502) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 1/ 367، كتاب أبواب الصلاة، باب (26) ما جاء في الترجيع في الأذان، حديث رقم (192) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 129 على هذا، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو محذورة اسمه سمرة بن معمر، قد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا في الأذان. وقد روى عن أبى محذورة، عن أبيه، عن جده، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قلت: يا رسول اللَّه علمني سنة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسه: قال: قل: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ثم ترفع بها صوتك، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، اخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، فإن كانت صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه. وعلمني الإقامة مرتين، مرتين، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، أسمعت؟. قال: وكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مسح عليها . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 130 وأما أنّ سعد القرظ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان مؤذن قباء فذكر ابن المبارك عن يونس بن يزيد، عن الزهري، قال: أخبرنى حفص عن عمر بن سعد، أن جده سعد كان يؤذن على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لأهل قباء، حتى استعمله عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في خلافته، فأذن له بالمدينة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وقال البلاذري: وقد روى أن عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان يؤذن بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عند المنبر. وقال الواقدي بإسناده: كان بلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقف على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. فيقول: السلام عليك يا رسول اللَّه، وربما قال السلام عليك بأبي أنت وأمى أنت يا رسول اللَّه، حي الصلاة حي على الفلاح، السلام عليك يا رسول اللَّه. قال البلاذري: وقال غيره: كان يقول: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة يا رسول اللَّه. وقال ابن زيد: لم يكن في زمان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أذان إلا الأول، وأذان حين يقوم للصلاة، وهي الشيء الآخر، أحدثه الناس في زمن عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فلم يذكره أحد من الصحابة، فمضى به العمل. وقال محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، قال: كان يؤذن بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة، على باب المسجد، وأبى بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. ذكره أبو داود. وروى ابن إسحاق [ (1) ] أن المرأة قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يؤذن عليه الفجر كل غداة فيأتى بسحر، فيجلس على البيت ينتظر عليه الفجر، فإذا رآه تمطى بسحر،   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 42 ما كان يدعو به بلال قبل الفجر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 131 فيجلس على البيت ينتظر عليه الفجر، فإذا رآه تمطى ثم قال: اللَّهمّ أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك. قالت: ثم يؤذن [ (1) ] . ويروى أنه كان يؤذن على أسطوان في قبله المسجد يرقى إليها بإثبات، وكانت في منزل عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وروى نافع عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال كان بلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يؤذن على منارة في دار حفصة بنت عمر رضى اللَّه عنهما، التي تلى المسجد، قال: فكان يرقى على أثبات فيها، وكانت خارجية من المسجد، لم تكن فيه. وأما بلال بن رباح رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. [هو] بلال بن رباح، أبو عبد اللَّه وقيل: أبو عبد الكريم، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: عمرو، مولى أبى بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، اشتراه بخمس أواق، ثم أعتقه، وكان له خازنا، ولرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مؤذنا، وهو أول من أذن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ولزم التأذين له بالمدينة وفي أسفاره شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وامه حمامة كانت من مولدي السراة، وكان آدم شديد الأدمة، نحيفا، طوالا، أجنى، خفيف العارضين، وأذن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حياته ثم أذن لأبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما منعك أن تؤذن، قال: أنى أذنت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى قبض وأذنت لأبى بكر حتى قبض لأنه كان ولى نعمتي، وقد سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: يا بلال ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل اللَّه عز وجل، فخرج مجاهدا ويقال أنه أذن لعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إذ دخل الشام فبكى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وغيره من المسلمين. وقال: سعيد بن المسيب وقد ذكر بلالا، فانطلق العباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال لسيدته: هل لك أي تبيعني عبدك قبل أن يفوتك خيره؟ قال: وما تصنع به؟   [ (1) ] ثم بعد ذلك قالت: واللَّه ما علمته كان يتركها ليلة واحدة. (المرجع السابق) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 132 إنه خبيث وأنه قال ثم لقيها فقال: مثل مقالته، فأشتراه العباس فبعث به إلى أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعتقه فكان يؤذن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فلما مات النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أراد أن يخرج إلى الشام فقال له أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بل تكون عندي، فقال أن كنت أعتقتنى لنفسك فاحبسني وأن كنت أعتقتنى للَّه عز وجل فذرني اذهب إلى اللَّه عز وجل، فقال: أذهب فذهب إلى الشام فكان بها حتى مات. وقال سفيان: عن إسماعيل عن قيس قال: اشترى أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بلالا وهو مدفون بالحجارة، ومات بدمشق سنة عشرين وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكان ديوانه مع خثعم [ (1) ] . [وأما] ابن أم مكتوم اسمه عمرو، وقيل عبد اللَّه بن قيس بن زائدة بن الأصم، وهو جندب ابن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بغيض بن عامر بن لؤيّ القرشي، أمه أم مكتوم عاتكة بنت عبد اللَّه بن عنكثة بن عامر بن مخزوم، فهو ابن خال خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أخى أمها، وأسلم قديما، وبعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من مكة إلى المدينة مع مصعب بن عمير قبل هجرته، واستخلفه على المدينة ثلاث عشرة مرة، وشهد القادسية وما بعدها [ (2) ] .   [ (1) ] له ترجمة في: (مسند أحمد) : 6/ 12- 15، (طبقات ابن سعد) : 3/ 1/ 165، 208، (طبقات خليفة) : 19، 298، (تاريخ خليفة) : 99، 149، (التاريخ الكبير) : 2/ 106، (التاريخ الصغير) : 1/ 53، (الجرح والتعديل) : 2/ 395، (حلبة الأولياء) : 1/ 147- 151، (الاستيعاب) : 2/ 26 (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 136- 137، (تهذيب التهذيب) : 1/ 502. (الإصابة) : 1/ 273، (كنز العمال) : 13/ 305- 308، شذرات الذهب 1/ 31. [ (2) ] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 4/ 150، (المعارف) : 290 (حلية الأولياء) : 2/ 4 (الإستيعاب) : 7/ 41، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 295- 296، (الإصابة) : الجزء: 10 ¦ الصفحة: 133 [وأما] أبو محذورة [الجمحيّ] قيل اسمه أوس بن معير بن لوذان بن ربيعة بن سعد بن جمح. وقبل: اسمه سمير بن عمير بن لوذان بن وهب بن سعد بن جمح فأمه خزاعية. حدث عنه ابنه عبد الملك وزوجته، والأسود بن يزيد، وعبد اللَّه بن محيريز، وابن أبى مليكة، وآخرون كان من أندى الناس صوتا وأطيبه. قال ابن جريج: أخبرنى عثمان بن السائب، عن أم عبد الملك بن أبى محذورة، عن أبى محذورة، قال: لما رجع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من حنين، خرجت عاشر عشرة من مكة نطلبهم، فسمعتهم يؤذنون للصلاة، فقمنا نؤذن تستهزئ. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لقد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت فأرسل إلينا، فأذنا رجلا رجلا، فكنت آخرهم، فقال حين أذنت: [تعال] ، فأجلسنى بين يديه، فمسح على ناصيتي، وبارك على ثلاث مرات، ثم قال: «اذهب فأذّن عند البيت الحرام» قلت: كيف يا رسول اللَّه؟ فعلمني الأولى كما يؤذنون بها، وفي الصبح «الصلاة خير من النوم» وعلمني الإقامة مرتين مرتين. وفيه قيل: - أما ورب الكعبة المستورة ... وما تلا محمد من سوره والنغمات من أبى محذوره ... لأفعلن فعلة منكوره وتوفى بمكة سنة تسع وخمس وقيل سنة تسع وسبعين [ (1) ] ولم يهاجر.   [ () ] 7/ 83 ترجمة رقم (5764) ، (شذرات الذهب) : 1/ 28، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 360- 365، ترجمة رقم (77) . [ (1) ] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) 5/ 450، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم: (139- 2512) ، (المحبر) : 161، (المعارف) : 306، (جمهرة أنساب العرب) : 162، 162، (المستدرك) : 3/ 514، (الاستيعاب) : 1/ 121 ترجمة رقم (116) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 2- 266، (تهذيب التهذيب) 12/ 222، (الاصابة) : 1/ 160 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 134 [وأما] سعد بن عائذ [سعد القرظ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو سعد بن عائذ مولى عمار بن ياسر، عرف بسعد القرظ لأنه لزم بيعه، جعله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مؤذنا بقباء، ثم أذن لما ترك بلال الأذان بالمسجد النبوي حتى مات فتوارث بنوه الأذان فيه [ (1) ] . [وأما] حبان بن بحّ الصدائى [فإنه] يعد في من نزل مصر من الصحابة، قال ابن يونس: وفد على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وشهد الفتح بمصر ويقال حبان، وجيان الصواب. وقال الدار قطنى: حيان بن بح الصدائى بكسر الحاء مع باء معجمة بواحدة، له بمصر حديث رواه بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم، عن حيان بن بح قال: إن قومي كفروا فأخبرت أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم جهز إليهم جيشا، فأتيته فقلت: إن قومي   [ () ] ترجمة رقم (358) ، (شذرات الذهب) : 1/ 65، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 117- 118 ترجمة رقم (24) . [ (1) ] وروى البغوي، عن القاسم بن محمد بن عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرظ، عن آبائه أن سعدا اشتكى إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قلة ذات يده، فأمره بالتجارة فخرج إلى السوق، فاشترى شيئا من قرظ فباعه فربح، فذكر ذلك للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، فأمره بلزوم ذلك وروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، أذن في حياته بمسجد قباء. وروى عنه ابناه عمار وعمر، نقله أبو بكر من قباء إلى المسجد النبوي، فأذن فيه بعد بلال، - وتوارث عنه بنوه الأذان. قال خليفة: أذن سعد لأبى بكر ولعمر بعده. وروى يونس عن الزهري أن الّذي نقله عن قباء عمر. قال أبو أحمد العسكري: عاش سعد القراظ إلى أيام الحجاج، له ترجمة في: (الإصابة) : 3/ 65، ترجمة رقم (3173) ، (المعارف) : 258، (تهذيب التهذيب) : 3/ 415، ترجمة رقم (891) ، (الاستيعاب) : 2/ 593- 594، ترجمة رقم (943) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 135 على الإسلام فقال: أكذلك؟ قلت: نعم واتبعته ليلتي حتى الصباح فأذنت بالصلاة لما أصبحت، وأعطانى ماء توضأت منه، فجعل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أصابعه في الإناء فانفجر عيونا. فقال: من أراد منكم أن يتوضأ فليتوضّأ، فتوضأت وصليت، فأمرنى عليهم، وأعطانى صدقاتهم، فقام رجل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إن فلانا ظلمني، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لا خير في الإمارة لمسلم. ثم جاء رجل يسأل صدقة، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: إن الصدقة صداع وحريق في الرأس أو داء، فأعطيته صحيفة إمرتي وصدقنى، فقال: ما شأنك؟ فقلت: أقبلها، وقد سمعت ما سمعت؟. رواه سعيد بن أبى مريم، عن ابن لهيعة، عن بكر بن سواد، وزياد ابن الحارث الصدائى: وفد على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. وشهد الفتح بمصر، وحديثه يشبه حديث حبان بن بح. قال ابن يونس، وقال ابن عبد البر: وهو حليف بنى الحارث بن كعب، تابع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وأذن بين يديه، يعد في مصر وأهل المغرب. وقد خرج له أبو داود، والترمذي، وابن ماجة. وقال ابن وهب: أخبرنى عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن زياد بن نعيم، أنه سمع زياد بن الحارث الصدائى قال: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فبايعته على الإسلام، فأخبرت أنه بعث جيشا إلى قومي، فقلت: يا رسول اللَّه! أن رد الجيش، وأنا لك بإسلامهم وطاعتهم، فقال: اذهب فردهم، فقلت: يا رسول اللَّه، إن راحلتي قد كلت، ولكن ابعث إليهم رجلا قال: فبعث إليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم رجلا، وكتبت معه إليهم، فردهم، قال الصدائى: فقدم وفدهم بإسلامهم، فقال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يا أخا صداء، وإنك مطاع في قومك؟ قلت: بل اللَّه هداهم للإسلام، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أفلا أؤمرك عليهم؟ قلت: بلى، فكتب لي كتابا بذلك، فقلت يا رسول اللَّه بشأن صدقاتهم، نكتب لي كتابا آخر بذلك، وكان ذلك في بعض أسفاره، فنزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم منزلا، فأتى أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم، يقولون: أخذنا بشيء كان بيننا وبينه في الجاهلية، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أو فعل؟ قالوا: نعم فالتفت إلى أصحابه وأنا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 136 فيهم فقال: لا خير في الإمارة لرجل مؤمن، قال الصدائى: فدخل قوله في نفسي، قال: ثم أتاه آخر، فقال: يا رسول اللَّه، أعطنى، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن، فقال السائل: فأعنى من الصدقة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه لم يرض بحكم نبي ولا غيره [في الصدقات] حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء [ (1) ] ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك- أو أعطيناك- حقك الصدائى: فدخل ذلك في نفسي، لأني سألته من الصدقات وأنا غنى، ثم إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعتشى من أول الليل، فلزمته، وكنت قويا، وكان أصحابه ينقطعون عنه ويستأخرون، حتى لم يبق معه أحد غيري، فلما كان أوان صلاة الصبح أمرنى فأذنت، وجعلت أقول: أقيم يا رسول اللَّه؟ فينظر إلى ناحية المشرق ويقول: لا، حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرز، ثم انصرف إلى وقد تلاحق أصحابه، فقال: هل من ماء يا أخا صداء؟ قلت: لا، إلا شيء قليل لا يكفيك، فقال: اجعله في إناء ثم ائتني به، ففعلت، نوضع كفه في الإناء، فرأيت بين كل إصبعين من أصابعه عينا تفور، فقال: لولا أنى أستحيى من ربى- يا أخا صداء- لسقينا واستقينا، ناد في الناس: من له حاجة في الماء، فنادى فيهم، فأخذ من أراد منهم، ثم جاء بلال فأراد أن يقيم، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن أخا صداء أذن، ومن أذن فهو يقيم، قال الصدائى: فأقمت، فلما قضى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاته أتيته بالكتابين، فقلت: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، أعفنى من هذين، فقال: وما بدا لك؟ إني سمعتك تقول: لا خير في الإمارة لرجل مؤمن، وأنا أومن ورسوله، وسمعتك تقول للسائل: من سأل عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن، وقد سألتك وأنا غنى، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: هو ذاك، إن شئت فاقبل وإن شئت فدع [فقلت: أدع] فقال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: فدلني على رجل أؤمره   [ (1) ] وهي الأجزاء الثمانية التي ذكرها اللَّه تبارك وتعالى في الآية رقم (60) من سورة التوبة والتي يحدد فيها المصارف الثمانية لأموال الصدقات، وهي قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 137 عليهم، فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه، فأمره علينا، ثم قلنا: يا رسول اللَّه، إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها فاجتمعنا عليها، وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا، وقد أسلمنا، وكل من حولنا عدوّ، فادع اللَّه لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها فنجتمع عليها ولا نتفرق، قال: فدعا بسبع حصيات، فعركهن في يده ودعا فيهن، ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيات، فإذا أتيتم البئر فألقوها واحدة واحدة واذكروا اسم اللَّه، قال الصدائى: ففعلنا [ما قال لنا] ، فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر في قعرها، يعنى البئر. هذا لفظ ابن عبد الحكم، وقد صححنا بعض أحرف فيه وزدنا بعض أحرف، من رواية المزي المطبوعة بحاشية التهذيب، ما زدناه كتبناه بين قوسين هكذا [] . وقوله في الحديث «اعتشى من أول الليل» : قال في النهاية: «أي سار وقت العشاء، كما يقال: استمر وابتكر» . وقد خرج حديث زياد بن الحرث الترمذي وقاسم بن أصبغ مختصرا، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي [ (1) ] أبو خالد الشعبانيّ العامري، مصرى، يروى الموضوعات عن الثقات، ويدلس عن محمد بن سعيد المصلوب. كان ابن مهدي ويحيى لا يحدثان عن الإفريقي. قال ابن معين: هو ضعيف، قاله أبو حاتم، محمد بن حبان. ***   [ (1) ] له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 6/ 157- 160، ترجمة رقم (358) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 138 فصل في ذكر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أذن بنفسه. خرج الترمذي من طريق شبابه بن سوار، حدثنا عمر بن الرماح [البلخي] عن كثير بن زياد عن عمرو بن عثمان بن يعلى مرة [ (1) ] عن أبيه عن جده قال: «أنهم كانوا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في مسير، فانتهوا إلى مضيق، وحضرت الصلاة، فمطروا، السماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو على راحلته فصلى بهم يومى إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع [ (2) ] » . قال أبو عيسى: هذا حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البلخي [ (3) ] لا يعرف إلا من حديثة. وخرجه الدارقطنيّ من طريق ابن الرماح أيضا عن كثير بن زياد بن سهل البصري عن عمر بن عثمان بن يعلى بن أميه عن أبيه عن أبيه عن جده يعلى بن أمية صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: انتهينا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلى مضيق، السماء من فوقنا والبلة من أسفلنا وحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام أو أقام بغير أذان ثم تقدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فصلى بنا على راحلته وصلينا خلفه على رواحلنا وجعل   [ (1) ] هو يعلى بن مرة الثقفي، صحابى، شهد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بيعة الرضوان وخيبر، وفتح مكة وغزوي الطائف، وحنينا، وله أحاديث مرفوعة، وأما ابنه عثمان وحفيده عمرو بن عثمان فليس لهما في الكتب الستة إلا هذا الحديث عند الترمذي، وعمرو بن عثمان ذكره ابن حبان في (الثقات) . وأبوه عثمان بن يعلى قال ابن القطان: مجهول. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 2/ 266، أبواب الصلاة، باب (186) ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين والمطر، حديث رقم (411) . [ (3) ] ثم قال أبو عيسى عقب ذلك: لا يعرف إلا من حديثه، وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم، وكذلك روى عن أنس بن مالك: أنه صلى في ماء وطين على دابته، والعمل على هذا عند أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 139 سجوده اخفض من ركوعه [ (1) ] قال السهيليّ: والمفصل يقضى على المجمل المجتهد. فصل في ذكر من كان يقم المسجد على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: قم الشيء، يقمه قما كنسه، حجازية، والمقمة: المكنسة، والقمامة: الكناسة [ (2) ] . خرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث حماد بن زيد، عن ثابت البناني، عن أبى رافع، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد، فمات، فسأل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عنه فقالوا: مات. قال: أفلا كنتم آذنتموني به؟ دلوني على قبره، أو قال: قبرها، فصلى   [ (1) ] (سنن الدارقطنيّ) : 1/ 380- 381، باب صلاة المريض لا يستطيع القيام، والفريضة على الراحلة، حديث رقم (6) . قال في (تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدار قطنى) : 139، حديث رقم (335) : إسناده فيه لين، وابن غزوان ضعيف. [ (2) ] وقال اللحياني: قمامة البيت ما كسح منه، فألقى بعضه على بعض. الليث: القم ما يقم من قمامات القماش ويكنس. قال: قم بيته يقمه قما إذا كنسه. وفي حديث فاطمة عليها السلام: أنها لما قمت البيت أغبرت ثيابها، أي كنسته. (لسان العرب) : 12/ 493. [ (3) ] (فتح الباري) : 1/ 727، كتاب الصلاة، باب (72) كنس المسجد، والتقاط الخرق والقذى والعيدان، حديث رقم (458) . وفي الحديث فضل تنظيف المسجد، والسؤال عن الخادم والصديق الخير، وندب الصلاة على الميت الحاضر عند قبره، لمن لم يصلى عليه، والإعلام بالموت. (فتح الباري) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 30، كتاب الجنائز، باب (23) الصلاة على القبر، حديث رقم (71) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 140 عليه. ذكره البخاري في كتاب الصلاة، وترجم عليه باب كنس المسجد، والتقاط الخرق والقذى والعيدان. وذكره في كتاب الصلاة على القبر بعد ما يدفن بنحو منه. وفي كتاب الصلاة، باب الخدم للمسجد. ولفظ مسلم أن: امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا، ففقدها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فسأل عنها أو عنه، فقالوا: مات قال: أفلا كنتم أذنتمونى؟ قال: فكأنهم صغروا أمرها أو أمره، فقال: دلوني على قبره، فدلوه، فصلى عليها، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن اللَّه عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم. وخرجه قاسم بن أصبغ بهذا الإسناد، وقال: إن إنسانا أسودا، أو إنسانة سوداء كانت تقم أو يقم [المسجد] فمات أو ماتت، ففقدها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما فعل ذلك الإنسان؟. ... الحديث بنحو حديث مسلم. وهذه المرأة يقال اسمها محجنة، ويقال أم محجن [ (1) ] ***   [ (1) ] محجنة، وقبل أم محجن، امرأة سوداء كانت تقم المسجد، وقع ذكرها في الصحيح بغير تسمية وسماها يحى بن أبى أنيسة، وهو متروك، عن علقمة بن مرثد، عن رجل من أهل المدينة، قال: كانت امرأة من أهل المدينة يقال لها محجنة تقم المسجد، فتفقدها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأخبر أنها قد ماتت، فقال: ألا آذنتموني بها؟ فخرج فصلى عليها، وكبر أربعا. قال يحي: وحدثنا الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم نحوه. ومن طريق عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مر على قبر حديث عهد بدفن، فقال: متى دفن هذا؟ فقيل: هذه أم محجن التي كانت مولعه بلقط القذى من المسجد، فقال: أفلا أذنتمونى؟ قالوا: كنت نائما فكرهنا أن نوقظك.. الحديث. (الإصابة) : 8/ 116 ترجمة رقم (11742) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 141 فصل في ذكر من أسرج في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: السراج: المصباح، والجمع سرج، والمسرجة التي فيها الفتيل، التي يجعل فيها النار. وأسرج السراج: أوقده [ (1) ] . والّذي أسرج المسجد على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سراج، قال: أبو عمر ابن عبد البر [ (2) ] سراج مولى تميم الداريّ قدم على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في خمس غلمان   [ (1) ] قال في (اللسان) : والسراج: المصباح الزاهر الّذي يسرج بالليل، والجمع سرج، والمسرجة: التي فيها الفتيل. وقد أسرجت السراج إسراجا. والمسرجة بالفتح: التي يجعل عليها المسرجة. والشمس سراج النهار، والمسرجة بالفتح: التي توضع فيها الفتيلة والدهن. وفي الحديث: عمر سراج أهل الجنة، قيل: أراد أن الأربعين الذين تموا بعمر كلهم من أهل الجنة، وعمر فيها بينهم كالسراج، لأنهم اشتدوا بإسلامه وظهروا للناس، وأظهروا إسلامهم بعد أن كانوا مختفين خائفين، كما أنه بضوء السراج يهتدى الماشي، والسراج: الشمس. وفي التنزيل وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً وقوله عز وجل: وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً إنما يريد مثل السراج الّذي يستضاء به، أو مثل الشمس في النور والظهور. والهدى: سراج المؤمن، على التشبيه. التهذيب: قوله تعالى: وَسِراجاً مُنِيراً قال الزجاج: أي وكتابا بينا، المعنى أرسلناك شاهدا، وذا سراج منير أي وذا كتاب منير تبين، وإن شئت كان وسراجا منصوبا على معنى داعيا إلى اللَّه وتاليا كتابا بينا، قال الزهري: وإن جعلت سراجا نعتا للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم وكان حسنا، ويكون معناه هاديا كأنه سراج يهتدى به في الظلم وأسرج السراج: أوقده، وسرج اللَّه وجهه وبهجة أي حسنة. (لسان العرب) : 2/ 297- 298 . [ (2) ] (الاستيعاب) : 2/ 683، ترجمة رقم (1131) ، وقال الحافظ في (الإصابة) : أخبرنى عبد العزيز بن أبى الحسن القرميسيني، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، كذا حدثنا سلامة ابن سعيد الداريّ، حدثني أبو حامد يزيد بن العباس بن حكيم بن خيار، فذكر النسب مثله إلى سراج، حدثني أبى عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن جده- كذا فيه مرتين- عن أبيه على ابن مجاهد، عن جده مجاهد، عن أبيه سراج سادن بيت المقدس، وكان اسمه فتحا- كذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 142 بتميم، وروى عنه في تحريم الخمر، وأنه أسرج في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالقنديل، والزيت، وكانوا لا يسرجون قبل ذلك الا بسعف النخل فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من أسرج مسجدنا؟ فقال تميم: غلامي هذا، فقال: ما اسمه فقال: فتح، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: اسمه سراج، قال: فسماني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سراجا. فصل في ذكر تخليق المسجد في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الخلاق ضرب من الطيب وقيل: الزعفران وقد تخلق وخلقة وخلقت المرأة جسمها طلته بالخلوق [ (1) ] . خرج قاسم بن أصبغ من حديث معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عمر بن سليم قال: حدثني أبو الوليد قال: قلت لابن عمر ما كان يدهن هذا الزعفران في المسجد، قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فرأى نخامة في قبلة المسجد فقال غير هذا كان أجزى، فسمع ذلك، قال: هذا أحسن من الأول فقال فصنعه الناس. وخرجه عمر بن شبة بهذا السند، ولفظه: قلت لابن عمر ما له والزعفران في المسجد؟ فقال: ما أقبح هذا من فعل، فجاء صاحبها فحكها وطلاها بزعفران، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هذا أحسن من ذلك.   [ () ] بخطه بمثناة من فوق ساكنة ثم حاء مهملة - قال: قدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ونحن خمسة غلمان لتميم الداريّ معه وكانت تجارتهم الخمر، فلما نزل تحريم الخمر على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أمرنى فشققتها، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لتميم: يعنى غلمانك لأعتقهم، فقال له تميم: قد أعتقتهم يا رسول اللَّه. (الاصابة) : 3/ 38، ترجمة رقم (3105) . [ (1) ] والخلوق والخلاق: ضرب من الطيب، وقيل الزعفران. وقد تخلق وخلقته: طليته بالخلوق. وخلقت المرأة جسمها: طلته بالخلوق، وقد تخلقت المرأة بالخلوق، والخلوق: طيب معروف يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وقد ورد تارة بإباحته وتارة بالنهى عنه، والنهى أكثر وأثبت، وإنما نهى لأنه من طيب النساء، وهن أكثر استعمالا له منهم، قال ابن الأثير: والظاهر أن أحاديث النهى ناسخة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 143 وخرج من حديث شجاع بن الوليد، فسألت عن محارب بن دثار عن أبى بن كعب قال: أبصر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في حائط المسجد بزاقا فحكه على خرقة، فأخرجه من المسجد وجعل مكانه شيء من طيب أو زعفران، أو ورس. من حديث الحكم بن سليم عن أيوب بن سليمان بن يسار، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رأى نخامة في جدار المسجد فحكها، وخلق مكانها [ (1) ] . فصل في ذكر اعتكاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: عكف يعتكف وتعكف عكفا وعكوفا واعتكف لزم المكان والعكوف الإقامة في المسجد [ (2) ] . فخرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] وأبو داود [ (5) ] من حديث نافع عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللَّه عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده.   [ (1) ] ويؤيد ذلك ما أخرجه البخاري من حديث سفيان عن الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن أبى سعيد: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أبصر نخامة في قبلة المسجد فحكها بحصاة. الحديث، ذكره في كتاب الصلاة، باب (36) حديث رقم (414) . [ (2) ] قال في (اللسان) : عكف على الشيء يعكف ويعكف عكفا وعكوفا: أقبل عليه مواظبا لا يعرف لا يصرف عنه وجهه، وقيل: أقام، ومنه قوله تعالى: يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ أي يقيمون، ومنه قوله تعالى ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً أي مقيما. والعكوف: الإقامة في المسجد قال اللَّه تعالى وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ قال المفسرون وغيرهم من أهل اللغة: عاكفون مقيمون في المساجد لا يخرجون منها إلا لحاجة الإنسان يصلى فيه ويقرأ القرآن. ويقال لازم المسجد وأقام العبادة فيه عاكف ومعتكف. والاعتكاف والعكوف الإقامة على الشيء وبالمكان ولزومها؟. وروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه كان يعتكف في المسجد. (لسان العرب) : 9/ 255. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 144 وقال أبو داود: حتى قبضه اللَّه: وخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث معمر عن الزهري عن أبى هريرة عن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. قال أبو عيسى حديث أبى هريرة وعائشة رضى اللَّه عنها حديث حسن صحيح. وخرج البخاري ومسلم من حديث مسروق عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ [أهله] وجد وشد المئزر. وخرجه أبو بكر بن أبى شيبة [ (2) ] من حديث أبى بكر بن عياش عن أبى إسحاق عن هبيرة بن بريم عن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل العشر أيقظ أهله، ورفع المئزر قيل لأبى بكر بن عياش: ما رفع المئزر؟ قال: اعتزال النساء.   [ () ] (3) (فتح الباري) : 4/ 341، كتاب الاعتكاف، بابا (1) ، الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها، لقوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187] ، حديث رقم (2026) لكن من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب عن عروة بن الزهير، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 8/ 317، كتاب الاعتكاف، باب (1) ، الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، حديث رقم (5) . [ (5) ] (سنن أبى داود) : 2/ 829، كتاب الصوم، باب (77) الاعتكاف حديث رقم (2462) . [ (1) ] (سنن الترمذي) : 3/ 157، كتاب الصوم، باب (71) ما جاء في الاعتكاف، حديث رقم (790) ، ثم قال: وفي الباب، عن أبى بن كعب، وأبى ليلى، وأبى سعيد، وأنس، وابن عمر. قال أبو عيسى حديث أبو هريرة وعائشة حديث حسن صحيح. [ (2) ] (مصنف ابن شيبة) : 2/ 327، كتاب الصيام، باب (75) من كان يجتهد إذا دخل العشر الأواخر من رمضان، حديث رقم (9544) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 145 وأخرجه الترمذي [ (1) ] ، عن سفيان، عن أبى إسحاق، عن هبيرة، عن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وخرج البخاري [ (2) ] ، وأبو داود [ (3) ] ، النسائي [ (4) ] من حديث أبى حصين، عن أبى صالح، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 3/ 61، كتاب الصوم، باب (73) ، بدون ترجمة حديث رقم (795) ، وقال: هذا حديث صحيح، وقال: محققه لم يخرجه من أصحاب الكتب الستة سوى الترمذي. [ (2) ] (فتح الباري) : 4/ 358، كتاب الاعتكاف، باب (17) الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان، حديث رقم (2044) . قوله: (باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان) كأنه أشار بذلك إلى أن الاعتكاف لا يختص بالعشر الأخير وإن كان الاعتكاف فيه أفضل. قوله: (يعتكف في كل رمضان عشرة أيام) في رواية يحيى بن آدم عن أبى بكر بن عياش عند النسائي «يعتكف العشر الأواخر من رمضان» قال ابن بطال: مواظبته صلى اللَّه عليه وسلّم الاعتكاف تدل على أنه من السنن المؤكدة، وقد روى ابن المنذر عن ابن شهاب أنه كان يقول: عجبا للمسلمين، تركوا الاعتكاف، والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم لم يتركه منذ دخل المدينة حتى قبضة اللَّه. وقد تقدم قول مالك إنه لم يعلم أن أحدا من السلف اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن، وإن تركهم لذلك لما فيه من الشدة. قوله: (فلما كان العام الّذي قبض فيه اعتكف عشرين) قيل: السبب في ذلك أنه صلى اللَّه عليه وسلّم علم بانقضاء أجله فأراد أن يستكثر من اعمال الخير ليبين لأمته الاجتهاد في العمل إذا بلغوا أقصى العمر ليلقوا اللَّه على خير أحوالهم، وقيل: السبب فيه أن جبريل كان يعارضه بالقرآن في كل رمضان مرة، فلما كان العام الّذي قبض فيه عارضه به مرتين فلذلك اعتكف قدر ما يعتكف مرتين. ويؤيده أن عند ابن ماجة عن هناد عن أبى بكر بن عياش في آخر حديث الباب متصلا به «وكان يعرض عليه القرآن في كل عام مرة، فلما كان العام الّذي قبض فيه عرضه عليه مرتين «وقال ابن العربيّ: يحتمل أن يكون سبب ذلك أنه لما ترك الاعتكاف في العشر الأخير بسبب ما وقع من أزواجه واعتكف بدله عشرا من شوال اعتكف في العام الّذي يليه عشرين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 146 النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الّذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما. ترجم عليه البخاري في العشر الأوسط من رمضان، وخرجه في كتاب (فضائل القرآن) ، ولفظه فيه: كان يعرض على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الّذي قبض صلى اللَّه عليه وسلّم، وكان يعتكف في كل عام عشرة، واعتكف عشرين في العام الّذي قبض فيه صلى اللَّه عليه وسلّم.   [ () ] ليتحقق قضاء العشر في رمضان. وأقوى من ذلك أنه إنما اعتكف في ذلك العام عشرين لأنه كان العام الّذي قبله مسافرا، ويدل لذلك ما أخرجه النسائي واللفظ له وأبو داود وصححه ابن حبان وغيره من حديث أبى بن كعب «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فسافر عاما فلم يعتكف، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين» ويحتمل تعدد هذه القصة بتعدد السبب فيكون مرة بسبب ترك الاعتكاف لعذر السفر ومرة بسبب عرض القرآن مرتين. وأما مطابقة الحديث للترجمة فإن الظاهر بإطلاق العشرين أنها متوالية فيتعين لذلك العشر الأوسط أو أنه حمل المطلق في هذه الرواية على المقيد في الروايات الأخرى. [ (3) ] (سنن أبى داود) : 2/ 830، كتاب الصوم، باب (77) الاعتكاف، حديث رقم (2463) ، قال: الخطابي: في (معالم السنن) فيه من الفقه أن النوافل المعتادة تقضى إذا فاتت كما تقضى الفرائض، ومن هذا قضاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعد العصر الركعتين اللتين فاتتاه لقدوم الوفد عليه واشتغاله بهم. وفيه مستدل لمن أجاز الاعتكاف بغير صوم ينشنه له، وذلك أن صومه في شهر رمضان إنما كان للشهر الوقت مستحق له. وقد اختلف الناس في هذا، فقال الحسن البصري: إن اعتكف من غير صيام اجزأه، وإليه ذهب الشافعيّ. وروى عن على وابن مسعود أنهما قالا: إن شاء صام وإن شاء أفطر، وقال الأوزاعي ومالك: لا اعتكاف إلا بصوم، وهو منذهب أصحاب الرأى، وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وهو قول سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير. [ (4) ] لم أجده في (المجتبى) ولعله في (الكبرى) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 147 وللنسائى [ (1) ] والإمام أحمد [ (2) ] من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبى رافع، عن أبى بن كعب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يعتكف العشرة من رمضان فسافر عاما ولم يعتكف فلما كان قابل اعتكف عشرين ليلة. وللبخاريّ [ (3) ] من حديث مالك عن يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد، عن محمد ابن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، عن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: من اعتكف معى فليعتكف العشر الأواخر، فتدرست هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها، تلتمسه في العشر الأواخر، التمسوها في كل وتر، فمطرت السماء في تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد، فبصرت عيناي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على جبهته أثر الماء والطين من صبح واحد وعشرين. وذكره في باب الاعتكاف في العشر الأواخر وذكره في باب تحرى ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من حديث بن أبى حازم والدراوَرْديّ، عن يزيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبى سلمة، عن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان حين يمسى من عشرين ليلة تمضى، ويستقبل إحدى   [ (1) ] لم أجده في (المجتبى) ولعله في (الكبرى) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 241، حديث رقم (24827) ، 7/ 242، حديث رقم (24830) ، كلاهما من حديث السيدة عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، لكن باختلاف في السند واللفظ. [ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 355- 356، كتاب الاعتكاف، باب (13) من خرج من اعتكافه عند الصبح حديث رقم (2040) ، (المرجع السابق) ، كتاب الاعتكاف، باب (1) الاعتكاف في العشر الأواخر، حديث رقم (2027) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 148 وعشرين رجع إلى مسكنه، ورجع من كان يجاور معه، وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس، فأمرهم بما شاء اللَّه، ثم قال: كنت أجاور هذه العشر، ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معى فليثبت في معتكفه، وقد أريت هذه الليلة، ثم أنسيتها، فابتغوها في العشر الأواخر، ابتغوها في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين. فاستهلت السماء ليلة إحدى وعشرين، فبصرت عيني، فنظرت إليه من الصبح، ووجهه ممتلئ طينا وماء. وللبخاريّ [ (1) ] من حديث مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الّذي أراد أن يعتكف فيه، إذا أخبية: خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب! فقال: ألبر تقولون؟ ثم انصرف ولم يعتكف ولم يعتكف، حتى اعتكف عشرا من شوال. ترجم عليه باب الأخبية في المسجد. وذكره في باب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج [ (2) ] ، من حديث الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن سعيد، قال: حدثني عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فأستأذنته عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها فأذن لها وسألت حفصة عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب بنت جحش أمرت ببناء فبنى لها قالت: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فأبصر الأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ألبر أردن بهذا؟ ما أنا بمعتكف. فرجع. فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال.   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 349، كتاب الاعتكاف، باب (7) الأخبية في المسجد، حديث رقم (2034) . [ (2) ] (المرجع السابق) باب (18) من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج، حديث رقم: (2045) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 149 ذكره في باب اعتكاف النساء [ (1) ] وفي باب الاعتكاف في شوال [ (2) ] ، بألفاظ متغايرة.   [ (1) ] (المرجع السابق) باب (6) اعتكاف النساء، حديث رقم (2033) ، وفي الحديث أن المرأة لا تعتكف حتى تستأذن زوجها، وأنها إذا اعتكفت بغير إذنه كان له أن يخرجها، وإن كان بإذنه فله أن يرجع فيمنعها، وفيه جواز ضرب الأخبية في المسجد، وأن الأفضل للنساء أن لا يعتكفن في المسجد، وفيه جواز الخروج من الاعتكاف بعد الدخول فيه، وأنه لا يلزم بالنية ولا بشروع فيه، ويستنبط منه سائر التطوعات لمن قال باللزوم، وفيه أن أول الوقت الّذي يدخل فيه المعتكف بعد صلاة الصبح وهو قول الأوزاعي، والليث، والثوري، وقالت الأئمة الأربعة وطائفة: يدخل قبل غروب الشمس، وأدلوا الحديث على أنه دخل من أول الليل، ولكن إنما تخلى بنفسه في المكان الّذي أعده لنفسه بعد صلاة الصبح، وهذا الجواب يشكل على من منع الخروج من العبادة بعد الدخول فيها وأجاب عن الحديث بأنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يدخل المعتكف ولا شرع في الاعتكاف وإنما هم به ثم عرض له المانع المذكور فتركه، فعلى هذا فاللازم أحد الأمرين إما أن يكون شرع في الاعتكاف فيدخل على جواز الخروج منه، وإما أن لا يكون شرع فيدل على أن أول وقته بعد صلاة الصبح وفيه أن المسجد شرط للاعتكاف لأن النساء شرع لهن الاحتجاب في البيوت فلو لم يكن المسجد شرطا ما وقع ما ذكر من الإذن والمنع ولاكتفى لهن بالاعتكاف في مساجد بيوتهن: وقال إبراهيم بن علية: في قوله (ألبر تردن) دلالة على أنه ليس لهن الاعتكاف في المسجد، إذ مفهومه أنه ليس يبر لهن، وما قاله ليس بواضح، وفيه شؤم الغيرة لأنها ناشئة عن الحسد المفضي إلى ترك الأفضل لأجله، وفيه ترك الأفضل إذا كان فيه مصلحة، وأن خشي على عمله الرياء فله تركه وقطعه، وفيه أن الاعتكاف لا يجب بالنية، وأما قضاؤه صلى اللَّه عليه وسلّم له فعلى طريق الاستحباب لأنه كان إذا عمل عملا أثبته ولهذا لم ينقل أن نساءه اعتكفن معه في شوال، وفيه أن المرأة إذا اعتكفت في المسجد استحب لها أن تجعل لها ما يسترها، ويشترط أن تكون إقامتها في موضع لا يضيق على المصلين وفي الحديث بيانه مرتبة عائشة في كون حفصة لم تستأذن إلا بواسطتها، ويحتمل أن يكون سبب ذلك كونه كان تلك الليلة في بيت عائشة. [ (2) ] (المرجع السابق) : باب (14) الاعتكاف في شوال، حديث رقم (2041) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 150 ذكر مسلم [ (1) ] من حديث أبى معاوية، عن يحى بن سعيد، العمرة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، ومن حديث سفيان وعمرو بن الحارث، والأوزاعي، وابن إسحاق، كلهم عن يحى عن عمرة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، وفي حديث سفيان بن عيينة وعمر بن الحارث وابن إسحاق، ذكر عائشة وحفصة وزينب أنهن ضربن الأخبية للاعتكاف. وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث أبى اليمان عن شعيب عن الزهري قال: أخبرنى على بن الحسين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: «أن   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 8/ 317- 318، كتاب الاعتكاف، باب (2) متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه، حديث رقم (6) ، وفيه دليل على جواز اتخاذ المعتكف لنفسه موضعا من المسجد ينفرد مدة اعتكافه، ولم يضيق على الناس، وإذا اتخذه يكون في آخر المسجد ورحابه لئلا يضيق على غيره وليكون أخلى له وأكمل في انفراده (شرح النووي) . [ (2) ] (فتح الباري) : 4/ 349- 350، كتاب الاعتكاف باب (8) هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟، حديث رقم (2035) . وفي الحديث من الفوائد جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث مع غيره، وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة، وزيارة المرأة للمعتكف، وبيان شفقته صلى اللَّه عليه وسلّم على أمته وإرشادهم إلى ما بدفع عنهم الإثم. وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتذار، قال ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى به فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلا يوجب سوء الظن بهم وإن كان لهم فيه مخلص لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم، ومن ثم قال بعض العلماء: ينبغي للحاكم أن يبين للمحكوم عليه وجه الحكم إذا كان خافيا نفيا لتهمة. ومن هذا يظهر خطأ من يتظاهر بمظاهر السوء ويعتذر بأنه يجرب بذلك على نفسه، وقد عظم البلاء بهذا الصنف واللَّه اعلم. وفيه إضافة بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إليهن، وفيه جواز خروج المرأة ليلا، وفيه قول (سبحان اللَّه) عند التعجب، وقد وقعت في الحديث لتعظيم الأمر وتهويله وللحياء من ذكره كما في حديث أم سليم، واستدل به لأبى يوسف ومحمد في جواز تمادى المعتكف إذا خرج من مكان اعتكافه لحاجته وأقام زمنا يسيرا زائدا عن الحاجة ما لم يستفرق أكثر اليوم، ولا دلالة فيه لأنه لم يثبت أن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 151 صفية زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أخبرنه أنها جاءت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تزوره في اعتكافه   [ () ] منزل صفية كان السير بينه وبين المسجد فاضل زائد، وقد حد بعضهم السير بنصف يوم وليس في الخبر ما يدل عليه. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 406- 407، كتاب السلام، باب (9) أنه يستحب لمن رئي خاليا بامرأة، وكانت زوجة أو محرما له، أن يقول: هذه فلانة، ليدفع ظن السوء به، حديث رقم (24) . في هذا الحديث فوائد، منها: بيان كمال شفقته صلى اللَّه عليه وسلّم على أمته، ومراعاة مصالحهم، وصيانة قلوبهم، وجوارحهم، وكان بالمؤمنين رحيما، فخاف صلى اللَّه عليه وسلّم أن يلقى الشيطان في قلوبهما فيهلكا فان ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع والكبائر غير جائزة عليهم، وفيه أن من ظن شيئا من نحو هذا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم كفر وفيه جواز زيارة المرأة لزوجها المعتكف في ليل أو نهار وأنه لا يضر اعتكافه لكن يكره الإكثار من مجالستها والاستلذاذ بحديثها لئلا يكون ذريعة إلى الوقاع أو إلى القبلة أو نحوها مما يفسد الاعتكاف وفيه استجاب التحرز من التعريض لسوء ظن الناس في الناس وطلب السلامة والاعتذار بالأعذار الصحيحة وأنه متى فعل ما قد ينكر ظاهره مما هو حق وقد يخفى أن يبين حاله ليدفع ظن السوء وفيه الاستعداد للتحفظ من مكايد الشيطان فإنه يجرى من الإنسان مجرى الدم فيتأهب الإنسان إلى الاحتراز من وساوسه وشره واللَّه أعلم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم (إن الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم) قال القاضي وغيره: قيل هو على ظاهره وأن اللَّه تعالى جعل له وقدرة على الجرى في باطن الإنسان مجاري دمه وقيل هو على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دمه وقيل: يلقى وسوسته في مسام لطيفة من البدن فتصل الوسوسة إلى القلب. واللَّه أعلم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم يا فلان هذه زوجتي فلانة هكذا هو جميع النسخ بالتاء قبل الياء وهي لغة صحيحة وإن كان الأشهر حذفها وبالحذف جاءت آيات القرآن والإثبات كثير أيضا. قولها معى يقلبنى هو بفتح الياء أي ليردنى إلى منزلي فيه جواز تمشى المعتكف معها ما لم يخرج من المسجد وليس في الحديث أنه خرج من المسجد. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم على رسلكما هو بكسر الراء وفتحها لغتان والكسر أفصح وأشهر أي على هيئتكما في المشي فما هنا شيء تكرهانه قوله: فقال سبحان اللَّه فيه جواز التسبيح للشيء وتعجبا منه كثر في الأحاديث وجاء به القرآن في قوله تعالى لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 152 في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي صلى اللَّه عليه وسلّم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال لهما النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي. فقال: سبحان اللَّه يا رسول اللَّه، وكبر عليهما، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا، اللفظ للبخاريّ، ذكره في باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟ وذكره مسلم في كتاب السلام، وذكره البخاري أيضا في كتاب فرض الخمس [ (1) ] ، وفي كتاب الأدب في باب التكبير والتسبيح عند التعجب [ (2) ] وفي باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه [ (3) ] بألفاظ متقاربة. والبخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث الليث عن ابن شهاب عن عروة، وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: إن   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 258- 259، كتاب فرض الخمس، باب (4) ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وما نسب من البيوت إلهين، حديث رقم (3101) . [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 730، كتاب الأدب، باب (121) التكبير والتسبيح عند التعجب، حديث رقم (6219) . قال ابن بطال: التسبيح والتكبير معناه تعظيم اللَّه وتنزيهه من السوء واستعمال ذلك عند التعجب واستعظام الأمر حسن، وفيه تمرين للسان على ذكر اللَّه تعالى، وهذا توجيه جيد، كأن البخاري رمز إلى الرد على من منع ذلك. وذكر المصنف فيه حديث صفية بنت حيي في قصة الرجلين اللذين قال لهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: على رسلكما إنها صفية، فقالا: سبحان اللَّه. (فتح الباري) . [ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 354، كتاب الاعتكاف، باب (11) زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، حديث رقم (2038) . أخرجه أيضا في كتاب بدء الخلق، باب (11) صفة اباليس وجنوده، حديث رقم (3281) . [ (4) ] (فتح الباري) : 4/ 344، كتاب الاعتكاف، باب (3) لا يدخل البيت إلا لحاجة، حديث رقم (2029) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 153 كنت لأدخل البيت والمريض فيه فما أسال عنه إلا وأنا مارة وإن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليدخل عليّ رأسه وهو في المسجد فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إلا إذا كان معتكفا. وفي لفظ مسلم: «إذا كانوا معتكفين» . وذكره أبو داود [ (1) ] من حديث مالك عن ابن شهاب إلى آخره، وذكره بعده من حديث الليث عن ابن شهاب وعروة عن عمرة، عن عائشة رضى اللَّه   [ () ] قوله: (وكان لا يدخل البيت إلا حاجة) زاد مسلم إلا حاجة الإنسان وفسرها الزهري بالبول والغائط، وقد اتفقوا على استثنائهما، واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب، ولو خرج لهما فتوضأ خارج المسجد لم يبطل. ويلتحق بهما القيء والفصد لمن احتاج إليه، ووقع عند أبى داود من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: «السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه» قال أبو داود غير عبد الرحمن لا يقول فيه البتة، وجزم الدارقطنيّ بأن القدر الّذي من حديث عائشة قولها: «لا يخرج إلا لحاجة» وما عداه ممن دونها، وروينا عن عليّ والنخعىّ والحسن البصري إن شهد المعتكف جنازة أو عاد مريضا أو خرج للجمعة بطل اعتكافه، وبه قال الكوفيون وابن المنذر في الجمعة، وقال الثوري والشافعيّ وإسحاق إن شرط شيئا من ذلك في ابتداء اعتكافه لم يبطل اعتكافه بفعله وهو رواية عن أحمد. [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 212- 213: كتاب الحيض باب (3) جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها، وقراءة القرآن فيه، حديث رقم (7) ، وفيه أن المعتكف إذا خرج بعضه من المسجد، كيده ورجله ورأسه، لم يبطل اعتكافه، وإن حلف أن لا يدخل دارا أو لا يخرج منها، فأدخل أو أخرج بعضه لا يحنث، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. وفيه جواز استخدام الزوجة في الغسل والطبخ وغيرها برضاها، وعلى هذا تظاهرت دلائل السنة، وعمل السلف، وإجماع الأمة. وأما بغير رضاها فلا يجوز، لأن الواجب عليها تمكين الزوج من نفسها، وملازمة بيته فقط، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. [ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 832- 833، كتاب الصوم، باب (79) المعتكف يدخل البيت لحاجة، حديث رقم (2467) . قال الخطابي: فيه بيان أن المعتكف لا يدخل بيته إلا لغائط أو بول، فإن دخله لغيرهما من طعام وشراب فسد اعتكافه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 154 تبارك وتعالى عنها، نحوه [ (1) ] ثم قال: وكذلك رواه يونس عن الزهري، ولم يتابع [أحد] مالكا على عروة، عن عمر. ورواه معمر وزياد بن سعد [وغيرهما عن الزهري، عن عروة عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها] . وخرج الترمذي [ (2) ] عن حديث مالك عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا   [ () ] وقد اختلف الناس في ذلك، فقال أبو ثور: لا يخرج إلا لحاجة الوضوء الّذي لا بد منه. وقال إسحاق بن راهويه: لا يخرج لغائط أو بول، غير أنه بين الواجب من الاعتكاف والتطوع وقال في الواجب: لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة. وفي التطوع: يشترط ذلك حين يبتدئ وقال الأوزاعي: لا يكون في الاعتكاف شرط. وقال أصحاب الرأى: ليس ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد لحاجة ما، خلا الجمعة، والغائط، والبول فأما ما سوى ذلك من عيادة مريض، وشهود جنازة، فلا يخرج له. وقال مالك والشافعيّ: لا يخرج المعتكف في عيادة مريض، ولا شهود جنازة، وهو قول عطاء ومجتهد. وقالت طائفة: للمعتكف أن يشهد الجمعة، ويعود المريض، ويشهد الجنازة، روى ذلك عن عليّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو قول سعيد بن جبير، والحسن البصري، والنخعي. (معالم السنن) . [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2468) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 3/ 167، كتاب الصوم، باب (80) المعتكف يخرج لحاجته أم لا؟ حديث رقم (804) ، حديث رقم (805) ، ثم قال بعده: ثم اختلف أهل العلم في عيادة المريض وشهود الجمعة والجنازة للمعتكف. فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وغيرهم، أن يعود المريض ويشيع الجنازة وابن المبارك الجمعة إذا اشترط ذلك. وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك. وقال بعضهم: ليس أن يفعل شيئا من هذا. ورأوا للمعتكف. إذا كان في مصر يجمع فيه، أن يعتكف إلا في مسجد الجامع. لأنهم كرهوا الخروج له من معتكفه إلى الجمعة. ولم يروا له أن يترك الجمعة فقالوا: لا يعتكف إلا في مسجد الجامع. حتى لا يحتاج أن يخرج من معتكفه لغير قضاء حاجة الإنسان. لأن خروجه لغير حاجة الإنسان، قطع عندهم للاعتكاف، وهو قول مالك والشافعيّ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 155 اعتكف أدنى إلى رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان. قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح، هكذا رواه غير واحد عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، والصحيح عن عروة وعمرة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. وللنسائى [ (1) ] من حديث سفيان بن حسن عن الزهري عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم معتكفا، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة لا بد منها وغسلت رأسه وإن بيني وبينه عتبة الباب. قال أبو عبد الرحمن: سفيان بن حسين [ (2) ] لا بأس به في غير الزهري وليس هو في الزهري بالقوى، ونظيره في الزهري، سليمان بن كثير، وجعفر من برقاء وليس بهما بأس في غير الزهري. وله من حديث الأوزاعي عن حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يأتينى وهو معتكف في المسجد ويتكأ على عتبة باب حجرتي وأنا في حجرتي وسائره إلى المسجد. وذكر القاضي عياض عن ابن المنذر قال: إن أنس بن مالك كان له موضع في المسجد، قال: وهو مكان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو الموضع الّذي كان يوضع فيه سرير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا اعتكف.   [ () ] وقال أحمد: لا يعود المريض ولا يتبع الجنازة، على حديث عائشة. وقال إسحاق: إن اشترط ذلك، فله أن يتبع الجنازة ويعود المريض. [ (1) ] (سنن النسائي) : 1/ 162، كتاب الطهارة، باب (176) غسل الحائض رأس زوجها، حديث رقم (275) وباب (20) ترجيل الحائض رأس زوجها وهو معتكف في المسجد، حديث رقم (384) ، وباب (21) غسل الحائض رأس زوجها، حديث رقم (385) ، حديث رقم (286) ، وأخرجه أيضا ابن ماجة في (السنن) : 1/ 208، كتاب الطهارة وسننها، باب (120) الحائض تتناول الشيء من المسجد، حديث رقم (633) . [ (2) ] له ترجمة في (تهذيب التهذيب) 4/ 96. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 156 قال المؤلف: خرج ابن زيالة في (تاريخ المدينة) : فقال: حدثني عبد العزيز بن محمد عن عيسى بن موسى بن عبيد اللَّه بن معمر، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، كان إذا اعتكف يطرح فراشه ويوضع له سرير وراء أسطوانة. وفي (معجم الطبراني) عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن ذلك مما يلي القبلة يستند إليها. كذا ذكره القاضي. وخرج ابن زبالة من حديث عبد العزيز، عن حسين بن مصعب، عن محمد بن أيوب، قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان له سرير من جريد فيه سعفة يوضع فيما بين الأسطوانة التي وجاه القبر وبين القناديل، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يضطجع عليه. فصل في ذكر أصحاب الصفة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الصفة: المظلة، وصفة البنيان طرته [ (1) ] . اعلم أن أهل الصفة كانوا قوما فقراء لا أهل لهم ولا مال، تكون إقامتهم بمسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وهم أضياف الإسلام، فإذا أتت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هديه أرسل إليهم وأصاب منها، وأشركهم فيها، وكانوا في صفة يأوون إليها في المسجد.   [ (1) ] قال في (اللسان) : الصفة من البنيان شبه البهو الواسع الطويل السمك، وفي الحديث ذكر أهل الصفة، قال: هم فقراء المهاجرين ومن لم يكن له منهم منزل يسكنه، فكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة يسكنونه. وهو موضع مظلل من المسجد كان يأوى إليه المساكين. (لسان العرب) : 9/ 195. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 157 خرج الحاكم [ (1) ] من حديث مالك بن مغول، عن فضيل بن غزوان عن أبى حازم عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لقد كان أصحاب الصفة سبعين رجلا ما لهم أردية. قال الحاكم هذا حديث على شرط الشيخين. وخرج الترمذي [ (2) ] من حديث حيوة بن شريح، أخبرنى أبو هاني الخولانيّ في أن على عمرو بن مالك الجينى أخبره عن فضالة بن عبيد أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة، وهم أصحاب الصفة حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين أو مجانون، فإذا صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم انصرف إليهم فقال: لو تعلمون ما لكم عند اللَّه لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة، قال فضالة: وأنا يومئذ مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح. وخرج بقي بن مخلد من حديث وهب بن بقية قال: أنبأنا خالد، عن داود، عن أبى حرب، عن طلحة بن عبد اللَّه، قال: كان الرجل منا إذا إذا قدم المدينة فكان له بها عريف نزل على عريفه وإن لم يكن له بها عريف نزل الصفة فقدمت فنزلت الصفة فكان يجرى علينا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كل يوم مدين تمر بين اثنين ويسكونا الخنف فصلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعض صلاة النهار فلما سلم ناداه أهل الصفة يمينا وشمالا يا رسول اللَّه أحرق بطوننا التمر وتخرقت عنا الخنف فمال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى منبره فصعده فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم ذكر   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 18، كتاب الهجرة، حديث رقم (4292) ، وقال الحافظ الذهبي في (التخليص) : على شرط البخاري ومسلم، قال الحاكم: تأملت هذه الأخبار الواردة في أهل الصفة فوجدتهم من أكابر الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم ورعا وتوكلا على اللَّه عز وجل وملازمة لخدمة اللَّه ورسوله صلى اللَّه عليه وسلّم اختار اللَّه تعالى لهم ما اختاره لنبيه صلى اللَّه عليه وسلّم من المسكنة والفقر والتضرع لعبادة اللَّه عز وجل وترك الدنيا لأهلها وهم الطائفة المنتمية إليهم الصوفية قرنا بعد قرن فمن جرى على سنتهم وصبرهم على ترك الدنيا والأنس بالفقر وترك التعرض للسؤال فهم كل عصر بأهل الصفة مقتدون وعلى خالقهم متوكلون. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 504، كتاب الزهد، باب (39) ، ما جاء في معيشة أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (2868) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 158 الشدة ما لقي من قومه حتى قال ولقد أتى على وعلى صاحبي بضع عشرة وما لي طعام إلا البرير قال: قلت لأبى حرب وأي شيء البرير قال: طعام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ثمر الأراك فقمنا على إخواننا هؤلاء الأنصار وعظم طعامهم التمر فواسونا فيه واللَّه لو أجد لكم الخبز واللحم لأشبعتكم منه ولكن عسى أن تدركوا زمانا حتى يغدى على أحدكم بجفنة ويراح عليه بأخرى قال: فقالوا: يا رسول اللَّه أنحن اليوم خبر أم اليوم؟ قال: بل أنتم اليوم خير أنتم اليوم متحابون وأنتم يومئذ بعضكم يضرب رقاب بعض أراه قال: متباغضون. [هذا لفظ حديث أبى سهل القطان وحديث يحيى بن يحيى على الاختصار] ثم قال: هذا حديث الإسناد ولم يخرجاه. وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث صحيح على بن مسهر، عن داود بن أبى هندية نحوه أو قريبا منه، وقال صحيح الإسناد. وللبخاريّ [ (2) ] من حديث أبى حازم، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار، وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته. وذكره في باب نوم الرجال في المسجد.   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 16- 17، كتاب الهجرة، حديث رقم (4290) قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في التخليص صحيح، سمعه جماعة من داود، وهو في (مسند أحمد) : 7/ 32، حديث رقم (23420) . [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 705، كتاب الصلاة، باب (58) نوم الرجال في المسجد، حديث رقم (442) . قوله: (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة) يشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين، وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في غزوة بئر معونة، وكانوا من أهل الصفة أيضا لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبى هريرة، وقد اعتنى بجمع أصحاب الصفة ابن الأعرابي والسلمي والحاكم وابو نعيم، وعند كل منهم ما ليس عند الآخر، وفي بعض ما ذكروه اعتراض ومناقشة، ولكن لا يسع هذا المختصر تفصيل ذلك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 159 وقال هشام بن عمار: أن صدقة القرشي، عن زيد بن واقد، عن بشر ابن عبد اللَّه، عن واثلة بن الأسقع، قال: كنت من أصحاب الصفة وما منا إنسان يجد ثوبا إلا ما قد جعل الغبار والعرق في جلودنا طرقا. وقال سيف، عن محمد، عن عطاء، قال: كان أصحاب الصفة أضياف المسلمين، وكان صفة المسجد مثواهم، فمات النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهي منزلهم، فإذاهم أحد من المسلمين لهم بخير أتاهم به أو ذهب بعضهم [إليه] . *** الجزء: 10 ¦ الصفحة: 160 فصل في ذكر نوم المرأة في المسجد ولبث المريض وغيره بمسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وضرب الخيمة ونحوها فيه على عهده صلى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري [ (1) ] من حديث أبى أسامة، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم. قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور. قالت: فوضعته- أو وقع منها- فمرت به حدياة وهو ملقى، فحسبته لحما فخطفته. قالت: فالتمسوه فلم يجدوه. قالت فاتهمونى به. قالت فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قلبها. قالت: واللَّه إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته، قالت:   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 37، كتاب الصلاة، باب (57) نوم المرأة في المسجد، حديث رقم (439) قوله: (باب نوم المرأة في المسجد) أي إقامتها فيه. قوله: (حدياة) بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وتشديد الياء التحتانية تصغير حدأة بالهمز بوزن عتبة، ويجوز فتح أوله. وهي الطائر المعروف المأذون في قتله في الحل والحرم، والأصل في تصغيرها حدياة بسكون الياء وفتح الهمزة لكن سهلت الهمزة وأدغمت ثم أشبعت الفتحة فصارت ألفا، وتسمى أيضا الحدى بضم أوله وتشديد الدال مقصور، ويقال أيضا الحدو بكسر أوله وفتح الدال الخفيفة وسكون الواو وجمعها حدا كالمفرد بلا هاء، وربما قالوه بالمد. قوله: (حتى فتشوا قبلها) كأنه من كلام عائشة، وإلا فمقتضى السياق أن تقول (قبلي) وكذا هو في رواية المصنف في أيام الجاهلية من رواية على بن مسهر عن هشام، فالظاهر أنه من كلام الوليدة. أوردته بلفظ الغيبة التفاتا أو تجريدا، وزاد فيه ثابت أيضا «قالت: فدعوت اللَّه أن يبرئنى فجاءت الحديا وهم ينظرون، وفي الحديث إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلا كان أو امرأة عند أمن الفتنة، وإباحة استظلاله فيه بالخيمة ونحوها، وفيه الخروج من البلد الّذي يحصل للمرأة فيه المحنة، ولعله يتحول إلى ما هو خير له كما وقع لهذه. وفيه فضل الهجرة من دار الكفر، وإجابة دعوة المظلوم ولو كان كافرا لأن في السياق أن إسلامها كان يعد قدموها بالمدينة. واللَّه أعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 161 فوقع بينهم، قالت فقلت: هذا الّذي به زعمتم، وأنا منه بريئة وهو ذا هو. قالت: فجاءت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأسلمت. قالت عائشة: رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فكان له خباء في المسجد، أو حفش، قالت: فكانت تأتينني فتحدث عندي. قالت فلا تجلس عندي مجلسا إلا قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا إلا أنه من بلدة الكفر أنجانى قالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فقلت لها ما شأنك لا تقعدين معى مقعدا إلا قلت هذا؟ قالت: فحدثني بهذا الحديث. ذكره في الصلاة وترجم عليه نوم المرأة في المسجد، وذكره في أيام الجاهلية [ (1) ] . وخرج من حديث عبد اللَّه قال: حدثني نافع عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له، في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. ترجم عليه باب نوم الرجال في المسجد [ (2) ] . وقال أبو قلابة عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: قدم رهط من عقل على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فكانوا في الصفة فقراء. وقال عبد الرحمن بن أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: كانوا أصحاب الصفة فقراء.   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 187، كتاب مناقب الأنصار، باب (26) أيام الجاهلية، حديث رقم (3835) . [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 704- 705، كتاب الصلاة، باب (58) نوم الرجال في المسجد، حديث رقم (44) . قوله: (باب نوم الرجال في المسجد) أي جواز ذلك، وهو قول الجمهور، وروى عن ابن عباس كراهيته إلا لمن يريد الصلاة، وعن ابن مسعود مطلقا، وعن مالك التفصيل بين من له مسكن فيكره وبين من لا مسكن له فيباح. قوله: (أعزب) بالمهملة والزاى أي غير متزوج. والمشهور فيه عزب بفتح العين وكسر الزاى، والأول لغة قليلة مع أن القزاز أنكرها. وقوله: (لا أهل له) هو تفسير لقوله أعزب، ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص فيدخل فيه الأقارب ونحوهم. وقوله: (في مسجد) متعلق بقوله ينام. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 162 وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم قول ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: وكنت غلاما شابا عزبا وكنت أنام في المسجد على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من حديث معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه. وذكره في كتاب التعبير مطولا. وخرجه بقي بن مخلد ولفظه: عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: كنا في زمن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ننام في المسجد ونقيل فيه ونحن شباب. وفي رواية له قال: كنا ونحن شباب نبيت في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ونقيل في المسجد. وخرج البخاري [ (2) ] من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: أصيب سعد في يوم الخندق في الأكحل فضرب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلم يرعهم- وفي المسجد خيمة من بنى غفار- إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الّذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما، فمات فيها. ترجم عليه باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم. وأخرج مسلم [ (3) ] هذا الحديث من هذه الطريق، وكرره في المغازي وذكره ابن إسحاق أن المرأة التي مرض سعد في خيمتها اسمها رفيدة [ (4) ] ، وهي من أسلم، ولم يذكرها ابن عبد البر في الصحابة [ (5) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 518، كتاب التعبير، باب (36) الأخذ على اليمين في النوم، حديث رقم (7030) ، والعزب بفتح المهملة والزاى ثم موحدة: من لا زوجة له، ويقال له الأعزب بقلة في الاستعمال. [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 722، كتاب الصلاة، باب (77) الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم، حديث رقم (463) . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 523، كتاب المغازي، باب (31) مرجع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الأحزاب ومخرجه إلى بنى قريظة ومحاصرته إياهم، حديث رقم (4122) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 163 وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث ابن نوير، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رواه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة في الأكل فضرب عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خيمة في المسجد ليعوده من قريب. وقال ابن حزم وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد جعل سعد بن معاذ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في خيمة في المسجد يسكنها، وهذه الأسلمية كانت امرأة صالحة تقوم على المرضى وتداوى الجرحى ليعوده صلى اللَّه عليه وسلّم من قريب.   [ () ] (4) قال ابن إسحاق: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم، يقال لها رفيدة، في مسجده، كانت تداوى الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق: اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب. (سيرة ابن هشام) : 4/ 198- 199، تحكيم سعد في أمر بنى قريظة. [ (5) ] هي رفيدة الأنصارية أو الأسلمية. ذكرها ابن إسحاق في قصة سعد بن معاذ لما أصابه بالخندق، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اجعلوه في خيمة رفيدة التي في المسجد حتى أعوده من قريب، وكانت امرأة تداوى الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين. وقال البخاري في (الأدب المفرد) : حدثنا أبو نعيم، حدثنا ابن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، قال: ولما أصيب أكحل سعد يوم الخندق فقيل: خلوّه عند امرأة يقال لها رفيدة، وكانت تداوى الجرحى، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا مر به يقول: كيف أمسيت؟ وإذا أصبح قال: كيف أصبحت؟ فيخبره. وأورده في (التاريخ) بقصة وفاة سعد، وسنده صحيح، وأورده المستغفري من طريق البخاري وأبو موسى من طريق المستغفري. (الإصابة) : 7/ 646، ترجمة رقم (11175) . [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 84، حديث رقم (23773) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 164 وذكر بن إسحاق أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في شهر رمضان مقدمه من تبوك ضرب لهم قبة في ناحية المسجد [ (1) ] . وذكر ابن زبالة أن سليمان بن عطاء سئل عن النوم في المسجد فقال: كيف تسألون عن هذا، وقد كان أهل الصفة ينامون في المسجد في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ويظلون فيه وقال أبو نعيم: عن الفضل بن دكين، حدثنا حميد بن عبد اللَّه بن الأصم عن ابنته قالت: قد رأيت فيه قدوم أم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين قتل الحسين بن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما وعليها خمار أسود. فصل في ذكر اللعب يوم العيد في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو صلى اللَّه عليه وسلّم يراهم خرج مسلم [ (2) ] من حديث جرير عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: جاء الحبش يزفنون يوم عيد في المسجد، فدعاني النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فوضعت رأسي على منكبه فجعلت انظر إلى لعبهم حتى كنت أنا الّذي أنصرف عن النظر إليهم.   [ (1) ] قال ابن إسحاق: ولما قدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده، كما يزعمون. فكان خالد بن سعيد بن العاص، هو الّذي يمشى بينهم وبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى اكتتبوا كتابهم، وكان خالد هو الّذي كتب كتابهم بيده، وكان لا يطعمون طعاما يأتيهم من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى يأكل منه خالد، حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم. (سيرة ابن هشام) : 5/ 225، أمر وفد ثقيف وإسلامها. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 436، كتاب صلاة العيدين، باب (4) الرخصة في اللعب الّذي لا معصية فيه في أيام العيد، حديث رقم (20) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 165 ذكره البخاري [ (1) ] من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: أن أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان- والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم متغش بثوبه- فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عن وجهه فقال: دعهما يا أبا بكر، فإنّها أيام عيد. وتلك الأيام أيام منى. وقالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يسترني وأنا انظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجهم عمر، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دعهم. أمنا بنى أرفدة. يعنى من الأمن. ذكره في آخر العيدين، وفي المناقب، وترجم عليه   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 602، كتاب العيدين، باب (25) إذا فاته العيد يصلى ركعتين، وكذلك النساء ومن كان في البيوت والقرى، قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «هذا عيدنا أهل الإسلام» . وأمر أنس بن مالك مولاه ابن أبى عتبة بالزاوية فجمع أهله وبيته وصلى كصلاة أهل المصر وتكبيرهم. وقال عكرمة: أهل السواد يجتمعون في العيد يصلون ركعتين كما يصنع الإمام. وقال عطاء إذا فاته العيد صلى ركعتين، حديث رقم (987) و (988) ، قال الحافظ في هذه الترجمة حكمان: مشروعية استدراك صلاة العيد إذا فاتت مع الجماعة سواء كانت بالاضطرار أو بالاختيار، وكونه تقضى ركعتين كأصلها. على خلاف بين أصحاب المذاهب ذكره الحافظى في (الفتح) ، فليراجع هناك. وذكره في كتاب المناقب باب (15) وقول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «يا بنى أرفدة» حديث رقم (3529) و (3530) ، والحبش هم الحبشة يقال لهم من ولد حبش بن كوش بن حام بن نوح، وهم مجاورون لأهل اليمن يقطع بينهم البحر، وقد غلبوا على اليمن قبل الإسلام وملكوها، وغزا أبرهة من ملوكهم الكعبة ومعه الفيل، وقد ذكر ابن إسحاق قصته مطوله، وأخرجها الحاكم ثم البيهقي من طريق قابوس بن أبى ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس ملخصة، وإلى هذا القدر أشار المصنف بذكرهم في مقدمة السيرة النبويّة واستدل قوم من الصوفية بحديث الباب على جواز الرقص وسماع آلات الملاهي، وطعن فيه الجمهور باختلاف المقصدين، فإن لعب الحبشة بحرابهم كان للتمرين على الحرب فلا يحتج به للرقص في اللهو، واللَّه أعلم. (فتح الباري) : 6/ 685- 686، كتاب المناقب، باب (15) قصة الحبش، وقول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم «يا بنى أرفدة» حديث رقم (3529) و (3530) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 166 باب قصة الحبش وقول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يا بنى أرفدة، والإسناد واحد، وذكره في كتاب النكاح [ (1) ] في باب النظر إلى الحبشة ونحوهم من غير ريبة، عن الأوزاعي،   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 420- 421، كتاب النكاح، باب (115) نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة، حديث رقم (5236) قوله: (باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة) وظاهر الترجمة أن المصنف كان يذهب إلى جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف عكسه، وهي مسألة شهيرة، واختلف الترجيح فيها عند الشافعية، وحديث الباب يساعد من أجاز، وقد تقدمت في أبواب العيد جواب النووي عن ذلك بأن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ أو كان قبل الحجاب. وقواه بقوله في هذه الرواية: «فأقدروا قدر الجارية الحديثة السن» لقد تقدم ما يعكر عليه وأن في بعض طرقه أن ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة وأن قدومهم كان سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشر سنة، فكانت بالغة، وكان ذلك بعد الحجاب، وحجة من منع حديث أم سلمة الحديث المشهور: «أفعمياوان أنتما «وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها وإسناده قوى، وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة، فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا ترد روايته، والجمع بين الحديثين احتمال تقدم الواقعة أو أن يكون في قصة الحديث الّذي ذكره نبهان شيء يمنع النساء من رؤيته لكون ابن أم مكتوم كان أعمى فلعله كان منه شيء ينكشف ولا يشعر به، ويقوى الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال، ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء، فدل على تغاير الحكم بين الطائفتين، وبهذا احتج الغزالي على الجواز فقال: لسنا نقول أن وجه الرجل في حقها عورة كوجه المرأة في حقه بل هو كوجه الأمرد في حق الرجل فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط وإن لم تكن فتنة فلا، إذا لم تزل الرجال على مر الزمان مكشوفو الوجوه والنساء يخرجن منتقبات، فلو استووا لأمر الرجال بالتنقب أو منعن من الخروج. وأخرجه في كتاب الصلاة، باب (69) أصحاب الحراب في المسجد، وحديث رقم (454) و (455) قوله (باب أصحاب الحراب في المسجد) والمراد جواز دخولهم فيه ونصال حرابهم مشهورة، وأظن المصنف أشار إلى تخصيص الحديث السابق في النهى عن المرور الجزء: 10 ¦ الصفحة: 167 عن الزهري، وذكره في كتاب الصلاة، في باب أصحاب الحراب في المسجد من حديث صالح بن كيسان، عن ابن شهاب. وخرجه النسائي [ (1) ] من حديث الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: دخل عمر رضى اللَّه   [ () ] في المسجد بالنصل غير مغمود، والفرق بينهما أن التحفظ في هذه الصورة وهي صورة اللعب بالحراب سهل، بخلاف مجرد المرور فإنه قد يقع بغتة فلا يتحفظ منه. قوله: (لقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوما في باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد) فيه جواز ذلك في المسجد، وحكى ابن التين عن أبى الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ بالقرآن والسنة: أما القرآن فقوله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وأما السنة فحديث «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم» . وتعقب بأن الحديث ضعيف، وليس فيه ولا في الآية تصريح بما ادعاه، ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ. وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد، وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث، وفي بعضها أن عمر أنكر عليهم لعبهم في المسجد فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «دعهم» واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو. وقال المهلب: المسجد موضع لأمر جماعة المسلمين، فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه. وفي الحديث جواز النظر إلى اللهو المباح، وفي حسن خلقه صلى اللَّه عليه وسلّم مع أهله وكرم معاشرته، وفضل عائشة وعظيم محلها عنده. قوله: (يسترني بردائه) يدل على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب، ويدل على جواز نظر المرأة إلى الرجل. وأجاب بعض من منع بأن عائشة كانت إذ ذاك صغيرة، وفيه نظر لما ذكرنا وادعى بعضهم بحديث «أفعمياوان أنتما» ؟ وهو حديث مختلف في صحته. [ (1) ] (سنن النسائي) : 3/ 217، كتاب العيدين، باب (35) اللعب في المسجد يوم العيد ونظر النساء إلى ذلك، حديث رقم (1594) . قال الإمام النووي: فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر. وفيه جواز نظر النساء إلى لعب الرجال من غير نظر إلى نفس البدن وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبي فإن كان بشهوة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 168 تبارك وتعالى عنه والحبشة يلعبون في المسجد، فزجهم عمر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: دعهم يا عمر، فإنّهم بنو أرفدة. ترجم عليه اللعب في المسجد يوم العيد. وخرج مسلم [ (1) ] من حديث ابن جريج قال: أخبرنى عطاء قال: أخبرنى عبيد بن عمير قال: أخبرتنى عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أنها قالت: للاعبين وددت أنى أراهم قالت: فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقمت على الباب انظر بين أذنيه وعاتقه وهم يلعبون في المسجد. قال عطاء فرس أو حبش. قال: وقال لي ابن أبى عتيق بل حبش. ولأحمد [ (2) ] من حديث ابن نمير من حديث هشام عن ابنه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في يوم عيد، قالت: فأطلعت من فوق عاتقه، فطأطأ لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم منكبيه فجعلت انظروا إليهم من فوق عاتقه حتى شيعت ثم انصرفت.   [ () ] فحرام بالاتفاق وإن كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة ففي جوازه وجهان لأصحابنا أصحهما تحريمه لقوله تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ. ولقوله صلى اللَّه عليه وسلّم لأم سلمة وأم حبيبة احتجبا عنه أي عن ابن أم مكتوم فقالتا أنه أعمى لا يبصرنا فقال صلى اللَّه عليه وسلّم أعمياوان أنتما أليس تبصرانه؟ وهو حديث حسن رواه الترمذي وغيره وقال: هو حديث حسن. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 437، كتاب صلاة العيدين، باب (4) الرخصة في اللعب الّذي لا معصية فيه في أيام العيد، حديث رقم (21) . قولها (وأنا جارية فاقدروا قدر الجارية العربة حديثة السن) معناه أنها تحب اللهو والتفرج والنظر إلى اللعب حبا بليغا وتحرص على ادامته ما أمكنها ولا تمل ذلك إلا بعذر من تطويل. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم (حسبك) هو استفهام بدليل قولها: قلت: نعم تقديره: حسبك أي هل يكفيك هذا القدر؟ قولها (جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد) على التوثيب بسلاحهم ولعبهم بحرابهم. [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 85، حديث رقم (23775) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 169 فصل في ذكر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم احتجم في مسجده خرج الإمام أحمد من حديث إسحاق بن عيسى، حدثنا ابن لهيعة قال: كتبت إلى موسى بن عقبة يخبرني عن بسر بن سعيد، عن زيد بن ثابت: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم احتجم في المسجد، قلت لابن لهيعة: في مسجد بيته؟ قال: لا، في مسجد الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . فصل في أكله صلى اللَّه عليه وسلّم في المسجد [فخرج الإمام أحمد من حديث] حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا سليمان بن زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث بن جزء الزبيدي، قال: أكلنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم شواء في المسجد، فأقيمت الصلاة، فأدخلنا أيدينا في الحصى، ثم قمنا نصلي ولم نتوضأ [ (2) ] . فصل في أنه صلى اللَّه عليه وسلّم توضأ في المسجد قال الإمام أحمد: حدثنا وديع بن خالد، عن أبى الغالية، عن رجل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: حفظت لك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم توضأ في المسجد [ (3) ] . ***   [ (1) ] (مسند أحمد) : 6/ 236، حديث رقم (21098) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 5/ 210، حديث رقم (17249) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 6/ 501، حديث رقم (22578) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 170 وأما تعليق الأقناء [ (1) ] في المسجد فقال أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن أبى الحسين بن زبالة: وحدثني عبد العزيز بن محمد عن إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: إن ناسا كانوا يقدمون على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لا شيء لهم، فقالت الأنصار: يا رسول اللَّه، لو عجلناك قنوا في كل حائط من هؤلاء، قال: أجل فافعلوا، ففعلوا، فجرى ذلك إلى اليوم، فهي الأقناء التي تعلق بالمسجد التي عند جداد النخل، فتعطاها المساكين، وكان عليها على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم معاذ بن جبل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وفي رواية أن محمد بن مسلمة رأى [أضيافا] عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في المسجد، فقال: ألا تعرف [هذه] الأضياف في دور الأنصار، ونجعل لك من كل حائط قنوا ليكون لمن يأتيك من هؤلاء الأقوام. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: بلى، فجعل الرجل كلما جاء ماله جاء بقنو فجعله في المسجد بين ساريتين، فجعل الناس يفعلون ذلك، وكان معاذ بن جبل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقوم عليه، وكان يجعل حبلا بين الساريتين، ثم يعلق الأقناء على الحبل، ويجمع العشرين أو أكثر فيضع عليهم بعضا من الأقناء فيأكلون حتى يشبعوا، ثم ينصرفون، ويأتى غيرهم، فيفعل لهم مثل ذلك، فإذا كان الليل فعل لهم مثل ذلك [ (2) ] .   [ (1) ] القنو: العذق بما فيه من الرطب، وجمعه أقناء، وقد تكرر في الحديث. (لسان العرب) : 15/ 204. [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 678، كتاب الصلاة، باب (42) القسمة وتعليق القنو في المسجد. قال أبو عبد اللَّه: القنو: العذق، والاثنان قنوان والجماعة أيضا قنوان. مثل صنو وصنوان. وأشار الحافظ في (الفتح) إلى ما رواه النسائي من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: خرج رسول اللَّه وبيده عصا، وقد علق رجل قنا حشف، فجعل يطعن ذلك القنو ويقول: لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب من هذا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 171 فصل في ربط الأسير بمسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري من حديث الليث، حدثني سعيد بن أبى سعيد، انه سمع أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له ثمامة، بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه. ذكره في الصلاة في باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد [ (1) ] ، وذكره في باب دخول المشركين في المسجد [ (2) ] . وأخرجه مسلم أيضا، وله طرق في كتاب الجهاد، وفيه قصة [ (3) ] . وقال ابن زبالة: حدثني محمد بن جعفر عن عمر بن هارون، عن عثمان بن أبى سليمان. قال: إن مشركي قريش حين أتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في فداء أساراهم   [ () ] وفي الباب أيضا حديث آخر، أخرجه ثابت في (الدلائل) بلفظ: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الأمر من كل حائط بقنو يعلق في المسجد. يعنى للمساكين. وفي رواية له: وكان عليها معاذ بن جبل، أي على حفظها أو على قسمتها. (فتح الباري) : 1/ 680. [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 730- 731، كتاب الصلاة، باب (76) الاغتسال إذا أسلم، وربط الأسير أيضا في المسجد، وكان شريح يأمر الغريم أن يحبس إلى سارية المسجد، حديث رقم (642) . [ (2) ] (المرجع السابق) : باب (82) دخول المشرك المسجد، حديث رقم (469) . وفي دخول المشرك المسجد مذاهب: فعن الحنفية الجواز مطلقا، وعن المالكية والمزني المنع مطلقا، وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره للآية: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا. وقيل: يؤذن للكتابى خاصة، وحديث الباب يرد عليه، فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 330- 331، كتاب الجهاد والسير، باب (19) ربط الأسير وحبسه، وجواز المن عليه، حديث رقم (59) ، (60) من طريقين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 172 الذين أسروا ببدر وكانوا يلبثون في المسجد، فمنهم جبير بن مطعم رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [قال:] كنت أبيت في المسجد، فكنت أسمع قراءة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وكان يومئذ مشركا مع المشركين. فصل في ذكر جلوس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في مقعد بنى له خرج النسائي من حديث جرير، عن أبى فروة، عن أبى زرعة، عن أبى هريرة وأبى ذر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قالا: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدرى أيهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه، ونجلس بجانبه سماطين [ (1) ] . قال ابن سيده: والدكة بناء يسطح أعلاه، والدكان من البناء: مشتق من ذلك. وقال الجوهري: الدكان الّذي يقعد عليه [ (2) ] . فصل في ذكر مصلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في الأعياد خرج أبو داود من حديث حماد عن حميد عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال   [ (1) ] (سنن النسائي) : 8/ 475- 476، كتاب الإيمان، باب (6) صفة الإيمان والإسلام، حديث رقم (5006) . والسماط بكسر السين: الصف من الناس. وأخرجه أبو داود في السنة، باب (17) في القدر، حديث رقم (4698) وزاد فيه: وكنا نجلس بجنبتيه، وذكر نحو هذا الخبر، فأقبل رجل، فذكر هيئته، حتى سلم من طرف السماط، فقال: السلام عليك يا محمد، قال: فرد عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] (لسان العرب) : 10/ 425. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 173 رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه تبارك وتعالى قد أبدلكم خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر [ (1) ] . وخرجه النسائي من حديث إسماعيل قال: حدثنا حميد عن أنس بن مالك قال: كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم اللَّه بهما خيرا منهما، يوم الفطر ويوم الأضحى [ (2) ] . وقال الواقدي: أول عيد صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالمصلى سنة اثنتين من مقدمة المدينة من مكة. وخرج أبو زيد عمر بن شبة من حديث أبى ضمرة الليثي، عن حمزة ابن عبد الواحد، عن داود بن بكر، عن خالد بن عبد اللَّه، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج إلى المصلى يستسقى، فبدأ بالخطبة، ثم صلى وكبر واحدة افتتح بها الصلاة، فقال: هذا مجمعنا، ومستمطرنا، ومدعانا لعيدنا، ولفطرنا، وأضحانا، [فلا ..... ] . وخرج البخاري [ (3) ] من حديث زيد بن أسلم، عن عياض بن عبد اللَّه بن أبى سرح، عن أبى سعيد الخدريّ، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يخرج يوم الفطر   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 1/ 675، كتاب الصلاة، باب (245) صلاة العيدين، حديث رقم (1134) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 3/ 199، كتاب العيدين، باب (1) بدون ترجمة، حديث رقم (1555) ، وأخرجه أيضا البيهقي في (السنن الكبرى) : 3/ 277، كتاب صلاة العيدين. [ (3) ] (فتح الباري) : 2/ 570، كتاب العيدين، باب (6) الخروج إلى المصلى بغير منبر، حديث رقم (956) . وفي هذا الحديث من الفوائد بنيان المنبر، قال الزين بن المنير: وإنما اختاروا أن يكون باللبن لا من الخشب لكونه يترك بالصحراء في غير حرز فيؤمن عليه النقل، بخلاف خشب منبر الجامع. وفيه أن الخطبة على الأرض عن قيام في المصلى أولى من القيام على المنبر، والفرق بينه وبين المسجد أن المصلى يكون بمكان فيه فضاء فيتمكن من رؤيته كل من حضر، بخلاف المسجد فإنه يكون في مكان محصور فقد لا يراه بعضهم، وفيه الخروج إلى المصلى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 174 والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة حدثنا سعيد بن أبى مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: أخبرنى زيد عن عياض بن عبد اللَّه بن أبى سرح عن أبى سعيد الخدريّ قال: «وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم- فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم. فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف. «قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان- وهو أمير المدينة- في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلى، فجبذت بثوبه، فجبذنى، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم واللَّه، فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت ما أعلم واللَّه خير مما لا أعلم. فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة.   [ () ] في العيد، وأن صلاتها في المسجد لا تكون إلا عن ضرورة، وفيه إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السنة، وفيه حلف العالم على صدق ما يخبر به، والمباحث في الأحكام، وجواز عمل العالم بخلاف الأولى إذا لم يوافقه الحاكم على الأولى لأن أبا سعيد حضر الخطبة ولم ينصرف، فيستدل به على أن البداءة بالصلاة فيه ليس بشرط في صحتها. واللَّه أعلم. واستدل به على استحباب الخروج إلى الصحراء لصلاة العيد وأن ذلك أفضل من صلاتها في المسجد، لمواظبة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على ذلك مع فضل مسجده. وقال الشافعيّ في (الأم) : بلغنا أن روسل اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يخرج في العيدين إلى المصلى بالمدينة، وكذا من بعده إلا من عذر مطر ونحوه، وكذلك عامة أهل البلدان خلا أهل مكة. ثم أشار إلى أن سبب ذلك سعة المسجد وضيق أطراف مكة قال: فلو عمر بلد فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أر أن يخرجوا منه، فإن كان لا يسعهم كرهت الصلاة فيه وإلا إعادة، ومقتضى هذا أن العلة تدور على الضيق والسعة، لا لذات الخروج إلى الصحراء، لأن المطلوب حصول عموم الاجتماع، فإذا حصل في المسجد مع أفضليته كان أولى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 175 وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث إسماعيل بن جعفر، عن داود بن قيس، عن عياش بن عبد اللَّه بن سعد. حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قالوا حدثنا إسماعيل بن جعفر عن داود بن قيس عن عياش بن عبد اللَّه بن سعد عن أبى سعيد الخدريّ أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة فإذا صلى صلاته وسلم قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها وكان يقول تصدقوا تصدقوا تصدقوا وكان أكثر من يتصدق النساء ثم ينصرف فلم يزل كذلك حتى كان مروان بن الحكم فخرجت مخاصرا مروان حتى أتينا المصلى فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبرا من طين ولبن فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرنى نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة فلما رأيت ذلك منه قلت أين الابتداء بالصلاة فقال لا يا أبا سعيد قد ترك ما تعلم، قلت: كلا والّذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم «ثلاث مرار ثم انصرف» . وخرج أبو داود [ (2) ] من حديث الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبى سعيد، وعن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبى   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 427، كتاب صلاة العيدين، باب (1) بدون ترجمة، حديث رقم (889) . وهذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلى، وأنه أفضل من فعلها في المسجد وعلى هذا عمل الناس في معظم الأمصار وأما أهل مكة فلا يصلونها إلا في المسجد من الزمن الأول ولأصحابنا وجهان: أحدهما: الصحراء أفضل لهذا الحديث. والثاني: وهو الأصح عند أكثرهم المسجد أفضل إلا أن يضيق قالوا وإنما صل أهل مكة في المسجد لسعته وإنما خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلى المصلى لضيق المسجد فدل على أن المسجد أفضل إذا اتسع، وفيه أن الخطبة للعيد بعد الصلاة، وفيه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وأن كان المنكر عليه واليا، وفيه أن الإنكار عليه يكون باليد لمن أمكنه ولا يجزى عن اليد اللسان مع إمكان اليد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 176 سعيد الخدريّ، قال: أخرج مروان المنبر في يوم عيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد، ولم يكن يخرج فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، فقال أبو سعيد الخدريّ: من هذا؟ قالوا: فلان بن فلان، فقال: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: «من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» . وقد ذكر مسلم نحو هذا من حديث سفيان الثوري وشعبة، عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب. وذكر عمر بن شبة من حديث داود بن قيس عن عياض بن عبد اللَّه بن أبى سرح قال: أول من قام بالمصلى على منبر عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على منبر بناه له كثير بن الصلت من طين، ثم بناه كثير لمعاوية بن أبى سفيان، فتكلم عليه، وبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فكلمه في ذلك أبو سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: الصلاة قبل [الخطبة] ، فقال: اترك ما كنت يعهد قلبك، ولتسمع أذن، فنامت عيني، وعقل قلبي، وسمعت أذنى .... وذكر الحديث. فصل في نوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فإن قيل: إذا كان نومه صلى اللَّه عليه وسلّم يساوى نومنا في انطباق الجفن وعدم السماع، حتى أنه نام عن الصلاة فما أيقظه إلا حر الشمس، فما الفرق بيننا وبينه في النوم؟ أجيب بأن النوم يتضمن أمرين: أحدهما: راحة البدن، وهو الّذي يشاركنا فيه.   [ () ] (2) (سنن أبى داود) : 1/ 677، كتاب الصلاة، باب (248) ، الخطبة يوم العيد، حديث رقم (1140) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 177 والثاني: غفلة القلب، وقلبه صلى اللَّه عليه وسلّم متيقظ إذا نام، سليم من الأحلام في شغل، يتلقى الوحي، والتفكير في المصالح، على مثل حال غيره إذا كان منتبها، فما يتعطل قلبه بالنوم عما وضع له، كما يتعطل قلب غيره. ألا ترى إلى حاله صلى اللَّه عليه وسلّم في نزول الوحي عليه كيف كان يغشى عليه؟ وهي حالة لو أصابت غيره لانتقض وضوؤه، وهو صلى اللَّه عليه وسلّم في تلك الحال حافظ محفوظ من غلبة الطبع البشرى عليه، واسترخاء مخارج الحدث، فهو غائب عنا بحال، واللَّه سبحانه ييسر إليه حينئذ ما يشاء. وأما نومه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى طلعت الشمس فإنه يحتمل أمرين: أحدهما: أنه أريد بذلك التشريع لنا، لنعلم ما حكم اللَّه تعالى فيمن سها، وغفل عن الصلاة، كما بين اللَّه تعالى لنا حكمه عند عدم الماء، فأعدمه نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى أنزل عليه [آية حكم] التيمم [ (1) ] . قال ابن عبد البر: ونومه صلى اللَّه عليه وسلّم في ذلك الوقت عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، أمر خارج عن عادته وطباعه، وطباع الأنبياء قبله، وإنما كان نومه ذلك ليكون سنة، وليعلم المؤمنون كيف حكم من نام عن الصلاة أو نسيها، حتى يخرج وقتها، وهو من باب قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: إني لأنس أو لأنسي أسني. والّذي كانت جبلته وعادته صلى اللَّه عليه وسلّم أن لا يخامر النوم قلبه، ولا يخالط نفسه وإنما كانت تنام عينه. وقد ثبت عنه أنه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إن عيني تنامان ولا ينام   [ (1) ] وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ، وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة: 6] . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 178 قلبي. وهذا على العموم، لأنه قد جاء عنه: إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا [ (1) ] . ولا يجوز أن يكون مخصوصا بذلك، لأنها خصلة لم بعدها في الست التي أوتيها، ولم يؤتها أحد قبله من الأنبياء، فلما أراد اللَّه تعالى منه ما أراد [ .... ] قبض روحه وروح من معهم في نومهم ذلك، وصرفها إليهم بعد طلوع الشمس ليتبين لهم مراده، على لسان رسوله صلى اللَّه عليه وسلّم. وعلى هذا التأويل جماعة أهل الفقه والأثر، وهو واضح، والمخالف فيه مبتدع. الثاني: أنه وقع له ذلك لينكشف له علوم تخصه من المعارف، فعطلته عن القيام بحقوق الظواهر، لاشتغال باطنه المقدس بأداة التلقي. فقد عبر بلسان قاله ... عن حاله من ذكر محبوبه حتى أذهله عن مطلوبة فقال: فو اللَّه ما أدرى إذا ما ذكرتها ... أثنتين صليت العشاء أم ثمانيا؟ وقد عد القضاعي هذه الخصوصية مما خص به دون الأنبياء، وخفي عليه ما خرجه البخاري [ (2) ] من حديث أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في قصة الإسراء: وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. فل يبق إلا اختصاصه صلى اللَّه عليه وسلّم بذلك دون أمته وكان في قوله أن نوم العين بمجرده لا ينقض الوضوء. ***   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] سبق تخريجه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 179 الرابعة عشرة: انتقاض وضوئه صلى اللَّه عليه وسلّم بمس النساء وفيه خلاف على وجهين، الأشهر منهما الانتقاض. قال النووي في (الروضة) [ (1) ] : والمذهب الجزم بانتفاضه. ومأخذ من ذهب إلى عدم الانتقاض، حديث عائشة في (صحيح مسلم) : أنها افتقدت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في المسجد، فوقعت يدها عليه وهو ساجد، وهو يقول: أنى أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. وحديثها في السنن، قالت: إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن [يسجد غمز رجلي، فقبضتهما] . وظاهرهما يؤيد عدم النقض. وفي مسند البزار من حديث عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يقبل بعض نسائه ثم يخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ. ثم قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلا من رواية عائشة، ولا نعلمه يروى عنها إلا من حديث حبيب عن عروة، ومن حديث عبد الرحيم عن عطاء. قال عبد الحق: ولا أعلم لهذا الحديث علة توجب تركه، ولا أعلم فيه أكثر من قول يحيى بن معين: حديث عبد الركيم عن عطاء حديث رديء، لانه حديث غير محفوظ وانفراد الثقة بالحديث لا يضره، فإما أن يكون قبل نزول الآية، أو تكون الملامسة الجماع، كما قال ابن عباس، وكان هذا القائل بعدم الانتقاض، ذهب إلى تخصيص ذلك به صلى اللَّه عليه وسلّم، لكن الخصوم لا يقنعون منه بذلك، ويقولون: الأصل في ذلك عدم التخصيص إلا بدليل.   [ (1) ] الّذي في الروضة: الناقض الثالث: لمس بشرة امرأة مشتهاه، فإن لمس شعرا، أو سنا، أو ظفرا، أو عضوا مبانا من امرأة، أو بشرة صغيرة لم تبلغ حد الشهوة، لم ينقض وضوؤه على الأصح. (روضة الطالبين) : 1/ 185- 186. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 180 واحتج الشافعيّ رحمه اللَّه بحديث لمس عائشة أخمص قدميه صلى اللَّه عليه وسلّم على أن طهر الملوس لا ينقض، وهذا منه يؤذن بانتفاء الخصوصية، وإلا لما حسن الاحتجاج به. الخامسة عشرة: كان يجوز له صلى اللَّه عليه وسلّم أن يدخل المسجد جنبا قال أبو العباس بن العاص: لم يكن يحرم عليه صلى اللَّه عليه وسلّم المكث في المسجد وهو جنب، واحتجوا له بما رواه الترمذي من حديث سالم بن أبى حفصة، عن عطية، عن أبى سعيد، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لعلى: يا على، لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. قال على بن المنذر: قلت لضرار بن صرد: ما معنى هذا الحديث؟ قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمع منى محمد بن إسماعيل هذا الحديث فاستغربه [ (1) ] . قال مؤلفه: في حسن هذا الحديث نظر، ففي إسناده سالم بن أبى حفصة أبو يونس العجليّ الكوفي، قال النسائي: ليس بثقة، وقال الفلاس: وكان يحى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه، ومرة قال: مفرط في التشيع ضعيف الحديث. وقال ابن عدي: وإنما عيب عليه الغلو في التشيع، وقد وثقه ابن معين، وفيه أيضا عطية بن سعيد، أبو الحسن العوفيّ، كوفى، يعد من   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 597- 598، كتاب المناقب، باب (21) مناقب على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3727) . قال في (جامع الأصول) : إسناده ضعيف، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، قال النووي: إنما حسنه الترمذي بشواهده، وقال الحافظ ابن حجر في (أجوبته) وقعت في مصابيح السنة، ووصفت بالوضع: وورد لحديث أبى سعيد شاهد نحوه من حديث سعد بن أبى وقاص، أخرجه البزار من رواية خارجة بن سعد عن أبيه. ورواته ثقات، واللَّه تعالى أعلم. (جامع الأصول) 8/ 657- 658 [هامش] . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 181 شيعتها، ضعفه يحى وأحمد بن حنبل، وسفيان الثوري، وهشام. وقال البيهقي: غير محتج به. ومع ذلك ففي الحديث إشكال، لأن الاستطراق يجوز لكل جنب، قال تعالى: وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ [النساء: 43] اللَّهمّ إلا أن يدعى أنه لا يجوز الاستطراق في المسجد النبوي لأحد من الناس، سواهما، ولهذا قال: لا يحل لأحد يجنب في هذا لمسجد غيري وغيرك، فاللَّه تعالى أعلم [ (1) ] . وقد خرج هذا الحديث البزار، من حديث سعد بن أبى وقاص، وقد خرجه الطبراني، في أكبر معاجمه، من حديث أم سلمة، وخرجه أيضا ابن ماجة ولفظه: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته: إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض [ (2) ] . وأخرجه البيهقي ولفظه: [ألا] [ (3) ] إن مسجدي حرام على كل حائض من النساء [وكل] [ (2) ] جنب من الرجال، إلا على محمد وأهل بيته: على، وفاطمة، والحسن، والحسين. رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم [ (4) ] . قال البخاري: محدوج [ (5) ] عن جسرة [ (6) ] ، فيه نظر.   [ (1) ] ذكر الزركشي في (إعلام المساجد) : ثم قال: وقد حسنه الترمذي واستغفر به، ونقل عن ضرار بن صرد أن معناه: لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك، ثم نقل النووي كلام الإمام وقال: فهذا كلام من لم يقف على الحديث.. إلى أن قال: والحديث ينفى دعوى الخصوصية بمشاركة غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في ذلك. (إعلام المساجد بأحكام المساجد) : 322. [ (2) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 212، كتاب الطهارة وسننها، باب (126) ما جاء في اجتناب الحائط المسجد، حديث رقم (645) . قال في (الزوائد) : إسناده ضعيف محدوج لن يوثق، وأبو الخطاب مجهول. [ (3) ] زيادة يقتضيها السياق من (السنن الكبرى للبيهقي) . [ (4) ] (السنن الكبرى للبيهقي) : 7/ 65، كتاب النكاح، باب دخول المسجد جنبا. [ (5) ] ذكره أبو نعيم في (معرفة الصحابة) وقال: إنه مختلف في صحبته، (تهذيب التهذيب) : 10/ 50، ترجمة محدوج الذهلي رقم (88) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 182 قال مؤلفه: مدار هذا الحديث على محدوج الذهلي عن جسرة بنت دجاجة، عن أم سلمة. ثم رواه البيهقي من وجه آخر، عن إسماعيل بن أمية، عن جسرة، عن أم سلمة مرفوعا، ولفظه: ألا لا يحل هذا المسجد لجنب، ولا لحائض إلا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وعلى، وفاطمة، والحسن، والحسين، ألا قد بينت لكم الأسماء أن تضلوا [ (1) ] . ولا يصح شيء من ذلك، ولهذا قال القفال من أصحابنا، إن ذلك لم يكن خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم، وغلط إمام الحرمين أبو العباس بن القاصّ في ذلك، وقال هذا الّذي قاله صاحب (التلخيص) هوس، ولا يدرى من اين قاله؟ وإلى أي أصل أسنده؟ فالوجه: القطع بتخطئته. وقد قوى النووي مقالة ابن القاصّ، وعد القضاعي [ (2) ] هذه الخصوصية مما خص به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من بين سائر الأنبياء، ومن عبر باللبث دون الدخول قال: أبيح له اللبث في المسجد في حال جنابته صلى اللَّه عليه وسلّم.   [ () ] (6) هي جسرة بنت دجاجة العامرية الكوفية، روت عن أبى ذر، وعائشة، وأم سلمة، وعنها محدوج الذهلي وعمر بن عمير بن محدوج، قال العجليّ: ثقة، تابعية ذكرها ابن حبان في (الثقات) . قال الحافظ: وذكرها أبو نعيم في (الصحابة) . وقال البخاري: عند جسرة عجائب، قال أبو الحسن بن القطان: هذا القول لا يكفى لمن يسقط ما روت، كأنه يعرض بابن حزم، لأنه زعم أن حديثها باطل. (تهذيب التهذيب) : 12/ 435، ترجمة رقم (2749) . [ (1) ] (السنن الكبرى للبيهقي) : 7/ 65، كتاب النكاح، باب دخول المسجد جنبا. [ (2) ] هو الفقيه العلامة، القاضي أبو عبد اللَّه محمد بن سلامة بن جعفر بن على القضاعي، المصري، الشافعيّ، قاضى مصر، ومؤلف كتاب (الشهاب) مجردا ومسندا. سمع أبا مسلم محمد بن أحمد الكاتب، وعدة، حدث عنه أبو نصر بن ماكولا واخرون من المغاربة والرحالة. قال ابن ماكولا: كان متفننا في عدة علوم، لم أر بمصر من يجرى مجراه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 183 السادسة عشرة: أنه يجوز له صلى اللَّه عليه وسلّم أن يلعن شيئا غير سبب يقتضيه لأن لعنته رحمه، واستبعد ذلك من عداه. ذكر ابن القاصّ أنه يجوز له صلى اللَّه عليه وسلّم أن يلعن شيئا من غير سبب يقتضيه، لأن لعنته رحمة، واستبعد ذلك من عداه، والتحقيق أن من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه إذا سب رجلا ليس بذلك حقيقا أن يجعل اللَّه سب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم له كفارة. ودليله: ما في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر، فأى المؤمنين آذيته، أو شتمته، أو لعنته، فاجعلها له صلاة، وزكاة، وقربة، تقربه بها إليك يوم القيامة [ (1) ] .   [ () ] كان ينوب في القضاء بمصر وله تصانيف. وقال السلفي: كان من الثقات الأثبات، شافعيّ المذهب والاعتقاد، مرضى الجمة، مات بمصر سنة أربع وخمسين واربع مائة. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 2/ 357- 358، (سير أعلام النبلاء) : 18/ 92- 93، (الأنساب) : 10/ 181- 182 ، (اللباب) : 3/ 43، (وفيات الأعيان) : 4/ 212- 213، (مرآة الجنان) : 3/ 75، (الوافي بالوفيات) : 3/ 116- 117، (كشف الظنون) : 1/ 165، (شذرات الذهب) : 3/ 293، (هداية العارفين) : 2/ 71، (الرسالة المستطرفة) : 76. [ (1) ] رواه البخاري في كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: من آذنيه فاجعله زكاة ورحمة، ومسلم في البر والصلة، باب من لعنه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أو سب ودعا عليه، حديث رقم (2601) ، (2602) . قال الإمام النووي: وفي رواية: أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة، وفي رواية: فأى المؤمنين شتمته، لعنته، جلدته، فاجعلها له صلاة، وزكاة، وقربة، تقربه بها إليك يوم القيامة. وفي رواية: إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه .... وفي رواية: إني اشترطت على ربى فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا، وزكاة وقربة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 184 ولهذا لما ذكر مسلم رحمه اللَّه في صحيحه فضل معاوية بن أبى سفيان، أورد أولا هذا الحديث ثم أتبعه بحديث: لا أشبع اللَّه بطنه. فتحصل منهما مزية لمعاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ] . وهذا من جملة أمانة مسلم رحمه اللَّه، وقد أوردت كلا الحديثين بطرقهما في موضعهما من هذا الكتاب [ (2) ] .   [ () ] هذه الأحاديث مبينة ما كان عليه صلى اللَّه عليه وسلّم من الشفقة على أمته، والاعتناء بمصالحهم، والاحتياط لهم، والرغبة في كل ما ينفعهم. وإنما كان يقع هذا منه صلى اللَّه عليه وسلّم النادر والشاذ من الأزمان، ولم يكن صلى اللَّه عليه وسلّم فاحشا، ولا متفحشا، ولا لعانا، ولا منتقما لنفسه، وقد سبق أنهم قالوا: ادع على دوس، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ أهدد دوسا، وقال: اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون. واللَّه تعالى أعلم. (شرح النووي) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 392- 393، كتاب البر والصلة والآداب، باب (25) من لعنه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أو سبه، أو دعا عليه، وليس هو أهلا لذلك، كان له زكاة وأجرا ورحمة، حديث رقم (2604) ولفظه: عن ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فتواريت خلف باب، قال: فجاء فحطأني حطأة، وقال: اذهب وادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت: هو يأكل، فقال: لا أشبع اللَّه بطنه. قال ابن المثنى: قلت لأمية: ما حطأني؟ قال: قفدنى قفدة. الحطء: بفتح الحاء، وإسكان الطاء بعدها همزة، هو الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين. وإنما فعل هذا بابن عباس ملاطفة وتأنيسا، وأما دعاؤه على معاوية أن لا يشبع حين تأخر، ففيه الجوابان السابقان: أحدهما: أنه على اللسان بلا قصد، والثاني: أنه عقوبة له لتأخره. وقد فهم مسلم رحمه اللَّه من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقا للدعاء عليه فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله غيره من مناقب معاوية، لأنه في الحقيقة يصير دعاء له. وفي هذا الحديث جواز ترك الصبيان يلعبون بما ليس بحرام، وفيه جواز إرسال صبي غيره ممن يدل عليه في مثل هذا، ولا يقال: هذا تصرف في منفعة الصبى، لأن هذا قدر يسير، ورد الشرع بالمسامحة به للحاجة، واطرد به العرف، وعمل المسلمين. واللَّه تعالى أعلم. [ (2) ] (إمتاع الأسماع) : بتحقيقنا: 2/ 250. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 185 وقال الرافعي في قوله صلى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ إني اتخذت عندك عهدا .... الحديث، وهذا قريب من جعل الحدود كفارات لأهلها. قال العلماء: وذلك في حق المسلمين، كما نطق به الخبر، فإنه دعا على الكفار والمنافقين ولم يكن لهم رحمة. فإن قيل: إن كان المدعو عليه يستحق الدعاء فكيف يجعله رحمة له؟ وإن كان لا يستحقه فكيف يدعو على من لا يستحق الدعاء؟. أجيب بأنه يجوز أن يكون مستحقا للدعاء عليه شرعا غير أن رأفته صلى اللَّه عليه وسلّم وشفاعته تقتضي أن يدعو له لارتكابه ما نهى عنه، والعاصي أولى وأحق أن يدعو له. وقد يكون الدعاء عليه سببا لزيادة عصيانه، ويجوز أن لا يكون مستحقا للدعاء في الباطن، وهو يستحقه ظاهرا، والرسول صلى اللَّه عليه وسلّم إنما يحكم بالظاهر. ويجوز أن يكون المراد به ما صدر منه على صيغة الدعاء، واللعن، والسب، وليس المراد حقيقة ذلك، كما جرت به عادة العرب في كلامها، كقوله: تربت يمينك، وعقرا وحلقا. فخشي صلى اللَّه عليه وسلّم أن يصادف شيء من ذلك إجابة، فسأل اللَّه أن يجعل ذلك رحمة وكفارة. فإن قيل: قد قال في الحديث: إنما أنا بشر، أغضب كما يغضب البشر، وذلك يقتضي أن سبه ولعنه للغضب. أجيب بأن الماوردي قال: يحتمل أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أراد أن دعاءه وسبه وجلده، كان مما خير فيه بين أمرين: أحدهما: هذا، والثاني: زجره بأمر آخر، فحمله الغضب للَّه على أحد الأمرين المخير فيهما، وهو السب، واللعن، والجلد، فليس ذلك خارجا عن حكم الشرع، وعدّ القضاعي هذه مما خص به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء قبله. *** الجزء: 10 ¦ الصفحة: 186 السابعة عشرة: [هل يجوز له صلى اللَّه عليه وسلّم القتل بعد الأمان؟] قال ابن القاضي: يجوز له صلى اللَّه عليه وسلّم القتل بعد الأمان، قال الرافعي: وخطئوه فيه، وقالوا: من يحرم عليه خائنة الأعين كيف يجوز له من أمنه؟ وقصة ابن خطل لا حجة فيها، لقول ابن القاضي: فإنه صلى اللَّه عليه وسلّم استثنى ممن أمنهم، فإنه لم يكن ممن شمله الأمان، فاعلمه. ولم يذر النووي في الروضة هذه الخصوصيات لعدم الدليل عليها. الثامنة عشرة: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يقبل وهو صائم قيل: كان ذلك خاصا به، وهل يكره لغيره؟ أو يحرم؟ أو يباح؟ أو يبطل صوم من فعله؟ كما قاله ابن قتيبة، أو نسخت له، أو يفرق بين الشيخ والشاب، على أقوال للعلماء [ (1) ] ، وقد بسطت القول عليه في موضعه.   [ (1) ] خرج البخاري في كتاب الصوم: باب (24) القبلة للصائم، حديث رقم (1928) ، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: «إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليقبل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت» . فقد أخرجه النسائي من طريق يحيى القطان بلفظ «كان يقبل بعض أزواجه وهو صائم» وزاد الإسماعيلي من طريق عمرو بن على بن يحيى قال هشام: «وقال إني لم أر القبلة تدعو إلى خير» ، ورواه سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحمن عن هشام بلفظ «كان يقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم ضحكت» ، فقال عروة لم أر القبلة تدعو إلى خير، وكذا ذكره مالك في (الموطأ) عن هشام عقب الحديث، لكن لم يقل فيه ثم ضحكت. وقوله: ثم ضحكت يحتمل ضحكها للتعجب ممن خالف في هذا، وقيل تعجيب من نفسها إذ تحدث بمثل هذا مما يستحى من ذكر النساء مثله للرجال، ولكنها ألجأتها الضرورة في تبليغ العلم إلى ذكر ذلك، وقد يكون الضحك خجلا لإخبارها عن نفسها بذلك، أو تنبيها على أنها صاحبة القصة ليكون أبلغ في الثقة بها، أو سرورا بمكانها من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وبمنزلتها منه ومحبته لها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 187   [ () ] وقد روى ابن أبى شيبة عن شريك عن هشام في هذا الحديث «فضحكت، فظننا أنها هي وروى النسائي من طريق طلحة بن عبد اللَّه التيمي عن عائشة قالت: «أهوى إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ليقبلنى فقلت إلى صائمة، فقال: وأنا صائم، فقبلني» . وهذا يؤيد ما قدمناه أن النظر في ذلك لمن لا يتأثر بالمباشرة والتقبيل، ولا للتفرقة بين الشاب والشيخ، لأن عائشة كانت شابة، نعم لما كان الشاب مظنة لهيجان الشهوة فوق من فوق. وقال المازري: ينبغي أن يعتبر حال المقبل فإن أثارت منه القبلة الإنزال حرمت عليه لأن الإنزال يمنع منه الصائم فكذلك ما أدى إليه، وإن كان عنها المذي فمن رأى القضاء منه قال يحرم في حقه، ومن رأى أن لا قضاء قال بكرة، وإن لم تؤد القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها إلا على القول بسد الذريعة. قال: ومن بديع ما روى في ذلك قوله صلى اللَّه عليه وسلّم للسائل عنها: «أرأيت لو تمضمضت» فأشار إلى فقه بديع، وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم وهي أول الشرب ومفتاحه، كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه، والشرب يفسد الصوم كما يفسد الجماع، وكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا يفسد الصيام فكذلك أوائل الجماع. والحديث الّذي أشار إليه أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عمر، قال النسائي منكر، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقد سبق الكلام على حديث أم سلمة في كتاب الحيض، والغرض منه هنا قولها «وكان يقبلها وهو صائم» وقد ذكرنا شاهده من رواية عمر بن أبى سلمة في الباب الّذي قبله. وقال النووي: القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته لكن الأولى له تركها، وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح وقيل: مكروهة، وروى ابن وهب عن مالك إباحتها في النفل دون الفرض، قال النووي: ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا أن انزل بها. وقد روى أبو داود وحده من طريق مصدق بن يحيى عن عائشة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يقبلها ويمص لسانها وإسناده ضعيف، ولو صح فهو محمول على من لم يبتلع ريقه الّذي خالط ريقها واللَّه أعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 188 التاسعة عشرة: الصلاة على الغائب قال ابن عبد البر: وأكثر أهل العلم يقولون: إن هذا خصوص النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وقد أجاز بعضهم الصلاة على الغائب إذا بلغه الخبر بقرب موته [ (1) ] ، ودلائل الخصوص في هذه المسألة واضحة، لا يجوز أن يشرك النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فيها غيره، لأنه- واللَّه تعالى أعلم- أحضر روح النجاشي بين [يديه] حيث شاهدها، وصلى عليها أو رفعت له جنازته، كما كشف له عن بيت المقدس، حين سألته قريش عن صفته. وقد روى أن جبريل عليه السلام: أتاه بروح جعفر أو جنازته، وقال: قم فصل عليه، ومثل هذا كله يدل على أنه مخصوص به، ولا يشاركه فيه غيره.   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 263- 264، كتاب الجنائز، باب (66) الصلاة على القبر بعد ما يدفن، حديث رقم (1336) ، (1337) : وفيهما: «فأتى قبره فصلى عليه» وزاد ابن حبان في رواية حماد بن سلمة، عن ثابت: «ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن اللَّه ينورها عليهم بصلاتي» ، وأشار إلى أن بعض المخالفين احتج بهذه الزيادة على أن ذلك من خصائصه. ثم ساق من طريق خارجة بن زيد بن ثابت نحو هذه القصة وفيها «ثم أتى فصففنا خلفه وكبر عليه أربعا» قال ابن حبان: في ترك إنكاره صلى اللَّه عليه وسلّم على من صلى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره، أنه ليس من خصائصه. وتعقب بأن الّذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلا للاصالة، واستدل بخبر الباب على رد التفصيل بين من صلى عليه فلا يصلى عليه بأن القصة وردت فيمن صلى عليه. وأجيب بأن الخصوصية تنسحب على ذلك، واختلف من قال بشرع الصلاة لمن لم يصل فقيل: يؤخر دفنه ليصلي عليها من كان لم يصل، وقيل: يبادر بدفنها ويصلى الّذي فاتته على القبر، وكذا اختلف في أمد ذلك: فعند بعضهم إلى شهر، وقيل: ما لم يبل الجسد، وقيل: يختص بمن كان من أهل الصلاة عليه حين موته وهو الراجح عند الشافعية، وقيل: يجوز أبدا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 189 وعلى هذا أكثر العلماء في الصلاة على الغائب، وأبو عمر بن عبد البر منازع في ادعائه الخصوصية في هذه المسألة، كما [بينت] صحته في موضعه. العشرون: اختصاصه صلى اللَّه عليه وسلّم بالتأمين خرج ابن خزيمة في صحيحه، من حديث محمد بن معمر القيس، قال: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا حرمي ابن عمارة عن مولى لآل المهلب، سمعت أنسا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: كنا عند النبي صلى اللَّه عليه وسلّم جلوسا، فقال: إن اللَّه أعطانى خصالا ثلاثة، فقال رجل من جلسائه: ومن هذه الخصال يا رسول اللَّه؟ قال: أعطانى الصلاة في الصلاة في الصفوف، وأعطانى التحية، وإنها لتحية أهل الجنة، وأعطانى التأمين، ولم يعطه أحدا من النبيين إلا أن يكون اللَّه تعالى أعطى هارون موسى بدعوة هارون [ (1) ] . قال المؤلف- رحمه اللَّه-: زربى بن عبد اللَّه الأزدي مولاهم، أبو يحى مولى آل المهلب، ويقال: مولى هشام بن حسان [وهو إمام مسجده] ، روى عن أنس، ومحمد بن سيرين، وعنه عبيد بن واقد، وحرمي بن عمارة، [وعبد الصمد بن عبد الوارث، وأبو عبد الوارث، وموسى بن إسماعيل، ومسلم بن إبراهيم وغيرهم] . قال البخاري: فيه نظر، وقال الترمذي: له أحاديث مناكير عن أنس وغيره، وقال ابن عدي: أحاديثه وبعض متونها منكرة، وقال ابن حبان: منكر الحديث على قلته، ويروى عن أنس ما لا أصل له، فلا يحتج به، وذكره   [ (1) ] (كنز العمال) : 11/ 414، حديث رقم (31944) ، (31945) ، وفيه: «إلا أنه أعطى موسى أن يدعو ويؤمن هارون» وعزاه الحديث الأول إلى ابن خريمة عن أنس، والثاني إلى ابن عدي والبيهقي في (شعب الإيمان) عن أنس. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 190 العقيلي في (الضعفاء) وأورد له هذا الحديث، [وأخرج له ابن خريمة في صحيحه حديثا، لكن قال: إن ثبت الخبر] [ (1) ] . ***   [ (1) ] (تهذيب التهذيب) : 3/ 380، ترجمة رقم (604) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. في (الكامل) : 3/ 239- 240- في ترجمة زربى بن عبد اللَّه رقم (45/ 730) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 191 القسم الثاني: التحقيقات المتعلقة بالنكاح وفيه مسائل: الأولى: أبيح لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يجمع أكثر من أربع نسوة وهو ثابت بالإجماع ولأنه لما كان يفضله على العبد يستبيح من النسوة أكثر ما يستبيحه العبد وجب أن يكون النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يستبيح من النساء أكثر ما تستبيحه الأمة وقد قيل له في قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أن المراد بالناس النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأنهم حسدوه على نكاح تسع نسوة وقالوا: هلا شغلته النبوة عن النساء فأكذبهم اللَّه تعالى وقال: كان لسليمان الملك العظيم ولم يشغله عن النبوة وكان له ألف حرة ومملوكة وكان له تسع وتسعون زوجه وحكاه الإمام أبو نصر عبد الرحيم القشيري في كتاب (التيسير في التفسير) واعترض هذا بأنه لو كان الحكمة في ذلك ما ذكر من التفضيل للزم أن يفضل سليمان على نبينا وليس الأمر كذلك وقد اتفقوا على إباحة تسع نسوة له صلى اللَّه عليه وسلّم. واختلف أصحابنا في جواز الزيادة على ذلك، فيه وجهان: أحدهما: لا يجوز له الزيادة، لأن الأصل استواؤه صلى اللَّه عليه وسلّم وأمته في الأحكام لكن ثبت له جواز الزيادة إلى تسع، فقصر عليه، وأصحهما، وبه قطع الماوردي، والجواز لأنه مأمون الجور، ولظاهر قوله تعالى إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ [ (1) ] . وقد قيل: إنه كان عنده عند التخيير عشر نسوة، العاشرة بنت الضحاك التي اختارت نفسها، وذكر الواقدي كما تقدم: أن ريحانة زوجة مدخول بها، محجوبة. فعلى هذا قد اجتمع عنده صلى اللَّه عليه وسلّم عشر زوجات، وادعى من قال بانحصار الحل في التسع، أن قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ [ (2) ] ناسخ لحل الزيادة، فحرم عليه أن يتزوج عليهنّ، لكونهن اخترنه، وحرم عليهنّ أن يتزوجن بغيره.   [ (1) ] الأحزاب: 50. [ (2) ] الأحزاب: 52. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 192 ودليل الجواز: ما في البخاري [ (1) ] ، عن معاذ بن هشام عن أبيه، عن قتادة، عن أنس، كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يطوف على نسائه في الساعة الواحدة من الليل أو النهار، وهن إحدى عشرة. قلت لأنس: هل كان يطيق ذلك؟ قال: كنا نتحدث أنه كان أعطى قوة ثلاثين، وفي رواية: أربعين. ثم رواه البخاري [ (2) ] من حديث سعيد، عن قتادة: وعنده تسع، وروى الحافظ ضياء الدين في (الأحاديث المختارة) من حديث أنس: تزوج صلى اللَّه عليه وسلّم خمس   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 497، كتاب الغسل، باب (12) إذا جامع ثم عاد، ومن دار على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (268) . [ (2) ] قال الحافظ في (الفتح) : وقد جمع ابن حبان في صحيحه بين الروايتين بأن حمل ذلك على حالتين، لكنه وهم في قوله: «إن الأولى كانت في أول قدومه المدينة حيث كان تحته تسع نسوة، والحالة الثانية في آخر الأمر حيث اجتمع عنده إحدى عشرة امرأة» وموضع الوهم منه أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لما قدم المدينة لم يكن تحته امرأة سوى سودة، ثم دخل على عائشة بالمدينة، ثم تزوج أم سلمة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة في السنة الثالثة والرابعة، ثم تزوج زينب بنت جحش في الخامسة، ثم جويرية في السادسة، ثم صفية وأم حبيبة وميمونة في السابعة، وهؤلاء جميع من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور. واختلف في ريحانة وكانت من سبى بنى قريظة فجزم ابن إسحاق بأنه عرض عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فاختارت البقاء في ملكه، والأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر، وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل، قال ابن عبد البر: مكثت عنده شهرين أو ثلاثة. فعلى هذا لم يجتمع عنده من الزوجات أكثر من تسع، مع أن سودة كانت وهبت يومها لعائشة، فرجحت رواية سعيد. لكن تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية وريحانة إليهن وأطلق عليهنّ لفظ «نسائه تغليبا. وقد سرد الدمياطيّ في (السيرة) التي جمعها- من اطلع عليه من أزواجه ممن دخل بها أو عقد عليها فقط أو طلقها قبل الدخول أو خطبها ولم يعقد عليها فبلغت ثلاثين، وفي (المختارة) من وجه آخر عن أنس» تزوج خمس عشرة: دخل منهم بإحدى عشرة ومات عن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 193 عشر امرأة، ودخل منهن بثلاث عشرة، واجتمع عنده إحدى عشرة، ومات عن تسع. وقاله قتادة أيضا، وذكره ابن الصباغ في (الشامل) وقال: قال أبو عبيدة: تزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ثماني عشرة امرأة، واتخذ من الإماء ثلاثا. وزعم القضاعي في كتاب (عيون المعارف) أن إباحة ما فوق الأربع مما خص به نبيا صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء قبله، وكأنه خفي عليه ما نقل عن سليمان وداود عليهما السلام في ذلك من الزيادة. وقد اختلف أصحابنا أيضا في انحصار طلاقه صلى اللَّه عليه وسلّم في الثلاث على وجهين كالوجهين في عدد زوجاته، لكن صحح البغوي الحصر فيهما كغيره، وصححه في (أصل الروضة) [ (1) ] ، وذكره الرافعي الطريقة الأولى، ثم قال: ورأى أصحاب التتمة الانحصار، ولم يزد على ذلك في شرحه. الثاني: القطع بانحصاره فيه، بخلاف عدد الزوجات، لأن المأخوذ عليه من أسباب التحريم أغلظ، أعله الماوردي، وهو جازم بعدم انحصار النسوة، ويحال لوجهين في انحصار طلاقه عليه السلام، ومنه خرجت هذه الطريقة.   [ () ] تسع» وسرد أسماءهن أيضا أبو الفتح اليعمري ثم مغلطاى فزدن على العدد الّذي ذكره الدمياطيّ، وأنكر ابن القيم ذلك. والحق ان الكثرة المذكورة محمولة على اختلاف في بعض الأسماء، وبمقتضى ذلك تنقص العدة. واللَّه أعلم. قوله: (أو كان) بفتح الواو هو مقول قتادة والهمزة للاستفهام ومميز ثلاثين محذوف أي ثلاثين رجلا، ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبى موسى عن معاذ بن هشام «أربعين» بدل ثلاثين، وهي شاذة من هذا الوجه لكن في مراسيل طاوس مثل ذلك وزاد «في الجامع» وفي (صفة الجنة) لأبى نعيم من طريق مجاهد مثله وزاد «من رجال أهل الجنة» ، ومن حديث عبد اللَّه بن عمرو رفعه «أعطيت قوة أربعين في البطش والجماع» وعند أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه «إن الرجل من أهل الجنة ليعطي قوة مائة في الأكل والشرب والجماع والشهوة» فعلى هذا يكون حساب قوة نبيا أربعة آلاف. [ (1) ] (روضة الطالبين) : 5/ 353، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، في النكاح وغيره. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 194 قال: وعلى الحصر إذا طلق واحدة ثلاثا، هل تحل له من غير أن تتكح زوجا غيره؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم، لما خص من تحريم نسائه على غيره. والثاني: لا تحل له أبدا، لما عليه من التغليظ في أسباب التحريم. والفرق بين عدد الزوجات، وعدد الطلاق: ان الخلاف في الزوجات هل يزيد على التسع أو لا؟ ولم تشاركه الأمة في شيء من ذلك. والخلاف في الطلاق واضح، ويمكن أن يقال في مدرك عدم الانحصار في الثلاث: أن الطلاق في أول الإسلام كان غير منحصر في ثلاث، كما أخرجه مالك والشافعيّ عنه، عن هشام، عن أبيه مرسلا، ووصله البيهقي والحاكم، من طريق يعلى بن شبيب، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قال: كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها، وأن طلقها مائة أو أكثر [و] إذا أراد أرجعها قبل أن تتقضى عدتها، حتى قال رجل لامرأته: واللَّه لا أطلقك فتبينى منى، وأردك إلى، قالت: وكيف ذاك؟ قال: أطلقك، وكلما همت عدتك أن تتقضى، ارتجعتك، ثم أطلقك، وأفعل هكذا، فشكت المرأة إلى عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، فذكرت ذلك عائشة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، فسكت فلم يقل شيئا، حتى نزل القرآن: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [ (1) ] . قال الحاكم: صحيح الإسناد [ (2) ] .   [ (1) ] البقرة: 229. [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 307، كتاب التفسير، حديث رقم (3106) ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يتكلم أحد في يعقوب بن حميد بحجة، وناظرنى شيخنا أبو الحافظ، وذكر أن البخاري روى عنه في (الصحيح) فقلت: هذا يعقوب بن محمد الزهري، وهو ثبت على ما قال. قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) بعد قول الحاكم: ما تكلم أحد في ابن كاسب بحجة، قال: قد ضعفه غير واحد. وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 333، كتاب الخلع والطلاق، باب ما جاء في إمضاء الطلاق لثلاث، وإن كن مجموعات. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 195 فإن كانت العبرة بخصوص السبب، وهو قصد المضارة، فالأنبياء عليهم السلام [منزهون عن] ذلك، فيتجه عدم الانحصار. وإن نظرنا إلى عموم اللفظ، فيتجه الانحصار، واللَّه تبارك وتعالى أعلا وأعلم. الثانية: في انعقاد نكاحه صلى اللَّه عليه وسلّم بلفظ الهبة فيه وجهان: أحدهما: لا ينعقد كغيره، وأصحهما يصح، وهو ما قطع به الإمام الغزالي، لقوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [ (1) ] وعلى هذا لا يجب المهر بالعقد ولا بالدخول كما هو مقتضى الهبة. وهل يشترط لفظ النكاح من جهته صلى اللَّه عليه وسلّم؟ أو يكفى لفظ الإيهاب؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يشترط كما في حق المرأة، وأصحهما في (أصل الروضة) [ (2) ] ، والرافعي يشترط، قال الرافعي: أنه الأرجح عند الشيخ أبى حامد، لظاهر قوله تعالى: أَنْ يَسْتَنْكِحَها فاعتبر في جانبه صلى اللَّه عليه وسلّم النكاح. وفي (الحاوي) للماوردى: أباحه اللَّه تعالى أن يملك نكاح الحرة بلفظ الهبة من غير بذل يذكر مع العقد، ولا يجب من بعد، فيكون مخصوصا به من بين أمته من وجهين: أحدهما: أن يملك الحرة بلفظ الهبة، ولا يجوز ذلك لغيره من أمته. والثاني: ان يسقط عنه المهر ابتداء مع العقد، وانتهاء فيما بعد، وغيره من أمته يلزمه المهر فيما بعد .... إلى آخر كلامه، ورجح الرافعي والنووي اشتراط لفظ النكاح من جهة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، واستدلا بقوله تعالى:   [ (1) ] الأحزاب: 50. [ (2) ] (روضة الطالبين) : 5/ 353، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه في النكاح غيره. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 196 وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها [ (1) ] وفيه نظر. لأن اللَّه تعالى لما اشترط إرادة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم نكاحها، فلو قال: أردت، كان كافيا، ولفظ الرافعي: هل يشترط لفظ النكاح من جهته وجهان: أحدهما: لا يشترط كما لا يشترط من جهة الواهبة. والثاني: نعم، لظاهر قوله: أَنْ يَسْتَنْكِحَها، وهذا أرجح، عند الشيخ أبى حامد. ووقع في (الجواهر) للقمولى: أن فيها وجهين، أرجحهما عند الشيخ ابى حامد أنه يكفى لفظ الإيهاب، وهذا مغاير لنقل الرافعي، والجمع بينهما: أن الشيخ أبى حامد نقل أن الصحيح ما عزاه إليه الرافعي، ثم بحث، فرجح ما عزاه إليه القمولي، ومن تأمل كلامه ظهر له ذلك. قال الأصحاب: وينعقد نكاحه صلى اللَّه عليه وسلّم بمعنى الهبة، حتى لا يجب مهرا ابتداء أو انتهاء. وفي وجه غريب أنه يجب المهر، والّذي خص به انعقاد نكاحه بلفظ الهبة دون معناها. وقال الماوردي مرة بسقوط المهر، ومرة قال: اختلف أصحابنا في من لم يسم لها مهرا في العقد، هل يلزمه مهر المثل؟ على وجهين: وجه المنع، أن المقصود منه التوصل إلى ثواب اللَّه تعالى. قال: واختلف العلماء هل كانت عنده صلى اللَّه عليه وسلّم امرأة موهوبة أم لا؟ من أجل اختلاف القراء في فتح إن وكسرها من قوله تعالى: إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ فعلى الثاني: تكون شرطا مستقبلا، وعلى الأول: تكون خبرا عن ماض. قال أبو حيان في (التفسير) [ (2) ] : قرأ الجمهور وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً بالنصب إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها بكسر الهمزة، أي أحللناها لك إِنْ وَهَبَتْ، إِنْ أَرادَ فهما شرطان.   [ (1) ] الأحزاب: 50. [ (2) ] (البحر المحيط) : 8/ 492- 493. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 197 والثاني: في معنى الحال، كأنه شرط في الإحلال هبتها نفسها، وفي الهبة إرادة استنكاح النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، كأنه قال: أحللناها لك إن وهبت نفسها، وأنت تريد أن تستنكحها، لأن إرادته صلى اللَّه عليه وسلّم هي قبول الهبة، وبه تتم، وإذا اجتمع شرطان، فالثاني شرط في الأول، متأخر في اللفظ، متقدم في الوقوع، ما لم تدل قرينة على الترتيب. وقرأ أبو حيوة: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً بالرفع على الابتداء، والخبر محذوف، أي أحللناها لك. وقرأ أبى والحسن وغيرهما: أن بفتح الهمزة، وتقديره: لأن وهبت، وذلك حكم امرأة بعينها، فهو فعل ماض، وقراءة الكسر استقبال في كل امرأة كانت تهب نفسها، دون واحدة بعينها. وقرأ زيد بن على: إذ وهبت بالذال. وإذ ظرف، فهو في امرأة بعينها أيضا. وقرأ الجمهور: خالصة بالنصب. وهو مصدر مؤكد، يعنى خلوصا، ويجيء المصدر فاعل وفاعلة. وقرئ خالِصَةً لَكَ بالرفع، وقال: الظاهر أن قوله: خالِصَةً لَكَ من صفة الواهبة، فقراءة النصب على الحال، والرفع خبر مبتدإ محذوف، أي هي خالصة لك، أي هبة النساء أنفسهن مختص بك وأجمعوا على أن ذلك غير جائز لغيره. وفي (الحاوي) : للماوردى: واختلف في الواهبة، فقيل: أنها أم شريك بنت جابر بن ضباب قاله عروة: وقيل: خولة بنت حكيم. قالت عائشة، وقيل: غزية، قاله ابن عباس، وقيل: زينب بنت خزيمة أم المساكين. قاله الشعبي. وزاد أبو حيان مع ابن عباس قتادة، وقال: في الأولى هو قول على بن الحسين، والضحاك، ومقاتل، وزاد مع الشعبي عروة، وزاد مع عائشة عروة أيضا. فتلخص في الواهبات من الزوجات ثنتان: هما ميمونة وزينب ومن غير الزوجات: أم شريك. واختلف في اسم أم شريك، فقيل: عامرية اسمها الجزء: 10 ¦ الصفحة: 198 غزية أو غزيلة، وقيل: غفارية، وقول الماوردي في نسبتها يدل على أنها عامرية، فقال: قيل: إنها أم شريك بنت عوف بن عمرو بن جابر بن صباب. وقيل: هي بنت وردان بن عوف بن عمرو بن عامر، وقد قيل أيضا: هي ليلى بنت الخطيم، وقيل: فاطمة بنت شريح [ (1) ] .   [ (1) ] فاطمة بنت شريح: هي أم شريك القرشية العامرية، من بنى عامر بن لؤيّ، نسبها ابن الكلبي، فقال: بنت دودان بن عوف بن عمرو بن خالد بن ضباب بن حجير بن معيص بن عامر. وقال غيره: عمرو بن عامر بن رواحة بن حجير. وقال ابن سعد: اسمها غزية بنت جابر بن حكيم، كان محمد بن عمر يقول: هي من بنى معيص بن عامر بن لؤيّ. وكان غيره يقول: هي دوسية من الأزد، ثم أسند عن الواقدي، عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: كانت أم شريك من بنى عامر بن لؤيّ معيصية وهبت نفسها للنّبيّ فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت. وقال أبو عمر: كانت عند أبى العكر بن سمى بن الحارث الأزدي ثم الدوسيّ، فولدت له شريكا، وقيل: إن اسمها غزيلة، بالتصغير، ويقال غزية بتشديد الياء بدل اللام، وقيل بفتح أولها وقال ابن مندة: فاختلف في اسمها فقيل غزيلة. وقال أبو عمر: من زعم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم نكحها قال: كان ذلك بمكة. وهو عجيب، فإن قصة الواهبة نفسها إنما كانت بالمدينة، وقد جاء من طرق كثيرة أنها كانت وهبت نفسها للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم. وأخرج أبو نعيم، من طريق محمد بن مروان السدي- أحد المتروكين، وأبو موسى، من طريق إبراهيم بن يونس، عن زياد، عن بعض أصحابه، عن ابن الكلبي، عن أبى صالح، عن ابن عباس، قال: ووقع في قلب أم شريك الإسلام وهي بمكة، وهي إحدى نساء قريش ثم إحدى بنى عامر بن لؤيّ، وكانت تحت أبى العكر الدوسيّ، فأسلمت، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرا فتدعوهن وترغبهن في الإسلام حتى ظهر أمرها لأهل مكة، فأخذوها وقالوا لها: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكنا سنردك إليهم، قالت: فحملوني على بعير ليس تحتى شيء موطأ ولا غيره، ثم تركونى ثلاثا لا يطعموني ولا يسقوني. قالت: فما أتت على ثلاث حتى ما في الأرض شيء أسمعه، فنزلوا منزلا، وكانوا إذا تزلوا وثقونى في الشمس واستظلوا وحبسوا عنى الطعام والشراب حتى يرتحلوا، فبينما أنا كذلك إذا أنا بأثر شيء على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 199   [ () ] بد منه، ثم رفع، ثم عاد فتناولته، فإذا هو دلو ماء، فشربت منه قليلا ثم نزع منى، ثم عاد فتناولته فشربت منه قليلا، ثم رفع، ثم عاد أيضا، ثم رفع فصنع ذلك مرارا حتى رويت، ثم أفضت سائره على جسدي وثيابي. فلما استيقظوا فإذا هم بأثر الماء، ورأوني حسنة الهيئة، فقالوا لي: انحللت، فأخذت سقاءنا فشربت منه. فقلت: لا، واللَّه ما فعلت ذلك، كان من الأمر كذا وكذا، فقالوا: لئن كنت صادقة فدينك خير من ديننا، فنظروا إلى الأسقية فوجدوها كما تركوها، وأسلموا بعد ذلك. وأقبلت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ووهبت نفسها له بغير مهر، فقبلها ودخل عليها، فلما رأى عليها كبرة طلقها. وأخرج أبو موسى أيضا من وجه آخر عن الكلبي عن أبى صالح، عن ابن عباس- شبيهة بالقصة التي في الخبر المرسل، وحاصله أنه اختلف على الكلبي في سياق القصة، ويتحصل منها- إن كان ذلك محفوظا- أن قصة الدلو وقعت لأم شريك ثلاث مرات، قال ابن الأثير: استدل أبو نعيم بهذه القصة على أن العامرية هي الدوسية. قلت: فعلى هذا يلزم منه أن تكون نسبتها إلى بنى عامر، من طريق المجاز، مع أنه يحتمل العكس بأن تكون قريشية عامرية، فتزوجت في دوس فنسبت إليهم. وأخرج الحميدي في مسندة، من رواية مجالد، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لها: اعتدى عند أم شريك بنت أبى العكر، وهذا يخالف ما تقدم أنها زوج أبى العكر، ويمكن الجمع بأن تكون كنية والدها وزوجها اتفقتا أو تصحفت بنت بالموحدة والنون من بيت بالموحدة والتحتانية، وبيت الرجل يطلق على زوجته، فتنفق الروايتان. وجاء عن أم شريك ثلاثة أحاديث مسندة، ولم تنسب في بعضها، ونسب في بعضها مع اختلاف في الرواية في النسبة الأولى، أخرجه مسلم في الفتن، والترمذي في المناقب، من رواية الزبير، عن جابر، عن أم شريك، قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يتفرق الناس من الدجال قالت أم شريك: يا رسول اللَّه، فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل. وأخرج ابن ماجة من حديث أبى أمامة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في ذكر الدجال، قال: ترجف المدينة ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، ويدعى ذلك اليوم يوم الحلام. قالت أم شريك بنت أبى العكر: يا رسول اللَّه، فأين العرب يومئذ؟ قال: هم يومئذ قليل، ذكره في حديث طويل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 200 وفي الصحيحين [ (1) ] من حديث عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، كانت خولة [بنت حكيم] [ (2) ] من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقالت   [ () ] وهذا يوافق ما أخرجه الحميدي، وغيره، من طريق مجالد، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لها اعتدى عند أم شريك بنت أبى العكر، وعلى هذا- إن كان محفوظا- فهي الأنصارية المتقدمة، فكأن نسبتها كذلك مجازية أيضا. الثاني: أخرجه الشيخان من رواية سعيد بن المسيب، عن أم شريك- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أمرها بقتل الأوزاغ، ولم ينسب في هذه الرواية إلا في رواية لأبى عوانة عن سماك. والثالث: أخرجه النسائي، من رواية هشام بن عروة، عن أم شريك- أنها كانت ممن وهبت نفسها للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، ورجاله ثقات ولم ينسبها. وقد أخرجه ابن سعد، عن عبيد اللَّه بن موسى، عن سنان عن فراس عن الشعبي، قال: المرأة التي عدل عنها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أم شريك الأنصارية. وهذا مرسل. رجاله ثقات. ومن طريق شريك القاضي وشعبة، قال شريك عن جابر الجعفي، عن الحكم، عن على بن الحسين- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج أم شريك الدوسية، لفظ شريك. وقال شعبة في روايته: إن المرأة التي وهبت نفسها للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم وسلم أم شريك امرأة من الأزد. وأخرج ابن سعد من طريق عكرمة، ومن طريق عبد الواحد بن أبى عون في هذه الآية: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ. قال: هي أم شريك، وفي مسندهما الواقدي ولم ينسبها. والّذي يظهر في الجمع أن أم شريك واحدة، اختلف في نسبتها أنصارية، أو عامرية من قريش، أو أزدية من دوس، واجتماع هذه النسب الثلاث ممكن، كأن يقول قرشية تزوجت في دوس فنسبت إليهم، ثم تزوجت في الأنصار فنسبت إليهم، أو لم تتزوج بل هي نسبت أنصارية بالمعنى الأعم. لها ترجمة في (الإصابة) : 8/ 238- 241، ترجمة رقم (12099) ، (الاستيعاب) : 4/ 1943، (طبقات ابن سعد) : 8/ 110. [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 204، كتاب النكاح، باب (30) هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد؟ حديث رقم (5113) ، رواه أبو سعيد المؤدب ومحمد بن بشر وعبدة عن هشام، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، يزيد بعضهم على بعض. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 201   [ () ] وأخرجه البخاري أيضا في كتاب التفسير، باب (7) تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ، حديث رقم (4788) ، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل اللَّه تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. قال الحافظ في (الفتح) وحكى الواحدي عن المفسرين أن هذه الآية نزلت عقب نزول آية التخيير، وذلك أن التخيير لما وقع أشفق بعض الأزواج أن يطلقهن وقوله: وهبن أنفسهن هذا ظاهر في أن الواهبة أكثر من واحدة. وعند ابن أبى حاتم من حديث عائشة: التي وهبت نفسها للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم هي خولة بنت حكيم، ومن طريق الشعبي قال: من الواهبات أم شريك. وأخرجه النسائي من طريق عروة. وعند أبى عبيدة معمر بن المثنى أن من الواهبات فاطمة بنت شريح. وقيل: إن ليلى بنت الحطيم ممن وهبت نفسها له ومنهن زينب بنت خزيمة، جاء عن الشعبي وليس بثابت، وخولة بنت حكيم وهو في هذا الصحيح، ومن طريق قتادة عن ابن عباس قال: التي وهبت نفسها للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم هي ميمونة بنت الحارث، وهذا منقطع. وأورده من وجه آخر مرسل وإسناده ضعيف. قوله: (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) أي ما أرى اللَّه إلا موجدا لما تريد بلا تأخير، منزلا لما تحب وتختار. وقوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ أي تؤخرن بغير قسم، وهذا قول الجمهور، وأخرجه الطبري عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأبى رزين وغيرهم، وأخرج الطبري أيضا عن الشعبي في قوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ قال: كن نساء وهبن أنفسهن للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، فدخل ببعضهن وأرجا بعضهن لم ينكحهن، وهذا شاذ، والمحفوظ أنه لم يدخل بأحد من الواهبات كما تقدم. وقيل: المراد بقوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ أنه كان هم بطلاق بعضهن، فقلن له: لا تطلقنا واقسم لنا ما شئت، فكان يقسم لبعضهن قسما مستويا، وهن اللاتي آواهن، ويقسم للباقي ما شاء وهن اللاتي أرجاهن. فحاصل ما نقل في تأويل تُرْجِي أقوال: أحدها: تطلق وتمسك، ثانيها: تعتزل من شئت منهن بغير طلاق وتقسم لغيرها، ثالثها: تقبل من شئت من الواهبات وترد من شئت. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 202   [ () ] وحديث الباب يؤيد هذا والّذي قبله، واللفظ محتمل للأقوال الثلاثة. وظاهر ما حكته عائشة من استئذانه أنه لم يرج أحدا منهن، بمعنى أنه لم يعتزل، وهو قول الزهري: «ما أعلم أنه أرجا أحدا من نسائه» أخرجه ابن أبى حاتم، وعن قتادة أطلق له أن يقسم كيف شاء فلم يقسم إلا بالسوية. (فتح الباري) : 8/ 673- 675. (باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد) أي فيحل له نكاحها بذلك، وهذا يتناول صورتين: إحداهما: مجرد الهبة من غير ذكر مهر، والثانية: العقد بلفظ الهبة. فالصورة الأولى ذهب الجمهور إلى بطلان النكاح، وأجازه الحنفية والأوزاعي، ولكن قالوا: يجب مهر المثل، وقال الأوزاعي: إن تزوج بلفظ الهبة وشرط أن لا مهر لم يصح النكاح. وحجة الجمهور قوله تعالى: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فعدوا ذلك من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم وأنه يتزوج بلفظ الهبة بغير مهر في الحال ولا في المآل، وأجاب المجيزون عن ذلك بأن المراد أن الواهبة تختص به لا مطلق الهبة. والصورة الثانية ذهب الشافعية وطائفة إلى أن النكاح لا يصح إلا بلفظ النكاح أو التزويج، لأنهما الصريحان اللذان ورد بهما القرآن والحديث، وذهب الأكثر إلى أنه يصح بالكنايات، واحتج الطحاوي لهم بالقياس على الطلاق فإنه يجوز بصرائحه وبكناياته مع القصد. قوله: (حدثنا هشام) هو ابن عروة عن أبيه (قال: كانت خولة) هذا مرسل، لأن عروة لم يدرك زمن القصة، لكن السياق يشعر بأنه حمله عن عائشة. وقد ذكر المصنف عقب هذه الطريق رواية من صرح فيه بذكر عائشة تعليقا. قوله: (بنت حكيم) أي ابن أمية بن الأوقص السلمية، وكانت زوج عثمان بن مظعون، وهي من السابقات إلى الإسلام، وأمها من بنى أمية. قوله: (فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها) وفي رواية محمد بن بشر الموصولة عن عائشة أنها كانت تعير اللائي وهبن أنفسهن. قوله: فلما نزلك: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ في رواية عبدة بن سليمان: فأنزل اللَّه ترجى وهذا أظهر في أن نزول الآية بهذا السبب، قال القرطبي: حملت عائشة على هذا التقبيح الغيرة التي طبعت عليها النساء وإلا فقد علمت ان اللَّه أباح لنبيه ذلك وان جميع النساء لو ملكن لرقهن لكان قليلا. قوله: (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) في رواية محمد بن بشر «إني لأرى ربك يسارع لك في هواك «أي في رضاك، قال القرطبي: هذا قول أبرزه الدلال والغقيرة، وهو من نوع قولها: ما أحمدكما ولا أحمد إلا اللَّه، وإلا فإضافة الهوى إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لا تحمل على ظاهره، لأنه لا ينطق عن الهوى ولا يفعل بالهوى، لو قالت: إلى مرضاتك لكان أليق، ولكن الغيرة يغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك. (فتح الباري) : 9/ 204- 205. [ (2) ] زيادة للسياق من (البخاري) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 203 عائشة: أما تستحي المرأة تهب نفسها للرجل؟ فلما نزلت: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ قالت: يا رسول اللَّه! ما أرى ربك إلا يسارع في هواك! وهذا يدل على أن معنى قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ أي تؤخر من تشاء من الواهبات، فلا تقبل هبتها، وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ أي بقبول هبتها. وقد قيل خلاف ذلك. وعند القاضي أبى عبد اللَّه محمد بن سلامة القضاعي، أنه صلى اللَّه عليه وسلّم إنما خص بإباحة الموهوبة له خاصة، وهو أن يتزوجها بلفظ الهبة، وإباحة النكاح بغير مهر، ولا يستقر عليه إلا بالدخول، وإن هذا مما خص به دون الأنبياء من قبله، ودون أمته، تشريفا له، وتعظيما لشأنه صلى اللَّه عليه وسلّم. الثالثة: إذا رغب صلى اللَّه عليه وسلّم في نكاح امرأة فإن كانت خليه فعليها الإجابة على الصحيح ويحرم على غيره، وخطبتها وإن كانت ذات زوج وجب على زوجها طلاقها لينكحها على الصحيح لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [ (1) ] كذلك استدل بها. الماوردي، واستدل الغزالي في (الوسيط) ، لوجوب التطليق بقصة زيد، وهي مشهورة. خرج البخاري [ (2) ] في كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء، من حديث حماد بن زيد، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك   [ (1) ] الأنفال: 24. [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 497، كتاب التوحيد، باب (22) ، وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، حديث رقم (7420) ، قوله: (قال أنس لو كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كاتما الجزء: 10 ¦ الصفحة: 204   [ () ] شيئا لكتم هذه) ظاهره أنه موصول بالسند المذكور، لكن أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة والإسماعيلي عنه نزلت: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ في شأن زينب بنت جحش وكان زيد يشكو وهمّ بطلاقها يستأمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال له «أمسك عليك زوجك واتّق اللَّه» وهذا القدر هو المذكور في آخر الحديث هنا بلفظ «وعن ثابت وتخفى في نفسك» إلخ، ويستفاد منه أنه موصول بالسند المذكور وليس بمعلق، وأما قوله «لو كان كاتما» إلخ، فلم أره في غير هذا الموضع موصولا عن أنس، وذكر ابن التين عن الداوديّ أنه نسب قوله «لو كان كاتما لكتم قصة زينب» إلى عائشة، قال وعن غيرها» لكتم عبس وتولى» ، قلت: قد ذكرت في تفسير سورة الأحزاب حديث عائشة قالت «لو كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كاتما شيئا من الوحي» الحديث، وأنه أخرجه مسلم والترمذي ثم وجدته في مسند الفردوس من وجه آخر عن عائشة من لفظه صلى اللَّه عليه وسلّم «لو كنت كاتما شيئا من الوحي» الحديث، واقتصر عياض في الشفاء على نسبتها إلى عائشة والحسن البصري وأغفل حديث أنس هذا وهو عند البخاري. قوله: (قال فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم- إلى قولها- وزوجني اللَّه عز وجل من فوق سبع سماوات) أخرجه الإسماعيلي من طريق حازم بن الفضل عن حماد بهذا السند بلفظ «نزلت في زينب جحش فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها» وكانت تفخر على نساء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وكانت تقول إن اللَّه أنكحن في السماء» وزاد الإسماعيلي من طريق الفريايى وأبى قتيبة عن عيسى «أنتن أنكحكن آباؤكن» وهذا الإطلاق محمول على البعض، وإلا فالمحقق أن التي زوجها أبوها منهن عائشة وحفصة فقط، وفي سودة وزينب بنت خزيمة وجويرية احتمال، وأما أم سلمة وأم حبيبة وصفية وميمونة فلم يزوج واحدة منهن أبوها، ووقع عند ابن سعد من وجه آخر عن أنس بلفظ «قالت زينب يا رسول اللَّه إني لست كأحد من نسائك، ليست منهم امرأة إلا زوجها أبوها أو أخوها أو أهلها غيري» وسنده ضعيف ومن وجه آخر موصول عن أم سلمة «قالت زينب ما أنا كأحد من نساء النبي إنهن زوجن بالمهور زوجهن الأولياء، وأنا زوجني اللَّه ورسوله صلى اللَّه عليه وسلّم وأنزل اللَّه في الكتاب» . وفي مرسل الشعبي» قالت زينب يا رسول اللَّه أنا أعظم نسائك عليك حقا، أنا خيرهن منكحا وأكرمهن سفيرا وأقربهن رحما فزوجنيك الرحمن من فوق عرشه، وكان جبريل هو السفير بذلك، وأنا ابنة عمتك وليس لك من نسائك قريبة غيري» أخرجه الطبري وأبو القاسم الطحاوي في (كتاب الحجة والتبيان) له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 205 وتعالى عنه قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: اتّق اللَّه وأمسك عليك زوجك. قال أنس: لو كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كاتما شيئا لكتم هذه، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، تقول: زوجكم أهاليكن وزوجي اللَّه تعالى من فوق سبع سماوات، وعن ثابت وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ نزلت في شأن زينب وزيد بن حارثة.   [ () ] قوله: (من فوق سبع سماوات) في رواية عيسى بن طهمان عن أنس المذكورة عقب هذا «وكانت تقول إن اللَّه عز وجل أنكحنى في السماء» وسنده هذه أخر الثلاثيات التي ذكرت في البخاري، وتقدم لعيسى بن طهمان حديث آخر تكلم فيه ابن حبان بكلام لم يقبلوه منه، وقوله فيه هذه الرواية «وأطعم عليها يومئذ خبزا ولحما» يعنى في وليمتها، وقد تقدم بيانه واضحا في تفسير سورة الأحزاب. قال الكرماني قوله: «في السماء» ظاهره غير مراد، إذ اللَّه منزه عن الحلول في المكان، لكن لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه إشارة إلى علو الذات والصفات، وبنحو هذا أجاب غيره عن الألفاظ الدارجة من الفوقية ونحوها، قال الراغب: «فوق» يستعمل في المكان والزمان والجسم والعدد والمنزلة والقهر. فالأول: باعتبار العلو ويقابله تحت نحو قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ. والثاني: باعتبار الصعود والانحدار، نحو إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ. والثالث: في العدد نحو فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ. والرابع: في الكبر والصغر، كقوله بَعُوضَةً فَما فَوْقَها. والخامس: يقع تارة باعتبار الفضيلة الدنيوية، نحو وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ، أو الأخروية نحو وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ. والسادس: نحو قوله وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ، يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ انتهى ملخصا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 206 وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث داود بن أبى هند، عن الشعبي، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: لو كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ [الأحزاب: 37] يعنى: بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ: بالعتق فأعتقته أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ، وَتَخْشَى النَّاسَ، وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما تزوجها، قالوا: تزوج حليلة ابنه، فأنزل اللَّه تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40] وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تبناه وهو صغير، فلبث حتى صار رجلا، يقال له: زيد ابن محمد، فأنزل اللَّه تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ فلان مولى فلان، وفلان أخو فلان هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ يعنى: أعدل عند اللَّه. وعن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: لو كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كاتما شيئا لكتم هذه الآية: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ. وهذا الحديث لم يرد بطوله [ (2) ] .   [ (1) ] رواه الترمذي في التفسير، باب ومن سورة الأحزاب، حديث رقم (3205) وقال: هذا حديث غريب. قال ابن الأثير: في سنده داود بن الزبرقان الرقاشيّ البصري تزيل بغداد، وهو متروك، وكذبه الأزدي كما قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» وقول عائشة في أول الحديث: لو كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية، هذا القدر ثابت. وقال الحافظ في (الفتح) : وأظن الزائد بعده مدرجا في الخبر، فإن الراويّ له عن داود- يعنى بن أبى هند- لم يكن بالحافظ- يريد به داود بن الزبرقان. [ (2) ] أخرجه الترمذي برقم (3206) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه مسلم في الإيمان، باب معنى قول اللَّه عز وجل: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى حديث رقم (177) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 207 خرج عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة، في قوله: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ، قال: أنعم اللَّه عليه بالإسلام، وأنعم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالعتق، أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، قال قتادة: جاء زيد بن حارثة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن زينب اشتد عليّ لسانها، وأنا أريد أن أطلقها، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: اتّق اللَّه وأمسك عليك زوجك، قال: والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم يحب أن يطلقها، ويخشى قالة الناس: أن أمره بطلاقها. فأنزل اللَّه تعالى: اتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً. قال قتادة: طلقها زيد زَوَّجْناكَها. قال معمر: وأخبرنى من سمع الحسن يقول: ما نزلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم آية أشد منها، قوله: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ، لو كان كاتما شيئا من الوحي كتمها. قال: وكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فتقول: أما أنتن فزوجكن آباؤكن، وأما أنا فزوجني رب العرش [ (1) ] . وذكر الحاكم في (مستدركه) ، عن محمد بن عمر الواقدي قال: حدثني عمر بن عثمان الحجى، عن أبيه قال: قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة، وكانت زينب بنت جحش ممن هاجر مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم- وكانت امرأة جميلة، فخطبها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على زيد بن حارثة، فقالت: يا رسول اللَّه لا أرضاه لنفسي، وأنا أيم قريش، قال: فإنّي قد رضيته لك، فتزوجها زيد بن حارثة. قال الواقدي: فحدثني عبد اللَّه بن عامر الأسلمي، عن محمد بن يحى قال: جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بيت زيد بن حارثة يطلبه، وكان زيد إنما يقال له: زيد بن محمد، فربما فقده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الساعة فيقول: أين زيد. فجاء منزله يطلبه فلم يجده فتقوم إليه زينب فقول له: هنا يا رسول اللَّه. فولى يهمهم بشيء لا يكاد يفهم عنه، إلا سبحان اللَّه العظيم، سبحان مصرف القلوب.   [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 452، كتاب التفسير، حديث رقم (3563) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 208 فجاء زيد إلى منزله: فأخبرته امرأته أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أتى منزله، فقال زيد: ألا قلت له يدخل؟ قالت: قد عرضت قولك عليه وأبى. قال: فسمعتيه يقول شيئا؟ قالت سمعته حين ولى يكلم بكلام لا أفهمه، وسمعته يقول: سبحان اللَّه العظيم، سبحان مصرف القلوب. قال: فخرج زيد حتى أتى رسول اللَّه فقال: يا رسول اللَّه، بلغني أنك جئت منزلي، فهلا دخلت؟ بأبي أنت وأمى يا رسول اللَّه، لعل زينب أعجبتك! أفأفارقها؟ فيقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أمسك عليك زوجك، فما استطاع زيد إليها سبيلا بعد ذلك، ويأتى رسول اللَّه فيخبره، فيقول: أمسك عليك زوجك، فيقول: يا رسول اللَّه! أفأفارقها؟ فيقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: احبس عليك زوجك. ففارقها زيد، واعتزلها، وحلت. قالت: فبينما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم جالس يتحدث مع عائشة، إذ أخذت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم غمية، ثم سرى عنه، وهو يتبسم وهو يقول: من يذهب إلى زينب يبشرها أن اللَّه عز وجل زوجنيها من السماء، وتلا: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ القصة كلها. قالت عائشة: فأخذت ما قرب وما بعد، لما كان بلغني من جمالها، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها، ما صنع اللَّه لها، وزوجها اللَّه عز وجل من السماء، وقالت عائشة: هي تفخر علينا بهذا. قالت عائشة: فخرجت سلمى خادم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تشتد، فحدثتها بذلك، فأعطتها أوضاحا لها. وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في (تفسيره) ، عن ابن وهب قال: قال ابن زيد: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قد زوج زينب ابنة جحش ابنة عمته، زيد بن حارثة، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوما يريده، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر، فانكشف وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلبه، فلما وقع ذلك كرهت إلى الآخر. قال: فجاء فقال: يا رسول اللَّه! إني أريد أن أفارق صاحبتي، قال: مالك؟ أرابك منها شيء؟ قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه. ما رابني منها شيء، ولا رأيت إلا خيرا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 209 فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أمسك عليك زوجك واتّق اللَّه، فذلك قول اللَّه تعالى ذكره: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ، تخفى في نفسك إن فارقها تزوجتها. وله من طريق سفيان بن عيينة، عن على بن زيد بن جدعان، عن على بن الحسين، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: كان اللَّه تعالى أعلم نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم أن زينب ستكون من أزواجه، فلما جاء زيد يشكوها، قال صلى اللَّه عليه وسلّم: اتّق اللَّه وأمسك عليك زوجك قال اللَّه تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ. وليس في قصة زيد هذه ما يدل على وجوب الطلاق على المتزوج، ومن تأمل ذلك تبين له ما ذكرت، واللَّه تعالى أعلم. ولم يذكر هذه الخصوصية ابن القاصّ، ولا الشيخ أبو حامد، ولا البيهقي، ويمكن أن يستدل لوجوب إجابة المرأة، أنها لو خالفت أمره صلى اللَّه عليه وسلّم كانت عاصية، وقطع في (التنبيه) بتحريم خطبة من رغب صلى اللَّه عليه وسلّم في نكاحها. ويرد عليه ما أخرجه الحاكم [ (1) ] وغيره، من حديث إسرائيل عن السدي، عن أبى صالح، عن أم هانئ. قالت: خطبنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فاعتذرت إليه، فعذرني، وأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ إلى قوله: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ. قالت: فلم أكن أحل له، لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء. وقال الغزالي: ولعل الشرفية- يعنى في تحرير من رغب فيها على زوجها من جانب الزوج- امتحان إيمانه بتكليفه النزول عن أهله، فإن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله، وماله، ووالده، والناس أجمعين. وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: لا يكمل إيمان أحدكم حتى يكون اللَّه ورسوله أحب إليه   [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 456، كتاب التفسير، حديث رقم (3574) ، وقال هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 210 مما سواهما. خرجه مسلم [ (1) ] يحققه قول اللَّه تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ (2) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 374- 375، كتاب الإيمان، باب (16) وجوب محبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين، وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة، حديث رقم (69) ، (70) . قال الإمام النووي: قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين» وفي الرواية الأخرى من ولده ووالده والناس أجمعين. قال الامام أبو سليمان الخطابي: لم يرد به حب الطبع بل أراد به حب الاختيار لأن حب الإنسان نفسه طبع ولا سبيل إلى قلبه. قال فمعناه لا تصدق في حبي حتى تفنى في طاعتي نفسك وتؤثر رضاي على هواك وإن كان فيه هلاكك. هذا كلام الخطابي. وقال ابن بطال والقاضي عياض وغيرهما رحمة اللَّه عليهم: المحبة ثلاثة أقسام: محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس فجمع صلى اللَّه عليه وسلّم أصناف المحبة في محبته. قال ابن بطال رحمه اللَّه، ومعنى الحديث أن من استكمل الايمان على أن حق النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين لأن به صلى اللَّه عليه وسلّم استنقذنا من النار وهدينا من الضلال. قال القاضي عياض رحمه اللَّه ومن محبته صلى اللَّه عليه وسلّم نصرة سنته والذب عن شريعته وتمنى حضور حياته فيبذل ماله ونفسه دونه قال وإذا تبين ما ذكرناه تبين أن حقيقة الإيمان لا تتم الا بذلك، ولا يصح الإيمان الا بتحقيق إعلاء قدر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومفضل، ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه فليس بمؤمن. هذا كلام القاضي رحمه اللَّه. واللَّه أعلم. وأما إسناد هذا الحديث فقال مسلم رحمه اللَّه (وحدثنا شيبان بن أبى شيبة حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز، عن أنس. قال مسلم (وحدثنا محمد بن مثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس) وهذا أن الاسنادين رواتهما يضربون كلهم وشيبان بن أبى شيبة هذا هو شيبان بن فروخ الّذي روى عنه مسلم في مواضع كثيرة. واللَّه أعلم بالصواب. [ (2) ] الأحزاب: 6. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 211 قال: ومن جانبه صلى اللَّه عليه وسلّم ابتلاؤه بالبيئة البشرية، ومنعه من خائنة العين، ومن الإضمار الّذي يخالف الإظهار، ولا شيء أدعى إلى غض البصر، وحفظه من لمحاته الاتفاقية من هذا التكلف. وقد تعقب هذا الكلام بأن ابتلاءه صلى اللَّه عليه وسلّم ليس هو من إيجاب الطلاق على الزوج، إنما هو من وقوع هذه النظرة الاتفاقية. قوله: ومنعه من خائنة الأعين، فقد شرح خائنة العين، وليس في اللمحة الواقعة شيء من خائنة الأعين، قوله: من لمحاته الاتفاقية، كلام لا دليل عليه من الآية، في هذه القصة، ولا من الأحاديث. قال الغزالي: وهذا مما يورده الفقهاء في صنف التخفيف، وعندي أن ذلك في غاية التشديد، إذ لو كلف بذلك آحاد الناس، لما فتحوا أعينهم في الشوارع والطرقات، خوفا من ذلك، وذلك قالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: لو كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يخفى آية، لأخفى هذه الآية. واعترض عليه ابو عمرو بن الصلاح فقال: لم يوفق في مخالفته للأصحاب في ذلك. قال: واصل ما ذكره أنه لم يكتف في حقه صلى اللَّه عليه وسلّم بالنهى والتحريم، زاجرا عن مسارقة النظر، وحاملا له على غض البصر عن نساء غيره، حتى شدد عليه بتكليف لو كلف به غيره لما فتحوا أعينهم في الطرقات، وهذا غير لائق بمنزلته الرفيعة. وزعم أن هذا الحكم في حقه صلى اللَّه عليه وسلّم في غاية التشديد، واللَّه تعالى يقول في ذلك: ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ [ (1) ] . وأما قول عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، فذاك لأمر أجود، هو إظهار ما دار بينه وبين مولاه، وعتابه عليه. وأجيب عنه بأن الغزالي رحمه اللَّه تعالى، لم يقل أن النهى في حقه صلى اللَّه عليه وسلّم ليس كافيا في الانتهاء، وإنما جعل ذلك كفا، وحافظا عن وقوع النظر الاتفاقي، الّذي لا يتعلق به نهى، فإذا علم أنه إذا وقع ذلك، وقعت منه المرأة موقعا، وجب على زوجها مفارقتها، احتاج إلى زيادة التحفظ في ذلك.   [ (1) ] الأحزاب: 38. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 212 والّذي كلف أخفى ما في النفس، مع إبداء اللَّه تعالى ما به، فإن كثيرا من المباحات الشرعية يستحى الإنسان من فعلها، ويمتنع منها. قوله تعالى: ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ، فيه رفع الإثم، لا نفى الحياء من الشيء. ويمكن أن يقال: لا تنافى بين ما ذكره الغزالي، وبين ما ذكره الفقهاء، لأن الفقهاء ذكروه في التخفيف، لكون المرأة تحل له بتزويج اللَّه تعالى، بخلاف غيره، فإنه يحتاج إلى خطبة، ومهر، وغير ذلك. وأما الّذي ذكره هو، فهو غض البصر، وحفظه عن لمحاته الاتفاقية، وقد تقدم أنه لا دليل له عليه، وإن ادعى أنه يستفاد من قوله تعالى: وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ منع. والحق في المسألة: ما روى عن على بن الحسين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن اللَّه تعالى كان أوحى إلى نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم أن زيدا سيطلق زينب، ويتزوجها، فلما استشاره زيد في طلاقها قال له: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ فهذا هو الّذي أخفاه [ (1) ] . وقال غيره: وخشي قول الناس أن يتزوج زوجة ولده، ومن تأمل أحاديث القصة تبين له هذا الّذي قلته. فإن قيل: ما الجواب عما خرجه البخاري من حديث ابن عيينة، سمع ابن المنكدر، سمعت عروة بن الزبير عن عائشة، وخرجه مسلم، وأبو داود من حديث سفيان عن ابن المنكدر، عن عروة، عن عائشة، وخرجه مسلم من حديث سفيان، وهو ابن عيينة عن ابن المنكدر، سمع عروة بن الزبير يقول: حدثتني عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أن رجلا استأذن على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: ائذنوا له، فلبئس ابن العشيرة- أو بئس رجل العشيرة- فلما دخل عليه، ألان له القول!! قالت عائشة: فقلت يا   [ (1) ] قال ابن الأثير: والحاصل أن الّذي كان يخفيه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم هو إخبار اللَّه إياه أنها ستصير زوجته، والّذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد اللَّه تعالى إبطال ما كان عليه أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني، بأمر لا أبلغ في الإبطال منه وهو تزوج امرأة الّذي يدعى ابنا، ووقوع ذلك من إمام المسلمين، ليكون أدعى لقبولهم. (جامع الأصول) : 2/ 310 [هامش] . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 213 رسول اللَّه! قلت له الّذي قلت، ثم ألنت له القول؟ قال: يا عائشة، إن شر الناس منزلة عند اللَّه يوم القيامة، من ودعه أو تركه الناس اتقاء فحشه. اللفظ لمسلم [ (1) ] . ذكره في كتاب البر والصلة.   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 646، كتاب الأدب، باب (82) المداراة مع الناس، ويذكر عن أبى الدرداء: «إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم، حديث رقم (6131) ، (مسلم بشرح النووي) : 16/ 380- 381، كتاب البر والصلة والآداب، باب (22) مداراة من يتقى فحشه، حديث رقم (73) ، (74) ، (سنن أبى داود) : 5/ 144- 145، كتاب الأدب، باب (6) في حسن العشرة، حديث رقم (4791) ، (4792) ، (موطأ مالك) : 650، ما جاء في حسن الحلق، حديث رقم (1630) . قوله: (باب المداراة مع الناس) هو بغير همز، وأصله الهمز لأنه من المدافعة، والمراد به الدفع برفق. وأشار المصنف بالترجمة إلى ما ورد فيه على غير شرطه واقتصر على غير ما يؤدى معناه، فما ورد فيه صريحا لجابر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «مداراة الناس صدقة» أخرجه ابن عدي والطبراني في (الأوسط) ، وفي سنده يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفوه، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وأخرجه ابن أبى عاصم في «آداب الحكماء» بسند أحسن منه، وحديث أبى هريرة» رأس العقل بعد الإيمان باللَّه مداراة الناس» أخرجه البزار بسند ضعيف. قوله: (ويذكر عن أبى الدرداء: إنا لنكشر «بالكاف الساكنة وكسر المعجمة. قوله: «في وجوه أقوام وإن قلوبنا لنلعنهم» كذا للأكثر بالعين المهملة واللام الساكنة والنون، وللكشميهنى بالقاف الساكنة قبل اللام المكسورة ثم تحتانية ساكنة من القلى بكسر القاف مقصور وهو البغض، وبهذه الرواية جزم ابن التين، ومثله في تفسير المزمل من (الكشاف) . وهذا الأثر وصله ابن أبى الدنيا وإبراهيم الحربي في «غريب الحديث» والدينَوَريّ في (المجالسة) من طريق أبى الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبى الدرداء فذكر مثله وزاد: «ونضحك عليهم» وذكره بلفظ اللعن ولم يذكر الدينَوَريّ في إسناده جبير بن نفير، ورويناه في (فوائد أبى بكر بن المقري) من طريق كامل أبى العلاء عن أبى صالح عن أبى الدرداء قال: «إنا لنكشر أقواما» فذكر مثله وهو منقطع، وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) من طريق خلف بن حوشب قال قال أبو الدرداء فذكر اللفظ المعلق سواء، وهو منقطع أيضا والكشر بالشين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 214   [ () ] المعجمة وفتح أوله ظهور الأسنان، وأكثر ما يطلق عند الضحك، والاسم الكشرة كالعشرة قال ابن بطال: المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول وذلك من أقوى أسباب الألفة. وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلظ، لأن المداراة مندوب إليها والمداهنة محرمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الّذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة هي الرّفق بالجاهل في التعليم وبالفاسق في النهى عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك. ثم ذكر حديثين تقدما: أحدهما: حديث عائشة «استأذن على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رجل فقال: ائذنوا له فبئس ابن العشيرة» وقد تقدم بيان موضع شرحه في «باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد» والنكتة في إيراده هنا التلميح إلى ما وقع في بعض الطرق بلفظ المداراة وهو عند الحارث بن أبى أسامة من حديث صفوان بن عسال نحو حديث عائشة وفيه: «وقال: إنه منافق أسس داريه عن نفاقه، وأخشى أن يفسد على غيره» . والثاني: حديث المسور بن مخرمة «قدمت على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أقبية» وفيه قصة أبيه مخرمة ووقع في هذه الطريق «وكان في خلقه شيء» وقد رمز البخاري بإيراده عقب لحديث الّذي قبله بأنه المبهم فيه كل أشرت إلى ذلك قبل، ووقع في رواية مسروق عن عائشة «مر رجل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: بئس عبد اللَّه وأخو العشيرة، ثم دخل عليه فرأيته أقبل عليه بوجهه كان له عنده منزلة. أخرجه النسائي، وشرح ابن بطال الحديث على ان المذكور كان منافقا، وأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان مأمورا بالحكم بما ظهر، لا بما يعلمه في نفس الأمر وأطال في تقرير ذلك ولم يقل أحد في المبهم في حديث عائشة أنه كان منافقا لا مخرمة بن نوفل ولا عيينة بن حصن، وإنما قيل في مخرمة ما قيل لما كان في خلقه من الشدة فكان لذلك في لسانه بذاءة، وأما عيينة فكان إسلامه ضعيفا وكان مع ذلك اهوج فكان مطاعا في قومه كما تقدم واللَّه أعلم. وقوله في هذه الرواية: «فلما جاءه قال خبأت هذا لك» وفي رواية الكشميهني» قد خبأت» وقوله: «قال أيوب» هو موصول بالسند المذكور، قوله: «بثوبه وأنه يريه إياه» والمعنى أشار أيوب بثوبه ليرى الحاضرين كيفية ما فعل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عند كلامه مع مخرمة، ولفظ القول يطلق ويراد به الفعل، قوله: «رواه حماد بن زيد عن أيوب» تقدم موصولا في «باب فرض الخمس» وصورته مرسل أيضا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 215 وخرجه من طريق عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن ابن المنكدر في هذا الإسناد مثل معناه، غير أنه قال: بئس أخو القوم وابن العشيرة. هذا، وقد اتفقوا على الشك في قوله: «من ودعه أو تركه الناس» وقال فيه البخاري: بئس أخو العشيرة، أو ابن العشيرة، وقال: ألان له الكلام وقال: إن شر الناس من تركه أو ودعه، لم يذكر منزلة عند اللَّه يوم القيامة، وترجم عليه: باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب. وذكره أبو داود في الأدب، في باب حسن العشرة. وخرجه البخاري أيضا في باب المداراة مع الناس، من حديث سفيان عن ابن المنكدر، وحدثه عروة بن الزبير، أن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أخبرته أنه استاذن على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رجل فقال: ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة- أو بئس أخو العشيرة- فلما دخل ألان له في الكلام، فقلت: يا رسول اللَّه! قد قلت ما قلت، ثم ألنت له في الكلام؟ فقال: أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند اللَّه من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه. وخرجه في باب لم يكن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فاحشا، من طريق روح بن القاسم، عن محمد بن المنكدر، وعن عروة عن عائشة أن رجلا استأذن على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة، فلما جلس تطلق النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول اللَّه! حين رأيت الرجل قلت له: كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال يا عائشة، متى عهدتني فحاشا؟ إن شر الناس عند اللَّه منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه. وخرجه أبو داود في باب حسن العشرة، من حديث حماد، عن محمد ابن عمرو عن أبى سلمة، عن عائشة، أن رجلا استأذن على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: بئس أخو العشيرة، فلما دخل انبسط عليه، فقال: يا عائشة، إن اللَّه لا يحب الفاحش المتفحش. قيل: الّذي منع منه صلى اللَّه عليه وسلّم هو أن يظهر بلفظه لمن يخاطبه شيئا، وهو يريد خلافه، وأما لين الكلام لهذا الرجل فإنه صلى اللَّه عليه وسلّم فعله حقيقة من أجل شره، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 216 ونبه بما قاله في غيبته على صفته ليحذر منها أمته، أو ليعامل من هو بحاله مثل ما عامله به صلى اللَّه عليه وسلّم، وهذا من قبيل الدفع بالتي هي أحسن. وبهذا أيضا يجاب عن قوله صلى اللَّه عليه وسلّم لأبى بصير: مسعر حرب لو وجد أعوانا [ (1) ] ويجاب أيضا عما خرجه أبو داود في باب من ليست له غيبة، من حديث الجريريّ، عن أبى عبد اللَّه الجشمي، قال: حدثنا جندب قال: جاء أعرابى فأناخ راحلته، ثم عقلها، ثم دخل المسجد، فصلى خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما سلم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أتى راحلته فأطلقها، ثم ركب، ثم نادى: اللَّهمّ ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتنا أحدا، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، أتقولون هو أضل أم بعيره؟ ألم تسمعوا إلى ما قال؟ قالوا: بلى [ (2) ] . ويؤيده ما خرجه قاسم بن أصبغ، من طريق بقية، قال: حدثنا الربيع ابن بدر، عن أبان، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له [ (3) ] ، قول البخاري في باب المداراة مع الناس، ويذكر عن أبى الدرداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتعلنهم [ (4) ] . ***   [ (1) ] راجع خبره في (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا: 9/ 12. [ (2) ] (سنن أبى داود) : 5/ 197، كتاب الأدب، باب (42) من ليس له غيبة، حديث رقم (4885) ، وأخرج الترمذي نحوا منه من حديث أبى هريرة وليس فيه الفصل الأخير، في الوضوء، حديث رقم (147) ، باب البول يصيب الأرض، والنسائي في الطهارة، حديث رقم (56) باب ترك التوقيت في الماء، وفي السهو، حديث رقم (1217) ، باب الكلام في الصلاة، وابن ماجة في الطهارة، حديث رقم (529) باب بول الصبى الّذي لم يطعم، ومسلم في الطهارة، حديث رقم (284) ، والحاكم في (المستدرك) : 4/ 248، وأحمد في (المسند) : 4/ 312. [ (3) ] (الأحاديث الضعيفة) للألبانى: حديث رقم (585) . [ (4) ] سبق تخريجه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 217 الرابعة: في انعقاد نكاحه صلى اللَّه عليه وسلّم بلا ولى ولا شهود وفيه وجهان: أحدهما: لا ينعقد بعموم قوله صلى اللَّه عليه وسلّم لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وأصحهما يباح له ذلك، ودليله ما خرجه مسلم من حديث حماد بن سلمة قال: حدثنا ثابت عن أنس قال: كنت رديف أبى طلحة يوم خيبر، وقدمي تمس قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: فأتيناهم حين بزغت الشمس، وقد اخرجوا مواشيهم، وخرجوا بفئوسهم ومكاتلهم، فقالوا محمدا والخميس، وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قال وهزمهم اللَّه عز وجل ووقعت في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بسبعة أرؤس، ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها، قال واحسبها كذا قال، وتعتد في بيتها، وهي صفية بنت حيي، قال فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وليمتها التمر والأقط والسمن قال: فحصبت الأرض أفاحيص، وجيء بالأنطاع فوضعت بها، وجاء بالأقط والثمن، فشبع الناس، قال: وقال الناس: لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد، قالوا: إن حجبها فهي امرأته، وأن لم يحجبها فهي أم ولد. فلما أراد أن يركب حجبها فقعدت على عجز البعير فعرفوا أنها قد تزوجها ... الحديث. وأخرج البخاري والنسائي نحو هذه القصة من حديث إسماعيل بن جعفر، عن حميد عن أنس، قال: أقام النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بين خيبر والمدينة ثلاثا، يبنى على بصفية بنت حيي، فدعوت المسلمين الى وليمة، فما كان فيها من خبز ولا لحم، أمر بالأنطاع فألقى فيها من التمر والأقط والثمن، وكانت وليمته، فقال المسلمون: أحدى أمهات المؤمنين أو مما ملكت يمينه؟. فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطأها خلفه الحجاب بينها وبين الناس. ذكره البخاري في باب بناء العروس في السفر، وفي باب اتخاذ السراري، ومن أعتق جارية ثم تزوجها، وذكره النسائي في باب البناء في السفر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 218 ووجه الدلالة من هذا الحديث أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لو عقد على صفية بولي وشهود لعلم ذلك الصحابة، لا سيما عند من يشترط الإعلان في النكاح، فلما لم يكن عنده من العلم بحالها أن ضرب الحجاب عليها، دلّ ذلك دلالة واضحة على أنه صلى اللَّه عليه وسلّم بنى عليها من غير أن يعقد له عليها ولى، ولا حضر شهود بينهما بذلك، فإن اعتبار الولي في عقد النكاح إنما هو للمحافظة على الكفاء ولا مرية في أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فوق الأكفاء كلهم، وهكذا اعتبار الشهود في النكاح إنما هو خشية الجحود، وقد نزه اللَّه تعالى رسوله صلى اللَّه عليه وسلّم عن نسبة ذلك إليه. فلو فرضنا جحود المرأة، لم يرجع إلى قولها، بل قال العراقي في (شرح المهذب) : تكون كافرة بتكذيبه صلى اللَّه عليه وسلّم. واستدل أيضا بقصة زينب في تزويجه صلى اللَّه عليه وسلّم بها، لكن هذا الخلاف في غير زينب، فإن زينب نصوا على أن اللَّه تعالى زوجها نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم من فوق سبعة أرقعة، وقد نبه عليه النووي في (شرح مسلم) ، في باب زواج زينب بنت جحش رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. وذكر القضاعي هذه الخصوصية في ما خصّ به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء قبله. وقال الشيخ أبو حامد [الغزالي] : الخلاف في المسألة مبنية على أن النكاح الآن محكوم عليه هنا إنما هو نفى ماهية النكاح عند انتفاء ذلك فتنتفي تلك الماهية أيضا في حقه صلى اللَّه عليه وسلّم عمل بهذا الحديث، ولم يأت لفظ عام للأشخاص حتى نقول قد دخل فيهم فلا وجه له يكن في هذا الحديث ولقويت له حجة المنع، لكن قصة صفية دليل واضح فتأمله. *** الجزء: 10 ¦ الصفحة: 219 الخامسة: هل كان يباح له صلى اللَّه عليه وسلّم التزويج في الإحرام أشبه وحجمه النووي في أصل الروضة. وثانيها لا يباح كغيرة ودليل الجواز حديث ابن عباس تزوج ميمونة وهو محرم، رواه عن ابن عباس عن عكرمة وسعيد بن جبير وجابر بن زيد أبو الشعثاء ومجاهد وعطاء بن رباح. خرج البخاري من طريق مالك بن إسماعيل بن عتبة أنبأنا عمر وجابر ابن زيد أن ابن عباس أخبره أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج وهو محرم فحدثت به الزهري فقال أخبرنى يزيد بن الأصم أنه نكحها وهو حلال وله من حديث عمرو بن دينار وعن جابر بن زيد أبى الشعثاء عن ابن عباس قال: تزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ميمونة وهو محرم. وخرج في كتاب الحج والنسائي من حديث الأوزاعي، حدثني عطاء بن رباح عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم نكح ميمونة وهو محرم وترجم عليه البخاري باب ترويج المحرم. وخرج البخاري في عمرة القضاء من حديث عكرمة عن ابن عباس ان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو محرم. وخرج ابن ماجة من طريق ابن إسحاق عن أبى نجيح وأبان بن صالح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس: تزوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ميمونة في عمرة القضاء. وللطبراني في (الأوسط) من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة وهما محرمان وقال: لم يروه عن جميل إلا حماد، وتفرد به الحسن وبلال ورواه ابن شاهين من طريق سعيد عن قتادة عن كرمة عن ابن عباس. وكذلك ورواه البيهقي من طريق الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو محرم. وخرج الدار قطنى والعقيلي والطحاوي في (المشكل) من طريق أبى صالح عن أبى هريرة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة وفي إسناده خالد بن عبد الرحمن قال العقيلي: ليس بذاك وقال الرافعي: ونكاح ميمونة في أكثر الروايات جرى وهو حلال وقال ابن عبد البر: لا أعلم من الصحابة روى أن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 220 الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو محرم إلا ابن عباس وتعقب عليه بحديث أبى هريرة المذكور وبحديث عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، وله في طرق، الأول أخرجه البزار والطحاوي وابن حبان من طريق أبى عوانه [بسنده] عن مسروق عن عائشة وهذا إسناد صحيح. الثاني أخرجه النسائي والبيهقي من طريق عمر بن على الفلاس عن أبى عاصم عن عثمان بن الأسود عن بن أبى مليكة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو محرم. قال عمرو: قلت لأبى عاصم: أنت أمليت علينا هذا، ليس فيه عائشة، قال: دع عائشة حتى انظر. قال عمرو الفلاس: فقمت انظر، أحق ما تقول؟ قال أبو عاصم: فنظرت فيه، فوجدته مرسلا. وقال ابن أبى شيبة [ (1) ] : أخبرنا عيسى بن يونس، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: تزوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ميمونة وهو محرم. وروى ابن سعد [ (2) ] من طريق الشعبي ومجاهد مثله، والظاهر أن هؤلاء أخذوه عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. ويدل على ذلك ما رواه النسائي [ (3) ] من طريق يحيى عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم نكح ميمونة وهو محرم. وقد روت ميمونة، وأبو رافع، وجابر، وصفية بنت شيبة، وابن عباس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها حلالا.   [ (1) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 3/ 148، كتاب الحج، باب (39) في المحرم يزوج، حديث رقم (12956) . [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 8/ 132. [ (3) ] (سنن النسائي) : 5/ 210، كتاب المناسك، باب (90) الرخصة في نكاح المحرم، حديث رقم (2837) ، ولفظه: «تزوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ميمونة وهو محرم» ، وحديث رقم (2839) ، ولفظه: «أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة وهما محرمان» . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 221 أخرج مسلم [ (1) ] من حديث يحيى بن آدم قال: حدثنا جرير بن حازم، حدثنا أبو فزارة، عن يزيد بن الأصم، حدثتني ميمونة بنت الحارث، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تزوجها وهو حلال. قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. وخرجه أبو داود من حديث حماد، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمونة بنت مهران، عن يزيد بن الأصم، عن أخت ميمونة، عن ميمونة، قالت: تزوجني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ونحن حلال بسرف. ذكره في كتاب الحج، وخرجه الترمذي [ (2) ] وابن ماجة [ (3) ] . ***   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 207، كتاب النكاح، باب (5) تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته، حديث رقم (47) و (48) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 3/ 202- 203، كتاب الحج، باب (24) ما جاء في الرخصة في تزويج المحرم، حديث رقم (844) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وأبو الشعثاء اسمه جابر بن زيد. واختلفوا في تزويج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ميمونة لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوجها في طريق مكة. فقال: بعضهم: تزوجها حلالا، وظهر أمر تزويجها وهو محرم، ثم بنى بها وهو حلال، بسرف ففي طريق مكة. وماتت ميمونة بسرف، حيث بنى بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. ودفنت بسرف. [ (3) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 632، كتاب النكاح، باب (45) المحرم يتزوج، حديث رقم (1965) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 222 السادسة: هل كان يجب عليه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يقسم بين نسائه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهنّ؟ على وجهين: أحدهما: لا يجب عليه. وقال أبو سعيد الاصطخرى، والماوردي، وطائفه، وصححه الغزالي في (الخلاصة) ، وعليه القسم في الوجهين. والثاني: أنه يجب، وصححه الشيخ أبو حامد، والعراقيون، وتابعهم البغوي، وهو في ظاهر نصه في (الأم) . ومأخذ الخلاف في هذه المسائل وأخواتها، أن الزوجات في حقه صلى اللَّه عليه وسلّم كالسرارى في حق غيره، أو كالزوجات، وفيه وجهان: فإن جعلناهن كالسرارى لم يشترط الولي ولا الشهود، وانعقد نكاحه في الإحرام، وبلفظ الهبة، ولم ينحصر عدد منكوحاته ولا طلاقه، ولا يجب عليه القسم، وإن جعلناهن كالزوجات انعكس الحكم. واحتج من لم ير القسم واجبا، وإنما كان يتطوع به، لأن في وجوبه عليه صلى اللَّه عليه وسلّم شغلا عن لوازم الرسالة، ولقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [ (1) ] ... الآية، أي تبعد من تشاء فلا تقسم لها، وتقرب من تشاء وتقسم لها. ولما خرجه مسلم [ (2) ] من حديث شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يطوف على نسائه في غسل واحد.   [ (1) ] الأحزاب: 51. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 224، كتاب الحيض، باب (6) جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل، أو يشرب، أو ينام، أو يجامع، حديث رقم (28) ، قال الإمام النووي: وأما طوافه صلى اللَّه عليه وسلّم على نسائه بغسل واحد فيحتمل أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يتوضأ بينهما أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء وقد جاء في (سنن أبى داود) أنه صلى اللَّه عليه وسلّم طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه! فقيل يا رسول اللَّه: ألا تجعله غسلا واحدا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 223 وخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث سفيان عن معمر، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمثله، وقال: حديث أنس حديث   [ () ] فقال: هذا أذكى وأطيب وأطهر. قال أبو داود والحديث الأول أصح. قلت: وعلى تقدير صحته يكون هذا في وقت وذاك في وقت واللَّه أعلم. واختلف العلماء في حكمة هذا الوضوء فقال أصحابنا لأنه يخفف الحدث فإنه يرفع الحديث عن أعضاء الوضوء. وقال أبو عبد اللَّه المازري رضى اللَّه عنه اختلف في تعليله فقيل: ليبيت على إحدى الطهارتين خشية أن يموت في منامه وقيل: بل لعله أن ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه. قال المازري: ويجرى هذا الخلاف في وضوء الحائض قبل أن تنام فمن علل بالمبيت على طهارة استحبه لها. هذا كلام المازري. وأما أصحابنا فإنّهم متفقون على أنه لا يستحب الوضوء للحائض والنفساء لأن الوضوء لا يأثر في حدثهم فإن كانت الحائض قد انقطعت حيضتها صارت كالجنب واللَّه أعلم. وأما طواف النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على نسائه فهو محمول على أنه كان برضاهن أو برضى صاحبة النوبة إن كانت نوبة واحدة فهذا التأويل يحتاج إليه من يقول كان القسم واجبا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في الدوام كما يجب علينا. وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل فإن له أن يفعل ما يشاء وهذا الخلاف في وجوب القسم هو وجهان لأصحابنا واللَّه أعلم. وفي هذه الأحاديث المذكورة في الباب أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة وهذا بإجماع المسلمين وقد اختلف أصحابنا في الموجب لغسل الجنابة، هل هو حصول الجنابة بالتقاء الختانين أو إنزال المنى أم هو القيام إلى الصلاة أم هو حصول الجنابة مع القيام إلى الصلاة؟ في ثلاثة أوجه لأصحابنا ومن قال: يجب بالجنابة قال: هو وجوب موسع، وكذا اختلفوا في موجب الوضوء هل هو الحدث أم القيام إلى الصلاة أم المجموع؟ وكذا اختلفوا في الموجب لغسل الحيض هل هو خروج الدم أم انقطاعه؟ واللَّه أعلم. [ (1) ] (سنن الترمذي) : 1/ 259، أبواب الطهارة، باب (106) ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد، حديث رقم (140) ، قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح، ثم قال في هامشه: الحديث نسبه المجد بن تيمية في المنتقى للجماعة إلا البخاري، وتعقبه الشوكانى في (نيل الأوطار) ، فقال: الحديث أخرجه البخاري أيضا من حديث قتادة عن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 224 حسن صحيح، [أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يطوف على نسائه بغسل واحد وهو قول غير واحد من أهل العلم، منهم الحسن البصري: أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ] [ (1) ] ، وقد روى محمد بن يوسف هذا عن سفيان فقال: عن أبى عروة، عن أبى الخطاب عن أنس، وأبو عروة وهو: معمر بن راشد، وأبو الخطاب: قتادة بن دعامة. [قال أبو عيسى: ورواه بعضهم عن محمد بن يوسف عن سفيان عن ابن أبى عروة، عن أبى الخطاب، وهو خطأ، والصحيح: عن أبى عروة] . وخرجه أبو داود [ (2) ] من حديث إسماعيل، قال: أنبأنا حميد الطويل، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم طاف على نسائه في غسل واحد قال أبو داود: هكذا رواه هشام بن زيد، عن أنس ومعمر، عن قتادة. وخرج البخاري [ (3) ] والنسائي [ (4) ] من حديث عبد الأعلى بن حماد، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد عن قتادة، أن أنس بن مالك حدثهم أن   [ () ] أنس بلفظ: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل أو النهار، وهن أحدى عشر، قال: قلت لأنس بن مالك: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطى قوة ثلاثين. [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (سنن الترمذي) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 1/ 148- 149، كتاب الطهارة، باب (85) في الجنب يعود، حديث رقم (218) . [ (3) ] (فتح الباري) : 1/ 497، كتاب الغسل، باب (12) إذا جامع ثم عاد، حديث رقم (268) ، وذكره في كتاب النكاح باب (4) كثرة النساء، حديث رقم (5068) . [ (4) ] (سنن النسائي) : 6/ 361، كتاب النكاح، باب (1) ، ذكر أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وأزواجه وما أباح اللَّه عز وجل لنبيه صلى اللَّه عليه وسلّم وحظره على خلقه زيادة في كراماته وتنبيها لفضيلته، حديث رقم (3198) ، أخرجه النسائي أيضا في عشرة النساء من (الكبرى) ، باب طواف الرجل في الليلة الواحدة، حديث رقم (148) ، وذكره في كتاب عشرة النساء من (المجتبى) ، باب (1) حب النساء، حديث رقم (3949) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 225 نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذ تسع نسوة. ذكره البخاري في كتاب الغسل، وفي كتاب النكاح. وذكره النسائي في أول كتاب النكاح، وفي كتاب العشرة. وللبخاريّ [ (1) ] من حديث هشام عن قتادة، قال: أنبأنا أنس بن مالك قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 497، كتاب الغسل، باب (12) إذا جامع ثم عاد. ومن دار على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (268) وقد جمع ابن حبان في (صحيحه) بين الروايتين بأن حمل ذلك على حالتين، لكنه وهم في قوله: «إن الأولى كانت في أول قدومه المدينة حيث كان تحته تسع نسوة، والحالة الثانية في آخر الأمر حيث اجتمع عنده إحدى عشرة امرأة» وموضع الوهم منه أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لما قدم المدينة لم يكن تحته امرأة سوى سودة، ثم دخل على عائشة بالمدينة، ثم تزوج أم سلمة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة في السنة الثالثة والرابعة، ثم تزوج زينب بنت جحش في الخامسة، ثم جويرية في السادسة، ثم صفية وأم حبيبة وميمونة في السابعة، وهؤلاء جميع من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور. واختلف في ريحانة وكانت من سبى بنى قريظة فجزم ابن إسحاق بأنه عرض عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فاختارت البقاء في ملكه، والأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر، وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل، قال ابن عبد البر: مكثت عنده شهرين أو ثلاثة. فعلى هذا لم يجتمع عنده من الزوجات أكثر من تسع، مع أن سودة كانت وهبت يومها لعائشة، فرجحت رواية سعيد. لكن تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية وريحانة إليهن وأطلق عليهنّ لفظ «نسائه تغليبا. وقد سرد الدمياطيّ- في (السيرة) التي جمعها- من اطلع عليه من أزواجه ممن دخل بها أو عقد عليها فقط أو طلقها قبل الدخول أو خطبها ولم يعقد عليها فبلغت ثلاثين، وفي (المختارة) من وجه آخر عن أنس «تزوج خمس عشرة: دخل منهم بإحدى عشرة ومات عن تسع» وسرد أسماءهن أيضا أبو الفتح اليعمري ثم مغلطاى فزدن على العدد الّذي ذكره الدمياطيّ، وأنكر ابن القيم ذلك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 226 إحدى عشرة، قلت لأنس: وكان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين. وقال سعيد: عن قتادة، أن أنس حدثهم: تسع نسوة. ذكره في باب إذا جامع ثم عاود. ومن دار على نسائه في غسل واحد. وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ: إن اللَّه تعالى خصّ نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم بأشياء في النكاح، منها أنه أعطاه ساعة لا يكون لأزواجه فيها حقّ يدخل فيها على جميع أزواجه، فيحصل ما يريد منهن، وفي كتاب مسلم أن تلك الساعة بعد العصر، فلو اشتغل كانت بعد المغرب أو غيره، فلذلك كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يدور على نسائه في الليل والنهار، وهذا كله بناء على وجوب القسم عليه. والّذي يظهر من أحاديث الوجوب، منها ما خرجه مسلم [ (1) ] من حديث سليمان بن المغيرة قال: «كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم تسع نسوة، فكان إذا قسم بينهن لا ينهى إلى المرأة الأولى [إلا] في تسع فكن يجتمعن كل ليله في بيت التي يأتيها، فكان في بيت عائشة، فجاءت زينب، فمد يده إليها، فقالت: هذه زينب، فكف النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يده، فتقاولتا حتى استحثتا، وأقيمت الصلاة، فمر أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على ذلك، فسمع أصواتهما، فقال: اخرج يا رسول اللَّه إلى الصلاة، واحث في أفواههنّ التراب، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقالت عائشة: الآن   [ () ] والحق ان الكثرة المذكورة محمولة على اختلاف في بعض الأسماء، وبمقتضى ذلك تنقص العدة. واللَّه أعلم. قوله: (أو كان) بفتح الواو هو مقول قتادة والهمزة للاستفهام ومميز ثلاثين محذوف أي ثلاثين رجلا، ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبى موسى عن معاذ بن هشام «أربعين» بدل ثلاثين، وهي شاذة من هذا الوجه لكن في مراسيل طاوس مثل ذلك، وزاد «في الجماع» وفي (صفة الجنة) لأبى نعيم من طريق مجاهد مثله وزاد «من رجال أهل الجنة» ، ومن حديث عبد اللَّه بن عمرو رفعه «أعطيت قوة أربعين في البطش والجماع» وعند أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه «إن الرجل من أهل الجنة ليعطي قوة مائة في الأكل والشرب والجماع والشهوة» فعلى هذا يكون حساب قوة نبينا أربعة آلاف. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 299، كتاب الرضاع، باب (13) القسمة بين الزوجات، حديث رقم (1462) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 227 يقضى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاته فيجيء أبو بكر فيفعل بى ويفعل، فلما قضى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم صلاته أتاها أبو بكر فقال لها قولا شديدا وقال: أتصنعين هذا؟. وفيها ما أخرجه البخاري [ (1) ] من طريق زهير عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة. وخرجه مسلم [ (2) ] من حديث جرير عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: يا رسول اللَّه قد جعلت يومى منك لعائشة فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة. [ومنها ما خرجه البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ]] [ (5) ] من حديث ابن جريح، أخبرنى عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بسرف   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 390، كتاب النكاح، باب (99) المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها، وكيف يقسم ذلك، حديث رقم (5212) ، قال العلماء: إذا وهبت يومها لضرتها قسم الزوج لها يوم ضرتها، فإن كان تاليا ليومها، وإلا لم يقدمه عن رتبته في القسم إلا برضا من بقي. وقالوا: إذا وهبت المرأة يومها لضرتها، فإن قبل الزوج لم يكن للموهوبة أن تتمتع، وإن لم يقبل لم يكره على ذلك، وإذا وهبت يومها لزوجها ولم تتعرض للضرة، فهل له أن يخص واحدة إن كان عنده أكثر من اثنتين، أو يوزعه بين من بقي؟. وللواهبة في جميع الأحوال الرجوع عن ذلك متى أحبت، لكن فيما يستقبل، لا فيما مضى، وأطلق ابن بطال أنه لم يكن لسودة الرجوع في يومها الّذي وهبته لعائشة. (فتح الباري) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 302، كتاب الرضاع، باب (14) جواز هبتها نوبتها لضرتها، حديث رقم (47) . [ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 139، كتاب النكاح، باب (4) كثرة النساء، حديث رقم (5067) ، ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته، وفيه حديث كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا، أخرجه أبو داود، وابن ماجة، وصححه ابن حبان. (فتح الباري) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 304، كتاب الرضاع، باب (14) جواز هبتها نوبتها لضرتها، حديث رقم (51) . قال الإمام النووي: وأما قول عطاء: التي لم يقسم لها صفية، فقال الجزء: 10 ¦ الصفحة: 228 فقال ابن عباس: هذه زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا ولا تزلزلوا وأرفقوا فإنه كان عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تسع نسوة فكان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة. قال عطاء: التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب، وقال البخاري: فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها. ومنها ما خرجه مسلم [ (1) ] ، أبو داود [ (2) ] من حديث سفيان، عن محمد ابن أبى بكر عن عبد الملك بن أبى بكر بن عبد الرحمن أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين   [ () ] العلماء: هو وهم من ابن جريح الراويّ عن عطاء، وإنما الصواب: فقال الزهري: هي ميمونة، وقيل: أم شريك، وقيل: زينب بنت خزيمة. [ (5) ] زيادة يقتضيها السياق. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 296، كتاب الرضاع، باب (12) قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف، حديث رقم (42) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 2/ 594- 595، كتاب النكاح، باب (35) ، حديث رقم (2122) . قال الخطابي في (معالم السنن) : اختلف العلماء في تأويل ذلك، فقال بعضهم: الثلاث تخصص للثيب لا يحتسب بها عليها، ويستأنف القسم فيما يستقبل، وكذلك السبع للبكر، وإلى هذا ذهب مالك والشافعيّ وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وقد روى ذلك عن الشعبي. وقال أصحاب الرأى: البكر والثيب في القسم سواء، وهو قول الحكم وحماد. وقال الأوزاعي: إذا تزوج البكر على الثيب مكث ثلاثا، وإذا تزوج الثيب على البكر يمكث يومين. قال الشيخ: السبع في البكر والثلاث في الثيب حق العقد خصوصا لا يحاسبان على ذلك ولكن يكون لهما عفوا بلا قصاص. وقوله «إن شئت سبعت لك، سبعت لنسائي» ليس فيه دليل على سقوط حقها الواجب لها إذا لم يسبع لها وهو الثلاث التي هي بمعنى التسويغ لها، ولو كان ذلك بمعنى التبدئة ثم يحاسب عليها لم يكن للتخيير معنى، لأن الإنسان لا يخير بين جميع الحق وبين بعضه فدل على أنه بمعنى التخصيص. قال الشيخ: ويشبه أن يكون هذا من المعروف الّذي أمر اللَّه تعالى به في قوله وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19] وذلك أن البكر لما فيها من الخفر والحياء تحتاج إلى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 229 تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها: ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت وأن شئت ثلثت ثم درت، قالت: ثلث. وخرجه مسلم [ (1) ] أيضا من حديث عبد الملك بن أبى بكر عن أبى بكر ابن عبد الرحمن أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين تزوج أم سلمة، أقام عندها ثلاثة، وقال: إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي. وله من حديث سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن حميد، عن عبد الملك بن أبى بكر عن أبى بكر بن عبد الرحمن أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين تزوج أم سلمة فدخل عليها فأراد أن يخرج أخذت بثوبه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن شئت زدتك وحاسبتك به للبكر سبع وللثيب ثلاث. [ (2) ] ومنها ما أخرجه البخاري [ (3) ] من حديث هشام بن عروة، أخبرنى أبى عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يسأل في مرضه الّذي مات فيه: أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة: فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان حتى مات عندها. قالت: عائشة: فمات في اليوم   [ () ] فصل إمهال وصبر وحسن تأن ورفق ليتوصل الزوج إلى الارب منها، والثيب قد جربت الأزواج وارتاضت بصحبة الرجال فالحاجة إلى ذلك في أمرها أقل، إلا انها تخص بالثلاث تكرمة لها وتأسيا للألفة فيما بينه وبينها واللَّه أعلم. (خطابي) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 296، كتاب الرضاع، باب (12) قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف، حديث رقم (41) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 297، كتاب الرضاع، باب (12) قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف، الحديث الّذي يلي رقم (42) بدون رقم. [ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 395، كتاب النكاح، باب (105) إذا استأذن الرجل نساءه أن يمرض في بيت بعضهن فأذن له، حديث رقم (5217) ، والغرض من هذا الحديث أن القسم لهن يسقط بإذنهن في ذلك، فكأنهن وهبن أيامهن تلك للتي هو في بيتها. (فتح الباري) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 230 الّذي كان يدور عليّ فيه في بيتي، فقبضه اللَّه وإن رأسه لبين نحري وسحري [ (1) ] ، وخالط ريقي ريقه. وخرجه مسلم [ (2) ] ، ولفظه: عن عائشة قالت: إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليتفقد يقول: أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ استبطاء ليوم عائشة، قالت: فلما كان يومى قبضه اللَّه بين سحري ونحري. وفيها ما أخرجه البخاري [ (3) ] من حديث الزهري، عن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تبتغي بذلك رضا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث ابن أبى ملكية، عن القاسم، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أراد سفرا   [ (1) ] في (الأصل) : «وسحري الحديث» . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 216، كتاب فضائل الصحابة، باب (13) فضل عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم (84) . [ (3) ] (فتح الباري) : 5/ 272، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (15) هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج فهو جائز، إذا لم تكن سفيهة. فإذا كانت سفيهة لم يجز، قال اللَّه تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ [النساء: 5] ، حديث رقم (2593) . [ (4) ] (فتح الباري) : 9/ 387، كتاب النكاح، باب (98) القرعة بين النساء إذا أراد سفرا، حديث رقم (5211) ، قال الحافظ: مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر، وليس على عمومها بل لتعين القرعة من يسافر بها، وتجرى القرعة أيضا فيما إذا أراد أن يقسم بين زوجاته فلا يبدأ بأيهن نساء بل يقرع بينهن فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة، إلا أن يرضين بشيء فيجوز بلا قرعة، وقوله: (أقرع بين نسائه) زاد ابن سعد من وجه آخر، عن القاسم، عن عائشة «فكان إذا خرج سهم غيري عرف فيه الكراهية» ، واستدل به على مشروعيته القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك كما تقدم في أواخر الشهادات، والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة، قال عياض: هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنه من باب الخطر والقمار، وحكى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 231 أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشة وحفصة، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث معها، فقالت حفصة: إلا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وانظر، فقالت: بلى، فركبت، فجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلى جمل عائشة وعليه حفصة، فسلم عليها، ثم سار حتى نزلوا وافتقدته عائشة، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر، وتقول: رب سلط عليّ عقربا أو حية تلدغني، ولا أستطيع أن أقول له شيئا. ومنها ما خرجه أبو داود [ (1) ] والترمذي [ (2) ] والنسائي [ (3) ] ، وقاسم بن أصبغ، من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن عبد اللَّه بن زيد،   [ () ] عن الحنفية إجازتها، وقد قالوا به في مسألة الباب. واحتج من منع من المالكية بأن بعض النسوة قد تكون أنفع في السفر من غيرها فلو خرجت القرعة للتي لا يقع بها السفر لأضر بحال الرجل، وكذا بالعكس قد يكون بعض النساء أقوم ببيت الرجل من الأخرى، وقال القرطبي: ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف أحوال النساء وتختص مشروعية القرعة بما اتفقت أحوالهن لئلا تخرج واحدة معه فيكون ترجيحا بغير مرجح، وفيه مراعاة للمذهب مع الأمن من رد الحديث أصلا لحملة على التخصيص، فكأنه خصص العموم بالمعنى. [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 218- 219، كتاب فضائل الصحابة، باب (13) في فضل عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم (88) ، قال الإمام النووي: وهذا الإقراع عندنا واجب في حق غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأما النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ففي وجوب القسم في حقه خلاف فمن قال بوجوب القسم يجعل إقراعه واجبا ومن لم يوجبه يقول: إقراعه صلى اللَّه عليه وسلّم من حسن عشرته ومكارم أخلاقه. [ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 601، كتاب النكاح، باب (39) في القسم بين النساء، حديث رقم (2134) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 3/ 446، كتاب النكاح، باب (41) ما جاء في التسوية بين الضرائر، حديث رقم (1140) ، قال أبو عيسى: حديث عائشة هكذا رواه غير واحد عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن عبد اللَّه بن يزيد، عن عائشة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يقسم. ورواه حماد بن زيد وغير واحد عن أيوب عن أبى قلابة مرسلا، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يقسم، وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 232 عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقسم فيعدل ويقول: اللَّهمّ هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. قال أبو داود: يعنى القلب. ومنها ما أخرجه مسلم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن وهب، قال ابن جريج، عن عبد اللَّه بن كثير بن المطلب أنه سمع محمد بن قيس يقول سمعت عائشة   [ () ] (3) (سنن النسائي) : 7/ 75، كتاب النساء، باب (3) ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، حديث رقم (3953) ، قال الإمام السندي: قوله: «فلا تلمني فيما لا أملك وتملك» أي المحبة بالقلب فإن قلت: لمثله لا يؤاخذ ولا يلام غيره صلى اللَّه عليه وسلّم فضلا عن أن يلام هو إذ لا تكليف بمثله فما معنى هذا الدعاء قلت لعله مبنى على جواز التكليف بمثله وإن رفع التكليف تفضل منه تعالى فينبغي للإنسان أن يتضرع في حضرته تعالى ليديم هذا الإحسان أو المقصود إظهار إفتقار العبوديّة وفي مثله لا التفات إلى مثل هذه الأبحاث واللَّه تعالى أعلم. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 45- 48، كتاب الجنائز، باب (35) ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، حديث رقم (103) . قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: (السلام عليكم دار قوم المؤمنين) دار منصوب على النداء أي يا أهل دار فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وقيل منصوب على الاختصاص، قال صاحب (المطالع) ويجوز جره على البدل من الضمير في عليكم، قال الخطابي: وفيه أن اسم الدار يقع على المقابر قال: وهو صحيح فان الدار في اللغة يقع على الربع المسكون وعلى الخراب غير المأهول. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: (اللَّهمّ أغفر لأهل بقيع الغرقد) البقيع هنا بالباء بلا خلاف وهو مدفن أهل المدينة سمى بقيع الغرقد لغرقد كان فيه وهو ما عظم من العوسج وفيه إطلاق لفظ الأهل على ساكن المكان من حي وميت. وفيه جواز ترخيم الاسم إذا لم يكن فيه إيذاء المرخم، وحشيا بفتح الحاء المهملة وإسكان الشين المعجمة مقصور معناه وقد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الّذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلام من ارتفاع النفس وتواتره يقال امرأة حشياء وحشية ورجل حشيان وحشش قيل أصله من أصاب الربو حشاه وقوله رابية أي مرتفعة البطن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 233 تحدث فقالت: ألا أحدثكم عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وسلم وعنى قلنا بلى وحدثني من سمع حجاجا الأعور واللفظ له قال: حدثنا حجاج بن محمد حدثنا ابن جريج أخبرنى عبد اللَّه رجل من قريش عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوما: ألا أحدثكم عنى وعن أمى قال: فظننا أنه يريد أمه التي ولدته. قال: قالت عائشة: ألا أحدثكم عنى وعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ قلنا بلى قال: قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فيها عندي انقلب فوضع ردائه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت، فأخذ ردائه رويدا، وابتعد رويدا، وفتح الباب، فخرج ثم أجأثه رويدا فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، وأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت، فسبقته فليس لا أن اضطجعت فدخل فقال مالك: يا عائش حشيا رابية، قالت: قلت لا شيء: قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير؟ قالت: قلت يا   [ () ] قولها: (قلت كيف أقول يا رسول اللَّه؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين المسلمين ويرحم اللَّه المستقدمين منكم ومنا والمستأخرين وإنا إن شاء اللَّه تعالى بكم للاحقون) فيه استحباب هذا القول لزائر القبور وفيه ترجيح لقول من قال في قوله سلام عليكم دار قوم مؤمنين أن معناه أهل دار قوم مؤمنين وفيه أن المسلم والمؤمن قد يكونان بمعنى واحد وعطف أحدهم على الآخر لاختلاف اللفظ وهو بمعنى قوله تعالى فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ولا يجوز أن يكون المراد بالمسلم في هذا الحديث غير المؤمن لأن المؤمن إن كان منافقا لا يجوز السلام عليه والترحم وفيه دليل لمن جوز للنساء زيارة القبور وفيها خلاف للعلماء وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا: أحدها: تحريمها عليهنّ لحديث لعن اللَّه زوارات القبور. والثاني: يكره والثالث: يباح ويستدل له بهذا الحديث وبحديث كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ويجاب عن هذا بأن نهيتكم ضمير ذكور فلا يدخل فيه النساء على المذهب الصحيح المختار في الأصول، واللَّه أعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 234 رسول اللَّه بأبي أنت وأمى فأخبرته قال: فأنت السواد الّذي رأيت أمامى قلت: نعم فلهدنى في صدري لهده أوجعتني ثم قال أظننت أن يحيف اللَّه عليك ورسوله؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه اللَّه، نعم قال: فإن جبريل عليه السلام أتانى حين رأيت فناداني فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك، وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشى فقال إن ربك يأمرك أن تأتى أهل البقيع فتستغفر لهم قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول اللَّه؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم اللَّه المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء اللَّه بكم للاحقون. وأخرجه النسائي [ (1) ] أيضا من طريق حجاج الأعور، عن ابن جريج، قال: أخبرنى عبد اللَّه بن أبى مليكة، أنه سمع محمد بن قيس بن مخرمة يقول: سمعت عائشة تحدث قلت: ألا أحدثكم عنى وعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ قلنا: بلى الحديث بطوله. هذا الحديث لعائشة، أظننت أن يحيف اللَّه عليك ورسوله، واضح في الدلالة وضوحا أكثر من غيره. وأما الآية، فقد اختلف في تأويل قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ فقال قوم: عنى بقوله: تُرْجِي: تؤخر، وبقوله: تُؤْوِي: تضم. فعن ابن عباس: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ يقول: تؤخر. وعن مجاهد: تعزل بغير طلاق من أزواجك من تشاء وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ تردها إليك. وعن قتادة قال: فجعله من ذلك في حل أن يدع من يشاء منهن ويأتى من يشاء بغير قسم. وكان نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقسم. وعن ابن زيد قال: لما أشفقن أن يطلقهن قلن: يا نبي اللَّه: اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، فكان ممن أرجأ منهن سودة بنت زمعة، وجويرية،   [ (1) ] (سنن النسائي) : 4/ 396- 398، كتاب الجنائز باب (103) ، الأمر بالاستغفار للمؤمنين، حديث رقم (2036) ، وأخرجه النسائي أيضا في كتاب النساء، باب (4) الغيرة، حديث رقم (3973) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 235 وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وكان ممن أوى إليه عائشة، وأم سلمة، وحفصة، وزينب. وعن الضحاك: فما شاء صنع في القسمة بين النساء، أحل اللَّه ذلك. وعن أبى رزين: وكان ممن أوى، عن عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة، فكان قسمه من ماله ونفسه سواء. وكان ممن أرجأ: سودة، وجويرية، وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وكان يقسم لهن ما شاء، وكان إذا أراد أن يفارقهن فقلن: اقسم لنا من نفسك ما شئت، ودعنا على حالنا. وقال آخرون: معنى ذلك تطلق، وتخلى سبيل من شئت من نسائك، وتمسك منهن من شئت فلا تطلق. فعن ابن عباس أيضا، قوله: ترجى من تشاء منهن أمهات المؤمنين وتؤوي إليك من تشاء، يعنى نساء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. ويعنى بالإرجاء، يقول: من شئت خليت سبيله منهن، ويعنى بالإيواء: من اجتبيت أمسك. وقال آخرون: بل معنى ذلك: تترك نكاح من شئت، وتنكح من شئت من نساء أمتك. قال قتادة، عن الحسن: وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا خطب امرأة لم يكن لرجل أن يخطبها حتى يتزوجها أو يتركها. قال الطبري: وقيل: إن ذلك إنما جعله اللَّه تعالى لنبيه، حين غار بعضهن على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وطلبت بعضهن من النفقة زيادة على الّذي كان يعطيها، فأمره اللَّه تعالى أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة، ويخلى سبيل من اختارت الحياة الدنيا وزينتها، ويمسك من [اختارت] اللَّه ورسوله، فلما اخترن اللَّه ورسوله، قيل لهن: أقررن الآن على الرضا باللَّه وبرسوله، قسم لكنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أو لم يقسم، أو قسم لبعضكن، ولم يقسم لبعضكن، وفضل بعضكن على بعضكن في النفقة، أو لم يفضل، سوى بينكن أو لم يسو، فإن الأمر في ذلك إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليس لكن في ذلك شيء. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فيما ذكر، مع ما جعل اللَّه تعالى له من ذلك، يسوى بينهن في القسم، إلا امرأة منهن أراد طلاقها، فرضيت بترك القسم لها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 236 قال: وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل: فذكر عن منصور، عن أبى رزين، قال: لما أراد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن يطلق أزواجه، قلن له: افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت، فأمره اللَّه تعالى، فأوى أربعا وأرجأ خمسا. وذكر حديث هشام بن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أنها قالت: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل، حتى أنزل اللَّه تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [ (1) ] ، فقالت: إن ربك ليسارع في هواك. وذكر من طريق ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [ (2) ] قال: كان أزواجه تغايرن على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فهجرهن شهرا، ثم نزل التخيير من اللَّه تعالى فيهن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً* يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً* وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً* يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً* وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (3) ] . فخيرهن أن يخلى سبيلهن ويسرحهن، وبين إن يقمن أن أردن اللَّه ورسوله، على أنهن أمهات المؤمنين، لا ينكحن أبدا، وعلى أنه يؤوى إليه من يشاء منهن ممن وهبت نفسها له، حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ويرجى من يشاء، حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ومن ابتغى ممن هي عنده وعزل، فلا   [ (1) ] الأحزاب: 51. [ (2) ] الأحزاب: 51. [ (3) ] الأحزاب: 28- 33. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 237 جناح عليه، ذلك أدنى أن تقر أعينهن، ولا يحزن، ويرضين، إذا علمن أنه من قضائي عليهنّ إيثار بعضهن على بعض، ذلك أدنى أن يرضين. قال: ومن ابتغيت ممن عزلت من ابتغى أصابه، ومن عزله لم يصبه فخيرهن بين أن يرضين بهذا أو يفارقهن، فاخترن اللَّه ورسوله، إلا امرأة واحدة بدوية ذهبت، وكان على ذلك صلى اللَّه عليه وسلّم، وقد شرط اللَّه هذا الشرط، ما زال يعدل بينهن حتى لقي اللَّه تعالى. واختار الطبري أن اللَّه تعالى جعل لنبيه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يرجئ من النساء اللاتي أحللن له من يشاء، ويؤوى منهن من يشاء، وأن الإرجاء والإيواء غير مقصور على من هن في نسائه يوم نزلت هذه الآية دون غيرهن ممن يستحدث إيواءها، وأرجاءها منهن. وأن معنى الكلام: تؤخر من يشاء ممن وهبت نفسها لك، وأحلت لك نكاحها، فلا تقبلها، ولا تنكحها، وممن هي في حيالك، فلا تقربها، وتضم إليك من تشاء ممن وهبت نفسها لك، أو أردت من النساء اللاتي أحللن لك نكاحهن، فتقبلها أو تنكحها، وهي ممن في حيالك، فتجامعها إذا شئت، وتتركها إذا شئت بغير قسم. وقال ابن القشيري في (تفسيره) : إن القسم كان واجبا ثم نسخ بهذه الآية، وتفسير الماوردي في الآية قولين: أحدهما: عن مجاهد، أن معناها، تعزل ما شئت من أزواجك، فلا تأتيها، وتأتى من شئت. والثاني: تؤخر من شئت من أزواجك، وتضم إليك من تشاء منهن، وهو قول قتادة، ونقله البخاري عن بن عباس. قال: الماوردي: واختلفوا، هل أرجأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعد نزول هذه الآية من نسائه أحدا أم لا؟ فالذي عليه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 238 الأكثرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يرجئ، وأنه صلى اللَّه عليه وسلّم مات عن تسع، وكان يقسم لثمان منهن، لأن سودة وهبت يومها لعائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. [ (1) ] السابعة: في وجوب نفقات زوجاته صلى اللَّه عليه وسلّم فيه الوجهان السابقان في المهر والأصح الوجوب كما ذكره النووي في (الروضة) [ (2) ] وعبارة الرافعي وجهان بناء على الخلاف في المهر. قال: في   [ (1) ] قال الإمام النووي في (الروضة) في كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره: وأما في النكاح، فأوجب اللَّه سبحانه وتعالى على نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم تخيير نسائه بين مفارقته واختياره. وحكى الحناطى وجها أن هذا تخيير كان مستحبا، والصحيح الأول. ولما خيرهن، اخترنه والدار الآخرة، فحرم اللَّه تعالى عليه التزويج عليهنّ والتبدل بهن مكافأة لهن على حسن صنيعهن، فقال تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ ثم نسخ ذلك لتكون المنة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لترك التزويج عليهنّ، بقوله تعالى: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ... الآية. وهل حرم عليه صلى اللَّه عليه وسلّم طلاقهن بعد ما اختارهن؟ فيه أوجه. أصحها: لا، والثاني: نعم. والثالث: يحرم عقب اختيارهن، ولا يحرم إذا انفصل ولو فرض أن واحدة منهن أختارت الدنيا، فهل كان يحصل الفراق بنفس الاختيار؟ وجهان. أصحهما: لا. وهل كان جوابهن مشروطا بالفور؟ وجهان. أصحهما: لا. فإن قلنا بالفور، فهل كان يمتد بامتداد المجلس، أم المعتبر ما يعد جوابا في العرف؟ وجهان. وهل كان قولها: اخترت نفسي، صريحا في الفراق؟ فيه وجهان. [ (2) ] قال الإمام النووي: القسم الثاني: المتعلق بالنكاح، فمنه الزيادة على أربع نسوة، والأصح أنه لم يكن منحصرا في تسع، وقطع بعضهم بهذا، وينحصر طلاقه في ثلاث، وينعقد نكاحه صلى اللَّه عليه وسلّم بلفظ الهبة على الأصح فيهما وإذا انعقد بلفظ الهبة، لم يجب مهر بالعقد ولا بالدخول، ويشترط لفظ النكاح من جهته صلى اللَّه عليه وسلّم على الأصح، قال الأصحاب: وينعقد نكاحه صلى اللَّه عليه وسلّم بمعنى الهبة، حتى لا يجب المهر ابتداء ولا انتهاء، وفي (المجرد) للحناطى وغيره وجه غريب: أنه يجب المهر. (روضة الطالبين) : 5/ 353. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 239 (المهمات) : وهذا البناء يشعر بترجيح عدم الوجوب وأنه الراجح في المهر واعترض على من بنى هذا على هذا بأن الخلاف في إيجاب المهر إنما هو في الواهبة، والمذهب أنه لا يحب كما تقدم. وأما غير الواهبة فقد صدقهن كما وقع في القرآن الكريم قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ يعنى اللاتي تزوجهن بصداق وقال مجاهد: آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ قال: صدقاتهن. وقال ابن زيد: كان كل امرأة أتاها مهرا فقد أحلها اللَّه له ومما يدل على توهين الوجه الصائر إلى عدم الوجوب قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقه. فإذا كان يحب أن ينفق مما ترك بعد وفاته فكيف في حياته؟. *** الجزء: 10 ¦ الصفحة: 240 الثامنة: كان له صلى اللَّه عليه وسلّم تزويج المرأة ممن شاء بغير إذنها وإذن وليها وتزويجها من نفسه وتولى الطرفين بغير إذن وليها إذا جعله اللَّه تعالى أولى بالمؤمنين من أنفسهم قال الحناطى: ويحتمل أن يقال: كان لا يجوز إلا بإذنها ويؤيد قول الحناطى أنه صلى اللَّه عليه وسلّم استأذن جويرية وطلب رضاها بنكاحه وأجيب عنه بأنه فعل ذلك تطبيبا لقلبها كقوله: والبكر تستأمر، ووقع في مطلب ابن الرفعة إن الرافعي حكى عن الحناطى أنه قال: يحتمل أن يقال: كان لا يجوز إلا بإذن وليها قال: ولم أر لذلك ذكرا في (الروضة) بل ذكر الخلاف المذكور في توليه الطرفين وإنما فيها حكايته في إذنها كما حكاه الرافعي فتنبه لذلك. التاسعة: أن المرأة تحل له صلى اللَّه عليه وسلّم بتزويج اللَّه تعالى قال تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها [ (1) ] يقول تعالى: فلما قضى زيد بن حارثة من زينب حاجته وهي الوطر، زوجناك زينب بعد ما طلقها زيد وبانت منه. وقيل: معنى زوجناكها أحللنا لك نكاحها، وكانت زينب تفخر على صواحباتها بذلك تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني اللَّه. من فوق سبع سماوات. كما خرجه البخاري من حديث أنس وقال محمد بن عبد اللَّه بن جحش تفاخرت عائشة وزينب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فقالت زينب: أنا الّذي نزل تزويجي وقال جرير عن مغيرة عن الشعبي كانت زينب تقول للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم إني لأدل عليك بثلاث، ما من نسائك امرأة تدل بهنّ: أن جدي وجدك واحد، وأنى أنكحنيك اللَّه من السماء، وأن السفير لجبريل.   [ (1) ] الأحزاب: 37. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 241 ومنع ذلك بعض أصحابنا وقال إنه صلى اللَّه عليه وسلّم أنشأ عقدا على زينب، ومعنى زوجناكها أبحنا لك نكاحها. وعد القضاعي هذه الخصيصة مما خص بها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء من قبله. العاشرة: كان يحل له صلى اللَّه عليه وسلّم نكاح المعتدّة على وجه حكاه البغوي والرافعي، ولفظ البغوي وقيل كانت تحل له نكاح المعتدة، وذكر في (التعليقة) ما ليس في (التهذيب) فقال: وإذا رغب في ذات زوج فإنه يحرم على زوجها إمساكها وتحل له بتزويج اللَّه على الأصح وكذا كانت تحل له بلا عدة على معنى أنه لا يجب عليها أيضا العدة. وقال أبو خلف عوض بن أحمد الروياني في كتاب (المعتبر في تقليل المختصر) للجوينى بعد قول أبى محمد: وإذا رغب في نكاح امرأة منكوحه كان على زوجها طلاقها ثم كان له أن ينكحها من غير عدة، قال: وقوله: من غير عدة لم يوجد إلا في هذا الكتاب أو ما بنى عليه، وقال النووي في (الروضة) : القطع بالمنع [ (1) ] . قال ابن الصلاح: وقال الغزالي: في (الخلاصة) : وهو غلط منكر، وددت محوه منه وتبع فيه صاحب (مختصر الجويني) ومنشؤه من تصحيف كلام أتى به المزني رحمه اللَّه. ***   [ (1) ] قال الإمام النووي في (الروضة) : وكان له صلى اللَّه عليه وسلّم تزويج المرأة ممن شاء بغير إذنها، لا إذن وليها. قال الحناطى: ويحتمل أنه إنما كان يحل بإذنها، وكان يحل له نكاح المعتدة على أحد الوجهين. قلت: هذا الوجه حكاه البغوي، وهو غلط، لم يذكره جمهور الأصحاب، وغلطوا من ذكره. بل الصواب القطع بامتناع نكاح المعتدة من غيره. واللَّه تعالى أعلم. (روضة الطالبين) : 5/ 354، كتاب النكاح. باب في خصائص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 242 الحادية عشرة: هل كان يحل له صلى اللَّه عليه وسلّم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها؟ فيه وجهان في الرافعي عن ابن القطان بناء على أن المخاطب هل يدخل في الخطاب؟. خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث مالك عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها، وله طرق عندهما، فالمعنى   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 199، كتاب النكاح، باب (28) لا تنكح المرأة على عمتها، حديث رقم (5109) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 201، كتاب النكاح، باب (4) تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، حديث رقم (33) . قال الإمام النووي في رواية: لا تنكح العمة على بنت الأخ، ولا بنت الأخت على الخال. هذا دليل لمذاهب العلماء كافة، أنه يحرم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها، سواء كانت عمة وخالة حقيقة، وهي أخت الأب وأخت الأم، أو مجازية، وهي أخت أبى الأب، وأبى الجد، وإن علا، أو أخت أم الأم، وأم الجدة من جهة الأم والأب وإن علت. فكلهن بإجماع العلماء يحرم الجمع بينهما، وقالت طائفة من الخوارج والشيعة: يجوز. وقال العلماء كافة: هو حرام كالنكاح لعموم قوله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وقولهم: إنما هو مختص بالنكاح لا يقبل، بل جميع المذكورات في الآية محرمات بالنكاح وبملك اليمين جميعا، ومما يدل عليه قوله تعالى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فإن معناه إن ملك اليمين يحل وطؤها بملك اليمين، لا نكاحها. فإن عقد النكاح عليها لا يجوز لسيدها، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) مختصرا. ثم قال في (الروضة) : وهل كان يحل له صلى اللَّه عليه وسلّم الجمع بين امرأة وعمتها أو خالتها؟ وجهان بناء على أن المخاطب هل يدخل في الخطاب؟ ولم يكن يحل الجمع بينها وبين أختها، وأمها، وبنتها على المذهب. حكى الحناطى فيه وجهين. (روضة الطالبين) : 5/ 355، كتاب النكاح،؟ باب في خصائص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 243 لا ينكح أحد، وهذا من الكلام في الخصائص بالاجتهاد دونه باطل، ولم يقع ذلك من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولم يذكره ابن القاص ولا القفال ولا غيرهما، وإنما نسبه الرافعي إلى خط بعض الناس فقال: رأيت بخط بعض المصنفين عن أبى الحسن القطان في أنه هل كان يجوز له الجمع بين المرأة وخالتها وعمتها إلى آخره. الثانية عشرة: هل كان يحل له صلى اللَّه عليه وسلّم الجمع بين الأختين؟ فالقرآن والأحاديث الصحيحة صريحة بتحريم ذلك، قال تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وهذا الخطاب يدخل فيه نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم. وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث شعيب عن الزهري قال: أخبرنى عروة بن الزبير أن زينب ابنة أبى سلمة أخبرته أن أم حبيبة   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 198- 199، كتاب النكاح، باب (27) وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف، حديث رقم (5107) ، قال الحافظ في (الفتح) : والجمع بين الأختين في التزويج حرام بالإجماع، سواء كانت شقيقتين، أم من أب، أم من أم، وسواء النسب والرضاع، واختلف فيما إذا كانتا بملك اليمين، فأجازه بعض السلف، وهو رواية عن أحمد والجمهور، وفقهاء الأمصار على المنع، ونظيره الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وحكاه الثوري عن الشيعة. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 10/ 278، كتاب الرضاع، باب (4) تحريم الربيبة وأخت المرأة، حديث رقم (15) . قال الإمام النووي: معناه أنها حرام عليه بسببين: كونها ربيبة، وكونها بنت أخى، فلو فقد أحد السببين حرمت بالآخر. والربيبة ابنة الزوجة مشتقة من الرب، وهو الإصلاح، لأنه يقوم بأمورها، ويصلح أحوالها. ووقع في بعض كتب الفقه أنها مشتقة من التربية، وهذا غلط فاحش، فإن من شرط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية ولام الكلمة، وهو الحرف الأخير مختلف، فإن آخر رب باء موحدة، وفي آخر ربى ياء مثناة من تحت، واللَّه تعالى أعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 244 قالت: يا رسول اللَّه أنكح أختى بنت أبى سفيان، قال: وتحبين؟ قلت: نعم لست لك بمخلية. وأحب من شاركني في خير أختى، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إن ذلك لا يحل لي. قلت: يا رسول اللَّه. فو اللَّه إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبى سلمة. قال: بنت أم سلمة؟ فقلت: نعم، قال: فو اللَّه لو لم تكن في حجري حلت لي، إنها لابنة أخى من الرضاعة، أرضعتنى وأبا سلمة ثويبة. فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن. وما ذكر الخباطى مغاير للقرآن وصحيح الحديث، هو خلاف الواقع أيضا. ***   [ () ] (3) (سنن النسائي) : 6/ 404، كتاب النكاح، باب (46) تحريم الجمع بين الأختين، حديث رقم (3287) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 245 الثالثة عشرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعتق صفية وتزوج بها بأن جعل عتقها صداقها خرج البخاري [ (1) ] في باب من جعل عتق الأمة صداقها من طريق حماد عن ثابت وشعيب بن الحبحاب عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها. وخرج في باب الوليمة ولو بشاة من طريق مسدد عن عبد الوارث عن شعيب عن أنس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها وأولم عليها بحيس [ (2) ] . وخرجه في غزوة خيبر من حديث شعبة عن عبد العزيز بن صهيب قال: سمعت أنس بن مالك يقول سبى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم صفية فأعتقها فتزوجها فقال ثابت لأنس: ما أصدقها؟ قال أصدقها نفسها فأعتقها [ (3) ] . وخرجه مسلم [ (4) ] من طريق حماد بن زيد بن ثابت ومن طريق أبى عوانه عن أبى عثمان عن أنس ومن طريق معاذ بن هشام قال حدثني أبى عن   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 160، كتاب النكاح، باب (14) ، من جعل عتق الأمة صداقها، حديث رقم (5086) ، قال الحافظ في (الفتح) : وقد أخذ بظاهره من القدماء سعيد بن المسيب، وإبراهيم، وطاووس، والزهري، ومن فقهاء الأمصار الثوري، وأبو يوسف، وأحمد، وإسحاق، قالوا: إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها، صح العقد، والعتق، والمهر على ظاهر الحديث. وأجاب الباقون على ظاهر الحديث بأجوبة، أقربها إلى لفظ الحديث أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها، فوجبت له عليها قيمتها وكانت معلومة، فتزوجها بها. [ (2) ] (المرجع السابق) : باب (69) الوليمة ولو بشاة، حديث رقم (5169) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 7/ 596، كتاب المغازي، باب (39) غزوة خيبر، حديث رقم (4195) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 233، كتاب النكاح، باب (14) فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها، حديث رقم (85) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 246 شعيب بن الحبحاب عن أنس ومن طريق سفيان ومن طريق معاذ بن هشام قال حدثني أبى عن شعيب بن الحبحاب عن أنس كلهم عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها وفي حديث معاذ عن أبيه تزوج صفية وأصدقها عتقها. وأخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث أبى عوانة وقال: حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وغيرهم، وهو قول الشافعيّ وأحمد وإسحاق، وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها حتى يجعل لها مهرا سوى العتق قال: والقول الأول أصح.   [ () ] قال الإمام النووي: أنه يستحب أن يعتق الأمة ويتزوجها كما قال في الحديث الّذي بعده له أجران وقوله: أصدقها نفسها اختلف في معناه فالصحيح الّذي اختاره المحققون أنه أعتقها تبرعا بلا عوض ولا شرط ثم تزوجها برضاها بلا صداق وهذا من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه يجوز نكاحه بلا مهر لا في الحال ولا فيما بعد بخلاف غيره وقال بعض أصحابنا معناه أنه شرط عليها أن يعتقها ويتزوجها فقبلت فلزمها الوفاء به وقال بعض أصحابنا أعتقها وتزوجها على قيمتها وكانت مجهولة ولا يجوز هذا ولا الّذي قبله لغيره صلى اللَّه عليه وسلّم بل هما من الخصائص كما قال أصحاب القول الأول واختلف العلماء فيمن أعتق أمته على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها فقال الجمهور: لا يلزمها أن تتزوج به ولا يصح هذا الشرط وممن قاله مالك والشافعيّ وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وزفر وقال الشافعيّ: فإن أعتقها على هذا الشرط فقبلت عتقت ولا يلزمها أن تتزوجه بل له عليها قيمتها لأنه لم يرضى بعتقها مجانا فإن رضيت وتزوجها على مهر يتفقان عليه فله عليها القيمة ولها عليه المهر المسمى من قليل أو كثير وأن تزوجها على قيمتها فإن كانت القيمة معلومة له ولها صح الصداق ولا تبقى له عليها قيمة ولا لها عليه صداق وإن كانت مجهولة ففيه وجهان لأصحابنا أحدهما يصح الصداق كما لو كانت معلومة بأن هذا العقد فيه ضرب من المسامحة والتخفيف وأصحهما وبه قال جمهور أصحابنا لا يصح الصداق بل يصح النكاح ويجب لها مهر المثل وقال سعيد بن المسيب والحسن والنخعي والزهري والثوري والأوزاعي وأبو يوسف وأحمد وإسحاق: يجوز أن يعتقها على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها ويلزمها ذلك ويصح الصداق على ظاهر لفظ هذا الحديث وتأوله الآخرون بما سبق. [ (1) ] (سنن الترمذي) : 3/ 423- 424، كتاب النكاح، باب، (23) ما جاء في الرجل يعتق الأمة ثم يتزوجها، حديث رقم (1115) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 247 وذكر البخاري في أول كتاب النكاح في باب اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ثم تزوجها، حديث أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران. الحديث، ثم قال: وقال أبو بكر عن أبى حصين عن أبى بردة عن أبيه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أعتقها ثم أصدقها هكذا ذكره البخاري تعليقا. وقد وصله البيهقي من هذا الطريق بلفظ: وإذا أعتق الرجل أمته ثم تزوجها بمهر جديد كان له أجران. وذلك يدل على تحديد العقد بصداق غير عتق الأمة من رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني، وهو ضعيف جدا عن أبى بكر بن عياش، وهو حديث مشهور من رواية الثقات وليس فيه بمهر جديد أصلا، اختلف أصحابنا في معنى أعتقها وجعل عتقها صداقها، فقيل: أعتقها بشرط أن ينكحها فلزمها الوفاء بخلاف غيره، وهذا يقتضي إنشاء عقد بعد ذلك، وهذا وجه ضعيف لأنه لم ينقل في رواية من الروايات فقيل: جعل نفس العتق صداقها وجاز له ذلك بخلاف غيره. وهذا أورده الماوردي وهو الموافق لغالب الأحاديث، واختاره الغزالي ويشكل على هذا ما حكاه أبو عيسى الترمذي عن الشافعيّ أنه جوز ذلك لآحاد الناس، وهو وجه مشهور، وقيل أعتقها بلا عوض وتزوجها بلا مهر لا في الحال ولا فيما بعد وهذا يقتضي أن يكون بلا مهر، وسبقه إليه ابن الصلاح قال في (مشكله) : أنه أصح وأقرب إلى الحديث وحكى عن أبى إسحاق. قال في (مشكله) وقطع به البيهقي فقال: أعتقها مطلقا. قال ابن الصلاح: فيكون معنى قوله: وجعل عتقها صداقها أنه لم يجعل لها شيئا غير العتق فحل كل الصداق وإن لم يكن صداقا وهو من قبيل قولهم الجوع زاد من لا زاد له وقيل أعتقها على شرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها فتزوجها به وهي مجهولة وليس لغيره أن يتزوج بصداق مجهول، حكاه الغزالي في (وسيطه) ، ولنا وجه في صحته: إصداق قيمة الأمة المعتقة المجهولة إذا أعتقها عليه بالنسبة إلينا وهو يرد على قول الغزالي في (وسيطه) ففيه خاصيه بالاتفاق إلا أن يكون القائل بالصحة في حق غيره صلى اللَّه عليه وسلّم غير القائل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 248 بالاتفاق هنا. وقيل: بل أمهرها صلى اللَّه عليه وسلّم جارية كما رواه البيهقي بإسناد غريب ولا يصح. الرابعة عشرة: كان من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم الخلوة بالأجنبية فإنه صلى اللَّه عليه وسلّم معصوم، ويملك إربه عن زوجته، فكيف عن غيرها، ممن هو المنزه عنه؟ فإنه المبرأ عن كل فعل قبيح، وقول رفث. خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة. عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه سمعه يقول:   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 12، كتاب الجهاد والسير، باب (3) الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء، وقال: اللَّهمّ ارزقني شهادة في بلد رسولك، حديث رقم (2782) ، (2789) ، وأخرجه في باب (8) فضل من يصرع في سبيل اللَّه فمات فهو منهم، وقول اللَّه عز وجل: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء: 100] ، حديث رقم (2799) ، (2800) ، وفي باب (63) غزو المرأة في البحر، حديث رقم (2877) ، (2878) ، وذكره في باب (75) ركوب البحر، حديث رقم (2894) ، (2895) ، (المرجع السابق) : 11/ 83، كتاب الاستئذان، باب (41) من زار قوما فقال عندهم، حديث رقم (6282) ، (6283) قوله: (وكانت تحت عباده بن الصامت) هذا ظاهره انها كانت حينئذ زوج عباده والسبج: قال الأصمعي: ثيح كل شيء وسطه، قال أبو على في (اماليه) : قيل ظهره، وقيل معظمه، وقيل هو له وإن ثبتت قصة أم عبد اللَّه بنت ملحان، فالقول فيها القول في أم حرام انصاف إلى العلة المنكورة كون أنس خادم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وقد جرت العادة بمخالطة المخدوم وخادمة وأهل خادمه ورفع الحشمة التي تقع بين الأجانب عنهم، ثم قال الدمياطيّ: على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد أم خادم أو زوج أو تابع. قلت: وهو احتمال قوى، ولكنه لا يرفع الإشكال من أصله لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذا النوم في الحجر وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل، لأن الدليل على ذلك واضح. واللَّه أعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 249 كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان [ (1) ] فتطعمه- وكانت تحت عبادة بن الصامت- فدخل يوما فأطعمته، فنام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم،   [ () ] (2) (مسلم بشرح النووي) : 13/ 61، كتاب الإمارة، باب (49) فضل الغزو في البحر، حديث رقم (160) ، قال الإمام النووي: وفيه معجزات للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم منها إخباره ببقاء أمته بعده وأنه تكون لهم شوكة وقوة وعدد وأنهم يغزون وأنهم يركبون البحر وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان وأنها تكون معهم وقد وجد بحمد اللَّه تعالى كل ذلك وفيه فضيلة لتلك الجيوش وأنهم غزاة في سبيل اللَّه واختلف العلماء متى جرت الغزوة التي توفيت فيها أم حرام في البحر وقد ذكر في هذه الرواية في مسلم أنها ركبت البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها فهلكت قال القاضي: قال أكثر أهل السير والأخبار: أن ذلك كان في خلافة عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وأن فيها ركبت أم حرام وزوجها إلى قيرس فصرعت عن دايتها هناك فتوفيت ودفنت هناك وعلى هذا يكون قوله في زمان معاوية معناه في زمان غزوة في البحر لا في أيام خلافته. وفي هذا الحديث جواز ركوب البحر للرجال والنساء كذا قاله الجمهور، وكره مالك ركوبه للنساء لأنه لا يمكن غالبا التستر فيه ولا غض البصر عن المتصرفين فيه ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن لا سيما فيهما صغر من السفيان مع ضرورتهن إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال، قال القاضي رحمه اللَّه تعالى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما منع ركوبه وقيل إنما منعه العمران للتجارة وطلب الدنيا لا للطاعات. وقد روى عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم النهى عن ركوب البحر إلا لحاج أو معتمر أو غاز. وضعف أبو داود هذا الحديث وقال رواته مجهولون واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن القتال في سبيل اللَّه تعالى والموت فيه سواء في الأجر لأن أم حرام ماتت ولم تقتل ولا دلالة فيه لذلك لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يقل أنهم شهداء إنما يغزون في سبيل اللَّه ولكن قد ذكر مسلم في الحديث الّذي بعد هذا بقليل حديث زهير بن حرب من رواية أبى هريرة من قتل في سبيل اللَّه فهو شهيد ومن مات في سبيل اللَّه فهو شهيد وهو موافق لمعنى قول اللَّه تعالى: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ. [ (1) ] هي أم حرام بنت ملحان، خاله أنس بن مالك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 250 ثم استيقظ يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول اللَّه؟ فقال: ناس من أمتى عرضوا على غزاة في سبيل اللَّه، يركبون ثيح هذا البحر ملوكا على الأسرة- أو مثل الملوك على الأسرة. فقلت: ادع اللَّه أن يجعلني منهم، قال:   [ () ] تقدم نسبها مع أخيها حرام بن ملحان في الحاء المهملة من الرجال، ويقال إنها الرميصاء، بالراء أو بالغين المعجمة، كذا أخرجه أبو نعيم، ولا يصح، بل الصحيح أن ذلك وصف أم سليم. ثبت ذلك في حديثين لأنس وجابر عند النسائي. وقال أبو عمر في أم حرام: لا أقف لها على اسم صحيح، وثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره من طريق الموطأ لمالك عن إسحاق بن أبى طلحة، عن أنس- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان إذا ذهب إلى قباء دخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، فدخل عليها فأطعمته وجلست تفلى رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك ... الحديث في شهداء البحر، وفي آخره، قال: فركبت أم حرام البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فماتت. وفي بعض طرقه في البخاري، عن أنس، عن أم حرام بنت ملحان، وكانت خالته- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال في بيتها ثم استيقظ وهو يضحك، وقال: عرض على أناس من أمتى يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة. قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه أن يجعلني منهم، ثم نام فاستيقظ وهو يضحكك، فقال: يا رسول اللَّه، ما يضحكك؟ فقال: عرض عليّ ناس من أمتى يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة. قلت: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه أن يجعلني منهم. قال: أنت من الأولين. قال: فتزوجها عبادة بن الصامت، فأخرجها معه، فلما جاز البحر قال ابن الأثير: وكانت تلك الغزوة غزوة قبرس، فدفنت فيها، وكان أمير ذلك الجيش معاوية بن أبى سفيان في خلافة عثمان ومعه أبو ذر وأبو الدرداء وغيرهما من الصحابة، وذلك في سنة سبع وعشرين. قال أبو عمر: كان معاوية غزا تلك الغزوة بنفسه ومعه امرأته فاختة بنت قرظة، من بنى نوفل بن عبد مناف. قلت هي كنود بنت قرظة، فلعل فاختة كانت تلقب كنود وهي أختها. تزوج معاوية واحدة بعد أخرى، وجزم بذلك بعض أهل الأخبار، قال: وصالحهم معاوية تلك السنة ورجع. وروى عن أم حرام أيضا زوجها عبادة بن الصمت، وعمير بن الأسود وعطاء بن يسار، ويعلى بن شداد بن أوس ترجمتها في: (الإصابة) : 8/ 189- 190 ترجمة رقم (11967) ، (الاستيعاب) : 4/ 1931 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 251 أنت من الأولين. فركبت البحر زمن معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت. ولمسلم [ (1) ] من حديث حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن حبان، عن أنس بن مالك، عن أم حرام وهي خالة أنس قالت: أتانا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يوما فقال: عندنا فاستيقظ وهو يضحك فقلت ما يضحكك يا رسول اللَّه بأبي أنت وأمى، قال: أريت قوما من أمتى يركبون ظهر البحر كالملوك على الأسرة فقلت ادع اللَّه أن يجعلني منهم قال فإنك منهم. قالت: ثم نام فاستيقظ أيضا وهو يضحكك فسألته فقال مثل مقالته. فقلت: ادع اللَّه أن يجعلني منهم. قال: أنت من الأولين: قال فتزوجها عبادة بن الصامت بعد فغزا في البحر فحملها معه فلما أن جاءت قربت لها بغلة فركبتها فصرعتها فاندقت عنقها.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 63، كتاب الإمامة، باب (49) فضل الغزو في البحر حديث رقم (161) . وأخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 14، كتاب الجهاد باب (10) فضل غزو البحر، حديث رقم (2490) . والترمذي في (السنن) : 4/ 152، كتاب فضائل الجهاد، باب (15) ما جاء في غزو البحر، حديث رقم (1645) . والنسائي في (السنن) : 6/ 347- 348، كتاب الجهاد، باب (40) فضل الجهاد في البحر، حديث رقم (3171) . وابن ماجة في (السنن) : 2/ 927، كتاب الجهاد، باب (10) فضل غزو البحر، حديث رقم (2776) . والإمام مالك في (الموطأ) : باب الترغيب في الجهاد، حديث رقم (1002) . والإمام أحمد في (المسند) : 7/ 503، حديث رقم (26492) ، من حديث حذافة بنت وهب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. والدارميّ في (السنن) : 2/ 210، باب في فضل غزاة البحر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 252 ولمسلم [ (1) ] من حديث همام، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن أنس قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، وإلا أم سليم، فإنه كان يدخل عليها، فقيل له في ذلك، فقال: إني أرحمها، قتل أخوها معى. وقال ابن عبد البر: وأم حرام هذه خالة أنس بن مالك، أخت أم سليم بنت ملحان، أم أنس. قال: وأظنها أرضعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، إذ أم سليم جعلت أم حرام خالة له من الرضاعة، فلذلك كانت تفلى رأسه، وينام عندها، وكذلك كان ينام عند أم سليم، وتنال منه ما يجوز لذي المحرم أن يناله من محارمه. ولا يشك مسلم أن أم حرام كانت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المحرم، فلذلك كان منها ما ذكر منها بما ذكرنا في هذا الحديث. وقد أخبرنا غير واحد من شيوخنا، عن أبى محمد عبد اللَّه بن محمد ابن على، أن محمد بن [يونس] أخبره، عن يحى بن إبراهيم بن مزين قال: إنما استجاز رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن تفلى أم حرام رأسه، لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالته لآل أم عبد المطلب من هاشم، كانت من بنى النجار. وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لنا ابن وهب: أم حرام إحدى خالات النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة، فلهذا كان يقيل عندها، وينام في حجرها وتفلى رأسه. قال أبو عمر بن عبد البر: أي ذلك كان، فأم حرام محرم من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. قال مؤلفه ويؤيده ما ذهب إليه ابو عمر أنه وقع في صحيح البخاري من حديث هشام عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، حدثني أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعث خاله أخا لأم سليم في سبعين راكبا .... الحديث.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 243، كتاب فضائل الصحابة، باب (19) من فضائل أم سليم، وأم أنس بن مالك، وبلال، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، حديث رقم (104) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 253 وهذا هو حرام بن ملحان، واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام ابن جندب بن عامر بن غانم بن مالك بن النجار، فانظر كيف قال فيه أنس انه قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم؟ وانه أخ أم سليم وما هي إلا خؤولة الرضاعة فتأمله. قال ابن عبد البر: والدليل على ذلك، فذكر ما خرجه النسائي من حديث غشيم عن أبى الزبير، عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ألا لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم. وروى عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. وروى ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يخلون رجلا بامرأة إلا تكون منه ذات محرم. روى عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يدخلن رجل على مغيبه إلا ومعه رجلا أو رجلان. ومن طليق النسائي حديث الليث عن صويب بن أبى حبيب، عن أبى حيصر عن عقبة بن عامر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. قال ابن عبد البر: وهذه آثار ثابتة للنهى عن ذلك، ومحال أن يأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ما ينهى عنه. وقال النووي: في باب فضل الغزو في البحر من (شرح مسلم) : اتفق العلماء على أنها- يعنى أم حرام- كانت محرما له صلى اللَّه عليه وسلّم، واختلفوا في كيفية ذلك فقال ابن عبد البر وغيره: وكانت إحدى خالته صلى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة، وقال أخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده لأن عبد المطلب كانت أمه من بنى النجار وقد اعترض على النووي بعض من أدركناه، فقال: وما ذكره من الاتفاق على أنها كانت محرما له فيه نظر، ومن أحاط علما بنسب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ونسب أم حرام علم أنها لا محرمية بينهما. قال من ذكرناه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم معصوم، ويقال: كان من خصائصه الخلوة بالأجنبية وقد ادعاه بعض شيوخنا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 254 قال مؤلفه رحمه اللَّه: لم يرد النووي رحمه اللَّه بأن أم حرام كانت محرما لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من جهة النسب، فأنه من أعلم الناس بنسبيهما، وإنما أراد المحرمية الرضاعة التي حكاها ابن عبد البر وذهب إليها بلا شك. وقال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي: سمعت بعض الحفاظ يقول: كانت أم سليم أخت آمنه بنت وهب أم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة وقال ابن العربيّ: ويحتمل ان تكون ذلك قبل الحجاب، ورد بأنه كان بعد حجة الوداع. وقال الحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطيّ ذهل من يزعم ان أم حرام إحدى خالات النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة أو من النسب، لأن أمهاته من النسب واللاتي أرضعته معلومات ليس فيهن أحدى من الأنصار البتة، سوى أم عبد المطلب وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن عباس بن عامر بن غنم ابن النجار، وأم حرام بنت ملحان بن مالك بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر ابن غنم بن عدي بن النجار، فلا تجتمع أم حرام وهي سلمى إلا في عامر ابن غنم، جدهما الأعلى، وهذه خؤولة لا تثبت بها محرمية، لأنها خؤولة مجازيه، وهي كقوله صلى اللَّه عليه وسلّم لسعد بن أبى وقاص: هذا أخا لي لكونه من بنى زهرة، وهم أقارب أمه وليس سعدا أخا لآمنة. وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح انه صلى اللَّه عليه وسلّم كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، إلا على أم سليم فقيل له، فقال: إلى أرحمها قتل أخوها معى يعنى حرام بن ملحان، فكان قتل ببئر معونة، قال على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة من أم حرام ولعل ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع، وهذا احتمال قوى إلا أنه لا يدفع الإشكال من أصله، لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذلك النوم في الحجر. وأحسن الأجوبة: دعوى الخصوصية، ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل، لأن الدليل على ذلك واضح، والحمد للَّه وحده. *** الجزء: 10 ¦ الصفحة: 255 الخامسة عشرة: هل تزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها وهي بنت ست سنين أو سبع سنين كان من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ أو يجوز لأمته نكاح الصغيرة إذا زوجها أبوها؟ قال ابن شبرمة فيما نقله عنه أبو محمد بن حزم: لا يجوز نكاح الأب ابنته صغيرة حتى تبلغ وتأذن ورأى أمر عائشة خصوصية للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم كالموهوبة، ونكاح أكثر من أربع، ورد هذا بأن قول ابن شبرمة: بأن ادعاء الخصوصية يفتقر إلى دليل، وقد عدم في هذه المسألة. وحكى ابن المنذر الإجماع على أن ذلك يجوز لكل أحد، وقد خطب عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أم كلثوم إلى على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: إنها تصغر عن ذلك ثم زوجه، وقال الشافعيّ: زوج ابن الزبير ابنته صفية، وزوج غير واحد من الصحابة. *** الجزء: 10 ¦ الصفحة: 256 النوع الرابع: ما اختص به صلى اللَّه عليه وسلّم من الفضائل والكرامات وهو قسمان: القسم الأول: المتعلق بالنكاح وفيه المسائل المسألة الأولى: أزواجه صلى اللَّه عليه وسلّم اللاتي توفى عنهن محرمات على غيره أبدا قال اللَّه تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [ (1) ] . يقول تعالى: وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول اللَّه. وما يصح لكم ذلك وما ينبغي لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا، لأنهن أمهاتكم، ولا يحل للرجل أن يتزوج أمه. قال ابن وهب، عن ابن زيد، قال: ربما بلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، أن الرجل يقول: لو أن النبي توفى، تزوجت فلانة من بعده، قال: فكان ذلك يؤذى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فنزل القرآن: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً. يقول: إن ذلكم رسول اللَّه، ونكاحكم أزواجه من بعده عند اللَّه عظيم الإثم. وروى إسماعيل بن إسحاق، من طريق معمر، عن قتادة، أن رجلا قال: لو قبض رسول اللَّه، تزوجت عائشة! فأنزل اللَّه تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ الآية. ونزلت: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [ (2) ] .   [ (1) ] الأحزاب: 53. [ (2) ] الأحزاب: 6. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 257 ونقل أبو نصر عبد الرحيم القشيري، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: قال رجل من سادات قريش، من العشرة الذين كانوا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: على حرام نفسه لو توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لتزوجت عائشة، وهي بنت عمتي. قال ابن عطية: روى أنها نزلت بسبب بعض الصحابة، قال: لو مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لتزوجت عائشة، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فنادى به هكذا كنى عنه ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ببعض الصحابة. وحكى مكي عن معمر أنه قال: هو طلحة بن عبيد اللَّه، وكذا حكى النحاس عن معمر. قال ابن عطية: وهذا عندي لا يصح عن طلحة. وروى أن رجلا من المنافقين قال حين تزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أم سلمة بعد أبى سلمة، وحفصة بعد خنيس بن حذافة: ما بال محمد يتزوج نساءنا؟ واللَّه لو مات لأحلنا السهام على نسائه، فنزلت الآية في هذا، فحرم اللَّه نكاح أزواجه من بعده، وجعل لهن حكم الأمهات، وهذا من خصائصه تمييزا لشرفه، وتنبيها على علو مرتبته. قال القاضي: وأزواجه صلى اللَّه عليه وسلّم اللاتي مات عنهن- لا يحل لأحد نكاحهن ومن استحل ذلك كافرا، لقوله تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً. وقد قيل: إن اللَّه تعالى إنما منع من التزويج بأزواج نبيه، لأنهن أزواجه في الجنة، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها، كما تقدم عن حذيفة. وذكر القضاعي أن ذلك مما خص به صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء وأمته، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها. وقيل: إنما منع من نكاحهن، لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم حي، ولهذا حكى الماوردي وجها: أنهن لا تجب عليهنّ عدة الوفاة، وفيمن فارقها في الحياة كالمستعيذة، والتي وجد بكشحها بياضا، ثلاثة أوجه: أحدها: تحرمن أيضا، وهو المنصوص من الشافعيّ في (أحكام القرآن) لشمول الآية، والبعدية في قوله تعالى: من بعده عند هذا القائل لا تختص بما بعد الموت، بل هو أعم منه، فيكون التقدير: من بعد نكاحه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 258 قال بعضهم: وحرمن لوجوب محبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فإن من العادة أن زوج المرأة يكره زوجها الأول، قال في (الروضة) : وهذا أرجح، وقال ابن الصلاح: إنه أشبه بظاهر القرآن، وهو ظاهر بنص الشافعيّ. قال: وقيل: إن وجه التفضيل يعنى الثالث أصح، وعبارة القضاعي تقتضي هذا الوجه أيضا، فإنه أطلق أن تساءه صلى اللَّه عليه وسلّم حرمن على غيره، وجعل ذلك من خصائه دون غيره من الأنبياء. وثانيها: لا يحرمن لإعراض النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عنها، وانقطاع الاعتناء بها، لأن في ذلك إضرارا بها، والبعدية على هذا مخصوصة بما بعد الموت. وثالثها: تحرم المدخول بها فقط، وبه قال القاضي أبو حامد، وذكر الشيخ أبو حامد أنه الصحيح، وقال الرافعي في (الشرح الصغير) : إنه الأظهر، وصححه الماوردي، والغزالي أيضا، وقال الإمام: إنه الأعدل، وجزم به صاحب (الحاوي الصغير) ، ودليله ما روى داود عن عامر الشعبي به، أن بنى اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مات وقد ملك قتيلة ابنة الأشعث، ولم يجامعها، فتزوجها عكرمة بن أبى جهل بعد ذلك، فشق على أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه مشقة شديدة، فقال له عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا خليقة رسول اللَّه! إنها ليست من نسائه، إنه لم يخبرها رسول اللَّه، ولم يحجبها، وقد برأه اللَّه تعالى منها بالردة التي ارتدتها مع قومها. قال: فاطمأن أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وسكن. وخرج الحاكم في (المستدرك) [ (1) ] ، عن أبى عبيدة، ومعمر بن المثنى، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج حين قدم عليه وفد كندة، قتيلة بنت قيس، أخت الأشعث بن قيس، في سنة عشرة، ثم اشتكى في النصف من صفر، ثم قبض يوم الإثنين، ليومين مضيا من شهر ربيع الأول، ولم تكن قدمت عليه، ولا دخل بها، ووقت بعضهم وقت تزويجه إياها، فزعم أنه تزوجها قبل وفاته   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 40، كتاب معرفة الصحابة، ذكر قتيلة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس، حديث رقم (6817) ، قال الذهبي في (التلخيص) : قتيلة أخت الأشعث بن قيس. قال أبو عبيدة: نزوجها بنى اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم ذكر الحديث. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 259 بشهر، وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه، وزعم آخرون أنه أوصى أن تخير قتيلة، فإن شاءت [أن يضرب عليها الحجاب، فتحرم على المؤمنين، ويجرى عليها ما يجرى على [ (1) ] أمهات المؤمنين، وإن شاءت أن تنكح من شاءت] فاختارت النكاح، وتزجها عكرمة بن أبى جهل بحضرموت، فبلغ ذلك أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: لقد هممت أن أرحق عليها، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما هي من أمهات المؤمنين، ولا دخل بها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، ولا ضرب عليها الحجاب [وزعم بعضهم أنها ارتدت] ، فكف عنها. وأورده أبو نعيم في كتاب (معرفة الصحابة) ، من طريق الشعبي مرسلا، واستدل به الماوردي في (الحاوي) ، فأورده كذلك. وذكر الإمام الغزالي، والقاضي، أن الأشعث بن قيس نكح المستعيذة في زمن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فهم عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه برجمتها، فأخبر أنها لم تكن مدخولا بها، فكف عنها. وذكر الماوردي أيضا وقال: فصار ذلك كالإجماع. وقال القاضي أبو الطيب الطبري: أن الّذي تزوج المستعيذة المهاجر بن أبى أميه، ولم ينكر ذلك أحد، فدل ذلك على أنه إجماع. وخرج الحاكم [ (2) ] أيضا من طريق هشام بن محمد الكلبي، قال: وحدثني أبى عن أبى صالح عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال خلف على أسماء بنت النعمان المهاجر بن أبى أميه، فأراد عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن يعاقبها فقالت: واللَّه ما ضرب على الحجاب ولا سميت بأم المؤمنين، فكف عنها. قال مؤلفه رحمه اللَّه إنما هذه هي أسماء ابنة النعمان الجوتية.   [ (1) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) ، وليس في (المستدرك) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 40، آخر الحديث رقم (6816) ، وقال عنه حافظ الذهبي في (التلخيص) : سنده واه، ويروى عن زهير بن معاوية أنها ماتت كمدا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 260 ذكر هشام بن محمد أنها هي المستعيذة في حديث ذكره، وفي الأمة التي يفارقها صلى اللَّه عليه وسلّم بالموت أو غيره بعد وطئها، وجهان في الرافعي وهما في (التهذيب) . أحدهما: لا تحل لغيره، كالمنكوحه التي فارقها. والثاني: لا تحرم، لأن مارية غير معدودة في أمهات المؤمنين والصواب أن محل الخلاف فيمن باعها صلى اللَّه عليه وسلّم لا من مات عنها. قال الماوردي: أن من مات عنها كمارية أم ولده إبراهيم عليه السلام ثم حرم نكاحها وإن لم تسم أما للمؤمنين كالزوجات فنصفها بالرق وإن باعها فتحريمها على مشتريها وعلى سائر المسلمين وجهان كالمطلقة، ولزم في باب استبراء أم الولد بالتحريم وبالتعظيم من ذلك ثلاثة أوجه ثم الأوجه الثلاثة لغير المخيرات، وأما المخيرات فمن اختارت منهم الدنيا ففي حلها من أزواجه طريقان: قال العراقيون يطرد الأوجه، وقطع أبو يعقوب الأبيوردي وآخرون بالحل لتحصل فائدة التخيير وهو التمكن من زينة الدنيا، وهذا ما اختاره الإمام، والغزالي وفعل الإيقاف عليه، ومن عهد ذلك فإن كانت لا تحل، ففي وجوه نفقتها من خمس الخمس وجهان: أحدهما: يجب كما تحب نفقة اللواتي مات عنهن لتحريمهن. والثاني: لا تجب لأنها غير واجبة في حياته فالأولى أن لا تجب بعد موته ولأنها مقطوعة العصمة بالطلاق. *** الجزء: 10 ¦ الصفحة: 261 المسألة الثانية: أزواجه صلى اللَّه عليه وسلّم أمهات المؤمنين قال اللَّه تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ قال سعيد عن قتادة ليعظم بذلك حقهن، وفي قراءة أبى بن كعب بمصحفه: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم. وقال ابن زيد: محرمات عليهم، وقال الشافعيّ في (المختصر) : أمهاتهم في معنى دون معنى، وذلك أنه لا يحل نكاحهن بحال ولم تحرم بناته لو كن له لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم زوج بناته وهن أخوات المؤمنين وذكر نحوه في (الأم) . وقال القرطبي في (التفسير) : شرف اللَّه تعالى أزواج نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال وحجبهن رضى اللَّه عنهن بخلاف الأمهات وقيل: لما كانت شفقتهن عليهم كشفقة الأمهات أنزلن منزلة الأمهات، وقد عد القضاعي هذه مما اختص به دون الأنبياء، وقد خولف في ذلك. وأزواجه أمهات المؤمنين سواء من ماتت تحته أو مات عنها وهي تحته. وأعلم أن الأمومة ثلاثة أقسام مختلفة الأحكام: وهي أمومة الأولاد، ويثبت فيها جميع أحكام الأمومة، وأمومة أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لا تثبت إلا تحريم النكاح، وأمومة الرضاع وهي متوسطة بينهما. فإذا تقرر هذا فهنا أمور قد اختلف فيها، وهي: هل يجوز النظر إليهن؟ فيه وجهان أحدهما: هن محرم لا يحرم النظر إليهن لتحريم نكاحهن، والثاني: إن النظر إليهن محرم لأن تحريم نكاحهن إنما كان حفظا لحق الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فيهن وكان من حفظ حقه تحريم النظر إليهن، ولأن عائشة كانت إذا أرادت دخول رجل عليها أمرت أختها أم كلثوم أن ترضعه ليصير ابن أخيها من الرضاعة فيصير محرما يستبيح النظر. والمشهور المنع وبه جزم الرافعي، والأدلة على تحريم النظر إليهن كثيرة شهيرة منها قصة عائشة في أفلح أخى أبى القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب فأبت أن تأذن له فلما جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أخبرته بالذي صنعت فأمرنى أن على أنزله، لم يقل البخاري على وخرجاه من طرق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 262 ومنها أحاديث نزول الحجاب، وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى ولا يثبت حكم الأمومة في جواز الخلوة والمسافرة، ولا في النفقة والميراث، وهل يقال بناتهن أخوات المؤمنين؟ نص الشافعيّ رحمه اللَّه في (المختصر) على جوازه، وحكى الرافعي وجها أن اسم الإخوة يطلق على بناتهن واسم الخؤوله يطلق على إخوتهن، وأخواتهن، لثبوت اسم الأمومة لهن وإن لم يوجب ذلك تحريم النكاح كما أن المسلمات كلهن أخوات المسلمين في الإسلام، ولا يوجب ذلك تحريم النكاح. قال: وهذا ظاهر لفظ (المختصر) يشير إلى قوله: زوج بناته «وهن أخوات المؤمنين» ، لكن أكثر الأصحاب كما قال الماوردي: غلطوه فيه لأنه قال الشافعيّ في (أحكام القرآن) : وما زوج بناته وهن غير أخوات المؤمنين، وقيل: إن الكاتب حذف لفظة غير، وقيل: ما قاله المازني فيه صحيح وتقديره: قد زوج بناته أي زوجهن وهن أخوات المؤمنين وجزم القاضي يتخطئه المازني ومنع آخرون من ذلك بدليل أنه لا يحرم على المؤمنين التزوج ببناتهن أو أخواتهن وقد زوج صلى اللَّه عليه وسلّم بناته من المؤمنين، فزوج عثمان، وعليا، ونكح الزبير أختا لعائشة، ونكح عبد الرحمن بن عوف حمنة أخت زينب، وكذا لا يقال آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات المؤمنين بل يقتصر على ما ورد من ثبوت حكم الأمومة لهن في بعض الأحكام. وهل يقال في إخوانهن أخوال المؤمنين؟ فيه نزاع في معاوية أنطلق عليه خال المؤمنين؟ فحكى القاضي حسين الخلاف في جواز تسميته خال المؤمنين، وحكى الرافعي وجها أن اسم الخؤوله ينطلق على إخوانهن وأخواتهن. وذكر البيهقي من طريق شبابة، قال حدثني خارجة بن مصعب بن الكلبي عن أبى صالح، عن ابن عباس في هذه الآية عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً قال: كانت المودة التي جعل اللَّه بينهم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 263 تزوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أم حبيبة بنت أبى سفيان، فصارت أم المؤمنين وصار معاوية خال المؤمنين [ (1) ] . قال البيهقي: كذا في رواية الكلبي وذهب علماؤنا إلى أن هذا الحكم لا يتعدى أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فهن أمهات المؤمنين في التحريم ولا يتعدى هذا التحريم إلى إخوتهن، ولا إلى إخوانهن، ولا إلى بناتهن، ومنع قوم من جواز تسمية معاوية خال المؤمنين بأن هذا أمر مبتدع لم يطلقه عليه إلا الغلاة في موالاته حتى إنهم زعموا أنه دعي بذلك في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وبالغوا في الإفك حتى نسبوه إلى انه من قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وليس لذلك أصل، ولا عرف إطلاق ذلك في عصر الصحابة، والتابعين، فقد قتل محمد بن أبى بكر ولم يشنع أعداء معاوية إذ ذاك بأنه قتل خال المؤمنين، وثار عبد اللَّه بن الزبير بمكة على سويد بن معاوية ولم [يكثرت] بأنه ابن خالة المؤمنين، ولا دعاه به أحد من الصحابة، ولم يدع عبد اللَّه بن عمر بخال المؤمنين، ولا قيل قط لعبد الرحمن بن أبى بكر خال المؤمنين، ولا يمترى عامه أهل العلم في أن منزلة عائشة وحفصة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كانت أعظم من منزلة أم حبيبة بنت أبى سفيان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ومع ذلك فلم يدع أحد من إخوتها بخال المؤمنين، فكيف يطلق على معاوية بن أبى سفيان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه خال المؤمنين؟ ومنزلته ومنزلة أبيه من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم دون منزلة عبد اللَّه بن عمر ومكانة عبد اللَّه من العلم والورع والسابقة مكانة، وهذه عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها تقول وقد قالت لها امرأة يا أمه: لست لك بأم، إنما أنا أم رجالكم فعلمتنا بذلك معنى الأمومة تحريم نكاحهن وكذا لم ينقل أن   [ (1) ] قال القسطلاني: ولا يقال بناتهن أخوات المؤمنين. ولا آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات ولا إخوانهن ولا أخواتهن أخوال وخالات. قال البغوي: كن أمهات المؤمنين دون النساء، وروى ذلك عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. ولفظها كما في البيضاوي: لسنا أمهات النساء، وهو جار على الصحيح عند أصحابنا وغيرهم من أهل الأصول: أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال. (المواهب اللدنية) : 2/ 73- 74، فصل في ذكر أزواجه وسراريه المطهرات. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 264 أحدا قال لأسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما خالة المؤمنين، فقد قال الواحدي في تفسير قوله تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ أي في حرمة نكاحهن وهذه الأمومة تعود إلى حرمة نكاحهن لا غير، ألا ترى أنه لا يحل رؤيتهن، ولا يريد المؤمنين، ولا يردنهن، وليست كالأمهات في النفقة، والميراث، وفي (النكت) للماوردى: يعنى من مات عنها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أزواجه هن كالأمهات في شيئين. أحدهما: تعظيم حقهن. والثاني: تحريم نكاحهن، ولسنا كالأمهات في النفقة والميراث وهل كن أمهات المؤمنين من الرجال دون النساء؟ صححوا المنع، وهو قول عائشة. وخرج البيهقي من طريق أبى عوانة، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها ان امرأة قالت لها يا أمه فقالت: لست لك بأم إنما أنا أم لرجالكم وهذا جار على الصحيح عند أصحابنا وغيرهم، وهذا تفريغ أن الجمع المذكر السالم هل يدخل فيه النساء [ (1) ] وهي مسأله منفردة في الأصول. لكن وقع في (الرسالة) للإمام الشافعيّ في ترجمة ما نزل من القرآن عام الظاهر قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ [ (2) ] وقوله: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً [ (3) ] فإنه قال رحمه اللَّه في آخر الكلام وهكذا التنزيل في الصوم والصلاة على البالغين العاقلين خص من لم يبلغ ومن بلغ، ولم يعقل، وخص الحيض في أيام حيضتهن فهذا يقتضي أنهن دخلن، وإلا لم يخرج من لم ينحصر وجب الاختصاص أن فائدة أمومتهن في حق الرجال منقوله في حق النساء.   [ (1) ] خوطبت امرأة نوح وامرأة لوط بقوله تعالى: وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ، والدَّاخِلِينَ جمع مذكر سالم [التحريم: 10] وخوطبت مريم ابنة عمران عليها السلام بقوله تعالى: وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ والقانتين جمع مذكر سلم. [التحريم: 12] . [ (2) ] البقرة: 183. [ (3) ] النساء: 103. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 265 وحكى الماوردي في (تفسيره) خلافا في كونهن أمهات المؤمنات وحكاه القرطبي أيضا في (التفسير) : فقد قال ابن العربيّ: وهو الصحيح يعنى أنهن أمهات الرجال، فقط ثم قال القرطبي لا فائدة لاختصاص الحصر في الإباحة للرجال دون النساء والّذي يظهر لي أنهن أمهات الرجال والنساء تعظيما لحقهن على الرجال والنساء يدل عليه صدر الآية: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة فيكون قوله: أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ عائد على الجميع ثم إن في مصحف أبى بن كعب: «وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم» . وقرأ ابن عباس: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب وأزواجه أمهاتهم وهذا كله يوهن ما رواه الشعبي عن مسروق، عن عائشة إن صح من جهة الترجيح، وإن لم يصح فسقط من جهة الاستدلال به في التخصيص وتعيينا على الأصل الّذي هو العموم الّذي يسبق إلى المفهوم واللَّه تبارك وتعالى أعلم. وقد اختلف أيضا: هل يقال هو صلى اللَّه عليه وسلّم أبو الرجال جميعا؟ قال الفريابي، عن سفيان، عن طلحة، عن عطاء، عن ابن عباس: أنه كان يقرأ هذه الآية النبي أولى بالمؤمنين وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم. قال البغوي: وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أبا الرجال والنساء جميعا، وقال الواحدي: قال بعض أصحابنا لا يجوز أن يقال: هو أبو المؤمنين لقوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [ (1) ] وقال: ونص الشافعيّ على أنه يجوز أن يقال أبو المؤمنين أي في الحرمة، ومعنى الآية ليس أحد من رجالكم ولد صلبه لذا ذكره النووي في (الروضة) [ (2) ] . وفي القطعة التي شرحها من البخاري، وقال: (في المطلب) وفيه نظر لأن ذلك جمعه قوم، غير أن المعقول والشرع لا يرد بمثله إلا أن يراد به التنبيه على أنه تحريم.   [ (1) ] الأحزاب: 40. [ (2) ] (روضة الطالبين) : 5/ 356، كتاب النكاح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 266 المسألة الثالثة: تفضيل زوجاته صلى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] هذا قال القاضي حسين في تعليقه أفضل نساء العالمين أزواجه. ولفظ البغوي خير نساء هذه الأمة وغيرها، وهذا خلاف في مواضع. أحدها: المفاضلة بينهن وبين مريم ابنة عمران. والثاني: المفاضلة بين خديجة وعائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. والثالث: المفاضلة بين فاطمة وأمها خديجة عليها السلام. والرابع: المفاضلة بين فاطمة وعائشة. أما مريم فخرج البخاري [ (2) ] في المناقب من حديث عبدة عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر قال: سمعت عليا يقول:   [ (1) ] في (الأصل) بعد العنوان مباشرة سطر كامل مطموس معظمه، وما بعده يغنى عنه إن شاء اللَّه تعالى، حيث مضمونه رأى ابن سيده في ذلك. [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 166، كتاب مناقب الأنصار، باب (20) تزويج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم خديجة وفضلها رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم (3815) . قوله: (خديجة) : هي أول من تزوجها صلى اللَّه عليه وسلّم، وهي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصي، تجتمع مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في قصي، وهي من أقرب نسائه إليه في النسب، ولم يتزوج من ذرية قصي غيرها إلا أم حبيبة، وتزوجها سنة خمس وعشرين من مولده في قول الجمهور، زوجه إياها أبوها خويلد، ذكره البيهقي من حديث الزهري بإسناده عن عمار بن ياسر، وقيل: عمها عمرو بن أسد ذكره الكلبي، وقيل: أخوها عمرو بن خويلد ذكره ابن إسحاق، وكانت قبله عند أبى هالة بن النباش بن زرارة التميمي حليف بنى عبد الدار، واختلف في اسم هالة فقيل مالك قاله الزبير، وقيل: زرارة حكاه ابن مندة، وقيل: هند جزم به العسكري، وقيل: اسمه النباش جزم به أبو عبيد، وكانت خديجة قبله عند عتيق بن عائذ المخزومي. وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يتزوج خديجة قد سافر في مالها إلى الشام، فرأى منه ميسرة غلامها ما رغبها في تزويجه، قال الزبير: وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة، وماتت على الصحيح بعد المبعث بعشر سنين في شهر رمضان، وقيل: بثمان، وقيل: بسبع، فأقامت معه صلى اللَّه عليه وسلّم خمسا وعشرين سنة على الصحيح، وقال ابن عبد البر: أربعا وعشرين سنة وأربعة أشهر، وذلك بعد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 267 سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة وذكره في كتاب الأنبياء أيضا [ (1) ] .   [ () ] مبعث لي الصواب بعشر سنين لا جرم كانت أفضل نسائه على الراجح. وروى الفاكهي في (كتاب مكة) عن أنس: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان عند أبى طالب، فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة فأذن له، وبعث بعده جارية له يقال لها نبعة فقال لها: انظري ما تقول له خديجة؟ قالت نبعة: فرأيت عجبا، وما هو إلا سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيدها فضمتها إلى صدرها ونحرها ثم قالت: بأبي وأمى، واللَّه ما أفعل هذا لشيء، ولكنى أرجو أن تكون أنت النبي الّذي ستبعث، فإن تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي وادع الإله الّذي يبعثك لي. قالت لها: واللَّه لئن كنت أنا هو قد اصطنعت عندي ما لا أضيعه أبدا، وإن يكن غيري فإن الإله الّذي تصنعين هذا لأجله لا يضيعك أبدا. [ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 582، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (45) وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ* يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ* ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ. [آل عمران: 42- 44] ، يقال (يكفل) : بضم. كفلها: ضمها، مخففة، ليس من كفالة الديون وشيبها، حديث رقم (3432) . قوله: (خير نسائها مريم) : أي نساء أهل الدنيا في زمانها وليس المراد أن مريم خير نسائها لأنه يصير كقولهم زيد أفضل إخوانه، وقد صرحوا بمنعه، فهو كما لو قيل فلان أفضل الدنيا. وقد رواه النسائي من حديث ابن عباس بلفظ «أفضل نساء أهل الجنة» فعلى هذا فالمعنى خير نساء أهل الجنة مريم، وفي رواية «خير نساء العالمين» وهو كقوله تعالى: وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ وظاهره أن مريم أفضل من جميع النساء وهذا لا يمنع عند من يقول إنها نبيه. وأما من قال ليست بنبية فيحمله على عالمي زمانها، وبالأول جوم الزجاج وجماعة واختاره القرطبي، ويحتمل أيضا أن يراد نساء بنى إسرائيل أو نساء تلك الأمة أو فيه مضمرة والمعنى أنها من جملة النساء الفاضلات، ويدفع ذلك حديث أبى موسى المتقدم بصبغة الحصر أنه يكمل من النساء غيرها وغير آسية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 268 وخرجه مسلم [ (1) ] في المناقب من حديث أبى أسامة وابن نمير ووكيع وأبى معاوية وعبد بن سليمان كلهم عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر يقول سمعت عليا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بالكوفة يقول:   [ () ] قوله: (وخير نسائها خديجة) أي نساء هذه الأمة قال القاضي أبو بكر بن العربيّ: خديجة أفضل نساء الأمة مطلقا لهذا الحديث، وقد تقدم في آخر قصة موسى أبى موسى في ذكر مريم وآسية وهو يقتضي فضلهما على غيرهما من النساء، ودل هذا الحديث على أن مريم أفضل من آسية وأن خديجة أفضل نساء هذه الأمة حيث قال: ولم يكمل من النساء، أي من نساء الأمم الماضية، إلا أن حملنا الكمال على النبوة فيكون على إطلاقه. وعند النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس «أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية» وعند الترمذي بإسناد صحيح عن أنس «حسبك من نساء العالمين» فذكرهن. وللحاكم من حديث حذيفة «إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أتاه ملك فبشره أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 207- 208، كتاب فضائل الصحابة، باب (12) فضائل خديجة أم المؤمنين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم (69) ، قال الإمام النووي: قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: (خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد وأشار وكيع إلى السماء والأرض) أراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في نسائها وأن المراد به جميع نساء الأرض أي كل من بين السماء والأرض من النساء والأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه قال: القاضي ويحتمل أن المراد أنهما من خير نساء الأرض والصحيح الأول. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون) يقال كمل بفتح الميم وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات الكسر ضعيف قال القاضي: هذا الحديث يستدل به من يقول بنبوة النساء ونبوة آسية ومريم والجمهور على أنهما ليستا نبيتين بل هما صديقتان ووليتان من أولياء اللَّه تعالى ولفظة الكمال تطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى قال. القاضي فإن قلنا هما نبيتان فلا شك أن غيرهما لا يلحق بهما وإن قلنا وليتان لم يمتنع أن يشاركهما من هذه الأمة غيرهما. هذا كلام القاضي، وهذا الّذي نقله من القول بنبوتهما غريب ضعيف وقد نقل جماعة الإجماع على عدمها واللَّه أعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 269 سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول خير نسائها مريم ابنه عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد، قال أبو كريب وأشار وكيع إلى السماء والأرض. وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق علياء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل نساء العالمين خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ. وخرج البخاري [ (2) ] في المناقب، وفي كتاب الأنبياء، وفي الأطعمة، من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة الجملي بسنده عن أبى موسى الأشعري قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا اثنين: امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وفي بعض طرقه: كفضل عائشة بغير «إن» . وخرجه مسلم في المناقب وقد اختلف في نبوة مريم فإن قلنا بنبوتها فتعين تفضيلها على أمهات المؤمنين وإن قلنا: إنها لم تكن نبية فقد ثبت مما تقدم تفضيلها على من عاداها الأمر ذكر فلم يبق إلا المفاضلة بينها وبين خديجة. قال القاضي عياض في قوله: خير نسائها مريم خير نسائها خديجة وأشار وكيع إلى السماء والأرض كأنه تفسير ضمير الهاء في نسائها أنه يريد الدنيا والأرض وذكره لهم يحتمل أن يريد أن كل واحدة خير نساء الأرض في وقتها أو أنهما من خير نسائهم أفضلهن وإن كانت المزايا تعد بينهما وبين غيرهما ممن هو خير النساء متفاضلة.   [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 650، كتاب تاريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4160) ، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 687- 688، كتاب الأطعمة، باب (25) الثريد، حديث رقم (5418) ، وأخرجه في كتاب (أحاديث الأنبياء) : باب (46) قوله تعالى: وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إلى قوله: فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران: 45- 48] ، حديث رقم (3433) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 270 وقوله: وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام لسرعة إسخانه والاستلذاذ به وإشباعه وتقديمه على غيره من الأطعمة التي تقوم مقامه وليس هذا نص بتفضيلها على من ذكر من مريم وآسية ويحتمل مساويها أو مثلها قال مؤلفه رحمه اللَّه: قد ثبت لمريم من الفضل ما لم يثبت لغيرها من النساء قال تعالى: وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ أي اختارك وطهرك أي من الكفر أو من سائر الأنجاس، واصطفاك على العالمين وقال عليه السلام ولم يكمل من النساء إلا مريم وخديجة، وكان الكمال هنا هو النبوة ويؤيده أن اللَّه أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إليها كسائر الأنبياء وكلمها روح القدس وطهرها ونفخ في درعها وسماها اللَّه الصديقة. وممن قال بنبوتها ابن وهب واختاره أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن اللباء فقيه المغرب وأبو محمد بن أبى زيد وأبو المحاسن الفاسى. وأما المفاضلة بين خديجة وعائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما ففيها ثلاثة أقوال ثالثها الوقف قال القاضي والمتولي: إن خديجة أفضل من عائشة واستدل أبو بكر بن داود لما سئل عن ذلك بأن عائشة أقرأها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم السلام من جبريل، وخديجة أقرأها جبريل السلام على لسان محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فهي أفضل، قال فريق: بل عائشة أفضل لدوام صحبتها للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم بعد النبوة وطول مدتها إلى موته لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: أريتك في المنام ثلاث ليال جائني ملك الموت في سرقة حرير فيقول هذه امرأتك فاكشف عن وجهها فإذا أنت هي فأقول أن ذلك من عند اللَّه أمضه. وخرجه في الصحيحين ووجه الدلالة منه قوله هذه امرأتك لأنها كانت حب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وقال: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وسأله عمرو بن العاص أي الناس أحب إليك قال عائشة: إلى غير ذلك من فضائل كثيرة وأجيب بأنه ليس كسائر فضائل عائشة ما يبلغ قوله بخير نسائها خديجة وقوله أفضل نساء العالمين خديجة فإنه صريح في بابه فتأمله من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 271 انصرف علم أن لكل منهما فضائل تخصهم فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام وكانت تسلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وتثبته وتسكنه فأدركت غرة الإسلام واحتملت الأذى في اللَّه ورسوله وكانت نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها، وعائشة تأثيرها في أخر الإسلام فلها من الفقه في الدين وتبليغه للأمة وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها. فمن خصائص خديجة أن اللَّه تعالى بعث السلام إليها مع جبريل فبلغها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذلك وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب وكانت أول من آمن باللَّه ورسوله من هذه الأمة وأولاده كلهم منها ما عدا إبراهيم وهذه فضائل لم تكن لامرأة سواها. ومن خصائص عائشة إنها كانت أحب أزواج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ولم يتزوج بكرا غيرها وكان ينزل الوحي في بيتها دون غيرها ولما نزلت آية التخيير فخيرها فاختارت اللَّه ورسوله ما سبقت به بقية الأزواج وبرأها اللَّه مما رماها به أهل الإفك بعشر آيات تليت في المحاريب إلى يوم القيامة، وشهد لها بأنها من الطيبات ووعدها المغفرة والرزق الكريم وأخبر اللَّه تعالى أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرا لها ولم يكن الّذي قيل فيها شرا لها، ولا عارا لها، ولا خافضا من شأنها، بل رفعها بذلك فأعلى قدرها، وعظم شأنها، وأحيا لها ذكرها، بالطيب والسراة من أهل الأرض والسماء. *** الجزء: 10 ¦ الصفحة: 272 وأما المفاضلة بين فاطمة وأمها خديجة فلم [نجد] فيها نقلا، وما منهما إلا من له فضائل مشهورة، وقوله صلى اللَّه تبارك وتعالى عليه وعلى سلّم وسلم: «فاطمة بضعة منى» ، فلا شرف أعلى منه إلا شرف أبيها المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم. أما المفاضلة بين فاطمة وعائشة قال القاضي عياض في قوله صلى اللَّه عليه وسلّم وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام: وليس فيه ما يشعر بتفضيلها على فاطمة إذ قد يكون تمثيل تفضيل فاطمة لو مثلها مما هو أرفع من هذا وبالجملة من هذا الحديث أن عائشة مفضلة على النساء تفضيلا كثيرا وليس فيه عموم جميع النساء. وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة أعم وأظهر في التفضيل. وقال ابن دحية في كتاب (مرج البحرين) : ذكر بعض الرواة أن عائشة أفضل من فاطمة واستدل على ذلك بأنها عند على في الجنة وعائشة عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، قال وهذا لا يوجب التفضيل ثم أطال الرد عليها إلى أن قال سئل العالم الكبير أبو بكر بن داود بن على من أفضل خديجة أم فاطمة؟ فقالوا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أن فاطمة بضعة منى ولا أعدل ببضعة من رسول اللَّه أحد. قال السهيليّ: وهذا استقراء حسن وشهد لصحة هذا الاستقراء أن أبا لبابة حين ارتبط نفسه وحلف ألا يحله إلا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فجاءت فاطمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها تحله فأبى من أجل قسمة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إنما فاطمة بضعة منى فحلته. قال السهيليّ: هذا حديث يدل على أن من سبها فقد كفر وأن من صلى عليها فقد صلى على أبيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. *** الجزء: 10 ¦ الصفحة: 273 [ القسم الثاني ] الرابعة: أن شريعة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم مؤيدة وناسخة لسائر الشرائع وقد مضى من ذلك ما فيه كفاية. الخامسة: أن كتاب محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وهو القرآن معجز بخلاف سائر كتب اللَّه التي أنزلها على رسله وأنه محفوظ عن التحريف والتبديل وأنه حجة بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وسائر معجزات الأنبياء انقرضت بانقراضهم، وقد مر في المعجزات جميع هذا فتأمله. السادسة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم نصر بالرعب مسيرة شهر وسيأتي بطرقه، فكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا هم بغزو قوم أرعبوا منه قبل أن يقدم عليهم بشهر، ولم تكن هذه لأحد سواه وما روي في صحيح مسلم في قصة نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض أن لا يدرك نفسه كافرا إلا مات ونفسه ينتهى حيث ينتهى بصره فإن كان ذلك صفه لم يزل له قبل أن يرفع فليست نظير هذا وإلا فهو بعد نزوله إلى محمد صلى اللَّه عليه وسلّم بمعنى أنه يحكم بشرعه ولا يوحى إليه بخلافها وقد مضى هذا المعنى مجودا. السابعة: أن رسالته صلى اللَّه عليه وسلّم عامة إلى الإنس والجن وكان من عداه من الأنبياء انما يبعث إلى قومه خاصة وقد ذكر اللَّه تعالى هذا المعنى في كتابه العزيز فقال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ وقال: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ فكان النبي ومن كان قبل محمد صلى اللَّه عليه وسلّم لا يكلف من أداء الرسالة إلا أن يدعو قومه إلى اللَّه عز وجل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 274 وأما محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً وقال تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ وقال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ وقال: قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ وفي آيات كثيرة تدل على عموم رسالته ويؤيده قوله صلى اللَّه عليه وسلّم في حديث الشفاعة إنه أول نبي بعث إلى أهل الأرض إلى الثقلين فأمر اللَّه تعالى أن ينذر جمع خلقه إنسهم، وجنهم، عربهم، وعجمهم، فقام صلوات اللَّه وسلامه عليه بما أمر به ربه في ذلك، وبلغ رسالته، وقد تقدم هذا كله فيما سلف. الثامنة: جعلت له صلى اللَّه عليه وسلّم ولأمته الأرض مسجدا وطهورا ومعنى ذلك في الحديث الّذي رواه الإمام أحمد في (مسندة) أن من كانوا قبلنا كانوا لا يصلون في مساكنهم، وإنما كانوا يصلون في كنائسهم. وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم وطهورا يعنى به التيمم فإنه لم يكن في أمة قبلنا وإنما شرع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ولأمته توسعا ورحمة وتخفيفا. التاسعة: أحلت له صلى اللَّه عليه وسلّم الغنائم ولم تحل لأحد قبله وكان من قبله صلى اللَّه عليه وسلّم إذا غنموا أشياء أخرجوا منه شيئا، فوضعوه في ناحية، فتنزل نار من السماء، فتحرقه، وقد وقع ذلك في الصحيح من رواية أبى هريرة في حديث النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الّذي غزا وحبس له اللَّه الشمس، قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يراد أنه صلى اللَّه عليه وسلّم يتصرف فيها كيف يشاء ويقسمها كما أراد في قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ. ويحتمل أن يراد لم يحل شيء منها لغيره صلى اللَّه عليه وسلّم وأمته، وفي بعض الأحاديث ما يقر ظاهره بذلك ويحتمل أن يراد بالغنائم بعضها وفي بعض الجزء: 10 ¦ الصفحة: 275 الأحاديث وأحل لنا الخمس. أخرجه ابن حبان في صحيحه وأجيب بأن الخمس خص به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الغنائم تشرفة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. العاشرة: جعلت أمته صلى اللَّه عليه وسلّم شهداء على الناس بتبليغ الرسل إليهم قال اللَّه تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ الآية، وكما هديناكم فكذلك خصصناكم وفضلناكم بأن جعلناكم أمة عبادا عدولا لتشهدوا للأنبياء على أمتهم وشهد لكم به رسول اللَّه بالصدق، ومستند بهم في الشهادة وإن لم يروا ذلك عبادا اللَّه تعالى لهم به لقوله: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ وقوله: كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ وقوله كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ وقوله: فَكَذَّبُوا رُسُلِي ونحوها من الآيات. الحادية عشر: أصحابه صلى اللَّه عليه وسلّم خير الأمة مقدما وقد سبق ذكر ذلك مفصلا. الثانية عشر: جمعت صفوف أمته صلى اللَّه عليه وسلّم كصفوف الملائكة فكل منهم أفضل من كل من بعده، قال صلى اللَّه عليه وسلّم لا تسبوا أصحابى فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ أحدهم ولا نصفه. خرجاه من حديث أبى سعيد الخدريّ. وخرجه مسلم من حديث أبى هريرة. الثالثة عشرة: الشفاعة الأول: الشفاعة العظمى في الفضل بين أهل الموقف حيث يقومون بعد الأنبياء وهو المقام المحمود، الّذي يغبط به الأولون والآخرون، والمقام الّذي يرغبون إليه الخلق كلهم ليشفع لهم إلى ربهم ليفصل بينهم، وهذه خصوصية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 276 ليست إلى الأمة من البشر كافه فيدخل الجنة فيشفع إلى اللَّه تعالى في ذلك مما جاء في الإجازة الصحاح وهذه هي الشفاعة الأولى التي يختص بها دون غيره من الرسل ثم يكون له بعدها شفاعات من اتخاذ من شاء من أهل الكتاب من النار من أمته. ولكن الرسل يشاركونه في هذه الشفاعة فيشفعون في عصاة أمتهم وكذلك الملائكة يشفعون بل المؤمنون كما في الصحيحين من حديث أبى هريرة وأبى سعيد فيقول تعالى: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين وذكر الحديث. ثم له صلى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك شفاعات أخرى منها شفاعة في جماعة يدخلون الجنة بغير حساب ومنها في ناس وقد استحقوا النار. ومنها أربع شفاعات في أناس دخلوا النار فيخرجون منها، ومنها شفاعة في رفع درجات بعض أهل الجنة، وهذه الشفاعة اتفق عليها أهل السنة والمعتزلة عليها في صحيح البخاري. الرابعة عشرة: أنه أول شافع وأول مشفع صلى اللَّه عليه وسلّم أي أول من تجاب شفاعته خرج مسلم من حديث أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا أول من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع، وأنا أول مشفع. وقد مضى بطرقه. الخامسة عشرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة فإذا أفاق الناس يوم القيامة يكون أولهم إفاقة كما خرجاه في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في قصة اليهودي الّذي قال: لا والّذي اصطفى موسى على العالمين، فلطمه رجل من المسلمين، وترافع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 277 إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة، وذكر الحديث. السادسة عشرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أول من يقرع باب الجنة كما تقدم في ذكر ذلك. السابعة عشرة: اختصاصه صلى اللَّه عليه وسلّم على إخوانه من الأنبياء عليهم السلام بأنه أكملهم وسيدهم وخطيبهم وإمامهم وخاتمهم فما من نبي إلا وقد أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمن به ولينصره، وأمر أن يأخذ على أمته الميثاق فلذلك قال اللَّه تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. فقوله تعالى: لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مصدقا بعد هذا كله فعليكم الإيمان به ونصرته وإذا كان هذا الميثاق شاملا لكل منهم تضمن أخذه صلى اللَّه عليه وسلّم من جميعهم هذه خصوصية ليست لأحد سواه وتقدم الكلام في ذلك مجودا. الثامنة عشرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطى جوامع الكلم وقد تقدم في ذلك قول الهروي يعنى بجوامع الكلم القرآن في جمع اللَّه في الألفاظ اليسيرة المعاني الكثيرة، وكلامه صلى اللَّه عليه وسلّم كان قليل اللفظ كثير المعاني وقال ابن شهاب: جوامع الكلم أن اللَّه يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمر من نحو ذلك . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 278 التاسعة عشر: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أكثر الأنبياء أتباعا وقد تقدم ذكر هذا. العشرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطى جوامع الكلم ومفاتيح الكلم وقد تقدم ذكر ذلك أيضا. الحادية والعشرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطى مفاتيح خزائن الأرض كما خرجه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة وخرجه الإمام أحمد من حديث على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ولفظه أوتيت مقاليد الدنيا على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس. وقد مضى هذا المعنى أيضا. الثانية والعشرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أوتى الآيات الأربع من آخر سورة البقرة وأصل هذا في صحيح مسلم من حديث حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقد تقدم طرق من ذلك. الثالثة والعشرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لا ينام قلبه وكذلك الأنبياء عليهم السلام وتقدم ذكر هذا . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 279 الرابعة والعشرون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يرى من ورائه كما يرى من أمامه والأحاديث الواردة في ذلك مقيدة بحال الصلاة، كما تقدم ذكره عند ذكر المعجزات. الخامسة والعشرون: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يرى ما لا يرى الناس حوله كما يرى في الضوء وقد تقدم ذلك مجودا. السادسة والعشرون: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تطوعه بالصلاة قاعدا كتطوعه قائما وإن لم يكن عذر، وتطوع غيره قاعدا على النصف من صلاته قائمة قال صاحب (التلخيص) : وثقة الرافعي وأنكره القفال وقال: لا يعرف هذا، بل هو كغيره، وعدّ القضاعي هذه الخصوصية مما حظي به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء من قبله. السابعة والعشرون: أن المصلى يخاطبه في صلاته إذا تشهد بقوله في تشهده السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، ولا يجوز أن يخاطب أحد سواه . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 280 الثامنة والعشرون: لا يجوز لأحد التقدم بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولا يرفع صوته فوق صوته ولا يجهر له بالقول ولا يناديه من وراء حجراته قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ* إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. ومعنى الآية يا أيها الذين آمنوا اجعلوا الرسول يبدأ في الأقوال والأفعال ولا تعجلوا بقول أو فعل قبل أن يفعل، عن ابن عباس معناها: لا تقطعوا أمرا إلا بعد أن يحكم به ويأذن فيه. التاسعة والعشرون: لا يجوز لأحد أن يناديه صلى اللَّه عليه وسلّم باسمه فيقول: يا أحمد، يا محمد، ولكن يقول: يا نبي اللَّه، يا رسول اللَّه، قال اللَّه تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً. الثلاثون: شعره صلى اللَّه عليه وسلّم طاهر وهذا إنما يكون من الخصائص إذا حكمنا بنجاسة شعر من سواه المنفصل عنه في حال الحياة، وهو أحد الوجهين وكذلك بوله، ودمه، وسائر فضلاته، كلها طاهرة على أحد الوجهين لأصحابنا، وينبغي اختياره، وقد صحح القاضي حسين، وقال في (الروضة) : وكان ليستشفى ويتبرك ببوله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 281 ودمه، وليس [فقط] بنخامته، وبريقه، وفضل وضوئه، وفي كون ذلك من الخصائص نظرا لا يخفى في الظاهر من صاحب (الروضة) . الحادية والثلاثون: أن من دنا بحضرته صلى اللَّه عليه وسلّم أو استهان به كفر جزم به الرافعي وقاله النووي في (الروضة) . الثانية والثلاثون: يجب على المصلى إذا دعاه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن يجيبه ولا تبطل صلاته وليس هذا لأحد سواه اللَّهمّ إلا ما حكاه الأوزاعي عن شيخه مكحول أنه كان يوجب إجابة الوالدة في الصلاة، حديث الراهب [جريج] الّذي قال لما سمع نداء أمه وهو يصلى: اللَّهمّ أمى وصلاتي ثم مضى في صلاته فلما كان المرة الثانية فعل بمثل ذلك ثم الثالثة فدعت عليه فاستجاب اللَّه لها فيه وعاقبه كما ذكر في صحيح البخاري وغيره. الثالثة والثلاثون: أولاد بناته صلى اللَّه عليه وسلّم ينتسبون إليه وأولاد بنات غيره لا ينتسبون إليه ودليله ما خرجه البخاري من طريق ابن عيينة، وفيه قوله صلى اللَّه عليه وسلّم للحسن وقد مال عليه وهو صغير: لا تزرموا ابني، وقصة المباهلة. وهذه الخصوصية عدها صاحب (التلخيص) من الخصوصيات . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 282 الرابعة والثلاثون: أن كل نسب وحسب فإنه ينقطع نفعه يوم القيامة إلا نسبه وحسبه وصهره صلى اللَّه عليه وسلّم قال اللَّه تعالى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ. وقال الإمام أحمد بسنده عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: فاطمة بضعة منى إلى أن قال وأن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وصهري، وهذا الحديث في الصحيحين عن المستورد بن مخرمة بلفظ آخر. الخامسة والثلاثون: تحريم ذرية ابنته فاطمة على النار خرج الحاكم بسنده عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم اللَّه ذريتها على النار. قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قال كاتبه: وهذه الخصوصية لم أر أحدا عدها، وهي مما ينبغي إلحاقه في خصائص المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم. السادسة والثلاثون: الجمع بين اسمه وكنيته يجوز التسمي باسمه صلى اللَّه عليه وسلّم بل خلاف وفي جواز التكني بكنيته أقوال للعلماء: أحدها: المنع من ذلك مطلقا، وهو مذهب الإمام الشافعيّ، حكاه عنه البيهقي، والبغوي، وأبو القاسم بن عساكر الدمشقيّ، قال الشافعيّ: وليس لأحد أن يكنى بأبي القاسم سواء كان أسمه محمدا أم لا. الثاني: وهو مذهب مالك، أباحه مطلقا لمن كان اسمه محمدا ولغيره، وقد قيل: النهى مختص بحياته صلى اللَّه عليه وسلّم وإليه ذهب القاضي عياض . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 283 السابعة والثلاثون: أن من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه لا يقبل هدية مشرك، ولا يستعين به وقد تقدم ذلك في المغازي وغيرها. الثامنة والثلاثون: كانت الهدية له صلى اللَّه عليه وسلّم حلالا وغيره من الحكام والولاة لا يحل لهم قبول الهدية من رعاياهم ذكره النووي في (الروضة) . التاسعة والثلاثون: عرض عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الخلق كلهم من آدم عليه السلام إلى من بعده كما علّم أدم أسماء كل شيء ذكره العراقي في شرح (المهذب) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 284 الأربعون: فاتته صلى اللَّه عليه وسلّم ركعتان بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم داوم عليها بعده خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من طريق عبد اللَّه بن وهب أخبره عمرو وهو ابن الحارث عن بكير عن كريب مولى ابن عباس أن عبد اللَّه بن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد الظهر وقل لها: أنا أخبرنا أنك تصلينها، وقد بلغنا أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم نهى عنها قال ابن عباس: وكنت اصرف الناس مع عمر بن الخطاب عنها: قال كريب: فدخلت عليها وبلغتها بما أرسلونى به: فقالت: سل أم سلمة فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلونى به إلى عائشة: فقالت أم سلمة رضى اللَّه عنها: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ينهى عنها ثم رأيته يسليهما أما حين صلاهما فإنه صلى العصر، ثم دخل على وعندي نسوة من بنى حرام من الأنصار، فصلاهما فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه فقولي له: تقول لك أم سلمة: يا رسول اللَّه إني سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخرى عنه فلما انصرف قال: يا ابنة أبى أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر، أنه أتانى ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان.   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 136، كتاب السهو، باب (8) إذا كلم وهو يصلى فاشار بيده واستمع، حديث رقم (1233) ، 8/ 108، كتاب المغازي، باب (70) حديث رقم (4370) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 367- 369، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (54) معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بعد العصر، حديث رقم (834) ، (835) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 285 وله من حديث إسماعيل بن جعفر: أخبرنى محمد بن أبى حرملة، أخبرنى أبو سلمة، أنه سأل عائشة رضى اللَّه عنها عن السجدتين اللتين كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يصليهما بعد العصر فقالت: كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها. قال: يحيى بن أيوب: قال إسماعيل: يعنى دوام عليهما. وذلك من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم على أصح الوجهين عند أصحابنا. ذكره النووي في (الروضة) [ (1) ] وقيل   [ (1) ] قال الإمام النووي في (الروضة) : ولو فاتته راتبة أو نافلة اتخذها وردا، فقضاهما في هذه الأوقات، فهل له المداومة على مثلها في وقت الكراهة؟ وجهان: أحدهما: نعم، للحديث الصحيح أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فاته ركعتا الظهر، فقضاهما بعد العصر، وداوم عليهما بعد العصر من حديث أم سلمة أنه صلى اللَّه عليه وسلّم دخل بيت أم سلمة بعد صلاة العصر فصلى ركعتين، فسألته عنهما. فقال: أتانى ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان. متفق عليه، وفي الجامع الصحيح للبخاريّ من حديث أم سلمة: ما ترك النبي صلى اللَّه عليه وسلّم السجدتين بعد العصر عندي قط. وأصحهما: لا. وتلك الصلاة من خصائص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. والصلاة المنهي عنها في هذه الأوقات، يستثنى منها زمان، ومكان. أما الزمان، فعند الاستواء يوم الجمعة، ولا يلحق به باقي الأوقات يوم الجمعة على الأصح. فإن ألحقنا، جاز التنفل يوم الجمعة في الأوقات الخمسة لكل أحد. وإن قلنا بالأصح، فهل يجوز التنفل لكل أحد عند الاستواء؟ وجهان. أصحهما: نعم. والثاني، لا يجوز لمن ليس في الجامع. وأما من في الجامع، ففيه وجهان. أحدهما: يجوز مطلقا. والثاني: يجوز بشرط أن يبكر، ثم يغلبه النعاس. وقيل: يكفر النعاس بلا تبكير. وأما المكان- فمكة زادها اللَّه شرفا- لا تكره الصلاد فيها في شيء وفي هذه الأوقات، سواء صلاة الطواف، وغيرها. وقيل: إنما يباح ركعتا الطواف. والصواب، الأول. والمراد بمكة، جميع الحرم. وقيل: إنما يستثنى نفس المسجد الحرام. والصواب المعروف هو الأول. (روضة الطالبين) : 1/ 304، كتاب الصلاة، فصل في الأوقات المكروهة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 286 بل لغيره صلى اللَّه عليه وسلّم أن يداوم عليهما وقال أبو ألوفا بن عقيل: كان مخصوصا بالصلاة في الأوقات المنهي عنها كالوصال ونقل ابن الجوزي عن الأثرم أنه قال: حديث عائشة خطأ لأنه روى عنها أنه كان يصليهما بعد الظهر فشغله قوم   [ () ] وقال الإمام الزركشي في (إعلام المساجد) وقد ذكر خصائص المسجد الحرام وأحكامه: إن الصلاة يحرم فعلها في الأوقات الخمسة، عند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وعند الاستواء حتى تزول، وعند الاصفرار حتى تغرب، وبعد صلاة الصبح إلى الطلوع، وبعد صلاة العصر الى الغروب، لما في الصحيح من النهى عن ذلك، ويستثنى حرم مكة، ففي (السنن الأربعة) من حديث جبير بن مطعم: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يا بنى عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وفي رواية: لا صلاة بعد الصبح إلا بمكة، والمراد جميع الحرم- والمعنى زيادة الفضل في تلك الأماكن، فلا يحرم المقيم هناك من استكثارها. وروى أبو الحسن على بن الجعد عن سفيان بن سعيد، عن ابن جريج عن أبى مليكة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم، طاف بعد العصر فصلى ركعتين. هذا هو الصحيح. وذكر ابن أبى شبيبة في مصنفة فيما أفرده في الرد على أبى حنيفة في الفجر وصلى ركعتين قبل طلوع الشمس. وعن عطاء قال: رأيت ابن عمر، وابن عباس طافا بعد العصر وصليا. وعن ليث عن أبى سعيد أنه رأى الحسن والحسين قدما مكة، قطافا بالبيت بعد صلاة العصر ويصلى حتى تصفار الشمس. وعن عطاء: رأيت ابن عمر وابن الزبير طافا بالبيت قبل صلاة الفجر ثم صليا ركعتين قبل طلوع الشمس. (إعلام الساجد بأحكام المساجد) : 105- 107 ، (مصنف ابن أبى شيبة) 7/ 310 مسألة رقم (36360) ، (36361) ، (36362) ، (36363) ، (36364) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 123- 124، حديث رقم (24024) ولفظة أنه أتى عائشة أم المؤمنين فسلم عليها فقالت: من الرجل؟ قال: أنا عبد اللَّه مولى غطيف بن عازب فقالت: ابن عفيف؟ فقال: نعم يا أم المؤمنين. فسألها عن الركعتين بعد صلاة العصر أركعهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ قالت له: نعم. وسألها عن ذراري الكفار؟ فقلت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: هم مع آبائهم، فقالت: يا رسول اللَّه بلا عمل؟ قال: اللَّه عز وجل أعلم بما كانوا عاملين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 287 فصلاهما بعد العصر مرة واحدة. الحادية والأربعون: هل كان صلى اللَّه عليه وسلّم يحتلم؟ على وجهين صحح النووي المنع ويشكل عليه ما خرجاه في صحيحهما [ (1) ] من حديث عائشة رضى اللَّه عنها كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يصبح جنبا من جماع من غير احتلام ثم يغتسل ويصوم، والأظهر في هذا التفصيل وهو أن يقال: أن الاحتلام فيض من البدن فلا مانع من هذا وإن أريد به ما يتحصل من تلاعب الشيطان فهو صلى اللَّه عليه وسلّم معصوم من ذلك، ولهذا لا يجوز عليه الجنون ويجوز عليه الإغماء بل قد أغمى عليه في الحديث الّذي روته عائشة في الصحيح وفيه أنه اغتسل من الإغماء غير مرة وعن القاضي حسين أن حكى عن الداركى أن الإغماء انما يجوز على الأنبياء ساعة أو ساعتين فأما الشهر والشهران فلا، وفي الطبراني من حديث ابن عباس يرفعه ما احتلم نبي قط إنما الاحتلام من الشيطان وقد ضعف هذا الحديث واللَّه أعلم [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 192، كتاب الصوم، باب (25) اغتسال الصائم، حديث رقم (1930) ، (1931) ، (1932) . (مسلم بشرح النووي) : 7/ 227- 231، كتاب الصيام، باب (13) صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، حديث رقم (75) ، (76) ، (77) ، (78) ، (79) ، (80) . قولها: «كان يصبح جنبا من غير حلم» هو بضم الحاء، وبضم اللام وإسكانها، وفيه دليل لمن يقول بجواز الاحتلام للأنبياء، وفيه خلاف قدمناه، الأشهر امتناعه. قالوا: إنه من تلاعب الشيطان، وهم منزهون عنه. ويتأولون هذا الحديث على أن المراد يصبح جنبا من جماع، ولا يجنب صلى اللَّه عليه وسلّم من احتلام لامتناعه منه، ويكون قريبا من معنى قول اللَّه تعالى: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ. ومعلوم أن قتلهم لا يكون بحق. (تفسير ابن كثير) : 1/ 229، عند تفسير قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [البقرة: 187] . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 288   [ () ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 2/ 329، باب (79) في الرجل يصبح وهو جنب، يغتسل ويجزئه صومه، حديث رقم (9569) ، (9570) ، (9577) . (مسند أحمد) : 7/ 55، حديث رقم (23554) ، من حديث السيدة عائشة رضى اللَّه عنها 263- 264، حديث رقم (24981) ، من حديث السيدة عائشة رضى اللَّه عنها 349، حديث رقم (25551) ، من حديث السيدة عائشة رضى اللَّه عنها، 412، حديث رقم (25945) ، من حديث السيدة عائشة رضى اللَّه عنها، 439، حديث رقم (26108) ، من حديث أم سلمة رضى اللَّه عنها، 442، حديث رقم (26126) . (سنن ابن ماجة) : 1/ 544، كتاب الصيام، باب (27) ما جاء في الرجل يصبح جنبا وهو يريد الصيام، حديث رقم (1704) ، (سنن النسائي) : 1/ 116، كتاب الطهارة، باب (123) باب ترك الوضوء مما غيرت لنار، حديث رقم (183) قال الإمام السندي: قوله: من غير احتلام «للتنصيص على أن الجنابة الاختيارية لا تفسد الصوم، فضلا عن الاضطرارية. (حاشية السندي على سنن النسائي) . (سنن البيهقي) : 4/ 214، كتاب الصيام، باب من أصبح جنبا في شهر رمضان. (تاريخ بغداد) : 7/ 373، في ترجمة الحسن بن على حمصة، رقم (3895) ، 9/ 439، في ترجمه عبد اللَّه بن الحسن الهاشمي، رقم (5059) . [ (2) ] قال في (الشفاء) : والكلام في عصمة نبينا عليه الصلاة والسلام وسائر الأنبياء صلوات اللَّه عليهم، قال القاضي أبو الفضل- وفقه اللَّه- أعلم أن الطوارئ من التغيرات والآفات على آحاد البشر، لا يخلو أن يطرأ على جسمه أو على حواسه بغير قصد واختيار. كالأمراض والأسقام أو تطرأ بقصد واختيار، وكله في الحقيقة عمل وفعل، ولكن جرى رسم المشايخ بتفصيله إلى ثلاثة أنواع: عقد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، وجميع البشر تطرأ عليهم الآفات، والتغيرات بالاختيار وبغير الاختيار في هذه الوجوه كلها، والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم وإن كان من البشر ويجوز على جبلته ما يجوز على جبلة البشر، فقد قامت البراهين القاطعة، وتمت كلمة الإجماع على خروجه عنهم، وتنزيهه عن كثير من الآفات التي تقع على الاختيار وغير الاختيار. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 289   [ () ] قال القاضي عياض: واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الشيطان وكفايته منه، لا في جسمه بأنواع الأذى، ولا على خاطره بالوسواس، وقد أخبرنا القاضي الحافظ أبو على رحمه اللَّه قال: حدثنا أبو الفضل بن خيرون العدل، حدثنا أبو بكر البرقاني وغيره، حدثنا أبو الحسن الدار قطنى، حدثنا إسماعيل الصافر، حدثنا عباس الترقفي، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن منصور، عن سالم بن أبى الجعد، عن مسروق، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا: وإياك يا رسول اللَّه؟ قال: وإياي، ولكن اللَّه تعالى أعاننى عليه فأسلم. قال: قال أئمتنا في ذلك إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم غير معصوم من الأمراض وما يكون من عوارضها، من شدة وجع، وغش، ونحوه مما يطرأ على جسمه، معصوم أن يكون منه القول أثناء ذلك ما يطعن في معجزته، ويؤدى إلى فساد في شريعته من هذيان أو اختلال في كلام، وعلى هذان لا يصح ظاهر رواية من روى في الحديث هجر إذ معناه هذي، أي حديث قوله صلى اللَّه عليه وسلّم وقد غلبه الوجع: آتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي أبدا، فتنازعوا، فقالوا: ما له؟ أهجر ....... الحديث (الشفا) : 100- 170، بتصرف واختصار. وقال موفق الدين بن قدامة: ولا يجب الغسل على المجنون والمغمى عليه إذا أفاقا من غير احتلام، ولا أعلم في هذا خلافا. قال ابن المنذر: ثبت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اغتسل من الإغماء، وأجمعوا على أنه لا يجب، ولأن زوال العقل في نفسه ليس بموجب للغسل (المغنى) : 1/ 135، مسألة رقم (229) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 290 [الثانية والأربعون: من رآه صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام فقد] رآه حقا وإن الشيطان لا يتمثل في صورته خرج البخاري [ (1) ] من طريق يونس، عن الزهري، حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بى، ومن طريق الزهري قال أبو سلمة: «قال أبو قتادة: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من رآني فقد رأى الحق» وخرجه مسلم [ (2) ] من طريق ابن وهب، قال: أخبرنى يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، أو فكأنما رآني في اليقظة لا يتمثل الشيطان بى. وقال: فقال أبو سلمة: قال أبو قتادة: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من رآني فقد رأى الحق.   [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 473- 474، كتاب التعبير، باب (10) من رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام، حديث رقم (6993) ، (6996) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 29- 30، كتاب الرؤيا، باب (1) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم «من رآني في المنام فقد رآني» ، حديث رقم (2266) ، (2267) . (سنن أبى داود) : 5/ 258، كتاب الأدب، باب (96) ما جاء في الرؤيا، حديث رقم (5023) . (سنن ابن ماجة) : 2/ 1284، كتاب تعبير الرؤيا، باب (2) رؤية النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام، حديث رقم (3900) ، (3901) ، (3902) ، (3903) ، (3904) ، (3905) . (المستدرك) : 4/ 435، كتاب تعبير الرؤيا، حديث رقم (8186) . (شمائل الترمذي) : 347، باب (57) ما جاء في رؤية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام، حديث رقم (407) ، (408) ، (409) ، (411) ، (414) ، (415) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 291 وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث ابن شهاب عن عمه محمد بن شهاب قال: حدثني أبو سلمة قال: قال أبو قتادة: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من رآني فقد رأى الحق. وخرج البخاري [ (2) ] من حديث الليث، حدثني ابن الهاد عن عبد اللَّه بن خباب عن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكوننى. وله من حدثنا عبد العزيز بن مختار ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بى، ورؤيا للمؤمن جزء من سنة وأربعين جزءا من النبوة، ولمسلم [ (3) ] من طريق الليث، عن أبى الزبير، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: من رآني في المنام فقد رآني، إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي، وقال: إذا حلم أحدكم فلا يخبر أحدا بتلعب الشيطان به في المنام. ومن طريق زكريا بن إسحاق، قال: حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد اللَّه يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من رآني في المنام فقد رآني فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بى.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 456، حديث رقم (11129) . [ (2) ] (فتح الباري) : 120/ 473، كتاب التعبير، باب (10) من رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام ن حديث رقم (6997) ، (6994) . وذكره الإمام أحمد في (مسندة) : 2/ 31، حديث رقم (4292) ، (462) ، حديث رقم (7128) ، 514 حديث رقم (7500) ، 3/ 14، حديث رقم (8303) ، 132 حديث رقم (9061) ، 133 حديث رقم (9069) ، 157 حديث رقم (9204) ، 255 حديث رقم (9650) ، 235 حديث (9713) ، 242 حديث رقم (9759) ، 4/ 173 حديث رقم (13437) ، 315، حديث رقم (14365) ، (سنن الترمذي) : 4/ 465، كتاب الرؤيا، باب (6) ما جاء في تعبير الرؤيا، حديث رقم (2279) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 31، كتاب الرؤيا، باب (1) ، حديث رقم (12) ، (13) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 292 وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة، عن ابن سيرين، عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: الرؤيا ثلاث: فرؤيا حق، ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان. فمن رأى ما يكره فليقم فليصل، وكان يقول: يعجبني القيد وأكره الغل: القيد: ثبات في الدين، وكان يقول: من رآني أنا هو فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بى، وكان يقول: لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وخرج مسلم من طريق حماد بن زيد، حدثنا أيوب وهشام عن محمد، عن أبى هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بى. وللطبراني في (أوسط معاجمه) من حديث أبى سعيد الخدريّ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بى ولا بالكعبة، ثم قال: لا نحفظ هذه اللفظة إلا لهذا الحديث، واعلم أن صورة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم التي شاهدها الحس مع قوته في المدينة، وأما صورة روحه ولطيفته فما شاهدها أحد وكل روح بهذه المثابة لم يشاهدها أحد ولا من نعته، بل يتجسد للرائي روح النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام بصورة حسنة من غير أن يحرم شيئا، فهو محمد صلى اللَّه عليه وسلّم المرئي من حيث روحه في جسد صورة جسدية تشبه إلى رؤيته، ولا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى اللَّه عليه وسلّم عصمة من اللَّه تعالى في حق الرائي، ولهذا من يراه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره به، أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل. أو ما كان فان اعطى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الرائي شيئا فإن ذلك الوقت هو الّذي يدخله التعبير، فان خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها.   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 465، كتاب الرؤيا، باب (6) ، حديث رقم (2280) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 293 قال القاضي أبو بكر قوله: فإن الشيطان لا يتمثل به معناه أن رؤياه صحيحة، وليست بأضغاث [ (1) ] وقال آخرون: معناه رآه حقيقة. قال القاضي عياض: ويحتمل أن يكون المراد ما إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته فإن رآه على خلافها، كانت رؤيا تقاويل لا رؤيا حقيقة. قال بعض العلماء: خص صلى اللَّه عليه وسلّم بأن رؤيته في المنام صحيحة ومنع الشيطان أن يتمثل في خلقة لئلا يكذب على لسانه في النوم، كما منعه أن يتصف في صورته في اليقظة إكراما له، فإذا تقرر ذلك فما سمعه الرائي منه في المنام، مما يتعلق بالأحكام لا يعمل به لعدم ضبط الرائي لا للشك في الرؤيا فإن الخبر لا يقبل إلا من ضابط مكلف والنائم بخلافه هنا ما ذكره القاضي حسين في فتاويه في مسألة صيام رمضان، وذكره أيضا جماعة من الأصحاب وجزم به النووي في (الروضة) من زوائده في أوائل النكاح في الكلام على الخصائص ونقل القاضي عياض الإجماع عليه [ (2) ] . ونقل النووي أيضا في (شرح مسلم) في باب بيان أن الإسناد من الدين عن أصحابنا وغيرهم أنهم نقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع ثم قال: وهذا في مقام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما يحكم به أما إذا راء مرة يفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه من منهيّ عنه أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا خلاف في استجاب العمل على وقفه لان ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل بما تقرر من أصل ذلك الشيء [ (3) ] .   [ (1) ] الأضغاث: جمع ضغث وهو الحلم الّذي لا تأويل له، ولا خير فيه، وهي الأحلام المختلطة التي دخل بعضها في بعض (اللسان) : 2/ 163. [ (2) ] (روضة الطالبين) : 5/ 361، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 1/ 230، المقدمة، باب (5) بيان أن الإسناد من الدين، حديث رقم (7) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 294 نعم عن فتاوى عن الحكم فأفتاه بخلاف مذهبه وليس مخالفا ولا إجماعا فقال: فيه وجهان أحدهما: يأخذ بقوله لأنه مقدم على القياس وثانيهما، لا لأن القياس دليل والأحلام لا يعول عليها فلا يترك من أجلها الدليل ومن كتاب (الجدل) الأستاذ ابى إسحاق الأسفرايني حكاية وجهين في أن الرجل لو رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام وأمره بأمر هل يجب عليه امتثاله إذا استيقظ وجهين أيضا في وجوب التمسك بالحلم من حديث هو في الحالة المذكورة ومن (روضة الحكام) للقاضي شريح من أصحابنا: لو كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لفلان: صلى فلان كذا هل للسامع أن يشهد لفلان صلى فلان كذا وجهان. وقد عد القضاعي هذه الخصوصية مما خص به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دون غيره من الأنبياء وعبر بقوله أنه حرم على الشيطان أن يتمثل به صلى اللَّه عليه وسلّم. *** الجزء: 10 ¦ الصفحة: 295 الثالثة والأربعون: أن الأرض لا تأكل لحوم الأنبياء خرج الإمام أحمد [ (1) ] من طريق حسين بن على الجعفي، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبى الأشعث، عن أوس بن أوس الثقفي، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه الصعقة، فأكثروا على من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة على، قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون: بليث فقال: إن اللَّه عز وجل حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء» . وخرجه أبو داود [ (2) ] ومسلم [ (3) ] والنسائي [ (4) ] إلا انهما قالا: إن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل أجسام الأنبياء ولم يقل أبو داود أن تأكل، وعن أبى العالية إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض ولا تأكلها السباع.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 577. حديث رقم (15729) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 1/ 635، كتاب الصلاة، باب (207) فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، حديث رقم (1047) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 390، كتاب الجمعة، باب (5) فضل يوم الجمعة، حديث رقم (854) . [ (4) ] (سنن النسائي) : 3/ 101- 102، (5) إكثار الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يوم الجمعة، حديث رقم 1373. وأخرجه أيضا ابن ماجة في (السنن) : كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب (79) في فضل الجمعة، حديث رقم (1085) . وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 604- 605، كتاب الأهوال، حديث رقم (8681) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 296 الرابعة والأربعون: أن الكذب عليه صلى اللَّه عليه وسلّم ليس كالكذب على غيره فقد تواتر عنه صلى اللَّه عليه وسلّم إن من كذب عليه متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار. روى هذا الحديث من طريق نيف وثمانين صحابيا وهو في الصحيحين [ (1) ] من حديث على بن أبى طالب، وأنس بن مالك، وأبى هريرة، والمغيرة بن شعبة. وعند البخاري من رواية الزبير بن العوام وسلمة بن الأكوع وعبد اللَّه ابن عمرو بن العاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ولفظ بلغوا عنى ولو آيه، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار. وفي (مسند الإمام أحمد) [ (2) ] عن عثمان بن عفان، وعبد اللَّه بن عمر ابن الخطاب وأبى سعيد الخدريّ، وسلمة بن الأسقع وزيد بن أرقم رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.   [ () ] وأخرجه أيضا البيهقي في (السنن الكبرى) : 3/ 248- 249، كتاب الجمعة، باب ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها من كثرة الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، (كنز العمال) : 8/ 368، فضل في صلاة الجمعة وما يتعلق بها، حديث رقم (23301) ، (البداية والنهاية) : 5/ 297، ما أصاب المسلمين من المصيبة بوفاته صلى اللَّه عليه وسلّم (المصنف) : 2/ 254، 792 في ثواب الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (8697) ، (ميزان الاعتدال) : 2/ 99، حديث رقم (2991) . [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 267، كتاب العلم، باب (38) إثم من كذب على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (107) ، (108) ، (109) ، (110) ، 10/ 707، كتاب الأدب، حديث (6197) و (مسلم بشرح النووي) : 1/ 181- 187 المقدمة، باب (2) تغليظ الكذب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] (المسند) : 3/ 442، حديث رقم (10951) ، (11032) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 297 وعند الترمذي [ (1) ] عن عبد اللَّه بن مسعود ورواه بن ماجة [ (2) ] عن جابر بن عبد اللَّه، وابى قتادة، وقد صنف فيه جماعة من الحفاظ كإبراهيم الحربي ويحيى ابن صاعد والطبراني والبزار وابن مندة وغيرهم من المتقدمين وصنف فيه أبو الفرج بن الجوزي ويوسف بن خليل من المتأخرين وصرح بتواتره ابو عمرو بن الصلاح وأبو زكريا النووي وغيرهما من حفاظ الحديث وهو الحق   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 34- 35، كتاب العلم، باب (8) ما جاء في تعظيم الكذب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 13- 14 المقدمة، باب (4) التغليظ في تعمد الكذب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (30) ، (31) ، (32) ، (33) ، (34) ، (35) ، (36) ، (37) ، 345، حديث رقم (1085) ، 524، حديث رقم (1636) . (الموضوعات) 1/ 90- 91، (الكامل لابن عدي) : 1/ 6- 13 وأخرجه علاء الدين الهندي في (كنز العمال) : 10/ 233، حديث رقم (29229) ، (29230) ، (29231) ، (29232) وأخرجه أيضا الطحاوي في (مشكل الآثار) : 1/ 169. وقال في هامش (المصنوع في معرفة الحديث الموضوع) : وقال الحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» 3: 980، في ترجمة أبى بكر المفيد (محمد بن أحمد محدث جرجرايا) «قرأت على أحمد بن سباع، وأنا عتيق بن أبى الفضل سنه 641، أنا أبو القاسم الحافظ، أنا أبو غالب بن البناء وأخوه يحيى، قالا: أنا الحسن بن غالب المقري، أنا محمد بن أحمد المفيد. بجرجرايا إملاء أنا عثمان بن الخطاب، سمعت عليا، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: من كذب على متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار هذا مما لا أفرح يعلوه، لعلمه بأن هذا الكذب ما رأى عليا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أصلا، ولا واللَّه رأى من رآه» . وأخرجه أيضا أبو داود في (السنن) : 4/ 63، كتاب العلم، باب (4) التشديد في الكذب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. وأخرجه أيضا النسائي في (السنن) : باب (4) ذكر فضل يوم الجمعة، (5) إكثار الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يوم الجمعة، حديث رقم (1373) . وأخرجه أيضا أبو داود في (السنن) : 1/ 635، كتاب الصلاة، باب (207) فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، حديث رقم (1047) ، 2/ 184، حديث رقم (1531) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 298 ولهذا أجمع العلماء على كفر من كذب على الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم تعمدا مستجيزا لذلك واختلفوا في المتعمد فقط فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يكفر أيضا ويخالفه الجمهور ثم لو تاب فهل تقبل روايته على قولين: فأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو بكر الحميدي والصيرفي من أصحابنا قالوا: لا تقبل توبته ولا روايته لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم إن كذبا على ليس ككذب على أحد، من كذب على فليتبوَّأ مقعده من النار قالوا: ومعلوم أن من كذب على غيره فقد أثم وفسق، وكذلك الكذب عليه صلى اللَّه عليه وسلّم لكن من تاب عن الكذب على غيره تقبل بالإجماع توبته، فينبغي أن لا تقبل توبته من كذب عليه صلى اللَّه عليه وسلّم ولا روايته فرقا بين الكذب عليه والكذب على غيره وأما الجمهور فقال: إن تاب قبلت توبته وروايته وهذا هو الصحيح واللَّه اعلم. الخامسة والأربعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان معصوما في أقواله وأفعاله ولا يجوز عليه التعمد ولا الخطأ الّذي يتعلق بأداء الرسالة ولا بغيرها فيقدر عليه [قال تعالى] [ (1) ] وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى فلهذا قال كثير من العلماء: لم يكن له الاجتهاد لأنه قادر على النص وقال آخرون: بل لا يقدر عليه فعلى الأقوال كلها هو واجب العصمة لا يتصور استمرار الخطأ عليه بخلاف أمته فإنه يجوز ذلك على كل واحد منهم منفردا فأما إن اجتمعوا كلهم على قول واحد فلا يجوز عليهم الخطأ كما تقدم. قال الماوردي في (تفسيره) : قال ابن أبى هريرة: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا يجوز عليه الخطأ ويجوز على غيره من الأنبياء لأنه خاتم النبيين فليس بعده من يستدرك الخطأ بخلافهم فلذلك عصمه اللَّه تعالى منه وقال الإمام الحق الحق: إنه لا يخطئ في اجتهاده صلى اللَّه عليه وسلّم.   [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 299 واختار الآمدي وابن الحاجب أنه يجوز عليه بشرط أن لا يقره عليه ونقله المدى من أكثر أصحابنا والحنابلة وأصحاب الحديث واحتج عليه بأشياء [ (1) ] . السادسة والأربعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم حي في قبره وكذلك الأنبياء عليهم السلام وقد أفرد الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي في ذلك جزءا حاصله أنه خرج من طريق أبى احمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا قسطنطين بن عبد اللَّه الرومي أخبرنا الحسين بن عرفه العبديّ قال: حدثني الحسن بن قتيبة المدائني أخبرنا مسلم بن سعيد الثقفي عن الحجاج بن الأسود عن ثابت البناني عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. قال البيهقي: هذا الحديث يعد في أفراد الحسن بن قتيبة المدائني أبو على، له أحاديث غرائب حسان وأرجو أنه لا بأس به. قال البيهقي: وقد روى عن يحيى بن أبى بكر عن المسلم بن سعيد فذكره من طريق ابى يعلى الموصلي قال ابن على المسلم: عن الحجاج فذكره.   [ (1) ] قال القاضي عياض: وأما وفور عقله، وذكاء لبه، وقوة حواسه وفصاحة لسانه، واعتدال حركاته، وحسن شمائله، فلا حرمة أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان أعقل الناس وأذكاهم، ومن تأمل تدبيره أمر بواطن الخلق وظواهرهم، وسياسة العامة والخاصة، مع عجيب شمائله وبديع سيره، فضلا عما أفاضه من العلم، وقرره من الشرع، دون تعلم سبق، ولا ممارسة تقدمت، ولا مطالعة للكتب منه، لم يمتر في رجحان عقله، وثقوب فهمه لأول بديهة، وهذا مما لا يحتاج إلى تقريره لتحققه (الشفا) : 1/ 42. وقد قال وهب بن منبه: قرأت في أحد وسبعين كتابا، فوجدت جميعها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أرجح الناس عقلا، وأفضلهم رأيا وفي رواية أخرى: فوجدت في جميعها أن اللَّه تعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى اللَّه عليه وسلّم إلا كحبة رمل من بين رمال الدنيا (المرجع السابق) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 300 وخرجه البيهقي عن سعيد ثنا عبيد اللَّه بن أبى أحمد النهلي عن أبى المليح عن أنس قال: الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون [ (1) ] .   [ (1) ] وأخرجه الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) : 2/ 187- 191، حديث رقم (6210) وابن عدي في (الكامل) والبيهقي في (حياة الأنبياء) عن الحجاج بن الأسود عن ثابت البناني عن أنس مرفوعا به. وقال البيهقي: «يعد في أفراد الحسن بن قتيبة» . وقال ابن عدي: «وله أحاديث غرائب حسان، وأرجو أنه لا بأس به» كذا قال، ورده الذهبي بقوله: «قلت: بل هو مالك، قال الدار قطنى في رواية البرقاني عنه» متروك الحديث» . وقال أبو حاتم: «ضعيف» . وقال الأزدي: «واهي الحديث:. وقال العقيلي: كثير الوهم. قلت: وأقره الحافظ في «اللسان» ، وبقية رجال الاسناد ثقات، ليس فيهم من ينظر فيه غير الحجاج ابن الأسود، فقد أورده الذهبي في: «الميزان» وقال «نكرة، ما روى عنه- فيما أعلم- سوى مسلم بن سعيد فأتى يخبر منكر عنه، عن أنس في أن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. رواه البيهقي لكن تعقبه الحافظ في (اللسان) ، فقال عقبه» وإنما هو حجاج بن أبى زياد الأسود، يعرف ب (زق العسل) وهو بصرى كان ينزل القسامل. روى عن ثابت وجابر بن زيد، وابى نضرة وجماعة. وعنه جرير بن حازم وحماد بن سلمة وروح بن عبادة واخرون. قال أحمد: ثقة، ورجل صالح، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في (الثقات) فقال: حجاج بن أبى زياد الأسود من أهل البصرة .... وهو الّذي يحدث عنه حماد بن سلمة فيقول: حدثني حجاج بن الأسود قلت: ويتلخض منه أن حجاجا هذا ثقة بلا خوف، وأن الذهبي توهم أنه غيره فلم يعرفه ولذلك استنكر حديثه، ويبدو أنه عرفه فيما بعد، فقد أخرج له الحاكم في (المستدرك) : 4/ 332، حديثا اخر، فقال الذهبي في (تلخيصه) : «قلت: حجاج ثقة» . وكأنه لذلك لم يورده في كتابه (الضعفاء) ولا في (ذيله) . واللَّه اعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 301   [ () ] وجملة القول: أن الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وأن علته إنما هي من الحسن ابن قتيبة المدائني، ولكنه لم يتفرد به، خلافا لما سبق ذكره عن البيهقي، فقال أبو يعلى الموصلي في (مسندة) ثنا أبو الجهم الأزرق بن على، ثنا يحيى بن أبى بكير، ثنا المستلم بن سعيد به. ومن طريق أبى يعلى أخرجه البيهقي قال: أخبرنا الثقة من أهل العلم قال: أنبأ أبو عمرو بن حمدان قال: انبأ أبو يعلى الموصلي ... قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، غير الأزرق هذا قال الحافظ في (التقريب) : صدوق يغرب. ولم ينفرد به فقد أخرجه أبو نعيم في (أخبار أصبهان) من طريق عبد اللَّه بن إبراهيم بن الصباح عن عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن أبى بكير ثنا يحيى بن ابى بكير به أورده في ترجمه ابن الصباح هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وعبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن أبى بكير، فترجمه للخطيب وقال: سمع جده يحيى بن أبى بكير قاضى كرمان ... وكان ثقة فهذه متابعة قوية للأزرق، تدل على أنه قد حفظ ولم يغرب. وكأنه لذلك قال المناوى في (فيض القدير) بعد ما عزا أصله لأبى يعلى: «وهو حديث صحيح» . ولكنه لم يبين وجهه، وقد كفيناك مؤنته، والحمد للَّه الّذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللَّه. هذا. وقد كنت برهة من الدهر ارى أن هذا الحديث ضعيف لظني أنه مما تفرد به ابن قتيبة- كما قال البيهقي- ولم أكن قد وقفت عليه في (مسند أبى يعلى) و (أخبار أصبهان) . فلما وقفت على إسناده فيهما تبين لي أنه إسناد قوى، وأن التفرد المذكور غير صحيح ن ولذلك بادرت إلى إخراجه في هذا الكتاب تبرئه، للذمة، وأداء للأمانة العلمية، ولو أن ذلك قد يفتح الطريق لجاهل أو حاقد إلى الطعن والغمز واللمز، فلست أبالى بذلك ما دمت أنى أقوم بواجب ديني أرجو ثوابه من اللَّه تعالى وحده. فإذا رأيت أيها القاري الكريم في شيء من تأليفى خلاف هذا التحقيق، فاضرب عليه، واعتمد هذا وعض عليه بالنواجذ، فإنّي لا أظن أنه يتسير لك الوقوف على مثله. واللَّه ولى التوفيق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 302 قال: هذا موقوف عن أنس بن أبى ليلى عن ثابت عن أنس عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي اللَّه حتى ينفخ في الصور [ (1) ] . قال البيهقي: وهذا إن صح بهذا اللفظ فالمراد لا يتركون لا يصلون إلا هذا المقدار ثم يكونون مصلين فيما بين يدي اللَّه تعالى ويحتمل أن يكون المراد به رفع أجسادهم مع أرواحهم فقد روى سفيان الثوري في الجامع فقال: قال لنا شيخ: عن سعيد بن المسيب قال: ما مكث نبي في قبره أكثر من أربعين ليلة حتى رفع [ (2) ] .   [ () ] ثم اعلم ان الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنما هي حياة برزخية، ليست من حياة الدنيا في شيء. ولذلك وجب الإيمان بها، دون ضرب الأمثال لها ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا. هذا هو الموقف الّذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد: الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالآراء كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم، إلى ادعاء أن حياته صلى اللَّه عليه وسلّم في قبره حياة حقيقية. قال: يأكل ويشرب وبجامع نساءه!! وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا اللَّه سبحانه وتعالى. وأخرجه ابن حجر في (لسان الميزان) : 2/ 304، حديث رقم (2556) . وأخرجه أيضا أبو عبد الذهبي في (ميزان الاعتدال) 1/ 518، حديث رقم (1933) . وأخرجه أيضا ابن حجر في (المطالب العالية) : 3/ 269 باب حياة الأنبياء في قبورهم يصلون، حديث رقم (3452) . [ (1) ] (كنز العمال) : 11/ 474، فصل في بعض خصائص الأنبياء عموما، حديث رقم (32230) ، وعزاه إلى ابن عساكر في (تاريخه) ، والبيهقي في (حياة الأنبياء) عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، (الموضوعات) : 1/ 303، باب مقدار لبثه في قبره ميتا ولفظه: «ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحا حتى ترد إليه روحه» . قال ابن حبان: هذا حديث باطل موضوع، والحسن بن يحيى منكر الحديث جدا يروى عن الثقات ما لا أصل له. وقال يحيى: الحسن ليس بشيء وقال الدار قطنى: متروك. [ (2) ] (سلسلة الأحاديث الضعيفة) : حديث رقم (201) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 303 قال كاتبه: وقال محمد بن زبالة: حدثني محمد بن حسن، عن إبراهيم ابن عبد الرحمن ابن عبد اللَّه، قال: كنت جالسا عند سعيد بن المسيب، فرآهم يلوذون بقبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: لعلهم يرون أنه فيه ما يرى في قبره أكثر من أربعين ليلة. وحدثني محمد بن حسن عن عثمان عن الحكم بن عيينة عن سعيد مثلة قال البيهقي: فعلى هذا يسيرون كسائر الأحياء يكونون حيث ينزلهم اللَّه تعالى لما روينا في حديث المعراج وغيره أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رأى موسى عليه السلام قائما يصلى في قبره ثم رآه مع سائر الأنبياء في بيت المقدس ثم رآهم في السموات، ولحياة الأنبياء بعد موتهم شواهد من الأحاديث الصحيحة فذكر حديث يزيد بن هارون أن سليمان التيمي عن أنس أن بعض أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أخبره أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ليلة اسرى به مر على موسى وهو يصلى في قبره [ (1) ] . وحديث سفيان الثوري ثنا سليمان عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: مررت على موسى وهو قائم يصلى في قبره [ (2) ] وحديث حماد بن سلمة ثنا سليمان التيمي وثابت عن أنس ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أتيت على موسى ليلة اسرى بى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلى في قبره خرجه مسلم من حديث حماد بن سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما ومن حديث الثوري وعيسى بن يونس وجرير بن عبد الحميد عن التيمي قال المؤلف [ (3) ] .   [ (1) ] سيق تخريج أحاديث الإسراء والمعراج في الجزء الأول من (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا ص 47. [ (2) ] (الكامل لابن عدي) : 5/ 38، ترجمه عمر بن حبيب العدوي رقم (1208) . [ (3) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 304 وخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عبد العزيز بن أبى سلمة عن عبد اللَّه بن الفضل الهاشمي عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لقد رأيتني في الحجر وأنا أخبر قريش عن مسراى، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربا ما كربت مثله قط، فرفعه اللَّه تعالى إليّ انظر إليه ما يسألونى عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلى، وإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى قائم يصلى أقرب الناس منه شبها: عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم يعنى نفسه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقامت الصلاة، فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل: يا محمد هذا مالك صاحب النار، فسلم عليه، فالتفت إليه فبدأني بالسلام. خرجه مسلم من حديث عبد العزيز وفي حديث سعيد بن المسيب لقيهم في مسجد بيت المقدس. وفي حديث أبى ذر ومالك بن صعصعة في قصة المعراج أنه لقيهم في جماعة من الأنبياء في السموات وحكمهم وحكموه وكل ذلك صحيح لا يخالف بعضه بعضا فقد يرى موسى قائما يصلى في قبره ثم أسرى بموسى وغيره إلى بيت المقدس كما أسرى بنبينا فيراهم فيه ثم يعرج بهم إلى السموات كما عرج نبينا فيراهم فيه كما أخبر صلى اللَّه عليه وسلّم فحلوله في أوقات بمواضع مختلفات ثابت، فجائز في العقل كما ورد عن الصادق وفي ذلك دلالة على حياتهم على ذلك فذكر حديث أوس الثقفي أن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء قال: وله شواهد فذكر حديث أبى مسعود يرفعه ليس يصلى على أحد يوم الجمعة إلا عرضت على صلاته [ (2) ] .   [ (1) ] (دلائل النبوة) : 2/ 358- 359، باب الإسراء برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وما ظهر في ذلك من الآيات. [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 457، كتاب التفسير تفسير سورة الأحزاب، حديث رقم (3577) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، فإن أبا رافع هذا هو إسماعيل بن رافع ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : إسماعيل بن رافع أبو رافع: ضعفوه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 305 وحديث أبى أسامة: أكثروا عليّ من الصلاة في كل يوم جمعة فإن صلاة أمتى تعرض عليّ في كل يوم جمعه. وحديث أنس يرفعه وفيه ثم يوكل اللَّه بذلك ملك يدخله في قبري كما تدخل عليكم الهداية يخبرني من صلى على باسمه ونسبه إلى عشيرته. فأثبتته عندي في صحيفة بيضاء. وحديث أبى هريرة وفيه: صلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم وحديثه أيضا يرفعه ما من أحد يسلم على إلا رد اللَّه على روحي حتى أرد عليه السلام [ (1) ] . قال البيهقي: وإنما أراد واللَّه اعلم إلا وقد ردّ اللَّه روحي حتى أرد عليه السلام. وذكره حديث ابن مسعود يرفعه إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغونني من أمتى السلام. وحديث أبى هريرة يرفعه من صلى على عند قبري سمعته ومن صلى على غائبا أبلغته وذكر حديث لا تخيرونى على موسى فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدرى أكان فيما صعق فأفاق قبلي أو كان فيما يستثنى اللَّه فهذا إنما يصح على أن اللَّه تعالى رد إلى الأنبياء أرواحهم وهم أحياء عند ربهم كالشهداء فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعقوا فيما صعق ثم لا يكون ذلك مرئيا في جميع معانيه إلا في ذهاب الاستشعار فإن كان موسى ممن استشنى اللَّه بقوله إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ فلله تعالى لا يذهب باستشعاره في تلك الحالة ويحاسبه اللَّه بصعقة الصور واللَّه أعلم. وقال ابن زبالة: وحدثني يزيد عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من كلمه روح القدس لم يؤذن للأرض أن تأكل من لحمه [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 534، كتاب المناسك، باب (100) زيارة القبور، حديث رقم (2041) ، حديث رقم (2042) ولفظه «لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» [ (2) ] (الدر المنثور) : 1/ 87. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 306 السابعة والأربعون: ما من أحد يسلم عليه صلى اللَّه عليه وسلّم إلا ردّ اللَّه تعالى إليه روحه ليردّ عليه السلام يبلغه صلى اللَّه عليه وسلّم سلام الناس عليه بعد موته ويشهد لجميع الأنبياء بالأداء يوم القيامة قال الماوردي: أما شهادته للأنبياء عليهم السلام فتقدم ذكره وأما السلام عليه: فخرج النسائي من طريق سفيان بن سعيد الثوري عن عبد اللَّه بن السائب عن زاذان عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن للَّه ملائكة سياحين يبلغوني حين يبلغوني عن أمتى السلام [ (1) ] وخرجه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد [ (2) ] . وخرج البيهقي وغيره من حديث أبى عبد الرحمن المقرئ قال ثنا حيوة ابن شريح: عن أبى صخر عن يزيد بن عبد اللَّه بن قسط عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من أحد يسلم عليّ إلا رد اللَّه روحي حتى أرد عليه السلام [ (3) ] .   [ (1) ] (سنن النسائي:) 3/ 50، كتاب السهو، باب (46) السلام على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1281) ، قوله: «سياحين» صفة الملائكة، يقال: ساح في الأرض يسيح سياحة إذا ذهب فيها، وأصله من السيح، وهو الماء الجاري المنبسط على الأرض والسياح بالتشديد كالعلاء، مبالغة فيها. «يبلغوني» من الإبلاغ أو التبليغ، وفيه حث على الصلاة والسلام عليه، وتعظيم له صلى اللَّه عليه وسلّم، وإجلال لمنزلته، حيث سخر الملائكة الكرام لهذا الشأن الفخم. [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 456، كتاب التفسير، تفسير سورة الأحزاب، حديث رقم (3576) ، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد علونا في حديث الثوري فإنه مشهور عنه، فأما حديث الأعمش، عن عبد اللَّه بن السائب، فإنا لم نكتبه إلا بهذا الإسناد، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (3) ] (السنن الكبرى للبيهقي) : 5/ 245، كتاب الحج، باب الزيارة قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 307 وخرجه الإمام أحمد من طريق عبد اللَّه ثنا حيوة به ولفظه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من أحد يسلم عليّ إلا رد اللَّه إلى روحي حتى أرد عليه السلام [ (1) ] وقال أبو بكر بن أبى الدنيا: حدثني سويد بن سعيد حدثني ابن أبى الرجال عن سليمان بن عثمان قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في النوم فقلت يا رسول اللَّه هؤلاء الذين يأتوك فيسلمون عليك أتفقه سلامهم؟ قال: نعم وأرد عليهم. الثامنة والأربعون: من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه كان نورا وكان إذا مشى في الشمس والقمر لا يظهر له ظل جعل ابن سبع في كتاب (شفاء الصدر) من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه كان نورا وكان إذا مشى في الشمس والقمر لا يظهر له ظل ويشهد لما ذكره قول اللَّه تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ [ (2) ] فسماه اللَّه نورا وسماه سراجا فقال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [ (3) ] قال الطبري: يعنى بالنور محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم الّذي أنار اللَّه به الحق وأظهر به الإسلام ومحق به الشرك وهو نور لمن استتار به انتهى. وثبت أنه صلى اللَّه عليه وسلّم سأل اللَّه تعالى أن يجعل في جميع أعضائه وجهان نورا وختم ذلك بقوله واجعلني نورا.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 338، حديث رقم (10434) ، من مسند أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] المائدة: 15. [ (3) ] الأحزاب: 45. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 308 وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث محمد بن جعفر عن شعبه عن سلمه بن كهيل عن كريب عن ابن عباس قال: بنت عند خالتي ميمونة الحديث وفيه واجعل لي نورا وقال: واجعلني نورا، وفي رواية النضر عن شعبه واجعلني نورا ولم يشك. ***   [ (1) ] رواه البخاري في صلاة الجماعة، باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه، سواء كانا اثنين، وباب إذا قام الرجل عن يسار الإمام، وباب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه الوضوء، باب التخفيف في، وباب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره، وفي صفة الصلاة، باب وضوء الصبيان، وفي الوتر، باب ما جاء في الوتر، وفي العمل في الصلاة، باب استعانة اليد في الصلاة إذا كان أمر الصلاة، وفي تفسير سورة آل عمران، باب قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وباب قوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وباب قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ، وباب قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ وفي اللباس، باب الذوائب، وفي الأدب، باب رفع البصر إلى السماء، وفي الدعوات، باب الدعاء إذا أنتبه بالليل، وفي التوحيد، باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق. ومسلم في صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامة، حديث رقم (763) ، (والموطأ) : 1/ 121- 122، في صلاة الليل، باب صلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في الوتر، وأبو داود في الصلاة، باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان، حديث رقم (610) ، (611) ، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في الرجل يصلى ومعه رجل، حديث رقم (232) ، والنسائي في الإمامة، باب الجماعة إذا كانوا اثنين، حديث رقم (842) . جامع الأصول: 5/ 600- 601، حديث رقم (3852) وقال: وهذه الروايات أطراف من حديث طويل، وله روايات كثيرة، وطرق عدة، قد أخرجه الجماعة، ويرد في صلاة الليل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 309 وأما أنه صلى اللَّه عليه وسلّم ولد مختونا خرجه أبو محمد بن عدي حدثنا عبد اللَّه بن يحى السرحينى ثنا جعفر ابن عبد الواحد قال: قال لنا صفوان بن هبيرة ومحمد بن بكر الرومانى: عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ولد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مختونا [ (1) ] . وقال محمد بن سعد: أخبرنى يونس بن عطاء المكيّ ثنا الحكم بن أبان العهدي ثنا عكرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ولد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مختونا مسرورا قال: فأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال: ليكون ابني هذا شأن فكان له شأن [ (2) ] . وقال محمد بن كثير الكوفي: ثنا إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولد مختونا وقال سفيان بن محمد المصيصي: أرانا هشيم عن يونس عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من كرامتي على اللَّه عز وجل انى ولدت مختونا ولم ير سوأتي أحد [ (3) ] .   [ (1) ] خرجه بن عدي في (الكامل) : 2/ 15 من حديث جعفر بن عبد الواحد بسنده عن ابن عباس قال: (ولد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مسرورا مختونا) ثم قال: وهذه الأحاديث التي ذكرتها عن جعفر بن عبد الواحد، كلها بواطيل، وله غير هذه الأحاديث المناكير وكان يتهم بوضع الحديث، وأحاديث جعفر إما تكون تروى عن ثقة بإسناد صالح ومتن منكر فلا يكون إسناده ولا متنه محفوظا، وإما يكون سرق الحديث من ثقة يكون تفرد به ذلك الثقة فيسرق منه فيرويه عن شيخ ذلك الثقة، وإما أن يجازف إذا سمع شعبة بحديث لشعبه أو مالك أو لغيرهم ويكون تفرد عنهم فلا يحفظ الشيخ ذلك الرجل فيلزقه على إنسان غيره ولا يكون لذلك الرجل في ذاك الحديث ذكر ولا يرويه، وكذلك سرقه أيضا محمد بن الوليد بن أبان مولى بنى هاشم بغدادي وغيرهما. [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 103، ذكر مولد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. [ (3) ] راجع التعليق التالي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 310 وخرج الطبراني في (الأوسط) من معاجمه حدثنا محمد بن أحمد بن الفرج الأيلي المؤدب ثنا سفيان بن محمد الغزاري ثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من كرامتي على اللَّه أنى ولدت مختونا ولم ير سوأتي أحد قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن يونس إلا هشيم تفرد به سفيان بن محمد الفزاري. وخرج أبو نعيم الحافظ ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن خالد الخطيب، ثنا محمد بن محمد بن سليمان، ثنا عبد الرحمن بن أيوب الحمصي، ثنا موسى بن أبى موسى، حدثني خالد بن سلمة. عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ولد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مسرورا مختونا [ (1) ] . وخرج الطبراني في (معجمه الأوسط) عن محمد بن عبد اللَّه الحضرميّ ثنا عبد الرحمن بن عتيبة البصري ثنا على محمد السلمي أبو الحسن المدائني ثنا مسلمه بن محارب بن سلمة بن زياد عن أبيه عن أبى بكرة أن جبريل ختن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حين طهر قلبه قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبى بكرة إلا بهذا الإسناد تفرد به عبد الرحمن بن عتيبة [ (2) ] .   [ (1) ] (دلائل أبى نعيم) : 1/ 154، بيان رضاعه وفصاله صلى اللَّه عليه وسلّم، أنه ولد مختونا مسرورا ولم ير أحد سوأتي، وقال في هامشه: أخرجه أيضا الطبراني في (الأوسط) ، والخطيب، وابن عساكر من طرق عن أنس، وصححه الضياء المقدس في (المختارة) ، والسيوطي في (الخصائص) 1/ 132، وقال في صحيح الزوائد 4/ 244: 4/ 224: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه شعبان الفزازى، وهو متهم. قال الحاكم في (المستدرك) : 2/ 657- 658، تواترت الأحاديث أنه عليه السلام ولد مختونا، وولد صلى اللَّه عليه وسلّم في الدار التي في الزقاق المعروف بزقاق المدكل بمكة المكرمة، وقد صليت فيه، وهي الدار التي كانت بعد مهاجر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في يد عقيل بن أبى طالب، في [ثم] أيدي ولده بعده. وحديث رقم (92) ، ولفظه ولفظ ابن سعد سواء، وحديث رقم (93) : «أن جبريل ختن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حين طهر قلبه» قال الهيثمي: ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات. [ (2) ] (راجع هامش المرجع السابق) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 311 التاسعة والأربعون: قال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام جاء عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه علم بعض الناس الدعاء فقال: قل: اللَّهمّ إني أقسم عليك بنبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم نبي الرحمة فإن صح فينبغي أن يكون مخصوصا، فإنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على اللَّه بغيره من الملائكة والأنبياء والأولياء فإنّهم ليسوا في درجته قال المؤلف: هذا الحديث خرجه الترمذي [ (1) ] من حديث عثمان بن حنيف، ولفظه اللَّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، الحديث وقال: حديث حسن صحيح غريب وقد تقدم ذكره في المعجزات فتأمله وليس في طرقه كلها أقسم عليك فيها أسألك واللَّه أعلم.   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 531، كتاب الدعوات، باب (119) ، حديث رقم (3578) ، وتمامه: إني توجهت بك إلى ربى في حاجتي هذه لتقضى لي، اللَّهمّ فشفعه في. قال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث أبى جعفر وهو الخطميّ، وعثمان بن حنيف هو أخو سهل بن حنيف، وهو جزء من حديث طويل. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 1/ 441/ كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (189) ما جاء في صلاة الحاجة، حديث رقم (1385) ، وفيه قوله: (إن شئت أخرت لك) أي أخرت جزاءه إلى الآخرة. ولفظ أخرت يحتمل الخطاب والتكلم. (فشفعه) أي اقبل شفاعته في حقي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 312   [ () ] قال الإمام الحافظ أبو العلاء محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري في (تحفة الأحوذي) : 10/ 25 وما بعدها، وقال الإمام ابن تيمية في رسالته (التوسل والوسيلة) بعد ذكر حديث عثمان بن حنيف هذا ما لفظه: وهذا الحديث حديث الأعمى قد رواه المصنفون في دلائل النبوة كالبيهقى وغيره ثم أطال الكلام في بيان طرقه وألفاظها (من حديث أبى جعفر وهو غير الخطميّ) قال الإمام ابن تيمية: هكذا وقع في الترمذي وسائر العلماء قالوا هو أبو جعفر وهو الصواب انتهى. قلت أبو جعفر عن عمارة بن خزيمة رجلان أحدهما أبو جعفر الخطميّ بفتح المعجمة وسكون المهملة اسمه عمير بن يزيد بن عمير بن حبيب الأنصاري المدني نزيل البصرة صدوق من السادسة والثاني غير الخطميّ. قال في (التقريب) أبو جعفر عن عمارة ابن خزيمة قال الترمذي ليس هو الخطميّ فلعله الّذي بعده. قلت: والّذي بعده هو أبو جعفر الرازيّ التميمي مولاهم واسمه عيسى بن أبى عيسى عبد اللَّه بن ماهان وأصله من مرو وكان يتجر إلى الري صدوق سيئ الحفظ خصوصا عن مغيرة من كبار السابعة. تنبيه: قال الشيخ عبد الغنى في (إنجاح الحاجة) : ذكر شيخنا عابد السندي في رسالته والحديث يدل على جواز التوسل والاستشفاع بذاته المكرم في حياته. وأما بعد مماته فقد روى الطبراني في الكبير عن عثمان بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فذكر الحديث قال وقد كتب شيخنا المذكور رسالة مستقلة فيها التفصيل من أراد فليرجع إليها انتهى. وقال الشوكانى في تحفة الذاكرين: وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى اللَّه عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو اللَّه سبحانه تعالى وأنه المعطى المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن انتهى. وقال فيها في شرح قول صاحب العمدة: ويتوسل إلى اللَّه بأنبيائه والصالحين ما لفظه ومن التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن حنيف رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن أعمى أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فذكر الحديث ثم قال: وأما التوسل بالصالحين فمنه ما ثبت في الصحيح أن الصحابة استسقوا بالعباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقال وقال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه اللَّهمّ إنا نتوسل إليك بعم نبينا إلخ انتهى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 313   [ () ] وقال في رسالته (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد) وأما التوسل إلى اللَّه سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين عبد السلام: أنه لا يجوز التوسل إلى اللَّه تعالى إلا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم إن صح الحديث فيه. ولعله يشير إلى الحديث الّذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي وصححه ابن ماجة وغيرهم أن أعمى أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فذكر الحديث. قال وللناس في معنى هذا قولان أحدهما أن التوسل هو الّذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا بنبينا إليك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا وهو في صحيح البخاري وغيره فقد ذكر عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنهم كانوا يتوسلون بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته في الاستسقاء ثم توسل بعمه العباس بعد موته وتوسلهم هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه فيكون هو وسيلتهم إلى اللَّه تعالى والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان في مثل هذا شافعا وداعيا لهم، والقول الثاني أن التوسل به صلى اللَّه عليه وسلّم يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته ومغيبه ولا يخافك أنه قد ثبت التوسل به صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعا سكوتيا لعدم إنكار أحد منهم على عمر رضى اللَّه عنه في توسله بالعباس رضى اللَّه عنه، وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين الأول ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضى اللَّه عنهم والثاني أن التوسل إلى اللَّه بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة إذ لا يكون الفاضل فاضلا إلا بأعماله، فإذا قال القائل اللَّهمّ إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل إلى اللَّه بأعظم عمل عمله فارتفعت الصخرة، فلو كان التوسل بالأعمال غير جائز أو كان شركا كما يزعمه المشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم. وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من قوله تعالى: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى ونحوه قوله تعالى فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ونحو قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ليس بوارد بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبى عنه، فإن قولهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى مصرح بأنهم عبدوهم لذلك والمتوسل بالعالم مثلا لم يعبده بل علم أن له مزية عند اللَّه بحمله العلم فتوسل به لذلك، وكذلك قوله ولا تدعو مع اللَّه أحدا فإنه نهى عن أن التوسل عليه بعمل صالح عمله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 314   [ () ] بعض عباده كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم وكذلك قوله: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الآية فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربهم الّذي يستجيب لهم والمتوسل بالعالم مثلا لم يدع إلا اللَّه ولم يدع غيره دونه ولا دعا غيره معه. وإذا عرفت هذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع خروجا زائدا على ما ذكرناه كاستدلالهم بقوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ فإن هذا الآية الشريفة ليس فيها إلا أنه تعالى المنفرد بالأمر في يوم الدين وأنه ليس لغيره من الأمر شيء، والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة للَّه جل جلاله في أمر يوم ومن اعتقد هذا العبد من العباد سواء كان نبيا أو غير نبي فهو ضلال مبين، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا فأن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من أمر اللَّه شيء وأنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك لغيره. وليس فيهما منع التوسل به أو بغيره من الأنبياء وأولياء والعلماء، وقد جعل اللَّه لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المقام المحمود لمقام الشفاعة العظمى وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه وقال له سل تعطه وأشفع تشفع وقيل ذلك في كتابة العزيز بأن الشفاعة لا تكون إلا بأذنه ولا تكون إلا لمن ارتضى، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم لما نزل قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ يا فلان ابن فلان لا أملك لك من اللَّه شيئا، يا فلانة بنت فلان لا أملك من اللَّه شيئا، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه صلى اللَّه عليه وسلّم لا يستطيع نفع من أراد اللَّه ضره ولا ضر من اللَّه تعالى نفعه وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلا عن غيرهم شيئا من اللَّه، وهذا معلوم لكل مسلم وليس فيه أنه لا يتوسل به إلى اللَّه فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهى وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سببا للإجابه ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين انتهى كلام الشوكانى. قلت: الحق عندي أن التوسل بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته جائز وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح في حياتهم بمعنى التوسل بدعائهم وشفاعتهم أيضا جائز، وأما التوسل به صلى اللَّه عليه وسلّم بعد مماته وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح بعد مماتهم فلا يجوز، واختاره الإمام ابن تميمة في رسالته التوسل والوسيلة وقد أشبع الكلام في تحقيقه وأجاد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 315   [ () ] فيه فعليك أن تراجعها، ومن جملة كلامه فيها وإذا كان كذلك فمعلوم أنه ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى اللَّه عليه وسلّم داعيا له ولا شافعا فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعا بعد مماته كما كان يشرع في حياته بل كانوا في الاستقساء في حياته يتوسلون به فلما مات لم يتسلوا به بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل سمنا حتى يخصب الناس، ثم لما استسقى بالناس قال: اللَّهمّ إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاستقنا فيسقون، وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة لم ينكره أحد مع شهرته وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية ودعا بمثله معاوية بن أبى سفيان في خلافته لما استسقى بالناس، فلو كان توسلهم بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما ونعدل عن التوسل بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم الّذي هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند اللَّه فلما لم يقل ذلك أحد منهم وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته، وحديث الأعمى حجة لعمر وعامة الصحابة رضوان اللَّه عليهم أجمعين فأنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى اللَّه بشفاعة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ودعائه لا بذاته، وقال له في الدعاء قل اللَّهمّ فشفعه في، وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته ولم يأمر بالدعاء المشروع بل ببعضه وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق لسنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. وكان المخالف لعمر محجوجا بسنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وكان الحديث الّذي رواه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حجة عليه لا له. وقال فيها فأما التوسل بذاته في حضوره أو مغيبه أو بعد موته مثل الأقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء أو السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم فليس هذا مشروعا عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا أو استشفعوا بمن كان حيا كالعباس ويزيد بن الأسود ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا في هذه الحال بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم لا عند قبره ولا غير قبره بل عدلوا إلى البدل كالعباس وكيزيد بل كانوا يصلون عليه في دعائهم، وقد قال عم اللَّهمّ إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا فتوسل إليك بعم نبينا فاستقنا، فجعلوا هذا بدلا عن ذلك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الّذي كانوا يفعلونه، وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبر هو يتوسلوا هناك ويقولوا في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 316 الخمسون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يرى في الظلمة كما يرى في النور وتقدم أيضا واللَّه أعلم [ (1) ] . الحادية والخمسون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم إذا قعد لحاجته تبتلع الأرض بوله وغائطه وقد تقدم ذلك بطرقه [ (2) ] . الثانية والخمسون: ولد صلى اللَّه عليه وسلّم مختونا مسرورا خرج الحافظ أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادي من طريق سفيان بن محمد المصيصي قال: حدثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من كرامتي إني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي [ (3) ] .   [ () ] دعائهم بالجاه ونحو ذلك من الألفاظ التي تتضمن القسم بمخلوق على اللَّه عز وجل أو السؤال به فيقولون نسألك أو نقسم عليك أو بجاه نبيك ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس انتهى. [ (1) ] الّذي تقدم هو باب رؤيته صلى اللَّه عليه وسلّم من خلفه كما يرى من أمامه في (إمتاع الأسماع) : 5/ 305 بتحقيقنا. [ (2) ] راجع (إمتاع الأسماع) : 5/ 302. [ (3) ] (تاريخ البغدادي) : 1/ 329، في ترجمة محمد بن الفرج رقم (327) ، ثم قال: لم يروه فيما يقال عن يونس غير هشيم وتفرد به سفيان بن محمد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 317 فأن قيل: فلم لم يولد مطهر القلب من الحظ الشيطان حتى شق صدره قيل: قال ابن عقيل الحنبلي: لأن اللَّه تعالى أخفى دون التطهير بين الّذي جرت العادة أن تفعله القابلة أو الطبيب وأظهر أشرفهما وهو القلب فأظهر آثار التحميد والعناية بالعصمة في الطرقات الوحي. وقال أبو حسين بن بشر: أن ثنا عثمان بن أحمد الدقاق ثنا أبو الحسن ابن البراء قال قالت: آمنه: ولدته جاثيا على ركبتيه نظر إلى السماء ثم قبضة من الأرض وأهوى ساجدا وولد وقد قطعت سرته فغطين عليه إناء فوجدته قد تفلق الإناء عنه وهو يمص إبهامه يشخب لبنا وقد قال العباس: ولد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مختونا مسرورا فأعجب به جده عبد المطلب [ (1) ] . الثالثة والخمسون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا يتثاءب حدث محمد بن كثير الكوفي ثنا إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن أبى هريرة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولد مختونا وقال صفوان بن قتيبة: ومحمد الرماني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: ولد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مسرورا مختونا وفي هذين الحديثين ضعف وقد ورد في حديث آخر ما يخالف هذا وهو أن جده عبد المطلب ختنه في يوم السابع وصنع له مأدبة رواه ابن عبد البر في [المبتدإ] وإسناده أيضا لا يصح وقد استغنى عن هذا بحلب في حدود الخمسين والستمائة فصنف فيها ابن طلحة تصنيفا حكى فيه عن أبى عبد اللَّه الترمذي الحكيم أنه ولد مختونا وتعقبه الكمال عمر بن العديم فصنف كتاب [الملحة في الرد على أبى طلحة] فأبدع وأجاد ذكره في اختلاف الآثار في كونه ولد مختونا أو ختنه جده عبد المطلب أو ختنه جبريل عليه السلام وذكر ما ورد في ذلك من الآثار وضعفها كلها وأنه لا يثبت في هذا شيء من ذلك واللَّه أعلم.   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 103، (عيون الأثر) : 1/ 30، (تاريخ الخميس) : 1/ 204 وفيه: وقد انشقّ عنه القدر وهو شاخص ببصره إلى السماء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 318 خرج البخاري في كتابه الكبير وأنس بن أبى شيبة في مصنفه من مرسل يزيد بن الأصم قال: ما تثاءب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة قط ولابن سعد [ (1) ] من حديث سفيان، عن أبى فزاره عن يزيد ابن الأصم قال: ما رئي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم متثائبا في الصلاة قط، وقال مسلمة بن عبد الملك: ما تثاءب نبي قط وأنها من علامة النبوة ونقله ابن دحية في خصائص أعضاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال مؤلفه: ويؤيد ذلك ما خرجه البخاري [ (2) ] في صحيحة من حديث ابن أبى ذئب حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أن اللَّه يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد اللَّه فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته. وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فليرده ما استطاع، فإن قال: ها ضحك من الشيطان. وترجم عليه باب ما يستحب من العطاس ويكره من التثاؤب، وخرجه أيضا في باب إذا تثاءب فليضع على فيه. وهو آخر حديث في كتاب الأدب وذكره في بدء الخلق في باب صفة إبليس وجنوده وخرجه أبو داود [ (3) ] أيضا.   [ (1) ] (طبقات بن سعد) : 1/ 385، ذكر صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 740، كتاب الأدب، باب (125) ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب، 745، باب (128) إذا تثاءب فليضع يده على فيه، حديث (6226) 6/ 416، كتاب بدء الخلق، باب (11) صفة إبليس وجنوده، حديث رقم (3289) . وأخرجه أيضا الترمذي في (السنن) 5/ 82080 كتاب الأدب، باب (7) ما جاء إن اللَّه يحب العطاس ويكره التثاؤب، باب (8) ما جاء إن العطاس في الصلاة من الشيطان، حديث رقم (2746) ، (2747) ، (2748) . وأخرجه أيضا ابن ماجة في (السنن) : 1/ 310- 311 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (42) ما يكره في الصلاة، حديث رقم (968) ، (969) . [ (3) ] (سنن أبى داود) : 5/ 268، 219، كتاب الأدب، باب ما جاء في التثاؤب وباب في كم مرة يشمت العاطس، حديث رقم (5026) ، (5027) ، (5028) ، (5037) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 319 وخرج مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبى هريرة: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع. وخرج من طريق بشر بن المفضل، قال: أخبرنا سهيل عن أبى صالح، قال: سمعت ابنا لأبى سعيد الخدريّ يحدث أبى عن أبيه وقال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل. ومن طريق عبد العزيز عن سهل عن عبد الرحمن بن أبى شيبة فذكره أورده في الزهد قال ابن سينا العطاس حركة حاصلة من الدماغ لدفع خلط أو مؤذ آخر باستعانة من الهواء دفعا من طريق الأنف، والفم، والعطاس للدماغ كالسعال للرئة وما يليها. قال: والعطاس أنفع الأشياء لتخفيف الرأس وهو مما يعين على نقض الفضول المحتبسة ويسهل للأولاد وخروج المشيمة وينقل ثقل الرأس انتهى، فلهذا كان العطاس يدل على العطاس وخفه البدن وسعة المنافذ وذلك محبوب إلى اللَّه تعالى فإن المنافذ إذا اتسعت وضاقت على الشيطان وإذا ضاقت بالأخلاط المتولدة عن كثرة الطعام والشراب اتسعت للشيطان فتمكن من الإنسان بتصرفه فيه وذلك لأن الشبع داع إلى الفضول فإن البطن إذا أشبع طغت الجوارح وتصرفت من الحركة والنظر والسماع والكلام، قواطع للعد عن المقصود وحينئذ يكثر التثاؤب لثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل فلذلك أضافه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الشيطان فقال: التثاؤب من الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات التي يكرها العبد فكره اللَّه التثاؤب لذلك والمراد التحذير من السبب الّذي يتولد منه التثاؤب وهو التوسع في المآكل وإكثار الأكل المستلزم كثرة الشرب المتولد عنها النوم الكثير والكسل المبطئ عن القيام بوظائف العبادة والتثاقل عن أدائها فإذا تقرر ذلك فقد عصم اللَّه رسوله صلى اللَّه عليه وسلّم عن أن يصدر عنه ما يكرهه اللَّه تعالى من الأقوال والأفعال والأحوال، ولم يجعل للشيطان عليه سبيلا بوجه من الوجوه ولا حال من الأحوال، فلا يكون منه شيء مما ينسب إلى الشيطان ابدا ليظهر اللَّه له في ذلك كله ... *** الجزء: 10 ¦ الصفحة: 320 الرابعة والخمسون: أنه قد أقر ببعثه صلى اللَّه عليه وسلّم جماعة قبل ولادته وبعدها وقبل مبعثه كورقه بن نوفل وحبيب بن النجار وتبع وغيرهم كما تقدم ذكره فيما سلف [ (1) ]   [ (1) ] أفرد الحافظ ابو نعيم الأصبهاني في الفصل السادس من (دلائل النبوة) . وترجم عليه: توقع الكهان وملوك الأرض بعثته صلى اللَّه عليه وسلّم، ويشمل على (5) أحاديث تضمنت قول سيف بن ذي يزن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: هذا زمنه الّذي يولد فيه، اسمه محمد، بين كتفيه شامة، يموت أبوه وهو في بطن أمه، ويكلفه جده وعمه، وقد وجدناه مرارا- واللَّه باعثه جهادا، وجاعل له منا أنصارا، يعزبهم أولياءه، وبذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح بهم كرائم الأرض، ويعبد الرحمن، ويدحر الشيطان، ويخمد النيران، ويكسر الأوثان، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله ... قال عبد المطلب: نعم أيها الملك، أنه كان لي ابن وكنت به عجبا، وعليه رقيقا، فزوجته كريمة من كرائم قومي، أمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فجاءت بغلام سميته محمدا، مات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمه، بين كتفيه شامة، وفيه كل ما ذكرت من علامة. قال سيف بن ذي يزن: إن الّذي ذكرت لك كما ذكرت لك، فاحتفظ بابنك، واحذر عليه اليهود، فإنّهم له أعداء، ولن يجعل اللَّه لهم عليه سبيلا، واطو ما ذكرت لك، دون هؤلاء الرهط الين معك، فإنّي لست آمن أن تدخلهم النفاسة، من أن تكون له الرئاسة، فيبغون له الغوائل، وينصبون له الحبائل، وهم فاعلون أو أنباؤهم، ولولا أنى أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه، لسرت إليه بخيلي ورجلي، حتى أصير يثرب دار ملكي، فإنّي أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق، أن يثرب استحكام أمى، وموضع قبره، وأهل نصرته، ولوى أنى امه من الآفات، وأحذر عليه العاهات، ولأوطأت أسنان العرب كعبة، ولأعلنت على حدثة من سنه ذكره، ولكنى صارف إليك ذلك من غير تقصير بمن معك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 321   [ () ] ثم أجزل لهم العطاء وقال لعبد المطلب: إذا كان رأس الحول فآتني عجبره، وما يكون من أمره، فهلك ابن ذي يزيد قبل رأس الحول، وكان عبد المطلب يقول: لا يغبطني يا معشر قريش رجل منكم بجزيل عطاء الملك وإن كثر، فإنه إلى تفاد، ولكن ليغبطنى بما يبقى لي شرفه وذكره، ولعقبى من بعدي، وكان إذا قيل له: ما ذاك؟ قال: سيعلن ولو بعد حين. [يغبى نبوة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] . (دلائل أبي نعيم) : 1/ 97- 99، حديث رقم (50) مختصرا. ومن ذلك قول زيد بن عمرو بن نفيل لعامر بن ربيعة: فأنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل، من بنى عبد المطلب اسمه أحمد، ولا أرانى أدركه، فأنا يا عامر أو من به، وأصدقه، واشهد أنه بنى، فإن طالت بك المدة فرأيته فأقرئه من السلام، وسأخبرك يا عامر ما نعته، حتى لا تخفى عليك، قلت: هلم، قال: هو رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، ولا بكثير الشعر، ولا بقليله، وليس تفارق عينيه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه حتى يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب، فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه، فإنّي بلغت البلاد كلها اطلب دين إبراهيم الخليل عليه السلام، وكل من أسال من اليهود والنصارى والمجوس يقول: هذا الدين وراءك، وينعتونه مثل ما نعته لك، ويقولون: لم يبق نبي غيره. (المرجع السابق) : حديث رقم (52) مختصرا. ومن ذلك قول هرقل لدحية الكلبي حين قدم عليه بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ويحك، واللَّه إني لأعلم أن صاحبك النبي مرسل، وأنه للذي كنا ننتظره نجده في كتبنا، ولكنى أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لا تبعته. (المرجع السابق) : حديث رقم (53) مختصرا. ومن ذلك قول قس بن ساعدة الإيادي: إن للَّه دينا هو أحب الأديان إليه من دينكم الّذي أنتم عليه، ما لي ارى الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا بالمقام هناك فأقاموا؟ أم تركوا هناك فناموا؟ ثم قال: اقسم قس قسما برا لا إثم فيه، ما للَّه على الأرض وبين هو أحب عليه من دين أظلكم إبانه، وأدر لكم أو أنه، طولى لمن أدركه فاتبعه، وويل لمن أدركه ففارقه. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يرحم اللَّه قس بن ساعدة، لأرجو أن يأتى يوم القيامة أمة واحدة (المرجع السابق) : حديث رقم (55) مختصرا. (دلائل البيهقي) : 3/ 103. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 322 الخامسة والخمسون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا ينزل عليه الذباب قالع العز في السبتي في كتاب (أعذب الموارد وأطيب الموالد) وقال ابن سبع في كتاب (الشفا) أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يقع على ثيابه ذباب قط قال: الإمام أبو الحسن على بن أحمد بن إبراهيم التجيبي الحراني رحمه اللَّه ولذلك لبد صلى اللَّه عليه وسلّم رأسه في الاحدام بالعسل لما كان آمنا من نزول الذباب عليه ويقال: أنه لم يتسخ له ثوب قط ولا يقمل له ثوب قط [ (1) ] . ***   [ () ] وأما مقالة ورقه بن نوفل لخديجة رضى اللَّه عنها: حين جاء الوحي أول مرة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم فمشهورة، أمسكنا عن ذكرها لاشتهارها خشية الإطالة، وهي مبثوثة في كتب السيرة في أبواب (كيف كان بدء الوحي للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم) . [ (1) ] (تاريخ الخميس) : 1/ 319. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 323 السادسة والخمسون: كان له صلى اللَّه عليه وسلّم إذا نسي الاستثناء أن يستثنى له إذا ذكر وليس لغيره أن يستثنى إلا في صلة اليمين خرج الطبراني في (معجمه الكبير) من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد العزيز بن حسين عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: [واذكر ربك إذا نسيت] [ (1) ] قال: إذا نسيت الاستثناء فاستثنى، إذا ذكرت الاستثناء وذكر ابن شاهين أن من جمله شعب الإيمان الاستثناء في كل كلام وأورد بسند ضعيف عن أبى هريرة يرفعه لا يتم إيمان المرء حتى يستثنى في كل حديث أو قال: في كل كلامه [ (2) ] .   [ (1) ] الكهف: 24. [ (2) ] قال صاحب التحرير والتنوير إن المشركين لما سألوا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، عن أهل الكهف وذي القرنين وعدهم بالجواب عن سؤالهم من الغد، ولم يقل «إن شاء اللَّه» فلم يأته جبريل عليه السلام- بالجواب إلا بعد خمسة عشر يوما. وقيل: بعد ثلاثة أيام كما تقدم، أي فكان تأخير الوحي إليه بالجواب عتابا، رمزيا من اللَّه لرسوله صلى اللَّه عليه وسلّم، كما عاقب سليمان- عليه السلام فيما رواه البخاري: «أن سليمان قال: لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل واحدة ولدا يقاتل في سبيل اللَّه، فلم تحمل منهن إلا واحدة ولدت شق غلام» . ثم كان هذا عتابا صريحا فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، لما سئل عن أهل الكهف وعد بالإجابة ونسي أن يقول «إن شاء اللَّه» كما نسي سليمان، فأعلم اللَّه رسوله بقصة أهل الكهف، ثم نهاه عن أن يعد بفعل شيء دون التقييد بمشيئة اللَّه. ومقتضى كلام الكسائي والأخفش والفراء أنه مستثنى من جمله «إني فاعل ذلك غدا» فيكون مستثنى من كلام النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. المنهي عنه، أي إلا قولا مقترنا ب (إن شاء اللَّه) فيكون المصدر المنسبك من (أن) ، والفعل في محل نصب على نزع الخافض وهو باء الملابسة. والتقدير: إلا ب (إن شاء اللَّه) . أي بما يدل على ذكر مشيئة اللَّه. لأن ملابسة القول الحقيقية المشيئة محال، فعلم أن المراد تلبسه بذكر المشيئة بلفظ (إن شاء اللَّه) ونحوه. فالمراد بالمشيئة إذن اللَّه له. وقد جمعت هذه الآية كرامة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، من ثلاث جهات: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 324 السابعة والخمسون: أنه كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا ينطق عن الهوى وعدّها ابن الفارض [ (1) ] من خواصه وقد تقدم هذا [ (2) ]   [ () ] الأولى: أنه أجاب سؤله، فبين لهم ما سألوه إياه على خلاف عادة اللَّه مع المكابرين. الثانية: أنه علمه علما عظيما من أدب المبوءة. فنظم الآية أن اللام في قوله (لشيء) ليست اللام التي يتعدى بها فعل القول إلى المخاطب بل هي لام العلة، أي لا تقولن: إني فاعل كذا لأجل شيء تعديه. فاللام بمنزلة (في) . و «غدا» مستعمل في المستقبل مجازا وليست كلمه (غدا) مرادا بها اليوم الّذي بلى يومه، ولكنه مستعمل في معنى الزمان المستقبل، كما يستعمل اليوم بمعنى زمان الحال، والأمس بمعنى زمن الماضي. (تفسير التحرير والتنوير) : 15/ 295- 297. [ (1) ] هو الشرف ابن الفارض أبو حفص وأبو القاسم عمر بن أبى الحسن، على بن المرشد بن على، الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، المعروف بابن الفارض، المنعوت بالشرف. له ديوان شعر لطيف، وأسلوبه فيه رائق ظريف، ينحو منحى طريقة الفقراء، وله قصيده مقدار ستمائة بيت على اصطلاحهم ومنحهم. قال ابن خلكان: وسمعت أنه كان رجلا صالحا كثير الخير، على قدم التجرد، جاور بمكة، زادها اللَّه تعالى شرفا زمانا، وكان حسن الصحبة، محمود العشرة، أخبرنى عنه بعض أصحابه أنه ترنم يوما وهو في بيت الحريري، صاحب (المقامات) . وكانت ولادته في الرابع من ذي القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة بالقاهرة، وتوفى بها يوم الثلاثاء الثاني من جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ودفن من الغد بسفح المقطم، رحمه اللَّه تعالى والفارض: بفتح الفاء وبعد الألف راء وبعدها ضاد معجمة، وهو الّذي يكتب الفروض للنساء على الرجال. له ترجمه في (وفيات الأعيان) : 3/ 45- 456، ترجمة رقم (500) ، (ميزان الاعتدال) : 2/ 266، ترجمة رقم (6110) ، (سير أعلام النبلاء) : 22/ 368- 369، ترجمة (232) ، (لسان الميزان) : 4/ 364- 366، (شذرات الذهب) : 5/ 149- 153. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 325 الثامنة والخمسون: النهى عن طعام الفجأة إلا له صلى اللَّه عليه وسلّم خصوصية قال أبو العباس بن القاص: ونهى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم عن طعام الفجاءة وقد فاجأه ابو الدرداء على طعامه فأمره بأكله وكان ذلك خاصا له صلى اللَّه عليه وسلّم قال البيهقي: لا أحفظ النهى عن طعام للفجاءة من وجه يثبت ثم أورد حديث ابى داود [ (1) ] من رواية درست بن زياد عن أبان بن طارق عن نافع عن ابن عمر مرفوعا من دعي فلم يجب فقد عصى اللَّه ورسوله ومن دخل على غير دعوة فقد دخل سارقا وخرج مغيرا وعد القضاعي أيضا هذه من الخصائص.   [ () ] (2) الهوى: ميل النفس إلى ما تحبه أو تحب أن تفعله، دون أن يقتضيه العقل السليم الحكيم، ولذلك يختلف الناس في الهوى، ولا يختلفون في الحق، وقد يحب المرء الحق والصواب، فالمراد بالهوى إذا أطلق أنه الهوى المجرد عن الدليل. ونفى النطق عن الهوى، يقتضي نفى جنس ما ينطق به، عن الاتصاف بالصدور عن هوى، سواء كان القرآن أو غيره من الإرشاد النبوي، بالتعليم، والخطابة، والموعظة، والحكمة، ولكنه القرآن هو المقصود، لأنه سبب هذا الرد عليهم. واعلم أن تنزيهه صلى اللَّه عليه وسلّم عن النطق عن هوى، يقتضي التنزيه على أن يفعل أو يحكم عن هوى، لأن التنزه عن النطق عن هوى أعظم مراتب الحكمة، ولذلك ورد في صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أنه يمزح ولا يقول إلا حقا. وإن كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ينطق بغير القرآن عن وحي، كما في حديث الحديبيّة، في جوابه الّذي سأله: ما يفعل المعتمر؟ وكقوله: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، ومثل جميع الأحاديث القدسية التي فيها: قال اللَّه تعالى، ونحوه. فهذه الآية بمعزل عن إيرادها في الاحتجاج لجواز الاجتهاد للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، لأنها كان نزولها في أول أمر الإسلام، وإن كان الأصح أن يجوز له صلى اللَّه عليه وسلّم الاجتهاد، وأنه وقع منه، وهي من مسائل أصول الفقه. (تفسير التحرير والتنوير) : 27/ 93- 94. [ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 125، كتاب الأطعمة، باب (1) ما جاء في إجابة الدعوة، حديث رقم (3741) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 326 التاسعة والخمسون: عصمته صلى اللَّه عليه وسلّم من الناس عدها القضاعي من الخصائص وقد تقدم الكلام عليها [ (1) ] .   [ () ] درست بن زياد ضعيف من الثامنة، وقوله: «فقد عصى اللَّه ورسوله» احتج بهذا من قال بوجوب الإجابة إلى الدعوة، لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب. وقال في (المرقاة) : والحاصل أنه صلى اللَّه عليه وسلّم علم أمته مكارم الأخلاق البهية، ونهاهم عن الشمائل الدنية، فإن عدم إجابة الدعوة من غير حصول المعذرة يدل على تكبر النفس، والرعونة، وعدم الألفة والمحبة، والدخول من غير دعوة يشير إلى حرص النفس ودناءة الهمة، وحصول المهانة والمذلة، فالخلق الحسن هو الاعتدال بين الخلقين المذمومين. قال المنذري: في إسناده أبان بن طارق البصري، سئل عنه أبو زرعة الرازيّ، فقال: شيخ مجهول، وقال أبو أحمد بن عدي: وأبان بن طارق لا يعرف إلا بهذا الحديث، وهذا الحديث معروف به، وليس له أنكر من هذا الحديث، وفي إسناده أيضا درست بن زياد ولا يحتج بحديثه، ويقال: هو درست بن حمزة، وقيل: بل هما أثنان ضعيفان. (عون المعبود) : 5/ 147- 148 . [ (1) ] قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، والعصمة هنا الحفظ والوقاية من كيد أعدائه، والناس» في الآية مراد به الكفار من اليهود والمنافقين والمشركين، لأن العصمة بمعنى الوقاية تؤذن بخوف عليه، وإنما يخاف عليه أعداءه لا أحباءه، وليس في المؤمنين عدو لرسوله، فالمراد العصمة من اغتيال المشركين، لأن ذلك هو الّذي كان يهم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، إذا لو حصل ذلك لتعطل الهدى الّذي كان يحبه النبي للناس، إذ كان حريصا على هدايتهم، ولذلك كان رسول اللَّه، لما عرض نفسه على القبائل في أول بعثته، يقول لهم «أن تمنعوني حتى أبين عن اللَّه ما بعثني به- أو- حتى أبلغ رسالات ربى» . فأما ما دون ذلك من أذى وإضرار فذلك مما نال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليكون ممن أذى في اللَّه: فقد رماه المشركون بالحجارة حتى أدموه وقد شج وجهه، وهذه العصمة التي وعد بها رسول اللَّه قد تكرر وعده بها في القرآن كقوله فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وفي غير القرآن. فقد جاء في بعض الآثار أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أخبر وهو بمكة أن اللَّه عصمه من المشركين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 327 الستون: عصمته صلى اللَّه عليه وسلّم من الأعلال السيئة وقد عدها القضاعي في الخصائص ويؤيده ما رواه يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: دخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يصدع، وأنا اشتكى رأسي، فقلت: وا رأساه فقال: بل أنا واللَّه يا عائشة وا رأساه. ثم قال: وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك، وصليت عليك وواريتك فقلت واللَّه إني لأحسب لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي في آخر النهار، فأعرست بها، فضحك. ثم تمادى برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وجعه فاستقر برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة، فاجتمع إليه أهله، فقال العباس: إنا لنرى برسول اللَّه ذات الجنب، فهلموا فلنلده فلدوه، وأفاق وقال: من فعل هذا، فقالوا: عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات لجنب، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إنها من الشيطان، وما كان اللَّه ليسلطه على، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه الا عمى العباس، فلد أهل البيت كلهم، حتى ميمونة، وإنها لصائمه يومئذ، وكذلك بعين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الحديث [ثم استأذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم نساءه، يمرض في بيتي فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى بيتي، وهو بين العباس وبين رجل آخر- لم تسميه- تخط قدماه بالأرض إلى بيت عائشة. قال عبيد اللَّه: فحدثت هذا الحديث ابن عباس فقال: تدري من الرجل الآخر الّذي مع العباس ما لم تسميه عائشة؟ قلت: لا قال: هو على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ]] .   [ (1) ] (دلائل النبوة) : 7/ 169- 170، باب ما جاء في إشارته إلى عائشة رضى اللَّه عنها في ابتداء مرضه بما يشبه النعي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 328 وفي رواية ذلك داء ما كان اللَّه ليعذبني به وفي رواية للطبراني: إني أكرم على اللَّه من أن يعذبني بها. وفي رواية أخرى وهي من الشيطان وما كان اللَّه ليسلطها عليّ، وفي رواية ما كان اللَّه ليميتنى بسيء الأسقام أو قال: الأمراض وقد كان صلى اللَّه عليه وسلّم يقول في دعائه اللَّهمّ إني أعوذ بك من الجنون والجذام وسيئ الأسقام. خرجه النسائي [ (1) ] من حديث همام، عن قتادة عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يقول: اللَّهمّ إني أعوذ بك من الجنون والجذام والبرص وسيئ الأسقام.   [ () ] وبسياقه أخرى في (فتح الباري) : 10/ 152، كتاب المرضى باب (16) ما رخص للمريض أن يقول وا رأساه، حديث رقم (5666) وذكر أيضا في كتاب الطب، باب (21) اللدود، ولفظه من حديث عائشة: لددناه في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدونى، فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما افاق، قال: ألم أنهكم أن تلدونى؟ قلنا: كراهية المريض للدواء، فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا انظر، إلا العباس فإنه لم يشهدكم. و10/ 204، حديث رقم (5712) ، 12/ 264، كتاب الديات، باب (14) القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات، حديث رقم (6886) ، 280، باب (21) إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب أم يقتص منهم كلهم؟، حديث رقم (6897) ، 13/ 254، كتاب الأحكام، باب (51 الاستخلاف، حديث رقم (7217) . (مسلم بشرح النووي) : 14/ 450، كتاب السلام، باب (27) كراهة التداوي باللدود، حديث رقم (2213) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 79، من حديث السيدة عائشة حديث رقم (23742) . وأخرجه الترمذي في (السنن: 4/ 340، كتاب الطب، باب (9) ما جاء في السعوط وغيره، حديث (2047) ولفظه: إن خير ما تداويتم به اللدود والسعوط والحجامة وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وهو حديث من طريق عباد بن منصور، وهذا دليل على أن ليس كل ما روى الضعيف، فهذا حديث صحيح والحديث له روايات صحيحة. [ (1) ] (سنن النسائي) : 8/ 664، كتاب الاستعاذة: باب (36) الاستعاذة من الجنون، حديث رقم (5508) . (5495) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 329 وخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث حماد، عن قتادة، عن أنس بهذا، وخرجه أبو بكر بن أبى شيبة [ (2) ] عن حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس ان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يقول: بنحوه وقال: ومن سوء الأسقام. الحادية والستون: أن الملائكة قاتلت معه صلى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر ولم تقاتل مع أحد من قبله كما تقدم ذكره وعد القضاعي ذلك من الخصائص [ (3) ] . الثانية والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا يشهد على جور وعد ذلك القضاعي من خصائصه ووجه كون هذا من الخصائص أن لا يشهد على جور، ظاهرا ولا باطنا ومن عداه قد شهد على الجور وفي طبقاته ليس يجوز لقصوره عن إدراك ما بطن عنه في ذلك [ (4) ] .   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 194- 195، كتاب الصلاة، باب (367) في الاستعاذة، حديث رقم (1554) . [ (2) ] (مصنف ابن أبى شيبة) : 6/ 18، كتاب الدعاء، حديث رقم (29210) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 44، من حديث أنس بن مالك حديث رقم (12592) . [ (3) ] سبق تخريجه في أحداث غزوة بدر وغيرها. [ (4) ] (فتح الباري) : 5/ 264- 266، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (13) الإشهاد في الهبة، حديث رقم (2587) ، وقال الحافظ في (الفتح) : ولمسلم في رواية عروة وحديث البراء معا، ووقع في رواية أبى حريز بمهملة وراء ثم زاي بوزن عظيم عند ابن حبان والطبراني عن الشعبي «أن النعمان خطب بالكوفة فقال: إن والد بشير بن سعد أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن عمرة بنت رواحة نفست بغلام، وإني سميته النعمان، وإنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة من أفضل مال هو لي وأنها قالت: أشهد على ذلك رسول اللَّه، وفيه قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: (لا أشهد على جور) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 330 الثالثة والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يرى في الثريا أحد عشر نجما [ (1) ] كما ذكره القاضي عياض [ (2) ] في كتاب الشفاء وذكر السهيليّ لا تزيد على تسعة أنجم فيما يذكرون] [ (3) ] .   [ (1) ] قال القاضي عياض: وقد حكى عنه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه كان يرى في الثريا أحد عشر نجما، وهذه كلها محمولة على رؤية العين، وهو قول أحمد بن حنبل وغيره، وذهب بعضهم إلى ردها إلى العلم والظواهر تخالفه ولا إحالة في ذلك، وهي من خواص الأنبياء وخصالهم، كما أخبرنا أبو محمد عبد اللَّه بن أحمد العدال من كتابه، حدثنا أبو الحسن المقرئ الفرغاني، حدثتنا أم القاسم بنت أبى بكر، عن أبيها، حدثنا الشريف أبو الحسن على بن محمد الحسنى، حدثنا محمد بن محمد بن سعيد، حدثنا محمد بن أحمد بن سليمان، حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق، حدثنا همام، حدثنا الحسن، عن قتادة، عن يحيى، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: لما تجلى اللَّه عز وجل لموسى عليه السلام، كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسخ، ولا يبعد على هذا أن يختص نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم بما ذكرناه من هذا الباب. [ (2) ] هو الإمام العلامة الحافظ الأوحد، شيخ الإسلام، القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض اليحصبى الأندلسى، ثم السبتي المالكي- ولد سنة ست وسبعين وأربع مائه، تحول جدهم من الأندلسى، ثم السبتي المالكي- ولد سنة ست وسبعين وأربع مائه، تحول جدهم من الأندلس إلى فاس، ثم سكن سبتة. رحل إلى الأندلس سنة بضع وخمس مائة، وروى عن القاضي أبى على بن سكرة الصدفي، ولازمه، وعن أبى بحر بن العاص، وعدة. وتفقه بأبي عبد اللَّه محمد بن عيسى التميمي، والقاضي محمد بن عبد اللَّه المسيلي، واستبحر من العلوم، وجمع وألف، وسارت بتصانيفه الركبان، واشتهر اسمه في الآفاق. قال خلف بن بشكوال: هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم. قال القاضي شمس الدين في (وفيات الأعيان) : هو إمام الحديث في وقته، وأعرف الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم، وكل تواليفه بديعة، وله شعر حسن. قلت: تواليفه لنفيسة، وأجلها وأشرفها كتاب (الشفا) لولا ما قد حشاه بالأحاديث المفتعلة، عمل إمام لا نقد له في فن الحديث ولا ذوق، واللَّه يثيبه على حسن قصده، وينفع ب (شفائه) ، وقد فعل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 331 الرابعة والستون: بياض إبطه صلى اللَّه عليه وسلّم من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم بخلاف غيره فإنه أسود لأجل الشعر [ (1) ] ذكره أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة فقال: بياض إبطه صلى اللَّه عليه وسلّم من علامات نبوته وقد جاء في أحاديث عديدة ذكر بياضه منها: كان إذا سجد جافى بين أعضائه حتى يرى من خلفه عقرة إبطيه، العقرة: البياض ليس بالناصع واللَّه أعلم. ***   [ () ] وقد حدث عن القاضي خلق من العلماء، منهم الإمام عبد اللَّه بن محمد الأشيري، وأبو جعفر بن القصير الغرتاطى، والحافظ خلف بن بشكوال. توفى في سنة أربع وأربعين وخمس مائه بمراكش، ومات ابنه في سنة خمس وسبعين وخمس مائه. وفيها مات شاعر زمانه القاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن حسين الأرجاني قاضى تستر، والعلامة المصنف أبو جعفر أحمد بن على بن أبى جعفر البيهقي، والمسند بهراة أبو المحاسن أسعد بن على بن المرفق، ومحدث حلب أبو الحسن على بن سليمان المرادي القرطبي. [ (3) ] في الأصل: «وذكر السهيليّ أنه صلى اللَّه عليه وسلّم وصفاته أنها لا تزيد على ستة أنجم فيما يذكرون وما أثبتناه أليق بالصواب. [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 656- 657، كتاب الاستسقاء، باب (21) ، (22) رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء، حديث رقم (1030) ، (1031) . (مسلم بشرح النووي) : 4/ 457- 458، كتاب الصلاة، باب (46) ما يجمع صفة الصلاة، حديث رقم (235) ، (236) . (المسند) : 1/ 565، حديث رقم (3187) ، 584، حديث رقم (3318) . (كنز العمال) : 8/ 130، السجود وما يتعلق به حديث رقم (22239) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 332 الخامسة والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا يحب الطيب في الإحرام لأن الطيب من أسباب الجماع ادعى المهلب بن أبى صفره المالكي أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان لا يتجنب الطيب في الإحرام ونهانا عنه لضعفنا عن ملك الشهوات، إذا الطيب من أسباب الجماع فيكون ذلك من الخصائص وقد خولف المهلب في هذه الدعوى [ (1) ]   [ (1) ] أخرج البخاري في الحج، باب (18) الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم، ويترحل ويدهن، حديث رقم (1539) ، عن عائشة رضى اللَّه عنها زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قالت: «كنت أطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لإحرامه حين يحرم، ولحله قبل قبل أن يطوف بالبيت» . قال الحافظ في (الفتح) : وادعى بعضهم أن ذلك من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم قاله المهليب، وأبو الحسن القصار، وأبو الفرج من المالكية، قال بعضهم: لأن الطيب من دواعي النكاح، فنهى الناس عنه، وكان هو أملك الناس لإربه ففعله، ورجمه ابن العربيّ بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح، وقد ثبت عنه أنه قال «حبب إلى النساء والطيب» . أخرجه النسائي من حديث أنس، وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس. وقال المهلب: إنما خص بذلك لمباشرته الملائكة لأجل الوحي، وتعقب بأنه فرع ثبوت الخصوصية وكيف بها، ويردها حديث عائشة بنت طلحة المتقدم. وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عائشة قالت: «طيبت أبى بالمسك لإحرامه حين أحرم «ويبقو لها» طيبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بيدي هاتين أخرجه الشيخان من طريق عمر بن عبد اللَّه بن عروة، عن جدة، عنها، وسيأتي من طريق سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ «وأشارت بيديها» واعتذر بعض المالكية بأن عمل أهل المدينة على خلافه، وتعقب بما رواه النسائي، من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن سليمان بن عبد الملك لما حج جمع ناسا من أهل العلم- منهم القاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وسالم، وعبد اللَّه ابنا عبد اللَّه بن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث. فسألهم عن التطيب قبل الإفاضة، فكلهم امر به- فهؤلاء فقهاء أهل المدينة من التابعين، قد اتفقوا على ذلك، فكيف يدعى مع ذلك العمل على خلافه. (فتح الباري) : 3/ 509- 510. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 333 السادسة والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يسأل اللَّه تعالى في كل وقت بخلاف الأنبياء جميعا حيث لا يسألون اللَّه تعالى إلا أن يؤذن لهم نقل القضاعي في تفسيره في قوله تعالى فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها عن بعضهم أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان أخبر جبريل عليه السلام بما يجب من ذلك فأمره عن اللَّه تعالى أن يدعو اللَّه تعالى ويسأله فيه ففعل لأن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون اللَّه تعالى شيئا إلا من بعد أن يأذن لهم وفي هذا نظر [ (1) ] . السابعة والستون: لم يكن القمل يؤذيه صلى اللَّه عليه وسلّم تعظيما له وتكريما قاله: ابن سبع في كتاب (شفاء الصدر) [ (2) ] . الثامنة والستون: لم تهرم له دابة مما كان يركب صلى اللَّه عليه وسلّم كل دابة يركب عليها صلى اللَّه عليه وسلّم بقيت على القدر الّذي كان يركب عليها فلم يهرم له مركب. ذكره ابن سبع وقال: غريب ويعترض عليه بأن بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذهبت أسنانها من الهرم وعميت كما سيأتي ذكره. ***   [ (1) ] لم أجد ما يؤيد هذا الرأى. [ (2) ] (تاريخ الخميس) : 1/ 319. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 334 التاسعة والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس [كان] أعلى من جميع الناس وإذا مشى بين الناس [كان] إلى الطول ولم يكن أحد من الناس يماشيه إلا طاله. وذكره ابن سبع وقال: إنه حديث مشهور [ (1) ] ولم يكن أحد من الناس يماشيه إلا طاله، ذكره ابن سبع وقال: إنه حديث مشهور. ***   [ (1) ] قال الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) : ولم يكن صلى اللَّه عليه وسلّم بالقصير المتردد، فكان ينسب إلى الربعة ينسب إلى الطول ولم يكن على ذلك يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطويلين فيطولهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وإذا فارقاه نسبا إلى الطول، ونسب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الربعة. (دلائل أبى نعيم) : 2/ 637 حديث رقم (566) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 335 السبعون: لم يكفّر صلى اللَّه عليه وسلّم لأنه كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلا أن يكون تعليما للمؤمنين كما في عتقه صلى اللَّه عليه وسلّم رقبة في تحريم مارية عليها السلام قال الزمخشريّ [ (1) ] : في سورة التحريم في قوله تعالى: قَدْ فَرَضَ   [ (1) ] (الكشاف) : 4/ 113، القول في سورة التحريم، قال الإمام أحمد: ما أطلقه الزمخشريّ في حق النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تقول وافتراء والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم منه براء، وذلك أن تحريم ما أحله اللَّه على وجهين اعتقاد ثبوت حكم التحريم فيه فهذا بمثابة اعتقاد حكم التحليل فيما حرمه اللَّه عز وجل، وكلاهما محظور لا يصدر من المتسمين بسمة الإيمان وإن صدر سلب المؤمن حكم الإيمان واسمه الثاني الامتناع مما أحله عز وجل، وحمل التحريم بمجرده صحيح لقوله وحرمنا عليه المراضع من قبل أي منعنا لا غير، وقد يكون مؤكدا باليمين مع اعتقاد حله وهذا مباح صرف حلال محض. ولو كان على المنع ترك المباح والامتناع منه غير مباح، استحالت حقيقة الحال. بلا إشكال، فإذا علمت بدون ما بين القسمين، فعلى القسم الثاني تحمل الآية والتفسير الصحيح يعضده، فإن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حلف باللَّه لا أقرب مارية. ولما نزلت الآية كفّر عن يمينه، ويدل عليه قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ، وقال مالك في المدونة: عن زيد بن أسلم إنما كفر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في تحريمه أم ولده لأنه حلف أن لا يقر بها ومثله عن الشعبي، وهذا المقدار مباح ليس في ارتكابه جناح، وإنما قبل له لم تحرم ما أحل اللَّه لك، رفقا به وشفقة عليه وتنويها لقدره ولمنصبه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يراعى مرضات أزواجه بما يشق عليه جريا على ما ألف من لطف اللَّه تعالى بنبيه ورفعه عن أن يخرج بسبب أحد من البشر الذين هم أتباعه، ومن أجله خلقوا ليظهر اللَّه كمال نبوته بظهور نقصانهم عنه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 336 اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ [ (1) ] فإن قلت: هل كفّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لذلك قلت: عن الحسن أنه لم يكفر لأنه كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنما هو تعليم للمؤمنين، وعن مقاتل إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أعتق رقبة في تحريم ما ربه. واللَّه أعلم.   [ () ] والزمخشريّ قطعا لم يحمل التحريم على هذا الوجه لأنه جعله زلة فيلزمه أن يحمله على المحمل الأول. ومعاذ اللَّه وحاش للَّه وأن آحاد المؤمنين حاشى أن يعتقد تحريم ما أحل اللَّه له فكيف لا يربأ بمنصب النبي عليه السلام عما يرتفع عنه منصب عامة الأمة، وما هذه من الزمخشريّ إلا جراءة على اللَّه ورسوله، وإطلاق القول من غير تحرير وإبراز الرأى الفاسد بلا تخيير، نعوذ باللَّه من ذلك، وهو المسئول أن يجعل وسيلتنا إليه تعظيما لنبينا صلوات اللَّه عليه وأن يجنبنا خطوات الشيطان، ويقبلنا من عثرات اللسان. (تفسير القرآن العظيم) : 4/ 412، وهذا خلاف لما ذكره الحافظ ابن كثير من حديث زيد بن أسلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أصاب أم إبراهيم في بيت بعض نسائه، فقالت: أي رسول اللَّه في بيتي وعلى فراشي؟ فجعلها عليه حراما، قالت: أي رسول اللَّه كيف يحرم عليك الحلال؟ فحلف لها باللَّه لا يصيبها، فأنزل اللَّه تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ قال زيد بن أسلم فقوله أنت على حرام لغو، وهكذا روى عبد الرحمن بن زيد عن أبيه، وقال ابن جرير أيضا: حدثنا يونس، حدثنا ابن وهب، عن مالك، عن زيد بن أسلم، قال: قال لها «أنت على حرام واللَّه لا أطؤك» وقال القسطلاني في (المواهب اللدنية) : 2/ 654- 655، ومنها أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال اللَّه تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [سورة الفتح: الآية 2] قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه أخبره اللَّه تعالى بالمغفرة ولم ينقل أنه أخبره اللَّه تعالى بالمغفرة، ولم ينقل أنه أخبر أحدا من الأنبياء بمثل ذلك، ويدل له قولهم في الموقف: نفسي نفسي. وقد سبق إلى نحو هذا ابن عطية فقال: وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم، ولم تكن ذنوب البتة، ثم قال: وعلى تقدير الجواز لا شك ولا ارتياب أنه لم يقع منه صلى اللَّه عليه وسلّم، وكيف يتخيل خلاف ذلك وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى. [سورة النجم: الآية 4- 5] . [ (1) ] سورة التحريم: 2. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 337 الحادية والسبعون: إنه أسرى به صلى اللَّه عليه وسلّم إلى سدرة المنتهى ثم رجع إلى منزله في ليلة واحدة وهذه من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ]   [ (1) ] (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية) : 1/ 273- 275، وقت الإسراء كان في شهر ربيع الأول، أسرى بروحه وجسده يقظة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به من المسجد الأقصى إلى فوق سبع سماوات، ورأى ربه بعيني رأسه، وأوحى اللَّه إليه ما أوحى، وقرض عليه الصلوات الخمس، ثم انصرف في ليلته إلى مكة، فأخبر بذلك، فصدقه الصديق، وكل من آمن باللَّه. وكذبه الكفار واستوصفوه مسجد بيت المقدس، فمثله اللَّه له، فجعل ينظر إليه ويصفه. قال الزهري: وكان ذلك بعد المبعث بخمس سنين. حكاه عنه القاضي عياض، ورجحه القرطبي والنووي. واحتج بأنه لا خلاف أن خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة، بثلاث أو بخمس، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء. وتعقب: بأن موت خديجة بعد البعث بعشر سنين على الصحيح في رمضان، وذلك قبل أن تفرض الصلاة. ويؤيده إطلاق حديث عائشة، أن خديجة ماتت قبل أن تفرض الصلوات الخمس. ويلزم منه أن يكون موتها قبل الإسراء وهو المعتمد، وأما التردد في سنة وفاتها فيرده جزم عائشة بأنها ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، قاله الحافظ ابن حجر. وقيل: قبل الهجرة بسنة. قاله ابن حزم، وادعى فيه الإجماع. وقيل: قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر، قاله السدي وأخرجه من طريقه الطبري والبيهقي، فعلى هذا كان في شوال. وقيل: كان في رجب- حكاه ابن عبد البر، وقبله ابن قتيبة وبه جزم النووي في (الروضة) . وقيل: كان قبل الهجرة بسنة وثلاثة أشهر، فعلى هذا يكون في ذي الحجة، وبه جزم ابن فارس. وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين، ذكره ابن الأثير، وقال الحربي: إنه كان في سابع عشر من ربيع الآخر، كذا قال النووي في (فتاويه) ، لكن قال في شرح مسلم: في ربيع الأول. وقيل: كان ليلة السابع والعشرين من رجب، واختاره الحافظ عبد الغنى بن سرور المقدسي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 338 اللَّهمّ الا أن يكون في قوله في الحديث حيث يقول: جبريل عليه السلام للبراق حين جمح لما أراد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن يركبه: اسكن فو اللَّه ما ركبك خير منه وكذا في قوله: في الحديث فربط الدابة بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء ما يدل على انه قد كان يسرى بهم إلا أنا نعلم أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يشاركه أحد منهم في المبالغة في التقريب والدنو منه والتعظيم ولهذا كانت منزلته في الجنة أعلاها منزلة وأقربها إلى العرش كما جاء في الحديث ثم سلوا اللَّه لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللَّه وأرجو أن أكون أنا. فصلى اللَّه عليه وسلم وقد تقدمت أحاديث الإسراء. ***   [ () ] وأما اليوم الّذي يسفر عن ليلة الإسراء، فقيل الجمعة، وقيل السبت، وعن ابن دحية: يكون إن شاء اللَّه يوم الاثنين، ليوافق المولد والمبعث والهجرة والوفاة، فإن هذه أطوار الانتقالات: وجودا ونبوة ومعراجا وهجرة ووفاة. وقد سبق تخريج أحاديث الإسراء والمعراج في موضعها من (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 339 الثانية والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم صاحب اللواء الأعظم يوم القيامة وقد تقدم ذكر ذلك [ (1) ] .   [ (1) ] راجع (إمتاع الأسماع) : 3/ 224 بتحقيقنا، باب: وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه صلى اللَّه عليه وسلّم. وأخرج الترمذي في (السنن) : 5/ 546، كتاب المناقب، باب (1) في فضل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3610) ، ولفظه: حدثنا الحسن بن يزيد الكوفي. حدثنا عبد السلام بن حرب، عن ليث، عن الربيع بن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا أيسوا، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربى ولا فخر. وقال في (تحفة الأحوذي) : 8/ 465، (لواء الحمد) اللواء بالكسر وبالمد: الراية، ولا يمسكها إلا صاحب الجيش، قاله الجزري في النهاية. قال الطيبي: لواء الحمد عبارة عن الشهرة وانفراده بالحمد على رءوس الخلائق، ويحتمل أن يكون لحمده لواء يوم القيامة حقيقة، يسمى لواء الحمد. وقال الثوربشنى: لا مقام من مقامات عباد اللَّه الصالحين ارفع وأعلى من مقام الحمد، ودونه تنتهي سائر المقامات، ولما كان نبينا سيد المرسلين، أحمد الخلائق في الدنيا والآخرة أعطاه لواء الحمد ليأوى إلى لوائه الأولون والآخرون، وإليه الإشارة بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: آدم ومن دونه تحت لوائى. قال المباركفوري: حمل لواء الحمد على معناه الحقيقي هو الظاهر بل هو المتعين، لأنه لا يصير إلى المجاز مع إمكان الحقيقة. «وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائى» . قال الطيبي: نبي نكرة وقعت في سياق النفي، وأدخل عليه من الاستغراقية، فيفيد استغراق الجنس، وقوله: آدم فمن: إما بيان أو بدل من محله، ومن فيه موصولة وسواه صلته، وصح لأنه ظرف، وأثر الفاء التفصيلية في فمن سواه على الواو للترتيب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 340 الثالثة والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم يبعث هو وأمته على نشز من الأرض دون سائر الأمم وقد تقدم ذكر ذلك عند ذكر الشفاعة. الرابعة والسبعون: أن اللَّه تعالى يأذن له صلى اللَّه عليه وسلّم ولأمته في السجود في المحشر دون سائر الأمم كما رواه ابن ماجة عن جبارة بن المغلس الحماقى، ثنا عبد الأعلى بن أبى المساور، عن أبى بردة، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إذا جمع اللَّه الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود فيسجدون له طويلا، ثم يقال: ارفعوا رءوسكم فقد جعلنا عدوكم فداءكم من النار. وجبارة ضعيف وقد صح من غير وجه أنهم أول الأمم يقضى بينهم يوم القيامة وتقدم سجوده صلى اللَّه عليه وسلّم في أحاديث الساعة [ (1) ] . الخامسة والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم صاحب الحوض المورود وتقدمت الأحاديث في ذلك، فقد روى الترمذي وغيره أن لكل نبي حوضا ولكن نعلم أن حوضه صلى اللَّه عليه وسلّم أعظم الحياض وأكثرها واردا كما تقدم.   [ (1) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 1434، كتاب الزهد، باب (34) صفة أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4291) ، وقال في (الزوائد) : روى مسلم بمعناه وأتم سوق الحديث عن أبى بردة عن أبيه بإسناد أصح من هذا، ومع ذلك فقد أعله البخاري، قوله: «قد جعلنا عدتكم، ليس المراد أنهم يدخلون بمجرد أنهم فداء هذه الأمة، بل إنهم يدخلون لاستحقاقهم لذلك، ويكتفى بدخولهم عن دخول هذه الأمة، فصاروا فداء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 341 السادسة والسبعون: البلد الّذي ولد فيه صلى اللَّه عليه وسلّم أشرف بقاع الأرض ثم مهاجره وقيل: إن مهاجره أفضل البقاع كما هو مأثور عن الإمام مالك وجمهور أصحابه ونقله القاضي، عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ونقل الاتفاق على أن قبره صلى اللَّه عليه وسلّم الّذي ضم جسده المقدس بعد موته أشرف بقاع الأرض وقد سبقه إلى حكاية هذا الإجماع القاضي أبو الوليد الباجي وابن بطال. وأصل ذلك ما روى أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لما مات اختلفوا في موضع دفنه فقيل: بالبقيع وقيل: بمكة وقيل: ببيت المقدس فقال: أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن اللَّه لم يقبضه إلا في أحب البقاع إليه ذكره. عبد الصمد بن عساكر في كتابه (تحفة الزائر) بغير إسناد. وقال غيره: لما كان صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل الرسل، وكتابه أفضل الكتب، ودينه أشرف الأديان، وشريعته أشرف الشرائع، وهو أفضل الخلق، فوضع قبره له في أشرف المواضع. ويشهد له ما رواه الحاكم عن أبى سعيد الخدريّ قال: مر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بجنازة عند قبر فقال: قبر من هذا فقالوا: فلان الحبشىّ فقال: لا إله إلا اللَّه! سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها. ومسألة المفاضلة بين مكة والمدينة كثر المقال وطال النزاع فيها، فاستدل من قال بتفضيل مكة على المدينة بأن اللَّه تعالى حبس الفيل عن مكة وأهلها وأهلك جيش راكبه لما قصد غزو مكة كما تقدم ذكره وقال تعالى وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً. قيل: آمنا من النار وقيل: كان يأمن من الطلب من أحدث حدثا ولجأ إليه في الجاهلية، وهذا مثل قوله وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً على قول بعضهم، وقال: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً الجزء: 10 ¦ الصفحة: 342 وقال: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ وقال ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وقال وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ثم جعل اللَّه تعالى الكعبة لتمام الصلاة والحج والعمرة في القبلة التي لا تقبل صلاة إلا بالقصد نحوها، إليها الحج والعمرة المفروضات، وإنما فرضت الهجرة إلى المدينة قبل فتح مكة، فلما فتحت مكة بطلت الهجرة، وهذه فضيلة لمكة ثم للمدينة وقد أمر صلى اللَّه عليه وسلّم أن لا يسفك بمكة دم وأخبر أن اللَّه تعالى حرمها يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمها الناس، ونهى عن أن يستقبلها أحد أو يستدبرها ببول أو غائط. وخرج البخاري من حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في حجة الوداع: ألا أي شهر تعلمون أعظم حرمة قالوا: شهرنا هذا. قال: أي بلد تعلمون أعظم حرمة قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: فإن اللَّه حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا، ألا قد بلغت ثلاثة كل ذلك يجيبونه: ألا نعم. وخرجه أبو بكر بن أبى شيبة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه من طريق أبى معاوية عن الأعمش عن أبى صالح السمان عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: في حجته أتدرون أي يوم أعظم حرمة فقلنا: يومنا هذا، قال: في أي بلد أعظم حرمة فقلنا: بلدنا هذا، ثم ذكر مثل حديث ابن عمر. قال الحافظ الفقيه أبو محمد على بن حزم: وقد ذكر هذه الأدلة: وهذا جابر وابن عمر يشهدان أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قرر الناس على أي بلد أعظم حرمة فأجابوه بأنه مكة فصدقهم في ذلك وهذا إجماع من جميع الصحابة في إجابتهم له صلى اللَّه عليه وسلّم بأنه بلدهم ذلك وهم بمكة فمن خالف هذا فقد خالف الإجماع، فصح بالنص والإجماع أن مكة أعظم حرمة من المدينة وإذا كانت أعظم حرمة فهي أفضل بلا شك لأن عظم الحرمة لا يكون إلا للأفضل [ولا بد ولا يكون للأقل] . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 343 وخرج من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمر عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان بالحجون فقال: واللَّه إنك لخير أرض اللَّه، وأحب أرض اللَّه إلى، ولو لم أخرج منك ما خرجت، لم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي. وذكر باقي الحديث من طريق سعيد بن منصور قال: حدثنا عبد العزيز ابن محمد الدراوَرْديّ عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وقف على الحجون فقال: إنك خير أرض اللَّه وأحب أرض اللَّه إلى اللَّه ولو تركت فيك ما خرجت منك وذكر باقي الحديث. ومن طريق النسائي من حديث معمر عن الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في سوق الحزورة واللَّه إنك لخير أرض اللَّه وأحب البلاد إلى اللَّه ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت. وقال قتيبة: حدثنا الليث عن عقيل بن خالد وقال إسحاق حدثنا: يعقوب هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: حدثني أبى عن صالح بن كيسان ثم اتفق عقيل وصالح كلاهما عن الزهري قال: أخبرنى أبو سلمة أن عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو واقف على راحلته بالحزورة من مكة يقول: واللَّه إنك لخير أرض اللَّه وأحب أرض اللَّه إلى اللَّه ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت. قال البكري وجماعة المحدثين: يقولون: الحزورة بفتح الزاى وتشديد الراء وإنما هو حزورة بالتخفيف لا يجوز غيره قال الغنوي: يوم ابن جدعان يوم الحزورة. لم يختلف عقيل مع صالح في شيء من لفظه إلا أن عقيل قال: عن الزبيري عن أبى سلمة عن عبد اللَّه بن عدي أن ابن الحمراء، وعبد اللَّه هذا مشهور من الصحابة زبيري النسب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 344 ومن طريق أبى ذر الهروي من حديث أبى اليمان الحكم بن نافع أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرنى أبو سلمة أن عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء أخبره أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: وهو ما واقف بالحزورة من سوق مكة: واللَّه إنك لخير ارض اللَّه وأحب أرض اللَّه إلى اللَّه ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت قال: فارتفع الإشكال جملة وللَّه الحمد. وهذا خبر في غاية الصحة رواه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أبو هريرة وعبد اللَّه بن عدي ورواه عنهما أبو سلمة بن عبد الرحمن وعن أبى سلمة محمد ابن عمرو بن علقمة وعن محمد بن عمر وحماد بن سلمة والدراوَرْديّ ورواه عن الزهري أصحابه الثقات معمر وشعيب بن أبى حمزة وعقيل وصالح بن كيسان ورواه أيضا عنه يونس بن يزيد وعبد الرحمن بن خالد ورواه عن هؤلاء الجم الغفير، ولا مقال لأحد بعد هذا. وخرج من طريق قاسم بن أصبغ من حديث أحمد بن زهير وأبى بحر ابن أبى ميسرة قالوا جميعا: حدثنا سلمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم قال حدثنا: عطاء بن أبى رباح عن عبد اللَّه بن الزبير رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وإلا صلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجده هذا بمائة صلاة قال: أحد بن زهير سالت يحيى بن معين قال: ثقة وقال أحمد بن حنبل حبيب المعلم: ما أصح حديثه هذا لفظ أحمد ابن زهير. قال بن أبى ميسرة في روايته صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائه صلاة في مسجدي قال: ورويناه أيضا من طريق محمد بن عبيد عن حماد بن زيد باسناده ولفظه، ورويناه أيضا من طريق أبى معاوية عن موسى الجهنيّ عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .   [ (1) ] يراجع في ذلك (إعلام الساجد في أحكام المساجد) لبدر الدين الزركشي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 345 خرج مالك في (الموطإ) عن زيد بن رباح وعبد اللَّه بن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد حرام. قال ابن عبد البر: وقد روى عن أبى هريرة من طرق ثابتة صحاح متواترة. وقال أبو محمد بن حزم: فروى القدح بفضل مكة على المدينة كما أوردوا عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم جابر وأبو هريرة وابن عمرو بن الوبير، وعبد اللَّه بن عدي خمسة من الصحابة منهم ثلاثة مدنيون بأسانيد في غاية الصحة ورواها عن هؤلاء أبو صالح السمان ومحمد بن زيد بن عبد اللَّه بن عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعطاء بن أبى رباح منهم ثلاثة مدنيون ورواه عن هؤلاء عاصم بن محمد والأعمش ومحمد بن عمرو بن علقمة والزهري وحبيب المعلم منهم ثلاثة مدنيون ورواه عن هؤلاء واقد بن محمد وأبو معاوية محمد بن حازم وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وعبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ ومعمر وشعيب ابن أبى حمزة وعقيل بن خالد وصالح بن كيسان وعبد الرحمن بن خالد ويونس ابن يزيد منهم ثلاثة مدنيون ورواه عن هؤلاء من لا يحصى كثرة وقد ذكرنا أنه قول جميع الصحابة وقول عمر بن الخطاب مرويا عنه. وروينا من طريق يحى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن أسلم المنقري قلت: لعطاء: آتى مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأصلى فيه؟ قال: فقال عطاء: طواف واحد أحب إلى من سفرك إلى المدينة وهو قول أبى حنيفة وسفيان وأحمد وداود والشافعيّ وغيرهم. وقال ابن عبد البر: وذكر أبو يحى الساجي قال: اختلف العلماء في تفضيل مكة على المدينة فقال الشافعيّ: مكة خير البقاع كلها وهو قول عطاء والمكيين والكوفيين. وقال مالك: والمدنيون المدينة أفضل من مكة واختلف أهل البصرة والبغداديون في ذلك، فطائفة تقول مكة أفضل وطائفة تقول: المدينة أفضل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 346 وقال عامة أهل الأثر: أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بمائة صلاة. وقال القاضي عياض: إن تفضيل المدينة على مكة هو قول عمر بن الخطاب ومالك وأكثر المدنيين وذهب أهل مكة والكوفة إلى تفضيل مكة وهو قول عطاء وابن وهب وابن حيت من أصحاب مالك وحكاه الباجي عن الشافعيّ قال القاضي: ولا خلاف أن موضع قبره صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل بقاع الأرض. قال أبو الوليد الباجي: الّذي يقتضيه الحديث مخالف حكم مكة لسائر المساجد ولا يعلم منه حكمها مع المدينة وذهب الطحاوي إلى أن هذا التفضيل إنما هو تفضيل صلاة الفرض. وذهب مطرف من أصحابنا إلى أن ذلك في النافلة قال: وجمعته خير من جمعته ورمضانه خير من رمضانه. واستدل المالكيون على تفضيل المدينة على مكة بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم حرّم المدينة كما حرم إبراهيم مكة وإني دعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة وليس فيه إلا أنه صلى اللَّه عليه وسلّم حرمها كما حرم إبراهيم مكة ودعا لها كما دعا غير إبراهيم لمكة وليس في ذلك ما يقتضي تفضيلها على مكة. وقد حرم صلى اللَّه عليه وسلّم الدماء والأعراض والأموال فما دل ذلك على فضل واحتجوا بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا ومدنا، اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه ويقول اللَّهمّ اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة، وهذا أيضا إنما في الدعاء للمدينة بزيادة البركة وهي واللَّه مباركة. وقد دعا إبراهيم عليه السلام لمكة بما أخبر به اللَّه تعالى إذ يقول: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ ولم يدع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم للمدينة بأن تهوى أفئدة الناس إليها أكثر من هويها إلى مكة لأن الحج إلى مكة لا إلى المدينة فصح أن دعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم للمدينة بمثل ما دعا إبراهيم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 347 لمكة ومثله معه إنما هو مما في الثمرات وأن الثمار بالمدينة الآن أكثر مما بمكة وليس هذا من باب الفضل في شيء. ومنها قوله: صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة كالكير تنفى خبثها وتنصع طيبها وإنما تنفى الناس كما ينفى الكير خبث الحديث. وهذا الحديث لا يقتضي أفضليته على مكة وليس هو على عمومه فقد قال تعالى وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ. وقال تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ فصح أنهم أخبث الخلق وقد كانوا بالمدينة وخرجوا منها، وطلحة والزبير وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وعبد اللَّه بن مسعود في عدة أخر، وهم أطيب الخلق فصح بيقين أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يعن بأن المدينة تنفى الخبث إلا في خاص من الناس وفي خاص من الزمان لا عاما. وقد نص على هذا صلى اللَّه عليه وسلّم كما رجحه مسلم من طريق عبد العزيز الدراوَرْديّ عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: في حديث: ألا إن المدينة كالكير يخرج الخبث لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد. وخرج النسائي حديث الأوزاعي عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة عن أنس بن مالك عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ليس بلد إلا سيطؤه الدجال إلا المدينة ومكة على كل نقب من أنقاب المدينة صافين يحرسونها فينزل، فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج اللَّه منها كل منافق وكافر. وهذا نص فيما قلنا وليس في جميع ذلك أنها أفضل من مكة إلا ما يقام عليه بدليل. ومنها قوله صلى اللَّه عليه وسلّم يفتح اليمن فيأتى قوم يسبون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وذكر مثل هذا سواء في فتح الشام أو العراق وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم يأتى على الناس زمان يأتى الرجل ابن عمه هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء والمدينة خير الجزء: 10 ¦ الصفحة: 348 له لو كانوا يعلمون والّذي نفسي بيده لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف اللَّه من هو خير منه وهذا إنما في أن المدينة هي لهم من اليمن والشام والعراق وبلاد الرخاء ولا شك في هذا وليس في فضلها على مكة وهذا أيضا خاص بمن خرج منها طلب رخاء أو لغرض دنيا وأما من يخرج عنها لجهاد أو شيء من الخير فلا، بل كان خروج الذين خرجوا منها بجهاد ونحوه أفضل من إقامتهم بها بدليل أنه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج عنها للجهاد وأمر الناس بالخروج معه وتوعد من تخلف بالمدينة لغير عذر وبعث أصحابه إلى اليمن والبحرين وعمان يدعون إلى الإسلام ويعلمون الناس القرآن والسنن فبطل التعلق بهذا الحديث على فضل المدينة على مكة. وأما قوله لا يخرج منهم رغبة عنها إلى أخرى فإنه حق فإن من رغب عن المدينة أثم لرغبته عنها وكذلك من رغب عن مكة وليس في هذا فضل بها على مكة. ومنها قوله صلى اللَّه عليه وسلّم إن الإيمان يأزر إلى المدينة، كما تأرز الحية إلى جحرها وليس في هذا فضلها على مكة وهو أيضا إخبار عن وقت دون وقت فإنّها اليوم من سنين مضت على خلاف ذلك. فقد جاء هذا الخبر بزيادة كما خرجه مسلم من طريق عاصم بن محمد ابن زيد بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه عن جده عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأزر بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها ففي هذا أن الإيمان بين مسجد مكة ومسجد المدينة. ومنها حديث أنس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدر المدينة أوضع راحلته مرجعها وهذا إنما في حب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم له، أو نعم كان يحبها لكن ليس فيه أنه كان يحبها أكثر من مكة ولا أنها أفضل من مكة. ومنها قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: لا يكيد أحد أهل المدينة إلا انماع كما ينماع الملح في الماء، وقوله: لا يريد أحد أهل المدينة بشر إلا أذابه في النار ذوب الرصاص الجزء: 10 ¦ الصفحة: 349 وذوب الملح في الماء ومن أخاف أهل المدينة أخافه اللَّه وعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا. وقوله: مثل هذا فيما أحدث فيها أو أوى محدثا وهذا كله إنما في الوعيد لمن كاد أهلها ولا يحل كيد مسلم وليس فيه أنها أفضل من مكة، وقد قال تعالى وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ وهذا نص صريح بوعيد من ظلم بمكة كوعيده صلى اللَّه عليه وسلّم من كاد أهل المدينة. ومنها قوله: لا يثبت أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شيعا أو شهيدا يوم القيامة وهذا إنما في الحض على الثبات على شدتها وأنه يكون لهم شفيعا وليس في هذا دليل على فضلها على مكة وقد صح أيضا أنه يشفع لجميع أمته وقال صلى اللَّه عليه وسلّم: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينها والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وهذه فضيلة لا تكون إلا لمكة والشفاعة يدخل فيها من برّ من المسلمين ومن فجر فتأمل ذلك يظهر لك منه تفضيل مكة. ومنها قوله: اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كحبنا مكة وأشد وهذا إنما في الدعاء في وقوع أحد الأمرين، إما أن يحببه تعالى المدينة كحبنا مكة أو أشد وهذا إنما فيه الدعاء في وقوع أحد الأمرين إما أن يحسبه تعالى المدينة كحبه صلى اللَّه عليه وسلّم مكة أو يحببه المدينة أكثر من حبه لمكة ولم يبين لنا أي الأمرين أجيب به دعاؤه وحب البلد يكون للموافقه وللألفه وليس في هذا فضل على مكة. ومنها قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: لقاب قوس أحدكم من الجنة وموضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها. وقوله: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة وقبري ومنبري على حوضي. قال القاضي عياض، عن الطبري: فيه معنيان أحدهما أن المراد بالبيت بيت سكناه على الظاهر مع أنه روى ما يثبته بين حجرتي ومنبري والثاني أن البيت هنا القبر وهو قول يزيد بن أسلم في هذا الحديث كما روى بين قبري ومنبري. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 350 قال الطبري: وإذا كان قبره في بيته فاتفقنا معا في الروايات ولم يكن فيها خلاف لأن قبره في حجرته وهو بيته. قال: وقوله: ومنبري على حوضي يحتمل أنه منبره بعينه الّذي كان في المدينة وهو أظهر. والثاني أن يكون هناك له منبر والثالث أن قصه منبره والحوض عنده لملازمة الأعمال لصالحه يورد الحوض ويوجب الشرب منه. قال القاضي: وقوله: روضة من رياض الجنة يحتمل معنيين أحدهما أنه موجب لذلك وأن الدعاء والصلاة فيه يستحق ذلك من الثواب كما قيل الجنة تحت ظلال السيوف. والثاني أن تلك البقعة قد ينقلها اللَّه فتكون في الجنة بعينها قاله الداوديّ. قال ابن حزم: وأرادوا أن يثبتوا من هذا أن مكة من الدنيا كموضع قاب قوسين من تلك الروضة وتلك الروضة خير من مكة وليس هذا كما ظنوه ولو كان ذلك لكانت مصر والكوفة خير من مكة والمدينة. روينا عن مسلم حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن نمير حدثنا محمد بن أنبأنا عبيد اللَّه هو ابن عمرو عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سيحان وحيجان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة وهذا ما لا يقوله مسلم: أن هذه البلاد من أجل ما فيها من أنهار الجنة خير من المدينة ومكة. قال: وهذا أن الحديثين ليسا على ما يظنه أهل الجهل من أن تلك الروضة قطعه منقطعة من الجنة أو أن هذه الأنهار مهبطه من الجنة لأن اللَّه تعالى يقول: في الجنة: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى فهذه صفة الجنة وليست هذه الأنهار ولا تلك الروضة بهذه الصفة فصح كون تلك الروضة من الجنة إنما هو لفضلها وأن الصلاة فيها تؤدى إلى الجنة وأن تلك الأنهار لبركتها أضيفت إلى الجنة كما تقول: في اليوم الطيب هذا يوم من أيام الجنة، وكما قيل في العنان: إنها من دواب الجنة وكما قال صلى اللَّه عليه وسلّم: الجنة تحت ظلال السيوف وهذا في أرض الكفر بلا شك وليس في هذا فضل لها على مكة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 351 ثم لو صح ما ادعوه لما كان الفضل إلا لتلك الروضة خاصة لا لسائر المدينة وهذا خلاف قولهم. فإن قالوا: ما قرب فيها أفضل مما بعد قلنا فليلزمكم على هذا أن تكون الجحفة ووادي القرى أفضل من مكة لأنهما أقرب إلى الروضة من مكة وهذا لا يقولونه، فبطل تعلقهم بهذا الخبر. وقال أبو عمر بن عبد البر: اختلف الناس في تأويل قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم: ما بين قبري ومنبري، وروى ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة فقال قوم: معناه أن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل في رياض الجنة. وقال آخرون: قال: فإنّهم يعنون أنه لما كان جلوسه صلى اللَّه عليه وسلّم وجلوس الناس إليه يتعلمون القرآن والدين هناك شبه ذلك الموضع بالروضة لكريم [يحصل فيه] في وأضافها إلى الجنة كما قال صلى اللَّه عليه وسلّم: الجنة تحت ظلال السيوف يعنى أنه عمل يوصل به إلى الجنة وهذا جائز شائع في لسان العرب واللَّه أعلم بما أراد من ذلك. وقد استدل أصحابنا على أن المدينة أفضل من مكة بهذا الحديث وركبوا عليه قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها وهذا لا دليل فيه على ما ذهبوا إليه إلا أن قوله هذا أراد به ذم الدنيا والزهد فيها والترغيب في الآخرة فأخبر أن السير من الجنة خير من الدنيا كلها وأراد بذلك السوط التقليل لا أنه أراد موضع السوط بعينه بل موضع نصف سوط وربع سوط من الجنة الباقية خير من الدنيا الفانية وهذا مثل قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ لم يرد القنطار بعينه وإنما أراد الكثير وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لم يرد الدينار يعينه وانما أراد القليل أي أن منهم من يؤتمن على بيت مال فلا يخون ومنهم من يؤتمن على فلس أو نحوه فيخون على أن قوله: روضة من رياض الجنة يحتمل ما قال العلماء في ما قدمنا ذكره فلا حجة لهم في شيء مما ذهبوا إليه والمواضع كلها البقاع أرض اللَّه فلا يجوز أن يفضل منها شيء على شيء إلا بما يجب التسليم له وإني لا أعجب لمن يترك قول: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 352 رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذ وقف بمكة على الحجون وقيل: على الحزورة فقال: واللَّه إني لأعلم أنك خير أرض اللَّه وأحبها إلى اللَّه ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت، وهذا حديث صحيح. رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة وعبد اللَّه بن عدي بن الحمراء جميعا عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فكيف يترك مثل هذا النص الثابت وبمال إلى أقوال لا تجامع مقاولة عليه؟ قال: وقد روى عن مالك ما يدل على أن مكة أفضل الأرض كلها ولكن المشهور عن أصحابه في مذهبه تفضيل المدينة ثم ذكر من طريق أحمد بن داود حدثنا سحنون حدثنا عبد اللَّه بن وهب قال: حدثني مالك بن أنس أن آدم لما أهبط إلى الأرض بالهند أو بالسند قال: يا رب هذه أحب الأرض إليك أن تعبد فيها قال: بل مكة فسار آدم حتى أتى مكة فوجد عندها ملائكة يطوفون بالبيت ويعبدون اللَّه تعالى فقالوا: مرحبا يا آدم يا أبا البشر، إنا منتظروك هاهنا منذ ألفى سنة قال: وكان مالك يقول: من فضل المدينة على مكة أنى لا أعلم فيها قبر نبي معروف غيرها وهذا واللَّه أعلم وجهه عندي من قول مالك، كأنه ما لا يشك فيه وما يقطع العذر خبره وإلا فإن الناس يزعم منهم الكثير أن قبر إبراهيم عليه السلام ببيت المقدس وإن قبر موسى عليه السلام هناك أيضا. قال أبو عمر: إنما يحج بقبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وبفضائل المدينة وما جاء فيها عنه صلى اللَّه عليه وسلّم وعن أصحابه على من أنكر فضلها وجعلها كسائر بقاع الأرض لأن تلك الآثار أثبتت فضلها وأوضحت موضعها وكرامتها. وأما من أقر بفضلها وعرف موضعها وأقر أنه ليس على وجه الأرض بعد مكة أفضل منه فقد أنزلها منزلها وخرج بها وعرف لها حقها واستعمل القول بما جاء عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في مكة لأن فضائل البلدان لا تدرك بالقياس والاستنباط وإنما سبيلها التوقيف، وكل يقول بما بلغه وصح عنده والآثار في فضل مكة عن السلف أكثر وفيها بيت اللَّه الّذي رضى من عباده على الحط لأوزارهم بقصده مرة في العمر وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي أفضل من ألف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 353 صلاة في ما سواه إلا المسجد الحرام قال أبو محمد بن حزم تأويلهم أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاد في مسجد مكة بدون ألف وقلنا نحن: بل هذا الاستثناء لأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد المدينة وكلا التأويلين محتمل، نعم. وتأويل ثالث أيضا وهو إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في كليهما سواء فلا يجوز المصير إلى أحد هذه التأويلات إلا بنص آخر وبطل أن يكون في هذا الخبر بيان في فضل المدينة على مكة وقال: أبو عمر بن عبد البر اختلفوا في تأويله ومعناه فتأوله قوم منهم أبو بكر عبد اللَّه بن نافع الزبيري صاحب مالك على أن الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف درجة، وأفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة، وقال: بذلك جماعة من المالكيين ورواه بعضهم عن مالك. وتأويل ابن نافع بعيد عند أهل المعرفة باللسان ويلزمه أن يقول: إن الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بتسعمائة ضعف وتسعة وتسعين ضعفا وإذا كان هذا كهذا لم يكن للمسجد الحرام فضل على سائر المساجد إلا بالجزء اللطيف على تأويل ابن نافع هذا. وحسبك ضعفا بقوله: يؤول إلى هذا وقد زعم بعض المتأخرين من أصحابنا أن الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بمائة صلاة ومن غيره بألف صلاة واحتج لذلك بما رواه سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال: سمعت عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه فتأول بعضهم هذا الحديث أيضا عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على أن الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خير من تسعمائة صلاة في المسجد الحرام، وهذا كله تأويل لا يعضده أصل ولا يقوم عليه دليل، وحديث سليمان بن عتيق هذا حجة فيه لأنه مختلف في إسناده وفي لفظه وقد خالفه فيه من هو أثبت منه. فمن الاختلاف عليه في ذلك ما ذكر من طريق قاسم بن أصبغ محمد بن وضاح حدثنا حامد بن يحيى حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد الخراساني أبى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 354 عبد الرحمن قال: أخبرنا سليمان بن عتيق قال: سمعت عبد اللَّه بن الزبير يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. ومن طريق أبى عبد اللَّه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال: حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال سمعت ابن الزبير على المنبر يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة. فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فإنما فضله عليه بمائة صلاة. فهذا خلاف ما ذكروه في حديث ابن عتيق عن ابن الزبير عن عمر فكيف يحتجون بحديث قد روى فيه ضد ما ذكروه أيضا في رواية الثقات إلى ما في إسناده من الاختلاف أيضا. وقد ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرنى سليمان بن عتيق وعطاء عن ابن الزبير أنهما سمعاه يقول: صلاة في المسجد الحرام خير من مائتي صلاة فيه ويشير إلى مسجد المدينة. وذكر من طريق قاسم بن أصبغ قال: حدثنا أبو يحيى بن أبى مرة ومحمد بن عبد السلام الخشنيّ قالا: حدثنا محمد بن أبى عمر حدثنا سفيان بن زياد بن سعد حدثنا سليمان بن عتيق قال: سمعت ابن الزبير يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فإنما فضله عليه بمائة صلاة. فهذا حديث سليمان بن عتيق محتمل للتأويل لأن قوله: فضله عليه يحتمل الوجهين إلا أنه قد جاء عن عبد اللَّه بن الزبير أيضا من نقل الثقات خلاف ما تأوله عليه على أنه لم يتابع فيه سليمان بن عتيق على ذكره عمر وهو مما أخطأ فيه عندهم سليمان بن عتيق وانفرد به، وما انفرد به فلا حجة فيه وإنما الحديث محفوظ عن ابن الزبير على وجهين: طائفه توقفه عليه فتجعله من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 355 قوله، وطائفة ترفعه عند النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمعنى واحد أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمائة ضعف. هكذا رواه عطاء بن أبى رباح عن عبد اللَّه بن الزبير واختلف في رفعه عن عطاء على حسب ما ذكرنا وما رفعه منه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أحفظ وأثبت من جهة النقل وهو أيضا صحيح في النظر لأن مثله لا يدرك بالرأي ولا بدّ فيه من التوفيق فلهذا قلنا من رفعه أولى مع شهادة أئمة أهل الحديث الّذي رفعه عن ابن الزبير من رواية عطاء بن أبى رباح الحجاج بن أرطاة وابن جريح على أن ابن جريح رواه عن سليمان بن عتيق أيضا بمثل روايته عن عطاء سواء، فحديث الحجاج بن أرطاة حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد ابن زهير حدثنا أبى حدثنا هشيم أخبرنا الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن عبد اللَّه ابن الزبير قال: الصلاة في المسجد الحرام تفضل على مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمائة ضعف قال عطاء: فنظرنا في ذلك فإذا هي تفضل على سائر المساجد بمائة ألف ضعف. ذكر عبد الرزاق وغيره عن أبى جريج قال: أخبرنى عطاء أنه سمع ابن الزبير يقول: على المنبر: صلاة في المسجد الحرام خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد قال: قلت: لم يسم مسجد المدينة قال: ليخيل إلى أنه إنما أراد مسجد المدينة. قال ابن جريج: أخبرنى سليمان بن عتيق بمثل خبر عطاء هذا قال: حدثني بشير بن الزبير إلى المدينة هكذا قال ابن جريج: بألف على ما أشار عليه وتأوله ابن جريج في حديثه هكذا تكون الصلاة في المسجد الحرام تفضل على الصلاة في كل المساجد غير مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بألف ألف ولكن الحديث لم يقمه ولا رواه إلا حبيب المعلم عن عطاء اقام إسناده وجود لفظه فأتى بالمعروف في الصلاة في المسجد الحرام بأنها بمائة ألف صلاة وفي مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بألف صلاة فذكر من طريق قاسم بن أصبغ حدثنا أبو يحيى عبد اللَّه ابن أبى مرة فقيه مكة حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حبيب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 356 المعلم عن عطاء بن أبى رباح عن عبد اللَّه بن الزبير قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي. ومن طريقه أيضا حدثنا أحمد بن زهير حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء عن عبد اللَّه بن الزبير قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة، ما شبه حبيب المعلم هذا الحديث جودة ولم يخلط في لفظه ولا في معناه وكان ثقة وليس في هذا الباب عن ابن الزبير ما يحتج به عند أهل العلم بالحديث إلا حديث حبيب هذا، قال ابن أبى خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: حبيب المعلم ثقة ما أصح حديثه وسأل أبو زرعه الرازيّ عن حبيب المعلم فقال: بصرى ثقة، وقد روى في هذا الباب عن عطاء عن جابر حديث نقلته ثقات كلهم بمثل حديث حبيب المعلم سواء وجائز أن يكون عند عطاء في ذلك عن جابر وعبد اللَّه بن الزبير فيكونان حديثين وعلى هذا يحمله أهل العلم بالحديث فذكر من طريق قاسم حديث حكيم بن شعبه حدثنا عبيد اللَّه بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن عطاء بن أبى رابح عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه، وحكيم بن سفيان هذا شيخ من أهل الرقة قد روى عنه أبو زرعة الرازيّ وغيره وأخذ عنه ابن وضاح وهو عندهم شيخ صدوق لا بأس به فإن كان حفظ فهما حديثان وإلا فالقول قول: حبيب المعلم على ما ذكرنا. وقد روى في هذا الباب أيضا حديث بهذا المعنى عن عطاء عن ابن عمر مفردا وهو عندهم حديث آخر لا شك فيه لأنه روى عن ابن عمر من وجوه، فذكر من طريق إسماعيل بن علية حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق حدثنا عبد الملك، عن عطاء عن ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: صلاة في مسجدي هذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 357 أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل. ومن طريق عمر بن عبيد عن عبد الملك عن عطاء ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فهو أفضل. ومن طريق أبى معاوية عن موسى الجهنيّ عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فإنه أفضل منه بمائة صلاة. قال: وقد روى عن أبى الدرداء وجابر مثل هذا المعنى سواء فذكره من طريق أحمد بن عمر والرازيّ حديث سالم القداح حدثنا سعيد بن بشير عن إسماعيل بن عبيد اللَّه عن أم الدرداء عن أبى الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائه ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة، قال البزار: هذا إسناد حسن وقد روى من حديث عثمان بن الأسود عن مجاهد عن جابر مثله سواء. وروى عبد الحميد عن ابن عيينة قال: حدثني عمر بن سعيد عن أبيه عن أبى عمر والشيباني قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: المرأة أفضل صلاتها في بيتها إلا في المسجد الحرام، وهذا تفضيل منه للصلاة فيه على الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لأصحابه: صلاة أحدكم في بيته أفضل من صلاته في مسجدي إلا المكتوبة وقد اتفق مالك وسائر العلماء على أن صلاة العيدين يبرز لها في كل بلد إلا بمكة فإنّها تصلى في المسجد الحرام. ومن طريق قاسم من حديث سفيان حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام قال سفيان: فيرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائه ألف صلاة فيما سواه من المساجد، من طريق ابن وضاح قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: سمعت ابن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 358 وهب يقول: ما رأيت اعلم بتفسير الحديث من ابن عيينة قال: ابن عبد البر وحسبك في هذا الحديث بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم لمكة واللَّه إني لأعلم أنك خير أرض وأحبها إلى اللَّه ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت وهذا من أصح الآثار عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وذكر من طريق عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء ثم قال: وهذا قاطع في موضع الخلاف ثم ذكر من طريق ابن سنجر حدثنا محمد بن عبيدة عن طلحة ابن مر عن عطاء عن ابن عباس قال: لما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من مكة قال: أما واللَّه أنى لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد اللَّه إلى اللَّه وأكرمه على اللَّه ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت ومن طريق قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن يوسف ابن مهران عن ابن عباس قال: قال على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إني لأعلم أحب بقعة إلى اللَّه في الأرض، وأفضل بئر في الأرض، وأطيب أرض في الأرض فأما أحب بقعة في الأرض إلى اللَّه فالمسجد الحرام وما حوله وأفضل بئر في الأرض زمزم وأطيب أرض في الأرض ريحا الهند هبط بها آدم عليه السلام من الجنة فعلق شجرها من ريح الجنة فهذا عمر وعلى وابن مسعود وأبو الدرداء وابن عمر وجابر يفضلون مكة ومجدها وهم أولى بالتقليد ممن بعدهم وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: صلاة في المسجد الحرام خير من مائه صلاة في مسجد المدينة قال معمر: وسمعت أيوب يحدث عن أبى العالية عن عبد اللَّه بن الزبير مثل قول قتادة: وذكر عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن أصبغ وعن ابن وهب أنهما كانا يذهبان إلى تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على ما في أحاديث هذا الباب قال ابن عبد البر: أصحابنا يقولون: أن قول ابن عيينة حجه حين حدث بحديث أبى الزبير عن أبى صالح عن ابى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة قال: ابن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 359 عيينة حجه لأنه إذا قال كانوا يرون غنما حكى عن التابعين فيلزمهم مثل ذلك في قول ذلك في قول ابن عيينة في تعبير حديث هذا الباب لأنه قال: إذ حدث به وكانوا يرون الصلاة في المسجد أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه ولا يشك عالم منصف في أن ابن عتيينة فوق ابن نافع في الفهم والفضل والعلم وأنه إذا لم يكن منهم بد من التقليد فتقليده أولى من تقليد ابن نافع وفيما ذكرنا من هذا الباب عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم عن ما سواهم، هذا ملخص ما ذكره في كتاب (التمهيد) وقال: في كتاب الاستذكار وقد ذكر حديث مالك عن أبى هريرة يرفعه صلاة في مسجدي هذا خير من ألف: صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وأجمعوا على صحته، واختلفوا في تأويله وكان عبد اللَّه بن نافع الزبيري صاحب مالك فيما روى يحيى بن يحيى عنه أنه سأله عن معنى هذا الحديث فقال: معناه أن الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلوات في سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجد لنبي صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلاة فيه دون الالف صلاة وهذا التأويل على بعده ومخالفة أكثر أهل العلم لما فيه فإنه لا حظ له في اللسان العربيّ لانه لا يقوم في اللسان الا بقرينه وبيان، لا بيان ولا دليل لمن تأول تأويل ابن نافع يشهد له وأهل العربية يقولون: إذا قلت اليمن أفضل من جميع البلاد بألف درجه إلا العراق جاز أن يكون العراق مساويا وفاضلا مفضولا إذا كان مساويا فقد علم مقدار فضله وإذا كان فاضلا أو مفضولا فمعلن في الفضل لا يعلم كم مقدار المفاضلة بينهما الا بقرينه ودليل على عدة درجات إما زائدة أو ناقصة فيحتاج إلى الإتيان وقد علمنا أنه لم يحتمل ابن نافع ما تأوله في الحديث إلا ما كان يذهب إليه هو وشيخه مالك من تفضيل المدينة على مكة وتفضيل مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على صلى اللَّه عليه وسلّم على المسجد الحرام ثمّ ذكر على ما تقدم انتهى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 360 ومنها قوله صلى اللَّه عليه وسلّم على أبواب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال وهذا ليس فيه تفضيلها على مكة لأنه أخبر صلى اللَّه عليه وسلّم أن المدينة لا يدخلها الدجال. خرج البخاري ومسلم من طريق الوليد بن مسلم حدثنا عمر حدثنا إسحاق قال: حدثني أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ليس بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج اليه كل كافر ومنافق وقد صح أن الملائكة تنزل على المصلين في كل بلد كما أخبر صلى اللَّه عليه وسلّم أنهم يتعاقبون فينا ملائكة بالليل والنهار فشارك المدينة غيرها من البلاد في حلول الملائكة بها، ومنها قوله صلى اللَّه عليه وسلّم هي طيبه وصدق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنها واللَّه طيبة لكن ليس في هذا فضل لها على مكة واحتجوا بأن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لعبد اللَّه بن عياش بن أبى ربيعة أنت القائل لمكة خير من المدينة فقال له عبد اللَّه: هي حرم اللَّه وأمنه وفيها قبلته، فقال له عمر إني لا أقول في حرم للَّه ولا في بيت اللَّه شيئا أنت القائل لمكة خير من المدينة ثم انصرف، وهذا ليس فيه إلا أن عبد اللَّه بن عياش وهو أحد الصحابة كان يقول: مكة أفضل من المدينة وليس في هذا الخبر عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه تفضيل المدينة على مكة ولا تفضيل مكة على المدينة وإنما فيه تقرير عبد اللَّه على هذا القول فقط وقد صح عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن مكة أفضل من المدينة كما تقدم من طريق قاسم بن أصبغ يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فهذان صاحبان لا يعرف لهما من الصحابة مخالف ومثل هذا حجة عندهم. وخرج عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب قال: من يعتكف في مسجد إيليا فاعتكف في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أجزأ عنه ومن نذر أن يعتكف في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فاعتكف في المسجد الحرام اجرأ عنه فهذا سعيد بن المسيب فقيه أهل المدينة يصرح بفضل مكة على المدينة كفضل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 361 المدينة على بيت المقدس واحتجوا ونحوا فيه بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رأى ميتا فقال: دفن في التربة التي خلق منها قالوا: والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم دفن بالمدينة فمن تربتها خلق وهو أفضل الخلق فهي أفضل البقاع وهذا حديث روى من طريقين إحداهما فيها محمد بن الحسن بن زبالة عن أنيس بن يحيى مرسل والأخرى من رواية أبى خالد عن يحيى البكاء فأما محمد بن الحسن بن زبالة القرشي المخزومي المدني أحد المكثرين الضعفاء روى عن أسامة بن زيد وسعيد بن أبى سعيد المقبري ومالك بن أنس ومحمد بن جعفر بن أبى كثير وخلائف، وحدث عنه أبو خيثمة وأحمد بن صالح، والزبير بن بكار وجماعة اسقطوه لحديثه عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة حديث فتحت البلاد بالسيف، وفتحت المدينة بالقرآن وبغير هذا من الحديث قال: أبو داود كذاب وقال ابن معين: واللَّه ما هو ثقة وقال البخاري: عنده مناكير قال أنب معين: كان يسرق الحديث، وقال النسائي: وغيره متروك وقال أبو حاتم: وهي الحديث وليس بمتروك وما أبه حديثه بحديث عمر بن أبى بكر الموصلي والواقدي ويعقوب بن محمد الزهري وعبد العزيز بن عمران، وقال ابن حزم: هو ساقط بالجملة قال فيه يحيى: ليس بالثقة وهو بالجملة متفق على اطراحه، وأما أنيس بن يحيى فقال ابن حزم: ولا ندري من أنيس بن يحيى، وأما أبو خالد فهو مجهول عن يحيى البكاء واختلف في أسم أبيه فقيل: مسلم وقيل: سليم وقيل: يحيى بن أبى خليد أبو مسلم وقيل: أبو سلم وقيل: أبو الحكم يروى عن أبى عمرو عن السعيد بن المسيب وأبى العالية وغيره ويروى عنه عبد الوارث بن سعيد وعلى بن عاصم، وجماعة قال أحمد: ليس بثقة وقال ابن معين: ليس بذاك وقال أبو زرعة ليس بقوى، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال النسائي متروك الحديث وقال ابن عدي ويحيى البكاء هذا ليس بذاك المعروف وليس له كثير رواية فبهذا قد تبين ضعف الحديث بل قال فيه ابن حزم: وهذا خير موضوع ثم لو صح لما كانت فيه حجة لأنها قد دفن فيها المنافقون ودفن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون، وداود وسليمان في الشام ولا يقول: مسلم من آجل ذلك أن الشام أفضل من مكة وفي حديث محمد بن الحسن ابن زبالة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 362 عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: فتحت البلاد بالسيف حديث: وفتحت المدينة بالقرآن وقد اسقطوه لهذا ولغيره، وقال ابن عدي: وأنكر ما روى حدي هشام بن عروة حديث: فتحت القرى بالسيف وقال ابن حزم: وهذا أيضا من رواية محمد بن الحسن بن زبالة المذكور بوضع الحديث وهذا من وضعه بلا شك لأنه رواه عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهذا اسناد تفرد به ابن زبالة دون سائر من روى عن مالك من الثقات ثم لو صح ما كانت فيه حجه في فضلها لان البحرين وأكثر مدائن اليمن وصنعاء والجند لم تفتح بالسيف إلا بالقرآن فقط وليس ذلك بموجب فضلها على مكة عند كل أحد من المسلمين، ومنها حديث ابن زبالة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إنه قال: ما على الأرض بقعة أحب إلى اللَّه تعالى من أن يكون قبري فيها منها، هكذا رواه مرسلا ولو صح لما كان فيه حجه في فضلها على مكة لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كره للمهاجرين؟ وهو عندهم أن يرجعوا إلى مكة ليحشروا غرباء مطرودين عن وطنهم في اللَّه تعالى، حتى أنه صلى اللَّه عليه وسلّم رثى لسعد ابن خولة أن مات بمكة ولم يجعل للمهاجر معه تمام نسكه أن يبقى بمكة إلا ثلاث ليال فقط فإذا خرجت مكة بهذه العلة على أن يدفن فيها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فالمدينة أفضل البقاع بعدها بلا شك وقد. خرج البزار من طريق أبى نعيم الفضل بن دكين حدثنا محمد بن قيس عن أبى برده بن أبى موسى الأشعري عن أبى موسى قال: مرض سعد بمكة فأتاه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يعوده فقال له: يا رسول اللَّه أليس نكره أن يموت الرجل في الأرض التي هاجر منها قال: بلى وذكر باقي الحديث هذا نص ما قلنا ومنها حديث محمد بن زبالة عن محمد بن إسماعيل عن سليمان بن بريدة وغيره عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: في حين خروجه من مكة اللَّه إنك أخرجتني من أحب البقاع إلى فأسكني أحب البقاع إليك هكذا ذكره مرسلا. قال ابن عبد البر: وقد ذكر حديث عبد اللَّه ابن عدي بن الحمراء الّذي تقدم هو حديث ثابت عند جماعة أهل العلم بالحديث ولم يأن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من وجه صحيح شيء يعارضه الا ما رواه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 363 محمد بن الحسن بو زبالة وهو متروك الحديث مجتمع على ترك الاحتجاج بحديثه وقد انفرد بهذا الحديث وهذا الحديث لا يصح عند أهل العلم بالحديث وقال ابن حزم: وهذا موضع من رواية محمد بن الحسن بن زبالة ومنها حديث محمد بن الحسن عن يحيى بن عبد الرحمن عن عمرة بنت عبد الرحمن قال رافع ابن خديج قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خير من مكة ورواه محمد بن عبد الرحمن ابن الرداد بن عبد اللَّه بن شريح بن مالك القرشي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبيدة ابنه عبد الرحمن عن رافع بن خديج عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ورواه عبد اللَّه بن رافع الصانع صاحب مالك عن محمد بن عبد الرحمن الرداد عن يحيى بن سعيد عن عمرة قال رافع: ومحمد بن زبالة هو صاحب هذه الفضائح كلها المتعود بوضعها ومحمد بن عبد الرحمن بن الرداد قال ابن عدي: مدينى من ولد ابن أم مكتوم رواياته ليست بمحفوظة وقال ابن حزم: مجهول لا يدريه أحد وعبد اللَّه بن نافع وفيه مقال. وقد خرج مسلم [ (1) ] هذا الخبر من طريق عبد اللَّه بن مسلمة القصبي قال: حدثنا سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير بن مطعم أن مروان خطب الناس فذكر مكة وأهلها وحرمتها فناداه رافع بن خديج فقال: ما لي أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها وقد حرم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ما بين لابتيها، وذلك عندنا في أديم خولانى وإن شئت أقرأتكه قال: فسكت مروان ثم قال قد سمعت بعض ذلك قال: وهكذا كله كان الحديث فبدله أهل الزيغ عصبية عجل اللَّه تعالى لهم بها الفضيحة في الكذب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم واللَّه أعلم. ***   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 144، كتاب الحج، باب (85) فضل المدينة ودعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فيها بالبركة، وبيان تحريها، وتحريم صيدها، وشجرها، وبيان حدود حرمها، حديث رقم (457) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 364 السابعة والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان إذا دعا لأهل القبور يملأها اللَّه عليهم نورا ببركة دعائه خرج مسلم [ (1) ] من حديث حماد بن زيد عن ثابت البناني عن رافع عن أبى هريرة أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا ففقدها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فسأل عنها أو عنه فقالوا: مات. قال: أفلا كنتم آذنتموني قال: وكأنهم صغروا أمرها وأمره فقال: دلوني على قبره فدلوه فصلى عليها ثم قال: هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن اللَّه تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم. وخرجه الإمام أحمد من حديث أبى عامر عن ثابت عن أنس أن أسود كان ينظف المسجد فمات فدفن ليلا فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأخبر فقال: انطلقوا إلى قبره، فانطلقوا فقال: إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة وإن اللَّه عز وجل ينورها بصلاتي عليها فأتى القبر فصلى عليه وقال رجل من الأنصار: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إن أخى مات ولم يصل عليه، قال: فأين قبره فأخبره فانطلق النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مع الأنصاري فصلى عليه، وفي لفظ له فإن صلاتي عليه رحمة له. الثامنة والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يوعك وعك رجلين خرج البخاري [ (2) ] ومسلم من طريق الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] سبق تخريجه في موضعه من هذا الجزء ص 140، فيمن كان يقم المسجد. [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 152، كتاب المرضى، باب (16) ما رخص للمريض أن يقول إني وجع، حديث رقم (5667) وخرجه مسلم في كتاب البر، باب (45) ، والدارميّ في الرفاق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 365 أراك توعك وعكا شديدا؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أجل إني أوعك وعك رجلين منكم فقلت: ذاك إن أجرين فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أجل، ثم قال: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط اللَّه به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها. وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث ابن وهب عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدريّ قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو محموم فوضعت يدي من فوق القطيفة فوجدت حرارة الحمى فقلت: ما أشد حماك يا رسول اللَّه قال: إنا كذلك معشر الأنبياء يضاعف علينا الوجع لنا لنا الأجر قال: فقلت: يا رسول اللَّه أي الناس أشد بلاء؟ قلت: الأنبياء. قال: ثم من؟ قال: ثم الصالحون إن من الرجل ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباء فيحويها ويلبسها وإن كان أحدهم ليبتلى بالقمل حتى يقتله القمل، وكان ذلك أحب إليهم من العطاء إليكم يقتله القمل وكان ذلك أحب غليهم من العطاء إليكم. قال الحاكم: وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. التاسعة والسبعون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لم يمت حتى خيره اللَّه تعالى بين أن يفسح له في أجله ثم الجنة وبين لقاء اللَّه سريعا، فاختار ما عند اللَّه على الدنيا خرج البخاري ومسلم من حديث الليث قال: حدثني عقيل ابن شهاب قال: أخبرنى سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن رجال من أهل العلم أن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول وهو صحيح: أنه لم   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 342، كتاب الرفاق حديث رقم (7848) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 366 يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير قالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فلما برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف ثم قال: اللَّهمّ الرفيق الأعلى قالت عائشة: قلت: إذا لا يختارنا، قالت عائشة: وعرفت الحديث وقال البخاري: وعلمت أنه الحديث الّذي كان يحدثنا به وهو صحيح في قوله: أنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير قالت عائشة: فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قوله الرفيق الأعلى ذكره البخاري في كتاب الدعاء وفي كتاب الرفاق وفي المغازي وغير ذلك. وخرج مسلم في مناقب عائشة من طريق شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عروة عن عائشة قالت: كنت أسمع أنه لن يموت نبي حتى يخبر بين الدنيا والآخرة، قالت: فسمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في مرضه الّذي مات فيه وأخذته بحة يقول مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً قال: فظننته خير حينئذ. وخرج البخاري في كتاب التعبير من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة قالت: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما من نبي مرض إلا خير بين الدنيا والآخرة وكان في شكواه الّذي قبض فيه أخذته بحة شديدة سمعته يقول: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ فعلمت أنه خير. وخرج النسائي من حديث سفيان عن إسماعيل بن أبى خالد عن أبى بردة عن عائشة قالت: أغمى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو في حجري فجعلت أمسحه وأدعو له بالشفاء فأفاق فقال: بل أسأل اللَّه الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 367 وخرج البخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة عن عباد بن عبد اللَّه ابن الزبير أن عائشة أخبرته أنها سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصغت إليه قيل أن يموت وهو مسند إلى ظهره يقول: اللَّهمّ اغفر لي وارحمني وألحقنى بالرفيق الأعلى. الثمانون: هل تشرع الصلاة على غير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أو تكون للصلاة عليه مما خصه اللَّه به دون غيره؟ في هذه المسألة أقوال: أحدها: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم يختص بالصلاة عليه وهو ظاهر الكتاب والسنة والثاني: أنه يصلى معه صلى اللَّه عليه وسلّم على الأنبياء والمرسلين. والثالث: أنه يصلى على سلّم وأزواجه دون غيرهم من الأمة مطلقا. والرابع: أنه يصلى عليهم إلا بطريق التبعية له. والخامس: أنه لا يصلى على سائر المسلمين. وأما من ذهب إلى ما به الرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فإنه قال لم يصل اللَّه سبحانه في كتابه العزيز على أحد من أنبيائه المرسلين إلا على محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فقط وسلم على من عداه منهم وقال تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ وقال تعالى عن نوح: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ* إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وقال عن إبراهيم خليله وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ. وقال عن موسى وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ. وقال تعالى سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 368 قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: يعنى تعالى بقوله وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ يقول: وأبقينا على نوح ذكرا جميلا وثناء حسنا فيمن يأتى من الناس فيذكرونه به وهو الّذي قلنا في ذلك كما قال أهل التأويل. فذكر أبو صالح قال: حدثني معاوية بن على عن ابن عباس: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ قال: يذكر بخير، وعن ابن أبى نجيح عن مجاهد يقول: جعلنا لسان صدق للأنبياء كلهم، وعن سعيد عن قتادة قال: أبقى اللَّه عليه الثناء الحسن في الآخرين وعن أسباط عن السدي قال: الثناء الحسن وقوله: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ يقول: أمتة من اللَّه لنوح في العالمين أن يذكره أحد بسوء وقد كان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يقول: معناه وتركنا عليه في الآخرين سلاما أي تركنا عليه تلك الكلمة. قال الطبري: وتركنا عليه في الآخرين يعنى إبراهيم: يقول: وأبقينا عليه فمن بعده إلى يوم القيامة ثناء حسنا. ثم ذكر عن سعيد عن قتادة قال: ابقى اللَّه على إبراهيم الثناء الحسن في الآخرين. وعن ابن وهب قال ابن زيد: هل التي سأل إبراهيم فقال: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ. قال: فترك اللَّه عليه الثناء الحسن في الآخرين كما ترك السوء على فرعون وأشياعه كذلك ترك اللسان الصدق والثناء الصالح على هؤلاء. وقيل: معنى ذلك: وتركنا عليه في الآخرين السلام وهو قوله تعالى: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ وذلك قول، روى عن ابن عباس وتركنا إسناده لأني في إسناده من لم يستحق ذكره. وقيل معنى ذلك وتركنا عليه في الآخرين أن يقال: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ وقوله: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ يقول تعالى أمتة من اللَّه في الأرض لإبراهيم لا يذكر من بعده إلا بالجميل من الذكر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 369 قال: العلامة أبو عبد اللَّه محمد بن أبى بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية: فالذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين هو السلام عليهم المذكور. وقد قال: جماعة من المفسرين منهم مجاهد وغيره وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ الثناء الحسن ولسان الصدق للأنبياء كلهم وهذا قول قتادة أيضا ولا ينبغي أن يحكى هذا قولين للمفسرين كما يفعله من له عناية بحكاية الأقوال بل هو قول واحد فمن قال: إن المتروك هو السلام في الآخرين نفسه فلا ريب أن قوله: سَلامٌ عَلى نُوحٍ جملة في موضع نصب بتركنا والمعنى أن العالمين يسلمون على نوح ومن بعده من الأنبياء ومن فسره بلسان الصدق والثناء الحسن نظر إلى لازم السلام وموجبة وهو الثناء عليهم وما جعل لهم من لسان الصدق الّذي لأجله إذا ذكروا سلم عليهم انتهى. فهذا كما ترى لم يصلّ اللَّه على أحد في كتابه غير المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم فإنه صلى اللَّه عليه وسلّم وملائكته وأمر المؤذنين جميعا بالصلاة عليه دون أنبيائه ورسله تشريفا له وتمييزا لعظيم مقامه، وقد أمرنا بالاتباع ونهينا عن الابتداع، وهو مذهب ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. خرج بقي بن مخلد بن حديث هشيم قال حدثنا عثمان بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما أعلم الصلاة تبتغي من أحد على أحد إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يعنى وسائر الناس يدعى لهم. وخرجه القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتاب (فضل الصلاة على النبي) صلى اللَّه عليه وسلّم من حديث عبد الرحمن بن زياد قال: حدثني عثمان بن حكيم بن عباد عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: لا تصح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار. وقد حكى عن الإمام مالك في رواية أنه على غير نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وأوله بعض أصحابه بمعنى أنا لم نتقيد بالصلاة على غيره من الأنبياء كما تقيدنا بالصلاة عليه. وحكى النووي الإجماع على أن الصلاة على جميع الأنبياء مشروعة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 370 واحتج من ذهب إلى هذا بما رواه إسماعيل بن إسحاق في كتابه فقال: حدثنا محمد بن أبى بكر المقدمي حدثنا عمرو بن هارون عن موسى بن عبيد وعن محمد بن ثابت عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: صلوا على أنبياء اللَّه ورسله فإن اللَّه بعثهم كما بعثني. ورواه الطبراني عن الديري عن عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عبيد قال: حدثنا عمرو بن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا صليتم على فصلوا على أنبياء اللَّه فإن اللَّه بعثهم كما بعثني. وقيل: عن أنس بن طلحة وموسى بن عبيدة. وقال: سفيان يكره أن يصلى على غيره النبي. وقال الحافظ أبو موسى المديني: وبلغني بإسناد من بعض السلف أنه رأى آدم عليه السلام في المنام كأنه يشكو قلة صلاة بنيه عليه. وفي كتاب (النهاية) لابن الأثير فأما قولنا اللَّهمّ صلّ على محمد فمعناه عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره في إظهار دعوته وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته. وقيل: المعنى لما أمر اللَّه بالصلاة عليه ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على اللَّه وقلنا اللَّهمّ صل أنت على محمد لأنك أنت أعلم بما يليق به وهذا الدعاء قد اختلف فيه هل يجوز إطلاقه على غير الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أم لا؟ والصحيح أنه خاص له فلا يقال لغيره. وقال الخطابي: الصلاة التي بمعنى التعظيم والتكريم لا تقال لغيره والتي بمعنى الدعاء والتبريك تقال لغيره، ومنه الحديث اللَّهمّ صلّ على آل أبى أوفى أي ترحم وبرّك وقيل فيه: إن هذا خاص له ولكنه آثر به غيره وأما سواه فلا يجوز له أن يخص به أحد. وقال: الأصمعي: سمعت المهدي على منبر البصرة يقول: إن اللَّه أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 371 عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً آثره من بين الرسل وخصكم بها من بين الأمم فقابلوا نعمة اللَّه بالشكر. وأما الاقتصار في الصلاة على الآل والأزواج مطلقا فقال: ابن عبد البر: استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد هم أزواجه وذريته خاصة لقوله، في حديث مالك عن نعيم المجمر وفي غير ما حديث: اللَّهمّ صل على محمد وأزواجه وذريته، قالوا: فجائز أن يقول، الرجل: لكن ما كان من أزواج محمد صلى اللَّه عليه وسلّم صلى اللَّه عليك إذا واجهه وصلى اللَّه عليه إذا غاب عنه ولا يجوز ذلك في غيرهم، وأما الصلاة على الآل بطريق التبعية فإنه لا خلاف في جوازها. واختلف موجبو الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في وجوبها على آله على قولين مشهورين، وهي طريقتان لأصحابنا إحداهما: أن الصلاة واجبة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وفي وجوبها على الآل قولان، للشافعي، هذه طريقة إمام الحرمين والغزالي. والطريقة الثانية: إن في وجوبها على الآل وجهين وهي الطريقة المشهورة والّذي صححوه أنها غير واجبة عليهم واختلف أصحاب أحمد في وجوب الصلاة عليهم على وجهين، وهل يصلى عليهم منفردين على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ففيه خلاف، وكذا في الصلاة على غير الآل من الصحابة ومن بعدهم فكرة ذلك مالك وقال: لم يكن ذلك من عمل من مضى وهو مذهب أبى حنيفة وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وبه قال: طاووس. وقال: ابن عباس لا ينبغي الصلاة إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو مذهب عمر ابن عبد العزيز وقال: أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا حسين بن على عن جعفر ابن وثاب قال: كتب عمر بن عبد العزيز أما بعد فإن أناسا من الناس قد أنهموا الدنيا بعمل الآخرة وإن القصاص قد أحدثوا الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 372 صلاتهم على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فإذا جاءك كتابي فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاءهم للمسلمين عامة وهذا مذهب القاضي وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه منع تحريم. والثاني: أنه منع تنزيه وهو قول أكثر الأصحاب. والثالث: أنه من باب ترك الأولى وليس بمكروه. حكاها النووي في (الأذكار) [ (1) ] والصحيح الّذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه واختلفوا في السلام هل هو في معنى الصلاة فيكره أن يقال: السلام على فلان أو فلان عليه السلام فكرهه الشيخ أبو محمد الجويني وطائفة ومنع أن يقال: على عليه السلام. وفرق آخرون بين السلام والصلاة فقالوا: السلام المشروع في حق كل مؤمن حي وميت حاضر وغائب فإنك تقول بلغ فلانا منى السلام وهو تحية أهل الإسلام بخلاف الصلاة فإنّها من حقوق الرسول وآله ولهذا يقول المصلى في تشهده السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، ولا يقول: الصلاة علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين فعلم الفرق. واحتج من ذهب إلى أنه لا يصلى إلا على الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بوجوه: أحدها: ما تقدم عن ابن عباس. الثاني: أن الصلاة على غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قد صارت شعار أهل البدع ذكره النووي، ومعنى ذلك أن الرافضة إذ ذكروا أئمتهم صلوا عليهم ولا يصلون على غيرهم فاستحبوا مخالفتهم في ذلك الشعار. الثالث: ما احتج به الإمام من أن هذا لم يكن عمل من مضى من الأمة ولو كان خيرا لسبق السلف إليه. الرابع: أن الصلاة فصارت في لسان الأمة مخصوصة بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم تذكر مع ذكر اسمه لا يسوغ ذلك لغيره وكما لا يقال: محمد عز وجل، ولا محمد   [ (1) ] (الأذكار للنووي) : 115، كتاب الصلاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، باب (4) الصلاة على الأنبياء وآلهم تبعا لهم صلى عليهم وسلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 373 سبحانه وتعالى، لئلا يعطى رتبه الخالق فهكذا لا ينبغي أن تعطى غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رتبته فيقال: فلان صلى اللَّه عليه وسلّم. الخامس: أن اللَّه تعالى قال: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً. فكما أمر اللَّه تعالى أن لا يدعى باسمه كما يدعى غيره باسمه كذلك لا تجعل الصلاة على غيره في دعائه والإخبار عنه كما تجعل الصلاة عليه فإن فعل هذا مما لا يسوغ أصلا قالوا: فإذا ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أحد من أمته انبغى له أن يصلى عليه لما جاء عنه في ذلك من قوله: صلى اللَّه عليه وسلّم من صلى عليّ مرة صلى اللَّه عليه عشرا. ولا يجوز أن يترحم عليه لأنه لم يقل: من ترحم عليّ. ولا قال: من دعا لي وإن كانت الصلاة هنا الرحمة فكأنه خص بهذا اللفظ تعظيما له. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ولم يقل إن اللَّه وملائكته يترحمون على النبي. وإن كان المعنى واحد أن يخصه بذلك. السادس: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم شرع لأمته في التشهد أن يسلموا على عباد اللَّه الصالحين. وأن يصلوا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فعلمنا من ذلك أن الصلاة عليه حقه الّذي لا يشركه فيه أحد. السابع: أن اللَّه تعالى ذكر الأمر بالصلاة عليه في معرض حقوقه وخواصه، التي خصه بها من تحريم النكاح لأزواجه، وجواز نكاحه لمن وهبت نفسها له، وإيجاب اللعنة لمن أذاه، ونحو ذلك من حقوقه وأكدها بالصلاة عليه والتسليم فدل على أن ذلك حق له خاصة وآله تبع له فيه. الثامن: أن اللَّه تعالى شرع للمسلمين أن يدعو بعضهم لبعض ويستغفر بعضهم لبعض ويترحم عليه في حياته وبعد موته، فالدعاء، حق للمسلمين والصلاة حق لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فهما حقان لا يقوم أحدهما مقام الآخر، ألا ترى أن صلاة الجنازة إنما يدعى فيها للميت ويترحم عليه ويستغفر له ولا يصلى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 374 عليه بدل ذلك، فيقال: اللَّهمّ صلّ عليه، فإنه يصلى عليه في الصلوات كلها ولا يقال: بدل ذلك اللَّهمّ اغفر له وارحمه بل يعطى كل ذي حق حقه. التاسع: أن الميت من يحتاج أن يدعى له بالمغفرة والرحمة والنجاة من العذاب والرسول صلى اللَّه عليه وسلّم غير محتاج إلى أن يدعى له بذلك بل الصلاة عليه زيادة في تشريف اللَّه له وتكريمه ورفع درجاته وهذا حاصل له، وإن غفل عن ذكره الغافلون فالأمر بالصلاة عليه إحسان من اللَّه للأمة ورحمة منه لهم ولنبيهم بصلاتهم على رسوله بخلاف غيره من الأمة فإنه محتاج إلى من يدعو له ويستغفر له ويترحم عليه ولهذا جاء بهذا في محله ليوجب العارف الحقوق إلى أهلها بفقهه عن اللَّه تعالى. العاشر: لو كانت الصلاة على غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم سائغة فإما أن يقال، باختصاصها ببعض الأمة ويقال: تجوز على كل مسلم فإن قيل. باختصاصها فلا وجه له وهو تخصيص غير مخصص وإن قيل: بعدم الاختصاص وأنها تسوغ لكل من يسوغ الدعاء له فحينئذ تسوغ الصلاة على المسلم وإن كان من أهل الكبائر، وكما يقال: اللَّهمّ تب عليه اللَّهمّ اغفر له يقال: اللَّهمّ صل عليه وهذا باطل. وإن قيل: تجوز على الصالحين دون غيرهم فهذا مع أنه لا دليل عليه ليس له ضابط فإن كون الرجل صالحا أو غيرهم فهذا مع أنه لا دليل عليه ليس له ضابط فإن كون الرجل صالحا أو غير صالح وصف يقبل الزيادة والنقصان وكذلك كونه وليا للَّه وكونه شقيا وكونه مؤمنا، كل ذلك يقبل الزيادة والنقصان فما ضابط من يصلى عليه من الأمة ومن لا يصلى عليه. نعلم بهذه الوجوه العشرة اختصاص الصلاة بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم. *** الجزء: 10 ¦ الصفحة: 375 فصل فيمن أجاز الصلاة على غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: القاضي أبو سعيد بن الفراء في (رءوس مسائله) : وبذلك قال: الحسن البصري، وحصيف، ومجاهد، ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان، وكثير من أهل التفسير، قال: وهو قول الإمام أحمد نص عليه في رواية أبى داود وقد سئل. أينبغي أن يصلى على أحد أو لا يصلى إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أليس قال على لعمر: صلى اللَّه عليك قال: وبه قال: إسحاق بن راهويه وأبو ثور، ومحمد بن جرير الطبري، وغيرهم وحكى أبو بكر بن أبى داود عن أبيه: قال ذلك أبو الحسن وعلى هذا العمل، واحتج هؤلاء بوجوه: أحدها: قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ فأمر تعالي رسوله أن يأخذ الصدقة من أمته وأن يصلى عليهم ومعلوم أن الأمة من بعده تأخذ الصدقة كما كان يأخذها فيشرع لهم أن يصلوا على المتصدق كما كان يصلى عليه حين يأخذها منه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. الثاني: ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث شعبة عن عمر وعن عبد اللَّه أبى أوفى قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللَّهمّ صل على آل فلان فأتاه أبى بصدقته فقال صلى اللَّه عليه وسلّم أتاه قوم فصدقته قال: اللَّهمّ صل على آل فلان فأتاه أبى بصدقته فقال صلى اللَّه عليه وآله اللَّهمّ صل على آل أبى أوفى. والأصل عدم الاختصاص وهذا ظاهر في أنه هو المراد من الآية. الثالث: ما رواه حجاج عن أبى عوانة عن الأسود بن قيس العمرى عن جابر بن عبد اللَّه أن امرأة قالت: يا رسول اللَّه صلى على زوجي صلى اللَّه عليك فقال صلى اللَّه عليه وسلّم صلى اللَّه عليك وعلى زوجك وأجيب عن ذلك بأن الأدلة نوعان: نوع منها صحيح وهو غير متناول لعمل النزاع فلا يحتج به ونوع غير معلوم الصحة فلا يحتج به أيضا فقوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ استدلال في غير محل الكلام لأن النزاع هل يشرع لأحدنا أن يصلى على النبي وآله أم لا وأما صلاته صلى اللَّه عليه وسلّم على من صلى فمسألة أخرى وأين هذه من صلاتنا عليه التي أمرنا اللَّه بها قضاء حتما؟ فان الصلاة عليه حق ل صلى اللَّه عليه وسلّم يتعين على الأمة أداؤه، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 376 والقيام به، وأما هو صلى اللَّه عليه وسلّم فيخص من أراد ببعض ذلك الحق وهذا كما تقول شاتمة ومؤذيه قتله حق لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يجب على الأمة القيام به واستيفاؤه وأنه هو صلى اللَّه عليه وسلّم كان يعفو عنه حين كان يبلغه ويقول: رحم اللَّه موسى قد أوذى بأكثر من هذا فصبر. وقال ابن عبد البر: تهذيب الآثار وحملها على غير المعارضة والتدافع هو أن يقال: أما النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فجائز أن يصلى على من يشاء لأنه قد أمر أن يصلى على كل من يأخذ صدقته وأما غيره فلا ينبغي له إلا أن يخص النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عليه كما قال ابن عباس وجائز أن يحتج في ذلك بعموم قوله تعالى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً يقول: والّذي اختاره في هذا الباب أن يقول: اللَّهمّ ارحم فلانا واغفر له، ورحم اللَّه فلانا وغفر له ورضى عنه، ونحو هذا الدعاء والترحم عليه ولا يقال: إذا ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلا صلى عليه إلا أنه جائز أن يدخل معه في ذلك ما جاء في الأحاديث عنه من قوله: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد واللَّهمّ صل على محمد وعلى آله وذريته، ولا يصلى على غيره بلفظ الصلاة امتثالا لعموم قول اللَّه تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً في حياته وموته صلى اللَّه عليه وسلّم. الرابع: ما رواه ابن سعد في كتاب (الطبقات) من حديث ابن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه أن عليا دخل على عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما وهو مسجى فلما انتهى إليه قال: صلى اللَّه عليك ما أحد لقي اللَّه بصحيفته إلى من هذا المسجى بينكم. وأجيب بأن هذا الحديث قد اختلف فيه على أنس بن محمد عن أبيه أن عليّا لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره وقف عليه فاثنى عليه وقال: واللَّه ما على الأرض رجل أحب إلى أن ألقى اللَّه بصحيفته من هذا المسجى بالثوب. وكذلك رواه محمد ومحمد ومعلى معلى ابنا عبيد عن حجاج الواسطي عن بعضهم ولم يذكر هذه اللفظة وكذلك رواه سليمان بن بلال عن جعفر عن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 377 أبيه وكذلك رواه يزيد بن هارون عن جعفر عن أبيه وكذلك رواه عون بن أبى جحيفه عن أبيه قال كنت عند عمرو فقال: فذكره دون لفظة الصلاة بل قال: رحمك اللَّه وكذلك رواه حازم بن الفضل عن حماد بن زيد عن أيوب وعمرو بن دينار وأبى جهيم قالوا: لما مات عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فذكروا الحديث دون لفظ الصلاة وكذلك رواه قيس بن الربيع عن قيس بن مسلم عن محمد بن الحنفية ومع ذلك فإن ابن سعد لم يسند حديثه بل قال: في الطبقات: أخبرنا بعض أصحابنا عن سفيان بن عينيه أنه سمع منه هذا الحديث عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه فذكروه فقال: لما انتهى اليه فقال: صلى اللَّه عليك وهذا الرجل المهمل لم يحفظه فلا يحتج به وقد عارضه قول: عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما لا ينبغي الصلاة على أحد إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فاحتاجا إلى ترجيح أحدهما على الآخر. الخامس: ما رواه إسماعيل بن إسحاق فقال: حدثنا عبد اللَّه بن مسلم حدثنا نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم القاري عن نعيم عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه كان يكبر على الجنازة، ويصلى على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ثم يقول: اللَّهمّ بارك فيه وصل عليه واغفر له وأورده حوض نبيك صلى اللَّه عليه وسلّم. وأجيب بأن نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم أبا رويم هذا، قال أبو طالب: عن أحمد بن حنبل كان يؤخذ عنه القرآن وليس في الحديث بشيء. وقال ابن عدي: وأرجو أنه لا بأس فيه، فقد تبين ضعفه وإن كان من أئمة القراءة، ويدل على أن حديثه هذا ليس بمحفوظ أن مالك لم يروه في (الموطأ) وإنما روى أثرا عن أبى هريرة، فلو كان هذا عند نافع مولاه لكان مالك أعلم به من نافع بن أبى نعيم، وقول ابن عباس يعارضه مع ذلك. السادس: أن الصلاة هي الدعاء وقد أمرنا بالدعاء بعضنا لبعض، هكذا احتج أبو سليمان بن الفراء. وأجيب عن ذلك بأن الصلاة دعاء مخصوص قد أمروا به في حق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وليس في ذلك دليل على جواز الدعاء به لغيره لما بين الرسول وبين غيره من الفرق العظيم، فلا يصح الإلحاق به، لا في الدعاء ولا في المدعو، وكما لا يصح أن يقاس عليه دعاء غيره لا يصح الجزء: 10 ¦ الصفحة: 378 أن يقاس على الرسول غيره، لا سيما والصلاة تشرع في حق الرسول لكونها دعاء بل لأخص من مطلق الدعاء، وهو كون الصلاة مطلق تعظيمه، وتحميده، والثناء عليه وهذا أخص من مطلق الدعاء. السابع: ما خرجه مسلم في صحيحه من حديث حماد بن زيد عن يزيد ابن ميسرة عن عبد اللَّه بن شفيق عن أبى هريرة قال: إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها قال حماد: فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال: ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى اللَّه عليك وعلى جسد كنت تعمرينه فينطلق به إلى ربه عز وجل ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الأجل. قال: وإن الكافر إذا خرجت روحه قال حماد: وذكر من نتنها وذكر لعنا ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، قال: فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل. قال أبو هريرة: فرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ربطة كانت عليه على أنفه هكذا. وهو يدل عن عبد اللَّه بن شفيق عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها قال حماد: فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال: يقول أهل السماء: روح طيب ريحها وذكر المسك، قال: يقول أهل السماء: روح طيبه جاءت من قبل الأرض صلى اللَّه عليك وعلى جسد كنت تعمر فيه. وذكر الحديث هكذا قال: مسلم عن أبى هريرة موقوفا وسياقه يدل على أنه مرفوع فإنه قال بعده: وإن الكافر إذا خرجت روحه قال حماد: وذكر من نتنها وذكر لفها ويقول: أهل السماء روح خبيئة جاءت من قبل الأرض قال: فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل قال: أبو هريرة فرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ريطة كانت على ألفه هكذا [ (1) ] وهو   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) 17/ 210- 211، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب (17) عرض مقعد الميت من الجنة أو النار علية، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه، حديث رقم (75) ولفظه حدثني عبيد بن شقيق عن أبى هريرة قال إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعد انها قال حماد فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى اللَّه عليك وعلى جسد كنت تعمرينه فينطلق به إلى ربه عز وجل ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الأجل قال وان الكافر إذا خرجت روحه قال حماد وذكر من نتنها الجزء: 10 ¦ الصفحة: 379 يدل على أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حدثهم به وقد رواه جماعة عن أبى هريرة مرفوعا منهم أبو سلمة وعمرو بن الحكم وإسماعيل السدي عن أبيه عن أبى هريرة وسعيد بن يسار وغيرهم فإذا كانت الملائكة تقول: المؤمن صلى اللَّه عليك جاز ذلك أيضا للمؤمنين بعضهم لبعض. وأجيب بان هذا ليس بمتناول لمحل النزاع فإن النزاع فإنه هو هل يسوغ لأحد أن يصلى على غير الرسول وآله وأما الملائكة فليسوا بداخلين تحت تكاليف البشر حتى يصح قياسا عليهم فيها وبفعلونه فأين أحكام الملك من أحكام البشر فالملائكة رسل اللَّه في خلقه وأمر يتصرفون بأمره تعالى لا بأمر البشر. الثامن: قال اللَّه تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [ (1) ] . وقال: صلى اللَّه عليه وسلّم إن اللَّه وملائكته يصلون على معلم الناس الخير [ (2) ] وأجيب بأن هذا أيضا في غير النزاع فكيف يصح النزاع وقياس فعل العبد على فعل الرب وصلاة العبد دعاء وصلاة اللَّه على عبده ليست دعاء وإنما هي أكرم وتعظيم ومحبه وثناء واين هذا من صلاة العبد.   [ () ] وذكر لعنا يقول أهل السماء روح خبيثة جاءت من قبل الأرض قال فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل قال أبو هريرة فرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ربطة كانت عليه على أنفه هكذا. قال النووي: قوله في روح المؤمن «ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الأجل ثم قال في روح الكافر فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل» قال القاضي المراد بالأول انطلقوا بروح المؤمن إلى سدرة المنتهى والمراد بالثاني انطلقوا بروح الكافر إلى سجين في منتهى الأجل ويحتمل أن المراد إلى انقضاء أجل الدنيا قوله «فرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ربطة كانت عليه على أنفه» الربطه بفتح الراء وإسكان الياء وهو ثوب رقيق وقيل هي الملاءة وكان سبب ردها على الأنف بسبب ما ذكر من نتن ربح الكافر (مسلم بشرح النووي) . [ (1) ] الأحزاب: 43، وتمامها: (ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما) . [ (2) ] (كنز العمال) 10/ 145، حديث رقم (28736) ، وعزاه إلى الطبراني والضياء المقدس عن أبى أمامه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 380 التاسع: ما خرجه أبو داود [ (1) ] ومن حديث عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إن اللَّه وملائكته يصلون على ميامن الصفوف [ (2) ] وفي حديث ارخ عنها قالت: ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف [ (3) ] وقد جاء صلاة الملائكة على من صلى على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وتقدم جواب هذا كله فيما مضى. العاشر: روى مالك بن مخامر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مرسلا أنه قال: اللَّهمّ صلى على آل أبى بكر فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صل على عمر فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صلى على آل عثمان فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صلى على عليّ فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صلى على أبى عبيدة فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صل على عمرو بن العاص فإنه يحب اللَّه ورسوله، وأجيب بأن هذا حديث مرسل لا إسناد له حتى نعرف صحته من سقمه ومع هذا فإنه في غير محل النزاع كما تقدم. الحادي عشر: ما روى عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنه كان يقف على غير النبي فيصلي عليه وسلّم فيصلي عليه وعلى أبى بكر وعمر. وأجيب بأن ابن عبد البر قال: ولهذا أنكر العلماء على يحيى بن يحيى ومن تابعه في الرواية عن مالك في (الموطأ) عن عبد اللَّه بن دينار قال: رأيت عبد اللَّه بن عمر يقف على قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فيصلي على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وعلى أبى بكر   [ (1) ] رواه أبو داود رقم (664) في الصلاة، باب تسوية الصفوف، والنسائي 2/ 89- 90 في الإمامة، باب كيف يقوم الامام الصفوف، وإسناده محجم. (جامع الأصول) : 5/ 613، حديث رقم (3876) . [ (2) ] أخرجه أبو داود رقم (676) في الصلاة، باب بين السواري، وإسناده حسن، حسنه الحافظ في (الفتح) ، ورواه أيضا ابن ماجة رقم (995) في إقامة الصلاة، باب إقامة الصفوف، بلفظ: «إن اللَّه وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف» . (جامع الأصول) : 5/ 615، حديث رقم (3880) . [ (3) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 381 وعمر قالوا: إنما الرواية وغيره عن عبد اللَّه بن عمر أنه كان يقف على قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ويدعوا لأبى بكر وعمر وبين يصلى على أبى بكر وعمر فإن كانت الصلاة قد تكون دعاء لما به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من لفظ الصلاة عليه وكذلك روى عن عبد اللَّه بن عباس قال: لا يصلى على أحد إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يعنى وسائر الناس يدي لهم وترحم عليهم ومعلوم ان ابن عباس يعلم أن الصلاة قد تكون الدعاء والرحمة أيضا وقد رد ابن وضاح رواية يحيى إلى رواية ابن القاسم عن سحنون وحدث بها عنه وكما رواه ابن القاسم كذلك رواه القعنبي وابن بكر ومن تابعهم في (الموطأ) وجعلها يصلى على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ويدعو لأبى بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. الثاني عشر: أنه قد صح عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه في الصلاة عليه وعلى أزواجه وهذا على أصولكم الزم فإنكم لم تدخلوهن في آله الذين تحرم عليهم الصدقة فإذا جازت الصلاة عليهنّ جازت على غيرهن من الصحابة. وأجيب إنما صلى على الأزواج لإضافتهن إلى الرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأهل بيته وزوجاته تبع له فيها. *** تم بحمد اللَّه تعالى الجزء العاشر ويليه الجزء الحادي عشر وأوله: فصل في أنهن لم يدخلن فيمن تحرم عليه الصدقة من الآل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 382 [ المجلد الحادي عشر ] [ تتمة الثمانون ] [ تتمة الثاني عشر ] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم فصل في أنهن لم يدخلن فيمن تحرم عليه الصدقة من الآل فلعموم القرابة التي يثبت بها التحريم، ومع ذلك فإنّهنّ من أهل بيته الذين يستحقون الصلاة عليه، ولا منافاة بين الأمرين. الثالث عشر: أنكم قد قلتم بجواز الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تبعا له، وقلتم بجواز أن يقال: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه. قال الشيخ محيي الدين أبو زكريا النووي: واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعا لهم في الصلاة، ثم ذكر هذه الكيفية وقال: الأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أمرنا به في التشهد ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضا. قالوا: ومنه الأثر المعروف، عن بعض السلف: اللَّهمّ صل على ملائكتك المقربين، وأنبيائك المرسلين، وأهل طاعتك أجمعين، من أهل السموات والأرضين. وأجيب بأن ادعاء الاتفاق غير معلوم الصحة، فقد منع جماعة الصلاة على غير الأنبياء مفردة وتابعة كما تقدم، فمن جعل الاتفاق وهذا التفصيل الّذي ذكرتموه وإن كان معروفا عن بعضهم في أصلهم بقوله: بل يمنعه، وهب أنا نجوز الصلاة على أتباعه بطريق التبعية له فمن أين يجوز إفراد المقر أو غيره بالصلاة عليه استقلالا ودعواكم أن الأحاديث الصحيحة في ذلك غير مسلم بها، فأين تجدون في الأحاديث الصحيحة الصلاة على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وآله وأزواجه وذريته حتى قلتم: والصحابة؟ فليس فيما ذكر الصحابة ولا الأتباع، وكذا قولكم: وقد أمرنا به في التشهد، فما أمرنا في التشهد إلا بالصلاة على آله وأزواجه وذريته فقط دون من عداهم، أوجدونا، ولن تجدوه أبدا. الرابع عشر: ما خرجه أبو يعلى الموصلي، عن ابن زنجويه، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا أبو بكر بن أبي مريم، حدثنا ضمرة بن حبيب بن صهيب، عن أبي الدرداء، عن زيد بن ثابت، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دعاه وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم، قال: قل حين تصبح: لبيك اللَّهمّ لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، وتباركت وتعاليت، وأستغفرك وأتوب إليك، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 3 اللَّهمّ ما قلت من قول أو نذرت من نذر، وحلفت من حلف، فمشيئتك بين يديك، ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة لي إلا بك، أنت على كل شيء قدير، اللَّهمّ ما صليت من صلاة فعلى من صليت، وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت، أنت وليي في الدنيا والآخرة تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ. ووجه الاستدلال أنه لو لم تشرع الصلاة على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما كان يصلي على من ليس بأهل للصلاة، ولا يدري استثنى من ذلك كما أستثنى في حلفه ونذره. أجيب بأن في سند هذا الحديث أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي مريم الغساني الحمصي، قال ابن معين: ضعيف الحديث ليس بشيء، وقال أحمد: كان عيسى بن يونس لا يرضاه، وقال السعدي: ليس بالقوى في الحديث وهو متهالك. وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو داود: سرق له متاع فأنكره عقله، وقال ابن عدي: والغالب على حديثه الغرائب وكل من يوافقه عليه من الثقات، وقال ابن حبان: كان من خيار أهل الشام، ولكنه كان رديء الحفظ، يتحدث بالشيء فيهم، وكثر ذلك حتى استحق الترك. قال ابن القيم: وفصل الخطاب في هذه المسألة أن الصلاة على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إما أن يكون آله وأزواجه وذريته أو غيرهم، فإن كان الأول فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وجائزة ومفردة. وأما الثاني: فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عموما الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم جاز ذلك أيضا فيقال: اللَّهمّ صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك والمرسلين وأهل طاعتك أجمعين، وإن كان معينا أو طائفة معينة كره أن تتخذ الصلاة عليه شعارا لا تحل به، ولو قيل بتحريمه لكانت له وجه، ولا سيما إذا جعلها شعارا له، وصنع منها نظيره أو من هو خير منه، وهذا كما يفعل الرافضة بعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فإنّهم حيث ذكروه قالوا: عليه الصلاة والسلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه، فهذا ممنوع منه، ولا سيما إذا اتخذ شعارا لا تحل به، فتركه حينئذ متعين، وأما إن صلّى عليه اتفاقا بحيث لا يجعل ذلك شعارا كما يصلي على دافع الزكاة، وكما قال ابن عمر للميت، وكما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على المرأة وزوجها، وكما روى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 4 عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من صلاته على عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فهذا لا بأس به، وبهذا التفصيل تتفق الأدلة، ويكشف وجه الصواب. واللَّه الموفق. الحادية والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن الصلاة عليه واجبة قال أبو عمر بن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرض على كل مؤمن بقوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] ثم اختلفوا في كيفية ذلك وموضعه، فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرض في الجملة بعقد الإيمان، ولا يتعين في الصلاة ولا في وقت من الأوقات، ومن قول بعضهم: أن من صلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة في عمره فقد سقط فرض ذلك عنه، وبقي مندوبا إليه في سائر عمره بمقدار ما يمكنه. قال كاتبه: وهذا أبو محمد بن حزم قال فيمن يقول: أن هذا القول فرض على كل مسلم أن يقوله مرة في الدهر: فإذا فعل ذلك فقد صلّى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما أمر ثم يستحب له ذلك في الصلاة وغيرها فهو يزيد من الأجر. قيل: من أين اقتصرتم على وجوب هذا مرة في الدهر ولم توجبوا تكرار ذلك متى ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلنا: إن ذلك مرة واحدة واجب، ولا يوجد الاقتصار على أقل من مرة، وأما الزيادة على المرة فنحن نسألكم: كم مرة توجبون ذلك في الدهر؟ أو في الحول؟ أو في الشهر؟ أو في اليوم؟ أو في الساعة؟ ولا يمكن منكم تحديد عدد دون عدد إلا ببرهان، ولا سبيل إليه فقد امتنع هذا بضرورة العقل.   [ (1) ] الأحزاب: 56. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5 فإن قالوا: نوجب ذلك عليه في الصلاة خاصة، قلنا: ليس هذا موجودا في الآية ولا في شيء من الأحاديث، فهو دعوى منكم بلا برهان، فإن من قال من غير الشافعيّ بقول إيجاب ذلك متى ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاة أو غيرها، قلنا: هذا لا يوجد في الآية ولا في الصحيح من الأخبار. قال القرطبي في تفسيره: ولا خلاف أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة، وفي كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة، التي لا يسع تركها، ولا يغفلها إلا من لا خير فيه. ومنهم من قال: تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره، كما قال في آية السجدة، وتشميت العاطس، وكذلك في كل دعاء في أوله وفي آخره. ومنهم من أوجبها في العمر مرة، وكذا قال في إظهار الشهادتين، والّذي يقتضيه الاحتياط، الصلاة عليه كلما ذكر، كما ورد من الأخبار في ذلك. وقال أبو جعفر الطحاوي وأبو عبد اللَّه الحليمي: تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه، وقال: ذلك مستحب، وليس بفرض يأثم تاركه، اختلفوا في ذلك، فقالت فرقة: تجب الصلاة عليه في العمر مرة واحدة، لأن الأمر لا يقتضي تكرارا، والماهية تحصل بمرة، وهذا لأنه يحكي عن أبي حنيفة ومالك وسفيان الثوري والأوزاعي. وقال القاضي عياض- وهو قول جمهور الأمة-: وقالت فرقه: تجب في كل صلاة في تشهدها الأخير وهو قول الشافعيّ وأحمد في أحد الروايتين عنه. قال ابن عبد البر: وقال الشافعيّ رحمه اللَّه: إذا لم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد الأخير، بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة، قال: وإن صلّى عليه قبل ذلك لم يجز، هذا قول حكاه عنه حرملة، ولا يكاد يوجد عنه إلا من رواية حرملة، وغير حرملة إنما يروى عنه أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرض في كل صلاة، موضعها التشهد الآخر قبل التسليم، ولم يذكر إعادة فيمن وضعها قبل التشهد في الجلسة الأخرى، وأن أصحابه قد تقلدوا رواية حرملة، ومالوا إليها، وناظروا عليها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 6 وقالت فرقة: الأمر بالصلاة عليه أمر استحباب لا أمر وجوب، هذا قول ابن جريج وطائفة، وادعى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري فيه الإجماع، وهذا على أصله، فإنه إذا رأى الأكثرين على قول جعل إجماعا يجب اتباعه، والمقدمتان باطلتان، واحتج القائلون بوجوب الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحجج: الأولى: ما خرجه الحاكم [ (1) ] من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ. ورغم أنفه: دعاء عليه، وذم له. الثانية: قوله: من ذكرت عنده فلم يصل عليّ فمات فأبعده اللَّه، وله طرق عن أبي هريرة، وجابر بن سمرة، وكعب بن عجرة، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك وكل طريق منها جاءت مستقله، والحديث بهذه الطرق المتعددة يفيد الصحة. الثالثة: قوله: من ذكرت عنده فليصل عليّ فإنه من صلّى عليّ مرة صلّى اللَّه عليه عشرا. لأمر ظاهر في الوجوب. الرابعة: قوله: إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ، وقوله: إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل على، وقوله: بحسب المؤمن من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي عليّ، وقوله: كفى به شحا أن أذكر عند رجل فلا يصلي عليّ فإذا ثبت أنه بخيل، ووجه الدلالة أن البخيل اسم ذمّ، وتارك المستحب لا يستحق اسم الذم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [ (2) ] [وقال تعالى:] الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [ (3) ] فقرن تعالى البخل بالاختيال والفخر والأمر بالبخل، وذم على المجموع، فدل على أن البخل صفة ذم، وقد قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأي داء أدوى من البخل؟ والبخيل هو   [ (1) ] (المستدرك) : 1/ 734، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، حديث رقم (2016) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] لقمان: 18. [ (3) ] النساء: 37. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 7 مانع ما وجب عليه، فمن أدى الواجب عليه كله لم يسم بخيلا، وإنما البخيل مانع ما يجب عليه إعطاؤه وبذله. الخامسة: أن اللَّه تعالى أمر بالصلاة والسلام عليه، والأمر المطلق للتكرار، ولا يمكن أن يقال: التكرار هو في كل وقت، فإن الأوامر المكررة إنما تكرر في أوقات خاصة، أو عند شروط وأسباب تقتضي تكرارها، وليس وقت أولى من وقت، فتكرر الأمر بتكرار ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أولى لما تقدم من النصوص، وهاهنا ثلاث مقدمات. المقدمة الأولى: أن الصلاة مأمور بها أمرا مطلقا، وهذه معلومة. المقدمة الثانية: أن الأمر المطلق يقتضي التكرار، وهذا مختلف فيه، فنفاه طائفة، وفرقت طائفة بين الأمر المطلق والمعلق على شرط أو وقت، فأثبت التكرار في المعلق دون المطلق، وهذه الأقوال الثلاثة لأصحابنا، ولأصحاب أحمد وغيرهم يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي الفساد، فإن هذا معلوم من خطاب الشارع التكرار، فلا يحمل كلام، وإن كان لا يفرض لصحة المنهي عنه ولا فساده في أصل موضع اللغة، وكذا خطاب الشارع للواحد من الأمة يقتضي معرفة الخاص أن يكون متناولا له ولأمثاله، وإن كان موضوع اللفظ لغة لا يقتضي ذلك، فإن هذه لغة صاحب الشرع، وعرفه في مصادر كلامه، وموارده، وهذا معلوم بالاضطرار عن دينه قبل أن يعلم صحة القياس، واعتباره، وشروطه، وهذا فرق بين اقتضاء اللفظ وعدم اقتضائه لغة، وبين اقتضائه في عرف الشرع وعادة خطابه. المقدمة الثالثة: إذا تكرر المأمور به فإنه لا يتكرر إلا بسبب، ولولا الأسباب المقتضية لتكراره ذكر اسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم لإخباره برغم أنف من ذكر عنده فلم يصل عليه، والإمحال عليه بالبخل، وإعطائه اسمه، ومما يؤيد ذلك أن اللَّه سبحانه أمر عباده المؤمنين بالصلاة عليه عقب إخباره لهم بأنه وملائكته يصلون عليه لم يكن مرة وانقطعت، بل هي صلاة متكررة، ولهذا ذكرها مبينا بها فضله، وشرفه، وعلو مرتبته، ثم أمر المؤمنين بها، فتكرارها في حقهم أحق وأكثر لأجل الأمر، ولأن اللَّه تعالى أكد السلام بالمصدر الّذي هو التسليم، وهذا يقتضي المبالغة والزيادة في كميته، وذلك بالتكرار، ولأن لفظ المأمور به الجزء: 11 ¦ الصفحة: 8 يدل على التكثير فإن الفعل المشدد يدل على تكرار الفعل كقولك كسّر الخبز وقطّع اللحم، وعلّم الخير، ونحوه، ولأن الأمر بالصلاة عليه في مقابل إحسانه إلى الأمة وتعليمهم وإرشادهم المطلق، وهذه الأقوال الثلاثة لأصحابنا، ولأصحاب أحمد وغيرهم. ورجحت هذه الطائفة التكرار بأن عامة أوامر اللَّه تعالى على التكرار كقوله تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (1) ] وقوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [ (2) ] وقوله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [ (3) ] وقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [ (4) ] وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ [ (5) ] وقوله تعالى: فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ (6) ] وقوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً [ (7) ] وقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ [ (8) ] وقوله في اليتامى: وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ [ (9) ] وقوله تعالى: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [ (10) ] وقوله تعالى:   [ (1) ] الحديد: 7. [ (2) ] البقرة: 208. [ (3) ] التغابن: 12. [ (4) ] النور: 56. [ (5) ] آل عمران: 200. [ (6) ] آل عمران: 175. [ (7) ] آل عمران: 103. [ (8) ] الإسراء: 34. [ (9) ] النساء: 5. [ (10) ] الجمعة: 9. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 9 إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [ (1) ] إلى قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [ (2) ] إلى قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا [ (3) ] وقوله تعالى: اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [ (4) ] وقوله تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ [ (5) ] وقوله تعالى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا [ (6) ] وقوله تعالى: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ [ (7) ] وهذا في القرآن كثير جدا. وإذا كانت أوامر اللَّه تعالى ورسوله على التكرار، حيث وردت إلا في النادر، علم أن هذا عرف خطاب اللَّه ورسوله للأمة، والأمر إن لم يكن في لفظه المجرد ما يؤذن بتكرار ولا فور، وكان قد عرف في خطاب الشارع التكرار، فلا يحمل كلامه إلا على عرفه، والمألوف من خطابه وإن لم يكن ذلك مفهوما من أصل الوضع في اللغة، وهذا كما قلنا: إن الأمر يقتضي الوجوب، والنهى يقتضي الفساد، فإن هذا معلوم من خطاب الشارع التكرار، فلا يحمل كلامه وإن كان لا يفرض لصحة المنهي عنه ولا فساده في أصل موضوع اللغة، وكذا خطاب الشارع بالواحد من الأمة يقتضي معرفة الخاص أن يكون متناولا له ولأمثاله، وإن كان موضوع اللفظ لغة لا يقتضي ذلك فإن هذه لغة صاحب الشرع، وعرفه في مصادر كلامه وموارده، وهذا معلوم بالاضطرار من دينه قبل أن يتعلم صحة القياس، واعتباره، وشروطه، وهذا   [ (1) ] المائدة: 6. [ (2) ] المائدة: 6. [ (3) ] المائدة: 6. [ (4) ] البقرة: 45. [ (5) ] الأنعام: 152. [ (6) ] الأنعام: 152. [ (7) ] الأنعام: 152. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 10 الفرق بين اقتضاء اللفظ وعدم اقتضائه لغة، وبين اقتضائه في عرف الشرع وعادة خطابه. ومعلوم أن مقابلة مثل هذا النفع العظيم لا تحصل بالصلاة مرة واحدة في العمر، بل لو صلّى العبد عليه بعدد أنفاسه لم يكن موفيا لحقه، ولا مؤديا لنعمته، فجعل جزاء هذه النعمة الصلاة عليه عند ذكر اسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولهذا أشار صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ذلك بتسمية من لم يصل عليه عند ذكر اسمه بخيلا، لأن من أحسن إلى العبد الإحسان العظيم، وحصل له منه الخير الجسيم، ثم يذكر عنده فلا يثنى عليه، ولا يبالغ في حمده، ومدحه، ويبدئ ذلك ويعيده، ويعتذر من التقصير في القيام بشكره، وواجب حقه، عده الناس بخيلا، لئيما، كفورا، فكيف بمن أو في إحسانه إلى العبد يزيد على إحسان المخلوقين بعضهم لبعض، الّذي بإحسانه حصل للعبد خير الدنيا والآخرة، ونجى من شر الدنيا والآخرة، والّذي لا تتصور القلوب حقيقة نعمته وإحسانه، فضلا عن أن يقوم بشكره؟. أليس هذا المنعم المحسن أحق بأن يعظم ويثنى عليه، ويتفرغ الوسع في حمده ومدحه، إذا ذكر بين الملأ فلا أقل من أن يصلي عليه مرة إذا ذكر اسمه، ولهذا دعي عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم برغم الأنف، وهو أن يلصق أنفه بالتراب. وأيضا فإن اللَّه تعالى: نهى الأمة أن تجعل دعاء الرسول بينهم كدعاء بعضهم بعضا بل تدعوه: يا رسول اللَّه، يا نبي اللَّه، وهذا من تمام تعزيره وتوقيره، فلهذا ينبغي أن يخص باقتران اسمه بالصلاة عليه، ليكون ذلك فرقا بينه وبين ذكر غيره، كما كان الأمر به، دعاءه بالرسول، والنبي، فرقا بينه وبين خطاب غيره، فلو كان عند ذكره لا يجب الصلاة عليه لكان ذكره كذكر غيره في ذلك، هذا على أحد التفسيرين في الآية. وأما التفسير الآخر وهو أن المعنى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (1) ] فتؤخروا الإجابة بالأعذار والعلل التي يؤخر بعضكم عن إجابة بعض بها، لكن بادروا إليه إذا دعاكم بسرعة الإجابة حتى لم يجعل اشتغالهم بالصلاة عذرا لهم في التخلف عن إجابته، والمبادرة إلى طاعته، فإذا   [ (1) ] النور: 63. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 11 لم تكن الصلاة التي فيها شغل يستباح به إجابته فكيف ما دونها من الأسباب والأعذار؟ فعلى هذا يكون المصدر مضافا إلى الفاعل، وعلى القول الأول يكون مضافا إلى المفعول، وقد يقال: إن المصدر هنا لم يضف إلى الفاعل ولا المفعول، وإنما أضيف إضافة الأسماء المحضة، ويكون المعنى لا تجعلوا الدعاء المتعلق بالرسول المضاف إليه كدعاء بعضكم بعضا، وعلى هذا فيعم الأمرين معا، ويكون النهى عن دعائهم له باسمه كما يدعو بعضهم بعضا، عن تأخير إجابته، وعلى كل تقدير فكما أمر اللَّه سبحانه بأن يميز عن غيره في خطابه ودعائه إياهم، قياما للأمة بما يجب عليهم من تعظيمه وإجلاله، فتمييزه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالصلاة عليه عند ذكر اسمه من تمام هذا المقصود وقد أخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم أن من ذكر عنده فلم يصل عليه خطئ طريق الجنة، فلولا أن الصلاة عليه واجبة عند ذكره، فلم يكن تاركها مخطئا لطريق الجنة، فمن ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عنده فلم يصل عليه فقد جفاه ولا يجوز لمسلم جفاؤه. والدليل على المقدمة الأولى: حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، يرفعه: من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي عليّ وهذا وإن كان مرسلا لا يحتج به، فله شواهد. والدليل على المقدمة الثانية: أن جفاءه مناف لكمال حبه، وتقديم محبته على النفس، والأهل، والمال، وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإن العبد لا يؤمن حتى يكون الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أحب إليه من نفسه، وولده، ووالده، والناس أجمعين كما تقدم، فإن المحبة ثلاثة أنواع: * إما محبة إجلال وتعظيم، كمحبة الوالدين. * وإما محبة تحنن وبر ولطف، كمحبة الولد. * وإما محبة لأجل الإحسان وصفات الكمال، كمحبة الناس بعضهم بعضا. ولا يؤمن العبد حتى يكون حب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أشد من هذه المحبات الثلاثة، ومعلوم أن حقا ثانيا في ذلك، فلما كانت محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم فرضا وكانت توابعها من الإجلال، والتعظيم، والتوقير، والطاعة، والتقديم على النفس وإيثاره بنفسه بحيث بقي نفسه بنفسه فرضا، كانت الصلاة عليه من لوازم هذه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 12 المحبة وتمامها، وإذا ثبت لهذه الوجوه وغيرها وجوب الصلاة على من ذكر عنده، فوجوبها على الذاكر أولى. ونظير هذا أن السامع آية السجدة إذا أمر بالسجود إما وجوبا واستحبابا على القولين فوجوبها على التالي أولى، واحتج نفاة الوجوب بوجوه: أحدها: أنه من المعلوم الّذي لا ريب فيه أن السلف الصالح الذين هم القدوة لم يكن أحدهم كلما ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرن الصلاة عليه باسمه، وهذا في خطابهم للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثر من أن يذكر، فإنّهم كانوا يقولون: يا رسول اللَّه، مقتصرين على ذلك، وربما كان يقول أحدهم: صلى اللَّه عليك، وهذا في الأحاديث ظاهر كثير، فلو كانت الصلاة عليه واجبة عند ذكره لأنكر عليه تركها. الثاني: أن الصلاة عليه لو كانت واجبة كما ذكر لكان هذا من أظهر الواجبات، ولبينه لأمته بيانا يقطع العذر وتقوم به الحجة. الثالث: أنه لا يعرف عند أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم هذا القول، ولا يعرف أحد منهم قال به، وأكثر الفقهاء حكى الإجماع على أن الصلاة عليه ليست من فروض الصلاة، وقد نسب القائل بوجوبها إلى الشذوذ، ومخالفة الإجماع، فكيف خارج الصلاة؟. الرابع: لو وجبت الصلاة عليه عند ذكره دائما لوجب على المؤذن أن يقول: أشهد أن محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا يشرع له في الأذان فضلا عن أن تجب عليه. الخامس: أنه كان يجب على من سمع النداء ويجيبه أن يصلي عليه، وقد أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم أن نقول كما يقول المؤذن، وهذا دليل على جواز اقتصاره على قوله: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، هذا هو مثل ما قال المؤذن. السادس: أن التشهد الأول ينتهى عند قوله: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اتفاقا، واختلف هل يشرع أن يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلى آله في التشهد الأخير أم لا؟ على ثلاثة أقوال: قيل: لا يشرع الصلاة عليه خاصة دون آله، ولم يقل أحد بوجوبها في التشهد الأول عند ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 13 السابع: أن المسلم إذا دخل في الإسلام بتلفظه بالشهادتين لم يحتج أن يقول: أشهد أن محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الثامن: أن الخطيب في الجمع والأعياد ونحوها، لا يحتاج أن يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في نفس التشهد، ولو كانت الصلاة واجبة عليه عند ذكره لوجب عليه أن يقرنها بالشهادة، فلا يقال: تكفي الصلاة عليه في الخطبة، فإن تلك الصلاة لا تنعطف على ذكر اسمه عند التشهد، ولا سيما مع طول الفصل، والموجبون يقولون: تجب الصلاة كلما ذكر، ومعلوم أن ذكره ثانيا غير ذكره أولا. التاسع: أنه لو وجبت الصلاة عليه كلما ذكر على القارئ كلما مرّ بذكر اسمه، يصلي عليه ويقطع بذلك قراءته ليؤدي هذا الواجب، وسواء كان في الصلاة أو خارجها فإن الصلاة عليه لا تبطل الصلاة وهي واجبة، قد تعين فوجب أداؤه، وترك إهماله. العاشر: لو وجبت الصلاة عليه كلما ذكر لوجب الثناء على اللَّه تعالى كلما ذكر اسمه، وكان يجب على من ذكر اسم اللَّه أن يقرنه بأن يقول: سبحانه وتعالى، أو عز وجل، أو تبارك وتعالى، أو جلت عظمته، أو تعالى جدّه، ونحو ذلك، بل كان ذلك أولى مما روى، فإن تعظيم الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وإجلاله، ومحبته، وطاعته تابع لتعظيم مرسلة سبحانه وإجلاله، ومحبته، وطاعته، فمحال أن تثبت المحبة والطاعة، والتعظيم والإجلال، للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم دون مرسلة، بل إنما يثبت له تبعا لمحبة اللَّه تبارك وتعالى، وتعظيمه، وإجلاله، ولهذا كانت طاعة ومتابعة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم متابعة للَّه تبارك وتعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [ (1) ] ومحبته محبة للَّه تعالى. قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [ (2) ] وتعظيمه تعظيما للَّه، ونصرته نصرة للَّه، فإنه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم وعبده الداعي إليه، وإلى طاعته، ومحبته، وإجلاله، وتعظيمه، وحده لا شريك له. فكيف يقال:   [ (1) ] الفتح: 10. [ (2) ] آل عمران: 31. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 14 تجب الصلاة كلما ذكر اسمه وهي ثناء وتعظيم، ولا يجب الثناء والتعظيم للخالق سبحانه وتعالى كلما ذكر اسمه؟ هذا محال من القول. الحادي عشر: أنه لو جلس إنسان ليس له هجير إلا قوله: محمد رسول اللَّه، أو اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد، وبشر كثير يسمعونه، فإن قلتم: يجب على كل من أولئك السامعين أن يكون هجيرا للصلاة عليه ولو طال المجلس ما طال، كان ذلك حرجا ومشقة، وتركا لقراءة قارئهم، ودراسة دارسهم وكلام صاحب الحاجة منهم، وهذا كونه في العلم وتعلمه القرآن وغير ذلك. وإن قلتم: لا تجب عليهم الصلاة في هذه الحالة نقضتم مذهبكم، وإن قلتم: تجب عليه مرة أو أكثر كان تحكما بلا دليل مع أنه مبطل لقولهم. الثاني عشر: أن الشهادة له صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة فرض واجب من الصلاة عليه بلا ريب، ومعلوم أنه لا يدخل أحد في الإسلام إلا بها ولا تجب كلما ذكر اسمه فكيف تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه؟ وليس من الواجبات بعد كلمة الإخلاص إفراد الشهادة له بالرسالة فمتى أقر له بوجوبها عند ذكر اسمه تذكر العبد الإيمان، وموجبات هذه الشهادة، فكان يجب على من ذكر اسمه أن يقول: محمد رسول اللَّه، ووجوب ذلك أظهر بكثير من موجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه، فهذه حجج الفريقين، ولكل فرقة منها أجوبة عن حجج الفرقة المنازعة لها، بعضها ضعيف جدا، وبعضها محتمل، وبعضها قوى، والفاضل لا يخفى عليه ذلك عند تأمل حجج الفريقين، وبالجملة فأدلة الوجوب أقوى وأظهر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 15 الثانية والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: في كيفية الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أنه قد أوردت أحاديث الصلاة على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم اثنان وأربعون من الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وهم: أبو مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري البدري، وكعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن الحارث السوداوي حليف الأنصار، وأبو حميد الساعدي واسمه المنذر وقيل: عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة، وأبو سعيد الخدريّ واسمه سعد بن مالك بن سنان، وطلحة بن عبيد اللَّه، وزيد بن خارجة ويقال: ابن حارثة، وعلي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وبريدة بن الحصيب، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد اللَّه بن مسعود، وفضالة ابن عبيد، وأبو طلحة الأنصاري واسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام، وأنس بن مالك وعمر بن الخطاب، وعامر بن ربيعة، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي بن كعب، وأوس بن أوس، والحسن والحسين ابنا على بن أبي طالب، وفاطمة الزهراء، والبراء بن عازب، ورويفع بن ثابت الأنصاري، وجابر بن عبد اللَّه، وأبو رافع بن ثابت الأنصاري، وجابر بن عبد اللَّه، وأبو رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعبد اللَّه بن أوفى، وأبو أمامه الباهلي واسمه صدى ابن عجلان، وعبد الرحمن بن بشير بن مسعود، وأبو بردة بن دينار واسمه هاني، وقيل: الحارث، وعمار بن ياسر، وجابر بن سمرة، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، واسمه سعد، ومالك بن الحويرث، وعبد اللَّه بن جزء الزبيدي، وعبد اللَّه بن عباس، وأبو ذر الغفاريّ، واسمه جندب بن جنادة، وقيل: غير ذلك، وواثلة بن الأسقع، وأبو بكر الصديق، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وسعيد بن عمير الأنصاري، وهو من البدريين، وحبان بن منقذ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 16 فأما حديث أبي مسعود [ (1) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فحديث صحيح خرجه النسائي [ (2) ] عن الحارث بن مسكين، عن ابن القاسم عن مالك. وخرجه الترمذي [ (3) ] عن إسحاق بن موسى، عن معن عن مالك. وخرجه مسلم [ (4) ] من حديث يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نعيم بن عبد اللَّه المجمر أن زيد بن عبد اللَّه الأنصاري، وعبد اللَّه بن زيد،   [ (1) ] هو أبو مسعود الأنصاري الزرقيّ، روى عن علي بن أبي طالب، وعنه نافع بن جبير بن مطعم، والصواب مسعود بن الحكم. (تهذيب التهذيب) : 12/ 255، ترجمة رقم (1060) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 3/ 52- 53، كتاب السهو، باب (49) ، الأمر بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1284) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 334- 335، كتاب تفسير القرآن، باب (34) ومن سورة الأحزاب، حديث رقم (3220) قال: وفي الباب عن علي، وأبي حميد، وكعب بن عجرة، وطلحة بن عبيد اللَّه، وأبي سعيد، وزيد بن خارجة- ويقال: حارثة- وبريدة. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 366- 367، كتاب الصلاة، باب (17) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (405) ، قال الإمام النووي: اعلم أن العلماء اختلفوا في وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عقب التشهد الأخير في الصلاة فذهب أبو حنيفة ومالك رحمهما اللَّه تعالى والجمهور إلى أنها سنة لو تركت صحت الصلاة، وذهب الشافعيّ وأحمد رحمهما اللَّه تعالى إلى أنها واجبة لو تركت لم تصح الصلاة، وهو مروى عن عمر بن الخطاب، وابنه عبد اللَّه رضي اللَّه تعالى عنهما، وهو قول الشعبي، وقد نسب جماعة للشافعيّ رحمه اللَّه تعالى في هذا إلى مخالفة الإجماع ولا يصح قوله فإنه مذهب الشعبي كما ذكرنا، وقد رواه عن البيهقي، وفي الاستدلال لوجوبها خفاء، وأصحابنا يحتجون بحديث أبي مسعود الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- المذكور، هنا أنهم قالوا: كيف نصلي عليك يا رسول اللَّه؟ فقال: - الجزء: 11 ¦ الصفحة: 17   [ () ] قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد إلى آخره، قالوا: والأمر للوجوب، وهذا القدر لا يظهر الاستدلال به إلا إذا ضم إليه الرواية الأخرى، كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد إلى آخره وهذه الزيادة صحيحة. رواها الإمامان الحافظان أبو حاتم بن حبان بكسر الحاء البستي، والحاكم أبو عبد اللَّه في صحيحيهما، وقال الحاكم: هي زيادة صحيحة، واحتج لها أبو حاتم وأبو عبد اللَّه في صحيحيهما بما روياه عن فضالة بن عبيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى رجلا يصلي لم يحمد اللَّه، ولم يمجده، ولم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عجل هذا، ثم دعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه وليصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وليدع ما يشاء. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وهذان الحديثان وإن اشتملا على ما لا يجب بالإجماع كالصلاة على الآل والذرية والدعاء فلا يمتنع الاحتجاج بهما فإن الأمر للوجوب فإذا خرج بعض ما يتناوله الأمر عن الوجوب بدليل، بقي الباقي على الوجوب. واللَّه تعالى أعلم. والواجب عند أصحابنا: اللَّهمّ صلّ على محمد، وما زاد عليه سنة، ولنا وجه شاذ أنه يجب الصلاة على الآل وليس بشيء، واللَّه تعالى أعلم. واختلف العلماء في آل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أقوال: أظهرها وهو اختيار الأزهري وغيره من المحققين، أنهم جميع الأمة، والثاني: بنو هاشم، وبنو المطلب، والثالث: أهل بيته صلّى اللَّه عليه وسلّم وذريته واللَّه تعالى أعلم. قوله (أمرنا اللَّه تعالى أن نصلي عليك يا رسول اللَّه فكيف نصلي عليك) معناه أمرنا اللَّه تعالى بقوله تعالى: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً فكيف نلفظ بالصلاة؟ وفي هذا أن من أمر بشيء لا يفهم مراده يسأل عنه ليعلم ما يأتى به، قال القاضي: ويحتمل أن يكون سؤالهم عن كيفية الصلاة في غير الصلاة ويحتمل أن يكون في الصلاة، قال: وهو الأظهر، قلت: وهذا ظاهر اختيار مسلم وبهذا ذكر هذا الحديث في هذا الموضوع. قوله: (فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى تمنينا أنه لم يسأله) معناه كرهنا سؤاله مخافة من أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كره سؤاله وشق عليه. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: (والسلام كما علمتم) معناه قد أمركم اللَّه تعالى بالصلاة والسلام على، فأما الصلاة فهذه صفاتها، وأما السلام فكما علمتم في التشهد، وهو قوله: السلام الجزء: 11 ¦ الصفحة: 18 هو الّذي كان أرى النداء بالصلاة، أخرجه عن أبي مسعود الأنصاريّ، قال: أتانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد، أمرنا اللَّه أن نصلي عليك يا رسول اللَّه فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم. ترجم عليه النسائي باب الأمر بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وخرجه أبو داود [ (1) ] عن القعنبي، عن مالك. وخرجه الإمام أحمد [ (2) ] بزيادة عن طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد فقال: حدثنا أبو السحيم عبد ربه الأنصاريّ عن أبي مسعود قال: أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن عنده فقال: يا رسول اللَّه أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نحن نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلّى اللَّه عليك؟ قال: فصمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله، ثم قال:   [ () ] عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، وقوله: علمتم هو بفتح العين وكسر اللام المخففة، ومنهم من رواه بضم العين وتشديد اللام أي علمتكموه، وكلاهما صحيح. وقوله: (من صلّى على واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا) ، قال القاضي: معناه رحمته وتضعيف أجره، كقوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها قال: وقد يكون الصلاة على وجهها وظاهرها تشريفا له بين الملائكة كما في الحديث «وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه» . [ (1) ] (سنن أبي داود) : 1/ 600، كتاب الصلاة، باب (183) ، الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (980) ، فذكر معنى حديث كعب بن عجرة وزاد في آخره: في العالمين إنك حميد مجيد. ونعيم: بزنة التصغير، والمجمر: بضم الميم الأولى وسكون الجيم وكسر الميم. لقب بذلك لأنه كان يجمر مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] (مسند أحمد) : 5/ 97، حديث رقم (16624) من حديث أبي مسعود الأنصاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 19 إذا أنتم صليتم عليّ فقولوا: اللَّهمّ صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك [ (1) ] . ورواه ابن خزيمة والحاكم [ (2) ] . قال الحاكم فيه: على شرط مسلم واعترض عليه بأن في هذا نوع تساهل، فإن مسلم لم يحتج بابن إسحاق في الأصول، وإنما خرّج له في المتابعات، وقد أحلت له هذه الزيادة بتفرد ابن إسحاق بها، ومخالفة سائر الرواة له في تركهم ذكرها. وأجيب عن ذلك بأن ابن إسحاق لم يخرّج بما يوجب ترك الاحتجاج به، وقد وثقه كبار الأمة، وأثنوا عليه بالحفظ والعدالة، وهما ركنا الرواية، ومع ذلك فإنما يخاف من تدليسه، وقد صرح هنا بسماعة الحديث من محمد بن إبراهيم التيمي فزالت تهمة تدليسه، وقد قال الدارقطنيّ في هذا الحديث- وقد خرجه في (السنن) [ (3) ] من هذا الوجه-: وهذا إسناد حسن متصل، وقال في كتاب (العلل) : يرويه محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد اللَّه بن زيد عن أبي مسعود، حدث به عنه كذلك القعنبي ومعن وأصحاب (الموطأ) . [يعنى أصحاب مالك] [ (4) ] . ورواه حماد بن مسعود عن مالك عن نعيم فقال: عن محمد بن زيد عن أبيه ووهم فيه، ورواه داود بن قيس الفراء عن نعيم عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، خالف فيه مالك، وحديث مالك أولى بالصواب. انتهى.   [ (1) ] هذا آخر الحديث في (المسند) ، وتمامه من (المسند) : على محمد النبي الأمي، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. [ (2) ] (المستدرك) : 1/ 401، كتاب الصلاة، حديث رقم (988) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، فذكر الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلوات. وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. [ (3) ] (سنن الدارقطنيّ) : 1/ 354- 355، كتاب الصلاة، باب ذكر وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد، واختلاف الروايات في ذلك. [ (4) ] زيادة للبيان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 20 وقد اختلف على ابن إسحاق في هذه الزيادة فذكرها إسماعيل بن سعد كما تقدم، ورواه زهير بن معاوية عن ابن إسحاق بدون ذكر الزيادة، كذلك قال عبد بن حميد في (مسندة) : عن أحمد بن يونس والطبراني في (معجمه) عن ابن عباس بن الفضل عن أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية. واللَّه تعالى أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 21 وأما حديث كعب بن عجرة [ (1) ] فقد رواه أهل الصحيح وأصحاب السنن والمسانيد من حديث عبد الرحمن ابن أبي ليلى عنه، وهو حديث لا مغمز فيه، فخرجه البخاري في كتاب الأنبياء في باب وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا من طريق عبد اللَّه بن عيسى، سمع عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدى لك هدية سمعتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلت: بلى، فاهدها لي قال: فقال: سألنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: يا رسول اللَّه، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإن اللَّه قد علمنا كيف نسلم قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وخرّج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من طريق شعبة عن الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج   [ (1) ] هو كعب بن عجرة الأنصاري المدني أبو محمد، وقيل أبو عبد اللَّه، وقيل: أبو إسحاق، من بنى سالم بن عوف، وقيل: من بنى سالم بن بلى حليف بنى الخزرج وقيل في نسبه غير ذلك. روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن عمر بن الخطاب وبلال. روى عنه بنوه إسحاق والربيع ومحمد وعبد الملك، وابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس وجابر وعبد اللَّه بن معقل بن مقرن المزني وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو وائل ومحمد بن سيرين وأبو عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود وطارق بن شهاب ومحمد بن كعب القرظي وأبو ثمامة الحناط وسعيد المقبري، وقيل: بينهما رجل وإبراهيم وليس بالنخعى، وعاصم العدوي وموسى بن وردان وغيرهما. قال الواقدي: كان استأخر إسلامه ثم أسلم وشهد المشاهد وهو الّذي نزلت فيه بالحديبية الرخصة في حلق رأس المحرم والفدية. قال خليفة: مات سنة إحدى وخمسين، وقال الواقدي وآخرون: مات سنة (52) قال بعضهم: وهو ابن خمس وقيل: سبع وسبعين سنة. (تهذيب التهذيب) : 8/ 390- 391، ترجمة رقم (790) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 503، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (10) بدون ترجمة، حديث رقم (3370) ، (المرجع السابق) : 8/ 682، كتاب التفسير سورة (32) سورة الأحزاب باب (10) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 22   [ () ] إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، قال أبو العالية: صلاة اللَّه ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء، قال ابن عباس: يصلون يبركون. لنغرينك: لنسلطنك، حديث رقم (4797) ، (المرجع السابق) : 11/ 183، كتاب الدعوات باب (32) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (6357) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 367، كتاب الصلاة، باب (17) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (66) . قال الإمام النووي: قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: (قولوا اللَّهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم) قال العلماء: معنى البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة، وقيل: هو بمعنى التطهير والتزكية، واختلف العلماء في الحكمة في قوله: اللَّهمّ صلّ على محمد كما صليت على إبراهيم، مع أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل من إبراهيم صلّى اللَّه عليه وسلّم قال القاضي عياض- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أظهر الأقوال أن نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم سأل ذلك بنفسه ولأهل بيته ليتم النعمة عليهم كما أتمها على إبراهيم وعلى آله، وقيل: بل سأل ذلك لأمته، وقيل بل ليبقى ذلك له دائما إلى يوم القيامة ويجعل له به لسان صدق في الآخرين كإبراهيم صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقيل كان: ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل من إبراهيم صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: سأل صلاة يتخذه بها خليلا كما اتخذ إبراهيم. هذا كلام القاضي، والمختار في ذلك أحد ثلاثة أقوال: أحدها: حكاه بعض أصحابنا عن الشافعيّ رحمه اللَّه تعالى أن معناه صل على محمد، وتم الكلام هنا، ثم استأنف وعلى آل محمد أي وصل على آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، فالمسئول له مثل إبراهيم وآله هم آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم لا نفسه. القول الثاني: معناه: اجعل لمحمد وآله صلاة منك كما جعلتها لإبراهيم وآله فالمسئول المشاركة في أصل الصلاة لا قدرها. القول الثالث: أنه على ظاهره، والمراد: اجعل لمحمد وآله صلاة بمقدار الصلاة التي لإبراهيم وآله والمسئول مقابلة الجملة، فإن المختار في الآل كما قدمناه أنهم جميع الأتباع، ويدخل في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء، ولا يدخل في آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم نبي، فطلب إلحاق هذه الجملة التي فيها نبي واحد بتلك الجملة التي فيها من الأنبياء. واللَّه تعالى أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 23   [ () ] قال القاضي عياض: ولم يجئ في هذه الأحاديث ذكر الرحمة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد وقع في بعض الأحاديث الغريبة قال: واختلف شيوخنا في جواز الدعاء للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرحمة فذهب بعضهم وهو اختيار أبي عمر بن عبد البر إلى أنه لا يقال، وأجازه غيره وهو مذهب أبي محمد ابن أبي زيد وحجة الأكثرين تعليم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلاة عليه وليس فيها ذكر الرحمة والمختار أنه لا يذكر الرحمة وقوله: وبارك على محمد وعلى آل محمد، قيل: البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة وقيل الثبات على ذلك من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على الأرض، ومنه بركة الماء وقيل: التزكية والتطهير من العيوب كلها. وقوله: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد احتج به من أجاز الصلاة على غير الأنبياء وهذا مما اختلف العلماء فيه، فقال مالك والشافعيّ رحمهما اللَّه تعالى والأكثرون: لا يصلي على غير الأنبياء استقلالا فلا يقال: اللَّهمّ صل على أبي بكر أو عمر أو علي أو غيرهم ولكن يصلي عليهم تبعا فيقال: اللَّهمّ صل على محمد وآل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته، كما جاءت به الأحاديث، وقال أحمد وجماعة: يصلي على كل واحد من المؤمنين مستقلا، واحتجوا بأحاديث الباب وبقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ صل على آل أبي أوفى، وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلى عليهم، قالوا: وهو موافق لقول اللَّه تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ واحتج الأكثرون بأن هذا النوع مأخوذ من التوقيف واستعمال السلف ولم ينقل استعمالهم ذلك بل خصوا به الأنبياء كما خصوا اللَّه تعالى بالتقديس والتسبيح فيقال: قال اللَّه سبحانه وتعالى، وقال عز وجل، وقد جلت عظمته، وتقدست أسماؤه، وتبارك وتعالى، ونحو ذلك ولا يقال قال النبي: عز وجل وإن كان عزيزا جليلا ولا نحو ذلك. وأجابوا عن قول اللَّه عز وجل هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ومن الأحاديث بأن ما كان من اللَّه عز وجل ورسوله فهو دعاء وترحم وليس فيه معنى التعظيم والتوقير الّذي يكون من غيرهما. وأما الصلاة على الآل والأزواج والذرية فإنما جاء على التبع لا على الاستقلال وقد بينا أنه يقال تبعا لأن التابع يحتمل فيه ما لا يحتمل استقلالا واختلف أصحابنا في الصلاة على غير الأنبياء، هل يقال هو مكروه أو هو مجرد ترك أدب؟ والصحيح المشهور أنه مكروه كراهة تنزيه، قال الشيخ أبو محمد الجويني، والسلام في معنى الصلاة فإن اللَّه تعالى قرن بينهما فلا يفرد به غائب غير الأنبياء فلا يقال أبو بكر وعمر وعلى عليهم السلام وإنما يقال ذلك خطابا للأحياء والأموات فيقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه. واللَّه تعالى أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 24 علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: يا رسول اللَّه عرّفنا كيف نسلم عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد. ذكره البخاري في كتاب الدعاء في باب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرجه من طريق شعبة عن الحكم بهذا الإسناد مثله وليس في حديث مسعر: ألا أهدي لك هدية. وخرجه أيضا عن الأعمش وعن مسعر، وعن مالك بن مغول كلهم عن الحكم بهذا الإسناد مثله غير أنه قال: وبارك على محمد ولم يقل: اللَّهمّ. وخرجه البخاري [ (1) ] في كتاب التفسير من طريق مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قيل: يا رسول اللَّه أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة؟ فقال: قولوا: اللَّهمّ صل ... مثل حديث شعبة سواء وقال: على إثر هذا الحديث: وخرّج الفرياني حديث كعب بن عجرة رواه، عن سيفان الثوري عن الأعمش عن الحكم بن عيينة بنحو ما تقدم بعده وقيل لسفيان: كيف لم يقل: على إبراهيم وآل إبراهيم فقال: ألم تسمع إلى قوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [ (2) ] وفرعون معهم. وخرجه أبو داود [ (3) ] من حديث شعبة عن الحكم بن أبي ليلى، عن كعب ابن عجرة قال: قلنا: أو قالوا: يا رسول اللَّه أمرنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك فأما السلام فقد عرفناه فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 682، كتاب التفسير [سورة الأحزاب] ، باب (10) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، حديث رقم (4797) . [ (2) ] غافر: 46. [ (3) ] (سنن أبي داود) : 1/ 598، كتاب الصلاة، باب (183) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (976) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 25 وخرجه أيضا من حديث شعبة بهذا الحديث، قال: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على [آل] إبراهيم إنك حميد مجيد [ (1) ] . ومن حديث الحسن بن محمد الزعفرانيّ قال: حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا إسماعيل بن زكريا، عن الأعمش ومسعر ومالك، عن الحكم بن عيينة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن أبي عجرة قال: لما نزلت هذه الآية إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (2) ] قلنا: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد [ (3) ] . وقال ابن عبد البر: وقال شعبة والثوري عن الحكم عن عبد الرحمن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة؟ فقال: قل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد. هذا لفظ حديث الثوري، وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند ويبين معنى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] الأحزاب: 56. [ (3) ] سبق تخريجه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 26 فبين لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف الصلاة عليه وعلمهم في التحيات كيف السلام عليه [ (1) ] . وهو قوله في التحيات: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، وهذا معنى قوله في حديث مالك والسلام كما قد علمتم. ويشهد لذلك قول عبد اللَّه بن عباس وابن عمر وابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، وهو أيضا معنى حديث كعب بن عجرة المذكور عند نزول الآية وقد قيل: إن السلام في هذه الأحاديث أريد به السلام من الصلاة، والقول الأول أكثر.   [ (1) ] قال الشافعيّ وابن راهويه: ومن قال بوجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة فقوله: «أمرتنا أن نصلي عليك» يدل على وجوبه، لأن أمره لازم، وطاعته واجبة، وقوله لا يجوز تركه. قالوا: وقد أمر اللَّه تعالى بالصلاة عليه فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً فكان ذلك منصرفا إلى الصلاة، لأنه إن صرف إلى غيرها كان ندبا، وإن صرف إليها كان فرضا، إذ لا خلاف أن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم غير واجبة في غير الصلاة، فدل على وجوبها في الصلاة. واختلفوا في التشهد، هل هو واجب أم لا؟ فروى عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: من لم يتشهد فلا صلاة له. وبه قال الحسن البصري، وإليه ذهب الشافعيّ، ومذهب مالك قريب منه. وقال الزهري وقتادة وحماد: إن ترك التشهد حتى انصرف مضت صلاته، وقال أصحاب الرأى: التشهد والصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستحب غير واجب، والقعود قدر التشهد واجب. (معالم السنن) : 1/ 598، تعليقا على الحديث رقم (976) ، باب (183) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، من كتاب الصلاة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 27 وأما حديث أبي حميد الساعدي ّ [ (1) ] فخرجه البخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] والنسائيّ [ (5) ] . فخرجه البخاريّ من طريق عبد اللَّه بن يوسف.   [ (1) ] هو أبو حميد الساعديّ الصحابيّ المشهور، اسمه عبد الرحمن بن سعد، ويقال: عبد الرحمن ابن عمرو بن سعد، وقيل: المنذر بن سعد بن المنذر، وقيل: اسم جده مالك، وقيل هو عمرو بن سعد بن المنذر بن سعد بن خالد بن ثعلبة بن عمرو، ويقال: إنه عم سهل بن سعد. روى عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عدة أحاديث، وله ذكر معه في الصحيحين. روى عنه ولده سعيد بن المنذر بن أبي حميد، وجابر الصحابي، وعباس بن سهل بن سعد، وعبد الملك بن سعيد بن سويد، وعمرو بن سليم، وعروة، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وغيرهم. قال خليفة وابن سعد وغيرهما: شهد أحدا وما بعدها، وقال الواقديّ: توفي في آخر خلافة معاوية، أو أول خلافة يزيد بن معاوية. (الإصابة) : 7/ 94- 95، ترجمة رقم (9787) . (الاستيعاب) : 4/ 1633، ترجمة رقم (2921) ، (تهذيب التهذيب) : 12/ 85- 86 ، ترجمة رقم (339) . [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 202- 203، كتاب الدعوات، باب (33) هل يصلي على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ حديث رقم (6360) قوله (باب هل يصلي على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ أي استقلالا أو تبعا، ويدخل في الغير الأنبياء والملائكة والمؤمنون، فأما مسألة الأنبياء فورد فيها أحاديث: أحدها: حديث عليّ في الدعاء بحفظ القرآن ففيه «وصل عليّ وعلى سائر النبيين» أخرجه الترمذي والحاكم، وحديث بريدة رفعه «لا تتركن في التشهد الصلاة على وعلى أنبياء اللَّه» الحديث أخرجه البيهقي بسند واه، وحديث أبي هريرة رفعه «صلوا على أنبياء اللَّه» الحديث أخرجه إسماعيل القاضي بسند ضعيف، وحديث ابن عباس رفعه «إذا صليتم على فصلوا على أنبياء اللَّه، فإن اللَّه بعثهم كما بعثني.» أخرجه الطبراني ورويناه في (فوائد العيسوي) وسنده ضعيف أيضا، وقد ثبت عن على بن عباس اختصاص ذلك بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عثمان بن حكيم عن عكرمة عنه قال «ما أعلم الصلاة تتبغى على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 28   [ () ] أحد من أحد إلا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهذا سند، وحكى القول عن مالك وقال: ما تعبدنا به. وجاء نحوه عن عمر بن عبد العزيز، وعن مالك يكره. وقال عياض: عامة أهل العلم على الجواز، وقال سفيان يكره أن يصلي إلا على نبي، ووجدت بخط بعض شيوخ مذهب مالك: لا يجوز أن نصلي إلا على محمد، وهذا غير معروف عن مالك وإنما قال: أكره الصلاة على غير الأنبياء وما ينبغي لنا أن نتعدى ما أمرنا به، وخالفه يحيى بن يحيى فقال: واحتج بأن الصلاة دعاء بالرحمة لا يمنع إلا بنص أو إجماع. قال عياض: والّذي أميل إليه قول مالك وسفيان وهو قول المحققين من المتكلمين والفقهاء قالوا: يذكر غير الأنبياء بالرضا والغفران والصلاة على غير الأنبياء يعنى استقلالا لم تكن من الأمر بالمعروف، وإنما أحدثت في دولة بني هاشم، وأما الملائكة فلا أعرف فيه حديثا نصّا وإنما يؤخذ ذلك من الّذي قبله إن ثبت، لأن اللَّه تعالى سماهم رسلا، وأما المؤمنون فاختلف فيه، فقيل: لا تجوز إلا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة، وحكى عن مالك كما تقدم، وقالت طائفة: لا تجوز مطلقا استقلالا وتجوز تبعا فيما ورد به النص أو ألحق به قوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ولأنه لما علمهم السلام قال: «السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين» ولما علمهم الصلاة قصر عليه وعلى أهل بيته، وهذا القول اختاره القرطبي في (المعجم) وأبو المعالي من الحنابلة، وقد تقدم تقريره في تفسير سورة الأحزاب، واختيار ابن تيمية من المتأخرين. وقالت طائفة: تجوز مطلقا ولا تجوز استقلالا، وهذا قول أبي حنيفة وجماعة، وقالت: تكره استقلالا لا تبعا وهي رواية عن أحمد. وقال النووي: هو خلاف الأولى، وقالت طائفة: تجوز مطلقا، وهو مقتضى صنيع البخاري فإنه صدر بالآية وهو قول اللَّه تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ثم الحديث الدال على الجواز مطلقا وعقبه بالحديث الدال على الجواز تبعا، فأما الأول وهو حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى فتقدم شرحه في كتاب الزكاة، ووقع مثله عن قيس بن عبادة. «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رفع يديه وهو يقول: اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة» أخرجه أبو داود والنسائي وسنده جيد. وفي حديث جابر «أن امرأته قالت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: صل عليّ وعلى زوجي ففعل. أخرجه أحمد مطولا ومختصرا وصححه ابن حبان، وهذا القول جاء عن الحسن ومجاهد ونص عليه أحمد في رواية أبي داود وبه قال إسحاق وأبو ثور وداود والطبراني، واحتجوا بقوله تعالى: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 29   [ () ] هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ وفي (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة مرفوعا «إن الملائكة تقول لروح المؤمن صلّى اللَّه عليك وعلى جسدك» وأجاب المانعون عن ذلك كله بأن ذلك صدر من اللَّه ورسوله ولهما أن يخصا ما شاءا بما شاءا وليس ذلك لأحد غيرهما. وقال البيهقي: يحمل قول ابن عباس بالمنع إذا كان على وجه التعظيم إلا ما إذا كان على وجه الدعاء بالرحمة والبركة. وقال ابن القيم: المختار أن يصلي على الأنبياء والملائكة وأزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وآله وذريته وأهل الطاعة على سبيل الإجماع، وتكره في غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعارا ولا سيما إذا ترك في حق مثله أو أفضل منه كما يفعله الرافضة، فلو اتفق وقوع ذلك مفردا في بعض الأحاديث من غير أن يتخذ شعارا لم يكن به بأس، ولهذا لم يرد في حق غير من أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقول ذلك له وهو من أدى زكاته إلا نادرا كما في قصة زوجة جابر وآل سعد بن عبادة. (تنبيه) : اختلف في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي فقيل: يشرع مطلقا، وقيل بل تبعا، ولا يفرد لواحد لكونه صار شعارا للرافضة، ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني. وأخرجه البخاري أيضا في كتاب أحاديث الأنبياء، باب (10) بدون ترجمة، حديث رقم (3369) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 370، كتاب الصلاة، باب (17) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (69) قال الإمام النووي: احتج به من أجاز الصلاة على غير الأنبياء، وهذا مما اختلف العلماء فيه فقال مالك والشافعيّ، والأكثرون: لا يصلي على غير الأنبياء استقلالا، فلا يقال: اللَّهمّ صل على أبي بكر أو عمر، أو عليّ. أو غيرهما، ولكن يصلي عليهم تبعا، فيقال: اللَّهمّ صل على محمد وآل محمد وأصحابه وأزواجه، كما جاءت به الأحاديث. وقال أحمد وجماعة: يصلي على كل واحد من المؤمنين مستقلا، واحتجوا بأحاديث الباب، وب قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ صل على أبي أوفى. وأما الصلاة على الآل والأزواج والذرية، فإنما جاء على التبع، لا على الاستقلال (شرح النووي) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 30 وخرجه أبو داود من طريق القعنبي عن روح، كلهم عن مالك بن سليم الزرقيّ قال: أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول اللَّه كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ولم يقل أبو داود: آل في الموضعين. ذكره البخاري في كتاب الأنبياء في آخر باب قول اللَّه تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا وفي كتاب الدعاء، في باب هل يصلي على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟. وخرجه ابن ماجة [ (1) ] من طريق عبد الملك بن الماجشون به، عن مالك به مثله.   [ () ] (4) (سنن أبي داود) : 1/ 599- 600، كتاب الصلاة، باب (183) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (979) . [ (5) ] (سنن النسائي) : 3/ 57، كتاب السهو، باب (54) نوع آخر من الصلاة على النبي، حديث رقم (1293) . [ (1) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 293، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (25) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (905) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 31 وأما حديث أبي سعيد الخدريّ [ (1) ] فخرّج البخاريّ [ (2) ] في كتاب التفسير من حديث الليث قال: حدثني ابن الهاد، عن عبد اللَّه بن خباب، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قلنا: يا رسول اللَّه هذا التسليم فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم. حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا ابن أبي حازم والدراوَرْديّ عن يزيد يعني ابن الهاد قال: كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم هكذا ذكره في تفسير سورة الأحزاب. وقال في كتاب الدعاء: حدثنا إبراهيم [ (3) ] بن حمزة حدثنا ابن أبي حازم والدراوَرْديّ عن يزيد عن عبد اللَّه بن خباب عن أبي سعيد الخدريّ قال: قلنا: يا رسول اللَّه هذا السلام عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم.   [ (1) ] هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن الأبحر، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج، الأنصاري، الخزرجي، أبو سعيد الخدريّ، مشهور بكنيته، استصغر يوم أحد، واستشهد أبوه بها، وغزا هو ما بعدها. روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الكثير، وروى عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وزيد بن ثابت وغيرهم. [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 683، كتاب التفسير، باب (10) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، حديث رقم (4798) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 11/ 183، باب (32) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (6358) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 32 وذكره في باب الصلاة على النبي [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم ورواه النسائي عن قتيبة، عن بكر بن نصر، عن ابن الهاد ورواه ابن ماجة [ (2) ] ، عن أبي بكر بن أبي بكر، عن ابن أبي شيبة عن خالد بن مخلد، عن عبد اللَّه بن جعفر عن ابن الهاد. وأما حديث طلحة بن عبيد اللَّه [ (3) ] خرجه الإمام أحمد [ (4) ] من حديث مجمع بن يحيى الأنصاري، قال: حدثني عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: قلت: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليك قال: قل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وخرجه النسائي من طريق شريك، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كيف نصلي عليك يا نبي اللَّه؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد [ (5) ] . ومن طريق مجمع بن يحيى عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: قلت: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد [ (6) ] .   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 292، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (25) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (903) . [ (3) ] هو طلحة بن عبيد اللَّه: 3/ 529- 523. [ (4) ] (مسند أحمد) : 1/ 263، حديث رقم (1399) ، من مسند أبي محمد طلحة بن عبيد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (5) ] (سنن النسائي) : 3/ 55، كتاب السهو، باب (52) نوع آخر من الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1290) . [ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1289) ، وقد انفرد به النسائي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 33 وعثمان بن عبد اللَّه بن موهب أبو عبد اللَّه وأبو عمرو المدني الأعرج مولى آل طلحة يروي عن عمرو وأبي هريرة وأم سلمة وجابر بن سمرة وعبد اللَّه بن أبي قتادة وموسى بن طلحة ويروي عنه شعبة وشيبة وشريك وأبو عوانة وآخرون، وثقة أبو داود. وخرّج له البخاريّ ومسلم والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجة [ (1) ] . وأما حديث زيد بن خارجة [ (2) ] فرواه الإمام أحمد [ (3) ] من حديث عيسى بن يونس، حدثنا عثمان بن حكيم حدثنا خالد بن سلمة أن عبد الرحمن دعا موسى بن طلحة حين عرس على ابنه عليّ فقال: يا أبا عيسى كيف بلغك في الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال موسى: سألت زيد بن خارجة فقال: أنا سألت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف الصلاة عليك؟ فقال: صلوا واجتهدوا، ثم قولوا: اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.   [ (1) ] هو عثمان بن عبد اللَّه بن موهب التيمي، أبو عبد اللَّه، ويقال: أبو عمرو المدنيّ الأعرج، مولى آل طلحة وقد ينسب إلى جده. روى عن ابن عمر. [ (2) ] هو زيد بن خارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاريّ الخزرجيّ، شهد أبوه أحدا وشهد هو بدرا. وذكر البخاريّ وغيره أنه هو الّذي تكلم بعد الموت. وقال ابن السكن: تزوج أبو بكر أخته فولدت له أم كلثوم بعد وفاته. وروى النسائيّ وأحمد، من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن موسى بن طلحة، عنه قال: سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف الصلاة عليك؟ قال: صلوا فاجتهدوا، ثم قولوا: اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد. الحديث. (الإصابة) : 2/ 603، ترجمة رقم (2896) ، (الاستيعاب) : 2/ 547- 549، ترجمة رقم (844) ، (تهذيب التهذيب) : 3/ 353- 354، ترجمة رقم (747) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 1/ 327، حديث رقم (1716) من حديث زيد بن خارجة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 34 ورواه النسائيّ، عن سعيد بن يحيى الأمويّ، عن عثمان به، ورواه إسماعيل ابن إسحاق في فضل الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف الصلاة عليك؟ عن عليّ بن عبد اللَّه حدثنا مروان بن معاوية حدثنا عثمان بن الحكيم، عن خالد بن سلمة، عن موسى، عن طلحة، أخبرني زيد بن حارثة بن الخزرج قال: قلت: يا رسول اللَّه كيف نسلم عليك؟ فذكر نحوه. قال الحافظ أبو عبد اللَّه بن مندة في كتاب (الصحابة) : روى عبد الواحد ابن زياد عن عثمان بن حكم عن خالد بن سلمة قال: سمعت موسى بن طلحة وسأله عبد الحميد كيف الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: سألت زيد بن خارجة الأنصاري فذكره. وأما زيد بن حارثة هذا فهو زيد بن ثابت بن الضحاك بن حارث بن ثعلبة من بنى سلمة ويقال: ابن خارجة الخزرجيّ ذكره ابن مندة في (الصحابة) والصواب زيد بن خارجة وهو ابن أبي زهير الأنصاريّ الخزرجيّ، شهد بدرا وتوفي في خلافه عثمان، وهو الّذي تكلم بعد الموت، قاله أبو نعيم وابن مندة وابن عبد البر، وقيل: بل هو زيد بن حارثة والباقي أصح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 35 وأما حديث علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرّج النسائيّ من حديث عمرو بن عاصم، حدثنا حبان بن يسار الكلابيّ، عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعيّ، عن محمد بن علي، عن محمد ابن الحنفية عن عليّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من سره أن يكتال بالكيل الأوفى إذا صلّى علينا أهلّ البيت فليقل: اللَّهمّ اجعل صلواتك وبركاتك على محمد النبيّ وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. وحبان بن يسار الكلابي البصريّ وثقة ابن حبان، وقال البخاري: اختلط في آخر عمره، وقال أبو حاتم الرازيّ: ليس بالقوى ولا بالمتروك، وقال ابن عدي: حديثه فيه ما فيه لأجل الاختلاط الّذي ذكر عنه، ولهذا الحديث علة وهي أن موسى بن إسماعيل التبوذكي خالف عمرو بن عاصم فيه فرواه عن حبان بن يسار. وحدثني أبو المطرف والخزاعيّ وحدثني محمد بن عطاء الهاشمي عن أبي نعيم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى فذكره. ورواه أبو داود، عن موسى بن إسماعيل وله علة أخرى وهي أن عمر بن عاصم قال: حدثنا ابن يسار، عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي، وقال: موسى ابن عبيد اللَّه بن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز، وهكذا هو في (تاريخ البخاري) وكتاب ابن أبي حاتم وكتاب (الثقات) لابن حبان، كذا ذكره في كتاب (تهذيب الكمال) لأبي الحجاج المزي فقال ما ملخصه: عبيد اللَّه بن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز أبو مطرف الخزاعي، عن الحسن والزهري ومحمد بن على الهاشميّ وعنه صفوان بن سليم مع تقدمه، وحبان بن يسار وحماد بن زيد وجماعة. ذكره ابن حبان في (الثقات) ، فإما أن يكون عمرو بن العاص وهم في اسمه، وإما أن يكون اثنين، ولكن عبد الرحمن بن طلحة هذا مجهول لا يعرف في غير هذا الحديث ولم يذكره أحد من المتقدمين، وعمرو بن العاص وإن كان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 36 روى عنه البخاريّ ومسلم واحتجا به، فموسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقريّ التبوذكي البصري الحافظ أحفظ منه، والحديث له أصل من رواية أبي هريرة بغير هذا السند والمتن كما يأتي ذكره إن شاء اللَّه تعالى. وأما حديث أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال محمد بن إسحاق السراج: أخبرنا أبو يحيى وأحمد بن محمد اليزني قالا: أنبأنا عبد اللَّه بن مسلمة بن قطب أنبأنا داود بن قيس، عن نعيم بن عبد اللَّه، عن أبي هريرة أنهم سألوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم. وهذا الإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم، رواه عبد الوهاب ابن مندة في (الخفاف) عنه. وقال: الشافعيّ أخبرنا إبراهيم بن محمد أنبأنا صفوان بن سليم، عن أبي مسلمة، عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول اللَّه كيف نصلي عليك؟ يعني الصلاة في الصلاة. قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم ثم تسلمون عليّ. وإبراهيم هذا هو ابن محمد بن يحيى الأسلمي كان الشافعيّ يرى الاحتجاج به على هجره، وكان يقول: لأن يخبر من بعد أحب إليه من أن يكذب، وقد تكلم فيه مالك والناس، ورموه بالضعف والترك، وصرح بتكذيبه مالك وأحمد ويحيى ابن سعيد القطان ويحيى بن معين والنسائي، وقال ابن عقدة الحافظ: نظرت في حديث إبراهيم بن أبي يحيى كثيرا فهو ليس بمنكر الحديث، وقال ابن عديّ: هو كما قال: ابن عقدة وقد نظرت أنا في حديثه الكثير فلم أجد فيه منكرا إلا عن شيوخ يحتلمون، يعنى أن يكون الضعف منهم ومن جهتهم، ثم قال ابن عديّ: وقد نظرت في أحاديثه ومحتوياتها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 37 وأما حديث بريدة بن الحصيب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فرواه الحسن بن شاذان، عن عبد اللَّه بن إسحاق الخراسانىّ حدثنا الحسين ابن مكرم، حدثنا يزيد بن هارون حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي داود عن بريدة قال: قلنا: يا رسول اللَّه قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتهما على إبراهيم إنك حميد مجيد. وأبو داود هذا هو نفيع بن الحارث أبو داود الأعمى الكوفي القاصّ، وقيل: اسمه نافع الهمدانيّ وقيل: الدارميّ السمعي مولاهم. قال ابن معين: ليس بشيء وكان أحمد يقول: سمعت العبادلة ابن عمرو وابن عباس وابن الزبير ولم يسمع منهم شيئا، وقال الفلاس: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثنا عن نفيع، وقال همام: قدم علينا أبو داود فجعل يقول: حدثنا البراء بن عازب وزيد بن أرقم فقلنا لعبادة: إن أبا داود يحدثنا عن زيد ابن أرقم وعن البراء فقال: كذب إنما كان سائلا يتكفف الناس قبل طاعون الجارف، وقال البخاري: قاصّ يتكلمون، فيه، وقال السعدي: كذاب يتناول قوما من الصحابة بسوء، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن عدي: وهو من جملة الغالين بالكوفة. قال كاتبه: وهو وإن كان متروكا كان مطروح الحديث، فالعمدة على ما تقدم ولا يضر إخراج حديثه في الشواهد دون الأصول. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 38 وأما حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرّج الحاكم في (المستدرك) [ (1) ] من حديث الليث بن سعد، عن خالد ابن يزيد عن سعيد بن أبي هلاك عن يحيى بن السباق، عن رجل من بنى الحارث، عن ابن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. ورواه البيهقيّ في (السنن) [ (2) ] هكذا وقد اعترض على الحاكم في تصحيحه هذا الحديث فإن يحيى بن السباق وشيخه غير معروفين بعدالة ولا جرح. وقد ذكر أبو حاتم ابن حبان يحيى بن السباق في كتاب (الثقات) [ (3) ] وقد رواه الدارقطنيّ في (السنن) [ (4) ] من حديث عبد الوهاب بن مجاهد بن أبي ليلى وأبو معمر قال: علمني ابن مسعود التشهد وقال: علمنيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما كان يعلمنا السورة من القرآن: التحيات للَّه والصلوات والطيبات، السلام عليك   [ (1) ] (المستدرك) : 1/ 402، كتاب الصلاة، حديث رقم (991) ، ولفظه: ... حدثنا الليث، عن خالد بن بريدة، عن سعيد بن أبي هلال، عن يحيى بن السباق، عن رجل من بنى الحارث، عن ابن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم إنك حميد مجيد. قال الحاكم: وأكثر الشواهد لهذه القاعدة لفروض الصلاة. وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : مرّ حديث فضالة، ثم ساقه وقال: على شروطها. [ (2) ] (السنن الكبرى) : 2/ 379، كتاب الصلاة، باب وجوب الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. [ (3) ] (الثقات) : 7/ 603، يروى عن رجل، عن ابن مسعود، روى عنه سعيد بن أبي هلال. [ (4) ] (سنن الدارقطنيّ) : 1/ 354، باب ذكر وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد، واختلاف الروايات في ذلك، حديث رقم (1) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 39 أيها النبيّ ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللَّهمّ صل على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. اللَّهمّ صل علينا معهم، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى أهل بيته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللَّهمّ بارك علينا معهم، صلوات اللَّه وصلوات المؤمنين على محمد النبيّ الأميّ، السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. قال: وكان مجاهد يقول: إذا سلم فبلغ وعلى عباد اللَّه الصالحين فقد سلم على أهل السماء والأرض. ولهذا الحديث علتان: إحداهما: أنه من رواية عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر المكيّ، قال ابن معين: ليس ممن يكتب حديثه، ومرة قال: ليس بشيء، ومرة قال: ضعيف، وقال السعدي: غير مقنع، وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه لا يتابع عليه. والأخرى: أن ابن مسعود المحفوظ عنه في التشهد إلى أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله. ثم روي عنه موقوفا ومرفوعا فإذا قلت هذا فقد تمت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم، وأن تقعد فاقعد، والموقوف أشبه وأصح وقد روى ابن ماجة في (سننه) من حديث المسعودي عن عوف بن عبد اللَّه عن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: إذا صليتم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه. قال: فقالوا له: فعلمنا. قال: قولوا: اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير، ورسول الرحمة، اللَّهمّ ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون. اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 40 وأما حديث عبد الرحمن بن بشر بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد ابن زيد، عن أيوب عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود قال: قيل: يا رسول اللَّه أمرتنا أن نسلم عليك وأن نصلي عليك، فقد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: تقولون: اللَّهمّ صل على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، اللَّهمّ بارك على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم. وحدثنا مسدد قال: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عون، عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود فذكره: حدثنا نصر بن على حدثنا عبد الأعلى حدثنا هشام، عن محمد، عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود قال: قلنا، أو قيل للنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمرنا أن نصلي عليك، قال: تقولون: اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على آل إبراهيم. فذكره بمثله سواء، وعبد الرحمن هذا معدود في الصحابة ويقال فيه: ابن بشير بياء، قال ابن عبد البر: عبد الرحمن بن بشير، روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فضل عليّ روى عنه الشعبيّ. قال إسماعيل بن إسحاق: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة حدثنا سعيد الجريريّ، عن يزيد بن عبد اللَّه أنهم كانوا يستحبون أن يقولوا: اللَّهمّ صل على محمد النبيّ الأميّ وعليه السلام. حدثنا يحيى الحماني حدثنا هشيم، حدثنا أبو صالح حدثني يونس مولى بني هاشم قال: قلت: لعبد اللَّه بن عمرو أو ابن عمر كيف الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: اللَّهمّ اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين، اللَّهمّ ابعثه يوم القيامة مقاما محمودا يغبطه الأولون والآخرون. وصل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 41 حدثنا محمود بن خداش، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال: قالوا: يا رسول اللَّه قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد [ (1) ] . حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا السري بن يحيى، قال: سمعت الحسن قال: لما نزلت إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (2) ] قالوا: يا رسول اللَّه، هذا السلام قد عرفنا كيف هو، فكيف تأمرنا أن نصلي عليك؟ قال: تقولون: اللَّهمّ اجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد [ (3) ] .   [ (1) ] (مصنف ابن أبي شيبة) : 2/ 248، باب (786) الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف هي؟ حديث رقم (8635) ، (مسند أحمد) : 6/ 368، حديث رقم (21847) ، (سنن النسائيّ) : 3/ 54، كتاب السهو باب (50) كيف الصلاة على النبي، حديث رقم (1285) ، (1287) ، (1288) (1289) ، (1290) ، (1291) ، (1292) ، (1293) ، من طرق وسياقات مختلفة تشتمل على أحاديث الباب. [ (2) ] الأحزاب: 56. [ (3) ] (كنز العمال) : 1/ 496، حديث رقم (2186) ، وعزاه إلى الإمام أحمد عن بريدة، وضعفه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 42 الثالثة والثمانون من خصائص المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن من صلّى عليه واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا خرّج مسلم [ (1) ] من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من صلّى علي واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا. وخرجه أبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] والنسائي [ (4) ] وابن حبان [ (5) ] في (صحيحه) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وفي بعض ألفاظه: من صلّى على مرة واحدة كتب له بها عشر حسنات. ذكره ابن حبان.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 371، (كتاب الصلاة) ، باب (17) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: (من صلّى على واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا) . قال القاضي: معناه: رحمته وتضعيف أجره كقوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها قال: وقد يكون الصلاة على وجهها وظاهرها تشريفا بين الملائكة كما في الحديث «وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» . [ (2) ] (سنن أبي داود) : 2/ 184، (كتاب الصلاة) ، باب (361) في الاستغفار، حديث رقم (1530) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 2/ 355، (أبواب الصلاة) ، باب (21) ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (485) ، وقال في الباب عن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الرحمن بن ربيعة، وعمار بن ياسر، وأبي طلحة، وأنس بن مالك، وأبي بن كعب. قال أبو عيسى: حديث أبو هريرة حديث حسن صحيح. وروى عن سفيان الثوريّ وغير واحد من أهل العلم، قالوا: صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار. [ (4) ] (سنن النسائيّ) : 3/ 58 (كتاب السهو) باب (55) الفضل في الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (1296) . [ (5) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 185، كتاب الرقائق باب (9) الأدعية، ذكر حط الخطايا عن المصلي على المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بها، حديث رقم (904) ، وإسناده صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 43 وروى عبد اللَّه بن محمد المنقريّ، عن محمد بن حبيب. حدثنا ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد الساعديّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا أنا بأبي طلحة فقام إليه فتلقاه. فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه! إني أرى السرور في وجهك! قال: أجل، إنه أتانى جبريل آنفا فقال: يا محمد، من صلّى عليك مرة أو قال: واحدة كتب اللَّه بها عشر حسنات ومحا بها عنه عشر سيئات ورفع له بها عشر درجات. قال ابن حبيب: ولا أعلم إلا قال: وصلت عليه الملائكة عشر مرات. وخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث معشر، عن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أبي طلحة الأنصاريّ، قال: أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر فقالوا: يا رسول اللَّه! أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر، قال: أجل أتاني آت من ربي عز وجل وقال: من صلّى عليك من أمتك صلاة كتب اللَّه بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها. ومن حديث أبي طلحة الأنصاريّ قال: «أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر، قالوا يا رسول اللَّه، أصبحت اليوم طيب النفس، يرى في وجهك البشر، قال: أجل، أتاني آت من ربي عز وجل فقال: من صلّى عليك من أمتك صلاة كتب اللَّه له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ورد عليه مثلها» [ (2) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 538، حديث رقم (12587) من حديث أنس بن مالك، 4/ 160 حديث رقم (13343) ، 4/ 610، حديث رقم (15917) ، من حديث أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاريّ. [ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 160، حديث رقم (15917) ، من حديث أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاريّ، وهذا الحديث سياقه مضطرب في (الأصل) ، وصوبناه من (المسند) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 44 رواه النسائيّ من حديث ابن المبارك وعفان، عن حماد، ورواه ابن حبان في (صحيحه) [ (1) ] من حديث حماد أيضا والنسائيّ [ (2) ] من حديث أبي سلمة وهو المغيرة بن مسلم الخراسانىّ عن أبي إسحاق، عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من ذكرت عند فليصل عليّ ومن صلّى على مرة صلى اللَّه عليه عشرا. ومن حديث يحيى بن آدم حدثنا يونس بن أبي إسحاق حدثني يزيد بن أبي مريم عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه سمعه يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى على صلاة واحدة صلّى اللَّه عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر سيئات، ورفعه بها عشرة درجات. ورواه الإمام أحمد في (المسند) عن أبي نعيم عن يونس، وعليه ما أشار إليه النسائيّ في كتابه (الكبير) أن مخلد بن يزيد رواه عن يونس بن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي مريم عن الحسن عن أنس. وهذه العلة لا تقدح فيه شيئا لأن الحسن لا شك في سماعه عن أنس، وقد صح سماع يزيد بن أبي مريم أيضا من أنس هذا الحديث، فرواه ابن حبان في (صحيحه) والحاكم [ (3) ] في (المستدرك) من حديث يونس ابن أبي إسحاق، عن يزيد، عن أبي مريم قال: سمعت أنس بن مالك فذكره، ولعل يزيد سمعه من الحسن، ثم سمعه من أنس فحدث به على الوجهين، فإنه قال: كنت أزامل   [ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 196، (كتاب الرقائق) ، باب (9) الأدعية، باب ذكر تفضل اللَّه جل وعلا على المسلم على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة واحدة يأمنه من النار عشر مرات، نعوذ باللَّه منها، حديث رقم (915) ولفظه عن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أبيه قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو مسرور، فقال: «إن الملك جاءني فقال: يا محمد، إن اللَّه يقول: أما ترضى ألا يصلي عليك عبد من عبادي صلاة إلا صليت عليه بها عشرا، ولا يسلم عليك تسليمة إلا سلمت عليه بها عشرا؟ قلت: بلى أي رب» . [ (2) ] لم أجده في (المجتبى) ، ولعله في (الكبرى) . [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 456، كتاب التفسير، تفسير سورة الأحزاب حديث رقم (3575) ، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 45 الحسن في محل فقال: حدثنا أنس بن مالك، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فذكره. ثم إنه حدث به عن أنس فرواه عنه كما تقدم. لكن ينبغي أن يقال: يحتمل أن يكون هذا هو حديث أبي طلحة بعينه أرسل أنس عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويدل على ما رواه إسماعيل بن إسحاق. حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن عبيد اللَّه بن عمرو، عن ثابت البناني قال: قال أنس بن مالك قال أبو طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا: إنا نعرف الآن البشر في وجهك، فذكر حديث أبي طلحة المتقدم. وروى ابن أبي عاصم، حدثنا الحسن بن البراء حدثنا شبابة حدثنا المغيرة عن أبي إسحاق عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا على فان الصلاة عليّ كفارة لكم، فمن صلّى عليّ صلّى اللَّه عليه. وخرّج إسماعيل بن إسحاق من حديث القعنبيّ حدثنا سلمة بن وردان قال: سمعت أنس بن مالك قال: خرج علينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبرز فلم يجد أحدا يتبعه ففزع عمر فاتبعه بمطهرة يعنى إداوة فوجده ساجدا فتنحى فجلس وراءه حتى رفع رأسه، قال: فقال: أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني، إنّ جبريل أتاني فقال: من صلّى عليك واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا، ورفعه عشر درجات. وقال إسماعيل: حدثنا يعقوب بن حمد، حدثنا أنس بن عياض بن سلمة ابن وردان، حدثنا مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبرز فاتبعته بإداوة من ماء فوجدته ساجدا، فتنحيت عنه، فلما رفع رأسه قال: أحسنت يا عمر حين تنحيت عني، إن جبريل أتاني فقال: من صلّى عليك صلاة صلّى اللَّه عليه عشرا، ورفعه عشر درجات. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 46 فإن قيل: هذا الحديث الثاني علة للحديث الأول لأن سلمة بن وردان أخبر أنه سمعه من مالك بن أوس بن الحدثان. قيل: ليس بعلة له، فقد سمعه سلمة بن وردان منهما. قال أبو بكر الإسماعيلي في كتاب (مسند عمر) : وحدثني عبد الرحمن ابن عبد اللَّه، أخبرنا أبو موسى القروي، حدثني أبو ضمرة، عن حمزة، عن سلمة بن وردان قال: سمعت أنس بن مالك يقول: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بإداوة ومجارة، فوجده قد فرغ، ووجده ساجدا فتنحى عمر. وذكر الحديث. حدثنا عمران بن موسى، حدثنا ابن كاسب، حدثنا أنس بن عياض، عن سلمة بن وردان حدثني مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمرو حدثني أنس ابن مالك ثم ساقه من حديث الفضل بن دكين. حدثنا سلمة بن وردان سمعت أنس بن مالك ومالك بن أوس بن الحدثان وذكره. وقال ابن شاهين: حدثني العباس بن المغيرة، حدثنا عبد اللَّه بن ربيعة قال: سمعت عبد اللَّه بن شريك عن عاصم بن عبد اللَّه بن عاصم، عن عبد اللَّه ابن عامر بن ربيعة، عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من صلّى علي صلاة صلّى اللَّه عليه عشرا، فليقلّ عبد عليّ أو ليكثر [ (1) ] . وخرّج الطبرانيّ من حديث عمر بن الربيع بن طارق حدثنا يحيى بن أيوب حدثني عبيد اللَّه بن عمر عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحاجته فلم يجد أحدا يتبعه ففزع عمر فأتاه بمطهرة من خلفه، فوجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ساجدا فتنحى عنه من خلفه، حتى رفع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه وقال: أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني، إن جبريل أتانى فقال: من صلّى عليك من أمتك واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا، ورفعه بها عشر درجات.   [ (1) ] راجع التعليق التالي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 47 قال الطبرانيّ لم يروه عن عبيد اللَّه إلا يحيى بن أيوب، تفرد به عمرو ابن طارق. وخرّج الإمام أحمد من حديث شعبة، عن عاصم بن عبد اللَّه قال: سمعت عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطب ويقول من صلّى عليّ صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه فليقلّ عبدا من ذلك أو ليكثر [ (1) ] . ورواه ابن ماجة عن شعبة [ (2) ] ، ورواه عبد الرزاق، عن عبد اللَّه بن عمر العمرى، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد اللَّه بن عامر، عن أبيه، ولفظه: من صلّى عليّ صلاة صلّى اللَّه عليه [عشرا] فأكثروا أو أقلوا. وعاصم بن عبيد اللَّه ابن عاصم بن عمر بن الخطاب وعبيد اللَّه بن عمر العمريّ وإن كان حديثهما فيه بعض الضعف، فرواية هذا الحديث من هذين الوجهين المختلفين يدل على أنه له أصلا، وهذا لا ينزله عن وسط درجات الحسن. وخرّج [الإمام] أحمد من حديث ليث عن يزيد بن جهاد عن عمرو بن أبي عمرو، عن أبي الحويرث، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاتبعته حتى دخل مدخلا، فسجد فأطال السجود، حتى خفت أو خشيت أن يكون اللَّه قد توفاه أو قبضه، قال: فجئت انظر فرفع رأسه فقال: مالك يا عبد الرحمن قال: فذكرت ذلك له فقال: إنّ جبريل عليه السّلام قال لي: ألا أبشرك أن اللَّه عز وجل يقول لك: من صلّى عليك صليت عليه ومن سلّم عليك سلمت عليه.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 483- 484، حديث رقم (15253) . [ (2) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 294، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب (25) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (907) ، قال في (الزوائد) : إسناده ضعيف، لأن عاصم بن عبيد اللَّه، قال في البخاريّ وغيره: منكر الحديث. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 48 وخرّجه أيضا من حديث سليمان بن بلال، حدثنا عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الرحمن فذكره. وقال فيه: فسجدت للَّه شكرا [ (1) ] . وخرّجه الحاكم في (المستدرك) [ (2) ] من طريق سليمان بن بلال، عن عمرو وقال: صحيح الإسناد. ورواه ابن أبي الدنيا عن يحيى بن جعفر. حدثنا زيد بن الحباب أخبرني موسى بن عبيده، أخبرني قيس بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن سعد ابن إبراهيم عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن عوف قال: سجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سجدة أطال فيها. فقلت له في ذلك فقال: إني سجدت هذه السجدة شكرا للَّه عز وجل فيما أبلانى في أمتى فإنه من صلّى عليّ صلاة صلّى اللَّه عليه بها عشرا. وموسى بن عبيدة وإن كان في حديثه بعض الضعف فهو شاهد لما تقدم. وقال: عثمان بن أبي شيبة: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا عمرو بن أبي عمرو، عن عاصم بن عمرو بن قتادة، عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لقيني جبريل وبشرنى أن اللَّه عز وجل يقول لك: من صلّى عليك صلاة صليت عليه، ومن سلّم عليك سلمت عليه، فسجدت لذلك. وخرّج النسائي من حديث أبي أسامة، عن سعيد بن سعيد، عن سعيد ابن عمير عن عمه أبي بردة بن نيار قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى عليّ من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلّى اللَّه عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، وقد أعلّ هذا الحديث بأن وكيعا رواه، عن سعيد بن أبي سعيد، عن سعيد بن عمير الأنصاري، عن أبيه وكان بدريا، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليّ، فذكره.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1666) . [ (2) ] (المستدرك) : 1/ 735، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، حديث رقم (2019) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 49 وقال النسائيّ: أنبأنا الحسين بن حريث، حدثنا وكيع فذكر قصة اختلاف أبي أسامة ووكيع، قال الحافظ أبو قريش محمد بن زرعة: سألت أبا زرعة يعنى الراويّ عن اختلاف هذين الحديثين فقال: حديث أبي أسامة أتم. وخرّج الطبراني في (المعجم الكبير) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن سعيد بن أبي سعيد بن أبي الصباح، حدثنا سعيد بن عمير بن عقبة بن نيار الأنصاريّ، عن عمه أبي بردة بن نيار فذكروه. ورواه بن أبي عاصم في كتاب (الصلاة على النبيّ) صلّى اللَّه عليه وسلّم، عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن أبي أسامة، عن سعيد بن أبي سعيد به، وروى الحافظ أبو نعيم من طريق أبي مالك عبد الملك بن حسين، عن عاصم بن عبيد اللَّه عن القاسم بن محمد عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى عليّ صلاة صلت عليه الملائكة فليكثر عبد أو ليقل. وخرّج أبو داود في (سننه) من حديث ابن وهب، عن ابن لهيعة وسعيد بن أيوب، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على، فإنه من صلّى عليّ صلاة صلى اللَّه عليه عشرا، ثم سلوا لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللَّه، وأرجو أن أكون أنا هو، فإن من سأل اللَّه لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة [ (1) ] . وخرجه مسلم [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 1/ 359، كتاب الصلاة، باب (36) ، ما يقوله إذا سمع المؤذن، حديث رقم (523) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 328، كتاب الصلاة، باب (7) استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلي على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم يسأل اللَّه له الوسيلة، حديث رقم (384) . وأخرجه النسائيّ في (السنن) : 2/ 354، (كتاب الأذان) ، باب (37) الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (677) . وأخرجه الترمذيّ في (السنن) : 5/ 547، (كتاب المناقب) عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (1) في فضل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3614) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح الجزء: 11 ¦ الصفحة: 50 وذكر عبد اللَّه بن أحمد من طريق ابن لهيعة عن عبد اللَّه بن هبيرة عن عبد اللَّه، وفي نسخة عبد الرحمن بن شريح الخولانيّ قال: سمعت أبا قيس مولى عمرو بن العاص يقول: سمعت عبد اللَّه بن عمرو يقول: من صلى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة صلى اللَّه عليه وملائكته بها سبعين صلاة فليقلّ من ذلك أو ليكثر. كذا رواه موقوفا. وذكره أبو نعيم، عن أحمد بن جعفر، عن عبد اللَّه عن أبيه، وقال عبد الباقي بن قانع: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن صالح بن شيخ بن عميرة قال: حدثني محمد بن هاشم حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي، عن أبي الصباح البهزيّ حدثني سعيد بن عمير عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ صادقا من نفسه صلّى اللَّه عليه عشر صلوات، ورفعه عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات. وروى إسماعيل بن إسحاق من طريق العوام بن حوشب حدثني رجل من بنى أسد، عن عبد الرحمن بن عمرو، قال: من صلّى على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب اللَّه له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات. ومن طريق سفيان، عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتاني آت من ربي فقال: ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى اللَّه عليه بها عشرا [ (1) ] ، فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه، أجعل لك نصف دعائي؟ قال: إن شئت، قال: أجعل ثلثي دعائي لك؟ قال: إن شئت، قال: أجعل دعائي لك كله؟ قال: يكفيك اللَّه همّ الدنيا وهمّ الآخرة، فقال شيخ كان بمكة يقال له منيع لسفيان: عمن أسنده؟ قال: لا أدري.   [ () ] قال محمد: عبد الرحمن بن جبير هذا قرشيّ مصريّ مدنيّ، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير شاميّ قرشيّ. [ (1) ] (تفسير ابن كثير) : 3/ 518، تفسير سورة الأحزاب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 51 الرابعة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنه من صلّى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم غفر ذنبه روى محمد بن موسى، عن الأصمعيّ، حدثني محمد بن مروان السديّ، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ عند قبري وكل اللَّه به ملكا يبلغني وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت له يوم القيامة شهيدا أو شفيعا [ (1) ] . ومحمد بن موسى ابن يونس بن موسى الكديمي متروك الحديث. وقال: عبد اللَّه بن حميد في (مسندة) : حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان، عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن ابن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذهب ربع الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا اللَّه، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه. قال أبي بن كعب: قلت: يا رسول اللَّه إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، قلت: الربع قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: الثلثين؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك [ (2) ] .   [ (1) ] (شعب الإيمان) : 2/ 218، الخامس عشر من شعب الإيمان وهو باب في تعظيم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإجلاله وتوقيره صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (1583) ، ولفظه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى عليّ عند قبري وكل بهما ملك يبلغني وكفي بها أمر دنياه وآخرته وكنت له شهيدا أو شفيعا، هذا اللفظ حديث الأصمعي وفي رواية الحنفي قال: عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من صلّى علي عند قبري سمعته ومن صلّى عليّ نائيا أبلغته. [ (2) ] قال الحافظ ابن كثير: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن ابن الطفيل ابن أبيّ بن كعب عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه» فقال رجل يا رسول اللَّه أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال «إذا يكفيك اللَّه ما أهمك من دنياك وآخرتك. (تفسير ابن كثير) : 4/ 498، تفسير سورة النازعات. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 52 وخرجه الإمام أحمد، عن وكيع، عن سفيان به [ (1) ] . وخرجه الترمذي [ (2) ] ، عن هناد، عن قبيصة وقال: حسن صحيح. وخرجه الحاكم في (المستدرك) [ (3) ] وقال: صحيح. وعبد اللَّه بن محمد بن عقيل [ (4) ] احتج به الأئمة الكبار كالحميدي وأحمد وإسحاق وغيرهم، والترمذي تارة يصحح هذا الحديث وتارة يحسنه. وسئل شيخ الإسلام تقيّ الدين أبو العباس بن تيمية رحمه اللَّه، عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأبيّ بن كعب دعاء يدعو به لنفسه فسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هل يجعل له منه ربع صلاة عليه. فقال: إن زدت فهو خير لك، فقال له: النصف. فقال: إن زدت فهو خير لك. إلى أن قال: أجعل صلاتي كلها أي أجعل دعائي صلاة عليك؟ قال: إذا تكفي همك، ويغفر ذنبك، لأن من صلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة صلى اللَّه عليه بها عشرا، ومن صلّى اللَّه عليه كفاه همه، وغفر له ذنبه.   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] (سنن الترمذيّ) : 4/ 549، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب (23) ، حديث رقم (2457) . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 457، كتاب التفسير، تفسير سورة الأحزاب، حديث رقم (3578) ، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح. [ (4) ] هو عبد اللَّه بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشميّ أبو محمد المدني وأمه زينب الصغرى بنت عليّ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 53 الخامسة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن الدعاء يتوقف إجابته حتى يصلي عليه وأن العبد مأمور أن يصلي عليه في دعائه روى الحسن بن عرفة، عن الوليد بن بكر، عن سلام الخراز، عن أبي إسحاق السبيعيّ، عن الحارث الأعور، عن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من دعاء إلا بينه وبين السماء والأرض حجاب حتى يصلي على محمد، فإذا صلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم انخرق الحجاب واستجيب الدعاء، وإذا لم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يستجب الدعاء [ (1) ] . لكن قال شعبة والعجليّ: لم يسمع أبو إسحاق السبيعيّ من الحارث إلا أربعه أحاديث، فعدها، لم يذكر هذا منها، وقد ثبت، عن ابن إسحاق وقفه على عليّ، ومع هذا فالحارث بن عبد اللَّه الهمدانيّ الأعور، قال الشعبيّ: كان كاذبا، وقال ابن معين: ضعيف، وقال مرة: ليس به بأس، وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه ليس بمحفوظ. وخرّج الإمام أحمد [ (2) ] من طريق حيوة بن شريح قال: أخبرنى هانئ بن حميد بن هانئ أن أبا عليّ عمرو بن مالك حدثه أنه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يحمد اللَّه ولم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: عجل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه ثم يصلي على النبيّ ثم يدعو ربه بما شاء.   [ (1) ] (كنز العمال) : 2/ 88، حديث رقم (3270) ، وعزاه إلى الديلميّ عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 312، حديث رقم (23419) من مسند فضالة بن عبيد الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 54 وخرجه أبو داود [ (1) ] ، والنسائيّ [ (2) ] ، والترمذيّ [ (3) ] وقال: حديث صحيح. وخرجه ابن ماجة في (سننه) . وخرجه الترمذيّ [ (4) ] في (جامعه) من حديث النضر بن شميل، عن أبي قرة الأسديّ، عن سعيد بن المسيب، عن عمر رضيّ اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك. هكذا رواه موقوفا. وكذلك رواه الإسماعيليّ في (مسند عمر) من حديث النضر أتم من هذا فقال: أخبرنى الحسن حدثنا محمد بن قدامة وإسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا النضر، عن أبي قرة سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما من امرئ مسلم يأتى فضاء من الأرض فيصلي فيه الضحى ركعتين، يقول: اللَّهمّ أصبحت عبدك على عهدك ووعدك، خلقتني ولم أك شيئا. أستغفرك لذنبي فإنّي قد أرهقتنى ذنوبي، وأحاطت بى إلا أن تغفرها فاغفر لي يا رحمان، إلا غفر اللَّه له في ذلك المقعد ذنبه وإن كان   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 2/ 162، كتاب الصلاة، باب (358) الدعاء، حديث رقم (1481) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 3/ 51- 52، كتاب السهو، باب (48) التمجيد والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة، حديث رقم (1283) وإسناده صحيح. [ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 482- 483، كتاب الدعوات، باب (65) بدون ترجمة، حديث رقم (3476) ، وفيه: «عجلت أيها المصلى» ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، رواه حيوة بن شريح، عن أبي هانئ، وأبو هانئ اسمه حميد بن هانئ، وأبو على الجنبي اسمه عمرو بن مالك. وحديث رقم (3477) ، وفيه: «عجل هذا» . وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح. [ (4) ] (تحفة الأحوذي) : 2/ 498. كتاب أبواب الوتر، باب (347) ما جاء في فضل الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (484) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 55 مثل زبد البحر [ (1) ] . وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ذكر لي أن الدعاء يكون بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك. وقال: قال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ذكر لي أن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة: أنا أفضلكن. وقال عمر: ما من امرئ يتصدق بزوجين من ماله إلا ابتدرته حجب الجنة [ (2) ] ، قال الإسماعيلي: الأول: في صلاة الضحى موقوف، وكذلك الصدقة بزوجين من ماله موقوف. والثاني: سواء يريد به حديث الصلاة وحديث تباهي الأعمال يحتمل الرفع، ويحتمل الوقف على السواء. وقد روى حديث الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث معاذ بن الحارث، عن أبي قرة مرفوعا لكنه لا يثبت، والموقوف أشبه. وقال: أحمد بن عمرو ابن أبي عاصم حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو عاصم، عن موسى بن عبيدة، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تجعلوني كقدح الراكب إن الراكب يملأ قدحه فإذا   [ (1) ] (كنز العمال) : 8/ 399، صلاة الضحى، حديث رقم (23431) ، وعزاه إلى ابن راهويه، وابن أبي الدنيا في (الدعاء) ، قال البوصيري في (زوائده) : في سنده أبو قرة الأسدي، قال فيه ابن خزيمة: لا أعرفه بعدالة ولا جرح، وباقي رجال الإسناد رجال الصحيح. [ (2) ] (شعب الإيمان) : 7/ 133، باب في الصبر على المصائب حديث رقم (9748) من حديث هشام- يعنى ابن حسان-، عن الحسن، عن صعصعة بن معاوية قال: لقيت أبا ذر يقود حملا له أو يسوقه في عنقه قربة. فقلت: يا أبا ذر مالك؟ قال لي: عملي. قال: قلت: يا أبا ذر ما مالك؟ قال لي: عملي ثلاث مرات قال: قلت: ألا تحدثني شيئا سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: «ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم اللَّه الجنة بفضل رحمته إياهم، «وما من مسلم أنفق زوجين في سبيل اللَّه إلا ابتدرته حجبة الجنة» ، وفي بعض النسخ «حجب الجنة» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 56 فرغ وعلق معاليقه فإن كان فيه ماء مرت حاجته أو للوضوء توضأ، وإلا أهراق القدح فاجعلوني في أول الدعاء، أو في أوسطه، ولا تجعلوني آخره [ (1) ] . قال الطبراني حدثنا إسحاق الديري حدثنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن موسى بن عبيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جابر فذكر مثله إلا أنه قال: فأجعلوني في أول الدعاء، وفي أوسطه، وفي آخره. وخرّج الحافظ أبو موسى المديني من حديث سعيد بن معروف، عن عمرو بن قيس أو ابن أبي قيس، عن أبي الجوزاء، عن عبد اللَّه بن عمر قال: من كان له إلى اللَّه حاجة فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا كان يوم الجمعة تطهر وراح إلى المسجد، فتصدق بصدقة قلت أو كثرت، فإذا صلى الجمعة قال: اللَّهمّ إني أسألك باسمك، بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم، الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم، الّذي لا تأخذه سنة ولا نوم، الّذي ملأت عظمته السموات والأرض، الّذي عنت له الوجوه، وخشعت له الأصوات، ووجلت القلوب من خشيته، أن تصلى على محمد، وأن تعطيني حاجتي وهي كذا. فإنه يستجاب له إن شاء اللَّه قال: وكان يقول: لا تعلموه سفهاءكم، لا يدعو بإثم أو قطيعة [ (2) ] . وخرّج الترمذي من طريق عبد اللَّه بن بكر التميمي، عن فائد بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن أبي أو في قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من كانت له إلى اللَّه أو إلى أحد من بنى آدم حاجة، فليتوضّأ وليحسن الوضوء، ثم ليصل   [ (1) ] (كنز العمال) : 1/ 509، حديث رقم (2253) وعزاه إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وضعفه، عن جابر، (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) : 3/ 222، كتاب الأذكار والدعوات، كتاب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3316) ولفظه «لا تجعلوني كقدح الراكب إن الراكب إذا علق معاليقه أخذ قدحه فملأه من الماء، فإن كان له حاجة في الوضوء توضأ، وإن كانت له حاجة في الشرب شرب، وإلا أهراق ما فيه، اجعلوني في أول الدعاء، وفي وسط الدعاء، وفي آخر الدعاء. [ (2) ] لم أجده بهذه السياقة، وقد أخرجه ابن ماجة في (السنن) في صلاة الحاجة بلفظ وسند آخر، وكذلك الترمذيّ كما سيأتي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 57 ركعتين، ثم ليثن على اللَّه، وليصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ليقل: لا إله إلا اللَّه الحليم الكريم، سبحان اللَّه رب العرش العظيم، الحمد للَّه رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين. قال الترمذيّ [ (1) ] : هذا حديث غريب وفي إسناده مقال، وفائد بن عبد الرحمن ضعيف الحديث، وقال ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم بن حبان: كان ممن يروي المناكير، عن المشاهير، ويأتي عن ابن أبي أوفى بالمعضلات، لا يجوز الاحتجاج به، وقال ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه. وقد خرجه الحاكم في (المستدرك) وقال: إنما خرجته شاهدا، وفائد مستقيم الحديث، كذا قيل.   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 2/ 344، أبواب الصلاة، باب (148) ما جاء في صلاة الحاجة، حديث رقم (479) . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 1/ 441، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (189) ما جاء في صلاة الحاجة، حديث رقم (1384) . وأخرجه أيضا أبو عبد اللَّه الحاكم في (المستدرك) : 1/ 466، كتاب صلاة التطوع، حديث رقم (1199) ، قال الحاكم: فائد بن عبد الرحمن أبو الورقاء كوفي، عداده في التابعين وقد رأيت جماعة من أعقابه، وهو مستقيم الحديث، إلا أن الشيخين لم يخرجا عنه، وإنما جعلت حديثه هذا شاهدا لما تقدم. وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : بل متروك، يعنى فايد أبو الوراق العطار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 58 السادسة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن صلاة أمته تبلغه في قبره وتعرض عليه صلاتهم وسلامهم خرّج أبو داود من طريق أحمد بن صالح قال: قرأت على عبد اللَّه بن نافع قال: أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم. وخرّج أبو الشيخ في كتاب (الصلاة على النبيّ) صلّى اللَّه عليه وسلّم من طريق الحسن ابن الصباح، حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ عند قبري سمعته، ومن صلّى عليّ من بعيد علمته، وهذا الحديث غريب جدا. وقد خرجه البيهقيّ من حديث العلاء بن عمرو الجعفيّ: حدثنا أبو عبد الرحمن- هو محمد بن مروان السدي- عن الأعمش. وخرّج الطبرانيّ من حديث عبد اللَّه بن محمد العمريّ، حدثنا أبو مصعب حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما من مسلم سلّم عليّ في شرق الأرض ولا غربها، إلا أنا وملائكة ربي نردّ عليه الصلاة والسلام، فقال له قائل: يا رسول اللَّه! فما بال أهل المدينة؟ قال: [كفؤ] [ (1) ] كريم في جيرانه إنه مما أمر به حفظ الجوار. قال الأعمش: هذا وضعه العمريّ. وروى النسائي [ (2) ] من طريق سفيان، عن عبد اللَّه بن السائب، عن زاذان، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي   [ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (الأصل) . ولعل ما أثبتناه يناسب السياق. [ (2) ] (سنن النسائي) : 3/ 50، كتاب السهو، باب (46) السلام على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. حديث رقم (1281) ، قوله: «سياحين» صفة الملائكة، يقال ساح في الأرض يسيح سياحة، إذا ذهب فيها، وأصله من السبح، وهو الماء الجاري المنبسط على الأرض والسيّاح الجزء: 11 ¦ الصفحة: 59 صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن للَّه ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتى السلام. وذكره ابن حبان في (صحيحه) [ (1) ] . وخرّج الإمام أحمد [ (2) ] من طريق حسين بن على الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعانيّ، عن أوس بن أبي أوس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة. فأكثروا من الصلاة عليّ فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ. قالوا: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت، يعنى وقد بليت؟ فقال: إن اللَّه عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. ورواه أبو داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] والنسائي [ (5) ] ثلاثتهم من طريق حسين الجعفي، وكذلك خرجه ابن حبان [ (6) ] في (صحيحه) والحاكم في (مستدركه) [ (7) ]   [ () ] بالتشديد كالعلاء، مبالغة منها. قوله: «يبلغوني» من الإبلاغ أو التبليغ، وفيه حث على الصلاة والسلام عليه وتعظيم له صلّى اللَّه عليه وسلّم وإجلاله لمنزلته، حيث سخر الملائكة الكرام لهذا الشأن الفخم. (وحاشية السندي على سنن النسائي) . [ (1) ] (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 195، كتاب الرقائق، (9) الأدعية، ذكر البيان بأن سلام المسلم على المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم يبلغ إياه ذلك في قبره، حديث رقم (914) ، وقال ك إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح، وعبد اللَّه بن السائب هو الشيبانيّ الكندي. [ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 577، حديث رقم (15729) ، من حديث أوس بن أبي أوس الثقفيّ. [ (3) ] (سنن أبي داود) كتاب الصلاة، باب تفريع أبواب الجمعة (207) باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، حديث رقم (1047) ، قال الخطابي: «أرمت» معناه بليت، وأصله أرممت أي صرت رميما، فحذفوا إحدى الميمين، وهي لغة لبعض العرب، كما قالت: ظلت، وقد غلط في هذا بعض من يفسر القرآن برأيه، ولا يعبأ بقول أهل التفسير، ولا يعرج عليهم لجهله، فقال: إن قوله تعالى: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة 65] . من ظال يظال، وهذا شيء اختلفه من قبل نفسه لم يسبق إليه. (معالم السنن) ، مختصرا. وأخرجه أيضا في كتاب الصلاة، باب (361) في الاستغفار، حديث رقم (1531) . - الجزء: 11 ¦ الصفحة: 60 وقد أعل بعض الحفاظ هذا الحديث، بأن حسين الجعفيّ حدث به عن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبي الأشعث، عن أوس، قال: ومن تأمل هذا الإسناد لم يشك في صحته لثقة رواته وشهرتهم، وقبول الأئمة أحاديثهم، وعلته أن حسين الجعفيّ لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فلما حدث به حسين غلط في اسم الجد فقال: ابن جابر، وقد بين ذلك الحفاظ ونبهوا عليه، قال البخاري في (التاريخ الكبير) [ (1) ] : عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمىّ [ (2) ] ، عن مكحول سمع منه الوليد بن مسلم، عنده مناكير ويقال: هو الّذي روى عنه أبو أسامة وحسين الجعفي، وقال: هو ابن جابر وغلطا في نسبه، ويزيد بن تميم أصح، وهو ضعيف الحديث.   [ () ] (4) (سنن الترمذي) : 2/ 359، أبواب الصلاة، أبواب الجمعة، باب (353) ما جاء في فضل يوم الجمعة، حديث رقم (488) ، ولفظه: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ... » ، ثم قال الترمذي: وفي الباب عن أبي لبابة، وسلمان، وأبي ذر، وسعد بن عبادة، وأويس بن أوس، قال: أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. [ (5) ] (سنن النسائي) : 3/ 101- 102، كتاب الجمعة، باب (5) إكثار الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الجمعة، حديث رقم (1373) . [ (6) ] (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 190- 191، كتاب الرقائق، باب (9) الأدعية، ذكر البيان بأن صلاة من صلّى على المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم من أمته تعرض عليه في قبره، حديث رقم (910) . [ (7) ] (المستدرك) : 1/ 413، كتاب الجمعة، حديث رقم (1029) ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري. [ (1) ] (التاريخ الكبير) : 5/ 365، ترجمة رقم 1156، وهو الرحمن بن يزيد بن تميم المسلمي الشامىّ، عن مكحول، سمع منه الوليد بن مسبم، عنده مناكير، ويقال: هو روى عنه أهل الكوفة، أبو أسامة وحسين، فقالوا: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. [ (2) ] في (الأصل) : «الشامي» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 61 [وقال الخطيب: روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ووهموا في ذلك، فالحمل عليهم في تلك الأحاديث، ولم يكن غير ابن تميم الّذي أشار عمرو بن عليّ، وأما ابن جابر فليس في حديثه منكر، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. حدّثت عن دعلج بن أحمد، قال: قال موسى بن هارون: روى أبو أسامة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فظن أنه ابن جابر، وابن جابر ثقة، وابن تميم ضعيف] ، وأجيب عن هذا التعليل بأن حسين بن علي الجعفي قد صرح بسماعه له من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. قال ابن حبان في (صحيحه) : حدثنا ابن خزيمة، حدثنا ابن كريب، حدثنا حسين بن علي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فصرح بالسماع منه، وقوله: أنه ابن جابر وإنما هو ابن تميم فغلط في اسم جده فإنه قول بعيد فإنه لم يكن يشتبه على حسين بهذا مع نقضه وعلمه بها وسماعه منهما، فإن قيل: فقد قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب (العلل) سمعت أبي يقول: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر لا أعلم أحدا من أهل العراق يحدث عنه، والّذي عندي أن الّذي يروي عنه أبو أسامه وحسين الجعفيّ واحد، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، لأن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامه خمسة أحاديث أو ستة أحاديث منكرة، لا يحتمل أن يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بمثلها، ولا أعلم أحدا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئا، وأما حسين الجعفي فإنه روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث، عن أوس بن أوس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم الجمعة، وفيه الصاعقة، وفيه النفخة وفيه كذا، وهو حديث منكر لا أعلم أحدا رواه غير حسين الجعفي، وأما عبد الرحمن بن جابر ثقة. تم كلامه. قيل: قد تكلم في سماع حسين الجعفيّ وأبي موسى من ابن جابر فأكثر الحديث، هل أنكروا سماع أبي أسامة منه؟ قال الحافظ أبو الحجاج المزيّ في (تهذيب الكمال) : قال ابن نمير وذكر أبا أسامة فقال: الّذي يروى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر نرى أنه ليس بابن جابر المعروف، ذكر لي أنه رجل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 62 يسمى بابن جابر، قال يعقوب: وكأني رأيت ابن نمير يتهم أبا اسامة أنه علم ذلك وعرف، ولكن تفاضل عن ذلك. قال: وقال لي ابن نمير: ألا ترى روايته لا تشبه سائر أحاديثه الصحاح التي روى عنه أهل الشام وأصحابه؟ وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت محمد بن عبد الرحمن بن أخي حسين الجعفيّ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر، فالذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن جابر وهو ابن تميم. وقال ابن أبي داود: سمع أبو اسامة من ابن المبارك، عن ابن جابر، وجميعا يحدثان عن مكحول، وابن جابر أيضا دمشقيّ، فلما قدم هذا قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد الدمشقيّ وحدث عن مكحول، فظن أبا أسامة أنه ابن جابر الّذي روى عنه ابن المبارك، وابن جابر ثقة مأمون، يجمع حديثه وابن تميم ضعيف، وقال أبو داود: متروك الحديث، حدث عنه أبو أسامة وغلط في اسمه فقال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشاميّ وكل ما جاء عن أبي أسامة، عن عبد الرحمن بن يزيد فإنما هو ابن تميم. وأما رواية حسين الجعفيّ، عن ابن جابر فقد ذكره المزيّ في كتاب (التهذيب) ، فقال: روى عنه حسين بن عليّ الجعفيّ وأبو أسامة حماد بن أسامة إن كان محفوظا فجزم برواية حسين، عن ابن جابر، وشك في رواية حماد. وقد ذكر الدارقطنيّ أيضا. فقال: في كلامه على كتاب أبي حاتم في الضعفاء قوله: حسين الجعفيّ روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم خطأ الّذي يروي عنه حسين هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فغلط في اسم جده فهذا ما ظهر في جواب هذا التعليل. وللحديث علة أخرى: وهي أن عبد الرحمن بن يزيد لم يذكر سماعه من أبي الأشعث. قال عليّ بن المدينيّ: حدثنا الحسين بن عليّ الجعفيّ حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر سمعته يذكر عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس ابن أوس فذكره. قال إسماعيل بن إسحاق في كتابه: حدثنا علي بن عبد اللَّه فذكره. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 63 وليست هذه العلة بعلة قادحة، فإن للحديث شواهد من حديث أبي هريرة، وأبي الدرداء، وأبي أمامة، وأبي مسعود الأنصاري، وأنس بن مالك، والحسن، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا. فأما حديث أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه رواه مالك عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة عنه قال: قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة خلق فيه آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا هي مصيخة يوم الجمعة، من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل اللَّه شيئا إلا أعطاه إياه. فهذا الحديث الصحيح مؤيد لحديث أوس بن أوس، وقال علي مثل معناه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 64 وأما حديث أبي الدرداء [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ففي (الثقفيات) : أنبأنا أبو بكر بن محمد بن إبراهيم بن علي بن المقرئ، أنبأنا أبو العباس محمد بن الحسين بن قتيبة العسقلانيّ، أخبرني عمر ابن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أيمن، عن عباده بن نسي، عن أبي الدرداء قال: قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه يوم مشهود، تشهده الملائكة، وإن أحدا لا يصلي عليّ يوم الجمعة إلا عرضت عليّ صلاته حتى يفرغ قال: قلت: وبعد الموت؟ قال: إن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء، فنبيّ اللَّه حيّ يرزق. وخرجه الطبرانيّ من طريق سعيد بن أبي مريم. حدثنا يحيى بن أيوب، عن خالد بن زيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثروا الصلاة: على يوم الجمعة فإنه يوم مشهود، تشهده الملائكة ليس من عبد يصلي عليّ إلا بلغني صوته حيث كان. قلت: وبعد وفاتك؟ قال: وبعد وفاتي، إن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، وخرجه ابن ماجة أيضا [ (2) ] .   [ (1) ] هو أبو الدرداء الأنصاريّ، واسمه عويمر، وقيل: اسمه عامر، وعويمر لقب. ترجمته في (الإصابة) : 7/ 121، ترجمة رقم (9860) . [ (2) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 345، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (79) في فضل الجمعة، حديث رقم (1085) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 65 وأما حديث أبي أمامة [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرجه البيهقيّ من طريق إبراهيم بن الحجاج، حدثنا حماد بن سلمة عن برد بن سنان، عن مكحول الشامي، عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا الصلاة علي في كل يوم جمعة. فمن كان أكثرهم صلاة علي كان أقربهم منى منزلة [ (2) ] . وقد تكلم في برد بن سنان [ (3) ] ، ووثقه يحيى بن معين، وغيره، وقيل مع ذلك: إن مكحولا لم يسمع من أبي أمامة بهذا على هذا الحديث.   [ (1) ] هو أبو أمامة الباهليّ، صديّ بن عجلان بن الحارث، وقيل: عجلان بن وهب. سكن مصر، ثم انتقل منها فسكن حمص من الشام ومات بها. وكان من المكثرين في الرواية، وأكثر حديثه عند الشاميين. توفي سنة (81) ، وقيل: سنة (86) . (أسماء الصحابة الرواة) : 48- 49، ترجمة رقم (17) . [ (2) ] (شعب الإيمان) : 3/ 110، باب في الصلوات، فضل الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجمعة، حديث رقم (3032) . [ (3) ] هو برد بن سنان الشاميّ أبو العلاء الدمشقيّ مولى قريش، ترجمته في (تهذيب التهذيب) : 1/ 375، ترجمة رقم (790) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 66 وأما حديث أنس [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرجه الطبرانيّ من طريق نصر بن عليّ، حدثنا النعمان بن أبي عبد السلام، حدثنا أبو طلال عن أنس قال: قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه أتاني جبريل آنفا عن ربه عز وجل فقال: ما على الأرض مسلم يصلي عليك مرة واحدة إلا صليت عليه أنا وملائكتي عشرا [ (2) ] . فقال: محمد بن إسماعيل العرقيّ: حدثنا جبارة بن مغلس. حدثنا أبو إسحاق حازم عن يزيد الرقاشيّ عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثروا الصلاة على يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض عليّ [ (3) ] . وهذان الحديثان وإن كانا ضعيفين فيصلحان للاستشهاد. ورواه ابن على السري. حدثنا داود بن الجراح. حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة. عن أنس عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة. وكان الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يستحبون إكثار الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الجمعة. قال محمد ابن يوسف العابد عن الأعمش عن يزيد بن وهب قال: قال: ابن مسعود حدثنا زيد ابن وهب: لا ندع إذا كان يوم الجمعة أن نصلي على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ألف مرة، نقول: اللَّهمّ صل على محمد النبيّ الأميّ.   [ (1) ] هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عديّ بن النجار- واسمه تيم اللَّه- بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة أبو حمزة الأنصاريّ، الخزرجيّ النجاريّ، من بني عديّ بن النجار، خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. أمه: أم سليم بنت ملحان. (أسماء الصحابة الرواة) : 39، ترجمة رقم (3) . [ (2) ] (كنز العمال) : 1/ 500، حديث رقم (2209) ، (2210) وعزاهما إلى الطبرانيّ عن أنس بن أبي طلحة. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2235) وعزاه إلى أبي عبد اللَّه الحاكم في (المستدرك) ، والبيهقيّ في (الشعب) عن أبي مسعود الأنصاريّ، وحديث رقم (2236) وعزاه إلى الطبراني في (الأوسط) عن أبي هريرة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 67 وأما حديث الحسن [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرّج أبو يعلي في (مسندة) من طريق أبي بكر الحنفيّ، حدثنا عبد اللَّه بن نافع أنبانا العلاء بن عبد الرحمن. قال: سمعت الحسن بن عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا. ولا تتخذوا بيتي عيدا. صلوا علي وسلموا فإن صلاتكم وسلامكم تبلغني أيا ما كنتم [ (2) ] . ولكن قد رواه مسلم بن عمر [ (3) ] عن عبد اللَّه بن نافع عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: لا تجعلوا بيوتكم قبورا. ولا تجعلوا قبري عيدا. وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم [ (4) ] . وهذا أشبه. ولهذا جعلت لحديث أنس علة.   [ (1) ] هو الحسن بن علي بن أبي طالب، سبط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] (كنز العمال) : 15/ 290، الصلاة في البيت، حديث رقم (41506) وعزاه إلى أبي يعلي، والضياء، عن الحسن بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما. [ (3) ] هو مسلم بن عمرو بن مسلم بن وهب الحذاء أبو عمرو المدينيّ، وروى عن عبد اللَّه بن نافع الصائغ، وعنه الترمذيّ والنسائيّ، وأبو بكر بن صدقة البغداديّ، وعامر بن محمد القرطبيّ، ومحمد بن أحمد بن نصر الترمذيّ ومحمد بن أحمد بن أبي خيثمة. ويحى بن الحسن النسابة، ويحيى بن محمد بن صاعد، قال النسائي: صدوق. قلت: وكذا قال مسلمة، وأخرج ابن خزيمة عنه في (صحيحه) . (تهذيب التهذيب) : 10/ 121، ترجمة رقم (245) . [ (4) ] (كنز العمال) : 15/ 391، الصلاة في البيت، حديث رقم (41512) ، وعزاه إلى أبي داود في (السنن) : 2/ 534، كتاب الحج، باب (100) زيارة القبور، حديث رقم (2042) ، وفيه: «فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 68 وخرّج الطبرانيّ في (المعجم الكبير) [ (1) ] من طريق أحمد بن رشدين المصري، حدثنا سعيد بن إبراهيم. حدثنا محمد بن جعفر، أخبرني حميد بن أبي زين عن حسن بن علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن أبيه أن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: حيثما كنتم فصلوا عليّ وصلاتكم تبلغني. وله من حديث موسى بن عمير، عن مكحول عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ صلّى اللَّه عليه عشرا، وملك موكل بها حتى يبلغنيها [ (2) ] . وخرّج أبو الشيخ الأنصاريّ من حديث أبي كريب حدثنا قبيصة عن نعيم بن ضمضم، قال: قال لي عمران بن حميري: ألا أحدثك عن خليلي عمار ابن ياسر؟ قلت: بلى، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن للَّه ملكا أعطاه أسماع الخلائق، وهو قائم على قبري، إذا مت فليس أحد يصلي عليّ صلاة إلا قال: يا محمد صلّى عليك فلان. قال: فليصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل صلاة عشرا [ (3) ] .   [ (1) ] (كنز العمال) : 1/ 489، الباب السادس في الصلاة عليه وآله، حديث رقم (2147) وعزاه إلى الطبراني عن الحسن بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 57، حديث رقم (8586) من حديث أبي هريرة، بسياقة أتم. [ (2) ] (كنز العمال) : 1/ 500، حديث رقم (2207) ، وعزاه إلى الطبرانيّ عن أبي أمامة. [ (3) ] (المطالب العالية) : 3/ 222- 223، كتاب الأذكار والدعوات، باب الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3318) . وقال في هامشه: قال البوصيري: رواه الحارث، والبزار، وأبو الشيخ، وذكر ألفاظهم. قال: ورواه الطبرانيّ، قال المنذريّ: رووه كلهم عن نعيم بن ضمضم، وفيه خلاف عن عمران بن الحميري ولا يعرف، قال البوصيريّ: عمران هذا ذكره ابن حبان في (صحيحه) وقال البخاريّ: لا يتابع على حديثه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 69 وخرّج الطبراني في (المعجم الكبير) [ (1) ] من طريق عثمان بن أبي شيبة. حدثنا أبو كريب. حدثنا قبيصة بن عقبة عن نعيم بن ضمضم عن الحميري قال: قال لي عمار: ألا أحدثك عن حبيبي نبي اللَّه؟ قلت: بلى، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عمار إن للَّه ملكا أعطاه أسماع الخلائق كلها وهو قائم على قبري إلى يوم القيامة، فليس أحد من أمتي يصلى علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه، قال: يا محمد صلّى عليك فلان هكذا وكذا. فيصلي الرب على ذلك الرجل بكل واحدة عشرا. ومن حديث عبد الرحمن بن صالح الكوفي. حدثنا نعيم بن ضمضم عن خال له يقال له: عمران الحميري، قال: سمعت عمار بن ياسر يقول سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن للَّه ملكا أعطاه سمع العباد [كلهم] [ (2) ] فليس من أحد يصلي علي صلاة إلا أبلغنيها، وإني سألت ربي أن لا يصلي علي عبد صلاة إلا صلّى اللَّه عليه عشر أمثالها [ (3) ] . وقال إبراهيم بن رشيد بن مسلم: حدثنا عمر بن حبيب القاضي، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما من عبد صلى عليّ صلاة إلا عرج بها ملك حتى يبحث بها وجه الرحمن عز وجل فيقول ربنا تبارك وتعالى: اذهبوا بها إلى عبدي يستغفر لصاحبها وتقرّ بها عينه. وخرّج إسماعيل بن إسحاق في كتابه من طريق هشيم. قال: حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن يزيد الرقاشيّ قال: إن ملكا موكل يوم الجمعة من   [ (1) ] (سلسلة الأحاديث الصحيحة) : 4/ 44، من فضل الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ذكره الشيخ الألباني شاهدا على صحه الحديث رقم (1530) ، ولفظه: أكثروا الصلاة عليّ، فإن اللَّه وكل بى ملكا عند قبري، فإذا صلّى علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد، إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة. [ (2) ] زيادة للسياق من (ميزان الاعتدال) . [ (3) ] (ميزان الاعتدال) : 1/ 213، ترجمة إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التميمي الكوفي، ترجمة رقم (829) ، ثم قال: تفرد به إسماعيل إسنادا ومتنا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 70 صلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يبلغ النبي يقول: إن فلانا من أمتك يصلي عليك. هذا موقوف. ومن طريق مبارك عن الحسن عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة، ومن طريق وهب عن أيوب قال: بلغني واللَّه أعلم أن ملكا موكل بكل من صلّى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى يبلغه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. ومن طريق إبراهيم بن حمزة. حدثنا عبد العزيز بن محمد عبد سهيل قال: جئت أسلم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وحسن وحسين يتعشيان في البيت عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدعاني فجئته فقال: ادن فتعشّ فقلت: لا أريد، قال لي: ما لي رأيتك وقفت؟ قال: وقفت أسلم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال: إذا دخلت المسجد فسلم عليه ثم قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم قبورا، لعن اللَّه يهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا عليّ إن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم [ (1) ] .   [ (1) ] سبق تخريجه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 71 السابعة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن من ذكر عنده فلم يصلّ عليه بعد ورغم أنفه وخطئ طريق الجنة خرّج الحاكم في (المستدرك) [ (1) ] من طريق محمد بن إسحاق الصغانيّ، حدثنا ابن أبي مريم. حدثنا محمد بن هلال. حدثني سعد بن إسحاق بن كعب ابن عجرة عن أبيه عن كعب بن عجرة، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحضروا [المنبر] فأحضرنا فلما ارتقى درجة قال: آمين. ثم ارتقى الدرجة الثانية. فقال: آمين. ثم ارتقى الدرجة الثالثة. فقال: آمين. فلما فرغ نزل عن المنبر فقلنا: يا رسول اللَّه لقد سمعنا. منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه! فقال: إن جبريل عرض لي. فقال: بعد من أدرك رمضان ولم يغفر له. فقلت: آمين. فلما رقيت الثانية قال: بعد من ذكرت عند فلم يصل عليك. فقلت: آمين. فلما رقيت الثالثة قال: بعد من أدرك والديه الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. فقلت: آمين. قال الحاكم: صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] . وخرّج الترمذيّ من طريق ربعيّ بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبريّ. عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رغم أنف الرجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ، ورغم أنف [الرجل] دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف [الرجل] أدرك أبواه عنده الكبر فلا يدخلاه الجنة. [قال عبد الرحمن: وأظنه قال: أو أحدهما] . قال الترمذيّ: وفي الباب عن جابر وأنس، وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وربعيّ بن إبراهيم هو أخو إسماعيل بن إبراهيم، وهو ثقة، وهو ابن عليّة.   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 170، حديث رقم (7256) ، وفيه: «بعدا لمن» ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 72 ويروى عن بعض أهل العلم قال: إذا صلّى الرجل على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة في المجلس أجزأ ما كان في ذلك المجلس [ (1) ] . ورواه الحاكم في (المستدرك) [ (2) ] ، وعبد الرحمن بن إسحاق [ (3) ] احتج به مسلم، وقال فيه أحمد بن حنبل: صالح الحديث، وتكلم فيه بعضهم، وقال فيه أبو داود: ثقة إلا أنه قدريّ. ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي من حديث عبد العزيز بن أبي حاتم عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رقى المنبر، فقال: آمين آمين آمين فقيل له: يا رسول اللَّه ما كنت تصنع هذا فقال: قال لي جبريل: رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ولم يغفر له. فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف الرجل أدرك أبوية أو أحدهما الكبر ولم يدخل الجنة، فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين. كثير بن زيد [ (4) ] وثقة ابن حبان وقال أبو زرعة: صدوق وقد تكلم فيه.   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 514- 515، كتاب الدعوات، باب (101) قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رغم أنف رجل، حديث رقم (3545) وما بين الحاصرتين تصويبات وزيادات للسياق منه. [ (2) ] (المستدرك) : 1/ 734، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، حديث رقم (2016) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (3) ] هو عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد اللَّه بن الحارث العامريّ، مولاهم، ويقال: الثقفي المدنيّ، ويقال له: عباد بن إسحاق. قال ابن خزيمة: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في (الثقات) ، وقال ابن عدىّ: في حديثه بعض ما ينكر، ولا يتابع عليه، والأكثرون منه صحاح، وهو صالح الحديث كما قال أحمد، وقال الدارقطنيّ: يرمى بالقدر. وحكى الترمذي في (العلل) عن البخاريّ أنه وثقه. (تهذيب التهذيب) : 6/ 125- 126، ترجمة رقم (285) . [ (4) ] هو كثير بن زيد الأسلميّ ثم السهميّ مولاهم، وأبو محمد المدني، يقال له: ابن صافنة، وهي أمه. قال ابن عديّ: تروى عنه نسخ، ولم أر به بأسا، وأرجو أنه لا بأس به. وذكره ابن حبان في (الثقات) ، وقال ابن سعد: توفي في خلافة أبي جعفر، وكان كثير الحديث، وقال خليفة: توفي في آخر خلافة أبي جعفر سنة (158) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 73 ورواه ابن حبان في (صحيحه) [ (1) ] من حديث محمد بن عمر، وعن سلمة عن أبي هريرة فذكره. وقال: وما من عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك فما تدخل النار فأبعده اللَّه. قل: آمين. فقلت: آمين. ومحمد بن عمرو [ (2) ] هذا خرّج له البخاريّ ومسلم في المتابعات، ووثّقه ابن معين وصحّح له الترمذيّ. ورغم بكسر الغين المعجمة أي لصق بالتراب وهو الرغام، وقال ابن الأعرابي: هو بفتح الغين ومعناه ذلّ عن كره. يقال: أرغمه الذل، ويكون معناه حطه من عزة إلى مقام الذل، وكنى عنه بالتراب [ (3) ] . وقال: الفريابي: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سلمة بن وردان، قال: سمعت أنسا يقول: ارتقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المنبر فرقي درجة فقال: آمين، ثم ارتقى درجة فقال: آمين، ثم ارتقى الثالثة. فقال:   [ () ] قال الحافظ ابن حجر: وجزم ابن حبان بوفاته فيها. وقال أبو جعفر الطبريّ: وكثير بن زيد عندهم ممن لا يحتج بمثله. (تهذيب التهذيب) : 8/ 370- 371، ترجمة رقم (745) . [ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 188، كتاب الرقاق، باب الأدعية، ذكر رجاء دخول الجنان المصلى على المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذكره مع خوف دخول النيران عند إغضائه عنه كلما ذكر، حديث رقم (907) ، وإسناده حسن. [ (2) ] هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، قال الحافظ في (التقريب) : صدوق له أوهام. (هامش المرجع السابق) . [ (3) ] وفي الحديث: إذا صلّى أحدكم فليلزم جبهته وأنفه الأرض حتى يخرج منه الرغام، وفي معناه يخرج ويذل منه كبر الشيطان، وتقول: فعلت ذلك على الرغم من أنفه. وفي الحديث أنه عليه السّلام، قال: رغم أنفه ثلاثا، وقيل: من يا رسول اللَّه؟ قال: من أدرك أبويه أو أحدهما حيّا ولم يدخل الجنة. وفي الحديث: وإن رغم أنف أبى الدرداء، أي وإن ذلّ، وقيل: وإن كره. وفي حديث أسماء: إن أمى قدمت عليّ راغمة مشركة، أفأصلها؟ قال: نعم، لما كان العاجز الذليل لا يخلو من غضب، وراغمة أي غاضبة، تريد أنها قدمت على غضبي لإسلامي وهجرتي، متسخطة لأمرى. (لسان العرب) : 12/ 246، مختصرا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 74 آمين، ثم استوى فجلس فقال: أصحابه: أي رسول اللَّه! على ماذا أمنت؟ قال: جاءني جبريل فقال: رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل الجنة. فقلت: آمين، ورغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت: آمين، ورغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك، قلت: آمين. ورواه أبو بكر الشافعيّ عن معاذ حدثنا القعنبي، حدثنا سلمة بن وردان فذكره، وسلمة بن وردان [ (1) ] هذا لين الحديث قد تكلم فيه، وليس ممن يطرح حديثه، لا سيما وله شواهد وهو معروف من حديث غيره. وقد روي من طريق قيس بن الربيع عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: صعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المنبر فقال: آمين. آمين، فقيل: يا رسول اللَّه ما كنت تصنع هذا، فقال: قال لي جبريل فذكر الحديث وقال فيه: يا محمد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده اللَّه، قل: آمين. فقلت: آمين. وقيس بن الربيع [ (2) ] صدوق بستي كان شعبة يثنى عليه، وقال أبو حاتم: محله الصدق وليس بالقويّ. وقال ابن عديّ: عامة رواياته مستقيمة، وأصل   [ (1) ] هو سلمة بن وردان الليثي الجندعي مولاهم أبو يعلى المدني، رأى جابر بن عبد اللَّه، وسلمة بن الأكوع. قال أبو داود والنسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: وفي متون بعض ما يرويه مناكير، خالف سائر الناس. وقال ابن سعد: قد رأى عدة من الصحابة، وكانت عنده أحاديث يسيرة، وكان ثبتا فيها، ولا يحتج بحديثه، وبعضهم يستضعفه. قال ابن شاهين في (الثقات) : وقال أحمد بن صالح: هو عندي ثقة صالح الحديث. قال ابن حبان: كان يروي عن أنس أشياء لا تشبه حديثه، وعن غيره من الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، وكأنه كان قد حطمه السن، فكان يأتي بالشيء على التوهم، حتى خرج عن حد الاحتجاج. وقال الحاكم: حديثه عن أنس مناكير أكثرها. وقال العجليّ والدارقطنيّ: ضعيف. مات في خلافة أبي جعفر سنة (106) . (تهذيب التهذيب) : 4/ 140- 141، ترجمة رقم (275) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 75 هذا الحديث قد روي من حديث أبي هريرة وكعب بن عجرة وابن عباس وأنس ومالك بن الحويرث وعبد بن جزء والزبيدي، وجابر بن سمرة وقد تقدم حديث أبى هريرة، وجابر بن سمرة وكعب بن عجرة. وأنس. وأما مالك بن الحويرث [ (1) ] فقال أبو حاتم البستي في (صحيحه) : حدثنا عبد اللَّه بن صالح البخاريّ ببغداد، حدثنا الحسين بن عليّ الحراني، حدثنا عمران بن أبان حدثنا مالك بن الحسين بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده قال: صعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المنبر فلما رقى عتبة قال: آمين. ثم رقى عتبة أخرى وقال: آمين ثم رقى عتبة أخرى، وقال آمين. ثم قال: أتانى جبريل عليه السلام وقال: يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده اللَّه، قلت: آمين. قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده اللَّه قلت. آمين. قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده اللَّه. قلت: آمين.   [ () ] (2) هو قيس بن الربيع الأسديّ، وأبو محمد الكوفيّ، من ولد قيس بن الحارث بن قيس الأسديّ، والّذي أسلم وعنده ثمان نسوة، وفي رواية تسع نسوة. قال جعفر بن أبان الحافظ: سألت ابن نمير عن قيس بن الربيع فقال: كان له ابن هو آفته. وقال أبو داود الطياسيّ: إنما آفته من قبل ابنه: كان ابنه يأخذ أحاديث الناس فيدخلها في مرج كتاب قيس ولا يعرف الشيخ ذلك. مات سنة (601) . (تهذيب التهذيب) : 8/ 350- 353 ، ترجمة رقم (698) . [ (1) ] هو مالك بن الحويرث بن حشيش بن عوف بن جندع أبو سليمان الليثيّ الصحابيّ، وقيل في نسبه غير ذلك. روى عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعنه أبو قلابة الجرميّ، وأبو عطية مولى بنى عقيل، ونصر بن عاصم الليثيّ، وسوار الجرميّ. ذكر ابن عبد البر أنه توفي سنة أربع وتسعين، وتبعه على ذلك ابن طاهر وغيره، وفيه نظر، بل لا يصح ذلك، لاتفاقهم على أن آخر من مات بالبصرة من الصحابة أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حتى إن ابن عبد البر ممن صرح بذلك. (تهذيب التهذيب) : 10/ 12 ترجمة رقم (13) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 76 وأما حديث عبد اللَّه بن جزء الزبيديّ [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال جعفر الفريابي: حدثنا عبد اللَّه بن يوسف. حدثنا ابن لهيعة عن عبد اللَّه بن يزيد الضعيف. عن عبد اللَّه بن الحارث بن جزء الزبيديّ أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل المسجد فصعد المنبر. فلما صعد أول درجة قال: آمين ثم صعد الثانية. فقال: آمين. ثم صعد الثالثة فقال: آمين، فلما نزل. قيل له: رأيناك صنعت شيئا ما كنت تصنعه؟ فقال: إن جبريل تبدي لي في أول درجة فقال: يا محمد من أدرك والديه فلم يدخلاه الجنة فأبعده اللَّه، ثم أبعده، فقال: قل: آمين. فقلت: آمين. ثم قال في الثانية: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له. فأبعده اللَّه، ثم أبعده، فقلت: آمين. وقال في الثالثة: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده اللَّه، ثم أبعده: فقلت: آمين!.   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن الحارث بن جزء بن عبد اللَّه بن معديكرب بن عمرو بن عصم بن عمرو بن عويج بن عمرو بن زيد الزبيديّ. حليف أبي وداعة السهمي، وله صحبة، وروى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحاديث حفظها، وسكن مصر، فروى عنه المصريون، ومن آخرهم: يزيد بن أبي حبيب. توفي سنة (85) أو (88) . (أسماء الصحابة الرواة) : 132، ترجمة رقم (137) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 77 وأما حديث ابن عباس [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرجه الطبرانيّ من حديث ابن هارون العكلي حدثنا محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس قال: بينما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر إذ قال: آمين ثلاث مرات فسئل عن ذلك فقال: أتانى جبريل فقال: من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده اللَّه قل: آمين فقلت: آمين، قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فمات فلم يغفر له فأبعده اللَّه، قل: آمين فقلت: آمين. قال: ومن أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده اللَّه، قل: آمين. فقلت: آمين. وروى محمد بن حمدان المروزي، حدثنا عبد اللَّه بن خبيق، حدثنا يوسف بن أسباط عن سفيان الثوري عن رجل عن زر عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من لم يصل عليّ فلا دين له [ (2) ] . وخرّج الطبرانيّ من طريق عبيدة بن حميد. قال: حدثني فطر بن خليفة عن أبى جعفر محمد بن حسين عن أبيه عن جده حسين بن عليّ عليهما السلام. قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من ذكرت عنده فخطئ الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة [ (3) ] . وعلة هذا الحديث أن ابن أبي عاصم عن أبي بكر بن أبي شيبة. حدثنا جعفر بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو العباس القرشيّ الهاشميّ ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. أمه أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية. ولد وبنو هاشم بالشعب، قيل الهجرة بثلاث، وقيل بخمس، كان يسمى البحر لسعة علمه، ويسمى حبر الأمة، ويسمى ترجمان القرآن، وهو من صغار الصحابة. توفي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وله على الأرجح ثلاث عشرة سنة. توفى بالطائف سنة (68) وله (74) سنة. (أسماء الصحابة الرواة) : 40، ترجمة رقم (5) . [ (2) ] (مجموعة الأحاديث الضعيفة للألبانيّ) : حديث رقم (214) . [ (3) ] (كنز العمال) : 1/ 508، حديث رقم (2250) ، وعزاه إلى الطبراني عن ابن عباس، وعبد الرزاق عن محمد بن علي مرسلا، ولفظه: من نسي الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 78 ورواه عمر بن جعفر بن غياث عن أبيه عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورواه إسماعيل بن إسحاق عن إبراهيم بن الحجاج حدثنا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا، ورواه علي بن المدينيّ. حدثنا سفيان. قال: قال عمر عن محمد بن عليّ بن حسين عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا قال: قال سفيان: قال رجل بعد عمر: سمعت محمد بن علي يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم سمى سفيان الرجل وقال: هو بسام وهو الصيرفي: ذكره إسماعيل عن عليّ وقال: حدثنا سليمان بن حرب وحازم قالا: حدثنا حماد بن زيد عن عمر عن محمد بن عليّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا وله شاهد من حديث عبد اللَّه بن عباس رواه الطبرانيّ عن عبدان بن أحمد، حدثنا جبارة بن مغلس حدثنا حماد بن زيد عن عمر بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من نسي الصلاة عليّ خطئ [به] طريق الجنة [ (1) ] . ورواه ابن ماجة عن جبارة بن مغلس، وجبارة بن المغلس الحمانيّ الكوفيّ أبو محمد، كان ممن إذا وضع له الحديث حدث به وهو لا يشعر، وهذا المعنى قد روى من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وحسين بن على ومحمد بن الحنفية وابن عباس، وتقدم حديث حسين بن عباس.   [ (1) ] (شعب الإيمان) : 2/ 215- 216، باب في تعظيم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإجلاله وتقديره، حديث رقم (1573) ، (1574) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 79 وأما حديث محمد بن الحنفية [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال ابن أبي عاصم في كتاب (الصلاة على النبي) صلّى اللَّه عليه وسلّم: حدثنا أبو بكر حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذكرت عنده فنسي الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة [ (1) ] . وأما حديث أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال عبد الخالق بن الحسن السقطيّ: حدثنا محمد بن سلمان بن الحارث، حدثنا عمرو بن حفص بن غياث، حدثنا أبي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من نسي الصلاة على خطئ طريق الجنة [ (2) ] .   [ (1) ] هو محمد بن عليّ بن أبي طالب الهاشميّ أبو القاسم، والمعروف بابن الحنفية، وهي خولة بنت جعفر بن قيس، من بنى حنيفة ويقال من مواليهم، سبيت في الردة من اليمامة. وقال العجليّ: تابعيّ ثقة، وكان رجلا صالحا يكنى أبا القاسم، قال ابن حبان: كان من أفاضل بيته. (تهذيب التهذيب) : 7/ 315- 316، ترجمة رقم (588) . [ (2) ] سبق تخريجهما. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 80 الثامنة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن البخيل من ذكر عنده النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يصل عليه خرّج الترمذيّ [ (1) ] من حديث أبي عامر العقديّ عن سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية عن عبد اللَّه بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن حسين بن عليّ عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: البخيل الّذي [من] إذا ذكرت عنده فلم يصل عليّ. قال: الترمذيّ هذا حديث حسن صحيح غريب، وفي بعض النسخ حديث حسن غريب. وخرجه النسائيّ وابن حبان في (صحيحه) [ (2) ] والحاكم في (المستدرك) [ (3) ] وقال: صحيح الإسناد، والنسائيّ في (سننه الكبير) : رواه عبد العزيز بن محمد بن عمارة بن غزيه عن عبد اللَّه بن عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب قال: قال على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن البخيل الّذي إذا ذكرت عنده فلم يصل عليّ. قال: إسماعيل بن إسحاق في كتابه: اختلف يحيى وأبو بكر بن أبي أويس في إسناد هذا الحديث، فرواه أبو بكر عن سليمان عن عمر بن أبي عمر، ورواه الحمانيّ عن سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية، وهذا حديث مشتهر عن عمارة بن غزية، وقد رواه عنه   [ (1) ] (سنن الترمذيّ) : 5/ 515، كتاب الدعوات، باب (101) قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ورغم أنف رجل، حديث رقم (3545) . [ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 189- 190، كتاب الرقائق، باب (9) الأدعية، ذكر نفي البخل عن المصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (909) . [ (3) ] (المستدرك) : 1/ 734، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، حديث رقم (2105) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح، وشاهده عند أبي هريرة صحيح. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 331، حديث رقم (1738) ، من حديث عقيل ابن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 81 خمسة: سليمان بن بلال، وعمر بن الحارث، وعبد العزيز الدراوَرْديّ، وإسماعيل بن جعفر، وعبد اللَّه بن جعفر والد عليّ، ثم ساقها كلها، ورواه إسماعيل بن أبي إدريس: حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن عمر بن أبي عمر عن عليّ بن حسين عن أبيه فذكره. وخرّج إسماعيل من حديث حماد بن سلمة عن سعيد بن هلال قال: حدثني رجل من أهل دمشق عن عوف بن مالك عن أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن البخيل من الناس من ذكرت عنده فلم يصل على [ (1) ] . وخرّج ابن أبي عاصم من حديث محمد بن شعيب بن سبور، عن عثمان بن أبي العالية عن عليّ بن يزيد عن القاسم عن أبي أمارة، عن أبي ذر قال: خرجت ذات يوم فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ألا أخبركم بأبخل الناس؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: من ذكرت عنده فلم يصل عليّ فذاك من أبخل الناس [ (2) ] . وهذا من رواية الصحابيّ عن مثله، وأصل هذا روي كما تقدم من حديث عليّ وابنه الحسين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وروى إسماعيل في كتابه من طريق سليمان بن حرب: حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: بحسب امرئ من البخل أن أذكر عنده فلم يصل عليّ [ (3) ] . وفي رواية عن الحسن يرفعه: كفى به شحا أن يذكرني فلا يصلون على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] .   [ (1) ] (فضل الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) : 32، 35. [ (2) ] (الترغيب والترهيب) : 2/ 510. [ (3) ] (تفسير ابن كثير) : 3/ 520، تفسير سورة الأحزاب، آية (6) ، عن الحسن. [ (4) ] (كنز العمال) : 1/ 490، حديث رقم (2151) ، وعزاه إلى سعيد بن منصور، عن الحسن مرسلا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 82 التاسعة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما جلس قوم مجلسا ولم يصلوا عليه إلا كان عليهم ترة [ (1) ] وحسرة يوم القيامة وقاموا عن أنتن من جيفة [حمار] خرّج الترمذيّ [ (2) ] من حديث عبد الرحمن بن مهديّ عن سفيان الثوريّ عن صالح بن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا اللَّه ولم يصلوا عليّ إلا كان مجلسهم عليهم ترة وحسرة يوم القيامة، إن شاء اللَّه عفا عنهم وإن شاء أخذهم، وقال فيه: حديث حسن. ورواه من حديث شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت الغر أبا مسلم قال: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما شهدا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر مثله.   [ (1) ] أصل الترة: النقص، ومعناها هاهنا: التبعة، يقال: ترت الرجل ترة على وزن: وعدته عدة (جامع الأصول) : 4/ 472. [ (2) ] (سنن الترمذيّ) : 5/ 430- 431، كتاب الدعوات، باب (8) في القوم يجلسون ولا يذكرون اللَّه، حديث رقم (3380) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، معنى قوله: ترة: يعني حسرة وندامة، وقال بعض أهل المعرفة بالعربية: الترة هو الثأر. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 170، حديث رقم (9300) من مسند أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بسياقة أتم، ولفظه: «ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا اللَّه فيه إلا كان عليهم ترة، وما من رجل مشي طريقا فلم يذكر اللَّه عز وجل إلا كان عليه ترة، وما من رجل أوى إلى فراشه فلم يذكر اللَّه إلا كان عليه ترة» قال أبي: حدثناه روح، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن إسحاق مولى عبد اللَّه بن الحارث، ولم يقل «: إذا أوى إلى فراشه» . وحديث رقم (9533) ، وحديث رقم (9884) ، وحديث رقم (9907) ، وحديث رقم (9908) كلهم من مسند أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 83 ورواه إسماعيل بن إسحاق في كتابه من حديث محمد بن كثير عن سفيان عن صالح. ورواه أبو داود [ (1) ] والنسائيّ وابن حبان في (صحيحه) [ (2) ] من رواية سهيل عن أبي هريرة وهو على شرط مسلم ورواه ابن حبان أيضا من حديث شعبة عن الأعمش عن أبي صالح. عن أبي هريرة ولفظه: ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون اللَّه فيه ولا يصلون على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب. وهذا الإسناد على شرط الشيخين [ (3) ] . وخرجه الحاكم [ (4) ] من رواية ابن أبي ذئب عن سعيد المقبريّ عن إسحاق ابن عبد اللَّه بن الحارث عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال الحاكم: صحيح   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 5/ 180- 181، كتاب الأدب، باب (31) كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر اللَّه، حديث رقم (4855) ولفظه: «ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون اللَّه فيه إلا قاموا على مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة» . وحديث رقم (4856) ، ولفظه: من قعد مقعدا لم يذكر اللَّه فيه كانت عليه من اللَّه ترة، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر اللَّه فيه كانت عليه من اللَّه ترة» . قال الخطابي: الترة النقص، ومنه قوله تعالى: وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ [محمد: 35] (معالم السنن) مختصرا، وحديث رقم (5059) باب (107) ما يقول عند النوم. [ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 2/ 352- 353، كتاب البر والإحسان، باب (13) الصحبة والمجالسة، ذكر البيان بأن الحسرة التي ذكرناها تلزم من ذكرناه وإن أدخل الجنة، حديث رقم (951) ، وذكر الزجر عن افتراق القوم عن مجلسهم بغير ذكر اللَّه، حديث رقم (592) ، وقال في هامشه: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير أحمد بن إبراهيم الدورقي، فمن رجال مسلم. [ (3) ] راجع التعليق السابق. [ (4) ] (المستدرك) : 1/ 735، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والذكر، حديث رقم (2017) ، وقال حديث صحيح على شرط البخاريّ ولم يخرجاه. وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : على شرط مسلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 84 على شرط البخاريّ، واعترض عليه بأن إبراهيم بن الحسن بن ديزيل [ (1) ] رواه عن آدم بن إياس متكلم فيه، ومع ذلك فقد رواه أبو إسحاق الفزاريّ عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا، وأبو صالح بن نبهان مولى التوأمة، كان شعبة لا يروى عنه. وقال مالك بن أنس: ليس بثقة فلا تأخذن عنه شيئا، وقال يحيى: ليس بالقويّ في الحديث. وقال مرة: لم يكن ثقة، وقال السعدي: تغير، وقال النسائيّ: ضعيف، وتحريرا مرة أنه ثقة في نفسه غير أنه تغير بآخره، فمن سمع منه قديما فسماعه صحيح، ومن سمع منه آخرا ففي سماعه شيء، فممن سمع منه قديما: أبي ذئب وابن جريح وزياد بن سعد وأدركه مالك والثوري بعد اختلافه. وقال الإمام أحمد: ما أعلم ناسا ممن سمع منه قديما، ثم إن هذا الحديث قد رواه سليمان بن بلال عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة ولم يذكر فيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتابعه ابن أبي أويس عن عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل. وخرّج النسائيّ في (سننه الكبير) من حديث أبي داود الطيالسيّ حدثنا يزيد بن إبراهيم عبد أبي الزبير عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اجتمع قوم ثم تفرقوا من غير ذكر اللَّه عز وجل وصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا تفرقوا عن أنتن من جيفة [ (2) ] . وخرّج الطبرانيّ [ (3) ] من حديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن الحارث، عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما من قوم جلسوا مجلسا، ثم قاموا منه لم يذكروا اللَّه ولم يصلوا على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كان ذلك المجلس عليهم ترة.   [ (1) ] هو إبراهيم بن الحسين الهمدانيّ. أبو إسحاق، الّذي يقال له ابن ديزيل سفينة، يروى عن أبي نعيم. ترجمته في (لسان الميزان) : 1/ 48، (الثقات) : 8/ 86. [ (2) ] سبق تخريجه. [ (3) ] (كنز العمال) : 9/ 148، حديث رقم (25455) ، وعزاه إلى الطبرانيّ عن أبي أمامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 85 وقال ابن منيع في مسندة: حدثنا يوسف عن عطية الصفار عن العلاء ابن كثير عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيما قوم جلسوا في مجلس [ثم] تفرقوا قبل أن يذكروا اللَّه تعالى ويصلوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ذلك المجلس عليهم ترة يوم القيامة. يعنى حسرة. وهذا الأصل قد رواه أبو سعيد الخدريّ وأبو هريرة [ (1) ] . وخرّج ابن أبي عاصم من حديث شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي سعيد قال: ما من قوم يقعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كان عليهم حسرة وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب [ (1) ] .   [ (1) ] (كنز العمال) : 9/ 148، حديث رقم (25458) وعزاه إلى ابن حبان، عن أبي هريرة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 86 التسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليه [في كتاب] [ (1) ] لم تزل الصلاة عليه ما بقيت الصلاة مكتوبة روى محمد بن الحسن الهاشميّ حدثني سليمان بن الربيع، حدثنا كادح ابن رحمة، حدثنا نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب [ (2) ] وكادح بن رحمة العرني أبو رحمة الكوفيّ العابد، قال ابن عدي: وأحاديثه عامة ما يرويه غير محفوظ ولا يتابع عليه في أسانيده ولا متونه، ويشبه حديثه حديث الصالحين، قال: حديثهم يقع فيه ما لا يتابعهم عليه أحد، ونهشل بن سعيد بن وردان [ (3) ] أبو عبد   [ (1) ] زيادة للبيان. [ (2) ] (تفسير ابن كثير) : 3/ 524، تفسير سورة الأحزاب، الآية 56، عن ابن عباس، ثم قال: وليس هذا الحديث بصحيح من وجوه كثيرة، وقد روى من حديث أبي هريرة ولا يصح أيضا. قال الحافظ أبو عبد اللَّه الذهبي شيخنا: أحسبه موضوعا. وقد روى نحوه عن أبي بكر وابن عباس، ولا يصح من ذلك شيء، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. وقد ذكر الخطيب البغداديّ في كتابه (الجامع الآداب الراويّ والسامع) قال: رأيت بخط الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه كثيرا ما يكتب اسم النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من غير ذكر الصلاة عليه كتابه، قال: وبلغني أنه كان يصلى عليه لفظا. (المرجع السابق) . [ (3) ] هو نهشل بن سعيد بن وردان الوردانيّ أبو سعيد، ويقال: أبو عبد اللَّه الخراسانيّ النيسابوريّ، ويقال: الترمذيّ، بصريّ الأصل. قال أبو داود الطيالسيّ وإسحاق بن راهويه: كذاب. وقال الدوريّ عن ابن معين: ليس بشيء، وقال مرة: ليس بثقة، وقال أبو زرعة والدارقطنيّ: ضعيف. وقال ابو حاتم: ليس بقويّ متروك الحديث، وقال في موضع آخر: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. قال ابن حبان: يروى عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، ولا يحل كتب حديثه إلا على سبيل التعجب. قال الحافظ ابن حجر: وقال الحاكم: روى عن الضحاك المعضلات. - الجزء: 11 ¦ الصفحة: 87 اللَّه، ويقال: أبو سعيد النيسابورىّ ثم البصري، قال ابن معين: ضعيف وقال مرة: يروي عن الضحاك ليس بثقة ومرة قال: يروى عنه ابن نمير ليس بشيء، قال البخاريّ: روى عن ابن المبارك معاوية البصري قال إسحاق: كان كذابا وقال السعدي: غيره محمود في حديثه وقال أبو داود الطيالسيّ: كذاب، وقال النسائيّ وغيره: متروك الحديث، وقال أبو زرعة والدارقطنيّ: ضعيف وقال: ابن عديّ فكل أحاديثه يشبه بعضها بعضا يعنى غير محفوظة. وقد روي هذا الحديث من وجه آخر، قال ابن الجارود: حدثنا محمد بن عاصم. حدثنا بشر بن عبيد حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه عن الأعرج عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليّ في كتاب صلت عليه الملائكة غدوا ورواحا، ما دام اسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الكتاب. وقال أحمد بن عطاء الروذباريّ: سمعت أبا صالح عبد اللَّه بن صالح يقول: رئي بعض أصحاب الحديث في المنام قيل له: ما فعل اللَّه بك؟، فقال: غفر لي، فقيل: بأي شيء؟ فقال: بصلاتي في كتبي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .   [ () ] وعن وردان بن أبى هند حديثا منكرا. قال البخاريّ: روى عنه معاوية البصريّ أحاديث مناكير. وقال أبو سعيد النقاش: روى عن الضحاك الموضوعات. [ (1) ] علامات الوضع لائحة عليه، ولا سيما أن أصله يعتمد على رؤيا منامية!!. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 88 الحادية والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن الصلاة عليه زكاة خرّج إسماعيل في كتاب (الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم) من حديث سليمان ابن حرب قال: حدثنا سعيد بن زيد عن ليث عن كعب عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا عليّ فإن صلاتكم عليّ زكاة لكم، قال: واسألوا اللَّه لي الوسيلة، قال: فإما حدثنا وإما سألناه قال: الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل. وأرجو أن أكون ذلك الرجل [ (1) ] . وخرّج الحاكم [ (2) ] من حديث ابن وهب. أخبرني عمرو بن الحارث أنّ أبا الشيخ حدثه أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أيما رجل كسب مالا من حلال فأطعم نفسه وكساها فمن دونه من خلق اللَّه فإنه له زكاة، وأيما رجل مسلم لم يكن له صدقة فليقل في دعائه: اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات فإنّها زكاة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وخرجه ابن حبان في (صحيحه) [ (3) ] بسنده ومعناه.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 52- 53، حديث رقم (8552) من مسند أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 44، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7175) ، وقال في آخره: «قال: لا يشبع مؤمن يسمع خيرا حتى يكون منتهاه الجنة» . وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح. [ (3) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 185، كتاب الرقائق، باب (6) الأدعية، ذكر البيان بأن صلاة الداعي ربه على صفته صلّى اللَّه عليه وسلّم في دعائه، تكون له صدقة عند عدم القدرة عليها، علة هذا حديث في روايته عن أبي الهيثم. وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة بلفظ «صلوا عليّ فإن الصلاة عليّ زكاة لكم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 89 الثانية والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده في الجنة روى العشاريّ من حديث الحكم بن عطية عن ثابت عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى عليّ في كل يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده في الجنة [ (1) ] . قال الحافظ أبو عبد اللَّه المقدسيّ في كتاب (الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم) لا أعرفه إلا من حديث الحكم بن عطية. قال كاتبه: الحكم بن عطية القيسي البصريّ له في الترمذيّ حديث واحد وقد وثقه ابن معين، وقال النسائيّ: ليس بالقويّ، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، ورواه ابن شاهين من حديث محمد بن أحمد البراء، حدثنا محمد بن عبد العزيز الدينوريّ، حدثنا قرة ابن عبد العزيز بن حبيب. حدثنا الحكم بن عطية، فذكره [ (2) ] .   [ (1) ] (كنز العمال) : 1/ 505، حديث رقم (2233) ، وعزاه إلى أبي الشيخ عن أنس، ولفظه «من صلّى عليّ في يوم ألف مرة لم يمت حتى يبشر بالجنة» . [ (2) ] هو الحكم بن عطية العيشى البصري، قال الترمذيّ: قد تكلم فيه بعضهم، وقال النسائيّ: ليس بالقوى، وقال مرة: ضعيف. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: يكتب حديثه وليس بمنكر الحديث. وكان أبو داود يذكره بجميل، قلت: يحتج به؟ قال: لا، ليس هو بالمتين. ترجمته في (تهذيب التهذيب) : 2/ 374- 375، ترجمة رقم (758) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 90 الثالثة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم غفرت له ذنوبه خرّج أبو يعلى الموصلي من حديث خليفة بن خياط. حدثنا درست بن حمزة عن مطر الوراق عن قتادة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من عبدين متحابين يستقبل أحدهما صاحبه ويصليان على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا لم يتفرقا، حتى يغفر لهما ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر [ (1) ] . الرابعة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم كفارة روى ابن أبي عاصم من طريق شبابة قال: حدثنا المغيرة بن مسلم عن أبي إسحاق عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا عليّ، فإن الصلاة عليّ كفارة لكم، فمن صلّى عليّ، صلى اللَّه عليه [ (2) ] .   [ (1) ] (كنز العمال) : 9/ 135، حديث رقم (25369) ، وعزاه إلى ابن السنى في (عمل اليوم والليلة) ، وابن النجار عن أنس. [ (2) ] لم أقف عليه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 91 الخامسة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم شفع فيه خرّج الطبراني في (المعجم الكبير) من حديث ابن بكير: حدثنا ابن لهيعة عن بكر ابن سوادة عن زياد بن نعيم عن وفاء بن شريح الحضرميّ عن رويفع بن ثابت الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ صلّ على محمد، وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة، وجبت له شفاعتي [ (1) ] . وروى ابن شاهين من حديث عبد اللَّه بن سليمان بن الأشعث. حدثنا علي بن الحسين المكتب، حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبيد اللَّه التيمي، حدثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: من صلّى على، كنت شفيعه [ (2) ] . وقال ابن أبي داود أيضا: حدثنا علي بن الحسين حدثنا إسماعيل بن يحيى حدثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن أبى بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجه الوداع يقول: إن اللَّه وهب لكم [ذنوبكم] عند الاستغفار فمن استغفر بنية صادقة غفر له، ومن قال: لا إله إلا اللَّه رجح ميزانه، ومن صلّى عليّ كنت شفيعه يوم القيامة. روى إسماعيل من طريق عمرو بن على بن أبي بكر الجشمي عن صفوان بن سليم عن عبيد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى [علي] وسأل لي الوسيلة، حلت له شفاعتي [ (3) ] .   [ (1) ] (كنز العمال) : 1/ 497، حديث رقم (2189) ، وعزاه إلى الطبراني والبغوي، عن رويفع بن ثابت. [ (2) ] (كنز العمال) : 16/ 229، حديث رقم (44869) ، وعزاه إلى أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري قاضى المارستان في مشيخته، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2192) وعزاه إلى ابن النجار عن عقبة بن عامر، ولفظه: «من سأل اللَّه لي الوسيلة، حلت عليه شفاعتي يوم القيامة» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 92 السادسة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أولى الناس به صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم القيامة أكثرهم صلاة عليه خرّج الترمذي [ (1) ] في جامعه من طريق عبد اللَّه بن كيسان عن عبد اللَّه ابن شداد عن أبيه عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن أولى الناس بى يوم القيامة أكثرهم على صلاة، قال الترمذي: حديث حسن غريب. ورواه أبو حاتم بن حبان في (صحيحه) [ (2) ] من حديث خالد بن مخلد عن موسى بن يعقوب عن عبد اللَّه بن كيسان عن عبد اللَّه بن شداد عن أبيه   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 2/ 354، أبواب الصلاة، باب (352) ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (484) . [ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 192، كتاب الرقائق، باب (9) الأدعية، حديث رقم (911) ثم قال: قال أبو حاتم رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: في هذا الخبر دليل على أن أولى الناس برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القيامة يكون أصحاب الحديث، إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم. وقال أبو نعيم فيما نقله عنه الخطيب في (شرف أصحاب الحديث) : 35: وهذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها، لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول اللَّه أكثر مما يعرف لهذه العصابة نسخا وذكرا. وقال ابن عدي في (الكامل) بعد أن ذكر هذا الحديث: وهذا أيضا يرويه خالد عن موسى بن يعقوب في الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ... هذه الأحاديث التي ذكرتها عن مالك وعن غيره لعله توهما منه أنه كما يرويه أو حمل على حفظه. لأني قد اعتبرت حديثه ما روى الناس عنه من الكوفيين، محمد بن عثمان بن كرامة، ومن الغرباء أحمد بن سعيد الدارميّ، وعندي من حديثهما عن خالد صدر صالح، ولم أجد في كتبه أنكر مما ذكرته، فلعله توهما منه أو حملا على الحفظ، وهو عندي إن شاء اللَّه لا بأس به (الكامل في ضعفاء الرجال) : 3/ 36، ترجمة خالد بن مخلد أبو الهيثم القطواني رقم (25) ، (تهذيب التهذيب) : 3/ 101- 102، ترجمة رقم (221) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 93 عن ابن مسعود، وهو في (مسند البزار) ، فالذي عند الترمذي عن ابن شداد عن ابن مسعود وعند أبي حاتم عن ابن شداد عن أبيه عن ابن مسعود، وكذلك البغوي عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا خالد بن مخلد حدثنا موسى فذكره، وقال: عن ابن شداد عن أبيه عن ابن مسعود. السابعة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم تتأكد الصلاة عليه في واحد وأربعين موضعا إما وجوبا أو استحبابا في آخر التشهد من الصلاة [وهو الموضع الأول] وقد أجمع المسلمون على مشروعية الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذا الموضع، واختلفوا في وجوبها فيه، فقالت طائفة: ليست الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في آخر التشهد بواجبة، ونسبوا من أوجبها إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع، منهم أبو جعفر الطحاوي، والقاضي عياض، والخطابي فإنه قال: ليست بواجبة في الصلاة، وهو قول جماعة من الفقهاء إلا الشافعيّ، ولا أعلم له قدوة، وكذلك ابن المنذر ذكر أن الشافعيّ تفرد بذلك عدم الوجوب، واحتج القاضي عياض على عدم الوجوب بأن قال: الدليل على أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليست من فروض الصلاة عند السلف الصالح قبل الشافعيّ وإجماعهم عليه، وقد شنع الناس عليه هذه المسألة جدا، وهذا تشهد ابن مسعود الّذي اختاره الشافعيّ، وهو الّذي عمله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكذلك كل من روى التشهد على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كأبى هريرة وابن عباس وجابر وابن عمر وأبي سعيد الخدريّ وأبي موسى الأشعري وعبد اللَّه بن الزبير لم يذكروا فيه. وقال ابن عباس وجابر: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورد من القرآن، ونحوه عن أبى سعيد، وقال ابن عمر: كان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتاب، وكان عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يعلمه أيضا على المنبر، يعنى وليس فيه شيء من ذلك، أي أمرهم بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 94 وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب (التمهيد) : ومن حجة من قال إن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليست بواجبة في الصلاة حديث الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمر قال: أخذ علقمة بيدي فقال: إن عبد اللَّه بن مسعود أخذ بيدي، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذ بيدي كما أخذت بيدك فعلمني التشهد، فقال: قل: التحيات للَّه والصوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فإذا قلت ذلك فقد قضيت الصلاة، فإن شئت فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد. قالوا: ففي هذا الحديث ما يشهد لمن لم ير الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد واجبة ولا سنة مسنونة، لأن ذلك لو كان واجبا أو سنه لبين ذلك وذكره آنفا. وقد روى أبو داود والترمذي والطحاوي من حديث عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا رفع أحدكم رأسه من آخر السجود فقد مضت صلاته إذا أحدث. واللفظ لحديث الطحاوي، وعندكم لا تمضى صلاتكم حتى يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قالوا: وقد روى عاصم بن حمزة عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذا جلس مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته. ومن حجتهم أيضا حديث الأعمش عن أبى وائل عن ابن مسعود في التشهد وقال: ليتخير ما أحب من الكلام، يعنى ولم يذكر الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومن حجتهم حديث فضالة بن عبيد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سمع رجلا يدعوني في صلاته لم يحمد اللَّه ولم يصل على النبي فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه ثم يدعو بما شاء. ففي هذا الحديث أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يأمر المصلى إذا لم يصلّ على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاته بالإعادة كما أمر الّذي لم يتم ركوعه وسجوده بالإعادة، فلو كانت فرضا، لأمره بإعادة الصلاة. واحتجوا أيضا بأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يعلمها المسيء في صلاته، ولو كانت من فروض الصلاة التي لا تصح إلا بها، لعلمه إياها، كما علمه القراءة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 95 والركوع والسجود والطمأنينة في الصلاة، قالوا: والفرائض تثبت بالدليل الصحيح، لا معارض له من مثله أو بإجماع من تقوم الحجة بإجماعهم، فهذا جل ما احتج به نفاة الوجوب، وعارضهم من ذهب إلى الوجوب بأن قالوا: إنما نسبتكم الشافعيّ رحمه اللَّه ومن قال بقوله في هذه المسألة إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع فغير مسلم به. فقد قال بقوله جماعة من الصحابة ومن بعدهم، منهم عبد اللَّه بن مسعود وأبو مسعود فإنه كان يراها واجبة، ويقول: لا صلاة لمن لا يصلى فيها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذكره ابن عبد البر من طريق عثمان بن أبي شيبة عن شريك عن جابر الجعفي عن أبى جعفر محمد بن علي عن أبي مسعود قال: ما أرى أن صلاة لي تمت حتى أصلى فيها على محمد وعلى آل محمد. وعبد اللَّه بن عمر ذكر أن الحسن بن شبيب المعمري، حدثنا علي بن ميمون، حدثنا خالد بن حيان عن جعفر بن برقان عن عقبة بن نافع عن ابن عمر أنه قال: لا تكون الصلاة إلا بقراءة وتشهد وصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن نسيت شيئا من ذلك فاسجد سجدتين بعد الصلاة. ومن التابعين أبو جعفر محمد بن على والشعبي ومقاتل بن حيان وبه قال إسحاق بن راهويه قال: إن تركها عمدا لم تصح صلاته وإن تركها سهوا رجوت أن تجزئه. وعن إسحاق في ذلك روايتان، ذكرهما حرب في مسأله في باب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، قال: سألت إسحاق قلت: الرجل إذا تشهد فلم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أما أنا فأقول: إن صلاته جائزة وقال الشافعيّ: لا تجوز صلاته، ثم قال: أنا أذهب إلى حديث الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيرة، فذكر حديث ابن مسعود قال: وسمعت أبا يعقوب يعنى إسحاق يقول: إذا فرغ من التشهد- إماما كان أو مأموما- لا يجزئه غير ذلك، لقول أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد عرفنا السلام عليك يعنى في التشهد فكيف الصلاة عليك؟ فأنزل اللَّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، وفسّر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف هي؟ فأدنى ما ذكر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه يكفيك قليله بعد التشهد، والتشهد والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجلسة الأخيرة هما عملان لا يجوز لأحد أن يترك واحدا منهما عمدا، وإن كان ناسيا رجونا أن تجزئه مع أن بعض الجزء: 11 ¦ الصفحة: 96 علماء الحجاز قال: لا يجزئه ترك الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن تركه أعاد الصلاة، انتهى. وقد اختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل أيضا، ففي (مسائل المروزي) قيل لأبى عبد اللَّه: إن ابن راهويه يقول: لو أن رجلا ترك الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد، بطلت صلاته، قال: ما أجترئ أن أقول هذا. وقال مرة: هذا شذوذ في مسائل أبى زرعة الدمشقيّ. قال أحمد: كنت أتهيب ذلك، ثم تبينت فإذا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واجبة، وظاهر هذا أنه رجع عن قوله بعدم الوجوب، وأما قولكم رضي اللَّه عنكم: إن الدليل على الوجوب عمل السلف الصالح قبل الشافعيّ وإجماعهم عليه، فجوابه أن استدلالهم إما أن يكون بعمل الناس في صلاتهم، وإما بقول أهل الإجماع إنها ليست بواجبة، فإن كان الاستدلال بالعمل فهو من أقوى حججنا عليكم، فإنه لم يزل عمل الناس مستمرا قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر على الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في آخر التشهد، إمامهم، ومأمومهم، ومنفردهم، حتى لو سئل كل مصل هل صليت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاتك هذه؟ فقال: لم أصل عليه فيها وعلم المأمور ذلك، لأنكروا عليه، وهذا أمر لا يمكن إنكاره. فالعمل أقوى حجة عليكم فكيف يسوغ لكم أن تقولوا: علم السلف الصالح قبل الشافعيّ ينفى الوجوب؟ أفترى السلف الصالح كلهم؟ ما كان أحد منهم قط يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاته؟ فإن قلتم: نعم كانوا كذلك علم كل أحد بطلان ذلك، وأما إن كان احتجاجكم بقول أهل الإجماع: إنها ليست بفرض، فهذا مع أنه لم يتم عملا لم يعمله أهل الإجماع، وإنما هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما، وغايته أنه قول كثير من أهل العلم، ونازعهم في ذلك آخرون من الصحابة والتابعين وأرباب المذاهب، فهذا ابن مسعود، وابن عمر، والشعبي، ومقاتل بن حيان، وجعفر بن محمد، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل في أحد قوليه، يوجبون الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد، فأين إجماع المسلمين مع خلاف هؤلاء؟ وأين عمل السلف الصالح وهؤلاء من أفاضلهم؟ ولكن هذا من شأن من لم يتبع مذاهب العلماء، حتى يعلم مواضع الإجماع والنزاع. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 97 وأما قوله: وقد شنع الناس المسألة على الشافعيّ جدا، فيا سبحان اللَّه! أي شناعة عليه إن هي إلا من محاسن مذهبه؟ فأى كتاب خالف الشافعيّ في هذه المسألة؟ أهل هي فرض؟ أم سنة؟ أم إجماع؟ إنما قال قولا اقتضته الأدلة، وقامت على صحته، فالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة من تمام الصلاة بلا خلاف. وأما تمام واجباتها أو مستحباتها وهو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رأى أنها من تمام واجبات الصلاة بالأدلة التي تأتى إن شاء اللَّه تعالى، فلا إجماعا حرفه، ولا نصا خالفه، فمن أي وجه يشنع عليه؟ وهل الشناعة إلا بمن عليه أليق، وبه ألحق؟ وأما قوله: وهذا تشهد ابن مسعود الّذي اختاره الشافعيّ وهو الّذي علمه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إياه إلى آخره، فالشافعي إنما اختار تشهد عبد اللَّه بن عباس، والّذي اختار تشهد ابن مسعود أبو حنيفة وأحمد، واختار مالك تشهد ابن عمر، والجواب من وجوه: أحدها: أن تقول بموجب هذا الدليل، فإن مقتضاه وجوب التشهد ولا ينفى وجوبه وجوب غيره، فإنه لم يقل إن هذا التشهد جمع الواجب من الذكر في هذه القعدة، فإيجاب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بدليل آخر لا يكون معارضا بترك تعليمه في أحاديث التشهد. الثاني: أنكم توجبون السلام من الصلاة، ولم يعلمهم إياه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن قلتم: فإنما أوجبنا السلام ب قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، قلنا: ونحن أوجبنا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأدلة المقتضية لها، فإن كان تعليم التشهد وحده مانعا عن إيجاب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان مانعا من إيجاب السلام، وإن لم يمنعه، لم يمنع وجوب الصلاة. الثالث: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كما علمهم التشهد، علمهم الصلاة عليه، فكيف يكون تعليمهم التشهد دليل وجوبها؟ وتعليمهم الصلاة لا يدل على وجوبها؟ فان قلتم: التشهد الّذي علمهم إياه هو تشهد الصلاة، ولهذا قال فيه: فإذا جلس أحدكم فليقل: التحيات للَّه، وأما تعليم الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنه مطلق غير مقيد حالة الصلاة، قلنا: والصلاة عليه أيضا في بحالة الصلاة لوجوه: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 98 أحدها: حديث محمد بن إبراهيم التيمي الّذي تقدم وقوله: وكيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا؟. الثاني: أن الصلاة التي سألوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعلمهم إياها نظير السلام الّذي علموه، لأنهم قالوا: هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ ومن المعلوم أن السلام الّذي علموه هو قولهم في الصلاة: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، فوجب أن تكون الصلاة المقرونة به هي في الصلاة. الثالث: أنه لو قدر أن أحاديث التشهد تنفى وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت أدلة وجوبها مقدمة ذلك على تلك، لأن نفيها باق على استحباب البراءة الأصلية، ووجوبها ناقل عنها، والناقل مقدم على المنفي، فكيف ولا تعارض، فإن غاية ما ذكرتم من تعليم التشهد أدلة ساكتة عن وجوب شيء لا يكون معارضا لما نطق به فضلا أن يقدم عليه؟ الرابع: أن تعليمهم التشهد كان متقدما، ولعله من حين فرضت الصلاة، وأما تعليمهم الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنه كان بعد نزول قول اللَّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ الآية، ومعلوم أن هذه الآية نزلت في الأحزاب بعد نكاحه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب بنت جحش، وبعد تخييره أزواجه، فهي بعد فرض التشهد، فلو قدر أن فرض التشهد كان نافيا لوجوب الصلاة عليه، كان منسوبا بأدلة الوجوب فإنّها متأخرة، والفرق بين هذا الوجه والوجه الّذي قبله: أن هذا الوجه: يقتضي تقديم أدلة الوجوب لتأخرها، والوجه الّذي قبله: يقتضي تقديم لرفع البراءة الأصلية من غير نظر إلى تقدم وتأخر، والّذي يدل على تأخر الأمر بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن التشهد قولهم: أما السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ ومعلوم أن السلام عليه مقرون بذكر التشهد لم يشرع في الصلاة وحده بدون ذكر التشهد واللَّه أعلم. وأما قوله: ومن حجة من لم يرها فرضا في الصلاة حديث الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة ... الحديث، وفيه: فإذا قلت ذلك، فقد قضيت الصلاة فإن شئت فقم، وإن شئت فاقعد، وأنه يذكر في الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجوابه من وجوه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 99 أحدها: أن هذه الزيادة مدرجة في الحديث ليست من كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ما نبه الحفاظ أئمة الإسلام، قال الدارقطنيّ في كتاب (العلل) : رواه الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن عبد اللَّه، حدث به عنه محمد بن عجلان وحسين الجعفي وزهير بن معاوية وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فأما ابن عجلان وحسين الجعفي فاتفقا على لفظه، وأما زهير فزاد عليهما في آخره كلاما أدرجه بعض الرواة عن زهير في حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو قوله: إذا قضيت هذا، أو فعلت هذا، فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم. ورواه شبابة بن سواد عن زهير، ففصل فيه بين لفظ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال فيه: عن زهير، قال ابن مسعود: هذا الكلام وكذلك رواه ابن يونان عن الحسن بن الحر، فبينه وفصل كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من كلام ابن مسعود وهو الصواب. وقال في كتاب (السنن) : وقد ذكر حديث الحسن بن الحر من طريق حسين الجعفيّ عنه من غير هذه الزيادة، ثم قال: وتابعه ابن عجلان ومحمد بن أبان عن الحسن بن الحر. ورواه زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر فزاد في آخره كلاما، وهو قوله: إذا قلت هذا، أو فعلت هذا فقد قضيت الصلاة، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن فاقعد، فأدرجه بعضهم عن زهير في الحديث، وذكره ووصله بكلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شبابة عن زهير، وجعله من كلام عبد اللَّه بن مسعود. وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك، وجعل آخره من قول ابن مسعود، ولاتفاق حسين الجعفي وابن عجلان ومحمد بن أبان في رواياتهم عن الحسن على ترك ذكره في آخر الحديث، مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن عبد اللَّه بن مسعود على ذلك، فأما حديث شبابة عن زهير فحدثنا محمد بن إسماعيل الصفار أنبأنا الحسن بن مكرم أنبأنا شبابة بن سوار أنبأنا أبو خيثمة زهير بن معاوية، أنبأنا الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي، فقال: أخذ عبد اللَّه بن مسعود بيدي، فقال: أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيدي. فعلمني التشهد: التحيات للَّه والصوات والطيبات، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 100 السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال عبد اللَّه: فإذا قلت ذلك، فقد قضيت ما عليك من الصلاة، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، قال الدارقطنيّ: شبابة ثقة، وقد فصل آخر الحديث، جعله من قول ابن مسعود وهو أصح من رواية: من أدرك آخره في كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد تابعه غسان ابن الربيع وغيره. فرووه عن ابن ثوبان عن الحسن كذلك، وجعل آخر الحديث من كلام ابن مسعود، ولم يرفعه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر الخطيب البغدادي في كتاب (الفصل) : أن قول من فصل كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من كلام ابن مسعود هو الصواب، وبين أن هذه الزيادة مدرجة، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. فإن قيل: إنكم رويتم عن ابن مسعود: أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واجبة في الصلاة، وادعاؤكم أن الزيادة في حديث الحسن بن الحر مدرجة وهي من قول ابن مسعود يبطل ما رويتم عنه، بدليل أنه إن كان الحديث من كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فهو نقل في عدم وجوبها، وإن كان من كلام ابن مسعود، فهو مبطل لما رويتموه عنه. أجيب عنه بأجوبة. أحدها: أن قوله: إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك معناه، أنها قد قاربت التمام، لإجماعنا وإياكم على أن الصلاة لم تتم. ورد هذا الجواب بأنه قال: فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، وعند من يوجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يخير بين القيام والقعود، حتى يأتي بها. الثاني: أن هذا حديث خرّج على معنى التشهد، وذلك أنهم كانوا يقولون في الصلاة: السلام على اللَّه، فقيل لهم: إن اللَّه هو السلام فعلمهم التشهد، ومعنى قوله: فإذا قلت ذلك فقد قضيت صلاتك، يعنى إذا ضم إليها ما يجب فيها مع ركوع وسجود وتسليم وسائر أحكامها، وألا ترى أنه لم يذكر التسليم من الصلاة وهو من فرائضها لأنه قد وقفتم عليه فاستغنى عن إعادة ذلك عليهم؟ ونظير حديث ابن مسعود هذا قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصدقة: إنها تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، أي مع من ضم إليهم وسمى معهم في القرآن، وهم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 101 الثمانية الأصناف، ومثله أيضا قوله في حديث المسيء في صلاته: ارجع فصل فإنك لم تصل، ثم أمره بفعل ما رآه لم يأت به، ولم يقيمه في صلاته، فقال: إذا قمت إلى الصلاة ... فذكر الحديث، وسكت له عن التشهد والتسليم، وقد قام الدليل من غير هذا الحديث على وجوب التشهد والتسليم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما علمهم من ذلك كما يعلمهم السورة من القرآن، وأعلمهم أن ذلك في صلاتهم، وقام الدليل أيضا في المسألة أنه إنما يتحلل من الصلاة به لا بغيره من هذا الحديث، فذكر أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مأخوذة من غير ذلك الحديث. وأيضا جاز لمن جعل التشهد فرضا بحديث ابن مسعود هذا حتى رد على من خالفه، وقال: إذا قعد مقدار التشهد فقد تمت صلاته، بأن ابن مسعود إنما علق التمام في حديثه بالتشهد جاز لمن أوجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يحتج بالأحاديث الموجبة لها ولكون حجته منها على من نفى وجوبها كالحجة من حديث ابن مسعود على من نفى وجوب التشهد ووجوب القعدة معه، واستدلالنا أقوى من استدلالكم، لأنه استدلال بكتاب اللَّه، وسنة رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعمل الأمة قرنا بعد قرن، فإن لم يكن ذلك أقوى ممن استدل على وجوب التشهد لم يكن دونه، وإن كان في هذه المسألة من الفقهاء من ينازعنا، فهو كمن ينازعكم من الفقهاء في وجوب التشهد، والحجة في الدليل أين كان ومع من كان الجواب. الثالث: أنه لا يمكن أحد من منازعينا أن يحتج علينا بهذا الأثر لا مرفوعا ولا موقوفا، فإنه يقال لمن يحتج به إما أن يكون قوله: فإذا قلت هذا، فقد تمت صلاتك مقتصرا عليه أو مضافا إلى سائر واجباتها. والأول: محال أو باطل ... والثاني: حق ولكنه لا ينفى وجوب شيء مما تنازع فيه الفقهاء من واجبات الصلاة فضلا عن نفيه، وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فهذا التسليم من تمام الصلاة وواجباتها عند مالك، وكذا الجلوس للتشهد وإن لم يذكره، وكذا إن كان عليه سهو واجب، فإنه لا تتم الصلاة إلا به وليس لشيء من ذلك ذكر في هذا الأثر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 102 الجواب الرابع: أن عند أبي حنيفة رحمه اللَّه أن التشهد ليس بفرض، وإذا جلس مقدار التشهد فقد تمت صلاته تشهد أو لم يتشهد، والحديث دليل على أن الصلاة لا تتم إلا بالتشهد فإن كان استدلالكم بأن علق التمام بالتشهد، فلا تصح الصلاة بعدمه صحيحا فهو حجة عليكم في قولكم بعدم وجوب التشهد. لأنه علق به التمام، وبطل قولكم بنفي فريضة التشهد، وإن لم يكن الاستدلال به صحيحا بطلت معارضة أدلة الوجوب، وبطل قولكم بنفي الوجوب للصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فعلى كلا التقديرين قولكم بطل، فإن قلتم: نحن نجيب عن هذا بأن قوله: فإن قلت هذا تمت صلاتك المراد به تمام الاستحباب وتمام الواجب قد نقضي بالجلوس. قيل لكم: هذا فاسد على قول من نفى وجوب الصلاة عليه، وعلى قول من أوجبها لأن من نفى وجوبها لا ينازع في أن تمام الاستحباب موقوف عليها فإن الصلاة لا تتم التمام المستحب إلا بها، ومن أوجبها يقول: لا تتم التمام الواجب إلا بها فعلى التقديرين لا يمكنكم الاستدلال بالحديث أصلا. وأما قوله: روى أبو داود والترمذي حديث عبد اللَّه بن عمرو، وفيه: فإذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته، جوابه من وجوه: أحدها: أن الحديث معلول وبيان علته من وجوه. الثاني: أن الترمذي قال: ليس إسناده بالقوى وقد اضطربوا في إسناده. الثالث: أنه من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وقد ضعفه غير واحد من الأئمة. الرابع: أنه من رواية بكر بن سواد عن عبد اللَّه بن عمرو ولم يلقه فهو منقطع . الخامس: أنه مضطرب الإسناد كما قال الترمذي. السادس: أنه مضطرب المتن، مرة يقول: إذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته، ولفظ أبي داود والترمذي غير هذا، وهو إذا أحدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته، وهذا غير لفظ الطحاوي، ورواه الطحاوي أيضا بلفظ آخر فقال: إذا قضى الإمام صلاته فقعد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 103 فأحدث هو أو واحد ممن أتم الصلاة معه فأحدث، قبل أن يسلم الإمام فقد تمت صلاته، فلا يعود فيها فهذا معناه غير معنى الأول. قال: الطحاوي وقد روى بلفظ آخر: إذا رفع المصلي رأسه من آخر صلاته وقضى تشهده ثم أحدث فقد تمت صلاته، وكلها مدارها على الإفريقي، ويوشك أن يكون هذا من سوء حفظه. وأما قول على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إذا جلس مقدار التشهد تمت صلاته، فجوابه أن على بن سعيد قال في مسأله: سألت أحمد بن حنبل عن ترك التشهد فقال: يعيد. قلت: فحديث على إذا قعد مقدار التشهد؟ فقال: لا يصح. وقد روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخلاف حديث على وعبد اللَّه بن عمر. وأما قوله: روى الأعمش عن أبى قصة التشهد وقال: ثم ليتخير من الكلام ما أحب ولم يذكر الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فجوابه: أن غاية هذا أن يكون ساكتا عن وجوب الصلاة، فلا يكون معارضا لأحاديث الوجوب. وأما قوله: وحديث فضالة بن عبيد يدل على نفى الوجوب، فجوابه أن حديث فضالة حجة لنا في المسألة، لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أمره بالصلاة عليه والتشهد، وأمره للوجوب، فهو نظير أمره بالتشهد، وإذا كان الأمر متناولا لهما معا فالتفريق بين المأمور عن تحكم، فإن قلتم: التشهد عندنا ليس بواجب. قلنا: الحديث حجة لنا عليكم في المسألتين والواجب اتباع الدليل، قوله: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يأمر هذا المصلي بإعادة الصلاة، ولو كانت الصلاة عليه فرضا لأمره بإعادتها كما أمر المسيء في صلاته، وجوابه من وجوه: أحدها: أن هذا كان عالما بوجوبها معتقدا أنها غير واجبة فلم يأمره صلّى اللَّه عليه وسلّم بالإعادة، أوامره في المستقبل بكونها، دليل على وجوبها وترك أمره بالإعادة دليل على أنه يعذر الجاهل بعدم الوجوب وهذا كما يأمر المسيء في صلاته بإعادة ما مضى من الصلوات، وقد أخبره أنه لا يحسن غير تلك الصلاة عذرا له بالجهل. فإن قيل: فلم أمره أن يعيد تلك الصلاة ولم يعذره فيها بالجهل؟ قلت: لأن الوقت باق وقد علمه أركان الصلاة فوجب عليه أن يأتى بها، فإن قيل: فهل لا أمر تارك الصلاة عليه بإعادة تلك الصلاة كما أمر المسيء؟ قلنا: أمره الجزء: 11 ¦ الصفحة: 104 صلّى اللَّه عليه وسلّم بالصلاة فيها، فحكم ظاهر في الوجوب ويحتمل أن الرجل لما سمع ذلك الأمر من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بادر إلى الإعادة من غير أن يأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بها، ويحتمل أن تكون الصلاة نفلا فلا تجب إعادتها، ويحتمل ذلك، فلا يترك الظاهر من الأمر وهو دليل محكم لهذا المشتبه المحتمل. فحديث فضالة إما مشترك الدلالة على السواء فلا حجة لكم، وإما راجح الدلالة في جانبنا فذكرناه، فلا حجة لكم فيه أيضا، فعلى التقديرين سقط احتجاجكم به، وقوله: لم يعلمها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المسيء في صلاته ولو كانت فرضا له لعلمها إياه، جوابه من وجوه: أحدها: أن حديث المسيء هذا قد جعله المتأخرون مستندا لهم، ونفى كل ما ينفون وجوبه، وحملوه فوق طاقته، وبالغوا في نفى ما اختلف في وجوبه، فمن نفى وجوب الفاتحة احتج به، ومن نفى وجوب التشهد احتج به، ومن نفى وجوب التسليم احتج به، ومن نفى وجوب الصلاة على النبي احتج به، ومن نفى وجوب الطمأنينة في الصلاة احتج به، ومن نفى وجوب التكبيرات احتج به وكل هذا تساهل واسترسال في الاستدلال، وإلا فعند التحقيق لا ينبغي وجوب شيء من ذلك بل غايته أن يكون قد سكت عن وجوبه ونفيه، فإيجابه بالدلالة الموجبة لا يكون معارضا به، فإن قيل: سكوته عن الأمر يدل على أنه ليس بواجب لأنه من مقام البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، قلنا: يلزمكم على هذا أن لا يجب التشهد، ولا الجلوس، ولا السلام، ولا النية، ولا قراءة الفاتحة، ولا كل شيء لم يذكره في الحديث حتى ولا استقبال القبلة، ولا الصلاة في الوقت، لأنه لم يأمره بشيء من ذلك فهذا لا يترك أحد. وإن قلتم: إنما علمه ما أساء فيه وهو لم يسيء في ذلك، قيل لكم: فاقنعوا لهذا الجواب من منازعكم في كل ما نفيتم وجوبه بحديث المسيء. الثاني: أن أمره صلّى اللَّه عليه وسلّم بالصلاة عليه ظاهر في الوجوب، وترك أمره المسيء به يحتمل أمورا، منها أنه لم يسئ فيه، أو أنه وجب بعد ذلك، أو أنه علمه معظم الأركان وأهمها، وأحال بقية تعليمه على مشاهدته صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاته أو على تعليمه بعض الصحابة له، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان بأمرهم بتعليم بعضهم بعضا، وكان من المستقر عندهم أنه دلهم على تعليم الجاهل وإرشاد الضال، فأى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 105 محذور في أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم علمه بعض الصحابة، وعلمه بعض الصحابة بعضهم [ (1) ] الآخر، وإذا احتمل هذا لم يكن هذا المشتبه المحتمل معارضا لأدلة وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا غيرها من واجبات الصلاة فرضا على أنه تقدم عليها، فالواجب تقديم الصريح المحكم على المشتبه المحتمل. وقوله: الفرائض إنما تثبت بدليل صحيح لا معارض له من مثله، أو إجماع، قلنا: استمعوا أدلتنا على الوجوب، فلنا عليه أدلة، فالدليل الأول قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، وجه الدلالة أن اللَّه تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمره المطلق على الوجوب ما لم يقم دليل على خلافه، قد ثبت أن أصحابه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد سألوه عن كيفية هذه الصلاة المأمور بها فقال: قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد.. الحديث. وقد ثبت أن السلام الّذي علموه هو السلام عليه في الصلاة، وهو سلام التشهد، فمخرج الأمرين واحد، يوضح أنه علمهم التشهد آمرا لهم به، وفيه ذكر التسليم عليه فسألوا عن الصلاة عليه فعلمهم إياها ثم شبهها بما علموه من التسليم عليه، وهذا يدل على الصلاة والتسليم عليه في الصلاة ويتضح أنه لو كان المراد بالصلاة والتسليم عليه خارج الصلاة فيها لكان كل مسلم منهم إذا سلّم عليه يقول له: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، ومن المعلوم أنهم لم يكونوا يتقيدون في السلام عليه بهذه الكيفية، بل كان الداخل منهم عليه يقول: السلام عليكم، وربما قال: السلام على رسول اللَّه، وربما قال: السلام عليه من أول الإسلام بتحية الإسلام وإنما الّذي علموه قدر زائد عليها، وهو السلام عليه في الصلاة يوضحه حديث ابن إسحاق: كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ وقد صحح هذه اللفظة ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطنيّ والبيهقي كما تقدم.   [ (1) ] في الأصل: «البعض الآخر» ، وما أثبتناه حق اللغة، حيث إن كلمة «بعض» لا تأتى إلا نكرة غالبا، ويكون تعريفها بالإضافة دون الألف واللام، وبها جاء التنزيل قال تعالى: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، بَعْضُكُمْ بَعْضاً. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 106 وإذ تقرر أن الصلاة المسئول عن كيفيتها هي الصلاة عليه في نفس الصلاة وقد خرّج ذلك مخرج البيان المأمور به في القرآن، ثبت أنها على الوجوب، ويضاف إلى ذلك أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإن قيل: يحتمل قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: والسلام كما علمتم أمرين: أحدهما: أن يراد به السلام عليه في الصلاة. الثاني: أن يراد به السلام من الصلاة كما قد قاله أبو عمر بن عبد البر* أجيب بأن في نفس الحديث أنهم قالوا: هذا السلام عليك يا رسول اللَّه قد عرفناه. فكيف الصلاة؟ وهم إنما سألوه عن كيفية الصلاة، والسلام المأمور بهما في الآية لا عن كيفية السلام من الصلاة. وإن قيل هذا إنما يدل دلالة اقتران الصلاة والسلام، والسلام واجب في التشهد، فكذا الصلاة ودلالة الاقتران ضعيفة. أجيب أنا لم نحتج بدلالة الاقتران، وإنما استدلالنا بالأمر بها في القرآن وبينا أن الصلاة التي سألوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعلمهم إياها إنما هي الصلاة التي في الصلاة. وإن قيل: لا نسلم وجوب السلام ولا الصلاة واستدلالكم إنما يتم بعد تسليمه وجوب السلام عليه. أجيب بأنه لا يعترض على الأدلة من الكتاب والسنة بخلاف المخالف، فكيف يكون خلافكم في مسألة قد قام الدليل على قول منازعكم مبطلا لدليل صحيح لا معارض له في مسألة أخرى؟ وهل هذا إلا عكس طريقة أهل العلم بأن الأدلة هي التي تبطل ما خالفها من الأقوال، ويعترض بها من خالف موجبيها؟ فتقدم على كل قول اقتضى خلافها، لا أن أقوال المجتهد يعارض بها الأدلة، وتقدم عليها، ثم إن الحديث حجة عليكم في المسألتين، فإنه دليل على وجوب التسليم والصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيجب المصير إليه. الدليل الثاني: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقول ذلك في التشهد وأمرنا أن نصلي كصلاته، وهذا على وجوب فعل ما فعل في الصلاة، إلا ما خصه الدليل، فهاتان مقدمتان. أما المقدمة الأولى: فبيانها ما روى الشافعيّ في (مسندة) عن إبراهيم ابن محمد. حدثني سعد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه يقول في الصلاة: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 107 محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد وهذا وإن فيه إبراهيم بن يحيى فقد وثقه الشافعيّ وابن الأنفهاني وابن عدي وابن عقدة وضعفه آخرون. وأما المقدمة الثانية: فبيانها ما روى البخاريّ في (صحيحه) من حديث مالك بن الحويرث وفيه: وصلوا كما رأيتموني أصلي. الدليل الثالث: حديث فضالة بن عبيد فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له أو لغيره: إذا صلّى أحدكم فيبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم ليدع بما شاء. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. فإن قيل: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يأمر هذا المصلي بالإعادة، أجيب بأنه قد تقدم جوابه فإن قيل: إن هذا الدعاء كان بعد الصلاة لا فيها بدليل ما خرجه الترمذيّ في جماعة من حديث رشدين بن سعد، ولفظه: فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاعدا إذ دخل عليه رجل فصلى فقال: اللَّهمّ اغفر لي وارحمني. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا صليت فاحمد اللَّه بما هو أهله ثم صل عليّ ثم ادعه. أجيب بأن رشدين ضعفه أبو زرعة وغيره فلا يكون حجة مع استقلاله فكيف إذا خالف الثقات الأثبات؟ لأن كل من روى هذا الحديث، قال: سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته، ثم إن رشدين لم يقل في حديثه إن هذا الداعي دعا بعد انقضاء الصلاة، ولا يدل لفظه على ذلك بل قال: فصلى فقال: اللَّهمّ اغفر لي وارحمني وهذا لا يدل على أنه قال بعد فراغه من الصلاة، بل نفس الحديث دليل على قولنا فإنه قال: إذا صلى أحدكم فيبدأ بتحميد اللَّه. والمعلوم إنه لم يرد بذلك بعد الفراغ من الصلاة بل الدخول فيها ويؤيده أن عامة أدعيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما كانت في الصلاة لا بعدها كحديث أبى هريرة، وعليّ، وأبى موسى، وعائشة، وابن عائشة، وحذيفة، وعمار، وغيرهم، ولم ينقل أحد منهم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يدعو بعد صلاته في حديث صحيح، ولما سأله أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[عن ما كان] يدعو به في صلاته لم يقل خارج الصلاة وكذا لم يقل لهذا الداعي: بعد سلامك من الصلاة، لا سيما والمصلي يناجي ربه تعالى مقبلا عليه، فدعاؤه ربه تعالى في هذه الحال أنسب من دعائه له تعالى بعد انصرافه عنه وفراغه من مناجاته، وقد قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: فاحمد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 108 اللَّه بما هو أهله، وهذا إنما أراد به التشهد وقت القعود، ولهذا قال: إذا صليت فاقعد يعنى في التشهد فأمره بحمد اللَّه والثناء عليه والصلاة على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن قيل: إن الّذي أمره أن يصلي عليه فيه بعد تحميد اللَّه غير معين، فلم قلتم: أنه بعد التشهد؟ وأجيب بأنه ليس في الصلاة موضع يشرع فيه الثناء على اللَّه تعالى، ثم الصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم الدعاء إلا في التشهد آخر الصلاة، وذلك لا يشرع في القيام، ولا في الركوع، ولا في السجود، فلم أنه إنما أراد آخر الصلاة حال جلوسه في التشهد، وإن قيل: إنه أمره بالدعاء عقب الصلاة والدعاء ليس بواجب وكذا الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أجيب بأنه لا يستحيل أن يأمر بشيئين فيقوم الدليل على عدم وجوب أحدهما ويبقى الآخر على الوجوب، ثم إن هذا المذكور من الحمد والثناء واجب. قيل: الدعاء فإنه هو التشهد. قد أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم به، وأخبر الصحابة أنه فرض عليهم، ولم يكن اقتران الأمر بالدعاء به مسقطا لوجوبه، فكذا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومع ذلك فقولكم الدعاء لا يجيب غير مسلم، فإن من الدعاء ما هو واجب، وهو الدعاء بالتوبة والاستغفار من الذنوب، والهداية والعفو وغير ذلك. وقد روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: من لم يسأل اللَّه يغضب عليه، فالغضب لا يكون إلا بترك واجب أو فعل محرم. وإن قيل: لو كانت الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرضا في الصلاة لم يؤخر بيانها إلى هذا الوقت حتى يرى رجلا يفعلها فيأمره بها، ولو كان العلم بوجوبها مستفادا بمثل هذا الحديث أجيب بأنه لم نقل قط أنها وجبت على الأمة إلا بهذا الحديث، بل هذا المصلى قد كان تركها فأمره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بما هو مستقر من شرعه، وهذا كحديث المسيء في صلاته، فإن وجوب الركوع، والسجود، والطمأنينة على الأمة، لم يكن مستفادا من حديثه، وتأخر بيان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لذلك إلى حين صلاة هذا الأعرابي، وإنما أمره أن يصلى الصلاة التي شرعها لأمته قبل هذا، وإن قيل: إن أبا داود والترمذيّ قالا في حديث فضالة ولغيره محرف «أو» ولو كان هذا واجبا على مكلف لم يكن ذلك له أو لغيره، أجيب بأن الرواية الصحيحة التي رواها ابن خزيمة وابن حبان إنما هي: فقال له ولغيره بالواو وكذا رواه الإمام أحمد والدارقطنيّ والبيهقيّ. ثم إن «أو» هذه ليست للتخيير حتى يصح الاعتراض بل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 109 هي للتقييم والمعنى: أن أي مصل فليقل: ذلك هذا وغيره. قال اللَّه تعالى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ليس المراد «أو» التخيير، بل المعنى أن أيهما كان فلا تطعه. أما هذا الحديث، والحديث مع ذلك صريح في المعنى بقوله: إذا صلّى أحدكم فيبدأ بحمد اللَّه تعالى. فذكره. وفي رواية النسائي وابن خزيمة: ثم علمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكره، وهذا عام. الدليل الرابع: ثلاثة أحاديث كل واحد لا تقوم به عند انفراده الحجة وقد تقوى بعضها عند الاجتماع. أحدها: روى الدارقطنيّ من طريق عمرو بن شمر عن جابر الجعفيّ عن عبد اللَّه ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا بريدة إذا جلست في صلاتك فلا تتركنّ التشهد والصلاة عليّ فإنّها زكاة الصلاة، وسلّم على جميع أنبياء اللَّه ورسله، وسلّم على عباد اللَّه الصالحين. الثاني: ما خرجه الدارقطنيّ أيضا من طريق عمرو بن شمر عن جابر قال: قال الشعبي: سمعت مسروق بن الأجدع يقول: لا تقبل صلاة إلا بطهور وبالصلاة عليّ. قال الدارقطنيّ: وعمرو بن شمر وجابر ضعيفان. الثالث: خرّج الدارقطنيّ أيضا من طريق عبد المهيمن بن سهيل بن سعد عن أبيه عن جده سهل بن سعد أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا صلاة لمن لا يصلي على نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال عبد المهيمن: ليس بالقوى. وخرجه الطبراني من حديث فديك بن أبي فديك عن أخى ابن عباس عن أبيه عن جده سهل بن سعدان أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لا يذكر اسم اللَّه عليه. ولا صلاة لمن لم يصلّ على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار. وخرجه ابن ماجة من حديث عبد المهيمن أخى ابن عباس أما ابن عباس فخرجه له البخاريّ صحيحا به في (الصحيح) قال النسائي: ليس بالقوى، وضعفه ابن معين وقال أحمد منكر: الحديث وقال ابن عدي: يكتب حديثه وهو فرد المتون والأسانيد، وأما أخوه عبد المهيمن فمتفق على تركه واطراح حديثه فإن كان عبد المهيمن سرقه من حديث أخيه فلا يضر الحديث شيئا، ولا ينزل عن درجه الحديث الحسن، وإن ابن أبي فديك أو من دونه من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 110 عبد المهيمن إلى أخيه أبي فهو الأشبه واللَّه أعلم، فإن الحديث معروف بعبد المهيمن فتلك عله قوية وقد رواه الطبراني بالوجهين ولا يثبت. الدليل الخامس: قد ثبت وجوبها عن ابن مسعود وابن عمر، وأبي مسعود الأنصاري، ولم يحفظ عن أحد من الصحابة أنه قال: لا تجب، وقول الصحابي إذا لم يخالفه غير حجة لا سيما على أصول أهل المدينة وأهل العراق. الدليل السادس: أن هذا عمل الناس من عهد نبيهم وإلى الآن، ولو كانت الصلاة على غيره واجبة لم يكن اتفاق الأمة في سائر الأمصار والأعصار على قولها في التشهد وترك الإخلال بها. وقد قال مقاتل بن حيان في تفسيره في قوله تعالى: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ قال: إقامتها المحافظة عليها وعلى أوقاتها، والقيام فيها، والركوع، والتشهد، والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد الأخير. وقد قال الإمام أحمد: الناس في التفسير عيال على مقاتل، والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة من إقامة الصلاة المأمور بها فتكون واجبة، ومع هذه الأدلة فإنا نقول لمنازعينا: ما منكم إلا من أوجب في الصلاة أشياء بدون هذه الأدلة، هذا أبو حنيفة رحمه اللَّه تعالى قال بوجوب الوتر وإن أدلة وجوبه من أدله وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويوجب الوضوء على من قهقه في صلاته بحديث مرسل لا يقاوم أدلتنا في هذه المسألة، ويوجب [الوضوء] من القيء والرعاف والحجامة بأدلة لا تقاوم أدلة هذه المسألة، وهذا مالك يقول: إن في الصلاة أشياء بين الفرض والمستحب ليست بفرض وهي فوق الفضيلة المستحبة، يسميها أصحابه سننا، كقراءة سورة مع الفاتحة، وتكبيرات الانتقال، والجلسة الأولى، والجهر والمخافتة، ويوجبون السجود في تركها على تفصيل لهم فيه. وأحمد بن حنبل رحمه اللَّه يسمى هذه واجبات، ويوجب السجود بتركها، فإيجاب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن لم تكن أقوى من إيجاب كثير من هذه فليست دونها، فهذه حجج الفريقين في هذه المسألة، والمقصود بيان أن تشنيع المشنع فيها على الشافعيّ باطل في مسألة فيها ما فيها من الأدلة والبيان، وإذا صار مثل هذا كيف يسوغ أن يشنع على الذاهب إليها؟ ومن يهد اللَّه فما له من مضل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 111 الموطن الثاني من مواطن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد الأول وقد اختلف فيه فقال الشافعيّ في (الأم) : يصلي فيه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد الأول، وهذا هو المشهور في المذهب، وهو الجديد، لكنه يستحب وليس بواجب، وقال في القديم: ولا يزيد على التشهد، وهذه رواية المازني عنه، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم، واحتج بقول الشافعيّ- رحمه اللَّه- بما خرجه الدارقطنيّ من طريق موسى بن عبيد اللَّه عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلمنا التشهد والتحيات للَّه والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، ثم يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وبما تقدم من حديث عمرو بن شمرة: إذا جلست في صلاتك فلا تتركن الصلاة عليّ، وهذا عام يشمل الجلستين، واحتج أيضا بأن اللَّه- تعالى- أمر المؤمنين بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والتسليم على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم فدل على أنه حيث شرع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه. ولهذا سأله أصحابه عن كيفية الصلاة عليه، وقالوا: قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ فدل على أن الصلاة مقرونة بالسلام، ومعلوم أن المصلي يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتشرع الصلاة عليه كالتشهد الأخير، لأن التشهد الأول محل يستحب في ذكر الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فاستحب في الصلاة عليه، لأنه أكمل في ذكره. ولأن في حديث محمد كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا؟ وقال الآخرون: ليس التشهد الأول بمحل لذلك. وهو القديم من قول الشافعيّ، وقد صححه جماعة. لأن التشهد الأول تخفيفه مشروع، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس فيه كان على الردف، ولم يثبت عنه أنه كان يقول ذلك فيه، ولا علمه الأمة، ولا نعرف أن أحدا من الصحابة استحبه، ولأن مشروعية ذلك لو كانت كما ذكرتم من الأمر، لكانت واجبة في هذا المحل كما في الأخير. لتناول الأمر لهما. ولأنه لو كانت الصلاة مستحبة في هذا الموضع لاستحبت فيه الصلاة على آله. لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 112 لم يفرد نفسه دون آله بالأمر بالصلاة عليه بل أمرهم بالصلاة عليه وعلى آله في الصلاة وغيرها، ولأنه لو كانت الصلاة عليه في هذا الموضع مشروعة، لشرع فيها ذكر إبراهيم وآل إبراهيم، لأنها هي صفة الصلاة المأمور بها. ولأنها لو شرعت في هذا الموضع لشرع فيه الدعاء بعدها لحديث فضالة، ولم يكن فرق بين التشهدين، وأما الأحاديث التي استدللتم بها فإنّها مع ضعفها بموسى بن عبيدة وعمرو بن شمر وجابر الجعفي، لا تدل على أن المراد بالتشهد فيها هو الآخر دون الأول بما ذكرناه من الأدلة، وهذا الجواب عن كل ما ذكرتموه من الأدلة واللَّه أعلم. الموطن الثالث من مواطن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم: آخر القنوت وقد استحبه الشافعيّ ومن وافقه واحتج له بما خرجه النسائي من حديث محمد بن سلمة: حدثنا وهب عن يحيى بن عبد اللَّه بن سالم، عن موسى بن عقبة عن عبد اللَّه بن علي عن علي بن الحسن بن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: علمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هؤلاء الكلمات في الوتر قال: قل: اللَّهمّ اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وبارك لي فيما أعطيت، وتولني فيمن توليت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضي عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت، وصلى اللَّه على النبي، وهذا إنما يعرف في قنوت الوتر، وإنما نقل إلى قنوت الفجر قياسا كما نقل أصل هذا الدعاء إلى قنوت الفجر. وقد رواه أبو إسحاق عن يزيد أبى الحوراء قال: قال الحسن بن على: علمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمات أقولهن في الوتر، فذكروه ولم يذكر فيه الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو مستحب في قنوت رمضان، قال ابن وهب: أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال: أخبرنى عروة بن الزبير أن عبد الرحمن بن القاري وكان في عهد عمر بن الخطاب- رضي اللَّه وتبارك عنه- مع زيد بن الأرقم على بيت المال، قال: إن عمر خرج ليلة في رمضان، فخرج معه عبد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 113 الرحمن بن القاري، فطاف في المسجد أهل أوزاع متفرقون، يصلي رجل لنفسه، ويصلى الرجل فيصلي الرهط بصلاته، فقال عمر- رضى اللَّه وتبارك عنه: واللَّه إني لأظن لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد يكون أمثل، ثم عزم عمر على ذلك، وأمر أبى بن كعب أن يقوم بهم في رمضان، فخرج عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: فعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله، قال: وكانوا يلعنون الكفرة في النصف، يقولون: اللَّهمّ العن قابل الكفرة الذين يصدون عن دينك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم يدعو للمسلمين ما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفر، وصلاته على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واستغفاره للمؤمنين، ومسألته: اللَّهمّ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحمد، ونرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوى ساجدا. وقال إسماعيل بن إسحاق: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام: حدثني أبو قتادة عن عبد اللَّه بن الحارث: أن معاذا كان يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في القنوت. الموطن الرابع من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية وقد اختلف في توقف صحة الصلاة عليها، فقال الشافعيّ وأحمد في المشهور من مذهبهما: إنها واجبة في الصلاة لا تصح إلا بها، رواه البيهقي عن عبادة بن الصامت وغيره من الصحابة، وقال أبو حنيفة ومالك: تستحب، وليست بواجبة وهو وجه في المذهب، والدليل على مشروعيتها في صلاة الجنازة. ما روى الشافعيّ في (المسند) من حديث مظفر بن مازن عن معمر عن الزهريّ. أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن السنة في صلاة الجنازة، أن يكبر الإمام، ثم يقرأ فاتحة الكتاب بعد التكبيرة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 114 الأولى سرا في نفسه، ثم يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويخلص الدعاء للجنازة، ثم يسلم سرا في نفسه، لكن قد اختلف في هذا الحديث، فقال مظفر بن مازن عن معمر عن الزهريّ عن أبي أمامة عن رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: من السنة، وقال عبد الأعلى عن معمر عن الزهريّ عن أبي أمامة: من السنة، رواه الشافعيّ بالوجهين، وليست هذه العلة قادحة فيه، فإن جهالة الصحابي لا تضر. وقول الصحابي من السنة اختلف فيه، فقيل: هو في حكم المرفوع، وقيل: لا يقضى له بالرفع، والصواب التفصيل كما هو مذكور في موضعه. وخرج إسماعيل في كتاب (الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) من حديث محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا معمر عن الزهري قال: سمعت أبا أمامة ابن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب، قال: إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب، ويصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ، ولا يقرأ إلا مرة واحدة، ثم يسلم في نفسه. وخرجه النسائيّ في (سننه) ، وقال: هذا إسناد صحيح [ (1) ] ، وقد روى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه صلّى على جنازة بمكة فكبر، ثم قرأ وجهر وصلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم دعا لصاحبها فأحسن ثم انصرف، وقال: هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة.   [ (1) ] (سنن النسائي) : 4/ 377، كتاب الجنائز، باب (77) الدعاء، حديث رقم (1986) ولفظه: صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته، قال: سنة وحق، ونحوه حديث رقم (1987) ، (1988) وليس فيهما ذكر الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأخرجه البخاريّ في الجنائز، باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة، حديث رقم (1335) ، وأخرجه أبو داود في الجنائز، باب ما يقرأ على الجنازة، حديث رقم (3198) ، وأخرجه الترمذيّ في الجنائز، باب ما جاء في القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب، حديث رقم (1027) وقال: حديث حسن صحيح. قوله: (سنة وحق) ينبغي أن تكون الفاتحة أولى وأحسن من غيرها من الأدعية، ولا حجة للمنع عنها. وعلى هذا كثير من محققي علمائنا إلا أنهم قالوا: يقرأ بنية الدعاء والثناء، لا بنية القراءة، واللَّه تعالى أعلم. (حاشية السندي) مختصرا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 115 وفي (موطأ يحيى بن بكير) : حدثنا مالك بن أنس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه أنه سأل أبا هريرة: كيف يصلى على الجنازة؟ فقال: أنا لعمرك أخبرك، أتبعها مع أهلها، فإذا وضعت كبرت وحمدت اللَّه، وصليت على نبيه، ثم أقول: اللَّهمّ إنه عبدك وابن عبدك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللَّهمّ إن كان محسنا، فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللَّهمّ لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده. وقال أبو ذر الهروي: أنبأنا أبو الحسن بن أبي سهل السرخسي، أنبأنا أبو على أحمد بن محمد بن رزين، حدثنا على بن خشرم. حدثنا أنس بن عياض عن إسماعيل بن رافع عن رجل قال: سمعت إبراهيم النخعي يقول: كان ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذا أتى جنازة استقبل الناس، وقال: يا أيها الناس سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لم يجتمع مائة [ (1) ] لميت فيجتهدون له في الدعاء إلا وهب اللَّه ذنوبه لهم، وإنكم شفعاء لأخيكم، فاجتهدوا في الدعاء، ثم يستقبل القبلة فإن كان رجلا وقف عند رأسه، وإن كانت امرأة قام عند منكبها، ثم إنه قال: اللَّهمّ إنه عبدك، وابن عبدك، أنت خلقته وأنت هديته للإسلام وأنت قبضت روحه، وأنت أعلم بسريرته وعلانيته، وقد جئناك شفعاء له، اللَّهمّ إنا نستجير بحبل [ (2) ] جوارك، فإنك ذو وفاء وذو رحمة، أعذه من فتنه القبر وعذاب جهنم، اللَّهمّ إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللَّهمّ نور له قبره، وألحقه بنبيك، قال: ويقول: هذا كلما كبّر، وإذا كانت التكبيرة الأخيرة، قال مثل ذلك، ثم   [ (1) ] (سنن النسائي) : 4/ 378- 379 كتاب الجنائز، باب (78) فضل من صلّى عليه مائة، حديث رقم (1990) ، (1991) ، (1992) مختصرا دون ذكر الدعاء في كل أحاديث الباب. [ (2) ] قال المنذري: قال بعضهم: كان من عادة العرب أن تخيف بعضها بعضا، فكان الرجل إذا أراد سفرا، أخذ عهدا من سيد كل قبيلة، فيأمن به ما دام في حدودها، حتى ينتهي إلى الآخرة، فيأخذ مثل ذلك، فهذا حبل الجوار، أي ما دام مجاورا أرضه، أو هو من الإجارة، وهو الأمان والنصرة. (هامش سنن أبي داود) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 116 يقول: اللَّهمّ صلّ على محمد، وبارك على محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللَّهمّ صل على فرطنا وأسلافنا، اللَّهمّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ثم ينصرف، قال إبراهيم: وكان ابن مسعود يعلم هذا في الجنائز، وفي المجالس، وقيل له: أكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقف على القبر إذا فرغ منه، قال: نعم، كان إذا فرغ منه وقف عليه، ثم قال: اللَّهمّ إنه قد نزل بك وخلف الدنيا وراء ظهره، ونعم المنزول به أنت، اللَّهمّ ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به، اللَّهمّ نور له في قبره وألحقه بنبيه، وكان يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجنازة، كما يصلي عليه في التشهد، لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه، وفي (مسائل عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل) عن أبيه، قال: يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويصلي على الملائكة المقربين. قال القاضي أبو الخطاب: فيقول: اللَّهمّ صلّ على ملائكتك المقربين، وأنبيائك المرسلين، وأهل طاعتك أجمعين، من أهل السموات والأرض، إنك على كل شيء قدير [ (1) ] .   [ (1) ] قال الإمام الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في (المسند) : أخبرنا مطرف بن مازن، عن معمر عن الزهريّ، أخبرنا أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه، ثم يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات، لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرا في نفسه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 117 الموطن الخامس من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الخطب في الجمعة والعيدين والاستسقاء ونحو ذلك وقد اختلف في اشتراطها لصحه الخطبة، فقال الشافعيّ وأحمد: المشهور عن مذاهبهما، لا تصح الخطبة، إلا بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال مالك وأبو حنيفة: تصح بدونها، وهو وجه في مذهب أحمد، والحجة في وجوبها قول اللَّه تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ* الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ* وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (1) ] . قال ابن عباس: رفع اللَّه ذكره فلا يذكر إلا ذكر معه، واعترض عليه بأن المراد بذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم مع ذكر ربه- تعالى- هو الشهادة له بالرسالة إذا شهد لمرسله بالوحدانية، وهذا هو الواجب قطعا، بل هو ركنها الأعظم. وقد روى أبو داود [ (2) ] وأحمد [ (3) ] من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء، واليد الجذماء المقطوعة، فمن أوجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخطبة دون التشهد، فقوله في غاية الضعف.   [ (1) ] الشرح: 1- 4. [ (2) ] (سنن أبي داود) : 5/ 173. كتاب الأدب، باب (22) في الخطبة، حديث رقم (4841) ، قوله «ليس فيها تشهد» أي شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا رسول اللَّه. وقوله: «فهي كاليد الجذماء» أي كاليد التي أصابها الجذام، وهو مرض معروف، يحمر اللحم المصاب به ويتساقط، يعني قليل البركة. والحديث أخرجه الترمذيّ في النكاح، حديث رقم (1106) باب في خطبة النكاح، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، ونقل المنذريّ عنه «حسن غريب» فقط. [ (3) ] (مسند أحمد) : 3/ 15، حديث رقم (8313) من مسند أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 118 وقد روى يونس عن سفيان عن قتادة: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ، قال: رفع اللَّه ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب، ولا متشهد، ولا صاحب صلاة إلا ابتدأها: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا رسول اللَّه. وخرج عبد بن حميد من حديث هشيم عن جويبر عن الضحاك: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ، قالا: لا أذكر إلا ذكرت معي في الأذان أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا رسول اللَّه، فهذا هو المراد من الآية [ (1) ] . وكيف لا يجب التشهد الّذي هو عقد الإسلام في الخطبة، وهو أفضل كلماتها، وتجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها. والدليل على مشروعية الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخطبة، ما رواه الإمام أحمد [ (2) ] من طريق منصور بن أبي مزاحم، حدثنا خالد: حدثني عون بن أبي جحيفة، قال: كان أبي من شرط عليّ، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان تحت المنبر، فحدثني أنه صعد المنبر يعني عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فحمد اللَّه، وأثنى عليه، وصلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر والثاني: عمر، قال: يجعل اللَّه الخير حيث [أحب] [ (3) ] . وقال محمد بن الحسن بن جعفر الأسدي: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد الحميدي: حدثنا عبد اللَّه بن سعيد الكندي: حدثنا عبد الرحمن الرواسي، قال: سمعت أبي يذكر عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه كان يقول بعد ما يفرغ من خطبته والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا   [ (1) ] (تفسير ابن كثير) : 4/ 561، وفيه: عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك يقول كيف رفع ذكرك؟ قال: اللَّه أعلم، قال: إذا ذكرت ذكرت معي» . [ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 171، حديث رقم (839) ، من مسند علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (3) ] في (الأصل) : «حيث شاء» وما أثبتناه من (مسند أحمد) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 119 الكفر والفسوق والعصيان، اللَّهمّ بارك في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وقلوبنا وذريتنا. وروى الدارقطنيّ من طريق ابن لهيعة عن الأسود بن مالك الحضرميّ عن بجير بن زاخر المعافري، قال: رحت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة فذكر حديثا وفيه: فقام عمرو بن العاص على المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه حمدا موجزا، وصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ووعظ الناس وأمرهم ونهاهم. وحديث ضبة بن محصن أن أبا موسى الأشعري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان إذا خطب حمد اللَّه وأثنى عليه وصلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعا لعمر، فأنكر عليه ضبة الدعاء لعمر قبل الدعاء لأبي بكر فرفع ذلك إلى عمر، فقال لضبة: أنت أوفق منه وأرشد، فهذا دليل على أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخطبة أمر كان مشهورا بين الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- معروفا بينهم. وأما وجوبها فيحتاج إلى دليل يجب المصير إليه حتى ينقطع به الشك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 120 الموطن السادس من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة خرج مسلم [ (1) ] من طريق عبد اللَّه بن وهب بن حيوة وسعيد بن أبي أيوب وغيرهما عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد اللَّه بن عمرو ابن العاص أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلّى علي صلاة صلى اللَّه عليه بها عشرا، ثم سلوا اللَّه لي الوسيلة، فإنّها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللَّه، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي. وخرجه أبو داود [ (2) ] من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة وحيوة وسعيد ابن أبي أيوب، عن كعب بن علقمة إلى آخره مثله. وخرجه الترمذي [ (3) ] من طريق عبد الرحمن بن يزيد المقرئ: حدثنا حيوة: أنبأنا كعب بن علقمة، سمع عبد الرحمن بن جبير، سمع عبد اللَّه بن عمرو أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول الحديث بنحو هذا، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وخرجه النسائي [ (4) ] من حديث سويد بن ناصر قال: أنبأنا عبد اللَّه عن حيوة بن شريح قال: أخبرني كعب بن علقمة أنه سمع عبد الرحمن بن جبير   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 327، كتاب الصلاة، باب (7) استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم يسأل له الوسيلة، حديث رقم (383) . [ (2) ] (سنن أبي داود) : 1/ 359- 360، كتاب الصلاة، باب (36) ما يقول إذا سمع المؤذن، حديث رقم (523) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 547، كتاب المناقب، باب (1) في فضل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3614) ، ثم قال: قال محمد: عبد الرحمن بن جبير هذا قرشيّ مصري مدنيّ، وعبد الرحمن ابن جبير بن نفير شامي. [ (4) ] (سنن النسائي) : 2/ 355- 356، كتاب الأذان، باب (38) الدعاء عند الأذان، حديث رقم (679) ، بسند آخر، وسياقة أخرى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 121 مولى نافع بن عمرو القرشي يحدث أنه سمع عبد اللَّه بن عمرو يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى آخره بنحوه. ومن طريق إسحاق بن منصور قال: أنبأنا عبد اللَّه بن يزيد أنبأنا حيوة، أنبأنا كعب بن علقمة إلى آخره بمثله أو بنحوه. وخرج الحسن بن عرفة من طريق العوام بن حريث: حدثنا منصور بن زاذان عن الحسن قال: من قال مثل ما يقول المؤذن، فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة قال: اللَّهمّ رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد عبدك ورسولك، وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة، دخل في شفاعة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وقال: يوسف بن أسباط بلغني أن الرجل إذا أقيمت الصلاة فلم يقل: اللَّهمّ رب هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها، صلّ على محمد وعلى آل محمد، وزوجنا الحور العين إلا قالت الحور العين: ما إن هداك غيرنا، واعلم أن في إجابة المؤذن خمس سنن قد اشتمل حديث عبد اللَّه بن عمرو المذكور على ثلاثة منها، والرابعة، أن يقول: ما خرجه مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] والترمذيّ [ (4) ] والنسائي [ (5) ] من حديث الليث عن حكيم بن عبد اللَّه بن قيس   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 1/ 362، كتاب الصلاة، باب (38) ما جاء في الدعاء عند الأذان، حديث رقم (529) من حديث جابر بن عبد اللَّه بسياقة أخرى، أخرجه الترمذي في (السنن) : 1/ 413، أبواب الصلاة، باب (157) ، حديث رقم (211) وقال: حديث جابر حديث صحيح حسن غريب من حديث محمد بن المنكدر، لا نعلم أحدا رواه غير شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر، وأبو حمزة اسمه دينار. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 327، كتاب الصلاة، باب (7) استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم يسأل له الوسيلة، حديث رقم (383) . [ (3) ] (سنن أبي داود) : 1/ 359- 360، كتاب الصلاة، باب (36) ما يقول إذا سمع المؤذن، حديث رقم (523) . [ (4) ] (سنن الترمذيّ) : 1/ 411- 412، أبواب الصلاة، باب (156) ما جاء ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن من الدعاء، حديث رقم (210) ، قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث الليث بن سعد عن حكيم بن عبد اللَّه بن قيس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 122 القرشي، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد بن أبي وقاص- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت باللَّه ربا وبالإسلام دينا، غفر ذنبه، وفي رواية: من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد هكذا، قال أبو داود والترمذي والنسائي: وأنا أشهد. وقال الترمذي بعقبه: وهذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، عن حكيم بن عبد اللَّه بن قيس، والخامسة: أن يدعو بعد إجابة المؤذن وصلاته على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبعد سؤاله الوسيلة لما في سنن أبي داود [ (1) ] والنسائيّ [ (2) ] من حديث عبد اللَّه بن عمرو، أن رجلا قال: يا رسول اللَّه إن المؤذنين يفضلوننا، فقال: قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه. وخرج الإمام أحمد [ (3) ] من حديث ابن لهيعة: حدثنا أبو الزبير عن جابر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من قال حين ينادى المنادي بالصلاة: اللَّهمّ رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، صل على   [ () ] (5) (سنن النسائيّ) : 1/ 355، كتاب الأذان، باب (38) الدعاء عند الأذان، حديث رقم (678) وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 1/ 38، كتاب الأذان والسنة فيها، باب (4) ، ما يقال إذا أذن المؤذن، حديث رقم (721) . [ (1) ] (سنن أبي داود) : 1/ 360، كتاب الصلاة، باب (36) ما يقول إذا سمع المؤذن، حديث رقم (524) . [ (2) ] أخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) . [ (3) ] لم أجده في (المسند) بهذا السند ولا بهذه السياقة، والّذي في (مسند أحمد) : 4/ 322، حديث رقم (14403) من مسند جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «من قال حين يسمع النداء: اللَّهمّ رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الّذي وعدته، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة، وهو في (كنز العمال) : 7/ 704، حديث رقم (21019) ، كما جاء (بالأصل) . وعزاه إلى الإمام أحمد في (المسند) والطبراني في (الأوسط) عن جابر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 123 محمد وارض عنى رضا لا سخط بعده، استجاب اللَّه له دعوته، وخرجه الطبراني في (الأوسط) عن ابن لهيعة به مثله. وخرج الحاكم في (المستدرك) من [ (1) ] حديث أبي أمامة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سمع الأذان قال: اللَّهمّ رب هذه الدعوة المستجابة المستجاب لها، دعوة الحق، وكلمة التقوى، توفني عليها وأحينى عليها واجعلني من صالح عملا يوم القيامة، فهذه خمسة وعشرون سنة في الأذان تكون في كل يوم وليلة فما أعظم أجرها.   [ (1) ] لم أجده في (المستدرك) بهذه السياقة، والّذي فيه، عن أم حبيبة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سمع المؤذن قال كما يقول حتى يسكت، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وله شاهد بإسناد صحيح وهذا الحديث رقم (733) ، وهو حديث ساقط من (التلخيص) وحديث رقم (734) عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سمع المؤذن قال: «وأنا وأنا» وسكت عنه الذهبي في التلخيص. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 124 الموطن السابع من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند دعاء كل داع من أمتي وله ثلاث مراتب الأولى: أن يصلي عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل الدعاء وبعد حمد اللَّه تعالى. والثانية: أن يصلي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه في أول دعائه، وأوسطه، وآخره. والثالثة: أن يصلي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه في أول الدعاء، وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما. فأما المرتبة الأولى: فيدل عليها حديث فضالة بن عبيد المتقدم، وقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد اللَّه والثناء عليه ثم ليصلّ على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم يدع بما يشاء. وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث أبي بكر بن عياش عن عاصم عن زر، قال: كنت أصلي والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- معه، فلما جلست بدأت بالثناء على اللَّه، ثم بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: سل تعطه. وخرج عبد الرزاق من حديث معمر عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد اللَّه بن مسعود قال: إذا أراد أحدكم أن يسأل اللَّه- تعالى- فليبدأ بحمد اللَّه- تعالى- والثناء عليه بما هو أهله، ثم ليصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم يسأل اللَّه بعد، فإنه أجدر أن ينجح ويصيب، ورواه شريك عن أبي إسحاق، وعن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه نحوه. وأما المرتبة الثانية: فقال عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تجعلوني كقدح الراكب فذكر الحديث، وقال: اجعلوني وسط الدعاء، وفي أوله، وفي آخره، وقد تقدم   [ (1) ] سبق تخريجه وهو أيضا عن أبي داود بنحوه ومعناه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 125 حديث علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما من دعاء إلا وبينه وبين اللَّه تعالى حجاب، وإذا لم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يستجب الدعاء. وتقدم قول ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يستجاب منه شيء حتى يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: أحمد ابن على بن شعيب: حدثنا محمد بن حفص، حدثنا الجراح بن يحيى حدثني عمر بن عمرو قال: سمعت عبد اللَّه بن بشر يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: [الدعاء] محجوب حتى يكون أوله ثناء على اللَّه- عز وجل- وصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم يدعو فيستجاب لدعائه، وعمر بن عمرو هو الأحمسي، له عند عبد اللَّه بن بشر حديثان، هذا، وحديث رواه الطبراني في (الكبير) عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: من استفتح أول نهاره بخير وختمه بخير قال اللَّه- عز وجل- لملائكته: لا تكتبوا عليه ما بين ذاك من الذنوب. واعلم أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مثل الفاتحة من الصلاة، وهذه المواطن التي تقدمت كلها شرعت الصلاة فيها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. أما الدعاء، فمفتاح الدعاء الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كما أن مفتاح الصلاة الطهور، قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان الدارانيّ يقول: من أراد أن يسأل اللَّه- تعالى- حاجة، فليبدأ بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليختم بالصلاة عليه، فإن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مقبولة، واللَّه- تعالى- أكرم من أن يردّ ما بينهما. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 126 الموطن الثامن من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند دخول المسجد وعند الخروج منه لما روى ابن خزيمة في (صحيحه) وأبو حاتم بن حبان من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا دخل أحدكم المسجد، فليسلم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وليقل: اللَّهمّ افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وليقل: اللَّهمّ أجرني من الشيطان [ (1) ] . وفي (المستدرك) [ (2) ] والترمذي [ (3) ] وابن ماجة [ (4) ] من حديث فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى [ (5) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالت:   [ (1) ] (الأذكار للنووي) : 34، باب (20) ما يقوله عند دخول المسجد والخروج منه، وعزاه إلى ابن ماجة، وابن خزيمة، وأبو حاتم بن حبان. [ (2) ] (المستدرك) : 1/ 325- 326، من كتاب الإمامة وصلاة الجماعة، حديث رقم (749) ، ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل في الصلاة يقول: «اللَّهمّ إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفخه، ونفثه» : فهمزه الموتة، ونفثه الشعر، ونفخه الكبرياء، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، وقد استشهد البخاري بعطاء بن السائب، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرطهما. [ (3) ] (سنن الترمذي) : 2/ 127- 128، أبواب الصلاة، باب (234) ما جاء ما يقول عند دخول المسجد، حديث رقم (314) ، (315) . قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي حميد، وأبي أسيد، وأبي هريرة، [وقال أيضا] : حديث فاطمة حديث حسن، وليس إسناده بمتصل، وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى، وإنما عاشت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أشهرا. قال الشارح: فإن قلت: قد اعترف الترمذي بعدم اتصال إسناده حديث فاطمة، فكيف قال: حديث فاطمة حديث حسن؟ قلت: الظاهر أنه حسن لشواهده، وقد بينا في المقدمة أن الترمذي قد يحسن الحديث مع ضعف الإسناد للشواهد، وهذا الحديث أخرجه أحمد وابن ماجة أيضا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 127 كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل المسجد قال: اللَّهمّ صلّ على محمد وسلّم، اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال مثلها، إلا أنه يقول: أبواب فضلك. رواه الترمذي عن علي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم عن ليث عن عبد اللَّه بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل المسجد صلّى على محمد وسلّم، قال إسماعيل: فلقيت عبد اللَّه بن الحسن بمكة، فسألته عن هذا الحديث فسألته به، قال: وليس إسناده متصلا، لأن فاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى. ورواه ابن ماجة عن أبي بكر عن ابن علية وأبي معاوية عن ليث نحوه. وروى إسماعيل بن إسحاق عن شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سعيد بن ذي حراب قال: قلت لعلقمة: ما أقول إذا دخلت المسجد؟ قال: تقول: صلى اللَّه وملائكته على محمد، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته. ومن طريق ابن عمر التميمي عن سليمان العبسيّ عن على بن الحسين قال: قال على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إذا مررتم بالمسجد فصلوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.   [ () ] (4) (سنن ابن ماجة) : 1/ 253- 254، كتاب المساجد والجماعات باب (13) الدعاء عند دخول المسجد، حديث رقم (771) . [ (5) ] هي فاطمة الزهراء بنت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 128 الموطن التاسع من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الصفا والمروة روى إسماعيل بن إسحاق من طريق همام بن يحيى: حدثنا نافع أن ابن- عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يكبر على الصفا ثلاثا ثم يقول: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، ثم يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويطيل القيام والدعاء، ويفعل على المروة مثل ذلك، وهذا من توابع الدعاء أيضا. وروى جعفر بن عون عن زكريا عن الشعبي، عن وهب بن الأجدع قال: سمعت عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يخطب الناس بمكة يقول: إذا قدم الرجل منكم حاجا، فليطف بالبيت سبعا، وليصلّ بهذا المقام ركعتين، ثم يستلم الحجر الأسود، ثم يبدأ بالصفا فيقوم عليه ويستقبل البيت، فيكبر سبع تكبيرات، بين كل تكبيرتين حمدا للَّه عز وجل، وثناء عليه، وصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويسأل لنفسه، وعلى المروة مثل ذلك. رواه أبو ذر عن زاهر عن محمد بن المسيب عن عبد اللَّه بن جبير عن جعفر، ورواه البزار عن عبد اللَّه بن سليمان عن عبد اللَّه بن محمد بن المسور عن سفيان عن مسعر عن فراس عن الشعبيّ عن وهب به. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 129 الموطن العاشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند اجتماع القوم قبل تفرقهم وقد تقدم: ما جلس قوم مجلسا ثم تفرقوا ولم يذكروا اللَّه- تعالى- ولم يصلوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كان عليهم من اللَّه ترة [ (1) ] . رواه ابن حبان والحاكم، وروى عبد اللَّه بن إدريس الأودي عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: زينوا مجالسكم بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويذكر عن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بمثل ذلك أيضا [ (2) ] . الموطن الحادي عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذكره وقد تقدم.   [ (1) ] سبق تخريجه وشرحه. [ (2) ] «زينوا مجالسكم بالصلاة عليّ، فإن صلاتكم عليّ نور لكم يوم القيامة» ، كذا في (كشف الخفا) ، وقال «رواه الديلميّ بسند ضعيف عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مرفوعا، وله شاهد عند النميري عن عائشة من قولها: زينوا مجالسكم بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبذكر عمر بن الخطاب، واقتصر الديلميّ على الجملة الثانية بلا سند، ولفظه كما في الديلميّ: «زينوا مجالسكم بذكر عمر» ، واقتصر الخطيب في (تاريخه) على الأولى، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. وقال ابن حجر الهيثمي في (فتاواه الحديثية) : هو حديث ضعيف وقال: وأما حديث: «زينوا مجالسكم بالصلاة عليّ، فإن صلاتكم تعرض عليّ أو تبلغني» فقطعة من حديث آخر، ثابت قوى، (كشف الخفا ومزيل الالتباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس) : 1/ 444، حديث رقم (1443) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 130 الموطن الثاني عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بعد الفراغ من التلبية خرج الدارقطنيّ من طريق صالح بن محمد بن زائدة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا فرغ من تلبيته سأل اللَّه مغفرته ورضوانه، واستعاذ برحمته من النار، قال صالح: سمعت القاسم بن محمد يقول: كان يستحب للحاج إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم: وهذا أيضا من توابع الدعاء. الموطن الثالث عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند استلام الحجر خرج أبو ذر الهروي من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة: حدثنا عون بن سلام: حدثنا محمد بن مهاجر عن نافع قال: كان ابن عمر إذا أراد أن يستلم الحجر قال: اللَّهمّ إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء جهدك، وأتباعا لسنة نبيّك، ويصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.   [ (1) ] (سنن الدارقطنيّ) : 238، كتاب الحج، باب المواقيت، حديث رقم (11) ، قال في (التعليق المغني على الدارقطنيّ) : والحديث أخرجه الشافعيّ، وفيه صالح بن محمد، وهو مديني ضعيف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 131 الموطن الرابع عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند الوقوف على قبره صلّى اللَّه عليه وسلّم] قال مالك في (الموطأ) [ (1) ] : عن عبد اللَّه بن دينار قال: رأيت عبد اللَّه ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقف على قبر الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ويدعو لأبى بكر وعمر، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وقال: عن عبد اللَّه بن دينار ويدعو عن عبد اللَّه بن عمر أنه كان [إذا] أراد سفرا أو قدم من سفر جاء قبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم دعا ثم انصرف، وقال ابن غير: حدثنا محمد بن بشير: حدثنا عبيد اللَّه بن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا قدم من سفر بدأ بقبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيصلي عليه ولا يمس القبر، ثم يسلم على أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثم يقول: السلام عليك يا أبه. الموطن الخامس عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا خرج إلى السوق أو إلى دعوة ونحوهما روى أبو حاتم من حديث معمر: حدثنا عامر بن شقيق، عن أبي وائل، قال: ما رأيت عبد اللَّه جلس في مأدبة ولا جنازة ولا غير ذلك، فيقوم حتى يحمد اللَّه ويثني عليه، ويصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويدعو بدعوات، وإن كان ليخرج إلى السوق فيأتي، أغفلها مكانا فيحمد اللَّه ويصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويدعو بدعوات.   [ (1) ] (الموطأ) : 115، حديث رقم (397) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 132 الموطن السادس عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا قام الرجل من النوم بالليل] خرّج النسائي في (السنن الكبير) من طريق أبي الأحوص: حدثنا شريك عن أبي إسحاق، عن عبيدة: عن عبد اللَّه، قال: يضحك اللَّه- تعالى- إلى رجلين: رجل لقي العدو وهو على فرس من أمثل خيل أصحابه فانهزموا وثبت، فإن قتل استشهد، وإن بقي فذلك الّذي يضحك اللَّه إليه، ورجل قام من جوف الليل لا يعلم به، فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم حمد اللَّه ومجده، وصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واستفتح القرآن، فذلك الّذي يضحك اللَّه إليه، يقول: انظروا إلى عبدي نائما لا يريد أحدا غيري، وخرجه عبد الرزاق من طريق معمر عن أبى إسحاق، عن عبيدة عن أبي مسعود أنه قال: رجلان يضحك اللَّه إليهما فذكر بنحوه. الموطن السابع عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ختم القرآن وفي صلاة التراويح، لأن هذين المحلين محل دعاء] قال الإمام أحمد من رواية أبي الحارث كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده، وقال في رواية يوسف بن موسى، وقد سئل عن الرجل يختم القرآن فيجمع إليه قوم فيدعون، قال: نعم. رأيت معمرا يفعله إذا ختم القرآن، وقال في رواية حرب: استحب إذا ختم الرجل القرآن أن يجمع أهله ويدعو، وقال ابن أبي داود في كتاب (فضائل القرآن) عن الحكم قال: أرسل إليّ مجاهد وعنده أبو لبابة أرسلنا إليك- أبا يزيد- نختم القرآن، وكان يقال: إن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن ويدعو بدعوات، وروى فيه أيضا عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: من ختم القرآن فله دعوة مستجابة، قال: تنزل الرحمة عند ختم القرآن، وروى أبو عبيد القاسم بن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 133 سلام في كتاب (فضل الدعاء) عن قتادة قال: كان بالمدينة رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره على أصحاب له، وكان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يضع عليه الرقباء، فإذا كان عند الختم جاءه ابن عباس فشهده، وقال حنبل: سمعت أحمد- يعنى ابن حنبل- يقول في ختم القرآن قل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وارفع يديك في الدعاء قبل الركوع يعني في التراويح، قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم في مكة، وقال عبس بن عبد العظيم: وكذلك أدركت الناس بالبصرة وبمكة، ويروي أهل المدينة في هذا أشياء، وذكر أيضا عن عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن الفضل بن زياد قال: سألت أبا عبد اللَّه فقلت: أأختم القرآن أجعله في التراويح أو في الوتر؟ قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاءان اثنان، قلت: كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع، وادع بنا ونحن في الصلاة وأطل القيام، قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت، قال: ففعلت كما أمرني، وهو خلفي يدعو قائما ويرفع يديه، وإذا كان هذا من أكبر مواضع الدعاء وأحقها بالإجابة، فهو من أكبر مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. الموطن الثامن عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: [يوم الجمعة] وقد تقدم قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا من الصلاة عليّ في كل جمعة، فإن صلاة أمتى تعرض عليّ في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم عليّ صلاة كان أقربهم منى منزلة، خرجه البيهقي من حديث أبي أمامة يرفعه [ (1) ] . وخرج أيضا عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: أكثروا على من الصلاة يوم الجمعة، فإنه ليس أحد يصلي عليّ يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته، وفي طريقه إسماعيل بن رافع، قال يعقوب بن سفيان:   [ (1) ] سبق تخريجه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 134 يصلح حديثه للشواهد والمتابعات، وقال ابن عدي: حدثنا إسماعيل بن موسى الحاسب، حدثنا جبارة بن مغلس، حدثنا أبو إسحاق الأحمسي، عن يزيد الرقاشيّ عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض علي، وإن كان إسناده ضعيفا فهو محفوظ في الجمعة، ولا يضر ذكره في الشواهد، وقد تقدم حديث أوس بن أوس وقول الحسن عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة. وقال ابن وضاع: حدثنا أبو مروان البزاز، حدثنا ابن المبارك عن أبي شعيب قال: كتب عمر بن عبد العزيز أن انشروا العلم يوم الجمعة فإن غائلة العلم النسيان، وأكثروا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الجمعة. الموطن التاسع عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند القيام من المجلس] قال عبد الرحمن بن حاتم: حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان: حدثنا عثمان بن عمر قال: سمعت سفيان بن سعيد ما لا أحصي إذا أراد القيام يقول: صلى اللَّه وملائكته على محمد وعلى أنبياء اللَّه وملائكته. الموطن العشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند المرور على المساجد ورؤيتها] قال القاضي إسماعيل بن كتبة: حدثنا يحيى بن الحميد: حدثنا يوسف ابن عمر التميمي، عن سليمان العبسيّ، عن على بن حسين قال: قال علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إذا مررتم [على المساجد] فصلوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 135 الموطن الحادي والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند شدة الهم] خرج الترمذي من حديث عبد اللَّه بن عقيل عن الطفيل بن أبيّ بن كعب عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذهب ثلثا الليل قام فذكره، وفيه قلت: يا رسول اللَّه إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذا تكفي همك، ويغفر ذنبك. وقد تقدم. وخرجه ابن أبي شيبة مختصرا عن أبيّ، قال رجل: يا رسول اللَّه، أرأيت صلاتي كلها صلاة عليك، قال: إذا يكفيك اللَّه ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك. الموطن الثاني والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند كتابة اسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم] خرّج أبو الشيخ من طريق أسيد بن عاصم: حدثنا بشر بن عبيد: حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه عن الأعرج عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب، قال أبو موسى: رواه غير واحد عن أسيد كذلك، قال: رواه إسحاق بن وهب العلاف عن بشر ابن عبيد فقال: عن حازم بن بكر عن يزيد عن عياض عن الأعرج، يروى من غير هذين الوجهين أيضا عن الأعرج، وفي الباب عن أبي بكر الصديق وعبد اللَّه بن عباس وعائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وقد تقدم حديث كادح بن رحمة، وقال جعفر بن علي الزعفرانيّ: سمعت خالي الحسن بن محمد يقول: رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقال لي: يا أبا علي لو رأيت صلاتنا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الكتب، كيف تزهد ما بين أيدينا؟ وقال أبو الحسن على: رأيت أبا الحسن بن عبيد في المنام بعد موته- وكان على أصابع يديه شيئا مكتوبا بلون الذهب أو بلون الزعفران- فسألته عن ذلك، فقال: يا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 136 بنى هذا لكتبى لحديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال الخطيب: حدثني مكي بن علي، حدثنا أبو سليمان بن علي الحراني، قال رجل من جواري يقال له الفضل وكان كثير الصوم والصلاة: كنت أكتب الحديث ولا أصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرأيته في المنام، فقال: إذا كتبت اسمي أو ذكرت لم لا تصلي علي؟ ففعلت ذلك، ثم رأيته مرة أخرى، فقال لي: بلغتني صلاتك عليّ فإذا كتبت أو ذكرت، فقل: صلى اللَّه عليه وسلّم، وقال سفيان الثوري: لو لم يكن لصاحب الحديث فائدة إلا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنه يصلي عليه ما دام في ذلك الكتاب اسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال محمد بن أبي سليمان: رأيت أبي في النوم، فقلت: يا أبه ما فعل اللَّه بك؟ قال: غفر لي، قلت: بماذا؟ قال: بكتابتي الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال بعض أهل الحديث كان لي جار مات فرئي في النوم، فقيل له: ما فعل اللَّه بك قال: غفر لي، قيل: بماذا؟ قال: كنت إذا كتبت رسول اللَّه في الحديث قلت: صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال سفيان بن عيينة: حدثنا خلف صاحب الخلفان، قال: كان لي صديق يطلب معى الحديث فمات، فرأيته في منامي- وعليه ثياب خضر يجول فيها، فقلت: ألست كنت معى تطلب الحديث؟ قال: بلى، قلت: فما الّذي أصارك إلى هذا؟ قال: كان لا يمر بى حديث فيه ذكر محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كتبت في أسفله صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكافأني ربنا هذا الّذي ترى. وقال ابن عبد الحكم: رأيت الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في النوم فقلت: ما فعل اللَّه بك؟ قال: رحمني وغفر لي وزفني إلى الجنة كما تزف العروس، ونثر عليّ كما ينثر علي العروس، قلت: بم بلغت هذه الحالة؟ قال: بما في كتاب الرسالة من الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلت: وكيف ذلك؟ قال: وصلى اللَّه على محمد عدد ما ذكره الذاكرون، وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون، قال: فلما أصبحت نظرت في الرسالة، فوجدت الأمر كما رأيت. وقال الخطيب: أنبأنا بشرى بن عبد اللَّه الرومي قال: سمعت محمد ابن الحسين بن محمد بن عبيد العسكري يقول: سمعت أبا إسحاق الدارميّ المعروف بنهشل يقول: كنت أكتب الحديث في تخريجي للحديث: قال النبي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 137 «صلّى اللَّه عليه وسلّم تسليما» ، فرأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في المنام، وكأنه أخذ شيئا مما أكتبه فنظر فيه وقال: هذا جيد. وقد روى أبو موسى في كتابه عن جماعة من أهل الحديث أنهم رؤوا بعد موتهم، فأخبروا أن اللَّه غفر لهم بكتابتهم الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في كل حديث. وقال عباس العنبري وعلي بن المديني: ما تركنا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في كل حديث سمعناه وربما عجلنا، فنبيض الكتاب في كل حديث، حتى نرجع إليه. الموطن الثالث والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند تبليغ العلم إلى الناس مثل التذكير، والقصص، وإلقاء الدرس إلى الناس، وتعليم المتعلم، في أول ذلك، وآخره] روى إسماعيل في كتابه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حسين بن على الجعفي عن جعفر بن برقان، قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد فإن أناسا قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن القصاص قد أحدثوا من الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإذا جاءك كتابي هذا أن تكون صلاتهم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والنبيين، ودعاؤهم للمسلمين عامة، ويدعوا ما سوى ذلك. فاستحبت الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذا الموطن، لأنه موطن تبليغ العلم الّذي جاء به، ونشره في أمته وإلقائه إليهم، وهو أيضا موطن دعوتهم إلى سننه وطريقته، وهذا من أفضل الأعمال وأنفعها للعبد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [ (1) ] ، وقال تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا   [ (1) ] فصلت: 33. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 138 إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [ (1) ] ، سواء كان المعنى أنا ومن اتبعني يدعو إلى اللَّه على بصيرة، أو كان الوقف عند قوله: أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [ (2) ] فالقولان متلازمان، فإنه أمره- سبحانه وتعالى- أن يخبر أن سبيله الدعوة إلى اللَّه، فمن دعا إلى اللَّه- تعالى- فهو على سبيل رسوله وهو على بصيرة، وهو من أتباعه، ومن دع إلى غير ذلك فليس على سبيله، ولا هو على بصيرة، ولا هو من أتباعه، فالدعوة إلى اللَّه تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، وهم خلفاء الرسل في أممهم، والناس تبع لهم، وقد أمر اللَّه- تعالى- رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبلغ ما أنزل إليه وضمن له حفظه وعصمته من الناس، وهكذا المبلغون عنه من أمته لهم من حفظ اللَّه- تعالى- لهم وعصمته إياهم بحسب قيامهم بدينه، وتبليغهم شريعته، وقد أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالتبليغ عنه ولو آية، ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثا، فتبليغ سنته إلى أمته أفضل من تبليغ السهام إلى نحو الأعداء، لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم، كما قال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في خطبته التي ذكرها ابن وضاح في كتاب (الحوادث والبدع) : الحمد للَّه الّذي امتنّ على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويحيون بكتاب اللَّه من مات من أهل العمى، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وضال تائه قد هدوه، وبذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس فيهم، يقتلونهم في سالف الدهر وإلى يومنا هذا، فما نسيهم ربك وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [ (3) ] جعل قصصهم هدى، وأخبر عن مقالتهم فلا تقمر عنهم، فإنّهم في منزلة رفيعة، وإن أصابتهم الوضيعة. وقال عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن لك عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من أوليائه يذب عنها، وينطق بها، ويكفي في   [ (1) ] يوسف: 108. [ (2) ] يوسف: 108. [ (3) ] مريم: 64. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 139 هذا قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لأن يهدى بك اللَّه رجلا واحدا خير لك من حمر النعم، وقوله: من أحيا شيئا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين، وضم ما بين إصبعيه، وقوله: من دعا إلى هدى فاتبع عليه كان له مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة، فمتى يدرك العامل هذا الفضل العظيم والحظ الجسيم بشيء من عمله، وإنما ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم. فحقيق بالمبلغ عن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أقامه اللَّه- تعالى- في هذا المقام أن يفتتح وقت تبليغه بحمد اللَّه- تعالى- والثناء عليه وتحميده والاعتراف له بالوحدانية، وتعريف حقوقه على العباد ثم الصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي هدى اللَّه به عباده، وأنقذهم باتباعه من النار، ثم يختم أيضا بالصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ليكون قد قام ببعض ما يجب له صلّى اللَّه عليه وسلّم من حقوقه الأكيدة. الموطن الرابع والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أول النهار وآخره] خرّج الطبراني من حديث بقية بن الوليد: قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني: قال: سمعت خالد بن معدان عن أبي الدرداء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلي عليّ حين يصبح عشرا، وحين يمسي عشرا، أدركته شفاعتي يوم القيامة، قال أبو موسى المديني: رواه عن بقية غير واحد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 140 الموطن الخامس والعشرون من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: [عقيب الذنب، فإن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم كفارة] خرّج ابن أبي عاصم في كتاب (الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) من طريق شبابة: حدثنا مغيرة عن أبي إسحاق عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا عليّ فإن الصلاة عليّ، كفارة لكم، فمن صلّى عليّ مرة صلى اللَّه عليه عشرا، والكفارة تتضمن محو الذنوب. وخرّج من طريق محمد بن إشكاب، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا الفضل بن عطاء، عن الفضل بن شعيب عن أبى منصور، عن أبي معاذ، عن أبي كاهل، قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا كاهل من صلّى عليّ كل يوم ثلاث مرات وكل ليلة ثلاثا، حبا وشوقا إليّ، كان حقا على اللَّه أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم. وخرج أبو الشيخ في كتاب (الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) من طريق ليث ابن أبي سليم عن نافع بن كعب عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا عليّ فإن الصلاة عليّ زكاة لكم. ورواه ابن أبي شيبة عن ابن فضل عن ليث عن كعب عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، والزكاة تتضمن النماء والبركة والطهارة فاقتضت هذه الأحاديث بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تحصل بها طهارة النفس من رذائلها، ويثبت لها النماء والزيادة في كمالاتها وفضائلها، وإلى هذا يرجع كمال النفس، فعلم أن بالصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحصل للنفس الكمال، فإن الصلاة عليه من لوازم محبته ومتابعته وتقديمه على كل من سواه من المخلوقين صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 141 الموطن السادس والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند إلمام الفقر والحاجة، أو خوف وقوعهما] خرّج أبو نعيم من طريق ابن الحسين بن سماعة: حدثنا أبو نعيم: حدثنا فطر بن خليفة، عن جابر بن سمرة عن أبيه قال: كنا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه، ما أقرب الأعمال إلى اللَّه- عز وجل؟ قال: صدق الحديث، وأداء الأمانة، قلت: يا رسول اللَّه- زدنا، قال: صلاة الليل، وصوم الهواجر، قلت: يا رسول اللَّه زدنا. قال: كثرة الذكر، والصلاة عليّ تنفى الفقر، قلت: يا رسول اللَّه زدنا، قال: من أم قوما فليخفف، فإن فيهم الكبير والعليل والضعيف وذا الحاجة. الموطن السابع والعشرون من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [عند خطبة الرجل المرأة] روى إسماعيل بن أبي زياد عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [ (1) ] الآية، قال: بمعنى أنّ اللَّه- تعالى- يثني على نبيكم ويغفر له، وأمر الملائكة بالاستغفار له صلّى اللَّه عليه وسلّم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً أثنوا عليه في صلاتكم، ومساجدكم، وفي كل موطن، وفي خطبة النساء لا تنسوه.   [ (1) ] الأحزاب: 56. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 142 الموطن الثامن والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند العطاس] خرّج الطبراني من حديث سهل بن صالح الأنطاكي: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان عن موسى عن نافع قال: رأيت ابن عمر- وقد عطس رجل إلى جانبه- فقال: الحمد للَّه والسلام على رسول اللَّه، فقال ابن عمر: وأنا أقول: السلام على رسول اللَّه! ولكن ليس هكذا أمرنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا عطسنا إنما أمرنا أن نقول: الحمد للَّه على كل حال، قال الطبراني: لم يروه عن سعيد إلا الوليد تفرد به سهل. ورواه الترمذي [ (1) ] عن حميد بن مسعدة: حدثنا زياد بن الربيع: حدثني حضرمي من آل الجارود عن نافع: أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر، فقال: الحمد للَّه والسلام على رسول اللَّه، قال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد للَّه والصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولكن هكذا علمنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم علمنا أن نقول: الحمد للَّه على كل حال، قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زياد بن الربيع. قال أبو موسى المديني: روي عن نافع أيضا عن ابن عمر خلاف ذلك، ثم ذكر من حديث عبد اللَّه بن أحمد، حدثنا عباس بن زياد الأسدي، حدثنا زهير عن إسحاق عن نافع، قال: عطس رجل عند ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال له ابن عمر: لقد بخلت، هلّا حيث عطست حمدت اللَّه، صليت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فذهب إلى جماعة منهم أبو موسى المديني وغيره، ونازعهم في ذلك آخرون، قالوا: لا تستحب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند العطاس وإنما هو موضع حمد اللَّه وحده، ولم يشرع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند العطاس حمد اللَّه والصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإن كانت من أفضل الأعمال، ولكل ذكر موطن يخصه لا يقوم غيره مقامه فيه. ولهذا لم تشرع الصلاة عليه   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 76، كتاب الأدب، باب (2) ما يقول العاطس إذا عطس، حديث رقم (2738) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 143 صلّى اللَّه عليه وسلّم في الركوع ولا السجود ولا الاعتدال من الركوع، وشرعت في التشهد الأخير، إما مشروعية وجوب أو استحباب، وقد روي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا تذكروني عند ثلاث: عند تسمية الطعام، وعند الذبح؟ وعند العطاس. وردّ هذا بأنه حديث لا يصح، فإنه من حديث سليمان بن عيسى السنجري عن عبد الرحمن بن زيد العمى عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكره، وله ثلاث علل: إحداها: تفرد سليمان بن عيسى به [ (1) ] قال البيهقيّ: وهو في عداد من يضع الحديث. الثانية: ضعف عبد الرحمن العمي [ (2) ] . الثالثة: انقطاعه. الموطن التاسع والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بعد الفراغ من الوضوء] روى أبو الشيخ من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل: حدثنا محمد بن جابر عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله، ثم ليصل عليّ، فإذا قال كذلك فتحت له أبواب الرحمة [ (3) ] ، وهذا حديث مشهور له طرق عن عمر بن الخطاب، وعقبة بن عامر، وثوبان، وأنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وليس في شيء منها ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا في   [ (1) ] هو سليمان بن عيسى، قال يحى بن سعيد، حدثنا أبى حدثنا سليمان بن عيسى عن جده موسى ابن طلحة: أسرت يوم الجمل فأتى بى على. ترجمته في: (التاريخ الكبير) : 2/ 2/ 30، ترجمة رقم (1865) ، (الثقات) : 6/ 394. [ (2) ] هو عبد الرحمن بن عبد الوهاب العمي البصري الكوفي، ذكره ابن حبان في (الثقات) ، وقال: مستقيم الحديث. (تهذيب التهذيب) : 6/ 202، ترجمة رقم (451) ، (الثقات) . [ (3) ] (جمع الجوامع) : حديث رقم (2237) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 144 هذه الرواية وروى ابن أبي عاصم في كتابه من حديث رحيم حدثنا ابن أبي فديك، حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده يرفعه، لا وضوء لمن لا يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] ، وعبد المهيمن لا يحتج به. الموطن الثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند دخول المنزل] روى أبو عيسى المديني من حديث أبى صالح بن المهلب عن أبي بكر ابن عمر أنه قال: حدثني محمد بن عباس بن الوليد: حدثني عمر بن سعد: حدثنا ابن أبي ذئب: حدثني محمد بن عجلان عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فشكا إليه الفقر، وضيق المعيشة أو المعاش، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا دخلت منزلك فسلم إذا كان فيه أحد أو لم يكن فيه أحد، ثم سلّم عليّ واقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مرة واحدة ففعل الرجل ذلك، فأدر اللَّه عليه الرزق وعلى جيرانه وقرابته [ (2) ] . الموطن الحادي والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: في كل موطن يجتمع فيه لذكر اللَّه تعالى] لحديث مسلم بن إبراهيم الكشني، قال: حدثنا عبد السلام بن عجلان: حدثنا أبو عثمان النهدي: عن أبى هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: إن للَّه سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر قال بعضهم لبعض: اقعدوا فإذا دعا القوم أمنوا على دعائهم فإذا صلوا على النبي   [ (1) ] (كنز العمال) : 9/ 322، حديث رقم (26239) ، وعزاه إلى الطبراني عن سهل بن سعد. [ (2) ] (إتحاف السادة المتقين) : 6/ 274. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 145 صلّى اللَّه عليه وسلّم صلوا معهم حتى يفرغوا، ثم يقول بعضهم لبعض: طوبى- لهؤلاء يرجعون مغفورا لهم [ (1) ] ، وأصله في مسلم. الموطن الثاني والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا نسي العبد شيئا وأراد ذكره] خرج أبو موسى المديني من طريق محمد بن عتاب المروزي: حدثنا سعدان بن عبيدة أبو سعيد المروزي: حدثنا عبيد اللَّه بن عبد اللَّه العتكيّ، عن أنس بن مالك- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا نسيتم شيئا فصلوا على تذكروه إن شاء اللَّه- تعالى، قال الحافظ أبو موسى وقد ذكرناه من غير هذا الطريق في كتاب (الحفظ والنسيان) .   [ (1) ] (حلية الأولياء) : 6/ 286، ترجمة زياد بن عبد اللَّه النميري رقم (374) من حديث أنس ابن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إن للَّه سيارة من الملائكة، يطلبون حلق الذكر، فإن أتوا عليهم حفوا بهم، ثم يبعثون رائدهم إلى السماء إلى رب العزة، فيقولون: يا ربنا أتينا على عباد من الصالحين من عبادك، يعظمون آلاءك ويتلون كتابك، ويصلون على نبيك، ويسألونك لآخرتهم ودنياهم، فيقول ربنا- تعالى: غشوهم رحمتي، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، وفي (كنز العمال) : 1/ 434، حديث رقم (1876) ، وعزاه إلى ابن النجار، عن أبي هريرة بلفظ (الأصل) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 146 الموطن الثالث والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند الحاجة تعرض للعبد] روى أبو موسى المديني من طريق إبراهيم بن الأشعث الخراساني حدثنا عبد اللَّه بن سنان بن عقبة بن أبي عائشة، عن أبى سهل بن مالك عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ مائة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم، قضى اللَّه له مائة حاجة، عجل له منها ثلاثين حاجة، وأخّر له سبعين، وفي المغرب مثل ذلك، قيل: وكيف الصلاة عليك يا رسول اللَّه؟ قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] . اللَّهمّ صلّ عليه حتى تبلغ مائة [ (2) ] . وقال إبراهيم بن الجنيد، حدثنا إسماعيل بن جريح بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبى عبيد عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إذا أردت أن تسأل اللَّه حاجة، فابدأ بالمدح والتمجيد والثناء على اللَّه عز وجل بما هو أهله، ثم صل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم ادع بعد، فإن ذلك أحرى أن تصيب حاجتك. وتقدم حديث فضالة بن عبيدة وحديث أبيّ بن كعب، وتقدم أيضا من طريق الترمذي حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى يرفعه: من كانت له إلى اللَّه حاجة أو إلى أحد من خلقه. الحديث [ (3) ] . وخرجه الطبراني، وخرج الحافظ أبو موسى المديني من طريق محمد بن عبيد: حدثنا عباس بن بكار: حدثنا أبو بكر   [ (1) ] الأحزاب: 56. [ (2) ] (كنز العمال) : 1/ 506- 507، حديث رقم (2237) وعزاه إلى البيهقي في (الشعب) وابن عساكر عن أنس، وحديث رقم (2242) وعزاه إلى الديلميّ عن حكامة عن أبيها عن عثمان بن دينار، عن أخيه مالك بن دينار عن أنس، كلاهما بمعنى حديث (الأصل) مع اختلاف في السند والسياقة. [ (3) ] سبق تخريجه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 147 الهزلي: حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليّ في كل يوم مائة مرة قضى اللَّه- تعالى- له مائة حاجة، سبعين منها لآخرته، وثلاثين لدنياه، قال: هذا حديث حسن [ (1) ] . الموطن الرابع والثلاثون من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند طنين الأذن خرّج الطبراني من طريق معمر بن محمد بن عبد اللَّه بن أبى رافع، قال: أخبرني أبي محمد عن أبيه عبد اللَّه عن أبي رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا طنت أذن أحدكم فليذكرنى ويصلّ على، قال الطبراني: لا يروى عن أبي رافع إلا بهذا الإسناد تفرد به معمر بن محمد. وخرّجه محمد بن إسحاق بن خزيمة عن معمر بن محمد، ولفظه: إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي، وليقل: ذكر اللَّه من ذكرني بخير. رواه ابن أبي عاصم في كتابه من طريق حسان بن عدي، حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن أبى رافع عن أبيه عن جده، ولفظه: إذا طنت أذن أحدكم فليصلّ عليّ وليقل: ذكر اللَّه بخير من ذكرني ... وفي رواية: ذكر اللَّه من ذكرني بخير [ (2) ] .   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] رواه العقيلي عن أبى رافع مرفوعا. قيل: هو موضوع، وهو كذلك، والخبر مداره على محمد بن عبيد اللَّه بن أبى رافع، وهو هالك ومع ذلك اختلف عنه، وفي أسانيده والأسانيد إليه كلام، وروى بسند ضعيف عن علي بن أبى رافع عن جده، وعلى يقال له: على بن عبيد اللَّه ويقال: عبيد اللَّه بن علي، ولم يوثق توثيقا معتبرا، ولا أدرك جده، فإن صح عنه هذا، فكأنه أخذه من قريبه محمد. (الفوائد المجموعة) : 224، حديث رقم (20) . قال العجلوني: رواه الطبراني، وابن السني، والخرائطي، وآخرون، عن أبي رافع مرفوعا وسنده ضعيف، بل قال العقيلي: لا أصل له لكن قال الزرقاني كالمناوي، وتعقب بأن الحافظ نور الدين الهيثمي قال: إسناد الطبراني في (الكبير) حسن. وقد رواه ابن خزيمة في- الجزء: 11 ¦ الصفحة: 148 الموطن الخامس والثلاثون من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عقيب الصلوات ذكر الحافظ أبو موسى المديني من طريق عبد الغنى بن سعيد، قال: سمعت إسماعيل بن أحمد الحاسب، قال: أخبرني أبو بكر محمد بن عمر، قال: كنت عند أبي بكر بن مجاهد فجاء الشبلي فقام إليه ابن مجاهد وعانقه وقبّل بين عينيه، فقلت له: يا سيدي تفعل هذا بالشبلي وأنت وجميع من ببغداد يتصورون أنه مجنون؟ فقال لي: فعلت به كما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعل به، وذلك أنى رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المنام، وقد أقبل الشبلي فقام إليه وقبل بين عينيه، فقلت يا رسول اللَّه أتفعل هذا بالشبلي؟ فقال: هذا يقرأ بعد صلاته: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ [ (1) ] إلى آخرها ويتبعها بالصلاة عليّ.   [ () ] صحيحه عن أبى رافع، وهو ممن التزم الصحيح، وبه شنعوا على ابن الجوزي في زعمه أنه موضوع. (كشف الخفا ومزيل الالتباس) : 1/ 102- 103، حديث رقم (292) . قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قال يحيى بن معين: عبيد اللَّه ليس بشيء، وقال محمد بن طاهر: هو متروك الحديث، وقال البخاري: معمر وأبوه كلاهما: منكر الحديث (الموضوعات) : 3/ 76، باب ما يقال عند طنين الأذن. قال العلامة نور الدين على بن محمد بن سلطان، المشهور بالملا على القارئ: فكل حديث في طنين الأذن كذب، قلت: رواه الحكم، وابن السني، والطبراني، والعقيلي، وابن عدي عن أبي رافع، كذا في (الجامع الصغير) للسيوطي، والتزم أن لا يكون فيه موضوع، وذكره ابن الجزري أيضا في (الحصن) والتزم أن لا يكون فيه إلا الصحيح، (الأسرار المرفوعة) : 441، وقال محققه: هيهات أن يكون المؤلفون قادرين على أن يحققوا ما اشترطوه في مقدماتهم دائما. [ (1) ] التوبة. 128. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 149 وفي رواية: أنه لم يصل صلاة فريضية إلا ويقرأ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [ (1) ] إلى آخر السورة. ويقول: صلى اللَّه عليك يا محمد ثلاث مرات. قال: فلما دخل الشبلي سألته عما يذكر بعد صلاته فذكر مثله. الموطن السادس والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : عند الذبيحة وقد اختلف في ذلك فاستحبها الشافعيّ- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: التسمية عند الذبيحة: بسم اللَّه، فإن زاد بعد ذلك شيء من ذكر اللَّه فالزيادة خير، ولا إكراه مع تسميته على الذبيحة أن يقول: صلى اللَّه على رسول اللَّه بل أحبه له، وأحب أن يكثر الصلاة عليه على كل الحالات، لأن ذكر اللَّه تعالى بالصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إيمانا باللَّه وعبادة لم يؤاخذ عليها- إن شاء اللَّه تعالى- من قالها. وقد ذكر عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه كان مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتقدمه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتابعه فوجده عبد الرحمن ساجدا، فوقف ينتظره فأطال، ثم رفع، فقال عبد الرحمن: لقد خشيت أن يكون اللَّه قبض روحك في سجودك قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عبد الرحمن لما كنت حيث رأيت، لقيني جبريل فأخبرني عن اللَّه- تعالى- أنه قال: من صلّى عليك صليت عليه فسجدت للَّه شكرا، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من نسي الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة، وبسط- رحمه اللَّه- الكلام في هذا، ونازعه في ذلك آخرون من الحنفية، وكرهوا الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذا الموطن، كما ذكره صاحب (المحيط) ، وقال: لأن فيه إيهام الإهلال لغير اللَّه، وكرهها أيضا من أصحاب أحمد القاضي أبو يعلى. كما ذكر ذلك أبو الخطاب في (رءوس المسائل) ، واحتج لهذا لما رواه الخلال من حديث معاذ بن جبل عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: موطنان لا حظ لي   [ (1) ] التوبة. 128. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 150 فيهما: عند العطاس، والذبح، وبما تقدم من حديث عبد الرحمن بن زيد العمى عن أبيه وهو غير ثابت [ (1) ] . الموطن السابع والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : إذا مر وهو يقرأ في الصلاة بذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم أو بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (2) ] روى إسماعيل بن إسحاق من طريق بشر بن منصور، عن هشام، عن الحسن، قال: إذا مر في الصلاة على ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فليقف وليصل عليه في التطوع، وقال الإمام أحمد: إذا مر المصلى فيها بذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإن كان في نفل صلّى عليه. الموطن السادس والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : عند عدم المال فإن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم تقوم مقام الصدقة، روى ابن وهب، عن عمر، عن عمرو بن الحارث، عن دراج أبى السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيما رجل لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه: اللَّهمّ   [ (1) ] (كنز العمال) : 1/ 509، حديث رقم (2255) : لا تذكروني عند ثلاث: تسمية طعامكم، وعند الذبح، وعند العطاس، وعزاه إلى البيهقي في (السنن) ، وضعفه، عن عبد الرحمن بن زيد العمي، عن أبيه مرسلا. وحديث رقم (2256) : لا تذكروني في ثلاث مواطن، عند العطاس، وعند الذبيحة، وعند التعجب، وعزاه إلى الحاكم في (تاريخه) . [ (2) ] الأحزاب: 56. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 151 صلّ على محمد عبدك ورسولك، وصلّ على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، فإنّها زكاة [ (1) ] . الموطن التاسع والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : عند النوم روى أبو الشيخ في كتابه من طريق آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا محمد بن بشر: حدثنا محمد بن عامر: قال: قال أبو قرصافة: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: من أوى إلى فراشه ثم قرأ: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [ (2) ] ، ثم قال: اللَّهمّ رب الحل والحرام، ورب البلد الحرام، ورب الركن والمقام، ورب المشعر الحرام، بحق كل آية أنزلتها في شهر رمضان، بلغ روح محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم منى تحية وسلام- أربع مرات، وكلّ اللَّه تعالى بها ملكين، حتى يأتيا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويقولان له: يا محمد إن فلان بن فلان يقرأ عليك السلام ورحمة اللَّه فيقول: وعلى فلان منى السلام ورحمة اللَّه، وبركاته [ (3) ] ، ومحمد بن بشر المدني قال فيه الأزدي: متروك الحديث مجهول، ولهذا الحديث- مع ذلك- علة، وهي أنه معروف من قول أبي جعفر محمد الباقر.   [ (1) ] (شعب الإيمان) : 2/ 86، باب (13) التوكل والتسليم، حديث رقم (1231) ، عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «أيما رجل كسب مالا من حلال، فأطعم نفسه، أو كساها فمن دونه من خلق اللَّه، فإنّها زكاة له، وأيما رجل مسلم لم يكن له عنده صدقة فليقل في دعائه: اللَّهمّ صلّ على محمد عبدك ورسولك، وصلّ على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، فإنّها زكاة له. أخرجه البيهقي من طريق ابن عدي في (الكامل) : 3/ 980- 981. [ (2) ] الملك: 1، والمراد هنا قراءة سورة الملك كلها قبل النوم، إن صح. [ (3) ] (كنز العمال) : 15/ 346- 347، حديث رقم (41320) وعزاه إلى أبي الشيخ في (الثواب) ، والضياء المقدس، وقال: غريب جدا عن أبي قرصافة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 152 الموطن الأربعون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : عند كل كلام ذي بال وفي هذا الموطن يشرع حمد اللَّه- تعالى- والثناء عليه، ثم يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، خرج الإمام أحمد [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: كل كلام لا يبدأ فيه بحمد اللَّه- تعالى- فهو أجزم. وروى أبو موسى المدني، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كل كلام لا يذكر اللَّه فيبدأ به وبالصلاة عليّ، فهو أقطع ممحوق من كل بركة.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 43، حديث رقم (8495) من مسند أبى هريرة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ولفظه: «كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر اللَّه عز وجل فهو أبتر، أو قال: أقطع. [ (2) ] (سنن أبي داود) : 5/ 172، كتاب الأدب، باب (21) الهدى في الكلام، حديث رقم (4840) ، قال الخطابي: قوله: «أجزم» : معناه المنقطع الأبتر، الّذي لا نظام له، وفسره أبو عبيد فقال: الأجزم: المقطوع اليد، وقال ابن قتيبة: الأجزم بمعنى المجزوم، في قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «من تعلم القرآن ثم نسيه لقي اللَّه وهو أجزم» . وفي نسخة: «لا يبدأ فيه بحمد اللَّه» . وأخرجه ابن ماجة في النكاح، حديث رقم (1894) باب في خطبة النكاح، وقال فيه: «أقطع» قال المنذري: وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 153 الموطن الحادي والأربعون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : في صلاة العيد روى القاضي إسماعيل في كتابه من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا هشام الدستوائى: حدثنا حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوما فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا، فكيف التكبير فيه؟ قال عبد اللَّه بن مسعود: تبدأ فتكبر تكبيرة الفتح تفتح بها الصلاة، وتحمد ربك، وتصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم تدعو وتكبر فتفعل مثل ذلك، وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ ثم تكبر، وتركع ثم تقوم، وتقرأ، وتحمد اللَّه، وتصلى على النبي محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تركع، فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن. وفي هذا الحديث الموالاة بين القراءتين، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية عنه، وفيه تكبيرات العيد الزوائد ثلاثا في كل ركعة، وإليه ذهب أبو حنيفة، وفيه حمد اللَّه والثناء عليه، والصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو مذهب الشافعيّ وأحمد، فأخذ أبو حنيفة- رحمه اللَّه- به في عدد التكبيرات، والموالاة بين القراءتين. وأخذ به الشافعيّ وأحمد- رحمهما اللَّه- في استحباب الذكر بين التكبيرات، وأبو حنيفة ومالك- رحمهما اللَّه- يستحبان سرد التكبيرات من غير ذكر بينهم، ومالك لم يأخذ به في هذا ولا هذا، ولبسط هذه المسألة موضع غير هذا، واللَّه الموفق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 154 الثامنة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن من صلّى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم نال من اللَّه تعالى أربعين كرامة بصلاته عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أولها: امتثاله أمر اللَّه- تعالى. ثانيها: موافقته للَّه تعالى- في الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإن اختلفت الصلاتان فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة اللَّه عليه ثناء وتشريف. ثالثها: موافقة الملائكة في الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم. رابعها: حصول عشر صلوات من اللَّه- تعالى- للمصلى عليه مرة واحدة. خامسها: أن اللَّه- تعالى- يرفع له بالصلاة عليه عشر درجات. سادسها: أنه يكتب له عشر حسنات. سابعها: أنه يمحى عنه عشر سيئات. ثامنها: أنه ترجى إجابة دعوته، إذا قدم الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمام دعائه فالصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم تصعد بالدعاء إلى اللَّه تعالى، وقد كان موقوفا بين السماء والأرض قبلها. تاسعها: أنها سبب لشفاعته صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قرنها بسؤاله الوسيلة له أو أفردها. عاشرها: أنها سبب لمغفرة الذنوب. روى رشدين بن سعد، حدثنا معاوية بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن عليّ، عن أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أمحق للخطايا من الماء للنار، والسلام على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل من عتق الرقاب، وحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل من ضرب بالسيف في سبيل اللَّه عز وجل. الحادية عشرة: أنها سبب لكفاية اللَّه- تعالى- المصلّي عليه ما أهمه. الثانية عشرة: أنها سبب لقرب المصلي عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم منه يوم القيامة. الثالثة عشرة: أنها تقوم للمصلي المعسر مقام الصدقة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 155 الرابعة عشرة: أنها سبب لقاء الحوائج. الخامسة عشرة: أنها سبب لصلاة- اللَّه سبحانه وتعالى- وملائكته على المصلى عليه. السادسة عشرة: أنها زكاة وطهارة للمصلي عليه. السابعة عشرة: أنها سبب لبشارة المصلي عليه بالجنة قبل موته. الثامنة عشرة: أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة. التاسعة عشرة: أنها سبب لردّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلاة والسلام على من صلّى عليه وسلّم صلّى اللَّه عليه وسلّم. الكرامة العشرون: أنها سبب لتذكر المصلي ما نسيه. الحادية والعشرون: أنها سبب لطيب مجلس المصلي عليه، وأنه لا يعود حسرة عليه وعلى من كان معه يوم القيامة. الثانية والعشرون: أنها تنفى الفقر. الثالثة والعشرون: أنها تنفى عن المصلي عليه إذا ذكر اسم البخل. الرابعة والعشرون: نجاة المصلي عليه عند ذكره من الدعاء عليه برغم الأنف. الخامسة والعشرون: أنها ترمى بالمصلي عليه على طريق الجنة، وتخطئ بتاركها عن طريقها. السادسة والعشرون: أنها تنجى من نتن المجلس. السابعة والعشرون: أنها سبب لتمام الكلام الّذي تبدأ فيه مع حمد اللَّه- تعالى. الثامنة والعشرون: أنها سبب لزيادة نور المصلي عليه إذا جاز على الصراط. التاسعة والعشرون: أنها تخرج المصلي عليه من الجفاء والكراهة له صلّى اللَّه عليه وسلّم. الكرامة الثلاثون: أنها سبب لإلقاء اللَّه- تعالى- الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض، لأن المصلى عليه طالب من اللَّه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 156 - تعالى- أن يثنى على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل، فلا بد أن ينال المصلى عليه نوعا من ذلك. الحادية والثلاثون: أنها سبب للبركة في ذات المصلي، وفي عمله، وفي عمره، وفي أسباب مصالحه، لأنه داع ربه أن يبارك على نبيه وعلى آله، وهذا الدعاء مستجاب، والجزاء من جنسه. الثانية والثلاثون: أنها سبب لنيل المصلي عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحمة اللَّه له، لأن الرحمة إما معنى الصلاة، وإما من لوازمها وموجباتها، فلا بد للمصلي عليه من رحمة تناله. الثالثة والثلاثون: أنها سبب لدوام محبة المصلي عليه له وزيادتها وتضاعفها، وقد تقرر أن محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم عقد من عقود الإيمان الّذي لا يتم بدونه، وذلك أن العبد كلما أكثر من ذكر محبوبه، ومن استحضاره في قلبه، واستجلاء محاسنه، وتذكر معانيه الجالبة لحبه، تضاعف حبه، وتزايد شوقه إليه، واستولى على قلبه بأسره، وإن أعرض عن ذكره، وإحضاره قلبه، وغفل عن تذكر محاسنه، تناقص حبه من قلبه. ومن المعلوم عند كل أحد أنه لا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أسر لقلبه من ذكره وتذكر معانيه واستجلائه لجمال محياه وتصوره محاسنه، فإذا قوى ذلك في قلب المحب، جرى لسانه بمدح محبوبه والثناء عليه، وبث محاسنه بحسب زيادة حبه ونقصانه. ولما كانت كثرة ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم موجبة بدوام محبته ونسيانه سببا لزوال محبته أو ضعفها، وكان اللَّه- سبحانه وتعالى- هو المستحق من عباده نهاية المحبة ومع غاية التعظيم والإجلال، لكان ذكره تعالى أنفع. أما للعبد فإن الذكر للقلب كالماء للزرع، بل كالماء للسمك، لا حياة له إلا به، وكانت محبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تابعة لمحبته- تعالى. الرابعة والثلاثون: أنها سبب لمحبته صلّى اللَّه عليه وسلّم للمصلي عليه، فإنّها لما كانت سببا لزيادة محبة المصلى عليه له، كانت سببا لمحبته هو المصلى عليه. الخامسة والثلاثون: أنها سبب لهداية المصلي عليه وإحياء قلبه، فإنه كلما أكثر من ذكره ومن الصلاة عليه استولت محبته على القلب حتى لا يبقى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 157 فيه شك لما جاء به بكليته على امتثال ما أمر به واتباع سنته، كأنما صارت سنته كتابا مستورا في قلبه، لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله، ويقتبس الهدى والصلاح وجميع العلوم منه، فكلما ازداد في ذلك بصيرة وقوة ومعرفة، تزايدت صلاته وسلامه عليه، ولهذا كان فرق عظيم بين صلاة أهل العلم عليه القائمين بشريعته، العارفين بسنته وهديه المتبعين له، وبين صلاة العوام عليه، الذين حظهم منها إزعاج أعضائهم، وبها رفع أصواتهم، فصلاة العارفين بسنته عليه العالمين بما جاء به، نوع آخر، فكلما ازدادوا معرفة بما جاء به، ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة من اللَّه- تعالى. فكلما كان العبد أعرف باللَّه- تعالى، وله- تعالى- أطوع، وله أحب مما سواه، كان ذكره له- تعالى- غير ذكر الغافلين اللاهين، وهذا أمر إنما يعرف بالذوق لا بالوصف، وفرق بين من يذكر صفات محبوبه الّذي قدم ملأ حبه جميع قلبه، ويثنى عليه ويمجده بها، وبين من حظه من ذكره التلفظ بما لا يدرى معناه، فلا يطابق فيه قلبه لسانه، كما أنه فرق بين بكاء النائحة وبكاء الثكلى. فذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر ما جاء به حمدا للَّه- تعالى- على إنعامه علينا، ومنّه بإرساله هو حياة الوجود، وروحه روح المجالس، ذكره وحديثه، وهدى لكل حيران، وإذا أخل بذكره في مجلس فأولئك الأموات في الجثمان. السادسة والثلاثون: أنها سبب لعرض اسم المصلى عليه وذكره عنده. السابعة والثلاثون: أنها سبب لتثبيت أقدام المصلى عليه على الصراط، لحديث سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة في رؤيا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وفيه: ورأيت رجلا من أمتى يرجف على الصراط، ويحبو أحيانا، فجاءته صلاته عليّ فأقامته وأنقذتة، وسيأتي بطوله إن شاء- اللَّه تعالى- في مقامه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الثامنة والثلاثون: أن المصلى عليه يؤدى بصلاته عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقل القليل من حقه، ويقوم بأيسر اليسير من شكره على نعمته، التي أنعم اللَّه- تعالى- بها عليه في بعثته إلينا وهدايتنا به، فإن الّذي يستحقه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك لا يحصى علما ولا قدرة منا ولا إرادة، ولكن اللَّه- تعالى- من كرمه يرضي من عبادة باليسر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 158 التاسعة والثلاثون: أنها متضمنة لذكر اللَّه- تعالى- وشكره ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله صلّى اللَّه عليه وسلّم فالمصلي عليه قد تضمنت صلاته عليه ذكر اللَّه- تعالى- وذكر رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسؤاله- تعالى- أن يجزيه بصلاته عليه ما هو عليه كما عرفنا ربنا- تعالى- وأسماءه وصفاته، وهدانا إلى طريق مرضاته تعالى، وعرفنا ما لنا بعد الوصول إليه والقدوم، فهي متضمنة للايمان كله، من وجود الرب المدعو سبحانه، وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وكلامه، وإرساله رسوله، وتصديقه فيما أرسل به كله وكمال صحبته صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهذه هي أصول الإيمان، والصلاة عليه متضمنة لعلم المصلي عليه ذلك وتصديقه به، ومحبته له، فكانت- من أجل ذلك- من أجلّ الأعمال. الكرامة الأربعون: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المصلي عليه دعاء، وقد انقسم دعاء العبد وسؤاله ربه- تعالى- نوعين. أحدهما: سؤاله حوائجه ومهماته وما ينوبه في الليل والنهار، فهذا دعاء وسؤال، وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبة. والثاني: سؤال العبد ربه- تعالى- أن يثنى على رسول وخليله وحبيبه وأن يزيد في تشريفه وقدره كرامته وإشادة ذكره ورفعه، ولا ريب أن اللَّه- تعالى- يحب ذلك، ورسوله أيضا يحبه، وفي هذا النوع من الدعاء يكون العبد قد آثر ما يحبه اللَّه ورسوله على طلبه حوائجه هو، بل كان هذا المطلوب من أحب الأمور إليه وآثرها عنده فقد آثر ما يحبه اللَّه ورسوله على ما يحبه هو ومن آثر اللَّه ومحابه على ما سواه، كان جزاؤه من جنس عمله، فدخل في زمرة من آثرة على غيره، ويا لها من رتبة، ما أجلها وأعلاها، واعتبر هذا بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم، إذا أرادوا التقرب إليهم، والمنزلة عندهم، فإنّهم يسألون المطاع أن ينعم على من يعلمونه أحب إليه، وكلما سألوه أن يزيد في وكرمه وتشريفه، علت منزلتهم عنده، وازداد قربهم منه، وحظوتهم عنده، لأنهم يعلمون منه إرادة الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوبه، فأحبهم إليه أشدهم له سؤالا، ورغبة أن يتم عليه إنعامه وإحسانه ومراده، وهذا أمر مشاهد بالحس. ولا تكون منزلة هؤلاء، ومنزلة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 159 من يسأل المطاع حوائجه منزلة واحدة، فكيف بأعظم محب وأجله لأكرم محبوب وأحقه بمحبة ربه؟ ولو لم يكن من فوائد الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا هذا المطلوب وحده لكفى المؤمن به شرفا فكيف ومعها أخواتها؟ واعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد خصه اللَّه- تعالى- من مزايا الشرف الرفيع بأن جعل له الأجر الزائد على أجر عمله مثل أجور من اتبعه منذ ابتعثه إلى قيام الساعة، فشرفه صلّى اللَّه عليه وسلّم الشرف الّذي لا فوقه غاية، ولا له نهاية، وصلاة أمته وسلامهم عليه ليس له فيها شيء يجدد، ولا شرف يتعدد، وإنما هي فضل من اللَّه يعود على أمته بتكفير سيئاتهم، ومحو خطيئاتهم، وزيادة حسناتهم، وارتفاع درجاتهم، ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [ (1) ] ، فمن دعا إلى سنته صلّى اللَّه عليه وسلّم وأرشد إلى دينه وعلم الخير أمته، إذا قصد توفير هذا الحظ على المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم وصرفه إليه، وقصد بدعائه الخلق إلى اللَّه أن يتقرب إلى اللَّه- تعالى- بإرشاد عباده، وأن يوفر أجور المطيعين له على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ذلك أرفع لقدره، وأعظم لأجره، فإن اللَّه- تعالى- يثيبه مع الأجر على دعوته وتعليمه بحسب هذه النية ثوابا جزيلا، ويؤتيه أجرا كبيرا، واللَّه الموفق بمنه وكرمه.   [ (1) ] الجمعة: 4. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 160 خاتمة فيها بيان وإرشاد لمعنى الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن أصل لفظة الصلاة في اللغة يرجع إلى معنيين: أحدهما: الدعاء والتبرك. والثاني: العبادة. فالأول: كقول اللَّه تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [ (1) ] . وقوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ [ (2) ] ، وقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان صائما فليصل، قيل: فليدع بالبركة، وقيل: يصلى عنده بدل أكله، وقيل: الصلاة لغة معناها الدعاء، والدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة. فالعابد داع، كما أن السائل داع، وبهما فسر، قوله- تعالى: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ (3) ] ، قيل: أطيعوني أثبكم وقيل: ادعوني سلوني أعطكم، وبهما فسر قوله- تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [ (4) ] ، والصواب أن الدعاء يعم النوعين، وهو لفظ متواطئ لا اشتراك فيه، فمن استعماله في دعاء العبادة قوله- تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [ (5) ] ، وقوله- تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [ (6) ] وقوله- تعالى: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ [ (7) ] ، والصحيح   [ (1) ] التوبة: 103. [ (2) ] التوبة: 84. [ (3) ] غافر: 60. [ (4) ] البقرة: 186. [ (5) ] سبأ: 22. [ (6) ] الفرقان: 3. [ (7) ] الفرقان: 77. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 161 من القولين لولا أنكم تدعونه أي شيء لعبأ بكم لولا عبادتكم إياه، سيكون المصدر مضافا إلى الفاصل. وقال تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً [ (1) ] . وقال تعالى- إخبارا عن أنبيائه ورسله: إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً [ (2) ] ، وهذه الطريقة أحسن من الطريقة الأولى، وهذه دعوى الخلاف في مسمى الدعاء، وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية، هل هو منقول عن موضعه في اللغة فيكون حقيقة في شرعته أو مجازا شرعيا؟ فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها في اللغة، وهو الدعاء، والدعاء دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والمصلى من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة فهو في صلاته حقيقة لا مجازا، ولا منقولة، لكن خصّ اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ التي يخصها أهل اللغة ويخصها أهل العرف ببعض مسماها كالرأس ونحوها، فهذا غايته من تخصيص اللفظ وقصره على بعض موضوعة، وهذا لا يوجب نقلا ولا خروجا عن موضوعة الأصلي، وهذه هي الصلاة من الآدميّ، وأما صلاة اللَّه- جل جلاله- على عبده فنوعان: عامة وخاصة. [فالصلاة] العامة: صلاته- سبحانه- على جميع المؤمنين، قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [ (3) ] ، ومنه دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لآحاد المؤمنين كقوله: اللَّهمّ صل على آل أبى أوفى، وقوله للمرأة: صلى اللَّه عليك وعلى زوجك.   [ (1) ] الأعراف: 55- 56. [ (2) ] الأنبياء: 90. [ (3) ] الأحزاب: 43. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 162 والصلاة الخاصة: صلاته- تعالى- على أنبيائه ورسله، خصوصا على خاتمهم وأفضلهم محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، اختلف في معناها. فقيل: إنها رحمته- تعالى-. روى إسماعيل بن إسحاق من طريق جويبر عن الضحاك قال: صلاة اللَّه- تعالى- رحمته وصلاة الملائكة الدعاء، وقال المبرد: أصل الصلاة الرحمة فهي من اللَّه- تعالى- رحمة، ومن الملائكة استدعاء للرحمة من اللَّه، وهذا القول هو المعروف عند كثير من المتأخرين، وقيل: إن الصلاة مغفرته. قال جويبر عن الضحاك: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [ (1) ] صلاة اللَّه مغفرته، وصلاة الملائكة الدعاء، وهذا القول من جنس الّذي قبله، وردّ بوجوه: أحدها: أن اللَّه- تعالى- قد فرق بين صلاته على عباده ورحمته، فقال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ* أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [ (2) ] . فعطف- تعالى- الرحمة على الصلاة، فاقتضى ذلك تغايرهما، وهذا أصل العطف. وأما قول الشاعر: فألفى قولها كذبا ومينا فإنه شاذ لا يحمل عليه أفصح الكلام مع أن المين أخص من الكذب. ثانيها: أن صلاة اللَّه- تعالى- خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين. وأما رحمته فوسعت كل شيء فليست الصلاة مرادفة للرحمة، لكن الرحمة من لوازم الصلاة وموجباتها وثمراتها، فمن فسرها بالرحمة فقد فسرها ببعض ثمرتها وآحاد مقصودها، وهذا كثير ما يأتى في تفسير ألفاظ القرآن،   [ (1) ] الأحزاب: 43. [ (2) ] البقرة: 156- 157. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 163 فتفسر اللفظة بملازمها وجزء معناها، كتفسير الريب بالشك، والشك جزء مسمى الريب، وتفسيره الرحمة بإرادة الإحسان، وهو إرادة لازم الرحمة، ونظير ذلك كثير. ثالثها: أنه لا خلاف في جواز الترحم على المؤمنين، واختلف السلف والخلف في جواز الصلاة على غير الأنبياء على ثلاثة أقوال- كما تقدم- فقلنا: إنهما ليسا بمترادفين. رابعها: أنها لو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقامت مقامها في امتثال الأمر، وأسقطت عند من أوجبها، إذا قال: اللَّهمّ ارحم محمدا وآل محمد، وليس الأمر كذلك. خامسها: أنه لا يقال لمن رحم غيره ورق عليه فأطعمه وسقاه وكساه أنه صلّى عليه، ويقال: قد رحمه. سادسها: أن الإنسان قد يرحم من يبغضه ويعاديه فيجد في قلبه له رحمة ولا يصلى عليه. سابعها: أن الصلاة لا بدّ فيها من كلام، فهي ثناء من المصلى على المصلى عليه وتنويه به، وإشادة بمحاسنه التي فيه وذكره. قال البخاري في صحيحه: عن أبي العالية قال: صلاة اللَّه على رسوله ثناؤه عليه عند الملائكة، وروى القاضي إسماعيل في كتابه من طريق الربيع بن أنس عن أبى العالية: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ، قال: صلاة اللَّه- عز وجل- وثناؤه عليه وصلاة الملائكة. ثامنها: أن اللَّه فرق بين صلاته وصلاة ملائكته وجمعها في فعل واحد، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ وهذه الصلاة لا تكون هي الرحمة، وإنما هو ثناؤه- سبحانه- وثناء ملائكته عليه، فإن قيل: الصلاة لفظ مشترك فيجوز أن تستعمل في معنييه معا، قيل: في ذلك محاذير: أحدها: أن الاشتراك على خلاف الأصل، بل لا يعلم أنه وقع في اللغة من مواضع، وأحدها: نص على ذلك المبرد وغيره من أئمة اللغة، وإنما يقع في اللغة وقوعا عارضا اتفاقيا بسبب، ثم تختلط اللغة فيعرض الاشتراك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 164 ثانيها: أن الأكثرين لا يجوزون استعمال اللفظ المشترك في معنييه لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز، فإن قيل: قد حكى عن الشافعيّ- رحمه اللَّه- تجويزه، قيل: ممنوع صحة ذلك عنه وإنما نأخذ من قوله إذا أوصى لمواليه وله موال من فوق ومن أسفل تناول جميعهم فظن من ظن أن لفظ المولى مشترك بينهما وأنه عند الإطلاق يحمل عليهما- وليس كذلك- فإن لفظ المولى من الألفاظ المتواطئة، فالشافعي وأحمد- في ظاهر مذهبه- يقولان بدخول نوعي الموالي في هذا اللفظ، وهو عنده عام متواطئ الاشتراك. فإن قيل: قد جاء عن الشافعيّ- رحمه اللَّه- أنه قال في مفاوضة جرت له: قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ وقد قيل: يراد بالملامسة الجماع، فقال: هي محمولة على المس باليد حقيقة وعلى الجماع مجازا. قيل: هذا لا يصح عن الشافعيّ ولا من درس كلامه المألوف لمن عرفه وإنما هو كلام بعض الفقهاء المتأخرين، فإذا كان معنى الصلاة هو الصلاة على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم والعناية به وإظهار شرفه وفضله وحرمته- كما هو المعروف من هذه اللفظة- لم يكن لفظ الصلاة في الآية مشتركا محمولا على معنييه، بل يكون مستقلا في معنى واحد، وهذا هو الأصل في الألفاظ. الوجه التاسع: أنّ اللَّه أمر بالصلاة عليه عقيب إخباره بأنه- تعالى- هو وملائكته يصلون عليه، والمعنى إذا كان اللَّه تعالى وملائكته يصلون على رسوله فصلوا أيضا أنتم عليه، فأنتم أحق أن تصلوا عليه وتسلموا تسليما، لإيمانكم ببركة رسالته، ويمن سفارته من الخير والشرف في الدنيا والآخرة، ومن المعلوم أنه لو غير هذا المعنى بالرحمة لم يحسن موقعه ولم يحسن النظم، فإنه يكون تقديره يصير إلى أن اللَّه وملائكته يترحمون ويستغفرون لنبيه، فادعوا أنتم وسلموا، وهذا ليس مراد الآية قطعا، بل الصلاة المأمور بها في الآية هي الطلب من اللَّه- تعالى- ما أخبر به من صلاته وثناء ملائكته، وهي ثناء عليه، إظهار لشرفه، وفضله، وإرادته تكريمه، وتقريبه، فهي تتضمن الخبر والطلب، وسمى هذا السؤال والدعاء منا نحن صلاة عليه لوجهين: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 165 أحدهما: أنه يتضمن ثناء المصلى عليه، والإشادة بذكر شرفه وفضله، والإرادة والمحبة لذلك من اللَّه- تعالى. الثاني: أن ذلك سمى منا صلاة عليه لسؤالنا من اللَّه- تعالى- أن يصلى عليه، فصلاة اللَّه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه، وصلاتنا نحن عليه سؤالنا اللَّه- تعالى- أن يفعل ذلك به، وضد ذلك في لعنة أعدائه الشانئين [ (1) ] لما جاء به، فإنّها تضاف إلى اللَّه- تعالى- وتضاف إلى العبد كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [ (2) ] . فلعنة اللَّه لهم تتضمن مقته وإبعاده وبغضه لهم، ولعنة العبد سؤال اللَّه- تعالى- أن يفعل ذلك بمن هو أهل اللعنة، وإذا ثبت هذا، فمن المعلوم أنه لو كانت الصلاة هي الرحمة لم يصح أن يقال لطالبها من اللَّه- تعالى- مصليا، وإنما يقال له مسترحما له، كما يقال لطالب المغفرة مستغفرا له، ولطالب العطف مستعطفا، ونظائره كثيرة، ولهذا يقال لمن سأل اللَّه المغفرة: قد عفى عنه، وهنا قد سمى العبد مصليا، فلو كانت الصلاة هي الرحمة، لكان العبد راحما لمن صلى عليه، وكان يقال رحمه يرحمه، ومن رحم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة رحمه اللَّه- تعالى- بها عشرا، وهذا معلوم البطلان، فإن قيل: ليس معنى صلاة العبد عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحمه، إنما معناها طلب الرحمة له من اللَّه- تعالى، قيل هذا غير مسلم لأمرين: أحدهما: أن طلب الرحمة مشروع لكل مسلم، وطلب الصلاة من اللَّه- تعالى- يختص بالأنبياء والرسل عند كثير من الناس كما تقدم. الثاني: أنه لو سمى طالب الرحمة مصليا لسمى طالب المغفرة غافرا، وطالب العفو عافيا، وطالب الصفح صافحا، ونحوه، فإن قيل: فأنتم قد سميتم طالب الصلاة من اللَّه- تعالى- مصليا، قيل: إنما سمى مصليا   [ (1) ] الشانئون: جمع شانئ، وهو المبغض، قال تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر: 3] . [ (2) ] البقرة: 159. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 166 لوجود حقيقة الصلاة منه، فإن حقيقتهما الثناء، وإرادة الإكرام والتقريب، وإعلاء المنزلة، وهذا حاصل من صلاة العبد، لكن العبد يريد ذلك من اللَّه- تعالى- واللَّه- سبحانه- يريد ذلك من نفسه أن يفعله برسله. وأما على الوجه الثاني: فإنه سمى مصليا لطلبه ذلك من اللَّه، لأن الصلاة من نوع الكلام الطلبى والخبرى، وقد وجد ذلك من المصلى بخلاف الرحمة، والرحمة أفعال لا تحصل من الطالب وإنما تحصل من المطلوب منه. الوجه العاشر: أنه قد ثبت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: من صلّى على مرة صلى اللَّه بها عشرا، وأن اللَّه تعالى قال: من صلّى عليك من أمتك مرة صليت عليه عشرا. وهذا موافق للقاعدة المستقرة في الشريعة أن الجزاء من جنس العمل، وصلاة اللَّه تعالى على المصلى على رسوله جزاء لصلاته هو عليه، ومعلوم أن صلاة العبد على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم ليست هي رحمة من العبد لتكون صلاة اللَّه من جنسها، وإنما هي ثناء على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وإرادة من اللَّه- تعالى- أن يعلى ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا، والجزاء من [جنس] [ (1) ] العمل، فمن أثنى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جزاه اللَّه- تعالى- من جنس عمله بأن يثنى عليه ويزيد تشريفة وتكريمة، فصح ارتباط الجزاء بالعمل ومشاكلته له، ومناسبته إياه، كقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم من يسر على معسر يسر اللَّه عليه حسابه، ومن ستر مسلما ستره اللَّه في الدنيا والآخرة ومن نفس عن مؤمن كربه من كرب الدنيا نفس اللَّه عنه كربه من كرب يوم القيامة، واللَّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل اللَّه له به طريقا إلى الجنة. ومن سئل عن علم فكتمه ألجمه اللَّه يوم القيامة بلجام من نار، ومن صلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة، صلى اللَّه عليه عشرا، ونظائره كثيرة. الوجه الحادي عشر: إنّ أحدا قال: إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحمه اللَّه، بدل صلّى اللَّه عليه وسلّم، لبادرت الأمة إلى الإنكار عليه، وعدوه مبتدعا غير موقر للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 167 مصل عليه، ولا مثن عليه بما يستحق، ولا يستحق أن يصلى اللَّه عليه بذلك عشرا، ولو كانت الصلاة من اللَّه الرحمة لم يمتنع شيء من ذلك. الوجه الثاني عشر: إن اللَّه- تعالى- قال: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (1) ] ، فأمر اللَّه- تعالى- أن لا يدعى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بما يدعو الناس به بعضهم بعضا من مناداتهم ومخاطباتهم بأسمائهم، بل يقال: يا رسول اللَّه ولا يقال: يا محمد، وما كان يسميه باسمه وقت مخاطبته إلا الكفار فقط: وأما المسلمون فكانوا يخاطبونه برسول اللَّه، وإذا كان هذا في خطابه مواجهة فهكذا يكون في مغيبه، فلا ينبغي أن يجعل ما يدعى له من جنس ما يدعون بعضا لبعض، بل يدعى له بأشرف الدعاء، وهو السلام عليه ومعلوم أن الرحمة يدعى بها لكل مسلم، نعم ولغير الآدمي من الحيوانات كما في الاستسقاء: اللَّهمّ ارحم عبادك، وبلادك، وبهائمك، فلا بد من تشريف يتميز به الرسول في الدعاء، وإلا فيكون قد سوى بهم، وفي عدم تشريفه ما قد علم من مقت اللَّه ونكاله. الوجه الثالث عشر: أن هذه اللفظة لا تعرف في اللغة الأصلية بمعنى الرحمة أصلا، والمعروف عند العرب معناها إنما هو الدعاء والتبريك والثناء. قال الشاعر: وإن ذكرت صلّى عليها وزمزما أي برك عليها ومدحها، ولا تعرف العرب قط صلّى عليه بمعنى رحمه، فالواجب حمل اللفظة على معناها المتعارف. قال ابن سيدة: والصلاة والدعاء والاستغفار، وصلاة اللَّه على رسوله رحمته له وحسن ثنائه عليه وصلّى دعا، وفي الحديث من دعي إلى وليمة فليجب وإلا فليصل. قال الأعشى: عليك مثل الّذي صليت فاعتصمي ... يوما فإن لجنب المرء مضجعها   [ (1) ] النور: 63. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 168 معناه: يأمرها أن تدعو له مثل دعائها أي تعيد الدعاء له، ويردّ عليك مثل الّذي صليت فهو عليها أي عليك مثل صلاتك، أي أسالك من الخير مثل الّذي أردت لي ودعوت به لي. الوجه الرابع عشر: أنه يستحب لكل أحد أن يسأل اللَّه- تعالى- أن يرحمه ولا يسوغ لأحد أن يقول: اللَّهمّ صلّ عليّ، بل الداعي بهذا معتد في دعائه، واللَّه لا يحب المعتدين، خلاف سؤاله الرحمة فإن اللَّه- تعالى- يحب أن يسأله عبده مغفرته ورحمته، فعلم أنه ليس معناها واحد. الوجه الخامس عشر: أن أكثر المواضع التي تستعمل فيها الرحمة لا يحسن أن تقع فيها الصلاة، كقوله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [ (1) ] وقوله: إن رحمتي سبقت غضبى، وقوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [ (2) ] وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [ (3) ] ، وقوله تعالى: إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (4) ] ، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّه أرحم بالعباد من الوالدة بولدها، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وقوله: من لا يرحم لا يرحم وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تنزع الرحمة إلا من شقي، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: الشاة إن رحمتها رحمك اللَّه، فمواضع استعمال الرحمة في حق اللَّه- تعالى- وفي حق العباد لا يحسن أن تقع الصلاة في كثير منها، بل في أكثرها فلا يصح تفسير الصلاة بالرحمة، فإن قيل: قد قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [ (5) ] قال: يباركون عليه. قيل: هذا لا ينافي تفسيرها بالثناء. وإرادة التبريك والتعظيم، فإن التبريك من اللَّه يتضمن ذلك، ولهذا فرق بين الصلاة عليه والتبريك عليه، وقالت الملائكة لإبراهيم   [ (1) ] الأعراف: 156. [ (2) ] الأعراف: 156. [ (3) ] الأحزاب: 43. [ (4) ] التوبة: 117. [ (5) ] الأحزاب: 56. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 169 صلّى اللَّه عليه وسلّم: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [ (1) ] وقال المسيح عليه السلام: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ [ (2) ] ، قال غير واحد من السلف: معناه معلما للخير أينما كنت، وهذا جزء المسمى، فالمبارك الكثير الخير في نفسه، الّذي يحصله لغيره تعليما وأقدارا ونصحا وإرادة واجتهادا، وبهذا يكون العبد مباركا، لأن اللَّه- تعالى- بارك، فيه وجعله كذلك، واللَّه تعالى يبارك لأن البركة منه كلها، فعبده المبارك، وهو المبارك، تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [ (3) ] تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ (4) ] .   [ (1) ] هود: 73. [ (2) ] مريم: 31. [ (3) ] الفرقان: 1. [ (4) ] الملك: 1. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 170 التاسعة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مطابقة اسمه لمعناه، الّذي هو شيمه وأخلاقه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان اسمه يدل على مسماه، وكانت خلائقه إنما هي تفصيل جملة اسمه وشرح معناه وذلك أن أشهر أسمائه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمد، وهو اسم منقول من الحمد الّذي هو يتضمن الثناء على المحمود، ومحبته، وإجلاله، وتعظيمه، وبنى على زنة مفعّل مثل: معظم ومحبب ومسود ومبجل، فإن هذا البناء موضوع للتكثير، فمحمد هو الّذي كثر حمد الحامدين له مرة بعد أخرى. ويقال: حمد فهو محمد كما يقال: علم فهو معلم، وهذا علم وصفة اجتمع فيه الأمران في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإن كان علما محضا في حق كثير ممن سمى به غيره، وهذا شأن أسماء الرب- تعالى- وأسماء كتابه العزيز، وأسماء نبيه الكريم، فإنّها أعلام دالة على معان، هي بها أوصاف فلا تضاد فيها العلمية الوصف، بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين، فهو اللَّه الخالق البارئ المصور القهار، فهذه أسماء له- تعالى- هي دالة على معان، هي صفاته، وكذلك القرآن والفرقان والكتاب المبين، وغير ذلك من أسمائه. وكذلك أسماء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم محمد وأحمد والماحي وغيرها من أسمائه، وقد ذكر صلّى اللَّه عليه وسلّم منها عدة وبين ما خصه اللَّه- تعالى- من الفضل، وأشار إلى معانيها كما تقدم ذكره فيما مضى، ولو كانت أسماؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم أعلاما محضا لم تدل على مدح، ولهذا قال حسان بن ثابت- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد فتسميته صلّى اللَّه عليه وسلّم بهذا الاسم اشتمل عليه من مسماه وهو الحمد، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمود عند اللَّه، محمود عند ملائكته، محمود عند إخوانه من المرسلين، محمود عند أهل الأرض كلهم، وإن كفر به بعضهم فإن ما فيه من صفات الكمال محمودة عند كل عاقل، وإن كابر عقله جحودا وعنادا، أو جهلا باتصافه، ولو علم باتصافه صلّى اللَّه عليه وسلّم بها لحمده، فإنه يحمد من اتصف بصفات الجزء: 11 ¦ الصفحة: 171 الكمال ويجهل وجودها فيه، فهو في الحقيقة حامد له صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد اختص صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسمى الحمد بما لم يجتمع لغيره، فإنه اسمه محمد، وأحمد، وأمته الحامدون يحمدون اللَّه- تعالى- على السراء والضراء، وصلاته وصلاة أمته مفتتحة بالحمد، وخطبته مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد، هذا كان عند اللَّه- تعالى- في اللوح المحفوظ، أن خلفاءه وأصحابه يكتبون المصحف مفتتحا بالحمد، وبيده صلّى اللَّه عليه وسلّم لواء الحمد يوم القيامة، ولما يسجد بين يدي اللَّه- تعالى- للشفاعة، ويؤذن له فيها بحمد ربه، بمحامد يفتحها عليه حينئذ، وهو صاحب المقام المحمود الّذي يغبطه الأولون والآخرون، وإذا قام في ذلك المقام حمده حينئذ أهل الموقف كلهم، مسلمهم وكافرهم، أولهم وآخرهم، وهو محمود بما ملأ به الأرض من الهدى والإيمان، والعلم النافع، والعمل الصالح، وفتح به القلوب، وكشف به الظلمة عن أهل الأرض واستنقذهم من أسر الشياطين، ومن الشرك والكفر به، حتى نال به أتباعه شرف الدنيا والآخرة، فإن رسالته وافت أهل الأرض أحوج ما كانوا إليها، فإنّهم كانوا عباد أوثان، وعباد صلبان، وعباد نيران، وعباد كواكب، ومغضوب عليهم، باءوا بغضب من اللَّه، وحيران لا يعرف ربا يعبده، ولا بماذا يعبده، والناس يأكل بعضهم بعضا، من استحسن شيئا دعا إليه، وقاتل من خالفه، وليس في الأرض موضع قدم مشرقا بنور الرسالة، وقد نظر اللَّه- تعالى- إلى أهل الأرض، عربهم وعجمهم، إلا بقايا على دين صحيح، وأغاث اللَّه به العباد والبلاد، وكشف به تلك الظلم، وأحيا به الخليقة بعد موتها، وهدى به من الضلالة، وعلم به الجهالة، وكثر به من القلة، وأعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فعرف الناس ربهم ومصورهم، غاية مما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، وأبدى وأعاد، واختصر وأطنب، في ذكر أسمائه- تعالى- وصفاته، وأفعاله وأحكامه، حتى تجلت معرفته سبحانه في قلوب عباده المؤمنين، وانجابت سحائب الشك والريب، كما تنجاب السحاب عن القمر ليله إبداره، ولم يدع صلّى اللَّه عليه وسلّم لأمته حاجة في التعريف لا إلى من قبله ولا إلى من بعده، بل كفاهم وشفاهم، وأغناهم عن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 172 كل من تكلم في هذا الباب أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ (1) ] . فلم يدع صلّى اللَّه عليه وسلّم حسنا إلا أمر به، ولا قبيحا إلا نهى عنه، وعرفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم التعريف، وكشف الأمر وأوضحه، ولم يدع بابا من العلم للعباد المقرب لهم إلى ربهم إلا فتحه، ولا مشكلا إلا بينه وشرحه، حتى هدى اللَّه- تعالى- به القلوب من ضلالها، وشفاها من أسقامها، وأغاثها من جهلها، فأى بشر أحق بأن يحمد منه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ كما قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (2) ] . فإن أتباعه نالوا برسالته كرامة الدنيا والآخرة، وأعداءه الذين حاربوه عجل قتلهم وموتهم، فكان خيرا لهم من حياتهم، لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة إذ كتب عليهم الشقاء، فموتهم إذا خير لهم من حياتهم، وطول أعمارهم في الكفر، وعاش المتعاهدون في الدنيا تحت ظله وفي ذمته، وحصل للمنافقين بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وبقاء أموالهم وأهليهم بأيديهم، وجريان أحكام الإسلام عليهم في توارثهم وغيرها. ودفع اللَّه- تعالى- برسالته العذاب العام على أهل الأرض فأصاب كل العالمين النفع برسالته، وكان رحمة عمت الجميع وخصت المؤمنين الذين قبلوا هذه الرحمة وانتفعوا بها دنيا وآخرة، وكانت الكفار الذين ردوها ولم يقبلوها كالدواء الّذي فيه دواء للمريض، لكنه لم يستعجله، فلم يخرجه عدم استعمال المريض له عن كونه دواء. ومما يحمد عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما جبله اللَّه- تعالى- عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، فمن نظر في أخلافه وشيمه علم أنها خير أخلاق، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أعلم الخلق وأعظمهم أمانة وأصدقهم حديثا، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالا وأعظمهم عفوا ومغفرة، فكان لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، وكان أرحم الخلق وأرأفهم، وأعظم الخلق نفعا له في دينهم ودنياهم، وأفصح   [ (1) ] العنكبوت: 51. [ (2) ] الأنبياء: 107. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 173 الخلق وأحسنهم تعبيرا عن المعاني الكثيرة، بالألفاظ الوجيزة، الدالة على المراد، وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه وأشدهم تواضعا وأعظمهم إيثارا، وأشد الخلق ذبا عن أصحابه وحماية لهم، ودفعا عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهى عنه، وأوصل الخلق لرحمه، يتفجر الخير منه تفجيرا وينطوى على كل خير، ليس في الدنيا محل كان أكثر خيرا من صدره، قد جمع الخير بحذافيره، وأودع فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكان أصدق لهجة بحيث أقر له بذلك أعداؤه المحاربون له، ولم يجرب عليه أحد من أعدائه كذبة واحدة، دع شهادة أوليائه كلهم، فقد حاربه أهل الأرض بأنواع المحاربات ما بين مشركيهم وأهل الكتاب، فما أحد منهم طعن فيه يوما من الدهر بكذبة واحدة، صغيرة ولا كبيرة، وكان سهلا لينا، قريبا من الناس، يجيب دعوة من دعاه، ويقضى حاجة من استقضاه، ويجبر قلب من قصده، ولا يحرمه، ولا يرده خائبا، إذا أراد أصحابه أمرا وافقهم عليه، وتابعهم فيه، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسه إلا أتم وأحسنها وأكرمها، فكان لا يعبس في وجه، ولا يغلظ له في مقاله، ولا يطوى عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة ونحوها، بل يحسن إلى عشيرة غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال، ولا يعاتب أحدا من أصحابه، ولا يلومه، ولا يبادئه بما يكره، مع احتمال الأذى والجفوة، يقول من خالطه في نفسه إنه أحب الناس إليه، من لطفه به، وقربه منه، وبره له، وإقباله عليه، واهتمامه بأمره، ونصيحته له وبذل إحسانه إليه، واحتمال جفوته، فأى عشرة كانت أو تكون أكرم من هذه العشرة، قد خصه اللَّه- تعالى- بصفتين، وهما: الإجلال ... والمحبة. فكان قد ألقى عليه هيبة منه- تعالى- ومحبة، أن كل من يراه يجله ويملأ قلبه إجلالا وتعظيما- وإن كان عدوا له- فإذا خالطه وعاشره، كان أحب إليه من كل مخلوق فهو المبجل المعظم، المكرم المحبوب، ولم يكن بشر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 174 أحب إلى بشر ولا أهيب ولا أجل في صدره من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صدور أصحابه. والفرق بين محمد وأحمد: أن محمدا: هو المحمود حمدا بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد، كما قد سردنا من ذلك ما تيسر. وأما أحمد فإنه أفعل تفضيل من الحمد، يدل على أن الحمد الّذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره، كما قد تبين لك. فمحمد زيادة حمده في الكمية، وأحمد زيادة في الكيفية، فيحمد حمدا هو أكثر حمد، وأفضل حمد حمده البشر، وأيضا فمحمد هو المحمود حمدا متكررا، وأما أحمد هو الّذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره، فدل محمد على كونه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمودا، ودل أحمد على كونه أحمد الحامدين لربه- تعالى. فقد تبين أن هذين الاسمين الكريمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة، التي لأجلها استحق أن يسمى محمدا وأحمدا، فهو الّذي استحق أن يحمده أهل الدنيا والآخرة، وأهل السماء وأهل الأرض، فلكثرة خصائله المحمودة التي تفوت عدد العادين، سمى باسمين من أسماء الحمد يقتضيان التفضيل والزيادة في القدر والصفة صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولو لم يكن في هذا الكتاب إلا هذا الفصل لكفى به منبها على شرف المصطفى، فكيف لا؟ وقد جمع اللَّه لي في ما لا أعلم أنه اجتمع في تأليف، ولكن اللَّه يمن على من يشاء من عباده. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 175 المائة من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وجوب حب أهل بيته روى البخاري [ (1) ] في كتاب قرابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي مناقب الحسن والحسين من طريق شعبة عن واقد بن محمد، سمعت أبي يحدث عن ابن عمر   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 119، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم باب مناقب الحسن والحسين- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم (3751) . قوله «مناقب الحسن والحسين» ، كأنه جمعهما لنا وقع لهما من الاشتراك في كثير من المناقب، وكان مولد الحسن في رمضان سنة ثلاث من الهجرة عند الأكثر، وقيل بعد ذلك، ومات بالمدينة مسموما سنة خمسين، ويقال قبلها، ويقال بعدها. وكان مولد الحسين في شعبان سنة أربع في قول الأكثر وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وكان أهل الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيد كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته، فخرج الحسين إليهم، قبله عبيد اللَّه بن زياد إلى الكوفة، فخذل الناس عنه فتأخروا رغبة ورهبة، وقتل ابن عمه مسلم بن عقيل، وكان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس، ثم جهز إليه عسكرا فقاتلوه إلى أن قتل هو وجماعة من أهل بيته، والقصة مشهورة فلا نطيل بشرحتها. فقد روى الترمذي وابن حبان- من طريق هانئ بن هانئ- عن على قال: الحسن أشبه برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما بين الرأس إلى الصدر، والحسين أشبه بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ما كان أسفل من ذلك ووقع في رواية عبد الأعلى عن معمر عند الإسماعيلي في رواية الزهري هذه، وكان أشبههم وجها بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو يؤيد حديث على هذا واللَّه أعلم، والذين يشبهون بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم غير الحسن والحسين: جعفر بن أبي طالب وابنه عبد اللَّه بن جعفر، وقثم بالقاف ابن العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ومسلم بن أبي طالب، ومن غير بنى هاشم: السائب بن يزيد المطلبي الجد الأعلى للإمام الشافعيّ، وعبد اللَّه بن عامر بن كريز العبشمي، وكابس بن ربيعة بن عدي، فهؤلاء عشرة نظم منهم أبو الفتح بن سيد الناس خمسة، وأنشدنا محمد بن الحسن المقري عنه. بخمسة أشبهوا المختار من مضر ... يا حسن ما خولوا من شبهه الحسن بجعفر وابن عم المصطفى قثم ... وسائب وأبى سفيان والحسن - الجزء: 11 ¦ الصفحة: 176 عن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ارقبوا محمدا في أهل بيته. وخرّج الحاكم [ (1) ] من طريق إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا أبى عن حميد بن قيس المكيّ، عن عطاء بن أبى رياح وغيره من أصحاب ابن عباس عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: يا بنى عبد المطلب إني سألت اللَّه لكم ثلاثا: أن يثبت قائمكم، وأن يهدى ضالكم، وأن يعلم جاهلكم وسألت اللَّه أن يجعلكم نجداء ورحماء، فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام، ثم لقي اللَّه- وهو مبغض لأهل بيت محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل النار، قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ومن حديث صالح بن محمد قال: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا هشام بن يوسف، حدثني عبد اللَّه بن سليمان النوفلي، عن محمد بن على بن عبد اللَّه بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى   [ () ] وزادهم شيخنا أبو الفضل بن الحسين الحافظ اثنين، وهما الحسين وعبد اللَّه بن عامر بن كريز، ونظم ذلك في بيتين وأنشدنا هما وهما: وسبعة شبهوا بالمصطفى فما ... لهم بذلك قدر قد زكا ونما سبطا النبي أبو سفيان سائبهم ... وجعفر وابنه ذو الجود مع قثما وزاد فيهم بعض أصحابنا ثامنا وهو عبد اللَّه بن جعفر، ونظم ذلك في بيتين أيضا، وقد زدت فيهما مسلم بن عقيل، وكابس بن ربيعة، فصاروا عشرة، ونظمت ذلك في بيتين وهما: شبه النبي لعشر سائب وأبى ... سفيان والحسنين الطاهرين هما وجعفر وابنه ثم ابن عامر هم ... ومسلم كابس يتلوه مع قثما وقد وجدت بعد ذلك أن فاطمة ابنته عليها السلام كانت تشبهه. [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 161، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4712) ، وقال الحافظ الذهبي في (التخليص) : على شرط مسلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 177 عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحبوا اللَّه لما يغذوكم به من نعمة، وأحبوني لحب اللَّه، وأحبوا أهل بيتي، قال: حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . ومن حديث محمد بن فضيل الضبيّ، حدثنا أبان بن تغلب، عن جعفر ابن إياس عن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله اللَّه النار. قال: حديث صحيح على شرط مسلم [ (2) ] . ومن حديث مفضل بن صالح، عن أبي إسحاق، عن حنش بن المعتمر الكتاني قال: سمعت أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو آخذ بثياب الكعبة: من عرفني فأنا من عرفني، ومن أنكرنى فأنا أبو ذر، سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إلا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك، قال: حديث صحيح الإسناد [ (3) ] . وخرجه من حديث عبد اللَّه بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن إسحاق، عن حنش بن المعتمر، قال: رأيت أبا ذر وهو آخذ بعضادتي الكعبة، وهو يقول: من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرنى فأنا أبو ذر الغفاريّ، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومثل حطة لبني إسرائيل. ومن حديث إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن علي بن الحسين، قال: حدثني عمى علي بن جعفر، حدثني الحسين بن زيد عن عمر ابن علي عن أبيه على بن الحسين، قال: خطب الحسن بن علي الناس حين قتل علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأثنى عليه، ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون، وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يعطيه رايته فيقاتل وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فما يرجع حتى يفتح اللَّه عليه، وما ترك على ظهر الأرض صفراء ولا بيضاء إلا ستمائة   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4716) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4717) ، وسكت الحافظ الذهبي عنه في (التلخيص) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4720) ، ومفضل بن صالح واه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 178 درهم فضلت من عطائه، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، أنا ابن النبي، وأنا ابن البشير، وأنا ابن الوصي، وأنا النذير، وأنا ابن الداعي إلى اللَّه بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين كان جبريل- عليه السلام- ينزل علينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذين افترض اللَّه مودتهم على كل مسلم، فقال اللَّه- تعالى- لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً [ (1) ] ، فاقتراف الحسنة مودتنا- أهل البيت [ (2) ] . ويروى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- انه قال: لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا: يا رسول اللَّه، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما [ (3) ] . قال كاتبه: قد جاء في الحض على حب أهل البيت أحاديث كثيرة: صحاح، وحسان، وضعيفة، وحبهم مما يجب على أهل الإسلام إلا أن الشيعة العلوية سيّما الطائفة الإمامية دخلت عليهم شياطين الجن أولا بحب أهل البيت والمبالغة في حبهم، فرأوا أن ذلك من أسنى القربات، وكذلك هو في نفس الأمر لوقفوا عند هذا الحد الشرعي إلا أنهم تحدّوا من حب أهل البيت إلى طريقين فمنهم من تعدى إلى بغض الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وسبهم وانتقاصهم بشنعاء هم بها أحق من الصحابة وأخروهم عما هو لهم، وتخيلوا أن أهل البيت أولى بالخلافة الدنياوية، وكان منهم من العظائم القبيحة   [ (1) ] الشورى: 32. [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 188- 189، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4802) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : ليس بصحيح. [ (3) ] ونحوه ما أخرجه الحاكم في (المستدرك) على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : لما نزلت هذه الآية: نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ [آل عمران: 91] ، دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فقال: «اللَّهمّ هؤلاء أهلي» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 179 ما كان، وطائفة زادت في الاعتداء والتعدي، فتركت الصحابة، وقدحت في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي جبريل عليه السّلام وفي اللَّه عز وجل، حيث لم يذعن على مرتبتهم للناس حتى لا يجهلونهم، فكان الأصل في حبهم لأهل البيت صحيحا، ولكن الغلو في ذلك أخرجهم عن الحد، فانعكس أمرهم إلى الضد، وقال: اللَّه تعالى: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [ (1) ] . وقال علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يهلك فىّ رجلان: محب مفرط، ومبغض مفرط، وفي رواية لهلك فىّ رجلان: محب مطري، ومبغض مفترى. وعن حسن بن الحسن بن الحسن بن عليّ، أنه قال لرجل يغلو فيهم: ويحكم! أحبونا للَّه فإن أطعنا اللَّه فأحبونا وإن عصينا اللَّه فأبغضونا فو اللَّه لو كان اللَّه نافعا أحدا بقرابته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير طاعة اللَّه، لنفع بذلك أباه وأمه، قولوا فينا الحق فإنه أبلغ فيما تريدون ونحن نرضي به منكم. وقال الزبير بن بكار: حدثني عبد اللَّه بن إبراهيم بن قدمة الجمحيّ، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، قال: قدم المدينة قوم من أهل العراق، فجلسوا إلى فذكروا أبا بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فمسوا منهما، ثم ابتركوا في عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ابتراكا، فقلت لهم: أخبرونى أنتم من المهاجرين الأولين الذين قال اللَّه- تعالى- فيهم: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ (2) ] ؟ قالوا: لسنا منهم، قلت: فأنتم من الذين قال اللَّه- تعالى- فيهم: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ (3) ] ، قالوا:   [ (1) ] النساء: 171، المائدة: 77. [ (2) ] الحشر: 8. [ (3) ] الحشر: 9. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 180 لسنا منهم، قال: قلت لهم: أما أنتم فقد تبرأتم عن أن تكونوا منهم، وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة التي قال اللَّه- عز وجل: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (1) ] ، قوموا- لا قرب اللَّه دوركم- فأنتم مستترون بالإسلام ولستم من أهله. وحدثني محمد بن يحيى قال: أخبرنى بعض أصحابنا، قال: قال رجل لعلى بن الحسين: كيف كان منزل أبى بكر وعمر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: منزلهما اليوم. وقيل: لعمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: هل فيكم أهل البيت إنسان مفترضة طاعته؟ فقال: لا. واللَّه ما هذا فينا، من قال هذا، فهو كذاب، وذكرت له الوصية، فقال: واللَّه لمات أبي فما أوصى بحرفين، قاتلهم اللَّه- إن هم إلا يناكلون بنا.   [ (1) ] الحشر: 10. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 181 عصمة سائر الأنبياء والملائكة عليهم السلام قال ابن سيده: عصمه يعصمه منعه ووقاه [ (1) ] وفي التنزيل: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ أي لا معصوم إلا المرحوم. والاسم: العصمة.   [ (1) ] العصمة في كلام العرب: المنع وعصم اللَّه عبده: أن يعصمه مما يوبقه. عصمه يعصمه عصما: منعه ووقاه. وفي التنزيل: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ أي لا معصوم إلا المرحوم، قيل: هو على النسب أي ذا عصمة، وذو العصمة يكون مفعولا كما يكون فاعلا، فمن هنا قيل: إن معناه لا معصوم، وإذا كان ذلك فليس المستثنى هنا من غير نوع الأول بل هو من نوعه، وقيل: إلا من رحم مستثنى ليس من نوع الأول، وهو مذهب سيبويه، والاسم العصمة، قال الفراء: من في موضع نصب، لأن المعصوم خلاف العاصم، والمرحوم، فكان نصبه بمنزلة قوله تعالى: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ، قال: ولو جعلت عاصما في تأويل المعصوم، أي لا معصوم اليوم من أمر اللَّه جاز رفع من، قال: ولا تنكرن أن يخرج المفعول على الفاعل، ألا ترى قوله عز وجل: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ معناه مدفوق وقال الأخفش: لا عاصم اليوم يجوز أن يكون إلا ذا عصمة أي معصوم، ويكون إلا من رحم رفعا بدلا من لا عاصم، قال أبو العباس: وهذا خلف من الكلام لا يكون الفاعل في تأويل المفعول إلا شاذا في كلامهم، والمرحوم معصوم، والأول عاصم، ومن نصب بالاستثناء المنقطع، قال: وهذا الّذي قاله الأخفش يجوز في الشذوذ، وقال الزجاج في قوله تعالى: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ أي يمنعني من الماء، والمعنى من تفريق الماء، قال: لا عاصم اليوم من أمر اللَّه إلا من رحم، هذا استثناء من الأول، وموضع من نصب المعنى لكن من رحم اللَّه فإنه معصوم، قال: وقالوا يجوز أن يكون عاصم في معنى معصوم، ويكون معنى لا عاصم لا ذا عصمة، ويكون من في موضع رفع، ويكون المعنى لا معصوم إلا المرحوم، والحذاق من النحويين اتفقوا على أن قوله لا عاصم بمعنى لا مانع، وأنه فاعل لا مفعول، وأن من نصب على الانقطاع، واعتصم فلان باللَّه إذا امتنع به، والعصمة: الحفظ، يقال: عصمته فانعصم. واعتصمت باللَّه إذا امتنعت بلطفه من المعصية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 182 قلت: المراد بالعصمة هنا منع الأنبياء عليهم السلام من المعاصي، وقد اتفقت الأمة على أن الأنبياء معصومون من الكفر، إلا الفضيلية من الخوارج فإنّهم يجوزون صدور الذنب عنهم، وهو كفر عندهم وجوزت الروافض عليهم إظهار كلمة الكفر على سبيل التقية وأجمعوا على أنه لا يجوز عليهم التحريف والخيانة في تبليغ الشرائع والأحكام عن اللَّه- تعالى- لا عمدا ولا سهوا وإلا لم يوثق بشيء من الشرائع، وأجمعوا على أنه لا يجوز عليهم تعمدا الخطأ في الفتوى فأما على سبيل السهو فقدا اختلفوا فيه، وأما ما يتعلق بأحوالهم وأفعالهم فقد اختلف فيه على خمسة مذاهب: الأول: قالت: الحشوية يجوز عليهم الإقدام على الكبائر والصغائر. الثاني: قال: أكثر المعتزلة لا يجوز تعمد الكبيرة ويجوز تعمد الصغيرة إن لم يكن منفرا، فإن كان منفرا فلا يجوز عليهم كالتضعيف دون الحية. الثالث: قال: لا يجوز عليهم تعمد الكبيرة ولا الصغيرة ولكن يجوز على سبيل الخطأ. الرابع: لا يجوز عليهم صغيرة ولا كبيرة، ولا عمدا ولا بالتقويل الخطأ. الخامس: قالت: الروافض لا يجوز ذلك لا عمدا ولا تقويلا، ولا سهوا ولا نسيانا. ثم هذه العصمة عند الأكثرين لم تجب إلا في زمان النبوة، وعند غير الروافض تجب من أول العمر، وذهب أبو محمد علي بن حزم إلى أن الملائكة لا تعصي البتة بوجه من الوجوه لا بعمد، ولا بخطإ ولا بسهو، ولا كبيرة، ولا صغيرة، وأن الأنبياء لا يعصون البتة بعمد لا صغيرة، ولا كبيرة، وربما كان منهم الشيء- على سبيل السهو وعلى سبيل إرادة الخير- فلا يوافقون مراد اللَّه- تعالى إلا أنهم لا يقارهم اللَّه على ذلك بل نبهم وربما عاقبهم على ذلك في الدنيا بالكلام، وربما ببعض المكروه في الدنيا كالذي أصاب يونس عليه السلام. وهم- عليهم السلام- بخلافنا في هذا فإننا غير مؤاخذين بما سهونا فيه، ولا بما قصدنا به وجه اللَّه- تعالى، بل نحن مأجورون على هذا الوجه، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 183 وقد أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن اللَّه- تعالى- قرن بكل أحد شيطانا وأن اللَّه- تعالى- أعانه على شيطانه فأسلم، فلا يأمره إلا بخير، والملائكة برآء من هذا الا أنهم مخلوقون من نور لا من أمشاج، والنور لا كدر فيه ولا مزاح بل هو ظاهر سليم، وبهذا نقول. وقال: سيف الدين الآمدي اختلف في السهو، فذهب الأسفرايني وكثير إلى امتناعه، وذهب أبو بكر الباقلاني إلى جوازه، وأما الإمام فخر الدين فادعى في بعض كتبه الإجماع على امتناعة، وفي بعضهما نقل الخلاف، وحاصل الخلاف راجع إلى أن ذلك هل هو داخل تحت دلالة المعجزة على التصديق أم لا؟ فمن جعله غير داخل جوّزه، وفي كلام إمام الحرمين إشارة إلى ذلك فيما يختلف ببيان الشرائع بسواء كان قولا أو فعلا، وميله إلى الجواز، واحتج بقصة ذي اليدين. وقال أبو العالي بن الزملكاني: الّذي يظهر أن ما طريقته التبليغ فيه ما يقطع بدخوله تحت دلالة المعجزة على الصدق، فهذا لا نزاع في أنه لا يجوز فيه التحريف، ولا الخيانة، ولا الكذب، ولا السهو، وما لا يكون كذلك وهو مما طريقه التبليغ والبيان للشرائع هو محل الخلاف، ويحتمل كلام فخر الدين حين نقل الإجماع على القسم الأول، ويحمل كلامه وكلام الآمدي حين نقلا الخلاف على الثاني. ونقل القاضي عياض الإجماع على عدم جواز السهو والنسيان في الأقوال البلاغية، وخص الخلاف بالأفعال. قلت: هذا تفصيل اختلاف الأمة في مسألة العصمة على الجملة، وحجج المحققين وشبه المبطلين في هذه المسألة كثيرة جدا. وقال القاضي عياض: اعلم أن الطوارئ من التغييرات والآفات على آحاد البشر لا تخلوا أن تطرأ على جسمه، أو على حواسه، بغير قصد واختيار، كالأمراض والأسقام أو تطرأ بقصد واختيار، وكله في الحقيقة عمل وفعل ولكن جرى رسم المشايخ لتفصيله إلى ثلاثة أنواع: عقد بالقلب ... وقول باللسان.. وعمل بالجوارح.. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 184 وجميع البشر تطرأ عليهم الآفات والتغيرات بالاختيار وبغير الاختيار في هذه الوجوه كلها، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإن كان من البشر ويجوز على جبلته ما يجوز على جبلة البشر، فقد قامت البراهين القاطعة، وتمت كلمة الإجماع على خروجه عنهم، وتنزيهه من كثير من الآفات التي تقع على الاختيار، وعلى غير الاختيار، كما سنبينه إن شاء اللَّه- تعالى. قال: وقد ذكر حكم عقد قلبه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ما تعلق منه بطريق التوحيد والعلم باللَّه وصفاته والإيمان به، وبما أوحى به فعلى غاية المعرفة، ورسوخ العلم، واليقين والانتفاء عن الجهل بشيء من ذلك، أو الشك، أو الريب فيه، والعصمة من كل ما يضاد المعرفة بذلك واليقين، هذا ما وقع إجماع المسلمين عليه، ولا يصح بالبراهين الواضحات أن يكون في عقول الأنبياء سواه، ولا يعترض على هذا بقول إبراهيم عليه السّلام: قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [ (1) ] إذا لم يشك إبراهيم في إخبار اللَّه- تعالى- بإحياء الموتى، ولكن أراد طمأنينة القلب، وترك المنازعة، ومشاهدة الإحياء، فحصل له العلم الأول بوقوعه، وأراد العلم الثاني بكيفيته ومشاهدته. الوجه الثاني: أن إبراهيم- عليه السلام- إنما أراد اختيار منزلته عند ربه- تعالى- وعلم إجابته دعوته بسؤال ذلك من ربه، ويكون قوله: أو لم تؤمن أي تصدق بمنزلتك منى وخلتك واصطفائك؟ الوجه الثالث: أنه سأل زيادة يقين وقوة طمأنينة وإن لم يكن في الأول شك إذا العلوم الضرورية والنظرية قد تتفاضل في قوتها وطرئان الشكوك على الضروريات ممتنع، ومجوز في النظريات، فأراد الانتقال من النظر والخبر إلى المشاهدة، والترقي من علم اليقين إلى عين اليقين، فليس الخبر كالمعانية، ولهذا قال: سهل بن عبد اللَّه: سال كشف غطاء العيان، ليزداد بنور اليقين تمكنا في حاله.   [ (1) ] البقرة: 260. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 185 الوجه الرابع: أنه لما احتج على المشركين بأن ربه يحيى ويميت، طلب ذلك من ربه، ليصح احتجاجه عيانا. الوجه الخامس: قول بعضهم هو سؤال عن طريق المراد: أقدرني على إحياء الموتى، قوله لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [ (1) ] عن هذه الأمنية. الوجه السادس: أنه أرى من نفسه الشك- وما شك- لكن ليجاوب فيزاد قربه. وقول نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم: نحن أحق بالشك من إبراهيم نفى لأن يكون إبراهيم شك وإبعاد للخواطر الضعيفة أن نظن هذا بإبراهيم، أي نحن موقنون بالبعث وإحياء اللَّه الموتى، فلو شك إبراهيم لكنا أولى بالشك منه، إما على طريق الأدب، أو أن يريد منه الذين يجوز عليهم الشك أو على طريق التواضع والإشفاق إن حملت قصة إبراهيم على اختيار حاله أو زيادة بقينه. وقال أبو محمد بن حزم: وكذلك قوله عليه السّلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى [ (2) ] ، ولم يقره ربنا- تعالى- وهو يشك في إيمان إبراهيم خليله تعالى اللَّه عن هذا ولكن تقريرا للإيمان في قلبه، وإن لم ير كيف إحياء الموتى، فأخبر عليه السّلام عن نفسه أنه مؤمن مصدق وأنه إنما أراد أن يرى الكيفية فقط، ويعتبر بذلك، وما شك إبراهيم قط في أن اللَّه يحيي الموتى، وإنما أراد أن يرى الهيئة، كما أنا لا نشك في صحة وجود الفيل، والتمساح، وزيادة النهر، والخليفة، ثم يرغب من لم ير ذلك منا أن يراه، لا شكا في أنه حق، ولكن ليرى العجب الّذي تتمثله نفسه، ولم تقع عليه حاسة بصره فقط، وأما ما روى من قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نحن أحق بالشك من إبراهيم قال كاتبه: فإنه حديث صحيح.   [ (1) ] البقرة: 260. [ (2) ] البقرة: 260. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 186 خرّجه البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من طريق ابن وهب. قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. ويرحم اللَّه لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف. وقال: البخاري ما لبث يوسف لأجبت الداعي، وله عندهما طرق.   [ (1) ] أخرجه البخاري في الأنبياء، باب قوله عز وجل: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ وباب (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) ، وباب قوله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ وفي التفسير، باب (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) وفي التعبير، باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك. [ (2) ] أخرجه مسلم في الإيمان، باب زيادة طمأنينة القلب، حديث رقم (151) وفي الفضائل، باب فضائل إبراهيم الخليل عليه السّلام، حديث رقم (151) . وأخرجه الترمذي في التفسير، باب ومن سورة يوسف، حديث رقم (3115) . قال الحافظ في (الفتح) : اختلفوا في معنى قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «نحن أحق بالشك» ، فقال بعضهم: نحن أشد اشتياقا إلى رؤية ذلك من إبراهيم، وقيل: معناه إذا لم نشك نحن، فإبراهيم أولى أن لا يشك، أي لو كان الشك متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به منهم، وقد علمتم أنى لم أشك، فاعلموا أنه لم يشك، وإنما قال ذلك تواضعا منه، أو من قبل أن يعلمه اللَّه بأنه أفضل من إبراهيم. وهو كقوله في حديث أنس عند مسلم: «إنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا خير البرية، قال: ذاك إبراهيم» . وقيل: إن سبب هذا الحديث: أن الآية لما نزلت قال بعض الناس: «شك إبراهيم ولم يشك نبينا» فبلغه ذلك، فقال: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» أراد: ما جرت به العادة في المخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيئا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 187 وقال ابن حزم: فمن ظن أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شك قط في قدرة ربه- تعالى- فقد كفر، وهذا الحديث حجة لنا، ونفى الشك عن إبراهيم أو لو كان هذا الكلام من إبراهيم شكا، لكان من لم يشاهد من القدرة ما شاهده إبراهيم ليس شاكا، فإبراهيم أبعد من الشك، ومن نسب هاهنا إلى الخليل الشك فقد نسب إليه الكفر، ومن كفّر نبيا فهو كافر، وأيضا فلو كان ذلك شكا من إبراهيم، كذا نحن أحقّ بالشك منه، فنحن إذا شكاك أو جاحدون كفار، وهذا كلام نعلم وللَّه الحمد بطلانه من أنفسنا، ونحن وللَّه الحمد مؤمنون مصدقون باللَّه وقدرته على كل شيء يسأل عنه. قال كاتبه- والّذي أثار هذا ما حكاه محمد بن جرير الطبري، عن ابن جرير، قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى. قال: دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فقال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ ليريه. ثم احتج الطبري بقوله: نحن أحق بالشك من إبراهيم. قال الطوفي: وليس هذا بشيء، إذ برهان القدرة واضح فكيف مثله على إبراهيم عليه السّلام مع استخراجه حدوث العالم، وقدم الصانع بلطف النظر من أقوال الكواكب والشمس والقمر. وقد أورده بعضهم أن قول إبراهيم: بلى أنه آمن أي بلى، آمنت، وقوله: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، يقتضي أن قلبه لم يطمئن إلى الآن، لكن الإيمان يلزمه الطمأنينة، وحينئذ يصير كأنه قال: آمنت ما آمنت أو اطمأن قلبي ولم يطمئن، وهو تناقض. وأجيب بأن معناه بلى آمنت بالقدرة ولكن ليطمئن قلبي، وكان قد جعل إظهاره على إحياء الموتى علامة على اتخاذه خليلا وعلى هذا فلا تناقض، وهذا كان قريبا ممكنا غير أن المختار غيره، وهو أن الإيمان يستند إلى العلم، والعلم له مراتب: علم اليقين: وهو ما حصل عن النظر والاستدلال. عين اليقين: وهو ما حصل عن شهادة ويقين عيان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 188 حق اليقين: وهو ما حصل عن العيان مع المباشرة. فالأول: كمن علم بالعادة أن في البحر ماء. والثاني: كمن مشى حتى وقف على ساحله وعاينه. والثالث: كمن خاض فيه واغتسل وشرب منه، وإذا عرفت فإيمان إبراهيم- عليه السلام- بالقدرة على إحياء الموتى قبل أن يراه كان علم يقين نظري، فأراد أن يطمئن قلبه بالإيمان بذلك عن عين اليقين وحق اليقين، فلذلك قيل له: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ [ (1) ] إلى آخره، أي باشر هذا الأمر ليحصل عين اليقين عيانا. وحق اليقين مباشرة. وفي الحديث: ليس الخبر كالعيان، أن موسى بلغه أن قومه قد فتنوا فلم يتغير، فلما رآهم عاكفين على العجل أخذ برأس أخيه يجره إليه، وفي هذا المعنى قيل: ولكن للعيان لطيف معنى ... له سأل المعاينة الكليم وحينئذ يكون معنى الكلام: بل آمنت عن نظر واستدلال، ولكن أريد طمأنينة القلب بنظر العيان. قال كاتبه: وهذا الّذي قاله الطوفي يتضمنه كلام القاضي عياض، ولكن باختصار، وقال: وقد روى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قوله تعالى: قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [ (2) ] ، قال: أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك. وقال ابن خزيمة: سمعت المزني يقول- وذكر هذا الحديث: نحن أحق بالشك من إبراهيم، قال المزني: إنما شك إبراهيم أن يجيبه اللَّه إلى ما سأل أم لا. وقال أبو عوانة الأسفرايينى: سمعت أبا حاتم الرازيّ يقول: يعنى نحن أحق بالمسألة، وسمعت القاضي إسماعيل يقول: كان يعلم بقلبه أن اللَّه يحيى الموتى، ولكن أحب أن يرى معاينة، وعن سعيد بن جبير وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي   [ (1) ] البقرة: 260. [ (2) ] البقرة: 260. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 189 قال: ليزداد إيمانا، وفي رواية: لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قال: بالخلة، وعن ابن المبارك قال: اعلم أنك اتخذتني خليلا، وقال القاضي عياض: فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ* وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ [ (1) ] . فاحذر- ثبت اللَّه قلبك- أن يخطر ببالك، كما ذكره بعض المفسرين عن ابن عباس أو غيره من إثبات شك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما أوحى إليه وأنه من البشر فمثل هذا لا يجوز عليه جملة، بل قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لم يشك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يسأل، ونحوه عن ابن جبير والحسن، وحكى قتادة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما أشك ولا أسأل، وعامة المفسرين على هذا، واختلفوا في معنى الآية فقيل: المراد قل يا محمد للشاك إن كنت في شك ... ، الآية قالوا: وفي السورة نفسها ما دل على هذا التأويل قوله: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ (2) ] . وقيل: المراد بالخطاب العرب وغير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، كما قال لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [ (3) ] ، الخطاب له والمراد غيره ومثله فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ [ (4) ] ، ونظيره كثير. قال بكر بن العلاء: ألا تراه يقول وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ [ (5) ] ، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم كان المكذّب فيما يدعو إليه؟ فكيف يكون ممن كذب به؟ فهذا كله يدل على أن المراد بالخطاب غيره.   [ (1) ] يونس: 93- 94. [ (2) ] يونس: 104- 105. [ (3) ] الزمر: 65. [ (4) ] هود: 109. [ (5) ] يونس: 95. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 190 ومثل هذه الآية قوله تعالى: الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [ (1) ] ، المأمور هاهنا غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ليسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هو الخبير المسئول لا المستخبر السائل، وقال: إن هذا الّذي أمر غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بسؤال الذين يقرءون الكتاب إنما فيما قصد من إخبار الاسم لا فيما دعا إليه من التوحيد والشريعة. ومثل هذا قوله تعالى: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا [ (2) ] ، المراد به المشركون والخطاب موجه للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال العتبي: وقيل: معناه سلنا عمن أرسلنا من قبلك، فخذ الخافض، وتم الكلام ثم ابتدأ أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [ (3) ] على طريق الإنكار أي ما جعلنا، حكاه مكي، وقيل: أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يسأل الأنبياء ليلة الإسراء عن ذلك، فكان أشد يقينا أن يحتاج إلى السؤال، ويروى أنه قال: لا أسأل قد اكتفيت، قاله: ابن زيد، وقيل: سل أمم من أرسلنا: هل جاءوهم بغير التوحيد؟ وهو معنى قول مجاهد والسدي والضحاك وقتادة. والمراد هنا بهذا والّذي قبله إعلامه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما بعث به الرسل، وأنه- تعالى- لم يأذن في عبادة غيره لأحد، ردا على مشركي العرب وغيرهم في قولهم: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [ (4) ] ، وكذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [ (5) ] ، أي في علمهم بأنك رسول اللَّه وإن لم يقروا بذلك، وليس المراد به شكه فيما ذكر في أول الآية. وقد يكون أيضا على مثل ما تقدم، أي قل لمن امترى يا محمد في ذلك لا تكونن من الممترين بدليل قوله تعالى: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً [ (6) ] ، وأن   [ (1) ] الفرقان: 59. [ (2) ] الزخرف: 45. [ (3) ] الزخرف: 45. [ (4) ] الزمر: 3. [ (5) ] الأنعام: 114. [ (6) ] الأنعام: 114. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 191 النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخاطب به غيره. وقيل: هو تقدير كقوله: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [ (1) ] ، وقد علم أنه لم يقل. وقيل: معناه ما كنت في شك فاسأل، تزدد طمأنينة وعلما إلى علمك ويقينك، وقيل: إن كنت تشك فيما شرفناك وفضلناك به، فسلهم عن صفتك في الكتب ونشر فضائلك، وحكي عن أبي عبيدة: أن المراد إن كنت في شك من غيرك مما أنزلنا. قال كاتبه: وذهب محمد بن جرير إلى أن معناه: كقول القائل: إن كنت ابني فبرني، وهو لا يشك في أنه ابنه، وإن ذلك من كلام العرب صحيح فيهم. ومنه قوله تعالى: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ [ (2) ] ، وقد علم- تعالى- أن عيسى لم يقل ذلك فهذا من ذلك لم، يكن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شاكا في حقيقية خبر اللَّه- تعالى- وصحته، واللَّه- تعالى- بذلك من أمره كان عالما، ولكنه خاطبه خطاب قومه بعضهم بعضا إذ كان القرآن بلسانهم نزل: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [ (3) ] ، خبر من اللَّه- تعالى- مبتدأ بقوله تعالى: أقسم لقد جاء الحق اليقين من الخبر بأنك لك رسول اللَّه وأن هؤلاء اليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك ويجدون بعثك عندهم في كتبهم: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [ (4) ] يقول: فلا تكونن من الشاكين في صحة ذلك وحقيقته. وقال الحافظ أبو محمد بن حزم: وذكروا قول اللَّه تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ، وهذا إنما عهدناه يعترض به الكفار، وأما المؤمن فما ظن قط بنبي أنه يشك فيما يدعو الناس وهذا غاية الوسواس، نعود باللَّه من الخذلان، ولنا في هذه الآية رسالة مشهورة، وجملة حل هذا الشك أنّ (إن) هنا   [ (1) ] المائدة: 116. [ (2) ] المائدة: 116. [ (3) ] البقرة: 147. [ (4) ] البقرة: 147. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 192 بمعنى (ما) وإنما هي وجحد بمعنى، وما كنت في شك وأمره أن يسأل أهل الكتاب تقريرا لهم على أنهم يجدونه حقا في التوراة والإنجيل، وقال القرطبي: وقيل: الشك ضيق الصدر، أي إن ضاق صدرك بكفر هؤلاء، فاصبر وسل الذين يقرءون الكتاب من قبلك يخبروك بصبر الأنبياء قبلك على أذى قومهم، وكيف كانت عاقبة أمرهم، فالشك في اللغة أصله الضيق يقال: شك الثوب أي ضمه بخلال حتى يصير كالوعاء، وكذلك السفرة تمتد علائقها حتى تقبض، فالشك يقبض الصدور ويغمها حتى تضيق. وقال الطوفى: قد يتوهم من ظاهرها أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعترضه شك في بعض الأوقات فيما أنزل إليه- كما توهمه بعض النصارى- فأورده متعلقا به، وليس كذلك في أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم معصوم من الشك والارتياب لقوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [ (1) ] ، وإنما وجه الآية: صرف الخطاب إلى من يجوز عليه الشك من أتباعه وأخصامه: كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [ (2) ] ، فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [ (3) ] ، فإن لم يكن بد من صرف الكلام إليه على ظاهر اللفظ فمعناه على تقدير إن تشك فاسأل وإن كان ذلك التقدير لا يقع نحو: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [ (4) ] ، أي لو قدر آلهة أخرى لزم الفساد، لكن ذلك التقدير ممتنع. وقال القاضي عياض: فإن قيل فيما معنى قوله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا [ (5) ]- على قراءة التخفيف؟ قلنا: المعنى في ذلك، ما قالته عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- معاذ اللَّه أن تظن الرسل بربها، وإنما معنى ذلك أن الرسل لما استيأسوا ظنوا أن من وعدهم النصر من أتباعهم كذبوهم وعلى هذا أكثر المفسرون.   [ (1) ] الشرح: 1. [ (2) ] الرعد: 43. [ (3) ] الأنبياء: 7. [ (4) ] الأنبياء: 22. [ (5) ] يوسف: 110. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 193 قال كاتبه: قول عائشة هذا خرجه البخاري من حديث إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة قالت- وهو يسألها عن قول اللَّه- عز وجل: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ [ (1) ] ، قال: قلت: أكذبوا أم كذبوا؟ قالت عائشة: كذبوا. قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فيما هو الظن؟ قالت: أجل لعمري لقد استيقنوا ذلك فقلت لها: وظنوا أنهم قد كذبوا، قالت: معاذ اللَّه لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم كذبوهم، جاء نصر اللَّه عند ذلك. وخرجه من حديث شعيب عن الزهري، أخبرني عروة، فقلت: لعلها كذبوا، قالت: معاذ اللَّه بنحوه [ (2) ] . ذكرهما في تفسير سورة يوسف. وخرجه في كتاب الأنبياء أيضا من حديث الليث، عن عقيل عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة أنه سأل عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. أرأيت قول اللَّه عز وجل حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أو كذبوا؟ قالت: بل كذبهم قومهم، قلت: واللَّه لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم وما هو بالظن، فقالت: يا عرية لقد استيقنوا بذلك، فقلت: فلعلها كذبوا قالت: معاذ اللَّه لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ فقالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأست الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنوا أن أتباعهم كذبوهم جاءهم نصر اللَّه، قال أبو عبد اللَّه استيأسوا: استفعلوا من يئست [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 467- 468، كتاب التفسير، باب (6) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ، حديث رقم (4695) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4696) . [ (3) ] حديث رقم (3389) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 194 وخرّجه في تفسير سورة البقرة [ (1) ] ، من حديث هشام، عن ابن جريج: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفيفة، قال: ذهب بها هنالك وتلا: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ، فلقيت عروة بن الزبير، فذكرت ذلك له فقال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: معاذ اللَّه! واللَّه ما وعد اللَّه رسوله من شيء إلا علم أنه كائن قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن من معهم يكذبونهم، وكانت تقرأها: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا مثقلة. قال القاضي عياض: وقيل: إن الضمير في ظنوا عائد على الأتباع والأمم لا الأنبياء والرسل وهو قول ابن عباس والنخعي وابن جبير وجماعة من العلماء. وبهذا المعنى قرأ مجاهد كذبوا بالفتح فلا تشغل بالك من شاذ التفسير الواهي مما لا يليق بمنصب العلماء، فكيف بالأنبياء عليهم السلام؟ وقال ابن حزم: وذكروا قول اللَّه- تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا بتخفيف الذال- وليس هذا على ما ظنه من جهل أمر اللَّه- تعالى- وإنما هو أنهم ظنوا بمن وعدهم النصر من قومهم أنهم كذبوهم في وعدهم، ومن المحال أن يظن من له أدنى فهم من الناس أن ربه- تعالى- يكذبه، هذا ما لا يظنه ذو عقل البتة، فكيف صفوة اللَّه في أرضه من خلقه؟ وإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ على المصيبة، هؤلاء الذين يجيزون على الأنبياء مثل هذا الكفر، ونعوذ باللَّه من الخذلان. قال كاتبه تحذير القاضي عياض وابن حزم من قبله إنما هو مما ذكره الطوفي، فإنه وإن كان بعدهما بدهر حكى كلام من في عقده وهن، ومال إليه، قال: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا بالتشديد، أي كذبهم قومهم فلا يتابعهم أحد جاءهم نصرنا بإمالة اللَّه قلوب الناس إليهم، وكذبوا   [ (1) ] باب (38) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، حديث رقم (4524) ، (4525) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 195 بالتخفيف، أي أخلفهم اللَّه وعده في النصر، وأنهم ليسوا على شيء جاءَهُمْ نَصْرُنا، بإنجائهم ومن أتبعهم وإهلاك الكافرين. وقد أنكرت عائشة هذا التأويل، تنزيها للأنبياء- عليهم السلام- من الشك في أمرهم، واختارت الوجه الأول أو نحوه، وليس ما أنكرته بالمنكر، إذ الإنسان يطرأ عليه خوف، أو حزن، أو مرض، أو هم، أو غم، أو أحوال، يقول ويظن فيها أقوالا وظنونا، هو فيها معذور لغلبة ذلك الحال. ألا ترى أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، لما تراخى عنه الوحي في مبادئ أمره، خرج ليتردى من شواهق الجبال وجدا لانقطاع الوحي، والرسل- عليهم السلام- يوم القيامة، يقال لهم: ماذا أجبتم؟ فيقولون: لا علم لنا ينسون أو يدهشون، لغلبة تلك الحال عليهم، ثم يتذكرون فيشهدون بما علموا فكذا ظن الرسل هنا أنهم قد كذبوا، هو من هذا الباب، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. قال كاتبه: هذه- لعمري- وهلة من وهلات الطوفي، إذ سوى الرسل بسائر البشر في غلبة الحال عليهم حتى باللَّه يظنوا السوء، وقد عصمهم اللَّه من ذلك، ومما دونه أيضا. قال القاضي عياض: وكذلك ما ورد في حديث السيرة ومبتدأ الوحي من قوله لخديجة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: لقد خشيت على نفسي، ليس معناه الشك فيما أتاه اللَّه بعد رؤية الملك، ولكن لعله يخشى أن لا تتحمل قوته مقاومة الملك، وأعباء الوحي لينخلع قلبه أو تزهق نفسه، هذا على ما ورد في الصحيح أنه قال بعد لقاء الملك أو يكون ذلك قبل لقياه الملك وإعلام اللَّه- تعالى- بالنّبوّة لأول ما عرضت عليه من العجائب، وسلّم عليه الحجر والشجر، وبدأته المنامات والتباشير، كما ورد في بعض طرق هذا الحديث، أن ذلك كان أولا في المنام ثم أرى في اليقظة مثله، تأنيا له صلّى اللَّه عليه وسلّم لئلا يفجأه الأمر مشاهدة ومشافهة، فلا تتحمله لأول حاله بنيته البشرية. وفي الصحيح عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصادقة، قالت: ثم حبب إليه الخلاء، وقالت: إلى أن جاءه الحق، وهو في غار حراء، الحديث- وعن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة خمس عشرة سنة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 196 يسمع الصوت، ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا وثمان سنين قبل أن يوحى إليه. وقد روى ابن إسحاق، عن بعضهم: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وذكر جواره بغار حراء قال: فجاءني، وأنا نائم، فقال: اقرأ، قلت: وما أقرأ وذكر نحو حديث عائشة وإقرائه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [ (1) ] السورة. قال: فانصرف عني وهببت من نومي، كأنها صورت في قلبي، ولم يكن أبغض إلى من شاعر أو مجنون قلت: لا تحدث عنى قريش بهذا أبدا إلا عمدت إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي منه فلأقتلنّها فبينا أنا عامد لذلك إذ سمعت مناديا ينادي من السماء: محمد أنت رسول اللَّه وأنا جبريل، فرفعت رأسي فإذا جبريل- عليه السلام- على صورة رجل، وذكر الحديث. فقد بين في هذا أن قوله: لما قال وقصده ما قصد إنما كان قبل لقاء جبريل، وقيل إعلام اللَّه له بالنّبوّة وإظهاره واصطفاءه له بالرسالة. ومثله حديث عمرو بن شرحبيل أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لخديجة: إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء، وقد خشيت أن يكون هذا الأمر، ومن حديث حماد بن سلمة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: الحديث إني لأسمع صوتا، وأرى ضوءا، وأخشى أن يكون بي جنون، وكل هذا يتأول لو صح قوله في بعض الأحاديث: أن الأبعد شاعر أو مجنون، وألفاظا يفهم منها معاني الشك في تصحيح ما رآه كله في ابتداء أمره، وقبل لقاء الملك له، وإعلام اللَّه له أنه رسوله، فكيف وبعض هذه الألفاظ لا يصح طرقها؟ وأما بعد إعلام اللَّه- تعالى- ولقاء الملك، فلا يصح فيه ريب، ولا يجوز عليه شك فيما ألقى. وقد روى ابن إسحاق عن شيوخه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرقى بمكة من العين قبل أن ينزل عليه، فلما نزل عليه القرآن أصابه نحو ما كان يصيبه، فقالت له خديجة: أوجه إليك من يرقيك؟ قال: أما الآن فلا، وحديث خديجة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وإخبارها أمر جبريل بكشف رأسها ... الحديث، إنما ذلك في حق خديجة، لتتحقق صحة نبوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأن   [ (1) ] العلق: 1. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 197 الّذي يأتيه ملك، ويزول الشك عنها، لا أنها فعلت ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليختبر هو حاله بذلك. بل قد روى في حديث عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن عروة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن ورقة أمر خديجة أن تخبر الأمر بذلك. وفي حديث إسماعيل بن أبي الحكم أنها قالت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا بن عم هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك؟ قال: نعم: فلما جاء جبريل- عليه السلام- أخبرها، فقالت له: اجلس إلى شقي، وذكر الحديث إلى آخره، وفيه قالت: ما هذا بشيطان هذا الملك يا بن عم فاثبت وأبشر وآمنت به، فهذا يدل على أنها مستثبتة بما فعلته لنفسها ومستظهره لإيمانها لا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقول معمر: ثم فتر الوحي، فحزن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حزنا غدا منه مرار كي ينزو من شواهق الجبال، لا يقدح في هذا الأصل، لقول معمر عنه فيما بلغنا ولم يسنده، ولا ذكر رواته، ولا من حدث به، ولا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قاله، ولا يعرف هذا إلا من جهة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، مع أنه قد يحمل على أنه كان أول الأمر كما ذكرناه، أو أنه فعل ذلك لما خرجه من تكذيب من بلغه كما قال تعالى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ [ (1) ] . ويصحح معنى هذا التأويل حديث شريك، عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد اللَّه، أن المشركين لما اجتمعوا بدار الندوة للتشاور في أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، واتفق رأيهم على أن يقولوا: ساحر اشتدّ ذلك عليه، وتزمل في ثيابه وتدثر فيها، فأتاه جبريل فقال: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [ (2) ] يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (3) ] ، أو خاف أن الفترة لأمر أو سبب منه، وخشي أن تكون عقوبة من ربه، ففعل ذلك بنفسه، ولم يرد بعد شرع بالنهي عن ذلك فيعترض به.   [ (1) ] الكهف: 6. [ (2) ] المزمل: 1. [ (3) ] المدثر: 1. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 198 ونحوها فرار يونس- عليه السّلام- خشية تكذيب قومه له لما وعدهم به من العذاب، وقول اللَّه- تعالى- في يونس: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى [ (1) ] معناه أن نضيق عليه مسلكه في خروجه، وقيل: حسن ظنه بمولاه أنه لا يقتضي عليه العقوبة، وقيل: يقدر عليه ما أصابه، وقد قرئ نَقْدِرَ عَلَيْهِ بالتشديد. وقيل: نؤاخذه بغضبه، وقال ابن زيد: معناه أفظن أن لن نقدر عليه؟ على الاستفهام؟ ولا يليق أن يظن بنبي أن يجهل بصفة من صفات ربه، وكذلك قوله تعالى: إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً [ (2) ] ، لقومه لكفرهم، وهو قول ابن عباس، والضحاك، وغيرهم، ولا لربه، إذ مغاضبة اللَّه معاداة له، ومعاداة اللَّه كفر لا يليق بالمؤمنين، فكيف بالأنبياء- عليهم السلام- وقيل: مستحييا من قومه أن يسموه بالكذب، أو يقتلونه كما ورد في الخبر. وقيل: مغاضبا لبعض الملوك فيما أمره به، من التوجه إلى أمر ربه الّذي أمره به على لسان نبي آخر، فقال له يونس غيري أقوى عليه مني فعزم عليه فخرج لذلك مغاضبا. وقد روى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن إرسال يونس رسوله إنما بعد أن الحوت، واستدلت الآية بقوله: فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ* وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ* وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [ (3) ] ، ثم قال: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [ (4) ] ، فتكون هذه العصمة إذا قبل نسوته. وقال أبو محمد بن حزم: فان ذكروا أمر يونس- عليه السّلام- بقوله- تعالى- عنه: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [ (5) ] ، وقوله- تعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ   [ (1) ] الأنبياء: 87. [ (2) ] الأنبياء: 87. [ (3) ] الصافات: 145- 147. [ (4) ] الصافات: 145- 147. [ (5) ] الأنبياء: 87. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 199 [ (1) ] ، وقوله تعالى لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ* لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ [ (2) ] ، وقوله- تعالى: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [ (3) ] ، وقوله تعالى: فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [ (4) ] ، قالوا: ولا ذنب أعظم من المغاضبة للَّه- تعالى، ومن ذنب من ظن أن لن يقدر عليه اللَّه، وقد أخبر- تعالى، أنه استحق الذم لولا أن تداركه نعمة من عنده وأنه استحق الملاومة، وأنه أقر على نفسه أنه كان من الظالمين، ونهى اللَّه تعالى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يكون مثله، وهذا كله لا حجه لهم فيه بل هو حجه لنا على صحة قولنا. أما إخبار اللَّه- تعالى- أنه ذهب مغاضبا فلم يغاضب ربه قط، ولا أخبر- تعالى- أنه غاضب ربه، والزيادة في القرآن لا تحل فإذ لا شك في شك ولا يجوز أن يظن من له أدنى مسكة من عقل أنه يغاضب اللَّه- تعالى: فكيف بنبيّ من الأنبياء؟ فعلمنا يقينا أنه إنما غاضب قومه ولم يكن ذلك مرادا للَّه تعالى فعوقب لذلك وإن كان لم يقصد بذلك إلا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. وأما قوله تعالى: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ فليس على تأولوه من الظن السخيف الّذي لا يظن مثله بضعفة من ضعائف النساء أو ضعفاء الرجال، فكيف بنبي من الأنبياء؟ ومن أبعد المحال أن يكون نبي يظن أن ربه عاجز عنه، وهو يرى أن آدميا مثله يقدر عليه، ولا شك أن من ينسب هذا النوك إلى النبي الفاضل فإنه يشتد غضبه، لو نسب ذلك إليه أو إلى ابنه، فإذا قد بطل ظنهم السخيف، فباليقين نعلم أن معنى: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، إما معناه فظن   [ (1) ] الصافات: 143- 144. [ (2) ] القلم: 48- 49. [ (3) ] الصافات: 142. [ (4) ] الأنبياء: 87. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 200 أن لن نضيق عليه، كما قال تعالى: وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [ (1) ] ، فظن يونس- عليه السلام- أن اللَّه- تعالى- لا يعاقبه على ذلك الفعل من المغاضبة لقومه، إذ ظن أنه محسن في ذلك. وأما نهى اللَّه- تعالى- لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يكون كصاحب الحوت، فنعم نهاه عن مغاضبة قومه، وأمره- تعالى- بالصبر على أذاهم بالمطاولة لهم، فأما قول اللَّه- تعالى- أنه استحق الذم والملامة وأنه لولا النعمة التي تداركه بها للبث معاقبا في بطن الحوت، فهذا يقين ما قلناه عن الأنبياء- عليهم السلام- يؤاخذون في الدنيا على ما فعلوه مما يظنونه خيرا وقربة إلى اللَّه- تعالى- إذ لم يوافق ذلك مراد ربهم، وعلى هذا أقر على نفسه أنه كان من الظالمين، والظلم وضع الشيء في غير موضعه، فلما وضع المغاضبة في غير موضعها، اعترف في ذلك بالظلم على أنه قصده، وهو يرى أنه ظلم. وقال الطوفي: لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ، قد علم أن لولا يقتضي امتناع شيء لوجود غيره، والّذي امتنع هاهنا لوجود النعمة هو نبذه بالعراء مذموما، لا مجرد نبذه بالعراء وهو الصحراء لأنه قد وجد بديل، فنبذناه بالعراء وهو سقيم فدل على النبذ بالعراء مجردا عن صفة الذم بديل: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ومن يكن مجتبى صالحا لا يكون مذموما، وسقط بهذا اللعن على يونس- عليه السلام. وقال يونس، عن ابن عبد الحق، عن ربيعة بن عبد الرحمن، قال: سمعت وهب بن منبه، وهو في مسجدنا، وذكر له يونس النبي- عليه السّلام- فقال: كان عبدا صالحا وكان في خلقه ضيق، فلما حملت عليه أثقال النبوة، ولها أثقال، فلما جعلت عليه تفسح تحتها نفسخ الربع تحت الحمل الثقيل، فألقاها عنه، وخرج هاربا. قال القاضي عياض: فإن قيل: فما معنى قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه ليغان على قلبي فاستغفر اللَّه- تعالى- كل يوم مائة مرة ؟ ومن طريق: في اليوم أكثر من سبعين مرة فاحذر أن يقع ببالك أن يكون هذا الغين وسوسة أو ريبا وقع في   [ (1) ] الفجر: 16. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 201 قلبه صلّى اللَّه عليه وسلّم بل أصل الغين في هذا ما يتغشى القلب ويغطيه، قال أبو عبيد: وأصله من غين السماء، هو إطباق الغيم عليها، وقاله غيره. والغين شيء يغشى القلب ولا يغطيه كل التغطية كالغيم الرقيق الّذي يعرض في الهواء فلا يمنع ضوء الشمس، وكذلك لا يفهم من الحديث أنه يغان على قلبه مائة مرة أو أكثر من سبعين في اليوم، إذا ليس يقتضيه لفظه الّذي ذكرناه، وهو أكثر الروايات، وإنما هذا عدد للاستغفار، لا للغين، فيكون المراد بهذا الغين إشارة إلى غفلات قلبه، وفترات نفسه، وسهرها عن مداومة الذكر، ومشاهدة الحق، مما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم دفع إليه من مقاساة البشر، وسياسة الأمة ومعاناة الأهل، ومقاومة الولي والعدو، ومصلحتة النفس، كلفه من أعباء أداء الرسالة، وحمل الأمانة وهو في كل هذا في طاعة ربه، وعبادة خالقه، ولكن لما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم أرفع الخلق إلى اللَّه مكانة، وأعلاهم درجة، وأتمهم به معرفة، وكانت حاله عند خلوص قلبه، وخلو همه، وتفرده بربه، وإقباله بكليته عليه، ومقامه هنالك أرفع حالته، رأى صلّى اللَّه عليه وسلّم حال فترته عنها، فاستغفر اللَّه من ذلك، هذا أولى وجوه الحديث وأشهرها. وإلى معنى ما أشرنا عنه مال كثير من الناس إليه، وحام حوله، فقارب ولم يرد، وقد قربنا غامض معناه، وكشفنا للمستفيد محيّاه، وهو مبني على جواز الفترات والغفلات، والسهو في غير طريق البلاغ على ما سيأتي. قال كاتبه: نعم ما قرره القاضي إلا أنى أقوال: ليس مع ذلك فترة منه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا غفلة، ولا سهو، وإنما هو شغل بالتبليغ إلى الخلق من الاستغراق في جناب الحق، فإذا فرغ من ذلك، ارتاح لما هنالك، فاستغفر ربه لا من ذنب بل تعرض منه صلّى اللَّه عليه وسلّم للنفحات الربانية. قال القاضي: وذهبت طائفة من أرباب القلوب ومشيخة المنصوفة ممن قال بالتنزيه للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عن هذا جملته، وأجعله أن يجوز عليه، في حال سهوا وفترة إلا أن معنى الحديث ما يهم خاطره، وبعد فكره من أمر أمته صلّى اللَّه عليه وسلّم لاهتمامه بهم، وكثرة شفقته عليهم، فيستغفر اللَّه لهم، قالوا وقد يكون الغين على قلبه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 202 السكينة التي تتغشاه، لقوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ [ (1) ] ، ويكون استغفاره عندها إظهار العبوديّة والافتقار. وقال ابن عطاء: استغفاره وفعله هذا تعريف للأمة يحملهم على الاستغفار، وقد يحتمل أن تكون هذه الإغاثة حالة خشية وإعظام يغشى قلبه، فيستغفر حينئذ شكرا للَّه- تعالى، وملازمة لعبوديته كما قال في ملازمة العبادة: أفلا أكون عبدا شكورا؟. وعلى هذه الوجوه الأخيرة يحمل ما روى في بعض طرق هذا الحديث عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه ليغان على قلبي في اليوم أكثر من سبعين مرة، فأستغفر اللَّه. قال القاضي فإن قلت: فما معنى قوله- تعالى- لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ [ (2) ] ، وقوله- تعالى- لنوح عليه السّلام: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [ (3) ] ، فاعلم أنه لا يلتفت في ذلك إلى قول من قال في آية نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تكونن ممن يجهل أن اللَّه لو شاء لجمعهم على الهدى، وفي آية نوح: لا تكونن ممن يجهل ان وعد اللَّه حق، لقوله- تعالى: إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، إذ فيه إثبات الجهل بصفة من صفات اللَّه، وذلك لا يجوز على الأنبياء، والمقصود: وعظهم أن يتشبهوا في أمورهم بسمات الجاهلين، كما قال: إِنِّي أَعِظُكَ وليس في آية منهما دليل على كونهم على تلك الصفة التي نهاهم عن الكون عليها، فكيف وآية نوح: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ؟ فحمل ما بعدها على، قبلها أولى، لأن مثل هذا قد يحتاج إلى إذن، وقد تجوز إباحة السؤال فيه ابتداء فنهاه اللَّه- تعالى- أن يسأله عن ما طوى علمه عنه، وأكنه في غيبه، من السبب الموجب لهلاك ابنه، ثم أكمل اللَّه- تعالى- نعمته بإعلامه ذلك بقوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ حكى معناه مكي.   [ (1) ] التوبة: 40. [ (2) ] الأنعام: 35. [ (3) ] هود: 46. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 203 كذلك أمر نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم في الآية الأخرى بالتزام الصبر على إعراض قومه لا يخرج عند ذلك، فيقارب حال الجاهل بشدة التحسر، حكاه أبو بكر بن فورك. وقيل: معنى الخطاب لأمة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم أي فلا تكونوا من الجاهلين، حكاه أبو محمد مكي، وقال: في القرآن كثير، فبهذا الفصل وجب القول بعصمة الأنبياء منه بعد النبوة قطعا. وقال أبو محمد بن حزم: وذكروا قول اللَّه- تعالى- لنوح- عليه السلام: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، وهذا لا حجة لهم فيه، لأن نوح تأول وعد اللَّه- تعالى- له أن يخلصه وأهله، فظن أن ابنه من أهله وهذا لو فعله أحدنا لكان مأجورا، ولم يسأل نوح تخليص من أيقن أنه ليس من أهله لكن هو أقرب القرابة إليه فقرع على ذلك ونهى أن يكون من الجاهلين فتذمم- عليه السلام- من ذلك ونزع، وليس هاهنا عمد للمعصية البتة. وقال الطوفي: وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [ (1) ] ، يحتج به من يرى العموم وأن له صيغة والتمسك به بأن نوحا إنما تمسك في هذا السؤال لعموم قوله- تعالى: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ [ (2) ] ، وهو اسم جنس مضاف يفيد العموم، فصار تقدير سؤال نوح- عليه السّلام إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، وقد وعدتني بإنجاء أهلي قال: يا نوح إنه ليس من أهلك يحتمل وجوها: أحدها: أن ابنك مخصوص في علمنا من عموم أهلك، فليس هو من أهلك الناجين. الثاني: أنه ليس من أهل دينك بذلك، إنه عمل غير صالح وحينئذ يكون الأهل في قوله- تعالى- مجازا عن الموافقين في الإيمان. الثالث: ما قيل إن هذا الولد كان ابن زوجته أو أنه ولد على فراشه من غيره، بدليل أنه عمل غير صالح برفعة عمل ونحوه مما لا يليق بعضه   [ (1) ] هود: 45. [ (2) ] هود: 40. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 204 بالأنبياء، وعلى كل حال فلا بد لهذه القصة من استعمال المجاز في أهلك أو تخصيص عمومه بالابن المذكور، أو تجوز نوح بولده عن ابن امرأته، فيحتج بها على استعمال المجاز أو التخصيص في الكلام: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [ (1) ] ، كأن نوحا لما قال: إن ابني من أهلي كان ذلك طلبا لنجاة ولده، لأن اللَّه- تعالى- قد حكم بإنجاء أهله فحمله لا يتغير، فلا فرق بين شفاعة نوح في أهله في ابنه وعدمها، فلذلك قوبل بهذا الكلام الّذي يصعب موقعه، فقال: إن نوحا- عليه السلام- بكى من هذا الكلام دهرا. قال القاضي عياض: فإن قلت: فإذا قررت عصمتهم من هذا، وأنه لا يجوز عليهم شيء من ذلك، فما معنى إذا وعد اللَّه لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم على ذلك إن فعله وتحذيره منه، كقوله- تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [ (2) ] ، قوله- تعالى: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ [ (3) ] ، وقوله: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ [ (4) ] ، وقوله- تعالى: لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ [ (5) ] ، وقوله- تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ (6) ] ، وقوله تعالى: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ [ (7) ] ، وقوله- تعالى: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ [ (8) ] ، وقوله تعالى: اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ [ (9) ] .   [ (1) ] هود: 46. [ (2) ] الزمر: 65. [ (3) ] يونس: 106. [ (4) ] الإسراء: 75. [ (5) ] الحاقة: 45. [ (6) ] الأنعام: 116. [ (7) ] الشورى: 24. [ (8) ] المائدة: 67. [ (9) ] الأحزاب: 1. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 205 فاعلم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يصح ولا يجوز عليه أن لا يبلغ، وأن يخالف أمر ربه، ولا أن يشرك، ولا يتقول على اللَّه ما لا يجب، أو يفترى عليه، أو يضل، أو يختم على قلبه، أو يطيع الكافرين. لكن يسر أمره بالمكاشفة والبيان في البلاغ للمخالفين، فإن إبلاغه لم يكن بهذه السبيل، وكان ما بلغ وطيب نفسه، وقوى قلبه، بقوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ (1) ] ، كما قال لموسى وهارون عليهما- السلام: لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما [ (2) ] ، لتشتد بصائرهم في الإبلاغ وإظهار دين اللَّه، ويذهب عنهم خوف العدو المضعف للنفس. وأما قوله: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ [ (3) ] ، وقوله: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ [ (4) ] ، فمعناه: أن هذا جزاء من فعل هذا، وجزاؤك لو كنت ممن يفعله، وهو لا يفعله. وكذلك قوله: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ [ (5) ] ، فالمراد غيره كما قال- تعالى: إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا [ (6) ] ، وقوله- تعالى: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ [ (7) ] ، وقوله- تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [ (8) ] ، وما أشبهه، فالمراد غيره، وإن هذه حال من أشرك، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يجوز عليه ذلك. وقوله- تعالى: اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ [ (9) ] ، فليس فيه أنه أطاعهم، واللَّه- تعالى- ينهاه عما يشاء ويأمره بما يشاء، كما قال   [ (1) ] المائدة: 67. [ (2) ] طه: 46. [ (3) ] الحاقة: 44. [ (4) ] الإسراء: 75. [ (5) ] الأنعام: 116. [ (6) ] آل عمران: 149. [ (7) ] الشورى: 24. [ (8) ] الزمر: 65. [ (9) ] الأحزاب: 1. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 206 - تعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [ (1) ] ، وما كان طردهم، وما كان من الظالمين. قال: وأما عصمتهم من هذا الفن قبل النبوة، فللناس فيه خلاف، والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل باللَّه وصفاته والتشكك في شيء من ذلك، وقد تعاضدت الأخبار والآثار عن الأنبياء- عليهم السلام- بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا، ونشأتهم على التوحيد والإيمان، بل على إشراق نور المعارف ونفحات الطاف، السعادة، ولم ينقل أحد من أهل الأخبار أن أحدا نبّئ واصطفى ممن عرف بكفر وإشراك قبل هذا. ومستند هذا الباب النقل، وقد استدل بعضهم بأن القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله، وأنا أقول: إن قريشا قد رمت نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم بكل ما افترته وغير كفار الأمم أنبياءها بكل ما أمكنها، واختلقته بما نص اللَّه- تعالى- عليه أو نقلته إليه الرواة، ولم نجد في شيء من ذلك تعيير الواحد منهم برفضه آلهته، وتقريعه بذمة ترك ما كان قد جاء معهم عليه، ولو كان لكانوا لذلك مبادرين، وبتلونه في معبوده محتجين، ولكان توبيخهم له بنهيهم عما كان يعبد قبل أفظع وأقطع في الحجة من توبيخه بنهيهم عن تركهم آلهتهم، وما كان يعبد آباؤهم من قبل، ففي إطباقهم على الإعراض عنه دليل على أنهم لم يجدوا سبيلا إليه، وما سكتوا عنه كما لم يسكتوا عنه تحويل القبلة، وقالوا: ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها [ (2) ] كما حكاه اللَّه- تعالى- عنهم. وقد استدل القاضي القشيري على تنزيهم عن هذا بقوله- تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [ (3) ] ، وقوله- تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ [ (4) ] ، إلى قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [ (5) ] ، قال:   [ (1) ] الأنعام: 52. [ (2) ] البقرة: 142. [ (3) ] الأحزاب: 7. [ (4) ] آل عمران: 81. [ (5) ] آل عمران: 81. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 207 فأظهره اللَّه في الميثاق، وبعيد أن يأخذ منه الميثاق قبل خلقه ثم يأخذ ميثاق النبيين بالإيمان به ونصره قبل مولده بدهور ويجوز عليه الشرك أو غيره من الذنوب، هذا ما لا يجوزه إلا ملحد، هذا معنى كلامه. وكيف يكون ذلك؟ وقد أتاه جبريل- عليه السّلام- وشق قلبه صغيرا، واستخرج منه علقة، وقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله وملأه حكمة وإيمانا كما تظاهرت به أخبار المبدإ. قال كاتبه: يكون نبيا وآدم بين الماء والطين، ثم يجوز عليه شيء من النقائص التي نزه اللَّه عنها أنبياءه، هذا ما لا يقوله جاهل ومعاند. قال القاضي: ولا يشتبه عليك بقول إبراهيم- عليه السّلام- في الكواكب والقمر والشمس: هذا ربي فإنه قد قيل: كان هذا في سن الطفولية وابتداء النظر والاستدلال، وقبل لزوم التكليف. وذهب معظم الحذاق من العلماء والمفسرين إلى أنه إنما قال ذلك مبكتا لقومه ومستدلا عليهم، وقيل: معناه الاستفهام الوارد مورد الإنكار، والمراد: أفهذا ربي؟ قال الزجاج قوله: هذا ربي أي على قولكم: أين شركائي؟ أي عندكم، ويدل على أنه لم يعبد شيئا من ذلك، ولا أشرك باللَّه قط طرفة عين. قول اللَّه- تعالى عنه: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ [ (1) ] ، ثم قال: أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ [ (2) ] ، ثم قال- تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ [ (3) ] ، وقوله- تعالى: إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [ (4) ] ، أي من الشرك، وقوله- تعالى: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [ (5) ] ، فان قلت: فما معنى قوله: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، قيل: إنه إن لم يؤيدني   [ (1) ] الشعراء: 70. [ (2) ] الشعراء: 75. [ (3) ] الشعراء: 75- 77. [ (4) ] الصافات: 84. [ (5) ] إبراهيم: 35. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 208 بمعونته أكن مثلكم في ضلالكم وعبادتكم، على معنى الإشفاق والحذر، وإلا فهو معصوم في الأزل من الضلال. وقال أبو محمد بن حزم: وأما قوله: إذ رأى الشمس والقمر، فقال: هذا ربى، فقد قال قوم: إن هذا كان محققا أول خروجه من الغار، وهذه خرافة موضوعة ظاهرة الافتعال ومن المحال الممتنع أن يبلغ أحد حدّ التمييز والكلام بمثل هذا، ولم ير قط ضوء شمس بنهار، ولا ضوء قمر بالليل، وقد أكذب اللَّه- تعالى- هذا الظن بقوله الصادق: وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ [ (1) ] ، فمحال أن يكون من آتاه رشده من قبل يدخل في عقله أن الكواكب والقمر أو الشمس ربه، من أجل أنها أكبر قرصا من القمر، هذا ما لا يظنه إلا مقلد سخيف. والصحيح من ذلك أنه- عليه السلام- إنما قال ذلك موبخا لقومه، كما قال ذلك لهم في الكبير من الأصنام، ولا فرق، لأنهم كانوا على دين الصالحين يعبدون الكواكب، ويصورون الأوثان على صورها، وأسمائها في هياكلهم، ويعدون لها الأعياد، ويذبحون لها الذبائح، ويقربون لها القرابين والدخن، ويقولون: إنها تعقل، وتدبر، وتضر، وتنفع، ويقيمون لكل كوكب منها شريعة محدودة، وقد وبخهم الخليل- عليه السّلام- على ذلك وسخر منهم، وجعل يريهم تعظيم الشمس لكبر جرمها، كما قال- تعالى: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [ (2) ] ، فأراهم ضعف عقولهم في تعظيمهم هذه الأجرام المسخرة الجمادية، وبين لهم أنها مدبرة تنتقل في الأماكن، ومعاذ اللَّه أن يكون الخليل أشرك قط برب أو شك في أن الفلك بما فيه مخلق، وبرهان قولنا هذا أن اللَّه تعالى لم يعاتبه على شيء مما ذكرنا ولا عنفه على ذلك، فصح أن هذا بخلاف ما وقع لآدم- عليه السّلام، وأنه وافق مراد اللَّه- تعالى- فيما قال من ذلك، وبما فعل، يعني إبراهيم- عليه السّلام.   [ (1) ] الأنبياء: 51. [ (2) ] المطففين: 34. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 209 وقال الطوفي [في قوله تعالى] : وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [ (1) ] ، هذا يدل على أن قوله [تعالى] : وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [ (2) ] ، أراد به طمأنينة العيان، لأن اللَّه- تعالى- أخبر أنه أراه الملكوت ليوقن، وإحياء الموتى من قبيل الملكوت العيني: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي [ (3) ] ، حاصلها أنه استدلال بحركات الكواكب وأفولها على عدم إلهيتها وربوبيتها وذلك بناء على مقدمات: الأولى: إثبات الأعراض: وهي ما لا يقوم بنفسه فيفتقر إلى موضوع يقوم به كالحركة والسكون. والألوان وهي الاجتماع والافتراض وغير ذلك من الأعراض وإثباتها شهادة بالحس. الثانية: أن الأعراض مغايرة للجواهر: بدليل أن الجوهر الواحد تتعاقب عليه الأضداد من الأعراض كالحركة والسكون، والسواد والبياض، وذاته في الحالين واحدة، فالجوهر الباقي غير العرض الفاني. الثالثة: أن الأعراض لا تنفك عن الجواهر: إذ لو انفكت عنها، لزم قيام العرض بذاته، وأنه محال. الرابعة: أن الأعراض حادثة، وهذا لأنها تتعاقب على الجواهر وجودا وعدما مسبوقا بعضها ببعض، والحدوث من لوازم المسبوقية، والملزوم موجود قطعا، فاللازم كذلك. الخامسة: أن ما لا ينفك عن الحادث أو لا ينفك عنه الحادث يجب أن يكون حديثا، إذ لو كان قديما مع أنه لم يفارق الحادث لزم تقدمه على الحادث، وذلك يوجب انفكاكه عن الحادث فيما قبل وجود الحادث، وذلك يستلزم أنه انفك عن الحادث على تقدير أنه لم ينفك عنه، وأنه محال، ولأن زيدا وعمرا لو ولدا في ساعة واحدة، ثم استمرا إلى تسعين سنة من مولدهما استحال أن يكون عمر   [ (1) ] الأنعام: 75. [ (2) ] البقرة: 261. [ (3) ] الأنعام: 76. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 210 أحدهما مائة دون الآخر، وإذا ثبتت هذه المقدمات ثبتت حدوث الجواهر، لعدم انفكاكها عن الأعراض الحادثة. وينتظم البرهان هكذا: الجواهر لا تفارق الحوادث، وكل ما لا يفارق الحوادث حادث. فالجوهر حادث، والعالم إما جواهر وإما أعراض، وقد ثبت حدوثها فالعالم المؤلف منهما بأسره حادث. والحادث: إما أن يكون الموجد له هو، وهو محال أو غيره، فهو إما حادث فيلزم الدور أو التسلسل أو قديم، وهو المطلوب كما سبق تقريره، فهذه الطريقة العامة في إثبات حدوث العالم وقدم الصانع، فهي مستفادة من إبراهيم- عليه السلام- في مقامه هذا النظري، ولقد أوتى رشده من قبل، ومتكلمو الإسلام تلاميذه في هذه الطريقة، وهي أيسر الطرق وأحسنها، والرشد الإبراهيمي عليها ظاهر، ونور برهانها ساطع باهر، وحاجه قومه هذه المحاجة إنما تقومت بإبراهيم وقومه، لأنها مفاعلة تستدعى أكثر من فريق واحد، ففيها أدل دليل على الحجاج والجدال في طلب الحق في أصول الدين وفروعه، اقتداء بإبراهيم- عليه السلام. قال القاضي عياض- رحمه اللَّه: فإن قلت: فما معنى قوله- تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [ (1) ] ، ثم قال- تعالى- بعد عن الرسل: قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها؟ فلا يشكل عليك لفظة العود، وأنها تقتضي أنهم إنما يعودون إلى ما كانوا فيه من ملتهم، فقد تأتى هذه اللفظة في كلام العرب لغير ما ليس له ابتداء بمعنى الصيرورة، كما جاء في حديث الجهنميين عادوا حمما، ولم يكونوا قبل كذلك ومثله قول الشاعر: فعادا بعد أبوالا   [ (1) ] إبراهيم: 13. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 211 وما كانا قبل كذلك، وقال الأستاذ أثير الدين أبو حيان في قوله- تعالى: لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [ (1) ] ، عاد لها استعمالان: أحدهما: أن تكون بمعنى [تعود] ، قال: تعود فيكم جزر الجزور ماحنا ... ويرفعن بالأسياف منكسرات. والثاني: بمعنى رجع إلى ما كان عليه فعلى الأول لا إشكال في قوله: (أَوْ لَتَعُودُنَّ) فعلا مسندا إلى شعيب وأتباعه، ولا يدل على أن شعيبا كان في ملتهم. وعلى المعنى الثاني: يشكل، لأن شعيبا لم يكن في ملتهم قط، لكن أتباعه كانوا فيها. وأجيب عن هذا بوجوه: أحدها: أن يراد بعود شعيب إلى الملة حال سكوته عنهم قبل أن يبعث، لا حالة الضلال، فإنه كان يخفى دينه إلى أن أوحى اللَّه- تعالى- إليه. الثاني: أن يكون من باب تغليب حكم الجماعة على الواحد، لما عطفوا أتباعه على ضميره في الإخراج، استحبوا عليه حكمهم في العود، وإن كان شعيب بريئا مما كان عليه قبل الإيمان. الثالث: أن رؤساءهم قالوا ذلك على سبيل التلبيس على العامة والإيهام أنه كان منهم. وقال الطوفي: قول شعيب: قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها [ (2) ] ، لما ما كان منشؤه في قوم كفار انعقد له سبب موافقتهم، فتجوز به عن ملابسة ملتهم، فسمى إعراضه عنها بهداية اللَّه- عز وجل- إياه نجاة، ودخوله فيها لو قدر عودا إليها.   [ (1) ] الأعراف: 88. [ (2) ] الأعراف: 89. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 212 قال القاضي عياض: فإذا قلت: فما معنى قوله- تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [ (1) ] ؟ فليس هو في الضلال الّذي هو الكفر، قيل: ضالا عن النبوة فهداك إليها، قاله الطبري، وقيل: ووجدك بين أهل الضلال، فعصمك من ذلك وهداك للإيمان وإلى إرشادهم، ونحوه عن السدي وغير واحد، وقيل: ضالا عن شريعتك، أي لا تعرفها، فهداك إليها، والضلال هاهنا التحير ولهذا، كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يخلوا بغار حراء في طلب ما يتوجه إلى ربه وينشرح به، حتى هداه اللَّه- تعالى- إلى الإسلام، قال معناه القشيري، وقيل: لا تعرف الحق فهداك إليه، وهذا مثل قوله- تعالى: وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [ (2) ] ، قاله على بن عيس. قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لم يكن له صلّى اللَّه عليه وسلّم ضلالة معصية، وقيل: إني أبين أمرك بالبراهين، وقيل: وجدك ضالا بين مكة والمدينة فهداك إلى المدينة، وقيل: وجدك فهدى بك ضالا، وعن جعفر بن محمد: ووجدك ضالا عن محبتي لك في الأزل، أي لا تعرفها، فمننت عليك بمعرفتي. وقرأ الحسن بن علي: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [ (3) ] ، أي اهتدى، وقال: ابن عطاء ووجدك ضالا، أي محبا لمعرفتي، والضال المحب، كما قال- تعالى: إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ [ (4) ] ، أي محبتك القديمة، ولم يريدوا هاهنا إذ لو قالوا ذلك في نبي اللَّه لكفروا. ومثله عند هذا قوله- تعالى: إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (5) ] ، أي محبة بينة، وقال الجنيد: ووجدك متحيرا في بيان ما أنزل إليك فهداك، لبيان   [ (1) ] الضحى: 7. [ (2) ] النساء: 103. [ (3) ] الضحى: 7. [ (4) ] يوسف: 95. [ (5) ] يوسف: 30. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 213 قوله- تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ [ (1) ] ، وقيل: وجدك لم يعرفك أحد بالنّبوّة حتى أظهرك، فهدى بك السعداء ولا أعلم أحدا من المفسرين قال فيها: ضالا عن الإيمان وكذلك في قصة موسى- عليه السلام قوله تعالى: فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [ (2) ] ، أي من المخطئين الفاعلين شيئا بغير قصد، قاله ابن عرفة. قال الأزهري: معناه من الناسبين، وقد قيل في قوله: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [ (3) ] ، أي ناسيا، كما قال- تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما [ (4) ] ، وقال عطية وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [ (5) ] ، أي على غير طريق هذا الدين الّذي بعثت به، ولم يكن صلّى اللَّه عليه وسلّم في ضلال الكفار ولا في غفلتهم، لأنه لم يشرك قط، وإنما كان مستهديا ربه- عز وجل- موحدا والسائل عن الطريق المتحير يقع عليه في اللغة اسم ضال وقال الطوفي: وقيل: لما نشأ بين قوم كفار نعقد له سبب الضلال، فلولا أن أنقذه اللَّه- تعالى- من ملتهم بهداه وبوحيه لضل، فسمى انعقاد سبب الضلال ضلالا على المجاز، كما يقال: وجدت فلانا غريقا فأنقذته، أو قتيلا بين أعدائه فأحييته ونحوه إذا انعقد له سبب ذلك. وفي هذه الآية عشرين قولا، هذا أقربها إلى التحقيق وإليه يرجع قوله ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [ (6) ] . قال القاضي عياض: فإن قلت: ما معنى قوله- تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [ (7) ] ، فالجواب أن السمرقندي قال: معناه ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن ولا كيف تدعو الخلق إلى الايمان، قال أبو بكر   [ (1) ] النحل 44. [ (2) ] الشعراء: 20. [ (3) ] الضحى: 7. [ (4) ] البقرة: 282. [ (5) ] الضحى: 7. [ (6) ] الشورى: 52. [ (7) ] الشورى: 52. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 214 القاضي نحوه قال: ولا الإيمان الّذي هو الفرائض والأحكام، قال: فكان قبل مؤمنا بتوحيده، ثم نزلت الفرائض التي لم يكن يدريها قبل، فزاد بالتكليف إيمانا. وكذلك الحديث الّذي يرويه عثمان بن أبي شيبة بسنده، عن جابر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يشهد مع المشركين مشاهدهم فسمع مليكن خلفه، أحدهما يقول لصاحبه: اذهب حتى تقوم خلفه، فقال الآخر: كيف أقوم خلفه وعهده باستلام الأصنام، فلم يشهدهم بعد، فهذا حديث أنكره أحمد بن حنبل، وقال: هنا موضوع أو شيبة بالموضوع. وقال الدارقطنيّ: إن عثمان وهم في إسناده والحديث بالجملة منكر، غير متفق على إسناده فلا يلتفت إليه، والمعروف عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند أهل العلم من قوله: بغضت إلى الأصنام وقوله- في الحديث الآخر حين كلمه عمه وآله في حضور بعض أعيادهم وعزموا عليه فيه بعد كراهته لذلك، فخرج معهم ورجع مرعوبا- فقال: كلما دنوت عليها من صم تمثل لي شخص أبيض طويل يصيح بى وراءك لا تمسه فما شهد بعد لهم عيدا. وقوله في قصة بحيرا حين استحلف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم باللات والعزى إذا لقيه بالشام في سفره مع عمه أبي طالب وهو صبي، ورأى فيه علامات النبوة، فأخبره بذلك، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسألنى بهما فو اللَّه ما أبغضت شيئا قط بغضهما فقال له بحيرا: فباللَّه إلا ما أخبرتنى عما اسألك عنه، فقال: سل ما بدا لك، وكذلك المعروف من سيرته صلّى اللَّه عليه وسلّم وتوفيق اللَّه- تعالى- له أنه كان قبل نبوته يخالف المشركين في وقوفهم بمزدلفة في الحج، وكان يقف هو بعرفة، لأنه كان موقف إبراهيم- عليه السلام. قال الطوفي في قوله- تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، مع قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين: وأنه حين ولد خر ساجدا مشيرا بإصبعه إلى السماء، وأنه لم يزل صلّى اللَّه عليه وسلّم كارها الأصنام مبغضا لها قبل النبوة، ولم يحلف بها، ولا أكل مما ذبح لها. وإجماع الناس على أن نبيا من الأنبياء لم يكفر باللَّه وخلا من الإيمان به طرفه عين، فالواجب تأويل الآية على ما يزيل عنها هذا المحذور، مثل أن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 215 المراد ما ما كنت تدري ما الكتاب. ولا كيفية ماهية الإيمان وحقيقته، ولا يلزم من كونه مؤمنا معرفة ذلك، بدليل أن أكثر الناس هم كذلك، أو ما كنت تدري ما الكتاب ولا الدعاء إلى الإيمان، إذ كيفية دعاء الناس إلى الإيمان، إنما تعلم بالوحي، فقبل الوحي من أين تعلم؟ ولا يلزم من كون الإنسان مؤمنا في نفسه أن يدرى كيف يدعو إلى ما يدعو غيره لجواز أن يتعبد اللَّه- تعالى- كل إنسان بأمر غير ما تعبد به الآخر، اختص النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخواص تعبد لم تكن لغيره. قال القاضي عياض: قد بان مما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان والوحي، وعصمتهم في ذلك- على ما بيناه- فأما ما عدا هذا الباب من عقود قلوبهم، فجماعها أنها مملوءة علما ويقينا على الجملة وإنما احتوت من المعرفة بأمور الدين والدنيا ما لا شيء فوقه، ومن طالع الأخبار واعتنى بالحديث وتأمل ما قلناه، وجده إلا أن أحوالهم في هذه المعارف تختلف، فأما ما تعلق منها بأمر الدنيا فلا يشترط في حق الأنبياء- عليهم السلام- العصمة من عدم معرفة الأنبياء ببعضها أو اعتقادها على خلاف ما هي عليه، ولا وصم عليهم فيه إذ هممهم متعلقة بالآخرة وأسبابها وأمر الشريعة وقوانينها، وأمور الدنيا تضادهم بخلاف غير هم الذين: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ [ (1) ] ، كما سنبين- إن شاء اللَّه تعالى- ولكنه لا يقال إنهم لا يعلمون شيئا من أمر الدنيا، فإن ذلك يؤدى إلى الغفلة والبله، وهم المنزهون عنه، بل قد أرسلوا إلى أهل الدنيا، وقلدوا سياستهم وهدايتهم والنظر في مصالح دينهم ودنياهم، وهذا لا يكون مع هدم العلم بأمور الدنيا بالكلية، وأحوال الأنبياء وسيرتهم في هذا الباب معلومة، ومعرفتهم بذلك كله مشهورة، وإن كان هذا العقد مما يتعلق بالدين، فلا يصح من النبي إلا العلم، ولا يجوز عليه جهله جملة لأنه لا يخلو أن يكون حصل عنده ذلك عن وحي من اللَّه- تعالى- فهو ما لا يصح الشك منه على ما قدمناه، فكيف الجهل؟ بل حصل له العلم اليقين أو يكون فعل ذلك باجتهاده، فلما لم ينزل عليه فيه شيء على القول بتجويز الاجتهاد منه في ذلك على قول المحققين، وعلى مقتضى حديث   [ (1) ] الروم: 7. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 216 أم سلمه إني انما أقتضي بينكم برأيي فيما لم ينزل عليّ فيه، وخرّجه الثقات، وكقصة أسرى بدر، والإذن للمتخلفين- على رأى بعضهم- فلا يكون أيضا ما يعتقده مما يثمره اجتهاده إلا حقا، وصحيحا، هذا هو الحق الّذي لا يلتفت إلى خلاف من خالف فيه، لا على القول بتصويب المجتهدين الّذي هو الحق، والصواب عندنا لا على القول الآخر بأن الحق في طرف واحد، لعصمة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الخطأ في الاجتهاد في الشرعيات، ولأن القول في تخطئة المجتهدين، إنما هو استقراء الشرع ونظر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واجتهاده إنما هو فيما لم ينزل عليه فيه شيء، ولم يشرع له قبل هذا فيما عقد عليه قلبه فأما ما لم يعقد عليه قلبه، من أمر النوازل الشرعية، فلقد كان لا يعلم منها أولا إلا ما علمه اللَّه شيئا، حتى استقر علم جملتها عنده، إما بوحي من اللَّه- تعالى- وإذن أن يشرع في ذلك ويحكم بما أراه. وقد كان ينتظر الوحي في كثير منها، ولكنه لم يمت حتى اسقر علم جملتها عنده صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتقررت معارفها لديه على التحقيق، ورفع الشك والريب، وانتفاء الجهل، وبالجملة فلا يصح منه الجهل بشيء من تفاصيل الشرع الّذي أمر بالدعوة إليه، إذ لا تصح دعوته إلى ما لا يعلمه. قال جامعه ومؤلفه: قد اختلف في اجتهاد الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما لا نص عنده فيه، فاحتج من أجاز ذلك بقوله- تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ [ (1) ] ، وقد اختلفت عبارات المفسرين في معناها. فقال الكرماني: بما أراك اللَّه، بما علمك وعرفك في الحجة، وهو من الرأى الّذي هو الاعتقاد، لأن الرأى بمعنى العلم يستدعى ثلاثة مفاعيل، قال الرازيّ: وهذه الآية تدل على أنه- صلوات اللَّه تعالى عليه- ما كان يحكم إلا بالوحي والنص. وقال الزمخشريّ: بما أراك اللَّه، بما عرفك وأوحى به إليك، وعن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لا يقل أحدكم قضيت بما أرانى اللَّه، لأن   [ (1) ] النساء: 105. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 217 اللَّه لم يجعل ذلك إلا لنبيه، ولكن ليجتهد رأيه، لأن الرأي من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مصيبا، لأن اللَّه كان يريه إياه، وهو منا الظن والتكليف. وقال الماتريدي: قوله: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ، أي موافقا لما هو الحق في فعل كل أحد، وهو التكليف دون الأعمال، أو بما له عاقبة حميدة، لأن ما ليس كذلك عبث وباطل، أو مبينا بما هو الحق للَّه على العباد، وبما لبعضهم على بعض، ليعملوا بذلك، أو بيانا لأمر هو حق كائن ثابت، وهو البعث والقيامة، ليتزودوا له، أو مما يحمد عليه فاعله، أو بالعدل والصدق على الأمن من التغيير والتبديل، بما أراك اللَّه وألهمك. وفيه دليل على جواز اجتهاده كالنص، لأن اللَّه- تعالى- أخبر أنه يريه ذلك، ولا يريه غير الصواب. وقال ابن حيان: معنى قوله: بِما أَراكَ اللَّهُ، يريد به بما أراك اللَّه- تعالى- من القرآن وعلمك إياه، وقال الأثير أبو حيان: ومعنى: بِما أَراكَ اللَّهُ بما أعلمك من الوحي، وقيل: بالنظر فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم محروس في اجتهاده معصوم الأقوال والأفعال، وقيل: بما ألقاه في قلبك من أنوار المعرفة، وصفاء الباطن، واحتج من أجاز ذلك أيضا بأن منصب الاجتهاد في الأحكام منصب كمال، فلا ينبغي أن يفوته صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد دل على وقوعه منه قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو قلت: نعم، لوجبت، وقوله: لو كنت سمعت شعرها ما قتلت أباها، في قضيتين مشهورتين: أما القضية الأولى: فخرّج مسلم [ (1) ] من حديث يزيد بن هارون عن الربيع بن مسلم القرشي، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 108- 110، كتاب الحج، باب (73) فرض الحج مرة في العمر، حديث رقم (1337) . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: (يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول اللَّه فسكت، حق قالها ثلاثا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو قلت: نعم لو جبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 218   [ () ] أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) هذا الرجل السائل هو الأقرع بن حابس كذا جاء مبينا في غير هذه الرواية واختلف الأصوليون في أن الأمر هل يقتضي التكرار، والصحيح عند أصحابنا لا يقتضيه، والثاني يقتضيه، والثالث يتوقف فيما زاد على مرة على البيان فلا يحكم باقتضائه ولا بمنعه، وهذا الحديث قد يستدل به من يقول بالتوقف، لأنه سأل فقال: أكل عام؟ ولو كان مطلقة يقتضي التكرار أو عدمه لم يسأل، وقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا حاجة إلى السؤال، بل مطلقة محمول على كذا، وقد يجيب الآخرون عنه بأنه سأل استظهارا واحتياطا، وقوله: «ذروني ما تركتكم» ظاهر في أنه يقتضي التكرار. قال الماوردي: ويحتمل أنه إنما احتمل التكرار عنده من وجه آخر، لأن الحج في اللغة قصد فيه تكرار فاحتمل عنده التكرار من جهة الاشتقاق لا من مطلق الأمر، قال: وقد تعلق بما ذكرناه عن أهل اللغة هاهنا من قال بإيجاب العمرة، وقال: لما كان قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ يقتضي تكرار قصد البيت بمحكم اللغة والاشتقاق، وقد أجمعوا على أن الحج لا يجب إلا مرة كانت العودة الأخرى إلى البيت تقتضي كونها عمرة، لأنه لا يجب قصده لغير حج وعمرة بأصل الشرع. وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو قلت نعم لوجبت ففيه دليل للمذهب الصحيح أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان له أن يجتهد في الأحكام، ولا يشترط في حكمه أن يكون بوحي، وقيل: يشترط، وهذا القائل يجيب عن هذا الحديث بأنه لعله أوحى إليه ذلك، واللَّه أعلم. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: (ذروني ما تركتكم) دليل على أن الأصل عدم الوجوب، وأنه لا حكم قبل ورود الشرع، وهذا هو الصحيح عند محققي الأصوليين لقوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا. وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه استطعتم هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويدخل فيه ما لا يحصي من الأحكام كالصلاة بأنواعها فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل الممكن، وإذا وجد بعض ما يكفيه جماعة من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن، وإذا وجبت إزالة منكرات أو فطرة جماعة من تلزمه نفقتهم أو نحوه، وأمكنه البعض فعل الممكن وإذا وجد ما يستر بعض عورته أو حفظ بعض الفاتحة أتى بالممكن، وأشباه هذا منحصرة وهي مشهورة في كتب الفقه، والمقصود التنبيه على أصل ذلك. - الجزء: 11 ¦ الصفحة: 219 خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا أيها الناس قد فرض اللَّه الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول اللَّه؟ فسكت- حتى قالها ثلاثا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو قلت نعم لو جبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه. وخرّجه النسائي [ (1) ] من حديث أبي هاشم المغيرة بن سلمة المخزومي ثقة بصري، قال: أنبأنا الربيع بن مسلم- إلى آخره بمعناه، وقال فيه: ولو وجبت ما قمتم بها، وقال في آخره فاجتنبوه مكان فدعوه.   [ () ] وهذا الحديث موافق لقول اللَّه- تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وأما قوله- تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ، ففيه مذهبان: أحدهما أنها منسوخة بقوله- تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، والثاني- وهو الصحيح أو الصواب- وبه جزم المحققون أنها ليست منسوخة، بل قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ مفسرة ومبينة للمراد بها، قالوا: وحق تقاته هو امتثال أمره واجتناب نهيه ولم بأمر- سبحانه وتعالى- إلا بالمستطاع قال اللَّه- تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. وقال- تعالى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، واللَّه أعلم. وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: (وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) ، فهو على إطلاقه فإن وجد عذر يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة أو شرب الخمر عند الإكراه، أو التلفظ بكلمة الكفر إذا أكره ونحو ذلك، فهذا ليس منهيا عنه في هذه الحال واللَّه أعلم، وأجمعت الأمة على أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة بأصل الشرع وقد تجب زيارة بالنذر، وكذا إذا أراد دخول الحرم لحاجة لا تكرر كزيارة وتجارة- على مذهب من أوجب الإحرام لذلك- بحج أو عمرة. [ (1) ] (سنن النسائي) : 5/ 116- 117، كتاب مناسك الحج، باب (1) وجوب الحج، حديث رقم (2618) . قال الحافظ السندي: قوله: (في كل عام) أي هو مفروض على كل إنسان مكلف في كل سنة، أو هو مفروض عليه مرة واحدة (لو قلت نعم لوجبت إلخ) ، أي لوجب الحج كل عام وهذا بظاهره يقتضي أن أمر افتراض الحج كل عام كان مفوضا إليه، حتى لو قال: نعم، لحصل وليس بمستبعد، إذ يجوز أن يأمر اللَّه- تعالى- بالإطلاق، ويفوض أمر التقييد إلى- الجزء: 11 ¦ الصفحة: 220 وخرّج النسائيّ [ (1) ] من حديث سعيد بن أبي مريم، قال: أنبأنا موسى بن سلمة، قال: حدثني عبد الجليل بن حميد عن ابن شهاب، عن أبي سنان الدؤلي، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قام فقال: إن اللَّه قد كتب عليكم الحج، فقال الأقرع بن حابس التميمي: كل عام يا رسول اللَّه؟ فسكت، ثم قال: لو قلت: نعم لوجبت، ثم إذا لا تسمعون، ولا تطيعون، ولكنه حجة واحدة. وخرّجه قاسم بن أصبغ من حديث محمد بن كثير، أنبأنا سليمان، عن الزهري عن سنان بن أبي سنان، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه كتب عليكم الحج، فقيل: يا رسول اللَّه كل عام؟ قال: لا. ولو قلتها لوجبت الحج مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع [ (2) ] .   [ () ] الّذي فوض إليه البيان، فهو إن أراد أن يبقيه على الإطلاق يبقيه عليه، وإن أراد أن يقيده بكل عام يقيده به، ثم فيه إشارة إلى كراهة السؤال في النصوص المطلقة والتفتيش عن قيودها، بل ينبغي العمل بإطلاقها، حتى يظهر فيها قيد وقد جاء القرآن موافقا لهذه الكراهة (ذروني) أي اتركوني من السؤال عن القيود في المطلقات، (ما تركتكم) عن التكليف في القيود فيها، وليس المراد لا تطلبوا مني العلم ما دام لا أبين بنفسي (واختلافهم) عطف على كثرة السؤال، إذ الاختلاف وإن قل يؤدى إلى الهلاك، ويحتمل أنه عطف على سؤالهم فهو إخبار عمن تقدم بأنه كثر اختلافهم في الواقع فأداهم إلى الهلاك، وهو لا ينافي أن القليل من الاختلاف مؤد إلى الفساد (فإذا أمرتكم إلخ) يريد أن الأمر المطلق لا يقتضي دوام الفعل، وإنما يقتضي جنس المأمور به، وأنه طاعة مطلوبة ينبغي أن يأتي كل إنسان منه على قدر طاقته وأما النهي فيقتضي دوام الترك، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2619) . [ (2) ] راجع الحواشي السابقة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 221 وخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سنان، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه الحج في كل سنه أو مرة واحدة؟ قال: بل مرة واحدة، فمن زاد فتطوع، قال أبو داود: وهو أبو سنان الدؤلي، كذا قال عبد الجليل بن حميد وسليمان بن كثير جميعا، عن الزهري، وقال عقيل: عن سنان. وأما القضية الثانية: فقال أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر: قتيلة بنت النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أباها يوم بدر صبرا، قال الواقدي: أسلمت قتيلة يوم الفتح، قال ابن عبد البر: كانت شاعرة محسنة، ولما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بدر كتبت إليه في أبيها، وذلك قبل إسلامها [ (2) ] . يا راكبا إن الأثيل مظنة الأبيات. فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك بكى، حتى اخضلت بالدموع لحيته، وقال: لو بلغني شعرها هذا قبل أن أقتله لعفوت عنه، ذكر هذا الخبر عن عبد اللَّه بن إدريس في حديثه، وذكره الزبير بن بكار، وقال: فرق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى دمعت عيناه، وقال لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لو كنت سمعت شعرها ما قتلت أباها، قال الزبير: وسمعت بعض أهل العلم يغمز أبياتها هذه، ويقول: أنها مصنوعة [ (3) ] ، واللَّه- تعالى- اعلم.   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 2/ 344- 345، كتاب المناسك، باب (1) فرض الحج، حديث رقم (1721) . [ (2) ] (الإستيعاب) : 4/ 1904، ترجمة رقم (4070) . [ (3) ] (الإستيعاب) : 4/ 1905، (سيرة ابن هشام) : 3/ 309. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 222 وأحتج من منع اجتهاده صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله- تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [ (1) ] ، فأخبر- تعالى- أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يحكم إلا بالوحي، قالوا والسنة الواردة عنه كانت توحى إليه. كما خرّجه أبو داود [ (2) ] ، من حديث جرير بن عثمان، عن عبد الرحمن ابن أبي عون، عن المقدام بن معديكرب، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه. ورواه بقية عن الزبيدي، عن مروان بن رؤبة، عن عبد الرحمن بن عوف الجرشي، عن المقدام بن معديكرب، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ألا إني أوتيت الكتاب، وما يعدله، يوشك رجل شبعان على أريكته، فذكره مثله إلى آخره [ (3) ] . وخرّج أبو داود من حديث أشعث بن شعبة، قال: حدثنا أرطاة بن المنذر قال: سمعت حكيم بن عمير أبا الأحوص يحدث عن العرباض بن سارية، قال: نزلنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر، فذكر الحديث، وفيه: أمر مناديا أن الجنة لا تحل إلا لمؤمن، وأن اجتمعوا للصلاة، فاجتمعوا وصلّى بهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم قال: أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن اللَّه لم يحرم شيئا إلا في القرآن، ألا وإني قد أمرت ووعظت، ونهيت عن أنهما لمثل القرآن أو أكثر، وأن اللَّه لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب لنسائهم، ولا أكل   [ (1) ] النجم: 3- 4. [ (2) ] (سنن أبي داود) : 5/ 10- 12، كتاب السنة، باب (6) في لزوم السنة، حديث رقم (4604) . [ (3) ] أخرجه الترمذي في العلم، حديث رقم (2666) ، باب ما ينهى أن يقال عند حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وابن ماجة في المقدمة، حديث رقم (12) ، وحديث أبي داود أتم من حديثيهما. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 223 ثمارهم إذا أعطوكم الّذي عليهم، قال أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي قوله: أتيت الكتاب، ومثله معه، يتحمل وجهين من التأويل: أحدهما: أنه أوتى من الوحي الباطن غير المتلو، مثل ما أعطى من الظاهر. والثاني: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوتى الكتاب وحيا يتلى وأوتى من البيان مثله، أي أذن له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبين ما في الكتاب فيعم ويخصص ويزيد عليه ويشرح ما في الكتاب، فيكون في وجوب العمل به ولزوم قبوله كالزاهر المتلو من القرآن، وقوله: كالظاهر يوشك رجل شبعان على أريكته، الحديث يحذر بهذا القول من مخالفة السنن التي سنها، مما ليس في القرآن له ذكر. قالوا: وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: في الرضى والغضب، والجد والمزاح حق، لما خرجه الترمذي [ (1) ] من حديث أسامة بن زيد عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قالوا: يا رسول اللَّه إنك تداعبنا، قال: إني لا أقول إلا حقا، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وخرّج أبو بكر بن أبي شيبة [ (2) ] ، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان. عن أبي عبيد بن الأخنس، قال: حدثني الوليد بن عبد اللَّه، عن يوسف بن مالك، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتكلم في الرضى والغضب، فأمسكت فذكرت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأشار بيده إلى فيه، فقال: اكتب فو الّذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق. خرجه أبو داود قال: أنبأنا مسدد، وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: حدثنا يحيى ابن سعيد، عن عبيد اللَّه بن الأخنس، عن الوليد بن عبد اللَّه بن أبي معتب، إلى آخره بنحوه، قالوا: ولأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قادر على يقين الوحي، والاجتهاد لا يفيد،   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 314، كتاب البر والصلة، باب (57) ما جاء في المزاح، حديث رقم (1990) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. [ (2) ] (المصنف) : 5/ 314، باب (173) من رخص في كتابه العلم، حديث رقم (26419) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 224 فجوازه في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم والحالة هذه كالتيمم مع القدرة على الماء، ثم على القول بأن الاجتهاد جائز، هل يقع منه الخطأ فيه أم لا؟ فيه قولان للأصوليين: أحدهما: لا يقع منه صلّى اللَّه عليه وسلّم خطأ في اجتهاده من الخطأ مطلقا. والثاني: نعم بشرط أن لا يقر عليه، واستدل من ذهب إلى هذا بقوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [ (1) ] ، قالوا: فعوتب صلّى اللَّه عليه وسلّم حيث أذن لهم في التخلف عن الغزو في غير موضع الإذن، وأجيب عن ذلك أن عفا اللَّه عنك افتتاح كلام أعلمه اللَّه- تعالى- عنه به أنه لا حرج عليه فيما فعل من الإذن، وليس هو عفوا عن ذنب، إنما هو أن اللَّه- تعالى- أعلمهم أنه لا يلزمه ترك الإذن لهم، كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: عفا اللَّه لكم عن صدقة الخيل، والرقيق وما وجبتا قط، ومعناه ترك أن يلزمكم ذلك، قاله أبو حيان، ونقل عن أبي عبد اللَّه بن إبراهيم ابن عرفة نفطويه، أنه قال: ذهب ناس إلى أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم معاتب في هذه الآية وحاشاه من ذلك بل كان له أن يفعل، وأن لا يفعل، وقد قال تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ، لأنه كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يفعل ما يشاء مما لم ينزل عليه فيه وحي، واستأذنه المخلفون في التخلف، واعتذروا فاختار صلّى اللَّه عليه وسلّم أيسر الأمرين تكرما منه وتفضلا، فأبان اللَّه- تعالى- أنه لو لم يأذن لهم لأقاموا على النفاق الّذي في قلوبهم، وأنهم كاذبون في الطاعة والمشاورة، قاله أبو حيان ووافقه عليه قوم، فقالوا،: ذكر العفو هنا لم يكن عن تقديم ذنب، وإنما هو استفتاح كلام جرت عادة العرب أن تخاطب بمثله تعظمه وترفع عن قدره، يقصدون بذلك الدعاء له، فيقولون: أصلح اللَّه الأمير كان كذا وكذا، فعلى هذا صيغته الخبر، ومعناه الدعاء. وكلام الزمخشريّ في تفسير قوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ، يجب اطراحه فضلا عن أن يذكر فيرد عليه، واستدلوا أيضا بقوله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى [ (2) ] ، ويتعلق بهذا مسألة التفويض،   [ (1) ] التوبة: 43. [ (2) ] الأنفال: 67، وتمامها: حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 225 وهي أنه هل يجوز أن يفرض اللَّه- تعالى- إلى نبي حكم الأمة أن يقول: احكم بينهم باجتهادك، وما حكمت به فهو حق، أو أنت لا تحكم إلا بالحق، فيه قولان: أقربهما الجواز، وهو قول موسى بن عمران من الأصوليين، لأنه مضمون له إصابة الحق، وكل مضمون له إصابة ذلك جاز له الحكم، أو يقال: هذا التفويض لا محذور فيه، وكل ما كان كذلك كان جائزا واللَّه- تعالى- أعلم. قال القاضي عياض: وأما ما تعلق بعقده صلّى اللَّه عليه وسلّم من ملكوت السموات والأرض، وخلق اللَّه- تعالى- وتعيين أسمائه- تعالى- وآياته الكبرى، وأمور الآخرة، وأشراط الساعة، وأحوال السعداء والأشقياء، وعلم ما كان ويكون، ما لا يعلمه إلا بوحي، فعلى ما تقدم من أنه معصوم فيه لا يأخذه فيما أعلم منه شك ولا ريب، بل هو في غاية اليقين، لكنه لا يشترط له العلم بجميع تفاصيل ذلك، وان كان عنده من علم ذلك ما ليس عند البشر، لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لا أعلم إلا ما علمني ربي، ولقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولا خطر على قلب بشر، ولا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين، وقول موسى للخضر- عليهما السلام: لا هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [ (1) ] ، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: أسألك اللَّهمّ بأسمائك الحسنى ما علمت منها، وما لم أعلم، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، وقد قال اللَّه- تعالى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [ (2) ] ، قال زيد بن أسلم وغيره: حتى ينتهى العلم إلى اللَّه- تعالى، وهذا ما لا خفاء فيه، إذا معلوماته- تعالى- لا يحاط بها، ولا منتهى لها، هذا حكم عقد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التوحيد، والشرع، والمعارف، والأمور الدينية. قال: واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الشيطان وكفايته منه لا في جسمه بأنواع الأذى، ولا على خاطره بالوساوس ثم ذكر قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول اللَّه؟   [ (1) ] الكهف: 66. [ (2) ] يوسف: 76. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 226 قال: وإياي ولكن اللَّه أعاننى عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير، قال: فإذا كان هذا حكم شيطانه وقرينه المسلط على بني آدم، فكيف بمن بعد عن سنته ولم يلزم شخصه، ولا قدر على الدنوّ منه؟ وقد جاءت الآثار بتصدي الشياطين له في غير موطن، رغبة في إخفاء نوره وإبانة نفسه، وإدخال شغل عليه، إذ يئسوا من أعوانه، فانقلبوا خاسرين، كتعرضه له في الصلاة، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأسره. ففي الصحاح قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن الشيطان عرض لي، قال عبد الرزاق: في صورة هرّ فشدّ عليّ يقطع على الصلاة، فأمكننى اللَّه منه فذعته، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية، حتى تصبحوا تنظرون إليه، فذكرت قول: أخى سليمان: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً [ (1) ] الآية، فرده اللَّه خاسئا. وفي حديث أبي الدرداء رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن عدو اللَّه إبليس جاءني بشهاب من نار، ليجعله في وجهي، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة، وذكر تعوذه باللَّه منه، ولعنه له، ثم أردت آخذه وذكر نحوه، وقال: لأصبحنه موثقا يتلاعب به ولدان أهل المدينة. وكذلك في حديث الأسماء وطلب العفريت له بشلغه، فعلمه جبريل ما يتعوذ به منه، ذكره في (الموطأ) [ (2) ] ، ولما لم يقدر على أذاه بمباشرته تثبت بالتوسط الى عداه كقضيته مع قريش في الائتمار بقتل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتصوره في صورة الشيخ النجدي، ومرة أخرى يوم بدر في صورة سراقة بن مالك، وهو قوله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ [ (3) ] الآية، ومرة ينذر بشأنه   [ (1) ] ص: 35، وتمامها: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ. [ (2) ] ورواه مسلم: في المساجد، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة، حديث رقم (542) . والنسائي: 3/ 13 في السهو، باب لعن إبليس والتعوذ منه في الصلاة. [ (3) ] الأنفال: 48، وتمامها: وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 227 عند بيعة العقبة، وكل هذا قد كفاه اللَّه أمره، وعصمه ضره، وشره، وقد قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن عيسى- عليه السّلام- كفى من لمسه، فجاء ليطعن بيده في خاصرته حين ولد فطعن في الحجاب، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: حين لد في مرضه وقيل له: خشينا أن يكون بك ذات الجنب، فقال إنها من الشيطان، ولم يكن اللَّه ليسلطه على. فإن قيل: فما معنى قوله- تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [ (1) ] الآية، فقد قال بعض المفسرين: إنها راجعة إلى قوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [ (2) ] ، ثم قال: وإما ينزغنك أي يستخفنك غضب يحملك على ترك الإعراض عنهم، فاستعذ باللَّه فقيل: النزغ هنا الفساد كما قال: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [ (3) ] ، وقيل: ينزغنك يغرينك، ويحركنك، والنزغ أدنى الوسوسة، فأمره اللَّه- تعالى- أنه متى تحرك عليه عدوه أو رام الشيطان من إغرائه به، وخواطر أدنى وساوسه، ما لم يجعل له سبيل اليه أن يستعيذ عنه فيكفى أمره، ويكون سبب تمام عصمته، إذ لم يسلط عليه بأكثر من التعرض له، ولم يجعل له قدرة عليه، وقد قيل في هذه الآية غير هذا، وكذلك لا يصح أن يتصور له الشيطان في صورة الملك، ويلبس عليه، لا في أول الرسالة، ولا بعدها، والاعتماد في ذلك دليل المعجزة، بل لا يشك النبي أن ما يأتيه من اللَّه الملك ورسوله حقيقة، إما بعلم ضروري يخلقه اللَّه له، أو ببرهان يظهره لديه، لتتم كلمة ربك صدقا وعدلا، لا مبدل لكلماته، فإنه قيل: فما معنى قوله- تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [ (4) ] . الآية، فاعلم أن للناس في هذه الآية أقاويل منها السهل، والغث، والسمين، والغث، وأولى ما يقال فيها ما عليه الجمهور من المفسرين أن التمني هاهنا التلاوة وإلقاء الشيطان فيها اشتغاله بخواطر وأذكار من أمور الدنيا للتالي، حتى يدخل عليه   [ (1) ] الأعراف: 200، وتمامها إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. [ (2) ] الأعراف: 199. [ (3) ] يوسف: 100. [ (4) ] الحج: 52، وتمامها: فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 228 الوهم، والنسيان، أو يدخل عليه غير ذلك على إيهام السامعين من التحريف وسوء التأويل ما يزيله، وينسخه ويكشف لبسه، ويحكم آياته. وقال أبو محمد بن حزم: الأماني الواقعة في النفس لا معنى لها، وقد يكون ذلك الشيء الّذي يلقى الشيطان في أمنية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خوفا من آدمي عدو له، أو تمنى إسلام مشرك قريب له لم يأذن اللَّه بإسلامه، أو ما أشبه هذا اللَّه ذلك في نفسه المقدسة ويطهرها منه. قال: وأما الحديث الّذي ذكر فيه وأنهن الغرانيق العلى وكذب مختلف موضوع بلا شك، ولم يصح قط، بطريق النقل، فلا معنى للاشتغال به، قال القاضي عياض: وقد حكى السمرقندي إنكار قول من قال: سلط الشيطان على ملك سليمان وغلبه عليه، وإن مثل هذا لا يصح، وقال مكي في قصة أيوب- عليه السلام- وقوله: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ [ (1) ] ، لا يجوز لأحد أن يقال: أن الشيطان هو الّذي أمرضه، وألقى الضر في بدنه، ولا يكون ذلك إلا بفعل اللَّه- تعالى، وأمره ليبتليهم، ويثبتهم، وقال مكي: وقيل: إن الّذي أصابه الشيطان ما وسوس به إلى أهله، فإن قلت: فما معنى قوله تعالى عن يوشع: وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ [ (2) ] ، وقوله عن يوسف: فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ [ (3) ] ، وقول نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم حين نام عن الصلاة يوم الوادي: إن هذا واد به شيطان، وقول موسى- عليه السلام- في وكزته: هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [ (4) ] ، فاعلم أن هذا الكلام قد يرد في جميع هذا على مورد مستمر في كلام العرب في وصفهم كل قبيح من شخص، أو فعل بالشيطان، أو فعله، كما قال- تعالى: كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [ (5) ] .   [ (1) ] ص: 41. [ (2) ] الكهف: 63، وتمامها: وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً. [ (3) ] يوسف: 42، وتمامها: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ. [ (4) ] القصص: 15 وتمامها: إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ. [ (5) ] الصافات: 65. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 229 وأيضا فإن قول يوشع- عليه السّلام- لا يلزمنا الجواب عنه، إذ لم تثبت له في ذلك الوقت نبوة مع موسى- عليه السّلام- قال اللَّه- تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ [ (1) ] ، المروي أنه إنما نبئ بعد موت موسى، وقيل: قبيل موته، وقول موسى كان قبل نبوته بدليل القرآن الكريم.   [ (1) ] الكهف: 60، وتمامها: لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 230 بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم وبه التوفيق ومنه الإعانة [ (1) ] وأما ذهاب الصورة المصورة بوضع يد المصطفى عليها صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث بشر بن بكر ... قال: حدثنا الأوزاعي عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل علي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا مستترة بقرام [ (3) ] فيه صورة فهتكه، ثم قال: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق اللَّه. قال الأوزاعي: قالت عائشة: أتاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببرنس فيه تمثال عقاب، فوضع عليه يده فأذهبه اللَّه [ (4) ] . وأما إعلامه بأن اللَّه تعالى يعطيه إذا سأل ما لم تجر به العادة فخرّج أبو نعيم من حديث ابن لهيعة، عن بكير بن عبد اللَّه الأشج، عن الحسن بن على، أن ابن أبي رافع حدثه: أن أبا رافع حدثه: أنه صاحب الذراع، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ناولني الذراع، فناولته، ثم قال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا نبي اللَّه وللشاة غير   [ (1) ] كذا بالأصل. [ (2) ] (سنن البيهقي) : 7/ 267: كتاب الصداق، باب المدعو يرى في الموضع الّذي يدعى فيه صورا منصوبة ذات أرواح فلا يدخل. [ (3) ] القرام ثوب من صوف ملون، فيه ألوان، وهو صفيق يتخذ سترا، والجمع قرم (لسان العرب) : 12/ 474. [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 81، باب ما جاء في التمثال الّذي وضع عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده فأذهبه اللَّه- عز وجل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 231 ذراعين؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو ناولتني ما زلت تناولني، قال أبو نعيم: رواه عمرو بن الحارث، عن بكير [ (1) ] . وله من حديث أبي جعفر الرازيّ، عن داود بن أبي هند عن شرحبيل، عن أبي رافع [قال] : دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد جعلنا شاة في قدر، فقال: يا أبا رافع ناولني الذراع، فناولته، فانتهشها، ثم قال: ناولني الذراع، فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه إنما يكون للشاة ذراعان، فقال: لو ناولتني لم تزل تناولني، حتى أسكت، ثم قام يصلى وما مس ماء [ (2) ] ، قال: ودخل على يوما آخر وعندي لحم بارد فأكل منه، ثم قام فصلى، ولم يتوضأ. قال أبو نعيم: رواه عن شرحبيل بن سعدة، عن أبي رافع في أكل اللحم، وأنه صلى ولم يتوضأ جماعة منهم أبو خالد الدالاني، وسماك بن حرب، وزيد ابن أبي أنيسة، وسليمان بن أبي داود. وخرّج أيضا من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ، عن فائد عن عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن أبي رافع- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال: أمرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أصلي له شاة فصليتها له، ثم جئته بها، فقال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: كم لها من ذراع؟ فقال: [لو] سكتّ لوجدتها ما دعوت بها [ (3) ] . ومن حديث حماد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته سلمى، عن أبي رافع قال: دخل علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعندنا شاة مطبوخة، فقال: يا أبا رافع ناولني الذراع فناولته، فأكلها، ثم قال: ناولني الذراع، فناولته، فأكلها، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه وهل للشاة إلا ذراعان؟ فقال: لو سكت لأعطيتني أذرعا ما دعوتها [ (4) ] .   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] سبق تخريجه. [ (3) ] سبق تخريجه. [ (4) ] سبق تخريجه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 232 وخرّج من حديث أبان بن يزيد عن شهر بن حوشب، عن أبي عبيد قال: طبخت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قدرا، فقال: ناولني الذراع، وكان يعجبه الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والّذي نفسي بيده لو سكتّ، لأعطيتني ما دعوت بها. وخرج من حديث أبي مسلم الكوفي، قال: حدثنا أبو عاصم عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن شاة طبخت، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه إنما للشاة ذراعان، فقال: أما إنك لو التمستها لوجدتها [ (1) ] . ومن حديث طالوت بن عباد قال: حدثنا سعيد بن راشد: حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يعجبه في الشاة إلا الكتف، فذبح ذات يوم شاة، فقال: يا غلام ائتني بالكتف، فأتاه بها ثم قال له أيضا، فأتاه بها ثم قال له أيضا فأتاه بها، ثم قال: يا رسول اللَّه، إنما ذبحت شاة وقد أتيتك بثلاثة أكتاف، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو سكت لجئت بها ما دعوت بها [ (2) ] . ومن حديث ابن كاسب قال: حدثنا ابن أبي حازم عن العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دعا بذراع شاة فأكلها، ثم دعا بذراع أخرى فأكلها، ثم دعا بذراع أخرى، فقالوا: يا رسول اللَّه إنما للشاة ذراعان، فقال: والّذي نفسي بيده لو سكتم لوجدتموها [ (3) ] . وخرّج من حديث معاوية بن يحيى الصدفي أبي روح عن الزهري، عن خارجة بن زيد، عن أسامة بن زيد: أن امرأة أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بشاة مصلية، فقال لي: يا أسيم ناولني الذراع، فأصلحت الذراع فناولته فأكلها، ثم قال لي:   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] سبق تخريجه. [ (3) ] سبق تخريجه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 233 يا أسيم ناولني ذراعها، فقلت: يا رسول اللَّه، إنك قلت: ناولني الذراع فناولتكها، ثم قلت: ناولني الذراع، فناولتكها، ثم قلت: ناولني الذراع، وإنما للشاة ذراعان، فقال: إنك لو لم تراجعني ثم أهويت إليها، ما زلت تجد فيها ذراعا ما قلت لك [ (1) ] . قال أبو نعيم ووجه الدلالة من هذه الأخبار إعلامه صلّى اللَّه عليه وسلّم فضيلته بأن اللَّه يعطيه، إذا سأله ما لم تجر العادة به تفضيلا له، وتخصيصا، ليكون ذلك آية له في نفسه، ورفعة له في مرتبته، وإبانته في الكرامة عن الخليقة، أن لو التمس صلّى اللَّه عليه وسلّم ذراعا ثالثة من شاة واحدة، لكان اللَّه- عز وجل- يجيبه إلى مسألته، فأما إذا لم يسأل اللَّه- تعالى- فالفضيلة ثابتة، وإن كانت الآية معدومة، لأنها آية عطاء اللَّه- تعالى- نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] .   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 437، ذكر الأخبار التي أخرجتها أسلافنا في جملة دلائله صلّى اللَّه عليه وسلّم: قصة أذرع وأكتاف الشاة، عقب الحديث رقم (346) ، (347) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 234 وأما صدق رؤياه صلّى اللَّه عليه وسلّم عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها في المنام وصنع اللَّه له في تزويجها به بذهاب ما كان في نفس أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وعنها من عدة مطعم بن عدي بها لابنه فخرّج البخاري [ (1) ] في كتاب النكاح في باب النظر إلى المرأة قبل التزويج، وخرّج مسلم [ (2) ] في المناقب من حديث حماد بن زيد عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي، فأقول: إن يكن هذا من عند اللَّه يمضه. وقال البخاري: فقال لي: هذه امرأتك، ولم يقل ثلاث ليال، وخرّجه مسلم [ (3) ] من حديث ابن نمير، حدثنا ابن إدريس، وأبي أسامة، عن هشام بهذا الإسناد. وخرّجه البخاري في كتاب النكاح [ (4) ] في باب نكاح الأبكار، وفي كتاب التعبير [ (5) ] في باب كشف المرأة في المنام من حديث أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أريتك في المنام مرتين إذا   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 225، كتاب النكاح، باب (36) النظر إلى المرأة قبل التزويج، حديث رقم (5126) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 212، كتاب فضائل الصحابة، باب (13) فضل عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم. [ (3) ] المرجع السابق، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (4) ] (فتح الباري) : 9/ 150، كتاب النكاح، باب (10) نكاح الأبكار، حديث رقم (5078) . [ (5) ] (المرجع السابق) : 12/ 494، كتاب التعبير، باب (20) كشف المرأة في المنام، حديث رقم (7011) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 235 رجل يحملك في سرقة حرير، فيقول: هذه امرأتك فإذا هي أنت، فأقول: إن يكن هذا من عند اللَّه يمضه. وخرّجه أيضا في التعبير [ (1) ] من حديث أبي معاوية عن هشام عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أريتك قبل أن أتزوجك مرتين: رأيت الملك يحملك في سرقة من حرير، فقلت له: اكشف فكشف، فإذا هي أنت، فقلت: إن يكن هذا من عند اللَّه يمضه، ثم أريتك يحملك في سرقة، فقلت: اكشف فكشف، فإذا هي أنت، فقلت: إن يكن هذا من عند اللَّه يمضه، ترجم عليه باب ثياب الحرير في المنام. وخرّجه في كتاب البعث في باب تزويج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عائشة من حديث وهيب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لها: أريتك في المنام مرتين، أرى أنك في سرقة، ويقول: هذه امرأتك، فاكشف عنها فإذا هي أنت، وأقول: إن يك هذا من عند اللَّه يمضه. وخرّج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، حدثنا أبو سلمة ويحيى، قالا: لما هلكت خديجة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون، فقالت: يا رسول اللَّه ألا تزوج؟ قال: من؟ قالت: إن شئت بكرا، أو إن شئت ثيبا. قال: فمن البكر؟ قالت: بنت أحب خلق اللَّه إليك، عائشة بنت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: ومن الثيب؟ قالت: سودة بنت زمعة، قد آمنت بك، واتبعتك على ما تقول، قال: فاذهبي فاذكريهما علي، فدخلت بيت أم رومان [ (3) ] ، فقالت: يا أم رومان ماذا أدخل اللَّه عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلنى رسول اللَّه أخطب عليه عائشة، قالت:   [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 494، كتاب التعبير، باب (21) ثياب الحرير في المنام، حديث رقم (7012) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 301- 302، حديث رقم (20241) من حديث السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها. [ (3) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المسند) : «بيت أبي بكر» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 236 انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقالت: يا أبا بكر، ماذا أدخل اللَّه عليك من الخير والبركة؟ قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول اللَّه أخطب عائشة، قال: وهل تصلح له، إنما هي بنت أخيه، فرجعت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكرت ذلك له، فقال: انتظري، وعند ما خرجت خولة، قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي كان قد ذكرها على ابنه، فو اللَّه ما وعد وعدا فأخلفه لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فدخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على مطعم بن عدي، وعنده امرأته أم الفتى، فقالت: يا ابن أبي قحافة لعلك مصب صاحبنا مدخله في دينك الّذي أنت عليه إن تزوج إليك، [قال أبو بكر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- للمطعم بن عدي: أقول هذه تقول، قال: أنها تقول ذلك] [ (1) ] ، فخرج من عنده وقد أذهب اللَّه ما في نفسه من عدته التي وعده، فرجع، فقال لخولة: ادعى لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدعته فزوجها إياه وعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يومئذ بنت ست سنين، ثم خرجت، فدخلت على سودة بنت زمعة، فقالت: ماذا أدخل اللَّه عليك من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخطبك عليه، قالت: وددت أدخلي على أبي فاذكرى له ذلك، وكان شيخا كبيرا قد أدركته السن وتخلف عن الحج. فدخلت عليه فحيته بتحية الجاهلية، فقال: من هذه؟ فقال: خولة بنت ابنة حكيم، قال: فما شأنك؟ قالت: أرسلنى محمد بن عبد اللَّه أخطب عليه سودة، قال: كفؤ كريم، فماذا تقول صاحبتك؟ قالت: تحب ذاك، قال: ادعها إلى فدعتها، فقال: أي بنية، إن هذه تزعم أن محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب أرسل يخطبك، وهو كفؤ كريم. أتحبين أن أزوجك به؟ قالت: نعم، قال: أدعية لي، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فزوجها إياه، فجاء أخوها عبد اللَّه بن زمعة من الحج، فجعل يحثى التراب في رأسه، فقال: بعد ما أسلم: لعمرك إني لسفيه يوم أحثى في رأسي التراب أن تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سودة بنت زمعة.   [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المسند) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 237 قالت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج بالسنح، قالت: فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدخل بيتنا، واجتمع إليه رجال من الأنصار ونساء فجاءتني أمي، وأنى لفي أرجوحة [بين عذقين] ترجح بي، فأنزلتني من الأرجوحة، ولى جميمة [ (1) ] ، ففرقتها، ومسحت وجهي بشيء من ماء، ثم أقبلت تقودنى حتى وقفت عند الباب، وإني لأنهج حتى سكن من نفسي، ثم دخلت، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار، فأجلسني في حجره، ثم قالت: هؤلاء أهلك فبارك اللَّه لك فيهم، وبارك لهم فيك، فوثب الرجال والنساء، وخرجوا وبني بي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيتنا ما نحرت على جزور، ولا نحرت شاة، حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بجفنة، كان يرسل بها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دار إلى نسائه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين.   [ (1) ] خصلة شعر صغيرة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 238 وأما تعليم اللَّه تعالى له جواب ما يسأله عنه السائلون في مقامه فيه الّذي قام صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة [ (1) ] ، وفي كتاب العلم [ (2) ] في باب الغضب في الموعظة والتعليم، وخرّج مسلم [ (3) ] كلاهما من حديث أبي أسامة عن بريد بن أبي بردة، عن أبي موسى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سئل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أشياء كرهها، فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس: سلوا عما شئتم، فقام رجل فقال: من أبي يا رسول اللَّه؟ قال: أبوك حذافة، فقام آخر، فقال: من أبي يا رسول اللَّه، قال: أبوك سالم مولى شيبة، فلما رأى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ما في وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] حديث رقم (7291) باب (3) ما يكره من كثرة السؤال، وتكلف ما لا يعنيه. [ (2) ] حديث رقم (92) . [ (3) ] حديث رقم (2360) باب (37) توقيره صلّى اللَّه عليه وسلّم وترك إكثار سؤاله، قال الإمام النووي: مقصود أحاديث الباب أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهاهم عن إكثار السؤال، والابتداء بالسؤال عما لا يقع، وكره ذلك لمعان: منها: أنه ربما كان في الجواب ما يكره السائل ويسوؤه، ولهذا أنزل اللَّه- تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، كما صرح به في الحديث في سبب نزولها. ومنها: أنه ربما كان سببا لتحريم شيء على المسلمين فيلحقهم به المشقة، وقد بين هذا بقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين، فحرم عليهم من أجل مسألته. ومنها: أنهم ربما أحفوه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمسألة والحفوة المشقة والأذى، فيكون ذلك سببا لهلاكهم. (مسلم بشرح النووي) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 239 من الغضب، قال: يا رسول اللَّه إنا نتوب إلى اللَّه، وخرّج مسلم في المناقب من حديث ابن وهب، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب [ (1) ] . وخرّج البخاريّ [ (2) ] في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من حديث شعيب عن الزهري، ومن حديث عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري، قال: أخبرني أنس بن مالك أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج حين زاغت الشمس، فصلى الظهر، فلما سلّم قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها أمورا عظاما، ثم قال: من أحب أن يسأل عن شيء، فليسأل عنه، فو اللَّه لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا. قال أنس: فأكثر الناس البكاء حين سمعوا ذلك من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأكثر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقول: سلوني، قال أنس: فقام إليه رجل، فقال: أين مدخلي يا رسول اللَّه؟ قال: النار، فقام عبد اللَّه بن حذافة، فقال: من أبي يا رسول اللَّه؟ قال: أبوك حذافة، قال: ثم أكثر أن يقول: سلوني، قال: فبرك عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على ركبتيه، فقال: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا. قال: فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قال عمر ذلك، ثم قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده لقد عرضت على الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط، وأنا أصلى، فلم أر كاليوم في الخير والشر. وزاد هشام بعقبه، قال ابن شهاب: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، قال: قالت أم عبد اللَّه بن حذافة لعبد اللَّه بن حذافة: ما سمعت بابن قط   [ (1) ] عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب قالا: كان أبو هريرة يحدث أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، حديث رقم (1337) . [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 329، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (3) ما يكره من كثرة السؤال، ومن تكلف ما لا يعنيه، وقوله تعالى: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، حديث رقم (7294) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 240 أعق منك! أأمنت أن تكون أمك قارفت بعض ما يقارف نساء أهل الجاهلية، فتفضحها على أعين الناس؟ قال عبد اللَّه بن حذافة: واللَّه لو أحلقنى بعبد أسود للحقته. ولم يذكر مسلم في حديثه قوله، فقام إليه رجل، فقال: أين مدخلي يا رسول اللَّه؟ قال: النار، ولا ذكر البخاري قوله حين سمعوا ذلك من رسول اللَّه. وخرّج مسلم من حديث عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، ومن حديث أبي اليمان قال: أخبرنا شعيب كلاهما، عن الزهري، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بهذا الحديث، وحديث عبيد اللَّه معه غير أن شعيبا قال: عن الزهري، قال: أخبرنا عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، قال: حدثني رجل من أهل العلم أن أم عبد اللَّه قالت مثل حديث يونس. وذكره البخاري [ (1) ] أيضا في كتاب الصلاة في باب وقت الظهر بعد الزوال [وقال جابر: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي بالهاجرة] [ (2) ] من حديث أبي اليمان، قال: أخبرني شعيب عن الزهري، قال: أخبرني أنس بن مالك، وذكر الحديث بنحو ما تقدم، وقال فيه: فذكر أن فيها أمورا عظاما، وقال: فقام عبد اللَّه بن حذافة السهمي، وقال: وبمحمد نبيا، ولم يذكر فيه سؤال الرجل له، والّذي نفسي بيده ولا ذكر الزيادة التي زادها مسلم بعقبة. وذكره البخاري [ (3) ] أيضا في كتاب العلم في باب من برك على ركبتيه عند العالم والمحدث، ولفظه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج، فقام عبد اللَّه بن حذافة، فقال: من أبي، فقال: أبوك حذافة، ثم أكثر أن يقول: سلوني، فبرك عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على ركبتيه فقال: رضينا باللَّه ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم نبيا، فسكت.   [ (1) ] حديث رقم (540) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (صحيح البخاري) . [ (3) ] حديث رقم (93) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 241 وخرّج مسلم [ (1) ] في المناقب من حديث النضر بن شميل، قال شعبة: حدثنا موسى بن أنس، عن أنس بن مالك قال: بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أصحابه شيء، فخطب، فقال: عرضت عليّ الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، قال: فما أتى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أشد منه، قال: فغطوا رءوسهم وله خنين، قال: فقام عمر، فقال: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا. قال: فقام ذلك الرجل، فقال: من أبي؟ قال: أبوك فلان، قال: فنزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [ (2) ] . وخرّجه أيضا من حديث روح بن عبادة [ (3) ] قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني موسى بن أنس، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رجل: يا رسول اللَّه من أبي؟ قال: أبوك فلان، قال: فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ تمام الآية. وخرجه البخاري [ (4) ] في التفسير من حديث منذر بن الوليد بن عبد الرحمن ابن الجارود أخبرنا أبي، حدثنا شعبة، عن موسى بن أنس، عن أنس، قال: خطب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خطبة ما سمعت مثلها قط، قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، قال: فغطى أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجوههم ولهم خنين، فقال رجل: من أبي؟ قال: فلان، فنزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، رواه أبو النضر وروح ابن عبادة، عن شعبة، ذكره في تفسير سورة المائدة.   [ (1) ] باب (37) توقيرة صلّى اللَّه عليه وسلّم، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، أو ما لا يتعلق به تكليف، حديث رقم (2359) . [ (2) ] المائدة: 101. [ (3) ] حديث رقم (135) من الباب السابق. [ (4) ] تفسير سورة المائدة، باب (12) لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، حديث رقم (4621) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 242 وخرّج في كتاب الاعتصام [ (1) ] من حديث روح بن عبادة، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني موسى بن أنس، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رجل: يا رسول اللَّه من أبي، قال: أبوك فلان، قال: ونزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ الآية. وخرّج مسلم [ (2) ] في المناقب من حديث عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك أن الناس سألوا نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحفوه بالمسألة، فحرج ذات يوم، فصعد المنبر، فقال: سلوني، لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم، فلما سمع ذلك القوم، أرموا ورهبوا أن يكون بين يدي أمر قد حضر. قال أنس: فجعلت ألتفت يمينا وشمالا، فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكى، فأنشأ رجل من المسجد كان يلاحى، فيدعى لغير أبيه، قال: يا نبي اللَّه، من أبى؟ قال: أبوك حذافة، ثم أنشأ عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا عائذا باللَّه من سوء الفتن. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لم أر كاليوم قط في الخير والشر، إني صورت لي الجنة والنار، فرأيتهما دون هذا الحائط. وخرّجه أيضا من حديث خالد يعني ابن الحارث [ (3) ] ، ومحمد بن بشار حدثنا محمد بن أبي عدي كلاهما عن هشام. وفي حديث معتمر قال: سمعت أبي، قالا جميعا: حدثنا قتادة عن أنس بهذه القصة. وخرّج البخاري [ (4) ] في كتاب الدعاء في باب التعوذ من الفتن من حديث هشام، عن قتادة، عن أنس قال: سألوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحفوه بالمسألة،   [ (1) ] باب (3) ما يكره من كثرة السؤال ومن تكلف ما لا يعنيه، وقوله تعالى: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ حديث رقم (7295) . [ (2) ] باب (37) توقيره صلّى اللَّه عليه وسلّم، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، ألا يتعلق به بتكليف، حديث رقم (137) . [ (3) ] الحديث الّذي يلي حديث رقم (137) ، بدون رقم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 243 فغضب، فصعد المنبر فقال: لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم، فجعلت انظر يمينا وشمالا، فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكى، فإذا رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي اللَّه من أبي؟ قال: أبوك حذافة، ثم أنشأ عمر، فقال: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، نعوذ باللَّه من سوء الفتن. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط صورت لي الجنة والنار، حتى رأيتهما وراء الحائط. وكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. وفي حديث سعيد حدثنا قتادة أن أنسا حدثهم عن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بهذا، وقال: عائذا باللَّه من سوء الفتن، أو قال: أعوذ باللَّه من سوء الفتن. ومن حديث معتمر عن أبيه قال قتادة: أن أنسا حدثهم عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بهذا، وقال: عائذا باللَّه من شر الفتن. وذكره البخاري [ (1) ] أيضا في كتاب الصلاة في باب رفع البصر إلى الإمام من حديث محمد بن سنان حدثنا فليح، حدثنا هلال بن علي عن أنس بن مالك، قال: صلى لنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم رقى، فأشار بيده قبل قبلة المسجد، ثم قال: لقد رأيت الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين في قبلة هذا الجدار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ثلاثا، وذكره في كتاب الرقاق [ (2) ] . قال أبو نعيم فأظهر صلّى اللَّه عليه وسلّم نعمة اللَّه- تعالى- لديه في تعليمه إياه جواب سؤال السائلين لو سألوه في مقامه ذلك، فلو سئل لورد جواب مسألتهم حسب ما سبق من اللَّه له الوعد به.   [ () ] (4) حديث رقم (6362) . وقولة: إذا لاحى بمهملة خفيفة أي خاصم، وفي الحديث: أن غضب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يمنع من حكمه، فإنه لا يقول إلا الحق في الغضب والرضا، وفيه فهم عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وفضل عمله. (فتح الباري) . [ (1) ] حديث رقم (749) . [ (2) ] باب (18) القصد والمداومة على العمل، حديث رقم (6468) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 244 فالفضيلة بموعود اللَّه له تأتيه، وإن لم يسأل، فزاده اللَّه بها بصيرة وثقة بربه- تعالى، وازداد المؤمنون إيمانا، وثباتا على ما عهدوا من صدق دعوته صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال ابن عبد البر: وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إني رأيت الجنة، ورأيت النار، فالآثار في رؤيته لهما كثيرة، وقد رآهما مرارا على ما جاءت به الآثار عنه، وعند اللَّه علم كيفية رؤيته لهما، فممكن أن يمثلا له فينظر إليهما بعيني وجهه كما مثل له بيت المقدس حين كذبه الكفار في الإسراء فنظر إليه، وجعل يخبرهم عنه، وممكن أن يكون ذلك برؤية القلب، والظاهر هو أنه رأى الجنة والنار رؤية عين، وتناول من الجنة عنقودا، ويؤيد ذلك قوله فيه: لم أر كاليوم منظرا قط، وحق النظر إذا أطلق، والرؤية أن لا يتبعوا بهما رؤية العين لا يدل بدليل على أن الجنة والنار مخلوقتان. وأما إشارته إلى أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى أنه لم ينس بعد ذلك شيئا حفظه منه فخرّج البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة، وقال النسائي في سياقته عن سفيان قال: حدثنا الزهري، قال: سمعت أبا هريرة يقول، قال مسلم في سياقته عن سفيان، عن الزهري، عن الأعرج، قال: سمعت أبا هريرة يقول:، وقال البخاري في سياقته عن سفيان حدثنا الزهري. أنه سمعه من الأعرج يقول: أخبرني أبو هريرة، قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واللَّه الموعد أنني كنت امرأ مسكينا ألزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال النسائي: أصحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال مسلم: أخدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ملء بطني، وكان المسلمون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فشهدت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم، وقال: من يبسط رداءه، حتى أقضى مقالتي فلا ينسى شيئا سمعه منى، فبسطت بردة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 245 كانت على، قال النسائي: حتى قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقالته، ثم قبضتها إلى. وقال مسلم: فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه، ثم ضممته إلي. قال البخاري والنسائي: فو الّذي بعثه بالحق ما نسيت شيئا، ولم يقل مسلم: فو الّذي بعثه بالحق. قال: فما نسيت شيئا سمعته منه. ذكر النسائي [ (1) ] هذا الحديث في كتاب العلم في باب حفظ العلم، وذكره مسلم [ (2) ] في كتاب المناقب. وذكره البخاري [ (3) ] في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة في باب الحجة على من قال إنّ أحكام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ظاهرة، وما كان بعضهم يغيب عن مشاهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمور الإسلام. وخرّجه مسلم [ (4) ] أيضا من حديث معن، عن مالك، ومن حديث عبد الرزاق، قال: أخبرنا معتمر- كلاهما- عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ولم يذكر في حديثه الرواية عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من بسط ثوبه إلى آخره. وخرجه البخاري [ (5) ] في كتاب الحرث والمزارعة في باب ما جاء في الغرس، من حديث إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: يقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث واللَّه الموعد، ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثله كان يشغلهم الصفق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون.   [ (1) ] لعله في الكبرى. [ (2) ] باب (35) من فضائل أبي هريرة الدوسيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (2492) . [ (3) ] حديث رقم (7354) . [ (4) ] الحديث الّذي يلي حديث رقم (2492) ، بدون رقم. [ (5) ] حديث رقم (2350) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 246 وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما: لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمعه إلى صدره، فينسى من مقالتي شيئا أبدا، فبسطت نمرة ليس على ثوب غيرها حتى قضى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مقالته، ثم جمعتها إلى صدري، فو الّذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومى هذا، واللَّه لولا آتيان في كتاب اللَّه ما حدثتكم شيئا أبدا إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى إلى قوله: الرحيم. وخرّج البخاري [ (1) ] والنسائي من حديث مالك عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب اللَّه ما حدثت حديثا، ثم يتلون إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون. وقال النسائي: ويقول على أثر الآيتين إن إخواننا من الأنصار ... الحديث، وقال فيه: فيحضر ما لا يحضرون، ذكره البخاري في كتاب العلم [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 285، كتاب العلم، باب (42) حفظ العلم، حديث رقم (118) . [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 285، كتاب العلم، باب (42) حفظ العلم، حديث رقم (118) قال الحافظ في (الفتح) : وقد روى البخاري في (التاريخ) ، والحاكم في (المستدرك) من حديث طلحة بن عبيد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- شاهدا لحديث أبى هريرة هذا، ولفظه: لا أشك أنه سمع من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما لا تسمع، وذلك أنه كان مسكينا لا شيء له، ضيفا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. واخرج البخاري في (التاريخ) ، والبيهقي في المدخل، من حديث محمد بن عمارة بن حزم، أنه قعد في مجلس فيه مشيخة من الصحابة بضعة عشر رجلا، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحديث فلا يعرفه بعضهم، فيراجعون فيه حتى يعرفوه، ثم يحدثهم بالحديث كذلك حتى فعل مرارا، فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الناس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 247 وخرّج مسلم بعد حديث سفيان بن عيينة المفتتح به، وبعد ما ذكر من حديث مالك، ومعمر عن الزهري حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: ألا يعجبك أبو هريرة؟ جاء، فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسمعني، وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضى سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يسرد الحديث كسردكم [ (1) ] . قال ابن شهاب: وقال ابن المسيب: إن أبا هريرة قال: يقولون: أن أبا هريرة قد أكثر واللَّه الموعد، ويقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون بمثل أحاديثه، وسأحدثكم عن ذلك إن إخوانه من الأنصار كان يشغلهم عمل أرضهم، وإن إخوانه من المهاجرين، كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، ولقد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما: أيكم يبسط ثوبه، فيأخذ منى حديثي هذا، ثم يجمعه إلى صدره، فإنه لن ينسى شيئا سمعه، فبسطت بردة على حتى فرغ من حديثه، ثم جمعتها إلى صدري، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به، ولولا آيتان أنزلهما اللَّه- عز وجل- في كتابه ما حدثت شيئا أبدا إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى [ (2) ] إلى آخر الآيتين [ (3) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 86، كتاب فضائل الصحابة، باب (35) من فضائل أبي هريرة الدوسيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حديث رقم (2492) . [ (2) ] البقرة: 159- 160، وتمامها: مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 286- 287، كتاب فضائل الصحابة باب (35) من فضائل أبي هريرة الدوسيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (2492) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 248 وخرّج في المناقب [ (1) ] بعد ما تقدم له من الروايات في هذا الباب من حديث أبي اليمان عن شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمثل حديث أبي هريرة؟ وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا. وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة أعي حين ينسون، وقد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حديث يحدثه: أنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضى مقالتي هذه، ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما   [ (1) ] (المرجع السابق) ، الحديث الّذي يلي رقم (2493) ، بدون رقم، وآخر «يكثر الحديث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنحو حديثهم قوله: كنت أخدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ملء بطني» أي ألازمه وأقنع بقوتي، ولا أجمع مالا لذخيرة ولا لغيرها، ولا أزيد على قوتي. والمراد من حيث حصل القوت من الوجوه المباحة، وليس هو من الخدمة بالأجرة، وقوله: «يقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث واللَّه الموعد» معناه فيحاسبنى إن تعمدت كذبا، ويحاسب من ظن بي السوء وقوله: «يشغلهم، الصفق بالأسواق» هو بفتح الياء من يشغلهم، وحكى ضمها، وهو غريب. والصفق: هو كناية عن التبايع، وكانوا يصفقون بالأيدي من المتبايعين بعضها على بعض. والسوق مؤنثة، ويذكر وسميت به لقيام الناس فيها على سوقهم. وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بسط ثوب أبي هريرة. قوله: «كنت أسبح فقام قبل أن أقضى سبحتي» معنى أسبح: أصلى نافلة، وهي السبحة بضم السين، قبل: المراد هنا صلاة الضحى، وقوله: «لم يكن يسرد الحديث كسردكم» أي يكثره ويتابعه واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم (شرح النووي) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 249 أقول، فبسطت نمرة على، حتى إذا قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تلك من شيء [ (1) ] . وأخرجه النسائي أيضا في كتاب العلم في باب حفظ العلم من حديث شعيب عن الزهري. وخرج البخاري في- كتاب العلم- من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قلت: يا رسول اللَّه، إني أسمع منك حديثا كثيرا أنساه، قال: ابسط رداءك، فبسطته فغرف بيده، قال: هلم، فضممته، فما نسيت شيئا بعد [ (2) ] . ومن حديث ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: حفظت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعاءين، فأما أحدهما: فبثثته، وأما الآخر: فلو بثثته قطع هذا الحلقوم [ (3) ] . وخرج في كتاب العمل في الصلاة- في باب تفكر الرجل في الشيء في الصلاة، من حديث ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري قال: قال أبو هريرة: يقول الناس أكثر أبو هريرة، فلقيت رجلا، فقلت: بم قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 361، كتاب البيوع وقوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [البقرة: 275] ، وقوله تعالى إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ [البقرة: 282] ، باب (1) ما جاء في قوله تعالى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الجمعة: 10- 11] ، وقوله تعالى: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ [النساء: 29] ، حديث رقم (2047) . [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 286، كتاب العلم، باب (42) حفظ العلم، حديث رقم (119) . [ (3) ] المرجع السابق، حديث رقم (120) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 250 البارحة في العتمة؟ فقال: لا أدري، فقلت: ألم تشهدها؟ قال: بلى، قلت: لكن أنا أدرى، فقرأ بسورة كذا وكذا [ (1) ] . وخرّج الحاكم من حديث إسماعيل بن أمية أن محمد بن قيس بن مخرمة، حدثه أن رجلا جاء زيد بن ثابت، فسأله عن شيء، فقال: عليك بأبي هريرة، فإنه بينا أنا، وأبو هريرة، وفلان في المسجد ذات يوم ندعو اللَّه، ونذكر ربنا، خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى جلس إلينا، فقال: عودوا إلى الّذي كنتم فيه، فقال زيد: فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، وجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يؤمن على دعائنا، قال: ثم دعا أبو هريرة، فقال: اللَّهمّ إني أسألك مثل الّذي سألك صاحباي هذان، أسألك علما لا ينسى، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: آمين، فقلنا: يا رسول اللَّه، ونحن نسألك علما لا ينسى، فقال: سبقكما بها الدوسيّ، قال الحاكم: صحيح الإسناد [ (2) ] . ومن حديث زيد الأحوص عن زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبو هريرة وعاء العلم [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 115- 116، كتاب العمل في الصلاة، باب (18) يفكر الرجل الشيء في الصلاة، وقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إني لأجهز جيشي وانا في الصلاة، حديث رقم (1223) ، وفيه الإشارة الى سبب إكثاره، وأن كان المهاجرين والأنصار كان يشغلهم المعاش، وهذا يدل على أنه يقول هذا المقالة أما ما يريد أن يحدث به، مما يدل على صحة إكثاره، وعلى السبب في ذلك، وعلى سبب استمراره، وعلى التحديث، قوله: «البارحة» أي أقرب ليلة مضت، وفي القصة إشارة إلى سبب إكثار أبي هريرة، وشدة إتقانه وضبطه، بخلاف غيره، وفي هذه القصة إشارة إلى سبب إكثار أبي هريرة، وشاهد الترجمة دلالة الحديث على عدم ضبط ذلك الرجل، كأنه اشتغل بغير أمر الصلاة حتى نسي السورة التي قرئت، أو دلالته على ضبط أبي هريرة، كأنه شغل فكرة بأفعال الصلاة حتى ضبطها وأتقنها كذا وذكر الكرماني هذين الاحتمالين، وبالأول جزم غيره، واللَّه تعالى أعلم. (فتح الباري) . [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 582، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6158) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الحافظ الذهبي في (التخليص) : حماد بن شعيب ضعيف. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6159) وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 251 وقال وكيع عن الأعمش عن أبي صالح قال: كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وقال هوذة بن خليفة حدثنا عوف عن سعيد بن الحسن، قال: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثر حديثا عنه من أبي هريرة. وقال جرير عن الأعمش، عن أبي وائل، عن أبي حذيفة، قال: قال رجل لابن عمر: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال ابن عمر: أعيذك باللَّه أن تكون في شك مما يجيء به، ولكنه اجترأ وجبنا [ (2) ] . وقال الربيع عن الشافعيّ: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6161) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6165) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 252 وأما حفظ عثمان بن أبي العاص [ (1) ] القرآن رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بعد نسيانه بضرب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم في صدره فخرّج النسائي من حديث الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا محمد بن عمر الواقدي حدثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب، عن زيد بن الحكم، عن عثمان بن أبي العاص، قال: قلت: يا رسول اللَّه إني لأنسى القرآن، قال: فضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صدري، ثم قال: اخرج يا شيطان من صدر عثمان، فما نسيت شيئا بعد أن حفظته. وأما هداية اللَّه تعالى أم أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما إلى الإسلام بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ما كان ابنها يدعوها إلى ذلك فتأبى فخرّج مسلم من حديث عكرمة بن عمار عن أبي كثير، قال: حدثني أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما، فأسمعتني في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما أكره، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أبكى، قلت: يا رسول اللَّه إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتنى فيك ما أكره، فادع اللَّه أن يهدي أم أبي   [ (1) ] هو عثمان بن أبي العاص الثقفي الطائفي أبو عبد اللَّه، واستعمله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الطائف، وأقره أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال ابن عبد البر: هو الّذي افتتح توج وإصطخر في زمن عثمان، قال: وهو الّذي أمسك ثقيفا عن الردة، قال لهم: يا معشر ثقيف! كنتم آخر الناس إسلاما، فلا تكونوا أولهم ارتدادا. (تهذيب التهذيب) : 7/ 117- 118، ترجمة رقم (270) مختصرا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 253 هريرة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اهد أم أبي هريرة، فخرجت مستبشر بدعوة نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما جئت وصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشفة قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، فاغتسلت، ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله: قال: فرجعت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: أبشر قد استجاب اللَّه دعوتك، وهدى أم أبي هريرة، فحمد اللَّه، وقال: خيرا. قال: قلت: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يحببني أنا وأمى إلى عبادة المؤمنين، ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ حبب عبيدك هذا يعنى أبا هريرة، وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين، فما خلف مؤمن يسمع بي، ولا يراني إلا أحبني [ (1) ] ، وخرّجه البخاري في الأدب المفرد. وأما سلامة منديل مر على وجهه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم تحرقه النار لما طرح فيها فخرّج أبو نعيم [ (2) ] من حديث محمد بن رميح، قال: حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن المغيرة، حدثنا أبو معمر عباد بن عبد الصمد، قال: أتينا أنس بن مالك نسلم عليه، فقال: يا جارية، هلمي المائدة نتغدى، فأتته بها فتغدينا، ثم قال: يا جارية هلمي المنديل، فأتته بمنديل وسخ، فقال: يا جارية أسجرى التنور، فأوقدته، فأمر بالمنديل، فطرح فيه، فخرج أبيض كأنه اللبن. فقلت: يا أبا حمزة! ما هذا؟ قال: هذا منديل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمسح به وجهه، وإذا اتسخ صنعنا به هكذا، لأن النار لا تأكل شيئا مر على وجوه الأنبياء- عليهم السلام.   [ (1) ] (مسلم بشرح النوري) : 16/ 284- 285، كتاب فضائل الصحابة، باب (35) من فضائل أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (2491) . [ (2) ] لم أجده. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 254 وأما نهضة بعير جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في مسيره بعد تخلفه وإعيائه عند ما نخسة الرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو ضربه فخرّج البخاري [ (1) ] في كتاب الشروط من حديث أبي نعيم. وخرّج مسلم [ (2) ] في كتاب البيوع من حديث عبد اللَّه بن نمير كلاهما، عن زكريا، عن عامر، قال: حدثني جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى   [ (1) ] (فتح الباري) : 35/ 393، كتاب الشروط، باب (4) إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، حديث رقم (2718) قوله: «ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذلك فهو مالك» كذا وقع هنا، وقد رواه على بن عبد العزيز عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ: «أتراني وإنما ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك حمالك» أخرجه أبو نعيم في (المستخرج) عن الطبراني عنه، وكذا أخرجه مسلم من طريق عبد اللَّه بن نمير عن زكريا، ولكن قال في آخره: «فهو لك» وعليها اقتصر صاحب (العمدة) ، ووقع لأحمد عن يحى القطان عن زكريا بلفظ قال: أضننت حين ماكستك، اذهب بجملك؟ خذ جملك وثمنه فهما لك، وقوله: «ماكستك» هو من المماكسة أي المناقصة في الثمن وأشار بذلك إلى ما وقع بينهما من المساومة عند البيع كما تقدم قال ابن الجوزي: هذا من أحسن التكرم، لأن من باع شيئا هو في الغالب محتاج لثمنه، فإذا تعوض من الثمن بقي في قلبه من المبيع أسف على فراقه، كما قيل: وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... نفائس من رب بهن ضنين فإذا رد عليه المبيع مع ثمنه، ذهب الهم عنه وثبت فرحه، وقضيت حاجته، فكيف مع ما انضم إلى ذلك من الزيادة في الثمن؟! (فتح الباري) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 33- 34، كتاب المساقاة، باب (21) بيع البعير واستثناء ركوبه، حديث رقم (715) ، قال الإمام النوري: وحديث جابر احتج به أحمد ومن وافقه في جواز بيع الدابة، ويشترط البائع لنفسه ركوبها، وقال مالك: يجوز ذلك إذا كانت مسافة الركوب قريبة، وحمل هذا الحديث على هذا، وقال الشافعيّ وأبو حنيفة وآخرون: لا يجوز ذلك، سواء قلت المسافة أو كثرت، ولا ينعقد البيع، واحتجوا بالحديث السابق في النهى عن- الجزء: 11 ¦ الصفحة: 255 عنه، أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه، قال: فلحقني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدعاني، وضربه، فصار يسير لم يسر مثله، قال: بعنيه بأوقية، قال: لا، ثم قال: بعينه بأوقية، فبعته بأوقية، واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي، فلما بلغت أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه، ثم قال رجعت، فأرسل في أثرى. فقال: أتراني ماكستك لأخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك فهو لك، هكذا سياقة مسلم. ولم يذكر فيه البخاري، فأراد أن يسيبه، وقال في آخره ثم انصرفت، فأرسل على أثرى، فقال: ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذلك فهو مالك. وخرّجه النسائي من حديث يزيد، قال: أخبرنا زكريا عن عامر، عن جابر أنه كان يسير مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على جمل فأعيا ... الحديث، وقال فيه: أتبيعه بأوقية، والأوقية أربعون درهما، وقال في آخره: إنما ماكستك لأخذ جملك، خذ جملك ودراهمك فهما لك، ذكره في الجهاد. وخرج بعد حديثه من حديث عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عامر، قال: حدثني جابر بن عبد اللَّه- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- بمثل حديث ابن نمير، وترجم البخاري على حديثه: باب اشتراء البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى، وقال بعد هذا الحديث: وقال شعبة: عن مغيرة، عن عامر، عن جابر: أفقرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ظهره إلى المدينة، وقال إسحاق: عن جرير، عن مغيرة: على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة. وقال عطاء وغيره: ولك ظهره إلى المدينة، وقال محمد بن المنكدر [ (1) ] عن جابر شرط ظهره إلى المدينة، وقال زيد بن أسلم عن جابر: ولك ظهره حتى ترجع. وقال أبو الزبير عن جابر: أفقرناك ظهره إلى المدينة، وقال الأعمش: عن سالم، عن جابر، تبلغ عليه إلى أهلك، قال أبو عبد اللَّه: الاشتراء أكثر   [ () ] بيع الثنيا، وبالحديث الآخر في النهى عن بيع وشرط، وأجابوا عن حديث جابر بأنها قضية عين تتطرق إليها الاحتمالات: قالوا: ولأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أراد أن يعطيه الثمن، ولم يرد حقيقة البيع، قالوا: ويحتمل أن الشرط كان سابقا، فلم يؤثر، ثم تبرع صلّى اللَّه عليه وسلّم بإركابه. (شرح النووي) . [ (1) ] زيادة للسياق من (البخاري) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 256 وأصح عندي. وقال عبد اللَّه، وابن إسحاق عن وهب، عن جابر: واشتراه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأوقية، وتابعه زيد بن أسلم، عن جابر، وقال ابن جريح: عن عطاء وغيره، عن جابر: وأخذته بأربعة دنانير، وهذا يكون أوقية على حساب الدينار بعشرة. ولم يبين الثمن مغيرة عن الشعبي، عن جابر وابن المنكدر، وأبو الزبير، عن جابر، وقال الأعمش: عن سالم، عن جابر، وفيه ذهب. وقال أبو إسحاق: عن سالم، عن جابر بمائتي درهم، وقال داود بن قيس: عن عبد اللَّه بن مقسم، عن جابر اشتراه بطريق تبوك، أحسبه قال: بأربعة أواق، وقال أبو نضرة، عن جابر: اشتراه بعشرين دينارا، وقول الشعبي: بأوقية أكثر [ (1) ] . وخرّج البخاري [ (2) ] في كتاب الجهاد، ومسلم [ (3) ] في البيوع من حديث جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: غزوت مع   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 393- 394 كتاب الشروط، باب (4) إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، باقي روايات وسياقات الحديث رقم (2718) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 149- 150، كتاب الجهاد والسير، باب (113) استئذان الرجل الإمام لقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 62] ، حديث رقم (2967) . قولة: «باب استئذان الرجل» أي من الرعية «الإمام» أي في الرجوع أو التخلف عن الخروج أو نحو ذلك. قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ قال ابن التين: هذه الآية احتج بها الحسن على أنه ليس لأحد أن يذهب من العسكر حتى يستأذن الأمير، وهذا عند سائر الفقهاء كان خاصا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، كذا قال، والّذي يظهر أن الخصوصية في عموم وجوب الاستئذان، وإلا فلو كان ممن عينه الإمام، فطرأ له ما يقضى التخلف أو الرجوع، فإنه يحتاج إلى الاستئذان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 257 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتلاحق بي وتحتى ناضح لي قد أعيا، وقال البخاري: قال: فتلاحق بى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا على ناضح لنا قد أعيا فلا يكاد يسير، قال: فقال لي: ما لبعيرك؟ قال: قلت: عليل، وقال البخاري: قال: قلت: عيى، قال: فتخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فزجره، ودعا له فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير، قال: فقال لي: كيف ترى بعيرك؟ قلت: بخير، قد أصابته بركتك، قال: أفتبيعنه؟ قال: فاستحييت، ولم يكن لنا ناضح غيره، قال: فقلت: نعم، فبعته إياه على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة، قال: فقلت يا رسول اللَّه: أنى عروس فأستأذنته فأذن لي، فتقدمت الناس إلى المدينة حتى انتهيت، فلقيني   [ () ] قوله في آخر هذا الحديث: «قال المغيرة: هذا في قضائنا حسن لا نرى به بأسا» هذا موصول بالإسناد المذكور إلى المغيرة وهو ابن مقسم الضبيّ أحد فقهاء الكوفة، ومراده بذلك ما وقع من جابر من اشتراط ركوب جمله إلى المدينة، وأغرب الداوديّ فقال: مراده جوازه زيادة الغريم على حقه، أن ذلك ليس خاصا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد تعقبه ابن التين بأن هذه الزيادة لم ترد في الطريق هنا، وهو كما قال. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 34- 36، كتاب المساقاة، باب (21) بيع البعير واستثناء ركوبه، حديث رقم (110) . قال الإمام النووي: واعلم أن في حديث جابر هذا فوائد كثيرة أحدها: هذه المعجزة الظاهرة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في انبعاث جمل جابر، وإسراعه بعد إعيائه. الثانية: جواز طلب البيع، ممن لم يعرض سلعته للبيع. الثالثة: جواز المماكسة في البيع، وسبق تفسيرها. والرابعة: سؤال الرجل الكبير أصحابه عن أحوالهم والإشارة عليهم بمصالحهم. الخامسة: استحباب نكاح البكر. السادسة: استحباب ملاعبة الزوجين. السابعة: فضيلة جابر في أنه ترك حظ نفسه من نكاح البكر، واختار مصلحة أخواته بنكاح ثيب تقوم بمصالحهن. الثامنة: استحباب الابتداء بالمسجد وصلاة ركعتين فيه عند القدوم من السفر. التاسعة: استحباب الدلالة على الخير. العاشرة: استحباب إرجاح الميزان فيما يدفعه. الحادية عشرة: أن أجرة وزن الثمن على البائع. الثانية عشرة: التبرك بآثار الصالحين لقوله: لا تفارقه زيارة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الثالثة عشرة: جواز تقدم بعض الجيش الراجعين بإذن الأمير. الرابعة عشرة: جواز الوكالة في أداء الحقوق ونحوها، وفيه غير ذلك مما سبق. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (شرح النووي) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 258 خالي، وقال البخاري: حتى أتيت المدينة، فلقيني خالي، فسألني عن البعير، فأخبرته بما صنعت فيه، قال: وقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لي حين استأذنته: ما تزوجت؟ أبكرا أم ثيبا؟ فقلت له: تزوجت ثيبا، قال: أفلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك. فقلت: يا رسول اللَّه توفى والدي أو استشهد، ولي أخوات صغار، فكرهت أن أتزوج إليهن مثلهن فلا تؤدبهن، ولا تقوم عليهنّ، فتزوجت ثيبا، لتقوم عليهنّ وتؤدبهن، قال: فلما تقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة غدوت عليه بالبعير، فأعطاني ثمنه، ورده على. زاد البخاري بعد هذا، قال المغيرة: هذا في قضائنا حسن لا نرى به بأسا ترجم عليه البخاري باب استئذان الرجل الإمام لقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ الآية [ (1) ] ، وذكر القصة في أول كتاب الاستقراض، في باب من اشترى بالدين، وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته [ (2) ] .   [ (1) ] النور: 62، وتمامها: لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. [ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 68، كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب (1) من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه، أو ليس بحضرته، حديث رقم (2385) ، ولفظه: حدثنا محمد بن يوسف- هو البيكندي- أخبرنا جرير عن المغيرة عن الشعبي عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: «غزوت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كيف ترى بعيرك؟ أتبيعه؟ قلت: نعم، فبعته إياه، فلما قدم المدينة غدوت إليه بالبعير، فأعطاني ثمنه» . قولة: «باب من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته» أي فهو جائز، وكأنه يشير إلى ضعف ما جاء عن ابن عباس مرفوعا «لا أشترى ما ليس عندي ثمنه» وهو حديث أخرجه أبو داود والحاكم من طريق سماك عن عكرمة عنه في أثناء حديث تفرد به شريك عن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 259 وخرّج مسلم [ (1) ] بعد حديث جرير، عن مغيرة حديث جرير، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر قال: خرجنا من مكة إلى المدينة مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وساق الحديث بقصته، وفيه ثم قال: بعنى جملك هذا، قال: قلت: لا بل هو لك. قال: لا بل بعنيه، قال: قلت: لا بل هو لك يا رسول اللَّه، قال: لا بل بعنيه. قلت: فإن لرجل عليّ أوقية من ذهب فهو لك بها، قال: قد أخذته فبلغ به [ (2) ] إلى المدينة، قال: فلما قدمت المدينة قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لبلال: أعطه أوقية من ذهب، وزده، قال: فأعطاني أوقية من ذهب، وزادني قيراطا.   [ () ] سماك واختلف في وصله، ثم أورد فيه حديث جابر في شرائه صلّى اللَّه عليه وسلّم من جملة في السفر وقضائه ثمنه في المدينة، وهو مطابق للركن الثاني من الترجمة. وحديث عائشة في شرائه صلّى اللَّه عليه وسلّم من اليهودي الطعام الى أجل، وهو مطابق للركن الأول، قال ابن المنير: وجه الدلالة منه أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لو حضره الثمن ما أخره، وكذا ثمن الطعام لو حضره لم يرتب في ذمته دينا، لما عرف من عادته الشريفة من المبادرة إلى إخراج ما يلزمه إخراجه. (فتح الباري) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 36، كتاب المساقاة، باب (21) بيع البعير واستثناء ركوبه، حديث رقم (111) قوله: «فإن لرجل على أوقية من ذهب فهو لك بها، قال: قد أخذته به» هذا قد يحتج به أصحابنا في اشتراط الإيجاب والقبول في البيع، وأنه لا ينعقد بالمعاطاة، ولكن الأصح المختار انعقاده بالمعاطاة يجوز هذا فلا يرد عليه، ولأن المعاطاة، إنما تكون إذا حضر العوضان فأعطى وأخذ، فاما إذا لم يحضر العوضان أو أحدهما، فلا بد من لفظ، وفي هذا دليل لأصح الوجهين عند أصحابنا، وهو انعقاد البيع بالكناية، لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «قد أخذته به» مع قول جابر: «هو لك» ، وهذان اللفظان كناية في قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم لبلال: أعطه أوقية من ذهب وزده «فيه جواز الوكالة في قضاء الديون وأداء الحقوق، وفيه استحباب الزيادة في أداء الدين وإرجاح الوزن. قوله «: فأخذه أهل الشام يوم الحرة» يعنى حرة المدينة، كان قتال ونهب من أهل الشام هناك سنة ثلاث وستين من الهجرة. [ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي مسلم: «فتبلغ عليه» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 260 قال: فقلت: لا تفارقني زيادة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: وكان في كيس لي، فأخذه أهل الشام يوم الحرة [ (1) ] .   [ (1) ] الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة، كأنها أحرقت بالنار، والحرار كثيرة في بلاد العرب، أكثرها حوالي المدينة والشام، والحرة التي وقعت فيها هذه الواقعة تقع في شرقى المدينة، اسمها حرة واقم، وكانت هذه الوقعة في خلال خلافة يزيد بن معاوية على أهل المدينة سنة (63) هـ حيث تولى الخلافة بعد وفاة معاوية سنة (60) وحتى توفى سنة (63) هـ، وكان موفور الرغبة في اللهو والقنص والنساء، وكان أيضا فصيحا كريما شاعرا، ولي ثلاث سنين: في السنة الأولى قتل الحسين، وفي السنة الثانية نهب المدينة وأباحها، وفي السنة الثالثة غزا الكعبة، وكان من أخبار يوم الحرة أن مسلم بن عقيل أمر عبد اللَّه بن عضاه الأشعري فمشى في خمسمائة حتى دنوا من ابن الغسيل [ابن حنظلة] وأصحابه، وأخذوا ينضحونهم بالنبل، فقال ابن غسيل: علام تستهدفون لهم؟ من أراد التعجل إلى الجنة فليلزم هذه الراية، فقام إليه كل مستميت، فقال: اتعدوا إلى ربكم، فو اللَّه إني لأرجو أن تكونوا بعد ساعة قريري عين، فنهض القوم بعضهم إلى بعض، فاقتتلوا أشد قتال رئي في ذلك الزمان ساعة من نهار، وأخذ يقدم بنيه أمامه واحدا واحدا حتى قتلوا بين يديه، وابن الغسيل يضرب بسيفه ويقول: بعد لمن رام الفساد وطغى ... وجانب الحق وآيات الهدى لا يبعد الرحمن إلا من عصى فقتل ومعه أخوه لأمه، محمد بن ثابت، وقتل معه محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، فمر عليه مروان بن الحكم، فقال: رحمك اللَّه فرب سارية قد رأيتك تطيل القيام في الصلاة إلى جنبها. وغلبت الهزيمة على أهل المدينة، وأباحها مسلم ثلاثا، يقتلون الناس، ويأخذون الأموال، فأفزع ذلك من كان بها من الصحابة، فخرج أبو سعيد الخدريّ حتى دخل في كهف في الجبل، فبصر به رجل من أهل الشام، فجاء حتى اقتحم عليه الغار. قال أبو سعيد: دخل إلى الشامي يمشى بسيفه، فانتضيت سيفي، ومشيت إليه لأرعبه، لعله ينصرف عنى، فأبى إلا الإقدام على، فلما رأيت أن قد جد، شمت سيفي ثم قلت له: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ، فقال لي: من أنت؟ للَّه أبوك فقلت: أنا أبو سعيد الخدريّ، قال: صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلت: نعم، فانصرف عني. (أيام العرب في الإسلام) . 419- 420. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 261 وخرّج أيضا من حديث عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا الجريريّ، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فتخلف ناضحي، وساق الحديث، قال فيه: فنخسه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال لي: اركب بسم اللَّه، وزاد أيضا قال: فما زال يزيدني، ويقول: واللَّه يغفر لك [ (1) ] . وخرّج البخاري [ (2) ] من حديث ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، وغيره، يزيد بعضهم على بعض، لم يبلغه كلهم رجل منهم. عن جابر بن   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 37، كتاب المساقاة، باب (21) بيع البعير واستثناء ركوبه، حديث رقم (112) . [ (2) ] (فتح الباري) : 4/ 610، كتاب الوكالة، باب (8) وإذا وكل رجلا أن يعطي شيئا ولم يبين له كم يعطي، فأعطى ما يتعارفه الناس، حديث رقم (2309) . قوله: «ولم يبلغه كلهم رجل منهم بعنه» ، أي ليس جميع الحديث عند واحد منهم بعينهن وإنما عند بعضهم منه ما ليس عند الآخر. قوله: «على جمل سفال» بفتح المثلثة بعدها فاء خفيفة، هو البعير البطيء السير، يقال: ثفال وثفيل، وأما الثفال بكسر أوله فهو ما يوضع تحت الرحى لينزل عليه الدقيق، وقال ابن التين: من ضبط الثفال الّذي هو البعير بكسر أوله فقد أخطأ. وقوله: «أربعه دنانير» ، كذا للجميع، وذكره الداوديّ الشارح بلفظ «أربعة دنانير» ، وقال: سقطت الهاء لما دخلت الألف واللام، وذلك جائز فيما دون العشرة، وتعقبه ابن التين بأنه قول مخترع، لم يقله أحد غيره. وقوله: «فلم يكن القيراط يفارق قراب جابر» كذا لأبى ذر والنسفي بقاف، قال الداوديّ الشارح: يعنى خريطته، وتعقبه ابن التين بأن المراد قراب السفينة، وأن الخريطة لا يقال لها قراب. قال ابن بطال: فيه الاعتماد على العرف، لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يعين قدر الزيادة في قوله: «وزده» ، فاعتمد بلال على العرف، فاقتصر على قيراط، فلو زاد مثلا دينارا لتناوله مطلق الزيادة، ولكن العرف يأباه، كذا قال، وقد ينازعه في ذلك باحتمال أن يكون هذا القدر كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أذن في زيادته، وذلك القدر الّذي زيد عليه كأنه يكون أمره أن يزيد من يأمر له بالزيادة على كل دينار ربع قيراط، فيكون عمله في ذلك بالنص لا بالعرف. (فتح الباري) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 262 عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فكنت على جمل ثقال، إنما هو في آخر القوم، فمر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: من هذا؟ فقلت: جابر بن عبد اللَّه. قال: مالك قلت إني على جمل ثقال، قال: أمعك قضيب؟ قلت: نعم قال: أعطنيه، فضربه، فزجره فكان من ذلك المكان من أول القوم، قال: بعنيه، قال: قلت: بل هو لك يا رسول اللَّه، فقال: بل بعنيه، قد أخذته بأربعة دنانير، ولك ظهره إلى المدينة، فلما دنونا من المدينة أخذت أرتحل، قال: أين تريد؟، قلت: تزوجت امرأة قد خلا منها، قال: فهلا جارية تلاعبها، وتلاعبك؟ قلت: إن أبي توفي، وترك بنات، فأردت أن أنكح امرأة قد جربت خلا منها، قال: فذلك، فلما قدمنا المدينة قال: يا بلال اقضه، وزده، فأعطاه أربعة دنانير، وزاده قيراطا، قال: لا تفارقني زيادة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلم يكن القيراط يفارق قراب جابر بن عبد اللَّه. ذكره في كتاب الوكالة، وترجم عليه إذا وكل رجلا أن يعطى شيئا، ولم يتبين كم يعطي فأعطى على ما يتعارفه الناس. وذكر مسلم [ (1) ] منه طرفا يسيرا من حديث ابن جريج عن عطاء، عن جابر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: قد أخذت جملك بأربعة دنانير، ولك ظهره إلى المدينة لم يزد على هذا. وخرّج أيضا من حديث حماد، قال: حدثنا أيوب عن أبي الزبير، عن جابر قال: أتى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد أعيا بعيري، فنخسه، فوثب فكنت بعد ذلك أجبس خطامه لأسمع حديثه، فما أقدر عليه، فلحقني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: ولك ظهره إلى المدينة بعنيه فبعته منه بخمس أواق، قال: قلت: على أن لي ظهره إلى المدينة، قال: فلمّا قدمت المدينة أتيته به، فزادني أوقية ثم وهبه لي [ (2) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 39، كتاب المساقاة، باب (21) البعير واستثناء ركوبه، حديث رقم (117) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (113) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 263 وخرّج بعد حديث أبي الزبير هذا من حديث بشير بن عقبة، عن أبي المتوكل الناجي، عن جابر بن عبد اللَّه قال: سافرت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض أسفاره، أظنه قال غازيا واقتصر الحديث، وزاد فيه: قال: يا جابر استوفيت الثمن؟ قلت: نعم، قال: لك الثمن، ولك الجمل [ (1) ] ، لك الثمن، ولك الجمل، هكذا ذكره كما كتبناه. وخرّج البخاري [ (2) ] من حديث عقيل، حدثنا أبو المتوكل الناجي قال: أتيت جابر بن عبد اللَّه الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فقلت له: حدثني بما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: سافرت معه في بعض أسفاره، قال أبو عقيل: لا أدرى غزوة أم عمرة، فلما أن أقبلت قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من أحب أن يتعجل أهله فليتعجل، قال جابر: فأقبلنا وأنا على بعير لي أرمك ليس فيه شية، والناس من خلفي، فبينا أنا كذلك إذ قام على، فقال لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا جابر استمسك، فضربه بسوط ضربة، فوثب البعير مكانه، فقال: أتبيع الجمل؟ قلت: نعم، فلما قدمنا المدينة ودخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المسجد في طوائف أصحابه، فدخلت إليه وعقلت الجمل في ناحية البلاط، فقلت له: هذا جملك، فخرج فجعل يطيف بالجمل، ويقول: الجمل جملنا، فبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أواق من ذهب،   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (114) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 81- 82، كتاب الجهاد والسير، باب (49) من ضرب دابة غيره في الغزو، حديث رقم (2861) . قوله: «من ضرب دابة غيره في الغزو» أي إعانة له رفقا به، قوله: «أرمك» ، براء، وكاف، وزن أحمر: ما خالط حمرته سواد، وقوله: «ليس فيها شية» بكسر المعجمة وفتح التحتانية الخفيفة، أي علامة، [وقال تعالى في وصف بقرة بنى إسرائيل: مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها [البقرة:] المراد أنه ليس فيه لمعه من غير لونه، ويحتمل أن يريد ليس فيه عيب ويؤيد قوله: «والناس خلفي، فبينا أنا كذلك إذا قام على» لأنه يشعر بأنه أراد أنه كان قويا في سيره، لا عيب فيه من جهة ذلك حتى كأنه صار قدام الناس. فطرأ عليه حينئذ. الوقوف، قوله: «إذا قام علي» أي وقف فلم يسر من التعب. (فتح الباري) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 264 فقال: أعطوها جابرا، ثم قال: استوفيت الثمن؟ قلت: نعم، قال: الثمن والجمل لك. ذكره في كتاب الجهاد وترجم باب من ضرب دابة غيره في الغزو، وذكره مختصرا محذوف الإسناد في كتاب المظالم، وترجم عليه باب من عقل بعيرا على البلاط، أو في باب المسجد [ (1) ] . قال كاتبه- يعنى مؤلفه-: وكانت قصة بعير جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- هذه التي أوردت من طرقها ما أمكن إيراده في غزوة ذات الرقاع [ (2) ] كما تقدم.   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 147- 148، كتاب المظالم، باب (26) من عقل بعيره على البلاط أو باب المسجد، حديث رقم (2470) ، والبلاط: حجارة مفروشة كانت عند باب المسجد. وقوله: «فعقلت الجمل في ناحية البلاط» فإنه يستفاد منه جواز ذلك إذا لم يحصل به ضرر. (فتح الباري) . [ (2) ] غزوة ذات الرقاع: اختلف أهل التاريخ فيها، متى كانت؟ فعند ابن إسحاق: بعد بني النضير سنه أربع، في شهر ربيع الآخر، وبعض جمادى، وعند ابن سعد وابن حبان: في المحرم سنة خمس، وجزم أبو معشر: بأنها بعد بنى قريظة في ذي العقدة سنة خمس، فتكون ذات الرقاع في آخر السنة الخامسة وأول التي تليها. وقد جنح البخاري إلى أنها كانت بعد خيبر، واستدل لذلك بأمور، ومع ذلك ذكرها قبل خيبر، فلا أدري هل تعمد ذلك تسليما لأصحاب المغازي أنها كانت قبلها، أو أن ذلك من الرواة عنه، أو إشارة إلى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسما لغزوتين مختلفتين كما أشار البيهقي، على أن، أصحاب المغازي مع جزمهم بأنها كانت قبل خيبر مختلفون في زمانها. وأما تسميتها بذات الرقاع، فلأنهم رقعوا فيها راياتهم، قاله ابن هشام، وقيل: لشجرة في ذلك الموضع يقال لها ذات الرقاع، وقيل: الأرض التي نزلوا بها فيها بقع سود وبقع بيض، وكأنها مرقعة برقاع مختلفة، فسميت ذات الرقاع لذلك، وتميل غير ذلك. قال السهيليّ: وأصحّ من هذه الأقوال كلها، ما رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري. قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة ونحن ستة نفر، وبيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 265 وقال الواقدي- وقد ذكر غزوة ذات الرقاع-: ثم رحنا مبردين. قال جابر: فإنا لنسير إذ أدركني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال مالك: يا جابر، فقلت: يا رسول اللَّه جدي أن يكون لي بعير سوء، وقد مضى الناس وتركوني، قال: فأناخ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعيره. فقال: أمعك ماء؟ فقلت: نعم، فجئته بقعب من ماء، فنفث فيه، ثم نضح رأسه وظهره وعلى عجزه، ثم قال: أعطني عصا، فأعطيته عصا، أو قال: قطعت له عصا من شجرة، قال: ثم نخسة نخسات، ثم قرعه بالعصا، ثم قال: اركب يا جابر، فركبت. قال: فخرج، والّذي بعثه بالحق يواهق [ (1) ] ناقته مواهقة ما تفوته ناقته، قال: وجعلت أتحدث مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال لي: يا أبا عبد اللَّه أتزوجت، قلت: نعم، قال: بكرا أم ثيبا؟ فقلت: ثيبا، فقال: ألا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ فقلت: يا رسول اللَّه- بأبي وأمى، إن أبي أصيب يوم أحد، فترك تسع بنات فتزوجت امرأة جامعة تلم شعثهن، وتقوم عليهنّ، قال: أصبت. ثم قال: أما أنا لو قدمنا صرارا [ (2) ] أمرنا بجزور، فنحرت وأقمنا عليها يومنا ذلك، وسمعت بنا فنفضت نمارقها، قال: قلت: واللَّه يا رسول اللَّه ما لنا نمارق، قال: أما إنها ستكون، فإذا قدمت فاعمل عملا كيسا. قال: قلت: أفعل ما استطعت، قال: ثم قال: بعني جملك هذا يا جابر، قلت: بل هو لك يا رسول اللَّه، فقال: لا بل بعنيه، قال: قلت: نعم سمنى به، قال: فإنّي آخذه بدرهم، قال: قلت: تغبنني يا رسول اللَّه؟ قال: لا   [ () ] ونقبت قدماي، وسقطت أظافري، فلكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع. (المواهب اللدنية) : 1/ 433- 435 مختصرا. [ (1) ] أي يباريها في السير ويماشيها، ومواهقة الإبل: مد أعناقها في السير. (النهاية) : 4/ 234. [ (2) ] صرار: بكسر أوله وآخره مثل ثانيه، وهي الأماكن المرتفعة التي لا يعلوها الماء، يقال لها صرار، وقيل: صرار موضع على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق. (معجم البلدان) : 3/ 452، موضع رقم (7505) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 266 لعمري. قال جابر: فما زال يزيدني درهما حتى بلغ أربعين درهما وأوقية، فقال: أما رضيت، فقلت هو لك، قال: فظهره لك حتى تقدم المدينة. قال: ويقال: إنه قال: آخذه منك بأوقية، وظهره لك، فباعه على ذلك، قال: فلما قدمنا صرارا أمر بجزور، فنحرت وأقام به يومه، ثم دخلنا المدينة. قال جابر: فقلت للمرأة: قد أمرنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أعمل عملا كيسا، قالت: سمعا وطاعة لأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدونك فأفعل، قال: ثم أصبحت، فأخذت برأس الجمل، فانطلقت حتى أنخته عند حجرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وجلست حتى خرج. فلما خرج قال: أهذا الجمل؟ قلت: نعم يا رسول اللَّه الّذي اشتريت، فدعا بلالا، فقال: اذهب فأعطه أوقية، وخذ برأس جملك يا بن أخي، فانطلقت مع بلال. فقال: أنت ابن صاحب الشعب، فقلت: نعم، فقال: لأطيبنك ولأزيدنك، فزادني قيراطا أو قيراطين. قال: فما زال يثمر ذلك ويزيدنا اللَّه به، ونعرف موضعه، حتى أصيب هاهنا قريبا يعنى الجمل. هكذا ساق الواقدي هذه القصة في مغازيه كما كتبتها [ (1) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 399- 401، غزوة ذات الرقاع. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 267 وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلّم في فرس أبي طلحة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى صار لا يجاريه فرس بعد أن كان قطوفا بطيئا فخرّج البخاري [ (1) ] من حديث غندر نا شعبة، قال: سمعت قتادة عن أنس ابن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا لنا يقال له: مندوب، فقال: ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرا، ذكره في الجهاد في باب اسم الفرس والحمار، وخرّجه في كتاب الهبة [ (2) ] من   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 73، كتاب الجهاد، باب (46) اسم الفرس والحمار، حديث رقم (2857) . وقوله: «باب اسم الفرس والحمار» ، أي مشروعية تسميتهما، وكذا غيرهما من الدواب بأسماء تخصها غير أسماء أجناسها، قد اعتنى من ألف في السيرة النبويّة بسرد ما ورد في الأخبار من خيله صلّى اللَّه عليه وسلّم وغير ذلك من دوابه، وفي الأحاديث الواردة في هذا الباب ما يقوى قول من ذكر أنساب بعض الخيول العربية الأصيلة، لأن الأسماء توضع للتمييز بين أفراد الجنس. (فتح الباري) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 5/ 301، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (33) من استعار من الناس الفرس، حديث رقم (2627) . قوله: «من استعار من الناس الفرس» والبخاري أضاف العارية إلى الهبة، لأنها هبة المنافع، والعارية بتشديد التحتانية ويجوز تخفيفها. قال الأزهري: مأخوذة من عار إذا ذهب وجاء، ومنه سمى العيار لأنه يكثر الذهاب والمجيء وقال الجوهري: منسوب إلى العار، لأن طلبها عار، وتعقب بوقوعها من الشارع في مثل ذلك لبيان الجواز، وهي في الشرع هبة المنافع دون الرقبة، ويجوز توقيتها، وحكم العارية إذا تلفت في يد المستعير أن يضمنها إلا فيما إذا كان ذلك من الوجه المأذون فيه، هذا قول الجهور [] ، عن المالكية والحنفية: إن لم يتعد لم يضمن. قوله: «كان فزع بالمدينة» أي خوف من عدو، قوله: «من أبي، قيل» سمي بذلك من الندب، وهو الرهن عند السباق، وقيل: لندب كان في جسمه، وهو أثر الجرح. قوله: «إن وجدناه لبحرا» قال الأصمعي: يقال للفرس بحر إذا كان واسع الجري، أو لأنه جريه لا ينفذ كما لا ينفذ البحر (فتح الباري) مختصرا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 268 حديث آدم، عن شعبة، عن قتادة قال: سمعت أنسا يقول: كان فزع بالمدينة، واستعار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا من أبي طلحة، يقال له: المندوب، فركب فلما رجع قال: ما رأينا من شيء، وإن وجدناه لبحرا، ترجم عليه باب من استعار من الناس الفرس والدابة. وخرّجه أيضا في باب مبادرة الإمام عند الفزع [ (1) ] من حديث يحيى، عن شعبة، حدثني قتادة عن أنس بن مالك- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان بالمدينة فزع فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا لأبي طلحة، فقال: ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحرا. وخرّج مسلم في المناقب [ (2) ] من حديث وكيع، حدثنا شعبة عن قتادة، عن أنس، قال: كان بالمدينة فزع فاستعار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا لأبي طلحة، يقال له: مندوب، فركب، فقال: ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرا، وخرجه من حديث محمد بن جعفر، وخالد بن الحارث عن شعبة بهذا الإسناد [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 151- 152، كتاب الجهاد والسير، باب (116) مبادرة الإمام عند الفزع، حديث رقم (2968) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 74، كتاب الفضائل، باب (11) في شجاعة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتقدمه في الحرب، حديث رقم (49) . [ (3) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق، بدون رقم، قال الإمام النووي: وفيه فوائد: منها بيان شجاعته صلّى اللَّه عليه وسلّم من شدة عجلته في الخروج الى العدو قبل الناس كلهم، بحيث كشف الحال ورجع قبل وصول الناس، وفيه بيان عظيم بركته صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعجزته في انقلاب الفرس سريعا بعد أن كان يبطأ، وهو معنى قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: وجدناه بحرا أي واسع الجرى. وفيه جواز سبق الإنسان وحده في كشف أخبار العدو ما لم يتحقق الهلاك، وفيه جواز العارية وجواز الغزو على الفرس المستعار لذلك وفيه استحباب تقلد السيف في العنق، واستحباب تبشير الناس بعدم الخوف إذا ذهب، ووقع في هذا الحديث تسميه هذا الفرس مندوبا، قال القاضي: وقد كان في أفراس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مندوب، فلعله صار إليه بعد أبي طلحة، هذا كلام القاضي، قال الإمام النووي: ويحتمل أنهما فرسان اتفقا في الاسم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 269 وخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث حماد بن زيد عن ثابت، عن أنس ابن مالك- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس. وقال البخاري: الناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم راجعا، وقد سبقهم إلى الصوت. وقال البخاري: فاستقبلهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا، وهو على فرس لأبي طلحة ما عليه سرج، في عنقه سيف، قال: وجدنا بحرا، وإنه لبحر، قال: وكان فرسا ثبطا، لم يذكر البخاري: وكان فرسا ثبطا. وخرّج البخاري في كتاب الجهاد [ (3) ] في باب إذا فزعوا في الليل من حديث حماد يعنى ابن زيد، عن ثابت، عن أنس، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فزع أهل المدينة ليلة، فسمعوا صوتا، قال: فتلقاهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على فرس لأبي طلحة عرى وهو متقلد سيفه، فقال: لم تراعوا، لم تراعوا، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وجدته بحرا يعنى الفرس. وخرّج في باب الحمائل [ (4) ] وتعليق السيف بالعنق، هذا الحديث بهذا الإسناد، ولفظه عن أنس قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس، وأشجع الناس،   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 118، كتاب الجهاد والسير، باب (82) الحمائل وتعليق السيف بالعنق، حديث رقم (2908) . مقصود المصنف من هذه التراجم أن يبين زي السلف في آلة الحرب، وما سبق استعماله في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليكون أطيب للنفس وأنفى للبدعة. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 73، كتاب الفضائل، باب (11) في شجاعة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتقدمه للحرب، حديث رقم (2307) . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 201، كتاب الجهاد، باب (165) إذا فزعوا بالليل، حديث رقم (3040) ، أي ينبغي لأمير العسكر أن يكشف الخبر بنفسه أو بمن يند به لذلك. [ (4) ] سبق تخريجة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 270 ولقد فزع أهل المدينة، فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عري، وفي عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا، ثم قال: وجدناه بحرا، وقال: إنه لبحر، وذكره في باب الشجاعة في الحرب [ (1) ] ، وفي باب ركوب الفرس العري [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث يزيد بن زريع حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن أهل المدينة فزعوا مرة، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا لأبي طلحة كان يقطف [ (3) ] ، أو كان فيه قطاف [ (4) ] ، فلما رجع قال: وجدنا فرسكم هذا بحرا، وكان بعد ذلك لا يجاري. ذكره في كتاب الجهاد، وترجم عليه باب الفرس القطوف، وخرجه أيضا في باب السرعة والركض في الفزع من حديث جرير بن حازم عن محمد، عن أنس بن مالك قال: فزع الناس، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا لأبي طلحة بطيئا، وخرج يركض وحده، فركب الناس يركضون خلفه، فقال: لم تراعوا إنه لبحر فما سبق بعد ذلك اليوم.   [ (1) ] حديث رقم (2820) . [ (2) ] حديث رقم (2866) . [ (3) ] حديث رقم (2867) ، القطوف: أي البطيء المشي. [ (4) ] حديث رقم (2969) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 271 وأما فراهة فرس جعيل [ (1) ] بعد عجفها وتأخر مسيرتها وبيعة نتاجها بمال جم بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم له فيها بالبركة خرّج البيهقي [ (2) ] من حديث رافع بن سلمة بن زياد الأشجعي، قال: حدثني عبد اللَّه بن أبي الجعد الأشجعي، عن جعيل، قال: غزوت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا على فرس لي عجفاء ضعيفة. قال: فكنت في أخريات الناس، فلحقني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: سر يا صاحب الفرس، فقلت: يا رسول اللَّه عجفاء ضعيفة، قال: فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مخفقة معه، فضربها بها، وقال: اللَّهمّ بارك له فيها، فقال: فلقد رأيتني وأنا أمسك في رأسها أن نتقدم الناس، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا.   [ (1) ] هو جعيل بن زياد ويقال: ابن حمزة الأشجعي، روى عن عبد اللَّه بن أبي الجعد حديثا حسنا في أعلام النبوة، قال: كنت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض غزواته على فرس لي ضعيفة عجفاء في أخريات الناس فذكر الحديث. له ترجمة في: (الإستيعاب) : 1/ 246، ترجمة رقم (330) ، (الإصابة) : 1/ 490، ترجمة رقم (1173) ، (تهذيب التهذيب) : 2/ 94، ترجمة رقم (172) . [ (2) ] (دلائل النبوة) : 6/ 153. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 272 وأما ضربه برجله صلّى اللَّه عليه وسلّم ناقة لا تكاد تسير فصارت سابقة فخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث مروان بن معاوية، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو قال فتى، فقال: إني تزوجت امرأة، فقال: هل نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئا؟ قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ فذكر شيئا قال: وكأنكم تنحتون الذهب والفضة من عرض هذا الجبل؟ ما عندنا شيء نعطيكه، ولكن سأبعثك في وجه تصيب فيه، فبعث بعثا إلى بني عبس، وبعث الرجل فيهم، فأتاه، فقال: يا رسول اللَّه قد أعيتني ناقتي أن تنبعث، قال: فناوله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده كالمعتمد عليه للقيام، فأتاه، فضربها برجله، قال أبو هريرة: والّذي نفسي بيده لقد رأيتها تسبق القائد. قال البيهقي: رواه مسلم في الصحيح [ (2) ] عن يحيى بن معين، عن مروان. قال كاتبه [ (3) ] : خرّج مسلم في النكاح من حديث ابن أبي عدي حدثنا سفيان، عن يزيد بن كيسان بن أبي حازم، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتاه رجل، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب، فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا. قال مسلم: وحدثني يحيى بن معين، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، حدثنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئا.   [ (1) ] (دلائل النبوة) : 6/ 154. [ (2) ] رواه مسلم في كتاب النكاح، باب (12) ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد النكاح، حديث رقم (75) . [ (3) ] هو التقي المقريزي- رحمه اللَّه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 273 قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال على أربع أواق، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه، قال: فبعث بعثا إلى بني عبس وبعث ذلك الرجل فيهم، هكذا سياقة مسلم، ولم يذكر فيه قصة الناقة. وقد خرّج الحاكم [ (1) ] هذا الحديث من طريق زهير بن معاوية [ (2) ] ، قال: حدثنا أبو إسماعيل الأسلمي أن أبا حازم حدثه عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رجلا أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار على ثماني أواق، فتفزع لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل؟ هل رأيتها فإن في عيون الأنصار شيئا. قال: قد رأيتها؟ قال: ما عندنا شيء ولكنا سنبعثك في بعث وأنا أرجو أن تصيب خيرا، فبعثه في ناس إلى ناس من بني عبس، فأمر لهم بناقة، فحملوا عليها متاعهم، فلم ترم إلا قليلا حتى بركت، فأعيتهم أن تنبعث، فلم يكن في القوم أصغر من الّذي تزوج، فجاء إلى نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو مستلق في المسجد، فقام عند رأسه كراهية أن يوقظه، فانتبه نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا نبي اللَّه إن الّذي أعطيتنا أعيينا أن نبعثه، فناوله نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمينه وأخذ رداءه بشماله، فوضعه على عاتقه، وانطلق يمشى حتى أتاها، فضربها بباطن قدمه، والّذي نفس أبي هريرة بيده لقد كانت بعد ذلك تسبق القائد، وإنهم نزلوا بحضرة العدو، وقد أوقدوا النيران، فأحاطوا بهم، وتفرقوا عليهم، وكبروا تكبيرة رجل واحد، وأن اللَّه- تعالى- هزمهم وأسر منهم. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، بهذه السياقة.   [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 193- 194، كتاب النكاح، حديث رقم (2729) ، وقال الحافظ الذهبي في (التخليص) : على شرط البخاري ومسلم وأبو إسماعيل هو بشير بن سلمان، أخرج مسلم بعضه. [ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 274 إنما خرّج مسلم من حديث شعبة عن أبي إسماعيل، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: أن رجلا تزوج، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هلا نظرت إليها فقط، وقال أبو إسماعيل هذا هو بشير بن سليمان [ (1) ] ، وقد احتجا جميعا به. قال كاتبه: بشير بن سليمان أبو إسماعيل هذا يروي عن أبي حازم الأشجعي وخيثمة بن يوسف الفرياني، وطائفة، وثقة ابن معين وأحمد بن حنبل، خرج له مسلم والأربعة، وخرج له البخاري خارج الصحيح أظنه في كتاب (الأدب المفرد) [ (2) ] .   [ (1) ] هو بشير بن سليمان الكندي أبو إسماعيل الكوفي، روى عن أبي حازم الأشجعي، وخيثمة بن أبي خيثمة، وسيار أبي الحكم، وقيل: عن سيار أبي حمزة، ومجاهد وعكرمة وغيرهم، وعنه ابنه الحكم والسفيانان وابن المبارك، وابن فضيل، ووكيع والفرياني، وأبو نعيم وغيرهم، قال أحمد وابن معين والعجليّ: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح حديث، وهو أحب إليّ من يزيد بن كيسان، قال الحافظ: وقال ابن سعد: كان شيخا قيل الحديث وقال البزار: حدث بغير حديث لم يشاركه فيه أحد وذكره ابن حبان في (الثقات) . (تهذيب التهذيب) : 1/ 408 ترجمة رقم (858) . [ (2) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 275 وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم لبعير الرجل أن يحمله اللَّه عليه فمكث عنده عشرين سنة فخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث جعفر بن عوف، قال: أخبرنا الأعمش عن مجاهد أن رجلا اشترى بعيرا، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اشتريت بعيرا، فادع اللَّه أن يبارك لي فيه، فقال: اللَّهمّ بارك له فيه، فلم يلبث إلا يسيرا أن نفق، ثم اشترى بعيرا آخر، فأتي به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه إني اشتريت بعيرا، فادع اللَّه أن يبارك لي فيه، فقال: اللَّهمّ بارك له فيه، فلم يلبث إلا يسيرا أن نفق، ثم اشترى بعيرا، فأتي به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه إني اشتريت بعيرا، فادع اللَّه أن يحملني عليه، قال: فقال اللَّهمّ احمله عليه، قال: فمكث عنده عشرين سنة. قال البيهقي: هذا مرسل، ودعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم صار إلى أمر الآخرة في المرتين الأوليين، ثم سأله صاحب البعير الدعاء أن يحمله عليه، فوقعت الإجابة [إليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل زكاة وأطيبها وأنماها] [ (2) ] .   [ (1) ] (دلائل النبوة) : 6/ 154- 155. [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 276 وأما ذهاب الجوع عن فاطمة الزهراء- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج أبو نعيم [ (1) ] ، والبيهقي [ (2) ] من حديث مسهر بن عبد الملك بن مسلع الهمدانيّ، عن عتبة أبي معاذ البصري عن عكرمة [مولى ابن عباس] ، عن عمران بن الحصين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أقبلت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، فوقعت بين يديه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنظر إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد ذهب الدم من وجهها، وغلبت الصفرة على وجهها من شدة الجوع، فنظر إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ادني يا فاطمة، فدنت حتى قامت بين يديه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرفع يده الشريفة صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوضعها على صدرها في موضع القلادة، وفرج بين أصابعه، ثم قال: اللَّهمّ مشبع الجاعة، ورافع الوضيعة ارفع فاطمة بنت محمد [ (3) ] ، وفي رواية لا تجع فاطمة بنت محمد [ (4) ] . قال عمران: فنظرت إليها، وقد ذهبت الصفرة من وجهها، وغلب الدم كما كانت الصفرة غلبت على الدم، قال عمران: فلقيتها بعد، فسألتها، فقالت: ما جعت بعد يا عمران.   [ (1) ] (دلائل النبوة) : 462، حديث رقم (390) ، وأخرجه الطبراني في (الأوسط) وفيه عتبة بن حميد أبو معاذ، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجاله وثقوا. [ (2) ] (دلائل النبوة) : 6/ 108، باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم لابنته- فاطمة عليها السلام، وما ظهر فيه من الإجابة. [ (3) ] كذا في (دلائل البيهقي) . [ (4) ] كذا في (دلائل أبي نعيم) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 277 قال البيهقي- رحمه اللَّه: والأشبه أنه رآها صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل نزول آية الحجاب [ (1) ] . وأما كفاية علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه الحر والبرد بدعائه له صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج أبو نعيم من حديث أبى بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا علي بن شهاب، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم والمنهال وعيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يخرج في الشتاء في إزار ورداء، ثوبين خفيفين، وفي الصيف في القباء المحشو والثوب الثقيل، فقال الناس لعبد الرحمن: لو قلت لأبيك فإنه يسمر معه. قال: فسألت أبي أن الناس قد رأوا من أمير المؤمنين شيئا استنكروه، قال: وما ذاك، قلت: يخرج في الحر الشديد في القباء المحشو والثوب الثقيل، لا يبالي، ويخرج في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين والملاءتين والخفيفتين لا يبالي ذلك، ولا يتقى بردا، فهل سمعت في ذلك؟ فقد أمروني أن أسألك أن تسأله إذا أسمرت عنده، فسمر عنده. فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس قد تفقدوا منك شيئا، قال: وما هو؟ قلت: تخرج في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين والملاءتين ولا تبالي، وتخرج في الحر الشديد في القباء المحشو والثوب الثقيل، ولا تبالي بردا ولا حرا. قال: وما كنت معنا يا أبا ليلى بخيبر؟ قلت: بلى، واللَّه كنت معكم، قال: فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله ويحبه   [ (1) ] وزاد أبو نعيم: وقال سليمان: فبسط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أصابعه، ثم وضع كفه بين ترائبها، فرفع رأسه وقال: «اللَّهمّ مشبع الجاعة، وقاضى الحاجة، ورافع الوضيعة، لا تجع فاطمة بنت محمد، ثم سألتها بعد ذلك فقالت: ما جعت بعد ذلك، يا عمران. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 278 اللَّه ورسوله يفتح اللَّه عليه ليس بفرار، قال: فدعاني، فأتيته وأنا أرمد لا أبصر شيئا. قال: فتفل في عيني، ثم قال: اللَّهمّ اكفه الحر والبرد، قال: فما أذاني بعد حر ولا برد [ (1) ] . وخرّجه من حديث محمد بن عمران بن أبي ليلى، عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: اجتمع إليّ نفر من أهل المسجد، فقالوا: إنا قد رأينا من أمير المؤمنين شيئا أنكرناه، قلت: وما هو؟، قالوا: يخرج علينا في الشتاء في إزار، ورداء، وفي الصيف في قباء محشو، فدخلت فذكرت ذلك لأبي، فلما راح إلى على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن الناس قد رأوا منك شيئا أنكروه، قال: وما هو؟ قلت: لباسك، قال: أوما كنت معنا حين دعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أرمد فتفل في راحتيه وألصق بهما على عيني، وقال: اللَّهمّ أذهب عنه الحر والبرد، والّذي بعثه بالحق ما وجدت لواحدة منهما أذى حتى الساعة [ (2) ] . قال كاتبة حديث لأعطين الراية رجلا يحب اللَّه ورسوله، حديث. خرّجه البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] ، وسيأتي في طرقه عن قريب إن شاء اللَّه، وليست فيه قصة الحر والبرد، ولكن وقعت في النسائي.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 212- 213، باب ما جاء في بعث السرايا إلى حصون خيبر، وإخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بفتحها على يدي علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ودعائه له وما ظهر في ذلك من آثار النبوة ودلالات الصدق، وقد ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 9/ 122، وقال: ورواه الطبراني في (الأوسط) وإسناده حسن. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 463، حديث رقم (391) ، رواه الطبراني في (الأوسط) ، وإسناده حسن. [ (3) ] أخرجه في المغازي، باب (38) في غزوة خيبر. [ (4) ] أخرجه في فضائل الصحابة، باب (4) من فضائل علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، حديث رقم (34) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 279 خرّجه من حديث عبد اللَّه قال: حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم والمنهال، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه أنه قال لعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان يسير معه: إن الناس قد أنكروا منك أنك تخرج في البرد في الملاءتين، وتخرج في الحر في الحشو والثوب الغليظ. قال: أولم تكن معنا بخيبر؟ قال: بلى، قال: فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. بعث أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وعقد له لواء، فرجع الناس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطينّ الراية رجلا يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله ليس بفرار. قال: فأرسل إلي وأنا أرمد، فتفل في عيني، وقال: اللَّهمّ [أذهب عنه] الحر والبرد، قال: فما وجدت حرا بعد ذلك ولا بردا. ومن حديث فردوس الأشعري قال: حدثنا مسعود بن سليمان: حدثنا حبيب ابن أبي ثابت، عن الجعد مولى سويد بن غفلة، أنه قال: لقيت عليا- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو في ثوبين في شدة الشتاء، فقلت: لا تغني بأرضنا هذه، فإنّها أرض مقرة [ (1) ] ، وليست مثل أرضك فقال: أما إني كنت مقرورا [ (2) ] ، فلما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خيبر قلت: ما لي لا أدفأ به، وإني لأرمد، فتفل في عيني، ودعا لي فما وجدت بردا بعد، ولا رمدت عيناي. وخرّج أبو نعيم من حديث محمد بن فضيل، عن أبي حيان التيمي، عن شبرمة بن الطفيل قال: رأيت عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بذي قار عليه إزار ورداء، وهو يهنأ بعيرا له في يوم شديد البرد، وإن جبينه ليرشح عرقا.   [ (1) ] مقرة: باردة شديدة البرودة. [ (2) ] المقرور: من أصابه القر، وهو شدة البرد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 280 وأما شفاؤه مما يشكو من الوجع بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث أبي داود الطيالسي، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني عمرو بن مرة قال: سمعت عبد اللَّه بن سلمة يقول: سمعت عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أتى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا شاك أقول: اللَّهمّ إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان متأخرا فأرفق بي [ (2) ] . وإن كان بلاء فصبرني، فضربني برجله، وقال: كيف قلت؟ فأعدت عليه، فقال: اللَّهمّ اشفه، أو قال: اللَّهمّ عافه، قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فما اشتكيت وجعي ذاك بعد. وخرّجه النسائي من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سمعت عبد اللَّه بن سلمة يحدث عن علي- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: مر على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أقول: اللَّهمّ إن كان أجلى حضر فأرحني، وإن كان متأخرا فأرفق بي، وإن كان بلاء فصبرني، فضربني برجله، وقال: اللَّهمّ اشفه، اللَّهمّ عافه، فما اشتكيت بعد ذلك، وخرّجه عبد بن حميد من حديث شعبة.   [ (1) ] (دلائل النبوة) : 6/ 179، باب ما جاء في دعائه لعلي ابن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ولغيره بالشفاء، وإجابة اللَّه تعالى به فيما دعاه. [ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل البيهقي) : «فار، عنى» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 281 وأما شفاؤه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من رمد ببصاق الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعائه له فخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] والنسائي من حديث يعقوب بن عبد الرحمن بن أبي حازم قال: أخبرني سهل بن سعد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال يوم خيبر:   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 605، كتاب المغازي، باب (39) غزوة خيبر، حديث رقم (4210) ، قوله: «لأعطينّ الراية غدا أو ليأخذنّ، الراية غدا» هو شك من الراويّ، والراية يم، عنى اللواء، وهو العلم الّذي في الحرب، يعرف به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش، وقد يدفعه لمقدم العسكر. [ (2) ] من فضائل علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادفهما، ولكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس: «كانت راية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سوداء ولواؤه أبيض» مثلة، عند الطبراني، عن بريدة، وعند ابن عدي، عن أبي هريرة وزاد «مكتوبا فيه لا إله لا اللَّه محمد رسول اللَّه» ، وهو ظاهر في التغاير، فلعل التفرقة بينهما عرفية، وقد ذكر ابن إسحاق وكذا أبو الأسود، عن عروة أن أول ما وجدت الرايات يوم خيبر، وما كانوا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية» . قوله: (يحبه اللَّه ورسوله) زاد في حديث سهل بن سعد «ويحب اللَّه ورسوله» ، وفي رواية ابن إسحاق «ليس بفرار،» وفي حديث بريدة «لا يرجع حتى يفتح اللَّه له» . قوله: (فنحن نرجوها) في حديث سهل «فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها» وقوله: «يدوكون» بمهملة مضمومة أي باتوا في اختلاط واختلاف، والدوكة بالكاف: الاختلاط، وعند مسلم من حديث أبي هريرة «إن عمر قال: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ» ، وفي حديث بريدة» فما منا رجل له منزلة، عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا وهو يرجوا أن يكون ذلك الرجل، حتى تطاولت أنا لها، فدعا عليا وهو يشتكي عينه فمسحها، ثم دفع إليه اللواء «ولمسلم من طريق إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: «فأرسلني إلى علي قال: فجئت به أقوده أرمد فبزق في عينه، فبرأ» قوله: (فقيل هذا علي) كذا وقع مختصرا، وبيانه في رواية إياس بن سلمة، عند مسلم، وفي حديث سهل بن سعد الّذي بعده «فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلهم يرجوا أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طلب؟ قالوا: يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأتوا به» الجزء: 11 ¦ الصفحة: 282   [ () ] وقد ظهر من حديث سلمة بن الأكوع انه هو الّذي أحضره، ولعل عليا حضر إليهم بخيبر ولم يقدر على مباشرة القتال لرمده، فأرسل إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فحضر من المكان الّذي نزل به، أو بعث إليه إلى المدينة فصادف حضوره. قوله: (فبرأ) بفتح الراء والهمزة بوزن ضرب، ويجوز كسر الراء بوزن علم، وعند الحاكم من حديث على نفسة قال: فوضع رأسي في حجره، ثم بزق في ألية راحته، فدلك بها عيني» وعند بريدة في «الدلائل البيهقي «فما وجعها على حتى مضى لسبيله» أي مات، عند الطبراني من حديث علي: «فما رمدت ولا صدعت منذ دفع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الراية يوم خيبر» ، وله من وجه آخر «فما اشتكيتها حتى الساعة، قال: ودعا لي فقال: اللَّهمّ أذهب، عنه الحر والقر، قال فما اشتكيتهما حتى يومي هذا» . قوله: (فأعطاه ففتح عليه) في حديث سهل «فأعطاه الراية» ، وفي حديث أبي سعيد، عند أحمد «فانطلق حتى يفتح اللَّه عليه خيبر وفدك، وجاء بعجوتهما» وقد اختلف في فتح خيبر هل كان، عنوة أو صلحا، وفي حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس التصريح بأنه كان، عنوة وبه جزم ابن عبد البر، ورد على من قال فتحت صلحا قال: وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم، وهو ضرب من الصلح لكن لم يقع ذلك إلا بحصار وقتال. انتهى. والّذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر «: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قاتل أهل خيبر، فغلب على النخل والجأهم إلى القصر، فصالحوه على أن يجلوا منها، وله الصفراء والبيضاء والحلقة، ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يغيبوا» الحديث وفي آخره «فسبى نساءهم وذريتهم، وقسم أموالهم للنكث الّذي نكثوا، وأراد أن يجليهم فقالوا: دعنا في هذه الأرض نصلحها «الحديث أخرجه أبو دواد والبيهقي وغيرهما، وكذلك أخرجه أبو الأسود في المغازي، عن عروة، فعلى هذا كان قد وقع الصلح، ثم حدث النقض منهم فزال أثر الصلح، ثم منّ عليهم بترك القتل وإبقائهم عمالا بالأرض ليس لهم فيها ملك، ولذلك أجلاهم عمر- كما تقدم في فتح فرض الخمس احتجاج الطحاوي على أن بعضها صلحا بما أخرجه هو وأبو داود من طريق بشير بن يسار» : أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما قسم خيبر عزل نصفها لنوائبه، وقسم نصفها بين المسلمين» وهو حديث اختلف في وصله وإرساله، وهو ظاهر في أن بعضها فتح صلحا، واللَّه اعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 283 لأعطينّ هذه الراية رجلا يفتح اللَّه عليه يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلهم يرجون أن يعطاها. فقال أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول اللَّه يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه فأتى به، فبصق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كان لم يكن به وجع فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول اللَّه أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: أنفد على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام،   [ () ] قوله: في حديث سهل (فقال علي يا رسول اللَّه، أقاتلهم) هو بحذف همزة الاستفهام. قوله: (حتى يكونوا مثلنا) أي حتى يسلموا قوله: (فقال انفذ) بضم الفاء بعدها معجمة. قوله: (على رسلك) بكسر الراء أي على هينتك. قوله: (ثم ادعهم إلى الإسلام) ووقع في حديث أبي هريرة، عند مسلم «فقال علي يا رسول اللَّه علام أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن إله إلا اللَّه وان محمدا عبده ورسوله» واستدل بقوله: «ادعهم» أن الدعوة شرط في جواز القتال، والخلاف في ذلك مشهور فقيل: يشترط مطلقا، وهو، عن مالك سواء من بلغتهم الدعوة أو لم تبلغهم، قال: إلا أن يعجلوا المسلمين، وقيل: لا مطلقا و، عن الشافعيّ مثله، وعنه لا يقاتل من لم تبلغهم حتى يدعوهم، وأما من بلغته فتجوز الإغارة عليهم بغير دعاء، وهو مقتضى الأحاديث، ويحمل ما في حديث سهل على الاستحباب بدليل أن في حديث أنس أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أغار على أهل خيبر لما لم يسمع النداء، وكان ذلك أول ما طرقهم، وكانت قصة على بعد ذلك، وعن الحنفية تجوز الإغارة عليهم مطلقا وتستحب الدعوة. قوله: (فو اللَّه لأن يهدى اللَّه بك رجلا إلخ) يؤخذ منه تألف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله (فتح الباري) ، هي الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وأنه ليس هناك أعظم منه، وقد سبق بيان أن تشبيه أمور الآخرة بأعراض الدنيا، وإنما هو التقريب من الأفهام، وإلا فذرة من الآخرة الباقية خير من الأرض بأسرها وأمثالها معها لو تصورت، وفي هذا الحديث بيان فضيلة العلم والدعاء إلى الهدى وسن السنن الحسنة (شرح النووي) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 284 وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللَّه فيه، فو اللَّه لأن يهدي اللَّه بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم. هكذا سياقة مسلم، وقال فيه البخاري: والنسائي: لأعطين هذه الراية غدا، ولم يذكر النسائي فيه قوله: فبات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها. ذكره البخاري في غزوة خيبر، وذكره مسلم في المناقب، وذكره النسائي في فضائل على، وذكره البخاري أيضا في الجهاد في باب فضل من أسلم على يديه رجل [ (1) ] ، وذكره في المناقب [ (2) ] من حديث عبد العزيز بن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لأعطين الراية غدا رجلا يفتح اللَّه على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلهم يرجو أن يعطاها. فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول اللَّه، قال: فأرسلوا إليه، فأتى [ (3) ] به، فلما جاء بصق في عينيه، فدعا له حتى كأن لم يكن به وجع، الحديث إلى آخره مثله. وخرّجه في كتاب الجهاد، في باب دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الإسلام والنبوة [ (4) ] ، من حديث عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه، عن سهل بن سعد، سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يفتح اللَّه على يديه، فناموا يرجون ذلك   [ (1) ] حديث رقم (3009) ، باب (143) . [ (2) ] باب (9) مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لعلي: «أنت مني وأنا منك» وقال عمر: «توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو، عنه راض» ، حديث رقم (3701) . [ (3) ] كذا في (الأصل) ، وفي البخاري: «فأتوني به» . [ (4) ] باب (102) دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس إلى الإسلام والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون اللَّه، وقوله- تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران: 79] ، حديث رقم (2942) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 285 أيهم يعطي؟ إذ كلهم يرجون أن يعطي [ (1) ] ، فقال: أين علي؟، فقيل: يشتكي عينيه، فأمر فدعا به فبصق في عينيه. فبرأ مكانه حتى كأن لم يكن به شيء، فقال: نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال علي رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فو اللَّه لأن يهدي بك رجل واحد خير لك من حمر النعم. وخرّج البخاري في الجهاد في باب ما قيل في لواء النبي [ (2) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي مناقب علي، وخرّج مسلم في المناقب: كلاهما من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سلمة بن الأكوع، قال: كان علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قد تخلف عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في خيبر كان رمدا، وقال البخاري: وكان به رمد، فقال: أنا أتخلف عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فلما كان في مساء الليلة التي فتحها اللَّه في صباحها، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين الراية أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه اللَّه ورسوله، أو قال: يحب اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه عليه، فإذا نحن بعلي، وما نرجوه. فقالوا: هذا على فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ففتح اللَّه عليه، لفظهما فيه متقارب. وخرّج النسائي [ (3) ] من حديث الحسين بن واقد، عن عبد اللَّه بن بريدة، قال: سمعت أبي بريدة يقول: حاصرنا خيبر، فأخذ اللواء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولم يفتح له وأخذه من الغد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فانصرف ولم يفتح له، وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني رافع لوائي غدا إلى رجل يحب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله، لا يرجع حتى يفتح له ربنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا فلما أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغداة، ثم قام قائما، ودعا باللواء والناس على مصافهم، فما منا إنسان له منزلة عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا هو يرجو أن يكون صاحب اللواء فدعا علي بن   [ (1) ] كذا في (الأصل) ، وفي البخاري: «فغدوا وكلهم يرجو أن يعطي» . [ (2) ] باب (121) ، حديث رقم (2975) . [ (3) ] في كتاب الجهاد من (الكبرى) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 286 أبي طالب، وهو أرمد فتفل في عينيه ودفع إليه اللواء، وفتح اللَّه له، وقال: أنا فيمن تطاول لها. وخرّجه من حديث ميمون أبي عبد اللَّه أن عبد اللَّه بن بريدة حدثه عن بريد الأسلمي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما كان حيث نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر أعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اللواء عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فنهض معه من نهض من الناس فلقوا أهل خيبر، فانكشف هو وأصحابه، فرجعوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين اللواء رجلا يجب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله، فلما كان من الغد تصادر أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فدعا عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو أرمد، فتفل في عينيه، ونهض معه من الناس من نهض، فلقى أهل خيبر، فإذا مرحب يرتجز وهو يقول: قد علمت خيبر أنى مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب أطعن أحيانا وحينا أضرب ... إذا الليوث أقبلت تلهب وخرّج أبو نعيم من حديث محمد بن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن منذر الثوري قال: سمعت الربيع بن خيثم يقول: أتيت عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فسألته عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لأعطين الراية رجلا يحب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله لا يرجع حتى يفتح اللَّه عليه، فجعل أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتصدونه، فقال: أين على بن أبي طالب؟ فقالوا: يا رسول اللَّه إنه أرمد لا يبصر، فأخذ الراية، فدعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتى به فتفل في عينيه فأبصر، ثم نهر له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فو الّذي نفسي بيده ما صعد آخرنا حتى فتح اللَّه على أولنا. ومن حديث عباد بن يعقوب، والنضر بن سعد بن صهيب قالا: حدثنا عبد اللَّه بن بكير، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال يوم خيبر: لأدفعن الراية إلى رجل يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله، لا يرجع حتى يفتح اللَّه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 287 عليه، فأصبح الناس طيبة وجوههم رجاء أن يدفها إليهم، فدعا عليا، وهو أرمد، فتفل في عينيه، ثم دفع الراية إليه، ففتح اللَّه عليه. وخرّج من حديث أبي عوانة، عن أبي فليح، عن عمرو بن ميمون قال: كنت عند ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فجاءه نفر تسعة، فقالوا: يا ابن عباس قم معنا، فقام معهم، فما ندري ما قالوا غير أنه رجع ينفض ثوبه، ويقول: أف وأف وقعوا في رجل قال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأدفعن رايتي هذه إلى رجل يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه على يديه، فأرسل إلى علي وهو في الرحل يطحن، وما كان أحدهم ليطحن، فجاءوا به رمدا. فقال: يا رسول اللَّه: ما أكاد أبصر، فنفث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عينيه وأخذ الراية بيده، فهزها ثلاثا ثم دفعها إليه، ففتح له، فجاء بصفية بنت حيي. ومن حديث بكير بن مسمار قال: سمعت عاصم بن سعد يقول: أن أباه سعدا، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين هذه الراية رجلا يحب اللَّه ورسوله فتطاولنا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أين علي، فقالوا: هو أرمد، قال: فدعوناه، فبصق في عينيه، ثم أعطاه الراية، ففتح اللَّه عليه. ومن حديث يحيى بن سلمة بن كهيل، عن مسلم الملامى، عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي وقاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين الراية رجلا يحبه اللَّه ورسوله، ويحب اللَّه ورسوله، لا يرجع حتى يفتح عليه، فلما أصبح صلّى الفجر، ثم نظر صلّى اللَّه عليه وسلّم في وجوه الناس، فرأى عليا منكسا في ناحية القوم يشتكي عينيه، فدعاه فقال: يا رسول اللَّه، إني أرمد فأخذ يفتح عينيه، ودعا له، قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فو الّذي بعثه بالحق ما اشتكيتها بعد. وخرّج من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه، ومن حديث أبي عوانة، وأبي بكر بن أبي شيبة عن جرير، ومن حديث هشيم كلهم عن مغيرة، عن أم موسى سرية علي، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 288 رمدت، ولا صدعت، منذ تفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عيني حين بعثني في خيبر، قال: ورواه الحكم [ (1) ] وعيسى عن ابن أبي ليلى، عن علي. وخرّج من حديث عباد بن يعقوب، قال: حدثنا عمر بن ثابت، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي قال: سمعت عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: كنت أرمد من دخان الحصن، فدعاني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فتفل في عيني، فما رمدت بعده. وخرّج من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن أبيه، عن سلمة بن الأكوع قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا بكر بن أبي قحافة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- برايته إلى حصن من خيبر، فقاتل، ولم يك فتح، وقد جهد، ثم بعث عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالغد، فقاتل ولم يك فتح، وقد جهد. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله يفتح اللَّه على يديه ليس بفرار، فدعا بعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو أرمد، فتفل في عينيه، فقال: خذ هذه الراية وامض بها، حتى يفتح اللَّه عليك. قال سلمة: فخرج بها واللَّه يهرول هرولة، وأنا لخلفه متتبع أثره، حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن، فاطلع عليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب، قال: يقول اليهودي: غلبتم [ (2) ] وما أنزل على موسى، أو كما قال، فما رجع حتى فتح اللَّه على يديه [ (3) ] . قال أبو نعيم، ورواه عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: فما رواه سلمة يدل على تقدم علم اليهودي من رواياتهم وكتبهم   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل البيهقي) : «عليتم» . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 209- 2110، باب ما جاء في بعث السرايا إلى حصون خيبر وإخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بفتحها على يدي علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ودعائه له، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة ودلالات الصدق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 289 بتوجيه من وجه إليهم ويكون الفتح على يديه، ويكون فيه فضيلة شريفة لعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ورواه يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة. وخرّج من حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب أظنه، عن أبي هريرة، ومن حديث معمر، عن عثمان الجريريّ، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب اللَّه ورسوله، ليس بفرار يفتح اللَّه خيبر على يديه، فتشرف لها المهاجرون والأنصار، فسأل، عن عليّ فقالوا: هو أرمد، فدعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فنفث في عينيه، ثم دعا له وأعطاه الراية، ففتح اللَّه على يديه. ومن حديث مسدد قال: حدثنا أبو عوانة، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله يفتح اللَّه على يديه، فدعا عليا فنفثه، ثم قال: اذهب فقاتل حتى يفتح اللَّه عليك. وخرّجه من طريق إسرائيل، عن عبد اللَّه بن عصمة، عن أبي سعيد الخدريّ، ومن حديث منصور بن المعتمر، عن ربعي بن خراش، عن عمران ابن حصين، ومن حديث الخليل بن مرة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد اللَّه. ومن حديث أبي فروة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه - وبعضهم يزيد على بعض وينقص في حديثه- فالمعنى واحد. وقال أبو عمر محمد بن عبد الواحد المعروف بالزاهد غلام ثعلب في كتاب (اليواقيت) قال ابن الأعرابي: كانت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب وأبو طالب غائب، فوضعته فسمته أسدا يحيي اسم أبيها، فقدم أبو طالب، فسماه عليا، فكانت أم مرحب كاهنة، فقالت: يا مرحب لا تبرز في الحرب إلى رجل يكتنى ويرتجز بحيدرة، فإنه قاتلك، قال: فلما كانت ليلة خيبر قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين الراية غدا الرجل يحبه اللَّه ورسوله، ويحب اللَّه ورسوله. قال بعض الأنصار فما زالوا يدوكون تلك الليلة من هو فلما كان الغد، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أين علي؟ فإذا هو عليل، قالوا: هو عليل، قال: أين علي؟ فإذا هو أرمد العين، قال: فجاء وعينه رمدة، فقال: ادن مني، فدنا منه، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 290 فوضع رأسه في حجره، فتفل فيها صلّى اللَّه عليه وسلّم ومسحها بألية يده، قال: فانفتحت عين علي فرأيتها، وكأنها جزعة من حسنها، قال: فمشى والراية معه، فسمعت صياحه بالنداء، ووجهه إلى العدو وظهره إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يقول: يا رسول اللَّه، علام أقاتل الناس؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: على أن يقولوا لا إله إلا اللَّه وأنى محمد رسول اللَّه. قال: فجاء إلى اليهود أجمع ما كانوا فشدوا عليه شدة رجل واحد، فيثبت، ثم حملوا عليه، فثبت، فحمل عليهم فانهزموا إلى الحصون، فلما رأوا إمرة علي داروه، وكان مرحب أشجع اليهود فصاحوا: يا مرحب اليوم. قال: فخرّج مبادرا مدلا، فلما توافقا قال مرحب: ما اسمك يا فتى؟ قال: عليّ، فاطمأن قلبه، وأقبل نحو عليّ وهو يرتجز. أنا الّذي سمتني أمي مرحب ... شاك سلاحي بطل مجرب [إذا الليوث أقبلت نلهب ... وأحجمت، عن صولة المغلب] [ (1) ] قال: فقال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أنا الّذي سمتني أمي حيدرة ... كليث غابات غليظ القسورة ويروى: أنا الّذي سمتني أمي حيدرة ... أضرب بالسيف رءوس الكفرة أكيلهم بالصاع كيل السندرة قال: فضربه على ضربه قده [ (2) ] باثنتين قال ابن عباس: كانت لعلي ضربتان إذا تطاول قد، وإذا تقاصر قط. قال ثعلب: اختلف الناس في قوله: السندرة، فقال ابن الأعرابي: هو مكيال كبير مثل القنقل [ (3) ] ، وقال غيره:   [ (1) ] هذا البيت زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] القد: الشق طولا، والقط: الشق عرضا. قال تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ. [ (3) ] السندرة: السرعة، والسندرة: الجرأة، والسندر: الجريء المتشبع، والسندرة: ضرب من الكيل غراف جراف واسع، والسندر: مكيال معروف: وفي حديث على- عليه السلام: أكيلكم بالسيف كيل السندرة قال أبو العباس أحمد بن يحيى: لم تختلف الرواة أن هذه الأبيات لعلي- عليه السلام: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 291 السندرة امرأة كانت تبيع القمح، وكانت توفى الكيل، قال ثعلب: فعلى هذا إني أكيلكم كيلا وافيا. قال: وقال غيرهما: السندرة العجلة، فعلى هذا إني أبادركم، قبل الفرار. وقال ابن قتيبة: ويحتمل أن يكون مكيالا اتخذ من السندرة، وهي شجرة يعمل منها النبل والقسي. قال الأنصاري: فرأيت أم مرحب وهي تندبه وهو بين يديها، فقلت من قتل مرحبا؟ قالت: من كان يقتله إلا أحد رجلين، قلت: من الرجلين؟ قالت: محمد أو علي، قلت: فمن قتله منهما؟ قالت: علي، قال: وأنشدني: للَّه در أبي طالب ودر ... رمنجبه لقد انحبى قال: وكنت في الجيش، فو اللَّه ما استتم به آخرنا حتى فتح على أولنا بركة علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هكذا ساق غلام ثعلب. وخرّج البيهقي من حديث يونس بن بكير بن مسلم الأزدي قال: حدثنا عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربما أخذته الشقيقة، فيلبث اليوم، واليومين لا يخرج، ولما نزل خيبر أخذته الشقيقة [ (1) ] فلم يخرج إلى الناس، وإن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخذ راية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم نهض فقاتل قتالا شديدا، ثم رجع. فأخذها عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقاتل قتالا هو أشد من القتال الأول، ثم رجع فأخبر بذلك رسول   [ () ] أنا الّذي سمتني أمى حيدرة ... كليت غابات غليظ القصرة أكيلكم بالسيف كيل السندرة قال: واختلفوا في السندرة. فقال ابن الأعرابي وغيره: هو مكيال كبير ضخم مثل القنقل والجراف، أي أقتلكم قتلا واسعا كبيرا وذريعا، وقيل: السندرة امرأة كانت تبيع القمح وتوفى الكيل، أي أكيلكم كيلا وافيا، وقال آخر: السندرة العجلة، والنون زائدة، يقال: رجل سندرى إذا كان عجلا في أموره حادا، أي أقاتلكم بالعجلة وأبادركم قبل الفرار، ويحتمل أن يكون مكيالا اتخذت من السندرة، وهي شجرة يعمل منها النبل والقسي، ومنه قيل: سهم سندري. (لسان العرب) : 4/ 382 مختصرا. [ (1) ] الشقيقة: صداع يعرض في مقدم الرأس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 292 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: لأعطينها غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله، يأخذها عنوة وليس ثم علي، فتطاولت لها قريش ورجا كل رجل منهم أن يكون صاحب ذلك، فأصبح وجاء على بعيره حتى أناخ قريبا، وهو أرمد قد عصب عينه بشقة برد قطري. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مالك؟ قال: رمدت بعدك!! قال: ادن منى، فدنا منه، فتفل في عينه فما وجعها حتى مضى بسبيله، ثم أعطاه الراية، فنهض بالراية وعليه جبة أرجوان حمراء قد أخرج خملها فأتى مدينة خيبر، وعليه مغفر يماني، وحجر قد نقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز: قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي سلاحي بطل مجرب إذا الليوث أقبلت تلهب ... وأحجمت عن صولة المغلّب فقال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أنا الّذي سمتني أمي حيدرة ... كليث غابات شديد القسورة أكيلهم بالصاع كيل السندرة فاختلفا ضربتين، فبدره على فضربه فقد الحجر والمغفرة، ورأسه ووقع في الأضراس، وأخذ المدينة [ (1) ] . وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعلي بالهداية والسداد، وقد ضرب بيده المقدسة في صدره فأجيب فيه دعواته صلوات اللَّه وسلامه عليه فخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أهل اليمن لأقضي بينهم، فقلت: يا رسول اللَّه   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 211- 212. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 293 لا علم لي بالقضاء [ (1) ] ، فضرب بيده على صدري [ (2) ] ، قال: اللَّهمّ اهد قلبه، وسدد [ (3) ] لسانه، قال: فو الّذي فلق الحبة [ (4) ] فما شككت في قضاء بين اثنين [ (5) ] حتى جلست مجلسى هذا. وخرّجه عبد بن حميد من حديث الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: يا رسول اللَّه تبعثني وأنا شاب أقضى بينهم ولا أدري ما القضاء، فضرب بيده في صدري، وقال: اللَّهمّ أهد قلبه، وثبت لسانه، قال: والّذي فلق الحبة ما شككت بعد في قضاء بين اثنين [ (6) ] . وخرّجه النسائي من حديث أبي معاوية بمثله قال النسائي: روى هذا الحديث شعبة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، فقال: أخبرني من سمع عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وأرضاه.   [ (1) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل البيهقي) : «يا رسول اللَّه تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدرى ما القضاء؟. [ (2) ] كذا في (الأصل) وفي (دلائل البيهقي) : «في صدري» . [ (3) ] كذا في (الأصل) وفي (دلائل البيهقي) : «وثبت» . [ (4) ] ما بين الحاضرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 397، باب بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى أهل بحران، وبعثه الى اليمن بعد خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهذا الحديث إسناده ضعيف لانقطاعه، وأبو البختري ثبت، ولم يسمع من علي شيئا، قاله ابن معين، والحديث في (طبقات ابن سعد) ، (سنن ابن ماجة) ، (ومسند أحمد) ، وله إسناد متصل، عند أبي داود، وروى الترمذي بعضه وحسنة، ورواه الإمام أحمد في (المسند) باسناد صحيح، عن حارثة بن مضرب، عن علي قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن، فقلت: يا رسول اللَّه، أنك تبعثني إلى قوم هم أنس منى لأقصى بينهم، قال: اذهب، فإن اللَّه- تعالى- سيثبت لسانك ويهدى قلبك. (هامش الدلائل) . [ (6) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 294 قال النسائي والبختري: لم يسمع من على شيئا، ولم يره أيضا، وقال يحيى بن معين: أبو البختري الطائي اسمه سعد، وهو ثبت ولم يسمع من علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- شيئا. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة سمع أبا البختري يقول: حدثني من سمع عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: لما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن، فقلت: يا رسول اللَّه تبعثني وأنا رجل حديث السن لا علم لي بكثير من القضاء، قال: فضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده في صدري، وقال: إن اللَّه- عز وجل- سيثبت لسانك، ويهدي قلبك، قال: فما أعياني قضاء بين اثنين. وخرّجه ابن عساكر من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. ومن حديث جعفر بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ومن حديث شريك، عن سماك، عن حنش، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ومن حديث سلمة الأعور، عن مجاهد، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما. وأما صرف الوباء عن المدينة النبويّة وانتقال الحمى عنها إلى الجحفة ببركة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البخاري من حديث مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وعك أبو بكر وبلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قالت: فدخلت عليهما يا أبه كيف تجدك؟ ويا بلال [فقلت:] كيف تجدك؟ قالت: وكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذا أخذته الحمى يقول كل امرئ مصح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته، ويقول: ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 295 وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته، فقال: اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أشد وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها، فاجعلها بالجحفة. ذكره في باب من دعا برفع الوباء والحمى [ (1) ] ، وفي كتاب الهجرة [ (2) ] ، وفي كتاب المرضي في باب عيادة النساء [ (3) ] الرجال.   [ (1) ] حديث رقم (5677) باب (22) من كتاب المرضي قوله: (باب الدعاء برفع الوباء والحمى) الوباء يهمز، وجمع المقصور بلا همز أوبية، وجمع المهموز أوباء، يقال أوبأت الأرض فهي مؤبئة، ووبئت بضم الواو فهي موبوءة، قال عياض: الوباء عموم الأمراض، وقد أطلق بعضهم على الطاعون أنه وباء لأنه من أفراده، لكن ليس كل وباء طاعونا، وعلى ذلك يحمل قول الداوديّ لما ذكر الطاعون: الصحيح أنه الوباء، وكذا جاء، عن الخليل بن أحمد أن الطاعون هو الوباء، وقال ابن الأثير في النهاية: الطاعون المرض العام، والوباء الّذي يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان، وقال ابن سيناء: الوباء ينشأ، عن فساد جوهر الهواء الّذي هو مادة الروح ومدده، قلت: ويفارق الطاعون الوباء بخصوص سببه الّذي ليس هو كونه من طعن الجن كما سأذكره مبينا في «باب ما يذكر من الطاعون» من كتاب الطب إن شاء اللَّه تعالى. [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 333، كتاب مناقب الأنصار، باب (46) مقدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه المدينة، حديث رقم (3926) قوله: (قدمنا المدينة) في رواية أبي أسامة، عن هشام «هي أوبأ أرض اللَّه» وفي رواية محمد بن إسحاق، عن هشام بن عروة نحوه وزاد «قال هشام وكان وباؤها معروفا في الجاهلية، وكان الإنسان إذا دخلها وأراد أن يسلم من وبائها قيل له انهق، فينهق كما ينهق الحمار، وفي ذلك يقول الشاعر لعمري لئن غنيت من خفة الردى ... نهيق حمار أننى لمروع قوله: (وعك) بضم أوله وكسر ثانيه أي أصابه الوعك وهي الحمى. قوله: (كيف تجدك) أي تجد نفسك أو جسدك، وقوله: (مصبح) بمهملة ثم موحدة وزن وقد يفجأه الموت في بقية النهار وهو مقيم بأهله. قوله: (شراك) بكسر المعجمة وتخفيف الراء: السير الّذي يكون في وجه النعل، وألم، عنى أن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله لرجله. قوله: (أقلع، عنه) بفتح أوله أي الوعك وبضمها، والإقلاع الكف، عن الأمر. قوله: (يرفع عقيرته) أي صوته الجزء: 11 ¦ الصفحة: 296 وخرّجه في آخر كتاب الحج [ (1) ] ، من حديث أبي أسامة، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما قدم   [ () ] ببكاء أو بغناء، قال الأصمعي: أصلة أن رجلا انعقرت رجله فرفعها على الأخرى وجعل يصيح فصار كل من رفع صوته يقال: رفع عقيرته، وإن لم يرفع رجلة قال ثعلب وهذا من الأسماء التي استعملت على غير أصلها. قوله: (وجليل) بالجيم موضع على أميال من مكة وكان به سوق، تقدم بيانه في أوائل الحج. قوله «يبدون» أي يظهر، وشامة وطفيل جبلان بقرب مكة، وقال الخطابي: كنت أحسب أنهما جبلان حتى ثبت، عندي أنهما عينان، وقوله: «أردن ويبدون» بنون التأكيد الخفيفة، وشامة بالمعجمة والميم مخففا، وزعم بعضهم أن الصواب بالموحدة بدل الميم والمعروف بالميم، وزاد المصنف أخر كتاب الحج من طريق أي اسامة، عن هشام به «ثم يقول بلال: اللَّهمّ العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا» أي أخرجهم من رحمتك كما أخرجونا من وطننا، وزاد ابن إسحاق في روايته، عن هشام وعمرو بن عبد اللَّه ابن عروة، عن عائشة عقب قول أبيها «فقلت واللَّه ما يدري أبي ما يقول» . قالت: «ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة وذلك أن يضرب علينا الحجاب- فقلت: كيف تجدك يا عامر؟ فقال: لقد وجدت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه كل امرئ مجاهد بطوقة ... كالثور يحمي جسمه برقه وقالت في آخره: «فقلت: يا رسول اللَّه انهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى» . والزيادة في قوله عامر بن فهيرة رواها مالك أيضا في «الموطإ» ، عن يحيى بن سعيد، عن عائشة منقطعا. [ (3) ] باب (8) ، حديث رقم (5654) . [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 124، كتاب فضائل المدينة، باب (12) بدون ترجمة، حديث رقم (1889) ، وفيه بعد قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «وانقل حماها إلى الجحفة» : «قالت وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض اللَّه، فكان بطحان يجرى نجلا، تعنى ماء أجنا قوله: (قالت) يعنى عائشة، والقائل عروة متصل. قوله: (وهي أوبأ) بالهمز بوزن أفعل من الوباء والوباء مقصور يهمز ويغير همز هو المرض العام، ولا يعارض قدومهم عليها وهي بهذه الصفة نهيه صلّى اللَّه عليه وسلّم، عن القدوم على الطاعون، لأن ذلك كان قبل النهى، أن النهي يختص بالطاعون ونحوه من الموت الذريع لا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 297 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وعك أبو بكر، وبلال، وكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل اللَّهمّ العن شيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا إلى أرض الوباء، قم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللَّهمّ بارك لنا في صاعنا، وفي مدنا وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة. قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قالت: فكان بطحان يجرى ثجلا يعني ماء أجنا.   [ () ] المرض ولو عم. قوله: (قالت فكان بطحان) يعنى واد بالمدينة وقولها: (يجرى نجلا، تعنى ماء آجنا) هو من تفسير الراويّ، عنها، عرضها بذلك بيان السبب في كثرة الوباء بالمدينة، لأن الماء الّذي هذه صفته يحدث، عنده المرض، وقيل: النخل الزيتون وزاي، يقال استنجل الوادي إذا ظهر نزورة. و «نجلا» بفتح النون وسكون الجيم وقد تفتح حكاه ابن التين، وقال ابن فارس: النجل بفتح الجيم سعة العين وليس هو المراد هنا، وقال ابن السكيت: النجل العين حين تظهر وينبع عين الماء. وقال الحربي نجلا أي واسعا، ومنه عين نجلاء أي واسعة، وقيل: هو الغدير الّذي لا يزال فيه الماء. قوله: (تعنى ماء آجنا) بفتح الهمزة وكسر الجيم بعدها نون أي متغيرا، قال عياض: هو خطأ ممن فسره فليس المراد هنا الماء المتغير. قلت: وليس كما قال فأن عائشة قالت ذلك في مقام التعليل لكون المدينة كانت وبيئة، ولا شك أن النجل إذا فسر بكونه الماء الحاصل من النز فهو بصدد أن يتغير» وإذا تغير كان استعماله مما يحدث الوباء في العادة. أما أثر عمر فذكر ابن سعد سبب دعائه بذلك، وهو ما أخرجه بإسناد صحيح، عن عوف بن مالك أنه رأى رؤيا فيها أن عمر شهيد مستشهد، فقال لما قصها عليه أنى لي بالشهادة وأنا بين ظهراني جزيرة العرب لست أغزو والناس حولي ثم قال: بلى بها اللَّه إن شاء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 298 وخرّجه في كتاب الدعاء من حديث سفيان، عن هشام بن عروة، عن عائشة قالت: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد، وانقل حماها إلى الجحفة، اللَّهمّ بارك لنا في مدنا وصاعنا، ذكره في باب الدعاء برفع الوباء [ (1) ] . وخرّجه مسلم [ (2) ] من حديث عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: قدمنا المدينة وهي وبئة، فاشتكى أبو بكر واشتكى بلال- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شكوى أصحابه قال: اللَّهمّ حبب   [ (1) ] حديث رقم (6372) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 158- 159، كتاب الحج، باب (86) الترغيب في سكنى المدينة والصبر على وبائها، حديث رقم (1374) ، قولها (قدمنا المدينة وهي بيئة) وهي بهمزة ممدودة يعنى ذات وباء بالمد والقصر وهو الموت الذريع هذا أصلة ويطلق أيضا على الأرض الوخمة التي تكثر بها الأمراض لا سيما للغرباء الذين ليسوا مستوطنيها. فإن قيل كيف قدموا على الوباء وفي الحديث الآخر في الصحيح النهى، عن القدوم النهى عن القدوم عليه فالجواب من جهتين ذكرهما القاضي أحدهما أن القدوم كان قبل النهي، لأن النهي كان في المدينة بعد استيطانها، والثاني أن المنهي، عنه هو القدوم على الوباء الذريع والطاعون، وأما هذا الّذي كان المدينة فإنما كان وخما يمرض بسببه كثير من الغرباء واللَّه أعلم. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: (وحول حماها إلى الجعفة) قال الخطابي وغيره: كان ساكنو الجحفة في ذلك الوقت يهودا، ففيه دليل للدعاء على الكفار بالأمراض والأسقام والهلاك وفيه الدعاء للمسلمين بالصحة وطيب بلادهم والبركة فيها وكشف الضر والشدائد، عنهم وهذا مذهب العلماء كافة قال القاضي وهذا خلاف قول بعض المتصرفة أن الدعاء قدح في التوكل والرضا وانه ينبغي تركه وخلاف قول بعض المتصوفة ان الدعاء قدح في التوكل والرضا وانه ينبغي تركه وخلاف قول المعتزلة أن لا فائدة في الدعاء مع سبق القدر ومذهب العلماء كافة أن الدعاء عبادة مستقلة ولا يستجاب منه إلا ما سبق به القدر واللَّه اعلم، وفي هذا الحديث علم من أعلام نبوة نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم فان الجعفة من يومئذ مجتنبة ولا يشرب أحد من مائها إلا حم. ورواه الإمام مالك في (الموطأ) في الجامع، باب ما جاء في وباء المدينة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 299 إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في صاعها، ومدها وحول حماها إلى الجحفة. وخرّجه أيضا من حديث أبي أسامة، وابن نمير، عن هشام بن عروة [ (1) ] قال ابن عبد البر: وقد ذكر حديث خالد، عن هشام، ولم يختلف رواة الموطأ فيها علمت، عن مالك في إسناد هذا الحديث ولا في متنه، ولم يذكر مالك- رحمه اللَّه- فيه قول عامر بن فهيرة، وسائر رواة هشام يذكرون عنه فيه بهذا الإسناد. وذكره مالك في الموطأ، عن يحيى بن سعيد قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: وكان عامر بن فهيرة يقول: قد رأيت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه قال: ورواه ابن عيينة، ومحمد بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فجعلا الداخل على أبي بكر وبلال وعامر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها. وقد تابع مالكا على روايته في ذلك سعيد بن عبد الرحمن، فذكر من طريق ابن وهب قال: أخبرني سعيد بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وعك أبو بكر وبلال وعامر بن فهيرة، قالت: فدخلت عليهم، وهم في بيت، فقلت: يا أبه كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله ويقول عامر بن فهيرة: قد ذقت طعم الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه وكان بلال إذا أقلع عنه يقول: ألا ليت شعرى، فذكر البيتين والحديث إلى آخره كرواية مالك سواء إلا أنه ذكر فيه قول عامر بن فهيرة كما ترى، وجعل الداخلة عليهم عائشة.   [ (1) ] الحديث الّذي يليه بدون متن وبدون رقم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 300 وأما حديث سفيان بن عيينة، فذكره من طريق الحميدي قال: حدثنا سفيان حدثنا هشام بن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت دخل رسول اللَّه المدينة مع أصحابه، فدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يعوده، فقال: كيف تجدك يا أبا بكر؟ فقال: كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله قالت: ودخل على عامر بن فهيرة، فقال: كيف تجدك؟ فقال: وجدت وجدت طعم الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه كالثور يحمى جلده بروقه قالت: ودخل على بلال، فقال: كيف تجدك؟ فقال: ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ... بفج وحولي إذخر وجليل وربما قال سفيان براد: وهل أردن يوما مياة مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة، وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لأهل مكة، اللَّه بارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، وبارك لنا في مدينتنا. قال سفيان: ورواه، قال في فرقنا اللَّه: اللَّهمّ حببنا فيها ضعفي ما حببت إلينا مكة أو أشد، وصححها، وانقل وباءها إلى خم أو الجحفة، هكذا قال ابن عيينة في هذا الحديث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هو كان الداخل على أبي بكر وعلي بلال وعامر بن فهيرة يعودهم، وهو كان المخاطب لهم، وشك في قوله بلال في البيت الّذي أنشده بفج أو بواد. وقال في حديثه: وانقل وباءها إلى مهيعة وهي الجحفة، قال ابن عبد البر: وقد روي ابن أبي الزناد، عن موسى ابن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: رأيت في المنام امرأة سوداء ثائرة ثقيلة، أخرجت من المدينة فأسكنت مهيعة، فأولتها وباء المدينة ينقله اللَّه إلى مهيعة. قال كاتبه وقد خرج البخاري في هذا الحديث من طريق سليمان بن بلال، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 301 كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس [ (1) ] ، خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة وهي الجحفة، فأولت أن وباء المدينة ينقل إليها. ترجم عليه باب إذا رأى أنه أخرج الشيء من كورة، فأسكنه موضعا آخر [ (2) ] . وخرّجه في باب المرأة السوداء، من حديث فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، حدثني سالم بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في رؤيا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في المدينة: رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس، خرجت من المدينة حتى نزلت بمهيعة، فتأولتها أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة، وهي الجحفة [ (3) ] . وخرّجه في باب المرأة الثائرة الرأس [ (4) ] من حديث سليمان ابن موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت .... وقد خرّج البيهقي [ (5) ] وغيره من حديث مسدد حدثنا حماد بن زيد، عن هشام، عن عروة، عن عائشة قالت: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وهي وبئة،   [ (1) ] في (الأصل) : «ثائرة الشعر» وما أتيناه من البخاري. [ (2) ] باب (41) ، حديث رقم (7038) من كتاب التعبير. [ (3) ] باب (42) ، حديث رقم (7039) من كتاب التعبير. [ (4) ] باب (43) ، حديث رقم (7040) من كتاب التعبير. [ (5) ] (دلائل النبوة) : 2/ 586، باب ما لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من وباء المدينة حين قدموها، وعصمة اللَّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، عنها، ثم ورد في دعائه بتصحيحها لهم ونقل وبائها عنهم إلى الجحفة، واستجابة دعائه، ثم تحريمه المدينة ودعائه لأهلها بالبركة، وعنه نقله الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) قال هشام: وكان وباؤها معروفا في الجاهلية، وكان إذا كان الوادي وبيئا فأسرف عليه إنسان قيل له: انهق كنهق الحمار! فإذا فعل ذلك لم يضرة وباء ذلك الوادي، وقد قال الشاعر حين أشرف على المدينة: لعمري لئن عشرت من خيفة الردى ... نهيق الحمار إنني لجزوع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 302 فذكر الحديث، قال: وقال: هشام: فكان المولود يولد بالجحفة، ولا يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى. وقال الواقدي في غزوة بدر: لما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيوت السقيا، فحدثني ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد اللَّه بن قتادة، عن أبيه أن رسول اللَّه عند بيوت السقيا، ودعا يومئذ لأهل المدينة، فقال: اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك، وخليلك، ونبيك دعاك لأهل مكة، وإني محمد عبدك ونبيك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم، ومدهم، وثمارهم، اللَّهمّ حبب إلينا المدينة واجعل ما بها من الوباء بخم [ (1) ] ، اللَّهمّ إني قد حرمت ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم خليلك مكة [ (2) ] .   [ () ] قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فاشتكى أبو بكر وبلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وذكر الحديث بنحو حديث أبي أسامة، إلا أنه قال: فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما أصاب أصحابه، دعا اللَّه، فذكره وقال فيه: وبارك لنا في صاعها ومدها. (دلائل البيهقي) : 2/ 576. [ (1) ] خم: على ميلين من الجحفة. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 22. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 303 وأما شفاء سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وإتمام اللَّه تعالى هجرته بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ووقوع ما أشار به صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البخاري من حديث الجعيد، عن عائشة بنت سعد أن أباها قال: تشكيت بمكة شكوى شديدة، فجاءني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعودني، فقلت: يا نبي اللَّه إني أترك مالا، وإني لا أترك إلا ابنة واحدة، وأوصى بثلثي مالي، وأترك الثلث؟ قال: لا، فقلت: فأوصى بالثلث وأترك لها الثلثين؟ قال: الثلث، والثلث كثير، ثم وضع يده على جبهتي، ثم مسح وجهي وبطني، ثم قال: اللَّه اشف سعدا وأتمم له هجرته، فما زلت أجد برد يده على كبدي فيما يخيل إلى حتى الساعة. ذكره في كتاب المرضي، وترجم عليه باب وضع اليد [ (1) ] على المريض. وخرّجه النسائي [ (2) ] بهذا الإسناد بمعناه، قال: وصح وجهي وصدري وبطني، وقال: فما زلت أجد أحد برد يده على كبدي حتى الساعة. وخرّجه مسلم من حديث الثقفي، عن أيوب السختياني، عن عمرو بن سعيد، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن ثلاثة من ولد سعد كلهم يحدث، عن أبيه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل على سعد يعوده بمكة، فبكى، فقال: ما يبكيك؟ فقال: خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اشف سعدا- ثلاث مرات، فقال: يا رسول اللَّه إن لي مالا كثيرا، وإنما ترثني أفأوصى بمالي كله؟ قال: لا، قال: فبالثلثين؟ قال: لا،   [ (1) ] باب (12) وضع اليد على المريض، حديث رقم (5659) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] (سنن النسائي) : 6/ 553، كتاب الوصايا، باب (3) الوصية بالثلث، حديث رقم (3631) ، وقد الفرد به النسائي في (المجتبى) ، ولكن حديث الباب في عشرة النساء من (الكبرى) باب ثواب النفقة التي يبتغى بها وجه اللَّه- تعالى، حديث رقم (325) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 304 قال فبالنصف؟ قال: لا قال: فبالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إن صدقتك من مالك صدقة، وإن نفقتك على عيالك صدقة، وإنك تدعهم يتكففون الناس وقال بيده [ (1) ] . وخرّجه أيضا من حديث حماد بن زيد قال: حدثنا أيوب، عن عمرو بن سعيد، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن ثلاثة من ولد سعد، قالوا: مرض سعد بمكة، فأتاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوده، فذكره بنحو حديث الثقفي [ (2) ] . وخرّجه من حديث عبد الأعلى، حدثنا هشام، عن محمد بن حميد بن عبد الرحمن، قال: حدثني ثلاثة من ولد سعد بن مالك كلهم يحدثنه بمثل حديث صاحبه، فقال: مرض سعد بمكة، فأتاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوده بنحو حديث عمرو بن سعيد، عن الحميري [ (3) ] . وخرّج البخاري من حديث زكريا بن عدي: حدثنا مروان، عن هاشم بن هاشم، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: مرضت عادني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه ألا يردني على عقبي، قال: لعل اللَّه يرفعك وينفع بك ناسا، فقلت: أريد أن أوصى وإنما لي ابنة، فقلت: أوصى بالنصف؟   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 90، كتاب الوصية باب (1) الوصية بالثلث، حديث رقم (8) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (9) قوله: (عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن ثلاثة من ولد سعد كلهم يحدثه، عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل على سعد يعوده بمكة) في الرواية الأخرى، عن حميد، عن ثلاثة من ولد سعد قالوا مرض سعد بمكة فأتاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوده فهذه الرواية مرسلة والأولى متصلة لأن أولاد سعد تابعيون وانما ذكر مسلم هذه الروايات المختلفة في وصله وإرساله ليبين اختلاف الرواة في ذلك قال القاضي وهذا وشبهه من العلل التي وعد مسلم في خطبة كتابه أنه يذكرها في مواضعها، فظن ظانون أنه يأتي بها مفردة، وانه توفى قبل ذكرها والصواب أنه ذكرها في تضاعيف كتابه كما أوضحناه في أول هذا الشرح، ولا بقدح هذا الخلاف في صحة هذه الرواية ولا في صحة أصل الحديث، لأن أصل الحديث ثابت من طرق من غير جهة حميد، عن أولاد سعد، وثبت وصله، عنهم في بعض الطرق التي ذكرها مسلم. [ (3) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث رقم (9) بدون رقم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 305 قال: النصف كثير، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كبير وكثير، قال: فأوصى الناس بالثلث، فجاز ذلك لهم ذكره في باب الوصية بالثلث [ (1) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 464، كتاب الوصايا، باب (3) الوصية بالثلث وقال الحسن: لا يجوز للذمي وصية إلا الثلث، وقال اللَّه عز وجل: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة: 49] ، حديث رقم (2744) قوله: (باب الوصية بالثلث) أي جوازها أو مشروعيتها، وقد سبق تقرير ذلك في الباب الّذي قبله، واستقر الإجماع على منع الوصية بأزيد من الثلث، لكن اختلف فيمن كان له وارث، وسيأتي تحريره في «باب لا وصية الوارث» وفيمن لم يكن له وارث خاص فمنعه الجمهور وجوزه الحنففية وإسحاق وشريك وأحمد في رواية، وهو قول علي وابن مسعود، واحتجوا بأن الوصية مطلقة بالآية فقيدتها السنة بمن له وارث فيبقى من لا وارث له على الأطلاق، وقد تقدم في الباب الّذي قبله توجيه لهم آخر، واختلفوا أيضا هل يعتبر ثلث المال حال الوصية أو حال الموت؟ على قولين، وهما وجهان للشافعية أصحهما الثاني، فقال بالأول مالك وأكثر العراقيين وهو قول النجعى وعمر بن عبد العزيز، وقال بالثاني أبو حنيفة وأحمد والباقون وهو قول علي بن أبي طالب- رضي اللَّه عنه وجماعة من التابعين، وتمسك الأولون بأن الوصية عقد والعقود تعتبر بأولها، وبأنه لو نذر أن يتصدق بثلث ماله، اعتبر ذلك حالة النذر اتفاقا، وأجيب بأن الوصية ليست عقدا من كل جهة، ولذلك لا تعتبر بها الفورية ولا القبول، وبالفرق بين النذر والوصية بأنها يصح الرجوع عنها والنذر يلزم بما علمه الموصي دون ما خفي غليه أو تجدد له ولم يعلم به؟ وبالأول قال الجمهور، وبالثاني قال مالك وحجة أنه لا يشترط ان يستحضر تعداد مقدار المال حالة الوصية اتفاقا، ولو كان عالما بجنسه، فلو كان العلم به شرطا لما جاز ذلك، وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حدث له مال بعد الوصية، اختلفوا أيضا: هل يحسب الثلث من جميع المال أو تنفذ (فائدة) : أول من أوصى بالثلث في الإسلام البراء بن المعرور بمهملات، أوصى به للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان قد مات قبل أن يدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة بشهر، فقبله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ورده على ورثته، أخرجه الحاكم وابن المنذر من طريق يحيى بن عبد اللَّه بن أبي قتادة، عن أبيه، عن جده. قوله: (وقال الحسن) أي البصري (لا يجوز للذمي وصية إلا بالثلث) ، قال ابن بطال: أراد البخاري بهذا الرد على من قال كالحنفية بجواز الوصية بالزيادة على الثلث لمن لا وارث له، قال: ولذلك احتج بقول اللَّه- تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ والّذي حكم به الجزء: 11 ¦ الصفحة: 306 وقد خرّج البخاري ومسلم هذا الحديث من طريق إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا ابن شهاب، حدثنا عامر بن سعد عن أبيه، ومن حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه، ومن حديث سفيان الثوري، عن سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن أبيه. وخرّجه مسلم من حديث زهير: حدثنا سماك بن حرب قال: حدثني مصعب بن سعد، عن أبيه، ولم يذكر دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لسعد بالشفاء.   [ () ] النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الثلث هو الحكم بما أنزل اللَّه، فمن تجاوز ما حده فقد أتى ما نهى عنه، وقال ابن المنير: لم يرد البخاري هذا، وإنما أراد الاستشهاد بالآية على أن الذمي إذا تحاكم إلينا ورثته لا ينفذ من وصيته إلا الثلث، لأنا لا نحكم فيهم إلا بحكم الإسلام لقوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ الآية، قوله: (، عن هاشم بن هاشم) أي ابن عتبة بن أبي وقاص، وقد نزل البخاري في هذا الإسناد درجتين، لأنه يروى، عن مكي بن إبراهيم، ومكي يروى، عن هاشم المذكور، وسيأتي في مناقب سعد له بهذا الإسناد حديث، عن مكي، عن هاشم، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قوله: (فقلت يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن لا يردني على عقبي) هو إشارة إلي ما تقدم من كراهية الموت بالأرض التي هاجر منها وقد تقدم توجيهه وشرحه في الباب الّذي قبله، قوله: (لعل اللَّه يرفعك) زاد أبو نعيم في (المستخرج) في روايته من وجه آخر، عن زكريا بن عدي «عنى يقيمك من مرضك» ، قوله: في هذه الرواية (قلت أوصى بالنصف؟ قال: النصف كثير) لم أر في غيرها من طرقه وصف النصف بالكثرة فكيف امتنع النصف دون الثلث؟ وجوابه أن الرواية الأخرى التي فيها جواب التي فيها جواب النصف دلت على منع النصف ولم يأت مثلها في الثلث بل اقتصر على وصفه بالكثرة، وعلل بأن إبقاء الورثة أغنياء أولى، وعلى هذا فقوله: «الثلث» خبر مبتدإ محذوف تقديره مباح، ودل قوله: «والثلث كثير» على أن الأولى أن ينقص منه، واللَّه- تعالى- أعلم، قوله: (قال وأوصى الناس بالثلث فجاز ذلك لهم) ظاهرة أنه من قول سعد بن أبي وقاص، ويحتمل أن يكون من قول من دونه واللَّه- تعالى- أعلم، وكان البخاري قصد بذلك الإشارة إلى أن النقص من الثلث في حديث ابن عباس للاستحباب لا للمنع منه، جمعا بين الحديثين، واللَّه أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 307 ذكره البخاري في حجة الوداع، وفي كتاب الهجرة [ (1) ] ، وفي كتاب الدعاء في باب الدعاء برفع الوباء والوجع [ (2) ] ، وذكره في الفرائض في باب ميراث البنات [ (3) ] ، وذكره في كتاب الوصايا [ (4) ] ، وفي كتاب النفقات في باب فضل النفقة على الأهل [ (5) ] . وأورده مالك (في الموطأ) [ (6) ] ، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: جاءني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعودني في عام حجة الوداع وبي وجع قد اشتد بي، فقلت: يا رسول اللَّه قد اشتد بي الوجع، ما ترى وأنا ذو مال ولا ترثني ألا كلالة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير وكبير، ما إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه إلا أجرت بها حتى ما تجعل في امرأتك، قال: قلت: يا رسول اللَّه أخلف بعد أصحابي؟ قال: إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا إلا ازددت به رفعة ودرجة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون، اللَّهمّ أمض لأصحابي هجرتهم، لا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة، يرثى له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن مات بمكة.   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 343، كتاب (مناقب الأنصار) ، باب (49) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «اللَّهمّ أضمن لأصحابي هجرتهم» ، ومرثيته لمن مات بمكة، حديث رقم (3936) ، والمرئية تعديد محاسن الميت، والمراد هنا التوجع له، لكونه مات في البلد الّذي هاجر منه. [ (2) ] باب (42) الدعاء برفع الوباء والوجع، حديث رقم (6373) . [ (3) ] باب (6) ميراث البنات، حديث رقم (6733) . [ (4) ] باب (2) أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس، حديث رقم (2742) . [ (5) ] باب (1) فصل النفقة على الأهل، وقول اللَّه- عز وجل: وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وقال الحسن: العفو: الفضل، حديث رقم (5354) . [ (6) ] (الموطأ) : 541، الوصية في الثلث لا يتعدى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 308 قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: هذا حديث قد اتفق أهل العلم على صحة إسناده إلا أن في بعض ألفاظه اختلافا عند نقلته، فمن ذلك أن ابن عيينة قال فيه: عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد، عن أبيه: مرضت عام الفتح، انفرد بذلك، عن ابن شهاب، وقد روينا هذا الحديث من طريق معمر ويونس ابن يزيد، وعبد العزيزي بن أبي سلمة، ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن أبي عتيق وإبراهيم بن سعد، وكلهم قال فيه:، عن ابن شهاب عام حجة الوداع، كما قال مالك، قال يعقوب ابن شبة، سمعت علي بن المدني، وذكر الحديث فقال: وقال معمر ويونس، وذلك حجة الوداع وقال ابن عيينة عام الفتح، قال: والذين قالوا حجة الوداع أصوب. قال أبو عمر بن عبد البر، لم أجد ذكر عام الفتح إلا في رواية ابن عيينة، لهذا الحديث، وفي حديث عمر والقاري رجل من الصحابة في هذا الحديث. رواه عفان بن مسلم، عن وهيب بن جابر، عن عبيد اللَّه بن عثمان بن خثيم، عن عمرو بن القاري، عن أبيه، عن جده عمرو القاري، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قدم مكة عام الفتح، فخلف سعدا مريضا، حتى يخرج إلى حنين، فلما قدم من الجعرانة معتمرا، دخل عليه وهو وجع مغلوب، فقال سعد: يا رسول اللَّه إن لي مالا وإني أورث كلالة أفأوصى بمالي كله؟ أو تصدق بمالي كله؟ قال: لا، وذكر الحديث هذا في حديث عمرو القاري أفأوصى على الثلث أيضا. وأما حديث ابن شهاب، فلم يختلف عنه أصحابه لا ابن عيينة ولا غيره أنه قال فيه: أفأتصدق بمالي كله؟ أو بثلثي مالي؟ ولم يقل: أفأوصى. قال أبو عمرو: وأما قول سعد أأخلف بعد أصحابي؟ فمعناه عندي: أتخلف بمكة بعد أصحابي المهاجرين والمنصرفين معك إلى المدينة، ويحتمل أن يكون لما سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه، وتنفق فعل مستقبل أنفق أنه لا يموت من مرضه ذلك، فأستفهمه هل يبقى بعد أصحابه؟ فأجابه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بضرب من قوله: لن تنفق نفقه تبتغي بها وجه اللَّه، وهو قوله: إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا إلا ازددت به رفعة ودرجة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون، وهذا كله ليس الجزء: 11 ¦ الصفحة: 309 بصريح، ولكنه قد قال كل ما قاله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصدق في ذلك ظنه، وعاش سعد حتى انتفع به قوم، واستضر به آخرون. روى أن وهبا قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشبح، قال: سألت عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبيه عام حجة الوداع: لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون. فقال: أمر سعد على العراق، فقتل أقواما على ردة، فأضربهم، واستتاب قوما سجعوا سجع مسيلمة، فتابوا، فانتفعوا به. قال أبو عمر: مما يشبه قوله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لسعد هذا الكلام قوله للرجل الشعث: ما له ضرب اللَّه عنقه؟ فقال الرجل: في سبيل اللَّه؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: في سبيل اللَّه، فقتل الرجل في تلك الغزوة ومثله قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة مؤتة أميركم زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد اللَّه بن رواحة. فقال بعض أصحابه: نعى إليهم أنفسهم، فقتلوا بالاسهم في تلك الغزاة، وتلك ومثل ذلك أيضا قصة عامر بن سنان حين ارتجز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى خيبر، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: غفر لك ربك يا عامر؟ فقال له عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه لو أسعدتنا به؟ قال: وذلك أنه ما استغفر لإنسان قط إلا استشهد، فاستشهد عامر يوم خيبر، وهذا كله ليس بتصريح من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القول، ولا يبقين في المراد والمعنى، ولكنه كان يخرج كله كما ترى. وقد خلف سعد بن أبي وقاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعد حجة الوداع نحو خمسين وأربعين سنة، وتوفى في سنة خمس وخمسين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 310 وأما شفاء أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث بشر بن المفضل قال: حدثنا شاكر أبو الفضل قال: حدثني رجل من آل الزبير أن أسماء بنت أبي بكر أصابها ورم في رأسها، ووجهها، وأنها بعثت إلى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: اذكري وجعي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعل اللَّه يشفيني، فذكرت عائشة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجع أسماء، فانطلق حتى دخل على أسماء، فوضع يده على وجهها ورأسها من فوق الثياب، فقال: بسم اللَّه أذهب سوءه، وفحشه بدعوة نبيك الطيب المبارك المكين عندك، بسم اللَّه- ضع ذلك ثلاث مرات- فأمرها أن تقول ذلك، فقالت: ثلاثة أيام فذهب الورم، قال أبو الفضل: يصنع ذلك عند حضور الصلوات المكتوبة يقولها ثلاثا. وأما استجابة دعاء المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم لابن المرأة فخرّج البيهقي [ (2) ] من طريق ابن عون، عن محمد بن سيرين: أن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: هذا ابني، وقد أتى عليه كذا وكذا، على اللَّه أن يميته، فقال: أدعو اللَّه- عز وجل- أن يشفيه ويثبت به، ويكون رجلا صالحا، فيقاتل في سبيل اللَّه- تعالى- فيقتل فيدخل الجنة، فدعا له، فشفاه اللَّه عز وجل وثبت، وكان رجلا صالحا، فقاتل في سبيل اللَّه، فقتل فدخل الجنة، قال البيهقي: هذا من تمثيل جيد.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 181- 182، باب ما جاء في دعائه لعلى بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولغيره بالشفاء، وإجابة اللَّه تعالى فيما دعاه. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 182. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 311 وأما ظهور بركة دعائه في طول قامة رجل ولد صغير الخلقة فقال الزبير بن بكار: حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري، عن أبيه، قال: ولد عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو ألطف من ولد، فأخذه جده أبو أمه أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري في ليفة فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما هذا منك يا أبا لبابة؟، قال: ابن ابنتي يا رسول اللَّه: أرأيت مولودا أصغر خلقة منه؟! فحنكه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومسح على رأسه، ودعا فيه بالبركة. قال: فما رئي عبد الرحمن بن زيد مع قوم في صف إلا فرعهم طولا [قال مصعب: كان عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فيما زعموا أطول الرجال وأتمهم [ (1) ]] . وأما شفاء الصبى من الجنون بمسح الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه ودعائه له فخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن مرقد السنجى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن امرأة جاءت بابن لها، فقالت: يا رسول اللَّه إن بابني جنون وإنه يأخذه عند غدائنا، وعشائنا، فيفسد علينا، قال: فمسح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه ودعائه فثع ثعة، فخرج من جوفه مثل الجر والأسود يسعى، وخرّجه أبو نعيم [ (3) ] من حديث حجاج بن المنهال، عن حماد بمثله.   [ (1) ] (الاستيعاب) : 2/ 833، ترجمة رقم (1415) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 186، باب ما جاء في المرأتين اللتين اغتابتا وهما صائمتان، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة ودلالة صدق القرآن، وفيه حديث الصبى الّذي كان يجن فدعا له فخرج من جوفه جرو أسود. [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 465، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشفاء المريض، حديث رقم (395) ، أخرجه الإمام أحمد في (المسند) برقم (2133) و (2288) ، والدارميّ برقم (19) ، ثغ: قاء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 312 وأما استجابة اللَّه دعاءه صلّى اللَّه عليه وسلّم للمرأة التي كانت تنكشف إذا صرعت فخرّج البخاري من حديث مسدد قال: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عمران أبو كر قال: حدثني عطاء ابن أبي رباح، قال: قال لي ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع اللَّه لي، قال: إن شئت صبرت، ولك الجنة، وإن شئت دعوت اللَّه أن يعافيك، قالت: أصبر، فقالت: أنى أتكشف فادع اللَّه لي ألا أتكشف، فدعا لها [ (1) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 141، كتاب المرضي، باب (6) فضل من يصرع من الريح، حديث رقم (5652) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. قوله: «باب فضل من يصرع من الريح» ، انحباس الريح قد يكون سببا للصراع، وهي علة تمنع الأعضاء الرئيسية، عن انفعالها منعا غير تام، وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الرماغ، أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء، وقد يتبعه تشنج في الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصبا بل يسقط ويقذف بالزبد لغلظ الرطوبة، وقد يكون الصراع من الجن، ولا يقع إلا من النفوس الخبيثة منهم، إما لاستحسان بعض الصور الإنسية، وإما لإيقاع الأذية به، والأول هو الّذي يثبته جميع الأطباء ويذكرون علاجه، والثاني يجحده كثير منهم، وبعضهم يثبته ولا يعرف له علاجا إلا بمقاومة الأرواح الخيرة العلوية لتندفع آثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطل أفعالها، وممن نص على ذلك أبقراط، فقال لما ذكر علاج المصروع: هذا إنما ينفع في الّذي سببه أخلاط، وأما الّذي يكون من الأرواح فلا، قوله: (وأني أتكشف) بمثناة وتشديد المعجمة من التكشف، وبالنون الساكنة مخففا من الانكشاف، والمراد أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر، وذكر ابن سعد وعبد الغنى في «المبهمات» من طريق الزبير أن هذه المرأة هي ماشطة خديجة التي كانت تتعاهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالزيارة كما سيأتي ذكرها في كتاب الأدب إن شاء اللَّه تعالى، وقد يؤخذ من الطرق التي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط، وقد أخرجه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 313 وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث عبيد اللَّه القواريري، عن يحيى بن سعيد وبشر ابن المفضل قالا: حدثنا عمران أبو الفضل، فذكره وخرّجه النسائي أيضا، وقد أورد البخاري في كتاب المرضي، في باب من صرع من الريح، وقال بعده:   [ () ] البزار وابن حبان من حديث أبي هريرة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- شبيها بقصتها ولفظه «جاءت امرأة بها لمم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: ادع اللَّه. فقال: إن شئت دعوت اللَّه فشفاك، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك. قالت: بل أصبر ولا حساب على» وفي الحديث فضل من يصرع، وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف، عن التزام الشدة، وفيه من العلاج بالعقاقير، وان تأثير ذلك وانفعال البدن، عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجع بأمرين: أحدهما العليل وهو صدق القصد، والآخر من جهة المداوى وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل، واللَّه- تعالى- أعلم. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 367، كتاب البر والصلة والآداب، باب (14) ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة بشاكها، حديث رقم (2576) . وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 156- 157، باب دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم للمرأة التي كانت تصرع وتتكشف بالعافية إن لم تصبر أو بأن لا تنكشف إن صبرت ولها الجنة، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة، وقال: أخره: لفظ حديث مسدد رواه البخاري في الصحيح، عن مسدد، ورواه مسلم، عن عبيد اللَّه القواريري، عن يحيى، بسنده إلى قال: أخبرني عطاء: أنه رأى أم زمر تلك المرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 571، حديث رقم (3230) من مسند عبد اللَّه بن عباس، ولفظه: «قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه السوداء أنت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: إني أصرع وأتكشف- فادع اللَّه لك أن يعافيك؟ قالت: لا، بل أصبر فادع اللَّه أن لا أتكشف- أو لا ينكشف، عنى- قال: فدعا لها وفيه دليل على جواز ترك التداوي، وفيه أن علاج الأمراض كلها والالتجاء إلى اللَّه- تبارك وتعالى- أنجح وأنفع من العلاج بالعقاقير، وأن تأثير ذلك انفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجح بأمرين أحدهما من جهة العليل، وهو صدق القصد، والآخر من جهة المداوى بحسن التوكل» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 314 حدثني محمد أنبأنا مخلد، عن ابن جريج، أخبرني عطاء أنه رأى أم رومان امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة. وأما شفاء عبد اللَّه بن رواحة من وجع ضرسه بوضع يده ودعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم له فخرّج البيهقي من حديث يحيى بن يحيى، قال: أخبرني إسماعيل بن عياش، عن يزيد بن نوح بن ذكوان أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما بعث عبد اللَّه بن رواحة مع زيد وجعفر إلى مؤتة، قال: يا رسول اللَّه إني أشتكي ضرسي، آذاني، واشتد عليّ، فقال: ادن مني، والّذي بعثني بالحق [نبيا] [ (1) ] لأدعون لك بدعوة لا يدعو بها مؤمن مكروب إلا كشف اللَّه عنه كربه، فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده على الخد الّذي فيه الوجع، وقال: اللَّهمّ أذهب عنه سوء ما يجد، وفحشه، بدعوة نبيك المبارك، المكين عندك، سبع مرار، قال: فشفاه اللَّه عز وجل قبل أن يبرح. هذا منقطع [ (2) ] . وأما شفاء بطن رافع بن رفاعة بمسح المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بطنه فخرج البيهقي من حديث يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي أمية الأنصاري، عن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، أنه قال، ومن حديث سعيد بن شرحبيل، وعبد اللَّه بن صالح قالا: حدثنا الليث بن سعد، عن خالد ابن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي أمية الأنصاري، عن عبيد بن   [ (1) ] كذا في (الأصل) وليست في (الدلائل) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 183، باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى، عنه- ولغيره بالشفاء، وإجابة اللَّه تعالى له فيما دعاه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 315 رفاعة، عن رافع بن خديج قال: دخلت يوما على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعنده قدر يفور بلحم، فأعجبتني شحمة، فأخذتها، فازدردتها فاشتكيت منها سنة، ثم إني ذكرت ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له: كان فيها أنفس سبعة أناسى، ثم مسح بطني، فألقيتها خضراء، فو الّذي بعثه بالحق ما اشتكيت بطني حتى الساعة. قال البيهقي: [كذا عن رافع في الكتاب] والصحيح رواية يعقوب. قال يعقوب: وأظن أن المدائني كان صيره، عن رافع [بن خديج] ، وكان كما شاء اللَّه، وكان عند ابن أبي بكير، عن عبيد بن رفاعة، ليس فيه، عن أبيه، وغلط، عبيد ليست له صحبة. وخرّجه من طريق ابن وهب قال: أخبرني يزيد بن عياض، عن عبد الكريم، عن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، أنه دخل بيتا من بيوت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا قدر يجيش بلحم، وإذا فيها شحمة، فأهويت فأخذتها فالتقمتها، فاشتكيت بطني عليها سنة، فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فذكرت ذلك له. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنها كانت فيها أنفس سبعة أناس، قال: فمسح بطني فوضعتها خضراء، فما اشتكيت بطني بعد [ (1) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 183- 184. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 316 وأما شفاء أبي طالب بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج الحفاظ أبو أحمد بن عدي [ (1) ] ، وأبو نعيم أحمد، وأبو بكر البيهقي ... من حديث الهيثم بن جماز الحنفي البصري، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن أبا طالب مرض فعاده النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا ابن أخي ادع ربك الّذي تعبد أن يعافيني، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اشف عمي، فقام أبو طالب كأنما نشط من عقال، قال: يا ابن أخي إن ربك الّذي تعبد ليطيعك، قال: وأنت يا عماه!! لئن أطعت اللَّه ليطيعك. قال البيهقي [ (2) ] تفرد به الهيثم بن جماز، عن ثابت البناني، والهيثم ضعيف عند أهل العلم بالحديث. وفي رواية أبي نعيم، عن أنس قال: لما مرض أبو طالب مرضه الّذي مات فيه أرسل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادع ربك أن يشفيني، فإن ربك يعطيك، وابعث إلى بقطف من قطاف الجنة، فأرسل إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأنت يا عم إن أطعت اللَّه أطاعك. قال أبو نعيم: رواه عقبة بن مكرم، فقال: حدثنا شريك بن عبد المجيد حدثنا الهيثم حدثنا ثابت، عن أنس. فذكر الحديث، وزاد فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اشف عمي، قال: فقام كأنما نشط من عقال.   [ (1) ] (الكامل في ضعفاء الرجال) : 7/ 102، في ترجمة الهيثم بن جماز- بمعجمتين- الحنفي البكاء بصري معروف، روى، عن يحيى بن أبي كثير، وثابت البناني. قال يحيى بن معين: كان قاضيا- أو قاصا- بالبصرة، ضعيف، قال مرة: ليس بذاك، وقال أحمد والنسائي والساجي: متروك الحديث، وذكره البرقي في (الكذابين) ، وضعفه أبو حاتم، وزاد: منكر الحديث، ترجمته في (لسان الميزان) : 6/ 246، ترجمة رقم (108/ 9864) ، و (الكامل) : 7/ 101، ترجمة رقم (1/ 2018) ، وقال ابن حبان: كان من العباد والبكاءين ممن غفل، عن الحديث والحفظ، واشتغل بالعبادة حتى كان يروى المعضلات، عن الثقات توهما، فلما ظهر ذلك منه بطل الاحتجاج به. (هامش دلائل البيهقي) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 184- 185. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 317 قال كاتبه: قد ذكر ابن عدي الهيثم هذا في كتاب (الكامل) [ (1) ] على ما لخصته في (مختصره) ، فقال: كان قاضيا بالبصرة. قال ابن معين: ضعيف، ومرة قال: ليس بشيء، وفي موضع آخر: ليس بذاك، يروي عنه هشيم، وقال أحمد بن حنبل: كان منكر الحديث، ترك حديثه. وقال السعدني: ضعيف، روى عن ثابت معاضيل، وقال ابن عدي: وأحاديثه أفراد، عن ثابت بن عدي، وفيه ما ليس بالمحفوظ. وأما مسح المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم ساق علي بن الحكم السلمي [ (2) ] وقد دق جدار الخندق فبرئ من وقته فقال أبو عمر بن عبد البر: وروى كثير بن معاوية بن الحكم، عن أبيه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأنزى أخي علي بن الحكم فرسا له خندقا، فدق جدار الخندق ساقه، فأتينا به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فمسح ساقه فما نزل عنها حتى برئ [ (3) ] ، فقال معاوية بن الحكم في قصيدته: وأنزاها عليّ فهي تهوى ... هوى الرجل تنزعه برجل فقصت رجله فسما عليها ... سمو الصقر صادف يوم طل فقال محمد صلّى عليه ... مليك الناس قولا غير فعل   [ (1) ] سبق تخريج الحديث وذكر الترجمة و (مختصر الكامل لا بن عدي) أحد مؤلفات المقريزي رحمه اللَّه. [ (2) ] هو علي بن الحكم السلمي، أخو معاوية بن الحكم، له صحبة، من أهل قباء. (الإستيعاب) : 3/ 1089، ترجمة رقم (1853) . [ (3) ] سياق هذا الحديث مضطرب في (الأصل) ، ولم أجده في (الاستيعاب) ، وصوبناه من (الإصابة) : 4/ 562- 563، ترجمة على بن الحكم السلمي رقم (5687) ، وقال فيه: «فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فمسحها وقال: بسم اللَّه، فما آذاه منها شيء، ثم قال الحافظ: قال ابن منك: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال الحافظ أيضا: في الإسناد صفار بن حميد لا يعرف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 318 لعا لك فأستمر بها سويا ... وكانت بعد ذاك أصح رجل ومعاوية بن الحكم السلميّ كان ينزل بالمدينة، ويسكن في بني سليم، روى عنه عطاء بن يسار، وأخوه عليّ بن الحكم له صحبة، وأيضا ذكرهما ابن عبد البر في كتاب (الصحابة) . وقد ذكر البيهقي [ (1) ] هذا الحديث بنحو ما تقدم من غير ذكر الشعر. وأما ذهاب البلاء عن ابن الخثعمية بشربة ماء غسل الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها يديه وتمضمض فخرج أبو نعيم من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا أحمد بن راشد، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن عمر ابن الأحوص، عن أمه أم جندب، قالت: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اتبعته امرأة من خثعم، ومعها صبي لها به بلاء، فقالت: يا رسول اللَّه إن صبيي هذا وبقية أهلي به بلاء لا يتكلم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ائتوني بشيء من الماء، فأتي بماء، فغسل يديه، ثم مضمض فاه، ثم أعطاها، فقال: اسقيه منه، وصبي عليه منه، واستشفي اللَّه له. قالت: فلقيت المرأة، فقلت: لو وهبت لي منه، فقالت: إنما هو لهذا المبتلى. قالت: فلقيت المرأة من الحول، فسألتها عن الغلام، فقالت: برئ   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 185، ولفظه: وفي كتاب (المعجم) لأبي القاسم البغوي، بإسناده، عن كثير، عن معاوية بن الحكم، عن أبيه، قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأنزى أخي عليّ ابن الحكم فرسا له خندقا، فأصاب رجله جدار الخندق فدمّتها فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وما نزل، عن فرسه فمسحها وقال: بسم اللَّه، فما آذاه منها شيء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 319 وعقل عقلا ليس كعقول الناس [ (1) ] قال. أبو نعيم: رواه عبد اللَّه بن إدريس عن يزيد بنحوه. وأما نفثه صلّى اللَّه عليه وسلّم في فم غلام يأخذه الجنون كل يوم مرارا فذهب عنه فخرج أبو نعيم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد اللَّه بن نمير حدثنا عثمان بن حكيم، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن يعلي ابن مرة قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي، فقالت: يا رسول اللَّه، ابني هذا أصابه بلاء، وأصابنا منه بلاء، يؤخذ في اليوم لا ندري كم من مرة. قال: ناولينيه، قال: فرفعته إليه. قال: فجعله بينه وبين وسط الرحل، ثم فغر فاه فنفث فيه ثلاثا، ثم قال: بسم اللَّه، أنا عبد اللَّه، اخس عدو اللَّه، قال: ثم ناولها إياه. ثم قال: ألقينا به   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 464- 465، حديث رقم (393) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 523- 524 ، حديث رقم (26590) ، من حديث أبي سليمان بن عمر بن الأحوض- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأخرجه الحافظ بن حجر في (الإصابة) : 4/ 652، في ترجمة على ابن الحكم السلمي، وقال: رواه البغوي، والطبراني، وابن السكن، وابن مندة، من طريق كثير بن معاوية بن الحكم السلمي، عن أبيه، وقال ابن مندة: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال الحافظ ابن حجر: في الإسناد صفار بن حميد لا يعرف. وزاد الطبراني في روايته، فقال في ذلك معاوية بن الحكم من قصيدته: فأنزاها عليّ فهو يهوى ... هويّ الدلو مشرعة بحبل فعصّب رجله فسما عليها ... سموّ الصقر صادف يوم ظل فقال محمد صلّى عليه ... مليك الناس قولا غير فعل لعا لك فاستمر بها سويا ... وكانت بعد ذاك أصحّ رجل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 320 في الرجعة في هذا المكان، فأخبرينا ما فعل، قال: فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث، قال فقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما فعل الخبيث؟ قالت: والّذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئا حتى الساعة، فاختر [ (1) ] هذه الغنم، قال: انزل فخذ منها شاة ورد البقية [ (2) ] . وخرّجه من حديث علي بن عبد العزيز حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد ابن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن يعلى بن مرة الثقفي قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان بمكان كذا وكذا جاءته امرأة بابن لها، فذكرت أن به جنون، فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منخريه، فقال: اخرج أي عدو اللَّه أنا محمد رسول اللَّه، اخرج بسم اللَّه أنا محمد رسول اللَّه، ثم قال: اذهبي فتعاهدينا في مرجعنا فاعتدت له جرزا ولبنا وسمنا، فلما رجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أهدت إلينا الجزر واللبن والسمن، فرد عليها الجزر والسمن، وقال: اسق أصحابي اللبن، قالت: ما عرض لابني شيء بعدك. قلت: وقد تقدم هذا الحديث بطوله في سجود البعير من حديث جابر بن عبد اللَّه. وخرّجه ومن حديث يعلي بن مرة، خرجه أبو نعيم من حديث أسامة بن زيد قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجته التي حجها فعارضته امرأة فذكر نحوه.   [ (1) ] كذا في (دلائل أبي نعيم) ، وفي (ابن أبي شيبة) و (الأصل) : «فاختز» . وفي (مسند أحمد) : «فاجترر» . [ (2) ] دلائل أبي نعيم: 465، حديث رقم (394) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 179180، حديث رقم (17097) ، من حديث يعلى مرة الثقفيّ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 321 وأما برء غلام من الجنون بمسح الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وجهه ودعائه له فخرج أبو نعيم من حديث مطر بن عبد الرحمن الأعنق قال: حدثتني أم أبان بنت الوازع عن ابنها، أن الوازع [ (1) ] انطلق إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بابن له مجنون، أو بابن أخت له مجنون، فمسح وجهه ودعا له، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يفضل عليه. وأما خروج الشيطان وإزالة النسيان وذهاب الوسوسة في الصلاة عن عثمان بن أبي العاص بتفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في فمه وضربه صدره فخرج أبو نعيم من حديث عثمان بن عبد الوهاب حدثنا أبي عن يونس، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: شكيت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سوء حفظي القرآن، فقال: ذاك شيطان يقال له خنزب، أدن منى يا عثمان، ثم تفل في فمي، ووضع يده على صدري، فوجدت بردها بين كتفي، وقال: يا شيطان اخرج من صدر عثمان، قال: فما سمعت شيئا بعد ذلك إلا حفظته [ (2) ] . [قال أبو نعيم: رواه عنبسة بن أبي رائطة، عن الحسن بنحوه [ (3) ]] .   [ (1) ] هو الوازع العبديّ، والد أم أبان، وقد ذكره في الصحابة: الإمام أحمد، وابن نافع، أبو بكر بن أبي علي، وآخرون (الإصابة) : 6/ 593، ترجمة رقم (9097) . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 466، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم بطرد الشيطان من صدر عثمان بن أبي العاص، حديث رقم (396) . قال في (مجمع الزوائد) : أخرجه الطبراني، وفيه عثمان بن يسر، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. [ (3) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 322 وله من حديث عقبة بن مكرم، حدثنا سعيد بن سفيان الجحدري، حدثنا عيينة بن عبد الرحمن، حدثنا أبي عن عثمان بن أبي العاص [ (1) ] قال: لما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف عرض لي شيء في صلاتي حتى كنت لا أدري ما أصلى، فلما رأيت ذلك أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فلم يرعه مني إلا وأنا أمشي إلى جنبه، فقال: ابن أبي العاص؟ قلت: نعم، قال: ما جاء بك؟، قلت: عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، فقال: ذاك الشيطان. ادن، فدنوت حتى جلست على صدور قدمي بين يديه.   [ (1) ] هو عثمان بن أبي العاص بن بشر عبد دهمان- أو عبد بن دهمان بن عبد اللَّه بن همام الثقفيّ، أبو عبد اللَّه، نزيل البصرة. أسلم في وفد ثقيف، فاستعمله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الطائف، وأقره أبو بكر، ثم عمر، ثم استعمله عمر على عمان والبحرين سنة خمس عشرة، ثم سكن البصرة حتى مات بها في خلافة معاوية قبل سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين. وكان هو الّذي منع ثقيفا، عن الردة، خطبهم فقال: كنتم آخر الناس إسلاما، فلا تكونوا أولهم ارتدادا. وجاء، عنه أنه شهد آمنه لما ولدت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهي قصة أخرجها البيهقي في (الدلائل) ، والطبراني من طريق محمد بن أبي سويد الثقفي، عنه قال: حدثتني أمى ... ، فعلى هذا يكون عاش نحوا من مائة وعشرين سنة. كذا في (الإصابة) ، وفي (سير الأعلام) : أن أمه هي التي شهدت ولادة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاللَّه أعلم أي ذلك كان. روي عثمان، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحاديث في (صحيح مسلم) ، وفي (السنن) ، روى، عنه ابن أخيه يزيد بن الحكم بن أبي العاص، ومولاه أبو الحكم، وسعيد بن المسيب، وموسى بن طلحة، ونافع بن جبير بن مطعم، وأبو العلاء، ومطرف ابنا عبد اللَّه بن الشخير، وآخرون. وعثمان بن أبي العاص، كان سبب إمساك ثقيف، عن الردة حين ارتدت العرب، لأنه قال لهم حين هموا بالردة: يا مشعر ثقيف، كنتم آخر الناس إسلاما، فلا تكونوا أول الناس ردة، وهو القائل: الناكح مغترس، فلينظر أين يضع غرسه، فإن عرق السوء لا بدّ أن ينزع ولو بعد حين. له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء) : 2/ 374، ترجمة رقم (78) ، (الإستيعاب) : 3/ 1035- 1036 ، ترجمة رقم (1772) ، (تهذيب التهذيب) : 7/ 117- 118، ترجمة رقم (270) ، (المعارف) : 368، (طبقات خليفة) : 53، 182، (تاريخ خليفة) : 149، 152، (التاريخ الكبير) : 6/ 12، (شذرات الذهب) : 1/ 36. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 323 فقال: افغر فاك، فضرب صدري بيده وتفل في فمي، وقال: اخرج عدو اللَّه، قال ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: الحق بعملك. قال عثمان: فلا أحسبه عرض لي بعد. وله من حديث حجاج بن المنهال حدثنا حماد بن سلمة، عن شعيب الجريريّ، عن أبي العلاء، عن مطرف، عن عثمان بن أبي العاص، أنه شكا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الوسوسة في الصلاة، فقال: ذاك شيطان يقال له: خنزب، فإذا وجد أحدكم منه شيئا، فليتفل عن يساره ثلاثا، وليتعوذ باللَّه منه. قال أبو نعيم: رواه الثوري وعبد الواحد بن زيد ومروان بن معاوية وابن علية وسالم بن نوح، عن الجريريّ، عن أبي العلاء، عن عثمان فلم يذكر مطرفا. قال كاتبه: وخرّج مسلم حديث الجريريّ هذا عن أبي العلاء، عن عثمان ابن أبي العاص قال: قلت: يا رسول اللَّه إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي [يلبسها عليّ] ، قال: فقال ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ باللَّه منه، واتفل عن يسارك ثلاثا، قال: ففعلت فأذهبه اللَّه عنى [ (1) ] . وله من حديث محمد بن عمر الواقدي: حدثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يعلي بن كعب، عن عبد ربه بن الحكم، عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت أنسى القراءة، فقلت: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني لأنسى القرآن، فضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 440، كتاب السلام، باب (25) التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة، حديث رقم (2203) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. وفي هذا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان، عند وسوسته مع التفل، عن اليسار ثلاثا، ومعنى يلبسها: أي يخلطها ويشككني فيها، وهو بفتح أوله وكسر ثالثه، ومعنى حال بيني وبينها: أي نكدني فيها، ومن، عنى لذتها، والفراغ للخشوع فيها. (شرح النووي) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 324 في صدري ثم قال: اخرج يا شيطان من صدر عثمان، فما نسيت شيئا حفظته [ (1) ] . وله من حديث عبد الأعلى: حدثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن الطائفي، عن عبد اللَّه بن الحكم، عن عثمان بن بشر، سمعت عثمان بن أبي العاص يقول: شكوت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نسيان القرآن، قال: فضرب صدري بيده، فقال: يا شيطان اخرج من صدر عثمان، قال عثمان: فما نسيت منه شيئا بعد أن أحببت أن أذكره [ (2) ] . وأما ردّ اللَّه عز وجل بصر الأعمى عليه بتعليم الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم له دعاء يدعو به فخرج البيهقي [ (3) ] من حديث محمد بن يونس قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: حدثنا شعبة عن أبي جعفر الخطميّ قال: سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: ادع اللَّه لي أن   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 307- 308 باب تعليم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عثمان بن أبي العاصي الثقفي- رضي اللَّه تبارك وتعالى، عنه- ما كان سببا لشفائه ودعائه له حتى فارقه الشيطان وذهب، عنه النسيان. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 308، وفيه: «شيئا بعده أريد حفظه» . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 166- 167، باب في تعليمه صلّى اللَّه عليه وسلّم الضرير ما كان فيه شفاؤه حين لم يصبر، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة، ثم قال البيهقي: هذا لفظ حديث العباس، زاد محمد بن يونس في روايته: قال: فقام وقد أبصر. ورويناه في كتاب (الدعوات) بإسناد صحيح، عن روح ابن عبادة، عن شعبة، ففعل الرجل فبرأ. كذلك رواه حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطميّ وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب (119) ، حديث رقم (3578) من كتاب الجامع الصحيح (سنن الترمذي) ، عن محمود بن غيلان. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 1/ 441، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (198) ما جاء في صلاة الحاجة، حديث رقم (1385) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 325 يعافيني، قال: فإن شئت أخرت ذلك وهو خير لك، وإن شئت دعوت اللَّه، قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلى ركعتين، ويدعو بهذا [الدعاء] : «اللَّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فيقضيها لي، اللَّهمّ شفعه في، وشفعني في نفسي» ، فقام وقد أبصر. قال البيهقي [ (1) ] : ورويناه في كتاب (الدعوات) بإسناد صحيح عن روح بن القاسم، عن شعبة قال: ففعل الرجل فبرأ. وكذلك رواه حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطميّ، وخرّجه أبو نعيم من طريق ابن وهب قال: حدثني شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطميّ، عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف أن أعمى أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه علمني دعاء أدعو به يرد اللَّه تعالى عليّ بصري، فقال: قل: «اللَّهمّ إني أسالك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة، يا محمد إني قد توجهت بك إلى ربي، اللَّه شفعه في وشفعني في نفسي» ، فدعا بهذا الدعاء، فقام وقد أبصر. قال أبو نعيم ورواه حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطميّ، عن عمارة ابن خزيمة، عن عثمان بن حنيف بنحوه. وخرّجه البيهقي من حديث ابن شبيب بن سعيد الحبطيّ قال: حدثني أبي عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المدني وهو الخطميّ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجاءه رجل ضرير، فشكا إليه ذهاب بصره، فقال: يا رسول اللَّه ليس لي قائد وقد شق على، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ائت الميضأة فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم قل «اللَّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك نبيك محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي لي عن بصري اللَّهمّ شفعه فيّ، وشفعني في نفسي» . قال   [ (1) ] (المرجع السابق) : 167. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 326 عثمان: فو اللَّه ما تفرقنا، ولا طال الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضرّ قط [ (1) ] . وخرّج أيضا من حديث إسماعيل بن شبيب قال: حدثنا أبي عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المديني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في حاجة، وكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقى عثمان بن حنيف، فشكا إليه ذلك. فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل ركعتين، ثم قل: «اللَّهمّ إني أسالك وأتوجه إليك بنيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربى فتقضى حاجتي» واذكر حاجتك، ثم راح حتى أزمع، فانطلق الرجل، وصنع ذلك، ثم أتى باب عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فجاء البواب، فأخذ بيده، فأدخله على عثمان، فأجلسه معه على الطنفسة [ (2) ] ، فقال: انظر ما كانت لك من حاجة، ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقى عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك اللَّه خيرا، ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إلى حتى كلمته، فقال عثمان بن حنيف: ما كلمته، ولكني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجاءه ضرير، فشكى إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أو تصبر؟ فقال: يا رسول اللَّه ليس لي قائد، وقد شق عليّ. فقال: ائت الميضأة فتوضأ، وصل ركعتين ثم قل: «اللَّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي لي عن بصري، اللَّهمّ شفعه في وشفعني في نفسي» . قال عثمان: فو اللَّه ما تفرقنا، وطال بنا الحديث حتى دخل الرجل كأن لم يكن به ضرر.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 167، باب ما جاء في تعليمه الضرير ما كان فيه شفاؤه حين لم يصبر وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. [ (2) ] الطنفسة، بضم الفاء الأخيرة، عن كراع: النمرقة فوق الرحل، وجمعها طنافس، وقيل: هي البساط الّذي له حمل رقيق، ولها ذكر في الحديث [الّذي معنا] ، [وفي القرآن الكريم في قوله تعالى وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ [الغاشية: 15] . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 327 قال البيهقي: ورواه أحمد بن شبيب، عن سعيد، عن أبيه أيضا بطوله: أخبرنا أبو على الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، أنبأنا عبد اللَّه بن جعفر ابن درستويه، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد، فذكره بطوله. وهذه زيادة ألحقتها به في شهر رمضان سن أربع وأربعين. قال: ورواه أيضا هشام الدستوائي، عن أبي جعفر، عن أبي أمامة بن سهل، عن عمه، وهو عثمان بن حنيف [ (1) ] .   [ (1) ] سبق تخريجه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 328 وأما رد بصر من كانت عيناه مبيضتين لا يبصر بهما شيئا بنفث المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم في عينيه فخرج الحافظان أبو نعيم [ (1) ] والبيهقي [ (2) ] من حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن بشر حدثنا عبد العزيز بن عمر، قال: حدثني رجل من بني سلامان بن سعد، عن أمه أن خالها حبيب بن فويك [ (3) ] حدثها، أن أباه خرج به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا. فسأله ما أصابه، فقال: إني كنت أمرن جملا لي، فوضعت رجلي على بيض حية، فأصيب   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 466- 467، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم برد بصر أعمى، حديث رقم (397) ، أخرجه ابن أبي شيبة، وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد) : رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 173، باب ما جاء في نفثه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عينين كانتا مبيضتين لا يبصر صاحبها بهما حتى أبصر. [ (3) ] هو حبيب بن فويك، أو فديك، أو فريك، روت بنت أخيه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دعا له وهو أعمى مبيضة عيناه فأصبر، (الاستيعاب) : 1/ 322، ترجمة رقم (475) ، 3/ 1271، ترجمة رقم (2096) . قال الحافظ ابن حجر: ذكره البغوي وابن السكن وغيرهما، وروى ابن أبي شيبة وعتبة، من طريق عبد العزيز بن عمر، عن رجل من بني سلامان، عن أمه، أن خالها حبيب ابن فويك حدثها أن أباه خرج به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا، فسأله فقال: كنت أروض جملا لي فوقعت رجلي على بيض حية، فأصيب بصرى، فنفث في عينيه فأبصر، قال: فأنا رأيته يدخل الخيط في الإبرة. وإنه لابن ثمانين سنة، وإن عينيه لمبيضتان. ذكره ابن أبي شيبة، عن محمد بن بشر العبديّ، عن عبد العزيز بن عمر، عن رجل عن سلامان ابن سعد، عن أمه أن خالها حبيب بن فويك حدثها أن أباه فويكا خرج إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فذكر الحديث، ولا أعلم لحبيب غيره. قال الحافظ ابن حجر: روى ابن منك من طريق عبد العزيز بن عمر أيضا، عن الحليسي السلاماني، عن أبيه، عن جده حبيب بن فويك بن عمرو، أنه عرض على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رقية من العين فأذن له فيها، فدعا له بالبركة. (الإصابة) : 2/ 23- 24، ترجمة رقم (1598) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 329 بصري، فنفث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عينيه فأبصر، قال: فرأيته يدخل الخيط في الإبرة وإنه لابن ثمانين، وإن عينيه لمبيضتان. وأما رد الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم عين قتادة [ (1) ] بعد ما سالت على خده فكان يقال له: ذو العين فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن عاصم ابن عمر بن قتادة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رمى يوم أحد عن قوسه حتى اندقت سيتها [ (3) ] ، فأخذها قتادة بن النعمان، فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فردها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكانت أحسن عينيه وأحدّهما. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (4) ]- وقد ذكر يوم أحد-: وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته. قال قتادة بن النعمان: فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: أي رسول اللَّه، إن تحتي امرأة شابة جميلة أحبها وتحبني، وأنا أخشى أن تقذر مكان عيني، فأخذها   [ (1) ] هو قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر الأمير المجاهد. أبو عمر الأنصاري الظفري البدري، من نجباء الصحابة، وهو أخو أبي سعيد الخدريّ لأمه، وهو الّذي وقعت عينه على خده يوم أحد، فأتى بها إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فغمزها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده الشريفة، فردها، فكانت أصح عينيه. له أحاديث، وكان على مقدمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لما سار إلى الشام، وكان من الرماة المعدودين. عاش خمسا وستين سنة، وتوفى في سنة ثلاث وعشرين بالمدينة، ونزل عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يومئذ في قبره، (تهذيب سير الأعلام) : 1/ 66- 67، ترجمة رقم (170) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 251- 253، باب ما ذكر في المغازي من وقوع عين قتادة بن النعمان على وجنته، ورد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عينه إلى مكانها وعودتها إلى حالها. [ (3) ] سية القوسي: طرفها. [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 242، غزوة أحد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 330 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فردها فأبصرت وعادت كما كانت، ولم تضرب عليه ساعة من ليل ولا نهار، فكان يقول بعد أن أيس: هي أقوى عيني، وكانت أحسنهما. وخرّج البيهقي من حديث إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي فروة [يحدث] ، عن عياض بن عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح، عن أبي سعيد الخدريّ، عن قتادة بن النعمان وكان أخوه لأمه: أن عينه ذهبت يوم بدر فجاء بها إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فردها فاستقامت [ (1) ] . وخرّج أبو نعيم من حديث يحيى اليماني حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن قتادة بن النعمان: أنه أصيبت عينه يوم أحد، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [فقال: لا] فدعا به فغمز عينه براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت. وخرّج أيضا من حديث مالك بن أنس [ (2) ] ، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن عبيد، عن قتادة بن النعمان، أنه سقطت [ (3) ] عينه يوم أحد فوقعت على وجنته [ (4) ] ، فردها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده، فكانت أصح عينيه وأحدّهما [ (5) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 253، وأخرجه الدارقطنيّ في (السنن) ، و، عن البيهقي نقله ابن كثير في (البداية والنهاية) . [ (2) ] سنده في (دلائل أبي نعيم) : حدثنا أبو بكر بن خلاد قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، حدثنا يوسف بن بهلول، حدثنا ابن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن قتادة بن النعمان. [ (3) ] في (الأصل) : «أصيبت» وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) . [ (4) ] ما بين الحاصرتين في (الأصل) فقط. [ (5) ] (دلائل أبي نعيم) : 483- 484، باب ومن الأخبار في غزوة أحد من الدلائل، حديث رقم (416) ، وهذا الحديث مبثوث في كتب السيرة والمغازي في أحداث غزوة أحد، وغزوة بدر، واللَّه تعالى أعلم. وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 3/ 334، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب قتادة بن النعمان الظفري، وهو أخو أبي سعيد الخدريّ لأمه، قال: وشهد قتادة بن النعمان العقبة مع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 331 ومن حديث عبد اللَّه بن الفضل بن عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان بن زيد الأنصاري قال: حدثنا أبي الفضل عن أبيه عاصم، عن أبيه عمر، عن أبيه قتادة بن النعمان بن زيد قال: أهدى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قوس، فدفعها إليّ يوم أحد، فرميت بها بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى اندقت سيتها، ولم أزل في مقامي نصب وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتقى [ (1) ] السهام ووجهي [ (2) ] دونه، فكان آخرها سهم ندرت منه [ (3) ] حدقتي، فأخذت حدقتي بيدي فسعيت بها في كفى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حدقتي في كفي دمعت عيناه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ ق قتادة كما وقى وجه نبيك [ (4) ] ، فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظرا [ (5) ] . [وفي حديث منصور بن أحمد المعدل: فردها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده فكانت أصحّ عينيه وأحدهما] [ (6) ] .   [ () ] السبعين من الأنصار، وكان الرماة المذكورين من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، شهد بدرا وأحدا ورميت عينه يوم أحد فسالت حدقته على وجنته، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! إن، عندي امرأة أحبها، وإن هي رأت عيني خشيت أن تقذرها، فردها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده فاستوت، ورجعت، وكانت أقوى عينيه وأصحهما بعد أن كبر. وشهد أيضا الخندق والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت معه راية بنى ظفر في غزة الفتح. قال محمد بن عمر: أخبرنى محمد بن صالح بن هاني، عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: مات قتادة بن النعمان سنة ثلاث وعشرين، وهو يومئذ ابن خمس وستين سنة، وصلّى عليه عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ونزل في قبره أخوه لأمه أبو سعيد الخدريّ، ومحمد بن مسلمة، والحارث بن خزمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم. [هذا الحديث حذفه الحافظ الذهبي من التلخيص] [ (1) ] في (الأصل) : «ألقي» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) . [ (2) ] في (الأصل) : «بوجهي» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) . [ (3) ] ندرت: سقطت. [ (4) ] كذا في (الأصل) وفي (دلائل أبي نعيم) : «كما وقى نبيك عليه السلام بوجهه» . [ (5) ] (المرجع السابق) حديث رقم (417) . [ (6) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 332 وخرّج من حديث مالك، عن محمد، عن عبد اللَّه بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن أخيه قتادة بن النعمان قال: أصيبت عيناي يوم بدر فسقطتا على وجنتي فأتيت بهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعادهما مكانهما وبزق فيهما، فما عادتا تبرقان. وخرّجه البيهقي [ (1) ] من حديث ابن أبي خيثمة، قال: حدثنا مالك بن إسماعيل، قال: حدثنا ابن الغسيل، قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان، عن جده قتادة: أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأراد القوم أن يقطعوها، فقال: أنأتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نستشيره في ذلك؟ فجئناه، فأخبرناه الخبر، فأدناه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منه، فرفع حدقته حتى وضعها موضعها، ثم غمزها براحته، وقال: اللَّهمّ اكسه جمالا، فمات وما يدري من لقيه أي عينيه أصيبت. وخرّجه من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه قتادة بن النعمان: أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: لا، فدعا به فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت [ (2) ] . قال البيهقي [ (3) ] : وفي الروايتين جميعا، عن ابن الغسيل أن ذلك كان يوم بدر، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. وقال أبو عمر بن عبد البر [ (4) ]- وقد ذكر قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر ابن سوداء بن كعب في كتاب (الصحابة) -: وأصيبت عينه يوم بدر، وقيل:   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 251- 252، باب ما ذكر في المغازي من وقوع عين قتادة بن النعمان على وجنتيه، وردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عينه إلى مكانها، وعودتها إلى حالها. [ (2) ] (المرجع السابق) 252. [ (3) ] (المرجع السابق) 252. [ (4) ] (الإستيعاب) : 3/ 1274- 1277، ترجمة رقم (2107) ، قال أبو عمر بعد ذلك: الأصح واللَّه تعالى أعلم، أن عين قتادة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أصيبت يوم أحد، روى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 333 يوم الخندق، وقيل: يوم أحد، فسالت حدقته، فأرادوا قطعها، ثم أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرفع حدقته بيده حتى وضعها موضعها، ثم غمزها براحته، وقال: اللَّهمّ اكسه جمالا، فمات وإنها لأحسن عينيه وما مرضت بعد. وقال عمر بن عبد العزيز- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: كنا نتحدث أنها تعلقت بعرق فردها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: اللَّهمّ اكسها جمالا، قال عمر ابن عبد العزيز: تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا وقال عبد اللَّه بن محمد بن عمارة: إن قتادة بن النعمان رميت عينه يوم أحد، فسالت حدقته على وجهه، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه إن عندي   [ () ] عبد اللَّه بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن جابر ابن عبد اللَّه، قال: أصيبت عين قتادة بن النعمان يوم أحد، وكان حديث عهد بعرس، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذها بيده فردّها، فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظرا. وقال عمر بن عبد العزيز: كنا نتحدث أنها تعلقت بعرق فردها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: اللَّهمّ اكسها جمالا. وذكر الأصمعي، عن أبي معشر المدني، قال: وفد أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بديوان أهل المدينة إلى عمر بن عبد العزيز، رجل من ولد قتادة ابن النعمان، فلما قدم عليه قال له: ممن الرجل؟ فقال: أنا ابن الّذي سالت على الخدّ عينه ... فردّت بكف المصطفى أحسن الردّ فعادت كما كانت لأول أمرها ... فيا حسن ما عين ويا حسن ما ردّ فقال عمر بن عبد العزيز- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 334 امرأة أحبها، وإن هي رأت عيني خشيت أن تقذرنى، فردها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده، فاستوت ورجعت وكانت أقوى عينيه وأصحهما [بعد أن كبر] [ (1) ] . وخرّج أبو بكر بن الأنباري من حديث أبيه، حدثنا أحمد بن عبيد، عن الهيثم بن عدي، عن أبيه قال: أصيبت عين قتادة بن النعمان الظفري يوم أحد، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي في يده، فقال: ما هذا يا قتادة؟ قال: هذا ما ترى يا رسول اللَّه، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت رددتها ودعوت اللَّه لك، فلم تفقد فيها شيئا، فقال: يا رسول اللَّه، واللَّه إن الجنة لجزاء جزيل، وعطاء جليل، ولكني رجل مبتلى بحب النساء وأخاف أن يقلن: أعور، فلا يردننى، ولكن تردها لي، وتسأل اللَّه لي الجنة، فقال: أفعل يا قتادة، ثم أخذها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده، فأعادها إلى موضعها، فكانت أحسن عينيه إلى أن مات، ودعا اللَّه له بالجنة. قال: فدخل ابنه على عمر بن عبد العزيز رحمه اللَّه، فقال له عمر: من أنت يا فتى؟ فقال: أنا ابن الّذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أحسن الرد فعادت كما كانت لأحسن حالها ... فيا حسن ما عين ويا طيب ما رد فقال عمر: بمثل هذا فليتوسل إلينا المتوسلون ثم قال: تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 335 وأما برء يد محمد بن حاطب [ (1) ] بنفث المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم عليها فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث أبي داود الطيالسي، قال: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت محمد بن حاطب يقول: وقعت على يدي القدر، فاحترقت، فانطلقت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعل يتفل عليها ويقول: أذهب البأس رب الناس، فأحسبه قال: واشف أنت الشافي.   [ (1) ] هو محمد بن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، أبو القاسم القرشي الجمحيّ، وقيل: أبو إبراهيم، وقيل أبو وهب، أمه أم جميل، يقال: ولد بأرض الحبشة، وقيل ذلك على سبيل المجاز، لأنه ولد في السفينة قبل أن يصلوا إلى الحبشة. هاجر أبوه، ومات أبوه بها، فقدمت به أمه إلى المدينة مع أهل السفينتين، فروى عبد اللَّه بن الحارث ابن محمد بن حاطب، عن أبيه، عن جده قال: لما قدمنا أرض الحبشة خرجت بي أمي- يعنى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه! هذا ابن أخيك- وقد أصابه هذا الحرق من النار فادع اللَّه له ... الحديث. ورواه أيضا عبد الرحمن بن عثمان بن محمد الحاطبي، عن أبيه، عن جده، أخرجه أحمد وابن أبي خيثمة والبغوي، وفيه أن أمه قالت: يا رسول اللَّه! هذا محمد بن حاطب، وهو أول من سمى بك. قالت: فمسح على رأسك، وتفل في فيك، ودعا لك بالبركة. وأخرج ابن أبي خيثمة، عن محمد بن سلام الجمحيّ، قال: وحدثني بعض أصحابنا، قال: هو أول من سمى في الإسلام محمدا. ولد بأرض الحبشة، وأرضعته أسماء بنت عميس مع ابنها عبد اللَّه بن جعفر، وأرضعت أم محمد عبد اللَّه بن جعفر، فكانا يتواصلان على ذلك حتى ماتا. وقال ابن شاهين: سمعت البغوي يقول: هو أول من سمي في الإسلام محمدا، قال: وكان يكنى أبا القاسم: وجزم ابن سعد بأن كنيته أبو إبراهيم. وقال الهيثم: مات في ولاية بشر على العراق، وقال غيره: سنة أربع وسبعين، وقيل: مات سنة ست وثمانين. (الإصابة) : 6/ 810، ترجمة رقم (7770) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 174، باب في نفثه صلّى اللَّه عليه وسلّم في يد محمد بن حاطب، وقد احترقت حتى برئت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 336 ومن طريق يعقوب بن سفيان الفسوي، قال: حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا شريك، عن سماك، عن محمد بن حاطب، قال: أدنيت إلى قدر لنا، فوضعت يدي فيه فاحترقت، فذهبت بي أمي إلى البطحاء، فقالت: يا رسول اللَّه، إن ابني هذا احترقت يده، فجعل يتكلم الكلام ولا أدري ما هو، ولكنه ينفث، فسألت في إمارة عثمان، - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقالوا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أظنه قال: ما رويناه من حديث شعبة [ (1) ] . ومن طريق جعفر بن عون قال: أخبرنا مسعر عن سماك، عن محمد بن حاطب قال: صنعت أمى مريقة [ (2) ] فأهراقت على يدي، فذهبت بي أمي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال كلاما لم أحفظه، وسألت عنه في إمارة عثمان ما قال؟ قالت: قال: أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت. وخرّج البيهقي وأبو نعيم، كلاهما من حديث سعيد بن سليمان قال: حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم، عن جده معمر بن حاطب، عن أمه أم جميل أم محمد بن حاطب، قالت: أقبلت بك من أرض الحبشة، حتى إذا كنت من المدينة بليلة أو ليلتين، طبخت لك طبيخا، ففني الحطب فرجعت [ (3) ] أطلب الحطب فتناولت القدر، فانكفأت على ذراعك القدر، فقدمت بك المدينة، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: يا رسول اللَّه هذا محمد بن حاطب، وهو أول من سمى بك فمسح على رأسك ودعا لك بالبركة، ثم تفل في فيك، وجعل يتفل على يديك وهو يقول: أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما. قالت: فما قمت بك من عنده حتى برئت [ (4) ] يداك.   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] كذا في (الأصل) ، وهو أجود للسياق، وفي (دلائل البيهقي) : «مريعة» . [ (3) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل البيهقي) : «فرحت» . [ (4) ] في (الأصل) : «قويت» وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) ، و (دلائل أبي نعيم) ، والحديث أخرجه أيضا أبو نعيم في (الدلائل) : 467، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشفاء يد محمد بن حاطب، حديث رقم (398) ، وأخرجه البخاري في (التاريخ الكبير) : 1/ 11/ 17، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 70، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 337 وقال أبو عمر بن عبد البر: محمد بن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهيب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحيّ، ولد بأرض الحبشة، كانت أمه أم جميل، ويقال: جويرية بنت المجلل بن عبد اللَّه بن أبي قيس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ القرشية العامرية، قد هاجرت إليها مع زوجها حاطب، فولدت له هناك محمدا والحارث ابنا حاطب، وكان محمد بن حاطب يكنى أبا القاسم، وقيل: أبا إبراهيم، توفي في خلافة عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين بمكة، وقيل: بالكوفة وعداده في الكوفيين. وقال مصعب: كان محمد بن حاطب في حين قدومه من أرض الحبشة وهو صبي، قد أصابته نار في إحدى يديه فأحرقته، فذهبت به أم جميل بنت المجلل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرقاه ونفث عليه. وقال البخاري: حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد قال: أخبرني أبي عثمان، عن جده محمد بن حاطب، عن أمه أم جميل أم محمد بن حاطب قالت: خرجت بك من أرض الحبشة حتى إذا كنت من المدينة على ليلة أو ليلتين طبخت لك طبيخا، فخرجت أطلب الحطب، فتناولت القدر فانكفأت على ذراعك، فقدمت المدينة وأتيت بك إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: يا رسول اللَّه! هذا محمد بن حاطب، وهو أول من سمى باسمك، فمسح على رأسك ودعا بالبركة، ثم تفل في فيك وجعل يتفل على يديك ويقول: أذهب الباس رب الناس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك، شفاء لا يغادر سقما. فما قمت بك من عنده حتى برئت يدك [ (1) ] . قال كاتبه [ (2) ] : رواية البخاري هذه خارج (الصحيح) [ (3) ] .   [ () ] كتاب معرفة الصحابة، ذكر فاطمة بنت المجلل القرشية أم جميل أم محمد بن حاطب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم (6909) ، وقد سكت، عنه حافظ الذهبي في (التلخيص) . [ (1) ] (الاستيعاب) : 3/ 1368- 1369، ترجمة محمد بن حاطب رقم (2324) . [ (2) ] هو التقي المقريزي عليه رحمة اللَّه. [ (3) ] رواها الإمام البخاري في (التاريخ الكبير) : 1/ 1/ 17. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 338 وأما ذهاب السلعة [ (1) ] من كف شرحبيل [ (2) ] بنفث الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ووضع يده عليها فخرج البيهقي [ (3) ] من طريق البخاري خارج (الصحيح) قال: قال لي على: حدثنا يونس بن محمد المؤدب، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا مخلد بن عقبة بن عبد الرحمن بن شرحبيل الجعفي، عن جده عبد الرحمن، عن أبيه قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبكفى سلعة، فقلت: يا رسول اللَّه! هذه السلعة آذتني، تحول بيني وبين قائم السيف أن أقبض عليه عنان الدابة، فقال: ادن مني، فدنوت منه، فقال: افتح كفك، ففتحتها، ثم قال: اقبضها فقبضتها، ثم قال: ادن منى، فدنوت منه، فقال: افتحها، ففتحتها، فنفث في كفى، ووضع كفه على السلعة، فما زال يطحنها بكفه حتى رفعها عنها، وما أدرى أين أثرها.   [ (1) ] السلعة: غدة تظهر بين الجلد واللحم إذا غمزت باليد تحركت. [ (2) ] هو شراحيل أو شرحبيل الجعفي. ذكر علي بن المديني، عن يونس بن محمد، عن حماد بن زيد، عن مخلد بن عقبة بن عبد الرحمن بن شراحيل الجعفي، عن جده عبد الرحمن، عن أبيه شراحيل، قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وبيدي سلعة ... الحديث. (الاستيعاب) : 2/ 697، ترجمة شراحيل رقم (1162) ، ترجمة رقم (1170) ، وقال فيه: شرحبيل. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 176- 177، باب ما جاء في نفثه في كف شرحبيل الجعفي، ووضع كفه على السلعة التي كانت بكفه حتى ذهبت، ثم قال البيهقي: وقرأت في كتاب الواقدي، أن أبا سبرة قال: يا رسول اللَّه؟ إن لي بظهر كفى سلعة قد منعتني من خطام راحلتي، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقدح، فجعل يضرب به على السلعة ويمسحها فذهبت، فدعا له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولابنيه، أحدهما: سبرة، والآخر، عزيز، فسماه عبد الرحمن، وهو أبو خيثمة بن عبد الرحمن. وقرأت في كتاب محمد بن سعيد، عن الحميدي، عن فرح بن سعيد الواقدي، عن عمه ثابت بن سعيد، عن أبيه، عن جده أبيض حمال، أنه كان بوجهه جدرة- يعنى القوباء- وقد التمعت وجهه، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمسح وجهه، فلم يمس ذلك اليوم ومنها أثر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 339 وقال ابن عبد البر: شرحبيل الجعفي وقال: بعضهم فيه شراحيل، حديثه في أعلام النبوة في قصة السلعة التي كانت به، شكاها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنفث فيها، ووضع يده عليها. وأما برء خبيب [ (1) ] بتفل الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم على موضع مصابه فروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن، قال: ضرب خبيب يعنى ابن على يوم بدر، فمال شقه، فتفل عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولأمه ورده فانطبق، فلم ير لها أثر. وروى عنه ابنه عبد الرحمن.   [ (1) ] هو خبيب، بالتصغير، ابن إساف بهمزة مكسورة، وقد تبدل تحتانية- يساف- بن، عنبة، بكسر المهملة وفتح النون، بعدها موحدة، ابن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن الأوس الأنصاري الأوسي. ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدرا. وقال الواقدي: كان تأخر إسلامه. إلى أن خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بدر، فلحقه في الطريق، فأسلم، وشهدها وما بعدها، ومات في خلافة عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. وقال ابن إسحاق، عن مكحول، عن سعيد ابن المسيب، قال: بعث عمر بن الخطاب خبيب بن إساف أحد بني الحارث بن الخزرج على بعض العمل، وكان بدريا. وروى أحمد، والبخاري في (تاريخه) من طريق مسلم ابن سعيد، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده، قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يريد غزوا أنا ورجل من قومي ولم نسلم، فقلنا: إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم، قال: إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين، قال: فأسلمنا وشهدنا معه رواه أحمد بن منيع، فقال في روايته: عن خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب. وقال ابن إسحاق: حدثني ابن عبد الرحمن قال: ضرب خبيب جدي يوم بدر، فمال سيفه، فتفل عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وردّه ولأمه. وذكر الواقدي أن الّذي ضربه هو أمية بن خلف، ويقال: إنه هو الّذي قتل أمية. قال الحافظ: وفي حديثه المذكور، عند أحمد أنه قال: ضربني رجل من المشركين على عاتقي فقتلته، ثم تزوجت ابنته فكانت تقول لي: لاعدمت رجلا وشحك هذا الوشاح، فأقول: لاعدمت رجلا عجله إلى النار! (الإصابة) : 2/ 261- 262، ترجمة رقم (2221) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 340 وأما ذهاب السلعة من كف أبي سبرة بمسح الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال البيهقي [ (1) ] : وقرأت في كتاب الواقدي أن أبا سبرة قال: يا رسول اللَّه إن بظهر كفى سلعة قد منعتني من خطام راحلتي، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقدح، فجعل يضرب على السلعة ويمسحها، فذهبت، فدعا له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولأبنيه: أحدهما، سبرة، والآخر.. عزيز، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد الرحمن، وهو أبو خيثمة [بن عبد الرحمن] [ (2) ] قال ابن عبد البر [ (3) ] : أبو سبرة الجعفي اسمه يزيد ابن مالك بن عبد اللَّه بن ذؤيب بن سلمة بن عمرو بن ذهل بن مروان بن جعفي، والد سبرة بن أبي سبرة، وعبد الرحمن بن أبي سبرة، له صحبة، وفد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه ابناه عزيز وسبرة، فسمى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عزيزا عبد الرحمن، روى، عنه ابناه في القراءة في الوتر وفي الأسماء حديثا مرفوعا، جد هو خيثمة بن عبد الرحمن [بن أبي سبرة] . وقال ابن الكلبي: وولد سلمة بن عمرو يعني ابن ذهل بن مروان بن جعفي بن سعد العشيرة بن مالك، وهو مذحج بن أدد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان الذؤيب، والمعترض منهم أبو سبرة وهو يزيد بن مالك بن عبد اللَّه بن ذؤيب بن سلمة، وفد على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه ابناه سبرة عبد الرحمن، وكان في ألفين وخمسمائة من العطاء، وأقطعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وادى جعفي باليمين. وكان اسم الوادي جردان، وكان الحجاج ولى عبد الرحمن بن أبي سبرة أصبهان وابنه خيثمة بن عبد الرحمن الفقيه، ومحمد بن عبد الرحمن كان من فرسان العرب وولى مسايح الري. انتهى [ (4) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 176. [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] (الاستيعاب) : 4/ 1667، ترجمة رقم (2985) وما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط. [ (4) ] (جهرة أنساب العرب لابن حزم) : 409- 410. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 341 وقال المعافي بن زكريا: حدثنا ابن دريد أخبرنا السكن بن سعيد، عن العباس بن هشام، عن أبيه قال: حدثنا الوليد بن عبد اللَّه الجعفي عن أبيه، عن أشياخ قومه، قالوا: كانت عند أبي سبرة وهو يزيد بن مالك بن عبد اللَّه بن الذؤيب بن سلمة بن عمرو بن ذهل بن مروان بن جعفي امرأة منهم، فولدت له سبرة وعزيز، ثم ماتت فورثها ابناها إبلا، ثم تزوج أبو سبرة أخرى، فجفا ابنيه ونجاهما عنه، فكانا في إبلها التي ورثاها من أمها، فلما بلغهما مهاجر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال سبرة لمولى لأمه، كان يرعى عليه: ابغني ناقة كنازا، يعني كثيرة اللحم مجتمعة الجسم ذات لبن، فأتاه بها فركبها، وهو يقول لأبيه: ألا بلغا عني يزيد بن مالك ... أما بال الشيخ أن يتذكرا رأيت أبانا صدّ عنا بوجهه ... وأمسك عنا ماله وتمرا ثم توجه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأقبل أخوه عزيز، فقال للمولى: أين أخي؟ قال: ندت ناقته، فذهب في طلبها، فنظر في الإبل فلم ير شيئا، فقال للمولى: لتخبرني، فأخبره وأنشده البيتين فدعا بناقة فركبها وهو يقول: ألا بلغا عني معاشر مذجح ... فهل لي من بعد ابن أمي معشرا؟ ولحق بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم أقبل أبو سبرة، فقال للمولى: أين أخي؟ قال: ندت ناقته، فذهب في طلبها، فنظر في الإبل فلم ير شيئا، فقال للمولى: أين ابناي؟ فأخبره خبرهما وأنشده شعريهما، فركبها وهو يقول: وسبرة كان النفس لو أن حاجة ... ترد ولكن كتان أمرا تيسرا وكان عزيز خلتي فرأيته ... تولى ولم يقبل عليّ وأدبرا ثم لحق بهما، وخلف عند المولى غلاما له يقال له: شنقرا فمكث المولى أياما، ثم لحق بهم، وأنشأ يقول: بدلت إيناسا حيالا وشنقرا ... بأهلي لا أرضى به أولئك فأتى أبو سبرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه ابناه فأسلموا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لعزيز: ما اسمك؟ فقال عزيز، قال: لا عزيز إلا اللَّه، أنت عبد الرحمن [ (1) ] .   [ (1) ] قال الحافظ ابن حجر: عبد الرحمن بن أبي سبرة عداده في أهل الكوفة، وقال ابن حبان: يقال له صحبة، وقال: وأخرج أحمد، وابن حبان في (صحيحه) من طريق أبي إسحاق، عن خثيمة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 342 وقال أبو سبرة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني بظهر كفي سلعة قد منعتني من خطام راحلتي، فدعا صلّى اللَّه عليه وسلّم بقدح، فجعل يضرب به على السلعة، ويمسحها، فذهبت، ودعا له ولابنيه، وأقطعه جردان [ (1) ] واديا في بلاد قومه. قال ابن الكلبيّ: فلم يسمع بأهل بيت أجابوا إلى الإسلام طوعا مثل هؤلاء.   [ () ] ابن عبد الرحمن، عن أبيه قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مع أبي وأنا غلام، فقال: ما اسم ابنك هذا؟ قال: اسمه عزيز، قال: لا تسمّ عزيزا، ولكن سمه عبد الرحمن، فإن أحب الأسماء إلى اللَّه تعالى، عبد اللَّه، وعبد الرحمن، والحارث، تابعه العلاء بن المسيب بن خيثمة، عن أبيه. وأخرجه ابن مندة من طريق شعيب بن سليمان، عن عباد بن العوام، عن العلاء، أرسله إبراهيم بن زياد، وعن عباد، فقال بهذا السند، عن خيثمة: كان اسم أبي عزيزا، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنت عبد الرحمن. وكأن الصواب: كان اسم أخي. وأخرجه ابن مندة من طريق حجاج بن أرطاة، عن عمر بن سعيد، عن سبرة بن أبي سبرة، قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعى ابني، فقال: ما اسم ولدك؟ قلت: فلان، وفلان، وعبد العزى، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: سمّه عبد الرحمن. (الإصابة) : 4/ 308، ترجمة رقم (5129) . [ (1) ] جردان، بالدال المهملة وآخره نون: بلد قرب كابلستان، بين غزنة وكابل، به يصيف أهل ألبان (معجم البلدان) : 2/ 144، موضع رقم (3036) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 343 وأما ذهاب القوباء من وجه أبيض بن حمال [ (1) ] بمسح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجهه فخرّج محمد بن سعد، عن الواقدي عن الحميدي، عن فرح بن سعيد، عن عمه ثابت بن سعيد، عن أبيه، عن جده أبيض أنه كان بوجهه جدرة يعنى القوباء. وقد التمعت وجهه، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمسح وجهه فلم يمس من ذلك اليوم، ومنها أثر هكذا رواه البيهقي [ (2) ] . وأما برء جراحة خبيب بتفل المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها فخرّج البيهقي من حديث خلاد الواسطي، قال: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا المستلم بن سعيد، حدثنا خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب، عن أبيه عن جده، قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنا ورجل من قومي في بعض مغازيه، فقلنا: إنا نشتهي معك مشهدا. قال: أسلمتم، قلنا: لا قال: فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين، فأسلمت وشهدت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأصابني ضربة على عاتقي فخانتني، فتعلقت يديي فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتفل فيها وألزقها، فالتأمت، فبرأت، وقتلت الّذي ضربني، ثم تزوجت ابنة الّذي قتلته وكانت تقول: عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح، فأقول: لا عدمت رجلا أعجل أباك إلى النار [ (3) ] .   [ (1) ] لم أجد له ذكر فيما بين يدي من كتب التراجم. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 177. [ (3) ] سبق تخريجه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 344 قال كاتبه [ (1) ] : وخبيب هذا بخاء معجمه مضمومة، وبعدها باء مفتوحة معجمة بواحدة، وقد اختلف في اسم أبيه [ (2) ] ، فقيل إساف بهمزة وقيل يساف بياء آخر الحروف ابن عنبة بكسر العين، وفتح النون والباء الموحدة ابن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، أسلم بطريق بدر وما بعد، وتزوج حبيبة بنت خارجة بعد أبي بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ومات في خلافة عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو جد خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف.   [ (1) ] هو التقى المقريزي عليه رحمة اللَّه. [ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 345 وأما عدم شيب عمرو بن أخطب [ (1) ] بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يجمله اللَّه فخرّج أبو نعيم من حديث حسين بن واقد ويحيى الحماني، قالا: حدثنا أبو نهيك الأزدي قال: حدثني عمرو بن أخطب، قال: استسقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتيته بجمجمة وفيها ماء وفيها شعرة، فرفعتها فناولته فنظر إليّ، فقال: اللَّهمّ جمله، قال: فرأيته وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، وما في رأسه ولحيته شعرة بيضاء [ (2) ] . وخرّجه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا حسين بن واقد مثله، وقال: هو ابن أربع وتسعين سنة. وخرّجه البيهقي من طريق الإمام أحمد، قال: حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا عروة بن ثابت، حدثنا علباء بن أحمر، قال: حدثني أبو زيد الأنصاري قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لي: ادن مني، قال: فمسح بيده علي رأسي ولحيتي، ثم قال: اللَّهمّ جمله، وأدم جماله، قال: فبلغ بضعا ومائة سنة، وما في لحيته بياض إلا نبذ يسيرة، ولقد كان منبسط الوجه، ولم ينقبض وجهه حتى مات [ (3) ] . قال البيهقي: هذا إسناد صحيح موصول، قد رواه أيضا الحسين بن واقد، قال:   [ (1) ] هو عمرو بن أخطب بن رفاعة الأنصاري الخزرجي، أبو زيد، مشهور بكنيته، غزا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاث عشرة مرة، ومسح رأسه، وقال: اللَّهمّ جمله، ونزل البصرة، وروى عنه ابنه بشير، وآخرون، وحديثه في (صحيح مسلم) ، و (السنن) ، وهو ممن جاوز المائة. ويقال: إنه من بني الحارث بن الخزرج، بلغ مائة سنة ونيفا وما في رأسه ولحيته إلا نبذ من شعر أبيض، هو عزرة بن ثابت، روى عنه أنس بن سيرين، وأبو الخليل، وعلباء بن أحمر وتميم بن حويص، وأبو نهيك، وسعيد بن قطن. (الإصابة) : 4/ 599) ، ترجمة رقم (5763) ، (الإستيعاب) : 3/ 1162، ترجمة رقم (1889) . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 458، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعمرو بن أخطب، حديث رقم (384) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 211، باب ما جاء في شأن أبي زيد، عمرو بن أخطب الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ودعائه له، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 346 حدثنا أبو نهيك [الأزدي] [ (1) ] عن عمرو بن أخطب، وهو أبو يزيد، قال: استسقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتيته بإناء فيه ماء وفيه شعرة، فرفعتها ثم ناولته، فقال: اللَّهمّ جمله، قال: فرأيته ابن ثلاث وتسعين، وما في رأسه، ولحيته شعرة بيضاء [ (2) ] . قال ابن عبد البر: عمرو بن أخطب أبو زيد الأنصاري هو مشهور بكنيته، يقال إنه من بني الحارث بن الخزرج غزا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوات، ومسح على رأسه ودعا له بالجمال، فيقال إنه بلغ مائة سنة ونيفا ما في رأسه ولحيته إلا نبذ من شعر أبيض.   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 6/ 212، ثم قال بعقبة: وهو فيما ذكره أبو عبد اللَّه الحافظ فيما أنبأنى به قال: أنبأنا أبو العباس: القاسم بن القاسم السياري، حدثنا محمد بن موسى الباشاني، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، حدثنا الحسين بن واقد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 347 وأما أن عمرو بن الحمق [ (1) ] بلغ الثمانين ولم يبيض شعره بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم له   [ (1) ] هو عمرو بن الحمق- بفتح أوله وكسر الميم بعدها قاف، ابن كاهل، ويقال: الكاهن بن حبيب ابن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي الكعبي. قال ابن السكن: له صحبة، وقال أبو عمر: هاجر بعد الحديبيّة، وقيل: بل أسلم بعد حجة الوداع. والأول أصح. قال الحافظ ابن حجر: قد أخرج الطبراني من طريق صخر بن الحكم، عن عمه، عن عمرو بن الحمق قال: هاجرت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبينا أنا عنده ... فذكر قصة على، وسنده ضعيف وقد وقع في (الكنى) للحاكم أبي أحمد في ترجمة أبي داود المازني، من طريق الأموي، عن ابن إسحاق، ما يقتضي أن عمرو بن الحمق شهد بدرا. وجاء عن أبي إسحاق بن أبي فروة، أحد الضعفاء، قال: حدثنا يوسف بن سليمان عن جده معاوية، عن عمرو بن الحمق أنه سقى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لبنا- فقال: اللَّهمّ أمتعه بشبابه. فمرت ثمانون سنة لم ير شعرة بيضاء، يعنى أنه استكمل الثمانين، لا أنه عاش بعد ذلك ثمانين. قال أبو عمر: سكن الشام، ثم كان يسكن الكوفة، ثم كان ممن قام على عثمان مع أهلها، وشهد مع علي حروبه، ثم قدم مصر. فروى الطبراني وابن قانع من طريق عميرة بن عبد اللَّه المعافري، عن أبيه أنه سمع عمرو بن الحمق يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكر الجند العربيّ، قال عمرو: فلذلك قدمت عليكم مصر. وأخرج النسائي وابن ماجة، عن رواية رفاعة بن سواد عنه حديث: من أمن رجلا على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافرا. وروى عنه أيضا عبد اللَّه بن عامر المعافري، وجبير بن نفير الحضرميّ، وأبو منصور مولى الأنصار. وذكر الطبري عن أبي مخنف أنه كان من أعوان حجر بن عدي، فلما قبض زياد على حجر بن عدي، وأرسله مع أصحابه إلى الشام هرب عمرو بن الحمق. وذكر ابن حبان أنه توجه به إلى الموصل، فدخل غارا فنهشته حية فمات فأخذ عامل الموصل رأسه فأرسله إلى زياد، فبعث به إلى معاوية وذلك سنة خمسين. وقال خليفة: سنة إحدى وخمسين، وزاد أن عبد الرحمن بن عثمان الثقفي قتل بالموصل، وبعث برأسه. وقيل: بل عاش إلى أن قتل في وقعة الحرة سنة ثلاث وستين. قال ابن السكن: يقال إن معاوية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 348 فخرج أبو نعيم من حديث عبد الأعلى بن مسهر، قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثني إسحاق بن عبد اللَّه عن يوسف بن سليمان، عن جدته ميمونة ناثرة عن عمرو بن الحمق أنه سقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لبنا، فقال: اللَّهمّ أمتعه بشبابه، فمرت عليه ثمانون سنة، لم ير له شعرة بيضاء. وخرّجه ابن عساكر من طريق هشام بن عمار، قال: حدثنا يحيى بن حمزة الحضرميّ، حدثني إسحاق بن أبي فروة، حدثنا يوسف بن سليمان، عن جدته ميمونة، عن عمرو بن الحمق: أنه سقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لبنا ... الحديث. وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليهودي بالجمال فاسودت لحيته بعد بياضها فخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث محمد بن إبراهيم بن عزرة بن ثابت عن أبيه، عن عزرة بن ثابت الأنصاري، عن ثمامة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يهوديا أخذ من لحية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ جمله، فاسودت لحيته بعد ما كانت بيضاء [ (2) ] . وخرّج من طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة قال: حلب يهودي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ جمله، قال: فاسودّ شعره حتى صار أشد سوادا من كذا وكذا.   [ () ] أرسل في طلبه، فلما أخذ فزع، فمات، فخشوا أن يتهموا، فقطعوا رأسه، وحملوه إليه، ثم ذكر بسند جيد إلى أبي إسحاق السبيعي، عن هنيدة الخزاعي، قال: أول رأس أهدي في الإسلام، رأس عمرو بن الحمق، بعث به زياد الى معاوية. (الإصابة) : 4/ 632- 624، ترجمة رقم (5822) ، (الإستيعاب) : 3/ 1173- 1174، ترجمة رقم (1909) . [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 210، باب ما روى في شأن اليهودي الّذي أخذ من لحية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. [ (2) ] قال البيهقي بعقبة: له شاهد بإسناد مرسل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 349 قال معمر وسمعت غير قتادة يذكر أنه عاش نحوا من تسعين سنة، فلم يشب [ (1) ] . قال البيهقي: ورأيته في كتاب (المراسيل) لأبي داود مختصرا: إن يهوديا حلب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: اللَّهمّ جمله، فاسود شعره [ (2) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] (المرجع السابق) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 350 وأما تمتع السائب بن يزيد [ (1) ] بحواسه وسواد شعره بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم له فخرّج البخاري [ (2) ] من حديث إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا الفضل بن موسى عن الجعد بن عبد الرحمن، قال: رأيت السائب بن يزيد ابن أربع وتسعين جلدا معتدلا، فقال: قد علمت ما متعت سمعي وبصري إلا بدعاء   [ (1) ] هو السائب بن يزيد بن سعيد بن يمامة أو ثمامة، ويقال عائد بن الأسود الكندي أو الأزدي، وقيل: هو كناني، ثم ليثى، وقيل: هذلي، يعرف بابن أخت النمر، والنمر خال أبيه يزيد، وهو النمر بن جبل، ووهم من قال إنه النمر بن قاسط، وقال الزهري: هو أزدى، حالف بني كنانة، له ولأبيه صحبة. روى البخاري من طريق محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد، قال: حج أبي مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا ابن ست سنين. ومن طريق الزهري عنه، قال: خرجت مع الصبيان نتلقى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من تبوك. وفي الصحيحين أيضا من طريق محمد بن يوسف، عن السائب، أن خالته ذهبت به وهو وجع، فسمح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه، ودعا له وتوضأ وشرب من وضوئه، ونظر إلى خاتم النبوة. وأم السائب: أم العلاء بنت شريح الحضرمية، وكان العلاء بن الحضرميّ خاله. قال الزبيري: استعمله عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على سوق المدينة، وهو وسليمان بن أبي خيثمة، وعبد اللَّه بن عتبة بن مسعود. قال أبو نعيم: مات سنة اثنتين وثمانين، وقيل: بعد التسعين وقيل: سنة إحدى، وقيل: سنة أربع، وقال ابن أبي دواد: هو آخر من مات بالمدينة من الصحابة ووهم يعقوب بن سفيان فذكره فيمن قتل يوم الحرة. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 2/ 576- 577، ترجمة رقم (902) ، (الإصابة) : 3/ 26- 28 ، ترجمة رقم (3079) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 695، كتاب المناقب، باب (21) بدون ترجمة حديث رقم (3540) . وأخرج في باب (22) خاتم النبوة، حديث رقم (3541) ، ولفظه: حدثنا محمد بن عبد اللَّه، حدثنا حاتم عن الجعد بن عبد الرحمن قال: سمعت السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول اللَّه، فقالت: يا رسول اللَّه- إن ابن أختي وقع فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، وتوضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 351 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن خالتي ذهبت بي إليه، فقالت: يا رسول اللَّه، إن ابن أختي شاك، فادع اللَّه له، فدعا لي. وخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث عكرمة بن عمارة، قال: حدثنا عطاء مولى السائب قال: كان رأس السائب أسود من هذا المكان ووصف بيده أنه كان أسود الهامة أي مقدم رأسه، وكان سائر مؤخرة لحيته وعارضاه أبيض. فقال: يا مولاي ما رأيت أحدا أعجب شعرا منك، قال: وما تدري [يا بني] لم ذاك؟ إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مر بي وأنا مع الصبيان، فقال: من أنت؟ قلت: السائب بن يزيد أخو النمر، فمسح يده على رأسي، وقال: بارك اللَّه فيك، فهو لا يشيب أبدا.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 209، باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم للسائب بن يزيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وما ظهر فيه ببركة دعائه من الآثار، ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) ، وقال: أخرجه الطبراني في (الكبير) ، ورجال (الكبير) رجال الصحيح، غير عطاء مولى السائب، وهو ثقة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 352 وأما عدم شيب موضع يد الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم من رأس محمد بن أنس [ (1) ]   [ (1) ] هو محمد بن أنس بن فضالة بن عبيد بن يزيد بن قيس بن ضبيعة بن الأصرم بن جحجبي بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي. ذكره في الصحابة، وقال: قال لي يحيى بن موسى، عن يعقوب بن محمد، أنبأنا إدريس بن محمد بن يونس بن محمد ابن أنس الظفري، حدثني جدي عن أبيه، قال: قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وأنا ابن أسبوعين، فأتى بي إليه، فمسح برأسي، وحج بى حجة الوداع، وأنا ابن عشر سنين، وقال: دعا لي بالبركة، وقال: سموه باسمي، ولا تكنوه بكنيتي. وقال يونس: ولقد عمّر أبى حتى شاب كل شيء فيه، ومات وما شاب موضع يد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من رأسه. وكذا أخرجه مطين، عن أبي أمية الطرسوسي، وعن يعقوب بن محمد- هو الزهري به. واختصره ابن أبي حاتم، فقال: محمد ابن أنس بن فضالة، قال: السكن مطولا من وجه أخر، عن يعقوب بن محمد بهذا السند، لكن قال: محمد بن فضالة، فنسب محمد إلى جده. قال ابن شاهين: سمعت عبد اللَّه بن سليمان بن الأشعث يقول: محمد بن أنس بن فضالة، هو الّذي كان تصدق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بماله وابن مندة، من طريق سفيان بن حمزة، عن عمرو بن أبي فروة، عن مشيخة أهل بيته، قال: قتل أنس بن فضالة يوم أحد، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمحمد بن أنس بن فضالة فتصدق عليه بعتق لا يباع ولا يوهب. قال ابن مندة: لا يروي إلا بهذا الإسناد محمد بن فضالة عن أبيه- وكان أبوه ممن صحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هو وجده: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أتاهم في بني ظفر. ووصله البغوي عن أبي كامل، وهو فضيل بن حسين، والصلت بن مسعود كلاهما عن فضيل بن سليمان بهذا، وزاد فجلس على صخرة ومعه ابن مسعود ومعاذ، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قارئا فقرأ، حتى إذا بلغ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً بكى بكر حتى اضطرب لحياه، وقال: رب على هؤلاء شهدت، فكيف بمن لم أره. وهكذا أخرجه ابن شاهين عن البغوي، وقال: قال البغوي: لا أعلم روى محمد بن فضالة غير هذا الحديث. وفرق البغوي وابن شاهين وابن قانع وغيرهم بين محمد بن أنس بن فضالة، وبين محمد بن فضالة، والراجح أنهما واحد: لكن قال ابن شاهين أنس ابن فضالة شهد فتح مكة والمشاهد بعدها. واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. (الإصابة) : 6/ 4- 5، ترجمة رقم (7762) ، (الإستيعاب) : 3/ 365، ترجمة رقم (317) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 353 فخرّج البخاري في (التاريخ) [ (1) ] على ما أورده البيهقي [ (2) ] من حديث يحيي بن موسى، عن يعقوب بن محمد [بن إبراهيم الفارسيّ] قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد اللَّه الأصبهاني قال: [ (3) ] أنبأنا إدريس بن محمد بن يونس ابن محمد بن أنس بن فضالة الظفري قال: حدثني جدي يونس عن أبيه قال: قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وأنا ابن أسبوعين، فأتى بي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فمسح رأسي وحج بي حجة الوداع، وأنا ابن عشر سنين، ودعا لي بالبركة، وقال: سموه باسمي ولا تكنوه بكنيتي قال: قال يونس: فلقد عمر أبي حتى شاب كل شيء من أبي، وما شاب موضع يد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من رأسه ولحيته.   [ (1) ] (تاريخ البخاري) : 1/ 1/ 16. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 213- 214، باب ما جاء في مسحه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأس محمد بن أنس، وحنظلة وعينهما، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 354 وأما تبين بركة يد حنظلة بن حذيم [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بدعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه بالبركة فخرّج البيهقي من حديث أبي القاسم البغوي، قال: حدثنا هارون بن عبد اللَّه أبو موسى حدثنا محمد بن سهل بن مروان، حدثنا الذيال بن عسكر بن   [ (1) ] هو حنظلة بن حذيم بن حنيفة التميمي، ويقال: الأسدي، أسد خزيمة، ويقال له: المالكي، ومالك بطن من بني أسد بن خزيمة. له ولأبيه ولجده صحبه، وقد قال فيه العقيلي في رواية حنظلة بن حنيفة بن حذيم فقلبه. وقد حكى البخاري ذلك عن بعض الرواة. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بنى هاشم، حديثا الذيال بن عبيد، سمعت جدي حنظلة بن حذيم، حدثني أبي أن جدي حنيفة قال لحذيم: اجمع لي بني، فأوصاهم، فقال: إنّ ليتيمي الّذي في حجري مائة من الإبل. فقال حذيم: يا أبت، إني سمعت بنيك يقولون: إنما نقر بهذا لتقر عين أبينا، فإذا مات رجعنا، فارتفعوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجاء حنيفة وحذيم ومن معهما ومعهم حنظلة وهو غلام وهو رديف أبيه حذيم- فقص حنيفة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قصته، قال: فغضب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فجثا على ركبتيه، وقال: لا، لا الصدقة خمس، وإلا فعشر، وإلا فعشرون، وإلا فثلاثون، فإن كثرت فأربعون. قال: فودعوه ومع اليتيم هراوة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عظمت هذه هراوة يتيم. فقال حذيم: إن لي بنين ذوي لحي، وإن هذا أصغرهم- يعنى حنظلة- فادع اللَّه له، فمسح رأسه وقال: بارك اللَّه فيك. أو قال: بورك فيك. قال الذيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالإنسان الوارم وجهه، فيتفل على يديه ويقول: بسم اللَّه، ويضع يده على رأسه موضع كف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيمسحه، ثم يمسح موضع الورم، فيذهب الورم. ورواه الحسن بن سفيان في (مسندة) من وجه آخر عن الذيال، وزاد أن اسم اليتيم: ضريس بن قطيعة، وأنه كان شبيه المحتلم. ورواه الطبراني بطوله منقطعا، ورواه أبو يعلى من هذا الوجه، وليس بتمامه، وكذا رواه يعقوب بن سفيان والمنجنيقى في (مسندة) وغيرهم. وأخرج له الحسن بن سفيان والباوردي وابن السكن من طريق مسلم بن قتيبة عن الذيال: سمعت جدي حنظلة سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا يتم بعد احتلام، ولا تصلي جارية إذا هي إلا بخمار. (الإصابة) : 2/ 132- 134 ، ترجمة رقم (1857) ، (الاستيعاب) : 2/ 382، ترجمة رقم (550) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 355 حنظلة بن حذيم بن حنيفة قال: سمعت جدي حنظلة يحدث أبي وأعمامه أن حنيفة جمع بنيه. فذكر الحديث في وصيته، وقدومه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه حذيم وحنظلة، وفي آخره قال: بأبي أنت وأمي، أنا رجل ذو بنين [ (1) ] هذا ابني حنظلة، فسمّت عليه [ (2) ] . فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا غلام وأخذ بيده، فمسح رأسه، وقال له: بورك فيك، أو قال: بارك اللَّه فيك، ورأيت حنظلة يوما بالشاة الوارم ضرعها والبعير والإنسان به الورم فيتفل في يده ويمسح بصلعته، ويقول: بسم اللَّه على أثر يد رسول اللَّه، فيمسحه فيذهب عنه [ (3) ] . وخرّج من طريق البخاري في (التاريخ) [ (4) ] قال: حنطلة بن حذيم، قال يعقوب بن إسحاق حنظلة بن حنيفة بن حذيم، قال: قال حذيم: يا رسول اللَّه إني رجل ذو بنين، وهذا أصغر بني، فسمت عليه. قال: فقال: يا غلام فأخذ بيده ومسح برأسه، وقال: بارك اللَّه فيك أو بورك فيك، فرأيت حنظلة يؤتي بالإنسان الوارم، فيمسح بيده ويقول: بسم اللَّه فيذهب الورم. وخرّجه الإمام أحمد [ (5) ] من حديث أبي سعيد مولى بني هاشم، حدثنا ذيال ابن عتيك فذكره بطوله إلى أن قال: فدنا أبي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إن لي بنين ذوي لحي، ودون ذلك وإن ذا أصغرهم فادع اللَّه له، فمسح رأسه، وقال: بارك اللَّه فيك أو بورك فيك. قال ذيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتي بالإنسان   [ (1) ] في (الأصل) : ذو بنين، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] فادع له. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 213- 214، باب ما جاء في مسحه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأس محمد بن أنس، وحنظلة بن حنيفة التيمي، وعينيهما، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. [ (4) ] (التاريخ الكبر) 2/ 1/ 37. [ (5) ] (مسند أحمد) : 6/ 62، حديث رقم (20142) بقية حديث حنظلة بن حذيم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو حديث طويل، اكتفى المقريزي- رحمه اللَّه تعالى- على ما يشهد به منه لأحاديث الباب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 356 الوارم وجهه أو بالبهيمة الوارمة الضرع، فيتفل على يده، ويقول: بسم اللَّه ويضع يده ويقول على موضع كف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيمسحه عليه، فيذهب الورم. وقال أبو عمر بن عبد البر: حنظلة [ (1) ] بن حذيم بن حنيفة أبو عتيبة الحنفي من بني حنيفة، ويقال: حنظلة بن حنيفة بن حذيم التميمي السعدي. هكذا قال العقيلي، وقال البخاري [ (2) ] : حنظلة بن حذيم، ولم ينسبه، قال: وقال يعقوب بن إسحاق: عن حنظلة بن حنيفة بن حذيم، قال: قال حذيم: يا رسول اللَّه إن حنظلة أصغر بني ... الحديث، هكذا ذكره البخاري ولم يجوده.   [ (1) ] (الاستيعاب) : 2/ 382، ترجمة رقم (550) . [ (2) ] (التاريخ الكبير) : 2/ 1/ 73. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 357 وأما سلامة موضع يد المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم من رأس أبي سفيان مدلوك [ (1) ] فلم يشب دون سائر رأسه فخرّج البخاري في (التاريخ) [ (2) ] على ما أورده البيهقي، عن سليمان بن عبد الرحمن، عن مطر بن العلاء الفزاري، عن عمته وقطعة مولاة لهم قالتا: سمعنا أبا سفيان واسمه مدلوك أنه ذهب إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلم، ودعا له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومسح رأسه بيده، ودعا له بالبركة فكان مقدم رأس أبي سفيان أسود مما مسته يد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وسائره أبيض.   [ (1) ] هو مدلوك الفزاري، مولاهم، أبو سفيان، قال ابن أبي حاتم: له صحبة، وذكره محمد بن سعد فيمن نزل الشام من الصحابة، وذكره السبرديجى في (الأسماء المفردة من الصحابة) . وأخرج البخاري في (التاريخ الكبير) ، وابن سعد، والبغوي، والطبراني، من طريق مطر ابن العلاء الفزاري، وحدثتني عمتي آمنه أو أمية بنت الشعثاء، وقطبة مولاة لنا، قالتا: سمعنا أبا سفيان، وزاد البغوي في روايته مدلوكا، يقول: ذهب بي مولاي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلمت، فدعا لي بالبركة، ومسح رأسي بيده، قالت: فكان مقدم رأس أبي سفيان أسود مما مسه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسائره أبيض! وأخرجه ابن مندة وأبو نعيم من وجه آخر عن مطر: فقال في السند: عن آمنة، بالنون، ولم يشك. وقال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) في ترجمة ضمضم بن قتادة: ومن طريق مطر بن العلاء عن عمته قطبة بنت هرم بن قطبة، أن مدلوكا حدثهم أن ضمضم ابن قتادة ولد له مولود أسود من امرأة من بني عجل، فأوجس لذلك، فشكا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: فيها الأحمر، والأسود وغير ذلك. قال: فأنى ذلك؟ قال: عرق نزع، قال: وهذا عرق نزع ذلك. قال: فقدم عجائز من بنى عجل فأخبرن أنه كان للمرأة جدة سوداء. قال أبو موسى في (الذيل) : إسناده عجيب. قال الحافظ: أصل القصة في الصحيحين من حديث أبي هريرة من غير تسمية الرجل ولا الزيادة التي في آخره، واستدركه ابن فتحون أيضا من هذا الوجه. (الإصابة) : 3/ 493- 494، ترجمة رقم (4202) ، 6/ 62- 63، ترجمة رقم (8765) ، 7/ 181، ترجمة رقم (10024) ، (الاستيعاب) : 4/ 1680، ترجمة رقم (3007) . [ (2) ] (التاريخ الكبير) : 4/ 2/ 55. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 358 وخرّجه البيهقي [ (1) ] من طريق علي بن حجر قال: أخبرنا مطر بن العلاء الفزاري قال: حدثتني عمتي آمنة بنت أبي الشعثاء عن مدلوك أبي سفيان فذكره [ (2) ] ، وقال ابن عبد البر [ (3) ] : أبو سفيان مدلوك ذهب مع مولاه إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم معه، ومسح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم برأسه ودعا له بالبركة، فكان مقدم رأسه ما مسّ منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أسود وسائره أبيض.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 215. [ (2) ] ثم قال الحافظ البيهقي عقب ذلك: وأخبرناه أبو عبد اللَّه الحافظ قال: انبأنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، حدثنا الحسين بن محمد بن زياد القباني، قال: ذكر على بن حجر فيما كتب به إلينا، قال: أنبأنا فطر بن العلاء الفزاري، قال: حدثتني عمتي آمنة بنت أبي الشعثاء، عن مدلوك أبي سفيان. [ (3) ] (الإستيعاب) : 4/ 1680، ترجمة رقم (3007) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 359 وأما سلامة عبد اللَّه بن عتبة [ (1) ] وذريته من الهرم بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم له بالبركة ولذريته رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث الفضل بن عون المسعودي أبي حمزة قال: حدثتني أم عبد الرحمن بنت حمزة بن عبد اللَّه عن جدتها، وكانت أم ولد عبد اللَّه بن عتبة، قالت: قلت لسيدي عبد اللَّه بن عتبة: أيش تذكر عن [ (3) ] النبي   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود الهذلي، ابن أخي عبد اللَّه بن مسعود أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عبيد اللَّه بالتصغير. كان صغيرا على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد حفظ عنه يسيرا، قال أبو عمر: ذكره العقيلي في (الصحابة) ، وغلط، وإنما هو تابعي، قال الحافظ ابن حجر: المعروف أن أباه مات في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وذكر ابن البرقي فيمن أدرك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يثبت عنه رواية، ولم يزد البخاري في ترجمته على قوله: سمع عمر. يروى عن حميد بن عبد الرحمن، وذكره ابن سعد فيمن ولد على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم روى بسند صحيح إلى الزهري، أن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- استعمله على السوق. قال الحافظ: ولهذا ذكرته في هذا القسم لأن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لا يستعمل صغيرا، لأنه مات بعده بثلاث عشرة سنة وتسعة أشهر، فأقل ما يكون عبد اللَّه أدرك من حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ست سنين، فكأن هذا عمدة العقيلي في ذكره في (الصحابة) ، وقد اتفقوا على ثقته. وروى عنه عمه، وعمر، وعمار، وغيرهم، وروى عنه ابناه: عبيد اللَّه وهو الفقيه المشهور، وعوف، والشعبي، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو إسحاق السبيعي، ومحمد بن سيرين وآخرون. وقال ابن سعد: كان رفيعا أي رفيع القدر، كثير الحديث والفتيا، فقيها. وقال ابن حبان في (الثقات) : كان يؤم الناس بالكوفة، ومات في ولاية بشر بن مروان على العراق سنة أربع وسبعين. وقيل: سنة ثلاث (الإصابة) : 4/ 166- 167 ، ترجمة رقم (4816) ، (طبقات ابن سعد) : 6/ 282، (الثقات) : 5/ 17. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 215. [ (3) ] في (الأصل) : «من» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 360 صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: أذكر أني غلام خماسي أو سداسي [ (1) ] أجلسني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجره، ودعا لي ولولدي بالبركة، قالت جدتي: فنحن نعرف ذلك أنا لا نهرم [ (2) ] . قال كاتبه: [ (3) ] هو عبد اللَّه بن عتيبة بن مسعود ابن أخي عبد اللَّه بن مسعود. قال ابن عبد البر [ (4) ] : ذكره العقيلي في الصحابة فغلط، وإنما هو تابعي من كبار التابعين بالكوفة، وهو والد عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة الفقيه المدني الشاعر شيخ ابن شهاب. روي عنه ابنه عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، وحميد بن عبد الرحمن، ومحمد بن سيرين، وروي ابنه حمزة بن عبد اللَّه بن عتبة، قال: أذكر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وضع يده علي رأسي. قال: وذكره البخاري في التابعين، وإنما ذكره العقيلي في (الصحابة) لحديث حدثه به محمد بن إسماعيل الصايغ، عن سعيد بن منصور، عن خديج ابن معاوية أخي زهير بن معاوية عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود قال: بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلي النجاشي نحوا من ثمانين رجلا منهم ابن مسعود، وجعفر بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن أبي عرفطة، وأبو موسى الأشعري وعثمان بن مظعون، فقال جعفر: أنا خطيبكم اليوم. الحديث. قال أبو عمر: لو صحّ هذا الحديث لثبتت هجرة عبد اللَّه بن عتبة إلى أرض الحبشة، ولكنه وهم وغلط، والصحيح فيه أن أبا إسحاق رواه عن عبد اللَّه ابن عتبة، عن ابن مسعود قال: بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلي أرض النجاشي، ونحن نحوا من ثمانين رجلا منهم: ابن مسعود وجعفر ... الحديث، ولعل الوهم أن يكون دخل على من قال ذلك، لما في الحديث، منهم: ابن مسعود، وليس   [ (1) ] ابن خمس سنين أو ست سنين. [ (2) ] من الهرم، وهو الكبر. [ (3) ] هو التقى المقريزي رحمة اللَّه عليه. [ (4) ] (الاستيعاب) : 3/ 945- 946، ترجمة رقم (1603) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 361 بمشكل عند أحد من أهل هذا الشأن أن عبد اللَّه بن عتبة ليس ممن أدرك زمن الهجرة إلي النجاشي. انتهى كلام ابن عبد البر. وقد خرّج لعبد اللَّه بن عتبة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة، وعده المزني والذهبي في الصحابة، وقالا: رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو خماسي أو سداسي. وأما سلامة عمرو بن ثعلبة [ (1) ] من الشيب بلمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجهه بيده المقدسة فخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث أبي القاسم البغوي قال: حدثنا أحمد بن عباد الفرغاني، حدثنا يعقوب بن محمد، حدثنا وهب بن عطاء بن يزيد الجهنيّ قال: حدثني الوضاح بن سلمة الجهنيّ عن أبيه، عن عمرو بن ثعلبة الجهنيّ قال: لقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلمت ومسح على وجهي، فمات عمرو بن ثعلبة، وقد أتت عليه مائة سنة، وما شاب منه شعرة مستها يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من وجهه ورأسه.   [ (1) ] هو عمر بن ثعلبة الجهنيّ أو الخشنيّ، ثم الزهري، قال ابن السكن: له صحبة، وروى البغوي، وابن السكن، وابن مندة، من طريق الوضاح بن سلمة الجهنيّ، عن أبيه، عنه، قال: لقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسيالة [مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة] ، فأسلمت فمسح على وجهي، فمات عمرو بن ثعلبة عن مائة سنة، وما شابت منه شعرة. وقال ابن مندة: لا يعرف إلا من هذا الوجه، قال الحافظ ابن حجر: وفي إسناده من لا يعرف. وقد خلطة ابن مندة بالذي قبله، فوهم. (الإصابة) : 4/ 610- 611، ترجمة رقم (5791) ، (الإستيعاب) : 3/ 168، ترجمة رقم (1901) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 215- 216، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 362 واما أن موضع مس يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من رأس مالك بن عمير [ (1) ] ووجهه لم يشب فقال البيهقي: روينا عن مالك بن عمير الشاعر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وضع يده على رأسه، ثم على وجهه، ثم على صدره، ثم على بطنه، ثم عمر مالك حتى شاب رأسه ولحيته، وما شاب موضع يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . وقال أبو عمر بن عبد البر: مالك بن عمير السلمي، شهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الفتح وحنينا والطائف، وكان شاعرا [ (3) ] .   [ (1) ] هو مالك بن عمير السلمي الشاعر، ذكره البغوي وغيره في الصحابة، وأخرج هو والحسن بن سفيان والطبراني من طريق يعقوب بن محمد الزهري، عن واصل بن يزيد بن واصل السلمي، ثم الناصري، حدثنا أبي وعمومتي عن جدي مالك بن عمير، قال: شهدت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الفتح وحنينا والطائف: فقلت: يا رسول اللَّه، إني امرؤ شاعر، فأفتنى في الشعر، فقال: لأن يمتلئ ما بين لبتك إلى عاتقك قيحا خير لك من أن يمتلئ شعرا! قلت: يا رسول اللَّه، فامسح عنى الخطيئة. قال: فمسح يده على رأسي، ثم أمرها على كبدي ثم على بطني، حتى إني لأحتشم من مبلغ يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فلقد كبر مالك حتى شاب رأسه. ولحيته، ثم لم يشب موضع يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من رأسه ولحيته. وفي رواية البغوي: فإن كان ولا بد منه فشبب بامرأتك، وامدح راحلتك. قال: فما قلت بعد ذلك شعرا. وأخرجه ابن مندة من هذا الوجه مختصرا. وأخرج الطبراني في (الأوسط) ، من طريق سعيد بن عبيد القطان، عن واصل بن يزيد به، ولكن لم يقل: عن جدي، وإنما قال: عن مالك، وقال: لا يروى عن مالك إلا بهذا الإسناد. تفرد به سعيد، كذا قال، ورواية يعقوب ترد عليه. وذكره المرزباني في (معجم الشعراء) وقال: له خبر مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكأنه أشار إلى هذا الحديث، قال: وهو القائل: ومن يفتزع ما ليس من سوس نفسة ... فدعه ويغلبه على النفس خيمها (الإصابة) : 5/ 740- 741، ترجمة رقم (7676) ، و (الاستيعاب) : 3/ 1356، ترجمة رقم (2287) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 216. [ (3) ] (الاستيعاب) : 3/ 1356، ترجمة رقم (2287) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 363 أما طيب رائحة عتبة بن فرقد [ (1) ] بمسح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده على ظهره وبطنه فقال البيهقي [ (2) ] : وروينا عن حصين بن عبد الرحمن عن أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد أن عتبة بن فرقد كان لا يزيد على أن يدهن رأسه ولحيته، وكان أطيبنا ريحا، فسألته فذكر عتبة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما شكا إليه، أخذ إزار عتبة فوضعه، على فرجه، ثم بسط يديه، ونفث فيها، ومسح إحداهما على ظهره، والأخرى على بطنه، قال: فهذه الريح من ذلك. وقال ابن عبد البر [ (3) ] : عتبة بن فرقد السلمي أبو عبد اللَّه له صحبة ورواية، وكان أميرا لعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على فتوحات العراق.   [ (1) ] هو عتبة بن فرقد بن يربوع بن حبيب بن مالك بن أسعد بن رفاعة السلمي أبو عبد اللَّه. وقال ابن سعد: يربوع هو فرقد. وروى أبو المعافي في (تاريخ الموصل) ، من طريق هشيم، عن حصين، أنه شهيد خيبر، وقسم له منها فكان يعطيه لبني أخواله عاما، ولبني أعمامه عاما، وقال: وكان حصين من أقربائه، وإن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولاه في الفتوح الموصل سنة ثمان عشرة مع عياض بن غنم. وروى شعبة عن حصين، عن امرأة عتبة بن فرقد وأن عتبة غزا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوتين. وروى الطبراني في (الصغير) ، و (الكبير) ، من طريق أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد، قال: أخذني الشري على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمرني فتجردت، فوضع يده على بطني وظهري، فعبق بى الطيب من يومئذ. وقالت أم عاصم: كنا عنده ثلاث أو أربع نسوة، فكنا نجتهد في الطيب، وما كان يمس الطيب. وإنه لأطيب منا. وقال أبو عثمان النهدي: جاءنا كتاب عمر ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد. وأخرجاه ونزل عتبة بعد ذلك الكوفة ومات بها. (الإصابة) : 4/ 439- 440، ترجمة رقم (5416) ، (طبقات ابن سعد) : 6/ 26. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 216. [ (3) ] (الاستيعاب) : 3/ 1029، ترجمة رقم (1765) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 364 قال: وينسبونه عتبة بن يربوع بن حبيب بن مالك وهو فرقد بن سعد رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سليم السلمي أمه آمنة بنت عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف. ثم ذكر من حديث ابن وضاع قال: حدثنا محمد بن فروخ، حدثنا علي ابن عاصم حدثنا حصين بن عبد الرحمن قال: حدثتني أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد، [قالت: كنا عند عتبة بن فرقد] ثلاث [نسوة] ما منا واحدة إلا وهي تجتهد في التطيب لتكون أطيب ريح من صاحبتها، وما يمسّ عتبة طيبا إلا أن يلتمس دهنا، وكان أطيب ريح منا، فقلت له في ذلك، فقال: أصابني الشري على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأقعدني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين يديه، وتجردت وألقيت ثيابي على عورتي، فنفث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في كفه ثم دلك بها ثم والأخرى، أمرهما على ظهري وبطني فعبق به ما ترون. وروى عن شعبة عن حصين، عن امرأة عتبة بن فرقد أنه غزا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوتين. وخرّج هذا الحديث أبو القاسم الطبراني من حديث آدم بن أبي إياس قال: حدثنا شيبان وورقاء، عن حصين بن عبد الرحمن قال: حدثني أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد السلمي قالت: كنا عند عتبة أربع نسوة ما منا امرأة إلا وهي تجتهد في الطيب لتكون أطيب من صاحبتها، وما يمس عتبة الطيب إلا أن يمس دهنا يمسح به لحيته، وهو أطيب ريحا منا. وكان إذا خرج إلى الناس قالوا: ما شممنا أطيب من ريح عتبة، فقلت له يوما: إنا لنجتهد في الطيب، ولأنت أطيب ريح منا. فمم ذلك؟ قال: أخذني الشري على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فشكوت ذلك إليه، فأمرني أن أتجرد، فتجردت وقعدت بين يديه، وألقيت ثوبي على فرجي، فنفث في يده، ثم مسح يده على ظهري وبطني، فعبق على هذا الطيب من يومئذ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 365 وأما وضاءة وجه قتادة بن ملحان [ (1) ] بمسح المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم له فخرّج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن أبي العلاء قال: كنت عند قتادة بن ملحان في مرضه الّذي مات فيه، فمر رجل في مؤخر الدار، فرأيته في وجه قتادة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مسح وجهه، قال: كنت قل ما رأيته إلا رأيته كان على وجهه الدهان.   [ (1) ] هو قتادة بن ملحان القيسي، قال البخاري وابن حبان: له صحبة، يعد في البصريين، روى همام عن أنس بن سيرين، عن عبد الملك بن قتادة بن ملحان عن أبيه، وقال أبو الوليد: وهم فيه ابن سعد، فقال عبد الملك بن المنهال عن أبيه. قال الحافظ ابن حجر: ومتن الحديث في صوم أيام البيض أخرجه أبو دواد من طريق همام أيضا، والبغوي، وأخرج ابن شاهين من طريق سليمان، عن حيان بن عمرو، قال: مسح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وجه قتادة بن ملحان، ثم كبر، فبلى منه كل شيء غير وجهه: قال فحضرته عند الوفاة، فمرت امرأة فرأيتها في وجهه كما أراها في المرآة روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، روى عنه ابنه عبد الملك، وأبو العلاء بن الشخير، ووقع في بعض الطرق: عبد الملك بن قدامة، بدل قتادة، وفي بعضها: ابن المنهال، والأول أصوب. (الإصابة) : 5/ 416، ترجمة رقم (7079) ، و (الإستيعاب) : 3/ 1274، ترجمة رقم (2106) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 5/ 664، حديث رقم (19806) ، من حديث قتادة بن ملحان، 6/ 18، حديث رقم (20239) ، (20240) ، من حديث المهاجر بن قنفذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 217، باب ما روى في شأن قتادة بن ملحان، وما ظهر على وجهه ببركة مسح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إياه من النور، من حديث معتمر بن سليمان وعبد اللَّه بن أحمد حنبل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 366 وأما تمتع النابغة [ (1) ] بأسنانه وقد نيف على المائة عام بدعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم له بذلك   [ (1) ] هو النابغة الجعديّ الشاعر المشهور المعمر، اختلف في اسمه، فقيل: هو قيس بن عبد اللَّه بن عبس بن ربيعة بن جعدة، وقيل بدل عدس: وحوح. وجعدة هو ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وقيل: سمى النابغة عبد اللَّه، وقيل: حبان بن قيس بن عبد اللَّه بن قيس، وقيل بتقديم قيس على عبد اللَّه وبه جزم القحذمي، وأبو الفرج الأصبهاني، وبالأول جزم ابن الكلبي، وأبو حاتم السجستاني، وأبو عبيدة، ومحمد بن سلام الجمحيّ، وغيرهم، وحكاه البغوي عنه، وحكى أبو الفرج الأصبهاني أنه غلط، لأنه كان له أخ اسمه وحوح بن قيس قتل في الجاهلية، فرثاه النابغة. قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون وحوح أخاه لأمه، وقد أخرج الحسن بن سفيان في مسندة عن أبى وهب الوليد بن عبد الملك، عن يعلى بن الأشدق: حدثني قيس بن عبد اللَّه بن عدس بن ربيعة، نابغة بنى جعدة، فذكر حديثا، قال أبو الفرج: أقام مدة لا يقول الشعر، ثم قاله، فقيل: نبغ، وقيل: كان يقول الشعر ثم تركه في الجاهلية ثم عاد إليه بعد أن أسلم فقيل: نبغ. وقال القحذمي: كان النابغة قديما شاعرا مغلقا طويل العمر في الجاهلية وفي الإسلام، قال: وكان أسنّ من النابغة الذبيانيّ، ومن شعره الدال على طول عمره: ألا زعمت بنو أسد بأنى ... أبو ولد كبير السن فاني فمن يك سائلا عنى فإنّي ... من الفتيان أيام الخنان أتت مائة عام ولدت فيه ... وعشر بعد ذاك وحجتان وقد أبقت صروف الدهر منى ... كما أبقت من السيف اليماني وقال أبو حاتم السجستاني في كتاب (المعمرين) : عاش مائتي سنه، وهو القائل: قال أمامة كم عمرت زمانة ... وذبحت من عتر على الأوثان ولقد شهدت عكاظ قبل محلها ... فيها وشهدت يوم هجائن النعمان والمنذر بن محرق في ملكه ... وشهدت يوم هجائن النعمان وعمرت حتى جاء أحمد بالهدى ... وقوارع تتلى من القرآن ولبست في الإسلام ثوبا واسعا ... من سيب لا حرم ولا منان قال ابن عبد البر: استدلوا بهذا على أنه كان أسن من النابغة الذبيانيّ لأنه ذكر أنه شهد المنذرين بن محرق، والنابغة إنما أدرك النعمان بن المنذر، وتقدمت وفاة النابغة الذبيانيّ قبله الجزء: 11 ¦ الصفحة: 367   [ () ] بمدة ولذلك كان يظن أن النابغة الذبيانيّ أكبر من الجعديّ. وذكر عمر بن شبة عن أشياخه أنه عمر مائة وثمانين سنة، وأنه أنشد عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لبست أناسا فأفنيتهم ... وأفنيت بعد أناس أناسا ثلاثة أهلين أفنيتهم ... وكان الإله هو المستآسا فقال له عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: كم لبثت مع كل أهل؟ قال: ستين سنة، وقال ابن قتيبة: عمر بعد ذلك الى زمن ابن الزبير، ومات بأصبهان وله مائتان وعشرون سنة، وذكر المرزباني نحوه إلا قدر عمره، وزاد أنه كان من أصحاب على وله مع معاوية أخبار، وعن الأصمعي أنه عاش مائتين وثلاثين سنة. وروينا في كتاب الحاكم من طريق النضر بن شميل، أنه سئل عن أكبر شيخ لقيه المنتجع الأعرابي، قال: قلت له: من أكبر من لقيت؟ قال: النابغة الجعديّ، قال: قلت له: كم عشت في الجاهلية؟ قال: دارين. قال النضر: يعني مائتي سنة، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كان النابغة ممن فكر في الجاهلية، وأنكر الخمر والسكر، وهجر الأزلام، واجتنب الأوثان، وذكر دين إبراهيم، وهو القائل القصيدة التي فيها: الحمد للَّه لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما قال أبو عمر: في هذه القصيدة ضروب من التوحيد، والإقرار بالبعث، والجزاء، والجنة، والنار، على نحو شعر أمية بن أبي الصلت، وقد قيل: إنها لأمية، لكن صحح حماد الراوية، ويونس بن حبيب، ومحمد بن سلام الجمحيّ، وعلى بن سليمان الأخفش للنابغة قرأت على عليّ بن محمد الدمشقيّ بالقاهرة، عن سليمان بن حمزة، أنبأنا أبو النصر الطوسي، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا دواد بن رشيد، حدثنا يعلي بن الأشدق، قال: سمعت النابغة الجعديّ يقول: أنشدت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال: أين المظهر يا أبا ليلى؟ قلت: الجنة. قال: أجل- إن شاء اللَّه تعالى، ثم قال: ولا خير في حلم إذا لم يكن له بوادر تحمى صفوه أن يكدّرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 368   [ () ] فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يفضض اللَّه فاك، مرتين، وهكذا أخرجه البزار، والحسن بن سفيان في (مسنديهما) ، وأبو نعيم في (تاريخ أصبهان) ، والشيرازي في (الألقاب) ، وكلهم من رواية يعلي بن الأشدق، قال: وهو ساقط الحديث. قال أبو نعيم: رواه عن يعلى جماعة، منهم هاشم بن القاسم الحراني، وأبو بكر الباهلي: فقد وقعت لنا قصة في غريب الحديث للخطابي: وفي كتاب (العلم) للمرهبى، وغيرهما، ومن طريق مهاجر بن سليم، عن عبد اللَّه بن جراد: سمعت نابغة بنى جعدة يقول: أنشدت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قولي: علونا السماء مجدنا وجدودنا البيت فغضب صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: أين المظهر يا أبا ليلى؟ قلت: الجنة، قال: أجل- إن شاء اللَّه- ثم قال: أنشدني من قولك. فأنشدته البيتين: ولا خير في حلم إذا لم يكن له فقال لي: أجدت، ولا يفضض اللَّه فاك، فرأيت أسنانه كالبرد المنهل، فما انقصمت له سنّ، ولا انفلت، ورويناه في (المؤتلف والمختلف) للدارقطنيّ، وفي (الصحابة) لابن السكن، وفي غيرهما من طريق الرحال بن المنذر: حدثني أبي عن أبيه كرز بن أسامة، وكانت له وفادة مع النابغة الجعديّ، فذكرها بنحوه، ورويناها في (الأربعين البلدانية) للسلفي، من طريق أبي عمرو ابن العلاء، عن نصر بن عاصم الليثي، عن أبيه: سمعت النابغة يقول: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأنشدته قولي: بلغنا السماء مجدنا وجدودنا فقال: إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- إن شاء اللَّه- فلما أنشدته: ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... ولا خير في جهل إذا لم يكن له فقال لي: صدقت، لا يفضض اللَّه فاك، فبقي عمره أحسن الناس ثغرا، كلما سقطت سن عادت أخرى، فكان معمرا، ورويناه في (مسند الحارث بن أبي أسامة) ، ومن طريق الحسن ابن عبيد اللَّه العنبري، قال: حدثني من سمع النابغة الجعديّ يقول: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأنشدته: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 369   [ () ] وإنا لقوم ما نعود خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا وننكر يوم الروع ألوان خيلنا ... من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا وليس بمعروف لنا أن نردها ... صحاحا ولا مستنكرا أن تعقرا ورويناها مسلسلة بالشعراء من رواية دعبل بن علي الشاعر، عن أبي نواس عن والبة بن الحباب، عن الفرزدق، عن الطرماح، عن النابغة، وهي في كتاب (الشعراء) لأبي زرعة الرازيّ المتأخر، وقد طولت ترجمته في كتاب (من جاوز المائة) مما دار بينه وبين من هاجاه من الماجريات كليلى الأخيلية صاحبة توبة، وأوس المزني، وغيرهما. وذكر أبو نعيم في (تاريخ أصبهان) ، انه قيس بن عبد اللَّه، وأنه مات بأصبهان، قال: وكان معاوية سيره إليها مع الحارث بن عبد اللَّه بن عبد عوف بن أصرم، وكان ولى أصبهان من قبل علي، ثم أسند من طريق الأصمعي، عن هانئ بن عبد اللَّه، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن صفوان، قال: عاش النابغة، مائة وعشرين سنة. قال ابن عبد البر: قصيدة النابغة مطولة نحو مائتي بيت، أولها: خليلي غضاعة وتهجرا ... ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا يقول فيها: أتيت رسول اللَّه إذا جاء بالهدى ... ويتلو كتابا كالمجرة نيرا ومنها: وجاهدت حتى ما أحس ومن معى ... سهيلا إذا ما لاح ثم تحورا أقيم على التقوى وأرضى بفعلها ... وكنت من النار المخوفة أحذرا ثم أورد أبو عمر بإسناده إلى أبي الفرج الرياشي منها أربعة وعشرين بيتا، وذكر عمر بن شبة عن مسلمة بن محارب، أن النابغة الجعديّ دخل على على فذكر قصة، وذكر أبو نعيم في (تاريخ أصبهان) : وأخرج ابن أبي خثيمة في تاريخه عن الزبير بن بكار، وحدثني أخي هارون ابن أبي بكر، عن يحيى بن أبي قتيلة، عن سليمان بن محمد بن يحيى بن عروة، عن أبيه، عن عمه عبد اللَّه بن عروة قال: ألحت السنة على نابغة بني جعدة، فدخل علي ابن الزبير في المسجد الحرام، فأنشده: حكيت لنا الصديق لما وليتنا ... وعثمان والفاروق فارتاح معدم وسويت بين الناس في الحق فاستووا ... فعاد صباحا حالك الليل مظلم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 370 فخرّج أبو نعيم [ (1) ] من حديث إسماعيل بن عبد اللَّه بن خالد الرقي قال: حدثنا يعلى بن الأشهل قال: سمعت النابغة- نابغة بني جعدة- يقول: أنشدت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هذا الشعر فأعجبه وهو: بلغنا السماء مجدنا وثراءنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال لي: أين المظهر يا أبا ليلى؟ قلت: إلى الجنة، قال: - إن شاء اللَّه تعالى- فلما أنشدته:   [ () ] أتاك أبو ليل تجوب به الدجى ... دجى الليل جواب الفلاة عرمرم لجبر منه جانبا دعدعت به ... صروف الليالي والزمان المصمم فقال ابن الزبير: هون عليك يا أبا ليلى فإن الشعر أيسر وسائلك عندنا، لك في مال اللَّه حقان: لرؤيتك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحق لشركتك أهل الإسلام في فيئهم، ثم أخذ بيده، فدخل به دار النعم، وأعطاه فجعل النابغة يستعجل ويأكل الحب صرفا، فقال ابن الزبير: ويح أبي ليلى لقد بلغ به الجهد ، فقال النابغة: أشهد لسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما وليت فعدلت، واسترحمت فرحمت، وحدثت فصدقت، ووعدت خيرا فأنجزت، فأنا والنبيون فراط التابعين، [يريد أنهم يتقدمون الأمم إلى الجنة، وهم على إثره متدافعين ومزدحمين] ، وقد وقع لنا عاليا جدا من حديث ابن الزبير موافقة: قرأت على فاطمة بنت محمد بن المنجي بدمشق، عن سليمان بن حمزة، أنبأنا محمود بن إبراهيم في كتابه، أنبأنا مسعود بن الحسن، أنبأنا أبو بكر السمسار، أنبأنا أبو إسحاق بن خرشة، أنبأنا ابو الحسن المخزومي، حدثنا الزبير بن بكار، به بتمامه، وأخرجه ابن جرير في (تاريخه) ، عن ابن أبي خثيمة، وأخرجه أبو الفرج الأصبهاني في (الأغاني) عن ابن جرير. وأخرجه ابن أبي عمر في (مسندة) ، عن هارون. وأخرجه ابن السكن، عن محمد بن إبراهيم الأنماطي، والطبراني في (الصغير) ، عن حسين بن الفهم، وأبو الفرج الأصبهاني، عن حرمي بن العلاء، ثلاثتهم عن الزبير، فوقع لنا بدلا عاليا. وأخرج أبو نعيم عن الطبراني طرفا منه (الإصابة) : 6/ 391- 398، ترجمة رقم (8645) ، (الاستيعاب) : 4/ 1514- 1522، ترجمة رقم (2648) ، (الشعر والشعراء) : 177- 181، (المؤتلف والمختلف للدارقطنيّ) : 4/ 1957، 2168. [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 458- 459، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعمرو بن أخطب والنابغة الجعديّ، حديث رقم (385) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 371 ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حكيم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أجدت لا يفضض اللَّه فاك، قال يعلي: فلقد رأيته وقد أتى عليه نيفا ومائة سنة وما ذهب له سن. قال كاتبه: فذكر ابن عبد البر أنه اختلف في اسم النابغة هذا، فقيل قيس ابن عبد اللَّه، وقيل حبان بن قيس بن عبد اللَّه بن عمر بن عبس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وقيل اسمه حبان بن قيس عبد اللَّه بن وحوح بن عبس بن ربيعة بن جعدة، وإنما قيل له النابغة لأنه قال الشعر، ثم تركه نحو ثلاثين سنة، ثم سعى فيه بعد فقال، فسمى النابغة. قال ابن قتيبة: عمره مائتين وعشرين سنة، وقيل: أقل من ذلك. قال أبو عمر: وفد على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مسلما وأنشده، فدعا له صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر أبو عمر من حديث قاسم بن أصبغ قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا العباس ابن الفضل، حدثنا محمد بن عبد اللَّه التميمي، قال: حدثنا الحسن بن عبيد اللَّه، قال: حدثني من سمع النابغة الجعديّ يقول: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأنشدته قولي: وإنا لقوم ما تعود خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا وننكر يوم الروع ألوان خيلنا ... من الطعن حتى يحسب الجون أشقرا وليس بمعروف لنا أن نردها ... صحاحا ولا مستنكر أن تعقرا بلغنا السماء مجدنا وثناءنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: فقلت: إلى الجنة، قال: نعم إن شاء اللَّه، فلما أنشدته: ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حكيم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يفضض اللَّه فاك، قال: وكان من أحسن الناس ثغرا، كان إذا سقطت له سن نبتت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 372 وفي رواية عبد اللَّه بن جراد لهذا الخبر قال: فنظرت إليه كأن فاه البرد المتهلل [ (1) ] يتلألأ، وما سقطت له سن ولا تقلقلت بقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: له أجدت، لا يفضض اللَّه فاك [ (2) ] .   [ (1) ] في بعض النسخ: المنهل. [ (2) ] وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 232- 233، باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم للنابغة الجعديّ، وإجابة اللَّه- تعالى- له فيما دعا له به. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 373 وأما برء ساق سلمة بن الأكوع [ (1) ] بنفث الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها فخرّج البيهقي [ (2) ] في (الدلائل) من حديث المكيّ بن أبي عبيدة قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم! ما هذه الضربة التي أصابتها   [ (1) ] وهو سلمة بن الأكوع، هكذا يقول جماعة أهل الحديث، ينسبونه إلى جده وهو سلمة بن عمرو ابن الأكوع، والأكوع هو سنان بن عبد اللَّه بن قشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن الأقصى الأسلمي. يكنى أبا مسلم، وقيل: يكنى أبا إياس. وقال بعضهم: يكنى أبا عامر، والأكثر: أبو إياس [بابنه إياس] ، كان ممن بايع تحت الشجرة، سكن بالربذة، وتوفى بالمدينة سنة أربع وسبعين، وهو ابن ثمانين سنة، وهو معدود في أهلها، وكان شجاعا، سخيا، فاضلا. روى عنه جماعة من تابعي أهل المدينة. قال ابن إسحاق: وقد سمعت أن الّذي كلمة الذئب سلمة بن الأكوع، قال سلمة: رأيت الذئب قد أخذ ظبيا، فطلبته حتى نزعته منه، فقال: ويحك! ما لي ولك ولها؟ عمدت إلى رزق رزقنيه اللَّه، وليس من مالك تنتزعه مني؟ قال: قلت: أيا عباد اللَّه، إن هذا لعجب! ذئب يتكلم؟ فقال الذئب: أعجب من هذا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصول النخل يدعوكم إلى عبادة اللَّه، وتأبون إلا عبادة الأوثان قال: فلحقت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلمت فاللَّه أعلم أي ذلك كان، ذكر ذلك ابن إسحاق بعد ذكر رافع بن عميرة الّذي كلمه الذئب، عمر سلمة بن الأكوع عمرا طويلا، روى عنه إياس بن سلمة، ويزيد بن أبي عبيد. وقال: يزيد بن أبي عبيد: قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الحديبيّة؟ قال: على الموت، قال يزيد: وسمعت سلمة بن الأكوع يقول: غزوت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سبع غزوات، وخرجت فيما بعث من البعوث سبع غزوات، وقال عنه ابنه إياس: ما كذب أبي قط وروى عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: خير رجالنا سلمة ابن الأكوع، وروى عبد اللَّه بن موسى عن موسى بن عبيدة عن إياس بن سلمة عن أبيه، قال: بينا نحن قائلون نادى مناد أيها الناس، فذلك قول اللَّه عز وجل: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح: 18] . (الاستيعاب) 2/ 639- 460، ترجمة رقم (3391) . (الإصابة) : 3/ 143، ترجمة رقم (3364) ، ترجمة رقم (3391) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 251، باب ما جاء في نفث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جرح سلمة بن الأكوع يوم خيبر وبرؤه من ذلك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 374 قال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر؟ فقال الناس: أصيب سلمة [ (1) ] ، فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فنفث فيها ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة [ (2) ] . وأما برء قرحة في رجل بوضع المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم ريقه بإصبعه عليها فخرّج البيهقي [ (3) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرنا ابن لهيعة عن عمارة ابن غزية أن محمد بن إبراهيم التيمي حدثه، قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال حدثه أن محمد بن إبراهيم حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتي برجل برجله قرحة قد أعيت الأطباء فوضع إصبعه على ريقه، ثم رفع طرف الخنصر، فوضع إصبعه على التراب، ثم رفعها فوضعها على القرحة، ثم قال: باسمك اللَّهمّ ريق بعضنا، بتربة أرضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا. قال البيهقي: هذا الدعاء في حديث عائشة موصولا، قلت: أوردته في الطب.   [ (1) ] في (الأصل) : «فما اشتكيتها» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 603، كتاب المغازي، باب (39) غزوة خيبر حديث رقم (4206) ، وفيه: «أصابتها يوم خيبر» أي أصاب ركبته، يوم بالنصب على الظرفية، قوله: «فنفث فيه» أي في موضع الضربة، والنفث: فوق النفخ ودون التفل، وقد يكون بغير ريق بخلاف التفل وقد يكون بريق خفيف بخلاف النفخ، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 219، كتاب الطب، باب (19) كيف الرقى؟ حديث رقم (3894) من حديث مكي بن إبراهيم أيضا. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 170، باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم لصاحب القرحة حتى صح وبرئت القرحة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 375 وأما ظهور بركة تفله صلّى اللَّه عليه وسلّم في فم عبد اللَّه بن عامر [ (1) ] فخرّج البيهقي من حديث عمر بن شبة قال: أخبرني أبو عبيدة النحويّ، أن عامر بن كريز أتي بابنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو ابن خمس سنين أو ست سنين، فتفل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فيه، فجعل يزدرد ريق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويتملظ. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن ابنك هذا مسقي [ (2) ] علي وفي رواية: أرجو أن يكون مسقيا [ (3) ] . قال: وكان يقال: لو أن عبد اللَّه قدح حجرا أمامه يعني يخرج من الحجر الماء من بركته [ (4) ] . وقال ابن عبد البر: عبد اللَّه بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس ابن عبد مناف القرشي العبشمي: ولد على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتي به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو صغير، فقال: هذا شبيهنا، وجعل يتفل عليه، عوذة فجعل عبد اللَّه يتسوع ريق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه لمسقى، فكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء. وقيل: لما أتي بعبد اللَّه بن عامر إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لبني عبد شمس هذا أشبه بنا منكم، ثم تفل في فيه فازدرده، فقال: أرجو أن يكون مسقيا [ (5) ] ، فكان كما قال [النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] فإنه هو الّذي اتخذ النباج وأنبط عيونا   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي العبشمي، ابن خال عثمان بن عفان. أم عثمان أروى بنت كريز، وأمها وأم عامر بن كريز البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب. وأم عامر بن ربيعة دجاجة بنت أسماء بن الصلت. (الاستيعاب) : 2/ 931، ترجمة رقم (1587) . [ (2) ] في (الأصل) : «يسقي» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط. [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 225، باب ما جاء في تغله صلّى اللَّه عليه وسلّم في فم عبد اللَّه بن عامر بن كريز، وما أصابه من بركته. [ (5) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) ، ثم قال أبو عمر: وقد أتى عبد المطلب بن هاشم بأبيه عامر بن كريز وهو ابن ابنته أم حكيم البيضاء، فتأمله عبد المطلب، وقال: ما ولدنا ولدا أحرص منه وكانت أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم تحت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 376 تعرف به، ثم اتخذ النهر الّذي عرف بنهر أم عبد اللَّه، وهي أمه دجاجة بنت أسماء بن الصلت السلمي، وقال: لو تركت لخرجت المرأة ترد كل يوم ماء حتى توافي مكة يعني البصرة.   [ () ] شمس، فولدت له عامرا أبا عبد اللَّه بن عامر هذا، وقد روى عبد اللَّه بن عامر هذا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما أظنه سمع منه ولا حفظ عنه. ذكر البغوي عن مصعب الزبيري، عن أبيه، عن مصعب بن ثابت، عن حنظلة بن قيس، عن عبد اللَّه بن الزبير وعبد اللَّه بن عامر بن كريز، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «من قتل دون ماله فهو شهيد» رواه موسى بن هارون الحمال، عن مصعب، بإسناده. قال الزبير وغيره: كان عبد اللَّه بن عامر سخيا، كريما، حليما، ميمون النقيبة، كثير المناقب، هو افتتح خراسان، وقتل كسرى في ولايته، وأحرم من نيسابور شكرا للَّه تعالى، وهو الّذي عمل السقايات بعرفة، وقال صالح بن الوجيه، وخليفة بن خياط: وفي سنة تسع وعشرين عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة، وعثمان بن أبي العاص، عن فارس، وجمع ذلك كله لعبد اللَّه بن عامر بن كريز، وقال صالح: وهو ابن أربع وعشرين سنة: وقال أبو اليقظان: قدم ابن عامر البصرة واليا عليها، وهو ابن أربع أو خمس وعشرين سنة، ولم يختلفوا أنه افتتح أطراف فارس كلها. وعامة خراسان، وأصبهان، وحلوان وكرمان، وهو الّذي شق نهر البصرة، ولم يزل واليا لعثمان على البصرة، إلى أن قتل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان ابن عمته، لأن أم عثمان أروى بنت كريز، ثم عقد له معاوية على البصرة ثم عزله عنها، وكان أحد الأجواد، أوصى إلى عبد اللَّه بن الزبير، ومات قبله بيسير، وقد رثاه كل من زياد، وزياد الأعجم بأبيات ذكرها ابن عبد البر في (الإستيعاب) : 3/ 931- 933، ترجمة رقم (1587) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 377 وأما قيام تفله صلّى اللَّه عليه وسلّم في أفواه الرضعاء [يوم عاشوراء] مقام الغذاء فخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث عبيد اللَّه بن عمر القواريري، قال: حدثتنا عليه بنت الكميت العتكية عن أمها أميمة قالت: قلت لأمه اللَّه أسمعت أمك رزينة تذكر أنها سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يذكر صوم يوم عاشوراء؟ قالت: نعم يعظمه ويدعو برضعائه ورضعاء ابنته فاطمة، فيتفل في أفواههم، ويقول للأمهات: لا ترضعوهن إلى الليل [ (2) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 226، باب ما جاء في تفلة في أفواه المرتضعين يوم عاشوراء فتكفوا به إلى الليل. وما بين الحاصرتين في عنوان الفصل زيادة للسياق منه. [ (2) ] ثم قال البيهقي: وأخبرنا أبو الحسن، أنبأنا أحمد بن الحسن أنه علي بن المتوكل، حدثنا عبيد اللَّه بن عمر القواريري، فذكره بإسناد نحوه، إلا أنه لم يقل العتكية، وقال: حدثتني أمي أميمة، ولم يقل مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال الحافظ ابن حجر: رزينة مولاة صفية زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهي أيضا خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [حديثها عند البصريين في يوم عاشوراء] أخرجه ابن أبى عاصم، وابن مندة من طريق، عن مسلم بن إبراهيم، عن عليلة مطولا: ولفظه: حدثتنا عليلة بنت الكميت صلّى اللَّه عليه وسلّم يقال لها: أمة اللَّه، وكانت أمها خادما لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قالت: نعم، حدثتني أمي رزينة أنها سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يذكر يوم عاشوراء ويعظمه] حتى إن كان ليدعو صبيانه وصبيان فاطمة المراضع في ذلك اليوم، فيتفل في أفواههم، ويقول لأمهاتم: لا ترضعوهم إلى الليل، ورزينة: ضبطت بفتح أولها، وقيل فيها بتقديم الزاى على الراء: وأخرج أبو يعلى [بسنده] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تزوج صفية أمر ببرها خادما وهي رزينة (الإصابة) : 7/ 644- 645، ترجمة رقم (11170) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 378 وأما قيام ريقه صلّى اللَّه عليه وسلّم في فم محمد بن ثابت [ (1) ] وتحنيكه بتمره مقام لبان أمه فخرّج البيهقي من حديث زيد بن الحباب قال: حدثني أبو ثابت يزيد بن إسحاق بن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري قال: حدثني إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس أن ثابت بن قيس فارق جميلة بنت عبد اللَّه ابن أبيّ، وهي حامل بمحمد، فلما ولدته حلفت أن لا تلبنه من لبنها، فدعا به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبزق في فيه وحنكه بتمر عجوة، وسماه محمدا، وقال: اختلف به [إليّ] [ (2) ] فإن اللَّه رازقه، فأتينه اليوم الأول، والثاني، والثالث، فإذا امرأة   [ (1) ] هو محمد بن ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري الخزرجي المدني، أمه جميلة بنت عبد اللَّه ابن أبي بن سلوك التي اختلعت من ثابت، وأتى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما ولد فحنكه، وأورده في الصحابة على قاعدتهم فيمن له رؤية، فأخرج البغوي، وابن أبي داود، وابن شاهين، من طريق زيد ابن الحباب: حدثنا أبو ثابت، من ولد ثابت بن قيس بن شماس عن إسماعيل بن محمد بن ثابت، عن أبيه، أن أباه ثابتا فارق جميلة بنت عبد اللَّه بن أبي وهي حامل بمحمد، فلما وضعته حلفت أن لا تلبنه بلبنها، فجاء به ثابت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبزق في فيه، وسماه محمدا وقال اذهب به، فإن اللَّه رازقه؟ قال: فتلقتني امرأة من العرب تسأل عن ثابت بن قيس، فقلت: أنا ثابت بن قيس، ما تريدين؟ قالت رأيت في ليلتي هذه أنى أرضع ابنا يقال له محمد، قال: فهذا ابني، فأخذته وإن ضرعها ليعصر من لبنها من ثديها، لفظ البغوي، وقال ابن مندة: غريب لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب، ولا يصح لمحمد بن ثابت صحبة، وأخرج الحديث البيهقي من وجه آخر، عن زيد بن الحباب، وسمى أبا ثابت زيد بن إسحاق بن إسماعيل ابن محمد بن ثابت، وقد سبق لمحمد ذكر في ترجمة أخيه عبد اللَّه بن ثابت، وروي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أبيه، وسالم مولى أبى حذيفة. وروى عنه ابناه: إسماعيل ويوسف، والزهري وغيرهم. ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى، وقال: هو أخو عبد اللَّه بن حنظلة لأمه، وقتل يوم الحرة هو وأولاده: عبد اللَّه، وسليمان، ويحيى: وقال خليفة: قتل هو وأخواه: عبد اللَّه ويحى يوم الحرة، (الإصابة) : 6/ 246- 247، وترجمة رقم (8301) . [ (2) ] في (الأصل) فقط. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 379 من العرب تسأل عن ثابت بن قيس، فقلت لها: ما تريدين منه؟ أنا ثابت، قالت: رأيت في منامي هذه الليلة كأني أرضع ابنا له يقال له: محمد، فقال: أنا ثابت وهذا ابني محمد، قال: وإذا درعها ينعصر من لبنها [ (1) ] . وخرّجه الحاكم في مستدركه. وأما ذهاب الصداع عن فراس بن عمرو [ (2) ] بأخذ المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بجلدة ما بين عينيه وما ظهر من أعلام النبوة في ذلك فخرّج البيهقي [ (3) ] من حديث أبي أسامة الكلبي قال: حدثنا شريح بن مسلمة حدثنا أبو يحيى التيمي وإسماعيل بن إبراهيم قال: حدثني سيف بن وهب ابن أبي الطفيل أن رجلا من بني ليث يقال له: فراس بن عمرو أصابه صداع شديد، فذهب به أبواه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فشكا إليه الصراع الّذي به فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فراسا فأجلسه بين يديه، فأخذ بجلدة ما بين عينيه فجذبها حتى تنقضت،   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 227، باب ما جاء في تحنيكة محمد بن ثابت بن قيس بن شماس وبزاقة في فيه، وما ظهر في ذلك ببركته من صلّى اللَّه عليه وسلّم الآثار. [ (2) ] هو فراس بن عمرو الكناني ثم الليثي. وقال ابن حبان: له صحبة وقال غيره: له رؤية، ولأبيه صحبة، وروى الباوردي وابن مندة من طريق أبى يحيى التيمي- وهو إسماعيل بن يحيى أحد الكذابين قال: حدثني يوسف بن هارون، عن أبي الطفيل، أن رجلا من بني ليث يقال له: فراس بن عمرو، أصابه صداع شديد، فذهب به أبوه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فشكا إليه الصداع الّذي به، فدعا رسول اللَّه فراسا فأجلسه بين يديه، وأخذ جلدة ما بين عينيه فمدها، فنبتت في موضع أصابعه صلّى اللَّه عليه وسلّم من جبين فراس شعرة، فذهب عنه الصداع، فلم يصدع، زاد الباوردي في روايته: قال أبو الطفيل: فأراد أن يخرج مع الخوارج يوم حروراء فأوثقه رباطا، فسقطت الشعرة التي بين عينيه، ففزع لذلك، وأحدث توبة قال أبو الطفيل: فلما تاب نبتت، قال: ورأيتها قد سقطت. ثم رأيتها بعد نبتت، ورواه محمد بن قدامة المروزي في كتاب (أخبار الخوارج) له، من هذا الطريق، (الإصابة) : 259- 260، ترجمة رقم (6972) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 230- 231، باب ما جاء في شأن من شكا إليه الصداع. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 380 فنبتت في موضع أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من جبينه شعرة فذهب عنه الصداع، فلم يصدع. قال أبو الطفيل: فرأيتها كأنها شعره قنفذ، قال: فهم بالخروج على عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مع أهل حروري قال: فأخذه أبوه فأوثقه وحبسه فسقطت تلك الشعرة، فما رآها [قد سقطت] [ (1) ] شق عليه ذلك، فقيل له: هذا ما هممت به؟ [فأحدث] [ (2) ] توبة وتاب. قال أبو الطفيل: فرأيتها قد سقطت ثم رأيتها بعد ما نبتت، قال البيهقي: تفرد به أبو يحيى التيمي. قال كاتبه: أبو يحيى هذا هو إسماعيل بن إبراهيم الأحول أبو يحيي التيمي الكوفي [ (3) ] يروي عن عطاء بن السائب وإبراهيم بن الفضل، والأعمش، وزيد بن أبي زياد. ويروي عنه أبو كريب وأبو سعيد الأشج، وإبراهيم بن يوسف الكندي وجماعة. قال البخاري: ضعفه لي ابن نمير جدا، وقال ابن معين: يروي عنه سجادة، وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن عدي: له أحاديث حسان، وليس فيما يرويه حديث منكر المتن ويكتب حديثه. وقد خرّج الإمام أحمد هذا الحديث في (المسند) [ (4) ] من طريق حماد ابن سلمة، عن على بن زيد بن جدعان، عن أبي الطفيل، أن رجلا ولد له غلام   [ (1) ] من (الأصل) فقط. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] ضعيف جدا يخطى كثيرا حتى خرج عن حد الاحتجاج به، ضعفه غير واحد، ترجمته في: (الضعفاء الكبير) : 1/ 73، (المجروحين) : 1/ 122، (ميزان الاعتدال) : 1/ 213. [ (4) ] (مسند أحمد) : 6/ 637، حديث رقم (23293) من حديث أبى الطفيل عامر بن وائلة، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 381 على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتي به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذ ببشرة وجهه [ (1) ] ودعا له بالبركة، [قال:] فنبتت شعره في جبهته كهيئة [ (2) ] الفرس، وشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج أحبهم، فسقطت الشعرة من جبهته، فأخذه أبوه فقيده وحبسه مخافة أن يلحق بهم، قال: فدخلنا عليه فوعظناه، وقلنا له: فيما تقول؟ ألم تر أن [ (3) ] بركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد وقعت عن جبهتك [فما زلنا به حتى رجع عن رأيهم] ، فرجع [ (4) ] فرد اللَّه- عز وجل- عليه الشعرة بعد في جبهته وتاب. وخرّجه البيهقي هكذا من حديث حماد [ (5) ] .   [ (1) ] في (الأصل) : «جبهته» وما أثبتناه من (المسند) . [ (2) ] في (الأصل) : «كذؤابة» ، وما أثبتناه من (المسند) . [ (3) ] في (الأصل) : «إلي» وما أثبتناه من (المسند) . [ (4) ] من (الأصل) فقط. [ (5) ] ثم قال بعقبه: وفيما أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي، انبأنا أبو عبد اللَّه العكبريّ، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا كامل بن طلحة، حدثنا حماد ابن سلمة، حدثنا علي بن زيد، فذكره. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 382 وأما ذهاب البرد عن حذيفة بن اليمان [ (1) ] بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم له بذلك فخرّج مسلم من حديث جرير عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: كنا عند حذيفة، [بن اليمان] فقال رجل: لو أدركت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاتلت معه وأبليت [ (2) ] ، فقال له حذيفة: أنت تفعل ذلك؟ لقد رأينا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة [ (3) ] وقر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله اللَّه معي يوم القيامة؟ فسكتنا، فلم يجبه منا أحد، ثم قال: ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله اللَّه معي يوم القيامة؟ فسكتنا، فلم يجبه منا أحد فقال: قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم، فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم، فقال: اذهب فأتني بخبر القوم، ولا تذعرهم عليّ [ (4) ] .   [ (1) ] هو حذيفة بن اليمان، من نجباء أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو صاحب السر، واسم اليمان: حسل ويقال: حسيل- بن جابر العبسيّ اليماني، أبو عبد اللَّه، حليف الأنصار، ومن أعيان المهاجرين حدث عنه أبو وائل، وزر بن حبيش، وزيد بن وهب، وهمام بن الحارث، وخلق سواهم. له في الصحيحين اثنا عشر حديثا، وفي البخاري ثمانية، وفي مسلم سبعة عشر حديثا، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أسر إلى حذيفة أسماء المنافقين، وضبط عنه الفتن الكائنة في الأمة، وقد ناشد عمر: أأنا من المنافقين؟ فقال: لا، ولا أزكي أحدا بعدك. وحذيفة هو الّذي ندبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الأحزاب ليجس له خبر العدو، وعلى يده فتح الدينور عنوة، ومناقبه تطول- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال حذيفة: كان الناس يسألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، ولى حذيفة إمرة المدائن لعمر، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان، وتوفى بعد عثمان بأربعين ليلة، (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 61، ترجمة رقم (181) - (الإصابة) : 2/ 44- 45، ترجمة رقم (1649) ، (الاستيعاب) : 1/ 334- 335، ترجمة رقم (492) . [ (2) ] أبليت: من البلاء الحسن وهو المبالغة في النصرة. [ (3) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل البيهقي) : «في ليلة ذات ريح شديدة» . [ (4) ] أي لا تحركهم عليك، فإنّهم إن أخذوك كان ضررا على لأنك رسولي وصاحبي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 383 فلما وثبت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام، حتى أتيته فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار [ (1) ] ، فوضعت سهما في كبد قوسي، فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تذعرهم عليّ ولو رميته لأصبته، فأخبرته خبر القوم وفرغت قررت، فألبسني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائما حتى أصبحت، فقال: قم أيا نومان [ (2) ] .   [ (1) ] يصلى ظهره: يدفئه. [ (2) ] النومان: كثير النوم، (دلائل البيهقي) : 3/ 449- 450، باب إرسال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حذيفة بن اليمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى عسكر المشركين، وما ظهر له في ذلك من آثار النبوة بوقوفة ليلتئذ على ما أرسل على المشركين من الريح والجنود، وتصديق اللَّه- سبحانه- قول نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما وعد حذيفة من حفظ اللَّه إياه عن الأسر والبرد، باختلاف يسير في اللفظ، وأخرجه الإمام مسلم (في صحيحه) ، كتاب الجهاد والسير، باب (36) غزوة الأحزاب، حديث رقم (1788) . قوله: «كنا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاتلت معه وأبليت، فقال له حذيفة ما قال» : معناه أن حذيفة فهم منه أنه لو أدرك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لبالغ في نصرته، ولزاد على الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فأخبره. بخبره في ليلة الأحزاب، وقصد زجره عن ظنه أنه يفعل أكثر من فعل الصحابة. قوله: «وأخذتنا تاريخ شديدة وقر» ، هو بضم القاف، وهو البرد وقوله بعد هذا: «قررت» هو بضم القاف وكسر الراء، أي بردت، قوله: «اذهب فأتني بخير القوم ولا تذعرهم علي» هو بفتح التاء وبالذال المعجمة، معناه: لا تفزعهم على ولا تحركهم علي، وقيل: معناه لا تنفرهم، وهو قريب من المعنى الأول، والمراد: لا تحركهم عليك، فإنّهم إن أخذوك كان ذلك ضررا على لأنك رسولي وصاحبي قوله: «فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشى في حمام حتى أتيتهم» ، يعنى أنه لم يجد البرد الّذي يجد الناس، ولا من تلك الريح الشديدة ودعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم له، واستمر ذلك اللطف به ومعافاته من البرد حتى عاد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما رجع ووصل عاد إليه البرد الّذي يجده الناس، وهذه من معجزات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. ولفظة الحمام عربية، وهو مذكر مشتق من الحميم، وهو الماء الحار. قوله: «فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره» ، هو بفتح الياء وإسكان الصاد، أي يدفئه، ويدنيه فيها، وهو الصلا، بفتح الصاد والقصر، والصلاء بكسرها والمد. وقوله: «كبد القوس» ، هو مقبضها، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 384 وخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين، قال: حدثنا يوسف ابن عبد اللَّه بن أبي المختار عن بلال العبسيّ، عن حذيفة بن اليمان: أن الناس تفرقوا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الأحزاب، فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا، فأتاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا جاثم من البرد. قال يا بن اليمان: قم فانطلق إلي عسكر الأحزاب، فانظر إلى حالهم، قلت: يا رسول اللَّه والّذي بعثك بالحق نبيا ما قمنا إليك إلا حياء منك من البرد. قال: انطلق يا بن اليمان، فلا بأس عليك من حرّ ولا برد حتى ترجع إليّ، فانطلقت إلي عسكرهم، فوجدت أبا سفيان يوقد النار في عصبة حوله وقد تفرق الأحزاب عنه، قال: حتى إذا جلست فيهم، قال: فحس أبو سفيان أنه دخل فيهم من غيرهم، قال: ليأخذ كل رجل منكم يبد جليسه، قال: فضربت بيدي على الّذي عن يميني، فأخذت بيده [ثم ضربت يدي على الّذي عن يساري فأخذت بيده] فكنت فيهم هنية ثم قمت فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو قائم يصلي، فأومأ بيده أن ادن، فدنوت ثم أومأ إليّ أيضا أن ادن، فدنوت حتى أسبل على من الثوب الّذي كان عليه وهو يصلي.   [ () ] وكبد كل شيء وسطه. قوله: «فألبسنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من فضل عباءة كانت عليه يصلى فيها» ، العباءة بالمد والعباية بزيادة، لغتان، مشهورتان، معروفتان، وفي الحديث: جواز الصلاة في الصوف وهو جائز بإجماع من يعتد به، وسواء الصلاة عليه وفيه، ولا كراهية في ذلك. قال العبدري من أصحابنا: وقالت الشيعة: لا تجوز الصلاة على الصوف، ولا تجوز فيه. وقال مالك: يكره كراهة تنزيه. قوله: «فلم أزل نائما حتى أصبحت قال: قم يا نومان، هو بفتح النون وإسكان الواو، وهو كثير النوم، وأكثر ما يستعمل في النداء كما استعمله هنا. قوله: «أصبحت» ، أي طلع الفجر وفي هذا الحديث أنه ينبغي للإمام وأمير الجيش بعث الجواسيس والطلائع لكشف خبر العدو، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. (شرح النووي) . [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 450- 451، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 3/ 33، كتاب المغازي والسرايا، حديث رقم (4325) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 385 فلما فرغ من صلاته قال ابن اليمان: اقعد [ما الخبر؟] ، قلت: يا رسول اللَّه، تفرق الناس عن أبي سفيان، فلم يبق إلا في عصبة يوقد النار، قد صب اللَّه عليه من البرد مثل الّذي صب علينا ولكنا نرجو من اللَّه ما لا يرجو. وله من طريق عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبيد أبي قدامة الحنفي، عن عبد العزيز بن أخي [ (1) ] حذيفة قال: ذكر حذيفة مشاهدهم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال جلساؤه: أما واللَّه لو كنا شهدنا ذلك، لفعلنا. فقال حذيفة: لا تمنوا ذلك، فلقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود، أبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم علي ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحد منا إصبعه. فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويقولون: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ [ (2) ] ، فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له فيأذن لهم فيتسللون ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك إذ استقبلنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا رجلا حتى مر عليّ وما عليّ جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي ما يجاوز ركبتي. قال: فأتاني وأنا جاث على ركبتي، فقال: من هذا؟ فقلت: حذيفة، فقال: حذيفة؟ فتقاصرت بالأرض، فقلت: بلى يا رسول اللَّه، كراهية أن أقوم، قال: قم، فقمت فقال: إنه كائن في القوم خبر فأتيني [ (3) ] بخبر القوم، قال وأنا من أشد الناس فزعا، وأشدهم قرا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته، قال: فو اللَّه- ما خلق اللَّه فزعا ولا قرا في جوفي إلا خرج، وما أجد منه شيئا، فلما وليت قال: يا حذيفة لا تحدث [ (4) ] في القوم شيئا حتى تأتيني، فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم في ضوء نار لهم توقد، وإذا رجل أدهم ضخم يقوم بيده   [ (1) ] في (الأصل) : «أبي» وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] الأحزاب: 13. [ (3) ] في (الأصل) : «فأت» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (4) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل البيهقي) : «لا تحدثن» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 386 علي النار، ويمسح خاصرته، ويقول: الرحيل الرحيل، ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك، فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش، فأضعه في كبد قوسي لأرميه، فذكرت قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تحدثن شيئا حتى تأتيني فأمسكت ورددت سهمي في كنانتي، ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون: يا آل عامر الرحيل الرحيل، لا مقام لكم، فإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا، فو اللَّه- إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضربهم بها، ثم خرجت نحو النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما انتصف بي الطريق أو غير ذلك إذا أنا بنحو من عشرين فارسا معتمين، فقالوا: أخبر صاحبك أن اللَّه كفاه القوم، فرجعت إلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو مشتمل شملة يصلي، فو اللَّه ما عدا أن رجعت راجعني القر، وجعلت أقرقف [ (1) ] ، فأومأ إلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده وهو يصلي، فدنوت منه فأسبل عليّ شملته، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا حزبه أمر صلى. فأخبرته خبر القوم، وأخبرته أني تركتهم يترحلون، فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [ (2) ] . وخرّج هذا الحديث أبو نعيم من طرق، والمعني واحد وإن تقاربت ألفاظه.   [ (1) ] أقرقف: أرتعد من البرد. [ (2) ] الأحزاب: 9، وتمامها: وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 387 وأما استئذان الحمي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإرسالها إلي أهل قباء لتكون كفّارة لهم فخرّج البيهقي [ (1) ] والإمام أحمد [ (2) ] من حديث يعلي بن عبيد، قال: حدثنا الأعمش عن جعفر [ (3) ] بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أم طارق مولاة سعد، قالت: جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلي سعد فاستأذن، فسكت سعد وأعاد فسكت سعد، فأرسلني سعد إليه أنه لم يمنعنا أن نأذن لك إلا أنا أردنا أن تزيدنا، قالت: فسمعت صوتا على الباب يستأذن ولا أري شيئا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أنت؟ قالت: أنا أم ملدم [ (4) ] ، قال: لا مرحبا بك ولا أهلا، أتهدين إلي قباء؟ قالت: نعم، قال: فاذهبي إليهم. ولهما من طريق يعلي قال: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر ابن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن أهل قباء أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالوا: إن الحمى قد اشتدت علينا فقال: إن شئتم أن ترفع عنكم رفعت، وإن شئتم كانت طهورا، قالوا: بل تكون لنا طهورا [ (5) ] . ومن حديث يحيى بن المغيرة قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: أتت الحمى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاستأذنت عليه، فقال: من أنت؟ قالت: أم ملدم، قال أتريدين أهل قباء؟ قالت: نعم قال: فحموا ولقوا منها شدة فاشتكوا إليه فقالوا: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لقينا من الحمى، قال: إن شئتم دعوت اللَّه فكشفها عنكم، وإن شئتم كانت لكم طهورا [قالوا: بل تكون لنا طهورا] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 158، باب ما جاء في استئذان الحمى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإرساله إياها إلى أهل قباء لتكون لهم كفارة، وظهور ما ظهر في ذلك من آثار النبوة. [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 522- 523، حديث رقم (26586) ، من حديث أم طارق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها. [ (3) ] في (الأصل) : «جبير» ، وما أثبتناه من (الدلائل) و (المسند) . [ (4) ] اسم الحمى. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 158- 159. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 388 ومن طريق الإمام أحمد قال: حدثني أبى [ (1) ] ، حدثنا هشام بن لاحق أبو عثمان المدائني، حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان المهدي، عن سلمان الفارسيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: استأذنت الحمى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا الحمى أبرئ اللحم وأمصّ الدم، قال اذهبي إلي أهل قباء، فأتتهم وجوههم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد اصفرت وجوههم، فشكوا الحمى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما شئتم إن شئتم دعوت اللَّه- عز وجل- فكشفها عنكم، وإن شئتم تركتموها، فأسقطت ذنوبكم، قالوا: بل ندعها يا رسول اللَّه [ (2) ] . ومن حديث قرة بن حبيب الغنوي قال: حدثنا إياس بن أبي تميمة، عن عطاء بن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جاءت الحمى إلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللَّه ابعثني إلي أحب قومك، أو إلى أحب أصحابك إليك، شك قرة، فقال: اذهبي إلى الأنصار، قال: فذهبت فصبت عليهم فصرعتهم، فجاءوا إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه: قد أتت الحمى علينا فادع اللَّه لنا بالشفاء قال: فدعا لهم، فكشف عنهم، فاتبعته امرأة فقالت: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ادع اللَّه [لي] إني لمن الأنصار، وإن أبي لمن الأنصار فادع اللَّه لي كما دعوت لهم. فقال: أيما أحب إليك؟ أن أدعو لك فيكشف عنك أو تصبرين و [تجب] لك الجنة؟ قالت: لا- واللَّه- يا رسول اللَّه بل أصبر ثلاثا، ولا أجعل من اللَّه بجنته خطرا ابدا، قال البيهقي: [واللَّه تعالى أعلم] [ (3) ] يحتمل أن يكون هذا في قوم آخرين من الأنصار. وخرّجه البخاري في (الأدب المفرد) من حديث قرة به، ولفظه: عن أبي هريرة قال: جاءت الحمى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: ابعثني إلى آثر أهلك عندك، فبعثها إلى الأنصار فبقيت عليهم ستة أيام ولياليها فاشتد ذلك عليهم، فأتهم في ديارهم، فشكوا ذلك إليه، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يدخل دارا دارا، وبيتا بيتا   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 159. [ (2) ] (المرجع السابق) : 6/ 159- 160. [ (3) ] (المرجع السابق) : 160، وما بين الحاصرتين تصويبات وزيادات للسياق منه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 389 يدعو لهم بالعافية، فلما رجع تبعته امرأة منهم، فقالت: والّذي بعثك بالحق إني لمن الأنصار وإن أبي لمن الأنصار فادع اللَّه لي كما دعوت للأنصار. قال: ما شئت! إن شئت دعوت اللَّه أن يعفو عنك، وإن شئت صبرت ولك الجنة. قالت: بلي، أصبر ولا أجعل إلي الجنة خطرا [ (1) ] . تم بحمد اللَّه تعالى الجزء الحادي عشر ويليه الجزء الثاني عشر وأوله: وأما ذهاب الحمى عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بدعاء علّمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.   [ (1) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 390 [ المجلد الثاني عشر ] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم وأما ذهاب الحمى عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بدعاء علّمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرّج أبو بكر بن أبي الدنيا من حديث إسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا منصور بن حمزة عن ولد أنس بن مالك، عن جده أنس بن مالك قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وهي موعوكة، فقال: ما لي أراك هكذا؟!، قالت: بأبي وأمي، هذه الحمى، وسبتها، فقال: لا تسبيها [فإنّها مأمورة] ولكن إن شئت أعلمك كلمات إذا تلوتهن أذهبها اللَّه- تعالى- عنك، قالت: فعلمني. قال: قولي: اللَّهمّ ارحم جلدي الرقيق، وعظمي الدقيق، من شدة الحريق، يا أم ملدم إن كنت آمنت باللَّه العظيم فلا تصدعي الرأس، ولا تنتني الفم، ولا تأكلي اللحم، ولا تشربي الدم، وتحولي عني إلى من اتخذ مع اللَّه إلها آخر. قال: فقالتها، فذهب عنها [ (1) ] . وأما قيء من اغتاب وهو صائم لحماً عبيطاً بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فكان ذلك من أعلام النبوة فخرّج البيهقي [ (2) ] وأحمد [ (3) ] من حديث محمد بن عبد الملك الدقيقي قال: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سليمان التيمي قال: سمعت رجلا يحدث في مجلس   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 169، باب ما جاء في تعليمه صلّى اللَّه عليه وسلم عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- دعاء الحمى فقالته فذهبت. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 186- 187، باب ما جاء في المرأتين اللتين اغتابنا وهما صائمتان، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة، ودلالة صدق القرآن، وفيه حديث الصبي الّذي كان يجن، فدعا له، فخرج من جوفه جرو أسود. [ (3) ] (مسند أحمد) : 6/ 599- 600، حديث رقم (23141) ، من حديث عبيد مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 3 أبي عثمان النهدي، عن عبيد مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن امرأتين صامتا على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأن رجلا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه إن هاهنا امرأتين صامتا، وإنهما قد كادتا تموتان من العطش قال: فأعرض عنه أو سكت، ثم عاد قال: أراه قال بالهاجرة فقال: يا نبي اللَّه إنهما واللَّه قد ماتتا أو كادتا تموتان، فقال: ادعهما، فجاءتا، قال: فجيء بقدح أو عس فقال لإحداهما: قيئى، فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت نصف القدح ثم قال: قيئي، فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما عبيطا، وغيره حتى ملأت القدح، ثم إن هاتين المرأتين صامتا عما أحل اللَّه لهما، وأفطرتا على ما حرم عليهما. فجلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا تأكلان لحوم الناس، قال البيهقي: كذا قال عبيد وهو الصحيح. وخرّج أيضا من حديث مسدد بن مسهر قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن عثمان بن غياث قال: حدثني رجل أظنه في حلقة أبي عثمان، عن سعد مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنهم أمروا بصيام، فجاء رجل في بعض النهار، فقال: يا رسول اللَّه! فلانة، وفلانة قد بلغتا الجهد، فأعرض عنه- مرتين أو ثلاثا، فقال: ادعهما، فجاءتا بعس أو قدح- لا أدري أيهما، قال، فقال لإحداهما: قيئي، فقاءت لحما عبيطا ودما، وقال للأخرى: [ (1) ] قيئي مثل ذلك فقال: إن هاتين صامتا عما أحل لهما، وأفطرتا على ما حرم عليهما، أتت إحداهما الأخرى، فلم يريا إلا [ (2) ] يأكلان لحوم الناس حتى امتلأت أجوافهما قيحا، كذلك قال سعد، والأول أصح.   [ (1) ] كذا في (الأصل) وفي (دلائل البيهقي) : «وقال للأخرى مثل ذلك» . [ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل البيهقي) «فلم يزالا يأكلان» الجزء: 12 ¦ الصفحة: 4 وأما سماع الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم أصوات المقبورين فخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث عبد الصمد: حدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز عن أنس قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في نخل لأبي طلحة يتبرز لحاجته، قال: وبلال يمشي وراءه يكرم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن يمشي إلى جنبه، فمر نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بقبر، فقام حتى قام إليه بلال، فقال: ويحك يا بلال! هل تسمع ما أسمع؟ قال: ما أسمع شيئا!! قال: إن صاحب القبر يعذب، قال: فسأل عنه فوجده يهوديا. وخرّج من حديث فليح عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك قال: أخبرني من لا أتهم من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فبينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وبلال يمشيان بالبقيع إذ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا بلال هل تسمع ما أسمع؟ قال: واللَّه يا رسول اللَّه ما أسمعه!! قال: ألا تسمع؟ أهل هذه القبور يعذبون؟ يعني قبور أهل الجاهلية [ (2) ] . وخرّج من حديث أبي معاوية، حدثنا الأعمشي عن أبي سفيان عن جابر، عن أمّ مبشر قال: دخل علي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا في حائط من حوائط بني النجار فيه قبور منهم قد ماتوا في الجاهلية، فسمعهم يعذبون، فخرج وهو يقول استعيذوا باللَّه من عذاب القبر. قال: قالت يا رسول اللَّه، وإنهم ليعذبون في قبورهم؟ فقال: نعم عذابا تسمعه البهائم [ (3) ] . وخرّج أبو نعيم من حديث عبد الملك بن إبراهيم بن جبر، عن رباح بن صالح بن عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج   [ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 621، حديث رقم (12121) ، من مسند أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 155- 156، حديث رقم (13308) ، من مسند أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 505، حديث رقم (26504) ، من حديث أم مبشر، امرأة زيد بن حارثة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 5 من جوف الليل يدعو بالبقيع ومعه أبو رافع، فدعا بما شاء اللَّه، ثم انصرف مقبلا، فمر على قبر فقال: أف ... أف ... أف، ثلاثا!! فقال أبو رافع: يا نبي اللَّه بأبي وأمي ما معك أحد غيري فمني أففت؟ فقال: لا، ولكني أففت من صاحب هذا القبر الّذي سئل علي فشك في. وأما سماعه صلّى اللَّه عليه وسلم أطيط السماء فخرّج الترمذي [ (1) ] من حديث أبي أحمد الزبير: حدثنا إسرائيل عن إبراهيم ابن المهاجر عن مجاهد عن مورق عن أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إني أرى ما لا ترون، واسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا للَّه، واللَّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجنم إلى الصعدات تجأرون إلى اللَّه، لوددت أني كنت شجرة تعضد. [والّذي عن أبي ذرّ موقوف] . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، ويروي من غير هذا الوجه: أن أبا ذر قال: لوددت أني شجره تعضد. وخرّجه أبو بكر بن أبي شيبة: من حديث عبيد اللَّه بن موسى قال حدثنا إسماعيل فذكره [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 481- 482، كتاب الزهد، باب (9) في قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا» ، حديث رقم (2312) ، قوله: «أطت» ، الأطيط: صوت الأقتاب، وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها، والمعنى: أن كثرة ما في السماء من الملائكة قد أثقلها حتى أطت، وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة، وإن لم يكن ثم أطيط. «الصعدات» ، جمع صعيد، وهو التراب، والمراد: الطرق مثل طريق وطرق وطرفات، و «تجأرون» ، الجؤار: الصياح والضجة، يعنى تستغيثون، و «تعضد» عضدت الشجرة ونحوه: إذا قطعته. (جامع الأصول) : 4/ 13- 14 ، شرح غريب الحديث رقم (1985) [ (2) ] هو متن حديث أبي نعيم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 6 وخرّج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن صفوان بن محرز، عن حكيم بن حزام، قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أصحابه إذ قال لهم: تسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء، قال: إني لأسمع أطيط السماء، ولا تلام أن تئط وما فيها موضع شبر ألا وعليه ملك ساجد أو قائم. قال كاتبه: قد خرّج البخاري طرفا من هذا الحديث، فخرّج في كتاب الأيمان [والنذور] [ (2) ] من حديث هشام عن همام، عن أبي هريرة- رضي اللَّه   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 442، سماعه ما لا يسمع الناس، ورؤيته ما لا يرون، حديث رقم (360) ، وأخرجه من حديث أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا عن اللَّه بن موسى، حدثنا إسرائيل عن إبراهيم ابن المهاجر، عن مسروق، عن أبي ذر، وذكره بنحو حديث الترمذي وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1402، كتاب الزهد، باب (19) الحزن والبكاء، حديث رقم (4190) . وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 2/ 544، كتاب التفسير، باب (76) تفسير سورة: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ، حديث رقم (3883) ، ولفظه: قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً حتى ختامها، ثم قال: إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون ... » الحديث. ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد سكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) ، وعن إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي، قال يحيى ابن سعيد: لم يكن بالقوى، وقال أحمد: لا بأس به، وروى عباس عن يحيى: ضعيف.. وقال ابن عدي: يكتب حديثه في الضعفاء، (ميزان الاعتدال) : 1/ 67، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 219، حديث رقم (21005) ، من حديث أبي ذر الغفاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 643، كتاب الأيمان والنذور، باب (3) كيف كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلم؟ حديث رقم (6637) ، قوله: «باب كيف كانت يمين النبي» ؟ أي التي كان يواظب على القسم بها أو تكثر، وجملة ما ذكر في الباب أربعة ألفاظ: أحدها: والّذي نفسي بيده، وكذا نفس محمد بيده، فبعضها مصدر بلفظ لا، وبعضها بلفظ أما، وبعضها بلفظ أيم. ثانيا: لا ومقلب القلوب ثالثا: واللَّه، رابعها: ورب الكعبة، وأما قوله: «لاها اللَّه إذا» فيؤخذ منه مشروعيته من تقريره لا من لفظه والأول أكثرها ورودا، وفي سياق الثاني إشعار بكثرته أيضا، وقد وقع في حديث رفاعة بن. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 7 تبارك وتعالى عنه- قال: قال أبو القاسم: والّذي نفس محمد بيده- لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا. وخرّجه في الرقاق [ (1) ] من حديث يحيي بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة كان يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا.   [ () ] عرابة عند ابن ماجة والطبراني: «كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا حلف قال: والّذي نفسي بيده» ، ولابن أبي شيبة من طريق عاصم بن شميخ، عن أبي سعيد: «كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا اجتهد في اليمين قال: لا والّذي نفسي بيده» ولابن ماجة من وجه آخر في هذا الحديث: «كانت يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم التي يحلف بها أشهد عند اللَّه، والّذي نفسي بيده» ودل ما سوى الثالث من الأربعة، على أن النهى عن الحلف بغير اللَّه لا يراد به اختصاص لفظ الجلالة بذلك، بل يتناول كل اسم وصفة تختص به سبحانه وتعالى. وقد جزم ابن حزم، وهو ظاهر كلام المالكية والحنفية بأن جميع الأسماء الواردة في القرآن والسنة الصحيحة، وكذا الصفات صريح في اليمين تنعقد به، وتجب لمخالفته الكفارة، وهو وجه غريب عند الشافعية، وعندهم وجه أغرب منه، أنه ليس في شيء من ذلك صريح إلا لفظ الجلالة، وأحاديث الباب ترده، والمشهور عندهم وعند الحنابلة أنها ثلاثة أقسام: أحدها: ما يختص به كالرحمن. ورب العالمين، وخالق الخلق، فهو صريح فتنعقد به اليمين، سواء قصد اللَّه أو أطلق، ثانيهما: ما يطلق عليه، وقد يقال لغيرة، ولكن بقيد، كالرب، والحق، فتنعقد به اليمين، وإلا أن قصد به غير اللَّه. ثالثها: ما يطلق على السواء، كالحيّ، والموجود، والمؤمن، فإن نوى غير اللَّه أو أطلق فليس بيمين، وإن نوى به اللَّه انعقد على الصحيح، وإذا تقرر هذا، فمثل «والّذي نفسي بيده» ينصرف عند الإطلاق للَّه جزما، فإن نوى به غيره كملك الموت مثلا، لم يخرج عن الصراحة على الصحيح، وفيه وجه عن بعض الشافعية وغيرهم، ويلتحق به «والّذي فلق الحبة، ومقلب القلوب» وأما مثل «والّذي أعبده، أو أسجد له، أو أصلى له» فصريح جزما. (فتح الباري) . [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 387، كتاب الرقاق، باب (27) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا لبكيتم كثيرا» حديث رقم (6485) ، قال الحافظ: والمراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة اللَّه وانتقامه ممن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزع، والموت، وفي القبر، ويوم القيامة. ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة، والمراد به التخويف، وقد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 8 وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث مالك بن أنس وعبد اللَّه بن نمير وأبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم، لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا.   [ () ] جاء لهذا الحديث سبب أخرجه سنيد في (تفسيره) بسنده، والطبراني عن أبي عمر: «خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المسجد، فإذا بقوم يتحدثون ويضحكون، فقال: والّذي نفسي بيده «فذكر هذا الحديث، وعن الحسن البصري:» من علم يحكم أن الموت مورده، والقيامة موعده، والوقوف بين يدي اللَّه- تعالى- مشهده، فحق أن يطول في الدنيا حزنه «قال الكرماني: في هذا الحديث من صناعة البديع مقابلة الضحك بالبكاء، والقلة بالكثرة، ومطابقة كل منهما. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 120- 121، كتاب الفضائل، باب (37) توقيره صلّى اللَّه عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به تكليف، حديث رقم (2359) ، من حديث موسى بن أنس، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن أصحابه شيء، فخطب فقال: عرضت على الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، قال: فما أتى أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم أشد منه، قال: غطوا رءوسهم ولهم حنين، قال: فقام عمر، فقال: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم نبيا، قال: فقاوم ذاك الرجل فقال: من أبي؟ قال: أبوك فلان، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. قال الإمام النووي: مقصود أحاديث الباب أنه صلّى اللَّه عليه وسلم نهاهم عن إكثار السؤال، والابتداء بالسؤال عما لا يقع، وكره ذلك لمعان منها: أنه ربما كان سببا لتحريم شيء على المسلمين فيلحقهم به المشقة ومنها: أنه ربما كان في الجواب ما يكره السائل ويسوؤه، ولهذا أنزل اللَّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، وكما صرح به الحديث في سبب نزولها. ومنها: أنهم ربما أحفوه بالمسألة، وألحفوه المشقة والأذى، فيكون ذلك سببا لهلاكهم. قال الخطابي وغيره: هذا الحديث فيمن سأل تكلفا، أو تعنتا فيما لا حاجة به إليه، فأما من سأل لضرورة: بأن وقعت له مسألة فسأله عنها فلا إثم عليه ولا عتب، لقوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ قال صاحب (التحرير) وغيره: فيه دليل على أن من عمل ما فيه إضرارا بغيره كان آثما. قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: عرضت على الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا «فيه أن الجنة والنار مخلوقتان، ومعنى الحديث: لم أر خيرا أكثر مما رأيته اليوم في الجنة، ولا شرا أكثر مما رأيته الجزء: 12 ¦ الصفحة: 9 ومنها أن خالد بن الوليد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ]   [ () ] في النار، ولو رأيتم ما رأيت، وعلمتم ما علمت مما رأيته اليوم وقبل اليوم، لأشفقتم إشفاقا بليغا، ولقل ضحككم، وكثر بكاؤكم، وفيه دليل على أنه لا كراهة في استعمال لفظة «لو» في مثل هذا. واللَّه تعالى أعلم. قوله: «غطوا رءوسهم ولهم خنين» هو بالخاء المعجمة، هكذا هو في معظم النسخ، ولمعظم الرواة، ولبعضهم بالحاء المهملة، وممن ذكر الوجهين: القاضي، وصاحب التحرير) ، وآخرون. قالوا: ومعناه بالمعجمة صوت البكاء، وهو نوع من البكاء دون الانتحاب، قالوا: وأصل الحنين خروج الصوت من الأنف، كالحنين بالمهملة من الفم. وقال الخليل: هو صوت فيه غنة. وقال الأصمعي: إذا تردد بكاؤه، فصار في كونه عنه فهو حنين. وقال أبو زيد: الحنين مثل الخنين، وهو شديد البكاء (شرح النووي) . [ (1) ] هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب، سيف اللَّه تعالى، وفارس الإسلام، وليث المشاهد، والسيد الإمام، الأمير الكبير، قائد المجاهدين، أبو سليمان القرشي المخزومي المكيّ، وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث. هاجر مسلما في صفر سنة ثمان، ثم سار غازيا، فشهد غزوة مؤتة، واستشهد أمراء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الثلاثة: مولاه زيد، وابن عمه جعفر ذو الجناحين، وابن رواحة، وبقي الجيش بلا أمير فتأمر عليهم في الحال خالد، وأخذ الراية وحمل على العدو، فكان النصر. وسماه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سيف اللَّه، فقال: «إن خالد سيف سله اللَّه على المشركين» ، وشهد الفتح وحنينا، وتأمر في أيام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. واحتبس أدراعه ولأمته في سبيل اللَّه، وحارب أهل الردة ومسيلمة الكذاب، وغزا العراق، واستظهر، ثم اخترق البرية السماوية، بحيث إنه قطع المفازة من حد العراق إلى أول الشام في خمس ليال في عسكر معه، وشهد حروب الشام، ولم يبق في جسده قيد شبر إلا وعليه طابع الشهداء، ومناقبه غزيرة، أمره الصديق على سائر أمراء الأجناد، حاصر دمشق فافتتحها هو وأبو عبيدة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما. توفى رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بحمص سنة إحدى وعشرين، ومشهده على باب حمص عليه جلالة، له أحاديث قليلة: وقال خليفة: ولى عمر أبا عبيدة على الشام، فاستعمل يزيد على فلسطين، وشرحبيل على الأردن، وخالد بن الوليد على دمشق، وحبيب بن مسلمة على حمص. وقال سحيم: مات بالمدينة، قلت: الصحيح موته بحمص، وله مشهد يزار، وله في (الصحيحين) حديثان، وفي (مسند بقي) واحد وسبعون. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 40، ترجمة رقم (84) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 10 لم يقاتل إلا ونصره اللَّه ببركة شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنه لم يؤذه السم فخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق سعيد بن منصور قال: حدثنا هشام حدثنا الحميد بن جعفر، عن أبيه، أن خالد بن الوليد، فقد قلنسوة له يوم اليرموك فقال: اطلبوها، فوجدوها فإذا هي قلنسوة خلقة، فقال خالد: اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس جوانب شعره، قال: فسبقتهم إلى ناصيته، فلم أشهد قتالا وهي معي إلا رزقت النصر. وخرج من حديث سعيد بن عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت خالد بن الوليد أتى بسم، فقال: ما هذا، قالوا: سم، قال: بسم اللَّه، وازدرده. ومن حديث يعقوب بن الوليد حيث كان هناك، أتى بسم ساعة واحدة، فجعله على كفه، ثم ألقاه في فيه، وقال: بسم اللَّه، فلم يضره شيئا. ومن حديث يحيى بن زكريا عن أبي زائدة، عن يونس بن إسحاق، عن أبى السفر قال: نزل خالد بن الوليد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه الحيرة على [امرأة من] [ (2) ] المرازية، فقالوا: احذر السمّ لا يسقيكه الأعاجم، فقال: ائتوني به، فأتى بشيء منه فأخذه بيده، ثم اقتمحه، وقال: بسم اللَّه، فلم يضره شيئا [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 444- 445، باب شعر الرسول الموجود في قلنسوة خالد، حديث رقم (367) . وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 3/ 338- 339، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب خالد بن الوليد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حديث رقم (5299) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : منقطع. وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 249، باب ما جاء في قلنسوة خالد ابن الوليد واستنصاره بما جعل فيها من شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] (في الأصل) : «على أم بني» وما أثبتناه من (دلائل أبى نعيم) . [ (3) ] (دلائل أبى نعيم) : 445، باب عدم تأثير السم في خالد، حديث رقم (386) . قال الهيثمي: أخرجه أبو يعلى والطبراني بنحوه، وأحد إسنادي الطبراني، رجاله رجال الصحيح، وهو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 11 وأما تفقه عبد اللَّه بن عباس [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بذلك له   [ () ] مرسل، ورجالهما ثقات، إلا أن أبا السفر وأبا بردة بن أبي موسى لم يسمعا من خالد. واللَّه تعالى أعلم. (مجمع الزوائد) : 9/ 350. [ (1) ] هو عبد اللَّه بن عباس البحر، حبر الأمة، وفقيه العصر، وإمام التفسير، وأبو العباس عبد اللَّه، ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، العباس بن عبد المطلب، شيبة بنى هاشم، واسمه عمرو بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر القرشي الهاشمي المكيّ الأمير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. مولده بشعب بني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين. وصحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نحوا من ثلاثين شهرا، وحدث عنه بجملة صالحة، وعن عمر وعلى، ومعاذ، ووالده، وعبد الرحمن بن عوف، وأبى سفيان صخر بن حرب، وأبي ذر، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وخلق. وقرأ على أبى بن كعب، وزيد. وقرأ عليه مجاهد، وسعيد بن جبير، وطائفة. روى عنه ابنه على، وابن أخيه عبد اللَّه بن معبد، ومواليه: عكرمة، ومقسم، وكريب، وأنس بن مالك، وطاووس، وخلق سواهم، وكان وسيما جميلا، مديد القامة مهيبا كامل العقل، ذكي النفس، من رجال الكمال. انتقل ابن عباس مع أبويه إلى دار الهجرة سنة الفتح، وقد أسلم قبل ذلك، فإنه صح عنه أنه قال: كنت أنا وأمى من المستضعفين: أنا من الولدان وأمي من النساء. عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: مسح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رأسي، ودعا لي بالحكمة. وقال الزبير بن كار: توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولابن عباس ثلاث عشرة سنة. قال أبو سعيد بن يونس: غزا ابن عباس إفريقية مع ابن أبي سرح، وروى عنه من أهل مصر خمسة عشر نفسا. عن سعيد بن جبير، عن عبد اللَّه قال: بت في بيت خالتي ميمونة، فوضعت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم غسلا، فقال: من وضع هذا؟ قالوا: عبد اللَّه. فقال «اللَّهمّ علمه التأويل وفقهه في الدين. وقال مجاهد: ما رأيت أحدا قط مثل ابن عباس لقد مات يوم مات وإنه لحبر هذه الأمة. قال أبو عبيدة في تسمية أمراء على يوم صفين: فكان على الميسرة ابن عباس، ثم رد بعد إلى ولاية البصرة. ومسندة ألف وست مائة وستون حديثا، وله من ذلك في (الصحيحين) خمسة وسبعون، وتفرد البخاري له بمائة وعشرين حديثا، وتفرد مسلم بتسعة أحاديث قال علي بن المديني: توفى ابن عباس سنة ثمان أو سبع وستين. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 101- 102، ترجمة رقم (285) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 12 فخرج البخاري [ (1) ] من حديث هاشم بن القاسم، حدثنا ورقاء عن عبيد اللَّه ابن أبي يزيد، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعت له وضوءا قال: من وضع هذا؟ فأخبر، فقال اللَّهمّ فقهه في الدين. ذكره في كتاب الطهارة، وترجم عليه باب وضع الماء عند الخلاء وذكره في المناقب [ (2) ] . وخرجه من حديث زهير بن حرب وأبي بكر عن أبي النضر قالا: حدثنا هشام بن القاسم، حدثنا ورقاء بن عمر اليشكري قال: سمعت عبيد اللَّه بن أبي يزيد يحدث عن ابن عباس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أتي الخلاء، فوضعت له وضوءا، فلما خرج قال. من وضع هذا؟ وفي رواية زهير: قالوا، وفي رواية أبي بكر قلت: ابن عباس، قال: اللَّهمّ فقهه. وقال أبو عبيد محمد بن أبي نضر، وحكي المسعودي: اللَّهمّ فقهه في الدين وعلمه التأويل، ولم أجده في (الكياس) ، وخرج أبو بكر بن أبي شيبة، من حديث جابر بن أبي صغيرة عن عمرو بن مسعود أن كريبا أخبره عن ابن عباس قال: دعا لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يزيدني اللَّه علما وفهما.   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 325، كتاب الوضوء باب (10) وضع الماء عند الخلاء، حديث رقم (143) ، قال التيمي: فيه استحباب المكافأة بالدعاء، وقال ابن المنير: مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه على وضعه الماء من جهة أنه تردد بين ثلاثة أمور: إما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء، أو يضعه على الباب ليتناوله من قرب، أو لا يفعل شيئا، فرأى الثاني أوفق، لأن في الأول تعرضا للاطلاع، والثالث يستدعى مشقة في طلب الماء، والثاني أسهلها، ففعله يدل على ذكائه، فناسب أنه يدعى له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع وكذا كان. (فتح الباري) . [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 125- 126، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، باب (24) ذكر ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم (3756) ، من حديث مسدد، حدثنا عبد الوارث عن خالد عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «ضمني النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى صدره، وقال: «اللَّهمّ علمه الحكمة» . حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث «وقال: اللَّهمّ علمه الكتاب» ، حدثنا موسى حدثنا وهيب عن خالد مثله. والحكمة: الإصابة في غير النبوة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 13 وخرج البخاري في المناقب [ (1) ] من حديث مسدد حدثنا عبد الوارث عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى صدره وقال: اللَّهمّ علمه الحكمة، وحدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث وقال: علمه الكتاب حدثنا موسى حدثنا وهيب عن خالد مثله. الحكمة الإصابة من غير النبوة. وخرجه في كتاب العلم [ (2) ] في باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ علمه الكتاب. وله من حديث أبي معمر حدثنا عبد الوارث، حدثنا خالد عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال: اللَّهمّ علمه الكتاب. وقال في أول كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة [ (3) ] حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إليه، وقال: اللَّهمّ علمه الكتاب. وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد   [ (1) ] سبق تخريجه، قال الحافظ في (الفتح) : واختلف في المراد بالحكمة هنا، فقيل: الإصابة في القول. وقيل: الفهم عن اللَّه، وقيل: ما يشهد العقل بصحته، وقيل: نور يفرق به بين الإلهام والوسواس، وقيل: سرعة الجواب بالصواب، وقيل غير ذلك. وكان ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من أعلم الصحابة بتفسير القرآن. وروى يعقوب بن سفيان في (تاريخه) بإسناد صحيح، عن ابن مسعود قال: «لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عاشره منا رجل» . وكان يقول: «نعم ترجمان القرآن ابن عباس» ، وروى هذه الزيادة ابن سعد من وجه آخر عن عبد اللَّه ابن مسعود، وروى أبو زرعة الدمشقيّ في (تاريخه) عن ابن عمر قال: «هو أعلم الناس بما أنزل اللَّه على محمد» ، وأخرج ابن أبي خثيمة نحوه بإسناد حسن، وروى يعقوب أيضا بإسناد صحيح عن أبي وائل قال: «قرأ ابن عباس سورة النور، ثم جعل يفسرها، فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت» . ورواه أبو نعيم في (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) من وجه آخر بلفظ «سورة البقرة» وزاد أنه كان على الموسم، يعنى سنة خمس وثلاثين، كان عثمان أرسله لما حضر. (فتح الباري) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 224، كتاب العلم. باب (17) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: «اللَّهمّ علمه الكتاب» . حديث رقم (75) . قوله: ضمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم «كان ابن عباس إذ ذاك غلاما مميزا، فيستفاد منه جواز احتضان الصبي القريب على سبيل الشفقة. [ (3) ] (المرجع السابق) : 13/ 305، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنه، حديث رقم (7270) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 14 ابن سلمة، حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن خيثمة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كنت في بيت ميمونة بنت الحارث، فوضعت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طهوره، فقال: من وضع هذا؟ قالت ميمونة: وضعه عبد اللَّه بن عباس، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ فقهه في الدين وعلمه التأويل. وخرجه جعفر الفرياني، فقال: حدثنا علي بن حكيم السمرقندي، حدثنا هاشم بن مخلد الفرياني، عن شبل، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. أنه سكب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وضوءا، فقال: من وضع لي وضوئي هذا؟ فقالت أم هانئ: ابن أخى، فقال: اللَّهمّ فقهه في الدين، وعلمه التأويل. وقال ابن أبي خيثمة: وحدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب بن خالد عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال: اللَّهمّ علمه الحكمة وفقه في الدين. أخبرنا الشافعيّ، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد اللَّه: لو أن هذا الغلام من بني عبد المطلب أدرك ما أدركنا ما تعلقنا عنه بشيء. حدثنا أبي، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا الأعمش عن مسلم بن صبيح، عن مسروق قال: قال ابن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عاشره منا أحد. قال: وكان يقول نعم ترجمان القرآن ابن عباس. وخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن بكير، حدثنا هاشم بن أبي صغيرة عن عمرو بن دينار، أن كريبا أخبره أن ابن عباس قال: صليت خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من آخر الليل، فجعلني حذاءه، فلما انصرف قلت: وينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول اللَّه الّذي أعطاك اللَّه؟ فدعا اللَّه تعالى أن يزيدني فهما وعلما.   [ (1) ] (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) : 1/ 315، ترجمة رقم (45) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 15 ومن حديث حاتم بن العلاء، حدثنا عبد المؤمن بن خالد حدثنا أبو نهيك، عن ابن عباس قال: دعاني النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأجلسني في حجره، وجعل يمسح رأسي، ودعا لي بالحكمة، فلم تخطئني دعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ومن حديث عبد العزيز بن يحيى، حدثنا سليمان بن بلال، عن حسين بن عبد اللَّه، عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: اللَّهمّ أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل. وعنه أخذ أكثر التفسير، فسمى البحر والحبر [ (1) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 316، وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 192- 193، باب ما جاء في دعائه لعبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما بالفقه في الدين والعلم بالتأويل وإجابة اللَّه دعاءه فيه. وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 3/ 615، كتاب معرفة الصحابة، ذكر عبد اللَّه ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم (6280) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 16 وأما كثرة مال أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ] وولده وطول عمره بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلم له بذلك فخرج البخاري [ (2) ] في كتاب الدعوات في باب الدعاء بكثرة المال مع البركة من حديث غندر، وخرج مسلم [ (3) ] في المناقب، والترمذي [ (4) ] من حديث   [ (1) ] هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي ابن النجار، الإمام، المفتي، المقرئ، المحدث، راوية الإسلام، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني، خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقرابته من النساء وتلميذه، وتبعه، آخر الصحابة موتا. روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم علما جما، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاذ، وأسيد بن الحضير، وأبى طلحة، وأم سليم بنت ملحان، وخالته أم حرام، وزوجها عبادة بن الصامت، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبى هريرة، وفاطمة النبويّة، وعدة. وعنه خلق عظيم ومنهم الحسن، وابن سيرين، والشعبي، وخلق، وبقي أصحابه الثقات الى بعد الخمسين ومائة. وكان أنس يقول: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشرة ومات وأنا ابن عشرين وكن أمهاتى يحثثنى على الملازمة، منذ هاجر وإلى أن مات، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة، ولم يعده أصحاب المغازي في البدريين لكونه حضرها صبيا، ما قاتل، بل بقي في رحال الجيش، فهذا وجه الجمع. وقال أبو هريرة: ما رأيت أحدا أشبه بصلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من ابن أم سليم- يعنى أنسا. وقال أنس بن سيرين: كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر. مسندة ألفان ومائتان وستة وثمانون. اتفق له البخاري ومسلم على مائة وثمانين حديثا وانفرد البخاري بثمانين حديثا، ومسلم بتسعين. أما موته فاختلف فيه، فروى معمر عن حميد أنه مات سنة إحدى، وتسعين، وروى معين بن عيسى عن ابن لأنس بن مالك: سنة اثنين وتسعين، فيكون عمره على هذا مائة وثلاث سنين. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 105، ترجمة رقم (296) . [ (2) ] باب (47) ، حديث رقم (6378) ، (6379) ، (6380) ، (6381) ، كلهم من حديث شعبة عن قتادة. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 272- 273، كتاب فضائل الصحابة، باب (32) من فضائل أنس ابن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (2480) . وقال الإمام النووي: هذا من أعلام نبوته صلّى اللَّه عليه وسلم في إجابة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم، وفيه فضائل لأنس، وفيه دليل لمن يفضل الغنى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 17 محمد بن جعفر قالا جميعا: حدثنا شعبه قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك عن أم سليم رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها أنها قالت: يا رسول اللَّه خادمك أنس ادع اللَّه له، فقال: اللَّهمّ أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته. قال الترمذي: هذا حديث صحيح، وزاد البخاري متصلا به: وعن هشام بن زيد قال: سمعت أنس بن مالك بمثله. وقال مسلم بعد حديثه: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: فأتت أم سليم فقالت: يا رسول اللَّه خادمك أنس. فذكر نحوه. حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن هشام بن زيد، قال: سمعت أنس بن مالك يقول بمثل ذلك. وخرج البخاري في كتاب الدعوات في باب قول اللَّه تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ من حديث سعيد بن الربيع قال: حدثنا شعبة، عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: يا رسول اللَّه خادمك فادع اللَّه له، قال: اللَّهمّ أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته. ذكره في دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لخادمه بطول العمر وكثرة المال [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث هاشم بن القاسم قال: حدثنا سليمان عن ثابت عن أنس قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم علينا وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام، وخالتي فقالت   [ () ] على الفقير، ومن قال بتفضيل الفقير أجاب عن هذا بأن هذا قد دعا له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بأن يبارك له فيه، ومتى بورك فيه لم يكن فيه فتنه، ولم يحصل بسببه ضرر، ولا تقصير في حق، ولا غير ذلك من الآفات التي تتطرق إلى سائر الأغنياء بخلاف غيره. وفيه هذا الأدب البديع، وهو أنه إذا دعا بشيء له تعلق بالدنيا ينبغي أن يضم إلى دعائه طلب البركة فيه والصيانة ونحوهما. وكان أنس وولده رحمة وخيرا، ونفعا بلا ضرر بسبب دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (4) ] (سنن الترمذي) : 5/ 640، كتاب المناقب، باب (46) مناقب لأنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3829) . [ (1) ] باب (26) ، حديث رقم (6344) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 18 أمى: يا رسول اللَّه، خويدمك ادع اللَّه له، قال: فدعا لي بكل خير، وكان في آخر ما دعا لي أن قال: اللَّهمّ أكثر ماله، وولده، وبارك له فيه [ (1) ] . ومن حديث عمر بن يونس قال: حدثنا عكرمة، حدثنا إسحاق قال: حدثني أنس قال: جاءت أمي أم سليم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد أزرتنى بنصف خمارها وردتني بنصفه، فقالت: يا رسول اللَّه، هذا أنس ابني أتيتك به يخدمك، فادع اللَّه له، فقال: اللَّهمّ أكثر ماله وولده، قال أنس: فو اللَّه إن مالي لكثير، وإن ولدى وولد ولدى ليتعادون على نحو المائة اليوم [ (2) ] . ولمسلم [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عمر قال: حدثنا أنس بن مالك، قال: مر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فسمعت أم سليم صوته، فقالت: بأبي وأمى يا رسول اللَّه! أنيس، قال: فدعا لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاث دعوات قد رأيت منهن [ (5) ] اثنتين في الدنيا، وأما الثالثة في الآخرة. قال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روى هذا الحديث من غير وجه، عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. خرج البيهقيّ [ (6) ] من حديث أبي حاتم الرازيّ قال: حدثنا محمد بن عبد اللَّه الأنصاريّ قال: حدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: يا رسول اللَّه إن لي خويصة [ (7) ] قال: وما هي؟ قالت: خادمك أنس، قال: فما ترك   [ (1) ] باب (32) ، حديث رقم (2481) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (143) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (144) . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 5/ 639- 640، كتاب المناقب، باب (46) مناقب لأنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3827) . [ (5) ] وفي بعض الأصول: «فيها» . [ (6) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 195، باب دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم لأنس بن مالك الأنصاري رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بكثرة المال والولد، وإجابة اللَّه تعالى له فيه. [ (7) ] خويصة بتشديد الصاد وبتخفيفها: تصغير خاصة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 19 خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، ثم قال: اللَّهمّ ارزقه مالا وولدا، وبارك له فيه، قال: فإنّي من أكثر الأنصار مالا. قال أنس: وحدثتني ابنتي أمينة أنه قد دفن من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة تسع وعشرون ومائة. ومن طريق الترمذيّ قال: حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود، عن أبي خلدة قال: قلت لأبي العالية سمع أنس من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: خدمه عشر سنين، ودعا له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيه ريحان كان يجيء منه ريح المسك [ (1) ] . ومن حديث نوح بن قيس قال: حدثني ثمامة بن أنس، عن أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: يا رسول اللَّه خادمك أنس ادع اللَّه له، قال: اللَّهمّ عمره وأكثر ماله. وقال الإمام أحمد [ (2) ] : حدثنا معتمر عن حميد أن أنسا عمر مائة سنة إلا سنة، ومات سنة إحدى وتسعين. وخرج البخاري في (الأدب المفرد) من طريق عارم قال: حدثنا سعيد ابن زيد، عن سنان قال: حدثنا أنس قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يدخل علينا أهل البيت، فدخل يوما، فدعا لنا، فقالت أم سليم خويدمك، ألا تدعو له؟ قال: اللَّهمّ أكثر ماله، وولده، وأطل حياته، واغفر له، فدعا لي بثلاث، فدفنت مائه وثلاثة، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت حياتي حتى استحييت من الناس، وأرجو المغفرة. وخرج البخاريّ في (الصحيح) [ (3) ] من حديث خالد بن الحارث، حدثنا حميد الطويل، عن أنس قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على أم سليم، فأتته بتمر وسمن، قال:   [ (1) ] (سنن الترمذيّ) : 5/ 641، كتاب المناقب، باب (46) مناقب لأنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3833) ، ثم قال: هذا حديث حسن، وأبو خلدة اسمه خالد بن دينار، وهو ثقة عند أهل الحديث، وقد أدرك أبو خلدة أنس بن مالك، وروى عنه. [ (2) ] (مسند أحمد) : 3/ 547، حديث رقم (11642) ، 4/ 36، حديث رقم (12541) ، 4/ 138، حديث رقم (13182) ، ثلاثتهم من مسند أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 20 أعيدى سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه، فإنّي صائم. ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة، فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول اللَّه! إن لي خويصة، قال: ما هي؟ قالت: خادمك أنيس، فما ترك خير آخرة، ولا دنيا إلا دعا له به: اللَّهمّ ارزقه مالا وولدا، وبارك له فيه، فإنّي لمن أكثر الأنصار مالا. حدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبى مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة. وترجم عليه: باب من زار قوما، فلم يفطر عندهم.   [ () ] (3) (فتح الباري) : 4/ 285، كتاب الصوم، باب (61) من زار قوما فلم يفطر عندهم، حديث رقم (1982) ، وقال في آخره: قال ابن أبي مريم: أخبرنا يحيى بن أيوب، قال: حدثني حميد سمع أنسا رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. قال الحافظ: ابن أبي مريم هو سعيد، وفائدة ذكر هذه الطريق بيان سماع حميد لهذا الحديث من أنس، لما اشتهر من أن حميدا كان ربما دلس عن أنس، ووقع في رواية الكريمي والأصيلي في هذا الموضوع: «حدثنا ابن أبي مريم» فيكون موصولا. وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز التصغير على معنى التلطف لا التحقير، وتحفه الزائر بما حضر بغير تكليف، وجواز رد الهدية إذا لم يشق ذلك على المهدي، وأن أخذ من رد عليه ذلك ليس من العود في الهبة. وفيه حفظ الطعام وترك التفريط فيه، وجبر خاطر المزور إذا لم يؤكل عنده بالدعاء له، ومشروعية الدعاء عقب الصلاة، وتقديم الصلاة أمام طلب الحاجة، والدعاء بخيرى الدنيا والآخرة، والدعاء بكثرة المال والولد، وأن ذلك لا ينافي الخير الأخروي، وأن فضل التقلل من الدنيا يختلف باختلاف الأشخاص. وفيه زيارة الإمام بعض رعيته، ودخول بيت الرجل في غيبته، لأنه لم يقل في طرق هذه القصة أن أبا طلحة كان حاضرا. وفيه إيثار الولد على النفس، وحسن التلطف في السؤال، وأن كثرة الموت في الأولاد لا ينافي إجابة الدعاء بطلب كثرتهم، ولا طلب البركة فيهم، لما يحصل من المصيبة بموتهم، والصبر على ذلك من الثواب. وفيه التحدث بنعم اللَّه تعالى، وبمعجزات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما في إجابة دعوته من الأمر النادر، وهو اجتماع كثرة المال مع كثرة الولد، وكون بستان المدعو له صار يثمر مرتين في السنة دون غيره. وفيه التاريخ بالأمر الشهير، ولا يتوقف ذلك على صلاح المؤرخ به، وفيه جواز ذكر البضع فيما زاد على عقد العشر، خلافا لمن قصره على ما قبل العشرين. (فتح الباري) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 21 وأما إجابة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم لرجل وامرأة فخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عطاء بن مسلم قال: حدثنا جعفر بن برقان عن عطاء بن أبي رباح، عن الفضل بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: شدوا رأسي لعلى أخرج إلى المسجد، فشددت رأسه بعصابة صفراء، ثم خرج إلى المسجد يهادي بين رجلين، فذكر كلاما ثم قال: من غلبته نفسه إلى أمر يخفيه اليه، فليقم، وليسألنى حتى أدعو اللَّه له. فقامت امراة، فأومأت بإصبعها إلى لسانها، فقال: انطلقي إلى بيت عائشة حتى آتيك. فقال رجل آخر: يا رسول اللَّه إني لبخيل وإني لجبان، وإني لنؤوم، فادع اللَّه أن يسخى نفسي، وأن يشجع جبنى، وأن يذهب بكثرة نومي. قال الفضل: فلقد رأيته بعد ذلك أراه في الغزو معنا، وما منا رجل أسخى نفسا، ولا أشد بأسا، ولا أقل نوما منه. ووضع صلّى اللَّه عليه وسلم قضيبا على رأس المرأة، ثم دعا لها، فقالت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: فإن كنت لأعرف دعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى إن كانت لتقول: يا عائشة أحسنى صلاتك!.   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 451، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم بشفاء الأمراض النفسية والعضوية، حديث رقم (376) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 22 وإما إجابة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم لحمل أم سليم [ (1) ] فخرج البخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا عبد اللَّه ابن عون، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي، فلما رجع أبوه طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن ما كان. وقال مسلم: مما كان، فقربت إليه العشاء، فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: واروا الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخبره، فقال: أعرستم الليلة؟ فقال: نعم.. قال: اللَّهمّ بارك لهما، فولدت غلاما، فقال لي أبو طلحة: احفظه. وقال مسلم: احمله حتى آتى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأتى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأرسلت معه بتمرات، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أمعه شيء؟ قالوا: تمرات، فأخذها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فمضغها، ثم أخذ من   [ (1) ] هي أم سليم الغميصاء- ويقال: الرميصاء- ويقال: سهلة، ويقال: أنيفة. ويقال: رميثة بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية الخزرجية، أم خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنس بن مالك. فمات زوجها مالك بن النضر، ثم تزوجها أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري، فولدت له: أبا عمير، وعبد اللَّه، شهدت حنينا وأحدا فهي من أفاضل النساء. عن أنس: أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فقال أبو طلحة: يا رسول اللَّه! هذه أم سليم معها خنجر، فقالت: يا رسول اللَّه، إن دنا منى مشرك بقرت بطنه. عن أنس قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: إني قد آمنت: فإن تابعتنى تزوجتك، قال: فأنا على مثل ما أنت عليه، فتزوجته أم سليم، وكان صداقها الإسلام. روت أربعة عشر حديثا، اتفقا لها على حديث، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 64، ترجمة رقم (157) . [ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 733، كتاب العقيقة، باب (1) تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه، وتحنيكه، حديث رقم (5470) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 371، كتاب الأدب، باب (5) استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه، وجواز تسميته يوم ولادته، واستحباب التسمية بعبد اللَّه، وإبراهيم، وسائر أسماء الأنبياء، عليهم السلام، حديث رقم (23) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 23 فيه فجعله في في الصبى وحنكه به، وسماه عبد اللَّه. ذكره البخاريّ في أول كتاب العقيقة. وخرج مسلم [ (1) ] من حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: مات ابن [أبي] طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقربت له عشاءه، ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع عليها، فلما رأت أنه قد شبع، وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة أرأيت إن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك قال: فغضب، وقال: تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتنى؟ يا بنى فانطلق حتى آتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبره بما كان، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بارك اللَّه لكما في غابر ليلتكما، قال: فحملت، قال: فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر وهي معه، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقا فدنوا من المدينة، فضربها المخاض فاحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما أجد الّذي كنت أجد، انطلق فانطلقنا، قال: وضربها المخاض حين قدما فولدت غلاما، فقالت لي أمي: يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال: فصادفته ومعه ميسم، فلما رآني قال: لعل أم سليم ولدت، قلت: نعم، قال: فوضع الميسم، قال: وجئت به فوضعته في حجره، ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعجوة من عجوة المدينة فلاكها في فيه حتى ذابت، ثم قذفها في في الصبي، فجعل الصبي يتلمظها، قال: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: انظروا إلى حب   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 244- 246، كتاب فضائل الصحابة، باب (20) من فضائل أبي طلحة الأنصاري رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (2144) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 24 الأنصار التمر، قال: فمسح وجهه وسماه عبد اللَّه. تفرد به مسلم من هذا الطريق وهذه الألفاظ [ (1) ] . وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر بن ثابت، عن أنس بن مالك قال: كان لأم سليم من أبي طلحة ابن، فمرض مرضه الّذي مات فيه، فلما مات غطته أمه بثوب، فدخل أبو طلحة فقال: كيف أمسى ابني؟ قالت: أمسى هادئا، فتعشى، ثم قالت له في بعض الليل: أريت لو أن رجلا أعارك عارية، ثم أخذها منك إذا جزعت؟ قال: لا. قالت: فإن اللَّه أعارك ابنك، وقد أخذه منك، قال: فغدا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبره بقولها، وقد كان أصابها تلك الليلة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: بارك اللَّه لكما في ليلتكما. قال: فولدت له غلاما كان اسمه عبد اللَّه، قال: فذكروا أنه كان من خير أهل زمانه [ (2) ] . وخرج البيهقيّ من حديث مسدد قال: حدثنا أبو الأحوص، حدثنا سعيد بن مسروق عن عباية بن رافع، قال: كانت أم أنس بن مالك تحب أبي طلحة،   [ (1) ] قال الإمام النووي: وفي هذا الحديث فوائد: منها: تحنيك المولود عند ولادته، وهو سنة بالإجماع، ومنها أن يحنكه صالح من رجل أو امرأة، ومنها التبرك بآثار الصالحين وريقهم، وكل شيء منهم، ومنها كون التحنيك بتمر وهو مستحب ولو حنك بغيره حصل التحنيك، ولكن التمر أفضل، ومنها جواز لبس العباءة، ومنها التواضع، وتعاطى الكبير أشغاله، وأنه لا ينقص ذلك مروءته، ومنها استحباب التسمية بعبد اللَّه، ومنها استحباب تفويض تسميته إلى صالح فيختار له اسما يرتضيه، ومنها جواز تسميته يوم ولادته. واللَّه تعالى أعلم. [ (2) ] وفي هذا الحديث مناقب لأم سليم رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها من عظيم صبرها، وحسن رضاها بقضاء اللَّه تعالى، وجزالة عقلها في إخفائها موته على أبيه في أول الليل ليبيت مستريحا بلا حزن، ثم عشته وتعشت ثم تصنعت له، وعرضت له بإصابته فأصابها. وفيه استعمال المعاريض عند الحاجة لقولها: هو أسكن ما كان، فإنه كلام صحيح، مع أن المفهوم منه أنه قد هان مرضه وسهل وهو في الحياة، وشرط المعاريض المباحة أن لا يضيع بها حق أحد. واللَّه تعالى أعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 25 فولدت له غلاما فمات، فخرج أبو طلحة إلى حاجته، فلما كان من الليل جاء أبو طلحة فأتته امرأته بجفنته [ (1) ] التي كانت تأتيه بها، ثم طلب منها ما يطلب الرجل من امرأته، ثم قال: ما فعل ابني؟. فقالت: يا أبا طلحة ما رأيت كما فعل جيراننا هؤلاء؟ أنهم استعاروا عارية فجاء أصحابها يطلبونها، فأبوا أن يردوها عليهم. قال: بئس ما صنعوا قالت: فأنت هو، كان ابنك عارية من اللَّه عز وجل، وانه قد مات، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ بارك لهما في ليلتهما، فتلقت فولدت غلاما، فقال: عباية لقد رأيت لذلك الغلام سبعة بنين كلهم قد قرأ القرآن. قال البيهقيّ [ (2) ] : ورواه إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك موصولا [ (3) ] .   [ (1) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل البيهقي) : «بتحفته» . وأخرجه البخاري أيضا في كتاب الجنائز، باب (41) من لم يظهر حزنه عند المصيبة، وقال محمد بن كعب القرظي: الجزع القول السيء والظن السيء. وقال يعقوب عليه السلام: نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ حديث رقم (1301) قال الحافظ في (الفتح) : وفي قصة أم سليم هذه من الفوائد أيضا جواز الأخذ بالشدة وترك الرخصة مع القدرة عليها، والتسلية عند المصائب، وتزين المرأة لزوجها، وتعرضها لطلب الجماع منه، واجتهادها في عمل مصالحه، ومشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها، وشرط جوازها أن لا تبطل حقا لمسلم. وكان الحامل لأم سليم على ذلك المبالغة في الصبر والتسليم لأمر اللَّه تعالى، ورجاء إخلافه عليها ما فات منها، إذ لو أعلمت أبا طلحة بالأمر في أول الحال تكند عليه وقته، ولم تبلغ الغرض الّذي أرادته، فلما علم اللَّه صدق نيتها بلغها مناها، وأصلح لها ذريتها. وفيها إجابة دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأن من ترك شيئا عوضه اللَّه خيرا منه، وبيان حال أم سليم من التجلد وجودة الرأى وقوة العزم. وقد كانت أم سليم تشهد القتال، وتقوم بخدمة المجاهدين إلى غير ذلك مما انفردت به عن معظم النسوة. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 198- 200، باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم بالبركة لحمل أم سليم من أبي طلحة. [ (3) ] هو الّذي كناه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بأبي عمير، فكان صلّى اللَّه عليه وسلم يمازحه بقوله: أبا عمير! ما فعل النغير؟ وسبق شرح ذلك الحديث مستوفي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 26 ومن ذلك الوجه أخرجه البخاريّ، ورواه زياد النميري، عن أنس، وفي آخره قصة تحنيكه ذلك الصبي، ثم مسح ناصيته، وسماه عبد اللَّه، فكانت تلك المسحة غرة في وجهه [ (1) ] .   [ (1) ] وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 543، حديث رقم (11617) ، 4/ 24، حديث رقم (12454) ، 4/ 49، حديث رقم (12614) ، 4/ 206، حديث رقم (13651) كلهم من مسند أنس ابن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 27 وأما زوال الشك من قلب أبيّ بن كعب [ (1) ] في الحال بضرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في صدره ودعائه له فخرج مسلم [ (2) ] من حديث ابن نمير قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد اللَّه بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن جده عن أبي بن كعب   [ (1) ] هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك النجار، وسيد القراء، وأبو منذر، الأنصاري، النجاري، المدني، المقرئ، البدري، ويكنى أيضا أيا الطفيل. شهد العقبة، وبدرا، وجمع القرآن في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وعرض على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وحفظ عنه علما مباركا، وكان رأسا في العلم والعمل، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال أنس: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لأبي بن كعب: «إن اللَّه أمرني أن أقرأ، وفي لفظ: «أمرنى أن أقرئك القرآن» قال: اللَّه سماني لك؟ قال: «نعم» ، قال: وذكرت عند رب العالمين؟ قال: «نعم» ، فذرفت عيناه. قال أنس بن مالك: جمع القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي. وروى أبو قلابة عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «أقرأ أمتى أبى» . قال الواقدي: وفاة أبى بن كعب في خلافة عمر، ورأيت أهله وغيرهم يقولون. مات في سنة اثنتين وعشرين بالمدينة. ولأبى في الكتب الستة نيف وستون حديثا له عند بقي بن مخلد مائة وأربعة وستون حديثا، منها في البخاري ومسلم ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بسبعة. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 40- 41، ترجمة رقم (88) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 349، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (48) بيان أن القرآن على سبعة أحرف التخفيف، والتسهيل، ولهذا قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم هون على أمتى. واختلف العلماء في المراد بالسبعة أحرف، قال القاضي عياض: هو توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر، قال: وقال الأكثرون: هو حصر للعدد سبعة، ثم قيل: هي سبعة في المعاني: كالوعيد، والمحكم، والمتشابه، والحلال، والحرام، والقصص، والأمثال، والأمر، والنهي، ثم اختلف هؤلاء في تعيين السبعة، وقال آخرون: هي في أداء، التلاوة وكيفية النطق بكلماتها: من إدغام وإظهار، وتفخيم وترقيق، وإمالة، ومد، لأن العرب مختلفة اللغات في هذه الوجوه، فيسر اللَّه تعالى عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته، ويسهل على لسانه. وقال آخرون: هي الألفاظ والحروف، وإليه أشار ابن شهاب بما رواه مسلم عنه في الكتاب، ثم اختلف هؤلاء فقيل: سبع قراءات وأوجه، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 28 قال: كنت في المسجد، فدخل رجل يصلى فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقرأ فحسن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من   [ () ] وقال أبو عبيد: سبع لغات العرب، يمنها ومعدها، وهي أفصح اللغات وأعلاها، وقيل: بل السبعة كلها لمضر وحدها، وهي متفرقة في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة، وقيل: بل هي مجتمعة في بعض الكلمات، كقوله تعالى: عَبَدَ الطَّاغُوتَ، نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وبِعَذابٍ بَئِيسٍ، وغير ذلك. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وضبطها، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا. وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة، وألفاظها أخرى، وليست متضاربة، ولا متنافية، وذكر الطحاوي أن القراءة بالأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة للضرورة، ولاختلاف لغة العرب، ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة، فلما كثر الناس والكتاب، وارتفعت الضرورة، كانت قراءة واحدة. قال الداوديّ: وهذه القراءات السبع التي يقرأ الناس اليوم بها، ليس كل حرف منها هو أحد تلك السبعة، بل تكون متفرقة فيها، وقال أبو عبيد اللَّه بن أبي صفرة: هذه القراءات السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث، وهو الّذي جمع عليه عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه المصحف، وهذا ذكره النحاس وغيره. وقال غيره: ولا تكن القراءة بالسبع المذكورة في ختمة واحدة، ولا يدرى أي هذه القراءات كان آخر العرض على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكلها مستفيضة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ضبطتها عنه الأمة، وأضافت كل حرف منها إلى من أضيف إليه من الصحابي، أي أنه كان أكثر قراءة به، كما أضيفت كل قراءة منها إلى من اختار القراءة بها من القراء السبعة وغيرهم. قال المازردى: وأما قول من قال: المراد سبعة معان مختلفة: كالاحكام والأمثال والقصص فخطأ، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف، وقد تقرر إجماع المسلمين أنه يحرم إبدال آية أمثال بآية أحكام. وقال: وقول من قال المراد خواتيم الآية، فيجعل مكان غَفُورٌ رَحِيمٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فاسد أيضا للإجماع على منع تغيير القرآن للناس. وهذا مختصرها، ونقلة القاضي عياض في المسألة. واللَّه تعالى أعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 29 التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية [ (1) ] ، فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري [ (2) ] ، ففضت عرقا، وكأنما انظر إلى اللَّه عز وجل فرقا. فقال: يا أبي إني أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون   [ (1) ] قال الإمام النووي: معناه وسوس لي الشيطان تكذيبا للنبوة أشد مما كنت عليه في الجاهلية. ولأنه في الجاهلية كان غافلا أو متشككا، فوسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب. قال القاضي عياض: معنى قوله: سقط في نفسي: أنه اعترته حيرة ودهشة. قال: وقوله: «ولا إذا كنت في الجاهلية» معناه أن الشيطان نزع في نفسه تكذيبا لم يعتقده، وقال: وهذه الخواطر إذا لم يستمر عليها لا يؤاخذ بها، قال القاضي عياض: قال المازري: معنى هذا أنه وقع في نفس أبي بن كعب نزعة شيطان غير مستقرة، ثم زالت في الحال، حين ضرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بيده في صدره، ففاض عرقا. [ (2) ] قال القاضي عياض: ضربه صلّى اللَّه عليه وسلم في صدره تثبيتا له حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم. قال: ويقال: فضت عرقا، وفصت عرقا بالضاد المعجمة، والصاد المهملة. وقال: وروايتنا هذه بالمعجمة قال الإمام النووي: وكذا هو في معظم أصول بلادنا، وفي بعضها بالمهملة. قوله: «أرسل إلى أن اقرأ على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلى الثالثة اقرأه على سبعة أحرف» هكذا وقعت هذه الرواية الأولى في معظم الأصول، ووقع في بعضها زيادة، قال: أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف فردت إليه أن هون على أمتي فرد إليّ الثانية، اقرأه على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلى الثالثة، اقرأه على سبعة أحرف. ووقع في الطريق الّذي بعد هذا من رواية ابن أبي شيبة أن قال: اقرأه على حرف، وفي المرة الثانية على حرفين، وفي الثالثة على ثلاثة، وفي الرابعة على سبعة. هذا مما يشكل معناه، والجمع بين الروايتين، وأقرب ما يقال فيه: أن قوله في الرواية الأولى فرد إلى الثالثة المراد بالثالثة الأخيرة وهي الرابعة، فسماها ثالثه مجازا، وحملنا على هذا التأويل، تصريحه في الرواية الثانية أن الأحرف السبعة إنما كانت في المرة الرابعة وهي الأخيرة، ويكون قد حذف في الرواية الأولى أيضا بعض المرات. قوله: «ولك بكل ردة رددتها» وفي بعض النسخ: رددتكها هذا يدل على أنه سقط في الرواية الأولى ذكر بعض الردات الثلاث، وقد جاءت مبينة في الرواية الثانية. وقوله تعالى: «ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألينها،» معناه مسألة مجابة قطعا، وأما باقي الدعوات فمرجوة، ليست قطعية الإجابة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 30 على أمتي، فرددت إلى الثانية أن اقرأه على حرفين، فرددت اليه أن هون على أمتى، فرد إليّ الثالثة أن اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتكها مسألة. فقلت: اللَّهمّ اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه السلام. ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة [ (1) ] قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثني إسماعيل بن أبي خالد قال: حدثني عبد اللَّه بن عيسى، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: أخبرنى أبي بن كعب أنه كان جالسا في المسجد إذ دخل رجل يصلّى فقرأ قراءة. واقتصّ الحديث بمثل حديث ابن نمير. وقد خرج هذا الحديث [ (2) ] مسلم أيضا، وخرجه أبو داود والنسائي وقاسم بن أصبغ، والترمذي [ (3) ] بزيادات وبقصة، وقد ذكرتها كلها، وما في معناها، والكلام عليها في كتاب (نهاية الجمع لأخبار القراءات السبع) [ (4) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث رقم (820) بدون رقم. وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 188، باب ما جاء في دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لأبي بن كعب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حين شك في القراءة، وإجابة اللَّه تعالى له فيما دعاه في الحال. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (821) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 624، كتاب المناقب، باب (33) مناقب معاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبى عبيدة بن الجراح رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، حديث رقم (3792) . وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى عن أبى بن كعب قال: قال لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فذكر نحوه. [ (4) ] وأحد مؤلفات المقريزي رحمه اللَّه، وله نظير باسم (نهاية الجمع في القراءات السبع) نظما بغير رمز للشيخ زين الدين سريجا بن محمد الملطي، المتوفى سنه (788) هـ-. (كشف الظنون) : 20/ 780. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 31 وأما استجابة دعاء سعد بن أبي وقاص [ (1) ] بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم له أن تستجاب دعوته فخرج الترمذي [ (2) ] من حديث جعفر بن عون، عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، عن سعد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: اللَّهمّ استجب لسعد   [ (1) ] هو سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ، الأمير أبو إسحاق القرشي، الزهري المكيّ، أحد العشرة، وأحد السابقين الأولين، وأحد من شهد بدرا والحديبيّة، وأحد الستة أهل الشوري. روى جملة صالحة من الحديث، وله في (الصحيحين) خمسة عشر حديثا، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بثمانية عشر حديثا. عن سعيد بن المسيب، سمعت سعدا يقول: ما أسلم أحد في اليوم الّذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبع ليال وإني ثلث الإسلام. عن قيس قال سعد بن مالك: ما جمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبويه لأحد قبلي. وإني لأول المسلمين رمى المشركين بسهم. ولقد رأيتني مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق السمر، وحتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة، ثم أصبحت بنو أسد تعزرنى على الإسلام، لقد خبت إذن وضل سعيي. قال ابن المسيب: كان جيد الرمي، سمعته يقول: جمع لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبويه يوم أحد. عن أبي عثمان أن سعدا قال: نزلت هذه الآية في وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما [العنكبوت: 8] ، قال: كنت برا بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد! ما هذا الدين الّذي قد أحدثت؟ لتعد عن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعيّر بي، فيقال: يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا أمه، وإني لا أدع ديني لهذا الشيء، فمكثت يوما وليلة لا تأكل ولا تشرب وليلة، وأصبحت وقد جهدت، فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمه! تعلمين واللَّه لو كان لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا، ما تركت ديني، وإن شئت فكلي أو لا تأكلى، فلما رأت ذلك أكلت. ومن مناقبه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن فتح العراق كان على يديه، وكان هو مقدم الجيوش يوم وقعة القادسية، ونصر اللَّه دينه، ونزل سعد بالمدائن، ثم كان أمير الناس يوم جلولاء، فكان النصر على يده، واستأصل اللَّه تعالى الأكاسرة. كان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه آخر المهاجرين وفاة، قال المدائني: توفى سنة خمس وخمسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 15- 16، ترجمة رقم (5) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 607، كتاب المناقب، باب (27) مناقب سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. حديث رقم (3751) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 32 إذا دعا. قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث عن إسماعيل، عن قيس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: اللَّهمّ استجب لسعد إذا دعاك، وهذا أصح. وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث ابن عون، عن إسماعيل، عن قيس قال سمعت سعدا يقول. فذكره، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وذكر البيهقيّ [ (2) ] حديث ابن عون، عن إسماعيل، عن قيس، ثم قال: هذا مرسل حسن. وخرج البخاريّ [ (3) ] من حديث أبي عوانه قال: حدثنا عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 570، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب أبى إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (6118) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 189، باب ما جاء في دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه باستجابة الدعاء، وما ظهر من إجابة اللَّه تعالى دعاء رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم فيه. [ (3) ] (فتح الباري) 2/ 300- 301، كتاب الأذان، باب (59) ، وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت، حديث رقم (755) . وفي هذا الحديث من الفوائد: عزل الإمام بعض عماله إذا شكى إليه وإن لم يثبت عليه شيء إذا اقتضت ذلك المصلحة، قال مالك: قد عزل عمر سعدا، وهو أعدل من يأتى بعده إلى يوم القيامة، والّذي يظهر أن عمر عزله حسما لمادة الفتنة، ففي رواية سيف: «قال عمر: لولا الاحتياط وأن لا يتقى من أمير مثل سعد لما عزلته» . وقيل: عزله إيثارا لقربه منه لكونه من أهل الشورى، وقيل: لأن مذهب عمر أنه لا يستمر بالعامل أكثر من أربع سنين. وقال المازري: اختلفوا هل يعزل القاضي بشكوى الواحد أو الاثنين أو لا يعزل حتى يجمع الأكثر على الشكوى منه؟ وفيه استفسار العامل عما قيل فيه، والسؤال عمن شكى في موضع عمله، والاقتصار في المسألة على من يظن به الفضل. وفيه أن السؤال عن عدالة الشاهد ونحوه يكون ممن يجاوره، وأن تعريض العدل للكشف عن حاله لا ينافي قبول شهادته في الحال. وفيه خطاب الرجل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 33 عنه فعزله عنه واستعمل عليهم عمارا، فشكوه حتى أنهم ذكروا أنه لا يحسن يصلّى، فأرسل اليه. فقال: يا أبا إسحاق إنهم يزعمون أنك لا تحسن تصلّى، فقال: أما أنا فإنّي كنت أصلّى بهم صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما أخرم عنها، أصلّى صلاة العشي، فأركد في الأولين وأخف في الأخريين. قال: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلا أو رجالا إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع مسجدا إلا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامه بن قتادة يكنى أبا سعدة، فقال: أما إذ نشدتنا، فإن سعدا كان لا يسير بالسرية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما واللَّه لأدعون بثلاث: اللَّهمّ إن كان عبدك هذا كاذبا قام سمعة ورياء فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول شيخ كبير مفتون: أصابتنى دعوة سعد. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن.   [ () ] الجليل بكنيته، والاعتذار لمن سمع في حقه كلام يسوؤه. وفيه الفرق بين الافتراء الّذي يقصد به السب، والافتراء الّذي قصد به دفع الضرر، فيعزر قائل الأول دون الثاني، ويحتمل أن يكون سعد لم يطلب حقه منهم أو عفا عنهم، واكتفى بالدعاء على الّذي كشف قناعة في الافتراء عليه دون غيره، فإنه صار كالمنفرد بأذيته. وقد جاء في الخبر: «من دعا على ظالمه فقد انتصر» فلعله أراد الشفقة عليه بأن عجل له العقوبة في الدنيا، فانتصر لنفسه، وراعى حال من ظلمه، لما كان فيه من وفور الديانة، ويقال: إنما دعا عليه لكونه انتهك حرمة من صحب صاحب الشريعة، وكأنه قد انتصر لصاحب الشريعة. وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه، وليس هو من طلب وقوع المعصية، ولكن من حيث أنه يؤدى إلى نكاية الظالم وعقوبته ومن هذا القبيل مشروعية طلب الشهادة، وإن كانت تستلزم ظهور الكافر على المسلم. ومن الأول قول موسى عليه السلام: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ. وفيه سلوك الورع في الدعاء، واستدل به على أن الأولين من الرباعية متساويتان في الطول. (فتح الباري) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 34 ذكره البخاريّ في باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلاة كلها في الحضر والسفر، وما يجهر به، وما يخافت، وذكره مختصرا في باب القراءة في الظهر [ (1) ] . وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث سعيد بن عامر قال: حدثنا شعبة عن أبي بلح، عن مصعب بن سعد أن رجلا نال من علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. فدعا عليه سعد بن مالك، فجاءته ناقة أو جمل، فقتله، فأعتق سعد نسمة وحلف أن لا يدعو على أحد. وخرجه من حديث سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: كنت بالمدينة [فبينا أنا] [ (3) ] أطوف في السوق، وبلغت أحجار الزيت [ (4) ] ، فرأيت قوما مجتمعين على فارس قد ركب دابة وهو يشتم علي بن أبي طالب والناس وقوف حواليه إذ أقبل سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك   [ (1) ] (المراجع السابق) : باب (96) القراءة في الظهر، حديث رقم (759) ولفظه: «كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، ويطول في الأولى ويقصر في الثانية، ويسمع الآية أحيانا، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية» . وفيه حجة على من زعم أن الإسرار شرط لصحة الصلاة السرية، وقوله: «أحيانا» يدل على تكرر ذلك منه. وقال ابن دقيق العيد: فيه دليل على جواز الاكتفاء بظاهر الحال في الإخبار دون التوقف على اليقين، لأن الطريق إلى العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلا بسماع كلها، وإنما يفيد يقين ذلك لو كان في الجهرية، وكأنه مأخوذ من سماع بعضها مع قيام القرينة على قراءة باقيها. ويحتمل أن يكون الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم كان يخبرهم عقب الصلاة دائما أو غالبا بقراءة السورتين. وهو بعيد جدا. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (فتح الباري) . [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 571، كتاب معرفة الصحابة، وذكر مناقب أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (6120) ، وقد سكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] اسم موضع. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 35 وتعالى عنه، فوقف عليهم فقال: ما هذا؟ فقالوا رجل يشتم علي بن أبي طالب فتقدم سعد فأفرجوا حتى وقف عليه. فقال: يا هذا على ما تشتم؟ علي بن أبي طالب؟ ألم يكن أول من أسلم؟ ألم يكن أول من صلّى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس؟ وذكر حتى قال: ألم يكن ختن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على ابنته؟ ألم يكن صاحب رواية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزواته؟ ثم استقبل القبلة ورفع يديه، وقال: اللَّهمّ إن هذا يشتم وليا من أوليائك فلا تفرق هذا الجمع حتى تريهم قدرتك. قال قيس: فو اللَّه ما تفرقنا حتى ساخت به دابته، فرمته على هامته في تلك الأحجار، فانفلق دماغه ومات. قال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] [ (1) ] . وخرج أيضا من حديث إبراهيم بن يحيى الشجري [ (2) ] ، عن أبيه قال: حدثني موسى بن عقبة، حدثني إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم،   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 573- 574، كتاب معرفة الصحابة، مناقب أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (6121) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (2) ] هو يحيى بن محمد عباد بن هاني المدني الشجري، روى عن مالك، وابن إسحاق، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، ومحمد بن عبد اللَّه بن مسلم بن أخي الزهري، وموسى بن عقبة، وموسى بن يعقوب الزمعي، وعبد اللَّه بن محمد بن عجلان، وهشام بن سعد، وغيرهم. وعنه ابنه إبراهيم، وعبد الجبار بن سعيد المساحقي، ومحمد بن المنذر بن سعيد بن أبي جهم القانوسي، قال أبو حاتم: ضعيف، وذكره ابن حبان في الثقات. قال الحافظ ابن حجر: وقال الساجي: في حديثه مناكير وأغاليط وكان فيما بلغني ضريرا يلقن. (تهذيب التهذيب) : 11/ 239- 240 ، ترجمة رقم (446) . وابنه إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد بن هاني الشجري، روى عن أبيه، وعنه البخاري في غير (الصحيح) ، وأبو إسماعيل الترمذي، والذهلي، وابن الضريس، وغيرهم. قال أبو حاتم ضعيف، وذكره ابن الأزدي: منكر الحديث عن أبيه، وقال أبو إسماعيل الترمذي: لم أر أعمى قلبا منه، قلت له: حدثكم إبراهيم بن سعد، فقال: حدثكم إبراهيم بن سعد! (تهذيب التهذيب) 1/ 154، ترجمة رقم (323) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 36 عن سعد بن أبي وقاص قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ سدد رميته وأجب دعوته [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث تفرد به إبراهيم بن يحيى بن هاني الشجري، كان ينزل الشجرة [ (2) ] بذي الحليفة، روى عن أبيه إبراهيم بن سعد، ويروي عنه محمد ابن إبراهيم الترمذي وإسحاق بن إبراهيم شاذان، والبخاريّ في غير (الصحيح) ومحمد بن أيوب وجماعة، وذكره ابن حبان في (الثقات) وضعفه أبو حاتم. وقد خرج له الترمذي، وقال: الواقع في غزوة بدر. وقال سعد بن أبي وقاص: لما كنا بتربان [ (3) ] قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا سعد انظر إلى الظبي، فأفوق له سهم، وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضع ذقنه على بين منكبى وأذنى، ثم [قال] ارم، اللَّهمّ سدد رميته، قال: فما أخطأ سهمي عن نحره، قال فتبسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرجت أعدو فأجده وبه رمق فذكيته، فحملناه حتى نزلنا قريبا، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقسم بين أصحابه [ (4) ] . هكذا ذكره بغير سند [ (5) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6122) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : تفرد به الشجري وهو ثقة. [ (2) ] هي الشجرة التي ولدت عندها أسماء بنت محمد بن أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، بذي الحليفة، وكانت سمرة، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ينزلها من المدينة ويحرم منها، وهي على ستة أميال من المدينة، وإليها ينسب إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد بن هاني الشجري المدني، من مدينة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، روى عن أبيه والمدنيين، روى عنه محمد بن يحيى الذهلي، وأبو إسماعيل الترمذي، وهو ضعيف. (معجم البلدان) : 3/ 369، موضع رقم (7012) . وفي (الأصل) : «تفرد به إبراهيم بن يحيى» ، وفي (المستدرك) : «تفرد به يحيى بن هاني» . [ (3) ] تربان: بالضم ثم سكون، قال أبو زيد الكلابي: هو واد بين ذات الجيش وملل والسيالة، على المحجة نفسها، وفيه مياه كثيرة، مرية، نزلها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة بدر وبها منزل عروة بن أذينة الشاعر الكلابي. (معجم البلدان) : 2/ 23- 24، موضع رقم (2472) . [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 26- 27، في ذكر أحداث غزوة بدر. [ (5) ] قال الواقدي بعد أن ساق هذا الخبر: حدثني بذلك محمد بن بجاد، عن أبيه، عن سعد. (المرجع السابق) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 37 وخرج الحاكم من حديث هاشم بن هاشم الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: كنت جالسا مع سعد فجاء رجل يقال له: الحارث بن برصاء [ (1) ] وهو في السوق، فقال له: يا أبا إسحاق، إني كنت آنفا عند مروان فسمعته وهو يقول: إن هذا المال مالنا نعطيه من نشاء قال: فرفع سعد يديه وقال: أفأدعو؟، فوثب مروان وهو على سريرة فاعتنقه، وقال: أنشدك اللَّه يا أبا الحسن أن تدعو، فإنما هو مال اللَّه. وفي رواية عن سعيد بن المسيب، عن سعد قال: جاءه الحارث بن البرصاء وهو في السوق، فقال له: يا أبا إسحاق إني سمعت مروان يزعم أن مال اللَّه ماله، من شاء أعطاه ومن شاء منعه، فقال له: أنت سمعته يقول ذلك؟ قال: نعم، قال سعيد: فأخذ بيدي سعد، ويد حارث حتى دخل على مروان، فقال: يا مروان أنت تزعم أن مال اللَّه مالك؟ من شئت أعطيته، ومن شئت منعته؟ قال: نعم، قال: فأدعو؟ ورفع سعد يديه، فوثب مروان إليه وقال: أنشدك اللَّه أن تدعو، هو مال اللَّه من شاء أعطاه، ومن شاء منعه. [ (2) ] وخرج البيهقيّ [ (3) ] من حديث ابن عون قال: أنبأنى محمد بن محمد بن الأسود، عن عامر بن سعد قال: بينما سعد يمشى إذا مر برجل وهو يشتم علينا وطلحة والزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فقال له سعد: إنك لتسب قوما قد سبق لهم من اللَّه ما سبق، واللَّه لتكفن عن سبهم أو لأدعون اللَّه عليك. فقال: يخوفني كأنه نبي،   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 572، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب أبى إسحاق سعد بن أبى وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (6123) ، وساقه الحافظ الذهبي في (التلخيص) ، وقال: رواه مكي بن إبراهيم عن هاشم، وزاد: قال ابن المسيب: فأخذ سعد بيدي الحارث حتى دخل على مروان فقال: أنت تزعم أن مال اللَّه مالك؟ قال: نعم. قال: فأدعو. ورفع سعد يديه، فوثب إليه مروان. الحديث. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6124) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 190، باب ما جاء في دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه باستجابة الدعاء، وما ظهر من إجابة اللَّه تعالى دعاء رسوله فيه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 38 قال: فقال سعد: اللَّهمّ إن كان يسب قوما قد سبق لهم ما قد سبق فاجعله اليوم نكالا. قال: فجاءت بختيه، فأفرج الناس فتخبطته، قال: فرأيت الناس يتبعون سعدا، ويقولون: استجاب اللَّه لك أبا إسحاق. وله من حديث أسد بن موسى [ (1) ] قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة، عن جده قال: دعا سعد بن أبي وقاص، فقال: يا رب إن لي بنين صغارا فأخّر عنى الموت حتى يبلغوا، فأخّر عنه الموت عشرين سنة!.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 191. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 39 وأما وفاء اللَّه تعالى دين أبي بكر الصديق [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بدعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البيهقيّ [ (2) ] من حديث إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني سليمان ابن بلال، عن يونس بن يونس بن مزيد الأيلي، عن الحكم بن عبد اللَّه بن عبد الأعلى عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها أن أباها دخل عليها، فقال: هل سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دعاء كان يعلمناه، وذكر أن عيسى عليه السلام كان يعلمه أصحابه؟ يقول: لو كان على أحدكم جبل دين ذهبا قضاه اللَّه عنه، ثم يقول: اللَّهمّ فارج الهم كاشف الغم مجيب دعوة المضطرين رحمان الدنيا والآخرة، ورحيمهما، أنت ترحمني، فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمه من سواك. قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: كانت عليّ دنانير من دين، وكنت للدين كارها، فلم ألبث إلا يسيرا حتى جاءني اللَّه بعائدة، فقضى اللَّه ما كان عليّ من الدين. قالت: عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: وكان لأسماء على دينار وثلاثة دراهم، فكنت أستحيى منها كلما نظرت إليها، فكنت أدعو بذلك الدعاء، فما لبثت إلا يسيرا حتى جاءني اللَّه برزق من غير ميراث ولا صدقة فقضيتها. وحليت ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر بثلاث أواقي، وفضل لنا فضل حسن [ (3) ] .   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن أبي قحافة خليفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وصاحبه في الغار. سبقت له ترجمة وافية، وهو غنى عن التعريف. [ (2) ] (سنن البيهقي) : 6/ 171- 172، باب ما جاء في الدعاء الّذي علمه أبا بكر في الدين فدعا به، فقضى اللَّه عنه دينه. [ (3) ] ثم قال البيهقي: «لفظ حديث الصغاني» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 40 قال البيهقيّ: تفرد به الحكم الأيلي [ (1) ] . قال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون، ومرة قال: ليس بشيء، لا يكتب حديثه. ومرة قال: ضعيف وقال وهب ابن زمعة، عن عبد اللَّه بن المبارك: أنه ترك حديثه. وقال البخاريّ: تركوه، كان ابن المبارك يوهنه، ونهى أحمد عن حديثه، وقال السعدي: الحكم بن عبد اللَّه جاهل كذاب، وأمر الحكم أوضح من ذلك، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن عدي: وما أمليت للحكم عن القاسم بن محمد والزهري، كلها مما لا يتابعه الثقات عليها وضعفه بيّن على حديثه.   [ (1) ] هو الحكم بن عبد اللَّه بن سعد بن عبد اللَّه الأيلي، يكنى أبا عبد اللَّه، كان ابن المبارك شديد الحمل عليه، وقال أحمد: أحاديثه كلها موضوعة، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال السعدي وأبو حاتم: كذاب، وقال النسائي والدار الدّارقطنيّ: متروك الحديث. (الكامل في ضعفاء الرجال) : 2/ 202، ترجمة رقم (20/ 39) ثم قال: وحدث عن الحكم هذا يونس بن يزيد الأيلي، حدثناه عن على بن أحمد بن بسطام، حدثنا يعقوب بن كاسب، حدثنا أنس بن عياض، حدثنا يونس بن يزيد، حدثنا الحكم بن عبد اللَّه، عن القاسم، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: دخل على أبو بكر ... وسابق الحديث، ثم قال: حدثنا ابن أبي عصمة، حدثنا أحمد بن إسماعيل، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا عبد اللَّه بن عمر النميري، عن يونس بن يزيد، حدثنا الحكم بن عبد اللَّه، عن القاسم، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: دخل على أبو بكر ... فذكر نحوه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 41 وأما ظهور البركة في ربح عروة البارقي [ (1) ] بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم له بالبركة في بيعه فخرج البخاريّ [ (2) ] من حديث سفيان قال: حدثنا شبيب بن غرقدة قال: سمعت الحي يتحدثون أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أعطاه دينارا يشترى له به شاه، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، فجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه. قال سفيان: كان بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه، قال: سمعه شبيب من عروة فأتيته فقال شبيب: إني لم أسمعه من عروة، ولكن قال: سمعت الحي   [ (1) ] هو عروة بن عياض بن أبي الجعد البارقي وبارق في الأزد يقال: إن البارق جبل نزله بعض الأزديين، فنسبوا إليه. استعمل عمر بن الخطاب عروة البارقي هذا على قضاء الكوفة، وضم إليه سلمان بن ربيعة، وذلك قبل أن يستقضى شريحا. يعد عروة البارقي في الكوفيين، روى عنه قيس بن أبى حازم، والشعبي، وأبو إسحاق، والعيزار بن حريث. وشبيب بن غرقدة البارقي. قال علي بن المديني: من قال فيه عروة بن الجعد فقد أخطأ، وإنما هو عروة بن أبي الجعد. قال: وكان غندر محمد بن جعفر يهم فيه، فيقول: عروة بن الجعد. أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: وحدثنا سفيان، حدثنا مجالد، عن الشعبي، عن عروة بن عياض بن أبى الجعد البارقي، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم. وأخبرنا سفيان، عن شبيب بن غرقدة، سمعه عروة البارقي، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: الخير معقود بنواصي الخيل. وأخبرنا سفيان عن شبيب بن عروة بن غرقدة، قال: رأيت في دار عروة بن أبى الجعد سبعين فرسا رغبة في رباط الخيل. وهو الّذي أرسله النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ليشترى الشاة بدينار، فاشترى به شاتين والحديث مشهور في البخاري وغيره، وكان فيمن حضر فتوح الشام ونزلها، ثم سيره عثمان إلى الكوفة، وحديثه عند أهلها. (الإصابة) : 4/ 489، 488، ترجمة رقم (5522) ، (الاستيعاب) : 3/ 1065- 1066، ترجمة رقم (1802) . [ (2) ] (فتح البخاري) : 6/ 784، كتاب المناقب، باب (28) بدون ترجمة، حديث رقم (3642) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 42 يخبرونه عنه، ولكن سمعته يقول: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة، قال: وقد رأيت في داره سبعين فرسا. قال سفيان: ليشترى له شاة كأنها أضحية [ (1) ] . ذكره في المناقب. وخرجه الترمذي [ (2) ] من حديث هارون الأعور بن موسى القاري قال: حدثنا الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد، عن عروة البارقي قال: رفع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دينارا لأشتري به شاه فاشتريت له شاتين، فبعت إحداهما بدينار، وجئت بدينار وشاة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فذكر له ما كان من أمره، فقال: بارك اللَّه لك في صفقة يمينك، فكان يخرج بعد ذلك الى كناسة الكوفة، فيربح الربح العظيم، فكان أكثر أهل الكوفة مالا. [ (3) ] قال أبو لبيد: اسمه لمازة [بن زياد] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3643) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 3/ 559، كتاب البيوع، باب (34) بدون ترجمة، حديث رقم (1258) . [ (3) ] ثم قال الترمذي: حدثنا أحمد بن سعيد الدرامي، حدثنا حبان، حدثنا سعيد بن زيد [هو أخو حماد بن زيد] قال: حدثنا الزبير بن خريت فذكر نحوه عن أبي لبيد. قال أبو عيسى: وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقالوا به، وهو قول أحمد وإسحاق. ولم يأخذ بعض أهل العلم بهذا الحديث، منهم الشافعيّ، وسعيد بن زيد، أخو حماد بن زيد. وأخرجه أبو دواد في (السنن) : 3/ 677- 678، كتاب البيوع والإجارات، باب (28) في المضارب يخالف، حديث رقم (3384) . وقال الخطابي في (معالم السنن) : هذا الحديث مما يحتج به أصحاب الرأى لأنهم يجيزون بيع مال زيد من عمرو بغير إذن منه أو توكيل، ويتوقف البيع على إجازة المالك، فإذا أجازه صح إلا انهم لم يجيزوا الشراء بغير إذنه، وأجاز مالك بن أنس الشراء والبيع معا. وكان الشافعيّ لا يجيز شيئا من ذلك، لأنه غرر، لا بدري هل يجيزه أم لا؟ وكذلك يجيز النكاح الموقوف على رضا المنكوحة، أو إجازة الولي، غير أن الخبرين معا غير متصلين، لأن في أحدهما- وهو خبر حكيم بن حزام- رجلا مجهولا، لا يدري من هو؟ وفي خبر عروة أن الحي حدثوه، وما كان هذا سبيله من الرواية لم تقم به الحجة. وقد ذهب بعض من لم يجز البيع الموقوف من تأويل هذا الحديث إلى أن وكالته كانت وكالة تفويض وإطلاق، وإذا كنت الوكالة مطلقة فقد حصل البيع والشراء عن إذن. وقال الخطابي: وهذا لا يستقيم، لأن في خبر حكيم أنه تصدق بدينار، فلو كانت الوكالة مطلقة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 43 وخرجه أبو نعيم [ (1) ] من حديث الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن شبيب عن غرقدة، عن عروة، عن أبي الجعد البارقي قال: أعطاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دينارا وأمرنى أن أشترى له أضحية فاشتريت، ثم عرض لي رجل فسامنى بها فبعتها منه بدينارين، فأخذت الدينار، فاشتريت به أضحية، فأتيت بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وبالدينار، فقبلها مني، ودعا لي أن يبارك في صفقتي فما اشتريت شيئا إلا ربحت فيه. ومن حديث يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا أبو الأحوص، عن شبيب، عن غرقدة، عن عروة البارقي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعث رجلا يشترى له أضحيه بدينار، فاشترى له شاتين بدينار، فباع إحداهما بدينار، ثم أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بشاة ودينار، فدعا له بالبركة، وكان لو اشترى ترابا لربح فيه. ومن حديث سعد بن زيد قال: حدثنا الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد، عن عروة البارقي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لقي جلبا فأعطاه دينارا، فقال: اشتر لنا به شاة،   [ () ] طابت له الزيارة. وقد جعل غير واحد من أهل العلم هذا أصلا في أن من وصل إليه مال من شبهة وهو لا يعرف له مستحقا، فإنه يتصدق به. واختلف الفقهاء في المضارب إذا خالف رب المال، فروى عن ابن عمر أنه قال: «الربح لرب المال» . وعن أبي قلابة ونافع: «أنه ضامن والربح لرب المال» . وبه قال أحمد وإسحاق، وكذلك الحكم عند أحمد في من استودع مالا فاتجر فيه بغير إذن صاحبه أن الربح لرب المال. وقال أصحاب الرأى: الربح للمضارب، ويتصدق به، والوضعية عليه، وهو ضامن لرأس المال في الوجهين معا. وقال الأوزاعي: إن خالف وربح فالربح له في القضاء، ويتصدق به في الورع والفتيا، ولا يصلح لواحد منهما. وقال الشافعيّ: إذا خالف المضارب نظر، فإن اشترى السلعة التي لم يؤمر بها بغير المال فالبيع باطل وإن اشتراها بغير العين فالسلعة ملك للمشتري، وهو ضامن للمال. (معالم السنن) . [ (1) ] (دلائل أبى نعيم) : 388، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لعروة البارقي، حديث رقم (388) من حديث سعيد بن زيد. وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 220، باب ما جاء في دعائه (صلّى اللَّه عليه وسلم لعروة البارقي في البركة في بيعه وظهورها بعده في ذلك، وكذلك في تجارة عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 44 فانطلق فاشترى شاتين بدينار، فلقيه رجل فباعه شاة بدينار، ثم أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بدينار وشاة. فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: بارك اللَّه لك في صفقة يمينك، قال: فإن كنت لأقوم في الكناسة [ (1) ] ، فما أرجع إلى أهلي حتى أربح أربعين ألفا. ورواه عفان، عن سعيد بن زيد، قال: فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة، فأربح أربعين دينارا قبل أن أرجع إلى أهلي [ (2) ] . قال مؤلفه رحمه اللَّه تعالى: عروة بن عياض بن أبي الجعد البارقي، وبارق في الأزد يعدّ في الكوفيين ولاه عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قضاء الكوفة قبل شريح. ومن قال فيه عروة بن الجعد، فقد أخطأ إنما هو عروة بن أبي الجعد، خرج له الجماعة [ (3) ] .   [ (1) ] الكناسة: سوق بالكوفة. [ (2) ] هذا هو الحديث الّذي في (دلائل أبي نعيم) والباقي من (الأصل) . [ (3) ] راجع ترجمته في أول الفصل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 45 وأما ربح عبد اللَّه بن جعفر [ (1) ] في التجارة بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البيهقيّ [ (2) ] من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا فطر بن خليفة، عن أبيه زعم أنه سمع عمرو بن حريث قال: انطلق بي أبي إلى رسول   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، السيد العالم، أبو جعفر القرشي الهاشمي، الحبشي، المولد، المدني الدار، الجواد بن الجواد ذي الجناحين. له صحبة ورواية، عداده في صغار الصحابة استشهد أبوه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يوم مؤتة فكفله النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ونشأ في حجره، وهو آخر من رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وصحبه من بني هاشم، وروي أيضا عن عمه على وعن أمه أسماء بنت عميس، حدث عنه أولاده: إسماعيل، وإسحاق، ومعاوية، وأبو جعفر الباقر، والشعبي وعروة، وآخرون، وله وفادة على معاوية، وكان كبير الشأن كريما، جوادا، يصلح للخلافة. عن الحسن بن سعد، عن عبد اللَّه بن جعفر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أتاهم بعد ما أخبرهم بقتل جعفر بعد ثالثه فقال: «لا تبكوا أخى بعد اليوم» ، ثم قال «ائتوني ببني أخي» ، فجيء بنا كأننا أفرخ، فقال: «أدعو لي الحلاق» فأمره فحلق رءوسنا، ثم قال: أما محمد، فشبه عمنا أبي طالب، وأما عبد اللَّه: فشبه خلقي وخلقي «، ثم أخذ بيدي، فأشالها، ثم قال: «اللَّهمّ اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد اللَّه في صفقته» . قال: فجاءت أمنا، فذكرت يتمنا، فقال: «العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة؟ رواه أحمد في (المسند) . قال أبو عبيدة: كان على قريش وأسد وكنانة يوم صفين عبد اللَّه بن جعفر. ولعبد اللَّه بن جعفر أخبار في الجود والبذل، وكان وافر الحشمة، كثير التنعم، وممن يستمع الغناء. وقال الواقدي ومصعب الزبيري: مات في سنة ثمانين، وقال المدائني: توفى سنة أربع أو خمس وثمانين، وقال أبو عبيد: سنة أربع وثمانين، ويقال: سنة تسعين. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 113، ترجمة رقم (327) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 220- 221، باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم لعروة البارقي في البركة في بيعه، وظهورها بعده في ذلك، وكذلك في تجارة عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب. وقد ذكره الهيثمي في (المجمع) وقال: رواه أبو يعلي والطبراني ورجالهما ثقات. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 46 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا غلام شاب، فمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على عبد اللَّه بن جعفر، وهو يبيع شيئا يلعب به، فدعا له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: اللَّهمّ بارك له في تجارته. وخرجه الواقدي في (مغازيه) من حديث محمد بن مسلمة عن يحيى بن موسى قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر يقول: أنا أحفظ حين دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على أمى فنعى لها أبى [ (1) ] . وذكر الحديث بطوله، ثم قال: فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا أساوم بشاة أخ لي [ (2) ] ، فقال: اللَّهمّ بارك له في صفقته. قال عبد اللَّه: فما بعت شيئا، ولا اشتريت شيئا إلا بورك فيه [ (3) ] .   [ (1) ] في (الأصل) : «مسلمة» و «موسى» ، وما أثبتناه من (مغازي الواقدي) . [ (2) ] وتمامة: فأنظر إليه وهو يمسح على رأس أخى، وعيناه تهراقان الدموع حتى تقطر لحيته، ثم قال: اللَّهمّ إن جعفرا قد تقدم إلى أحسن الثواب، فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته، ثم قال: يا أسماء ألا أبشرك؟ قالت: بلى، بأبي أنت وأمى! قال: فإن اللَّه عز وجل جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة! قالت بأبي وأمي يا رسول اللَّه، فأعلم الناس ذلك! فقام رسول اللَّه وأخذ بيدي، يمسح بيده رأسي حتى رقى على المنبر، وأجلسنى أمامه على الدرجة السفلي، والحزن يعرف عليه، فتكلم فقال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمه، ألا وإن جعفرا قد استشهد، وقد جعل اللَّه له جناحين يطير بهما في الجنة، ثم نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فدخل بيته وأدخلنى، وأمر بطعام فصنع لأهلي، وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده واللَّه غداء طيبا مباركا عمدت سلمى خادمته إلى شعير فطحنته، ثم نسفته، ثم أنضجته وأدمته بزيت، وجعلت عليه فلفلا. فتغديت انا وأخى معه، فأقمنا ثلاثة أيام في بيته، ندور معه كما صار في إحدى بيوت نسائه، ثم رجعنا إلى بيتنا، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا أساوم بشاة أخ لي فقال: اللَّهمّ بارك له في صفقته. قال عبد اللَّه: فما بعت شيئا ولا اشتريت إلا بورك فيه. (مغازي الواقدي) : 2/ 766- 767، غزوة مؤتة. [ (3) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 47 وأما كثرة ربح عبد اللَّه بن هشام [ (1) ] بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم له بالبركة فخرج البخاريّ في كتاب الشركة [ (2) ] من حديث عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرني سعيد عن زهرة بن معبد، عن جده عبد اللَّه بن هشام، وكان قد أدرك   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن هشام بن زهرة بن عثمان بن عمرو بن كعب بن أسد بن تيم بن مرة القرشي التيمي. له ولأبيه صحبة. روى عنه حفيده أبو عقيل زهرة بن معبد، قال البغوي: سكن المدينة. وقال ابن مندة كان مولده سنة أربع. وذكر الذهبي في (التجريد) أن البخاري أخرج حديثه في الأضحية، ولم أره فيه: وإنما أخرج حديثة البخاري في كتاب الشركة من رواية أبى عقيل عن جده عبد اللَّه بن هشام، وكان قد أدرك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: يا رسول اللَّه، بايعه، فقال: هو صغير، فمسح رأسه ودعا له. هذا أخرجه الإسماعيلي بتمامه، فزاد: فكان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله، فهذا مراد الذهبي بقوله: في الأضحية، ولم يرد أن البخاري أخرجه في كتاب الأضحية. وأخرجه في الأحكام وفي الدعوات عن أبى عقيل أيضا أنه كان يخرج مع جده عبد اللَّه بن هشام إلى السوق، فيشترى الطعام، فيلقاه ابن عمر وابن الزبير، فيقولان له: أشركنا فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قد دعا لك بالبركة. وأخرجه في مناقب عمر في الاستئذان وفي البدور، عن أبي عقيل، عن جده، قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب ... فذكر قصته. وأخرج أبو داود الحديث الأول، وهذا جميع ماله في الكتب الستة، وذكر البلاذري أنه عاش إلى خلافة معاوية. وأخرج له أبو القاسم والبغوي من طريق أصبغ، عن ابن وهب بسند الحديث الّذي أخرج له البخاري في الشركة حديثا آخر رواه عن الصحابة، ولفظه: كان أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يتعلمون الدعاء كما يتعلمون القرآن إذا دخل الشهر أو السنة: اللَّهمّ أدخله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وجواز من الشيطان، ورضوان من الرحمن. وهذا موقوف على شرط الصحيح. (الإصابة) : 4/ 255- 256، ترجمة رقم (5010) ، 5/ 216، ترجمة رقم (6656) . [ (2) ] (فتح الباري) : 5/ 170، كتاب الشركة، باب (13) الشركة في الطعام وغيره، حديث رقم (2501) ، (2502) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 48 النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وذهبت به أمه زينب بنت حميد [ (1) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: يا رسول اللَّه بايعه، فقال: هو صغير، فمسح رأسه ودعاه له. وعن زهرة بن معبد أنه كان يخرج به جده عبد اللَّه بن هشام إلى السوق، فيشترى الطعام فيلقاه ابن عمر وابن الزبير فيقولان له: أشركنا [ (2) ] ، فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دعا لك بالبركة، فيشركهم، فربما أصاب الراحلة كما هي فيبعث بها إلى المنزل. ترجم عليه باب الشركة في الطعام، وغيره. وذكره أيضا في كتاب الدعاء [ (3) ] من طريق ابن وهب حدثنا   [ (1) ] وهي معدودة في الصحابة، وأبوه هشام مات قبل الفتح كافرا، وقد شهد عبد اللَّه بن هشام فتح مصر واختط بها، فيما ذكره ابن يونس وغيره، وعاش إلى خلافة معاوية. قال الحافظ في (الفتح) : وقد أخرجه المصنف في الدعوات عن عبد اللَّه بن وهب بهذا الإسناد، وكذلك أخرجه أبو نعيم من وجهين عن ابن وهب، وقال الإسماعيلي: تفرد بن ابن وهب. [ (2) ] هو شاهد الترجمة لكونهما طلبا منه الاشتراك في الطعام الّذي اشتراه، فأجابهما إلى ذلك، وهم من الصحابة، ولم ينقل عن غيرهم ما يخالف ذلك، فيكون حجة. وفي الحديث مسح رأس الصغير، وترك مبايعة من لم يبلغ، والدخول في السوق لطلب المعاش، وطلب البركة حيث كانت، والرد على من زعم أن السعة من الحلال مذمومة، وتوفر دواعي الصحابة على إحضار أولادهم عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لالتماس بركته، وعلم من أعلام نبوته صلّى اللَّه عليه وسلم لإجابة دعائه في عبد اللَّه بن هشام. [ (3) ] (المرجع السابق) : 11/ 181، كتاب الدعوات، باب (31) الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رءوسهم، حديث رقم (6303) وأخرجه أيضا في كتاب الأحكام، باب (46) بيعة الصغير، حديث رقم (7210) من حديث أبى عقيل زهرة بن معبد «عن جده عبد اللَّه بن هشام وكان قد أدرك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وذهبت به أمه زينب ابنة حميد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه بايعه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: هو صغير، فمسح رأسه ودعا له، وكان يضحى بالشاة الواحدة عن جميع أهله «قال الحافظ في (الفتح) : وإنما ذكره البخاري مع أن من عادته أن يحذف الموقوفات غالبا لأن المتن قصير، وفيه إشارة إلى أن عبد اللَّه بن هشام عاش بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم زمانا ببركة دعائه. وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 223، باب في دعائه لعبد اللَّه بن هشام بالبركة وظهورها بعده. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 49 سعيد بن أبي أيوب، عن أبي عقيل أنه كان يخرج به جده عبد اللَّه بن هشام من السوق. أو إلى السوق. الحديث إلى آخره بمثله، ولم يذكر أوله. وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لأبي أمامة [ (1) ] وأصحابه بالسلامة والغنيمة فكان كما دعا   [ (1) ] هو صديّ- بالتصغير- ابن عجلان بن الحارث. ويقال: ابن وهب، ويقال: ابن عمرو بن وهب ابن عريب بن وهب بن رياح بن الحارث، ويقال ابن الحارث بن معن بن مالك بن أعصر الباهلي، أبو أمامة، مشهور بكنيته. روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وعن عمر، وعثمان، وعلى وأبي عبيدة ومعاذ، وأبى الدرداء، وعبادة بن الصامت، وعمرو بن عبسة، وغيرهم. روى عنه أبو سلام الأسود، ومحمد بن زياد الألهاني، وشرحبيل بن مسلم، وشداد، وأبو عمار، والقاسم بن عبد الرحمن، وشهر بن حوشب، ومكحول، وخالد بن معدان، وآخرون. وقال ابن سعد: سكن الشام، وأخرج الطبراني ما يدل على أنه شهد أحدا ولكن بسند ضعيف. وروى أبو يعلي من طريق أبى غالب، عن أبي أمامة، قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى قوم فانتهيت إليهم وأنا طاو وهم يأكلون الدم، فقالوا: هلم، قلت: إنما جئت أنهاكم عن هذا فنمت وأنا مغلوب، فأتانى آت بإناء فيه شراب، فأخذته وشربته، فكظني بطني فشبعت ورويت، ثم قال لهم رجل منهم، أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تتحفوه، فأتونى بلبن، فقلت: لا حاجة لي به، وأريتهم بطني فأسلموا عن آخرهم، ورواه البيهقي في (الدلائل) وزاد فيه: أنه أرسله إلى قومه باهلة. وقال ابن حبان كان مع على بصفين، مات أبو أمامة الباهلي سنة ست وثمانين. وقال ابن البرقي: بغير خلاف، وأثبت غيره الخلاف، فقيل: سنة إحدى قاله محمد بن سعد، وقال عبد الصمد بن سعيد: ولما مات خلف ابنا يقال له المغلس، وله- يعنى صاحب الترجمة- مائة وست سنين، فقد صح عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مات وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وأخرجه البخاري في (تاريخه) ، من طريق حميد بن ربيعة: رأيت أبا أمامة خرج من عند الوليد بن عبد الملك في ولايته سنة ست وثمانين، ومات ابنه الوليد سنة ست وتسعين. قال: وقال الحسن بن رافع عن ضمرة في (فضائل الصحابة) لخيثمة، ومن طريق وهب بن صدقة: سمعت جدي يوسف بن حزن الباهلي، سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: لما نزلت: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18] ، قلت: يا رسول اللَّه، أنا ممن بايع تحت الجزء: 12 ¦ الصفحة: 50 فخرج البيهقيّ [ (1) ] من حديث عفان بن مسلم قال: حدثنا مهدي ابن ميمون، حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب، عن رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أنشأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوا، فأتيته، فقلت: يا رسول اللَّه ادع لي بالشهادة. فقال: اللَّهمّ سلمهم وغنمهم. قال: فغزونا، فسلمنا، وغنمنا، ثم أنشأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوة فأتيته، فقلت: يا رسول اللَّه ادع لي بالشهادة، فقال: اللَّهمّ سلمهم وغنمهم، قال: فغزونا، فسلمنا وغنمنا، ثم أنشأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوة فأتيته فقلت: يا رسول اللَّه إني أتيتك مرتين. أسألك أن تدعو لي بالشهادة، فقال: اللَّهمّ سلمهم، وغنمهم. قال: فغزونا، فسلمنا وغنمنا، ثم أتيته بعد ذلك فقلت: يا رسول اللَّه مرني بعمل آخذه عنك ينفعني اللَّه به، قال: قال عليك بالصوم فإنه لا مثل له. قال: وكان أبو أمامه وامرأته وخادمه لا يلفون إلا صياما، فإذا رأوا نارا أو دخانا عرفوا أنه قد اعتراهم ضيف، قال: ثم أتيته بعد ذلك، قلت: فقلت: يا رسول اللَّه! قد أمرتنى بأمر أرجو أن يكون اللَّه قد نفعني به، مرني بأمر آخر ينفعني اللَّه تعالى به. قال: اعلم أنك لا تسجد للَّه تعالى سجدة إلا رفع بك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة. قال البيهقيّ: هكذا رواه جرير بن حازم، عن محمد بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب، عن رجاء [ (2) ] .   [ () ] الشجرة؟ قال: أنت منى وأنا منك. وأخرج أبو يعلي من طريق رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة: أنشأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوا فأتيته فقلت: ادع اللَّه لي بالشهادة. فقال: اللَّهمّ سلمهم وغنمهم ... الحديث. (الإصابة) : 3/ 420- 421، ترجمة رقم (4063) . [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 334- 335، باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم لأبي أمامة وأصحابه حين سأل الدعاء بالشهادة وإصابة الغنيمة فكان كما دعاه. [ (2) ] رواية رجاء أخرجها الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 330، حديث رقم (21636) ، من حديث أبى أمامة الباهلي الصدي بن عجلان بن وهب الباهلي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخرجه النسائيّ في (السنن) : 4/ 474، كتاب الصيام، باب (43) ذكر الاختلاف على محمد بن أبى يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم، حديث رقم (2219) ، (2220) ، وقال الجزء: 12 ¦ الصفحة: 51 ورواه شعبة عن محمد عن أبي نصر الهلالي، عن رجاء بن حيوة مختصرا [ (1) ] . وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم في شويهات أبي قرصافة ومسحه ظهورهنّ وضروعهن فمن بركاته امتلأت شحما ولبنا فخرج أبو نعيم [ (2) ] من حديث أيوب بن علي بن الهيصم بن مسلم ابن خيثمة قال: سمعت زيار بن سيار يقول: حدثتني عزة بنت عياض ابن أبي قرصافة أنها سمعت جدها أبا قرصافة صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: كان بدؤ إسلامي أنى كنت يتيما بين أمى وخالتي، وكان أكثر ميلى إلى خالتي، وكنت أرعى شويهات لي، وكانت خالتي كثيرا ما تقول لي: يا بنى لا تمر إلى هذا الرجل يعنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فيغر ربك [ (3) ] ويضلك، فكنت أخرج حتى آتي المرعى، فأترك شويهاتي، ثم آتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ولا أزال عنده أسمع منه، ثم أروح بغنمى ضمرا يابسات الضروع، فقالت لي خالتي: ما لغنمك يابسات الضروع؟ قلت: ما أدرى!! ثم عدت إليه اليوم الثاني ففعل كما فعل اليوم الأول، غير أنى سمعته يقول: أيها الناس هاجروا وتمسكو بالإسلام، فإن الهجرة لا تنقطع ما دام   [ () ] الحافظ السندي في (حاشيته على سنن النسائي) : قوله: «عليك بالصوم» ، أي الشرعي، فإنه المتبادر «فإنه لا مثل له» في كسر الشهوة، ودفع النفس الأمارة بالسوء والشيطان. أو لا مثل له في كثرة الثواب، ويحتمل أن المراد بالصوم كف النفس عما لا يليق، وهو التقوى كلها، وقد قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: 13] . [ (1) ] ورواية شعبة أخرجها النسائي في (المرجع السابق) : حديث رقم (2221) . [ (2) ] (دلائل أبى نعيم) : 453- 454، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لغنم أبى قرصافة، حديث رقم (378) - وقد أخرجه الطبراني ورجاله ثقات، وأبو قرصافة اسمه جندر بن خشينة الكناني، كما في (الاستيعاب) وغيره. [ (3) ] في (الدلائل) : «فيغويك» ، وفي الأصل: «فيغربك» ، ولعل ما أثبتناه أقرب إلى الصواب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 52 الجهاد، ثم إني رجعت بغنمى كما رحن اليوم الأول، ثم عدت اليه في اليوم الثالث، فلم أزل عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أسمع منه حتى أسلمت، وبايعته وصافحته بيدي، وشكوت إليه أمر خالتي، وأمر غنمي فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: جئني بالشياه، فجئته بهن، فمسح ظهورهن، وضروعهن، ودعا فيهن بالبركة، فامتلأت شحما ولبنا، فلما دخلت على خالتي بهن قالت: يا بنى هكذا فارع، فقلت: يا خالة ما رعيت إلا حيث كنت أرعى كل يوم، لكن أخبرك بقصتي، فأخبرتها بالقصة، وإتياني النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخبرتها بسيرته وكلامه فقالت لي أمي وخالتي: اذهب بنا إليه، فذهبت أنا وأمى وخالتي، فأسلمنا [ (1) ] وبايعنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وصافحهما. فهذا ما كان من إسلام أبي قرصافة وهجرته [ (2) ] ، قال ابن عبد البر رحمة اللَّه عليه: أبو قرصافة الكناني اسمه جندرة بن خيشنة بن نفير من بنى كنانة له صحبة، ونسبه بعضهم، فقال: أبو قرصافة جندرة بن خشينة بن مرة بن وائلة بن الفاكه بن عمرو بن الحارث بن مالك بن النضر بن كنانة، وقيل: اسمه قيس بن سهل، ولا يصح، سكن فلسطين، وقيل: أرض تهامة، قال مؤلفه [ (3) ] : حديثه في الطبراني لما أسر ولده ببلاد الروم، وقبره بعسقلان، وتسميه العامة قبر أبي هريرة. وأما حديثه فقال الطبراني: حدثنا بشر بن موسى بن بشر الغزيّ بغزة، حدثنا أيوب بن علي بن هيصم، حدثنا زياد بن يسار، عن عزة بنت عياض عن جدها أبي قرصافة جندرة بن خيشنه الليثي قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: نضر اللَّه سامع مقالتي، فوعاها، فحفظها، فرب حامل علم إلى من هو أعلم به منه، ثلاث لا يغل عليهنّ القلب، إخلاص العمل فيه، ومناصحة الولاة، ولزوم الجماعة. قال الطبراني: لا يروي عن أبي قرصافة إلا بهذا الإسناد، وبلغني أن ابنا لأبي قرصافة أسرته الروم، فكان أبو قرصافة يناديه في سوق عسقلان وقت الصلاة بها ... يا فلان الصلاة، فيسمعه، فيجيبه، وبينهما عرض البحر.   [ (1) ] في (أبى نعيم) : «فأسلمن» وبايعن» وصافحن» ، وما أثبتناه من (الأصل) ، وهو حق اللغة. [ (2) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط. [ (3) ] في (الأصل) كلمة غير واضحة، وما أثبتناه من (تهذيب التهذيب) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 53 وأما ثبات جرير البجلي [ (1) ] على الخيل بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم له بعد أن كان لا يثبت عليها   [ (1) ] هو جرير بن عبد اللَّه، وهو الشليل بن مالك بن نصر- أو نضر- بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن خزيمة بن حرب بن علي- أو عدي- بن مالك بن سعد بن نذير بن قسر، وهو مالك ابن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث البجلي. يكنى أبا عمرو. وقيل: أبا عبد اللَّه، واختلف في بجيلة، فقيل: ما ذكرنا، وقيل: إنهم من ولد أنمار بن نزار على ما ذكرناه في كتاب (القبائل) ، ولم يختلفوا أن بجيلة أمهم نسبوا إليها، وهي بجيلة بنت صعب بن علي بن سعد العشيرة. قال ابن إسحاق: جرير بن عبد اللَّه البجلي سيد قبيلته، يعنى بجيلة. قال: وبجيلة هو ابن أنمار بن نزار بن معد بن عدنان، وقال مصعب: أنمار بن نزار بن معد بن عدنان، منهم بجيلة. وقال أبو عمر رحمه اللَّه: كان إسلامه في العام الّذي توفى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال جرير: أسلمت قبل موت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأربعين يوما. وروى شعبة وهشيم عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد اللَّه البجلي، قال: ما حجبنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني قط إلا ضحك وتبسم. وقال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين اقبل وافدا عليه: يطلع عليكم خير ذي يمن، كأن على وجهه مسحة ملك، فطلع جرير، وبعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى ذي كلاع وذي رعين باليمن. وفيه فيما روى، قال رسول اللَّه، صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، وروى أنه قال ذلك في صفوان بن أمية الجمحيّ. وفي جرير قال الشاعر: لولا جرير هلكت بجيلة ... نعم الفتى وبئس القبيلة فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما مدح من هجى قومه، وكان عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: جرير بن عبد اللَّه يوسف هذه الأمة- يعنى في حسنه- وهو الّذي قال لعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حين وجد في مجلسه رائحة من بعض جلسائه، فقال عمر: عزمت على صاحب هذه الرائحة إلا قام فتوضأ، فقال جرير بن عبد اللَّه: علينا كلنا يا أمير المؤمنين فاعزم، قال: عليكم كلكم عزمت، ثم قال: يا جرير، ما زلت سيدا في الجاهلية والإسلام. ونزل جرير الكوفة وسكنها، وكان له بها دارا، ثم تحول إلى قرقيسياء، ومات بها سنة أربع وخمسين. وقد قيل: إن جريرا توفى سنة إحدى وخمسين. وقيل مات بالسراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة لمعاوية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 54 فخرج النسائيّ من حديث سفيان، عن إسماعيل، عن قيس عن جرير قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا تكفني ذا الخلصة؟ فقلت: يا رسول اللَّه إني لا أثبت على الخيل فصكّ في صدري فقال: اللَّهمّ ثبته واجعله هاديا مهديا فخرجت في خمسين راكبا من قومي، فأتيناها، فأحرقناها. وخرج الطبراني من حديث أبي أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير قال: كنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك   [ () ] أخبرنا عبد اللَّه بن محمد، حدثنا حمزة، حدثنا أحمد بن شعيب، حدثنا محمد بن منصور، حدثنا سفيان عن إسماعيل عن قيس عن جرير قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا تكفيني ذا الخلصة -[ذو الخلصة- محرك-: بيت كان يدعى الكعبة اليمانية لخثعم، وكان فيه صنم اسمه الخلصة]- فقلت: يا رسول اللَّه، إني رجل لا أثبت على الخيل، فصك في صدري، فقال: اللَّهمّ ثبته، واجعله هاديا مهديا. فخرجت في خمسين من قومي، فأتيناها فأحرقناها. وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جرير بن عبد اللَّه إلى ذي الكلاع وذي ظليم باليمن، وقدم جرير بن عبد اللَّه على عمر بن الخطاب من عند سعد بن أبي وقاص، فقال له: كيف تركت سعدا في ولايته؟ فقال: ولايته؟ أكرم الناس مقدرة، وأحسنهم معذرة، هو لهم كالأم البرة، يجمع لهم كما تجمع الذرة، مع أنه ميمون الأثر، مرزوق الظفر، أشد الناس عند البأس، وأحب قريش إلى الناس. قال: فأخبرني عن حال الناس، قال: هم كسهام الجعبة، منها القائم الرائش، ومنها العضل الطائش، وابن أبي وقاص ثقافها يغمز عضلها، ويقيم ميلها، واللَّه أعلم بالسرائر يا عمر. قال أخبرني عن إسلامهم، قال: يقيمون الصلاة لأوقاتها، ويؤتون الطاعة لولاتها. فقال عمر: الحمد للَّه إذا كانت الصلاة أوتيت والزكاة، وإذا كانت الطاعة كانت الجماعة. وجرير القائل: الخرس خير من الخلابة، والبكم خير من البذاء. وكان جرير رسول على رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه إلى معاوية، فحبسه مدة طويلة، ثم رده برق مطبوع غير مكتوب، وبعث معه من يخبره بمنابذته له في خبر طويل مشهور. روى عنه أنس بن مالك، وقيس بن أبى حازم، وهمام بن الحارث، والشعبي وبنوه عبيد اللَّه، والمنذر، وإبراهيم. (الاستيعاب) : 1/ 236- 240، ترجمة رقم (322) ، (الإصابة) : 1/ 475- 476 ، ترجمة رقم (1138) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 55 لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فضرب يده في صدري، حتى رأيت أثر يده في صدري، فقال: اللَّهمّ ثبته واجعله هاديا مهديا، فما سقطت عن فرس بعد. وخرجه البخاريّ [ (1) ] في كتاب الجهاد من حديث إسماعيل عن قيس، عن جرير قال: ما حجبنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي ولقد شكوت إليه أنى لا أثبت على الخيل فضربني بيده في صدري. وقال: اللَّهمّ ثبته واجعله هاديا مهديا. وخرجه مسلم أيضا [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 190، كتاب الجهاد والسير، باب (154) حرق الدور والنخيل، حديث رقم (3020) ، وباب (162) من لا يثبت على الخيل، حديث رقم (3035) ، (3036) . وفي كتاب المغازي، باب (63) غزوة ذي الخلصة، حديث رقم (4355) ، (4536) ، وفي كتاب مناقب الأنصار، باب (21) ذكر جرير بن عبد اللَّه البجلي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3822) ، (3823) ، وفي كتاب الأدب، باب (68) التبسم والضحك، (حديث رقم (6089) ، (6090) ، وفي كتاب الدعوات، باب (19) قول اللَّه تبارك وتعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ومن خصّ أخاه بالدعاء دون نفسه، حديث رقم (6333) . وفي الحديث مشروعية إزالة ما يفتتن به الناس من بناء وغيره، وسواء كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا، وفيه استمالة نفوس القوم بتأمير من هو منهم، والاستمالة بالدعاء، والثناء والبشارة في الفتوح، وفضل ركوب الخيل في الحرب، وقبول خبر الواحد والمبالغة في نكاية العدو، ومناقب لجرير وقومه، وبركة يد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ودعائه، وأنه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يدعو وترا، وقد يجاوز الثلاث، وفيه تخصيص لعموم قول أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: «كان إذا دعا دعا ثلاثا» ، فيحمل على الغالب، وكأن الزيادة لمعنى اقتضى ذلك، وهو ظاهر في أحمس لما اعتمدوه من دحض الكفر ونصر الإسلام، ولا سيما مع القوم الذين هم منهم (فتح الباري) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 268- 269، كتاب فضائل الصحابة، باب (29) من فضائل جرير بن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (134) ، (135) ، (136) ، (137) ، وفيه استحباب اللطف للواردة، وفيه فضيلة ظاهرة لجرير، وفيه النكاية بآثار الباطل والمبالغة في إزالته، وفيه استحباب إرسال البشير بالفتوح وغيرها. (شرح النووي) . وأخرجه أيضا أبو داود في (السنن) : 3/ 214، كتاب الجهاد، باب (172) في بعثه البشراء، حديث رقم (2772) ، عن قيس عن جرير قال: قال لي رسول اللَّه: صلّى اللَّه عليه وسلم «ألا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 56 أما ظهور البركة بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم في سبعة عشر دينارا أظفر بها المقداد بن عمرو [ (1) ] حتى امتلأت منها غرائر ورقاء   [ () ] تريحني من ذي الخلصة» ؟ فأتاها فحرقها، ثم بعث رجلا من أحمس إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يبشره يكنى أبا أرطاة. وأحمس: قبيلة جرير، وأبو أرطاة اسمه الحصين بن ربيعة، له صحبة. قال في هامشه: نسبة المنذري للنسائي. [ (1) ] هو المقداد بن الأسود الكندي: هو ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود البهراني، وقيل: الحضرميّ. قال ابن الكلبي: كان عمرو بن ثعلبة أصاب دما في قومه، فلحق بحضرموت، فخالف كندة، فكان يقال له الكندي، وتزوج هناك امرأة فولدت له المقداد، فلما كبر المقداد وقع بينه وبين أبى شمر بن حجر الكندي، فضرب رجله بالسيف وهرب إلى مكة، فخالف الأسود بن عبد يغوث الزهري، وكتب إلى أبيه، فقدم عليه فتبني الأسود المقداد فصار يقال: المقداد بن الأسود وغلبت عليه، واشتهر بذلك: فلما نزلت ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب: 5] قيل له: أبا الأسود، وقيل: كنيته أبو عمر، وقيل: أبو سعيد. أسلم قديما، وتزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، ابنة عم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، وكان فارسا يوم بدر، حتى إنه لم يثبت أنه كان فيها على فرس غيره. وقال زر بن حبيش، عن عبد اللَّه بن مسعود: أول من أظهر إسلامه سبعة، فذكره منهم. وقال مخارق بن طارق، عن ابن مسعود: شهدت مع المقداد مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلى مما عدل به. وذكر البغوي، من طريق أبى بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر: أول من قاتل على فرس في سبيل اللَّه المقداد بن الأسود. ومن طريق موسى بن يعقوب الزمعي عن عمتهما قريبة، عن عمتها كريمة بنت المقداد، عن أبيها: شهدت بدرا على فرس لي يقال لها سبحة. ومن طريق يعقوب بن سليمان عن ثابت البناني، قال: كان المقداد وعبد الرحمن بن عوف جالسين، فقال له مالك: ألا تتزوج؟ قال: زوجني ابنتك، فغضب عبد الرحمن وأغلظ له، فشكا ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: أنا أزوجك. وعن المدائني، قال: كان المقداد طويلا، آدم، كثير الشعر، أعين [واسع العينين] ، مقرونا [مقرون الحاجبين] ، يصفر لحيته. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 57 فخرج أبو بكر بن أبي شيبة [ (1) ] من حديث موسى بن يعقوب قال: حدثتني قريبة بنت عبد اللَّه بن وهب، عن أمها كريمة بنت المقداد بن عمرو، عن ضباعة بنت الزبير، وكانت تحت المقداد، قالت: كان الناس إنما يذهبون لحاجتهم فرط اليومين وثلاث [ (2) ] ، فيبعرون كما تبعر الإبل، فلما كان [ذات] [ (3) ] يوم خرج المقداد لحاجته، بلغ الحجنة وهو ببقيع الغرقد، فدخل خربه لحاجته فبينما هو جالس إذ خرج جرذ من جحر دينارا. فلم يزل يخرج دينارا دينارا حتى بلغ سبعة عشر دينارا، فخرجت بها حتى جئت بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخبرته خبرها، فقال: هل أتبعت يدك الجحر؟ فقلت: لا والّذي بعثك بالحق نبيا،   [ () ] وأخرجه يعقوب بن سفيان، وابن شاهين من طريقه بسنده إلى كريمة زوج المقداد: كان عظيم البطن، وكان له غلام رومي، فقال له: أشق بطنك فأخرج من شحمة حتى تلطف، فشق بطنة ثم خاطه، فمات المقداد، وهرب الغلام. وقال أبو ربيعة الإيادي، عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه عز وجل أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم: علي، والمقداد، وأبو ذر، وسلمان، أخرجه الترمذي وابن ماجة، وسنده حسن. وروى المقداد عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحاديث. روى عنه علي، وأنس، وعبيد اللَّه بن الخيار، وهمام بن الحارث، وعبد الرحمن بن أبى ليلى، وآخرون. اتفقوا أنه مات سنة ثلاثا وثلاثين في خلافة عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قيل: وهو ابن سبعين سنة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. (الإصابة) : 6/ 202- 204 ، ترجمة رقم (8189) ، (الاستيعاب) : 3/ 1480- 1482، ترجمة رقم (2561) . [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 461- 462، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم للمقداد بالبركة في مال وصل إليه، حديث رقم (389) من حديث أبي بكر بن أبي شيبة وسنده عند أبي نعيم: «حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا موسى بن يعقوب قال: حدثتني عمتي قريبة بنت عبد اللَّه بن وهب، عن أمها كريمة بنت المقداد بن عمرو عن ضباعة بنت الزبير، وكانت تحت المقداد، قالت: الحديث، باختلاف يسير في اللفظ. [ (2) ] أي بعد اليومين والثلاث. [ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 58 فقال: لاصدقه عليك فيها بارك اللَّه فيها، قالت: ضباعة فما فنى آخرها حتى رأيت غرائر الورق في بيت المقداد. قال أبو نعيم: رواه ابن أبي فديك، عن موسى بن يعقوب نحوه. وأما تصرع أعدائه صلّى اللَّه عليه وسلم عند استغاثته بمالك يوم الدين فخرج أبو نعيم من حديث محمد بن عبد اللَّه البغوي قال: حدثنا أبو الربيع الزهرانيّ عبد السلام بن هاشم حدثنا حنبل عن أنس بن مالك، عن أبي طلحة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزاة فلقى العدو، فسمعته يقول: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، فلقد رأيت الرجال تصرع تضربها الملائكة من بين أيديها، ومن خلفها [ (1) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 459- 460، استعانته باللَّه تبارك وتعالى، حديث رقم (386) ، وهذا الحديث انفرد به أبو نعيم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 59 وأما استرضاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم أم شاب قد أمسك لسانه عن شهادة الحق حتى رضيت فشهد بها فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن عطاء قال: حدثنا أبو الورقاء عن عبد اللَّه بن أبي أوفى قال: بينما نحن قعود عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذ أتاه آت، فقال: يا رسول اللَّه إن هاهنا شاب يجود بنفسه يقال له: قل: لا إله إلا اللَّه.. فلا يستطيع، قال فنهض، ونهضنا معه، حتى دخل عليه، فقال: يا شاب قل: لا إله إلا اللَّه. قال: لا أستطيع، قال: لم؟ قال: أقفل على قلبي كلما أردت أن أقولها، غمر القفل على قلبي، قال: لم؟ قال: بعقوقي والدتي! قال: أحية والدتك؟ قال: نعم، قال: فأرسل إليها. فلما جاءت قال: هذا ابنك؟ قالت: نعم قال: أرأيت إن أججت لك نار ضخمة، فقيل لك: أتشفعين له أم نلقيه فيها؟ فقالت: بل يا رسول اللَّه أشفع له، قال: فأشهدي اللَّه، وأشهديني برضاك عنه. فقالت: اللَّهمّ إني أشهدك، وأشهد رسولك برضاي عنه، قال: فقال: يا شاب، قل: لا إله إلا اللَّه فقال: لا إلا أسلم اللَّه وحده لا شريك له، قال: فقال ثلاثا الحمد للَّه الّذي أنقذك بى من النار. قال مؤلفه رحمة اللَّه عليه: لا يكاد هذا الحديث أن يصح لأنه من رواية أبي الورقاء فائد بن عبد الرحمن أبي الورقاء الكوفي العطار. يروي عن عبد اللَّه بن أبي أوفى وبلال بن أبي الدرداء وغيرهما. ويروي عنه عيسى بن يونس، وعبد اللَّه بن بكر، وأبو عاصم العباد ويزيد بن هارون، ومسلم بن هارون، ومسلم بن إبراهيم، والفرياني في آخرين. قال ابن معين: ليس بثفة، ومرة قال: ضعيف، قال أحمد بن حنبل متروك الحديث وقال البخاري: فائد عن ابن أبي أوفى منكر الحديث. وقال ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه. خرج له ابن ماجة والراويّ عنه عبد الوهاب بن عطاء الحفاف أبو نصر العجليّ مولاهم البصري نزيل بغداد.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 205- 206، ما جاء في الشاب الّذي لم ينفتح لسانه بالشهادة عند الموت، حتى رضيت عنه والدته. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 60 يروى عن حميد وسليمان التيمي وابن عون وعدة. ويروى عنه أحمد وابن معين وأبو ثور وخلف. قال المروزي: قلت لأبي عبد اللَّه: عبد الوهاب ثقة؟ قال: تدري ما تقول؟ إنما الثقة يحيى القطان. وقال زكريا الساجي والبخاري قبله والنسائي: ليس بالقوى. وقال صالح: أنكروا حديثه في فضل العباسي ورواه عن ثور، عن ابن عباس، فكان يحيى بن معين يقول هذا موضوع. ومات بعد سنة مائتين. خرج له مسلم والأربعة ووثقه ابن معين وغيره. [ (1) ] وأما إسلام يهودي عند تشميت الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم بقوله: هداك اللَّه فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث محمد بن رزام بن عبد الملك قال حدثنا محمد ابن عبد اللَّه بن عمر وأبو سلمة الأنصاري، عن مالك بن دينار، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان يهودي جالسا بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فعطس النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال له اليهودي: يرحمك اللَّه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لليهودي: هداك اللَّه، فأسلم. قال البيهقي: هذا إنسان مجهول [ (3) ] .   [ (1) ] ترجمته في (البخاري الكبير) : 7/ 132، (ضعفاء العقيلي) : 3/ 460، قال عنه ابن حبان في (الضعفاء) : 2/ 203: كان ممن يروى المناكير عن المشاهير، ويأتى عن ابن أبي أوفى بالمعضلات، ولا يجوز الاحتجاج به. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 207، باب ما جاء في اليهودي الّذي شمته النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال له: هداك اللَّه، فأسلم، إن صح. [ (3) ] إسناده في (دلائل البيهقي) : حدثنا أبو جعفر: كامل بن أحمد المستملي، قال: أنبأنا أبو الحسن على بن محمد بن على الخلعانى السمناني بدامغان، حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن يونس السمناني، حدثنا محمد بن رزام السليطي البصري، حدثنا محمد بن عمرو، عن عبد اللَّه الأنصاري، وأنبأنا أبو الحسن على بن الحسين بن علي البيهقي صاحب المدرسة، حدثنا أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد بن يزداد، إملاء ببخارى- أنبأنا أبو عبد اللَّه: محمد بن يونس المقرئ بنيسابور، قال: حدثنا أبو الفضل العباس بن إبراهيم، حدثنا محمد رزام، أبو عبد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 61 أما ثروة صخر الغامدي [ (1) ] لامتثاله ما أخبر به الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم من البركة في البكور فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث شعبة عن يعلى بن عطاء، عن عمارة بن حديد، عن صخر الغامدي قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بارك اللَّهمّ لأمتى في بكورها [ (3) ] ، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يبعث سرية إلا بعثهم في أول النهار. قال:   [ () ] الملك الأيلي، حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن عمرو أبو سلمة الأنصاري، عن مالك بن دينار، عن أنس بن مالك ... فذكره. [ (1) ] هو صخر بن وداعة. وقال ابن حبان: صخر بن وديعة، ويقال: ابن وداعة الغامدي، نسبة إلى غامد بالمعجمة، ابن عمرو بن عبد اللَّه بن كعب بن الحارث [بطن من الأزد] . وقال البغوي: سكن صخر الطائف. وقال ابن السكن مثله، وزاد: يعد في أهل الحجاز، روى حديثه أصحاب السنن، وأحمد، وصححه ابن خزيمة وغيره، وهو: «اللَّهمّ بارك لأمتي في بكورها» . وفي بعض طرقه: وكان صخر رجلا تاجرا، فكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار، فأثرى وكثر ماله. وقال الترمذيّ والبغوي: ما له غيره، وتعقب بأن الطبراني أخرج له آخر متنه: «لا تسبوا الأموات» . وقال أبو الفتح وابن السكن: لم يرو عنه إلا عمارة بن حديد. قال أبو عمر بن عبد البر: وعمارة بن حديث رجل مجهول لم يرو عنه غير يعلي بن عطاء الطائفي، ولا أعلم لصخر الغامدي غير حديث: «بورك لأمتى في بكورها: ، وهو لفظ رواه جماعة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. (الإصابة) : 3/ 418- 419، ترجمة رقم (4058) ، (الاستيعاب) : 2/ 716، ترجمة رقم (1210) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 222، باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم بالبركة لأمته في بكورها. [ (3) ] كذا في (الأصل) وفي (المرجع السابق) : «اللَّهمّ بارك ... » وأخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 79- 80 ، وأخرجه الترمذيّ في (السنن) : «3/ 517، كتاب البيوع، باب (6) ما جاء في التبكير بالتجارة. حديث رقم (1212) ، قال: وفي الباب عن على وابن مسعود وبريدة وأنس وابن عمر وابن عباس وجابر. وقال أبو عيسى: حديث صخر الغامدي حديث حسن، ولا نعرف لصخر الغامدي، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم غير هذا الحديث، وقد روى سفيان الثوري، عن شعبة، عن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 62 وكان صخر رجلا تاجرا، فكان يبعث غلمانه في أول النهار فأثرى وكثر ماله، حتى لم يدر أن يضعه. قال ابن عبد البر صخر بن وداعة الغامدي، وغامد في الأزد، سكن الطائف وهو معدود في أهل الحجاز. روى عنه عمارة بن حديد، رجل مجهول لم يرو عنه غير يعلي ابن عطاء الطائفي، ولا أعلم لصخر الغامدي غير حديث: «بورك لأمتي في بكورها» . وهو لفظ رواه جماعة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] قال المؤلف رحمه اللَّه: قد خرج أصحاب السنن الأربعة لصخر هذا حديث: «بورك لأمتى في بكورها» . وخرج له الطبراني مما لم يخرجوه حديث: «لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء» ، من طريق الفرياني، حدثنا سفيان عن سعيد، عن يعلى بن عطاء بن حديد، قال أبو حاتم: مجهول، وذكره ابن حبان في (الثقات) وحسن له الترمذي حديثه الّذي لم يعرف بغير رواية «بورك لأمتي في بكورها» ، وأنكر ذلك على الترمذي لمكان عمارة منه، ولا يعتبر ذكر ابن حبان له في (الثقات) [ (2) ] فإنه يذكر المجاهيل الأحوال.   [ () ] يعلى ابن عطاء، هذا الحديث. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 752، كتاب التجارات، باب (41) ، ما يرجى من البركة في البكور، حديث رقم (2236) . [ (1) ] راجع ترجمته السابقة. [ (2) ] (الثقات) : 3/ 193، وراجع ترجمته في أول الفصل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 63 وأما تحاب امرأة وزوجها بعد تباغضهما بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن الزبير الحميدي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أبي على اللهبي، حدثنا محمد بن المنكدر [ (2) ] ، عن جابر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: مر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسوق النبط [ (3) ] ، ومعه عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأقبلت امرأة قالت: يا رسول اللَّه إن معى زوجي في البيت مثل المرأة، وأنا امرأة من المسلمين أحب ما تحبه المسلمة. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: عليّ به، فجاءت به، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ما تقول زوجتك هذه؟ فقال: والّذي بعثك بالحق ما جف رأسي من الغسل منها بعد. فقالت: يا رسول اللَّه وما مرة واحدة في الشهر؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: تبغضينه؟! قالت: نعم والّذي أكرمك [بالحق] [ (4) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ادنيا إليّ رأسيكما [ (5) ] ، فوضعا جبهتهما على وجهه فقال: اللَّهمّ ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه، ثم مر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعد ذلك بأيام بهما، وكان زوج المرأة خراز، فإذا هي تحمل أدما على رقبتها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يا عمر، أليست صاحبتنا التي قالت ما قالت؟ فسمعت صوت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فرمت بالأدم، فقبلت [ (6) ] رجل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. ثم قال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: كيف أنت وزوجك؟ فقالت: والّذي أكرمك ما في الدنيا ولد ولا والد أحب إلى منه. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إني أشهد أنى رسول اللَّه. فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وأنا أشهد أنك رسول اللَّه. قال أبو نعيم: رواه ابن المبارك عن محمد بن المنكدر [ (7) ] مرسلا [ (8) ] .   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 460، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لزوجين بالتأليف بينهما، حديث رقم (387) . [ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «المنذر» . [ (3) ] النبط: أخلاط الناس من غير العرب. [ (4) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (5) ] في (دلائل أبي نعيم) : «رءوسكما» . [ (6) ] كذا (بالأصل) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : «ثم قبلت» . [ (7) ] لعله «ابن المنذر» كما في سند الحديث. [ (8) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط، وليس في النسخة المحققة من (دلائل أبي نعيم) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 64 وخرجه البيهقي [ (1) ] من حديث عبد العزيز بن عبد اللَّه الأويسي قال: حدثني علي بن أبي علي اللهبي [ (2) ] ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج وعمر بن الخطاب معه، فعرضت له امرأة، فقالت يا رسول اللَّه إني امرأة مسلمة محرومة ومعى زوج لي في بيتي مثل المرأة. فقال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ادعى زوجك، فدعته وكان خرازا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ما تقول امرأتك يا عبد اللَّه؟ فقال الرجل: والّذي أكرمك ما جفّ رأسي منها؟ فقالت امرأته: ما مرة واحدة في الشهر؟ فقال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أتبغضينه؟ قالت: نعم، فقال: أدنيا رأسيكما [ (3) ] ، فوضع جبهتها على جبهة زوجة، وقال: اللَّهمّ ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه، ثم مر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسوق النبط ومعه عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فطلعت المرأة تحمل أدما على رأسها، فلما رأت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم طرحته وأقبلت فقبلت رجليه! فقال: كيف أنت وزوجك؟ فقالت والّذي أكرمك ما طارق ولا تالد [ (4) ] ولا ولد أحب إلى منه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أشهد أني رسول اللَّه، فقال عمر: وأنا أشهد أنك لرسول اللَّه. قال أبو عبد اللَّه- يعنى الحاكم-: تفرد به علي بن أبي علي اللهبي، وهو كثير الرواية للمناكير. وقال البيهقي: وقد روى يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه معنى هذه القصة، إلا أنه لم يذكر فيها عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 228- 229، باب ما جاء في دعائه لزوجين أحدهما يبغض الآخر بالألفة، واستجابة اللَّه تعالى دعاءه فيهما. [ (2) ] من (الأصل) فقط. [ (3) ] كذا في (الأصل) وفي (دلائل البيهقي) : «رءوسكما» . [ (4) ] في (الأصل) : «تليد» ، «ولد» وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 65 قال المؤلف رحمه اللَّه: علي بن أبي على اللهبي [ (1) ] . مدني، قال الإمام أحمد: يروى أحاديث مناكير عن جابر، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال البخاري: لم يرضه، أحمد منكر الحديث، وقال السعدي: ضعيف الحديث، روى عن محمد ابن المنكدر فأعضل، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن عدي: وهذه الأحاديث التي أمليتها لعلى عن محمد بن المنكدر، عن جابر وغيره، كلها محفوظة، وله غير ما ذكرت وكله يشبه بعضه بعضا [ (2) ] .   [ (1) ] على بن أبي علي اللهبي، ترجمته في (لسان الميزان) : 4/ 245، (ميزان الاعتدال) : 3/ 147، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 5/ 184- 186، ترجمة رقم (376/ 1344) ، وقال في آخرها، وهذه الأحاديث التي أمليتها لعلى بن أبي على عن محمد بن المنكدر، وغيره كلها غير محفوظة، وله غير ما ذكرت من الحديث وكل يشبه بعضه بعضا. [ (2) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 66 وأما هداية اللَّه تعالى أهل اليمن وأهل الشام والعراق بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج الترمذي [ (1) ] من حديث عمران القطّان، عن قتادة، عن أنس، عن زيد ابن ثابت، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نظر قبل اليمن، فقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، وبارك لنا في صاعنا ومدنا. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب لا يعرف من حديث زيد بن ثابت إلا من حديث عمران القطان. خرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث عيسى بن المختار عم محمد بن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن جابر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أنه نظر قبل الشام، فقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، ثم نظر إلى كل أفق، فقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، ثم قال: اللَّهمّ ارزقنا من كثرات الأرض، وبارك لنا في مدنا وصاعنا. قال أبو بكر: كثرت الأرض نباتها. قال أبو عيسى الترمذي: وقد تكلم بعض أهل العلم في ابن أبي ليلى من قبل حفظه، قال أحمد: لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى، وقال محمد بن إسماعيل، يعنى البخاري: ابن أبي ليلى صدوق، ولا أروى عنه لأنه لا يدرى صحيح حديثه سقيمه، وكل من كان على مثل هذا فلا أروى عنه شيئا. وخرج أبو دواد الطيالسي هذا الحديث من طريق عمران القطان، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن زيد بن ثابت، قال: نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل اليمن، فقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، ثم نظر قبل الشام وقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، ثم نظر قبل العراق وقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، وبارك لنا في صاعنا ومدنا.   [ (1) ] (سنن الترمذيّ) : 5/ 682- 683، كتاب المناقب، باب (72) في فضل اليمن، حديث رقم (3934) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 67 وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم على مضر حتى قحطوا ثم دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لهم حتى سقوا خرج مسلم [ (1) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرنى يونس [بن يزيد] [ (2) ] عن ابن شهاب، أخبرنا سعيد المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة [ (3) ] ، ويرفع رأسه: سمع اللَّه لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم يقول وهو قائم: اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين. اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسنى يوسف، اللَّهمّ العن لحيان، ورعلا، وذكوان، وعصية عصت اللَّه ورسوله* ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل عليه لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ [ (4) ] . وخرّجه من حديث ابن عيينة، عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى قوله: واجعلها عليهم كسنى يوسف ولم يذكر ما بعده [ (5) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 182- 183، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (54) استجاب القنوت في جميع الصلاة إذا أنزلت بالمسلمين نازلة، حديث رقم (294) . [ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (4) ] آل عمران: 128. [ (5) ] الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم، ثم ذكره كاملا من حديث الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، حديث رقم (295) ، وفيه استحباب الجهر بالقنوت في الصلاة الجهرية، وجهان: أصحهما يجهر، ويستحب رفع اليدين فيه، ولا يمسح الوجه، وقيل: يستحب مسحه، وقيل: لا يرفع اليد، وأنفقوا على كراهة مسح الصدر، والصحيح أنه لا يتعين فيه دعاء الجزء: 12 ¦ الصفحة: 68 وخرّجه البخاري [ (1) ] من حديث إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن سعيد وأبى سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قال بعد الركوع، وربما قال: إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، ربنا لك الحمد، اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسنى يوسف. يجتهد بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللَّهمّ العن فلانا وفلانا [ (2) ] لأحياء من العرب حتى أنزل اللَّه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [ (3) ] .   [ () ] مخصوص، بل يحصل بكل دعاء، وفيه وجه أنه لا يحصل إلا بالدعاء المشهور: «اللَّهمّ اهدني فيمن هديت» إلى آخره، والصحيح أن هذا مستحب لا شرط، ولو ترك القنوت في الصبح سجد للسهو، وذهب أبو حنيفة وأحمد وآخرون إلى أنه لا قنوت في الصبح، وقال يقنت قبل الركوع. وفيه جواز الدعاء لإنسان معين وعلى معين، وقد سبق أنه يجوز أن يقول: ربنا لك الحمد، وربنا ولك الحمد، بإثبات الواو وحذفها، وقد ثبت الأمران في الصحيح. والوطأة: هي البأس. قوله: «واجعلها عليهم كسنى يوسف» وهو بكسر السين وتخفيف الياء أي اجعلها سنين شدادا ذوات قحط وغلاء. (شرح النووي) . [ (1) ] باب (9) قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، حديث رقم (4560) . [ (2) ] قال الحافظ في (الفتح) : تقدمت تسميتهم في غزوة أحد من رواية مرسلة أوردها المصنف عقب هذا الحديث بعينه، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، قال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام فنزلت» . وأخرج الإمام أحمد والترمذيّ هذا الحديث موصولا من رواية عمرو بن حمزة، عن سالم عن أبيه، فسماهم، وزاد في آخر الحديث: «فتيب عليهم كلهم» وأشار بذلك إلى قوله في بقية الآية: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وللإمام أحمد أيضا من طريق محمد بن عجلان عن نافع عن عمر «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو على أربعة فنزلت، قال: وهداهم اللَّه للإسلام» وكان الرابع عمرو بن العاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. قوله: «الوليد بن الوليد» أي ابن المغيرة، وهو أخو خالد بن الوليد، وكان شهد بدرا مع المشركين، وأسر، وفدى نفسه ثم أسلم، فحبس بمكة، ثم تواعد هو وسلمة وعياش الجزء: 12 ¦ الصفحة: 69 ذكره في التفسير، وذكره في كتاب الأدب في باب تسمية الوليد [ (1) ] ، من حديث أبي نعيم قال: حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: لما رفع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رأسه من الركعة قال: اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة ابن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين، بمكة، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف. وخرجه النسائي [ (2) ] من حديث سفيان قال: حفظناه عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: لما رفع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رأسه من الركعة الثانية من صلاة الصبح قال: اللَّهمّ أنج ... ، الحديث، بمثل حديث أبي نعيم غير أنه قال: «واجعلها» ، ولم يقل: «اللَّهمّ» .   [ () ] المذكورين معه وهربوا من المشركين، فعلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمخرجهم فدعا لهم، أخرجه عبد الرزاق بسند مرسل، ومات الوليد المذكور لما قدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. قوله: «وسلمة بن هشام» أي ابن المغيرة، وهو ابن عم الّذي قبله، وهو أخو أبي جهل، وكان من السابقين إلى الإسلام، واستشهد في خلافة أبي بكر بالشام سنة أربع عشرة. قوله: «لأحياء من العرب» وقع تسميتهم في رواية يونس عن الزهري عند مسلم بلفظ: «اللَّهمّ العن رعلا» ، وذكوان، وعصية» . [ (3) ] آل عمران: 128. [ (1) ] باب (110) تسمية «الوليد» ، حديث رقم (6200) ، وأخرجه عبد الرزاق في الجزء الثاني من (أماليه) ، عن عمر، كلاهما عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: «ولد لأخى أم سلمة ولد فسماه الوليد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: سميتموه بأسماء فراعنتكم، ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، هو أشر على هذه الأمة من فرعون لقومه «قال الوليد بن مسلم في روايته: قال الأوزاعي: فكانوا يرونه الوليد بن عبد الملك. ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقتلوه، وانفتحت الفتن على الأمة بسبب ذلك وكثر فيهم القتل. [ (2) ] (سنن النسائي) : 2/ 545- 547، كتاب التطبيق، باب (26) القنوت بعد الركوع، حديث رقم (1069) ، باب (27) القنوت في صلاة الصبح، حديث رقم (1072) ، (1073) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 70 وخرجه مسلم [ (1) ] وأبو دواد [ (2) ] من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة أن أبا هريرة حدثهم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قنت بعد الركعة في صلاة العتمة [ (3) ] شهرا، إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، يقول في قنوته: اللَّهمّ نج الوليد بن الوليد، اللَّهمّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهمّ نج عياش بن أبي عياش، اللَّهمّ نج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف. قال أبو هريرة: ثم رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ترك الدعاء بعد، فقلت: أرى رسول اللَّه قد ترك الدعاء لهم، قال: فقال: وما تراهم قد قدموا؟ وقال أبو داود: قال أبو هريرة [ (4) ] أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم، فلم يدع، فذكر ذلك له. فقال: ما تراهم قد قدموا [ (5) ] ؟ ولم يقل في الحديث: أو قال: سمع اللَّه لمن حمده. وخرج مسلم [ (6) ] من حديث حسين بن محمد، حدثنا شيبان عن يحيى، عن أبي سلمة أن أباه أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينما هو يصلّى العشاء إذا قال: سمع   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 183، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (54) استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة، حديث رقم (295) . [ (2) ] (سنن أبي دواد) : 2/ 142، كتاب الصلاة، باب (345) القنوت في الصلوات، حديث رقم (442) . [ (3) ] في (الأصل) : «الفجر» ، وما أثبتناه من (سنن أبي داود) . [ (4) ] زيادة للسياق من (سنن أبي دواد) . [ (5) ] أي كان ذلك الدعاء لهم لأجل تخليصهم من أيدي الكفرة، وقد خلصوا منهم وجاءوا للمدينة، فما بقي حاجة بالدعاء لهم بذلك. وفيه من الفقه إثبات القنوت في غير الوتر، وفيه دليل على أن الدعاء لقوم بأسمائهم وأسماء آبائهم لا يقطع الصلاة، وأن الدعاء على الكفار والظلمة لا يفسدها ومعنى «سنى يوسف» القحط والجدب، وهي السبع الشداد التي أصابتهم. (معالم السنن) . [ (6) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 184، كتاب المساجد ومواضع الصلاة فيها، باب (45) استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة، الحديث الّذي يلي رقم (295) ، بدون رقم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 71 اللَّه لمن حمده، ثم قال قبل أن يسجد: اللَّهمّ نج عياش بن أبي ربيعة، ثم ذكر بمثل حديث الأوزاعي في قوله: كسنى يوسف، ولم يذكر ما بعده. وخرج البخاري [ (1) ] في تفسير سورة النساء من حديث أبي نعيم قال حدثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلّى العشاء إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، ثم قال قبل أن يسجد: اللَّهمّ نج عياش، بن أبي ربيعة، اللَّهمّ نج سلمة بن هشام، اللَّهمّ نج الوليد بن الوليد، اللَّهمّ نج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ اجعلها سنين كسنى يوسف. وخرّج في كتاب الأدعية في باب الدعاء على المشركين [ (2) ] من حديث هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده في الركعة الأخرى من صلاة العشاء قنت: اللَّهمّ أنج عياش ابن أبي ربيعة، اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهمّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ اجعلها سنين كسنى يوسف. وخرّجه في الاستسقاء في باب دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] من حديث مغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول: اللَّهمّ أنج عياش بن أبي ربيعة، اللَّهمّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ اجعلها سنين كسنى يوسف. وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: غفار غفر اللَّه لها، وأسلم سالمها اللَّه. قال ابن أبي الزناد عن   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 335، كتاب التفسير، باب (21) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً، حديث رقم (4598) . [ (2) ] باب (58) ، وقال ابن مسعود: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف، وقال: اللَّهمّ عليك بأبي جهل، وقال ابن عمر، دعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الصلاة وقال: اللَّهمّ العن فلانا وفلأنا حتى أنزل اللَّه عز وجل: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ حديث رقم (6393) . [ (3) ] باب (2) دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: «اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» ، حديث رقم (1006) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 72 أبيه: هذا كله في الصبح وخرجه في أول كتاب الإكراه [ (1) ] من حديث هلال بن أسامة ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وخرجه في الجهاد في باب الدعاء على المشركين [ (2) ] من حديث سفيان، عن ذكوان، عن الأعرج [ (3) ] ، عن أبي هريرة، وفي كتاب الأنبياء في باب: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ من حديث شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. خرج أبو نعيم من حديث عباد بن منصور، عن القاسم بن محمد، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان لا يقنت في الصبح إلا أن يدعو على قوم، وأنه قنت في صلاة الصبح بعد الركوع، وقال: اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، والمسلمين من أهل مكة، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، وخذهم بسنين كسنى يوسف، فأكلوا العلهز، قال: قلت للقاسم بن محمد: ما العلهز؟ قال: الوبر والدم. ومن حديث محمد بن زكريا قال سفيان: عن منصور، والأعمشي عن أبي الفضل عن مسروق قال: قال عبد اللَّه: إن اللَّه بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما رأى قريشا استعصوا عليه، دعا عليهم فقال: اللَّهمّ اعنى بسبع كسبع يوسف، فأصابتهم سنة أكلوا فيها الخف، والعظام، وكان يرى في السماء شبه الدخان، فأتى أبو سفيان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: إنك كنت تأمرنا بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا فادع اللَّه لهم وهو قوله: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي   [ (1) ] كتاب (89) قوله اللَّه تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ، وقال: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وهي تقية ... حديث رقم (6940) . [ (2) ] باب (98) الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، حديث رقم (2933) . [ (3) ] باب (19) لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ [يوسف: 7] ، حديث رقم (3386) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 73 السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ إلى قوله: عائِدُونَ. ثم عادوا في كفرهم، فأخذهم اللَّه يوم بدر، وهو قوله تعالى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ. قال عبد اللَّه: فقد مضى الدخان، ومضت البطشة يوم بدر ومضى اللزام وهو يوم بدر، الم غُلِبَتِ الرُّومُ [ (1) ] واللزوم قد مضى، فقد مضت الأربع [ (2) ] . وله من حديث محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن سليمان ومنصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال عبد اللَّه: إن اللَّه بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم بالحق، وقال: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما رأى قريشا استعصوا عليه قال: اللَّهمّ أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم السنة حتى حصب كل شيء، حتى أكلوا الجلود والعظام. وقال أحدهما: الجلود والميتة وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان، فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد إن قومك قد هلكوا فادع اللَّه أن يكشف عنهم، فدعا، ثم قال: يعودون، ثم قرأ هذه الآية: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ [ (3) ] . فيكشف اللَّه عنهم عذاب الآخرة. فقد مضى الدخان والبطشة واللزام، وقال أحدهما: واللزوم. رواه جرير بن حازم، وجرير بن عبد الحميد، وعلى بن مسهر وأبو معاوية ووكيع في آخر، عن الأعمش، وقال الرياشي: لما دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف قال: فبقيت السماء سبع سنين لا تمطر، واشتد الجهد بقيس فقدم وفد قيس على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وفيهم لبيد بن ربيعة [ (4) ] ، فلما مثلوا بين يديه فقام لبيد وقال:   [ (1) ] أول سورة الروم. [ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 626، كتاب الاستسقاء، باب (2) دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: «اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» ، حديث رقم (1007) ، وفيه: «فالبطشة يوم بدر، وقد مضت الدخان والبطشة واللزام، وآية الروم. [ (3) ] راجع التعليق السابق. [ (4) ] هو لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري، وكان يقال لأبيه: ربيع المقترين لسخائه. وقتلته بنو أسد في حرب بينهم وبين قومه. وقيل غير ذلك. ويكنى لبيد أبا عقيل، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 74 أتيناك يا خير البرية كلها ... لترحمنا مما لقينا من الأزل أتيناك تشكو خطة جل أمرها ... لسبع سنين واقفين على محل فإن تدع أخرى بالقحوط فإننا ... أحاديث طسم ما دعاؤك بالهزل وإن تدع بالسقيا وبالعفو ترسل ... السماء لنا والمرء يبقى علنى الأصل أتيناك والعذراء يدمي لثامها [ (1) ] ... وقد ذهلت [ (2) ] أم الصبي عن الطفل   [ () ] وكان من شعراء الجاهلية وفرسانهم، وكان الحارث بن أبي شمر الغساني- وهو الأعرج- وجه إلى المنذر بن ماء السماء مائة فرس، فلما تمكنوا منه قتلوه وركبوا خيلهم، فقتل أكثرهم ونجا لبيد، حتى أتى ملك غسان فأخبره الخبر، فحمل الغسانيون على عسكر المنذر فهزموهم، وهو يوم حليمة. وكانت حليمة بنت ملك غسان طيبت هؤلاء الفتيان حين توجهوا وألبستهم الأكفان والدروع وبرانس الإضريج [ضرب من الأكسية] . وأدرك لبيد الإسلام، وقدم لبيد الكوفة وبنوه، فرجع بنوه إلى البادية بعد ذلك، فأقام لبيد إلى أن مات بها، فدفن في صحراء بنى جعفر بن كلاب، ويقال: إن وفاته كانت في أول خلافة معاوية، إنه مات وهو ابن مائة وسبع وخمسين، ولم يقل في الإسلام إلا بيتا واحدا واختلف في البيت. قال أبو اليقظان هو: الحمد للَّه إذا لم يأتنى أجلى ... حتى كساني من الإسلام سربالا وقال له عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنشدنى من شعرك، فقرأ سورة البقرة وقال: ما كنت لأقول شعرا بعد إذ علمني اللَّه سورة البقرة وآل عمران، فزاده عمر في عطائه خمسمائة درهم، وكان ألفين، فلما كان في زمن معاوية، قال معاوية: هذان الفودان، فما بال العلاوة يعنى بالفودين الألفين، وبالعلاوة الخمسمائة- وأراد أن يحطه إياها، فقال: أموت الآن وتبقى لك العلاوة والفودان. فرمد له معاوية، وترك عطاءه على حاله، فمات بعد ذلك بيسير. ومما يستجد من شعره: وكل امرئ سيعلم سعيه ... إذا كشفت عند الإله المحاصل وهذا البيت يدل على أنه قيل في الإسلام، وهو شبيه بقول اللَّه تبارك وتعالى: وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ [العاديات: 10] ، أو كان لبيد قبل إسلامه يؤمن بالبعث والحساب. (الشعر والشعراء) : 167- 174، ترجمة لبيد بن ربيعة مختصرا. [ (1) ] في (دلائل البيهقي) : «لبانها» . [ (2) ] في (دلائل البيهقي) : «شغلت» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 75 وألقى بكفيه الشجاع [ (1) ] استكانة ... من الجوع صمتا [ (2) ] ما يمر وما يحل ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ... سوى الحنظل العامي والعلهز الفشل [ (3) ] [ليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلا إلى الرسل] [ (4) ] فأنت لديننا وأنت لدنيانا ... تؤمل للدنيا وللآخرة الفصل لنا منك في يوم الحساب شفاعة ... تزحزح عنا والشفاعة في الأهل قال: فبكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى اخضلت لحيته، ثم قال: اللَّهمّ اسقنا غيثا عاجلا غير آجل. قال البراء بن عازب: واللَّه ما كان في السماء قذعة، ولقد رأيت السحاب يتداعى من نواحي السماء حتى التأم، ثم أمطرت بشيء عجيب فجاء أهل أسافل المدينة فقالوا: يا رسول اللَّه الغرق؟ فقال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا فقشعت. وخرج أبو نعيم من حديث الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، أن شرحبيل بن السمط قال لكعب بن مرة: حدثنا حديثا واحدا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على مضر، فأتيته، فقلت: إن اللَّه قد نصرك وأعطاك واستجاب لك؟ وإن قومك هلكوا؟ فادع اللَّه لهم. فقال: اللَّهمّ اسقنا غيثا، مريعا، طبقا، غدقا، عاجلا غير رائث، نافعا غير ضار، قال: فما أتى علينا جمعة حتى مطرنا [ (5) ] .   [ (1) ] في (دلائل البيهقي) : «الصبى» . [ (2) ] في (دلائل البيهقي) : «ضعفا» . [ (3) ] في (دلائل البيهقي) : «الغسل» . [ (4) ] هذا البيت زيادة للسياق من (المرجع السباق) . [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 139، استسقاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وإجابة اللَّه تعالى إياه في سقياه، ثم دعاؤه، بالكشف حين شكوا إليه كثرة المطر، وإجابة اللَّه تعالى إياه فيما دعاه، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 76 وخرّجه من حديث بدل بن المحبر [ (1) ] ، قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار ومنصور وقتادة عن سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط، عن كعب بن مرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بنحوه. ومن حديث أبي داود الطيالسي قال: حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت، عن سالم بن أبي الجعد أن كعب بن مرة [ (2) ] قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: جئت من عند قوم لا يحظم لهم بعير، ولا يتزود لهم راع. وخرّجه البيهقي من حديث شبابة قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد أن ابن السمط قال لكعب بن مرة أو مرة بن كعب الفهري، حدثنا بحديث سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للَّه أبوك، واحذر، قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على مضر، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا رسول اللَّه إن قومك قد هلكوا فادع اللَّه لهم، قال شعبه: وزاد حبيب بن أبي ثابت فيه بهذا الإسناد أن أبا سفيان قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: إني آتيك من عند قوم لم يخطم لهم فحل، ولم يتزود لهم راع، ثم رجع الى حديث عمرو، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا غيثا، مغيثا، [غدقا] [ (3) ] ، طبقا، مريعا، نافعا غير ضار عاجلا، غير رائث. قال شعبة، وزاد حبيب بن أبي ثابت، قال: فما لبثت إلا جمعة حتى مطرنا. قال المؤلف رحمة اللَّه عليه: كعب بن مرّة [ (4) ] هذا يقال فيه: مرّة بن كعب البهزي السلمي نزل البصرة، ثم الأردن، روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وروى عن شرحبيل بن الصمت وسالم بن أبي الجعد، وقيل: لم يلقه، وجبير بن نفير، وأبو الأشعث الصغاني، وطائفة. وخرج له أبو دواد. قال ابن عبد البر: الأكثر يقولون: كعب بن مرّة قال: وله أحاديث مخرجها عن أهل الكوفة يروونها عن شرحبيل بن السمط، عن كعب بن مرة   [ (1) ] هو بدل بن المحبر بن المنبه التميمي اليربوعي أبو المنير المصري. ترجمته في (تهذيب التهذيب) : 1/ 371، ترجمة رقم (782) . [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 146. [ (4) ] له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 8/ 395- 396 ترجمة رقم (797) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 77 السلمي البهزي، وأهل الشام يروون تلك الأحاديث بأعيانها، من شرحبيل بن السمط عن عمرو بن السمط عن عمرو بن عبسة. وخرج الحاكم من [ (1) ] من حديث الحسين بن واقد، حدثني يزيد النحويّ أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا محمد أنشدك اللَّه والرحم قد أكلنا العلهز يعنى الوبر، فأنزل اللَّه تعالى وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ [ (2) ] قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وخرجه ابن حبان في (صحيحه) [ (3) ] من حديث الحسين بن واقد، حدثنا أبي حدثنا يزيد النحويّ فذكره. وخرج أبو نعيم من حديث محمود بن بكر بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن دواد بن علي بن عبد اللَّه بن عباس، عن أبيه عن جده، أن ناسا من مضر أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فسألوه أن يدعو اللَّه عز وجل أن يسقيهم، فقال: اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا، هنيئا، مريئا، غدقا، طبقا، نافعا، غير ضار، عاجلا غير رائث، فأطبقت عليهم حتى مطروا سبعا. وقال نجدة بن نفيع، سألت ابن عباس عن قوله تعالى إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً [ (4) ] قال: استنفر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حيا من أحياء العرب فتثاقلوا، فأمسك عنهم المطر، فكان عذابهم. خرجه الحاكم وصححه [ (5) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 248، كتاب التفسير، تفسير سورة المؤمنون، حديث رقم (3488) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] المؤمنون: 76. [ (3) ] الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 3/ 247، كتاب الرقائق، باب (9) الأدعية، ذكر السبب الّذي من أجله أنزل اللَّه جل وعلا: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ، حديث رقم (967) . [ (4) ] التوبة: 39. [ (5) ] (المستدرك) : 2/ 114- 115، كتاب الجهاد، حديث رقم (2504) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 78 وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لأهل جرش [ (1) ] برفع قتل صرد بن عبد اللَّه [ (2) ] الأزديّ وأصحابه عنهم، فنجوا بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلم فروى إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق [ (3) ] قال: قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صرد بن عبد اللَّه الأزدي، فأسلم وحسن إسلامه في وفد من الأزد. فأمّره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن، فخرج صرد يسير [بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] في جيش حتى نزل بجرش وهي يومئذ مغلقة به قبائل من اليمن وقد   [ (1) ] (جرش أو جرش- بالتحريك- اسم مدينة عظيمة كانت، وهي الآن خراب. حدثني من شاهدها وذكر لي أنها خراب، وبها آبار عادية تدل على عظم، قال: وفي سطحها نهر جار يدير عدة رحى عامرة إلى هذه الغاية، وهي في شرقي جبل السواد من أرض البلقاء وحوران من عمل دمشق، وهي في جبل يشتمل على ضياع وقرى، يقال للجميع: جبل جرش، اسم رجل، وهو: جرش بن عبد اللَّه بن عليم بن جناب بن هبل بن عبد اللَّه بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة، ويخالط هذا الجبل جبل عوف، وإليه ينتهى حمى جرش، وهو من فتوح شرحبيل رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في أيام عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. (معجم البلدان) : 2/ 148- موضع رقم (3048) مختصرا. [ (2) ] هو صرد بن عبد اللَّه الأزدي، قال ابن حبان: جرش، له صحبة. وقال ابن إسحاق في (المغازي) : وقدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صرد بن عبد اللَّه الأزدي، فأسلم وحسن إسلامه- وأمره أن يجاهد المشركين، فذكر قصة طويلة، قال: وكان ذلك في سنة عشر. وروى الواقدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم توفى وعامله على جرش صرد بن عبد اللَّه الأزدي. وأخرجه في المغازي. (الإصابة) : 3/ 421- 422، ترجمة رقم (4064) ، (الاستيعاب) : 2/ 737، ترجمة رقم (1238) . [ (3) ] سنده في (دلائل البيهقي) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس عن ابن إسحاق، قال: ... [ (4) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 79 ضوت إليهم جشعم، فدخلوها معهم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم، فحاصرهم بماء قريبا من شهر وامتنعوا منه فيها، ثم رجع قافلا حتى إذا كان في جبل يقال له كشر ظن أهل جرش أنه إنما ولى عنهم منهزما، فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه عطف عليهم، فقاتلهم قتالا شديدا. وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة يرتادان وينظران، فبينما هما عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عشية بعد الفطر، إذا قال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] :] بأي بلاد شكر؟ فقام الجرشيان فقالا: يا رسول اللَّه ببلادنا جبل يقال له كشر، وكذلك تسميه أهل جرش. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إنه ليس بكشر، ولكنه شكر قال: فما له يا رسول اللَّه؟ إن بدن اللَّه لتنحر عنده الآن، فجلس الرجلان إلى أبي بكر وإلى عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فقالا [لهما] [ (2) ] : ويحكما! إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لينعى إليكما، قومكما، فاسألاه أن يدعوا للَّه- عز وجل- فيرفع عن قومكما، فقاما إليه فسألا ذلك. فقال: اللَّهمّ ارفع عنهم. فخرجا من عنده راجعين إلى قومهما، فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبد اللَّه في اليوم الّذي قال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما قال، في الساعة التي ذكر فيها ما ذكر. فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأسلموا، وحمى لهم حمى حول قريتهم على أعلام معلومة للفرس، والراحلة، وللمثيرة، وهي بقرة الحرث [ (3) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 372- 373، باب قدوم صرد بن عبد اللَّه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في وقد من الأزد، وإسلامه، ورجوعه إلى جرش وقدوم رجلين من جرش على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وإخباره إياهما بإصابة صرد قومهما في الساعة التي أصابهم فيها، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة ورواه ابن هشام في (السيرة) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 80 وأما تمكين اللَّه تعالى قريشا من العزّ والشرف والملك بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج أبو نعيم من حديث أبي يحيى عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، عن الأعمش، عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كما أذقت أول قريش نكالا، فارزق آخرهم نوالا. قال أبو نعيم: رواه أبو كرب والمتقدمون، عن أبي يحى الحماني. وله من طريق أبي دواد، قال حديثنا جعفر بن سليمان، عن النضر بن معبد، عن الجارود، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أذقت أول قريش عذابا ووبالا، فأذق آخرها نوالا. وخرجه الترمذي من حديث أبي يحيى بسنده ومتنه كما تقدم، وقال: هذا حديث حسن وغريب [ (1) ] . قال المؤلف رحمه اللَّه: قد استجاب اللَّه تعالى دعوة نبيه محمد صلّى اللَّه عليه وسلم لقريش وملّكله مشارق الأرض ومغاربها، فلم يقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان حتى بلغت الدعوة الإسلامية كل ما تطؤه الأقدام، وتمر فيه السفن، ومكن اللَّه لقريش في الأرض حتى لقد نقل أن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان نظر مرة إلى السحاب، فقال: أمطرى حيث شئت، إن أمطرت في البر حمل إلى البدر، وإن أمطرت في البحر حمل إلى الدار. وامتد ملك بنى أمية من عانة [ (2) ] إلى فرغانة [ (3) ] وأنت أن كنت ممن تبحر في الأخبار، فاعلم كيف كان أجيال الخليقة تبين لك أن الّذي تهيأ لقريش من   [ (1) ] وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 404، حديث رقم (2171) ، من مسند عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما. [ (2) ] عانة: بلد مشهور بين الرقة وهيت، يعد في أعمال الجزيرة، وجاء في الشعر، عانات كأنه جمع بما حوله، ونسبت إليه العرب الخمر، وهي مشرفة على الفرات قرب حديثة النورة، وبها قلعة حصينة. وعانة أيضا بلد بالأردن. (معجم البلدان) : 4/ 81، موضع رقم (8128) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 81 اتساع المملكة وكثرة العساكر، وزيارة الأموال، لم يكن مثله لملوك فارس والروم، واللَّه تعالى يؤتى ملكه من يشاء، واللَّه واسع عليم. وأما تأييد اللَّه عز وجل من كان معه الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وتيقن الصحابة ذلك فخرج البخاري [ (1) ] من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة بن الأكوع قال: مر نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ارموا بنى إسماعيل، فإن أباكم كان راميا، وأنا مع بني فلان، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما لكم لا ترمون، قالوا:   [ () ] (3) فرغانة: بالفتح ثم السكون وعين معجمة، وبعد الألف نون: مدينة فرغانة وكورة واسعة بما وراء النهر، متاخمة لبلاد تركستان، في زاوية من ناحية هيطل، من جهة مطلع الشمس على يمين القاصد لبلاد الترك، كثيرة الخير واسعة الرستاق، ويقال: كان بها أربعون منبرا، بينهما وبين سمرقند خمسون فرسخا، ومن ولايتها جخندة. (المرجع السابق) : موضع رقم (9128) . [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 113، كتاب الجهاد والسير، باب (78) التحريض على الرمي، وقول اللَّه عز وجل: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال: 60] ويستفاد من هذا الحديث أن من صار السلطان عليه في جملة المناضلين له أن لا يتعرض لذلك كما فعل هؤلاء القوم، حيث أمسكوا، لكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مع الفريق الآخر، خشية أن يغلبوهم، فيكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مع من وقع عليه الغلب، فأمسكوا عن ذلك تأدبا معه. وتعقب بأن المعنى الّذي أمسكوا له لم ينحصر في هذا، بل الظاهر أنهم أمسكوا لما استشعروا من قوة قلوب أصحابهم بالغلبة حيث صار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم معهم، وذلك من أعظم الوجوه المشعرة بالنصر. واستدل بهذا الحديث على أن اليمن من بنى إسماعيل، وفيه نظر، لما سيأتي في مناقب قريش من أنه استدلال بالأخص على الأعم، وفيه أن الجد الأعلى يسمى أبا، وفيه التنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضلة، وتطييب قلوب من هم دونه، وفيه حسن خلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومعرفته بأمور الحرب، وفيه الندب إلى اتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها، وفيه حسن أدب الصحابة مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 82 كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ارموا فأنا معكم كلكم. ترجم عليه باب التحريض على الرمي. وذكره في كتاب (الأنبياء) [ (1) ] من حديث مسدد قال. أخبرنا يحيى عن يزيد ابن أبي عبيد، أخبرنا سلمة قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال: أرموا بنى إسماعيل. الحديث بمعناه. ذكره في كتاب (نسبة اليمن) إلى إسماعيل [ (2) ] منهم أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر ابن خزاعة. وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث يحيى بن حسان قال: حدثنا سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن محمد بن إياس بن سلمة، عن أبيه عن جده. أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مر على ناس من أسلم ينتضلون، فقال: حسن هذا اللهو، مرتين أو ثلاثا ارموا، وأنا مع ابن الأدرع، فأمسك القوم بأيديهم، فقالوا: لا واللَّه لا نرمي معه وأنت معهم يا رسول اللَّه إذا يفضلنا! فقالوا: ارموا وأنا معكم جميعا، فقال: لقد رموا عامة يومهم ذلك، ثم تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضا. قال البيهقي: وكذلك رواية أبي بكر بن أبي أويس، عن سليمان.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 510، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (12) قول اللَّه تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ [مريم: 54] ، حديث رقم (3373) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 666، كتاب المناقب، باب (4) نسبة اليمن إلى إسماعيل، منهم أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة، حديث رقم (3507) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 255، باب ما جاء في قوله صلّى اللَّه عليه وسلم للرماة: ارموا وأنا مع ابن الأدرع، وما ظهر في ذلك من الآثار. وأخرجه البيهقي أيضا في (السنن الكبرى) : 10/ 17. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 83 وأما إجابة اللَّه تعالى دعاءه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى صرع ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف [ (1) ] وكان أحد لا يصرعه فروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لركانة بن عبد يزيد: أسلم، فقال: لو أعلم أن ما تقول حقا لفعلت. فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- وكان ركانة من أشد الناس-: أرأيت إن صرعتك تعلم أن ذلك حق؟ فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فصرعه، فقال له: عد يا محمد، فعاد له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخذه الثانية فصرعه على الأرض،   [ (1) ] هو ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطلبي، قال البلاذري: حدثني عباس بن هشام، حدثني أبي عن ابن خربوذ وغيره، قالوا قدم ركانة من سفر، فأخبر خبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلقيه في بعض جبال مكة، فقال: يا ابن اخي، بلغني عنك شيء، فإن صرعتني علمت أنك صادق، فصارعه فصرعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأسلم ركانة في الفتح، وقيل: إنه أسلم عقب مصارعته. قال ابن حبان: في إسناد خبره في المصارعة نظر. يشير إلى الحديث أخرجه أبو داود والترمذيّ من رواية أبي الحسن العسقلانيّ، عن أبي جعفر بن محمد بن ركانة، عن أبيه، أن ركانة صارع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فصرعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. قال الترمذيّ: غريب، وليس إسناده بقائم. وقال الزبير: ركانة بن عبد يزيد الّذي صارع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة قبل الإسلام، وكان أشد الناس، فقال: يا محمد، إن صرعتني آمنت بك، فصرعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أشهد أنك ساحر، ثم أسلم بعد، وأطعمه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خمسين وسقا. وفي الترمذيّ من طريق الزبير بن سعيد، عن عبد اللَّه بن يزيد بن ركانة، عن أبيه عن جده، قال: قلت: يا رسول اللَّه، إني طلقت امرأتي البته، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: ما أردت بها؟ قال: واحدة ... الحديث، وفي إسناده اختلاف على أبي داود وغيره. وروى عنه نافع بن عجيرة، وابن ابنه على بن يزيد بن ركانة. قال الزبير: مات بالمدينة، في خلافة معاوية، وقال أبو نعيم: مات في خلافة عثمان، وقيل: عاش إلى سنة إحدى وأربعين. (الاستيعاب) : 2/ 507، ترجمة رقم (801) ، (الإصابة) : 2/ 497- 498، ترجمة رقم (2691) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 84 فانطلق ركانة [وهو] [ (1) ] يقول: هذا ساحر لم أر مثله قط، ولم أر مثل سحر هذا، واللَّه ما ملكت من نفسي شيئا حتى وضع جنبي على الأرض [ (2) ] . وروى أبو أويس المدني عن محمد بن عبد اللَّه بن يزيد بن ركانة، عن جده ركانة بن عبد يزيد- وكان من أشد الناس- قال: كنت أنا والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم في غنيمة لأبي طالب نرعاها في أول ما رأى إذ قال لي ذات يوم: هل لك أن تصارعني؟ قلت: أنت؟ قال: أنا، فقلت: على ماذا؟ قال: على شاة من الغنم فصارعته، فصرعني، فأخذ منى شاة، فقال: هل لك في الثانية؟ قلت: نعم، فصارعته، فصرعني، وأخذ منى. فجعلت ألتفت هل يراني إنسان، فقال: مالك؟ قلت: لا يراني [بعض] [ (3) ] الرعاة فيجترئون عليّ وأنا في قومي من أشدهم، قال: هل لك في الصراع الثالثة وشاة؟ قلت: نعم، فصارعته فصرعني، وأخذ شاة، فقعدت كئيبا حزينا، فقال: مالك؟ قلت: إني أرجع إلى عبد يزيد وقد أعطيت ثلاثا من غنمه، والثانية أنى كنت أظن أنى أشد قريش. فقال: هل لك في الرابعة؟ فقلت: لا بعد ثلاث، فقال: أما قولك في الغنم فإنّي أردها عليك، فردها عليّ، فلم يلبث أن ظهر أمره، فأتيته، فأسلمت، فكان مما هداني اللَّه عز وجلّ أنى علمت أنه لم يصر عنى يومئذ بقوته، ولم يصرعني يومئذ إلا بقوة غيره [ (4) ] . وخرج البيهقي [ (5) ] من حديث أبي عبد الملك، عن القاسم عن أبي أمامة قال: كان رجل من بنى هاشم يقال له ركانة، وكان من أفتك الناس وأشدهم [ (6) ] ،   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 250، باب ما جاء في استنصار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأسماء اللَّه تعالى على ركانة في المصارعة، ونصرة اللَّه تعالى إياه عليه، وما روى في تلك القصة من آثار النبوة. [ (3) ] زيادة لسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 250- 251. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 252- 254. [ (6) ] (دلائل البيهقي) : «أشده» ، وما أثبتناه أجود للسياق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 85 وكان مشركا يرعى غنما له في واد يقال له إضم [ (1) ] فخرج نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من بيت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها ذات يوم، وتوجه قبل ذلك الوادي فلقيه ركانة وليس مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحد، فقام إليه ركانة فقال: يا أحمد أنت الّذي تشتم [آلهتنا] [ (2) ] اللات والعزى، وتدعو إلى إلهك العزيز الحكيم، ولولا رحم بيني وبينك ما كلمتك الكلام- يعنى حتى أقتلك- ولكن ادع إلهك العزيز الحكيم ينجيك منى اليوم وسأعرض عليك أمرا، هل لك أن أصارعك وتدعوا إلهك العزيز الحكيم يعينك [ (3) ] ؟ وأنا أدعو اللات والعزى؟ فإن أنت صرعتني فلك عشر من غنمي هذه تختارها. فقال عند ذلك نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن شئت، فاتعدا [ (4) ] ، ودعا نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلهه العزيز الحكيم أن يعينه على ركانة، ودعا ركانة اللات والعزى: أعني على محمد، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فصرعه وجلس على صدره.   [ (1) ] إضم بالكسر ثم الفتح وميم: ماء يطؤه الطريق بين مكة واليمامة عند السمينة، وقيل: ذو إضم جوف هناك به ماء وأماكن يقال لها الحناظل، وله ذكر في سرايا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال السيد عليّ: إضم واد بجبال تهامة، وهو الوادي الّذي فيه المدينة، ويسمى من عند المدينة القناة، ومن أعلى منها عند السد يسمى الشظاة، ومن عند الشظاة أسفل يسمى إضما إلى البحر. قال ابن السكيت: إضم القناة التي تمر دوين المدينة. وقيل: إضم واد لأشجع وجهنية، ويوم إضم من أيامهم. وعن نصر: إضم ماء بين مكة واليمامة عند السمينة، يطؤه الحاج وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعث محلما في نفر من المسلمين، فلما كانوا ببطن إضم مرّ بهم عامر، فسلم عليهم بتحية الإسلام، فقام إليه محلم فقتله لشيء كان بينهما، فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً. [النساء: 94] . (معجم البلدان) : 1/ 254، موضع رقم (755) ، (معجم ما استعجم) : 1/ 166. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (4) ] في (المرجع السابق) : «فاتخذا» ، وفي (الأصل) : «فاتعدى» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 86 فقال ركانة: قم، فلست أنت الّذي فعلت بي هذا، إنما فعله إلهك العزيز الحكيم، وخذلني اللات والعزى، وما وضع أحد قط جنبي قبلك! فقال له ركانة: عدّ، فإن أنت صرعتني فلك عشر أخرى تختارها. فأخذه نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ودعا كل واحد منهما إلهه كما فعلا أول مرة، فصرعه نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجلس على كبده، فقال له ركانة: قم، فلست أنت فعلت [بي] [ (1) ] هذا، إنما فعله إلهك العزيز الحكيم، وخذلني اللات والعزى، وما وضع جنبي أحد قبلك ثم قال له ركانة: عدّ، فإن أنت صرعتني فلك عشر أخرى تختارها، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ودعا كل واحد إلهه، فصرعه نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الثالثة. فقال له ركانة: لست أنت الّذي فعلت [بي هذا] [ (2) ] ، وإنما فعله إلهك العزيز الحكيم، وخذلني اللات والعزى، فدونك ثلاثين شاة من غنمي، فاخترها. فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ما أريد ذلك، ولكنى أدعوك إلى الإسلام يا ركانة، وأنفس بك أن تصير إلى النار، وإنك إن تسلم تسلم. فقال له ركانة: لا إلا أن تريني آيه، فقال له نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [اللَّه عليك] [ (3) ] شهيد إن أنا دعوت ربى فأريتك آية لتجيبننى إلى ما أدعوك إليه؟ قال: نعم. وقريب منه شجرة ثمر ذات فروع وقضبان فأشار إليها نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال لها: أقبلى بإذن اللَّه فانشقت باثنتين وأقبلت على نصف شقها [ (4) ] وقضبانها وفروعها حتى كانت بين يدي نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وبين ركانة، فقال له ركانة: أريتنى عظيما فمرها فلترجع، فقال له نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: شهيد لئن أنا دعوت ربى عز وجل فرجعت لتجيبننى إلى ما أدعوك إليه؟ قال: نعم، فأمرها فرجعت بقضبانها وفروعها حتى التأمت بشقها.   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (4) ] في بعض المصادر: (ساقها) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 87 فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: [أسلم] [ (1) ] تسلم؟ فقال له ركانة: ما بي إلا أن أكون رأيت عظيما، ولكنى أكره أن يتحدث نساء أهل المدينة وصبيانهم، أنى إنما أجبتك لرعب دخل على قلبي [ (2) ] منك، ولكن قد علمت نساء أهل المدينة وصبيانهم أنه لم يضع جنبي أحد قط، ولم يدخل قلبي رعب قط ليلا، ولا نهارا، ولكن دونك فاختر غنمك. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ليس لي حاجة إلى غنمك إذا أبيت أن تسلم، فانطلق نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم راجعا، وأقبل أبو بكر وعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يلتمسانه في بيت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، فأخبرتهما أنه قد توجه قبل وادي إضم، وقد عرفا أنه وادي ركانة لا يكاد يخطئه. فخرجا في طلبه وأشفقا أن يلقاه ركانة فيقتله، فجعلا يصعدان على كل شرف، ويتشوفان مخرجا، إذ نظرا إلى نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مقبلا، فقالا: يا رسول اللَّه! كيف تخرج إلى هذا الوادي وحدك؟ وقد عرفت أنه جهة ركانة، وأنه من أفتك الناس وأشدهم تكذيبا لك، فضحك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم قال: أليس اللَّه عز وجل يقول لي: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ (3) ] إنه لم يكن يصل إليّ واللَّه معي، فأنشأ يحدثهما حديثه، والّذي فعل به، والّذي أراه، فعجبا من ذلك، وقالا: يا رسول اللَّه: أصرعت ركانة؟ فلا والّذي بعثك بالحق ما نعلم أنه وضع جنبه إنسان قط. فقال لهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إني دعوت ربي فأعاننى عليه، وإن ربي عز وجل أعانني ببضع عشرة وقوة عشرة [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (2) ] في (الأصل) : «على» وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] المائدة: 67. [ (4) ] وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 3/ 511، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب ركانة بن عبد يزيد، حديث رقم (5903) مختصرا جدا، وقد حذفه الحافظ الذهبي من (التلخيص) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 88 قال البيهقي: أبو عبد الملك هذا على بن يزيد الشامي، وليس بالقوى إلا أنه معه ما يؤكد حديثه. قال كاتبه: هو على بن يزيد بن أبي هلال أبو عبد الملك [ (1) ] ، ويقال: أبو الحسن الألهاني، ويقال: الهلالي من أهل دمشق. روى عن القاسم بن عبد الرحمن ومكحول، روى عنه يحيى بن الحارث الدنارى وعثمان بن أبي العاتكة، وعبيد اللَّه بن زحر، ومطرح بن يزيد ومعاذ ابن رفاعة، وعمرو بن واقد ومدرك بن أبي سعد، والوليد بن سليمان بن أبي السائب، وبكر بن عمرو المعافري، قال البخاري، منكر الحديث، وقال ابن يونس: وفيه نظر:، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال مرة: متروك الحديث. وقال أبو أحمد الحاكم: سمعت البخاري يقول: علي بن يزيد بن عبد الملك الألهاني ضعيف وفي رواية منكر الحديث. وقال محمد بن يزيد المستملي: قلت لأبى مسهر فعليّ بن يزيد؟ قال: ما علم إلا خبرا انظر من يروى عنه ابن أبي عاتكة ليس من أهل الحديث، ونظراؤه. وقال حارث بن إسماعيل: قلت لأحمد بن حنبل: عليّ بن يزيد، قال: هو دمشقي كان ضعيفا، وقال ابن معين: عليّ بن يزيد الشامي ضعيف. وفي رواية عليّ بن يزيد، عن القاسم بن أبي أمامة: هي ضعاف كلها. وقال أبو إسحاق السعدي، عليّ بن يزيد الدمشقيّ رأيت غير واحد من الأئمة ينكر أحاديثه التي يرويها عنه عبيد اللَّه بن زحر، وعثمان بن أبي العاتكة، ثم رأينا أحاديث جعفر بن الزبير، وبشر بن نمير يرويان عن القاسم أحاديثه تشبه تلك الأحاديث. وكان القاسم خيارا فاضلا، ممن أدرك أربعين رجلا من المهاجرين والأنصار، وأظننا أتينا من قبل عليّ بن يزيد، على أن بشر بن نمير وجعفر بن الزبير ليسا ممن يحتج بهما على أحد من أهل العلم. وقال عمر بن شبة: عليّ بن يزيد واهي الحديث كثير المنكرات. وقال محمد بن أبي حاتم: وسألت أبي عن عليّ بن يزيد، فقال: ضعيف الحديث منكره، فإن كان ما روى عن عليّ بن يزيد، عن القاسم على الصحة، فيحتاج   [ (1) ] له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 7/ 346- 347، ترجمة رقم (642) ، وهو عليّ بن يزيد ابن أبي هلال الألهاني، ويقال الهلالي أبو عبد الملك، ويقال: أبو الحسن الدمشقيّ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 89 أن ينظر في أمر علي بن يزيد. وسألت أبا زرعة عن عليّ بن يزيد فقال: ليس بقوىّ، وقال أبو زكريا الساجىّ: وأحاديث عبيد اللَّه بن زحر، وعليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامه مرفوعة ضعيفة. وفي رواية عليّ بن يزيد مضعف. وقال أبو عيسى الترمذي: وقد تكلم بعض أهل العلم في عليّ بن يزيد وضعفه، وهو شامىّ. وقال في موضع آخر عليّ بن يزيد يضعف في الحديث ويكنى أبا عبد الملك، وقال في موضع آخر. قال محمد يعنى البخاري: القاسم ثقة، وعليّ بن يزيد ضعيف، وقال أبو عبد اللَّه محمد بن إبراهيم الكنانيّ الأصبهانيّ: قلت لأبى حاتم: ما تقول في أحاديث عليّ بن يزيد عن القاسم، عن أبي أمامة؟ فقال: ليست بالقوية هي ضعاف. وقال أبو أحمد بن عدىّ: ولعلىّ بن يزيد أحاديث ونسخ، وعبيد اللَّه بن زحر يروى عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة أحاديث، وهو في نفسه صالح إلا أن يروى عنه ضعيف، فيؤتى من قبل ذلك الضعيف. وقال أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب: هذا ما وافقت عليه أبا الحسين الدار الدّارقطنيّ من المتروكين عليّ بن يزيد الدمشقيّ أبو عبد الملك، عن القاسم بن عبد الرحمن. وقال الحافظ أبو نعيم: عليّ بن يزيد منكر الحديث. وقاله البخاري، قال كاتبه: خرج لعليّ بن يزيد هذا الترمذيّ وابن ماجة وقال ابن حبان عن حديث مصارعة ركانة: في إسناده نظر وقال عبد الغنىّ: هو أصل ما روى في المصارعة، ومصارعة أبي جهل فليس لها أصل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 90 وأما كون إنسان يصلح يبن القبائل لأن المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم سمّاه مطاعا فخرّج أبو نعيم من حديث أبي مسعود عبد الرحمن بن المثنى بن مطاع بن عيسى بن مطاع بن زياد، بن مسعود، بن الضحاك [ (1) ] [بن خالد] [ (2) ] بن عدي بن أراش بن جزيلة بن اللخم اللخميّ قال: حدثني أبي المثنى عن أبيه مطاع، عن أبيه عيسى، عن أبيه مطاع، عن أبيه زياد، عن جده مسعود أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سماه مطاعا، وقال له: أنت مطاع في قومك، وقال له: امض إلى أصحابك، فمن دخل تحت رايتك هذه فهو آمن من العذاب، فمضى مطاع إلى أصحابه فقال لهم: أنتم سامعون مطيعون. قالوا: نعم يا مسعود، فقال لهم: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سماني مطاعا، وحملني على هذا الفرس وأعطاني هذه الراية، وقال لي: امض إلى أصحابك، فمن دخل تحت هذه الراية فقد أمن من عذابي. فأقبلوا معه الى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فصاروا من أصحابه وقالوا: يا رسول اللَّه ادع لنا على حدس، فقال لهم: حدس الأحداس يكثرون ويقل الناس.   [ (1) ] هو مسعود بن الضحاك بن عدي بن أراش بن حرملة بن لخم اللخمي، وقد ينسب مسعود إلى جده، وسمى أبو عمر جده: حرملة، كأنّه نسب أباه إلى جده الأعلى، وقال: زعم أهله وولده أن له صحبة، وروى الحديث عن جماعة من ولده. وقال الطبراني: حدثنا أبو مسعود عبد الرحمن بن المثنى بن المطاع بن عيسى بن المطاع بن زياد بن مسعود بن الضحاك بن عدي بن أوس بن حرملة بن لخم، حدثني أبي عن أبيه، عن جده المطاع، عن أبيه زيادة، عن جده مسعود، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سماه مطاعا، وقال له: أنت مطاع في قومك، امض إلى أصحابك، وحمله على فرس أبلق، وأعطاه الراية، وقال: من دخل تحت رايتي هذه فقد أمن من العذاب. رواه عبد السلام بن المثنى بن المطاع، عن أبيه، عن جده مثله، لكن قال: زائدة بدل زيادة. (الاستيعاب) : 3/ 1393، ترجمة رقم (2383) ، (الإصابة) : 6/ 100- 101، ترجمة رقم (7958) . [ (2) ] من الأصل فقط. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 91 فقالوا: يا رسول اللَّه دعوت لهم بالكثرة؟ فقال: جاءني جبريل فأخبرني أن مسعودا يقابلني بكرة مشركا ويأتيني بالعشي مؤمنا، فلما كان مع زوال الشمس قالوا: يا نبي اللَّه إنا نرى شخصا مقبلا، فأقبل مسعود إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال أبو مسعود: أخبرنى أبي عن جدي مطاع أنه كان يأخذ الراية إذا وقع بين القبائل فيصلح بينهم، وكان قد كبر وبلغ أرجح من مائة سنة، وكان يربط العمامة على حاجبيه حتى تنكشف عيناه، ويقاتل على كبره. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 92 وأما استجابة اللَّه سبحانه وتعالى لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلم في دعائه على عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر هوازن بن منصور ابن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان بن مضر، وأربد بن قيس ابن جزء بن خالد بن جع فر بن كلاب فخرج البخاري من حديث همام بن إسحاق عن عبد اللَّه بن أبي طلحة قال: حدثني أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعثه خاله أخا لأم سليم في سبعين راكبا، وكان رأس المشركين عامر بن طفيل، خير بين ثلاث خصال، فقال: يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، وأكون خليفتك أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف، فطعن عامر في بيت أم فلان، فقال: غدة كغدة البعير [ (1) ] في بيت امرأة من آل فلان، ائتوني بفرسي، فمات على ظهر فرسه، فانطلق حرام أخو أم سليم هو ورجل أعرج ورجل من بنى فلان، قال: كونا قريبا منى حتى آتيهم، فإن آمنوا بى كنتم. وإن قتلوني أتيتما أصحابكما، فقال: أتؤمنونني حتى أبلغ رسالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجعل يحدثهم، وأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه، فطعنه. قال همام: أحسبه قال حتى أنفذه بالرمح، قال: اللَّه أكبر فزت ورب الكعبة، فأنزل اللَّه علينا، ثم كان من المنسوخ: «وإنا قد لقينا ربنا فرضي عنا [وأرضانا] [ (2) ] » فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاثين صباحا على رعل وذكوان وبني [ (3) ] لحيان وعصية الذين عصوا اللَّه ورسوله.   [ (1) ] في البخاري: «البكر» . [ (2) ] زيادة للسياق من (البخاري) . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 490- 491، كتاب المغازي باب (29) غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، حديث عضل والقارة- وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه، قال ابن إسحاق: حدثنا عاصم بن عمر أنها كانت بعد أحد. حديث رقم (4091) . قوله: «ثم كان من المنسوخ» أي المنسوخ تلاوته، فلم يبق له حكم حرمة القرآن كتحريمه على الجنب، وغير ذلك. (فتح الباري) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 93 وخرّج الحاكم من طريق عبد اللَّه بن الزبير الحميدي حدثنا على بن يزيد بن أبي حكيمة، عن أبيه وغيره، عن سلمة بن الأكوع أن عامر بن الطفيل لم يدخل المدينة إلا بأمان من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال له: أسلم تسلم قال: نعم، على أن لي الوبر ولك المدر. قال: هذا لا يكون أسلم تسلم يا عامر، يا عامر اذهب حتى تنظر في أمرك إلى غد فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الأنصار، فقال: ماذا ترون؟ إني دعوت الرجل فأبى أن يسلم إلا أن يكون له الوبر ولي المدر، فقالوا: ما شاء اللَّه، ثم شئت يا رسول اللَّه ما أخذوا منا عقالا إلا أخذنا منهم عقالين، فاللَّه ورسوله أعلم، فرجع عامر إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الغد، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: تسلم يا عامر؟ قال: لا إلا أن يكون لي الوبر ولك المدر. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ليس إلى ذلك، فأبى إلا أن يكون له الوبر، وللنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم المدر، فأبى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال عامر: أما واللَّه لأملأنها عليك خيلا ورجالا، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يأبى اللَّه ذلك عليك، وأبناء قيلة الأوس والخزرج، ثم ولى عامر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفنيه، فرماه اللَّه بالذبحة قبل أن يأتى أهله، قال: فقال عامر حين أخذته الذبحة: يا آل عامر كغدة البكر، فهلك ساعة أخذته دون أهله [ (1) ] . وقال يونس بن محمد بن إسحاق، قال: قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد بني عامر، فيهم عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، وخالد بن جعفر، وجبار بن سلمى بن مالك. فكان هؤلاء النفر رؤساء القوم وشياطينهم، فقدم عامر بن الطفيل عدو اللَّه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يريد أن يغدر به، فقال له قومه: يا عامر إن الناس قد أسلموا، فقال: واللَّه لقد كنت آليت ألا ننتهي حتى تتبع العرب عقبى، فأنا أتبع هذا الفتى من قريش، ثم قال لأربد: إذا قدمنا على الرجل فإنّي شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف.   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 92- 93، كتاب معرفة الصحابة، ذكر فضيلة أخرى للأوس والخزرج، لم يقدر ذكرها من فضائل الأنصار، حديث رقم (6983) ، وقد سكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 94 فلما قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال عامر: يا محمد خالني، فقال: لا، حتى تؤمن باللَّه وحده لا شريك له، فلما أبي عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أما واللَّه لأملأنها عليك خيلا حمرا، ورجلا، فلما ولى قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل، فلما خرجوا من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال عامر لأربد: ويحك يا أربد! أين ما كنت أمرتك به؟ واللَّه ما كان على الأرض رجل أخوف عندي على نفسي منك، وأيم اللَّه لا أخاف بعد اليوم أحدا، قال: لا أبا لك، لا تعجل عليّ فو اللَّه ما هممت بالذي أمرتني به من مرة إلا دخلت بيني وبين الرجل! أفأضربك بالسيف؟ ثم خرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق، بعث اللَّه عز وجل على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه، فقتله في بيت امرأة من بنى سلول، ثم خرج أصحابه حتى واروه حين قدموا أرض بنى عامر أتاهم قومهم، فقالوا: ما وراءك يا أربد؟ فقال: قد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي فأرميه بنبلى هذه حتى أقتله. فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين ومعه جمل يبيعه، فأرسل اللَّه عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما، وكان أربد أخا للبيد بن ربيعة لأمه فبكاه ورثاه [ (1) ] . وخرّج البيهقي من حديث محمد بن إسحاق قال: حدثنا معاوية بن عمر وأخبرنا أبو إسحاق، عن الأوزاعي، عن عبد الحق بن عبد اللَّه بن أبي سلمة في قصة بئر معونة، قال الأوزاعي: قال يحيى: فمكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحا: اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل وابعث عليه داء يقتله، فبعث اللَّه طاعونا فقتله [ (2) ] . ومن طريق همام عن إسحاق بن أبي طلحة قال: حدثني أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قصة حرام بن ملحان قال: وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل، كان أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أخيرك بين ثلاث   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 3118- 320، باب وفد بنى عامر، ودعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على عامر بن الطفيل، وكفاية اللَّه تعالى شره، وشر أربد بن قيس بعد أن عصم منها نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. [ (2) ] (المرجع السابق) : 320. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 95 خصال: يكون لك أهل السهل ويكون لي أهل المدر، وأكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر، وألف شقراء. قال: فطعن في بيت امرأة فقال: غدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني فلان؟ ائتونى بفرس، فركب، فمات على ظهر فرسه [ (1) ] . ومن طريق الزبير بن بكار قال: حدثتني فاطمة بنت عبد العزيز بن مؤملة ابن جميل قال: أتى عامر بن الطفيل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال له: يا عامر أسلم، قال: أسلم على أن لي الوبر ولك المدر؟ قال: لا، فولّى وهو يقول: واللَّه يا محمد لأملأنها عليك خيلا جردا، ورجالا مردا، ولأربطن بكل نخله فرسا. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفني عامرا واهد قومه، فخرج عامر حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة يقال لها: سلولية، فنزل عن فرسه ونام في بيتها، فأخذته غدة في حلقة، فوثب على فرسه، وأخذ رمحه، وأقبل يجول وهو يقول: غدة كغدة البكر؟ وموت في بيت سلولية؟ فلم تزل تلك حاله حتى سقط عن فرسه ميتا [ (2) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 320. [ (2) ] (المرجع السابق) : 321. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 96 وأما استجابة اللَّه سبحانه وتعالى لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلم فيمن أكل بشماله فخرج مسلم من حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شيبة قال: حدثنا زيد بن الحباب عن عكرمة بن عمار قال: حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع ان أباه حدثه أن رجلا أكل عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشماله، فقال: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال [صلّى اللَّه عليه وسلم] : لا استطعت، ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه [ (1) ] . وخرجه أبو نعيم [ (2) ] من طريق أبي داود الطيالسي، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أبصر بسر بن راعى العير [ (3) ] يأكل بشماله، فقال: كل بيمينك، فقال: لا أستطيع، قال [صلّى اللَّه عليه وسلم] : لا استطعت، فما نالت يمينه إلى فيه بعد.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 203، كتاب الأشربة، باب (13) آداب الطعام والشراب وأحكامهما، حديث رقم (107) . وفي أحاديث الباب استحباب الأكل والشرب باليمين، وكراهتهما بالشمال، وقد زاد نافع الأخذ والإعطاء، وهذا إذا لم يكن عذر، فإن كان عذر يمنع الأكل والشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الشمال. قوله: «إن رجلا أكل» ، هذا الرجل هو بسر بضم الباء وبالسين المهملة ابن راعى العير بفتح العين وبالمثناة الأشجعي. كذا ذكره ابن مندة وأبو نعيم الأصبهاني، وابن ماكولا وآخرون، وهو صحابى مشهور عده هؤلاء وغيرهم في الصحابة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وأما قول القاضي عياض رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن قوله: ما منعه إلا الكبر، يدل على أنه كان منافقا فليس بصحيح، فإن مجرد الكبر والمخالفة لا يقتضي النفاق والكفر، لكنه معصية إن كان الأمر أمر إيجاب. وفي هذا الحديث جاز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر، وفيه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في كل حال، حتى في حال الأكل، واستحباب تعليم الآكل آداب الأكل إذا خالفه (شرح النووي) . [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] هو بسر بن راعى العير الأشجعي، روى الدارميّ، وعبد بن حميد، وابن حبان، والطبراني، من طريق عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أبصر بسر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 97 ومن حديث محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، أن رجلا كان يأكل عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بشماله، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا استطعت، قال: فما رفعها بعد إلى فيه. وخرج البيهقي [ (1) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد ابن أبي حبيب أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رأى سبيعة الأسلمية تأكل بشمالها، فقال: ما لها تأكل بشمالها؟ أخذها داء غزة. فقالت: يا نبي اللَّه إن في يميني قرحة، قال: وإن، قال يزيد: إن سبيعة لما مرت بعزة أصابها الطاعون وقتلها. قال ابن لهيعة: وأخبرنى عثمان بن نعيم الرعينيّ، عن مغيرة بن نهيك الحجري، عن دخين الحجري، أنه سمع عقبه بن عامر يذكر عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. بسر هذا بضم الباء الموحدة وبالسين والراء المهملتين. ذكره ابن مندة وأبو نعيم، وابن ماكولا وعدّ من الصحابة. وذكر القاضي عياض أن قوله: ما منعه إلا الكبر يدل على أنه كان منافقا. ورده النووي بأن مجرد الكبر لا يقتضي النفاق والكفر، ولكنه معصية إذا كان الأمر أمر إيجاب [ (2) ] .   [ () ] ابن راعى العير يأكل بشماله فقال: كل بيمينك. فقال: لا أستطيع فقال: لا استطعت فما نالت يمينه إلى فيه بعد. وفي رواية: فما نالت يده فمه بعد. وقد قيل فيه: بشر بالمعجمة، وبذلك ذكره ابن مندة وأنكر عليه أبو نعيم، ونسبه إلى التصحيف، ولم يحك الدار قطنى وابن ماكولا فيه خلافا أنه بالمهملة، وأما البيهقي فحكى في (السنن) أنه بالمعجمة أصح، وأغرب ابن فتحون فاستدركه فيمن اسمه بشير (الإصابة) : 1/ 291- 292، ترجمة رقم (645) . [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 239. [ (2) ] راجع ترجمته السابقة في أول الفصل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 98 وأما استجابة اللَّه تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام في الحكم بن مروان فخرج البيهقي [ (1) ] وغيره من حديث ضرار بن صرد قال: حدثنا عائذ عن حبيب، بن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد اللَّه المزني قال: سمعت عبد الرحمن ابن أبي بكر يقول: كان فلان يجلس إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فإذا تكلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بشيء اختلج بوجهه فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: كن كذلك، فلم يزل يختلج حتى مات. ومن حديث عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا صدقة بن أبي سعيد الحنفي عن جميع بن عمير التميمي، قال: سمعت عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: كنا على باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ننتظره فخرج فاتبعناه حتى أتى عقبة من عقاب المدينة، فقعد عليها، [وقال] : يا أيها الناس لا يتلقين أحدكم سوقا، ولا يبيع مهاجر لأعرابى، ومن باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها مثل، أو قال: مثلي لبنها قمحا. قال: ورجل خلف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يحاكيه ويلحظه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: كذلك كن، قال: فرفع إلى أهله فلبط به شهرين، فغشى عليه، ثم أفاق حين أفاق، وهو كما حكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . ومن حديث السري بن يحيى، عن مالك بن دينار قال: حدثني هند بن خديجة [ (3) ] زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فرآه فقال: اللَّهمّ اجعل به وزغا، فزحف مكانه، [والوزغ ارتعاش] [ (4) ] . وقال أبو القاسم البغوي: عن محمد بن إسحاق بإسناده، قال: مر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالحكم، فجعل [الحكم] [ (5) ] يغمز [النبي] [ (6) ] بإصبعه، ثم ذكر الباقي.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 239. [ (2) ] (المرجع السابق) : 239- 240. [ (3) ] هو هند بن أبي هالة. [ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (5) ] (المرجع السابق) : 240. [ (6) ] (المرجع السابق) : 240. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 99 وقال ابن عبد البر في ترجمة الحكم بن أبي العاصي [ (1) ] بن أميه بن عبد شمس، ذكروا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا مشى يتكفأ، فكان الحكم بن أبي العاص يحكيه، فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوما، فرآه يفعل ذلك، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: فكذلك فلتكن، وكان   [ (1) ] هو الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي، عم عثمان بن عفان، أبو مروان بن الحكم، كان من مسلمة الفتح، وأخرجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من المدينة وطرده عنها، فنزل الطائف، خرج معه ابنه مروان. وقيل: إن مروان ولد بالطائف إلى أن ولى عثمان، فرده عثمان إلى المدينة، وبقي فيها وتوفى في آخر خلافة عثمان، قبل القيام على عثمان بأشهر فيما أحسب، واختلف في السبب الموجب لنفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إياه، فقيل: كان يتحيل ويستخفى ويتسمع ما يسره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى كبار الصحابة في مشركي قريش وسائر الكفار والمنافقين، فكان يفشي ذلك عنه حتى ظهر ذلك عليه، وكان يحكيه في مشيته وبعض حركاته، إلى أمور غيرها كرهت ذكرها. ذكروا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا مشى يتكفأ، وكان الحكم بن أبي العاصي يحكية، فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوما فرآه يفعل ذلك. فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: فكذلك فلتكن، فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ فعيره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه: إن اللعين أبوك فارم عظامه ... إن ترم ترم مخلّجا مجنونا يمسى خميص البطن من عمل التقي ... ويظل من عمل الخبيث بطينا فأما قول عبد الرحمن بن حسان: إن اللعين أبوك، فروى عن عائشة من طرق ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره أنها قالت لمروان، إذ قال في أخيها عبد الرحمن ما قال [لما امتنع عن البيعة ليزيد بن معاوية بولاية العهد] : أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعن أباك وأنت في صلبه. وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عثمان بن حكيم، قال: حدثنا شعيب بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدخل عليكم رجل لعين. قال عبد اللَّه: وكنت قد تركت عمرا يلبس ثيابه ليقبل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل فدخل الحكم بن أبي العاصي. (الاستيعاب) : 1/ 359- 360، ترجمة رقم (529) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 100 الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ، فعيره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت. فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه: إن اللعين أبوك فارم عظامه ... إن ترم ترم مخلجا مجنونا يمسى خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 101 وأما استجابة اللَّه تعالى دعاء رسوله محمد صلّى اللَّه عليه وسلم على قريش حين تظاهروا عليه بمكة حتى أمكنه اللَّه منهم وقتلهم يوم بدر بسيوف اللَّه فخرج مسلم [ (1) ] من حديث زكريا، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأزدي، عن ابن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [يصلى] [ (2) ] عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا [ (3) ] جزور بنى فلان، فيأخذه، فيضعه في بين كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم، فأخذه، فلما سجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وضعه بين كتفيه! قال: فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم، أنظر ولو كان لي منعة طرحته على ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان، فأخبر فاطمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، فجاءت وهي جويرية، فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تسبهم. فلما قضى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم صلاته رفع صوته، ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا، دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا، ثم قال: اللَّهمّ عليك بقريش ثلاث مرات، فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال: اللَّهمّ عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط. وذكر السابع [ (4) ] ، ولم أحفظه، فو الّذي بعث محمدا بالحق، لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 393- 394، كتاب الجهاد والسير، باب (39) ما لقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم (107) . [ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (3) ] هي الجلدة التي يكون فيها الولد من البهائم، وأما من الآدميات فهي المشيمة. وفي رواية: «فيعمد إلى فرثها، ودمها، وسلاها» . [ (4) ] السابع هو عمارة بن الوليد كما وقع في رواية (البخاري) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 102 قال مسلم: الوليد بن عقبة: غلط في هذا الحديث. قال كاتبه: وقع في رواية في كتاب مسلم: الوليد بن عقبة والصواب الوليد بن عقبه بن ربيعة. وخرجه البخاري من حديث شعبة عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساجد. ومن حديث إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق قال: حدثني عمرو بن ميمون أن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حدثه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلى [ (1) ] جزور بنى فلان، فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم، فجاء به، فنظر حتى سجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا انظر لا أغنى [ (2) ] شيئا لو كانت لي منعة. قال: فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض [ (3) ] ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساجد [ (4) ] لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال: اللَّهمّ عليك بقريش ثلاث مرات، فشق عليهم، قال وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمى، اللَّهمّ عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة ابن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط وعد السابع، فلم يحفظه قال: فو الّذي نفسي بيده، لقد رأيت الذين عد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صرعى في القليب، قليب بدر. ذكره في كتاب (الطهارة) في باب إذا ألقى على ظهر المصلّى قذرا وجيفة لم تفسد عليه صلاته [ (5) ] .   [ (1) ] سبق شرحها، وهي تمد وتقصر. [ (2) ] في (الأصل) : «أغير» وما أثبتناه من (البخاري) . [ (3) ] زيادة للسياق من (البخاري) . [ (4) ] زيادة للسياق من (البخاري) . [ (5) ] باب (69) ، حديث رقم (240) ، وفي الأصل: (كتاب الطهارة) . وفي الحديث تعظيم الدعاء بمكة عند الكفار، وما ازدادت عند المسلمين إلا تعظيما، وفيه معرفة الكفار بصدقة صلّى اللَّه عليه وسلم لخوفهم من دعائه، ولكن حملهم الحسد على ترك الانقياد له، وفيه حلمه صلّى اللَّه عليه وسلم عمن أذاه، ففي رواية الطيالسي عن شعبة في هذا الحديث أن ابن مسعود قال لم أره دعا عليهم إلا يومئذ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 103 وخرّج في كتاب الصلاة أيضا [ (1) ] من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يصلّى عند الكعبة   [ () ] وإنما استحقوا الدعاء حينئذ لما أقدموا عليه من الاستحقاق به حال عبادة ربه، وفيه استحباب الدعاء ثلاثا، وفيه جواز الدعاء على الظالم، ولكن قال بعضهم: محله ما إذا كان كافرا، فأما المسلم فيستحب الاستغفار له، والدعاء بالتوبة، ولو قيل: لا دلالة فيه على الدعاء على الكفار لما كان بعيدا لاحتمال أن يكون اطلع صلّى اللَّه عليه وسلم على أن المذكورين لا يؤمنون، والأولى أن يدعى لكل حي بالهداية. وفيه قوة نفس فاطمة الزهراء من صغرها، لشرفها في قومها ونفسها، لكونها صرحت بشتمهم وهم رءوس قريش، فلم يردوا عليها. وفيه أن المباشرة آكد من السب والإعانة لقوله في عقبة «أشقى القوم» ، مع أنه كان فيهم أبو جهل، وهو أشد منه كفرا وأذى للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، لكن الشقاء هنا بالنسبة إلى هذه القصة لأنهم اشتركوا في الأمر والرضا، وانفرد عقبه بالمباشرة فكان أشقاهم ولهذا قتلوا في الحرب، وقتل هو صبرا. واستدل به على أن من حدث له في الصلاة ما يمنع انعقادها ابتداء لا تبطل صلاته ولو تمادى، وعلى هذا ينزل كلام المصنف، فلو كانت نجاسة فأزالها في الحال ولا أثر لها صحت اتفاقا، واستدل به على طهارة فرث ما يؤكل لحمه، وعلى أن إزالة النجاسة ليست بفرض، وهو ضعيف، وحمله على ما سبق أولى. وتعقب الأول بأن الفرث لم يفرد، بل كان مع الدم كما في رواية إسرائيل، والدم نجس اتفاقا، وأجيب بأن الفرث والدم كانا داخلي السلى وجلدة السلى الظاهرة طاهرة. فكان كحمل القارورة المرصصة وتعقب بأنها ذبيحة وثني، فجميع أجزائها نجسة لأنها ميتة، وأجيب بأن ذلك كان قبل التعبد بتحريم ذبائحهم، وتعقب بأنه يحتاج إلى تاريخ ولا يكفى فيه الاحتمال، وقال الإمام النووي: الجواب المرضى أنه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يعلم ما وضع على ظهره، فاستمر في سجوده استصحابا لأصل الطهارة، وتعقب بأنه يشكل على قولنا بوجوب الإعادة في مثل هذه الصورة. وأجاب بأن الإعادة إنما تجب في الفريضة، فإن ثبت أنها فريضة، فالوقت موسع، فلعله صلّى اللَّه عليه وسلم أعاد، وتعقب بأنه لو أعاد لنقل، ولم ينقل، وبأن اللَّه تعالى لا يقره على التمادي في صلاة فاسدة، وقد تقدم أنه صلّى اللَّه عليه وسلم خلع نعليه وهو في الصلاة، لأن جبريل أخبره أن فيهما قذرا، ويدل على أنه علم بما ألقي على ظهره أن فاطمة ذهبت به قبل أن يرفع رأسه، وعقب هو صلاته بالدعاء عليهم. (فتح الباري) . [ (1) ] باب (109) المرأة تطرح عن المصلّى شيئا من الأذى، حديث رقم (520) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 104 وجمع قريش في مجالسهم، إذا قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي! أيكم يقوم إلى جزور آل فلان [ (1) ] ، فيعمد إلى فرثها، ودمها، وسلاها فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه، وثبت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ساجدا، فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك، فانطلق منطلق [ (2) ] إلى فاطمة وهي جويرية، فأقبلت تسعى وثبت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ساجدا حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم، فلما قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الصلاة قال: اللَّهمّ عليك بقريش [ثلاثا] ، ثم سمى: اللَّهمّ عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد. قال عبد اللَّه: فو اللَّه لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى قليب بدر، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: وأتبع أصحاب القليب لعنة. ترجم عليه باب المرأة تطرح عن المصلّى شيئا من الأذى. وأخرجاه معا من حديث شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه قال: بينما رسول اللَّه ساجد وحوله ناس من قريش إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور، فقذفه على ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة عليها السلام، فأخذته عن ظهره، ودعت على من صنع ذلك. فقال: اللَّهمّ عليك الملأ من قريش: أبا جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف أو أبي بن خلف [شعبة الشاك] . قال: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر، فألقوا في بئر غير أن أمية أو أبيا تقطعت أوصاله، فلم يلق في بئر. اللفظ لمسلم، ولفظ البخاري قريب منه [ (3) ] . وفي   [ (1) ] يشبه أن يكون آل معيط لمبادرة عقبة بن أبي معيط إلى إحضار ما طلبوه منه، وهو المعنى بقوله: أشقاهم. [ (2) ] يحتمل أن يكون هو بن مسعود الراويّ. [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 347، كتاب الجزية والموادعة، باب (21) طرح جيف المشركين في البئر، ولا يؤخذ لهم ثمن، حديث رقم (3185) ، (مسلم بشرح النووي) : 12/ 394- 395، كتاب الجهاد والسير، باب (39) ما لقى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم (108) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 105 حديث عبدان غير أمية أو أبي فإنه كان رجلا ضخما، فلما جروه تقطعت أوصاله قبل أن يلقى في البئر [ (1) ] . وخرجاه أيضا من حديث سفيان الثوري، عن أبي إسحاق بهذا الإسناد نحوه [ (2) ] ، وزاد مسلم، وكان يستحب ثلاثا يقول: اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش ثلاثا [ (3) ] . وذكر فيهم الوليد بن عتبة وأمية بن خلف لم يشك، قال أبو إسحاق: ونسيت السابع. وسياق البخاري في كتاب الجهاد عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في ظل الكعبة، فقال أبو جهل وناس من قريش ونحرت جزور بناحية مكة، فأرسلوا، فجاءوا من سلاها وطرحوا عليه، فجاءت فاطمة فألقته عنه قال: اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش، لأبى جهل وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، وأبيّ بن خلف، وعقبة بن أبي معيط. قال عبد اللَّه: فلقد رأيتهم في قليب بدر قتلى. قال أبو إسحاق: ونسيت السابع. قال أبو عبد اللَّه: قال يوسف بن أبي إسحاق: أمية بن خلف وقال شعبه: أمية أو أبي، والصحيح أمية. ذكره في باب الدعاء على المشركين [ (4) ] . وخرجاه أيضا من حديث زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق. فذكره البخاري في أول المغازي في غزوة بدر [ (5) ] ومن حديث زهير قال أبو إسحاق: عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: استقبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الكعبة، فدعا على نفر   [ (1) ] ذكره في كتاب مناقب الأنصار، باب (29) ما لقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة، حديث رقم (3854) . [ (2) ] ذكره في كتاب الجهاد والسير، باب (98) الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، حديث رقم (2934) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 395، كتاب الجهاد والسير، باب (39) ما لقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم (109) . [ (4) ] باب (9) ، حديث رقم (2934) . [ (5) ] باب (7) دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على كفار قريش: شيبة وعتبة، والوليد، وأبي جهل بن هشام، وهلاكهم، حديث رقم (3960) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 106 من قريش على شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأبى جهل ابن هشام، فأشهد باللَّه لقد رأيتهم صرعى، قد غيرتهم الشمس، وكان يوم حار. وسياق مسلم له من حديث زهير قال: حدثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه قال: استقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم البيت، فدعا على ستة نفر من قريش، فيهم أبو جهل، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، فأقسم باللَّه لقد رأيتهم صرعى على بدر، قد غيرتهم الشمس، وكان [يوما] حارا [ (1) ] . وخرّج البيهقي [ (2) ] من طريق أبي نعيم قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم قال: أخبرنى سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جاءت فاطمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تبكى، فقالت: تركت الملأ من قريش تعاقدوا في الحجر، فحلفوا باللات، والعزى، وإساف، ونائلة، إذا هم رأوك يقومون إليك، فيضربونك بأسيافهم، فيقتلوك، وليس فيهم رجل إلا قد عرف نصيبه منك. قال: لا تبكى يا بنية، ثم قام فتوضأ، ثم أتاهم، فلما نظروا إليه طأطئوا، ونكسوا رءوسهم إلى الأرض، فأخذ كفا من تراب، فرماهم به، ثم قال: شاهت الوجوه. قال ابن عباس: ما أصاب ذلك التراب منهم أحدا إلا قتل يوم بدر كافرا.   [ (1) ] باب (39) ما لقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم (110) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 240- 241. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 107 وأما إقعاد من مرّ بين يدي الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يصلي بدعائه عليه فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث أبي سلمة قال: حدثنا البيهقي من حديث عمرو بن أبي سلمة قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: حدثني مولى ابن نمران، عن يزيد بن نمران قال: رأيت معقدا بتبوك، فسألته عن إقعاده، فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي، فمررت بين يديه، فقال: قطع صلاتنا قطع اللَّه أثره، قال: فقعدت، قال: وكان علي أتان أو حمار. وخرجه أبو داود من حديث وكيع، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مولى ليزيد بن نمران، عن يزيد بن نمران قال: رأيت رجلا بتبوك مقعدا، فقال: مررت بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا على حمار، وهو يصلي، فقال: اللَّهمّ اقطع أثره، فما مشيت عليهما بعد [ (2) ] . وذكره أبو داود من حديث أبي حيوة، عن سعيد بإسناده ومعناه وزاد. فقال: قطع صلاتنا قطع اللَّه أثره [ (3) ] . وذكره أيضا من حديث ابن وهب قال: أخبرني معاوية عن سعيد بن غزوان، عن أبيه أنه نزل بتبوك وهو خارج، فإذا رجل مقعد، فسألته عن أمره، فقال: سأحدثك حديثا فلا تحدث به ما سمعت إلي حىّ إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نزل بتبوك إلي نخلة فقال: هذه قبلتنا، ثم صلي إليها، فقال: فأقبلت وأنا غلام   [ (1) ] (المرجع السابق) : 241، ثم قال البيهقي: وقد رويناه في غزوة تبوك من وجهين آخرين عن سعيد بن عبد العزيز، وروي أن واحدا من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دعا علي كلب مر بهم وهم في الصلاة فمات في الحال. [ (2) ] (سنن أبي دواد) : 1/ 454، كتاب الصلاة، باب (110) ما يقطع الصلاة، حديث رقم (705) ، وفي إسناده مجهول هو مولى سعيد بن غزوان. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (706) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 108 أسع، حتى مررت بينه وبينهما، فقال: قطع صلاتنا، فقطع اللَّه أثره، قال: فما قمت إلى يومي هذا [ (1) ] . وأما موت الكلب بدعاء بعض من كان يصلي معه صلّى اللَّه عليه وسلم حين أراد المرور بين يديه فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث سليمان بن طريف السلمي، عن مكحول، عن أبي الدرداء رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فصلى بنا العصر في يوم جمعة، إذ مر بهم كلب، فقطع عليهم الصلاة، فدعا عليه رجل من القوم، فما بلغت رجله الأرض حتى مات، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: من الداعي على هذا الكلب آنفا؟ فقال: رجل من القوم: أنا يا رسول اللَّه، قال: والّذي بعثني بالحق لقد دعوت اللَّه باسمه الّذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، ولو دعوت بهذا الاسم لجميع أمة محمد أن يغفر لهم لغفر لهم. قالوا: كيف دعوت قال: قلت: اللَّهمّ إني أسالك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان، بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام اكفنا هذا الكلب بما شئت، وكيف شئت، فما برح حتى مات [ (3) ] . ومن حديث عمر بن ذر قال: أخبرنا يحيى بن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة الأنصاري أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان في صلاة العصر يوم الجمعة فسبح كلب أحمر بين يديه، فمر الكلب فمات قبل أن يمر بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أقبل على القوم بوجهه، فقال: أيكم دعا على هذا   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (707) ، وإسناده ضعيف، قال ابن القطان: سعيد بن غزوان مجهول. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 241- 242. [ (3) ] قال البيهقي: وله شاهد من وجه آخر كذلك مرسلا مختصرا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 109 الكلب؟ فقال رجل من القوم: أنا دعوت عليه يا رسول اللَّه! فقال عليه السلام: دعوت عليه في ساعة يستجاب فيها الدعاء [ (1) ] . فهذا حديث مرسل. وأما تشتت رجل في الأرض بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث حنبل بن إسحاق قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثتنا أم الأسود الخزاعية، قالت: حدثتني أم نائلة الخزاعية قالت: حدثتني بريرة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سأل عن رجل يقال له قيس، فقال: لا أقرته الأرض، فكان لا يدخل أرضا يستقر بها، حتى يخرج منها.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 242. [ (2) ] (المرجع السابق) : 242- 243. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 110 وأما إجابة اللَّه دعوة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم على معاوية بن أبي سفيان [ (1) ] بعدم الشبع   [ (1) ] هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أمير المؤمنين، ملك الإسلام. أبو عبد الرحمن القرشي الأموي المكيّ. أمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وقيل: إنه أسلم قبل أبيه وقت عمرة القضاء، وبقي يخاف اللحاق بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، من أبيه، ولكن ما ظهر إسلامه إلا يوم الفتح، حدث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وكتب له مرات يسيرة، وحدث أيضا عن أخته أم المؤمنين أم حبيبة، وعن أبي بكر وعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما. عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني- وكان من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال لمعاوية: «اللَّهمّ علمه الكتاب والحساب وقه العذاب. وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويغالون فيه ويفضلونه، إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء، وإما قد ولدوا في الشام على حبه، وتربى أولادهم على ذلك، وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة، وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهل العراق. قال خليفة: جمع عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه الشام كلها لماوية وأقره عثمان، قلت: حسبك بمن يؤمره عمر، ثم عثمان على إقليم- وهو ثغر- فيضبطه، ويقوم به أتم قيام، ويرضى الناس بسخائه وحلمه، وإن كان بعضهم تألم مرة منه، وكذلك فليكن الملك. وإن كان غيره من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خيرا منه بكثير وأفضل وأصلح، فهذا الرجل ساد، وساس العالم بكمال عقله، وفرط حلمه، وسعة نفسه، وقوة دهائه ورأيه، وله هنات وأمور، واللَّه الموعد. وكان محببا إلى رعيته، عمل نيابة الشام عشرين سنة، والخلافة عشرين سنة، ولم يهجه أحد في دولته، بل دانت له الأمم، وحكم على العرب والعجم، وكان ملكه على الحرمين، ومصر، والشام، والعراق، وخراسان، وفارس، والجزيرة، واليمن، والمغرب، وغير ذلك. قال أحمد بن حنبل: فتحت قيسارية سنة تسع عشرة، وأميرها معاوية، وقال يزيد بن عبيدة غزا معاوية قبرص سنة خمس وعشرين. وقال الزهري: نزع عثمان عمير بن سعد، وجمع الشام لمعاوية. وأقبل معاوية في أهل الشام، فالتقوا، فكره الحسن القتال، وبايع معاوية على أن جعل له العهد بالخلافة من بعده. ثم إن معاوية أجاب إلى الصلح وسر بذلك، ودخل هو والحسن الكوفة راكبين، وتسلم معاوية الخلافة في ربيع الآخر، وسمى عام الجماعة لاجتماعهم على إمام، وهو عام أحد وأربعين. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 111 فخرج مسلم [ (1) ] من حديث أمية بن خالد قال: حدثنا شعبة عن أبي حمزة القصاب، عن ابن عباس قال: كنت مع الصبيان، فجاء فحطأني حطأه، وقال: اذهب ادع معاوية، قال: فجئته فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع معاوية، فجئت فقلت: هو يأكل، فقال: لا أشبع اللَّه بطنه. قال ابن مثنى: قلت لأمية: ما حطأني؟ قال: قفدني قفده [ (2) ] .   [ () ] مجالد: عن الشعبي عن قبيصة بن جابر، قال صحبت معاوية، فما رأيت رجلا أثقل حلما، ولا أبطأ جهلا، ولا أبعد أناة منه. قال الزبير بن بكار: كان معاوية أول من اتخذ الديوان للختم وأمر بالنيروز والمهرجان، واتخذ المقاصير في الجامع، وأول من قتل مسلما صبرا، وأول من قام على رأسه حرس، وأول من قيدت بين يديه الجنائب، وأول من اتخذ الخدام الخصيان في الإسلام، وأول من بلغ درجات المنبر خمس عشرة مرقاة، وكان يقول: أنا أول الملوك. قلت: نعم، فقد روى سفينة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا، فانقضت خلافة النبوة ثلاثين عاما وولى معاوية، فبالغ في التجمل والهيئة، وقل أن بلغ سلطان إلى رتبته، وليته لم يعهد بالأمر إلى ابنه يزيد، وترك الأمة من اختياره لهم، ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم، وما هو ببريء من الهنات، واللَّه تبارك وتعالى يعفو عنه. مسندة في (مسند بقي) مائة وثلاثة وستون حديثا، وقد عمل الأهوازي مسندة في مجلد، واتفق له البخاري ومسلم علي أربعة أحاديث، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة. قال أبو مسهر: صلي الضحاك بن قيس الفهري على معاوية، ودفن بين باب الجابية وباب الصغير فيما بلغني. قال أبو معشر، والليث، وعدة: مات معاوية في رجب سنة ستين، وقيل: في نصف رجب وقيل: لثمان بقين منه. وعاش سبعا وسبعين عاما. (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 89- 91، ترجمة رقم (257) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 392- 393، كتاب البر والصلة والآداب، باب (25) من لعنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أو سبه، أو دعا عليه، وليس هو أهلا لذلك، كان له زكاه وأجرا ورحمة، حديث رقم (97) . [ (2) ] وفسر الراويّ: أي قفدني أو حطأني، فبحاء ثم طاء مهملتين وبعدها همزة، وقفدني بقاف ثم فاء ثم دال مهملة. وقوله: حطأة، بفتح الحاء وإسكان الطاء بعدها همزة، وهو الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين، وإنما فعل هذا بابن عباس ملاطفة وتأنيسا، وأما دعاؤه علي معاوية أن لا يشبع الجزء: 12 ¦ الصفحة: 112 وخرجه أيضا من حديث إسحاق بن منصور قال: حدثنا النضر بن شميل، قال: حدثنا شعبة حدثنا أبو حمزة قال: سمعت ابن عباس يقول كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاختبأت منه. فذكر الحديث بمثله [ (1) ] . وقال البيهقي: وقد روى عن أبي عوانه عن أبي حمزة أنه استجيب له فيما دعا في هذا الحديث على معاوية. وذكر من حديث موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي حمزة قال: سمعت ابن عباس قال: كنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد جاء فقلت: ما جاء إلا إليّ، فاختبأت على باب، فجاء فحطأني حطأة فقال: اذهب فادع لي معاوية، وكان يكتب الوحي، قال: فذهبت فدعوته له، فقيل: إنه يأكل، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبرته، فقال: فاذهب فادعه فأتيته، فقيل: إنه يأكل، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبرته، فقال في الثالثة: لا أشبع اللَّه بطنه، قال فما شبع بطنه أبدا. قال البيهقي: وروي عن هزيم عن أبي حمزة في هذا الحديث زيادة تدل على الاستجابة [ (2) ] .   [ () ] حين تأخر، ففيه الجوابان السابقان: أحدهما: أنه جرى على اللسان بلا قصد، والثاني: أنه عقوبة له لتأخيره. وقد فهم مسلم رحمة اللَّه من هذا الحديث، أن معاوية لم يكن مستحقا للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله غيره من مناقب معاوية، لأنه في الحقيقة يصير دعاء له. وفي هذا الحديث جواز ترك الصبيان يلعبون بما ليس بحرام، وفيه اعتماد الصبي فيما يرسل فيه من دعاء إنسان ونحوه، من حمل هدية، وطلب حاجة، وأشباهه، وفيه جواز إرسال صبي غيره ممن يدل عليه في مثل هذا، ولا يقال: هذا تصرف في منفعة الصبي، لأن هذا قدر يسير، ورد الشرع بالمسامحة به للحاجة، واطرد به العرف، وعمل المسلمين، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (شرح النووي) . [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (98) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 242- 243. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 113 وأما استجابة اللَّه تعالى لرسوله اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قوله لرجل: ضرب اللَّه عنقه فقال الواقدي [ (1) ] : وحدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، عن جابر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فذكر غزوة ذات الرقاع إلى أن قال: وقد جهرنا صاحبا لنا يرعى ظهرنا وعليه ثوب متخرق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أما له ثوب غير هذا؟ فقلنا: بلي يا رسول اللَّه إن له ثوبين جديدين في العيبة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: خذ ثوبيك، فأخذ ثوبيه فلبسهما، ثم أدبر فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أليس هذا أحسن؟ ما له! ضرب اللَّه عنقه، فسمع ذلك الرجل فقال: في سبيل اللَّه يا رسول اللَّه؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: في سبيل، فقال جابر: فضربت عنقه بعد ذلك في سبيل اللَّه. وخرج الحاكم [ (2) ] من طريق سعيد بن سليمان الواسطي، حدثنا الليث بن سعد، عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن جابر قال: خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بعض مغازيه، فخرج رجل في ثوبين متخرقين يريد أن يسوق بالإبل، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما له ثوبا غير هذا؟ قيل: إن في عيبته ثوبين جديدين، قال: ائتوني بعيبته ففتحها فإذا فيها ثوبان فقال للرجل: خذ هذين البسهما وألق المتخرقين، ففعل، ثم ساق بالإبل، فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أثره كالمتعجب من بخلة على نفسه بالثوبين، فقال له: ضرب اللَّه عنقك، فالتفت إليه الرجل وقال: في سبيل اللَّه؟ فقتل يوم اليمامة: قال الحاكم [ (3) ] : هذا   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 398، وجهرنا أي صبحنا. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 203، كتاب اللباس، حديث رقم (7369) ، (7370) . [ (3) ] ثم قال: حدثناه أبو العياس محمد بن يعقوب، حدثنا بحر بن نصر، قال عبد اللَّه بن وهب، قال: أخبرني مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : ورواه مالك عن زيد بن أسلم عن جابر نفسه. وأخرجه الإمام مالك في (الموطأ) : 654، كتاب الجامع، باب ما جاء في لبس الثياب للجمال الجزء: 12 ¦ الصفحة: 114 حديث صحيح على شرط مسلم، قد احتج في غير موضع بهشام بن سعد. ولم يخرجاه، إلا أن الحديث عند مالك بن أنس عن يزيد بن أسلم عن جابر. وأما استجابة اللَّه تعالى دعاءه صلّى اللَّه عليه وسلم على من احتكر الطعام فقد خرج البيهقي [ (1) ] من حديث الهيثم بن رافع الباهلي حدثنا أبو يحيى، عن فروخ مولى عثمان، قال: ألقي على باب مسجد مكة طعام كثير وعمر يومئذ أمير المؤمنين، فخرج إلي المسجد فرأى الطعام فقال: ما هذا الطعام؟ قالوا: طعام جلب إلينا، قال: بارك اللَّه فيه وفيمن جلبه إلينا، قالوا: يا أمير المؤمنين قد احتكر. قال: من احتكره؟ قالوا: فروخ مولى عثمان وفلان مولاك، قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه اللَّه بالجذام أو بالإفلاس، قال فروخ: أعاهد اللَّه يا أمير المؤمنين ألا أعود، فحول تجارته إلى بر مصر، وأما مولى عمر فقال: نشتري بأموالنا ونبيع، فزعم أبو يحيى أنه رأى مولى عمر بعد حين مجذوما، وذلك رواه جماعة عن الهيثم، وأبو يحيى هو مكي.   [ () ] بها، حديث رقم (1645) ، لكن بسياقة أتم. وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 244، باب ما جاء في قوله للرجل ضرب اللَّه عنقه في سبيل اللَّه، فقتل الرجل في سبيل اللَّه!. [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 246. باب ما جاء في دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم علي من احتكر بالجذام وإجابة اللَّه تعالى دعاءه فيمن احتكر من زمان عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقال في هامشه: نقله السيوطي في (الخصائص الكبرى) : 1/ 127 وعزاه إلى المصنف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 115 وأما إجابة اللَّه تعالى دعاءه صلّى اللَّه عليه وسلم على أبي ثروان فخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه عن جده، عن أبي ثروان قال: كان أبو ثروان راعيا لبني عمرو بن تيم في إبلهم، فخاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قريش، فخرج فنظر إلى سواد الإبل فقصد له، فإذا هي إبل، فدخل بين الأراك، فجلس، فنفرت الإبل، فقام أبو ثروان فأطاف بالإبل فلم ير شيئا، ثم تخللها، فإذا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالس، فقال له: من أنت فقد أنفرت على إبلي، فقال: لم ترع، أردت أن أستأنس بإبلك، فقال أبو ثروان: من أنت؟ قال: لا تسأل، رجل أردت أن أستأنس إلى إبلك، فقال: إني أراك الرجل الّذي يزعمون أنه خرج نبيا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أجل، فأدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، فقال أبو ثروان: اخرج، فلا تصلح إبل أنت فيها، وأبي أن يدعه، فدعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: اللَّهمّ أطل شقاءه وبقاءه. قال عبد الملك: قال أبي: فأدركته شيخا كبيرا يتمنى الموت، فقال له القوم: ما نراك إلا قد هلكت، دعا عليك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: كلا، إني قد أتيته بعد حين ظهر الإسلام، فأسلمت معه، فدعا لي واستغفر، ولكن الأولى قد سبقت. قال ابن عبد البر: أبو ثروان روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وروى عنه عنترة أبو وكيع.   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 452- 453، دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم علي أبي ثروان بطول الشقاء والبقاء، حديث رقم (377) ، باختلاف يسير. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 116 وأما افتراس الأسد عتيبة بن أبي لهب بدعاء المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم ربه عز وجل أن يسلط عليه كلبا من كلابه فخرج الحارث بن أبي أسامه من حديث الأسود بن شيبان، قال أبو نوفل، عن أبيه قال: كان عتيبة بن أبي لهب يسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ سلط عليه كلبك، قال: فخرج يريد الشام في قافلة مع أصحابه، قال: فنزلوا منزلا، فقال: واللَّه إني لأخاف دعوة محمد، فقالوا له: كلا، قال: فحطوا المتاع حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء السبع فانتزعه، فذهب به. وقال سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن عثمان بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن هبار بن الأسود، قال: كان أبو لهب وابنه عتيبة قد تجهزا إلي الشام، وتجهزت معه، فقال ابنه عتيبة: لأنطلقنّ إليه، ولأوذينه في ربه، فانطلق حتى أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا محمد هو يكفر بالذي دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ ابعث عليه كلبا من كلابك، ثم انصرف عنه، فرجع إليه، فقال: أي بني! ما قلت له؟ قال: كفرت بإلهه الّذي يعبد، قال: فماذا قال لك؟ قال: قال: اللَّهمّ ابعث عليه كلبا من كلابك، قال: أي بني! واللَّه ما آمن عليك دعوة محمد، قال: فسرنا حتى نزلنا الشراة- وهي مأسدة- فنزلنا إلى صومعة راهب فقال: يا معشر العرب! ما أنزلكم هذه البلاد وإنها مسرح الضيغم؟ فقال لنا أبو لهب: إنكم قد عرفتم سني وحقي؟ قلنا: أجل، فقال: إن محمدا قد دعا على ابني دعوة، واللَّه لا آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلي هذه الصومعة، ثم افترشوا لابني عتيبة عليه، ثم افترشوا حوله. قال: ففعلنا، جمعنا المتاع حتى ارتفع، ثم فرشنا له عليه، وفرشنا حوله فبتنا نحن حوله، وأبو لهب معنا أسفل، وبات هو فوق المتاع، فجاء الأسد، فشم وجوهنا، فلما لم يجد ما يريد، تقبض ثم وثب، فإذا هو فوق المتاع، فشم وجهه، ثم هزمه هزمة فنضخ رأسه، فقال: سبعي يا كلب لم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 117 يقدر على غيرك، ووثبنا، فانطلق الأسد، وقد نضخ رأسه، فقال أبو لهب: قد عرفت واللَّه ما كان لينفلت من دعوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال ابن إسحاق في كتاب (المغازي) عن يزيد بن زياد، عن محمد ابن كعب القرظي، وعن عثمان بن عروة بن الزبير، عن رجال من أهل بيته، قالوا: كانت بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عند عتيبة بن أبي لهب، فطلقها، فلما أراد الخروج إلى الشام قال: لآتين محمدا وأوذينه في ربه، قال: فأتى فقال: يا محمد، هو يكفر بالذي دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ثم تفل في وجهه، ثم رد عليه ابنته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ سلط عليه كلبا من كلابك. قال: وأبو طالب حاضر، فوجم عنها وقال: ما أغناك عن دعوة ابن أخي، فرجع إلي أبيه فأخبره بذلك، وخرجوا إلى الشام، فنزلوا منزلا، فأشرف عليهم راهب من الدير، فقال لهم: هذه أرض مسبعة، فقال أبو لهب: يا معشر قريش اغنونا هذه الليلة، فإنّي أخاف عليه دعوة محمد فجمعوا أحمالهم، ففرشوا لعتيبة في أعلاها، وناموا حوله، فجاء الأسد، فجعل يشم وجوههم، ثم ثني ذنبه، فوثب، عنه فضربه بذنبه ضربه واحدة، فخدشه، فقال: قتلني، ومات مكانه، فقال حسان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: سائل بني الأشعر جئتهم ... ما كان أنباء أبي واسع لا وسع اللَّه له قبره ... بل ضيق اللَّه على القاطع رحم نبي جده ثابت ... يدعو إلى نور اللَّه ساطع أسبل بالحجر لتكذيبه ... دون قريش نهزة القاذع فاستوجب الدعوة منه بما ... تبين للناظر والسامع أن سلط اللَّه بها كلبه ... يمشي الهوينا مشية الخادع حتى أتاه وسط أصحابه ... وبه علتهم سنة الهاجع فالتقم الرأس من يافوخه ... والنحر منه فغرة الجائع [ (1) ]   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 454- 457، قصة عتيبة بن أبي لهيب، حديث رقم (380) ، (381) ، حديث رقم (383) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 118 [أسلمتموه وهو يدعوكم ... بالنسب الأدنى وبالجامع] [والليث يعلوه بأنيابه ... منعفرا وسط الدم الناقع] [لا يرفع الرحمن مصروعكم ... ولا يوهن قوة الصارع] [من يرجع العام إلي أهله ... فما أكيل السبع بالراجع] [قد كان فيه لكم عبرة ... للسيد المتبوع والتابع] [من عاد فالليث له عائد ... أعظم به من خبر شائع [ (1) ]] وقال الواقدي: حدثني معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: تلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وَالنَّجْمِ إِذا هَوى قال عتيبة بن أبي لهب كفرت برب النجم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: سلط اللَّه عليك كلبا من كلابه. فحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: خرج عتيبة مع أصحابه في عير إلى الشام، حتى إذا كانوا بالشام، فزأر الأسد، فجعلت فرائصه ترعد، فقيل له: من أي شيء ترعد؟ فو اللَّه ما نحن وأنت إلا سواء، فقال: إن محمدا دعا عليّ، لا واللَّه ما أظلت هذه السماء على ذي لهجة أصدق من محمد، ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده فيه، ثم جاء النوم فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بينهم، وناموا. فجاءهم الأسد يهمس يستنشق رءوسهم رجلا رجلا، حتى انتهى اليه، فضغمه ضغمة كانت إياها، ففزع وهو بآخر رمق وهو يقول: ألم أقل لكم إن محمدا أصدق الناس؟ ومات [ (2) ] . وقال محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا إسرائيل عن سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى، قال: أراد ابن أبي لهب أن يأتي بتجارته إلى الكعبة، فقال:   [ (1) ] الأبيات التي بين الحاصرتين زيادة للسياق من (ديوان حسان بن ثابت) : 162- 163، قصيدة رقم (53) ، وفيه: وقال حسان لعتبة بن أبي لهيب- وكان يكنى أبا واسع- وكان شديد الإيذاء للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ سلط عليه كلبا من كلابك. وخرج أبو واسع في سفر له، ومعه عدة من قومه فتخطى إليه السبع من بينهم حتى أكله. (المرجع السابق) . [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 457- 458، حديث رقم (383) ، وقال محقق (الدلائل) : لم أجده عن غير أبي نعيم، وهو مرسل ومن رواية الواقدي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 119 أنا أكفر بمن قال: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى فبلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: عسى أن يرسل عليه كلبا من كلابه، فبلغ ذلك والده أبا لهب، فأوصى أصحابه، فقال: إذا نمتم فاجعلوه وسطكم، ففعلوا، حتى إذا كانت ذات ليله، بعث اللَّه تعالى سبعا فقتله. ذكر ذلك أبو نعيم. وأما أن دعوته صلّى اللَّه عليه وسلم تدرك ولد الولد فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث وكيع، قال: أنبأنا أبو العميس عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة، عن ابن لحذيفة عن أبيه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا دعا لرجل أصابته، وأصابت ولده، وولد ولده.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 6/ 533، حديث رقم (22766) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 120 وأما كفاية المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم كيد سراقة بقوله صلّى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ اصرعه فخرج البخاري [ (1) ] من حديث الليثي عن عقيل، قال: قال ابن شهاب: فأخبرني عروة ابن الزبير، أن عائشة رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنها قالت: لم أعقل أبويّ قط إلا وهما يدينان بالدين، فذكر الحديث إلى أن قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن مالك ابن جعشم، أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول: جاءتنا رسل كفار قريش، يجعلون في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبي بكردية كل واحد منهما من قتله أو أسره، فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة إني رأيت آنفا أسودة بالساحل، أراها محمدا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم. فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقا بأعيننا يبغون ضالة لهم. ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت، فأمرت جاريتي، أن تخرج بفرسي من وراء أكمة فتحبسها عليّ. وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فخططت بزجة الأرض، وخفضت عاليه، حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت فأهويت بيدي إلي كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها، أضرهم أم لا. فخرج الّذي أكره، فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي حتى بلغتا الراكبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها، فنهضت، فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمه إذ لأثر يدها غثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الّذي أكره، فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي- حين لقيت ما ألقيت من الحبس عنهم- أن سيظهر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت له:   [ (1) ] (جامع الأصول) : 11/ 587- 588، كتاب ذكر الهجرتين، حديث رقم (9203) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 121 إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني شيئا، ولم يسألاني إلا أن قال: أخف عنا ما استطعت، فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة، فكتب لي في رقعة من أدم، ثم مضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرج أيضا من حديث عبد الصمد [ (1) ] قال: حدثني أبي، حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: قال: أقبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه شيخ يعرف، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم شاب لا يعرف، فيلقي الرجل أبا بكر، فيقول: يا أبا بكر! من هذا الرجل الّذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، قال: فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني السبيل هو الخير، فالتفت أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول اللَّه هذا فارس قد لحقنا، فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: اللَّهمّ اصرعه، فصرعته فرسه، فقال: يا نبي اللَّه، مرني بما شئت، فقال: قف مكانك، لا تتركن أحدا يلحق بنا، قال: فكان أول النهار جاهدا [ (2) ] على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة له [ (3) ] . وذكر الحديث. وخرج البخاري ومسلم من حديث شعبه قال: سمعت أبا إسحاق الهمدانيّ يقول: سمعت البراء يقول: لما أقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكة إلى المدينة، قال: تبعه سراقة بن مالك بن جعشم، قال: فدعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فساخت [قوائم] فرسه، فقال: ادع اللَّه لي ولا أخبر بك، فدعا اللَّه. الحديث [ (4) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (9206) . [ (2) ] الجاهد: المبالغ الباذل غاية ما يقدر عليه. [ (3) ] المسلّحة: قوم ذوو سلاح، والمسلحة أيضا ك كالثغر، والمرقب، وهو الموضع الّذي يقيم فيه قوم يحفظون من ورائهم من العدو، لئلا يهجموا غليهم، ويدخلوا إليهم، وهو بالأعجمية: اليزك. (جامع الأصول) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 596- 597، حديث رقم (9204) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 122 وخرجا من حديث البراء مطولا، وفيه: ثم قال: ألم يأن للرحيل؟ قلت بلى، قال: فارتحلنا بعدا ما زالت الشمس، واتبعنا سراقة بن مالك، قال: ونحن في جدد من الأرض، فقلت: يا رسول اللَّه أتينا، فقال: لا تحزن إن اللَّه معنا، فدعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فارتطمت فرسه إلى بطنها، فقال: إني قد علمت أنكما قد دعوتما علي، فادع اللَّه لي، فاللَّه لكما أن أرد عنكما الطلب فدعا اللَّه فنجا، فرجع لا يلقي أحدا إلا رده. اللفظ المسلم. وفي لفظ لهما: فلما دنا دعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فساخ فرسه في الأرض إلى بطنه، ووثب عنه، وقال: يا محمد قد علمت أن هذا عملك، فادع اللَّه لي أن يخلصني مما أنا فيه، ولك على لأعمين على من ورائي، وهذه كنانتي فخذ سهما منها، فإنك ستمر على إبلي وغلماني، بمكان كذا وكذا، فخذ منها حاجتك، قال: لا حاجة لي في إبلك [ (1) ] . وذكر أبو نعيم [ (2) ] عن محمد بن إسحاق أنه قال: قال أبو بكر الصديق رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنه فيما يزعمون- واللَّه تعالى أعلم- في دخوله الغار مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومسيره معه حين ساروا، في طلب سراقة بن جعشم إياهم: قال النبي ولم أجزع يوقرني ... ونحن في سدنة في ظلمة الغار لا تخش شيئا فإن اللَّه ثالثنا ... وقد توكل لي منه بإظهار وإنما كيد من تخشى بوادره ... كيد الشياطين كادته لكفار واللَّه مهلكهم طرا بما كسبوا ... وجاعل المنتهى منهم إلى النار وأنت مرتجل عنهم وتاركهم ... إما غدوا وإما مدلج سار وهاجر أرضهم حتى يكون لنا ... قوم عليهم ذوو عز وأنصار حتى إذا الليل وارانا جوانبه ... وسد من دون من نخشى بأستار سار الأريقط يهدينا وأنيقه ... ينعبن بالقوم نعبا تحت أكوار   [ (1) ] (المرجع السابق) : 598. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 334- 336، حديث رقم (237) ، وما بين الحاصرتين تصويبات منه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 123 يعسفن عرض الثنايا بعد أطولها ... وكل سهب دقيق الترب موار حتى إذا قلت قد أنجدن عارضنا ... من مدلج فارس في منصب وار يردي به مشرف الأقطار معترم ... كالسيد ذي اللبدة المستأسد الضاري فقال كروا، فقلنا إن كرتنا ... من دونها لك نصر الخالق الباري إن تخسف الأرض بالأخرى وفارسها ... فانظر إلى مربع في الأرض خوار فهيل لما رأى أرساغ مقربة ... قد سخن في الأرض لم تحفر بمحفار فقال هل لكم أن تطلوا فرسي ... وتأخذوا موثقي في نصح أسرار وأصرف الحي عنكم إن لقيتهم ... وأن أعور منهم عين عواد فادع الّذي هو عنكم كف عدوتنا ... يطلق جوادي فأنتم خير أبرار فقال قولا رسول اللَّه مبتهلا: ... يا رب إن كان ينوي غير إخفار فنجه سالما من شر دعوتنا ... ومهرة مطلقا من كل آثار فأظهر اللَّه- إذ يدعو- حوافره ... وفاز فارسه من هول أخطار وقال أبو جهل [بن هشام] فيما يزعمون حين سمع بشأن سراقة [بن مالك] ، وما يذكر من أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وما رأى من أمر الفرس حين أصابه ما أصابه، وتخوف أبو جهل سراقة أن يسلم حين رأى ما أرى: بني مدلج إني أخاف سفيهكم ... سراقة مستغو لنصر محمد عليكم به لا يفرقن جموعكم ... فتصبح شتي بعد عز وسؤدد يظن سفيه الحي أن جاء شبهة ... على واضح من سنة الحق مهتد فأني يكون الحق ما قال إذ غدا ... ولم يأت بالحق المبين المسدد ولكنه ولي غريبا بسخطة ... إلى يثرب منا، فيا بعد مولد ولو أنه لم يأت يثرب هاربا ... لأشجاه وقع المشرفي المهند فقال سراقة بن مالك يجيب أبا جهل فيما قال: أبا حكم واللَّه لو كنت شاهدا ... لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه عجبت ولم تشكك بأن محمدا ... نبي وبرهان ذا يكاتمه عليك بكف القوم عنه فإنني ... أرى أن يوما ما ستبدو معالمه بأمر يود النصر فيه بالبها ... لو أن جميع الناس طرا يسالمه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 124 وأما قتل اللَّه عز وجل كسرى بن أبرويز بن هرمز [بن أنوشروان] وتمزيق ملك فارس بدعاء المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود أن عبد اللَّه بن عباس أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعث بكتابه رجلا [ (1) ] وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى [ (2) ] ، فلما قرأه مزقه، فحسبت أن ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق. وخرّج البخاري ومسلم من حديث عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده، وقيصر ليهلكن، ثم لا يكون قيصر بعده، ولتقسمن كنوزهما في سبيل اللَّه [ (3) ] .   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن حذافة السهمي. [ (2) ] كسرى: هو أبرويز بن هرمز بن أنوشروان، وهم من قال هو أنوشروان. وأخرجه أيضا في كتاب الجهاد والسير، باب (101) دعوة اليهود والنصارى، وعلى ما يقاتلون عليه؟ وما كتب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلي كسرى وقيصر، والدعوة قبل القتال، حديث رقم (2939) ، وفيه الدعاء إلى الإسلام بالكلام والكتابة، وأن الكتابة تقوم مقام النطق، وفيه إرشاد المسلم إلى الكافر، وأن العادة جرت بين الملوك بترك قتل الرسل، ولهذا مزق كسرى الكتاب، ولم يتعرض للرسول. وأخرجه في كتاب المغازي، باب (83) كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى كسرى وقصير، حديث رقم (4424) . وكسرى بفتح الكاف وبكسرها، لقب كل من تملك الفرس، ومعناه بالعربية المظفري. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 403، حديث رقم (2185) ، من مسند عبد اللَّه ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 776، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3618) ، (3619) ، وسبب الحديث أن قريشا كانوا يأتون الشام والعراق تجارا، فلما أسلموا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 125 وقال الواقدي: حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: بينا كسرى مغلق بيته الّذي يخلو فيه إذا دخله، إذا رجل قد خرج إليه في يده عصا، فقال: يا كسرى إن اللَّه تعالى قد بعث رسولا وأنزل كتابا، فأسلم تسلم، وأتبعه يبق له ملك. قال كسرى: أخر عن هذا أثراما، فدعا حجابه وبوابه، فتوعدهم، وقال: من هذا الّذي دخل على؟ قالوا: واللَّه ما دخل عليك أحد، وما ضيعنا لك بابا. ومكث حتى إذا كان العام القابل أتاه فقال له مثل ذلك: إلا تسلم اكسر العصا، قال لا تفعل، أخر ذلك أثراما، ثم جاءه العام الثالث فقال له مثل ذلك، فكسرها وخرج من عنده. قال: فحدثني محمد بن الحصين، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، قال: أغلق كسرى عليه بابه أي لا تدخلوا على أحدا من العرب وذلك حين   [ () ] خافوا انقطاع سفرهم إليهما لدخولهم في الإسلام، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك تطييبا لقلوبهم، وتبشيرا لهم بأن ملكهما سيزول عن الاقليميين المذكورين. وقيل: الحكمة في أن قصير بقي ملكه، وإنما ارتفع من الشام وما والاها، وكسرى ذهب ملكه أصلا ورأسا، أن قيصر لما جاءه كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قبله وكاد أن يسلم كما مضى، كسرى لما أتاه كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مزقه، فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن يمزق ملكه كل ممزق، فكان كذلك. قال الخطابي: معناه فلا قيصر بعده يملك بمثل ما يملك، وذلك أنه كان بالشام، وبها بيت المقدس، الّذي لا يتم للنصارى نسك إلا به، ولا يملك على الروم أحد إلا كان قد دخله، إما سرا وإما جهرا، فانجلى عنها قيصر واستفتحت خزائنه ولم يخلفه أحد من القياصرة في تلك البلاد بعد. (فتح الباري) مختصرا. وأخرجه مسلم في الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت، حديث رقم (2918) ، (2919) . وأخرجه البخاري في الجهاد، باب الحرب خدعة، وباب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أحلت لكم الغنائم، وفي الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وأخرجه الترمذي في الفتن، باب ما جاء في الفتن، حديث رقم (2127) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 126 انصرف عبد اللَّه بن حذافة حين أرسله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم يجبه، فلما أغلق بابه إذا رجل واقف بين يديه، وبيده عصا، فقال: يا كسرى، أسلم، فإن اللَّه قد بعث رسولا يدعو إلى كتاب اللَّه والحق، قال: أخر عني اليوم حتى ترجع. فذكر مثل حديث أبي سلمة، قال: فضرب بالعصا على رأسه وقتله ابنه فلذلك كسرها وخرج من عنده. قال: فحدثني محمد بن الحصين عن داود بن الحصين عن عكرمة قال: أغلق كسرى عليه بابه وقال لا تدخلوا علي أحد من العرب وذلك حين انصرف عبد اللَّه من حذافة حين أرسله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم يجبه فلما أغلق بابه إذا رجل واقف بين يديه وبيده عصا فقال: يا كسرى أسلم فإن اللَّه قد بعث رسولا يدعو إلى كتاب اللَّه والحق. قال: أخر عني اليوم حتى ترجع فذكر مثل حديث أبي سلمة قال: فضرب بالعصا على رأسه وقتله ابنه تلك الليلة، فلذلك كتب ابن كسرى باذان ومن معه ينهاه أن يحرك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وخاف ما رأى، وكان باذان قد سبق بالإسلام ومن معه. قال: وحدثني عبد الملك بن محمد عن ثابت بن عجلان عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامه الباهلي رضي اللَّه عنه قال: مثل بين يدي كسرى رجل في بردين أخضرين معه قضيب أخضر قد حني ظهره وهو يقول: يا كسرى أسلم وإلا كسرت ملكك كما أكسر هذه العصا فقال كسرى: لا تفعل، ثم تولى عنه. قال الواقدي: حدثني صالح بن جعفر قال: سمعت محمد بن كعب يقول دخلت مدائن كسرى سنه ثمانين عام العجاف فنظرت إلى بناء كسرى وعجبت له، فإذا شيخ هرم يهدج قائم معي فسألته عن بعض امره فقال: إن كسرى أول من أنكر من ملكه أنه أصبح في الليلة التي أوحي فيها إلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ودجانة قد أسلمت عليه وأصبح طاق ملكه الّذي كان يغلق عليه تاجه منعدما وأشار لي إليه وأشار إلى حديث أسلمت دجانة وكان يجلس في ذلك الطاق فاغتم واحتسب نفسه وقال: ما انصدع هذا الطاق من غير ثقل وانبعثت دجلة من مأمنها إلا من أمر قد حدث، فانظروا إليه، فإن عندكم كل ساحر، وكاهن، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 127 وعائف، ومنجم، فذكر القصة إلى أن قال: ثم إن كسرى رأى في النوم أن سلما وضع في الأرض إلى السماء وحشر الناس حوله إذ أقبل رجل عليه عمامة وإزار ورداء فصعد السلم حتى إذا كان بمكان منه نودي أين فارس ورجالها، ونساؤها، ولأمتها، وكنوزها؟ فأقبلوا فجعلوا في جوالق ثم دفع الجوالق إلى ذلك الرجل فأصبح كسرى بئيس النفس محزونا بتلك الرؤيا، فذكرها لأساورته فجعلوا يهونون عليه الأمر فيقول كسرى: هذا من فضل الأمر الّذي يراد به فارس، فلم يزل مهموما حتى قدم عليه كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وقدم به عبد اللَّه بن حذافة. قال: وحدثني سعيد بن بشير عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال: إن كسرى رأى في النوم أن سلما وضع في الأرض إلى السماء وحشر الناس من حوله فذكر مثله وزاد فكتب كسرى إلى عامل اليمن باذان إني لم أبعثك لتأكل وتشرب إلى هذا الرجل الّذي خالف دين قومه فمره فليرجع إلى دين قومه وإلا فليواعدك يوما تلتقون فيه تقتلون، فلما ورد كتابه على باذان بعث بكاتبه مع رجلين، فلما وردا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أذن لها وأمرهما بالمقام فأقاما ثم أرسل إليهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات غداة فقال: انطلقا إلى باذان وأعلما أن ربي قد قتل كسرى في هذه الليلة، فانطلقا حتى قدما على باذان فأخبراه بذلك، فقال: إن يكن الأمر كما قال فإن خبر ذلك يوافي يوم كذا، وأتاه الخبر كذلك فاجتمعت أساودته إليه وهو مريض فقالوا: من يرأس علينا؟ فقال ملك مقبل وملك مدبر فاتبعوا هذا الرجل وادخلوا في دينه وأسلموا، ومات باذان وبعثوا وفدهم بإسلامهم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. هكذا ساق أبو نعيم هذه الأخبار عن الواقدي ثم قال ورواه على بن عاصم عن داود بن أبي هند عن الشعبي، قال: كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كتابا إلى هرقل [ (1) ] وكتابا إلى صاحب دومة الجندل [ (2) ] ، وكتابا إلى النجاشي [ (3) ] وكتابا إلى   [ (1) ] ولفظه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من محمد عبد اللَّه ورسوله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام. أسلم تسلم، وأسلم يؤتك اللَّه أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين، يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 128 كسرى [ (1) ] بن هرمز، فلما دخل صاحب كتاب كسرى عليه لم يقرأه وأمر به فمزقه وقال: من يلي هذا من عمالي قالوا: باذان صاحب اليمن فدعا الكاتب فأملي عليه: من كسرى إلى باذان، أما بعد فيا ابن الخبيثة إني لم أستعملك على اليمن لتأكل خيرها ولتلبس حريرها وإنما استعملتك لتقاتل من عاداني وإنه بلغني   [ () ] أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 64] (مجموعة الوثائق السياسية) : 35، وثيقة رقم (26) . [ (2) ] ولفظه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللَّه لأكيدر حين أجاب إلي الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف اللَّه في دوماء الجندل وأكنافها. إن لنا الضاحية من الضحل والبور والمعامي، وأغفال الأرض والحلقة، والسلاح والحافر، والحصن، ولكم الضامنه من النخل، والمعين من المعمور لا تعدل سارحتكم، ولا تعد فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك عهد اللَّه والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء شهد تبارك وتعالى اللَّه ومن حضر من المسلمين. (مجموعة الوثائق السياسية) : 181، وثيقة رقم (190) ، (الأموال) : 188، مسأله رقم (509) ، قال أبو عبيد: أما هذا الكتاب فأنا قرأت نسخته، وأتاني به شيخ من هناك مكتوبا في صحيفة بيضاء فنسخته حرفا بحرف. [ (3) ] ولفظه: هذا كتاب من محمد النبي إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة. سلام على من اتبع الهدى وآمن باللَّه ورسوله، وشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له. لم يتخذ صاحبه ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الإسلام، فإنّي رسول اللَّه فأسلم تسلم يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك. (مجموعة الوثائق السياسية) : 22، وثيقة رقم (22) . [ (1) ] ولفظه: من محمد رسول اللَّه إلى كسرى عظيم فارس. سلام على من اتبع الهدى وآمن باللَّه ورسوله وشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأدعوك بدعاء اللَّه، فإنّي رسول اللَّه إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين. فأسلم تسلم فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك. (مجموعة الوثائق السياسية) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 129 أن رجلا من أهل تهامة خرج عن دين قومه ومنسكهم، ويزعم أنه رسول اللَّه يقال له أحمد، فإذا جاءك كتابي فاختر رجلين من أهل فارس ممن ترضى عقله فابعثمها إليه واكتب معهما إليه، أن يرجع إلى دين قومه ومنسكهم أو تواعده يوما تلقاه فيه، فإنه يزعم أنه نبي يغلبني على ملكي فلما جاء باذان الكتاب اختار رجلين من أهل فارس وكتب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بما كتب به كسرى فقدما عليه فأعطياه الكتاب، فردّوهما شهرا يختلفان إليه فلا يجيبها إلى جواب كتابهما، فدعوا عليه يوما فقال ما أحسبني إلا قد حبستكما وشققت عليكما، قال: أجل قال: فانطلقا وتلبسا واركبا ثم مرا بي ففعلا فقال لهما: أما كتابه الىّ أن أرجع إلى دين قومي ومنسكهم، أو أعده موعدا ألقاه فيه، فموعدة بيني وبينه أبواب صنعاء أنا بنفسي وخيلي، وأبلغاه عني أن ربي عز وجل قتل ربّه الغداة، قال: فكتبا ذلك اليوم ثم قدما على باذان فقال ما حبسكما؟ قالا: هو حبسنا وأبلغاه ما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: وتحفظان اليوم الّذي قال إن ربي قتل ربه؟ قالا نعم، قال: فأمر به فكتب فما لبثوا إلا أياما قليلة حتى جاء كتاب من شيرويه بن كسرى: أما بعد فإنّي قتلت أبي يوم كذا وكذا، فادع من قبلك من أهل فارس إلى بيعتي، وأن يسمعوا ويطيعوا، قال: فسألهما باذان: أي رجل أحمد؟ قالا: وما يصنع بالحرس؟ لهو أحبّ إلى أصحابه من أنفسهم وأولادهم قال: هذا الملك الهنيء قال: فنادوا أن يا أهل فارس بايعوا شيرويه، واسمعوا وأطيعوا له، يا أهل فارس، هذا الملك قد أقبل ملك محمد، وهذا الملك قد أدبر، ملك فارس فأنا أهلك فيما بينهما، قال عامر: فأقبل ملك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأدبر ملك فارس وهلك باذان فيما بينهما، قتله العبسيّ الكذاب وتزوج امرأته [ (1) ] .   [ (1) ] قال الثعالبي أبو إسحاق بن محمد بن إبراهيم ويقال: الثعالبي، المتوفى سنه (427) في تفسيره المسمى ب (الكشف والبيان في تفسير قوله تعالى من سورة الأنعام: وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: عن ابن عباس قال: أهدى كسرى بغله لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فركبها بحبل من شعر، وأردفه خلفه. وإن صح هذا- لأن البغوي ذكره أيضا في تفسير الجزء: 12 ¦ الصفحة: 130 وقال البيهقي [ (1) ] أخبرني أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا الشافعيّ، حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والّذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه. قال الشافعيّ: ولما أتى كسرى بكتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مزقه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: مزق اللَّه ملكه، قال: وحفظنا إن قيصر أكرم كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ووضعه في مسك فقال: النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثبت اللَّه ملكه. قال البيهقي: فخرجه مسلم في (الصحيح) [ (2) ] من حديث ابن عيينة وخرجاه [ (3) ] من وجه آخر عن الزهري، قال: كتابه وسيرد بطريقة عن قريب إن شاء اللَّه.   [ () ] سورة الأنعام- فيتحمل أن يكون الّذي أرسل البغلة شيرويه، أو ابن عمه كسرى بن قباذ بن هرمز، أو أردشير بن شيرويه، أو جرهان، هؤلاء كلهم ملكوا بعد قتل أبرويز، ثم ملك بعدهم بوران بنت كسرى وبلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أمرها فقال: لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة. قاله ابن قتيبة في (المعارف) 2/ 666، باب ملوك العجم، (المصباح المضيء) : 2/ 157- 158. واللَّه تعالى أعلم أي ذلك كان. [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 393، باب ما جاء في الجمع بين قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا هلك قيصر فلا قيصر بعد، وما روى عنه من قوله في قيصر حين أكرم كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ثبت اللَّه ملكه، وما ظهر من صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم فيه، وفيما أخبر عنه من هلاك كسرى، وهو الصادق الصدوق صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 257، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (76) . قال الإمام النووي: قال الشافعيّ وسائر العلماء: معناه لا يكون كسرى بالعراق، ولا قيصر بالشام، كما كان. قال صلّى اللَّه عليه وسلم: فأما كسرى فانقطع ملكه، وزال بالكلية من جميع الأرض، وتمزق ملكه كل ممزق، واضمحل بدعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأما قيصر فانهزم من الشام، ودخل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 131 قال الشافعيّ [ (1) ] : كانت قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا وكان كثير من معاشها منه، وتأتي العراق، فيقال لما دخلت في الإسلام وذكرت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم خوفها من انقطاع معاشها بالتجارة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام، مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده. فلم يكن بأرض العراق كسرى يثبت له أمر بعده. وقال: إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده، وأجابهم على ما قالوا له وكان كما قال لهم صلّى اللَّه عليه وسلم وقطع اللَّه الأكاسرة عن العراق وفارس، وقطع قيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام، وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في كسرى: مزّق ملكه فلم يبق للأكاسرة ملك، وقال في قيصر: ثبت ملكه فثبت له ملك ببلاد الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام وكل هذا مؤتفق يصدق بعضه بعضا. قال كاتبه: يقال: إن كسرى أبرويز بن هرمز هذا خلع، وقيل بعد ما سهل، وقد مضى من الهجرة النبويّة أربع سنين وأربعه أشهر واثنان وعشرون يوما.   [ () ] أقاصي بلاده، فافتتح المسلمون بلادهما، واستقرت للمسلمين واللَّه الحمد، وأنفق المسلمون كنوزهما في سبيل اللَّه، كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم وهذه معجزات ظاهرة. [ (3) ] أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب علامات النبوة في الإسلام، وفي الجهاد، باب الحرب خدعه، وباب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أحلت لكم الغنائم، وفي الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين ولنبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وأخرجه مسلم برقم (2918) في كتاب الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيتمنى أن يكون مكان الميت (جامع الأصول) : 11/ 312، الباب الخامس في معجزاته صلّى اللَّه عليه وسلم ودلائل نبوته. [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 394، باب ما جاء في الجمع بين قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وما روى عنه من قوله في قيصر حين أكرم كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ثبت ملكه، وما ظهر من صدقه فيهما، وفيما أخبر عنه من هلاك كسرى، وهو الصادق المصدوق صلّى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 132 قال الواقدي: فلبط عليه ابنه شيرويه فقتله ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى سنة سبع، وملك بعده ابنه شيرويه، واسمه قباذ بن أبرويز، ثمانية أشهر، وهلك في الطاعون لأشهر من السنة الخامسة من الهجرة بعد ما قتل من آخرته ثمانية عشر، وملك بعده ابنه أردشير بن شيرويه وله من العمر سبع سنين، وقتل بعد سنة وستة أشهر [ (1) ] ، وملك بعده شهر آران مقدم الفرس، ثم قتل، وأقيمت بعده بوران دخت بنت كسرى أبرويز شهر خرهان [ (2) ] وقدم خالد بن الوليد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بجيوش المسلمين في ولايتهما لاثنتي عشرة سنة مضت من الهجرة فهلكت بعد قدوم خالد بسبعة أشهر، وهلكت لأربعة أشهر من خلافة عمر رضي اللَّه عنه، فكانت مدتها سنة وأربعة أشهر، وملك خشنشدة من بني عم أبرويز شهرا، وقيل: سنة [فأقيمت] [ (3) ] بعده أزرميدخت ولم [يكن] [ (3) ] من بيت الملك، وملك [بعدها] [ (3) ] خرذاوخر ابن أبرويز وهو طفل فأقام شهرا واحدا وملك يزدجرد بن شهريار من أبرويز وعمره خمس عشرة سنة، ثم قنل بمرو سنة إحدى وثلاثين من الهجرة بعد ما أقام في المملكة تسع عشرة سنة، وقيل: عشرين سنة ولم يقم بعده ملك فارس وتمزقوا حتى فنوا ولم يعرف اليوم منهم أحد.   [ (1) ] قال ابن قتيبة في (المعارف) : 665، وكان ملكه خمسة شهور. [ (2) ] قال ابن قتيبة في (المرجع السابق) : ولم يكن من أهل بيت الملك، فاحتالت له امرأة من أهل بيت الملك يقال لها [بوران] فقتلته، فكان ملكه اثنين وعشرين يوما، ثم ملك بعده من ولد هرمز رجلا يقال له كسرى بن قباذ، وكان ولد بأرض الترك، وقدم عند ما بلغه من الاختلاف، فوثب عليه ملك خراسان فقتله، وكان ثلاثة أشهر. انظر (تاريخ الطبري) : 2/ 218- 234، ذكر من كان على ثغر العرب من قبل ملوك الفرس بالحيرة بعد عمرو بن هند. [ (3) ] في (الأصل) : «فأقيم» ، «يكن» ، «بعده» ، وصوبناه من (المعارف) : 666. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 133 وأما استجابة اللَّه تعالى دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على المشركين وهزيمتهم يوم بدر فخرج البيهقي من حديث سفيان عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي ليلة بدر ويدعو ويقول: اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد [ (1) ] . وخرّج البخاري [ (2) ] عن طريق سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً قال: هم واللَّه كفار قريش، قال عمرو: هم قريش، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم نعمة اللَّه وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ قال: النار يوم بدر. ذكره في المغازي، وذكره في التفسير من طريق سفيان، عن عمرو عن وهب عن عبد اللَّه، عن أبي الطفيل أن ابن الكواء سأل عليا قال: من الذين بدلوا نعمة اللَّه كفرا؟ قال الأفجران، بنو أمية وبنو مخزوم كفيتهم يوم بدر. وفي رواية لغير عبد الرزاق   [ (1) ] وتمامه من (الدلائل) : «لم تعبد في الأرض أبدا، فقال له جبريل عليه السلام: خذ قبضة من تراب، فأخذ قبضة من التراب فرمي بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولوا مدبرين» . [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 382، كتاب المغازي، باب (8) قتل أبي جهل، حديث رقم (3977) ، كتاب التفسير وباب (3) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً، حديث رقم (7400) . وروي الطبري من طريق أخرى، عن ابن عباس أنه سأل عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن هذه الآية، فقال: من هم؟ قال: هم الأفجران من بني مخزوم وبني أمية أخوالي وأعمامك، فأما أخوالي فاستأصلهم اللَّه يوم بدر، وأما أعمامك فأملي اللَّه لهم إلى حين. ومن طريق على قال: هم الأفجران بنو أمية وبنو المغيرة فقطع اللَّه ودابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. وهو عند عبد الرزاق أيضا والنسائي وصححه الحاكم. قال الحافظ: والمراد بعضهم لا جميع بني أمية وبني مخزوم، فإن بني مخزم لم يستأصلوا يوم بدر، بل المراد بعضهم، كأبي جهل من بني مخزوم، وأبي سفيان من بني أمية. (فتح الباري) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 134 قال: هم كفار قريش الذين فروا يوم بدر. وقال يونس بن بكير [بسنده] : حدثني يحيى بن عباد من عبد اللَّه بن الزبير: بين أول يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [ (1) ] وبين قول اللَّه تعالى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [ (2) ] حبي اللَّه قريشا بالرفعة يوم بدر. وقال الأعمش: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أخذتهم يوم بدر ريح عقيم، وقال مجاهد: عن أبي بن كعب في قوله: يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ [ (3) ] قال، يوم بدر، وعن أبي هريرة في قوله تعالى: أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ [ (4) ] قال: يوم بدر. وقال مجاهد: السيوف يوم بدر، وعن عبد اللَّه بن مسعود قال: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً [ (5) ] يوم بدر، وعن قتادة في قوله تعالى: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً قال أبي بن كعب هو القتل يوم بدر، وقال مغيرة عن إبراهيم: اللزوم يوم بدر، وعن مجاهد فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً قال: هزموا يوم بدر، وقال سعيد، عن ابن مسعود قال: اللزام القتل يوم بدر، وقال الضحال فقد كذبتم بقول الكفار: كذب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم أجابه ابن عبد اللَّه قد مضى اللزام كان اللزام يوم بدر وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى [ (6) ] قال: يوم بدر، وعن ابن عباس وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ [ (7) ] قال: يوم بدر لا ينفع الذين كفروا إيمانهم.   [ (1) ] المزمل: 1. [ (2) ] المزمل: 11. [ (3) ] الحج: 55. [ (4) ] المؤمنون: 64. [ (5) ] السجدة: 21. [ (6) ] السجدة: 21. [ (7) ] السجدة: 28- 29. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 135 وخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث معاوية بن صالح، عن على بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أقبلت عير أهل مكة تريد الشام فبلغ أهل المدينة، فخرجوا ومعهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يريدون العير فبلغ أهل مكة ذلك فأسرعوا السير إليها لكي لا يغلب عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه فسبقت العير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان اللَّه وعدهم إحدى الطائفتين، وكانوا إن بلغوا العير أحب إليهم، وأيسر شوكة، وأحضر مغنما، فلما سبقت العير وفاتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمسلمين بينهم وبين الماء رسلة دعصة [ (2) ] ، فأصحاب المسلمين ضعف شديد فألقى الشيطان في قلوبهم القنط ويوسوسهم: تزعموا أنكم أولياء اللَّه وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون مجنبين؟ فأمطر اللَّه عليهم مطرا شديدا فشرب المسلمون وتطهروا، وأذهب اللَّه رجز الشيطان وانتسق الرمل [ (3) ] حين أصابه المطر ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم وأمدّ اللَّه نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة، قال: اصطف القوم قال أبو جهل: اللَّهمّ أولانا بالحق فانصره، ورفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده فقال: اللَّهمّ إنك ان تهلك هذه العصابة لم تعبد في الأرض فقال جبريل: خذ قبضة من التراب، فأخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم فما من المشتركين أحد إلا أصاب عينيه، ومخريه، وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين. ومن حديث الأعمش [ (4) ] ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، أو أبي عبيدة، عن عبد اللَّه قال لما كان يوم بدر قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم قعد يدعو قال: اللَّهمّ عهدك الّذي عهدت إليّ، اللَّهمّ وعدك الّذي وعدتني، اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض أبدا.   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 469، ذكر ما جرى من الآيات في غزواته وسراياه صلّى اللَّه عليه وسلم، ما حدث من المعجزات في غزوة بدر، حديث رقم (400) . [ (2) ] أي أرض مرملة، رملها زلق تغوص الأقدام فيه. [ (3) ] انتسق الرمل: انتظم بعضه إلى بعض وزال زلفة. [ (4) ] (المرجع السابق) : 474، حديث رقم (408) بسند آخر وسياقه أتم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 136 وخرج البخاري [ (1) ] من حديث عبد الوهاب ووهيب قالا: حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال وهو في قبته يوم بدر: اللَّهمّ أنشدك عهدك ووعدك اللَّهمّ إن تشأ لا تعبد بعد اليوم فأخذ أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بيده فقال: حسبك يا رسول اللَّه ألححت على ربك وهو يثب في الدرع، فخرج وهو يقول سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [ (2) ] ذكره في كتاب التفسير في باب بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [ (3) ] وذكره في غزوة بدر [ (4) ] . وخرج مسلم [ (5) ] والترمذي [ (6) ] من حديث عكرمة بن عمار قال: حدثني سماك الحنفي. قال: سمعت ابن عباس يقول لما كان يوم بدر. ذكره مسلم في   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 796- 797، كتاب التفسير، باب (5) قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، حديث رقم (4875) ، باب (6) قوله تعالى: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ، حديث رقم (4877) . [ (2) ] القمر: 45. [ (3) ] القمر: 46. [ (4) ] (فتح الباري) : 7/ 264، كتاب المغازي، باب (4) قول اللَّه تبارك وتعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ* إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ [الأنفال: 9- 12] ، حديث رقم (3953) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 292، كتاب الجهاد والسير، باب (7) استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو، حديث رقم (1743) مختصرا. [ (6) ] (سنن الترمذي) : 4/ 168، كتاب الجهاد، باب (8) ما جاء في الدعاء عند القتلى، حديث رقم (1678) ، قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود، وهذا حديث حسن صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 137 الجهاد وذكره الترمذي في التفسير. وخرجه مسلم [ (1) ] أيضا من حديث عكرمة بن عمار قال: أخبرني أبو زميل قال حدثني عبد اللَّه بن عباس قال لما كان يوم بدر نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا فاستقبل نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم القبلة ثم مدّ يديه فجعل يهتف بربه: اللَّهمّ أنجز لي ما وعدتني اللَّهمّ آتني ما وعدتني، اللَّهمّ إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا بني اللَّه! كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل اللَّه تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (2) ] فأمده اللَّه بالملائكة. وذكر الحديث. وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث ابن مهدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب، عن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غير المقداد على فرس أبلق، ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحت سمرة يصلي ويبكي حتى أصبح. ومن حديث إسماعيل بن عوف عن عبد اللَّه بن أبي رافع، عن عبد اللَّه ابن محمد بن عمر بن على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن أبيه، عن جده، عن على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال ثم جئت مسرعا لأنظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما فعل؟ فجئت فإذا هو ساجد يقول: يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، لا يزيد   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 327- 330، كتاب الجهاد والسير باب (18) الإمداد بالملائكة في غزوة بدر إباحة الغنائم، حديث رقم (1763) . [ (2) ] الأنفال: 9. [ (3) ] (سنن البيهقي) : 3/ 49، باب ما جاء في دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على المشركين قبل التقاء الجمعين وبعده، ودعاء أصحابه عليهم، واستغاثتهم ربهم، واستجابة اللَّه تعالى لهم، وإمدادهم بالملائكة، وإخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عن مصارع القوم قبل وقوعها، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. والحديث أخرجه النسائي في (الكبرى) ، في الصلاة، عن محمد بن المثنى، عن محمد، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 138 عليها فرجعت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك فلم يزل يقول ذلك حتى فتح اللَّه عليه. ومن حديث يحيى، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللَّه، قال: ما سمعت مناشدا ينشد حقا له أشد من مناشدة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم يوم بدر، جعل يقول: اللَّهمّ إني أنشدك عهدك ووعدك اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد، ثم التفت كأن شق وجهه القمر فقال: كأنما انظر إلى مصارع القوم عشية [ (1) ] . وقال الواقدي: في غزوة بدر: ثم سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أتى الروحاء فحدثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن أبان بن صالح، عن سعيد بن المسيب أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما رفع رأسه من الركعة الأخيرة من وتره لعن الكفرة وقال: اللَّهمّ لا تفلتن أبا جهل فرعون هذه الأمة، اللَّهمّ لا تفلتن زمعة ابن الأسود، اللَّهمّ واسخن عين أبي زمعة، وأعم بصر أبي زمعة، اللَّهمّ لا تفلتن لا يغلبن سهيلا، اللَّهمّ أنج سلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين. قال: والوليد بن الوليد، لم يدع له يومئذ، أسر ببدر، ولكنه لما رجع إلى مكة بعد بدر أسلم، فأراد أن يخرج إلى المدينة، فجلس، فدعا له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعد ذلك. هكذا ذكر الواقدي هذا الحديث مرسلا [ (2) ] . قال: فحدثني محمد بن عبد اللَّه عن الزهري عن عروة بن الزبير ومحمد بن صالح، عن عاصم بن عمر، ويزيد بن رومان، قالا: لما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قريشا تصوب من الوادي، وكان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرس له يتبعه ابنه، فاستجال بفرسه يريد أن يتبوأ للقوم منزلا. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ إنك أنزلت عليّ الكتاب وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين، وأنت لا تخلف الميعاد، اللَّهمّ إن هذه قريش قد أقبلت   [ (1) ] (المرجع السابق) : 51، (مسند أحمد) : 1/ 51، حديث رقم (208) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 46. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 139 بخيلائها وفخرها تحادّك، وتكذّب رسولك، اللَّهمّ نصرك الّذي وعدتني، اللَّهمّ أحنهم الغداة [ (1) ] . حدثني معمر بن راشد عن الزهري، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صعير قال: واستفتح أبو جهل يوم بدر فقال: اللَّهمّ أقطعنا للرحم وأتانا بما لا يعلم فأحنه الغداة [ (2) ] . فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [ (3) ] الآية. وحدثني عمر بن عقبه، عن سعيد مولى ابن عباس قال: سمعت ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: لما تواقف الناس أغمي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساعة ثم كشف عنه فبشر المؤمنين بجبريل في جند من الملائكة في ميمنة الناس، وميكائيل في جند آخر في ميسرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وإسرافيل في جند آخر بألف [ (4) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 59. [ (2) ] (المرجع السابق) : 70. [ (3) ] الأنفال: 19. [ (4) ] (المرجع السابق) : 1/ 70- 71. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 140 وأما تصديق اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم في تعيينه مصارع المشركين ببدر فخرج مسلم [ (1) ] من حديث عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلم أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعرض عنه ثم تكلم عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعرض عنه، فقام سعد بن عباده رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: إيانا تريد يا رسول اللَّه؟ والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. قال: فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الناس فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه، وكان أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسألونه عن أبي سفيان فيقول: ما لي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة بن خلف، فإذا ذلك ضربوه، فقال: نعم أنا أخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال ما لي بأبي سفيان علم، ولكن أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس، فإذا قال ذلك ضربوه، فقال: نعم، أنا أخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال: ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس، فإذا قال هذا أيضا ضربوه، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم ويصلي.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 366- 368، كتاب الجهاد والسير، باب (30) غزوة بدر، حديث رقم (1779) . قال الإمام النووي: قال العلماء: إنما قصد صلّى اللَّه عليه وسلم اختبار الأنصار، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يكن بايعهم على أن يخرجوا معه للقتال وطلب العدو، وإنما بايعهم على أن يمنعوه ممن يقصده، فلما عرض الخروج لعير أبي سفيان، أراد أن يعلم أنهم يوافقون على ذلك، فأجابوه أحسن جواب بالموافقة التامة في هذه المرة وغيرها. وفيه استشارة الأصحاب وأهل الرأى والخبرة. (شرح النووي) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 141 فلما رأى ذلك انصرف، قال: والّذي نفسي بيده لتضربونه إذا صدقكم، وتتركونه إذا كذبكم قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هذا مصرع فلان، قال: ويضع يده علي الأرض، هاهنا وهاهنا، قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث موسى بن إسماعيل عن حماد فذكره إلي أن، قال: وقال أنس قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هذا مصرع فلان غدا ووضع يده على الأرض وهذا مصرع فلان وفلان غدا ووضع يده على الأرض، فقال: والّذي نفسي بيده ما جاوز واحد منهم عن موضع يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأمر بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخذ بأرجلهم فسحبوا في قليب بدر. وخرج مسلم [ (2) ] من حديث سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت عن أنس قال، كنا مع عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بين مكة والمدينة، قال: فتراءينا الهلال- وكنت رجلا حديد البصر- فرأيته وليس أحد يزعم أنه رآه غيري قال: أقول لعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أما تراه؟ فجعل لا يراه. قال: يقول عمر: بينا سأراه وأنا مستلق على فراشي ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يرينا مصارع القوم بالأمس يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء اللَّه. قال: فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فو الّذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حدّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: فجعلوا في بئر   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 3/ 130- 131، كتاب الجهاد، باب (125) في الأسير ينال منه، ويضرب ويقرر، حديث رقم (2681) ، وفيه دليل على جواز ضرب الأسير الكافر، إذا كان في ضربه طائل. (معالم السنن) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 211، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب (17) عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه، حديث رقم (2873) ، وفيه معجزة ظاهرة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، قال القاضي عياض: يحمل سماعهم على ما يحمل عليه سماع الموتى في أحاديث عذاب القبر وفتنته التي لا مدفع لها، وذلك بإحيائهم، أو إحياء، جزء منهم يعقلون به ويسمعون، في الوقت الّذي يريد اللَّه، هذا كلام القاضي، وهو الظاهر المختار الّذي يقتضيه أحاديث السلام على القبور، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (شرح النووي) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 142 بعضهم على بعض، فانطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى انتهى إليهم فقال: يا فلان ابن فلان، ويا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعدكم اللَّه ورسوله حقا؟ فإنّي وجدت ما وعدني اللَّه حقا قال عمر: يا رسول اللَّه! كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردّوا عليّ شيئا. وخرّج البيهقي [ (1) ] من طريق أبي نعيم قال: حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: لما فرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من القتلى قيل له: عليك العير [ (2) ] ليس دونها شيء فناداه العباس وهو في وثاقه: أنه لا يصلح لك قال: لأن اللَّه وعدك إحدى الطائفتين وقد أنجز ما وعدك.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 96، باب إجابة اللَّه عز وجل دعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على كل من كان يؤذيه بمكة من كفار قريش حتى قتلوا مع إخوانهم من الكفرة ببدر. وأخرجه الترمذي في (صحيحه) في تفسير سورة الأنفال، حديث رقم (3080) ، عن عبد بن حميد، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. [ (2) ] وهي عير أبي سفيان التي خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من المدينة يريدها، وليس دونها شيء، أي ليس دون العير شيء يزاحمك. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 143 وأما تبرّؤ إبليس من قريش في يوم بدر بعد ما زين لهم أن يخرجوا لقتال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال إني جار لكم فقال اللَّه تبارك وتعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ ... إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ [ (1) ] فقوله: زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ هي ما كانوا فيه من الشرك باللَّه وعبادة الأصنام ومسيرهم إلى بدر، وعزمهم على قتال الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم، وقوله: جارٌ لَكُمْ أي مجيركم من بني كنانة والفئتان جمعا المؤمنين والكافرين، وقيل: فئة المؤمنين وفئة الملائكة، نَكَصَ رجع على عقبيه في ضد إقباله، وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ مبالغة في الخذلان والانفصال عنهم، لم يكتف بالفعل حتى أكد ذلك بالقول أَرى ما لا تَرَوْنَ أي خرق العادة، ونزول الملائكة إِنِّي أَخافُ اللَّهَ قال قتادة، وابن الكلبي: معذرة كاذبة لم يخف اللَّه قط. وقال الزجاج وغيره: بل خاف مما رأى أن يكون اليوم الّذي انظر اليه وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ قال ذلك بسطا لعذره عندهم وهو متحقق أن عقاب اللَّه شديد، ويحتمل أن يكون من كلام اللَّه تعالى، استأنفه تهديدا لإبليس ومن تابعه من مشركي قريش وغيرهم، واتفق الجمهور على أن هذا التزيين والنكوص والقول صدر حقيقة، وزعم الزمخشريّ جريا على عادته في بدعته أنه وسوس إليهم أنهم لا يغلبون، ولا يطاقون وأن نكوصه وتبرئه منهم هو بطلان كيده حين تزل جنود اللَّه، فيكون ما ذكر اللَّه يعبر عن إبليس على قوله: إنما هو على سبيل المجاز.   [ (1) ] الأنفال: 48. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 144 ونقل عن الحسن أن ذلك كان على سبيل الوسوسة ولم يتمثل لهم، هذا مبني على ما أصّله المعتزلة من امتناع رؤية الجن أو امتناع وجودهم، والقرآن والسنة وآثار السلف يردون [ (1) ] ذلك، قال ابن إسحاق، وقد ذكر الحرب التي كانت بين قريش وبين بني بكر: وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال: لما أجمعت قريش المسير ذكرت الّذي بينها وبين بني بكر فكان يثنيهم فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة فقال: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم، فخرجوا سراعا. ثم ذكر محمد بن إسحاق من رواية أبي محمد عبد الملك بن هشام وقعه بدر إلى أن قال: وعمير بن وهب أو الحارث بن هشام فذكر أحدهما رأى إبليس حين نكص على عقيبة يوم بدر فقال: أين سراقة؟ ومثل عدو اللَّه فذهب فأنزل اللَّه فيه. وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فذكر استخراج إبليس أباهم وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم لهم حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر من عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم بقول اللَّه عز وجل فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ ونظر عدو اللَّه إلى جنود اللَّه من الملائكة قد أيّد اللَّه بهم رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم والمؤمنين على عدوهم نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ وصدق عدو اللَّه، رأى ما لم يروا وقال: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة لا ينكرونه، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان نكص على عقبيه فأوردهم ثم أسلمهم [ (2) ] .   [ (1) ] في الأصل: «يردان» ، وما أثبتناه حق اللغة. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 215- 216، من رأى إبليس عند ما نكص على عقبيه يوم بدر، وقال في هامشه: وذكر غير ابن إسحاق: أن الحارث بن هشام تشبث به، وهو يرى أنه سراقة ابن مالك، فقال: إلى أين يا سراقة؟ أين تفر؟ فلكمه لكمة طرحه إلى قفاه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 145 وقال يونس بن بكير عن إسحاق حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم عن بعض بني ساعدة قال: سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعد ما أصيب بصره يقول: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصرى لأخبركم بالشعب الّذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى، فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس وأوحى اللَّه إليهم أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا وتثبيتهم أن الملائكة تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول أبشروا فإنّهم ليسوا بشيء كروا عليهم واللَّه معكم، كروا عليهم، فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم وهو في صورة سراقة، وأقبل أبو جهل يحرض أصحابه ويقول لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه، ثم قال: واللات والعزى لا نرجع حتى تقرن محمد وأصحابه في الجبال، فلا تقتلوهم، وخذوهم أخذا [ (1) ] . وقال عثمان بن سعيد الدرامي: حدثنا عبد اللَّه بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن على بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قال: أقبلت عير أهل مكة تريد الشام فبلغ أهل المدينة ذلك فخرجوا ومعهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم   [ () ] وإنما تمثل في صورة سراقة المدلجي، لأنهم خافوا من بني مدلج أن يعرضوا لهم، فيشغلوهم من أجل الدماء التي كانت بينهم، فتمثل لهم إبليس في صورة سراقة المدلجي، وقال: إني جار لكم من الناس، أي من بني مدلج. ويروى أنهم رأوا سراقة بمكة بعد ذلك، فقالوا له: يا سراقة! أخرقت الصف، وأوقعت بنا الهزيمة، فقال: واللَّه ما علمت بشيء من أمركم حتى هزيمتكم، وما شهدت، وما علمت، فما صدقوه، حتى أسلموا وسمعوا ما أنزل اللَّه تعالى، فعلموا أنه إبليس تمثل لهم. وقول اللعين: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ لأهل التأويل فيه أقوال، أحدها: أنه كذب من قوله: إني أخاف اللَّه، لأن الكافر لا يخاف اللَّه، والثاني: أنه رأى جنود اللَّه تنزل من السماء، فخاف أن يكون اليوم الموعود الّذي قال اللَّه فيه: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ، الثالث: إنما خاف أن تدركه الملائكة لما رأي من فعلها بحزبه الكافرين. [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 52- 53. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 146 يريدون العير فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السير إليها لكي لا يغلب عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وكان اللَّه تعالى وعدهم إحدى الطائفتين وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة وأحضر مغنما، فلما سبقت العير وفاتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم فكره القوم مسيرهم لشوكة القوم، فنزل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والمسلمون وبينهم وبين الماء رملة دعصة فأصاب المسلمين ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم القنط، يوسوسهم: تزعمون أنكم أولياء اللَّه وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم كذلك فأمطر اللَّه عليهم مطرا شديدا فشرب المسلمون وتطهروا، فأذهب اللَّه عنهم رجز الشيطان وصار الرمل كذا [ (1) ] ، ذكر كلمة أخبر أنه أصابه المطر، ومشى الناس عليه والدواب، فساروا إلى القوم وأمدّ اللَّه نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة وكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنبة وميكائيل عليه السلام في خمسمائة مجنبة، وجاء إبليس لعنه اللَّه في جند من الشياطين معه، رأيته في صورة رجال بني مدلج والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال الشيطان للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما اصطفّ القوم قال أبو جهل: اللَّهمّ أولانا بالحق فانصره، ورفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يديه وقال: اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب، فأخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين، وأقبل فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده ثم ولّى مدبرا وشيعته، فقال رجل: يا سراقة ألم تزعم أنك لنا جار؟ قال: إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ [ (2) ] وذلك حين رأى الملائكة. وذكره موسى بن عقبة في مغازيه في غزوة بدر إلى أن قال: وأقبل المشركون ومعهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي يحدثهم أن بني كنانة وراءه قد أقبلوا للنصر وقال: لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ   [ (1) ] في بعض النسخ: «مستقا» ، أي يصلح للسير عليه بعد جفافه. [ (2) ] الأنفال: 48. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 147 [ (1) ] لما أخبرهم من مسير بني كنانة، وقال: وأنزل اللَّه تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ [ (2) ] هذه الآية والتي بعدها ثم ساق القصة ونزول الملائكة إلى أن قال: ونكص الشيطان على عقبيه حين رأى الملائكة وتبرأ من نصر أصحابه. وقد ذكر ذلك الواقدي أيضا في (مغازيه) [ (3) ] قال: فلما أجمعت قريش المسير وذكروا الّذي بينهم وبين بني بكر من العداوة وخافوهم على من تخلف وكان أشدهم خوفا عتبة بن ربيعة، وكان يقول: يا معشر قريش إنكم وإن ظفرتم بالذي تريدون فإنا لا نأمن على من تخلف إنما تخلف نساء وذرية، ومن لا طعم به فارتأوا رأيكم فتصور لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي فقال: يا معشر قريش قد عرفتم شرفي ومكاني في قومي، وأنا لكم جار أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه فطابت نفس عتبة فقال له أبو جهل: فما تريد؟ هذا سيد كنانة هو لنا جار على من تخلف. فقال عتبة: لا شيء أنا خارج. ثم ذكر القصة وقال [ (4) ] : فحدثني عمر بن عقبة عن سعيد مولى بن عباس قال: سمعت ابن عباس يقول: لما تواقف الناس أغمي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساعة ثم كشف عنه فبشر المؤمنين بجبريل في جند من الملائكة ميمنة الناس، وميكائيل في جند آخر في ميسرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وإسرافيل في جند آخر بألف، وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن جعشم يذمر المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس فلما أبصر عدو اللَّه الملائكة نكص على عقبيه وقال: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ [ (5) ] ، فتشبث به الحارث بن هشام وهو يرى أنه سراقة، لما سمع من كلامه، فضرب في صدر الحارث فسقط الحارث   [ (1) ] الأنفال: 48. [ (2) ] الأنفال: 47. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 37- 38. [ (4) ] الأنفال: 48. [ (5) ] الأنفال: 48. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 148 وانطلق إبليس لا يرى حتى وقع في البحر، فرفع يديه وقال: يا رب موعدك الّذي وعدتني. وأقبل أبو جهل على أصحابه يحضهم على القتال، وقال: لا يغرنكم خذلان سراقة إياكم فإنما كان على ميعاد من محمد وأصحابه، سيعلم إذا رجعنا إلى قديد ما نصنع بقومه لا يهولنكم مقتل عتية وشيبة والوليد، فإنّهم عجلوا وبطروا حتى قاتلوا، وأيم اللَّه لا نرجع اليوم حتى نقرن محمد وأصحابه في الحبال، ولا ألفين أحدا منكم قتل منهم أحدا، ولكن خذوهم أخذا نعرفهم بالذي صنعوا لمفارقتهم دينكم ورغبتهم عما كان يعبد آباؤكم. وحدثني أبو إسحاق بن محمد عن إسحاق بن عبد اللَّه عن عمر بن الحكم قال: نادى يومئذ نوفل بن خويلد بن العدوية: يا معشر قريش إن سراقة وقد عرفتم قومه وخذلانهم لكم في كل موطن فاصدقوا القوم الضرب فإنّي أعلم أن ابني ربيعة قد عجلا في مبارزتهما من يبارز. وحدثني عبيد بن يحيى عن معاذ بن رافعة بن رافع عن أبيه قال: إن كنا لنسمع من إبليس خورا، ودعا بالويل والثبور، وتصور في صورة سراقة بن جعشم حتى هرب فاقتحم البحر ورفع يديه مدا يقول: يا رب ما وعدتني، ولقد كانت قريش بعد ذلك ثعير سراقة بما صنع يومئذ فيقول: واللَّه ما صنعت منه شيئا [ (1) ] . وحدثني أبو إسحاق الأسلمي عن الحسن بن عبيد اللَّه بن حنين مولى بني العباس عن عمارة بن أكيمة الليثي قال: حدثني شيخ عرّاك من الحي كان يومئذ على الساحل مطلا على البحر، قال: سمعت صياحا: يا ويلاه! قد ملأ الوادي، يا حزناه، فنظرت فإذا سراقة بن جعشم فدنوت منه فقال مالك: فداك أبي وأمي؟ فلم يرجع إليّ شيئا، ثم أراه اقتحم البحر فرفع يديه مدا يقول: يا رب ما وعدتني، فقلت في نفسي: جنّ وبيت اللَّه سراقة، وذلك حين زاغت الشمس وذلك عند انهزامهم يوم بدر [ (2) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 74- 75. [ (2) ] (المرجع السابق) : 75، وعراك يعني صياد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 149 وقال الضحاك: جاءهم إبليس يومئذ برايته وجنوده وألقى في قلوبهم أنهم انهزموا وهم يقاتلون على دين آبائهم. وخرج مالك [ (1) ] رحمه اللَّه في (الموطأ) عن إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر، ولا أحقر، ولا أدحر، ولا أغيظ منه، في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز اللَّه عن الذنوب العظام، إلا ما رأى يوم بدر فقيل: ما رأى يوم بدر يا رسول اللَّه؟ فقال أما إنه قد رأى جبريل يزع [ (2) ] الملائكة. قال أبو عمر بن عبد البر: هكذا هذا الحديث في (الموطأ) عند جماعة الرواة له عن مالك. ورواه أبو النضر إسماعيل بن إبراهيم العجليّ عن مالك، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز، عن أبيه ولم يقل في هذا الحديث: عن أبيه غيري وليس بشيء، وطلحة بن عبيد اللَّه بن كريز هذا خزاعيّ من أنفسهم، تابعي، مدني، ثقة سمع ابن عمر وغيره، قال البخاري: سمع أم الدرداء. قال أبو عمر: هذا حديث حسن في فضل شهود ذلك الموقف المبارك، قال ومعني هذا الحديث محفوظ من وجوه كثيرة واللَّه أعلم.   [ (1) ] (الموطأ) : 291، جامع الحج، حديث رقم (954) . [ (2) ] أي يصفهم للقتال ويدفع بهم لنصر المؤمنين. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 150 وأما تصديق اللَّه تعالى الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم في إخباره بمكة لأبي جهل أنه يقتل فقتله اللَّه ببدر وأنجز وعده لرسوله فخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران، حدثنا سعيد بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال أبو جهل بن هشام: إن محمدا يزعم أنكم إن لم تطيعوه كان لكم منه ذبح، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنا أقول ذلك، فلما نظر إليه يوم بدر مقتولا قال: اللَّهمّ قد أنجزت لي ما وعدتني، فوجه أبا سلمة بن عبد الأسد قبل أبي جهل، فقيل لابن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أنت قتلته؟ قال: بل اللَّه قتله، فقال أبو سلمة: فأنت قتلته؟ قال: نعم، فقال أبو سلمة: لو شاء لجعلك في كفه، قال ابن مسعود: فو اللَّه لقد قتلته وجردته، قال: فما علامته؟ قال: شامة سوداء ببطن فخذه اليسرى، فعرف أبو سلمة النعت، فقال جردته ولم تجرد قرشيا غيره، وقد تقدم قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ عليك بأبي جهل بن هشام ودعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم على قوم آخرين، وقول ابن مسعود: فو الّذي بعث محمدا بالحق لقد رأيت الّذي سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر. وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث يوسف بن الماجشون، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عوف، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: بينما أنا   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 477- 478، حديث رقم (411) بسند اخر، (سيرة ابن هشام) : 3/ 182- 185 ، فقتل أبي جهل، (دلائل البيهقي) : 3/ 84- 86. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 303، كتاب فرض الخمس، باب (18) من لم يخمس الأسلاب، ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس، وحكم الإمام فيه، حديث رقم (3141) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 402، كتاب الجهاد والسير، باب (41) قتل أبي جهل، حديث رقم (118) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 151 واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانها فتمنيت أن لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم! والّذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يومت الأعجل منا قال: فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يرفل إلى الناس. وقال البخاري: يجول في الناس، فقلت: ألا تريان هذا صاحبكم الّذي تسألان عنه؟ قال: فابتدراه فضرباه بسيفهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبراه فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: هل مسحتما سيفيكما فقالا: لا فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء [ (1) ] ، ذكره البخاري في كتاب فرض الخمس في باب من لم يخمس الأسلاب. وقال محمد بن إسحاق [ (2) ] حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما وعبد اللَّه بن أبي بكر أيضا قد حدثني ذلك قال معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة: سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة [ (3) ] وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، فلما سمعتها جعلته من شأني، فصمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه، فو اللَّه ما أشبهها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخه النوى حين تضرب بها، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي فأجهضني القتال عنه، ولقد قاتلت عامة   [ (1) ] ثم قال بعد ذلك: قال محمد سمع يوسف صالحا، وسمع إبراهيم أباه عبد الرحمن بن عوف. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 182- 184، فقتل أبي جهل عليه لعنة اللَّه تعالى. [ (3) ] قال ابن هشام: الحرجة: الشجر الملتف، وفي الحديث عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أنه سأل أعرابيّا عن الحرجة، فقال: هي شجرة من الأشجار لا يوصل إليها، وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه. (المرجع السابق) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 152 يومي وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت حتى طرحتها، قال [ (1) ] : ثم عاش معاذ بعد ذلك حتى كان زمان عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: ثم مرّ بأبي جهل معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته فتركته وبه رمق، وقاتل معوذ، فمر عبد اللَّه بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يلتمس في القتلى، قال: ولقد قال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- فيما بلغني-: انظروا إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر جرح بركبته فإنّي ازدحمت أنا وهو على مأدبة لعبد اللَّه بن جدعان ونحن غلمان، فكنت أسن منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش في إحداهما، جحشا لم يزل أثره [به] [ (2) ] . قال عبد اللَّه بن مسعود: فوجدته بآخر رمق، فعرفته، فوضعت رجلي على عنقه، وقد كان ضبث بي مرة بمكة فآذاني [ولكزني] [ (3) ] ثم قلت: هل أخزاك اللَّه أي عدو اللَّه؟ قال: وبماذا أخزاني عدا رجل قتلتموه، أخبرني لمن الدبرة؟ قلت اللَّه ورسوله أعلم، وزعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول: قال لي: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا، ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه، هذا رأس عدو اللَّه أبي جهل! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: آللَّه الّذي لا إله غيره؟ قلت: نعم واللَّه الّذي لا إله غيره ثم ألقيت رأسه بين يديه، فحمد اللَّه [ (4) ] معنا. وخرج البخاري [ (5) ] من حديث إسماعيل بن عليّة قال: حدثنا سليمان التميمي، حدثنا أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم بدر: من ينظر ما يصنع أبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد فقال: أأنت أبو جهل؟ قال: وهل فوق رجل قتلتموه؟ قال   [ (1) ] أي ابن إسحاق في (المرجع السابق) . ومرضخة النووي: كالإرزبة يدق بها النوى للعلف وأجهضتني: غلبتني. [ (2) ] في (الأصل) : «بعد ذلك» وما أثبتناه من (سيرة ابن هشام) . [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . وضبث: قبض عليه ولزمه. [ (4) ] (المرجع السابق) : 184- 185، رأس عدوّ اللَّه بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (5) ] (فتح الباري) : 7/ 372، كتاب المغازي باب (8) قتل أبي جهل (3962) ، (3963) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 153 سليمان أو قال: قتله قومه. قال: وقال أبو مجلز: قال أبو جهل «فلو غير أكار قتلني. وخرج من طريق إسماعيل أنبأنا قيس عن عبد اللَّه أنه أتى أبا جهل وبه رمق يوم بدر، فقال أبو جهل هل أعمد من رجل قتلتموه [ (1) ] . ومن طريق زهير حدثنا سليمان أن أنسا حدثهم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد قال: أنت أبو جهل؟ وقال أحمد بن يونس: عن زهير أنت أبو جهل؟ فأخذ بلحيته قال: وهل فوق رجل قتلتموه أو قتله قومه؟ [ (2) ] . وخرجه مسلم [ (3) ] من طريق ابن علية. وخرج البيهقي [ (4) ] من طريق غنام بن على قال: حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق، عن عبد اللَّه قال: انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع وعليه بيضة، ومعه سيف جيد، ومعي سيف رث، فجعلت أنقف رأسه بسيفي وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة حتى ضعفت يدي فأخذت سيفه فرفع رأسه فقال على من كانت الدبرة؟ لنا أم علينا؟ أليست رويعينا بمكة؟ قال: فقتلته، ثم أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت قتلت أبا جهل؟ قال: آللَّه الّذي لا إله إلا هو؟ فاستحلفني ثلاث مرات ثم قام معي إليهم فدعا عليهم. ومن طريق أبي صالح قال: حدثنا أبو إسحاق الفراري، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوم بدر فقلت أبا جهل، فقال اللَّه الّذي لا إله إلا هو؟ قلت اللَّه الّذي لا إله إلا هو، مرتين أو ثلاثا قال: اللَّه أكبر، الحمد للَّه الّذي صدق عده، ونصر عبده، وهزم   [ (1) ] (المرجع السابق) : باب (8) قتل أبي جهل، حديث رقم (3962) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2963) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 402، كتاب الجهاد والسير، باب (41) قتل أبي جهل، حديث رقم (1800) ، ثم قال حدثنا حامد بن عمر البكراوي، حدثنا أنس، قال: قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من يعلم لي ما فعل أبو جهل، بمثل حديث ابن علية، وقول أبي مجلز كما ذكره إسماعيل. [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 87- 88، باب إجابة اللَّه عز وجل دعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على كل من كان يؤذيه بمكة من كفار قريش حتى قتلوا مع إخوانهم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 154 الأحزاب وحده، ثم قال «انطلق فأرنيه فانطلقت فأريته فقال: هذا فرعون هذه الأمة [ (1) ] . وقال الإمام أحمد [ (2) ] حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن أبي عبيده عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: إن هذا فرعون أمتي، يعني أبا جهل. وقال الواقدي [ (3) ] : وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على مصرع ابني عفراء فقال يرحم اللَّه ابني عفراء فهما شركاء في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر، فقيل: يا رسول اللَّه ومن قتله معهما؟ قال: الملائكة وابن مسعود شرك في قتله. قال الواقدي: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: الحمد اللَّه الّذي جعل خدّ أبي جهل الأسفل، وصرعة، وشفانا منه. وذكر يونس بن بكير عن عنبة بن الأزهر، عن أبي إسحاق قال: لما جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم البشير يوم بدر بقتل أبي جهل استحلفه ثلاث أيمان باللَّه الّذي لا إله إلا هو، لقد رأيته قتيلا فحلف له فخرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساجدا وقد جاء أنه صلّى اللَّه عليه وسلم صلي ركعتين.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 88، وأخرجه أبو داود في الجهاد، باب (142) في الرخصة في السلاح يقال به في المعركة، حديث رقم (2709) عن محمد بن العلاء، عن إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن أبي عبيدة، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. وأخرجه النسائي في السير من (السنن الكبرى) ، عن عمرو بن يزيد الجرمي، عن أبيه عن خالد القيسي، عن شعبة عنه ببعضه. [ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 665، حديث رقم (3814) مطولا، 666، حديث رقم (3815) مختصرا، كلاهما من مسند عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 91، وفيه: «فقيل يا رسول اللَّه ومن قتله معهما؟ قال: الملائكة، وذافّه ابن مسعود، فكل قد شرك في قتله، وما أثبتناه من (الأصل) . وذافّه: أجهز عليه. (الصحاح) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 155 وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم على أمية بن خلف وقتله ببدر فخرج البخاري [ (1) ] من حديث يوسف بن الماجشون عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتى بمكة وأحفظه في صاغتيه بالمدينة، فلما ذكرت الرحمن قال: لا أعرف الرحمن، كاتبني باسمك الّذي كان في الجاهلية، فاكتبته عبد عمرو، فلما كان يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس فأبصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال أمية بن خلف: لا نجوت إن نجا أمية، فجمع معه فريق من الأنصار في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا، خلفت لهم ابنه لأشغلهم به فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا. وكان رجلا ثقيلا فلما أدركونا قلت له: ابرك، فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فجللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه، وكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه. قال البخاري سمع يوسف صالحا وإبراهيم إياه ذكر البخاري هذا الحديث في كتاب الوكالة، وترجم عليه إذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب أو في دار السلام جاز، وخرجه في غزوة بدر [ (2) ] ، وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق [ (3) ]   [ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 604، كتاب الوكالة، باب (2) إذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب أو في دار الإسلام جاز، حديث رقم (2301) قال الحافظ في (الفتح) : ووجه أخذ الترجمة من هذا الحديث أن عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو مسلم في دار الإسلام، فوض إلى أمية بن خلف وهو كافر في دار الحرب ما يتعلق بأموره، والظاهر اطلاع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عليه ولم ينكره. قال ابن المنذر: توكيل المسلم حربيا مستأمنا، وتوكيل الحربي المستأمن مسلما لا خلاف في جوازه. [ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 379، كتاب المغازي، باب (8) قتل أبي جهل، حديث رقم (3971) . [ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 179- 181، مقتل أمية بن خلف، عليه لعنة اللَّه تعالى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 156 قال: حدثني يحيى بن عباده بن عبد اللَّه بن الزبير عن أبيه، وحدثني صالح بن إبراهيم عن عبد الرحمن بنو عوف قالا: كان عبد الرحمن بن عوف يقول كان أمية بن خلف صديقا لي بمكة وكان اسمي عبد عمرو، فلما أسلمت سميت عبد الرحمن، فلقيني فقال: يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماك به أبوك؟ فأقول نعم هداني اللَّه للإسلام فسميت عبد الرحمن قال إني لا أعرف الرحمن أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول وأما أنا فلا أدعوك باسمك الآخر فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به تجيبني، فقلت: يا أبا على فقل ما شئت، قال: فأنت عبد الإله، وكان إذا لقيني قال يا عبد الإله فلما كان يوم بدر وهزم الناس استلبت أدراعا فمررت بهم أحملهن فرآني أمية وهو قائم مع ابنه عليّ آخذ بيده فقال: يا عبد عمرو، فلم أجبه، فقال: يا عبد الإله فقلت: نعم، فقال: هل لك فىّ وفي ابني فنحن خير لك من الأدراع التي تحمل؟ فقلت: نعم هايم اللَّه [ (1) ] إذا فألقيت الأدراع فأخذت بيده وبيد ابنه فجعل يقول: ما رأيت كاليوم قط أما لكم حاجه في اللبن؟ يقول الفداء فو اللَّه إني لأمشي معهما إذ رآهما معي بلال فقال رأس الكفر أمية بن خلف: لا نجوت إن نجوت! فقلت: أي بلال أبأسيري، فقال لا نجوت إن نجا، فصرخ بأعلى صوته يا معشر الأنصار رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة وجعلت أذب عنهما وأقول أسيري إذ أخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فطرحها فصاح أمية صيحة واللَّه ما سمعت صيحة مثلها قط، فقلت: أنج بنفسك فو اللَّه ما أغني عنك شيئا ونجاة فهبروه واللَّه بأسيافهم، حتى فرغوا منه، وكان عبد الرحمن يقول يرحم اللَّه بلالا ذهبت أدراعي وفجعني بأسيريّ [ (2) ] .   [ (1) ] كذا في (الأصل) ، في (المرجع السابق) : «ها اللَّه ذا» ، ها: حرف تنبيه، وذا: اسم إشارة يشير به إلى نفسه، وقال بعضهم: إلى القسم، أي أضمره، وقام التنبيه مقامه، كما يقوم الاستفهام مقامه، فكأنه قال: ها أنا ذا مقسم، وفعل بالاسم المقسم به بين ها، وذا، فعلم أنه هو القسم فاستغنى عن أنا، وكذا في قول أبى بكر: لاها اللَّه ذا. (هامش المرجع السابق) . [ (2) ] سبق تخريجه. والمسكة: الحلقة. وأخلف: سلّ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 157 وخرج أبو نعيم من طريق يحيى بن بكير قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد اللَّه بن مسعود أن سعد بن معاذ خرج معتمرا فنزل على أمية بن خلف وكان أمية إذا خرج إلي الشام نزل على سعد فقال له: أمهل حتى يسكن أو يهدأ الناس ثم تطوف بالبيت فبينا هو يطوف بالبيت إذا رآه أبو جهل فقال من ذا الّذي يطوف بالبيت؟ قال: أنا سعد بن معاذ، قال: تطوف بالبيت وقد آويتم محمدا وأصحابه؟ فقال له سعد: واللَّه لئن منعتني لأقطعن عليك متجرك من الشام، فجعل أمية يمسك سعدا ويقول: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، فإنه سيّد أهل الوادي، فغضب سعد ودفع في صدر أمية وقال: دعنا عنك فقد سمعت محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم يزعم أنه قاتلك، قال: إياي؟ قال: نعم، قال: فو اللَّه ما يكذب محمد، فلما رجع إلى أم صفوان قال لها: أما تعلمين ما قال أخي اليثربي؟ قالت فو اللَّه ما يكذب محمد فلما جاء الصريخ فخرجوا إلى بدر قالت له امرأته: أما تذكر ما قال أخوك اليثربي؟ فأراد أن يقعد فقال له أبو جهل- أخزاه اللَّه-: إنك من أشراف أهل الوادي فسر بنا يوما أو يومين فسار معهم فقتله اللَّه تعالى. وقال الواقدي [ (1) ] : وكان عبد الرحمن بن عوف يقول إني لأجمع أدراعا يوم بدر بعد أن ولى الناس فإذا أمية بن خلف وكان لي صديقا في الجاهلية، وكان اسمي عبد عمرو فلما جاء الإسلام تسميت عبد الرحمن، فكان يلقاني فيقول: يا عبد عمرو، فلا أجيبه فيقول إني لا أقول لك عبد الرحمن إن مسيلمة باليمامة يسمى عبد الرحمن، فأنا لا أدعوك إليه، فكان يدعوني عبد الإله، فلما كان يوم بدر، [رأيته] كأنه [جمل] أورق ومعه ابنه [عليّ] ، فناداني: يا عبد عمرو، فأبيت أن أجيبه، [فنادى] : يا عبد الإله، فأجبته، فقال: أما لكم حاجة في اللبن نحن خير لك من أدراعك هذه، فقلت: امضيا، فجعلت أسوقهما أمامي وقد رأى أميه أنه قد أمن بعض الأمن فقال لي أمية: رأيت رجلا فيكم اليوم معلما في صدره ريش نعامة من هو؟ فقلت: حمزة بن عبد المطلب، فقال: ذاك الّذي فعل بنا الأفاعيل، ثم قال: فمن رجل دحداح قصير معلم   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 82- 84. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 158 حمراء؟ قلت: ذاك رجل من الأنصار بقال له سماك بن خرشة. فقال: وبذاك [أيضا] يا عبد الإله صرنا اليوم جزرا لكم! قال: فبينما هو معي أزجيه أمامي ومعه ابنه إذ بصر به بلال وهو بعجن عجينا له فترك العجين وجعل [يفتل] يديه من اليمين [العجين] [فتلا] وهو ينادي يا معشر الأنصار، أمية بن خلف رأس الكفر، لا نجوت إن نجا فأقبلوا كأنهم عوذ [ (1) ] حنت إلى أولادها، حتى طرح أمية على ظهره، واضطجعت عليه، وأقبل الحباب بن المنذر فأدخل سيفه فاقتطع أرنبه أنفه، فلما فقد أمية أنفه قال: إيه عنك أي خل بيني وبينهم. قال عبد الرحمن: فذكرت قول حسان* أو عن ذلك الأنف جادع، قال: ويقبل إليه خبيب بن يساف فضربه حتى قتله، وقد [ضرب] أمية خبيب بن يساف حتى قطع يده من المنكب، فأعادها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بيده فالتحمت واستوت، وتزوج خبيب بعد ذلك ابنة أبيّ بن خلف فرأت تلك الضربة فقالت: لا يشلل اللَّه يد رجل فعل هذا، فقال خبيب وأنا واللَّه قد أوردته شعوب، فكان خبيب يحدث قال: فأضربه فوق العاتق فأقطع عاتقه حتى بلغت مؤتزره وعليه الدرع وأنا أقول: خذها وأنا ابن يساف، وأخذت سلاحه ودرعا مقطوعا فأقبل عليّ ابن أمية فيعرض له الحباب [فقطع] رجله [ (2) ] . وذكر الواقدي [ (3) ] أن رفاعة بن رافع هو الّذي قتل أمية في خبر ذكره. واللَّه تبارك وتعالى أعلم.   [ (1) ] العوذ: الصبية الصغار. (لسان العرب) : 3/ 500. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 82- 84. وما بين الحاصرتين تصويبات وزيارات للسياق منه. [ (3) ] سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 159 وأما إنجاز اللَّه تعالى وعده للرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وقتله صناديد قريش وإلقاؤهم في القليب فخرج مسلم [ (1) ] من طريق حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ترك قتلى بدر ثلاثا ثم أتاهم فقام عليهم ثم ناداهم فقال: يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإنّي وجدت ما وعدني ربي حقا، فسمع عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه كيف يسمعون؟ وأني يجيبون وقد جيفوا؟ قال: والّذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا، ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر. وخرج مسلم [ (2) ] من طريق روح بن عبادة قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة قال: لما كان يوم بدر وظهر عليهم نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، فألقوا في طوى من أطواء بدر. وساق الحديث بمعنى حديث ثابت عن أنس وخرج البخاري [ (3) ] حديث روح، حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة قال: ذكر لنا أنس بن مالك، عن أبى طلحة أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفير الركى، فجعل يناديهم   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 212- 213، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب (17) عرض مقعد الميت من الجن أو الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، حديث رقم (2874) . وهذا السحب إلى القليب ليس دفنا لهم، ولا صيانة، ولا حرمة، بل لدفع رائحتهم المؤذية، واللَّه أعلم. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2875) . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 382، كتاب المغازي، باب (8) قتل أبي جهل، حديث رقم (3976) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 160 بأسمائهم وأسماء آبائهم فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم اللَّه ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ قال: فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه ما تكلم من أجساد ولا أرواح لها فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والّذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم قال قتادة: أحياهم اللَّه حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا [ (1) ] ، ونقيمة [ (2) ] وحسرة وندما. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (3) ] : قالوا: وأمر اللَّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم بدر بالقلب أن تغور، ثم أمر بالقتلى فطرحوا فيها اللَّهمّ إلا أمية بن خلف فإنه كان مسمنا انتفخ من يومه فلما أرادوا أن يلقوه تزايل لحمه فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اتركوه ونظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى عتبة يجر إلى القليب وكان رجلا جسيما في وجهه أثر الجدري تغير وجه ابنه أبي حذيفة، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: يا أبا حذيفة كأنك ساءك ما أصاب أباك؟ قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه، ولكني رأت لأبي عقلا وشرفا، كنت أرجو أن يهديه اللَّه للإسلام فلما أخطأه ذلك، ورأيت ما أصابه غاظني قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: كان واللَّه يا رسول اللَّه أتقى في العشيرة من غيرة وقد كان كارها لوجهه، ولكن الحين ومصارع السوء. فلما توافوا في القليب وقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يطوف عليهم وهم مصرعون وأبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يخبره بهم رجلا رجلا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بحمد اللَّه ويشكره ويقول: الحمد للَّه الّذي أنجز لي ما وعدني، فقد وعدني إحدى الطائفتين.   [ (1) ] في رواية الإسماعيلي: «وتندّما وذلة وصغارا» ، وأراد قتادة بهذا التأويل الرد على من أنكر أنهم يسمعون، كما جاء عن عائشة أنها استدلت بقوله تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 610، حديث رقم (1206) من مسند أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، 4/ 610، حديث رقم (15921) ، من حديث أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري. [ (2) ] في بعض المصادر: «تقمئة» ، «نقمة» ، «نقيمة» . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 111- 112. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 161 قال: ثم وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على أهل القليب فناداهم رجلا رجلا: يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، يا أبا جهل بن هشام، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإنّي قد وجدت ما وعدني ربي حقا، بئس القوم كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس، قالوا: يا رسول اللَّه! تنادي قوما قد ماتوا؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 162 وأما تصديق اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم في قتل عتبة بن أبي معيط بمكة والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم مهاجر بالمدينة فكان يقول بمكة فيه بيتين من شعر فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما بلغه قوله اللَّهمّ أكبه لمنخره واصرعه، فجمح به فرسه يوم بدر، فأخذه عبد اللَّه بن سلمه العجلاني فأمر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عاصم بن أبي الأقلح فضرب عنقه صبرا. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] وكان عقبه بن أبي معيط والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم مهاجر بالمدينة فكان يقول بمكة: يا راكب الناقة القصواء هاجرنا ... عما قليل تراني راكب الفرس أعلّ رمحي فيكم ثم أنهله ... والسيف يأخذ منكم كل ملتبس فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وبلغه قوله: اللَّهمّ أكبه لمنخره واصرعه، فجمح به فرسه يوم بدر، فأخذه عبد اللَّه بن سلمه العجلاني فأمر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فضرب عنقه صبرا. وخرج أبو نعيم [ (2) ] من طريق محمد بن السائب عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما فدعا عليه جبرانه أهل مكة كلهم، قال: وكان يكثر مجالسة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ويعجبه حديثه، ويغلب عليه الشقاء، فقدم ذات يوم من سفره فصنع طعاما ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى طعامه، فقال: ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، قال: أطمعها يا ابن أخي قال: ما أنا بالذي أفعل حتى تقول فشهد بذلك، فطعم من طعامه فبلغ ذلك أبي بن خلف فأتاه فقال: أصبوت يا عقبة؟ - وكان خليله- فقال: لا واللَّه ما   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 82. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 470- 471، ذكر ما جرى من الآيات في غزواته وسراياه، من غزوة بدر إلى غزوة تبوك، وفي جميع ذلك دليل على أنه لم يخل شيء من أحواله صلّى اللَّه عليه وسلم عن آية شاهدة له، ومعجزة جارية على يديه، خليق كون ذلك له، وإذ النبوة مختومة به، والشريعة إلى قيام الساعة قائمة به صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (401) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 163 صبوت، ولكن دخل عليّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم فشهدت له فطعم، قال: ما أنا بالذي أرضى عنك أبدا حتى تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ على عنقه، قال: ففعل عقبة ذلك وأخذ رحما فألقاه بين كتفيه فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فأسر عقبة يوم بدر فقتل صبرا، ولم يقتل من الأسارى يومئذ غيره، قتله ثابت بن أبي الأقلح. قال: ورواه جعفر أبي المغيرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما أن ابن أبي معيط كان يجلس مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة لا يؤذيه، وكان رجلا حليما وكان يقيه من قريش، وكانت قريش إذا جلسوا معه آذوه وكان ابن أبيّ خلف غائب عنه بالشام فقالت قريش: صبأ ابن أبي معيط فقدم خليله من الشام ليلا، فقال لامرأته: ما فعل محمد فيما كان عليه؟ فقالت: هو أشد ما كان أمرا، فقال لها ما فعل خليلي؟ ابن أبي معيط؟ فحيّاه فلم يردّ عليه التحية، فقال: مالك لا ترد عليّ تحيتي؟ فقال: كيف أردّ عليك تحيتك وقد صبوت؟ قال: وقد فعلتها قريش؟ قال: نعم قال: يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ قال: تأتيه على مجلسه فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم، فلم يزد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على أن مسح وجهه من البزاق، ثم التفتت إليه فقال: لئن وجدتك خارجا من جبال مكة لأضربن عنقك صبرا، فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه، أبي أن يخرج، فقال له أصحابه: اخرج معنا فقال وعدني هذا الرجل إن أخذني خارجا من جبال مكة لضرب عنقي صبرا، فقالوا: لك جملا حمولا بدرك فإن كانت الهزيمة طرت، فخرج معهم، فلما هزم اللَّه المشركين وحل به جمله في جدد من الأرض، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسيرا في سبعين من قريش، فيهم العباس بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، فجعل عليهم الفداء أربعين أوقية من ذهب، وجعل على العباس مائه أوقية، وعلى عقيل بن أبي طالب ثمانين أوقية، وقدم إليه ابن أبي معيط فقال: أتقتلني من بين هؤلاء، وأنا أكبرهم سنا وأكثرهم مالا؟ قال: نعم بما بزقت في وجهي، فأنزل اللَّه تعالى في ابن أبي معيط وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 164 يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا [ (1) ] . فقال عباس: القرابة صنعت هذا، فو الّذي يحلف به العباس، لقد تركتني فقير قريش، وقد استودعت بنادق الذهب أم الفضل، ثم أقبلت إليّ فقلت لها: إن قتلت فقد تركتك غنية ما بقيت، وإن أرجع فلا يهمنك شيء، فقال: إني أشهد أن الّذي تقوله قد كان، وما اطلع عليه إلا اللَّه قال: فأنزل اللَّه تعالى على نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ [ (2) ] الآية فقال العباس حين نزلت [ (3) ] : لوددت أنك كنت أخذت مني أضعافها، فأتاني اللَّه خيرا منها [ (4) ] .   [ (1) ] الفرقان: 27- 29. [ (2) ] الأنفال: 70، وتمامها: وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. [ (3) ] (البحر المحيط) : 5/ 352. [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 476- 477، حديث رقم (410) مختصرا، وقال الحافظ في (الفتح) : إسناده حسين، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 581- 582، حديث رقم (3300) من مسند عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 165 وأما إجابة دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في نوفل بن خويلد [ (1) ] قال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] فحدثني معمر عن الزهري قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفني نوفل بن خويلد، وأقبل نوفل يومئذ وهو مرعوب قد رأى قتل أصحابه، وكان في أول ما التقوا هم والمسلمون يصيح بصوت له زجل رافعا صوته: يا معشر قريش، إن هذا اليوم يوم العلاء والرفعة، فلما رأى قريشا قد انكشفت جعل يصيح بالأنصار: ما حاجتكم إلى دمائنا؟ أما ترون من تقتلون؟ أما لكم في اللبن من حاجة؟ فأسره جبار بن صخر فهو يسوقه أمامه، فجعل نوفل يقول لجبار- وقد رأى عليا رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه مقبلا نحوه: يا أخا الأنصار، من هذا؟ واللات والعزى إني لأرى رجلا إنه ليريدني، قال: هذا عليّ بن أبي طالب، قال: ما رأيت كاليوم رجلا أسرع في قومه منه فيصمد له عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فيضربه فنشب سيف عليّ في جحفته ساعة، ثم نزعه فيضرب ساقيه ودرعه مشمرة فقطعهما، ثم أجهز عليه فقتله فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من له علم بنوفل بن خويلد؟ فقال علي أنا قتلته قال: فكبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال: الحمد للَّه الّذي أجاب دعوتي فيه.   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 91- 92. [ (2) ] كان يقال لنوفل بن خويلد: أسد قريش، وأسد المطيبين، وروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال يوم بدر: «اللَّهمّ اكفنا ابن العدويّة!» ، يعني نوفلا. وكانت أمه من عدي بن خزاعة. وتقول عامة الرواة: إنّ عليّا قتله، وله من الولد: الأسود بن نوفل. (جمهرة أنساب العرب) : 120. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 166 وأما إعلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عمه العباس بما كان بينه وبين امرأته أم الفضل، لم يطّلع عليه أحد فخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني الحسن بم عمارة عن الحكم عن مقسم، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان الّذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن سلمة، ويقال: كعب بن عمرو بن مالك بن عمرو بن عباد بن عمر بن تميم بن شداد بن عثمان بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، وكان أبو اليسر رجلا مجموعا [ (2) ] ، وكان العباس رجلا جسيما، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا أبا اليسر كيف أسرت العباس؟ فقال: يا رسول اللَّه لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده، وهيئته كذا وكذا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لقد أعانك عليه ملك كريم. وذكر الكلبي أن عبيد بن أوس بن مالك بن سواد بن كعب وهو ظفر ابن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس أبا النعمان الأنصاري الظفري أسر العباس وعقيلا. وقال ابن عبد البر [ (3) ] : هو الّذي أسر عقيل بن أبي طالب ويقال: إنه أسر العباس ونوفلا وعقيلا فقرنهم في حبل وأتى بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لقد أعانك عليهم ملك كريم، وسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مقرنا، وبنو سلمة يدّعون أن أبا اليسر كعب بن عمرو أسر العباس وكذلك قال ابن إسحاق.   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 471- 472، حديث رقم (402) ، وأخرجه الإمام أحمد من مسند عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بسياقة أتم، وأخرجه ابن سعد في (الطبقات) : 4/ 12 في ترجمة العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما. [ (2) ] مجموعا: دميما. [ (3) ] (الاستيعاب) : 3/ 1015، ترجمة رقم (1725) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 167 وخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد اللَّه بن موسى، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وذكر وقعة بدر، قتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين، قال: فجاء رجل من الأنصار فصير بالعباس أسيرا، فقال العباس: يا رسول اللَّه إن هذا واللَّه ما أسرني لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها على فرس أبلق، وما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول اللَّه فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لقد أيّدك اللَّه بملك كريم. ومن طريق عبد اللَّه بن المبارك قال: حدثني جرير بن حازم، عن على ابن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قلت لأبي: يا أبت كيف أسرك أبو اليسر ولو شئت لجعلته في كفك؟ قال: يا بني! لا تقل ذلك لقد لقيني وهو أعظم في عيني من الحندمة [ (2) ] . ومن طريق محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء عن ابن عباس قال: لما نزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى [ (3) ] كان العباس يقول: في نزلت هذه الآية حين أخبرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بإسلامي فسألته أن يحاسبني بالعشرين أوقية التي أخذت مني فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأعطاني بالعشرين أوقية عشرين عبدا كلهم تاجر بمال معه في يده معها أرجو مغفرة اللَّه ورحمته. وعن الكلبي، عن أبي صالح، عن بن عباس، عن جابر، عن عبد اللَّه ابن دياب قال: قال العباس في نزلت هذه الآية حين ذكرت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إسلامي فسألته أن يقاضيني بالعشرين الأوقية التي أخذت مني فأبي فعوضني اللَّه بها بعشرين عبدا كلهم تاجر يضرب بماله، ومعها أرجو رحمة اللَّه تعالى ومغفرته [ (4) ] .   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] الحندم: شجر حمر العروق، واحدته حندمة: (لسان العرب) : 12/ 162. [ (3) ] الأنفال: 70. [ (4) ] (طبقات ابن سعد) : 4/ 15، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 28- 83، ترجمة رقم (11) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 168 قال ابن إسحاق: حدثني بعض أصحابنا عن مقسم، عن ابن عباس قال: كان الّذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو وكان أبو اليسر مجموعا وكان العباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه رجلا جسيما فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للعباس: أفد نفسك وابني أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بلحارث بن فهر، فإنك ذو مال، قال: يا رسول اللَّه إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني، قال: اللَّه أعلم بإسلامك ولكن إن يك ما تقول حقا فاللَّه يجزيك به فأما ظاهر أمرك فكان علينا، فافد نفسك، وقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخذ منه عشرين أوقية من ذهب، فقال العباس: يا رسول اللَّه أحسبها من فدائي، قال: لا ذاك شيء أعطاناه اللَّه منك، قال: فإنه ليس لي مال قال: فأين المال الّذي وضعت بمكة حين خرجت من عند أم الفضل ابنة الحارث، وليس معكما أحد؟ ثم قلت: إن أصبت في سفري فللفضل كذا، ولعبد اللَّه كذا؟ قال: والّذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيري وغيرها، وإني لأعلم أنك رسول اللَّه، ففدى العباس نفسه وابني أخيه وحليفه. وقال جرير عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر أسر سبعون فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعين أوقية ذهب، وجعل على عمه العباس مائة، وعلى عقيل ثمانين، فقال العباس: ألقرابة صنعت هذا؟ والّذي يحلف به العباس لقد تركتني فقير قريش ما بقيت، قال: كيف تكون فقير قريش وقد استودعت أم الفضل بنادق الذهب؟ ثم أقبلت إليّ فقلت لها: إن قتلت تركتك غنية وإن رجعت فلا يهمنك شيء، فقال: إني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أنك رسول اللَّه، ما أخبرك بهذا إلا اللَّه عز وجل، وأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (1) ] فقال حين نزلت: يا نبي اللَّه لوددت أنك كنت أخذت مني أضعافها، وآتاني اللَّه خيرا منها [ (2) ] .   [ (1) ] الأنفال: 70. [ (2) ] سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 169 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عمير بن وهب بن خلف بن وهب ابن حذافة بن جمح الجمحيّ أبا أمية وهو المضرّب بما همّ به من قتله [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] فقال إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق [ (1) ] ، عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال: جلس عمير بن وهب الجمحيّ مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش بيسير وهو في الحجر، وكان عمر بن وهب شيطانا من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه به ويلقون منه عنتا وهم بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى أصحاب بدر. قال: فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان: واللَّه إن في العيش خير بعدهم، فقال له عمير: صدقت واللَّه أما واللَّه لولا دين عليّ ليس عندي قضاء له، وعيال أخشى عليهم الضّيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي قبلهم علة: ابني أسير في أيديهم، فاغتنمها صفوان بن أمية فقال: عليّ دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي [أو اسيهم] ، لا يسعني شيء ويعجز، عنهم قال له عمير: فأكتم عليّ شأني [وشأنك] ، قال: أفعل. ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسمّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينا عمر ابن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في نفر من المسلمين في المسجد يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم اللَّه به، وما أراهم من عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحا بالسيف، فقال: هذا الكلب عدو اللَّه عمير بن وهب، ما جاء إلا لشر، وهو الّذي حرّش بيننا وحزرنا [للقوم] يوم بدر. ثم دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا نبي اللَّه! هذا عدو اللَّه عمير بن وهب قد جاء متوشحا بسيفه، قال: فأدخله عليّ، قال: فأقبل عمر حتى أخذ   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 212- 215، إسلام عمير بن وهب بعد تحريض صفوان له على قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وما في ذلك من دلائل نبوته صلّى اللَّه عليه وسلم. وما بين الحاصرتين زيادة للسياق وتصويبا منه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 170 بحمالة سيفه في عنقه فلبه بها، وقال لرجال ممن كان معه من الأنصار: ادخلوا على رسول اللَّه فاجلسوا عنده، واحذروا [عليه من] هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. فلما رآه صلّى اللَّه عليه وسلم وعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: أرسله يا عمر، ادن يا عمير، فدنا ثم قال: انعموا صباحا- وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قد أكرمنا اللَّه بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة، قال: أما واللَّه يا محمد إن كنت لحديث عهد بها، قال فما أقدمك؟ قال: جئتك لهذا الأسير الّذي في أيديكم، فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبحها اللَّه من سيوف، وهل أغنت شيئا؟ قال: أصدقني ما الّذي جئت له؟ قال: ما جئت إلا لذلك. قال بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك حتى تقتلني له، واللَّه حائل بينك وبين ذلك. قال عمير: أشهد أنك رسول اللَّه، وقد كنا [يا رسول اللَّه] نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فو اللَّه إني لأعلم إنه ما أتاك به إلا اللَّه، فالحمد للَّه الّذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم تشهد بشهادة الحق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره، قال: ففعلوا. ثم قال: يا رسول اللَّه، إني كنت جاهدا على إطفاء نور اللَّه، شديد الأذى لمن كان على دين اللَّه، وإني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة، فأدعوهم إلي اللَّه وإلى الإسلام، لعل اللَّه أن يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك. قال: فأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلحق بمكة، وكان صفوان بن أمية حين خرج عمير بن وهب يقول لقريش: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عنه الركبان، حتى قدم راكب فأخبره بإسلامه فحلف لا يكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع أبدا، فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعو إلى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 171 الإسلام ويؤذي من خالفه إيذاء شديدا، وكان رجلا شهما منعيا، فأسلم على يديه ناس كثير، [فلما انقضى أمر بدر أنزل اللَّه فيه القرآن [سورة] الأنفال بأسرها] [ (1) ] . وقد ذكر قصة عمير بن وهب موسى بن عقبه رحمه اللَّه تعالى وذكرها الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] فقال: ثم قال: حدثني محمد بن أبي حميد عن عبد اللَّه بن عمرو بن أمية قال: لما قدم عمير بن وهب في أهله ولم يقرب صفوان بن أمية فأظهر الإسلام ودعا إليه، فبلغ صفوان فقال: قد عرفت حين لم يبدأ بي قبل منزله أنه قد ارتكس، وحلف باللات والعزى لا أكلمه من رأسي أبدا ولا أنفعه ولا عياله بنافعة أبدا، فوقف عليه عمير وهو في الحجر فأعرض عنه، فقال عمير: أنت سيد من ساداتنا أرأيت الّذي كنا عليه من عبادة حجر والذبح له، أهذا دين؟ أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، فلم يجبه صفوان بكلمة.   [ (1) ] ما بين الحاصرتين ليس في (سيرة ابن هشام) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 127- 128. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 172 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم قباث بن أشيم [ (1) ] بن عامر بن الملوّح الكناني ويقال الليثي- بما قاله في نفسه، وقد انهزم فيمن انهزم يوم بدر فقال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] : وكان قباث بن أشيم الكنانيّ يقول: شهدت مع المشركين بدرا وإني لأنظر لقلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة ما منعنا من الخيل والرجال، فانهزمت فيمن انهزم، فلقد رأيتني وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجه وإني لأقول في نفسي: ما رأيت مثل هذا الأمر فرّ منه إلا النساء، وصاحبني رجل، فبينما هو يسير معي إذ لحقنا من خلفنا، فقلت لصاحبي: أبك نهوض؟ قال: لا واللَّه، ما هو بي، قال: وعقر فترفعت، فلقد صبحت غيقة قبل الشمس، كنت هاديا بالطريق ولم أسلك المحاج وخفت من الطلب فتنكيت عنها، فلقيني رجل من قومي بغيقة [ (3) ] ، فقال: ما وراءك؟ قلت: لا شيء! قتلنا، وأسرنا، وانهزمنا، فهل عنك من حملان؟ قال: فحملني على بعير، وزودني زادا حتى لقيت الطريق بالجحفة، ثم مضيت حتى دخلت مكة،   [ (1) ] هو قباث بن أشيم بن عامر بن الملوح الكناني ويقال التميمي، والأكثر قول من نسبه في كتاب، سكن دمشق. روي عنه عامر بن زياد الليثي وأبو الحويرث فإنه قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم قال: بل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أكبر مني وأنا أسن منه، ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عام الفيل. ووقفت بي أمي على روث الفيل، وأنا أعقله. وقال البخاري: حدثنا عبد اللَّه بن يوسف، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور، عن يونس بن يوسف، عن عبد الرحمن بن زياد، عن قباث بن أشيم الليثي قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: صلاة رجلين يؤمهما أحدهما أزكى عند اللَّه من صلاة ثمانية تتري، وصلاة ثمانية يؤمهما أحدهم أزكى عند اللَّه من صلاة مائة تتري. ذكره البخاري في (التاريخ) . (الاستيعاب) : 3/ 1303- 1304، ترجمة رقم (2165) ، (الإصابة) : 5/ 407- 408، ترجمة رقم (7061) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 97- 98. وترفعت: من رفع البعير في السير، أي بالغ. (الصحاح) . [ (3) ] غيقة: بين مكة والمدينة في بلاد غفار. (معجم البلدان) : 4/ 251، موضع رقم (8967) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 173 وإني لأنظر إلى الحيسمان بن حابس الخزاعي بالغميم، فعرفت أنه تقدم ينعى قريشا بمكة، فلو أردت أن أسبقه لسبقته، فتكبت عنه حتى سبقني ببعض النهار، فقدمت وقد انتهى إلى مكة خبر قتلاهم وهم يلعنون الخزاعي ويقولون: ما جاءنا بخير، فمكث بمكة، فلما كان بعد الخندق قلت: لو قدمت المدينة فنظرت ما يقول محمد، وقد وقع في قلبي الإسلام فقدمت المدينة فسألت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالوا: هو ذاك في ظل المسجد مع ملأ من أصحابه، فأتيته، وأنا لا أعرفه من بينهم، فسلمت، فقال: يا قباث بن أشيم، أنت القائل يوم بدر ما رأيت مثل هذا الأمر فرّ منه إلا النساء؟ قلت: أشهد أنك رسول اللَّه وأن هذا الأمر ما خرج مني إلى أحد قط وما ترمرمت [ (1) ] به إلا شيئا حدثت به نفسي فلولا أنك نبي ما أطلعك اللَّه عليه، هلم حتى أبايعك. فعرض علي الإسلام فأسلمت.   [ (1) ] ترمرم: حرك فاه: بالكلام. (الصحاح) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 174 وأما قيام سهيل بن عمرو [ (1) ] والمقام الّذي خبّر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يوم بدر فقال الواقدي [ (2) ]- رحمه اللَّه- ولما أسر سهيل بن عمرو يوم بدر، قال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه انزع ثنيته يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا أمثل به فيمثل اللَّه بي، وإن كنت نبيا، ولعله يقوم مقاما لا تكرهه، فقام سهيل بن عمرو حين جاءه وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بخطبة أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حين بلغه كلام سهيل: أشهد أنك رسول اللَّه، يريد حيث قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لعله يقوم مقاما لا تكرهه. وقال أبو عمر بن عبد البر: [ (3) ] سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ بن غالب القرشي العامري، يكنى أبا يزيد، كان أحد أشراف قريش وساداتهم في الجاهلية أسر يوم بدر كافرا، وكان خطيب قريش، فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول، اللَّه انزع ثنيته فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: دعه فعسى أن يقوم مقاما تحمده، وكان الّذي أسره مالك بن الدخشم، فقدم مكرز بن حفص بن الأحنف العامري فقاطعهم في فدائه، وقال: ضعوا أرجلى في القيد حتى يأتي الفداء، ففعلوا ذلك. وكان سهيل أعلم، أي مشقوق الشفة العليا، وهو الّذي جاء في الصلح يوم الحديبيّة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين رآه: قد سهل أمركم، وعقد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الصلح يؤمئذ وهو كان يتولى ذلك دون سائر قريش. وكان المقام الّذي قام به في الإسلام الّذي قاله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: دعه فعسى أن يقوم مقاما تحمده، فكان مقامه ذلك أنه لما هاج أهل مكة عند وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وارتدّ من ارتد من العرب، قام سهيل بن   [ (1) ] ترجمته في (الإصابة) : 3/ 212- 215، ترجمة رقم (3575) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 107. [ (3) ] (الاستيعاب) : 2/ 669- 672، ترجمة رقم (1106) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 175 عمرو خطيبا، فقال: واللَّه أعلم أن هذا الذين سيمتد امتداد الشمس في طلوعها إلى غروبها، فلا يغرنكم هذا من أنفسكم، يعنى أبا سفيان، فإنه ليعلم من هذا الأمر ما أعلم، ولكنه قد ختم على صدره حسد بنى هاشم، وأتى في خطبته بمثل ما جاء به أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بالمدينة، فكان ذلك معنى قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيه لعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أعلم. وقال أسد بن موسى عن سعيد بن عبد اللَّه الجمحيّ، عن عبد اللَّه بن عمير الليثي، عن أبيه قال: مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعلى مكة وعاملها عتاب بن أسيد، فلما بلغهم موت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ضج أهل المسجد، فبلغ عتاب، فخرج حتى دخل شعبا من شعاب مكة، وسمع أهل مكة الضجيج، فوافى رجالهم إلى المسجد، فقال سهيل بن عمرو: أين عتاب؟ وجعل يستدل عليه، حتى أتى عليه الشعب، فقال: مالك؟ قال: مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم! فقال: قم في الناس فتكلم، قال: لا أطيق الكلام مع موت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فاخرج معي فأنا أكفيكه، فخرجا، حتى أتيا المسجد، فقام سهيل خطيبا فحمد اللَّه وأثنى عليه، وخطب مثل خطبه أبي بكر، لم يجزم منها شيئا وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب وسهيل في الأسرى يوم بدر: ما يدعوك إلى نزع ثناياه؟ دعه فعسى أن يقيمه اللَّه مقاما يسرك، فكان ذلك المقام الّذي قال، وضبط عتاب عمله وما حوله. وخرج البيهقي [ (1) ] من طريق سفيان، عن عمر، عن الحسن قال: قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه دعني أنزع ثنية سهيل ابن عمرو، فلا يقوم خطيبا في قومه أبدا، فقال: دعها فلعلها أن تسرك يوما، قال سفيان: فلما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نفر منه أهل مكة فقام سهيل بن عمرو عند الكعبة فقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، واللَّه حىّ لا يموت.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 367، باب إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بما يرجع إليه مقال سهيل بن عمرو بن عبد شمس، ورجوعه إلى ذلك، فكان كما أخبر. وفيه: من كان محمد إلهه فإن محمدا قد مات» ، وما أثبتناه من (الأصل) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 176 قال البيهقي [ (1) ] ثم لحق سهيل في أيام عمر بالشام مرابطا في سبيل اللَّه حتى مات بها في طاعون عمواس. وذكر ابن سعد أن سهيلا قال يومئذ: أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت، وقد نعى اللَّه نبيكم إليكم، وهو بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم، فهو الموت الّذي لا يبقى أحدا، ألم تعلموا أن اللَّه قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (2) ] وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [ (3) ] وقال: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [ (4) ] ثم تلا: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [ (5) ] فاتقوا اللَّه واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم فإن دين اللَّه قائم وكلمة اللَّه تامة، وإن اللَّه تعالى ناصر من نصره، ومعز لدينه، وقد جمعكم اللَّه على خيركم. فلما بلغ عمر كلام سهيل بمكة قال: أشهد أن محمدا رسول اللَّه وأن ما جاء به حق، هذا هو المقام الّذي تمنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين قال لي: لعله يقوم مقاما لا تكرهه [ (6) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] الزمر: 30. [ (3) ] آل عمران: 144. [ (4) ] آل عمران: 185، الأنبياء 35. [ (5) ] القصص: 88. [ (6) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 107. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 177 وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لمن خرج معه إلى بدر وإجابة اللَّه تبارك وتعالى دعاءه فقال الواقدي [ (1) ] : حدثني أبو بكر بن إسماعيل، عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرجنا إلى بدر مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومعنا سبعون بعيرا وكانوا يتعاقبون الثلاثة والأربعة والاثنان على بعير، وكنت أنا من أعظم أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم غناء، أرجلهم رجلة، وأرماهم بسهم، لم أركب خطوة ذاهبا ولا راجعا، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين فصل من بيوت السقيا: اللَّهمّ إنهم حفاة فاحملهم، وعراة فاكسهم، وجياع فأشبعهم، وعالة فأغنهم من فضلك. قال: فما رجع أحد منهم يريد أن يركب إلا وجد ظهرا للرجل، البعير والبعيران، واكتسى من كان عاريا، وأصابوا طعاما من أزوادهم، وأصابوا فداء الأسرى. وأما قتل كعب بن الأشرف اليهودي أحد بني النضير بسؤال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ربه تعالى أن يكفيه إياه بما شاء فقال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] : حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن رومان، ومعمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، وإبراهيم بن جعفر، عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه، فكل قد حدثني منه بطائفة، فكان الّذي اجتمعوا لنا عليه قالوا: إن ابن الأشرف كان شاعرا وكان يهجو النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، ويحرض عليهم كفار قريش في شعره. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط، منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام، فيهم أهل الحلقة والحصون، ومنهم حلفاء للحيين   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 26. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 184- 193. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 178 جميعا، الأوس والخزرج، فأراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم، وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشركا، وكان المشركون واليهود من أهل المدينة يؤذون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه أذى شديدا، فأمر اللَّه عز وجل نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم والمسلمين بالصبر على ذلك، والعفو عنهم، وفيهم أنزل اللَّه تعالى: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [ (1) ] وفيهم أنزل وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ (2) ] . فلما أبي ابن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأذى المسلمين وقد بلغ منهم، فلما قدم زيد بن حارثة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالبشارة من بدر بقتل المشركين، وأسر من أسر منهم، ورأى الأسرى مقرنين كبت وذل، ثم قال لقومه: واللَّه لبطن الأرض خير لكم من ظهرها اليوم، هؤلاء سراة الناس قد قتلوا وأسروا، فما عندكم؟ قالوا: عداوته ما حيينا. قال وما أنتم وقد وطئ قومه وأصابهم؟ ولكني أخرج إلى قريش فأحضها وأبكى قتلاهم، فلعلهم ينتدبون، وأخرج معهم. فخرج حتى قدم مكة ووضع رحله عند أبي وداعة بن ضميرة السهمىّ، فجعل يرثى قريشا يقول [ (3) ] : طحنت رحى بدر لتهلك أهلها ... ولمثل بدر تستهل وتدمع قتلت سراة الناس حول حياضه ... لا تبعدوا إن الملوك تصرع ويقول أقوام أذل بسخطهم ... إن ابن أشرف ظل كعبا يجزع صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا ... ظلت تسيخ بأهلها وتصدع كم قد أصيب بها من أبيض ماجد ... ذي بهجة يأوي إليه الضّيّع   [ (1) ] آل عمران: 186. [ (2) ] البقرة: 109. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 186. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 179 طلق الدين إذا الكواكب أخلفت ... حمال أثقال يسود ويربع نبئت أن بني المغيرة كلهم ... خشعوا لقتل أبي الحكيم وجدّعوا وابنا ربيعة عنده ومنبّه ... هل نال مثل المهلكين التبّع [ (1) ] صار الّذي أثر الحديث بطعنة ... أو عاش أمي مرعشا لا يسمع نبئت أن الحارث بن هشام ... في الناس يبنى الصالحات ويجمع ليزور يثرب بالجموع وإنما ... يحمي على الحب الكريم الأروع نبئت أن بني كنانة كلهم ... خشعوا لقتل أبي الوليد وجدّعوا قال فأجابه حسان بن ثابت رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وقليلا قال: بكت عين كعب [ (2) ] ثم علّ بعبرة ... منه وعاش مجدعا لا يسمع ولقد رأيت ببطن بدر منهمو ... قتلى تسح لها العيون وتدمع وفأبكي فقد أبكيت عبدا رافعا ... شبه الكليب للكليبة يتبع ولقد شفى الرحمن منهم سيدا ... وأهان قوما قاتلوه وصرّعوا ونجا وأفلت منهم من قلبه ... شعف يظل لخوفه يتصدع [ (3) ] نجا وأفلت منهم متسرعا ... فلّ قليل هارب يتهزّع [ (4) ] ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حسان بن ثابت، فأخبره بنزول كعب على من نزل، فقال حسان: ألا أبلغا عني أسيدا رسالة ... فخالك عبد بالسراب مجرب لعمرك ما أوفي أسيد بجاره ... ولا خالد ولا المفاضة زينب وعتاب عبد غير موف بذمة ... كذوب شئون الرأس قرد مدرب [ (5) ]   [ (1) ] إلى هنا آخر الأبيات في (المغازي) . [ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (ديوان حسان) ، و (مغازي الواقدي) : «أبكى لكعب» ، [ (3) ] هذه الشطرة في (الديوان) هكذا: شعف يظل لخوفه يتصدع [ (4) ] هذا البيت من (الأصل) فقط. [ (5) ] هذه الأبيات ليست في (الديوان) وأثبتناه من (الأصل) ، وصوبناها من (المغازي) . والمفاضة من النساء الضخمة البطن. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 180 فلما بلغها [ (1) ] هجاؤه نبذت رحله وقالت: ما لنا ولهذا اليهودي؟ ألا ترى ما يصنعه بنا حسان؟ فتحول، فكلما تحول عند قوم دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حسانا، فقال: ابن الأشرف نزل على آل فلان فلا يزال يهجوهم حتى نبذ رحله، فلما لم يجد مأوى قدم المدينة فلما بلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قدوم ابن الأشرف قال: اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من لي بابن الأشرف؟ فقد آذاني، فقال محمد بن مسلمة أنا له يا رسول اللَّه وأنا أقتله، قال فافعل فمكث محمد بن مسلمة: أياما لا يأكل، فدعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا محمد، تركت الطعام والشراب؟ قال: يا رسول اللَّه قلت لك قولا فلا أدري أفي لك به أم لا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إنما عليك الجهد، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أشاور سعد بن معاذ في أمره. فاجتمع محمد بن مسلمة ونفر من الأوس، منهم عباد بن بشر وأبو نائلة سلكان بن سلامة وأبو عبس بن جبر، والحارث بن أوس، فقالوا: يا رسول اللَّه نحن نقتله، فأذن لنا فلنقتله فإنه لا بدّ لنا منه، قال: قولوا، فخرج أبو نائلة إليه فلما رآه كعب أنكر شأنه، وكاد يذعر، وخاف أن يكون وراءه كمين، فقال أبو نائلة: حدثت لنا حاجة إليك، قال وهو في نادي قومه وجماعتهم: أدن إليّ، فخبرني بحاجتك، وهو متغير اللون مرعوب وكان أبو نائلة ومحمد بن مسلمه أخويه من الرضاعة، فتحدثنا ساعة وتناشدا الأشعار وانبسط كعب وهو يقول بين ذلك: حاجتك وأبو نائلة يناشده الشعر، فقال كعب حاجتك، لعلك تحب أن يقوم من عندنا؟ فلما سمع ذلك القوم قاموا. قال أبو نائلة: إني كرهت أن يتسمع القوم ذرو [ (2) ] كلامنا فيظنون، كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب، ورمتنا عن قوس واحدة، وتقطعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس، وضاعت العيال، أخذنا الصدقة، ولا نجد ما نأكل، فقال كعب: قد كنت واللَّه أحدثك بهذا يا ابن سلامة، إن الأمر سيصير إليه.   [ (1) ] الضمير عائد على عاتكة بنت أسيد. [ (2) ] ذرو القول: طرفه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 181 وقال أبو نائلة: ومعي رجال على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك ثقة بهم، فنبتاع منك طعاما وتمرا وتحسن في ذلك إلينا، ونرهنك ما يكون لك فيه، قال كعب إما إن رفاقي تقصف تمرا من عجوة تغيب فيها الضرس، أما واللَّه يا أبا نائلة ما كنت أحب أني أرى هذه الخصاصة بك، وإن كنت من أكرم الناس عليّ، أنت أخي نازعتك الثدي. قال سلكان اكتم عنا ما حدثتك من ذكر محمد، قال كعب: لا أذكر منه حرفا ثم قال كعب: يا أبا نائلة اصدقني ذات نفسك، ما الّذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتنحي عنه، قال: سررتني يا أبا نائلة فما الّذي ترهنونني، أترهنونني أبناءكم ونساءكم؟ قال: لقد أردت أن تفضحنا وتظهر أمرنا، ولكنا نرهنك من الحلقة ما ترضى به، قال كعب: إن في الحلقة لوفاء وإنما يقول ذلك سلكان لئلا ينكرهم إذا جاءوا في السلاح، فخرج أبو نائلة من عنده على ميعاد فأتى أصحابه وأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى لميعاده، ثم أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عشاء، فأخبروه فمشى معهم، حتى أتى البقيع [ (1) ] ، ثم وجههم، ثم قال: امضوا على بركة اللَّه وعونه. ويقال: وجههم بعد أن صلوا العشاء في ليلة مقمرة مثل النهار، ليلة أربعة عشرة من ربيع الأول، على رأس خمسة وعشرين شهرا. قال: فمضوا حتى أتوا ابن الأشرف فلما انتتهوا إلى حصنه هتف به أبو نائلة، وكان ابن الأشرف حديث عهد بعرس، فأخذت امرأته بناحية ملحفته وقالت: أين تذهب؟ إنك رجل محارب، ولا ينزل مثلك في هذه الساعة، فقال: ميعاد، إنما هو أخى أبو نائلة، واللَّه لو وجدني نائما ما أيقظني، ثم ضرب بيده الملحفة وهو يقول: لودعي الفتي لطعنة لأجاب، ثم نزل إليهم فحياهم، ثم جلسوا فتحدثوا ساعة حتى انبسط إليهم، ثم قالوا له: يا ابن الأشرف هل لك أن نتمشى إلى شرج العجوز [ (2) ] فنتحدث فيه بقية ليلتنا؟ قال: فخرجوا يتماشون حتى وجهوا قبل الشرج فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب ثم قال: ويحك ما   [ (1) ] البقيع: بقيع الغرقد، وهو مقبرة المدينة. [ (2) ] شرج العجوز: موضع قرب المدينة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 182 أطيب عطرك هذا يا ابن الأشرف! وإنما كان كعب يدهن بالمسك الفتيت بالماء والعنبر حتى يتلبد في صدغيه، وكان جعدا جميلا، ثم مشى ساعة فعاد بمثلها حتى اطمأن إليه، وسلت يداه في شعره، فأخذ بقرون رأسه وقال لأصحابه: اقتلوا عدو اللَّه، فضربوه بأسيافهم، فالتفت عليه فلم تغن شيئا، ورد بعضها بعض ولحق بأبي نائلة. قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولا كان في سيفي فانتزعته فوضعته في سرته ثم تحاملت عليه فقططته [ (1) ] حتى انتهى إلى عانته، فصاح عدو اللَّه صيحة ما بقي أطم من آطام يهودي إلا أوقدت عليه نار فقال: ابن سنينة- يهودي من يهود بني حارثة وبينهما ثلاثة أميال- إني لأجد ريح دم بيثرب مسفوح وقد كان أصاب بعض القوم الحارث بن أوس بسيفه وهم يضربون كعبا، فكلمه في رجله فلما فرغوا احتزوا رأسه ثم حملوه معهم، ثم خرجوا يشتدون وهم يخافون من يهود الإرصاد، حتى أخذوا على بني أمية بن زيد، ثم على بني قريظة، وإن نيرانهم في الآطام لعاليه، ثم على بعاث، حتى إذا كانوا بحرة العريض نزف الحارث فأبطأ عليهم فناداهم: أقرئوا رسول اللَّه مني السلام، فعطفوا عليه حتى أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا، وقد قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تلك الليلة يصلي، فلما سمع تكبيرهم بالبقيع كبر وعرف أنهم قد قتلوه. ثم انتهوا يعدون حتى وجدوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم واقفا على باب المسجد، فقال: أفلحت الوجوه، فقالوا: ووجهك يا رسول اللَّه، ورموا برأسه بين يديه فحمد اللَّه على قتله، ثم أتوا بصاحبهم الحارث فتفل في جرحه فلم يؤذه، فقال: صرخت به ولم يجفل لصوتي ... ووافى طالعا من فوق قصر فعدت فقال من هذا المنادي ... فقلت أخوك عباد بن بشر فقال محمد أسرع إلينا ... فقد جئنا لتشكرنا وتقري وترفدنا فقد جئنا سغابا ... بنصف الوسق من حب وتمر وهذه درعنا رهنا فخذها ... لشهر إن وفي أو نصف شهر   [ (1) ] كذا في (الأصل) ، و (المغازي) ، والأولى: «فقددته» لأن القدّ: الشق طولا، والقطّ: الشق عرضا، قال تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 183 فقال معاشر سغبوا وجاعوا ... لقد عدموا الغني من غير فقر وأقبل نحونا يهوي سريعا ... وقال لنا لقد جئتم لأمر وفي أيماننا بيض حداد ... مجرية بها الكفار نفري فعانقه ابن مسلمة المرادي ... به الكفان كالليث الهزبر وشد بسيفه صلتا عليه ... فقطره أبو عبس بن جبر وصلت وصاحباني فكان لما ... قتلناه الخبيث كذبح عتر [ (1) ] ومر برأسه نفر كرام ... هم ناهوك من صدق وبر وكان اللَّه سادسا فأبنا ... بأفضل نعمة وأعز نصر [ (2) ] قال فلما أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه، [فخافت اليهود] فلم يطلع عظيم من عظمائهم، ولم ينطقوا، وخافوا أن يبيتوا كما بيّت ابن الأشرف، وكان ابن سنينة من يهود بني حارثة، وكان حليفا لحويصة بن مسعود، وقد أسلم بعد. [فعدا محيّصة علي ابن سنية فقتله] . فجعل حويصة يضرب محيصة وكان أسنّ منه، يقول: أي عدوّ اللَّه أقتله؟ واللَّه لرب شحم في بطنك من ماله، فقال محيصة: واللَّه لو أمرني بقتلك الّذي أمرني بقتله لقتلتك، قال واللَّه لو أمرك محمد أن تقتلني لقتلتني؟ قال: نعم قال حويصة إن دينا يبلغ هذا لدين معجب فأسلم حويّصة يومئذ، فقال محيصة: يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله ... لطبقت ذفراه بأبيض فاضب حسام كلون الملح أخلص صقله ... متى ما تضرب به فليس بكاذب ما سرني أني قتلت طائعا ... وما أن لي ما بين بصري ومأرب ففزعت يهود ومن معها من المشركين، فجاءوه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين أصبحوا، فقالوا: قد طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غيلة من غير جرم ولا حدث علمناه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: لو قر كما قر غيره من هو على مثل   [ (1) ] العتر: العتيرة، وهي شاه كانوا يذبحونها في رجب لآلهتهم. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 191. وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 184 رأيه ما اغتيل، ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر، ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان له السيف. ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى أن يكتب بينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه، فكتبوا بينهم وبينه كتابا [تحت العذق] في دار رملة بنت الحارث فحذرت يهود وخافت [وذلت] من يوم قتل ابن الأشرف [ (1) ] . فحدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: قال مروان بن الحكم وهو على المدينة وعنده ابن يامين النضري: كيف كان قتل ابن الأشرف؟ قال ابن يامين: كان غدرا، ومحمد بن مسلمة جالس شيخا كبيرا، فقال: يا مروان، أيغدر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [عندك] ؟ واللَّه [ما قتلناه إلا بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] واللَّه لا يؤويني وإياك سقف بيت إلا المسجد، وأما أنت يا ابن يامين فلله عليّ إن أفلت وقدرت عليك وفي يدي سيف إلا ضربت به رأسك! فكان ابن يامين لا ينزل في بني قريظة حتى يبعث له رسولا ينظر محمد بن مسلمة، فإن كان في بعض ضياعة نزل فقضى حاجته ثم صدر وإلا لم ينزل. فبينا محمد بن مسلمة في جنازة وابن يامين بالبقيع فرأى محمد نعشا عليه جرائد رطبة لامرأة، فجاء فحله فقام إليه الناس فقالوا: يا أبا عبد الرحمن ما تصنع نحن نكفيك؟ فقام إليه فلم يزل يضربه بها جريدة جريدة حتى كسر ذلك الجريد على وجهه ورأسه حتى لم يترك فيه مصحا، ثم أرسله ولا طباخ به، ثم قال: واللَّه لو قدرت على السيف لضربتك به [ (2) ] . وقال موسى بن عقبة وكان كعب بن الأشرف اليهودي أحد بني النضير- أو فيهم- قد آذى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالهجاء، وركب إلى قريش فقدم عليهم فاستغواهم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أناشدك اللَّه أديننا أحب إلى اللَّه أم دين محمد وأصحابه؟ وأينا أهدي في رأيك وأقرب إلى الحق؟ فإنا نطعم الجزور والكوماء [ (3) ] ، ونسقي اللبن على الماء، ونطعم ما هبت السماء، فقال   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 192، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 193. والطّباخ: القوة. [ (3) ] الكوماء من الإبل: عظيمة السنام. (لسان العرب) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 185 ابن الأشرف: أنتم أهدى منه سبيلا، ثم خرج مقبلا وقد أجمع رأى المشركين على قتال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من لنا بابن الأشرف؟ قد استعلن بعد عداوتنا وهجائنا خرج إلى قريش فجمعهم علينا قد أخبرني اللَّه عز وجل بذلك ثم قدم على أخبث ما كان ينتظر قريشا أن تقدم فيقاتلنا معهم، ثم قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم علي المسلمين ما أنزل اللَّه فيه أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا وآيات في قريش معها، وذكر لنا- واللَّه أعلم- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: اللَّهمّ اكفني ابن الأشرف بما شئت فقال له محمد بن مسلمة أنا يا رسول اللَّه أقتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: نعم فقام محمد بن مسلمة منقلبا إلى أهله فلقى سلكان بن سلامة في المقبرة عامدا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال له محمد: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد أمرني بقتل ابن الأشرف وأنت نديمه في الجاهلية، ولن يأمنن غيرك، فقال له سلكان: إن أمرني فعلت، فرجع معه ابن مسلمة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه أمرت بقتل كعب بن الأشرف؟ قال: نعم قال سلكان: يا رسول اللَّه فاحللني فيما قلت لابن الأشرف فقال: أنت في حلّ مما قلت، فخرج سلكان، ومحمد بن مسلمة، وعباد بن بشر، وسلمة بن ثابت، وأبو عبس بن جبر، حتى أتوه في ليلة مقمرة فتواروا في ظلال جذوع النخل، وخرج سلكان فصرخ: يا كعب، فقال له كعب: من هذا؟ فقال له سلكان: هذا أبو ليلى يا أبا نائلة وكان كعب يكنى أبا نائلة، فقالت له امرأته: لا تنزل يا أبا نائلة إنه قاتلك، فقال ما كان أخي ليأتيني إلا بخير لو يدعى الفتى لطعنة أجاب، فخرج كعب، فلما فتح باب الرض قال من أنت؟ قال: أخوك، قال: فطأطئ لي رأسك، فطأطأ فعرفه، فنزل إليه فمشى به سلكان نحو القوم، وقال له سلكان: جعنا وأصابتنا شدة مع صاحبنا هذا، فجئتك لأن تحدث معك، ولأرهنك درعي في شعير، فقال له كعب قد حدثتكم أنكم ستلقون ذلك، ولكن نحن عندنا تمر وشعير وعبير، فأتونا، فقال: لعلنا أن نفعل، ثم أدخل سلكان يده في رأس كعب فشمها فقال: ما أطيب عبيركم هذا! صنع ذلك مرة أو مرتين حتى أمّنه، ثم أخذ سلكان برأسه أخذة فصأه منها، فجأر واللَّه جأرة رفيعة وصاحت امرأته، وقال يا صباحاه، فعانقه سلكان وقال: اقتلوا عدوّ اللَّه، فلم يزالوا يتخلصون الجزء: 12 ¦ الصفحة: 186 بأسيافهم حتى طعنه أحدهم في بطنه طعنة بالسيف، خرج مصرانه، وخلصوا إليه، فضربوه بأسيافهم، وكانوا في بعض ما يتخلصون إليه وسلكان معانقة، أصابوا عابد بن بشر في يده أو في رجله ولا يشعرون، وخرجوا يشتدون سراعا حتى إذا كانوا بجرف بعاث [ (1) ] فقدوا صحابهم، ونزفه الدم، فرجعوا فوجدوه من وراء الجرف، فاحتملوه حتى أتوا به أهلهم من ليلتهم، فقتل اللَّه ابن الأشرف، بعد أذيته اللَّه ورسوله، وهجائه إياه، وتأليبه قريشا، وإعلانه عليه قريشا بذلك. وخرج البيهقي [ (2) ] من طريق سفيان قال: حدثنا عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قدم حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف مكة على قريش فحالفوهم على قتال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالوا لهم أنتم أهل العلم القديم وأهل الكتاب، فأخبرونا عنا وعن محمد، قالوا: ما أنتم وما محمد؟ قالوا نحن ننحر الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونفك العناة ونسقي الحجيج، ونصل الأرحام، قالوا: فما محمد؟ قالوا: صنبور قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج بنو غفار، قالوا: لا، بل أنتم خير منهم وأهدى سبيلا فأنزل اللَّه تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [ (3) ] إلى آخر الآية، قال سفيان: وكان غفار أهل سلة [في الجاهلية [ (4) ]] يعني سرقة.   [ (1) ] جرف بعاث: اسم موضع على ميل من المدينة. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 3/ 193- 194، باب ما جاء في قتل كعب بن الأشرف، وكفاية اللَّه عزّ وجلّ رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم والمسلمين شره. [ (3) ] النساء: 51. [ (4) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 187 وخرج البخاري [ (1) ] من حديث سفيان قال عمرو: سمعت جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من لكعب ابن الأشرف فإنه قد أذى اللَّه ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول اللَّه أتحب أن أقتله؟ قال: نعم، قال: فأذن لي أن أقول شيئا، قال، فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وأنه قد عنانا، وأني قد أتيتك استسلفك، قال: وأيضا واللَّه لتملنه، قال: إنّا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى تنظر إلي أي شيء يصير أمره، وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين فقال: أرهنوني، قال أي شيء تريد؟ قال: أرهنوني نساءكم! قال: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فأرهنوني أبنائكم، قال: كيف نرهنك   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 427، كتاب المغازي، باب (15) قتل كعب الأشرف، حديث رقم (4037) ، قال السهيليّ: في قصة كعب بن الأشرف قتل المعاهد إذا سب الشارع، خلافا لأبي حنيفة. قال الحافظ: وفيه نظرا، وصنيع المصنف في الجهاد يعطي أن كعبا كان محاربا حيث ترجم لهذا الحديث: «الفتك بأهل الحرب» وترجم له أيضا: «الكذب في الحرب» ، وفيه جواز قتل المشرك بغير دعوة إذا كانت الدعوة العامة قد بلغته، وفيه جواز الكلام الّذي يحتاج إليه في الحرب، ولو لم يقصد قائله إلى حقيقته. (فتح الباري) . وأخرجه مسلم في (صحيحه) : 12/ 403، كتاب (الجهاد والسير) ، باب (42) قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود، وقد استدل بهذا الحديث بعضهم على جواز قتل من بلغته الدعوة من الكفار، وتبييته من غير دعاء إلى الإسلام. (شرح النووي) . وأخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 211- 212، كتاب الجهاد، باب (169) في العدوّ يؤتى على غرة ويتشبه بهم، حديث رقم (2768) . وفي هذا الحديث من الفقه إسقاط الحرج عن تأول الكلام فأخبر عن الشى بما لم يكن إذا كان يريد بذلك استصلاح أمر دينه، أو الذود عن نفسه وذويه، ومثل هذا الصنيع جائز في الكافر الّذي لا عهد له، كما جاز البيات والإغارة عليهم في أوقات الغفلة وأوان الغرة. وكان كعب لهج بسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهجائه فاستحق القتل مع كفره بسبه رسول صلّى اللَّه عليه وسلم. (معالم السنن) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 188 أبناءنا فيسب أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين؟ هذا عار علينا ولكن نرهنك اللأمة، قال سفيان: يعني السّلاح، فواعده أن يأتيه فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة- فدعاهم إلى الحصن، فنزل إليهم فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة، وقال غير عمرو، قالت: أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم، قال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لودعى إلى طعنة بليل لأجاب، قال: ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين وقال غير عمرو، أبو عبس بن حيبر والحارث بن أوس وعباد بن بشر. قال عمرو: جاء برجلين فقال إذا جاء فإنّي شام شعره فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم: قال: فلما نزل وهو متوحش قال: إنا نجد منك ريح الطيب، قال: نعم، تحتي فلانة، هي أعطر نساء العرب، قال: فتأذن لي أن أشم منه؟ قال: نعم، فشمّ، فتناول فشم ثم قال: أتأذن لي أن أعود؟ قال: فاستكمنت من رأسه ثم قال: دونكم، قال: فقتلوه. قال: ابن إسحاق [ (1) ] فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة بن وقش، وهو أبو نائلة، حدثني عبد الأشهل وكان أخا لكعب من الرضاعة، وعباد بن بشر بن وقش، وأبو عبس بن جبر، أخو بني حارثة. قال ابن إسحاق: فحدثني ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال بعثني معهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم قال: انطلقوا على اسم اللَّه، اللَّهمّ أعنهم. قال مؤلفه: ولقتل كعب بن الأشرف طرق كثيرة، وقد تضمن أربعه أعلام من أعلام النبوة، وهي: إخبار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن اللَّه تعالى بما كان من تحريض كعب قريشا بمكة على محاربة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ودعائه اللَّه تعالى بإعانة من بعثهم لقتله، وأعانهم اللَّه تعالى على ذلك إجابة لدعاء المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم، وثالثها دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يكفيه كعبا فكفاه أمره، ثم نفثه صلّى اللَّه عليه وسلم في جرح الحارث بن أوس فلم يؤذه.   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 322- 323، مقتل كعب بن الأشرف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 189 وأما كفاية اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم دعثور بن الحارث إذ عزم على قتله وقد أمكنته الفرصة فقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] : حدثني محمد بن زياد بن أبي هنيدة، حدثنا زيد بن أبي عتاب، وحدثني عثمان بن الضحاك بن عثمان، وحدثني: عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن عبيد اللَّه بن أبي بكر، فزاد بعضهم على بعض في الحديث، وغيرهم قد حدثنا أيضا، قالوا: بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن جمعا من بني ثعلبة ومحارب بذي أمرّ [ (2) ] قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، جمعهم رجل منهم بقال له دعثور بن الحارث بن محارب، فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المسلمين وخرج في أربعمائة رجل وخمسين، ومعهم أفراس، فذكر الخبر إلى أن قال: وهربت منه الأعراب فوق الجبال وقبل ذلك ما قد غيبوا سرحهم في ذرى الجبال، فلم يلاق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أحدا، إلا أنه ينظر إليهم في رءوس الجبال، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذا أمر وعسكر معسكره، فأصابهم مطر شديد فذهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لحاجته فأصابه ذلك المطر فبلّ ثوبه، وقد جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وادي ذي أمرّ بينه وبين أصحابه، ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف، وألقاها على شجرة ثم اضطجع تحتها والأعراب ينظرون كل ما يفعل، فقالت الأعراب لدعثور- وكان سيدها وأشجعها-: قد أمكنك محمد، وقد انفرد من أصحابه حيث إن غوّث بأصحابه لم يغث حتى تقتل، فاختار سيفا من سيوفهم صارما، ثم أقبل مشتملا بالسيف حتى قام على رأس النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالسيف مشهورا، فقال: يا محمد! من يمنعك مني اليوم؟ قال: اللَّه! وقال: ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقام   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 194- 196. وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] موضع غزاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال الواقدي: هو من ناحية النخيل، وهو بنجد من ديار غطفان، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج في ربيع الأول من سنة ثلاث للهجرة لجمع بلغه أنه اجتمع من محارب وغيرهم، فهرب القوم منهم الى رءوس الجبال، وزعيمها دعثور بن الحارث المحاربي، فعسكر المسلمون بذي أمرّ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 190 به على رأسه، فقال: من يمنعك منى اليوم؟ قال: لا أحد، قال: فأنا أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، واللَّه لا أكثر عليك جمعا أبدا، فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سيفه، ثم أقبل بوجهه فقال: أما واللَّه لأنت خير مني، قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنا أحق بذلك منك، فأتى قومه فقالوا: أين ما كنت تقول؟ وقد أمكنك والسيف في يدك؟ فقال: قد واللَّه كان ذلك، ولكني نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع في صدري، فوقعت لظهري فعرفت أنه ملك، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، ولا أكثر عليه، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام ونزلت هذه الآية فيه، وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [ (1) ] .. الآية، وكانت غيبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إحدى عشرة ليلة. [واستحلف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على المدينة عثمان بن عفان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه] . قال البيهقي: كذا قال الواقدي، وقد روي في غزوة ذات الرقاع [ (2) ] قصة أخرى في الأعرابي الّذي قام على رأسه بالسيف وقال: من يمنعك مني؟ فإن كان الواقدي حفظ ما ذكر في هذه الغزوة فكأنهما قصتان. قال المؤلف رحمه اللَّه: وذكر الواقدي قصة ثالثة في غزوة حنين [ (3) ] سيأتي ذكرها إن شاء اللَّه تعالى، والحمد اللَّه رب العالمين.   [ (1) ] المائدة: 11. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 395. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 855. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 191 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم باستشهاد زيد بن صوحان العبديّ [ (1) ] فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث الهذيل بن بلال المدائني الفزاري، عن عبد الرحمن بن مسعود العبديّ، عن على رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة سبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان. قال البيهقي: هذيل بن بلال غير قوي [ (3) ] . قال المؤلف: قال ابن معين ليس بشيء وقال البخاري: سمع منه ابن مهدي وأبو داود. وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن عدي: وليس في حديثه حديث منكم. وقال أبو عمر بن عبد البر: وروى من وجوه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان في مسير له فبينما هو يسير إذ هوّم فجعل يقول: زيد وما زيد، جندب وما جندب، فسئل عن ذلك فقال: رجلان من أمتي، أما أحدهما فتسبقه يده أو قال: بعض جسده إلى الجنة، ثم يتبعه سائر جسده، وأما الآخر فيضرب ضربة يفرق بها بين الحق والباطل. قال أبو عمر: أصيبت يد زيد يوم جلولاء [ (4) ] ثم قتل يوم الجمل مع عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وجندب قاتل الساحر.   [ (1) ] ذكره ابن حجر في (الاصابة) : 2/ 610، ترجمة رقم (1912) وقال: يقال: إن له صحبة. وقال ابن عبد البر: ولا أعلم له صحبة، ولكنه ممن أدرك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بسنه مسلما، وكان فاضلا دينا سيدا في قومه هو وإخوته. (الاستيعاب) : 2/ 555- 557، ترجمة رقم (852) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 416- 417، باب ما روي في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عن قتل زيد بن صوحان شهيدا، فكان كما أخبر، قتل يوم الجمل. [ (3) ] ترجمته في: (ميزان الاعتدال) : 4/ 294، ترجمة رقم (9213) ، ضعفه النسائي والدار الدّارقطنيّ. وقال يحيى ليس بشيء، وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، فصار متروكا. قال أحمد: لا أرى به بأسا. وقال أبو زرعه: ليس بالقوى. [ (4) ] اسم موضع في طريق خراسان، بها كانت الوقعة المشهورة على الفرس للمسلمين سنة (16) فسميت: جلولاء الوقيعة، لما أوقع بهم المسلمون. (معجم البلدان) : 2/ 181، موضع رقم (3198) مختصرا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 192 وللبيهقي [ (1) ] من حديث إسحاق الأزرق قال: حدثنا عوف عن ابن سيرين قال: قال خالد بن الواشمة: لما فرغ من أصحاب الجمل ونزلت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- منزلها دخلت عليها فقلت: السلام عليك يا أم المؤمنين فقالت: من هذا؟ قلت: خالد بن الواشمة، قالت: ما فعل طلحة؟ قلت أصيب! قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، ورحمه اللَّه، قالت ما فعل الزبير؟ قلت أصيب! قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، يرحمه اللَّه، قلت: بل نحن للَّه وإنا إليه راجعون في زيد بن صوحان، قالت: وأصيب؟ قلت: نعم، قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون- يرحمه اللَّه- فقلت: يا أم المؤمنين ذكرت طلحة فقلت: يرحمه اللَّه، وذكرت الزبير فقلت: يرحمه اللَّه، وذكرت زيدا فقلت: يرحمه اللَّه، وقد قتل بعضهم بعضا، واللَّه لا يجمعهم اللَّه في الجنة أبدا، قالت: أو لا تدري أن رحمة اللَّه واسعة وهو على كل شيء قدير؟ وخرجه من طريق إسحاق، حدثنا ابن عون عن ابن سيرين عن خالد بن الواشمة بنحوه [ (2) ] . وقال ابن عبد البر [ (3) ] : روى إسماعيل بن عليه عن أيوب عن محمد بن سيرين قال أنبئت أن عائشة [أم المؤمنين] [ (4) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- سمعت [كلام] [ (5) ] خالد يوم الجمل فقالت: خالد بن الواشمة؟ قال: نعم، قالت: أنشدك اللَّه، أصادق أنت إن سألتك؟ قلت: نعم، وما يمنعني أن أفعل؟ قالت: ما فعل طلحة؟ قلت: قتل. قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، قلت: بل   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 416- 417. [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] (الاستيعاب) : 2/ 557، ترجمة زيد بن صوحان رقم (852) . [ (4) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (5) ] في (الأصل) : «سمعت خالدا» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 193 نحن للَّه ونحن إليه راجعون على زيد وأصحاب زيد، قالت: زيد بن صوحان؟ قلت: نعم، قالت: له خير، فقلت: واللَّه لا يجمع بينهم في الجنة أبدا، قالت: لا تقل [ (1) ] ، فإن رحمة اللَّه واسعة وهو على كل شيء قدير. وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بوقعة صفين فخرّج البخاري [ (2) ] من حديث شعيب، حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما [ (3) ] واحدة وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول اللَّه، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل وحتى يكثر فيكم المال [فيفيض] [ (4) ] ، حتى يهم بهم صاحب [ (5) ] المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الّذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنت أجمعون، فذلك حين لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً [ (6) ] أو لتقومنّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومنّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومنّ الساعة   [ (1) ] في (الأصل) : «لا تفعل» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 102، كتاب الفتن، باب (25) بدون ترجمة حديث رقم (7121) . والمراد بالفئتين: على ومن معه، ومعاوية ومن معه، ويؤخذ من تسميتهم مسلمين، ومن قوله: دعوتهما واحدة، الرد على الخوارج ومن تبعهم في تكفيرهم كلّا من الطائفتين. (فتح الباري) . [ (3) ] في (المرجع السابق) : «دعوتهما» ، وما أثبتناه من (الأصل) . [ (4) ] زيادة للسياق من (البخاري) . [ (5) ] في (البخاري) : «رب» . [ (6) ] الأنعام: 158. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 194 وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه [ (1) ] ولتقومنّ الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها. هكذا ذكر البخاري هذا الحديث مجتمعا. وذكره مسلم [ (2) ] أو أكثره مفرقا في كتاب الفتن وغيره من كتابه، فخرج في كتاب الفتن من حديث عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فذكر أحاديث منها، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة. وخرجة البخاري [ (3) ] في كتاب استتابه المرتدين والمعاندين وقتالهم، من حديث سفيان، حدثنا أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة. وخرجه في باب علامات النبوة في الإسلام [ (4) ] من حديث شعيب عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة. ومن حديث عبد الرزاق [ (5) ] أنبأنا معمر عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان فتكون بينهما مقتلة عظيمة،   [ (1) ] في (الأصل) : «منه» . [ (2) ] أخرجه مسلم برقم (57) في الزكاة، باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها، وفي الإيمان، باب بيان الزمن الّذي لا يقبل فيه الإيمان، رقم (2912) ، (2922) ، (157) في الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء. (جامع الأصول) : 10/ 405، في أحاديث جامعة لأشراط الساعة، تعليقا على الحديث رقم (7920) . [ (3) ] (فتح الباري) : 12/ 374. كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب (8) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقول الساعة حتى تقتل فئتان دعواهما واحدة، حديث رقم (6935) . [ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 764، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3608) . [ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3609) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 195 دعواهما واحدة، ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول اللَّه. وخرج الحافظ أبو القاسم على بن الحسن بن هبة اللَّه بن عساكر من حديث عبد السلام عن حرب عن يزيد بن أبي خالد الدالاني، عن مالك بن الحويرث، عن أبي هريرة قال: بلغني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ذكر فتنة فقربها، قال: فأتيته بالبقيع وعنده أبو بكر، وعمر، وعليّ، وطلحة، والزبير، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فقلت: يا رسول اللَّه بلغني أنك ذكرت.. قال: نعم، كيف أنتم إذا اقتتلت فئتان دينهما واحد، وحجمهما واحد، قال أبو بكر: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قال: اللَّه أكبر، قال عمر: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قال: الحمد للَّه، قال عثمان: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: نعم وبك يبتلون، وبك يقتتلون، قال عليّ: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: نعم، تقود الخيل بأزمتها. وخرجه الحافظ أبو نعيم قال: حدثنا سليمان بن أحمد اللخمي، حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجده الحوطي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثنا ماعز التميمي قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار وهو ينتظرها، قال: كيف لو رأيتم خيلين من الناس يقتتلان دعواهما واحدة وأصلهما واحد؟ قال: يكون هذا؟ قال: نعم، قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أأدرك ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أفأدرك أنا ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: بك يبتلون، قال عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أفأدرك أنا ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: أنت القائد لها والآخذ بزمامها. وذكر البيهقي [ (1) ] من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا أبو اليمان، حدثنا صفوان بن عمرو، قال: كان أهل الشام ستين ألفا فقتل منهم عشرون ألفا، وكان أهل العراق مائة وعشرين ألفا قتل منهم عشرون ألفا.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 418- 419، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم باقتتال فئتين عظيمتين تكون بينهما مقاتلة عظيمة، ودعواهما واحدة، فكان كما أخبر في حرب صفين. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 196 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن عمار بن ياسر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه تقتله الفئة الباغية، فقتله أهل الشام بصفين فخرج مسلم [ (1) ] من حديث محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن أبي مسلمة قال: سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدريّ قال: أخبرني من هو خير مني، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لعمار بن ياسر حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: بؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية. ومن حديث خالد بن الحارث والنضر بن شميل عن شعبة، عن أبي مسلمة بهذا الإسناد نحوه، غير أن في حديث النضر قال: أخبرني من هو خير مني أبو قتادة. وفي حديث خالد بن الحرث قال: أراه يعني أبا قتادة. وفي حديث خالد ويقول: ويس أو يا ويس ابن سمية [ (2) ] . وخرج من حديث غندر وعبد الصمد بن عبد الوارث كلاهما قالا: حدثنا شعبه: قال: سمعت خالد الحذاء عن سعيد بن أبي الحسن والحسن، عن أمه عن أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية [ (3) ] . ومن حديث إسماعيل بن إبراهيم [ (4) ] عن ابن عون، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تقتل عمارا الفئة الباغية. وخرج البخاري [ (5) ] في كتاب الصلاة، في باب التعاون في بناء المسجد، من حديث مسدد قال: حدثنا عبد العزيز بن جمعان [ (6) ] قال: حدثنا خالد الحذاء   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 255- 256، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (70) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (71) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (72) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (73) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 197 عن عكرمة قال: قال لي ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما ولابنه عليّ: انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثة، فانطلقنا، فإذا في حائط له يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى، ثم أنشأ يحدثنا، حتى أتى على ذكر بناء المسجد، فقال: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين [لبنتين] [ (1) ] ، فرآه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فينفض التراب عنه ويقول: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار! قال: يقول عمار: أعوذ باللَّه من الفتن. وخرجه في الجهاد [ (2) ] من حديث عبد الوهاب، حدثنا خالد عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولعليّ بن عبد اللَّه: ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه. فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه، فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس فقال: كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فمر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار، وقال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى اللَّه ويدعونه إلى النار!. وخرج البيهقي [ (3) ] من طريق يوسف الماجشون، عن أبيه، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن مولاة لعمار قالت: اشتكى عمار شكوى أرق منها فغشى عليه، فأفاق، ونحن نبكي حوله، فقال: ما تبكون،   [ () ] (5) (فتح الباري) : 1/ 712، كتاب الصلاة، باب (63) التعاون في بناء المسجد، حديث رقم (447) ، وفيه ما كان السلف عليه من التواضع وعدم التكبر، وتعاهد أحوال المعاش بأنفسهم، والاعتراف لأهل الفضل بفضلهم، وإكرام طلبة العلم، وتقديم حوائجهم على حوائج أنفسهم. [ (6) ] في (البخاري) : «ابن مختار» . [ (1) ] زيادة للسياق من (البخاري) . [ (2) ] (المرجع السابق: 6/ 36، كتاب الجهاد باب (17) مسح الغبار عن الرأس في سبيل اللَّه تبارك وتعالى حديث رقم (2812) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 421، باب ما جاء في إخباره عن الفئة الباغية منهما، بما جعله علامة كمعرفتهم، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 418، حديث رقم (18404) ، من حديث عمار بن ياسر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 198 أتخشون أن أموت على فراشي؟ أخبرنى حبيبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأن آخر أدمى من الدنيا مذقة من لبن. ومن حديث أبي نعيم [ (1) ] ومحمد بن كثير قالا: حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت، عن البحتري أن عمار بن ياسر أتى بشربة من لبن فضحك، فقيل له ما يضحك؟ فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: آخر شراب أشربه حتى أموت. وخرجه الحاكم [ (2) ] وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وللبيهقي [ (3) ] من حديث يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البحتري قال: لما كان يوم صفين، واشتد الحرب قال عمار: ائتوني بشراب أشربه، ثم قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: آخر شراب تشربه من الدنيا شربة لبن، ثم تقدم فقتل. وخرج الحاكم [ (4) ] من طريق محمد بن عمر قال: حدثني عبد اللَّه بن أبي عبيدة عن أبيه، عن لؤلؤة مولاة أم الحكم ابنة عمار بن ياسر قالت: لما كان اليوم الّذي قتل فيه عمار والراية يحملها أبو هاشم بن عتبة، وقد قتل أصحاب عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ذلك اليوم حتى كان العصر، ثم تقدم عمار بن ياسر ورأى أبا هاشم تقدمه، وقد جنحت الشمس للغروب، ومع عمار ضيح من لبن ينتظر وجوب الشمس أن يفطر فقال حين وجبت الشمس وشرب الضيح: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن، قال: ثم اقترب فقاتل حين قتل وهو ابن أربع وتسعين سنة.   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 439، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب عمار بن ياسر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (5669) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 421. [ (4) ] (المستدرك) : 3/ 435، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب عمار بن ياسر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (5657) ، أورده الحافظ الذهبي في (التلخيص) مختصرا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 199 قال ابن عمر [ (1) ] : وحدثني عبد اللَّه بن الحارث عن أبيه عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة بن ثابت رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يوم الجمل وهو لا يسلّ سيفا [وشهد صفين] [ (2) ] فقال: أن لا أضل أبدا بقتل عمار، قال خزيمة: قد حانت له الضلالة ثم اقترب فقاتل حتى قتل. وكان الّذي قتل عمار أبو غادية المزني، طعنه برمح فسقط، وكان يومئذ يقاتل وهو ابن أربع تسعين سنة، فلما وقع أكب عليه رجل آخر فاحتز رأسه فأقبلا يختصمان، كلاهما يقول: أنا قتلته، فقال عمرو بن العاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: واللَّه إن تختصمان إلا في النار، فسمعها منه معاوية رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو: وما رأيت مثل ما صنعت يوم بذلوا أنفسهم دوننا، نقول لهم: إنكم تختصمان في النار، فقال له عمرو: واللَّه ذاك، واللَّه إنك لتعلمه، ولوددت أني مت من قبل هذا بعشرين سنة. يقال: إن الّذي قتلة ابن الحارث وشريك بن سميّ اشتركا فيه. وخرج الحاكم [ (3) ] وأحمد [ (4) ] من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أخبره قال: لما قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قتل عمار وقد سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية، فقال له معاوية: أنحن قتلناه؟ إنما قتله عليّ وأصحابه، جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا، أو قال: سيوفنا. قال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه بهذه السياقة.   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 436، حديث رقم (5659) وقال: صحيح على شرطها، ولم يخرجاه بهذه السياقة، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (4) ] (مسند أحمد) : 5/ 224، حديث رقم (17324) من حديث عمرو بن العاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 200 قال المؤلف- رحمه اللَّه: إن كان عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه هو الّذي قتل عمارا إلا أنه جاء به حتى قاتل فقتل، فقياسه أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هو الّذي قتل [حمزة] ، لأنه هو الّذي جاء به حتى قتل يوم أحد، ومعاذ اللَّه من ذلك، فما قتل عمارا إلا البغاة أهل الشام كما قتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء مشركو مكة. وخرّج الحاكم [ (1) ] من حديث عطاء بن مسلم الحلبي قال: سمعت الأعمش يقول: قال أبو عبد الرحمن السلمي: شهدت صفين فكنا إذا تواعدنا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، ودخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، فرأيت أربعة يسيرون: معاوية بن أبي سفيان، وأبو الأعور السلمي، وعمرو بن العاص، وابنه، فسمعت عبد اللَّه بن عمرو يقول لأبيه عمرو: قد قتلنا هذا الرجل وقد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيه ما قال! قال: أي رجل؟ قال عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المسجد فكنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين لبنتين، وأنت ممن حضر، قال: أما إنك ستقتلك الفئة الباغية وأنت من أهل الجنة، فدخل عمرو على معاوية فقال: قتلنا هذا الرجل وقد قال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما قال؟ فقال: اسكت فو اللَّه ما تزال ترحض في بولك! أنحن قتلناه؟ إنما قتله عليّ وأصحابه، جاءوا به حتى ألقوه بيننا. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: إني لأعجب كيف ذهل الحاكم أبو عبد اللَّه عن هذا الوهم؟ فإن عمرو بن العاص لم يحضر بناء مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بلا خلاف، فإنه كان يوم بنائه على دين قومه، وإنما أسلم بعد ذلك بسنتين في سنة ثمان قبل الفتح، وقيل: أسلم بين الحديبيّة وخيبر، وقيل: أسلم عام خيبر، والصحيح أنه أسلم في صفر سنة ثمان قبل الفتح بستة أشهر، ولا خلاف في أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بني مسجده عند قدومه إلى المدينة مهاجرا.   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 436- 437، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب عمار بن ياسر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (5660) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : هو كما ترى خطأ، فأين كان عمرو وابنه يوم بناء المسجد؟ وعطاء ضعفه أبو داود. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 201 وخرج أيضا من حديث ابن وهب قال: أخبرني إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، سمعت عمار بن ياسر بصفين في اليوم الّذي قتل فيه وهو ينادي: أزلفت الجنة، وزوجت الحور العين، اليوم نلقي حبيبنا محمدا، عهد إليّ إن آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن [ (1) ] . قال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. وخرج من حديث أبي أسامة، حدثنا مسلم بن عبد اللَّه الأعور عن حبة العرني قال: دخلنا مع أبي مسعود الأنصاري على حذيفة بن اليمان أساله عن الفتن فقال: دوروا مع كتاب اللَّه حيث دار، وانظروا الفئة التي فيها ابن سمية فاتبعوها فإنه يدور مع كتاب اللَّه حيث ما دار. قال: فقلنا له: ومن ابن سمية؟ قال: عمار بن ياسر فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول له لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية، تشرب شربة ضياح تكون آخر رزقك من الدنيا [ (2) ] . ولعبد الرزاق عن معمر، عن من سمع الحسن يحدث عن أبيه عن أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يبنون المسجد فجعل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يحمل كل رجل منهم لبنة [ويحمل عمار لبنتين] فقام إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فمسح ظهره، وقال: ابن سمية لك أجران [ (3) ] وللناس أجر، آخر زادك شربة من لبن وتقتلك الفئة الباغية. وخرج البيهقي [ (4) ] من حديث عمار الذّهني عن سالم بن أبي الجعد قال جاء رجل إلى عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: يا أبا عبد الرحمن! إن اللَّه قد أمّننا من أن يظلمنا، ولم يؤمننا من أن يفتننا، أرأيت إن أدركت فتنة؟ قال: عليك بكتاب اللَّه، قال: أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 439، حديث رقم (5668) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5676) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (3) ] سبق تخريجه. [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 421- 422، باب ما جاء في إخباره عن الفئة الباغية منهما بما جعله علامة لمعرفتهم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 202 كتاب اللَّه؟ قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إذا اختلفت الناس كان ابن سمية مع الحق. ومن طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن عيينة قال: أخبرني عمرو بن دينار عن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما: أما علمت أنا كنا نقرأ: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ [ (1) ] «في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله» قال: فقال عبد الرحمن ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كان بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء [ (2) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالحكمين اللذين حكما بين عليّ ومعاوية بعد صفّين فخرج البيهقي [ (3) ] من حديث قتيبة بن سعيد قال: حدثنا جرير عن زكريا بن يحيى [ (4) ] ، عن عبد اللَّه بن يزيد، وحبيب بن يسار عن سويد بن غفلة قال: إني لأمشي مع عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بشطّ الفرات، فقال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلّا وأضلّا، وأن هذه الأمة ستختلف، فلا يزال اختلافهم بينهم حتى   [ (1) ] الحج: 78 [ (2) ] (المرجع السابق) : 422. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 423، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عن الحكمين اللذين بعثا في زمان عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (4) ] ترجمته في (ميزان الاعتدال) : 2/ 75، وفيه: زكريا بن يحيى الكندي، عن الشعبي، قال يحيى: ليس بشيء، قلت: وكان ضريرا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 203 بعثوا حكمين فضلا وأضلّا، وأن هذه الأمة ستختلف، فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين، فضلّا وضلّ من اتبعهما [ (1) ] . وفي (كتاب صفين) ، حدثنا عبد الرحمن المسعودي عن صفوان بن موسى البارقي عن سويد بن غفلة، قال: كنت أساير أبا موسى الأشعري على شاطئ الفرات فقال: يا سويد حدثني، فقلت: أحدثك وأنت صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن الفتن لم تزل ببني إسرائيل تخفضهم وترفعهم، حتى حكموا حكمين ضلا وضل من اتبعهما، وإن الفتن لم تزل بهذه الأمة تخفضهم وترفعهم، حتى يحكما حكمين يضلان ويضل من تبعهما، قال سويد بن غفلة: فقلت: يا أبا موسى فلعل أحدهما، قال: فأخذ بأسفل ثوبه ثم قال: اللَّهمّ يوم يكون أبو موسي ذلك فلا تجعل له في السماء مصعدا ولا في الأرض مهبطا، فقال سويد: فما مات حتى رأيته أحدهما [ (2) ] .   [ (1) ] وعن البيهقي نقله الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 240- 241 وقال: هكذا أورده ولم يبين شيئا من أمره، وهو حديث منكر جدا، وآفته من زكريا بن يحيى هذا، وهو الكندي الحميري الأعمى. قال ابن معين: ليس بشيء. والحكمان كانا من خيار الصحابة وهما عمرو بن العاص السهمي، من جهة أهل الشام، والثاني أبو موسى عبد اللَّه بن قيس الأشعري، من جهة أهل العراق، وإنما نصبا ليصلحا بين الناس ويتفقا على أمر فيه رفق بالمسلمين، وحقن لدمائهم، وكذلك وقع، ولم يضل بسببها إلا فرقة الخوارج من حديث أنكروا على الأميرين التحكيم، وخرجوا عليهما وكفروهما. حتى قاتلهم علي بن أبي طالب، وناظرهم ابن عباس، فرجع منهم شرذمة إلى الحق، واستمر بقيتهم حتى قتل أكثرهم بالنهروان وغيره من المواقف المرذولة عليهم. [ (2) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 204 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن مارقة تمرق بين طائفتين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق فخرجوا على عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى اللَّه عنه وقتلهم فاقتضي ذلك أنه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه على الحق فخرج مسلم [ (1) ] من حديث القاسم بن الفضل الحداني قال: حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق. وخرج من حديث أبي عوانه [ (2) ] عن قتادة، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تكون في أمتي فرقتان فتخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق. ومن حديث سفيان عن حبيب [ (3) ] بن أبي ثابت عن الضحاك المشرقي عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في حديث ذكر فيه قوما يخرجون على فرقة مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين من الحقّ. وخرج البيهقي [ (4) ] من طريق يعقوب بن سفيان الحميدي، حدثنا سفيان عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي قال: خطبنا الحسن بن على بالنخيلة حين صالح معاوية فقام فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: إن أكيس الكيس التّقي، وإن أعجز العجز الفجور، وإن هذا الأمر الّذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق أتركه لمعاوية   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 174، كتاب الزكاة، باب (47) ذكر الخوارج وصفاتهم، حديث رقم (150) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (51) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (152) ، (153) . [ (4) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 163، أحداث سنة (41) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 205 إرادة استصلاح المسلمين وحقن دماءهم، وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ [ (1) ] أقول قولي هذا، وأستغفر اللَّه لي ولكم. وخرج من طريق حمّاد بن واصل قال: حدثتني فاطمة بنت الحارث عن أبيها أن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يقول: الحسن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خالع سرباله. ومن طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت يزيد بن حمير يحدث أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يحدث عن أبيه قال: قلت للحسن بن علي: إن الناس يقولون إنك تريد الخلافة قال: قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت تركتها ابتغاء وجه اللَّه وحقن دماء أمة محمد، ثم ابتزها بأتياس أهل الحجارة. قال المؤلف- رحمه اللَّه: كان أبو عبد اللَّه الحسن بن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أعلم باللَّه وأخوف له وأشحّ على دينه وأفقه من أن يأخذ بالإمامة التي وجبت له من اللَّه ورسوله عرضا من الدنيا، أو يعتاض بها شيئا من معاوية، وإنما كان الأمر في ذلك أنه ندب الناس إلي حرب معاوية وجهد فيه ووجّه قيس بن سعد وعبد اللَّه بن عباس على مقدمته، وأتبعهم بنفسه مرتحلا في عسكره فاختلف أصحابه عليه ميلا منهم إلى إيثار الدنيا، وغشوه وكاتبو معاوية، وسألوه الدنيا الخبيثة، ثم وثبوا على الحسن فانتبهوا رحله، فلما لم يجد رحمه اللَّه للحق ناصرا، ولا لدين اللَّه ثائرا، ولا معينا، إلا شرذمة قليلة، خاف إن هو حارب بهم أن يصطلموا فلم يبق لدين اللَّه ناصر، ولا داع إليه، ولا قائم بحقه، فضن بأهل بيته عن الهلكة، كما فعل أبوه أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، كرم اللَّه وجهه، فلما رأى الحسن رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من فعل من معه، ما استدل به على خلافهم له، وميلهم   [ (1) ] الأنبياء: 111. وأخرجه البيهقي في (الدلائل) : 6/ 444- 445، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بسيادة ابن ابنته الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وإصلاحه بين فئتين عظيمتين من المسلمين فكان كما أخبر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 206 عنه إلى الدنيا، وزهدهم في الآخرة، ورفضهم الحق، لم يسعه فيما بينه وبين اللَّه عز وجل إلا الإبقاء على نفسه وأهل بيته فراوغ حينئذ معاوية، ووثق في الشرط عليه، والأمان للناس جميعا، وأخذ عليه أشد ما أخذ اللَّه على أحد بالوفاء، إعطاء من نفسه، مثل ما دخل فيه عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من الشورى، فتنبه رحمك اللَّه لما أوضحته، ولا تكن كأحد اثنين: أحدهما يرى أن الحسن حين رغب، عن معاوية حتى أنبه وقال: يا مسود وجوه المؤمنين [ (1) ] ! والثاني لقلة تفطنه أن الحسن باع الإمامة بعرض من الدنيا حتى لقد جعل ذلك بعض من زعم أنه فقيه، دليلا على بيع الجند الإقطاعات، والفقهاء الوظائف، وما كان الأمر إلا ما أوضحته، فتنبه لعلل الحوادث، وافحص عن أسباب الموجود، أن تظفر بأسرار اللَّه الكامنة في طي مخلوقاته، واحذر أن تعدّ من الذين يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ [ (2) ] فتكون ممن انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ [ (3) ] نسأل اللَّه العصمة في القول والعمل، من الزيغ والزلل. [آمين] .   [ (1) ] فقال: لا تعذلني، فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رأى في المنام بنى أمية ينزون على منبره رجلا فرجلا، فساءه ذلك، فأنزل اللَّه عز وجلّ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ وهو نهر في الجنة، إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إلى قوله تعالى: خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ يملكها بعدك بنو أمية. (الكامل في التاريخ) : 4/ 407، ذكر تسليم الحسن بن عليّ الخلافة إلى معاوية، في أحداث سنة إحدى وأربعين. [ (2) ] الروم: 7. [ (3) ] الحج: 11. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 207 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بملك معاوية فخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث عبد اللَّه بن نمير، عن إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر [ (1) ] قال: سمعت عبد اللَّه بن عمير قال: قال معاوية: ما زلت أطمع في الخلافة مذ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما قال: إن ملكت يا معاوية فأحسن. وخرج البيهقي [ (2) ] من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن إسماعيل، عن عبد اللَّه قال: قال معاوية: واللَّه ما حملني على الخلافة إلا قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إن ملكت فأحسن. قال البيهقي: إسماعيل بن إبراهيم هذا ضعيف عند أهل المعرفة بالحديث غير أن لهذا الحديث شواهد. قال المؤلف- رحمه اللَّه: إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر البجلي كوفي: قال الدارميّ: سألت يحيى عنه فقال: هو ضعيف وقال عباس عنه: إبراهيم بن مهاجر ضعيف وابنه إسماعيل ضعيف. وقال عبد اللَّه بن أحمد: سألت أبي عنه عن إبراهيم بن مهاجر فقال: ليس به بأس وسألته عن ابنه إسماعيل فقال: أقوى في الحديث منه وقال البخاري: إسماعيل بن إبراهيم بن   [ (1) ] ذكره العقيلي في (الضعفاء الكبير) : 1/ 73 وضعفه، وقال ابن حبان في (المجروحين) : 1/ 122: إسماعيل بن مهاجر الكوفي، يروي عن أبيه وعبد الملك بن عمير روى عنه أبو نعيم والكوفيون، كان فاحش الخطأ. وقال الحافظ الذهبي في (ميزان الاعتدال) : 1/ 112، ترجمة رقم (827) : إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي الكوفي، عن أبيه وعبد الملك بن عمير، وعنه أبو نعيم وطائفة، ضعفه غير واحد وقال البخاري: في حديثه نظر، وقال أحمد: أبوه أقوى منه. قال الحافظ الذهبي: من مناكيره، قال: حدثنا عبد الملك بن عمير، عن عمرو بن حريث ألا يبارك له فيه إلا أن يجعله في مثله. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 446، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بملك معاوية بن أبي سفيان إن صح الحديث فيه، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 208 مهاجر عن أبيه، وعبد اللَّه بن عمير سمع منه أبو نعيم، عنده عجائب وقال، مرة: فيه نظر، وقال ابن عدي: في حديثه بعض النكرة وأبوه خير منه [ (1) ] . وذكر البيهقي [ (2) ] من شواهد حديث إسماعيل بن مهاجر المذكور حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص عن جده سعيد، أن معاوية أخذ الاداوة وتبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فنظر إليه وقال له: يا معاوية إن وليت أمرا فاتق اللَّه واعدل، قال: فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] [حتى ابتليت] [ (4) ] . ومنها حديث راشد بن سعيد، عن معاوية قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إنك إن اتبعت عورات الناس أو عثرات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم يقول أبو الدرداء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: كلمة سمعها معاوية من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فنفعه اللَّه بها [ (5) ] . وخرج البيهقي من حديث يحيى بن معين، ومن حديث عمرو بن عون كلاهما قال: حدثنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن سليمان بن أبي سليمان [ (6) ] ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: الخلافة بالمدينة والملك بالشام.   [ (1) ] راجع ترجمته فيما أشرنا إليه من مراجع في ما سبق من تعليقات. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 446- 447. [ (3) ] أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 69، حديث رقم (16486) ، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (5) ] (سنن أبي داود) : 5/ 199، كتاب الأدب، باب (44) في النهي عن التجسس، حديث رقم (4888) . [ (6) ] ترجمته في (ميزان الاعتدال) : 2/ 211، ترجمة رقم (3476) ، (تهذيب التهذيب) : 4/ 171، لا يكاد يعرف روى عنه العوام بن حوشب وحده، وفي روايته عنه اختلاف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 209 وخرج من طريق يعقوب بن سفيان [ (1) ] قال: حدثنا عبد اللَّه بن يوسف حدثنا يحيى بن حمزه عن زيد بن واقد قال: حدثني بر بن عبد اللَّه قال: حدثني أبو إدريس عائذ اللَّه الخولانيّ، عن أبي الدرداء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: بينما أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصرى فعمد به إلى الشام، وأن الإيمان حين تقع الفتنة بالشام [ (2) ] . قال البيهقي: هذا إسناد صحيح وروي من وجه آخر فذكره من طريق عقبة بن علقمة قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن عطية بن قيس، عن عبد اللَّه بن عمرو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام. وذكره من حديث الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن يونس بن ميسرة، عن عبد اللَّه بن عمر. ومن حديث الوليد قال: حدثني عفير بن معدان أنه سمع سليم بن عامر يحدث عن أبي أمامة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فذكره [ (3) ] . ومن حديث أبي ضمرة محمد بن سليمان السلمي قال: حدثني عبد اللَّه ابن أبي قيس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه   [ () ] قال إسحاق بن منصور عن ابن معين لا أعرفه روى له الترمذي حديثا واحدا لما خلق اللَّه الأرض جعلت تميد. قلت: ذكره ابن حبان في الثقات في التابعين، وقال الدار الدّارقطنيّ في (العلل) : مجهول لم يرو عنه غير قتادة فهذا يؤيده. ترجمة رقم (333) . [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 448- 449. [ (2) ] أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 222، حديث رقم (17321) من حديث عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال فيه: «حيث تقع الفتن بالشام» وفي (الأصل) : «في الشام» . [ (3) ] (المرجع السابق) : 448. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 210 يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: رأيت عمودا من نور خرج من تحت رأسي ساطعا حتى استقر بالشام [ (1) ] . وخرج عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبد اللَّه بن صفوان قال: قال رجل يوم صفين: اللَّهمّ العن أهل الشام فقال عليّ رضي اللَّه تبارك تعالى عنه: لا تسب أهل الشام جمّا غفيرا فإن بها الأبدال [ (2) ] ، فإن بها الأبدال، فإن بها الأبدال. وروى أبو سعيد، عن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المصري من طريق يحيى بن عبد اللَّه بن بكير أخبرني عبد اللَّه بن سويد، عن عياش بن عباس الكنعي، عن أبي خارجة أنه خرج إلى عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في زمانه ليقاتل معه، فسمعته يقول: إنما أنا سبط من الأسباط أقاتل على حق، ولن يقوم والأمر لهم واللَّه تبارك وتعالى أعلم بالصواب.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 449. [ (2) ] (المرجع السابق) : 449، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على (المسند) : إسناده ضعيف لانقطاعه، شريح بن عبيد الحمصي لم يدرك عليا، بل لم يدرك إلا بعض متأخري الوفاة من الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم. وقال الحافظ الذهبي في (سير الأعلام) : في (مسند أحمد) جملة من الأحاديث الضعيفة، مما يسوغ نقلها، ولا يجب الاحتجاج بها، وفيه أحاديث معدودة شبه موضوعة، لكنها قطرة في بحر. وللسخاوي في (المقاصد الحسنة) : 43- 47، كلام كثير، ذكره تعليقا على الحديث رقم (8) ، حديث الأبدال، وقال: له طرق عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مرفوعا بألفاظ مختلفة، كلها ضعيفة. وراجع في ذلك: (كشف الخفا) : حديث رقم (35) ، (ضعيف الجامع الصغير) : حديث رقم (2266) ، (الأسرار المرفوعة) : حديث رقم (67، 491) ، (اللآلئ المصنوعة) : 2/ 2/ 330، و (حلية الأولياء) : 1/ 8، و (الفوائد المجموعة) : 245. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 211 وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في موت ميمونة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بغير مكة فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عبد الواحد ابن زياد حدثنا عبد اللَّه بن الأصم: نقلت ميمونة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بمكة وليس عندها من بني أختها أحد فقالت: أخرجوني من مكة فإنّي لا أموت بها، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخبرني أني لا أموت بمكة، فحملوها حتى أتوا بها سرف، إلى الشجرة التي بني بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحتها، في موقع القبة، فماتت. ومن حديث عفان قال [ (2) ] : حدثنا عبد الواحد بن زياد فذكره وزاد: فماتت، فلما وضعتها في لحدها أخذت ردائي فوضعته تحت خدها في اللحد فأخذه ابن عباس فرمى به. وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في ركوب أم حرام البحر مع غزاة في سبيل اللَّه كالملوك على الأسرة فخرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 437، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم زوجته ميمونة بنت الحارث رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنها لا تموت بمكة، فماتت بسرف سنة ثلاث وثلاثين. [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 12، كتاب الجهاد والسير، باب (3) الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء، حديث رقم (2788) ، (2789) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 61- 62، كتاب الإمارة، باب (49) فضل الغزو في البحر، حديث رقم (1912) . وفيه معجزات للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم منها إخباره ببقاء أمته بعده وأنه تكون لهم شوكة وقوة وعدد، وأنهم يغزون، وأنهم يركبون البحر، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها الجزء: 12 ¦ الصفحة: 212 كان يدخل على أم حرام بنت ملحان، فتطعمه، وكانت أم حرام بنت ملحان تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه فنام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت يا رسول اللَّه ما يضحكك؟ قال: ناس من أمتي غزاة في سبيل اللَّه يركبون ثبج البحر   [ () ] تكون معهم وقد وجد بحمد اللَّه تعالى كل ذلك. وفيه فضيلة لتلك الجيوش وأنهم غزاة في سبيل اللَّه. واختلف العلماء متى جرت الغزوة التي توفيت فيهما أم حرام في البحر وقد ذكر في هذه الرواية في مسلم أنها ركبت البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها فهلكت قال القاضي: قال أكثر أهل السير والأخبار أن ذلك كان في خلافة عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأن فيها ركبت أم حرام وزوجها الى قبرس فصرعت عن دابتها هناك. فتوفيت ودفنت هناك. وعلى هذا يكون قوله في زمان معاوية معناه في زمان غزوة في البحر لا في أيام خلافته قال: وقيل: بل كان ذلك في خلافته قال وهو أظهر في دلالة قوله في زمانه. وفي هذا الحديث جواز ركوب البحر للرجال والنساء وكذا قاله الجمهور، وكره مالك ركوبه للنساء لأنه لا يمكنهن غالبا التستر فيه ولا غض البصر عن المتصرفين فيه ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن لا سيما فيما صغر من السفيان مع ضرورتهن إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال. قال القاضي- رحمه اللَّه تعالى- وروى عن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- منع ركوبه، وقيل: إنما منعه العمران للتجارة وطلب الدنيا لا للطاعات وقد روى ابن عمر، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم النهي عن ركوب البحر إلا لحاج أو معتمر أو غاز. وضعف أبو داود هذا الحديث وقال: رواته مجهولون واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن في القتال في سبيل اللَّه تعالى والموت فيه الأجر، لأن أم حرام ماتت ولا دلالة فيه لذلك لأنه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يقل: إنهم شهداء، إنما يغزون في سبيل اللَّه، ولكن قد ذكر مسلم في الحديث الّذي بعد هذا بقليل حديث زهير بن حرب من رواية أبي هريرة من قتل في سبيل اللَّه فهو شهيد، ومن مات في سبيل اللَّه فهو شهيد، وهو موافق لمعنى قول اللَّه تعالى: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 213 ملوكا على الأسرة، أو كالملوك على الأسرة، تشك أيهما، قال: قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، قال: ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه كما قال في الأول، قال: فقلت يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت. وخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث مالك بهذا الإسناد مثله أو نحوه ولم يقل: تشك أيهما، قال: ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. قال: وأم حرام بنت ملحان هي أخت أم سليم وهي خاله أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وترجم عليه البخاري باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء. وخرج في كتاب الاستئذان [ (2) ] من حديث مالك بهذا الإسناد: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل إلى أم حرام بنت ملحان فتطعمه ... الحديث. وخرجه أبو داود [ (3) ] عن مالك به وقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل إلى أم حرام، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل يوما. الحديث. وخرجوه من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حيان، عن أنس، وترجم عليه البخاري باب ركوب البحر [ (4) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 152- 153، كتاب فضائل الجهاد، باب (15) ما جاء في غزو البحر، حديث رقم (1645) . [ (2) ] باب (41) من زار قوما فقال عندهم، حديث رقم (6282) ، (6283) . [ (3) ] (سنن أبي داود) : 3/ 14، كتاب الجهاد، باب (10) فضل الغزو في البحر، حديث رقم (2490) . [ (4) ] (سنن النسائي) : 6/ 347- 348، كتاب الجهاد، باب (40) فضل الجهاد في البحر، حديث رقم (3171) ، وثبيج البحر: أي وسطه ومعظمه. وأخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب (75) ركوب البحر، حديث رقم (2894) ، (2895) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 214 وخرجه البخاري [ (1) ] من حديث الليث، عن محمد بن يحيى بن حيان، عن أنس، عن أم حرام. ومن حديث أبي إسحاق عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أنس [ (2) ] . وخرجه في باب ما قيل في قتال الروم [ (3) ] من حديث ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان أن عمير بن الأسود العقبي حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو نازل في ساحل حمص، وهو في بناء له، ومعه أم حرام، قال عمير: فحدثتنا أم حرام: أنها سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أول جيش من أمتى يغزون البحر قد أوجبوا، قالت أم حرام: قلت: يا رسول اللَّه أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم، قالت: ثم قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أول جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور لهم، فقلت أنا فيهم يا رسول اللَّه؟ قال: لا. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: وكان ركوب أم حرام البحر مع زوجها عبادة بن الصامت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فلما وصلوا إلى جزيرة قبرس، خرجت من البحر فقربت إليها دابة لتركبها، فصرعتها، وماتت فذهبت في موضعها، وذلك في خلافة عثمان رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنه سنة ثمان وعشرين، وأمير تلك الغزاة معاوية بن أبي سفيان، فقد تضمن هذا الخبر ضروبا من علامات النبوة منها: إعلامه ببقاء أمته بعده، وأن فيهم أصحاب قوة وشوكه ونكاية في العدو، وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزو البحر، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها تكون مع من يغزو البحر، وأنها تدرك زمان الغزوة.   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 21- 22، كتاب الجهاد والسير، باب (8) فضل من يصرع في سبيل اللَّه فمات وهو منهم، وقول اللَّه عزّ وجلّ: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء: 100] ، وقع: وجب، حديث رقم (2799- 2800) ، وفي الإسناد تابعيان، هو وشيخه، وصحابيان، أنس وخالته، وكان ذلك سنة ثمان وعشرين في خلافه عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، (فتح الباري) . [ (2) ] (المرجع السابق) : باب (63) غزو المرأة في البحر، حديث رقم (2877) (2878) [ (3) ] (المرجع السابق) : باب (93) ما قيل في قتال الروم، حديث رقم (2924) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 215 قال ابن عبد البر: وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه فإنه أراد- واللَّه أعلم- أنه رأى الغزاة في البحر من أمته ملوكا على الأسرة في الجنة ورؤياه وحي، ويشهد لقوله: ملوكا على الأسرة، ما ذكر اللَّه تعالى في أهل الجنة عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ [ (1) ] قال أهل التفسير: الأرائك السرر في الحجال، ومثله قوله تعالى: عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ [ (2) ] وهذا الحديث إنما ورد تنبيها على فضل الجهاد في البحر وترغيبا فيه.   [ (1) ] ياسين: 56. [ (2) ] الحجر: 47. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 216 وأما ظهور صدقة في إخباره [بتكلم] رجل [من أمته] بعد موته [من خير التابعين فكان كما أخبر] فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن موسى قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن خراش، قال: أتيت فقيل لي: إن أخاك قد مات فجئت فوجدت أخى مسجّى، فأنا عند رأسه أستغفر له وأترحم عليه، إذا كشف الثوب عن وجهه فقال: السلام عليكم، فقلت: سبحان اللَّه أبعد الموت؟! قال: بعد الموت، إني قدمت على اللَّه عز وجل بعدكم، فتلقيت بروح وريحان، ورب غير غضبان، وكساني ثيابا خضرا من سندس وإستبرق، ووجدت الأمر أيسر مما تظنون، وتتكلوا. إني استأذنت ربي أن أخبركم وأبشركم، فاحملوني إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقد عهد اليّ أن لا أبرح حتى ألقاه ثم طفى كما هو. قال البيهقي [ (2) ] هذا إسناد صحيح لا يشك حديثي في صحته. وخرج أيضا من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق [ (3) ] ، عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن خراش، قال: توفى أخى وكان أصومنا في اليوم الحار، وأقومنا في الليلة الباردة، فسجيته [ (4) ] ، وخرجت في شراء كفنه، فرجعت إليه، أو قال: البيت، وقد كشف الثوب عن وجهه، وقال: السلام عليكم، فقلنا: بعد الموت؟! قال: نعم، إني قدمت على ربي بعدكم، فتلقاني بروح وريحان، ورب غير غضبان، وكساني ثيابا خضرا من سندس وإستبرق، وإني لقيت محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد أقسم أن لا أبرح حتى آتيه،   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 454، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بتكلم رجل من أمته بعد موته من خير التابعين فكان كما أخبر. [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 454- 455. [ (4) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «فجئته» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 217 فعجلوا بى، ولا تحبسونى [ (1) ] ، والأمر أيسر مما في أنفسكم، فلا تغتروا، قال: فما شبهت نفسه عند ذلك إلا حصاة ألقيتها في ماء فرسبت. قال: فذكرت ذلك لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: قد بلغنا أنه سيكون في هذه الأمة رجل يتكلم بعد موته [ (2) ] . ومن طريق أبي بكر بن أبي الدنيا قال: حدثنا شريح بن يونس، حدثنا خالد بن نافع، عن علي بن عبد اللَّه الغطفانيّ، وحفص بن يزيد، قالا: بلغنا أن ابن خراش حلف أن لا يضحك أبدا حتى يعلم أهو في الجنة أو في النار، فمكث كذلك لا يراه أحد يضحك حتى مات، فذكر نحو حديث عبد الملك بن عمير، غير أنه قال: فبلغ ذلك عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: صدق أخو بني عيسى رحمه اللَّه، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول يتكلم رجل من أمتي بعد الموت من خير التابعين [ (3) ] . ومن حديث شريك عن منصور [ (4) ] ، عن ربعي قال: مات الربيع فسجيته فضحك، فقلت يا أخى أحياة بعد الموت؟ قال: لا، ولكن لقيت ربي تبارك وتعالى فلقيني بروح وريحان، ووجه غير غضبان، فقلت: كيف رأيت الأمر؟ قال: يسر ولا تغتروا، قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: صدق ربعي، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: من أمتي من يتكلم بعد الموت.   [ (1) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «تجسونى» . [ (2) ] (دلائل النبوة) : 6/ 454- 455، وأخرجه الحافظ أبو نعيم في (حلية الأولياء) : 4/ 367- 368 ، ترجمة ربعي بن خراش رقم (281) بسياقة أتم. [ (3) ] (المرجع السابق) : 455. [ (4) ] (المرجع السابق) : 455. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 218 وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في قتل نفر من المسلمين ظلما بعذراء [ (1) ] من أرض الشام [فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] فخرج البيهقي [ (3) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا ابن بكير قال: حدثني ابن لهيعة، قال: حدثني الحارث بن سويد، عن عبد اللَّه بن زرير الغافقي، قال: سمعت عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود، فقتل حجر وأصحابه، قال يعقوب: قال أبو نعيم: ذكر زياد بن سمية، على بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على المنبر، فقبض حجر على الحصباء ثم أرسلها، وحصبت من حوله زيادا، فكتب إلى معاوية يقول إن حجرا حصبني وأنا على المنبر، فكتب إليه معاوية: أن يحمل إليه حجرا، فلما قرب من الشام بعث من يتلقاهم فالتقى معهم بعذراء فقتلهم. قال البيهقي: لا يقول عليّ مثل هذا إلا بأن يكون سمعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقد روى عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بإسناد مرسل مرفوعا فذكر من طريق يعقوب بن سفيان، قال: حدثني حرملة قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: دخل معاوية على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: ما حملك على قتل أهل   [ (1) ] عذراء: بالفتح ثم السكون والمد، وهو في الأصل الرملة التي لم توطأ، والدرة العذراء التي لم تتقب. وهي قرية بغوطة دمشق من إقليم خولان معروفة، وبها منارة، وبها قتل حجر بن عدي الكندي، وبها قبره، وقيل إنه هو الّذي فتحها. (معجم البلدان) : 4/ 103، موضع رقم (8251) ، مختصرا. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] دلائل البيهقي) : 6/ 456، باب ما روي في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بقتل نفر من المسلمين ظلما بعذراء من أرض الشام، فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 219 عذراء، حجر وأصحابه، فقال: يا أم المؤمنين، رأيت قتلهم صلاحا للأمة، وأن بقاءهم فساد للأمة، فقالت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول سيقتل بعذراء ناس يغضب اللَّه لهم، وأهل السماء [ (1) ] . قال ابن عساكر: رواه ابن المبارك، عن ابن لهيعة فلم يرفعه. وذكر بإسناد آخر، فأخرجه من حديث عبد اللَّه بن المبارك، عن ابن لهيعة، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، أن معاوية حج فدخل على عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها فقالت: يا معاوية! قتلت حجر بن الأدبر وأصحابه؟ أما واللَّه لقد بلغني أنه سيقتل سبعة نفر يغضب اللَّه لهم وأهل السماء. وخرج البيهقي من طريق يعقوب حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن مروان بن الحكم، قال: دخل معاوية على أم المؤمنين عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: سمعت يا معاوية أنك قتلت حجرا وأصحابه، وفعلت [ (2) ] ما فعلت، أما خشيت أنّ اختبأ لك رجل [ (3) ] فيقتلك؟ فقال: لا، إني في بيت أمان، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن يا أم المؤمنين، كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك وأمرك؟ قالت: صالح، قال: فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 457. [ (2) ] في (المرجع السابق) : «وفعلت الّذي فعلت» . [ (3) ] في (المرجع السابق) : «اختبأ لك رجلا» ، وما أثبتناه حق اللغة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 220 وأما ظهور صدقه فيمن قتل عمرو بن الحمق بن الكاهن ابن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو ابن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي الكعبي [ (1) ] فذكر الحافظ أبو القاسم على بن الحسن بن هبة اللَّه بن عساكر في (تاريخه) من طريق غياث بن إبراهيم، عن الأجلح بن عبد اللَّه الكندي، قال: سمعت زيد بن علي وعبد اللَّه بن الحسن وجعفر بن محمد، ومحمد بن عبد اللَّه ابن الحسن يذكرون تسمية من شهد مع عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كلهم ذكره عن آبائه، وعمن أدرك من أهله، وسمعته أيضا من غيرهم فذكرهم، وذكر فيهم عمرو بن الحمق الخزاعي وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال له: يا عمرو، أتحب أن أريك آية الجنة؟ قال: نعم يا رسول اللَّه، فمرّ عليّ فقال هذا وقومه آية الجنة، فلما قتل عثمان وبايع الناس عليا رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لزمه، وكان معه حتى أصيب، ثم كتب معاوية في طلبه، وبعث من يأتيه به. قال الأجلح: فحدثني عمران بن سعيد البجلي، وكان مؤاخيا لعمرو بن الحمق، أنه خرج معه حين طلب، فقال لي: يا رفاعة، إن القوم قاتليّ، رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخبرنى أن الجن والإنس تشترك في دمي، وقال لي: يا عمرو إن أمّنك رجل على دمه فلا تقتله فتلقى اللَّه بوجه غادر [ (2) ] ، قال رفاعة: فما أتم حديثه حتى رأيت أعنة الخيل فودعته وواثبته حية فلسعته، وأدركوه، فاحتزوا رأسه، فكان أول رأس أهدي في الإسلام. وذكر من طريق أبي سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد العامري، قال: حدثنا موسى بن زياد أبي هارون الزيات قال: حدثنا على بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبيد اللَّه بن علي بن أبي رافع، عن عون بن عبيد اللَّه بن أبي   [ (1) ] النسب في (الأصل) أطول من ذلك، واكتفينا بما أمكن تحقيقه من (الإصابة) : 4/ 623- 624، ترجمة رقم (5822) ، (الاستيعاب) : 3/ 1173- 1174، ترجمة رقم (1909) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 482- 483. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 221 رافع عن أبيه عبيد اللَّه، قال: قال موسى بن زياد: حدثنا يحيى بن يعلى عن محمد بن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه، عن جده، وعن ابن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه، قال علي بن هاشم في حديثه وكان عبيد اللَّه بن أبي رافع كاتب عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه واللفظ لعبيد اللَّه بن كثير في تسمية من شهد مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من قريش، والأنصار، ومن مهاجري العرب، فذكرهم، وذكر فيهم عمرو بن الحمق الخزاعي، بقي بعد عليّ فطلبه معاوية ليقتله فهرب منه نحو الجزيرة ومعه رجل من أصحاب علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقال له زاهر، فلما نزلا الوادي نهشت عمرا حية من جوف الليل، فأصبح منتفخا، فقال لزاهر تنح عني فإن خليلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد أخبرني أني سيشترك في دمي الجن والإنس، ولا بد لي أن أقتل، فقد أصابتنى بلية الجن بهذا الوادي، فبينما هما على ذلك إذ رأيا نواصي الخيل في طلبه، فأمر زاهرا يتغيب، فإذا قتلت فإنّهم يأخذون رأسي فارجع إلى جسدي فادفنه، فقال له زاهر: بل أنشر نبلى فأرميهم حتى إذا فنيت نبلى قتلت معك، قال: لا، ولكنى سأزودك مني بما ينفعك اللَّه به، فاسمع منى آيه الجنة، محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، وعلامتهم عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وتوارى زاهر، فأقبل القوم فنظروا إلى عمرو فنزل إليه رجل منهم أدم فقطع رأسه، وكان أول رأس في الإسلام نصب، وخرج زاهر إليه فدفنه، ثم بقي حتى قتل الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بالطف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 222 وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في إشارته إلى كيف يموت سمرة بن جندب [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث سفيان قال: حدثنا عبيد اللَّه بن معاذ حدثنا أبي، حدثنا شعبة عن أبي [مسلمة عن أبى] [ (3) ] نضرة، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال لعشرة في بيت من أصحابه: آخركم موتا في النار فيهم سمرة ابن جندب. قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتا. قال البيهقي: رواته ثقات، إلا أن أبا نضرة العبديّ لم يثبت له عن أبي هريرة سماع. وروى من وجه آخر موصولا، عن أبي هريرة فذكره من طريق يونس ابن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن حكيم الضبيّ قال: كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة فيسألنى فلا يبدأ بشيء حتى يسألنى عن سمرة، فإذا أخبرت بحياته وصحته فرح وقال: إنا كنا عشرة في بيت، وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قام علينا [ (4) ] فنظر في وجوهنا، وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: آخركم موتا في   [ (1) ] هو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، من علماء الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، نزل البصرة. له أحاديث صالحة، حدّث: ابنه سليمان، والحسن البصري، وابن سيرين، وجماعة. وبين العلماء فيما روى الحسن عن سمرة اختلاف في الاحتجاج بذلك، وقد ثبت سماع الحسن من سمرة، ولقيه بلا ريب، صرح بذلك في حديثين. وكان زياد بن أبيه يستخلفه على البصرة إذا سار إلى الكوفة، ويستخلفه على الكوفة إذا سار إلى البصرة، وكان شديدا على الخوارج، قتل منهم جماعة. وكان الحسن وابن سيرين يثنيان عليه. رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. مات سمرة سنة ثمان وخمسين. وقيل: سنة تسع وخمسين (تهذيب سير الأعلام) : 1/ 94، ترجمة رقم (269) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 458، باب ما روى في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم نفرا من أصحابه بأن آخرهم موتا في النار. [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «قام فينا» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 223 النار، فقد مات منا ثمانية ولمن يبق غيري وغيره، فليس شيء أحب إليّ من أن أكون قد ذقت الموت وخرج أيضا من طريق حماد عن على بن زيد عن أوس بن خالد، قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة فقلت لأبى محذورة: مالك إذا قدمت عليك وسألتني عن سمرة؟ وإذا قدمت على سمرة سألني عنك؟ فقال إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت، فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: آخركم موتا في النار، فمات أبو هريرة، ثم مات أبو محذورة، ثم سمرة. قال البيهقي: بهذا وبصحبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، نرجو له بعد تحقيق قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] وقد قال بعض أهل العلم: إن سمرة مات في الحريق، فصدق قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وبلغني عن هلال بن العلاء الرقى أن عبد اللَّه بن معاوية حدثهم عن رجل [قد] [ (2) ] سماه: أن سمرة استجمر فغفل عنه أهله، حتى أخذته النار [ (3) ] . وقال: ابن عبد البر [ (4) ] : وكان زياد يستخلفه على البصرة ستة أشهر، وعلى الكوفة ستة أشهر، فلما مات زياد استخلفه على البصرة، فأقره معاوية عليها، عاما أو نحوه، ثم عزله، وكان شديدا على الحرورية، وكان إذا أتى بواحد منهم قتله ولم يقله ويقول: شر قتلى تحت أديم الأرض [ (5) ] يكفرون المسلمين، ويسفكون الدماء، فالحرورية ومن قاربهم في مذهبهم يطعنون عليه وينالون منه. قال: وكانت وفاته بالبصرة [في خلافة معاوية] [ (6) ] سنة ثمان وخمسين، سقط في قدر مملوءة ماء حارا، كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز [شديد] [ (7) ]   [ (1) ] (المرجع السابق) : 459. [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 460. [ (4) ] (الاستيعاب) : 2/ 653- 655، ترجمة سمرة بن جندب رقم (1063) . [ (5) ] كذا في (الأصل) ، وفي (الاستيعاب) : «أديم السماء» . [ (6) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (7) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 224 أصابه فسقط في القدر الحارة فمات، فكان ذلك تصديقا [ (1) ] لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم له ولأبى هريرة، وثالث معهما: آخركم موتا في النار. وروى أبو سعيد بن يونس من حديث داود بن المحبر عن زياد بن عبد اللَّه بن سمرة بن جندب، كان أصابه كزاز شديد، وكان لا يكاد أن يدفأ، فأمر بقدر عظيمة فملئت ماء وأوقد تحتها واتخذ فوقها مجلسا، وكان يصعد إليه بخارها فيدفئه، فبينا هو كذلك إذا خفت به. فظن أن ذلك الّذي قيل فيه [ (2) ] .   [ (1) ] في (الأصل) : «قصد بها» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (2) ] قال البيهقي: وقد قال بعض أهل العلم: إن سمرة مات في الحريق فصدق بذلك قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ويحتمل أن يورد النار بذنوبه، ثم ينجو بإيمانه، فيخرج منها بشفاعة الشافعين. واللَّه تعالى أعلم. (دلائل البيهقي) : 6/ 460. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 225 وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في موت عبد اللَّه بن سلام [ (1) ] على الإسلام من غير أن ينال الشهادة [فكان كما أخبر- توفي على الإسلام في أول أيام معاوية بن أبي سفيان سنة ثلاث وأربعين-] فخرج البخاري [ (2) ] من حديث ابن عون عن محمد [بن سيرين] ، عن قيس بن عباد قال: كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلّى ركعتين فتجوز فيها ثم خرج وتبعته، فقلت: إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجنة! قال: واللَّه ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لم ذاك، رأيت رؤيا على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقصصتها عليه، ورأيت كأنى في روضة، ذكر من سعتها وخضرتها، وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارق، فرقيت، حتى كنت في أعلاه فأخذت بالعروة، فقيل لي: استمسك فاستيقظت، وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: تلك العروة الوثقى، فأنت تموت على الإسلام حين تموت وذلك الرجل عبد اللَّه ابن سلام.   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن سلام بن الحارث، الإمام الحبر، المشهود له بالجنة، أبو الحارث الإسرائيلي، حليف الأنصار، من خواص أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حدث عنه أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعطاء بن يسار، وزرارة بن أوفى، وآخرون. له إسلام قديم بعد أن قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم المدينة، وهو من أحبار اليهود. اتفقوا على أن ابن سلام توفى سنة ثلاث وأربعين. (تهذيب سير الأعلام) : 1/ 71- 72، ترجمة رقم (190) باختصار. وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (الدلائل) . [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 162- 163، كتاب مناقب الأنصار، باب (19) مناقب عبد اللَّه بن سلام رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3813) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 226 وخرجه من حديث ابن عون، عن محمد [بن سيرين] ، حدثنا قيس بن عباد، عن ابن سلام قال: وصيف مكان منصف. ذكره في كتاب التعبير، في باب التعلق بالعروة والحلقة [ (1) ] . ومن حديث ابن عون، عن محمد [بن سيرين] ، حدثنا قيس بن عباد، عن عبد اللَّه بن سلام، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كأني في روضة ذكر من سعتها وخضرتها، قال: ورأيت في وسط تلك الروضة عمودا وفي أعلى العمود عروة فقيل لي: ارقه، قلت: لا أستطيع، قال: فأتانى وصيف، فرفع ذلك الوصيف ثيابي من خلفي، فرقيت حتى كنت في أعلاه، فقيل لي: استمسك بالعروة، قال: فاستمسكت بتلك العروة فانتبهت وإنها لفي يدي وأنا متمسك بها، فلما استيقظت أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقصصتها عليه، فقال: تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة العروة الوثقى لا تزال مستمسكا بالإسلام حتى تموت [ (2) ] . وخرجه مسلم [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن عون بهذا الإسناد أو نحوا أو قريبا مما تقدم أولا. وخرجاه من حديث حرمي بن عمارة، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين قال: قال قيس بن عباد فذكره. ولمسلم [ (4) ] من حديث جرير عن الأعمش، عن سليمان بن مسهر، عن خرشة بن الحر، قال: كنت جالسا في حلقة في مسجد المدينة قال: وفيها شيخ حسن الهيئة وهو عبد اللَّه بن سلام، قال: فجعل يحدثهم حديثا حسنا قال: فلما قام قال القوم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، قال:   [ (1) ] باب رقم (23) التعليق بالعروة الوثقى، حديث رقم (7014) . [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 496، كتاب التعبير باب (23) التعليق بالعروة والحلقة، حديث رقم (7014) . وأخرجه البيهقي في (الدلائل) : 6/ 461- 462. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 275، كتاب فضائل الصحابة باب (339) باب من فضائل عبد اللَّه بن سلام، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (148) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 276- 277 حديث رقم (150) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 227 فقلت: واللَّه لاتبعنه فلأعلمن مكان بيته قال: فتبعته، قال: فانطلق حتى كاد أن يخرج من المدينة، ثم دخل منزله، قال: فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقال: ما حاجتك يا ابن أخي؟ فقلت له: سمعت القوم يقولون لك لما قمت: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فأعجبني أن أكون معك، قال: اللَّه أعلم بأهل الجنة، وسأحدثك ممّ قالوا ذاك، إني بينما أنا نائم، إذ أتانى رجل فقال لي: قم، فأخذ بيدي، فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجواد عن شمالي، قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها، فإنّها طرق أصحاب الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني فقال لي: خذها هنا، فأتى بي جبلا، فقال لي اصعد، قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي، قال: حتى فعلت ذلك مرارا، قال: ثم انطلق بي حتى أتى بي عمودا رأسه في السماء وأسفله في الأرض، في أعلاه حلقة، فقال لي: اصعد فوق هذا! قلت: كيف أصعد هذا ورأسه في السماء؟. قال: فأخذ بيدي فزج بي، قال: فإذا أنا متعلق بالحلقة، قال: ثم ضرب العمود فخرّ، قال: وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت. قال: فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقصصتها عليه، فقال: أما الطرق التي رأيت على يسارك، فهي طرق أصحاب الشمال، قال: وأما الطرق التي رأيت عن يمينك، فهي طرق أصحاب اليمين، وأما الجبل فهو منزل الشهداء، ولن تناله، وأما العمود فهو عمود الإسلام، وأما العروة فهي عروة الإسلام، ولن تزال متمسكا بها حتى تموت. قال ابن عبد البر [ (1) ] : توفي في المدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين، وشهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعبد اللَّه بن سلام بالجنة.   [ (1) ] (الاستيعاب) : 3/ 921- 922، ترجمة رقم (1561) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 228 وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في إخباره لرافع بن خديج [ابن رافع بن عدي بن زيد بن عمرو بن زيد ابن جشم الأنصاري، البخاريّ، الخزرجيّ] بالشهادة فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن مرزوق الواشحي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد- يعني: ابن رافع- عن جدته أن رافع بن خديج رمى- قال عمرة: لا أدرى أيهما قال؟ يوم أحد أو يوم حنين- بسهم في ثندوته فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه انزع السهم؟ فقال له: يا رفع إن شئت نزعت السهم والقطبة جميعا، وإن شئت نزعت السهم وتركت القطبة وشهدت لك يوم القيامة أنك شهيد، فقال رافع: يا رسول اللَّه، انزع السهم ودع القطبة واشهد لي يوم القيامة أنى شهيد قال: فعاش بعد ذلك حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى إذا كان خلافة معاوية انتقض ذلك الجرح فمات بعد العصر. قال كاتبه: وقد ذكر ابن عبد البر [ (2) ] أنه أصيب يوم أحد، انتقضت جراحته في زمن عبد الملك بن مروان، فمات قبل ابن عمر بيسير سنة أربع وسبعين، وكذا ذكره الحاكم [ (3) ] وغيره عن الواقدي في تاريخ وفاته.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 463، باب ما جاء في شهادة [النبي صلّى اللَّه عليه وسلم] لرافع بن خديج بالشهادة وظهور صدقة في ذلك زمن معاوية. والثندوة: الترقوة. [ (2) ] (الاستيعاب) : 2/ 479- 480، ترجمة رقم (727) وما بين الحاصرتين في العنوان زيادة للنسب منه. [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 648، كتاب معرفة الصحابة، ذكر رافع بن خديج رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 229 وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بهلاك أمته على يد أغيلمة من قريش فكان منذ ولّي يزيد بن معاوية فخرج البخاري [ (1) ] من حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال: أخبرنى جدي قال: كنت جالسا مع أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في مسجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة، ومعنا مروان، قال أبو هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: «سمعت الصادق المصدوق صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: هلكت أمتى على يدي غلمة من قريش، فقال مروان: لعنة اللَّه عليهم غلمة، فقال أبو هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لو شئت أن أقول بنى فلان بنى فلان لفعلت» ، فكنت أخرج مع جدي إلى بنى مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم. قلنا: أن أعلم. وذكره أيضا في باب علامات النبوة [ (2) ] ، وخرج فيه أيضا من حديث شعبة عن أبي التياح، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يهلك الناس هذا الحي من قريش، قالوا فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 10، كتاب الفتن، باب (3) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء، حديث رقم (7058) ، قال الحافظ: يتعجب من لعن مروان الغلمة المذكورين، مع أن الظاهر أنهم من ولده، فكأن اللَّه تعالى أجرى ذلك على لسانه ليكون أشدّ في الحجة عليهم لعلهم يتعظون. وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد، أخرجها الطبراني وغيره، غالبها فيه مقال، وبعضها جيد، ولعل المراد تخصيص الغلمة المذكورين بذلك. (فتح الباري) . [ (2) ] باب (25) من كتاب المناقب، حديث رقم (3605) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3604) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 230 وخرج مسلم [ (1) ] في كتاب الفتن من حديث أبي أسامة بهذا الإسناد ولفظه: عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يهلك أمتى هذا الحي من قريش. الحديث. وخرج البيهقي [ (2) ] من طريق عبد اللَّه بن يزيد المقرئ قال: حدثنا حيوة قال: أخبرنى بشير بن أبي عمرو الخولانيّ أن الوليد بن قيس الحسبي أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: وتلا هذه الآية: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [ (3) ] فقال: يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا، ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر. قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ فقال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به. وخرجه الحاكم [ (4) ] وقال: هذا حديث صحيح رواته حجازيون وشاميون أثبات. قال البيهقي [ (5) ] : وقد روي عن علي عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما ما يؤكد هذا التاريخ، فذكر من طريق أبي أسامة، عن مجالد، عن عامر قال: لما رجع عليّ من صفين قال: يا أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية فإنه لو قد فقدتموه لقد رأيتم الرءوس تنزو من كواهلها كالحنظل.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 256- 257، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (2917) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 464- 467، باب ما جاء في إخباره النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالفتن التي ظهرت بعد الستين من أغيلمة من قريش فكان كما أخبر. [ (3) ] مريم: 59. [ (4) ] (المستدرك) : 2/ 406، كتاب التفسير، باب (19) تفسير سورة مريم. حديث رقم (3416) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 466، باب ما جاء في إخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالفتن التي ظهرت بعد الستين من أغيلمة من قريش فكان كما أخبر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 231 ومن حديث العباس بن الوليد [ (1) ] بن مزيد البيروتي قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا ابن جابر عن عمير بن هانئ أنه حدثه قال: كان أبو هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يمشي في سوق المدينة وهو يقول اللَّهمّ لا تدركني سنة الستين، ويحكم! تمسكوا بصدغي معاوية: اللَّهمّ لا تدركني إمارة الصبيان. قال البيهقي [ (2) ] : وهما إنما يقولان مثل هذا الشيء سمعاه من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرج البيهقي [ (3) ] من طريق هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف بن أبي خلدة عن أبي العالية قال: لما كان يزيد بن أبي سفيان أميرا بالشام غزا الناس فغنموا وسلموا، فكان في غنيمتهم جارية نفيسة فصارت لرجل من المسلمين في سهمه، فأرسل إليه يزيد فانتزعها منه، وأبو ذر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يومئذ بالشام قال: فاستغاث الرجل بأبي ذر على يزيد، فانطلق معه، فقال ليزيد: ردّ على الرجل جاريته- ثلاث مرات-، قال أبو ذر: أما واللَّه لئن فعلت لقد سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية، ثم ولّى عنه، فلحقه يزيد فقال: أذكرك باللَّه أنا هو؟ قال: اللَّهمّ لا، وردّ على الرجل جاريته. قال البيهقي [ (4) ] : يزيد بن أبي سفيان كان من أمراء الأجناد بالشام في أيام أبي بكر وعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما ولكن سميه يزيد بن معاوية يشبه أن يكون هو، قال: وفي هذا الإسناد إرسال بين أبي العالية وأبي ذر، وقد روى من وجه آخر. فذكر من طريق يعقوب بن سفيان قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عمرو الحراني، حدثنا: محمد بن سليمان، عن ابن غنيم البعلبكي، عن هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشنيّ، عن أبي عبيدة بن الجراج رضي   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 466- 467. [ (4) ] (المرجع السابق) : 467. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 232 اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر معتدلا قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية [ (1) ] . وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في أن قيس بن خرشة القيسي لا يضره بشر فخرج الحافظ أبو عمر بن عبد البر [ (2) ] من طريق ابن وهب قال: حدثني حرملة بن عمران عن يزيد بن أبي حبيب أنه سمعه يحدث محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي، قال: اصطحب قيس بن خرشة وكعب الكتابيين حتى إذا بلغا صفين وقف كعب، ثم نظر ساعة، قال: فقال لا إله إلا اللَّه، ليهرقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لم يهرق ببقعة من الأرض، فغضب قيس، ثم قال: وما يدريك يا أبا إسحاق ما هذا، فإن هذا من الغيب الّذي استأثر اللَّه به، فقال كعب: ما من شبر من الأرض إلا وهو مكتوب في التوراة التي أنزل اللَّه على نبيه موسى بن عمران عليه السلام- ما يكون عليه إلى يوم القيامة، فقال: محمد بن يزيد: ومن قيس بن خرشة؟ فقال له رجل: تقول: ومن قيس بن خرشة؟ وما تعرفه وهو رجل من أهل بلادك؟ قال: واللَّه ما أعرفه، قال: فإن قيس بن خرشة قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أبايعك على ما جاءك من اللَّه، وعلى أن أقول بالحق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا قيس عسى إن مر بك   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 467. باب ما جاء في إخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالفتن التي ظهرت بعد الستين من أغيلمة من قريش فكان كما أخبر. (المطالب العالية) : 4/ 332، باب لعن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الحكم بن العاص وبنيه وبني أمية، حديث رقم (4532) . وقال البوصيري: رواه ابن منيع والحارث وأبو يعلى بسند منقطع وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلي رجال الصحيح إلا أن مكحولا لم يدرك أبا عبيدة. [ (2) ] (الاستيعاب) : 3/ 1286- 1288، ترجمة رقم (2129) قيس بن خرشة القيسي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 233 الدهر أن يليك بعدي ولاة لا تستطيع أن تقول لهم [ (1) ] الحق، قال قيس: لا واللَّه، لا أبايعك على شيء إلا وفيت به، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا لا يضرك بشر. قال: فكان قيس يعيب زيادا أو ابنه عبيد اللَّه بن زياد من بعده، فبلغ ذلك عبيد اللَّه بن زياد، فأرسل إليه فقال: أنت الّذي تفتري على اللَّه وعلى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: [لا واللَّه، ولكن إن شئت أخبرتك بمن يفتري على اللَّه وعلى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: ومن هو؟ قال: من ترك العمل بكتاب اللَّه وسنة رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: [[ (2) ] ومن قال: من ترك العمل بكتاب اللَّه وسنة رسوله، قال: ومن ذلك؟ قال: أنت، وأبوك، والّذي أمركما، قال: وأنت الّذي تزعم أنه لا يضرك بشر؟ قال: نعم، قال: لتعلمن اليوم أنك كاذب، ائتوني بصاحب العذاب، فمال قيس عند ذلك فمات- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وخزي ابن مرجانة [ (3) ] .   [ (1) ] في (الأصل) : «معهم» ، وما أثبتناه من (الاستيعاب) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط من (الأصل) ، وأثبتناه من (الاستيعاب) . [ (3) ] (الاستيعاب) : 3/ 1286- 1288، ترجمة قيس بن خرشة القيسي رقم (2129) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 234 وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بقتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث مؤمل قال: حدثنا عمارة بن زاذان، حدثنا ثابت عن أنس [بن مالك] [ (2) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن ملك القطر [ (3) ] استأذن [ربه] [ (2) ] أن يأتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأذن له فقال لأم سلمة: املكي علينا الباب، لا يدخل علينا أحد، قال: وجاء الحسين [بن عليّ] [ (4) ] ليدخل فمنعته، فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وعلى منكبه، وعلى عاتقه، قال: فقال الملك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: أتحبه؟ قال: نعم، قال [أما] [ (2) ] إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان الّذي يقتل فيه، فضرب بيده فجاء بطينة حمراء، فأخذتها أم سلمة فصرتها في خمارها، قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء. وخرجه البيهقي من حديث عبد الصمد بن حسان عن عمارة بن زاذان نحوه أو قريبا منه، إلا أنه قال: فضرب بيده فأراه ترابا أحمر فأخذته أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها فصرته في طرف ثوبها، فكنا نسمع، أن يقتل بكربلاء، قال: وكذلك رواه سفيان بن فروخ، عن عمارة فذكره نحوه [ (5) ] . وقال أبو يعلي: حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، عن ليث بن أبي سليم، عن جرير، عن الحسن العبسيّ، عن مولى لزينب، أو عن بعض أهله، عن زينب قالت: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في بيتي وحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عندي حين درج، فغفلت عنه، فدخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجلس على بطنه فبال فانطلق لأخذه، فاستيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: دعيه، فتركته   [ (1) ] (مسند أحمد) 4/ 127، حديث رقم (13127) من مسند أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (13383) . [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «ملك القطر» . [ (4) ] من (الأصل) فقط. [ (5) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 235 حتى فرغ، ثم دعا بماء، فقال: إنه يصب من الغلام، ويغسل من الجارية، فصبوا صبا، ثم توضأ، فقام فصلى، فلما قام احتضنه إليه، فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فشكا، ثم مدّ يده فقلت حين قضى الصلاة: يا رسول اللَّه، إني رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك تصنعه؟ قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن ابني هذا تقتله أمتي، فقلت: أرني تربته، فأراني تربة حمراء. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] وأبو بكر بن أبي شيبة من حديث محمد بن شرحبيل بن مدرك الجعفي عن عبد اللَّه بن نجي الحضرميّ، عن أبيه، أنه صار مع عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى عليّ: صبرا أبا عبد اللَّه، بشط الفرات، فقلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي اللَّه أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفضيان؟ قال: بل قام جبريل من عندي قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال هل لك أن اشمك من تربته؟ قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا. وخرج الإمام [ (2) ] أحمد من حديث وكيع قال: حدثني عبد اللَّه بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة، أو أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال لإحداهما لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل عليّ قبلها، فقال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 137، حديث رقم (649) ، من مسند على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 418، حديث رقم (25985) ، من حديث أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 236 وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث مصعب قال: حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد بن عبد اللَّه، عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه إني رأيت حلما منكرا الليلة، قال: [وما هو] ؟ قالت: إنه شديد، قال: [وما هو] ؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: رأيت خيرا، تلد فاطمة إن شاء اللَّه غلاما فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فكان في حجري كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدخلت يوما إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تهريقان الدموع، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي، مالك؟ قال: أتاني جبريل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟ قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] [ولم يخرجاه] وخرج من طريق أبي نعيم قال: حدثنا عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أوحى اللَّه إلى محمد صلّى اللَّه عليه وسلم أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 194، كتاب معرفة الصحابة، أول فضائل أبي عبد اللَّه الحسين بن على الشهيد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ابن فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (4818) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : بل منقطع ضعيف، فإن شدادا لم يدرك أم الفضل، ومحمد بن مصعب ضعيف. [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 195- 196، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4822) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 237 وخرّج من حديث قرة بن خالد قال: حدثنا عامر بن عبد الواحد، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن الحسين بن عليّ يقتل بالطف [ (1) ] . وخرج أبو بكر بن أبي شيبة [ (2) ] من حديث يعلي بن عبيد، عن موسى الجهنيّ، عن صالح بن أربد النخعي، قال: قالت أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: دخل الحسين بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا جالسة على الباب، فاطلعت فرأيت في كفّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا يقلبه وهو نائم على بطنه! فقلت: يا رسول اللَّه تطلعت فرأيتك تقلب شيئا في كفك، والصبي نائم على بطنك، ودموعك تسيل، فقال: إن جبريل عليه السلام أتاني بالتربة التي يقتل عليها، وأخبرني أن أمتي يقتلونه. وخرّج أبو نعيم أحمد من حديث عبد اللَّه بن أحمد، قال: حدثني عبد بن زياد الأسدي، حدثنا عمرو بن ثابت عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن أم سلمة قالت: كان الحسين والحسن رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يلعبان بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بيتي، فنزل جبريل فقال: يا محمد، إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك، وأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وضمه إلى صدره، ثم قال: وديعة عندك هذه التربة، فشمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال: ريح كرب وبلاء، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا أم سلمة، إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل، قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: تحولين دما ليوم عظيم [ (3) ] . وخرج من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا سليمان بن بلال عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب، عن أم سلمة قالت: كان   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4826) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : حجاج بن نصير متروك. [ (2) ] (المصنف) : 7/ 477- 478، كتاب الفتن، باب (2) ما ذكر في فتنة الدجال، حديث رقم (37355) . [ (3) ] سبق تخريجهما. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 238 النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في بيتي ذات يوم، فقال: لا يدخلن عليّ أحد، فانتظرت، فدخل الحسين، فسمعت نشيج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يبكي، فاطلعت، فإذا الحسين في حجره، وإلى جنبه يمسح رأسه وهو يبكي، فقلت: واللَّه ما علمت به حتى دخل، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إن جبريل كان معنا في البيت فقال: أتحبه؟ فقلت: أما من حيث الدنيا فنعم، فقال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل من ترابها فأراه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما أحيط بالحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حين قتل، قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: أرض كربلاء، قال: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أرض كرب وبلاء [ (1) ] . وخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث موسى بن يعقوب عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن عبد اللَّه بن وهب بن زمعة، قال: أخبرتني أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اضطجع ذات يوم للنوم فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت منه في الكرة الأولى، ثم اضطجع واستيقظ وفي يده تربة حمراء يقلبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول اللَّه؟ قال: أخبرني جبريل عليه السلام أن هذا يقتل بأرض العراق- للحسين- فقلت: يا جبريل أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها. تابعه موسى الجهنيّ عن صالح بن زيد النخعي عن أم سلمة وأبان، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة. وخرّج البيهقي [ (3) ] من طريق سعيد بن الحكم بن أبي مريم قال: حدثني يحيى بن أيوب قال: حدثني ابن غزية وهو عمارة عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كان لعائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها مشربة، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أراد لقي جبريل عليه السلام لقيه فيها، فرقاها مرة من ذلك، وأمر عائشة أن لا يطلع [إليهم] أحد، قال: وكان رأس الدرجة   [ (1) ] سبق تخريجهما. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 468. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 470. في (الأصل) : «إليه» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 239 في حجرة عائشة، فدخل الحسين بن علي فرقى ولم تعلم حتى غشيها، فقال جبريل: من هذا؟ قال: ابني، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجعله على فخذه، قال جبريل: سيقتل، تقتله أمتك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أمتي؟ قال: نعم، وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها فأشار جبريل بيده إلى الطف بالعراق، فأخذ تربة حمراء، فأراه إياها. قال البيهقي [ (1) ] : هكذا رواه يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية مرسلا. ورواه إبراهيم بن أبي يحيى، عن عمارة موصولا فقال: عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة. وخرّجه الحافظ أبو نعيم [ (2) ] من حديث عطاء بن مسلم الخفاق، عن الأشعث بن سحيم، عن أبيه، عن أنس بن الحارث، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن أمتي تقتل هذا بأرض من أراضي العراق، فمن أدركه منكم فلينصره، قال: فقتل أنس مع الحسين بن علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة [ (3) ] حدثنا: أحوص بن حبان عن يونس، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن نعجة قال: إن أول ذل دخل على العرب قتل الحسين بن علي وادّعاه زياد. وخرّج البيهقي [ (4) ] من حديث شبابة بن سوار، قال: حدثنا يحيى بن سالم الأسدي، قال: سمعت الشعبي يقول: كان ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قدم المدينة، فأخبر أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، فقال: أين تريد؟ قال: العراق، ومعه   [ (1) ] (المرجع السابق) : 470. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 554، إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عن قتل الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (493) ، ونقله الحافظ السيوطي في (الخصائص الكبرى) : 2/ 451، وقال: رواه ابن السكن والبغوي في الصحابة. [ (3) ] (المصنف) : 7/ 258، كتاب الأوائل، باب (1) أول ما فعل ومن فعله، حديث رقم (35849) . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 470- 471. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 240 طوامير وكتب، فقال: لا تأتهم، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: إن اللَّه عز وجل خيّر نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم بين الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة، ولم يرد الدنيا وإنكم بضعة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم واللَّه لا يليها أحد منكم أبدا، وما صرفها اللَّه عنكم إلا للذي هو خير لكم، فارجعوا فأبى، وقال: هذه كتبهم وبيعتهم، قال: فاعتنقه ابن عمر وقال: استودعك اللَّه من قتيل. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث عبد الرحمن، قال: حدثنا: حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في المنام نصف النهار، أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم يلتقطه، أو يتبع فيها شيئا، فقلت: ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم، قال: فحفظنا ذلك فوجدناه قتل ذلك اليوم. وخرج من حديث عفان، حدثنا حماد، حدثنا: عمار فذكره بنحو منه [ (2) ] . وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: حدثتنا أم شوق العبدية، قالت: حدثتني نضرة الأزدية قالت: لما قتل الحسين بن على أمطرت السماء دما فأصبحت وكل شيء [لنا] [ (4) ] ملآن [دماء] [ (5) ] . ومن حديث سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن معمر قال: أول ما عرف الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك، فقال الوليد: أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي؟ فقال الزهري: بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط [ (6) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 400، حديث رقم (2166) من مسند عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2549) من مسند عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 471. [ (4) ] من (الأصل) : فقط. [ (5) ] في (الأصل) : دماء، وما أثبتناه من (الدلائل) . [ (6) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 471. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 241 وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق نوح بن دراج عن محمد بن إسحاق، عن الزهري أن أسماء الأنصارية قالت: ما رفع حجر بإيليا ليلة قتل عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه إلا ووجد تحته دم عبيط. وخرجه البيهقي [ (2) ] من حديث ابن عفير، حدثنا فحص بن عمران عن السري بن يحيى، عن ابن شهاب قال: قدمت دمشق وأنا أريد الغزو فأتيت عبد الملك يعنى ابن مروان لأسلم عليه، فوجدته في قبة على فرش يفوق القائم، والناس تحته سماطان فسلمت وجلست، فقال: يا ابن شهاب أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل ابن أبي طالب؟ قلت: نعم، قال: هلم، فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة وحوّل وجهه فأحنى عليّ فقال: ما كان؟ فقلت: لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم، قال: فقال: لم يبق أحد يعلم هذا غيري وغيرك، ولا يسمعن منك، قال: فما تحدثت به حتى توفى. قال البيهقي هكذا روى في قتل عليّ بهذا الإسناد، وروى بإسناد أصح من هذا عن الزهري، أن ذلك كان في قتل الحسين بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما. قال كاتبه: يريد ما تقدم ذكره من طريق سليمان بن حرب، عن حماد. وخرج من طريق أيوب بن محمد الرقى حدثنا: سلام بن سليمان الثقفي، عن زيد بن عمرو الطندي، قال: حدثتني أم حبان، قالت: يوم قتل الحسين أظلمت علينا ثلاثا: ولم يمس أحد منا من زعفرانهم شيئا فجعله على وجهه إلا احترق، ولم يقلب حجر في بيت المقدس إلا أصبح تحته دم عبيط.   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 155، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بأصح الأسانيد على سبيل الاختصار، حديث رقم (4694) قال الحاكم: قد اختلفت الروايات في مبلغ سنّ أمير المؤمنين حين قتل، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : نوح كذاب. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 440- 441، باب ما روى في إخباره بتأمير علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وقتله فكانا كما أخبر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 242 ومن حديث علي بن مسهر قال: حدثتني جدتي، قالت: كنت أيام الحسين جارية شابة فكانت السماء أياما كأنها علقة [ (1) ] . ومن حديث أبي بكر الحميدي حدثنا سفيان، قال: حدثتني جدتي، قالت: لقد رأيت الورس عاد رمادا، ولقد رأيت اللحم كأن فيه النار حين قتل الحسين [ (2) ] . ومن طريق سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثني جميل بن مرة، قال: أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل، فنحروها وطبخوها قال: فصارت مثل العلقم، فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئا [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 472. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 472. [ (3) ] (المرجع السابق) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 243 وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بقتل أهل الحرة وتحريق الكعبة المشرفة فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثني ابن فليح عن أبيه، عن أيوب بن عبد الرحمن، عن أيوب بن بشير المعافري، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج من سفر من أسفاره، فلما مرّ بحرة زهرة وقف فاسترجع فساء ذلك من معه، وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم، فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه! ما الّذي رأيت؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أما إن ذلك ليس من سفركم هذا، قالوا: فما هو يا رسول اللَّه؟ فقال: يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي. قال البيهقي [ (2) ] : هذا مرسل وقد روي عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما في تأويل آيه من كتاب اللَّه تعالى ما يؤكده، فذكر من طريق ثور ابن يزيد عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لأتوها [ (3) ] قال: لأعطوها، يعنى إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة. وخرج الإمام أحمد [ (4) ] من حديث شعبة بن أوس عن بلال العبسيّ، عن ميمونة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كيف أنتم إذا مرج الدين وظهرت الرغبة واختلف الإخوان، وحرق البيت العتيق؟. وذكر محمد بن الحسن بن زبالة، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه قال: أمطرت السماء على عهد عمر بن الخطاب فقال لأصحابه: هل لكم في هذا   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 473، باب ما روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في إخباره بقتل أهل الحرة فكان كما أخبر. [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] الأحزاب: 14، كذا في (الأصل) ، برواية ورش عن نافع وهي برواية حفص عن عاصم: لَآتَوْها. [ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 469، حديث رقم (26289) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 244 الماء الحديث العهد بالعرش لننزل به ونشرب منه؟ فلو جاء من مجيئه راكب لتمسحنا به، فخرجوا حتى أتوا حرة واقم، وشراجها تطرد، فشربوا منها وتوضأنا فقال كعب: واللَّه يا أمير المؤمنين ليسيلن هذا الشراج بدماء الناس كما تسيل بهذا الماء! فقال عمر: دعنا من أحاديثك، قال: فدنا منه عبد اللَّه بن الزبير فقال: يا أبا الحق ومتى ذلك؟ وفي أي زمان؟ قال: إياك أن يكون ذلك على يدك. وعن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان الواسطي، عن أبيه، عن كعب الأحبار قال: أفنجد في كتاب اللَّه حرة في المدينة تقتل بها مقتلة تضيء وجوههم يوم القيامة كما يضيء القمر ليلة البدر. وذكر من حديث زيد بن كثير عن المطلب بن عبد اللَّه، عن ابن أبي ربيعة أنه مر بعروة بن الزبير وهو يبنى قصره بالعقيق، فقال: أردت الحرث يا أبا عبد اللَّه؟ قال: لا، ولكنه ذكر لي أنه سيصيبها عذاب يعنى المدينة، فقلت: إن أصابها شيء كنت منتحيا عنها. قال كاتبه: وكان من خبر وقعة الحرة [ (1) ] أن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عامل المدينة ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان، بعث بوفد من أهل المدينة إلى يزيد فيهم عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل وعبد اللَّه بن عمرو بن أبي حفص، بن المغيرة المجذومي، والمنذر بن الزبير بن العوام، فأكرمهم يزيد وأعظم جوائزهم، فلما عادوا إلى المدينة أظهروا شيم يزيد، وعابوه بشرب الخمر، وعزف القيان، واللعب بالكلاب، وخلعوه، وبايعوا عبد اللَّه بن حنطلة في سنه اثنين وستين، فندب يزيد لحربهم مسلم بن عقبة المزني، ويسمى مسرفا، في اثنى عشر ألف، وعهد إليه إن ظهر عليهم أن يبيح المدينة، وقاتلهم بعد ما دعاهم إلى طاعة يزيد، وأجّلهم ثلاثا فلم يجيبوه، فهزمهم بعد قتال شديد قتل فيه عبد اللَّه بن حنظلة، وعبد اللَّه بن زيد المازني، ومعقل بن سنان الأشجعي، في سبعمائة من حملة القرآن وعدة كثيرة. قال أبو الهيثم: قتل يوم الحرة حرة واقم نحو من ستين ألف وخمسمائة.   [ (1) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 495 من أحداث سنة (63 هـ) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 245 وقال: أبو مخنف: المقتولون من وجوه قريش سبعمائة. وقال أبو جعفر الطبري: قتل من القراء سبعمائة ومن الصحابة أربعة: عبد اللَّه بن يزيد ابن عاصم، ومعقل بن يسار، ومحمد بن عمرو بن حزم، وعبد اللَّه بن حنظلة الغسيل، وأنهب المدينة ثلاثا فانتهبت، وذلك يوم الأربعاء لثلاث أيام، افتضّ فيها ألف عذراء! وكان الّذي أدخل أهل الشام بنو حارثة من خلف الناس حينئذ، فانهزموا حينئذ، ودعا مسرف الناس إلى بيعة يزيد على أنهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء، وقتل من امتنع من ذلك حتى أسرف في القتل والظلم، فسموه مسرفا لذلك فبّحه اللَّه [ (1) ] . وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا ابن عون، عن خالد بن عبد الحويرث عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: الآيات خرزات منظومات في سلك، يقطع السلك فيتبع بعضها بعضا. قال ابن الحويرث: كنا نادين بالصباح وهناك عبد اللَّه بن عمرو وكان هناك امرأة من بني المغيرة يقال لها فاطمة، فسمعت عبد اللَّه بن عمرو يقول: ذاك يزيد بن معاوية، فقالت: أكذاك يا عبد اللَّه بن عمرو، تجده مكتوبا في الكتاب؟ قال: لا أجده باسمه ولكن أجد رجلا من شجرة معاوية يسفك الدماء، ويستحل الأموال، وينقض هذا البيت حجرا حجرا، فإن كان ذلك وأنا حي، وإلا فاذكرينى، قال: وكان منزلها على أبي قبيس [ (3) ] فلما كان زمن الحجاج وابن الزبير ورأت البيت ينقض، قالت: رحم اللَّه عبد اللَّه بن عمرو قد كان حدثنا بهذا. قال كاتبه إنما أحرق البيت في حصار أيام يزيد بن معاوية وقال الليث: رمى الحجاج البيت بالنار فأحرقه، فجاءت سحابة فمطرت على البيت لم   [ (1) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 495، من أحداث سنة (63 هـ) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 520- 521، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8461) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . [ (3) ] أبو قبيس: اسم جبل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 246 تجاوزه وأطفأت النار، وجاءت صاعقة فأحرقت المنجنيق وما فيه، وانكسر الحجر الأسود حين رمى الحجاج البيت [ (1) ] . وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بذهاب بصر عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فكان كذلك وعمى قبل موته فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ عن ثور بن يزيد، عن موسى بن ميسرة، أن بعض بني عبد اللَّه سايره في طريق مكة، قال: حدثني العباس بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد اللَّه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في حاجة فوجد عنده رجلا، فرجع ولم يكلمه من أجل مكان الرجل معه، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العباس بعد ذلك، فقال العباس: أرسلت إليك ابني فوجد عندك رجلا فلم يستطع أن يكلمك، فرجع، قال: ورآه؟ قال: نعم!، قال: أتدري من ذلك الرجل؟ ذاك الرجل جبريل- عليه السلام-، ولن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علما. وخرّجه الحاكم [ (3) ] من حديث عاصم بن على، قال: حدثتنا زينب بنت سليمان بن عليّ بن عبد اللَّه بن عباس، قال: حدثني أبي قال: سمعت أبي يقول: بعث العباس ابنه عبد اللَّه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فنام وراءه، وعند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رجلا فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: متى جئت يا حبيبي؟ قال: مذ ساعة قال: هل رأيت عندي أحدا؟ قال: نعم، رأيت رجلا، قال: ذاك جبريل عليه السلام ولم يره خلق إلا عمى إلا أن يكون نبيا، ولكن عسى أن يجعل ذلك في آخر عمرك، ثم قال: اللَّهمّ علّمه التأويل، وفقهه في الدين، واجعله من أهل الإيمان. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.   [ (1) ] راجع التعليق: رقم (1) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 478، قال في (مجمع الزوائد) : فيه من لم أعرفه. [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 617- 618، كتاب معرفة الصحابة حديث رقم (6287) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : بل منكر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 247 وخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث صالح بن أبي الأسود، عن أبي الجارود، عن شوذب، عن عكرمة، قال: خرجت بابن عباس وهو على راحلته فلما أخرجها من الحرم قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حدثني أنه سيذهب بصري وقد ذهب، وحدثني أنى سأغرق وقد غرقت في بحيرة طبرية، وحدثني أني سأهاجر من بعد فتنة، اللَّهمّ وأني أشهدك أن هجرتي اليوم إلى محمد بن علي بن أبي طالب. وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن أرقم بالعمى فكان كذلك فخرج البيهقي [ (2) ] من طريق المعتمر قال: حدثنا نباته بن بنت بريد، عن حمادة، عن أنيسة بنت زيد بن أرقم، عن أبيها: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل على زيد يعوده من مرض كان به، قال: ليس عليك من مرضك بأس، ولكن كيف بك إذا أعمرت بعدي فعميت؟ قال: إذا احتسب واصبر. قال: إذا تدخل الجنة بغير حساب قال، فعمي بعد ما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثم ردّ اللَّه عليه بصره ثم مات. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم من يأتي بعده من الكذابين [وإشارته إلى من يكون] منهم من ثقيف فكان كما أخبر فخرج مسلم [ (3) ] من حديث مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ (1) ] لم أجده. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 479. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 260، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (84) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 248 خرجه أيضا من طريق عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن همام عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بمثله، غير أنه قال: ينبعث [ (1) ] . وخرج الحافظ [ (2) ] أبو أحمد بن عدي، من حديث أبي يعلي الموصلي قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن الحسن، حدثنا: شريك عن أبي الحق، عن عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول صلّى اللَّه عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم مسيلمة والعنسيّ، والمختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن قسي، وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور ابن عكرمة بن خصفة بن قيس غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أمه دومة بنت عمرو بن وهب بن معقبة بن مالك بن كعب بن عمرو بن عوف بن ثقيف، كان المختار خارجيا، ثم صار زبيريا، ثم صار رافضيا في ظاهره، وزعم أنه يوحى إليه فيسجع به سجعا. وولاه ابن الزبير الكوفة، ثم خرج يطلب بدم الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فقتل عبيد اللَّه بن زياد في حرب، وقتل أناسا كثيرة، ثم قتله مصعب بن الزبير سنة سبع وستين، وشر قبائل العرب بنو أمية، وبنو حنيفة، وثقيف. قال ابن عدي: وهذا لا أعلم رواه عن شريك إلا محمد بن الحسن الأسدي، وله إفرادات، وحدث عنه الثقات من الناس، ولم أجد بحديثه بأسا. قال البيهقي: ولحديث هذا المختار بن أبي عبيد الثقفي شواهد صحيحة. وذكر من طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا الأسود بن سفيان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنها قالت للحجاج بن يوسف: أما إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه قال: فقام عنها ولم يراجعها.   [ (1) ] (المرجع السابق) الحديث الّذي يلي الحديث السابق. [ (2) ] (الكامل في ضعفاء الرجال) لابن عدي: 6/ 173- 174، حديث رقم 36/ 1657. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 249 خرجه مسلم [ (1) ] في الصحيح من وجه آخر عن الأسود بن شيبان. وذكر من طريق عبد اللَّه بن الزبير الحميدي قال: حدثنا سفيان هو ابن عيينة حدثنا أبو المحياة عن أمه، قالت: لما قتل الحجاج بن يوسف عبد اللَّه بن الزبير، دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر فقال لها: يا أمّه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟ فقالت: لست لك بأم، ولكنى أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن انتظر حتى أحدثك بما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يقول: يخرج في ثقيف كذاب ومبير، فأما الكذاب فقد رأيناه يعنى المختار [ (2) ] ، وأما المبير فأنت، فقال الحجاج: مبير المنافقين. ومن طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا شريك عن أبي علوان عبد اللَّه بن عصمة، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن في ثقيف كذابا ومبيرا. قال كاتبه: المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف ابن عقدة بن غيرة بن عوف بن قسي بن منبه، وقسي هو ثقيف، كان شابا مع عمه سعد بن مسعود الثقفي وهو على المدائن لعلي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم نزل الكوفة وأنزله في داره، فأراد نصرته، فقبض عليه عبيد اللَّه بن زياد بعد ما ضرب وجهه بقضيب فشتر عينه، ثم حبسه حتى قتل الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، لأنه كان زوج أخته صفيه بنت أبي عبيد، وأخرجه إلى الحجاز، فأقسم ليأخذن بثأر الحسين وليقتلن بقتله عدة من على دم يحيى بن زكريا عليهما السلام، ونزل الطائف وزعم أنه مبيد الجبارين ثم تبع عبد اللَّه بن الزبير وقاتل معه، فلما مات يزيد بن معاوية مضى إلى الكوفة فكان لا يمر على مجلس إلّا سلّم عليه، قال: أبشروه بالنصر والفتح، أتاكم ما تحبون فأجمعت الشيعة إليه، فقال: لهم إن المهدي يعني محمد بن الحنيفة- بعثني إليكم أمينا ووزيرا، وأمرنى بقتال الملحدين، والطلب بدم أهل بيته، فبايعوه، فقبض عليه   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 332- 334، كتاب فضائل الصحابة، باب (58) ذكر كذاب ثقيف ومبيرها، حديث رقم (229) . [ (2) ] (المرجع السابق) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 250 وسجن، فلما قتل سليمان بن صرد أخرج من السجن، فأخذ يجمع الشيعة وخرج يظاهر الكوفة ليلا في ربيع الأول سنة ستة وستين، ونادى مناديه: يا منصور أمت، ونادى آخر: يا لثأرات الحسين، فملك الكوفة بعد حروب شديدة، وبايعه الناس، فأحسن السيرة، وسير بعوثة إلى أرمينية، وأذربيجان، والموصل، والمدائن، وغير ذلك، ثم وثب بمن في الكوفة من قتلة الحسين، وقد خرج عليه أهل الكوفة وقاتلوه فظهر بهم في ذي الحجة منها، وقتل منهم نحو الثمانمائة، وتجرد لقتلة الحسين حتى أفناهم، فكانوا ألوفا، فبعث عبد اللَّه ابن الزبير لقتاله أخاه مصعب بن الزبير، فكانت بينهم حروب عظيمة، قتل فيها المختار، وعمره سبع وستون سنة. قال البيهقي [ (1) ] : وقد شهد جماعة من أكابر التابعين على المختار بن أبي عبيد بما كان يستبطن، وأخبر بعضهم بأنه من جملة الكذابين الذين أخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بخروجهم بعده، فذكر عن أبي داود الطيالسي قال: حدثنا قرة بن خالد، عن عبد الملك بن عمير، عن رفاعة بن شداد، قال: كنت أبطن شيء بالمختار- يعنى: الكذاب- قال: فدخلت عليه ذات يوم، فقال: دخلت وقد قام جبريل قبل من هذا الكرسي! قال: فأهديت إلى قائم سيفي يعني لأضربه، حتى ذكرت حديثا حدثته عمرو بن الحمق الخزاعي، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا أمن الرجل الرجل على دمه، ثم قلته رفع له لواء الغدر يوم القيامة، فكففت عنه، وقال زائدة عن السدي عن رفاعة القتباني: قال: كنت بالسيف على رأس المختار بن أبي عبيد، فسمعته ذات يوم يقول: قام جبريل من هذه النمرقة فأردت أن أسل سيفي فأضرب عنقه فذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق الخزاعي أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: من أمن رجلا على نفسه فقتله فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول كافرا، قال: فتركته.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 482، باب ما جاء في إخباره بمن يكون من الكذابين وإشارته إلى من يكون منهم من ثقيف فكان كما أخبر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 251 قال البيهقي [ (1) ] وكذلك رواه سفيان الثوري وأسباط بن نصر، وغيرهما، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السندي. وخرجه الإمام [ (2) ] أحمد من طريق ابن نمير، حدثنا: عيسى [القاري] أبو عمر حدثنا السدي عن رفاعة القتباني قال: دخلت على المختار فألقى لي وسادة فقال: لولا أخى جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، قال: فأردت أن أضرب عنقه، فذكرت حديثا حدثنيه [أخي] عمرو بن الحمق قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله، فأنا من القاتل بريء. ومن طريق الحميدي [ (3) ] حدثنا: سفيان بن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي قال: فأخرت أهل البصرة فغلبتهم بأهل الكوفة، والأحنف ساكت لا يتكلم، فلما رآني غلبتهم أرسل غلاما له فجاءه بكتاب فقال لي: هاك اقرأ، فقرأته، فإذا فيه من المختار إليه يذكر أنه نبي فقال: يقول الأحنف: أنى فينا مثل هذا. قال البيهقي [ (1) ] : وقد روينا عن يحيى بن سعيد، عن مجالد، عن الشعبي قصة ما كان في الكتاب من موضوعة الّذي كان يعارض به القرآن. ومن طريق عبيد اللَّه بن معاذ، حدثنا أبي حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، سمع مرة يعنى الهمذانيّ، قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: القرآن ما منه حرف، أو قال: آية- شك- إلا وقد عمل به قوم أو قال سيعملون بها، قال مرة: فقرأت: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ [ (4) ] فقلت من عمل بهذه حتى كان المختار بن أبي عبيد.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 483، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بمن يكون بعده من الكذابين، وإشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى من يكون منهم من ثقيف، فكان كما أخبر. [ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 294، حديث رقم (21440) ، من حديث عمرو بن الحمق الخزاعي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 483. [ (4) ] الأنعام: 93. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 252 قال البيهقي [ (1) ] : ولعكرمة مولى ابن عباس فيما يقال عن الوحي والموضوع [سئل] [ (2) ] يريدون ما كان المختار يدّعيه من أنه يوحى إليه، وأنّ عنده كتاب يسمى الموضوع. ومن طريق أبي داود حدثنا: عبد اللَّه بن الجراح عن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قال عبيدة السلماني يعنى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في خروج الكذابين، قال إبراهيم: فقلت له أترى هذا منهم؟ يعنى المختار بن أبي عبيد؟ قال عبيدة: أما إنه من الرءوس [ (3) ] . قال جامعه: وكانت سيرة المختار بن أبي عبيد في تتبع قتله الحسين وقتلهم، شاهدة بصدق على ما خرجه الحاكم [ (4) ] من حديث أبي يعلى محمد بن شداد المسمعي، حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أوحى اللَّه إلى نبيكم أني قتلت بيحيى سبعين ألفا، وأني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا. قال الحاكم: قد كنت أحسب دهرا أن المسمعي تفرد بهذا الحديث عن أبي نعيم حتى حدثناه أبو محمد السبيعي الحافظ، حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن ناجية حدثنا حميد بن الربيع، حدثنا أبو نعيم، فذكره بإسناد نحوه.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 484. [ (2) ] في (الأصل) : «يقال» وما أثبتناه من (الدلائل) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 484. [ (4) ] (المستدرك) : 2/ 219، كتاب التفسير، من سورة البقرة، حديث رقم (3147) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : عبد اللَّه ثقة، ولكن المتن منكر جدا، فأما محمد بن شداد، فقال الدار الدّارقطنيّ: لا يكتب حديثه، وأما حميد، فقال ابن عدي: كان يسرق الحديث. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 253 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بأمره وما لقي فخرج الحاكم [ (1) ] ، وأبو نعيم [ (2) ] أحمد من طريق سعد أبي عاصم مولى سليمان بن عليّ، قال: زعم لي كيسان مولى عبد اللَّه بن الزبير قال: دخل سلمان على [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] وإذا عبد اللَّه بن الزبير معه طست بشرب ما فيها، فدخل عبد اللَّه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال له: فرغت؟ قال: نعم، قال سلمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: أعطيته غسالة محاجمى يهريق ما فيها، قال سلمان: ذاك شربة، والّذي بعثكم بالحق، قال: شربته؟ قال: نعم، قال: لم؟ قال: أحببت أن يكون دم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في جوفي فقال بيده على رأس ابن الزبير وقال: ويل للناس منك، وويل لك من الناس، لا تمسك النار إلا قسم اليمين. وخرجه من طريق الهنيد بن القاسم [ (3) ] بن عبد الرحمن بن ماعز قال: سمعت عامر بن عبد اللَّه بن الزبير يحدث أن أباه حدثه أنه أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: يا عبد اللَّه اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد، فلما برزت عنه صلّى اللَّه عليه وسلم حسوته فلما رجعت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ما صنعت؟ قلت جعلته في مكان ظننت أنه خاف عن الناس، قال: فلعلك شربته؟ قلت: نعم، قال: ومن أمرك أن تشرب الدم؟ ويل لك من الناس وويل للناس منك.   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 638، كتاب معرفة الصحابة، ذكر عبد اللَّه بن الزبير بن العوام رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم (6343) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . [ (2) ] (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) : 1/ 330، ترجمة عبد اللَّه بن الزبير رقم (46) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (3) ] (المرجع السابق) : باختلاف يسير في اللفظ، والمعنى واحد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 254 وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق الأعمش عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: حدثني البريد الّذي أتى ابن الزبير برأس المختار فلما رآه قال ابن الزبير: ما حدثني كعب بحديث إلا وجدت مصداقة، إلا أنه حدثني أن رجلا من ثقيف سيقتلني، قال الأعمش: وما يدرى أن أبا محمد خذله اللَّه خبأ له. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالمبير الّذي يخرج من ثقيف فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج مسلم [ (2) ] من حديث يعقوب بن إسحاق الحضري قال: حدثنا الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل رأيت عبد اللَّه بن الزبير على عقبة المدينة، قال: فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مر عليه عبد اللَّه بن عمر فوقف عليه، فقال: السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، أما واللَّه لقد كنت أنهاك عن هذا، أما واللَّه لقد كنت أنهاك عن هذا، أما واللَّه لقد كنت أنهاك عن هذا، واللَّه إن كنت ما علمت صواما وصولا للرحم، أما واللَّه لأمة أنت أشرها، لأمة خير، ثم نفذ عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. فبلغ الحجاج موقف عبد اللَّه بن عمر وقوله، فأرسل إليه، فأنزل عن جذعه فألقى في قبور اليهود، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فأبت أن تأتيه، فأعاد إليها الرسول لتأتين أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك قال: فأبت، وقالت: واللَّه لا آتيك حتى تبعث إلى من يسحبنى بقروني! قال: فقال: أرونى سبتي! فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف حتى دخل عليها، فقال لها: كيف رأيتني صنعت بعدوّ اللَّه؟ قالت: رأيتك أفسدت   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 633، كتاب معرفة الصحابة، ذكر عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم (6333) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 332- 334 كتاب فضائل الصحابة، باب (58) ذكر كذاب ثقيف، حديث رقم (229) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 255 عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين، أنا واللَّه ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أما إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا إخالك إياه، قال: فقام عنها ولم يراجعها. وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث شريك عن عبد اللَّه بن عصم، عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في ثقيف كذاب ومبير. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك، وشريك يقول: عبد اللَّه بن عصم وإسرائيل يقول: عبد اللَّه بن عصمة قال: أبو عيسى يقال الكذاب المختار بن أبي عبيد، والمبير الحجاج بن يوسف. قال الترمذي: حدثنا أبو داود سليمان بن سلم البلخي أخبرنا النضر بن شميل، عن هشام بن حسان قال: أحصوا ما قتل الحجاج صبرا فبلغ مائه ألف وعشرين ألف قتيل. قال البيهقي: وقد حذر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ثم أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أمة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم شأن الحجاج بن يوسف، وأخبرا بخروجه، ولا يقولان ذلك إلا توقيفا، فذكر من طريق عثمان بن سعيد الدرامي قال: قرأت على أبي اليمان أن جرير بن عثمان حدثه عن عبد الرحمن بن ميسرة بن أزهر، عن أبي عذبة الحمصي قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه رابع أربعة من الشام، ونحن حجاج فبينا نحن عنده أتاه آت من قبل العراق فأخبرهم أنهم قد حصبوا إمامهم، وقد كان عوضهم به مكان إمام كان قبله فحصبوه، فخرج إلى الصلاة مغضبا فيها في صلاته ثم أقبل على الناس، فقال: من هاهنا من أهل الشام؟ فقمت أنا وأصحابي، فقال: يا أهل الشام، تجهزوا لأهل العراق فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ، ثم قال: اللَّهمّ إن قد لبّسوا عليّ فألبس عليهم،   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 432- كتاب الفتن، باب (44) ما جاء في ثقيف، حديث رقم (2220) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 256 اللَّهمّ عجل لهم الغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم. قال: أبو اليمان: علم عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن الحجاج خارج لا محالة، فلما أغضبوه استعجل لهم العقوبة التي لا بدّ لهم منها، قال عثمان: وقلت له: إن هذا أحد البراهين على أمر الحجاج، قال: صدقت. وقد خرجه الدرامي من حديث عبد اللَّه بن صالح، أن معاوية بن صالح حدثه عن شريح بن عبيد، عن أبي عذبة، وذكر نحو ما تقدم أو قريبا منه، قال: عبد اللَّه: وحدثه ابن لهيعة بمثله قال: وما ولد الحجاج يومئذ. ومن طريق عبد الرزاق، حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار عن الحسن، قال: قال علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لأهل الكوفة: اللَّهمّ كما ائتمنتهم فخانوني، ونصحت لهم فغشوني، فسلط عليهم فتى ثقيف الذيال، الميال، يأكل خضرتها، ويلبس فروتها، ويحكم بحكم الجاهلية، قال: يقول الحسن: وما خلق الحجاج يومئذ. ومن طريق المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أيوب بن مالك بن أوس ابن الحدثان عن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: الشاب الذيال أمير المصرين يلبس فروتها، ويأكل خضرتها، ويقتل أشراف أهلها، يشتد منه الفرق، ويكثر منه الأرقّ، يسلطه اللَّه على شيعته. ومن طريق يزيد بن هارون أخبرنا العوام بن حوشب قال: حدثني حبيب بن أبي ثابت قال: قال عليّ لرجل: لا متّ حتى تدرك فتى ثقيف، قيل له: يا أمير المؤمنين ما فتى ثقيف؟ قال: ليقالن له يوم القيامة أكفنا زاوية من زوايا جهنم، رجل يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين لا يدع للَّه معصية إلا ارتكبها، حتى لو لم تبق إلا معصية واحدة، وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها، يقتل بمن أطاعه من عصاه [ (1) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 489، باب ما جاء في إخباره بالمبير الّذي يخرج من ثقيف وتصديق اللَّه سبحانه قوله في الحجاج بن يوسف الثقفي غفر اللَّه لنا ولجميع المسلمين. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 257 ومن طريق أبي حاتم الرازيّ: حدثنا: عبد اللَّه بن يوسف التنيسي، حدثنا هشام بن يحيى الغساني قال: قال عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئناهم بالحجاج لغلبناهم [ (1) ] . وقال: أبو بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود قال: ما بقيت للَّه حرمة إلا وقد انتهكها الحجاج [ (2) ] . وقال: عبد الرزاق أخبرنا معمر، عن ابن طاووس، قال: دخل رجل على أبي فقال: مات الحجاج بن يوسف يا أبا عبد الرحمن! قال لأبى: أربعوا على أنفسكم حبس رجل عليه لسانه وعلم ما يقول، فقال له الرجل: يا أبا عبد الرحمن برح الخفاء هذه نساء وافد بن سلمة قد نشرن أشعارهن وخرقن ثيابهن ينحن عليه، قال: أفعلوا؟ قال: نعم، قال: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [ (3) ] . وخرج الحاكم [ (4) ] من طريق سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل قال: اختلفت أنا والمرهبي في الحجاج، فقال: مؤمن، وقلت، كافر. ومن طريق أبي بكر بن عياش قال: سمعت الأعمش يقول: واللَّه لقد سمعت الحجاج بن يوسف يقول: يا عجبا من عبد هذيل يزعم أنه يقرأ قرآنا من عند اللَّه، واللَّه ما هو إلا رجز من رجز الأعراب، واللَّه لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه [ (5) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] (المرجع السابق) . [ (4) ] (المستدرك) : 3/ 640- 641، كتاب معرفة الصحابة حديث رقم (6351) ، ثم قال بعقبه: وبيان صحته ما أطلق فيه مجاهد بن جبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6352) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : يتأسف على ما فاته من قتل ابن مسعود بعد قتل ابن عمر، وابن الزبير. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 258 قال الحاكم: هذا بعد قتله عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن الزبير، يتأسف على ما فاته من قتل عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وعن العبادلة ولعن من أبغضهم وخذلهم. وقيل للشعبى: الحجاج مؤمن؟ فقال: مؤمن بالجبت والطاغوت وكافر باللَّه، وسئل مجاهد عنه فقال: اسألوني عن الشيخ الكافر، وينقل عنه أنه قال- وقد رأى الناس حول قبر الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم-: إنما يطوفون بأعواد ورمّة. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث إسحاق بن سعيد بن عمرو عن عبد اللَّه بن عمرو قال: أشهد باللَّه لسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول يحلها وتحل به رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها. وخرجه البزار من حديث محمد بن كثير، عن الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن عمرو، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يلحد رجل بمكة يقال له عبد اللَّه، عليه نصف عذاب العالم. قال البزار لم يتابع محمد بن كثير عليه. ورواه غيره عن الأوزاعي عن رجل من آل المغيرة، عن المغيرة بن شعبة، عن عثمان بن عفان. وخرجه الإمام أحمد أيضا [ (2) ] من حديث إسحاق بن سعيد، حدثنا سعيد بن عمرو، قال: أتى عبد اللَّه بن عمرو بن الزبير وهو جالس في الحجر، فقال: يا ابن الزبير إياك والإلحاد في حرم اللَّه، فإنّي أشهد لسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: يحلها وتحل به رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها، قال: فانظر ألا تكون هو، قال: يا ابن عمرو! فإنك قد قرأت الكتب وصحبت الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم قال: فإنّي أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام مجاهدا. ومن حديث إسحاق بن سعيد [ (3) ] عن أبيه قال: أتى عبد اللَّه بن عمرو بن الزبير فقال: يا ابن الزبير، إياك والإلحاد في حرم اللَّه فإنّي سمعت رسول اللَّه   [ (1) ] (مسند أحمد) : 2/ 402، حديث رقم (6808) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 2/ 440، حديث رقم (7003) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 298، حديث رقم (6165) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 259 صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إنه سيلحد فيه رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت، قال فانظر ألا تكونه. وخرج من حديث جعفر بن أبي المغيرة [ (1) ] عن ابن أبزى، عن عثمان بن عفان، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال له عبد اللَّه بن الزبير عند حصره: إن عندي غائبة قد أعددتها لك، فهل لك أن تحول إلى مكة، فيأتيك من أراد أن يأتيك؟ قال: لا، إني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد اللَّه، عليه نصف أوزار الناس. وقال الزبير بن بكار: وحدثني محمد بن حسن يعنى ابن زبالة، عن إبراهيم بن محمد، عن نافع بن ثابت، عن محمد من كعب القرظي، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دخل على أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها حين ولد عبد اللَّه بن الزبير فقال: أو هو؟ تركت أسماء رضاع عبد اللَّه بن الزبير لما سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أهو هو، فقيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن أسماء تركت رضاع عبد اللَّه بن الزبير لما سمعتك تقول أهو هو؟ فقال: أرضعيه ولو بماء عينيك، كبش بين ذئاب، ليمنعن الحرم وليقتلن به. وأما إخباره بأن معترك المنايا بين الستين إلى السبعين فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج أبو يعلي الموصلي في مسندة، قال: حدثنا إسحاق بن موسى بن عبد اللَّه الأنصاري، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن إبراهيم بن الفضل بن سليمان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم معترك المنايا بين الستين إلى السبعين ورواته رواة الصحيح، إلا إبراهيم بن الفضل فهو ضعيف. واختلفت في تأويل هذا الحديث فذهب بعضهم إلى أن معناه الإشارة إلى الفتن الواقعة فيما بين الستين والسبعين من الهجرة النبويّة، وقال آخرون بل   [ (1) ] (المرجع السابق) : 1/ 104، حديث رقم (463) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 260 ذلك يشير إلى أن أعمار هذه الأمة المحمدية في الغالب والأكثر تكون ما بين ستين سنة إلى سبعين، ولكل على ما ذهب إليه دليل، وشواهد الأحوال تصدق ذلك وتؤيده، فقد وقعت بين الستين إلى السبعين من سني الهجرة، فمنها: قتل الحسين وقتال الحرة، ومرج راهط، ويوم جبانة السبيع [ (1) ] ، ووقائع المختار بن أبي عبيد، ويوم جازر [ (2) ] ، وفتنة عبد اللَّه بن الزبير، والطاعون الجارف الّذي هلك فيه بالبصرة في ثلاثة أيام في كل يوم سبعون ألفا، ومات فيه لأنس بن مالك ثلاثة وثمانون ابنا، ويقال ثلاثة وسبعون، ومات لعبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ابنا، ومات لصدقة بن عامر الحارثي سبعة بنين في يوم واحد، وطاعون الكوفة. ويؤيد ذلك ما خرجه الإمام أحمد [ (3) ] من حديث يحيى بن أبي بكير، حدثنا كامل أبو العلاء، قال: سمعت أبا صالح عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تعوذوا باللَّه من السبعين، ومن إمارة الصبيان، وقال: لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع، وله عنده طرق. والأكثر يتأول قوله: معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين، أن أكثر موت الناس وقد بلغوا من السنين ما بين الستين والسبعين، واحتجوا لذلك بما خرجه البخاري [ (4) ] من حديث معن بن محمد الغفاريّ عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال:   [ (1) ] يوم جبانة السبيع، للمختار على أهل الكوفة، وكان هذا اليوم لست ليال بقين من ذي الحجة سنة (66 هـ) وجبانة السبيع: من مواضع الكوفة. (أيام العرب في الإسلام) : 445- 450، يوم جبانة السبيع، رقم (59) . [ (2) ] يوم خازر، وكان لابن الأشتر على بن زياد، سنة (67 هـ) ، وخازر إلى جنب قرية بينها وبين الموصل خمسة فراسخ. (المرجع السابق) : 451. [ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 624، حديث رقم (8121) والحديث رقم (8440) . [ (4) ] (فتح الباري) : 11/ 286- 287. كتاب الرقاق، باب (5) من بلغ ستين سنة فقد أعذر اللَّه إليه في العمر حديث رقم (6419) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 261 أعذر اللَّه إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة. تابعه أبو حازم وابن عجلان عن المقبري. وقال عبد الرزاق، عن معمر والثوري، عن أبي خثيم، عن مجاهد عن بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ قال: ستون سنة. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من طريق محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من أتت عليه ستون فقد أعذر اللَّه إليه في العمر. وعلق البخاري طريق ابن عجلان هذه. وخرجه أبو بكر بن مردويه في (التفسير) من طريق أبي معشر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من عمر ستين أو سبعين سنة فقد عذر اللَّه إليه في العمر، وأبو معشر فيه ضعف. وخرج الترمذي [ (2) ] من حديث محمد بن ربيعة، عن كامل أبي العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: عمر أمتى من ستين إلى سبعين. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة. وخرجه في كتاب الدعاء [ (3) ] من حديث عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه   [ (1) ] (مسند أحمد) : 2/ 615، حديث رقم (8063) ، من مسند أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 489- 490، كتاب الزهد، باب (23) ما جاء في فناء أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين، حديث رقم (2331) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (3) ] (المرجع السابق) : 5/ 517 باب (102) ، في دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3550) . وأخرجه ابن ماجة في الزهد، باب الأمل والأجل، حديث رقم (4236) وإسناده حسن. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 262 قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أعمار أمتى ما بين ستين إلى سبعين، وأقلهم من يجوز ذلك. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وزعم بعضهم أن التأويل الأول أليق بالحديث، لأن أكثر من الناس يموت في الصغر، ومن تأمل هذا في الأطفال والأحداث عرف الحقيقة. وقال المبرد في كتاب (الأزمنة) : تأمل حكيم إلى أخ له: لا تغتر بشبابك فإن أكثر من يموت الشباب، والدليل على ذلك أن الشيوخ أقل الناس. قال أبو الفتح البستي: لا تغترن بشباب رائع خضل ... فكم يعدم قبل الشيب شبان. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 263 أما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بوقوع الشر بعد الخير الّذي جاء به ثم وقوع الخير بعد ذلك الشر، ثم وقوع الشر بعد الخير، فكان كما أخبر فخرج البخاري [ (1) ] في الفتن، ومسلم [ (2) ] في الإمارة، من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر حدثنا بسر بن عبيد اللَّه   [ (1) ] باب (11) كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟ حديث رقم (7084) ، وفيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وترك الخروج على أئمة الجور، لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم دعاة على أبواب جهنم. وفيه إنه متى لم يكن للناس إمام، فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة، ويعتزل الجميع إن استطاع خشية من الوقوع في الشر. وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها. وفيه حكمة اللَّه في عباده، كيف أقام كلا منهم فيما شاء، فحبب إلى أكثر الصحابة السؤال عن وجوه الخير ليعملوا بها، ويبلغوها غيرهم، وحبب لحذيفة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه السؤال عن الشر ليجتنبه، ويكون سببا في دفعه عمن أراد اللَّه له النجاة، وفيه سعة صدر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ومعرفته بوجوه الحكم كلها، حتى كان يجيب كل مسألة بما يناسبه. ويؤخذ منه أن كل من حبب إليه شيء فإنه يفوق فيه غيره، ومن ثم كان حذيفة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه صاحب السرّ الّذي لا يعلمه غيره، حتى خصّ بمعرفة أسماء المنافقين، وبكثير الأمور الآتية. ويؤخذ منه أن من أدب التعليم أن يعلم التلميذ من أنواع العلوم ما يراه مائلا إليه من العلوم المباحة، فإنه أجدر أن يسرع إلى تفهمه، والقيام به، وأن كل شيء يهدى إلى طريق الخير يسمى خيرا، وكذا بالعكس. ويؤخذ منه ذم من جعل للدين أصلا خلاف الكتاب والسنة، وجعلهما فرعا لذلك الأصل الّذي ابتدعوه. وفيه وجوب ردّ الباطل، وكل ما خالف الهدى النبوي، ولو قاله من قاله من رفيع أو وضيع. [ (2) ] باب (13) وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال. وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، حديث رقم (1847) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 264 الحضرميّ أنه سمع أبا إدريس الخولانيّ يقول: سمعت حذيفة بن اليمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: كان الناس يسألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول اللَّه إنّا كنا في جاهلية وشرّ فجاءنا اللَّه بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم، فقلت: هل بعد ذلك شر من خير قال: نعم؟ وفيه دخن، قال: قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يسنتون بغير سنتي ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتذكر، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول اللَّه، صفهم لنا، قال: نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: يا رسول اللَّه، فما تأمرنى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت فإن لم يكن جماعة ولا إمام؟ قال: فتعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض [على أصل] شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك. اللفظ لمسلم، ولم يقل فيه البخاري: يسنتون بغير سنتي. وذكر البخاري هذا الحديث أيضا في باب علامات النبوة في الإسلام [ (1) ] ، ولم يقل يستنون بغير سنتي، وفي رواية الأصيلي: قوم يهدون بغير هديي، وفي رواية أبي ذر: بغير هديي. وخرجه البخاري [ (2) ] أيضا من حديث يحيى بن سعيد عن إسماعيل، حدثني قيس عن حذيفة، قال: تعلم أصحابى الخير، وتعلمت الشر. ووجد بخط أبي إسحاق بن قرقول على هذا الحديث، قال أبو الحسن القابسي: ينبغي أن يتخذ هذا الحديث أصلا يرجع إليه عند نزول الحوادث. وقد خرجه مسلم [ (3) ] أيضا من حديث يحيى بن حسان قال: حدثنا معاوية بن سلام قال: حدثنا زيد بن سلام، عن أبي سلام قال: قال حذيفة:   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 763- 764، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3606) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3607) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 265 قلت: يا رسول اللَّه إنّا كنا بشرّ، فجاء اللَّه بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: نعم، قلت: فهل من وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي سيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين أئمة في إنس، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول اللَّه إن أدركت ذلك؟ قال: نسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع. قال الدار الدّارقطنيّ [ (1) ] : هذا عندي مرسل، أبو سلام لم يسمع من حذيفة، ولا من نظرائه الذين نزلوا العراق، لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقد قال فيه: قال حذيفة، فهذا يدل على إرساله. وخرج البيهقي [ (2) ] من طريق عباس بن الوليد بن مزيد قال: أخبرنى أبي قال: وسئل الأوزاعي عن تفسير حديث حذيفة حين سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الشر الّذي يكون بعد ذلك الخير، قال الأوزاعي: هي الردة التي كانت بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.   [ () ] (3) (مسلم بشرح النووي) : 12/ 479- 480، كتاب الإمارة، باب (13) وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، حديث رقم (52) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 480، ضمن شرح الحديث رقم (52) ، قال الدار قطنى: هذا عندي مرسل، لأن أبا سلام لم يسمع حذيفة، وهو كما قال الدار قطنى، لكن المتن صحيح، متصل بالطريق الأول، وإنما أتى مسلم بهذا متابعة كما ترى، وقد قدمنا في (الفصول) وغيرها أن الحديث المرسل إذا روى من طريق آخر متصلا، تبين به صحة المرسل، وجاز الاحتجاج به، وبصير في المسألة حديثان صحيحان. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 491، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالشر الّذي يكون بعد الخير الّذي جاء به، ثم بالخير الّذي يكون بعد ذلك، ثم بالشر الّذي يكون بعده، وما يستدل به على إخباره بعمر بن عبد العزيز رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وإشارته إلى ما ظهر من عدله وإنصافه في ولايته. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 266 قال الأوزاعي: وفي مسألة حذيفة: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قال الأوزاعي: الخير الجماعة، وفي ولاتهم من تعرف سيرته، وفيهم من تنكر سيرته، قال: فلم يأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قتالهم ما صلوا الصلاة. وخرج من طريق أبي داود الطيالسي [ (1) ] قال: حدثنا داود الواسطي- وكان ثقة- قال: سمعت حبيب بن سالم قال: سمعت النعمان بن بشير بن سعد في حديث ذكره، قال: فجاء أبو ثعلبة، قال: يا بشير بن سعد، أتحفظ حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الأمراء، وكان حذيفة قاعدا مع بشير، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إنكم في النبوة ما شاء اللَّه أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ما شاء اللَّه أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء، ثم تكون جبرية تكون ما شاء اللَّه أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، قال: فقدم عمر يعنى ابن عبد العزيز، ومعه يزيد بن النعمان فكتبت إليه أذكره الحديث، وكتبت إليه أني أرجو أن يكون أمير المؤمنين بعد الجبرية، فأخذ يزيد الكتاب فأدخله على عمر فسرّ به وأعجبه. وخرج الحاكم [ (2) ] من طريق سعيد بن عامر قال: حدثنا أبو عامر صالح بن رستم عن حميد بن هلال، عن عبد الرحمن بن قرط قال: دخلت المسجد فإذا حلقة كأنما قطعت رءوسهم، وإذا فيهم رجل يحدث، فإذا حذيفة قال: كانوا يسألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الخير وكنت أساله عن الشر كيما أعرفه فأتقيه، وعلمت أن الخير لا يفوتني، قال: فقلت: يا رسول اللَّه، هل بعد هذا الخير من شر؟ قال: يا حذيفة تعلم كتاب اللَّه واعمل بما فيه، ثم قال: في الثالثة: فتنه واختلاف، قلت: يا رسول اللَّه هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: يا حذيفة تعلّم كتاب اللَّه واعمل بما فيه قلت: يا رسول أبعد ذلك الشر من خير؟   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 478، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8330) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 267 قال: فتن على أبوابها دعاة إلى النار، فلأن تموت وأنت عاض على جذل [شجرة] خير لك من أن تتبع أحدا منهم. قال الحاكم [ (1) ] : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قال كاتبه: هو معنى ما خرجاه في الصحيحين وتلك أحسن سياقة وأتم. وخرج الحاكم [ (2) ] من طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا أبو عوانة عن قتادة، عن نضر بن عاصم، عن سبيع بن خالد قال: خرجت إلى الكوفة زمن فتحت تستر لأجلب منها بغالا، فدخلت المسجد، فإذا صدع من الرجال تعرف إذا رأيتهم أنهم من رجال الحجاز، قال: قلت من هذا؟ قال: فحدثني القوم بأبصارهم وقالوا: ما تعرف هذا؟ هذا حذيفة صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: فقال حذيفة: إن الناس كانوا يسألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر. قال: قلت يا رسول اللَّه! أرأيت هذا الخير الّذي أعطانا اللَّه يكون بعده شر كما كان قبله؟ قال: نعم، قلت: يا رسول اللَّه فما العصمة من ذلك؟ قال: السيف، وقلت وهل للسيف من بقية؟ قال: نعم، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم هدنة على دخن، قال: جماعة على فرقة، فإن كان للَّه عز وجل يومئذ خليفة ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع، وإلا فمت وأنت عاضا بجذل شجرة، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: يخرج الدجال، ومعه نهر ونار، فمن وقع في ناره أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره، وجب وزره، وحط أجره، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم إنما هي قيام الساعة. وخرج الحاكم [ (2) ] من طريق أبي داود الطيالسي قال حدثنا أبو عوانه عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن سبيع بن خالد قال: خرجت إلى الكوفة زمن فتحت تستر لأجلب منها بغالا فدخلت المسجد فإذا صدع من الرجال تعرف إذا رأيتهم أنهم من رجال الحجاز، قال: قلت من هذا؟ قال: فحدقني القوم   [ (1) ] في (الأصل) : هذا حديث حسن صحيح الإسناد، وما أثبتناه من (المستدرك) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] (المرجع السابق) : حيث رقم (8332) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 268 بأبصارهم وقالوا: ما تعرف هذا هذا حذيفة صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: كان الناس سيألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر. قال: قلت: يا رسول اللَّه! أرأيت هذا الخير الّذي أعطانا اللَّه يكون بعده شر كما كان قبله؟ قال: نعم، قلت: يا رسول اللَّه فما العصمة من ذلك؟ قال: السيف، وقلت: وهل للسيف من بقية؟ قال: نعم، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم هدنة على دخن، قال: جماعة على فرقة، فإن كان للَّه عز وجل يومئذ خليفة ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع، وإلا فمت وأنت عاض بجذل شجرة، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: يخرج الدجال، ومعه نهر ونار، فمن وقع في ناره وحط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره، وحط أجره، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم إنما هي قيام الساعة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث زيد بن أرطاة عن بعض إخوته عن أبي الدرداء عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: كل شيء ينقص إلا الشر، فإنه يزاد فيه. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. قال كاتبه: هو معنى ما خرجاه في الصحيحين وتلك أحسن سياقه وأتم.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 594، حديث رقم (26937) ، من حديث أبي الدرداء عويمر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 269 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بيزيد بن معاوية [ (1) ] وإحداثه في الإسلام الأحداث العظام فخرج الحاكم [ (2) ] من طريق مجاشع بن عمرو ومنصور بن عمارة قالا: حدثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل قال حدثني عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي   [ (1) ] هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، الخليفة، أبو خالد، القرشيّ، الأموي، الدمشقيّ، أمه ميسون بنت بحدل الكلبية. جعله أبوه ولىّ عهده، وأكره الناس على ذلك. له على هناته حسنة، وهي غزو القسطنطينية، وكان أمير ذلك الجيش، وفيهم مثل أبي أيوب الأنصاري رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. عقد له أبوه بولاية العهد من بعده، فتسلم الملك عند موت أبيه في رجب سنة ستين، وله ثلاث وثلاثون سنة، فكانت دولته أقل من أربع سنين، ويزيد ممن لا نسّبه ولا نحبّه، وله نظراء من خلفاء الدولتين، وكذلك في ملوك النواحي، بل فيهم من هو شرّ منه، وإنما عظم الخطب لكونه ولى بعد وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بتسع وأربعون سنة، والعهد قريب، والصحابة موجودون، كابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، الّذي كان أولى بالأمر منه، ومن أبيه، وجده. قال الحسن البصري: أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت، ونال من القراء، فحكم الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة. والمغيرة بن شعبة، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي فأقبل معزولا، فأبطأ عنه، فلما ورد عليه قال: ما أبطأ بك؟ قال: أمر كنت أوطئه وأهيئه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك، قال: أو قد فعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك، فلما خرج قال له أصحابه: ما وراءك؟ قال: وضعت رجل معاوية في غرز غيّ لا يزال فيه إلى يوم القيامة. قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة، توفى يزيد في نصف ربيع الأول سنة أربع وستين. (تهذيب سير الأعلام) : 1/ 128، ترجمة رقم (389) ، (تاريخ الخلفاء) : 164- 168 مختصرا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 270 اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن معاذ بن جبل أخبره قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم متغير اللون فقال: أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم، فإذا ذهب بى فعليكم بكتاب اللَّه، أحلوا حلاله وحرموا حرامه، أتتكم الموتة، أتكلم بالروح والراحة، كتاب من اللَّه سبق، أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم كلما ذهب رسل جاء رسل تناسخت النبوة فصارت ملكا رحم اللَّه من أخذها بحقها وخرج منها كما دخلها، وذلك أن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أحد رءوس الكفر، جاء يزيد من قبل أبيه فإن أباه معاوية، أمه هند بنت عتبة هذا، وقتله اللَّه يوم بدر، فهو يقول في سفره أنه ينتفى من عتبة رأس الكفر إن لم يأخذ بثأره من أحمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وينعق في شعره بأنه تشفى إذا أخذ بثأر عتبة لما قتل الحسين ابن بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت قتلة الحسين إحدى مصائب الإسلام التي انتهكت فيها بحرمات اللَّه. ومن شنائع يزيد أنه لما جهز الجيش إلى المدينة مع مسلم بن عقبة المري قال: خذها إليك أبا خبيب إنها كناصية الحصان الأشقر وادع إلهك في السماء فإنني داع إليك رجال سمر وأشعر. يريد بأبي خبيب عبد اللَّه بن الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ويستخف بدعائه إلى اللَّه تعالى فإنه كان قد عاذ بالبيت الحرام. فكانت وقعة الحرة [ (1) ] ، إحدى مصائب الإسلام الشنيعة ومضت جيوش يزيد بعدها من المدينة   [ () ] (2) لم أجده في (المستدرك) . [ (1) ] قال يعقوب: حدثنا يحى بن عبد بن بكير، عن الليث بن سعد قال: كانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين. أخبرنا أبو الحسن بن الفضل، أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير عن مغيرة، قال: أنهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثة أيام، فزعم المغيرة أنه افتضّ فيها ألف عذراء. ومسرف بن عقبة هو الّذي يقال له: مسلم بن عقبة، الّذي جاء في قتال أهل الحرة، وإنما سماه مسرفا لإسرافه في القتل والظلم. (دلائل البيهقي) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 271 إلى مكة لمحاربه ابن الزبير بمكة وقد رميت الكعبة بالمنجنيق واحترقت من شرارة هبت بها الريح. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن جبارا من جبابرة بني أمية يرعف على منبره فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث عبد الصمد قال: حدثنا حماد قال حدثني على بن زيد قال: أخبرنى من سمع أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية، فيسيل رعافه. قال: فحدثني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى سال رعافه. وعمرو هذا هو أبو أمية عمرو الأشدق بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي القرشي أحد أشراف قريش، ولاه معاوية مكة ثم استعمله يزيد بن معاوية على المدينة في رمضان سنة ستين فباشرها، وكان عظيم الكبر حتى عزله في سنة إحدى وستين في ولايته، رعف على المنبر أول ما خطب، ثم شهد مع مروان بن الحكم مرج راهط [ (2) ] وحرب مصر، فلما قام عبد الملك بن مروان قتله في سنة سبعين أو قبلها، وقد ذكرته ذكرا شافيا في كتاب (التاريخ الكبير المقفى) [ (3) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 330، حديث رقم (10385) من مسند أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] مرج راهط: بنواحي دمشق، وهو أشهر المروج في الشعر، فإذا قالوه مفردا فإياه يعنون. (معجم البلدان) : 5/ 118، موضع (11092) . [ (3) ] ترجمته في (المقفى الكبير) : 2/ 272، 273، 276، 3/ 156، 279، 577، 580، 607، 615، 4/ 333، 457، 358، 613، 6/ 290. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 272 ولما رعف وهو يخطب قال: أعرابي جاء بالدم، وناوله إنسان عمامة فمسحه بها فقال أعرابي: عمّ الناس الدم، ثم ناوله إنسان عصا ذات شعبتين فقال أعرابي: شعب بين الناس [ (1) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بتمليك بني أمية فخرج الإمام أحمد [ (2) ] والحاكم [ (3) ] من حديث حجاج بن محمد، حدثنا شعبة عن أبي حمزة قال: سمعت حميد بن هلال يحدث عن عبد اللَّه بن مطرف، عن أبي برزة الأسلمي، قال: كان أبغض الأحياء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرج الحاكم [ (4) ] من حديث أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي مؤذن المسجد الحرام، قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إني رأيت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون على   [ (1) ] وخرج الحاكم من حديث أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إني رأيت في منامي كأن بنى الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة. قال: فما رئي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى توفى. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. كتاب الفتن والملاحم (المستدرك) : 4/ 527، حديث رقم (8481) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 5/ 579، حديث رقم (19276) . من حديث أبي بردة الأسلمي، ولفظه: كان أبغض الناس- أو أبغض الأحياء- إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثقيف وبنو حنيفة. [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 528، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8482) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (4) ] راجع التعليق رقم (1) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 273 منبري كما تنزو القرود، قال: فما رئي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى توفى. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث أبي داود الطيالسي حدثنا: القاسم بن الفضل الحداني عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما بعد ما بويع معاوية رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: سوّدت وجوه المؤمنين! قال: لا تؤنبنى رحمك اللَّه، فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أرى بنو أمية على منبره فساءه ذلك، فزلت: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [ (2) ] يا محمد يعنى نهرا في الجنة، ونزلت إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [ (3) ] تملكها بعدك بنو أمية يا محمد، قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا يزيد يوم ولا ينقص. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والقاسم بن الفضل الحداني هو ثقة، وثقه يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، ويوسف بن سعد مجهول، ولا نعرف هذا الحديث على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه. وقد خرج هذا الحديث البيهقي [ (4) ] من طريق أحمد بن زهير بن حرب حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا القاسم بن الفضل الحدانى. ومن طريق أبي داود يعنى الطيالسي حدثنا القاسم بن الفضل قال حدثنا يوسف بن مازن الراسبي قال: قام رجل إلى الحسن بن علي فقال: يا مسوّد وجه المؤمنين! فقال الحسن: لا تؤنبني رحمك اللَّه. الحديث.   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 414، كتاب تفسير القرآن، باب (85) تفسير سورة القدر، حديث رقم (3350) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] الكوثر: 1. [ (3) ] القدر: 1- 3. [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 509- 510، باب ما جاء في رؤياه صلّى اللَّه عليه وسلم في ملك بنى أمية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 274 وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث بقية بن الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد اللَّه خولا، ومال اللَّه نحلا، وكتاب اللَّه دغلا. وخرجه [ (2) ] من حديث بقية وعبد القدوس بن الحجاج قالا: حدثنا: أبو بكر ابن أبي مريم عن راشد بن سعد عن أبي ذر قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد اللَّه خولا، ومال اللَّه نحلا، وكتاب اللَّه دغلا. قال أبو بكر بن أبي مريم: وحدثني عمار بن أبي عمار أنه سمع أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [يقول] هلاك هذه الأمة على يدي أغيلمة من قريش. [قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين] ، قال: ولهذا الحديث توابع وشواهد عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وصحابته والأئمة من التابعين، لم يسعني إلا ذكرها، فذكرت بعض ما حضرني منها. فذكر من طريق عبد الرزاق بن همام [ (3) ] قال: حدثني أبي عن مينا مولى عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فدعا له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] الملعون.   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 525- 526، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8475) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على ضعف رواته منقطع. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8476) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8477) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : لا واللَّه، وميناء كذبه أبو حاتم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 275 وذكر أيضا من طريق إسحاق بن يوسف [ (1) ] ، حدثنا شريك بن عبد اللَّه، عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن حلام بن جزل الغفاريّ قال: سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاريّ يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال اللَّه دولا، وعباد اللَّه خولا ودين اللَّه دغلا، قال حلام: فأنكرت ذلك على أبي ذر، فشهد عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنى سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وأشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قاله. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وشاهده حديث أبي سعيد الخدريّ، فذكر عن طريق أبي صالح بن عمر [ (2) ] ، حدثنا مطرف بن طريف عن عطية عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين اللَّه دغلا، وعباد اللَّه خولا، ومال اللَّه دولا. قال وهكذا رواه الأعمش عن عطية، فذكره من طريق محمد بن حميد [ (3) ] حدثنا جرير عن الأعمش، عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال اللَّه دولا، ودين اللَّه دغلا، وعباد اللَّه خولا. قال كاتبه: وقد خرج هذا الحديث من طريق أبي بكر بن أبي إدريس، قال: حدثني سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلا اتخذوا دين اللَّه دغلا، وعباد اللَّه خولا، ومال اللَّه دولا.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8478) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8479) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : ورواه محمد بن حميد عن جرير عن الأعمش عن عطية. [ (3) ] (المرجع السابق) حديث رقم (8480) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 276 وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث أمية بن خالد عن شعبة، عن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية لابنه يزيد قال مروان: سنّة أبي بكر وعمر، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر، سنّة كسرى وقيصر، قال مروان: هو الّذي أنزل فيه وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما [ (2) ] الآية. قال: فبلغ عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، فقالت كذب واللَّه ما هو به، ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعن أبا مروان، ومروان في صلبه، فمروان قصص من لعنة اللَّه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرج من طريق مسلم بن إبراهيم [ (3) ] ، حدثنا: جعفر بن سليمان الضبعي، حدثنا على بن الحكم البناني، عن أبي الحسن الجزري، عن عمرو ابن مرة الجهنيّ، وكانت له صحبة، أن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فعرف صوته وكلامه، فقال: ائذنوا له، عليه لعنة اللَّه، وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم، وقليل ما هم، يشرفون في الدنيا، ويوضعون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة، يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. [ولم يخرجاه] . وخرجه البيهقي [ (4) ] من حديث مسلم بن إبراهيم، حدثنا سعيد بن زيد أخو حمّاد بن يزيد، عن علي بن الحكم عن أبي الحسن، عن عمرو بن مرة،   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 528، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8483) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : فيه انقطاع، محمد لم يسمع من عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) ، وفيه «هرقل وقيصر» . [ (2) ] الأحقاف: 17. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8484) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : لا واللَّه، فأبو الحسن من المجاهيل، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 512، باب ما جاء في رؤياه صلّى اللَّه عليه وسلم في ملك بنى أمية، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، ثم قال في آخره قال الدارميّ: عبد اللَّه بن عبد الرحمن أبو الحسن هذا حمصىّ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 277 وكانت له صحبة، قال: جاء الحكم بن أبي العاص يستأذن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فعرف كلامه، فقال: ائذنوا له، حية أو ولد حية، فذكره بنحو منه. قال الحاكم [ (1) ] : وشاهده، فذكر من حديث أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين، حدثنا إبراهيم بن منصور الخراساني حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن محمد بن سوقة، عن الشعبي، عن عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعن الحكم وولده. قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد، وقال الحاكم [ (2) ] : ليعلم طالب العلم أن هذا باب لم أذكر فيه ثلث ما روى، وأن أول الفتن في هذه الأمة فتنتهم، ولم يسعني فيما بيني وبين اللَّه تعالى أن أخلى الكتاب من ذكرهم. وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث كامل بن طلحة، حدثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل أن ابن موهب أخبره أنه كان عند معاوية بن أبي سفيان، فدخل عليه مروان، فكلمه في حاجته، فقال: اقض حاجتي يا أمير المؤمنين، فو اللَّه إن مئونتي لعظيمة، وإني أبو عشرة، وعم عشرة، وأخو عشرة، فلما أدبر مروان وابن عباس جالس [مع] [ (4) ] معاوية، على السرير، قال معاوية: أنشدك اللَّه [ (5) ] يا ابن عباس [ (6) ] ألم تعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا مال اللَّه بينهم دولا، وعباد اللَّه خولا، وكتاب اللَّه دغلا،   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 528- 529، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8485) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : الرشدينى ضعفه ابن عدىّ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 4/ 529. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 507- 508، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بصفة بنى عبد الحكم بن أبي العاص، إذا كثروا، فكانوا كما أخبر. [ (4) ] في (الأصل) : «عند» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (5) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «أشهد باللَّه» . [ (6) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «أما تعلم» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 278 فإذا بلغوا تسعة وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة؟ فقال [ابن عباس] [ (1) ] : اللَّهمّ نعم [ (2) ] . وذكر مروان حاجة له، فرد مروان عبد الملك إلى معاوية فكلمه فيها، فلما أدبر عبد الملك قال معاوية: أنشدك اللَّه يا ابن عباس! أما تعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذكر هذا؟ فقال: أبو الجبابرة الأربعة؟ فقال ابن عباس: اللَّهمّ نعم. وخرج من حديث سفيان [ (3) ] عن على بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال: رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بني أمية على منابرهم فساءه ذلك، فأوحى اللَّه إليه إنما هي دنيا أعطوها، فقرت عينه، وهي قوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [ (4) ] يعنى بلاء الناس. وخرج الحاكم [ (5) ] من حديث الفرياني حدثنا سفيان عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي مر عن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ قال: هم الأفخران من قريش، بنو أمية، وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فقد قطع اللَّه دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا حتى حين، قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] . ولأبى بكر بن أبي شيبة [ (6) ] من حديث هوذة بن خليفة عن أبي خلدة عن عوف، عن أبي العالية، عن أبي ذر، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية.   [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (2) ] قال ابن كثير: فيه غرابة ونكارة شديدة. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 509، باب ما جاء في رؤياه ملك بنى أميه. [ (4) ] الإسراء: 60 [ (5) ] (المستدرك) : 2/ 383، كتاب التفسير، تفسير سورة إبراهيم، حديث رقم (3343) : قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (6) ] (المصنف) : 7/ 259، حديث رقم (35866) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 279 وأما إخباره عليه الصلاة والسلام بالوليد وذمّه له فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث بشر بن بكر، قال: حدثني الأوزاعي، قال حدثني الزهري، قال: حدثني سعيد بن المسيب، قال: ولد لأخي أم سلمة من أمها غلام فسموه [ (2) ] الوليد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تسمون بأسماء فراعنتكم؟ غيروا اسمه، فسموه عبد اللَّه، فإنه سيكون في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، هو شر لأمتي من فرعون وقومه قال البيهقي: هذا مرسل حسن. وخرجه الحافظ أبو نعيم [ (3) ] من حديث إسماعيل بن عياش، عن الأوزاعي بنحوه وزاد، قال الأوزاعي: قلت له: أيّ الوليد هو؟ إن استحلف الوليد بن يزيد فهو هو، وإلا فالوليد بن عبد الملك. وقد خرجه الإمام أحمد [ (4) ] من حديث الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 505، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم برجل يكون في أمته يقال له: الوليد صاحب ضرر، فكان كما أخبر. [ (2) ] في (الأصل) : «فسمته» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] أخرجه أيضا الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 271، باب الإخبار عن الوليد بما فيه له من الوعيد الشديد، وإن صحّ فهو الوليد بن يزيد، لا الوليد بن عبد الملك، ثم قال: قال أبو عمرو الأوزاعي: فكان الناس يرون أنه الوليد بن عبد الملك ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد، لفتنة الناس به، حتى خرجوا عليه فقتلوه، وانفتحت على الأمة الفتنة والهرج. وقد رواه نعيم بن حماد عن الوليد بن مسلم به، وعنده قال الزهريّ: إن استخلف الوليد ابن يزيد، فهو هو، وإلا فهو الوليد بن عبد الملك. وقال نعيم بن حماد: حدثنا هشيم عن أبي حمزة عن الحسن، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: سيكون رجل اسمه الوليد، يسدّ به ركن من أركان جهنم وزاوية من زواياها، وهذا مرسل أيضا. [ (4) ] (مسند أحمد) : 1/ 32، حديث رقم (110) ، من مسند عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 280 وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث الأوزاعي عن الزهري عن ابن المسيب. عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، [قال الحاكم:] وهو الوليد بن يزيد بلا شكّ ولا مرية. وخرجه البيهقي [ (2) ] أيضا من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا أبو عمر الأوزاعي بنحوه وزاد في آخره: قال الأوزاعي: وكان الناس يرون أنه الوليد ابن عبد الملك بن مروان ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد بن عبد الملك لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقتلوه، ففتحت الفتن على الأمة والهرج. قال كاتبه: كان الوليد بن عبد الملك بن مروان جبارا عنيدا قال: كنتم تسمون الخلفاء ومن سماني قتلته، قال: فكف الناس عن تسمية الخلفاء، وسمعت عمر بن عبد العزيز يقول في خطبته: يا ليتها كانت القاضية [ (3) ] ، فقال: عليك وأراحتنا منك، وكان الوليد بن يزيد بن عبد الملك ماجنا، فاسقا، معلنا بالفسق، واقع جارية، ثم دعي إلى الصلاة، فأمرها فخرجت متلثمة فصلت بالناس، وأخذ القوس، ورمى المصحف، وخرقه، وقال: إذا لاقيت ربك يوم حشر فقل يا رب خرقني الوليد [ (4) ] ويقال: إنه كان يقول مقالة التنويه.   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 539، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8509) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 505- 506. [ (3) ] الحاقة: 27. [ (4) ] حياة الحيوان الكبرى) : 1/ 66- 67، خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك، قال الدميري: فأقام في الخلافة سنة واحدة، ثم أجمع أهل دمشق على خلعه وقتله، لاشتهاره بالمنكرات، وتظاهره بالكفر والزندقة. قال الحافظ ابن عساكر وغيره: انهمك الوليد في شربه الخمر ولذاته، ورفض الآخرة وراء ظهره، وأقبل على القصف واللهو، والتلذذ مع الندماء والمغنين، وكان يضرب بالعود، ويوقع بالطبل، ويمشى بالدف، وكان قد انتهك محارم اللَّه تعالى، حتى قيل له: الفاسق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 281 وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى خلافة عمر بن عبد العزيز رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عفان بن مسلم قال: حدثنا عثمان بن عبد الحميد بن لاحق، عن جويرة بنت أسماء، عن نافع، قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن من ولدي رجلا بوجهه شين يلي، فيملأ الأرض عدلا، قال نافع من قبله: لا أحسبه إلا عمر بن العزيز.   [ () ] وكان أكمل بنى أمية أدبا، وفصاحة، وظرفا، وأعرفهم بالنحو واللغة والحديث، وكان جوادا مفضالا. ومع ذلك لم يكن في بنى أمية أكثر إدمانا للشراب والسماع، ولا أشدّ مجونا، وتهتكا، واستخفافا بأمر الأمة من الوليد بن يزيد. يقال: إنه واقع جارية له وهو سكران، وجاء المؤذنون يؤذنون بالصلاة، فحلف أن لا يصلى بالناس إلا هي، فلبست ثيابه، وتنكرت، وصلت بالمسلمين، وهي جنب سكرى. ويقال: إنه اصطنع بركة من خمر، وكان إذا طرب ألقى نفسه فيها، وشرب منها، حتى يبين النقص في أطرافها. وحكى الماوردي في كتاب (أدب الدين والدنيا) عنه أنه تفاءل يوما في المصحف، فخرج له قوله تعالى: وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، [إبراهيم: 15] فمزق المصحف وأنشأ يقول: أتوعد كلّ جبار عنيد ... فها أنا ذاك جبار عنيد إذا ما جئت ربك يوم حشر ... فقل: يا رب مزقني الوليد فلم يلبث إلا أياما يسيرة حتى قتل شرّ قتله، وصلب رأسه على قصره، ثم على أعلى سور بلده. [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 492، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالشر الّذي يكون بعد الخير الّذي يكون بعد ذلك، ثم بالشر الّذي يكون بعده، وما يستدل به على إخباره بعمر بن عبد العزيز رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. وإشارته إلى ما ظهر من عدله وإنصافه في ولايته. وأخرجه الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) : 6/ 286، نقلا عن البيهقي في (الدلائل) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 282 ومن طريق عثمان بن طالوت [ (1) ] ، قال: أخبرنا سليمان بن حرب، حدثنا مبارك بن فضالة عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، قال: كان ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول كثيرا: ليت شعرى! من هذا الّذي من ولد عمر بن الخطاب في وجهه علامة يملأ الأرض عدلا؟ [فأمر ابن أيوب بالحديث] . ومن حديث عبد العزيز بن عبد اللَّه [ (2) ] بن أبي سلمة، قال: أخبرنا عبد اللَّه بن دينار، قال: قال عمر: يا عجبا كيف يزعم الناس أن الدنيا لن تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمل عمر؟ قال: فكانوا يرونه بلال بن عبد اللَّه بن عمر، قال: وكان بوجهه أثر قال: فلم يكن هو، وإذا هو عمر بن عبد العزيز، وأمه ابنة عاصم بن الخطاب. ومن طريق أصبغ بن الفرج، قال: أخبرنى عبد الرحمن بن القاسم، قال: حدثني مالك عن سعيد بن المسيب أنه وجد نشطة، فقال لرجل: من الخلفاء؟ قال الرجل: أبو بكر، وعمر وعثمان، فقال سعيد: الخلفاء أبو بكر، والعمران، فقال: أبو بكر، وعمر، قد عرفناهما فمن عمر الآخر؟ قال يوشك إن عشت أن تعرفه، يريد عمر بن عبد العزيز، قال محمد بن أصبغ: الرجل عبد الرحمن بن حرملة [ (3) ] . قال البيهقي [ (4) ] : عن الحارث بن مسكين، عن ابن القاسم عن مالك، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، وابن المسيب مات قبل عمر بن عبد العزيز بسنتين، ولا يقول إلا توقيفا. وخرج أيضا من حديث ابن وهب [ (5) ] قال: حدثني أسامه بن زيد، عن عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، قال: إنما ولى عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم، فيقول اجعلوا هذا، كيف ترون   [ (1) ] (المرجع السابق) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) 6/ 493، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (4) ] (المرجع السابق) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (5) ] (المرجع السابق) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 283 في الفقراء فما يبرح حتى يرجع بماله، يتذكر من يضعه فيهم فلا يجده، فيرجع بماله، قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس. قال البيهقي [ (1) ] : وفي هذه الحكاية تصديق ما روينا في حديث عدي بن حاتم، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من قوله: ولئن طالت بك حياة لترى الرجل يخرج ملء كفه ذهبا أو فضة فيلتمس من يقبله ولا يجد أحدا يقبله. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأحوال وهب بن منبّه وغيلان القدري فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث هشام بن عمار، والهيثم بن خارجة، قالا: حدثنا الوليد بن مسلم عن مروان بن سالم القرقساني، قال: حدثنا الأحوص بن حكيم، عن خالد بن معدان، عن عبادة بن الصامت، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكون في أمتي [رجل يقال له وهب يهب اللَّه له الحكمة، ورجل يقال له غيلان، هو أضر على أمتي من إبليس] . قال البيهقي: تفرد به مروان بن سالم الجزري وكان ضعيفا في الحديث. قال كاتبه: هو مروان بن سالم بن عبد اللَّه البغدادي الشامي سكن قرقيسياء [ (3) ] من الجزيرة، وروى عن عبد الملك بن أبي سليمان والأعمش وابن   [ (1) ] المرجع السابق) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 496، باب ما روي من إخباره بحال وهب بن منبه، وغيلان القدريّ، إن صح هذا الحديث ولا أراه صحيحا، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (3) ] قرقيسياء: بالفتح ثم سكون، وقاف أخرى، وياء ساكنة، وسين مكسورة، وياء أخرى، وألف ممدودة، ويقال بياء واحدة. قال حمزة الأصبهاني: قرقسياء معرب كركسيا، وهو مأخوذ من كركيس، واسم معرب لأرسال الخيل، المسمى بالعربية بالحلبة، وكثيرا ما يجيء في الشعر مكسورا. وهي بلد على نهر الهابور، وعندها مصب الخابور في الفرات، فهي مثلث بين الخابور والفرات. وإليها فرّ زفر بن الحارث العامرىّ ثم الكلابيّ بعد وقعة مرج راهط. (معجم البلدان) : 4/ 373، موضع رقم (9543) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 284 جريج وأبى حنيفة وجماعة، وروى عنه بقية وعبد الصمد بن عبد الوارث وعبد المجيد بن أبي داود ونعيم بن حماد، وطائفة البخاري: منكر الحديث، وقال أحمد: ليس بثقة، وقال النسائي متروك الحديث، وقال: أبو حاتم: منكر الحديث جدا، وقال ابن عدي: ومروان هذا قريب من مروان بن نهيك، وليس بالمعروف [ (1) ] . وقال البيهقي [ (2) ] : وروى ذلك من وجه آخر أضعف من هذا، فذكره من حديث أحمد بن العباس، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ينعق الشيطان بالشام نعقة يكذب ثلثاهم بالقدر. قال البيهقي: وهذا إن صح، فيه إشارة إلى غيلان القدري، وما ظهر بالشام بسببه من التكذيب بالقدر حتى قتل [ (3) ] . قال كاتبه: وقد خرج ابن عساكر من حديث عبد بن حميد، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدثني الوليد بن مسلم، وعبد المجيد بن أبي داود، عن مروان بن سالم، عن خالد بن معدان، عن عبادة، فذكره، ثم قال: وقد أسقط من إسناده الأحوص بن حكيم، فذكره من طريق أحمد بن زهير ابن حرب ويعقوب بن كعب الأنطاكي، حدثنا الوليد بن مسلم، عن مروان بن سالم، حدثنا الأحوض عن خالد عن عباده، فذكره ثم قال: وروى من وجه آخر عن خالد بن معدان، فذكره من حديث حسان بن إبراهيم بن يحيى بن زيان عن عبد اللَّه بن راشد، عن خالد بن معدان، عن عبادة، فذكره. قال: ورواه عليّ ابن المديني عن حسان فزاد في إسناده رجلا غير مسمى فأورد من حديث ابن المديني حسان بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن زيان أخبرنا عبد اللَّه بن راشد، عن مولى لسعيد بن عبد الملك، قال: سمعت خالد بن معدان يحدث عن عبادة، فذكره. قال: وروي من وجه آخر مرسلا، فأورده من طريق أبي الجهم   [ (1) ] له ترجمة في: (ميزان الاعتدال) : 4/ 90، ترجمة رقم (8425) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 496- 497. [ (3) ] (المرجع السابق) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 285 أحمد بن الحسين بن طلاب حدثنا العباس بن الوليد بن صبح الخلال، حدثنا مروان بن محمد، حدثنا محمد بن عبد اللَّه الشعيتي، قال: كنت جالسا عند مكحول، قال: ومعه غيلان، قال: إذ أقبل شيخ من أهل البصرة، قال: فجلس إلى مكحول، قال: فسلم عليه ثم قال له مكحول: كيف سمعت الحسن يقول في آية كذا أو كذا؟ فأخبره بشيء لم أحفظه، قال: ثم أقبل عليه ودع هذا عنك، فغضب مكحول، وكان شديد الغضب، ثم قال له: ويلك يا غيلان إنه قد بلغني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: سيكون في أمتي رجل يقال له غيلان هو أضرّ عليها من إبليس، فإياك أن تكون هو! ثم قام وتركه. قال المؤلف: فقد وجد لحديث مروان متابعات. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 286 وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى حال محمد بن كعب القرظي [ (1) ] فخرج البيهقي [ (2) ] وغيره من حديث ابن وهب قال: أخبرني أبو صخر، عن عبد اللَّه بن مغيث بن أبي بردة الظفري، عن جده، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: يخرج في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون من بعده. ومن حديث يعقوب بن سفيان [ (3) ] حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا نافع ابن يزيد، حدثنا أبو صخر، عن عبد اللَّه بن معتب أن معتب بن أبي بردة. فذكره بإسناده نحوه. ومن حديث ابن وهب [ (4) ] ، قال: حدثني عبد الجبار بن عمر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يكون في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد غيره، قال: وكانوا يرون أنه محمد بن كعب القرظي [قال أبو ثابت: الكاهنان قريظة والنضير] ، قال البيهقي: هذا مرسل، وروى من وجه آخر مرسلا، فذكره من طريق موسى ابن عقبة [ (5) ] قال: بلغني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يخرج من الكاهنين رجل أعلم الناس بكتاب اللَّه. قال سفيان: يرون أنه محمد بن كعب القرظي [ (6) ] .   [ (1) ] هو محمد بن كعب بن سليم القرظيّ المدنيّ، من أئمة التفسير، ثقة، عالم، متبحر، وفاته سنة (108) ، وولادته قيل: في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولم يصح، وقيل: أنه كان مجاب الدعوة، كبير القدر. له ترجمة في: (التاريخ الكبير) : 1/ 216، (حلية الأولياء) : 3/ 212، (شذرات الذهب) : 1/ 136. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 458، باب ما روى في إشارته إلى من يكون بعده من قريظة يدرس القرآن. [ (3) ] (المرجع السابق) . [ (4) ] (المرجع السابق) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (5) ] (المرجع السابق) . [ (6) ] (المرجع السابق) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 287 وقال عون بن عبد اللَّه: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من محمد بن كعب القرظي. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بانخرام قرنه الّذي كان فيه على رأس مائة سنة، فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البخاري في كتاب العلم [ (1) ] ، في باب السمر بالعلم، من حديث الليث، قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن ابن شهاب، عن سالم وأبي بكر بن سليمان، عن أبي حثمة. وخرج في كتاب الصلاة [ (2) ] في باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء، من حديث شعيب، عن الزهري، قال: حدثني سالم بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: صلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد. فوهل الناس في مقالة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث على مائة سنة، وإنما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يبقى ممن هو اليوم عن ظهر الأرض. يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن. هذا لفظ حديث شعيب. وانتهى ابن مسافر إلى قوله: أحد [ (3) ] وقال فيه صلّى صلّى اللَّه عليه وسلم العشاء، وقال: فإن رأس مائة سنة منها.   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 281- 282، كتاب العلم، باب (41) السمر في العلم، حديث رقم (116) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 2/ 93، كتاب مواقيت الصلاة، باب (40) السمر في الفقه والخير بعد العشاء، حديث رقم (601) . [ (3) ] (المرجع السابق) : باب (20) ذكر العشاء والعتمة، ومن رآه واسعا، حديث رقم (564) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 288 وخرج مسلم [ (1) ] في كتاب المناقب من حديث عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر عن الزهري، قال أخبرنى سالم بن عبد اللَّه، وأبو بكر بن سليمان، أن عبد اللَّه بن عمر، قال: صلى بنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد قال ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال رسول صلّى اللَّه عليه وسلم لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد، يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن. وخرجه أبو داود [ (2) ] في كتاب الملاحم من حديث عبد الرزاق. وخرج مسلم [ (3) ] من حديث ابن جريح أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر تسألونى عن الساعة وإنما علمها عند اللَّه، وأقسم باللَّه ما على الأرض من نفس منفوسة يأتى عليها مائة سنة. ومن حديث معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي قال: حدثنا نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال ذلك وقبل موته بشهر أو نحو   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 323، كتاب فضائل الصحابة، باب (53) قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تأتى مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم، حديث رقم (2537) . قال الإمام النووي: لكن قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك لما رجع من تبوك هذه الأحاديث، وقد فسر بعضها بعضا، وفيها علم من أعلام النبوة، والمراد أن كل نفس منفوسة كانت تلك الليلة على الأرض، لا تعيش بعدها أكثر من مائة سنة.. وليس فيه نفى عيش أحد يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة، ومعنى نفس منفوسة أي مولودة. وفيه احتراز من الملائكة، وقد احتج بهذه الأحاديث من شذ من المحدثين، فقال: الخضر عليه السلام ميت! والجمهور على حياته، ويتألون هذه الأحاديث على أنه أي الخضر كان على البحر لا على الأرض، أو أنها عام مخصوص. (شرح النووي) . وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] (سنن أبي داود) : 4/ 516، كتاب الملاحم، باب (18) قيام الساعة، حديث رقم (4348) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 324، كتاب فضائل الصحابة، باب (53) قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تأتى مائة سنة، وعلى الأرض نفس منفوسة، حديث رقم (2538) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 289 ذلك: ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها مائة سنة، وهي حية يومئذ [وعن عبد الرحمن صاحب السقاية عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمثل ذلك، وفسرها عبد الرحمن قال: نقص العمر] . ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سليمان [ (1) ] بن حيان عن داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: لما رجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من تبوك سألوه عن الساعة فقال: لا تأتى مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم. ومن حديث أبي عوانة، عن حصين، عن سالم، عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما من نفس منفوسة تبلغ مائة سنة: فقال سالم: تذاكرنا ذلك عنده إنما هي كل نفس مخلوقة يومئذ [ (2) ] . وخرج مسلم [ (3) ] من حديث الجريريّ، قال: كنت أطوف مع الطفيل فقال لي: لم يبق أحد ممن لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غيري .... الحديث. قال البيهقي [ (4) ] وأبو الطفيل ولد عام أحد، ومات بعد المائة من الهجرة وقيل من وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فيكون موته على رأس المائة من إخباره النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بما أخبر. وقال الإمام أحمد [ (5) ] : حدثنا ثابت بن الوليد بن عبد اللَّه بن جميع قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو الطفيل، أدركت ثماني سنين من حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وولدت عام أحد.   [ (1) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (2539) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (202) . [ (3) ] (المرجع السابق) : كتاب الفضائل، باب (28) كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أبيض، مليح الوجه، حديث رقم (98) ، عن الجريريّ، عن أبي الطفيل قال: قلت له: أرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم كان أبيض مليح الوجه. قال مسلم بن الحجاج: مات أبو الطفيل سنة مائة، وكان آخر من مات من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 501، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بانخرام قرنه الّذي كان فيه على رأس مائة سنة فكان كما أخبر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 290 وقال أبو عيسى الترمذي [ (1) ] : سمعت الحسن بن على الحلواني يقول: آخر من مات من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبو الطفيل، مات بعد المائة. قال البيهقي: يريد بعد المائة من الهجرة. قال كاتبه: ويؤيده أنه صلّى اللَّه عليه وسلم أراد بذلك انخرام قرنه الّذي هو فيه، ما خرجه البخاري [ (2) ] في كتاب الرقاق من حديث عبدة عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يسألونه متى الساعة؟ فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم. قال هشام: يعني موتهم. وخرجه مسلم [ (3) ] في آخر كتاب الفتن من حديث أبي أسامه، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سألوه عن الساعة، متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال: إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم.   [ () ] (5) (مسند أحمد) : 5/ 635، حديث رقم (23287) من حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (1) ] (دلائل البيهقي) 6/ 502. [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 439- 440، كتاب الرقاق، باب (42) سكرات الموت، حديث رقم (6511) ، سكرات الموت بفتح المهملة والكاف: جمع سكرة، قال الراغب وغيره: السكر حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما تستعمل في الشراب المسكر، ومطلق في الغضب، والعشق، والألم، والنعاس، والغشي الناشئ عن الألم، وهو المراد هنا. قال تعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ وأطلقت الساعة على ثلاثة أشياء: الساعة الكبرى: وهي بعث الناس للمحاسبة، والوسطى: وهي موت أهل القرن الواحد نحو ما روى أنه صلّى اللَّه عليه وسلم رأى عبد اللَّه بن أنيس فقال: إن يطل عمر هذا الغلام لم يمت حتى تقوم الساعة، فقيل: إنه آخر من مات من الصحابة. والصغرى: موت الإنسان، فساعة كل إنسان موته. (فتح الباري) مختصرا. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 301- 302، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (27) قرب الساعة، حديث رقم (136) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 291 وخرجه من حديث يونس بن محمد [ (1) ] عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا سأل رسول صلّى اللَّه عليه وسلم متى تقوم الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن يعش هذا الغلام لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة. ومن طريق سليمان بن حرب [ (2) ] قال: حدثنا حماد يعنى ابن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي عن أنس بن مالك، أن رجلا سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: متى تقوم الساعة؟ قال: فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هنية ثم نظر إلى غلام بين يديه من زد شنوءة، فقال: إن عمّر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة. قال أنس: ذلك الغلام من أترابى يومئذ. ومن حديث عفان بن مسلم [ (3) ] قال: حدثنا همام عن قتادة، عن أنس قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقرانى فقال النبي: إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة. وخرجه البخاري [ (4) ] في كتاب الأدب من حديث عمرو بن عاصم، قال: حدثنا همام عن قتادة، عن أنس، أن رجلا من أهل البادية أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول متى الساعة قائمة؟ قال: ويلك وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها إلا أنى أحب اللَّه ورسوله، قال: إنك مع من أحببت، فقلنا: ونحن كذلك؟   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (137) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (138) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (139) . [ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 677، كتاب الأدب، باب (95) ما جاء في قول الرجل: «ويلك» ، حديث رقم (6167) . ثم قال في آخره: واختصره شعبة عن قتادة: «سمعت أنسا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ... » ، قال الحافظ: وصله مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة، ولم يسق لفظه، بل أحال به على رواية سالم بن أبي الجعد عن أنس، وساقها أحمد في (مسندة) ... فكأن مراد البخاري بالاختصار ما زاده همام في آخر الحديث من قوله: «فقلنا: ونحن كذلك؟ قال: نعم، ففرحنا يومئذ فرحا شديدا، فمرّ غلام إلخ» . (فتح الباري) مختصرا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 292 قال: نعم ففرحنا يومئذ فرحا شديدا، فمر غلام للمغيرة- وكان من أقراني- فقال: إن أخّر هذا فلم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة. قال المؤلف: ولم يبق بعد سنة مائة من الهجرة أحد رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في إخباره بعمر سماه لغلام وهلاك آخر أنذره سرعة هلاكه فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث حيوة بن شريح [بن يزيد الحضرميّ] [ (2) ] عن إبراهيم بن محمد بن زياد عن أبيه، عن عبد اللَّه بن بسر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال له: يعيش هذا الغلام قرنا، فعاش مائة سنة. ومن طريق البخاري وأبى حاتم الرازيّ حدثني داود بن رشيد حدثنا أبو حيوة عن إبراهيم بن محمد عن أبيه، عن عبد اللَّه بن بسر فذكره. ومن طريق الواقدي حدثني شريح بن يزيد عن إبراهيم بن محمد بن زياد، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن بسر قال: وضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده على رأسي فقال: هذا الغلام يعيش [قرنا فعاش] [ (2) ] مائة سنة. قال الواقدي: يقول اللَّه عز وجل: وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [ (3) ] فكان بين نوح وآدم عشرة قرون، وبين إبراهيم ونوح عشرة قرون، فولد إبراهيم عليه السلام على رأس ألفي سنة من خلق آدم [ (4) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 503، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بعمر من سماه فعاش إليه، وبهلاك من ذكره فهلك سريعا كما قال. قال البيهقي: زاد فيه غيره وكان في وجهه ثألول. قال: لا يموت هذا حتى يذهب الثالول من وجهه، فلم يمت حتى ذهب الثالول من وجهه. ثم قال: أنبأنيه أبو عبد اللَّه الحافظ إجازة أخبرنا الحسين بن أيوب، حدثنا أبو حاتم الرازيّ، حدثنا داود بن رشيد، فذكره بإسناده وزيادته. [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] الفرقان: 38. [ (4) ] (المرجع السابق) : 504. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 293 ولابن مندة من طريق أحمد بن سليمان بن داود بن حذلم، حدثنا موسى بن أبي عوف، حدثنا سلمة بن جواس، حدثنا محمد بن القاسم الطائي، أن عبد اللَّه بن بسر كان معهم في قريته، فقال: هاجر أبي وأمي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مسح رأسي بيده، وقال: ليعيش هذا الغلام قرنا، فقلت: بأبي وأمي يا رسول اللَّه! وكم القرن؟ قال: مائة سنة، قال عبد اللَّه: فلقد عشت خمسا وتسعين سنة وبقيت خمس سنين إلى أن أتم قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال محمد: فحسبنا بعد ذلك خمس سنين ثم مات. وخرج البيهقي [ (1) ] من طريق إبراهيم بن محمد الشافعيّ قال: قرأت على داود بن عبد الرحمن عن ابن أبي مليكة، عن حبيب بن سلمة الفهري أنه أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو بالمدينة ليراه، فأدركه أبوه، فقال: يا رسول اللَّه، يدي ورجلي، فقال له: ارجع معه فإنه يوشك أن يهلك فهلك في تلك السنة.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 504. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 294 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بتملك بنى العباس [ابن عبد المطلب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه] فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث حماد عن عطاء بن السائب قال: سمعت عبد الرحمن بن العلاء الحضرميّ، قال: حدثني من سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إنه سيكون في آخر هذه الأمة قوم لهم مثل أجر أولهم، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، يقاتلون أهل الفتن. ومن حديث الوليد بن مسلم [ (2) ] ، قال: حدثني أبو عبد اللَّه، عن الوليد بن هشام المعيطي، عن أبان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط، قال: قدم عبد اللَّه بن عباس على معاوية، وأنا حاضر، فأجازه فأحسن جائزته، ثم قال: يا أبا العباس، هل يكون لكم دولة؟ قال اعفنى يا أمير المؤمنين، قال: لتخبرني، قال: نعم، قال: فمن أنصاركم؟ قال أهل خراسان، ولبني أمية من بنى هاشم بطحات. ومن طريق يعقوب بن سفيان [ (3) ] قال: حدثني إبراهيم بن أيوب حدثنا الوليد حدثنا عبد الملك بن حميد بن أبي غنية، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال: سمعت عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ونحن نقول: اثنى عشر أميرا، ثم لا أمير، واثنى عشر أميرا، ثم هي الساعة، فقال ابن عباس: ما أحمقكم إن منا أهل البيت بعد ذلك المنصور والسفاح والمهدي، يدفعها إلى عيسى ابن مريم.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 513، باب ما جاء في الإخبار عن ملك بنى العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 513- 514. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 295 ومن حديث أبي خيثمة [ (1) ] ، قال: حدثنا ميسرة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، قال كنت عند ابن العباس، فتذاكروا المهدي، فقال: يكون منا ثلاثة أهل البيت: سفاح، ومنصور، ومهديّ. ومن حديث أبي عوانة [ (2) ] ، عن الأعمش، عن الضحاك، عن ابن عباس يرويه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: منا السفاح، والمنصور، والمهدي. ومن حديث أحمد بن عبد الجبار [ (3) ] ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عطية العوفيّ، عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان، وظهور من الفتن، يقال له: السفاح يكون عطاؤه حثيا [ (4) ] . ومن طريق عبد الرزاق، حدثنا الثوري، عن خالد الحذاء عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ولد خليفة، ولا يصير إلى واحد منهم، ثم تقبل الرايات السود من خراسان، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم، ثم يجيء خليفة اللَّه المهدي. وفي رواية: فإذا رأيتموهم فبايعوهم ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة اللَّه المهدي. قال البيهقي: تفرد به عبد الرزاق عن الثوري، وروى من وجه آخر عن أبي قلابة وليس بالقوي، فذكره من حديث كثير بن يحيى، حدثنا شريك، عن عليّ بن زيد عن أبي قلابة عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا أقبلوا برايات سود من عقب خراسان فأتوها ولو حبوا فإن فيها خليفة اللَّه المهدي.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 514. [ (2) ] (المرجع السابق) : 514 قال ابن كثير: موقوف ورواه البيهقي مرفوعا، وهو ضعيف. [ (3) ] (المرجع السابق) : 514. [ (4) ] قال ابن كثير: هذا الإسناد على شرط أهل السنن ولم يخرجوه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 296 ورواه عبد الوهاب بن عطاء عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان موقوفا، قال: إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها فإن فيها خليفة اللَّه المهدي [ (1) ] . وخرجه الحاكم [ (2) ] بهذا السند موقوفا، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن يوسف، حدثنا رشد بن رشدين ابن سعد، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: تخرج رايات سود من خراسان لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء. قال البيهقي [ (4) ] : تفرد رشدين بن سعد [ (5) ] ، عن يونس بن يزيد، ويروى قريب من هذا اللفظ عن كعب الأحبار، ولعله أشبه، فذكره من طريق يعقوب بن سفيان، حدثنا محدث عن أبي المغيرة، عبد القدوس، عن ابن عياش عمن حدثه عن كعب، قال: تظهر رايات سود لبني العباس حتى ينزلوا الشام ويقتل اللَّه على أيديهم كل جبار وعدوّ لهم. وروى في ذلك عن ابن عباس من قوله بإسناد ضعيف، فذكره من طريق أحمد بن المظفر البكري [ (6) ] ، حدثنا ابن أبي خثيمة حدثنا يحيى بن معين،   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 547، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8531) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وهذا الحديث ساقط من (التلخيص) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 516. [ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 517. [ (5) ] رشدين بن سعد المهريّ المصري، قال الإمام أحمد: لا يبالي عمن روى، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: ضعيف، وقال الجوزجاني: عنده مناكر كثيرة، وقال النسائي: متروك، وقال ابن حبان: يقلب المناكير في أخباره على مستقيم حديثه. له ترجمة في: (الضعفاء الكبير للعقيليّ) ، (المجروحين لابن حبان) ، (الميزان للذهبي) . [ (6) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 517. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 297 حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عن أبي معبد، قال: قال ابن عباس: كما فتح اللَّه بأولنا أرجو أن يختمه بنا [ (1) ] . ومن حديث ابن أبي أويس، عن محمد بن إسماعيل بن دينار أبي فديك عن محمد بن عبد الرحمن العامري عن سهيل بن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فيكم النبوة والمملكة [ (2) ] . قال البيهقي: تفرد به محمد بن عبد الرحمن العامري، عن سهيل وليس بالقوى. ومن حديث عبد اللَّه بن أحمد، قال: حدثني يحيى بن معين حدثنا عبيد ابن أبي قرة، حدثنا الليث بن سعد، عن أبي قبيل، عن أبي ميسرة، مولى العباس، قال: سمعت العباس يقول: كنت عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة فقال: انظر هل ترى في السماء من شيء؟ قلت: نعم، قال: ما ترى؟ قلت: الثريا، فقال: إنه يملك هذه الأمة بعددها من صلبك [ (3) ] . قال ابن عدي: سمعت ابن حماد يقول: قال البخاري: عن عبيد بن قرة سمع الليث بن سعد، بغدادي، لا يتابع في حديثه في قصة العباس. ومن طريق الحافظ أبي أحمد بن عدي، قال: حدثنا محمد بن عبدة بن حرب، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا حجاج بن تميم، عن ميمون بن مروان، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: مررت بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وإذا معه جبريل عليه السلام، وأنا أظنه دحية الكلبي، فقال جبريل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم إنه لوسخ الثياب، وسيلبس ولده من بعده السواد، فقلت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: مررت وكان معك   [ (1) ] (المرجع السابق) ، وقال ابن كثير في (البداية والنهاية) : هذا إسناد جيد، وهو موقوف على ابن عباس من كلامه. [ (2) ] (المرجع السابق) ، وقال ابن كثير في (البداية والنهاية) : محمد بن عبد الرحمن [العامري] : ضعيف. [ (3) ] (المرجع السابق) : 518، قال البخاري: عبيد اللَّه بن أبي قرة لا يتابع على حديثه في قصة العباس. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 298 دحية، قال: فذكره، وذكر قصة ذهاب بصره وردها عليه عند موته [ (1) ] . تفرد به حجاج بن تميم وليس بالقوى [ (2) ] . وخرج الحافظ أبو نعيم [ (3) ] من حديث ابن وهب قال: حدثنا ابن لهيعة، قال حدثني واهب بن عبد اللَّه المعافري، قال: سمعت عقبة بن عامر الجهنيّ، يقول: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخذ بيد عمه العباس، ثم قال: يا عباس إنه لا تكون نبوة إلا كانت بعدها خلافه، وسيلي من ولدك في آخر الزمان سبعة عشر: منهم السفاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي، وليس بمهدي، ومنهم الجموح، ومنهم العاقب، ومنهم الراهن من ولدك، وويل لأمتي منه، كيف يعقدها ويهلكها، ويذهب بأمرها. ومن حديث محمد بن جابر عن الأعمش، عن أبي الوداك عن أبي سعيد، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: منا القائم، ومنا المنصور، ومنا السفاح، ومنا المهدي، فأما القائم فتأتيه الخلافة ولم يهرق فيها محجمة دم. وأما المنصور فلا ترد له راية، وأما السفاح فهو يسفح المال والدم، والمهدي يملأها عدلا كما ملئت ظلما. قال ابن جابر حسبت المنصور أبا جعفر، والسفاح المهدي. قال أبو نعيم رواه الأعمش عن الضحاك عن ابن عباس نحوه، فذكره من حديث أبي عوانة عن الأعمش عن الضحاك، عن ابن عباس نحوه. ومن طريق حفص بن عبد اللَّه بن الشخير قال: دخلنا على إسحاق بن عيسى بن على بن عبد اللَّه بن عباس داره، فحدثنا عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أقبل العباس يوما فنظر إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم أقبل على أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه متبسما، فقال: هذا العباس، قد أقبل وعليه ثياب بياض، وسيلبس ولده من بعده السواد، ويملك منهم اثنا عشر رجلا.   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] (حجاج بن تميم: ذكره الذهبي في (الميزان) ، وقال: أحاديثه تدل على أنه واه. [ (3) ] راجع رأى المقريزي في هذه الأحاديث في آخر هذا الباب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 299 ومن حديث أحمد بن عمر بن يونس اليمامي، قال: حدثنا محمد بن شروين الصفاتى، حدثنا عبد الرحمن بن مينا، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لن تذهب الدنيا حتى يملك من ولدك يا عم في آخر الزمان عند انقطاع دولتهم، وهو الثامن عشر يكون معه فتنه عمياء صماء يقتل من كل عشرة آلاف تسعه آلاف وتسعمائة، لا ينجو منها إلا اليسير، ويكون قتالهم بموضع من العراق. ومن حديث أحمد بن [راشد] بن خيثم، حدثنا عمى سعيد بن خيثم، عن حنظلة، عن طاووس، عن ابن عباس، قال: حدثتني أم الفضل، قالت: مررت بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال إنك حامل بغلام، فإذا ولدت فأتينى به، قالت: يا رسول اللَّه، أنى ذلك؟ وقد تحالفت قريش أن لا يأتوا، النساء، قال: هو ما أخبرتك، قالت: فلما ولدته أتيت به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، والبأه [ (1) ] من ريقه، وسماه عبد اللَّه، وقال: اذهبي بأبي الخلفاء، فأخبرت العباس وكان رجلا لباسا فلبس ثيابه، ثم أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلما بصر به قام، فقيل بين عينيه ثم قال: هذا عمي، فمن شاء فليباهي بعمه، قال: قلت: يا رسول اللَّه، أو بعض القول؟ قال: ولم لا؟ وأنت عمي وصنو أبي، قال ما شيء أخبرتني به أم الفضل؟ قال: هو ما أخبرتك، وهذا أبو الخلفاء، يكون منهم السفاح، حتى يكون منهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم [ (2) ] . قال المصنف رحمه اللَّه: هذا الحديث ينادي على نفسه، أنه موضوع، وذلك لأنه لا خلاف بين علماء الأخبار، ونقلة الحديث، وأهل الآثار، أن عبد اللَّه بن عباس ولد بمكة، وأن الأذان إنما ابتدئ به بالمدينة، فكانت ولادة عبد اللَّه في الشعب قبل خروج بنى هاشم منه، وذلك قبل الهجرة   [ (1) ] ألبأه: أي صب ريقه في فمه كما يصب اللبأ في فم الصبي. واللبأ: أول ما يحلب في الولادة. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 550- 551، حديث رقم (487) . قال الذهبي في (الميزان) هذا خبر باطل اختلقه بجهله أحمد بن راشد بن خيثم، وفي (الأصل) : «أحمد بن رشيد» ، وصوبناه من (الميزان) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 300 بثلاث سنين وقيل: غير ذلك، والأذان إنما أريه عبد اللَّه بن زيد بالمدينة بلا خلاف، وكان في السنة الأولى من الهجرة، فكيف يمكن أن تكون ولادة عبد اللَّه بمكة قبل الهجرة؟ ويؤذن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في أذنه لما ولد، والأذان إنما كان بعد ولادته بأربع سنين أو نحوها، واللَّه الموفق، وهكذا عامة أحاديثه لا تكاد تثبت صحتها عند الانتقاد. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بما نزل بأهل بيته من البلاء فخرج الحاكم [ (1) ] من حديث نعيم بن حماد، حدثنا الوليد بن مسلم، عن أبي رافع إسماعيل بن رافع، عن أبي نضرة، قال: قال: أبو سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتى قتلا وتشديدا، إن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن خالد بن عبد اللَّه، قال: حدثني أبي عن يزيد بن زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: بينما نحن نجلس عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، إذ أقبل فتية من قريش فتغير لونه، فقلنا: ما لنا نرى في وجهك أمرا تكرهه؟ قال: إنا أهل بيت اختار اللَّه لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريدا وتشديدا، حتى يأتى قوم من هاهنا- وأومأ بيده نحو المشرق- وأصحاب رايات سود، فيسألون الحق فلا يعطونه مرتين أو ثلاثا، فيقاتلون، فيضربون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها عدلا، كما ملئت ظلما، فمن أدرك ذلك فليأتهم ولو حبوا على الثلج. قال أبو نعيم: رواه على بن صالح ومحمد بن فضيل عن يزيد نحوه.   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 534، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8500) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : لا واللَّه! كيف؟ وإسماعيل متروك، ثم لم يصح السند إليه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 301 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بقيام اثنى عشر خليفة وبظهور الجور والمنكرات فكان كما أخبرنا صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج مسلم [ (1) ] من حديث جرير، عن حصين، عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول، ومن حديث خالد بن عبد اللَّه الطحان، عن حصين، عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة، قال: ثم تكلم بكلام خفىّ عليّ، قال: فقلت لأبي ما كان؟ قال: قال: كلهم من قريش. ومن حديث سفيان عن عبد الملك بن عمير [ (2) ] ، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا، ثم تكلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بكلمة خفيت عليّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: كلهم من قريش. ومن حديث أبي عوانة عن سماك [ (3) ] ، عن جابر بن سمرة بهذا الحديث، ولم يذكر: لا يزال أمر الناس ماضيا. ومن حديث حماد بن سلمة عن سماك بن حرب [ (4) ] قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش. وخرجه أيضا من حديث أبي معاوية عن داود [ (5) ] ، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يزال الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة، قال: ثم تكلم بشيء لم أفهمه فقلت لأبى: فقال: كلهم من قريش.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 442، كتاب الإمارة، باب (1) الناس تبع لقريش والخلافة في قريش، حديث رقم (5) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6) . [ (3) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم. [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7) . [ (5) ] (المرجع السابق) : حيث رقم (8) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 302 ومن حديث ابن عون عن الشعبي [ (1) ] ، عن جابر بن سمرة قال: انطلقت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومعى أبي فسمعته يقول لا يزال هذا [الدين] [ (2) ] عزيزا منيعا إلى اثنى عشر خليفة فقال كلمة صمنيها [ (3) ] الناس فقلت لأبى: ما قال؟ قال: كلهم من قريش. قال البيهقي [ (4) ] : وليس في إثباته هذا العدد نفى الزيادة عليه، وقد قيل: أراد اثنى عشر أميرا كلهم يجتمع عليه الأمة، ثم يكون الهرج، واستدل لذلك بما خرجه من حديث مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم يجتمع عليه الأمة، فسمعت كلاما من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لم أفهمه، فقلت لأبى: ما يقول؟ قال: كلهم من قريش. وبما رواه زهير بن معاوية [ (5) ] قال: حدثنا زياد بن خيثمة حدثنا الأسود بن سعيد الهمدانيّ، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تزال هذه الأمة مستقيم أمرها، ظاهرة على عدوها، أو على غيرها، حتى يمضى منهم اثنا عشر خليفة، قال: فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج. قال البيهقي [ (6) ] : ففي الرواية الأولى بيان العدد، وفي هذه الرواية الثانية بيان المراد بالعدد، وفي الرواية الثالثة بيان وقوع الهرج وهو القتل بعدهم،   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (9) . [ (2) ] في (الأصل) : «الأمر» ، وما أثبتناه من (صحيح مسلم) . [ (3) ] صمنيها: هو بفتح الصاد وتشديد الميم المفتوحة، أي أصمونى عنها. فلم أسمعها لكثرة الكلام، ووقع في بعض النسخ «صمنيها الناس» أي سكتونى عن السؤال عنها. [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 519- 520، وأخرجه أبو داود في أول كتاب المهدي،، والإمام أحمد في (مسندة) . [ (5) ] (المرجع السابق) : 520. [ (6) ] (المرجع السابق) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 303 وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة، كما أخبر في هذه الرواية، ثم ظهر ملك العباسيين كما أشار إليه في الباب قبله [وإنما] [ (1) ] يزيدون على العدد المذكور في الخبر إذا تركت الصفة المذكورة فيه. أو وعدّ معهم من كان بعد الهرج المذكور فيه. وقد قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان [ (2) ] . فذكره من حديث عثمان بن سعيد الدارميّ، قال: حدثنا أبو الوليد، حدثنا عاصم بن محمد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وذكر حديث البخاري [ (3) ] من طريق الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن معاوية، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه [ (4) ] اللَّه على وجهه ما أقاموا الدين، قال: والمراد بإقامة الدين- واللَّه تبارك وتعالى أعلم- إقامة معالمه، وإن كان بعضهم يتعاطى بعد ذلك ما لا يحل. واستدل بحديث الأوزاعي عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: سيكون بعدي خلفاء يعملون ما يعلمون، ويفعلون ما يؤمرون وسيكون بعدهم خلفاء يعلمون بما لا يعلمون، ويفعلون ما لا يؤمرون،، فمن أنكر عليهم بريء، ومن أمسك يده سلم، ولكن من رضى وبايع [ (5) ] .   [ (1) ] في (الأصل) : «فإنما به، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 143، كتاب الأحكام، باب (2) الأمراء من قريش، حديث رقم (7140) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7139) . [ (4) ] في (الأصل) : «أكبه» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 521، وفيه: «من رضى وتابع» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 304 وبحديث الإمام أحمد [ (1) ] قال: حدثني عبد الرزاق قال: [أخبرنا معمر عن عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم] ، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد اللَّه قال: حدثنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يا كعب بن عجرة، أعيذك باللَّه من إرادة السفهاء، قال: وما ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: أمراء سيكونون من بعدي، من دخل عليهم فصدقهم بحديثهم وأعانهم على ظلمهم فليسوا منى ولست منهم، وما يردوا على الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بحديثهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منى وأنا منهم، وأولئك يردون على الحوض. يا كعب بن عجرة، الصلاة قربان، والصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، يا كعب بن عجرة، لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت، النار أولى به، يا كعب بن عجرة، الناس غاديان: فغاد بائع نفسه وموبق رقبته، وغاد مبتاع نفسه ومعتق رقبته. وخرجه الحاكم [ (2) ] وقال: حديث صحيح الإسناد. وبحديث الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إنه ستكون بعدي أثره وأمور تكرهوها، فقالوا: فما يصنع من أدرك منا   [ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 396- 397، حديث رقم (14860) من مسند جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وما بين الحاصرتين تصويب للمسند من (المسند) ، وباقي الحديث سياقه مضرب في (الأصل) ، وصوبناه من (المسند) . [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 456، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب كعب بن عجرة الأنصاري رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (6030) ، ورواية الإمام أحمد في (المسند) أتم. وقد سكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . وخرج الحاكم أيضا في كتاب الإيمان، حديث رقم (262) بنحوه مختصرا، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وشاهده الحديث المشهور عن الشعبي، عن كعب ابن عجرة مع الخلاف عليه فيه، وهذا الحديث رقم (263) وقال في آخره: رواه مسعر بن كدام، وسفيان الثوري، عن أبي حصين، عن عاصم العدوي، عن كعب بن عجرة. والحديث رقم (264) بنحوه أو قريب منه، وقال في آخره: وقد شهد جابر بن عبد اللَّه قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هذا لكعب بن عجرة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 305 يا رسول اللَّه؟ قال: أدوا الحق الّذي عليكم، وسلوا اللَّه الّذي لكم. وخرجاه في الصحيح [ (1) ] . قال البيهقي [ (2) ] : وقد قيل إنه أراد اثنا عشر خليفة كلهم يعمل ثم يكونون متفرقين في الأمراء، فمن عدل منهم وعمل بالهدى ودين الحق فهو من جملة الاثني عشر، وقد قال أبو الجلد وكان ينظر في الكتب-: إن هذه الأمة لن تهلك حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، فمنهم رجلان من أهل بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحدهما يعيش أربعين والآخر ثلاثين سنة. قال البيهقي [ (3) ] : معقول لكن من خوطب بما روينا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في اثنى عشر خليفة، وفي بعض الروايات اثنى عشر أميرا، أنه أراد خلفاء أو أمراء تكون لهم ولاية، وعدة، وقوة، وسلطة، والناس يطيعونهم وتجرى أحكامهم عليهم، فأما أناس لم تقم لهم راية، ولم تجز لهم على الناس ولاية، وإن كانوا   [ (1) ] رواه الترمذي برقم (614) في الصلاة، باب ما ذكر في فضل الصلاة، والنسائي 7/ 160 في البيعة، باب الوعيد لمن أعان أميرا على الظلم، وباب من لم يعن أميرا على الظلم، من حديث عبيد اللَّه بن موسى، عن غالب بن نجيح القطان، عن أيوب بن عائذ الطائي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن كعب بن عجرة. وغالب بن نجيح القطان، لم يوثقه غير ابن حبان وباقي رجاله ثقات. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث عبيد اللَّه بن موسى، قال: وسألت محمدا- يعنى البخاري- عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث عبيد اللَّه بن موسى واستغربه جدا، وقال محمد- يعنى البخاري-: حدثنا ابن نمير عن عبيد اللَّه بن موسى، عن غالب بهذا. وأورد المنذري في (الترغيب والترهيب) : 3/ 15 قطعة منه، ونسبه لابن حبان في (صحيحه) ، وقد ورد هذا الحديث بإسناد آخر مختصرا، رواه الترمذي في الفتن من طريق مسعر عن أبي حصين. عن الشعبيّ، عن عاصم العدوي، عن كعب بن عجرة، وقال: صحيح غريب. فالحديث أقل أحواله أن يكون حسنا. (جامع الأصول) : 4/ 76 هامش. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 523. [ (3) ] (المرجع السابق) : باختلاف يسير في بعض الألفاظ، والمعنى واحد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 306 يستحقون الإمارة بما كان لهم من حق القرابة، والكفاية، فلا يتناولهم الخبر، ولا يجوز أن يكون المخبر بخلاف الخبر. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: يشير الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه اللَّه بهذا إلى ما زعمته الفرقة الإمامية من فرق الرافضة [ (1) ] ، الأئمة اثنا عشر، وهو مذهب محدث، ابتداء حدوثة بعد موسى بن جعفر الصادق. خرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث يحيى بن أبي بكير، حدثنا مطرف عن أبي الجهم مولى البراء، عن خالد بن وهبان، - أو وهبان- عن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كيف أنت وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟ فقلت إذا والّذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي، ثم أضرب به حتى ألقاك أو ألحق بك، قال: أولا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني.   [ (1) ] هؤلاء الإمامية المخالفة الزيدية والكيسانية والغلاة: خمس عشرة فرقة: الكاملية، والمحمدية، والباقرية، والناووسية، والشميطية، والعمارية، والإسماعيلية، والمباركية، والموسوية، والقطعية، والاثنا عشرية، والهاشمية، والزرارية، واليونسية، والشيطانية. (الفرق بين الفرق) : 53، (مقالات الإسلاميين) : 1/ 98، (الملل والنحل) : 1/ 162. [ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 228- 229، حديث رقم (21048) ، من حديث أبي ذر الغفاريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 307 وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم بأن قريشا إذا أحدثت في دين اللَّه الأحداث سلط اللَّه عليها شرار خلقه فنزعوهم من الملك ونزعوا الملك منهم حتى لم يبقوا لهم شيئا فكان كما أخبر، وصارت العرب بعد الملك همجا ورعاعا لا يعبأ اللَّه بهم فخرج البخاري من حديث شعيب عن الزهريّ قال: سمعت محمد بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهم عنده في وفد من قريش- أن عبد اللَّه بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك من قحطان فغضب فقام، فأثنى على اللَّه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون بأحاديث ليست في كتاب اللَّه، ولا تؤثر عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأولئك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل أهلها فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه اللَّه في النار على وجهه ما أقاموا الدين. تابعه أبو نعيم، عن ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير، ذكره في أول كتاب الأحكام [ (1) ] ، وفي مناقب قريش [ (2) ] بهذا الإسناد وقال فيه: إن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص. وخرج أبو بكر بن أبي شيبة [ (3) ] من حديث أبي أسامة، عن عوف، عن زياد بن مخراف، عن أبي موسى، قال: قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على باب فيه نفر من قريش، وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: هل في البيت إلا قريش؟ قالوا: يا رسول اللَّه، غير فلان ابن أختنا، فقال: ابن أخت القوم منهم، ثم قال إن هذا   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 142- 143، كتاب الأحكام، باب (2) باب الأمراء من قريش، حديث رقم (7139) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 6/ 661، كتاب المناقب، باب (2) مناقب قريش حديث رقم (3500) . [ (3) ] (المصنف) : 5/ 319، باب (181) من قال: ابن أخت القوم منهم، حديث رقم (26473) ، (26474) ، (26475) بألفاظ متقاربة والمعنى قريب من (الأصل) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 308 الأمر في قريش، ما داموا، إذا ما استرحموا رحموا، وإذا ما حكموا عدلوا، وإذا ما قسموا أقسطوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منهم صرف ولا عدل. وخرج أيضا من حديث الفضل بن دكين، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن الحارث بن القاسم، عن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبي مسعود قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لقريش: إن هذا الأمر لا يزال فيكم وأنتم ولاته، ما لم تحدثوا، فإذا فعلتم ذلك سلط اللَّه عليكم شرار خلفه يلتحونكم كما يلتحى القضيب [ (1) ] . وخرجه الحاكم [ (2) ] من طريق الحسين بن حفص قال: حدثنا سفيان بن أبي ثابت، عن القاسم بن الحارث، عن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر فيكم، وأنتم ولاته ما لم تحدثوا أعمالا تنزعه، فإذا فعلتم ذلك سلط اللَّه عليكم شرار خلفه، فالتحوكم كما يلتحى القضيب. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وخرج الإمام أحمد [ (3) ] من حديث هشام، عن قتادة، عن أبي الطفيل، قال: انطلقت أنا وعمرو بن صليع حتى أتينا حذيفة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إن هذا الحي من مضر لا تدع للَّه في الأرض عبدا صالحا إلا فتنته وأهلكته، حتى يدركها اللَّه بجنود من عباده فيذلها حتى لا تمنع ذنب تلعه. وله عنده طرق.   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 548، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8534) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (3) ] (مسند أحمد) : 6/ 540، حديث رقم (22805) ، من حديث حذيفة بن اليمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 309 وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث محمد بن المثنى قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن عبد اللَّه بن بريدة، عن سلمان بن ربيعة قال: انطلقت في نفر من أصحابى حتى قدمنا مكة، فطلبنا عبد اللَّه بن عمرو فلم نوافقه، فإذا قريب من ثلاثمائة راحل، فرجعناه فلقيناه في المسجد، فإذا شيخ عليه بردان قطريان، وعمامة ليس عليه قميص، فقال: ممن أنتم؟ قلنا: من أهل العراق، قال: أنتم يا أهل العراق تكذبون وتكذبون وتسخرون، قلنا لا نكذب ولا نكذب ولا نسخر، قال: كم بينكم وبين الأيلة [ (2) ] ؟ قلنا: أربعة فراسخ، قال: يوشك بنو قنطوراء بن كركر أن يسوقكم من خراسان وسجستان سوقا عنيفا، ثم يخرجون حتى يربطوا ويربطون خيولهم بنهر دجلة، قوم صغار الأعين خنس الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم [ولم يخرجاه] . وخرج أبو نعيم الحافظ والإمام أحمد والحاكم [ (3) ] وصححه من حديث موسى بن إسماعيل وابن عائشة قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن يونس بن   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 547، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8532) وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وهذا الحديث ساقط من (التلخيص) . [ (2) ] الأبلة: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام. (معجم البلدان) : 1/ 347، موضع رقم (1196) . [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 564، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8583) ، قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) بل محمد بن زيد بن سنان واه كأبيه. ولفظ الحاكم: «يوشك اللَّه أن يملأ أيديكم من العجم، ويجعلكم أسدا لا يفرون فيضربون رقابكم ويأكلون فيئكم» . وللإمام أحمد من حديث سمرة بن جندب، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «يوشك أن يملأ اللَّه عز وجل أيديكم من العجم، ثم يكونون أسدا لا يفرون، فيقتلون مقاتلتكم، ويأكلون فيئكم. حديث رقم (19615) ، وحديث (19734) ، (19735) ، (19736) كلهم من حديث سمرة بن جندب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 310 عبيد، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يوشك اللَّه أن يملأ أيديكم من العجم يجعلهم أسد لا يفرون، فيضربون رقابكم، ويأكلون فيئكم. وخرج أيضا من حديث ابن أبي داود عن مروان بن سالم عن الأعمش، عن زيد بن وهب وأبى وائل شقيق بن سلمة، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة [ (1) ] . قال: أبو نعيم: رواه إبراهيم بن قتيبة، عن أبي داود فقال: زيد بن وهب عن حذيفة. وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا سعد بن إياس الجريريّ، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم درهم ولا قفيز، قالوا: مما ذاك يا أبا عبد اللَّه؟ قال من قبل العجم يمنعون ذاك [ (3) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 500، باب الفتن والملاحم، حديث رقم (8396) ، ولفظه: «اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة» . وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، واتفق البخاري ومسلم على حديث أبي هريرة: «يخرب الكعبة ذو السويقتين» . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 501، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8400) . [ (3) ] هذا آخر الحديث في (الأصل) ، ثم زاد في (المستدرك) : «ثم سكت هنية، ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجيء إليهم دينار ولا مدّ، قالوا: مم ذاك؟ قال: من قبل الروم يمنعون ذلك .... » . وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة ... وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 311 وخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث بشير بن بكر قال: حدثنا جابر قال: حدثني أبو عبد [السلام] [ (2) ] عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء [ (3) ] كغثاء السيل، ولينزعن اللَّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن اللَّه في قلوبكم الوهن [ (4) ] ، فقال قائل: يا رسول اللَّه وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت. وخرجه الإمام أحمد [ (5) ] من حديث عبد الصمد بن حبيب الأزدي عن أبيه، عن شبيل بن عوف، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بنحوه أو قريب منه. وخرج البخاري [ (6) ] تعليقا من حديث سعيد بن عمر عن أبي هريرة قال: كيف أنتم إذ لم تجيبوا دينار أو درهما؟ فقيل وكيف ترى ذلك كائنا يا أبا هريرة؟. قال: إي والّذي نفس أبي هريرة بيده، عن قول الصادق المصدوق صلّى اللَّه عليه وسلم قال: عمّ ذاك؟ قال: تنتهك ذمة اللَّه وذمة رسوله، فيشدّ اللَّه قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم.   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 4/ 483- 484، كتاب الملاحم، باب (5) في تداعي الأمم على الإسلام، حديث رقم (4297) . [ (2) ] في (الأصل) : «أبو عبد اللَّه» وصوبناه من (سنن أبي داود) ، وأبو عبد السلام هذا هو صالح بن رستم الهاشمي، مولاهم الدمشقيّ، سئل عنه أبو حاتم الرازيّ فقال: مجهول لا نعرفه. [ (3) ] الغثاء- بضم الغين-: ما يحمله السيل من وسخ، شبههم به لقلة غنائهم. [ (4) ] الوهن: الضعف، فاستعمله هنا في دواعيه وأسبابه. [ (5) ] (مسند أحمد) : 4/ 375، حديث رقم (21891) ، من حديث ثوبان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (6) ] (فتح الباري) : 6/ 344، كتاب الجزية والموادعة، باب (17) إثم من عاهد ثم غدر، وقول اللَّه تعالى: الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ [الأنفال: 56] حديث رقم (3180) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 312 وخرج مسلم [ (1) ] معنى هذا الحديث بلفظ آخر، أوجب تفريقه وإلا فهو في المعنى متفق عليه، وهو الحادي والتسعون من أفراد مسلم، وأوله: منعت العراق درهمها وقفيزها. قاله أبو نصر الحميدي. وخرج مسلم من حديث زهير عن سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبّها، ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه [ (2) ] . وخرج مسلم [ (3) ] من حديث الجريريّ عن أبي نضرة، قال: كنا عند جابر بن عبد اللَّه فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قلنا من أين ذاك؟ قال من قبل العجم، يمنعون ذلك، قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى اليهم دينار ولمدّ، قلنا من أين ذاك؟ قال من قبل الروم، ثم سكت هنية، ثم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يكون في آخر أمتى خليفة يحثي المال حثيا، لا يعده عددا، قال: قلت لأبي نضرة، وأبي العلاء: أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا. قال المؤلف رحمه اللَّه: هذا الحديث موقوف على جابر، ومثله لا يقال بالرأي، فيحمل على أنه سمعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكذا رواية الحاكم لهذا الحديث، فإنّها موقوفة أيضا على جابر، وقد منعت العجم جباية خراج   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 8/ 237، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (8) لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، حديث رقم (2896) ، ولفظه: «حدثنا زهير عن سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه. [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 254- 255، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (2913) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 313 العراق، وتغلبوا عليه منذ عهد بني العباس، لما خرجت الديلم سنة بضع وعشرين وثلاثمائة. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث أبي بكر بن داود عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أقبل سعد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلما رآه قال: إن في وجه سعد خيرا، قال: قتل كسرى: قال: يقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لعن اللَّه كسرى إن أول الناس هلاكا العرب، ثم أهل فارس. وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث عبد اللَّه حدثني أبي حدثنا موسى بن داود قال حدثنا عبد اللَّه بن المؤمل: عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: «قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: يا عائشة أن أول من يهلك من الناس قومك، قالت: قلت: جعلني اللَّه فداءك، ابني تيم؟ قال لا، ولكن هذا الحي من قريش تستحليهم المنايا وتنفس عنهم أول الناس هلاكا، قلت: فما بقاء الناس بعدهم؟ قال: هم صلب الناس فإذا هلكوا هلك الناس» . ومن حديث إسحاق بن سعيد [ (3) ] عن أبيه عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يقول: يا عائشة قومك أسرع أمتي بي لحاقا، قالت: فلما جلس، قلت: يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداءك لقد دخلت وأنت تقول كلام ذعرني، قال: وما هو؟ قالت: تزعم أن قومي أسرع أمتك بك لحاقا، قال: نعم. قالت: ومم ذاك؟ قال: تستحليهم المنايا، وتنفس عليهم أمتهم، قالت: فقلت: فكيف الناس بعد ذلك؟ - أو عند ذلك- قال: دبي يأكل شداده ضعافه   [ (1) ] (مسند أحمد) : 3/ 314، حديث رقم (10277) ، من مسند أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 109، حديث رقم (23936) من حديث السيدة عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها. [ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 119، حديث رقم (23998) من حديث السيدة عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها. وزاد في آخره: قال أبو عبد الرحمن: فسره رجل هو الجنادب التي لم تنبت أجنحتها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 314 حتى تقوم عليهم الساعة، قال أبو عبد الرحمن: فسره رجل هو الجنادب التي لم تنبت أجنحتها» . قال المؤلف- رحمه اللَّه-: ويؤيد ذلك كله ما خرجه البخاري [ (1) ] في باب أيام الجاهلية من آخر المناقب من حديث أبي عوانة عن بيان بن بشر أبي بشر عن قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم فقال: ما لها لا تتكلم؟ قالوا: حجت مصمته قال لها: تكلمي فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش، قالت: من أي قريش أنت؟ قال: إنك لسئول، أنا أبو بكر، قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الّذي جاء اللَّه به بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت أئمتكم، قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رءوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى، قال: فهم أولئك على الناس. وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سعيد بن طارق عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسرع قبائل العرب فناء قريش، أن تمر المرأة بالنعل فتقول: هذا نعل قرشي. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: قد صدق اللَّه ورسوله فقد كان من بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خلفاء قضوا بالهدى ودين الحق، ثم قامت خلفاء خلطوا وبدلوا سنن الهدى، فسلط اللَّه عليهم أولا شيعة بنى العباس، وهم العجم أهل خراسان، فاجتاحوا بنى أمية الذين بدلوا نعمه اللَّه كفرا، واتخذوا دين اللَّه دغلا، ومال اللَّه دولا، وعبيد اللَّه خولا، حتى أفنوهم إلا قليلا مشردين في أقطار الأرض، جزاء بما كسبوا، فلما ملك بنو العباس عتوا وتجبروا وطغوا فسلط اللَّه تعالى عليهم مماليكهم الأتراك، فقتلوا المتوكل جعفر بن محمد، ثم قتلوا المستعين   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 186- 187، كتاب مناقب الأنصار، (26) أيام الجاهلية، حديث رقم (3834) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 2/ 643، حديث رقم (8232) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 315 أحمد بن محمد، وتحكموا في الدولة، وتلاعبوا بدين اللَّه، ثم بعث اللَّه على بني العباس الديلم بنو بويه، فتغلبوا على البلاد وساموا الناس بعتوهم سوء العذاب، وتحكموا في بني العباس، تحكم المالك في مماليكه، يقتلونهم ويسملون أعينهم، وأظهروا مع ذلك مذاهب رديئة، حتى أخرج اللَّه الأتراك فبطشت السلجوقية بطش الجبابرة، وتحكمت تحكم الفراعنة، إلى أن يأذن اللَّه بانقراض تحكم العرب، وأدال اللَّه العجم عليها، فقتل عدو اللَّه جنكيزخان وأشياعه الناس، حتى محوهم من المشرق، وأزالو كلمة الإسلام وشرائعه من تلك الجهات بأسرها، ثم قام حفيده عدو اللَّه هولاكو، فشمل قتله عامة أهل بغداد، والجزيرة، ودمر المعتصم باللَّه فلم يقم بعده قائم من قريش، وصار ممالك العالم شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، بأيدي العجم، ففي المشرق من حدود الصين إلى الجزيرة أشياع جنكيزخان، وفي المغرب بأسره البرابر في الشمال، والروم ثم الفرنجة إلا قليلا مع بنى عثمان وبنى فرمان، وهم أروام في مصر والشام، والحجاز، المماليك الأتراك، ثم المماليك الحراكسة، وفي اليمن بنو على بن عمر بن رسول الأكراد إلا قليلا مع الشريف الرضى صاحب صنعاء، والهند كله بأيدي العجم وأكثر الشمال بيد الفرنج، ومعظم الجنوب بأيدي الحبشة وكلا الفريقين نصارى، يأسرون من المسلمين ويعذبونهم أشد العذاب، فتحت أيديهم في الأسر، من المسلمين والمسلمات، عشرات الألوف، ويمر بهم من أنواع البلاء ما لا يمكن وصفه، ومع ذلك فأن جميع قبائل العرب، قيسها وتميمها، رعاع غوغاء لا يملكون دنيا، ولا يقيمون دينا، دأب ملوك الأرض يقتلونهم ويأسرونهم، جزاء بما كسبت أيديهم، وما ربك بظلام للعبيد، ولا يعترض بخلفاء مصر فإنّهم منذ أولهم الحاكم أحمد وإلى يومنا هذا ليس لأحد منهم أمر ولا نهى ولا نفوذ كلمة، وإنما هو واحد من عرض الناس، والسلاطين مع هذا تسجنهم وتنفيهم عن المدينة إلى الأطراف إذا تنكروا لهم، قد رضي الخليفة منهم من دينهم ودنياهم أن يقال له أمير المؤمنين، وحكم الملوك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 316 الأقطار في رعاياهم، قد تساوى الناس في معرفتهم، فلا حاجة بنا إلى وصفه وتبيينه، وللَّه در أبي دعبل وهب بن ربيعة الجمحيّ [ (1) ] . حيث يقول: تبيت النشاوى منت أمية ... وبالطف قتلى ما ينام حميمها وما أهلك الإسلام إلا قلة ... تأمّر نوماها ودام نعيمها وصارت قناة الدين في كف ظالم ... إذا مال منها ظالم لا يقيمها واللَّه الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب [ (2) ] .   [ (1) ] هو وهب بن ربيعة الجمحيّ، من جميح، وكان شاعرا محسنا، وأكثر أشعاره في عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأزرقي والي اليمن. (الشعر والشعراء) : 408. [ (2) ] هذه العبارة في (الأصل) قبل الأبيات، وما أثبتناه أجود للسياق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 317 وأما إخباره عليه الصلاة والسلام باتساع الدنيا على أمته حتى يلبسوا الذهب والحرير ويتنافسوا فيها ويقتل بعضهم بعضا فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث سليمان بن حيان قال: حدثنا داود بن أبي هند عن أبي حرب، عن أبي الأسود الدؤلي، عن طلحة البصري قال: قدمت المدينة مهاجرا وكان الرجل إذا قدم المدينة فإن كان له عريف نزل عليه وإن لم يكن عريف نزل الصفة فقدمتها وليس لي بها عريف فنزلت الصفة وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يرافق بين الرجلين ويقسم بينها مدا من تمر، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم في صلاته إذا ناداه رجل فقال: يا رسول اللَّه أحرق بطوننا التمر وتخرقت عنا الخنف قال: وإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حمد اللَّه وأثنى عليه وذكر ما لقي من قومه ثم قال: لقد رأيتني وصاحبي مكثنا بضع عشرة ليلة ما لنا طعام غير البرير- والبرير تمر الأراك- حتى أتينا إخواننا من الأنصار فآسونا من طعامهم وكان جلّ طعامهم التمر- والّذي لا إله إلا هو لو قدرت لكم على الخبز واللحم لأطعمتكموه سيأتي عليكم زمان- أو من أدركه منكم يلبسون مثل أستار الكعبة ويغدا ويراح عليكم بالجفان قالوا: يا رسول اللَّه أنحن يومئذ خير أو اليوم قال: بل أنتم اليوم خير، أنتم اليوم إخوان، وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض. ومن حديث سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن أبي موسى يحنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم على بعض» ورواه أبو الربيع قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 524، باب ما جاء في إخباره باتساع الدنيا على أمته حتى يلبسوا أمثال أستار الكعبة ويغدا ويراح عليهم بالجفان ويتنافسوا فيها حتى يضرب بعضهم رقاب بعض. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 318 موسى بن عبيدة، حدثنا عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نحوه [ (1) ] . وخرجه الحافظ [ (2) ] أبو نعيم من حديث أبي معاوية الضرير، عن يحيى بن سعيد، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا مشت أمتى المطيطاء، وخدمتها أبناء الملوك، أبناء فارس والروم، سلط شرارهم على خيارهم. ومن حديث بقية [ (3) ] ، عن بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن عوف بن مالك قال: «قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أصحابه فقال: الفقر تخافون؟ أو تهمكم الدنيا؟ فإن اللَّه فاتح لكم أرض فارس والروم ويصب عليكم الدنيا صبا حتى لا يزيغكم بعدي إن زعمتم إلا هي.»   [ (1) ] وخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) 6/ 525 باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم باتساع الدنيا على أمته حتى يلبسوا أمثال أستار الكعبة ويغدا ويراح عليهم بالجفان ويتنافسوا فيها حتى يضرب بعضهم رقاب بعض. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 539، ما أخبر به صلّى اللَّه عليه وسلم من الغيوب فتحقق ذلك على ما أخبر به في حياته وبعد موته، حديث رقم (466) . وأخرجه أيضا الترمذي في (السنن) : 4/ 456، باب (74) بدون ترجمة، حديث رقم (2261) ، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية عن يحيى بن سعيد الأنصاري. والمطيطاء رواها ابن الأثير المطيطا، وذكر أنها بالمد والقصر، وهي مشية فيها تبختر ومد اليدين. وقد روى مالك بن أنس هذا الحديث عن يحيى بن سعيد مرسلا، ولم يذكر فيه عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر. ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لكنه قال في آخره: «سلط بعضهم على بعض» وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 1/ 237: إسناده حسن. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (467) ، وأخرجه الطبراني وفي إسناده بقية- انظر المنذري في الترغيب والترهيب 4/ 181- وهو بقية بن الوليد الكلاعي، قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 319 ومن حديث الحرث [ (1) ] بن أبي أسامة حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائد، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن يزيد بن وهب، عن أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أكلتنا الضبع- يعنى السنة- فقال: أنا لغير الضبع أخوف عليكم، أن تصب الدنيا على أمتي صبا، فليت أمتى لا يلبسون الذهب. ومن حديث هشام عن عبيدة، عن ربيع، عن حذيفة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أكلتنا الضبع فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن الدنيا ستفتح عليكم فيا ليت أمتي لا تلبس الذهب. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بوقوع بأس أمته بينهم وأن السيف لا يرتفع عنها بعد وضعه فيها فيهلك بعضها بعضا فقد قال اللَّه تعالى: هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ [ (2) ] عذابا من فوقكم كالصواعق، وكما أمطر على قوم لوط وأصحاب الفيل الحجارة. وأدخل على قوم نوح الطوفان، ومن تحت أرجلكم كالزلازل، ونبع الماء المهلك، وكما خسف بقارون. وقال السدي عن أبي مالك وسعيد بن جبير: من فوقكم أو من تحت أرجلكم، الرجم والخسف، وقال ابن عباس: مِنْ فَوْقِكُمْ، ولاة الجور، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، سفلة السوء وخدمته. أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً أي يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتى، كل فرقة من مشايعة لأخرى، ومعنى انسياب خلطهم: انتساب القتال بينهم، فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (468) . [ (2) ] الأنعام: 65. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 320 وقال ابن عباس ومجاهد: يبث فيكم الأهواء المختلفة فتصيرون فرقا، وقيل: المعنى يقوى عدوكم حتى يخالطوكم وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ البأس: الشدة من قبله، والإذاقة: الإنالة والإصابة به. وهذا إخبار يتضمن الوعيد، وقد اختلف فيه، فذهب الطبري إلى أنه خطاب للكفار، وقال أبيّ وأبو العالية وجماعة: الآية خطاب للمؤمنين [ويؤيد قول من ذهب إلى ذلك] ما خرجه البخاري [ (1) ] في كتاب التوحيد، من حديث حماد بن زيد، عن أيوب عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه زوى [لي] الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ملكها. قال أبو داود: وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها فأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض وأنى سألت ربي لأمتى أن لا يهلكها بسنة عامة ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 229، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (5) هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، حديث رقم (19) ، وله من حديث ثوبان أن الكنزين: الأحمر والأبيض، ثم ذكر نحو حديث أيوب عن أبي قلابة، وفي (الأصل) : البخاري والصواب ما أثبتناه، أما زوى، فمعناه جمع، وهذا الحديث فيه معجزات ظاهرة وقد وقعت كلها بحمد اللَّه كما أخبر به صلّى اللَّه عليه وسلم. قال العلماء: المراد بالكنزين: الذهب والفضة، والمراد كنزي كسرى وقيصر ملكي العراق والشام، فيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب وهكذا وقع، وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب وصلوات اللَّه وسلامه على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم الصادق الّذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. (شرح النووي) . وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 450- 452، كتاب الفتن والملاحم، باب (1) ذكر الفتن ودلائلها، حديث رقم (4252) . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1304، كتاب الفتن، باب ما يكون من الفتن، حديث رقم (3952) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 321 إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة عامة، ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمعت عليهم من بين أقطارها، أو قال: بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حنى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتى الأوثان، وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق. قال أبو عيسى: «ظاهرين» ثم اتفقا «لا يضرهم من خالفهم حتى يأتى أمر اللَّه» . وخرجه الترمذي [ (1) ] إلى قوله: ويسبي بعضهم بعضا. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وبهذا الإسناد أيضا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا وضع السيف في أمتي لا يرفع عنها إلى يوم القيامة وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . وبهذا الإسناد أيضا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتى بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان وإنه سيكون في أمتى ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي [ (3) ] . وسألت ربي أن لا تهلك أمتى بالغرق فأعطانيها، وسألت أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها. وخرج الترمذي [ (4) ] من حديث الزهري، عن عبد اللَّه بن الحرث، عن عبد اللَّه بن خباب بن الأرت، عن أبيه، قال: صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صلاة   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 410، كتاب الفتن، باب (14) ما جاء في سؤال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاثة في أمته، حديث رقم (2176) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2202) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2219) . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 409 حديث رقم (2175) ، باب (14) ما جاء في سؤال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاثا في أمته، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) 2/ 1030، باب (9) ما يكون من الفتن، حديث رقم (3591) بسياقة أتم، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) 6/ 613، حديث رقم (10277) ، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 322 فأطالها، قالوا: يا رسول اللَّه صليت صلاة لم تكن تصليها! قال: أجل إنها صلاة رغبة ورهبة، إني سألت اللَّه فيها ثلاثا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها. قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. وخرج الدمشقيّ من حديث حماد بن سلمة، عن يونس وثابت وحميد وحبيب، عن الحسن، عن خطاب بن عبد اللَّه، عن أبي موسي الأشعري رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: بين يدي الساعة الهرج، قالوا: يا رسول اللَّه! وما الهرج؟ قال: القتل، قالوا: أكثر مما يقتل؟ أن يقتل في العام الواحد أكثر من كذا ألفا، قال: إنه ليس يقتلكم المشركون ولكن يقتل بعضكم بعضا، قالوا: ومعنا يومئذ عقولنا؟ قال: إنه ينتزع عقول أكثر أهل ذلك [الزمان] ويخلصوا له من الناس، يحسب أكثرهم أنه على شيء وليسوا على شيء. قال أبو موسى: والّذي نفسي بيده ولا أجد لي ولكم وإن أدركنا إلا أن نخرج منها كما دخلناها. لم يصب فيها دما ولا مالا. ومن حديث بشر بن شعيب، عن أبيه، عن الزهري قال: أخبرنى عروة بن الزبير أن كرز بن علقمة الخزاعي قال: بينا أنا جالس عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جاءه رجل من أعراب نجد، قال: يا رسول اللَّه. هل للإسلام من منتهى؟ قال: نعم، أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد اللَّه بهم خيرا أو دخل عليهم الإسلام، قال الأعرابي: ثم ماذا يا رسول اللَّه؟ قال: ثم تجمع الفتن كأنها الظلل، قال الأعرابي: كلا يا رسول اللَّه، قال: والّذي نفس محمد بيده لتعودن فيها أساود ضبا بضرب بعضهم رقاب بعض. وخرجه الإمام أحمد من حديث الزهري.   [ () ] وحديث رقم (12179) ، كلاهما من مسند أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، 6/ 328، حديث رقم (21620) ، كلاهما من حديث معاذ بن جبل رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وأخرجه النسائي في (السنن) 3/ 239- 240 باب (16) إحياء الليل، حديث رقم (1637) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 323 وخرجه أبو نعيم [ (1) ] من طريق أبي داود والحميدي وسعيد بن منصور، وأبي بكر بن أبي شيبة، كلهم من حديث سفيان بن عيينة، حدثنا الزهري بنحوه وزاد في آخره: قال الزهري: والأسود الحية إذا أراد أن ينهس ينتصب هكذا ورفع الحميدي يده ثم انصبّ. وخرج من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال: أبو نعيم: رواه عقيل وابن يسار ومعاوية بن يحيى عن الزهري مثله، ورواه عبد الواحد بن قيس عن عروة بن الزبير وأكثر من طريق يحيى وعبد اللَّه، قال: حدثني عبد الواحد بن قيس، أنه سمع عروة بن الزبير يقول: حدثني كرز الخزاعي قال: أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال يا رسول اللَّه هل للإسلام منتهى؟ قال: نعم، فمن أراد اللَّه به خيرا من العرب والعجم أدخله عليه، ثم تقع الفتن كالظلل قال: كلا واللَّه يا رسول اللَّه [قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] : بلى والّذي نفسي بيده [ (2) ] لتعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأفضل الناس يومئذ معتزل في شعب من الشعاب يتقى ربه ويدع الناس من شره [ (3) ] . ومن حديث الوليد بن مسلم حدثنا بن جابر قال: حدثني سليمان بن حبيب عن كرز الخزاعي أن أعرابيا قال: يا رسول اللَّه جاءنا اللَّه بهذا الإسلام فجعل له من منتهى؟ قال: نعم، فمن يرد اللَّه قال: خيرا يدخله عليه، ثم ماذا يا رسول اللَّه؟ قال: ثم تقع فتن كالظلل قال: كلا يا رسول اللَّه، قال: بلي، والّذي نفسي بيده ثم تعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض، فخير الناس [ (4) ] يومئذ هو من يعتزل. وخرج أيضا من حديث الدمشقيّ، قال: قال أبو اليمان بن شعيب عن الزهري، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن أم حبيبة أن   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 548، حديث رقم (481) ، وفيه: «إذا أراد أن ينهس ارتفع» وما أثبتناه من (الأصل) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (482) . [ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) . [ (4) ] في (أبي نعيم) : «وأفضل الناس» الجزء: 12 ¦ الصفحة: 324 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أرأيت ما تلقى أمتى من بعدي، وسفك بعضهم دماء بعض، وكان ذلك سابقا من اللَّه فسألته أن يوليني بشفاعة فيهم ففعل. وخرجه أبو محمد بن أحمد بن حماد والدولابي من حديث محمد بن عوف بن سفيان الطائي قال أبو اليمان: قال الزهري: قال أنس بن مالك: عن أم حبيبة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: أرأيت ما تلقى أمتى من بعدي؟ سفك بعضهم دماء بعض فأحزنني وشق ذلك عليّ، وسبق ذلك من اللَّه كما سبق الأمم قبلها فسألته أن يوليني الشفاعة فيهم يوم القيامة ففعل. وخرجه ابن موسى عن موسى بن عبيدة عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن أم سلمة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قد أريت ما تلقى أمتي من بعدي فأخرت لهم شفاعتي إلى يوم القيامة. وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرنى عمرو بن الحرث، عن سعيد بن هلال، عن أبان بن صالح، عن الشعبي، عن عون بن مالك الأشجعي قال: [بينا] نحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة تبوك ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قبة من أدم إذ مررت فسمع صوتي فقال: «يا عوف بن مالك ادخل» فقلت: يا رسول اللَّه أكلي أم بعضي؟ فقال: «بل كلك» قال: فدخلت، فقال: «يا عوف اعدد ستا بين يدي الساعة» فقلت: ما هن يا رسول اللَّه؟ قال: موت رسول اللَّه» فبكى عوف، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «قل: إحدى» قلت: إحدى، ثم قال: «وفتح بيت المقدس قل اثنتين» قلت اثنين، قال: «وموت يكون في أمتى كعقاص الغنم، قل: ثلاث، «قلت: ثلاث، قال: وتفتح لهم الدنيا حتى يعطى الرجل المائة فيسخطها، قل: أربع» وفتنه لا يبقى أحد من المسلمين إلا دخلت عليه بيته قل خمس «قلت: خمس» وهدنة تكون بينكم وبين بنى الأصفر يأتونكم على ثمانين غاية، كل غاية اثنا عشر ألفا ثم يغدرون بكم حتى حمل امرأة» ، فلما كان عام عمواس زعموا أن عوف بن مالك قال لمعاذ بن جبل: إن   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 469، كتاب الفتن والملاحم، باب (49) ، حديث رقم (8303) ، وفي (الأصل) : «بهذا الإسناد» بدلا من: «بهذه السياقة» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 325 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لي: اعدد ستا بين يدي الساعة فقد كان منهن الثلاث وبقي الثلاث فقال معاذ: إن لهذا مدة ولكن خمس أظللنكم من أدرك منهن شيئا ثم استطاع أن يموت فليمت [قبل] أن يظهر التلاعن على المنابر، ويعطى مال اللَّه على الكذب والبهتان، وسفك الدماء بغير حق، وتقطع الأرحام، ويصح العبد لا يدرى أضال هو أم مهتد. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث وكيع حدثنا أبو جعفر عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب في قوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ [ (2) ] الآية، قال من أربع وكلهن رفع لا محالة مضت اثنتان بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، فألبسوا شيعا، وذاق بعضهم بأس بعض، وبقيت هنا فقال: لا محالة الحيف والرجم. وخرج الحاكم [ (3) ] من حديث أنس، عن الأعمش فإنّي برءوس خوارج فكلما مروا عليه برأس، قال: إلى النار، فقال له عبد بن يزيد: أولا تدري، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: عذاب هذه الأمة جعل بأيديها في دنياها. قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، إنما أخرج مسلم وحده حديث طلحة بن يحيى، عن أبي بردة، عن أبي موسي: أمتى أمة مرحومة.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 278، حديث رقم (1469) ، 3/ 309، حديث رقم (13903) ، 6/ 161 حديث رقم (20721) [ (2) ] الأنعام: 65. [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 283، كتاب التوبة والإنابة، باب (40) حديث رقم (7650) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 326 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بظهور المعادن فيكون فيها شرار الناس فكان كما أخبر فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عاصم بن يوسف، قال سعير بن الخمس، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بقطعة من ذهب وكانت أول صدقة قد جاءت به بنو سليم من معدن لهم فقالوا: يا رسول اللَّه هذه من معدن لنا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تكون معادن ويكون فيها شرار خلق اللَّه. رواه محمد بن يوسف الفريابي قال: ذكر سفيان، عن زيد بن أسلم، عن رجل من بنى سليم، عن جده، قال أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بشيء من فضة، من معدن لنا فقال أما إنه ستظهر معادن وسيحضرها شرار الناس. قال البيهقي: وهكذا رواه قبيصة بن عقبة، عن سفيان وقال أبو بكر بن أبي شيبة، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن زيد بن أسلم عن رجل من بني سليم عن أبيه أنه أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بفضة فقال هذا معدن لنا. فقال النبي: إنها ستكون معادن يحضرها شرار الناس. قال البيهقي: هذا هو المحفوظ من حديث زيد بن أسلم. وخرجه [ (2) ] الإمام أحمد من حديث سفيان، عن زيد بن أسلم، عن رجل من بنى سليم، عن جده، أنه أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بفضة، فقال: هذه من معدن لنا فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ستكون معادن يحضرها شرار الناس.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) 6/ 530- 531، باب ما جاء في إخباره بكون المعادن وأنه يكون فيها من شرار خلق اللَّه عز وجل فكان كما أخبر. [ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 598، حديث رقم (23133) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 327 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بمجيء قوم بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات فكان كما أخبر فخرج مسلم [ (1) ] في آخر كتاب اللباس، وفي آخر كتاب بدء الخلق، من حديث جرير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. وخرجه من حديث زيد بن حباب، حدثنا أفلح بن سعيد: حدثنا عبد اللَّه ابن رافع مولى أم سلمة قال: سمعت أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 356- 357، باب (34) النساء الكاسيات والعاريات المائلات المميلات، حديث رقم (2128) ، قال في (جامع الأصول) : «كاسيات عاريات» المعنى: أنهن كاسيات من نعم اللَّه عز وجل، عاريات من شكره. المعنى: أنهن يكشفن بعض أجسامهن، ويسدلن الخمر من ورائهن، فيكشفن صدروهن، فهن كاسيات عاريات، إذ بعض ذلك مكشوف، وقيل هو أن تلبس ثيابا رقاقا تصف ما تحتها فهن كاسيات في ظاهر الأمر، عاريات في الحقيقة. «مائلات مميلات» مائلات، أي: زائغات عن طاعة اللَّه وعما يلزمهن من حفظ الفروج، ومميلات يعلمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن، وقيل: مائلات، أي: يمتشطن المشطة الميلاء، وهي التي جاءت كراهيتها في بعض الحديث، وهي مشطة البغايا، والمميلات: اللاتي يمشطن غيرهن المشطة الميلاء، وقيل: مائلات إلى الشر، مميلات للرجال إلى الفتنة. «رءوسهن كأسنمة البخت» أراد تشبه رءوسهن بأسنمة البخت بما يكبرن رءوسهن به من المقانع والخمر والعمائم، أو بصلة الشعور، وخرجه البيهقي في (الدلائل) : 6/ 532. وأخرجه مسلم أيضا في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب (13) النار يدخلها الجبارون والجنة بدخلها الضعفاء حديث رقم (52) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 328 يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قوما في أيديهم مثل أذناب البقر، يغدون في غضب اللَّه، ويروحون في سخط اللَّه [ (1) ] . ومن حديث أبي عامر العقدي قال أفلح بن سعيد قال: حدثني عبد اللَّه بن رافع مولى أم سلمة، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إن طالت به مدة أوشكت أن ترى قوما يغدون في سخط اللَّه، ويروحون في لعنته في أيديهم مثل أذناب البقر [ (2) ] . وخرجه الحاكم في (المستدرك) [ (3) ] من حديث أبى عبد اللَّه محمد بن يعقوب الشيباني، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي حدثنا مسدد من حديث بشر بن المفضل حدثنا عبد اللَّه بن بجير حدثنا سيار بن سلامة عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يخرج في هذه الأمة في آخر الزمان رجال معهم سياط كأنها أذناب البقر يغدون في سخط اللَّه ويروحون في غضبه، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وخرج من حديث ابن وهب قال: أخبرنى عبد اللَّه بن عياش القتباني عن أبيه، عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: سيكون في هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم ونساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كاسنمة البخت العجاف العنوهن فإنّهنّ ملعونات لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمهم كما خدمكم نساء الأمم السابقة. فقلت لأبى: وما المياثر؟ قال سروجا عظاما. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 196، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب (13) ، حديث رقم (53) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (54) . [ (3) ] المرجع السابق: 4/ 483، كتاب الفتن، حديث رقم (8347) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 329 قال سروح: قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] . قال الحافظ أبو نعيم [ (2) ] النساء المذكورات في هذا الحديث قيل: إنهن المغنيات بالعراق يتعممن بكارات كبار على رءوسهن ثم يتجلببن فوقهن. وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى أن بغداد تبنى ثم تخرب [ (3) ] فكان كما أشار وأخبر صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث عمار بن سيف، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان المتعلج، عن جابر، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول تبنى مدينة بين دجلة، ودجيل وقطربُّل، والصراة، تجبى إليها خزائن الأرض وجبابرتها، لهى أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الحديد في الأرض الرخوة [ (4) ] . ومن حديث محمد بن جابر، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أبي جرير قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تبنى مدينة بين دجلة، ودجيل، والصراة،   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 483، كتاب الفتن، حديث رقم (8346) . ثم قال: فقلت لأبي: وما المياثر؟ قال: سروجا عظاما. وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : عبد اللَّه بن عياش وإن كان قد احتج به مسلم فقد عافاه أبو داود والنسائي، وقال أبو حاتم هو قريب من ابن لهيعة. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 547، حديث رقم (480) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه) في كتاب (الجنة وصفة نعيمها وأهلها) باب (13) النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء حديث رقم (2128) . [ (3) ] ذكر الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) : 27/ 38 جميع أحاديث الباب ثم أوردها تحت عنوان ذكر أحاديث رويت في السلب لبغداد والطعن على أهلها، وبيان فسادها وعللها، وشرح أحوال رواتها وناقليها، فلتراجع هناك. [ (4) ] (تاريخ بغداد) : 1/ 32. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 330 وقطربُّل يجتمع فيها خزائن الأرض، يخسف بها فلهى أسرع خسفا بأهلها من التيه في الأرض الصبخة والخوراة [ (1) ] . ومن حديث إسماعيل، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ستبنى مدائن بين نهرين من المشرق، وتحشر إليها خزائن الأرض وسروها، يسكنها أشر خلق اللَّه وخبأت أمتى يخسف اللَّه بها [ (2) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عن البصرة ومصير أمرها [ (3) ] فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث محمد بن عبد اللَّه الخزاعي قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن أبي نضرة قال: أتينا عثمان بن أبي العاص يوم جمعة فجلسنا إليه فقال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: والشام، تكون المسلمين بلدة أمصار ومقر بملتقى البحرين، ومقر بالحيرة، ومصر، بالشام فيخرج للمسلمين ثلاث فزعات. ومن حديث صالح المري عن المغيرة بن حبيب صهر مالك قال: قلت لمالك بن دينار: يا أبا يحيى لو ذهبت بنا إلى بعض جزائر البحر كنا فيها حتى تسكن بأمر الناس فقال: ما كنت بالذي أفعل. حدثني الأحنف بن قيس، عن أبي ذر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إني لأعرف أرضا يقال لها: البصرة أقوفها قبلة، وأكثر مساجد ومؤذنين، يدفع عنها من البلاء ما يدفع عن سائر البلاد. ومن حديث صالح المري عن سعيد الريعي، عن صالح عن مالك بن دينار، عن الأحنف بن قيس، عن أبي ذر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذكر أهل الكوفة فذكر أنهم سينزل بهم بلايا عظام، وذكر أهل البصرة وذكر أنهم أفضل من الأمصار.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 1/ 33. [ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 33، انظر (معجم البلدان) : 1/ 541 وما بعدها. [ (3) ] راجع تعليقات الفصل السابق، وانظر (معجم البلدان) 1/ 510 وما بعدها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 331 ومن حديث إسماعيل بن أبي إسماعيل قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن جرهم بن الحارث، عن العوام بن حوشب، عن سعيد بن جهمان، عن أبي بكرة قال: ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن أرضا تسمى البصرة أو البصيرة فنزلها أناس من المسلمين فبينما هم على ذلك إذا جاءهم بنو قنطور حتى ينزلوا بين دحلمة ذي نخل فنتصرف الناس عن ذلك ثلاث فرق فأما فرقة فتلحق بأصلها فتهلكها فتأخذ على نفسها وكفروا، وفرقة تقاتل قتالا شديدا فيفتح اللَّه عليهم. ومن حديث داود بن سعيد بن حيان، عن مسلم، عن أبي بكرة، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن ناسا من أمتى ينزلون بغائط موته البصرة عندهم نهر يقال له دجلة يكون لهم عليها جسر ويكون أهلها وتكون من أنصار المهاجرين، فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطور عراض الوجوه صفن الأعين حتى ينزلوا على شاطئ البصرة فيضيق أهلها على ثلاث فذكر قتله. ومن حديث عبد الرحمن بن أبي غياث قال الحرث بن سليمان الكوفي، عن سالم بن أبي الجعد، قال: لما فرغ على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من قتال أهل البصرة دخل المسجد فاستنزل حائط القبلة ثم أمر مناد ينادى: الصلاة جامعة وبرئت الذمة من رجل يحلق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 332 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بما يكون في هذه الأمة من الفجور وتناول المال الحرام والتسرع إلى القتل [ (1) ] فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث على بن عاصم، عن داود بن أبي هند، قال: نزلت الجديلة جديلة قيس فسمعت شيخا أعمى يقال له، أبو عمر يقول: سمعت أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليأتين على الناس زمان يخير الرجل فيه بين العجز أو الفجور فمن أدرك ذلك الزمان منكم فليختر العجز على الفجور. وخرجه أحمد [ (3) ] والحاكم [ (4) ] من حديث سفيان عن داود بن أبي هند قال: أخبرني شيخ سمع أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأتى على الناس زمان يخير الرجل فيه بين العجز والفجور فمن أدرك ذلك الزمان فليختر العجز على الفجور. قال الحاكم [ (5) ] هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأن الشيخ الّذي لم يسم سفيان الثوري عن داود بن أبي هند هو سعيد بن أبي جبيرة، رواه من حديث عباد بن العوام، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن أبي جبيرة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فذكره. وخرج الحاكم [ (6) ] من حديث معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه، عن كعب بن عياض رضي اللَّه تبارك وتعالى   [ (1) ] هذا العنوان في (دلائل البيهقي) هكذا: باب ما جاء في إخباره بزمان يخير الرجل فيه بين العجز والفجور وبزمان لا يبالي المرء بما أخذ المال بحلال أو بحرام فكان كما أخبر. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 535. [ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 543 حديث رقم (7686) . [ (4) ] (المستدرك) : 4/ 485 حديث رقم (8353) ، (كتاب الفتن) . [ (5) ] (المستدرك) : 4/ 484- 485 حديث رقم (8352) (كتاب الفتن) . [ (6) ] (المستدرك) : 4/ 354، (كتاب الرقاق) حديث رقم (7896) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 333 عنه قال سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول «إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال» قال: هذا حديث صحيح الإسناد. وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن صالح قال: أخبرنى معاوية بن صالح قال: حدثني أبو الزاهرية، عن كثير بن مرة عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليغشين أمتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل. قال [ (2) ] الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ومن حديث ابن أبي وهب قال أخبرني عمرو بن الحرث وابن لهيعة عن زيد أبي حبيب، عن سنان بن سعد، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: «بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل» . وخرج الحاكم [ (3) ] من حديث عمرو بن محمد بن منصور العدل، حدثنا عمر بن حفص، حدثنا عاصم بن عليّ، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن النعمان بن بشير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: صحبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فسمعناه يقول: «إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام خلاقهم فيها بعرض من الدنيا يسير» . قال الحسن: واللَّه لقد رأيناهم صورا بلا عقول أجساما بلا أحلام فراش نار وذبان طمع يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين يبيع أحدهم دينة بثمن العنز.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 4/ 485، (كتاب الفتن) حديث رقم (8354) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 4/ 485، (كتاب الفتن) حديث رقم (8355) . [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 611، كتاب (معرفة الصحابة) حديث رقم (6263) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 334 وخرجه أبو نعيم من حديث عاصم بن على قال: المبارك بن فضالة عن الحسن، عن النعمان بن بشير قال: صحبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وسمعناه يقول: إن من بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا ويبيع أقوام أخلاقهم في عرض أو بعرض من الدنيا [ (1) ] يسير، ومن حديث [ (2) ] حفص بن عمر، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن النعمان بن بشير أنه كتب إلى قيس بن سعد [أما بعد فإنكم إخواننا أسقافا وأما شهدنا ولم يشهدوا وسمعنا ولم يسمعوا] وإني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إن بين يديّ فتنا كقطع الدخان يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع الرجل دينه بثمن عرض. قال الحسن: قد رأيناهم واللَّه. وخرج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة حدثنا يونس عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ويل للعرب من شر قد اقترب فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر أو قال: على الشوك قال حسن في حديثه: [ (3) ] خبط الشوك. ومن حديث شعبه عن محمد بن يعقوب سمعت شقيق بن حيان يحدث عن مسعود بن قبيصة أو قبيصة بن مسعود يقول: صلّى هذا الحي من محارب الصبح فلما صلوا قال شاب منهم: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إنه سيفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وأن عمالها في النار إلا من اتقى اللَّه وأدى الأمانة [ (4) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (6263) . [ (3) ] (مسند أحمد) 3/ 97- 98، حديث رقم (8831) . [ (4) ] (مسند الإمام أحمد) : 6/ 504- 505، حديث رقم (22599) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 335 وخرج [ (1) ] مسلم من حديث أبي حازم، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والّذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتى على الناس يوم لا يدرى القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهرج، القاتل والمقتول في النار. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عن حال بقعة من الأرض فظهر صدق ما أخبر به فخرج الحافظ أبو نعيم [ (2) ] من حديث الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن مهندب، عن سفيان، عن عاصم بن عبيد اللَّه، عن عبيد مولى أبي، رهم، عن أبي هريرة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نظر إلى بقعة من بقاع المدينة فقال: رب يمين لا يصعد إلى اللَّه بهذه البقعة فرأيت فيها النخاسين بعد. وخرجه الإمام أحمد [ (3) ] في (المسند) من حديث عبد الرحمن ولفظه: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول رب يمين لا تصعد إلى اللَّه بهذه البقعة فرأيت فيها النخاسين بعد.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 251- 252، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (56) . [ (2) ] راجع التعليق التالي: [ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 585، حديث رقم (7963) . (مسلم بشرح النووي) : 3/ 140- 141 كتاب الطهارة، باب (12) حديث رقم (39) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 581 حديث رقم (7933) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 336 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عن قوم يؤمنون به ولم يروه فخرج مسلم [ (1) ] من حديث إسماعيل بن جعفر قال: أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون وددت أنا قد رأينا إخواننا. قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول اللَّه؟ قال: أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول اللَّه؟ فقال: أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا بلى يا رسول اللَّه، قال: فإنّهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض ألّا ليزادن رجال من حوضي كما يزاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال أنهم قد بدلوا بعدك فأقول: سحقا سحقا. وخرج مسلم [ (2) ] من حديث عبد العزيز الدراوَرْديّ، حدثنا مالك، جميعا عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون. بمثل حديث إسماعيل بن جعفر غير أن حديث مالك: فليذادن رجال عن حوضي.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 140- 141، كتاب الطهارة، باب (12) ، حديث رقم (39) . [ (2) ] (راجع التعليق السابق) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 337 وأخرجه النسائي [ (1) ] من حديث مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون، وددت أنى قد رأيت إخواننا، قالوا: يا رسول اللَّه، ألسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض، قالوا: يا رسول اللَّه، كيف تعرف من يأتى بعدك من أمتك قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلين في خيل بهم دهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى، قال: فإنّهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض. وذكر ابن عبد البر من حديث عمرو بن خالد حدثنا ابن لهيعة عن يزيد عن أبي حبيب عن بكير بن عبد اللَّه بن الأشج، عن عبد الرحمن بن أبي عمر عن أبيه قال: قلت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أرأيت من آمن بك ولم يرك؟ فقال: أولئك إخواننا معنا، طوبى لهم، طوبى لهم. ومن حديث ابن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وجاءه عمر فقال: يا عمر إني لمشتاق إلى إخواني، قال: عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ألسنا بإخوانك يا رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكنكم أصحابي، وإخواني قوم آمنوا بي ولم يروني. هكذا أورده ابن عبد البر بغير إسناد. وذكر من طريق موسى بن داود، عن همام، عن قتادة، عن أنس عن أبي أمامة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى سبع مرّات لمن لم يرني وآمن بي. قال: ورواه أبو داود الطيالسي عن همام، عن قتادة به مثله. ومن مسند أبي داود الطيالسي، عن محمد بن أبي حميد، عن زيد بن أسلم عن أبيه، عن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت جالسا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا؟ قلنا: الملائكة، قال: فحق لهم بل غربتم، قلنا: الأنبياء، قال: حق لهم بل غربتم، ثم قال رسول اللَّه   [ (1) ] (سنن النسائي) : 1/ 101- 102، كتاب الطهارة، باب (110) ، حلية الوضوء حديث رقم (150) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 338 صلّى اللَّه عليه وسلم: أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني يجدون ورقا فيتعلمون فيه فهم أفضل الخلق إيمانا. وذكره ابن عبد البر من طريق زكريا بن يحيى الشامي، عن محمد بن المثنى بن أبي عدي، عن ابن أبي حميد، عن زيد بن أسلم عن أبيه، عن عمر ابن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول ائتوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا قلنا الملائكة .... وذكر الحديث كما تقدم. قال المؤلف عفى اللَّه عنه وغفر ذنوبه: وقد خرجه [ (1) ] الحاكم من حديث أبي عامر العقدي، حدثنا محمد بن أبي حميد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم «أتدرون أي أهل الإيمان أفضل إيمانا؟» قالوا: يا رسول اللَّه الملائكة؟ قال: هم كذلك ويحق ذلك لهم وما يمنعهم وقد أنزلهم اللَّه المنزلة التي أنزلهم بها غيرهم، قالوا: يا رسول اللَّه فالأنبياء الذين أكرمهم اللَّه تعالى بالنّبوّة والرسالة؟ قال: «هم كذلك ويحق لهم ذلك وما يمنعهم وقد أنزلهم اللَّه المنزلة التي أنزلهم بها بل غيرهم» قال: قلنا فمن هم يا رسول اللَّه؟ قال: «أقوام يأتون من بعدي في أصلاب الرجال فيؤمنون بي ولم يروني ويجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا» ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وقال ابن عبد البر: [ (2) ] وذكر سنين عن خلف بن خليفة عن عطاء بن السائب قال: قال ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لأصحابه يوما: أي الناس أعجب إيمانا قالوا: الملائكة، قال: وكيف لا تؤمن الملائكة والأمر فوقهم يرونه؟ قالوا: الأنبياء، قال: وكيف لا تؤمن الأنبياء والأمر منزل إليهم غدوة وعشية؟ قال: فنحن؟ قال: وكيف لا تؤمنون وأنتم ترون من رسول اللَّه ما ترون؟ ثم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أعجب الناس إيمانا قوم يأتون بعدي   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 96، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6993) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : بل محمد [بن أبي حميد] ضعفوه. [ (2) ] (الاستيعاب) : 2/ 689، ترجمة رقم (1147) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 339 يؤمنون بي ولم يروني، أولئك إخواني حقا، وكان سفيان بن عيينة يقول: تفسير هذا الحديث وما كان مثله بين في كتاب اللَّه تعالى وهو قوله تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [ (1) ] . قال ابن عبد البر: وروى مالك عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن أهل الجنة ليتراؤون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري في الأفق من المشرق أو المغرب لا يتفاضل بينهم، قيل: يا رسول اللَّه تلك منازل الأنبياء لا يلقاها غيرهم؟ قال: بلى والّذي نفسي بيده، رجال آمنوا باللَّه وصدقوا المرسلين [ (2) ] . وروى فليح بن سليمان عن هلال بن على عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مثله، وقال: محمد بن يحيى كلاما غير مرفوع وذكر من حديث قاسم بن أصبغ، عن أحمد بن زهير، عن مروان بن عزوف، حدثنا عن مرزوق بن نافع، عن صالح بن حنز، عن أبي جمعة قال: قلنا: يا رسول اللَّه هل أحد خير منا؟ قال: نعم قوم يكونون بعدكم فيجدون كتابا بين لوحين يؤمنون بما فيه ويؤمنون بي ولم يروني [ (3) ] . قال جامعه- رحمه اللَّه وعفى عنه-: وقد خرج الحاكم [ (4) ] هذا الحديث من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عوف بن سفيان الطائي بحمص، حدثنا عبد القدوس بن الحجاج، حدثنا الأوزاعي، حدثنا أسيد ابن عبد الرحمن، حدثني صالح بن محمد، عن أبي جمعة قال: تغدينا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، قال: فقلنا: يا رسول اللَّه أحد خير   [ (1) ] آل عمران: 101. [ (2) ] باقي هذا الحديث مطموس في الأصل. [ (3) ] المرجع التالي مع اختلاف يسير في اللفظ. [ (4) ] (المستدرك) : 4/ 95- 96، كتاب معرفة الصحابة حديث رقم (6992) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 340 منا معك أسلمنا معنا وجاهدنا معك؟ قال: نعم قوم يكونون بعدكم يؤمنون بى ولم يرونى. قال الحاكم [ (1) ] هذا حديث صحيح الإسناد. قال ابن عبد البر: قد عارض قوم هذه الأحاديث بما جاء عنه صلّى اللَّه عليه وسلم: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وهو حديث حسن المخرج، جيد الأسانيد، وليس ذلك عندي بمعارض لأن قوله: خير الناس قرني ليس على عمومه، بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول، وقد جمع قرنه من السابقين من المهاجرين والأنصار جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان، وأهل الكبائر الذين أقام عليهم وعلى بعضهم الحد، ردّ وقال: أنتم ما تقولون في الشارب والسارق والزاني وقال صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه. وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ (2) ] قال: من فعل منكم فعلها كان مثلها وقال ابن عباس رضي اللَّه عنه: في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ثم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وشهدوا بدرا والحديبيّة وهذا كله يشهد أن خير قومه فضلاء أصحابه وقد قيل في قول اللَّه- عز وجل-: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أمة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم يعنى الصالحين منهم وأهل الفضل وكنتم شهداء على الناس يوم القيامة، قالوا: إنما صار أول هذه الأمة خير القرون لأنهم آمنوا به حين كفر الناس، وصدقوه حين كذبه الناس، وعزروه، ونصروه، وآووه وواسوه بأموالهم وأنفسهم وقاتلوا غيرهم على كفرهم حتى أدخلوه في الإسلام. وقد قيل في توجيه أحاديث هذا الباب مع قوله خير الناس قرني في قوته إنما قيل: لأنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبروا على إيذائهم وتمسكهم، وأن آخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهرج والكبائر، كانوا عند ذلك أيضا   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] سورة آل عمران: 110. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 341 غرباء، وزكت أعمالهم في ذلك الزمن، كما زكت أعمال من قبلهم، ومما يشهد لهذا قوله صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء، ويشهد له أيضا حديث أبي ثعلبة، ويشهد له قوله صلّى اللَّه عليه وسلم أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره. هذا حديث خرجه الإمام أحمد [ (2) ] من حديث رماد عن أبي عمرو عن الحسين عن عمار بن ياسر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره. وقد ذكر البخاري- رحمه اللَّه- قال: محمد بن بشار بن أبي عدي عن حميد، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة على أحد يقول في الأرض اللَّه [ (3) ] . قال ابن عبد البر: فما ظنك بعبادة اللَّه وإظهار دينه في ذلك الوقت ليس هو كالعاص على الجمر، لصبره على الذل والفاقة وإقامة الدين والسنة. وروينا أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبد اللَّه ابن عمر أن أكتب إليّ سيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها، فكتب إليه سالم أن عملت بسيرة عمر، وأنت أفضل من عمر، لأن لا زمانك كزمان عمر، ولا رجالك كرجال عمر. قال: وكتب إلى فقهاء زمانه فكلهم كتب إليه بمثل قول   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 536، كتاب الإيمان باب (64) رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب وعرض الفتن على القلوب حديث رقم (232) في (الأصل) : «الدين» وما أثبتناه من سائر المراجع (سلسلة الأحاديث الصحيحة) : 3/ 267، حديث رقم (1273) ، وتمامه: قيل: من هم يا رسول اللَّه؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، قال الألباني: وهذا سند صحيح، رجاله ثقات، رجال الصحيح، غير محمد بن آدم المصيصي وهو ثقة كما قال النسائي وغيره. [ (2) ] (مسند أحمد) : 5: 417، حديث رقم (18402) . [ (3) ] (جامع الأصول) : 10/ 394، حديث رقم (7902) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 342 سالم وقد عدل عن بعض الجملة من العلماء قوله صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] «خير الناس قرني بقوله: خير الناس من طال عمره وحسن عمله» ، قال: وهذه الأحاديث تقتضي مع مواثر [صحة] طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها، [والمقنع] في ذلك ما قدمنا ذكره من الإيمان والعمل الصالح في الزمن الفاسد الّذي يرفع فيه من أهله العلم والدين، وبكثر الهرج والفسق، ويذل المؤمن، ويعز الفاجر، ويعود الدين غريبا كما بدأ ويكون القائم فيه بدينه كالقابض على الجمر فيستوي أول هذه الأمة بآخرها في فضل العمل إلا أهل بدر والحديبيّة واللَّه يؤتى فضله من يشاء. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن أقصى أماني من جاء بعده من أمته أن يروه فكان كما أخبر فخرج البخاري من حديث شعيب عن أبي حمزه عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر حتى تقابلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة وتجدون خير الناس أشدهم كراهة لهذا الأمر، حتى يقع فيه، والناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله.   [ (1) ] (إحياء علوم الدين) : 4/ 626، باب المجاهدة «حديث خير الناس من طال عمره وحسن عمله، أخرجه الطبراني من حديث عبد اللَّه بن بشر وفيه بقية وهو مدلس. وللترمذي من حديث أبي بكر «خير الناس من طال عمره وحسن عمله» وقال: حسن صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 343 وأخرجه أيضا من حديث صالح بن كيسان عن الأعرج عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمثل حديث شعيب دون الزيادة مع تقديم وتأخير [ (1) ] . وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم من حديث شعيب عن أبي جمرة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله.   [ (1) ] (جامع الأصول) : 10/ 375- 376، الفصل الرابع في الفتن والاختلاف أمام القيامة، حديث رقم (7870) ، وقال: قال سفيان: زاد فيه رواية «صغار الأعين» ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة» . وفي رواية قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تقاتلون بين يدي الساعة قوما فعالهم الشعر، كان وجوههم المجان المطرقة، حمر الوجوه، صغار الأعين، أخرجه البخاري ومسلم. وللبخاريّ عن قيس بن أبى حازم قال: أتينا أبا هريرة، فقال: صحبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاث سنين، لم أكن في سنى أحرص على أن أعي الحديث منهيّ فيهن، سمعته يقول: وقال هكذا بيده: بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر، وهو هذا البارز قال سفيان مرة: وهم أهل البارز ويعنى بأهل البارز فارس، كذا هو بلغتهم» . وللبخاريّ أيضا: وزاد في آخره، وتجدون خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر، حتى يقع فيه، والناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا، وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحبّ إليه من أن يكون له مثل أهله وماله» . وله أيضا: قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تقاتلون خوزا وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر «ولمسلم: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك، قوما وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر» . وأخرج أبو داود الأولى والآخرة، وأخرج الترمذي الأولى، وأخرج [أبو داود] والنسائي الآخرة، إلا أن أبا داود لم يذكر «يمشون في الشعر» [شرح الغريب] » ذلف الأنوف» الذلف في الأنف- بالذال المعجمة- استواء في طرفه وليس بالغليظ الكبير. [ (2) ] (جامع الأصول) : 10/ 375- 377، حديث رقم (7870) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 344 وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث همام بن منبه، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والّذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني، ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم. قال أبو نصر الحميدي: تأولوه على أنه نعى مصيبة إليهم وعن فهم بما يحدث لهم بعده من تمنى لقائه عند فقدهم ما كانوا يشاهدون من بركاته صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرج مسلم [ (2) ] من حديث يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، حدثنا أبو هريرة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: والّذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم قال أبو إسحاق: المعنى فيه عندي لأن يراني معهم أحب إليه من أهله وماله وهو عندي يقدم ويؤخر. وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث أبي خالد الأجوري عن يحيى بن سعيد، عن أبي صالح، عن رجل من بني أسد، عن أبي ذر رضي اللَّه عنه   [ (1) ] (المرجع السابق) 8/ 543، حديث رقم (6349) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 127، كتاب الفضائل، باب (39) فضل النظر إليه صلّى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (142) قوله صلّى اللَّه عليه وسلم والّذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني ثم لأن يراني معهم أحب إليه من أهله وماله وهو عندي مقدم ومؤخر، هذا الّذي قال أبو إسحاق هو الّذي قاله القاضي عياض واقتصر عليه قال تقديره لأن يراني معهم أحب إليه من أهله وماله ثم لا يراني وكذا جاء في مسند سعيد بن منصور ليأتين على أحدكم يوم لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله ثم لا يراني أي رؤيته إياي أفضل عنده وأخطر من أهله وماله. هذا كلام القاضي والظاهر أن قوله في تقديم لأن يراني وتأخير من أهله لا يراني كما قال وأما لفظة معهم فعلى ظاهرها وفي موضعها وتقدير الكلام يأتى على أحدكم يوم لأن يراني فيه لحظة ثم لا يراني بعدها أحب إليه من أهله وماله جميعا ومقصود الحديث حثهم على ملازمة مجالسة الكريم ومشاهدته حضرا وسفرا للتأدب بآدابه، وتعلم الشرائع وحفظها ليبلغوها، وإعلامهم أنهم سيندمون على ما فرطوا فيه من الزيادة من مشاهدته وملازمته. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 345 قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن من أشد أمتي حبا إليّ مؤمنين يأتون من بعدي يود أحدهم لو رآني أحب إليه من أهله كأنه يراني. وخرجه الإمام أحمد من حديث أبي صالح. وخرجه الحاكم من حديث عبد اللَّه بن مسلمة، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن ناسا من أمتى يأتون بعدي يود أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله. قال الحاكم هذا صحيح الإسناد. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بتبليغ أصحابه ما سمعوا منه حديثهم من بعده وخطبه من بعدهم فكان كما أخبر فخرج أبو داود [ (1) ] من حديث جرير، عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم. وخرجه الحرث عن أبي أسامة من حديث فضيل عن الأعمش به مثله. وخرج أبو نعيم [ (2) ] من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ثابت بن قيس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم. وخرج الترمذي [ (3) ] من حديث أبي داود الطيالسي قال: عن سماك بن حرب قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود يتحدث عن أبيه قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: نضر اللَّه امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وبه رواه عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه.   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 4/ 68، كتاب العلم، باب (10) فضل نشر العلم، حديث رقم (3659) . [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] (جامع الأصول) : 8/ 18، حديث رقم (5849) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 346 قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: ووقع هذا الحديث في سنن أبي داود الطيالسي، عن شعبة وحماد بن سلمة، عن سماك بن حرب إلى آخره بمثله. وروى غافر بن مجد الدوري، عن يحيى بن معين أن عبد الرحمن بن عبد اللَّه وأخاه أبا عبيد لم يسمعا من أخيهم شيئا مما يحدث. وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث أبي داود عن شعبة أخبرني عمر بن سليمان عن ولد عمر بن الخطاب قال: سمعت عبد الرحمن بن عثمان يحدث عن أبيه قال: خرج زيد بن ثابت من عند مروان نصف النهار، قلنا ما بعث إليه في هذه الساعة إلا لشيء فسألاه عنه، فقمنا فسألناه فقال: نعم، سألنا عن أشياء سمعناها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «نضر اللَّه امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه» . وخرجه أبو داود [ (2) ] في باب نشر العلم من كتاب العلم من حديث يحيى عن شعبة إلى آخره مثله. وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث محمد بن إسحاق، عن عبد السلام، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه: قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «نضر اللَّه عبدا سمع مقالتي هذه فحملها، فرب حامل الفقه فيه غير فقيه، ورب حامل الفقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهم صدر مسلم: إخلاص العمل للَّه- عز وجل-، ومناصحة أولى الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم [ (3) ] .   [ (1) ] (جامع الأصول) : 8/ 17، حديث رقم (5848) أخرجه الترمذي، وأخرج أبو داود في (السنن) وحده قوله: (نضر اللَّه امرأ) دعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة، يقال: نضره اللَّه ونضره- مثقلا ومخففا- وأجودهما التخفيف. [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] (سنن أبي داود) : 4/ 68، كتاب العلم، باب (10) فضل نشر العلم، حديث رقم (3660) ، قوله «نضر اللَّه» معناه: الدعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة، يقال: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 347 وخرج الترمذي من حديث سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود، عن أبيه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: نضّر اللَّه امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهنّ قلب مسلم: إخلاص العمل للَّه، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم [ (1) ] . وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] والنسائي من حديث عبد اللَّه بن عون، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، ذكر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه- أو بزمامه- قال: أي يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه. قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى. قال: فأى شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس بذي الحجة؟ قلنا: بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه.   [ () ] بتخفيف الضاد وتثقيلها، وأجودهما: التخفيف وفي قوله «فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» دليل على كراهة اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهى في الفقه، لأنه إذا فعل ذلك فقد قطع طريق الاستنباط والاستدلال لمعاني الكلام من طريق التفهم، وفي ضمنه وجوب التفقه والحث على استنباط معاني الحديث واستخراج المكنون من سره (معالم السنن) . [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 209، كتاب العلم، باب (9) حديث رقم (67) وفي هذا الحديث من الفوائد الحث على تبليغ العلم، وجواز التحمل قبل كمال الأهلية، وأن الفهم ليس شرطا في الأداء، وأنه قد يأتى في الآخرة من يكون الأهم ممن تقدمه لكن بقلة، واستنبط ابن المنير من تعليل كون المتأخر أرجح نظرا من المتقدم أن تفسير الراوي أرجح من تفسير غيره. وفيه جواز القعود على ظهر الدواب وهي وافقه إذا احتيج إلى ذلك، وحمل النهى الوارد في ذلك على ما إذا كان لغير ضرورة وفيه الخطبة على موضع عال ليكون أبلغ في إسماعه للناس ورؤيتهم إياه. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 181- 182، كتاب القسامة باب (9) حديث رقم (30) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 348 قال: ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما، وإلى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا اللفظ لمسلم وهو أتم وزاد البخاري بعد قوله: ليبلغ الشاهد الغائب: فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه. وقال النسائي [ (1) ] : فليدعه أن يبلغ الشاهد من هو أوعى له منه ولم يذكر هو ولا البخاري قوله: ثم انكفأ إلى كبشين إلى آخره. وذكره مسلم في كتاب الديات وذكره البخاري والنسائي في كتاب العلم وقال فيه البخاري أي يوم هذا؟ وهكذا فسكتا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه وكذلك قال: في التفسير ولم يقل فيه: قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. وأخرجاه من حديث أبي عامر العقدي عن قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين. ذكره البخاري في كتاب الحج، وفي كتاب الفتن وأخرجاه من حديث أيوب، عن ابن سيرين ذكره البخاري في الأضاحي، وذكره مسلم في الديات. وخرجه البيهقي من حديث عباد بن العوام، عن الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: مرحبا بوصية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوصينا بكم. وأما إنذاره عليه الصلاة والسلام بظهور الاختلاف في أمته فخرج أبو داود [ (2) ] من حديث صفوان، قال حدثني أزهر بن عبد اللَّه الجرازى، عن أبي عامر الهوزني، عن معاوية بن أبي سفيان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قام فقال: ألا إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قام فينا فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وأن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة.   [ (1) ] لم أجده في (المجتبى) ولعله في (الكبرى) . [ (2) ] (سنن أبي داود) : 5/ 4، كتاب السنة، باب (1) شرح السنة، حديث رقم (4597) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 349 وأنه سيخرج في أمتي أقوام تجاري بهم الأهواء كما يتجاري الكلب لصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله. وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: تفرقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتى على ثلاثة وسبعين فرقة. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح [ (2) ] . وخرج من حديث سفيان [الثوري] عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي عن عبد اللَّه بن يزيد، عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول اللَّه؟ قال: ما أنا عليه وأصحابى [ (3) ] . قال: أبو عيسى هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه. قال الترمذي: الإفريقي ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره. قال أحمد: لا أكتب حديث الإفريقي.   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 25، كتاب الإيمان، باب (18) ما جاء في افتراق هذه الأمة، حديث رقم (2640) . [ (2) ] ثم قال: وفي الباب عن سعد وعبد اللَّه بن عمرو، وعوف بن مالك. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2641) ، وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 1/ 16، المقدمة، باب (6) اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، حديث رقم (2642) ، (2643) بسياقه أتم. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 109، حديث رقم (16692) ، (16694) ، (16695) ، ثلاثتهم من حديث العرباض بن سارية رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 350 وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث نعيم بن حماد، عن عيسى بن يونس عن جرير بن عثمان، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: تفترق أمتى على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنه على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحلون الحرام، ويحرمون الحلال. وخرج البيهقي [ (2) ] من حديث بقية عن بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن أبي عمر السلمي، عن العرباض بن سارية. أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعظهم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: يا رسول اللَّه هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، وإياكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين [من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ] [ (3) ] . حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان. قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: خرج أبو داود [ (4) ] هذا الحديث، قال: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد، قال: حدثني خالد بن معدان، قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر بن حجر، قالا: أتينا العرباض بن سارية، وهو ممن نزل فيه: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [ (5) ] فسلمنا، وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض: صلّى بنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 631، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب عوف بن مالك الأشجعي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (6325) ، وقد سكت عنه الذهبي في (التلخيص) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 541، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بظهور الاختلاف في أمته، وإشارته عليهم بملازمة سنته وسنة الخلفاء الراشدين من أمته. [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] (سنن أبي داود) : 5/ 13- 15، كتاب السنة باب (6) في لزوم السنة، حديث رقم (4607) . [ (5) ] التوبة: 92. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 351 القلوب فقال قائل: يا رسول اللَّه كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا [ (1) ] ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ [ (2) ] ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة [ (3) ] وكل بدعة ضلالة. وأخرجه الترمذي [ (4) ] من حديث بقية بن الوليد عن بجير بن سعد عن خالد ابن معدان، عن عبد الرحمن بن معن السلمي عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما بعد العصر موعظة بليغة إلى آخره بنحوه. وحديث   [ (1) ] قوله: «وإن عبدا حبشيا» يريد به طاعة من ولاه الإمام عليكم، وإن كان عبدا حبشيا. وقد ثبت عنه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: «الأئمة من قريش» ، وقد يضرب المثل في الشيء بما لا يكاد يصح منه الوجود، كقوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «من بنى للَّه مسجدا ولو مثل مفحص قطاة بنى اللَّه له بيتا في الجنة» وقدر مفحص قطاة لا يكون مسجدا لشخص آدمي. وكقوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «لو سرقت فاطمة لقطعتها» هي رضوان اللَّه عليها وسلامه لا يتوهم عليها السرقة. وقال صلّى اللَّه عليه وسلم: «لعن اللَّه السارق يسرق البيضة فتقطع يده» ونظائر هذا في الكلام كثير. (معالم السنن) . [ (2) ] النواجذ: «آخر الأضراس، واحدها ناجذ، وإنما أراد بذلك الحد في لزوم السنة، فعل من أمسك الشيء بين أضراسه، وعض عليها منعا له أن ينتزع، وذلك أشد ما يكون من التمسك بالشيء، إذ كان ما يمسكه بمقاديم فمه أقرب تناولا وأسهل انتزاعا. [ (3) ] قوله: «كل محدثة بدعة» فإن هذا خاص في بعض الأمور دون بعض، وكل شيء أحدث على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه. وأما ما كان منها مبنيا على قواعد الأصول ومردودا إليها، فليس ببدعة ولا ضلالة. قال الخطابي: وفي قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» دليل على أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولا، وخالفه فيه غيره من الصحابة، كان المصير إلى قول الخليفة أولى. (معالم السنن) . والخلفاء الراشدون هم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى رضوان اللَّه تبارك وتعالى عليهم أجمعين. [ (4) ] سبق تخريجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 352 أبي داود أتم، وقال الترمذي: إياكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي. قال الترمذي رحمه اللَّه: هذا حديث حسن صحيح. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم باتباع أمته سنن من قبلهم من الأمم فكان كما أخبر فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، «عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب اتبعتموهم قلنا: يا رسول اللَّه اليهود والنصارى» قال: فمن؟ هذا لفظ مسلم. ولفظ البخاري عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول اللَّه اليهود والنصارى! قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فمن؟. وخرج بقي بن مخلد عن أنس، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم باعا بباع وذراعا بذراع وشبرا بشبر حتى لو دخلوا في جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول اللَّه اليهود والنصارى! قال فمن؟. وخرجه ابن ماجة [ (3) ] عن شيخ، عن يزيد، عن محمد بن عمرو.   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 371، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (14) ، حديث رقم (7320) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 459- 460، كتاب العلم، باب (3) اتباع سنة اليهود والنصارى، حديث رقم (2669) . [ (3) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 1322، كتاب الفتن، باب (17) افتراق الأمم، حديث رقم (3994) ، قال في (الزوائد) : إسناده صحيح ورجاله ثقات. وقال في (هامشه) : الجماعة، أي الموافقون لجماعة الصحابة الآخذون بعقائدهم المتمسكون برأيهم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 353 وخرج البخاري [ (1) ] في كتاب الاعتصام من حديث محمد بن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع فقيل: يا رسول اللَّه كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك؟. قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: قد صدق اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم فيها أخبره من أنباء الغيب التي يوجهها سبحانه إليه فاتفقوا في الخلافة الإسلامية كما اتفق في الملة الموسوية حذو القدوة بالقدوة، وذلك أن العرب كلها ترجع إلى قحطان وعدنان، فيقال لسائر قحطان: اليمن، ويقال لسائر بني عدنان المضرية والنزارية وهي قيس، والعرب كلها على طبقات شعوب وقبائل وعمائر وبطون وما بينها من الآباء يعرفها أهلها، وكما أن اللَّه تعالى جعل العرب شعوبا وقبائل فقد جعل بني إسرائيل قوم موسى عليه السلام أسباطا، فالسبط من بني إسرائيل كالقبيلة من العرب، وبنو إسرائيل بأسرهم اثنا عشر سبطا وهم: يوسف النبي، وبنيامين، وكاد، ويهوذا، وثعتالى، وزبولون، وشمعون، وروبيل، وبستاخار، ولاوى، وذان، وياشير، فكل واحد من هؤلاء الاثني عشر يقال له سبط ومنهم كلهم سائر بني إسرائيل، وجميع هؤلاء الاثني عشر سبطا هم أولاد يعقوب، وهو إسرائيل لصلبه، ويعقوب هو ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل، سلام اللَّه عليهم، فموسى عليه السلام هو ابن عمران بن قاهث ابن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم فهو من سبط لاوى، وقد قام عليه السلام بأمر بني إسرائيل حتى مات فلم يخلفه على بني إسرائيل بعد موته أحد من سبط لاوى الذين هم قرابته القريبة، وإنما خلفه يوشع ابن نون بن أليشاماع ابن عم يهود بن لغدان بن تالخ بن راشف بن بريعا بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب، فيوشع من سبط أفرايم بن يوسف وهو بعيد بن سبط لاوى، وهكذا وقع في الإسلام، فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سيد بني هاشم هو محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 371، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (14) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم، حديث رقم (7319) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 354 ابن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، قام صلّى اللَّه عليه وسلم بأمر الأمة حتى توفاه اللَّه تعالى، فلم يخلفه في أمته أحد من بني هاشم الذين هم أعرب العرب إليه وإنما خلفه في أمته أبو بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو من تيم بن مرة بن كعب فإنه أبو بكر، واسمه عبد اللَّه بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن كعب. فانظر، كيف كان كان أبو بكر خليفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في البعد من جذر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مرة بن كعب بن لؤيّ بعد عدة آباء، وكذلك يوشع إنما يلتقى مع موسى في يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وكما أنه قام بأمر بني إسرائيل بعد يوشع خلف موسى جماعة مختلفو الأنساب بعضهم من سبط يهوذا، أو بعضهم من سبط يلخار وبعضهم من سبط بنيامين وبعضهم من منشّا بن يوسف وبعضهم من سبط عاش وبعضهم من سبط دان. وكذلك قام في الخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه جماعة مختلفة أنسابهم بعضهم من بني عدي وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد اللَّه بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كعب. وبعضهم من بني أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وهو أمير المؤمنين عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية. وبعضهم من بني هاشم، [وهو] أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وابنه أبو عبد اللَّه الحسن بن علي ابن أبي طالب رضوان عليهم. وبعضهم من بني حرب بن أمية بن عبد شمس وهو معاوية بن أبي سفيان ابن صخر بن حرب بن أمية وابنه يزيد بن معاوية وابنه معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. وبعضهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب وهو عبد اللَّه بن الزبير بن العوام بن أسد بن عبد العزى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 355 وبعضهم من بني الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، ثم مروان بن الحكم وابنه عبد الملك بن مروان بن الحكم وبنوه. وكما أن بني إسرائيل استقر أمرهم بعد من ذكرنا في القائمين من بني يهودا، كذلك استقرت الخلافة في بني العباس بعد من ذكرنا، وكما أن يهوذا عم موسى عليه السلام، كذلك العباس بن عبد المطلب بن هاشم هو عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكما أن يهوذا قدمه يعقوب على إخوانه وبشر هو مدحه كما هو مذكور في التوراة، كذلك العباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يجله ويكرمه ويثنى عليه كما هو مذكور في الأحاديث الصحيحة، وكما أن أمر بني إسرائيل افترق في دولة بنى يهودا فصاروا بعد موت سليمان بن داود عليه السلام فرقة بالقدس مع ابنه رحبعم بن سليمان بن داود وهم سبط يهوذا سبط بنيامين وفرقة بشمرون مع يربعام بن نياط وهم بقية الأسباط لذلك لما صارت الخلافة في بنى العباس افترق أمر الأمة المحمدية فصار في الأنبار، ثم في بغداد بنو العباس، وفي الأندلس عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم وبنوه من بعده فلم تدخل الأندلس تحت طاعة بني العباس كما لم تدخل شمرون تحت حكم سبط يهوذا. وكما أن مدينة القدس التي هي دار ملك بنى يهوذا كان تدعى بالعبرانية أورشليم، ومعناه دار السلام، كذلك بغداد دار ملك بني العباس كان يقال لها دار السلام، وكما أن دولة بربغام ومن معه بشمرون التي عرفت اليوم بنابلس انقرضت قبل دولة يهوذا بالقدس ذاتها لم يقم سوى مائتي سنة وإحدى وستين سنة، وكذلك دولة بني أمية بالأندلس انقرضت قبل انقراض دولة بني العباس فكانت دولتهم كدولة أصحاب شمرون وكما أن دولة بني يهوذا أقيمت بالقدس من عهد داود عليه السلام وهو أول من ملك منهم إلى أن انقرضت مدة تزيد على خمسمائة سنة، كذلك بنو العباس أقامت خلافتهم منذ أبي العباس عبد اللَّه السفاح أول قائم منهم إلى أن انقرضت أيامهم خمسمائة سنة وثلاثا وعشرين سنة، وكما أن يهوذا تميزوا بألقاب تخصهم لا تكون لأحد من رعيتهم، كذلك بنو العباس كانت لهم ألقاب يخص بها الخليفة كالسفاح، والمنصور، والمهدي، ونحو ذلك، وكما أن دولة بني بربغام بشمرون إذا لقي قوم من غير جنسهم، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 356 ولا يتكلمون بلغتهم كذلك أزال بني أمية من الأندلس البربر وليسوا من جنسهم، ولغتهم تخالف لغة العرب وكما أن دولة بني يهوذا انقرضت من القدس على يد بخت نصّر فإنه صار إليهم من بلاد المشرق حتى قتلهم وهدم مدينة القدس دار ملكهم، وقتل رجاله بني إسرائيل، وسبي نساءهم وذرياتهم، وانتهبت أموالهم فكذلك زالت خلافتهم بالقدس من بعده، وكما أن بني إسرائيل قوم قطعهم اللَّه في الأرض أمما، وكذلك قريش قوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تفرقوا في أقطار الأرض وصاروا رعية رعاعا ليس لهم ملك ولا دولة، وكما أن أنساب بني إسرائيل بأسرهم جهلت بينهم إلا بعض بنى يهوذا فإن نسبهم يصل عندهم بداود عليه السلام، كذلك قريش قد جهلت في هذه الأيام أنساب جميع بطونها إلا ما كان في بني حسن وحسين ابني على بن أبي طالب وبني جعفر بن أبي طالب فإن أنساب كثيرة منهم متصلة على مقالات في كثير منهم عند النساء بيّن، فانظر- أعزك اللَّه- كيف تشابه أمر هذه الأمة المحمدية بأمر الأمة الموسوية تصديقا لما أنذر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من اتباع أمته سنن من كان قبلها، وهذا فضل اللَّه [منّ] به عليّ في كتابي (النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم) ولم أره لأحد قبلي، واللَّه يختص برحمته من يشاء من عباده، واللَّه ذو الفضل العظيم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 357 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بذهاب العلم وظهور الجهل فظهر في ديننا مصداق ذلك في غالب الأقطار فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث عبد الوارث، عن قتادة، عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر. ولفظها في المتن سواء. ذكره في العلم. وخرج البخاري من حديث يحيى، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: «لأحدثتكم حديثا سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يحدثتكم به أحد غيري، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد» . وخرجه مسلم [ (3) ] من حديث محمد بن جعفر قال شعبة: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يحدثكم أحد بعدي، سمعت منه: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنا، ويشرب الخمر ويذهب الرجال وتبقي النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد.   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 412، كتاب النكاح، باب (111) يقل الرجال ويكثر النساء، وقال أبو موسى: عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون نسوة يلذن به من قلة الرجال، وكثرة النساء، حديث رقم (5231) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 462، كتاب العلم، باب (5) رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن، في آخر الزمان، حديث رقم (9) . [ (3) ] (سبق تخريجه) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 358 وأخرجه مسلم [ (1) ] أيضا من حديث سعيد، بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وفي حديث ابن بشر وعبدة لا يحدثكموه أحد بعدي، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فذكر مثله. وأخرجه البخاري [ (2) ] أيضا في آخر كتاب النكاح من حديث هشام الدستواني وهمام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس، وأخرجه في كتاب الأشربة [ (3) ] وفي كتاب الحدود [ (4) ] . وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث وكيع عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا فقال: ذاك عند أوان ذهاب العلم قال: فقلت يا رسول اللَّه وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ العلم وتقرأه أبناؤنا وأبناؤهم إلى يوم القيامة قال: ثكلتك أمك زياد! إن كنت لأراك من أفقه رجال المدينة أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا يعملون بشيء مما فيها. وخرجه الحاكم [ (5) ] من حديث أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل القاري، وأبو الحسن أحمد بن محمد العنبري، قالا: حدثنا عثمان بن سعيد الدرامي، حدثنا عبد اللَّه بن صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير ابن نفير، عن أبيه جبير، عن أبي الدرداء قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فشخص ببصره إلى السماء ثم قال: «هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء «قال: فقال زياد بن لبيد الأنصاري: يا رسول اللَّه، وكيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فو اللَّه لنقرأنه ولتقرأنه نساؤنا وأبناؤنا، فقال: «ثكلتك أمك يا زياد، إني كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه   [ (1) ] (سبق تخريجه) . [ (2) ] (سبق تخريجه) . [ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 37، كتاب الأشربة، باب (1) قوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ حديث رقم (5577) . [ (4) ] (فتح الباري) : 12/ 136، كتاب الحدود، باب (20) إثم الزناة، حديث رقم (6808) . [ (5) ] (المستدرك) : 1/ 179، كتاب العلم، حديث رقم (338) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 359 التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا يغنى عنهم ذلك؟ «قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت فقلت له: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ وأخبرته بالذي قال. قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيه رجلا خاشعا. هذا إسناد صحيح من حديث البصريين. فيه شاهد رابع على صحة الحديث، وهو عبادة بن الصامت، ولعل متوهما أن جبير بن نفير رواه مرة عن عوف بن مالك الأشجعي، ومرة عن أبي الدرداء، فيصير به الحديث مطولا، وليس كذلك، فإن رواة الإسنادين جميعا ثقات، وجبير بن نفير الحضرميّ من أكابر تابعي الشام، فإذا صح الحديث عنه بالإسنادين جميعا فقد ظهر أنه سمعه من الصحابيين جميعا، والدليل الواضح على ما ذكرته أن الحديث قد روى بإسناد صحيح، عن زياد بن لبيد الأنصاري الّذي ذكر مراجعته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الحديثين. ومعاوية بن صالح له عند أهل الحديث ولا نعلم أحدا يتكلم فيه غير يحيى بن سعيد القطان. وخرج البخاري [ (1) ] من حديث مالك، وخرج مسلم [ (2) ] من حديث جرير كلاما عن هشام بن عروة عن أبيه قال: سمعت عبد اللَّه بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا، بغير علم فضلوا، وأضلوا. وقال البخاري: ينتزعه من العباد، وقال: حتى إذا لم يبق عالما. وله عندهما طرق أخر.   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 258، كتاب العلم باب (34) كيف يقبض العلم حديث رقم (100) ، وأخرجه البخاري أيضا في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (7) ما يذكر من قول الرأى متكلف القياس، حديث رقم (7307) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 465، كتاب العلم، باب (5) رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن، في آخر الزمان، 16/ 465 حديث رقم (2673) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 360 وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث محمد بن مقاتل المروزي عن يوسف بن عطية، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان علماء جهال وقراء فسقة» . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم باتباع أهل الزيغ ما تشابه من القرآن فخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] من حديث عبد اللَّه بن أبي مليكة عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: تلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ [ (5) ] . قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى اللَّه فاحذروهم. وقال أبو داود [ (6) ] : وقرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هذه الآية ولم يقل مسلم ذكره البخاري في (التفسير) [ (7) ] وذكره مسلم [ (8) ] في كتاب القدر وذكره أبو داود [ (9) ] في   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 351، كتاب الرقاق، حديث رقم (7883) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) يوسف بن عطية هالك. [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 265، كتاب التفسير، سورة آل عمران، باب (1) حديث رقم (4547) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) 16/ 457، كتاب العلم، باب (1) النهي عن اتباع متشابه القرآن، والتحذير من متبعه، والنهى عن الاختلاف في القرآن، حديث رقم (2665) ، في (الأصل) كتاب القدر وصوابه كتاب العلم. [ (4) ] (سنن أبي داود) : 5/ 6، كتاب السنة، باب (2) النهى عن الجدل واتباع المتشابه من القرآن، حديث رقم (4598) . [ (5) ] آل عمران: 7. [ (6) ] (سبق تخريجه) . [ (7) ] (سبق تخريجه) . [ (8) ] (سبق تخريجه) . [ (9) ] (سبق تخريجه) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 361 شرح السنة، قال أيوب: لا أعلم أحدا من أصحاب الأهواء إلا وهو تعلل بالتشابه. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم باكتفاء قوم بما في القرآن وردهم سنته صلّى اللَّه عليه وسلم فكان كما أخبر فخرج بقي بن مخلد من حديث زائد بن الخباب قال: حدثني الحسن عن جابر أنه سمع المقدام بن معديكرب يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب اللَّه، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حراما حرّمناه، وإن ما حرّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كما حرم اللَّه عز وجل [ (1) ] . وخرجه الترمذي [ (2) ] أيضا من حديث معاوية بن صالح، عن الحسن بن جابر اللخمي، عن المقدام بن معديكرب قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب اللَّه فما وجدنا فيه حلالا أحلناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه، وإن ما حرم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كما حرم اللَّه.   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 5/ 12، كتاب السنة، باب (6) لزوم السنة، حديث رقم (4605) ، وفي (مسند أحمد) : 7/ 16، حديث رقم (23349) ، (سنن ابن ماجة) : 1/ 6- 7، باب (2) تعظيم حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والتغليظ من معارضته حديث رقم (13) ، في (المستدرك) : 1/ 190، 191، كتاب العلم حديث رقم (368) ، بسياق مختلف. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 37، كتاب العلم، باب (10) ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2664) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 362 قال الترمذي هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، والأريكة السرير، يريد صلّى اللَّه عليه وسلم أهل الترف والدعة، الذين لزموا بيوتهم، ولم يطلبوا العلم من مظانه يحذر بذلك من مخالفة السنن التي سنها صلّى اللَّه عليه وسلم بما ليس له في القرآن ذكر. واللَّه سبحانه وتعالى أعلم. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بظهور الروافض والقدرية فخرج البيهقي [ (1) ] وأبو عبد اللَّه بن الحافظ من حديث الأسود بن عامر قال: أخبرني أبو سهل قال: أخبرني كثير النواء قال: أخبرنا إبراهيم بن الحسن عن أبيه، عن جده قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يخرج قبل قيام الساعة قوم يقال لهم: الرافضة برءاء من الإسلام. ومن حديث المتوكل [ (2) ] عن كثير النواء عن إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبى طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يكون في أمتي قوم في آخر الزمان يسمون الرافضة يرفضون الإسلام. قال البيهقي تفرد به كثير النواء وكان من الشيعة. وروي من وجه آخر ضعيف فذكره من حديث الحجاج بن تميم، عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام ويلفظونه فاقتلوهم فإنّهم مشركون. يقال وروي في معناه من وجوه أخر كلها ضعيفة.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 547، باب (1) ما جاء في إخباره بظهور الروافض والقدرية إن صح الحديث فيه فظهروا. [ (2) ] (المرجع السابق) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 363 وقال الحافظ [ (1) ] أبو نعيم: غريب تفرد به الحجاج بن تميم عن ميمون، ورواه يوسف بن عدي، عن الحجاج بن تميم نحوه. وخرج من حديث سعيد بن أبي أيوب قال: أخبرنا أبو صخر، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إنه سيكون في أمتى أقوام يكذبون بالقدر. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالكذب عليه فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج مسلم [ (2) ] من حديث سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني أبو هانئ عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم. ومن طريق ابن وهب [ (3) ] قال: حدثني أبو شريح أنه سمع شراحيل بن يزيد يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم. ومن حديث أبي عوانة عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إن بين يدي الساعة كذابين.   [ (1) ] (المرجع السابق) . وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 397، كتاب القدر، باب (16) بدون ترجمة، حديث رقم (2152) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 1/ 192، كتاب مقدمه الصحيح، باب (4) النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط من تحملها حديث رقم (6) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 1/ 193 حديث رقم (7) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 364 وعن عامر بن عبدة قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتى القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون» [ (1) ] فيقول الرجل منهم سمعت رجلا أحرقوا وجهه ولا أدرى اسمه يحدث. وقال مسلم عن معمر، عن ابن طاوس، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال: إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا [ (2) ] . قال البيهقي [ (3) ] : وقد روى ذلك عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعا. وخرج البيهقي [ (4) ] من حديث عبد اللَّه بن يزيد المقري، عن سعيد بن أبي أيوب، عن ابن عجلان، عن عبد الواحد النصري، عن واثلة بن الأسقع قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يطوف إبليس في الأسواق ويقول حدثنا: فلان بن فلان بكذا وكذا. وقال ابن المبارك، عن سفيان حدثنا من رأى قاصا يقص في مسجد الخيف أو نحوه قال: فطلبته فإذا هو شيطان [ (5) ] . وقال الحافظ [ (6) ] أبو أحمد بن عدي، عن عمران بن موسى، عن محمد بن يوسف السراج، عن عيسى بن أبي فاطمة الفزاري يقول: كنت جالسا عند شيخ في المسجد الحرام أكتب عنه، فقال الشيخ الشيبانيّ: فقال رجل: حدثني الشيبانيّ فقال عن الشعبي فقال: حدثني الشعبي فقال: عن الحارث قد واللَّه   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 550، باب ما جاء في إخباره عما يكون في آخر أمته من الكذابين والشياطين الذين يكذبون في الحديث فكان كما أخبر. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 1/ 194، مقدمة الصحيح، باب (4) النهى عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط من تحملها، حديث رقم (7) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 550، باب ما جاء في إخباره عما يكون في آخر أمته من الكذابين والشياطين الذين يكذبون في الحديث فكان كما أخبر. [ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 551. [ (5) ] (المرجع السابق) . [ (6) ] (المرجع السابق) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 365 رأيت الحارث وسمعت منه قال عن علي قال: قد واللَّه رأيت عليا وسمعت منه وشهدت معه صفين فلما رأيت ذلك قرأت آية الكرسي فلما قلت: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما التفت فلم أر شيئا. وأما ظهور صدقة فيما أخبر به عليه الصلاة والسلام من تغير الناس بعد خيار القرون فخرج البخاري في كتاب الشهادات [ (1) ] وفي الفضائل [ (2) ] من حديث سفيان عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. ثم يجيء أقوام يسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» . قال إبراهيم: «وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد» . وخرجه مسلم [ (3) ] في كتاب المناقب من حديث أبي الأحوص عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبد اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال: ثم يتخلف من بعدهم خلف تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته. وخرج البخاري [ (4) ] من حديث يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: حدثني أبو حمزة، عن زهدم بن مضرب، سمعت عمران بن حصين يحدث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم-   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 324، كتاب الشهادات، باب (9) لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد. [ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 3، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم باب (1) فضائل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومن صحب النبي أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه، حديث رقم (3652) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 320، كتاب فضائل الصحابة، باب (52) فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم حديث رقم (212) . [ (4) ] (فتح الباري) : 5/ 324، كتاب الشهادات، باب (9) لا يشهد على شهادة جور إذا شهد، حديث رقم (2651) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 366 قال عمران: لا أدرى أذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة- قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن» . وخرجه في المناقب [ (1) ] وفي الشهادات [ (2) ] وفي الرقاق [ (3) ] كلها من حديث شعبة عن أبي حمزة. وخرجه مسلم من طرق عن شعبة، عن أبي حمزة. وخرج الترمذي [ (4) ] من حديث محمد بن فضل، عن الأعمش عن على بن مدرك، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «خير أمتي القرن الّذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم. قال: ولا أعلم ذكر الثالث أم لا، ثم ينشأ أقوام يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمون ويفشو فيهم السمن» . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، من حديث الأعمش، عن على بن مدرك، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فذكر نحوه، وقال: هذا أصح عندي من حديث محمد بن فضيل، قال: ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها إنما يعنى شهادة الزور يقول: يشهد أحدهم من غير أن يستشهد، وبيان هذا في حديث عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل ولا يشهد، ويحلف الرجل ولا يستحلف، ومعنى حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خير الشهداء   [ (1) ] (المرجع السابق) : 7/ 3، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب (1) فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومن صحب النبي أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه، حديث رقم (3650) . [ (2) ] (المرجع السابق) : كتاب الشهادات حديث رقم (2651) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 11/ 293، كتاب الرقاق، باب (7) ما يحذر من زهرة الدنيا، والتنافس فيها، حديث رقم (6428) . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 433- 434، كتاب الفتن باب (45) ما جاء في القرن الثالث، حديث رقم (2222) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 367 الّذي يأتى بشهادته قبل أن يسألها هو عندنا إذا أشهد الرجل على الشيء أن يؤدى شهادته ولا يمنع من الشهادة، واللَّه أعلم [ (1) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن طائفة من أمته متمسكة بالدين إلى قيام الساعة فخرج البخاري في كتاب [المناقب] [ (2) ] وفي كتاب التوحيد [ (3) ] من حديث الوليد بن مسلم، [قال] ابن جابر حدثني عمير بن هانئ أنه سمع معاوية يقول: «لا تزال طائفة من أمتي أمة قائمة بدين اللَّه لا يضرهم من كذبهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم على ذلك» . قال عمير: فقال مالك بن عامر سمعت معاذا يقول وهم بالشام: فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول: وهم بالشام وخرجه مسلم [ (4) ] من حديث يحيى بن حمزة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن عمير بن هانئ حدثه قال: سمعت معاوية على المنبر يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر اللَّه لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم ظاهرون على الناس.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 4/ 476، كتاب الشهادات، باب (4) ما جاء في شهادة الزور، حديث رقم (2303) . [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 363، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب (109) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق وهم أهل العلم» حديث رقم (7311) ، وما بين الحاصرتين في (الأصل) فقط. [ (3) ] (المرجع السابق) : 13/ 542، كتاب التوحيد، باب (29) إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ حديث رقم (7460) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 71، كتاب الإمارة، باب (53) قوله صلّى اللَّه عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم» حديث رقم (174) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 368 وخرج البخاري في كتاب المناقب [ (1) ] من حديث يحيى، عن إسماعيل، عن قيس، سمعت المغيرة بن شعبة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «لا يزال ناس من أمتى ظاهرين، حتى يأتيهم أمر اللَّه وهم ظاهرين» وخرجه في كتاب الاعتصام [ (2) ] من حديث عبيد اللَّه بن موسى، عن إسماعيل عن قيس، عن المغيرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر اللَّه وهم ظاهرين.» وخرجه في كتاب التوحيد [ (3) ] من حديث إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل، عن قيس عن المغيرة قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «لا يزال من أمتي قوم ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر اللَّه» . وخرجه مسلم [ (4) ] من حديث وكيع عن ابن نمير حدثنا وكيع وعبدة كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أبي عمر «واللفظ له» : حدثنا مروان «يعنى الفزاري» عن إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر اللَّه وهم ظاهرين» . وخرج مسلم [ (5) ] من حديث شعبة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 784، كتاب المناقب، باب (28) بدون ترجمة حديث رقم (3640) . [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 363، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (10) قوله صلّى اللَّه عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، وهم أهل العام» ، حديث رقم (7311) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 13/ 542، كتاب التوحيد، باب (29) قول اللَّه تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ. حديث رقم (7459) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 70، كتاب الإمارة، باب (53) قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم» . حديث رقم (171) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 71، كتاب الإمارة، باب (53) قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم» . حديث رقم (172) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 369 حتى تقوم الساعة. ومن حديث ابن جريح [ (1) ] أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد اللَّه يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة» . وخرج من حديث عبد اللَّه [ (2) ] بن وهب قال: حدثنا عمرو بن الحرث حدثني يزيد بن أبي حبيب حدثني عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: كنت عند مسلمة بن مخلد وعنده عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، فقال عبد اللَّه: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم من أهل الجاهلية، لا يدعون اللَّه بشيء إلا رده عليهم فبينما هم على ذلك إذ أقبل عقبة بن عامر فقال له مسلمة: يا عقبة اسمع ما يقول عبد اللَّه فقال عقبة: هو أعلم وأما أنا فسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر اللَّه قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك فقال عبد اللَّه: أجل ثم يبعث اللَّه ريحا كريح المسك مسها مس الحرير فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة» . وخرج من حديث داود [ (3) ] بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة» . وخرجه البزار من حديث داود بهذا الإسناد ولفظه: لأقوام أهل الغرب ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة» . قال وخرج مسلم [ (4) ] من حديث حماد بن زيد عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم كذلك.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (173) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 13/ 72، حديث رقم (176) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 13/ 72- 73، حديث رقم (177) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 13/ 70، حديث رقم (170) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 370 قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى وعفا عنه-: هذا جزء من حديث فيه طول وقد جاء مسلم بجملة منه في كتاب الفتن، وجاء به أبو داود بكماله، وأوردته في وقوع بأس الأمة بينهم. وخرج أبو داود [ (1) ] من حديث حماد، عن قتادة، عن مطرف، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيخ الدجال» . وخرج الترمذي [ (2) ] من حديث قتيبة بن سعيد، عن حماد بن يزيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبيّ، عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين قال: وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من يخذلهم حتى يأتي أمر اللَّه» . قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح سمعت محمد بن إسماعيل يقول: سمعت على بن المديني يقول وذكر هذا الحديث، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق. فقال علي: هم أهل الحديث، وذكره في الفتن.   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 3/ 11، كتاب الجهاد، باب (4) دوام الجهاد، حديث رقم (2484) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 437- 438، كتاب الفتن، باب (51) ، ما جاء في الأئمة المضلين، حديث رقم (2229) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 371 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بما يرويه بعده فوقع ما أنذرهم به فخرج البخاري في باب علامات النبوة [ (1) ] من حديث أبي نعيم، عن عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: «خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه بملحفة قد عصب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار، حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام، فمن ولي منكم شيئا يضر فيه قوما وينفع آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم فكان آخر مجلس جلس فيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرجه في المناقب [ (2) ] وفي كتاب الجمعة [ (3) ] . وخرج البخاري من حديث زهير عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أنس ابن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دعا الأنصار ليكتب لهم بالبحرين، قالوا: لا واللَّه حتى تكتب لإخواننا من قريش بمثلها، فقال: ذاك لهم ما شاء اللَّه على ذلك يقولون له، قال: فإنكم سترون بعدي أثره فاصبروا حتى تلقوني على الحوض [ (4) ] . ترجم عليه باب ما أقطع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من البحرين. وخرجه في آخر كتاب الشرب من حديث حماد بن زيد عن يحيى   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 779، كتاب المناقب، باب (25) ، علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3628) . [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 152، كتاب مناقب الأنصار، باب (11) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم «أقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» ، حديث رقم (3799) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 2/ 513، كتاب الجمعة، باب (29) من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد، حديث رقم (927) وخرجه الترمذي برقم (3900) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 329، كتاب الجزية والموادعة، باب (4) ما أقطع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من البحرين وما وعد من مال البحرين والجزية ولمن يقسم الفيء والجزية؟، حديث رقم (3163) ، في الأصل كتاب الأشربة وصوابه، (كتاب الجزية والموادعة) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 372 بنحوه ولم يقل على الحوض، ترجم عليه باب القطائع، وخرجه في باب كتابة القطائع تعليقا وقال الليث، عن يحيى بن سعيد ووصله قاسم بن أصبغ فقال: مطلب بن شعيب، عن صالح قال: حدثني الليث عن يحيى، عن أنس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دعا الأنصار. والحديث كما ذكره البخاري عن الليث. وأما إخباره عليه الصلاة والسلام بخروج نار بالحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى فكان كما أخبر وخرج من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري الأشهلي، عن حذيفة عن عبد الملك بن شعيب بن الليث، قال: حدثني أبي عن جدي قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني ابن المسيب أخبرني أبو هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى [ (1) ] . وقال الحاكم [ (2) ] : وقد روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في أشراط الساعة خروج النار من أرض الحجاز عاصم بن عدي الأنصاري، وأبو هريرة، وأبو ذر الغفاريّ وذكر ذلك بأسانيده وصححها. وروى أبو البداح بن عاصم الأنصاري، عن أبيه أنه قال: سألنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حدثان ما قدم فقال: «أين حبس سيل» [ (3) ] ؟ قلنا: لا ندري فمر بي رجل من بني سليم فقلت: من أين جئت؟ فقال: من حبس سيل، فدعوت بنعلي   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 98، كتاب الفتن، باب (24) خروج النار، حديث رقم (7188) ، وأخرجه أيضا في (مسلم بشرح النووي) : 18/ 246، كتاب الفتن، باب (14) لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، حديث (42) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 489- 490، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8367) . [ (3) ] حبس سيل: إحدى حرّتي بنى سليم، وقال الأصمعي: الحبس جبل مشرف على السلماء (معجم البلدان) : 2/ 246، موضع رقم (3480) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 373 فانحدرت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه سألتنا عن حبس سيل وأنه لم يكن لنا به علم وأنه مر بي هذا الرجل فسألته فزعم أن به أهله فسأله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: «أين أهلك» ؟ قال: بحبس سيل، فقال: «أخر أهلك فإنه يوشك أن تخرج منه نار تضيء أعناق الإبل ببصرى» . قال المؤلف [ (1) ]- رحمه اللَّه-: قد صدق اللَّه تعالى ما أنذر به رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك فظهرت بأرض الحجاز إلى خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة من سنن الهجرة واستمرت شهرا شرقي المدينة النبويّة بناحية وادي شظا تلقاء جبل أحد حتى امتلأت تلك الأودية منها وصار يخرج منها شرر يأكل الحجارة وزلزلت المدينة بسببها وسمع الناس أصواتا مزعجة قبل ظهورها بخمسة أيام أولها يوم الإثنين أول الشهر فلم تزل الأصوات ليلا ونهارا حتى ظهرت النار يوم الجمعة خامسه وقد انتجت الأرض عن نار عظيمة عند وادي شظا وامتدت أربعة فراسخ في أربعة أميال وعمق قامة ونصف فسال الصخر منها ثم صار فحما أسود وأضاءت بيوت المدينة منها في الليل حتى كأن في كل بيت مصباح ورأى الناس سناها بمكة وذكر غير واحد من الأعراب الذين كانوا بحاضرة بصرى من أرض الشام أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء النار المذكورة فالتجأ الناس بالمدينة النبويّة إلى قبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ودعوا واستغفروا اللَّه تعالى وأعتقوا عبيدهم وإماءهم وتصدقوا في هذه النار يقول: يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا ... لقد أحاطت بنا يا رب بأساء نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها ... حملا ونحن بها حقا أحقاء زلزال تخشع الصم الصلاب لها ... وكيف يقوى على الزلزال شماء [أقام سبعا يرج الأرض فانصدعت ... عن منظر منه عين الشمس عشواء] بحر من النار تجرى فوقه سفن ... من الهضاب لها في الأرض أرساء كأنما فوقه الأجبال طافية ... موج عليه لفرط اليهج وعثاء ترمى لها شررا كالقصر طائشة ... كأنها ديمة تنصب هطلاء.   [ (1) ] يراجع في ذلك (مرآة الجنان) لليافعي: 4/ 130- 131، ويراجع أيضا في (شذرات الذهب في أخبار من ذهب) : 3/ 263- 264، (البداية والنهاية) : 13/ 219- 225. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 374 [تنشق منها قلوب الصخر إن زفت ... رعبا وترعد مثل السعف أضواء] منها تكاثف في الجو الدخان إلى ... أن عادت الشمس منه وهي دهماء قد أثرت سفعة في البدر لفحتها ... فليلة التيم بعد النور ليلاء تحدثت النيران السبع ألسنتها ... بما يلاقى بها تحت الثرى الماء وقد أحاط لظاها بالبروج إلى ... إن كاد يلحقها بالأرض إهواء فيا لها آية من معجزات رسول ... اللَّه يعقلها القوم الألباء [فباسمك الأعظم المكنون إن عظمت ... منا الذنوب وساء القلب أسواء] فاسمح وهب وتفضل وامح واعف وجد ... واصفح فكل لفرط الجهل خطاء [فقوم يونس لما آمنوا كشف العذاب ... عنهم وعم القوم نعماء] [ونحن أمة هذا المصطفى ولنا ... منه إلى عفوك المرجو دعاء] [هذا الرسول الّذي لولاه ما سلكت ... محجة في سبيل اللَّه بيضاء] [فارحم وصلّ على المختار ما خطبت ... على علا منبر الأوراق ورقاء] . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 375 وأما أخباره عليه أفضل الصلاة والسلام بغرق أحجار الزيت بالدم فكان كذلك فخرج أبو داود [ (1) ] لحديث حماد بن يزيد، عن أبي عمران الجوني، عن المشعث بن طريف، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا أبا ذر قلت: لبيك يا رسول اللَّه وسعديك، فذكر الحديث، قال فيه: كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟ [يعنى القبر] قلت: اللَّه ورسوله أعلم، أو قال: من خار اللَّه لي ورسوله، قال: عليك بالصبر، أو قال: تصبر، ثم قال لي: يا أبا ذر قلت لبيك وسعديك. قال: كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟ قلت: ما خار اللَّه لي ورسوله، قال: عليك بمن أنت منه، قلت: يا رسول اللَّه أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: شاركت القوم إذن، قلت: فما تأمرني؟ قال: تلزم بيتك، قلت: فإن دخل عليّ بيتي قال: فإذا خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه. وخرجه ابن ماجة [ (2) ] بنحوه في الفتن.   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 4/ 458- 459، كتاب الفتن، باب (2) النهي عن السعي في الفتنة، حديث رقم (4261) . [ (2) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 1308، كتاب الفتن، باب (10) التثبت في الفتنة، حديث رقم (3958) «حتى تقوم» من التقويم، أي يقوم البيت بالوصيف. «بالوصيف» المراد بالبيت القبر، وبالوصيف الخادم والعبد، أي يكون العبد قيمة القبر بسبب كثرة الأموات. وقيل: المراد بالبيت المتعارف. والمعنى أن البيوت تصير رخيصة لكثرة الموت وقلة من يسكنها. فيباع البيت بعبد. «حجارة الزيت» موضع بالمدينة في الحرة سمي بها لسواد الحجارة، كأنها طليت بالزيت، أي الدم يعلو حجارة الزيت ويسترها لكثرة القتلى وهذا إشارة إلى وقعة الحرة التي كانت زمن يزيد. «بمن أنت منه» أي بأهلك وعشيرتك. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 376 وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث معمر وحماد بن سلمة قالا: حدثنا أبو عمران الجولى، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر فذكره بمعنى حديث أبي داود، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وقد خرجه البخاري [ (2) ] من حديث همام عن أبي عمران وقد زاد حماد بن زيد في إسناده بين أبي عمران الجوفى وعبد اللَّه بن الصامت المشعث بن طريق بزيادة في المتن وحماد بن زيد أثبت من حماد بن سلمة. قال المؤلف- رحمة اللَّه تعالى-: أحجار الزيت بالمدينة النبويّة [ (3) ] وعندها قيل محمد الملقب بالمهديّ وبالنفس الزكية ابن عبد اللَّه بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب رضوان اللَّه عليهم وذلك أن أبا جعفر عبد اللَّه بن المنصور بن على بن عبد اللَّه بن عباس ثانى خلفاء بنى العباس ألح في طلبه فطلب أخيه إبراهيم بن عبد اللَّه فقام محمد بالمدينة ليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين ومائة فلما بلغ المنصور ترك بالكوفة وسرح عيسى بن موسى بن محمد بن عبد اللَّه بن عباس لقتال محمد، فخندق محمد على المدينة ونزل عيسى الأعوض فتفرق أكثر الناس عن محمد وبقي في شرذمة قليلة فقاتل عيسى لأيام مضت من شهر رمضان إلى أن قتل عند أحجار الزيت في يوم الإثنين لأربع عشرة خلت منه وقتل معه كثير وأخذ عيسى المدينة وصلب من أهلها عالما كثيرا وبسبب محمد هذا ضرب موسى بن عيسى الإمام مالك بن أنس رحمه اللَّه. وقد قال كعب الأحبار: إني أجد أحجار الزيت في كتاب اللَّه تعالى وإنها ستكون بالمدينة ملحمة عندها.   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 470، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8305) وقال الحافظ الذهبي: في (التلخيص) صحيح على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] ذكر ابن الأثير في (جامع الأصول) أن هذا الحديث لأبي داود فقط. [ (3) ] موضع بالمدينة قريب من الزوراء، وهو موضع صلاة الاستسقاء. (معجم البلدان) : 1/ 135 موضع رقم (270) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 377 وقال محمد بن عبد اللَّه لعبد اللَّه بن عامر السلمي: تغشانا سحابة فإن أمطرتنا ظفرنا وإن تجاوزتنا إليهم فانظر إلى دمي عند أحجار الزيت، قال: فو اللَّه لقد أظلتنا سحابة فلم تمطرنا وتجاوزتنا إلى عيسى بن موسى وأصحابه فظفروا وقتلوا محمدا ورأيت دمه عند أحجار الزيت. وأما إخباره عليه أفضل الصلاة والسلام بالخسف الّذي يكون من بعده فكان كما أخبر فخرج مسلم [ (1) ] من حديث سفيان بن عيينة عن فرات القزاز عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ قال: اطلع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، قال: ما تذكرون؟ قالوا تذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم. وخرجه من حديث شعبة عن فرات بنحوه وخرجه الحاكم [ (2) ] من حديث صدقة بن المنتصر الشعبانيّ عن عمرو بن عبد اللَّه الحضرميّ حدثتني واثلة بن الأسقع رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدجال، والدخان، ونزول عيسى ابن مريم، فيأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر وتحشر الذر والنمل، وقال الحاكم هذا حديث صحيح   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 243، كتاب الفتن وأشراط الساعة باب (13) الآيات التي تكون قبل الساعة، حديث رقم (39) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 474، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8317) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 378 الإسناد، وخرج من حديث يزيد بن هارون قال: أنبأنا سعيد بن إياس الجريريّ، عن أبي العلاء بن الشخير عن عبد الرحمن بن صحار العبديّ، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم «لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل من العرب» فيقال من بقي من بني فلان؟ قال: فعرفت حتى قال: قبائل أنها العرب لأن العجم تنسب إلى قراها [ (1) ] . قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد. ومن حديث عبد اللَّه بن نمير قال: الحسن بن عمرو الفقيمي عن أبي الزبير عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «في أمتي خسف ومسخ وقذف [ (2) ] قال الحاكم إن كان أبو الزبير سمع من عبد اللَّه بن عمر فإنه صحيح على شرط مسلم. وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن يعنى بن زبالة، عن محمد ابن يعقوب بن عتبة، عن عبد اللَّه بن عكرمة بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبير [أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] قال: يكون في آخر أمتي مسخ وخسف وقذف، وذلك عند ظهور شيء من عمل لوط. قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: أما الخسف الّذي بالمغرب فذكر الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في كتاب (شذور العقود في تاريخ اليهود) أن في سنة سبع وثلاثين ومائة ورجعت للكتب من المغرب إن ثلاث عشرة قرن من صف بها فلم ينفج منها إلا اثنان وأربعون رجلا سود الوجوه وأن في سنة اثنين وأربعين ومائتين رجمت قرية السويداء بناحية مضر بخمسة أحجار وقع حجر منها على خيمة أعرابي فاحترقت، ووزن منها حجر فكال عشرة أرطال. وذكر أنه سنة خمس وعشرين وأربع مائة هدم نحو من نصف رملة لدى فلسطين بالزلزلة وخسف بقرى، وسقط بعض حائط بيت المقدس.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 4/ 492، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8375) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) على شرط مسلم وإن كان أبو الزبير سمع من عبد اللَّه. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8376) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، وخرجه أيضا في (الترمذي) : 4/ 429، كتاب الفتن، باب (38) ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف، حديث رقم (2212) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 379 انتهى. وفي سنة إحدى وتسعين وسبعمائة خسف بمدينة نشاور من خراسان وهلك. وأنه في صفر هبت عندهم ريح عاصفة ارتجت الأرض من شدة هبوبها ثم زلزلت زلزلة مهولة اشتد اضطراب الأرض لها بحيث كان الإنسان والحيوان في غير ذلك يرتفع عن الأرض أكثر من عشرة أذرع وصارت الأرض تنقل من موضع إلى موضع حتى جميع مباني المدينة بأسرها اهتزت اهتزازا شديدا. أقامت كذلك أربعة أيام ثم سكتت في اليوم الرابع فاطمأن الناس قليلا وغدا بريح عاتية تعتعت كل ما هنالك تعتعه عنيفة جدا فانقلبت المدينة حتى صار عاليها سافلها وابتلعت الأرض ما كان بها من المباني على اختلافها فخسف بها وبأهاليها عن آخرهم فلم يسلم من الناس مع كثرتهم إلا النادر، وقد بسطت خبر هذا الخسف في كتاب (السلوك لمعرفة دول الملوك) . وفي سنة أربع وثلاثين وثمان مائة خسف بثلاث بلاد كبيرة في مرج مدينة أشجرباطه من جزيرة الأندلس وذلك أنه كانت زلزلة شديدة في شعبان منها بمرج غرناطة سقط بها مباني كثيرة جدا على سكانها فهلكوا بأجمعهم وابتلعت الأرض البلاد الثلاثة بأناسها وحيوانها وهي همدان. قال لورة ودارما وخسف أيضا بعدة مواضع من البلاد المجاورة تعليقا وأقامت الأرض عندهم بعد ذلك خمسة وأربعون يوما تعثر حتى يسكن الناس الصخر، ولهذه الحادثة مبسط في كتاب (السلوك) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 380 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بولاية أمر الناس غير أهلها وما يترقب من مقت اللَّه عند ذلك فخرج البخاري [ (1) ] في كتاب العلم من حديث محمد بن فليح، عن أبي قال: حدثني هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابى فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول اللَّه قال: «فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» . قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» . وذكره أيضا في الرقاق [ (2) ] مختصرا، فخرج في باب الأمانة من حديث فليح بن سليمان، عن هلال بن على، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال: كيف إضاعتها يا رسول اللَّه؟ قال: «إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» . وخرج الترمذي [ (3) ] من حديث المستلم بن سعيد، عن رميح الجذامي، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا اتخذ الفيء دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القينات والمعازف،   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 188- 189، كتاب العلم، باب (2) من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل، حديث رقم (59) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 11/ 404، كتاب الرقاق، باب (35) رفع الأمانة، حديث رقم (6496) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 428- 429، كتاب الفتن، باب (38) ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف، حديث رقم (2211) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 381 وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء، وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظم قطع سلكه فتتابع. قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وخرج من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري الأشهلي عن حذيفة بن اليمان رضي اللَّه وتبارك عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن عمرو [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث وكيع عن الوليد بن عبد اللَّه بن جميع عن الجهم بن أبي الجهم عن ابن نيار قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول «لا تذهب الدنيا حتى تكون للكع بن لكع» . وخرج ابن حبان في (صحيحه) [ (3) ] من حديث أشهل، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني زفر بن عبد الرحمن ابن أردك، عن محمد بن سليمان بن والبة، عن سعيد ابن جبير، عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: «والّذي نفس محمد بيده، لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل، ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن، ويهلك الوعول، وتظهر التحوت» قالوا: يا رسول اللَّه، وما الوعول والتحوت؟ قال «الوعول: وجوه الناس وأشرافهم، والتحوت: الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم» .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 427- 428، كتاب الفتن، باب (37) حديث رقم (2209) وخرجه أيضا في (مسند أحمد) : 6/ 538، حديث رقم (538) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 506، حديث رقم (15404) . [ (3) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 258، حديث رقم (6844) ، وقال في هامشه إسماعيل بن أبى أويس فيه لين كمال قال الذهبي. ومحمد بن سليمان لم يوثقه أحد غير المؤلف، وأخرجه البخاري في (تاريخه) : 1/ 98 لإسماعيل بن أبى أويس بهذا الإسناد، وأخرجه الحاكم عن أبي عبد اللَّه بن محمد بن يعقوب الحافظ، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى الشهيد، والفضل بن محمد بن المسير الشعراني، قالا: حدثنا إسماعيل ابن أبي أويس به، وقال هذا حديث رواته كلهم مدنيون مما لم ينسبوا إلى نوع من الجرح، وأقره الذهبي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 382 وخرج الترمذي [ (1) ] أيضا من حديث عمرو بن أبي عمرو بهذا السند أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «والّذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم، ويرث دنياكم شراركم» . قال أبو عيسى هذا حديث حسن، إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمرو. وخرج الإمام [ (2) ] أحمد من حديث عبد الملك بن عمرو حدثنا كثير بن زيد، عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يوما، فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر، فقال: أتدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال: نعم، فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولم آت الحجر، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن أبكوا عليه إذا وليه غير أهله. ومن حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد وحميد في آخرين عن الحسن، عن أبي بكرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إنه قال: «إن اللَّه تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر [ (3) ] . وروى أبو سعيد بن يونس. من حديث ابن وهب قال: حدثني ابن لهيعة، بكر بن سوادة عمن حدثه ابني خثيم قدموا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال لهم: ما رأيتم؟ قالوا: لا شيء، قال لتخبروني، وفي رواية: قالوا رأينا حمارا قد علته قوائمه قال: فماذا قلتم؟ قالوا قلنا تعلو سفلة الناس ويتضع سراتهم فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: فإنه كذلك. ومن طريق وهب قال: أخبرني أبو شريح عبد الرحمن بن شريح، عن إسماعيل بن قاسم الرعينيّ أن عبد اللَّه بن مسعود قال: لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها.   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 407، كتاب الفتن، باب (9) ما جاء في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، حديث رقم (2170) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 587، حديث رقم (23074) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 2/ 596، حديث رقم (8029) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 383 ومن طريق ابن وهب قال: حدثني عبد اللَّه الرحمن بن شريح أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يحدث عن طلحة الخولانيّ، عن أبي ذر قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ستبتلى هذه الأمة رجلا وفي رواية تبلى هذه الأمة شرها رجلا قال: ابن يونس ما أعرف هذا إلا من حديث أبي شريح عبد الرحمن ابن شريح. وروى بن عباس وأبو بكر يعنى ابن عياش وجرير، عن عبد اللَّه بن العزيز بن رفيع، عن شداد بن معقل، قال: سمعت عبد اللَّه بن مسعود يقول: أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما يبقى الصلاة وسيصلي قوم لا دين لهم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 384 أما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بكثرة أولاد الزنا فخرج الحاكم [ (1) ] من طريق ابن وهب قال: أخبرنى يحيى بن أيوب عن زبان بن فائد عن سهيل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تزال الأمة على شريعة ما لم تظهر فيهم ثلاث: ما لم يقبض منهم العلم، ويكثر فيهم ولد الخبث ويظهر فيهم السقارون قالوا: وما السقارون يا رسول اللَّه؟ قال بشر يكونون في آخر الزمان تكون تحيتهم بينهم إذا تلاقوا التلاعن. قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد اللَّه ابن عثمان عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة عن عبد اللَّه بن أبي رافع، عن ميمونة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قالت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا تزال أمتى بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذ فشا فيهم ولد الزنا فيوشك أن يعمهم اللَّه عز وجل بعقاب. وقد ظهر ولا قوة إلا باللَّه مع قلة العلم كثرة أولاد الزنا فإن تيمور لما أخذ بلاد فارس، وعراقي العجم، والعرب، وبلاد الجزيرة، وأرض الروم، والهند، وبلاد الشام، عاشت رجاله في نساء هذه الممالك وسبوهن فلم تكد ينج منهم إلا القليل الأقل من النساء فمعظم من في تلك البلاد إنما هم أولاد تلك النساء اللاتي زنى بهن التيمورية وقد قدم إلى مصر والحجاز واليمن من هؤلاء عالم كبير ما بين من تسمى بفقيه، ومظهر زي التصوف وتاجر واختلطوا بالناس، ونكحوا من نسائهم، فدلت أخلاقهم وطرائقهم في دينهم ودنياهم على خبث أصولهم وللَّه الأمر من قبل ومن بعد، وقد قالت أم سليم: يا رسول اللَّه أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث. فسّره أهل العلم بأولاد الزنا فيا لها بطشة من اللَّه بعباده وأشنعها. توفاني اللَّه قبلها.   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 491، كتاب الفتن والملاحم باب (50) حديث رقم (8371) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : منكر، وزبان لم يخرجا له. [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 469، حديث رقم (26290) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 385 وأما إخباره عليه الصلاة وأتم التسليم بعود الإسلام إلى الغربة كما بدأ، وأنه تنقض عراه فخرج مسلم [ (1) ] من حديث مروان عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء. ومن حديث عاصم بن محمد العمري، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن الإسلام بدأ غريبا فطوبى للغرباء. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث ابن مسعود إنما نعرفه من حديث حفص بن خباب، عن الأعمش. وأبو   [ (1) ] (جامع الأصول) : 1/ 275- حديث رقم (62) ، (63) . قال النووي في شرح مسلم: «بدأ الإسلام غريبا» كذا ضبطناه: «بدأ» بالهمزة من الابتداء و «طوبى» فعلى من الطيب. قال الفراء: وإنما جاءت الواو لضمة الطاء، قال: وفيها لغتان. تقول العرب: طوباك، وطوبى لك. وأما معنى «طوب» فاختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: طُوبى لَهُمْ [الرعد: 29] فروى عن ابن عباس أن معناه: فرح وقرة عين، وقال عكرمة: نعمى لهم، وقال الضحاك: غبطة لهم وقال قتادة: حسنى لهم، وعن قتادة أيضا معناه: أصابوا خيرا، وقال إبراهيم: خير لهم وكرامة. وقال عجلان: دوام الخير، وقيل: الجنة، وقيل: شجرة في الجنة، وكل هذه الأقوال محتملة الحديث. وقال القاضي عياض: روى ابن أبي أويس عن مالك: معنى بدأ غريبا، أي بدأ الإسلام غريبا في المدينة، وسيعود إليها. وظاهر الحديث العموم، وأن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر، ثم سيلحق أهله النقص والاختلاف، حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضا بدأ. وجاء في الحديث تفسير الغرباء «هم النزاع من القبائل» قال الهروي: أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا أوطانهم إلى اللَّه تعالى. نقول وللحافظ ابن رجب الحنبلي رسالة قيمة استوفى فيها شرح هذا الحديث سماها «كشف الكربة في وصف أهل الغربة» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 386 الأحوص اسمه عوف بن مالك بن نصله الجشمي تفرد به حفص. ومن حديث إسماعيل بن أبي فديك حدثني كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف بن يزيد بن مسلخه، عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «إن [ (1) ] الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل إن الدين بدأ غريبا، وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء وهم الذين يصلحون ما أفسد الناس [من بعدي] من سنتي. قال ابو عيسى: هذا حديث حسن، وخرجه أبو بكر الآجري من حديث حفص بن غياث عن الأعمش، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء. قيل ومن هم يا رسول اللَّه؟ قال الذين يصلحون إذا فسد الناس. وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث محمد بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل ومن الغرباء؟ قال: النزاع من القبائل، والّذي نفس أبي القاسم بيده ليأرزن الإسلام بين هذين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها. ومن حديث ابن لهيعة، عن الحرث بن يزيد، عن جندب بن عبد اللَّه أنه سمع سفيان بن وهب يقول: سمعت عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده: طوبى للغرباء فقيل من الغرباء يا رسول   [ (1) ] (جامع الأصول) : 9/ 341، حديث رقم (6974) . «قوله» : ليعقلن أي: لبعضهم ويلتجئ ويحتمي. «وقوله» : (الأروية) : الشاة الواحدة من شياه الجبل، وجمعها: أروى. «قوله» : (طوبى) : اسم الجنة، أي: فالجنة لأولئك المسلمين الذين كانوا غرباء في أول الإسلام والذين يصيرون غرباء بين الكفار في آخره لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرا، أو لزومهم الإسلام. [ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 657- 658، حديث رقم (3775) باختلاف يسير في اللفظ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 387 اللَّه؟ قال: أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم [ (1) ] . وقال عبد اللَّه بن أبي فروة، عن يوسف بن سليمان، عن جدته ميمونة، عن عبد اللَّه الرحمن بن شيته الأسلمي أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: بدأ الإسلام غريبا ثم يعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل يا رسول اللَّه ومن الغرباء؟ قال الذين يصلحون إذ أفسد الناس، والّذي نفسي بيده ليأرزن الإسلام بين هذين المسجدين كما تأرز الحية إلى حجرها. قال ابن عبد الرحمن بن شيبة الأسلمي روي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الإسلام بدأ غريبا الحديث وفي الإسناد عنه ضعف. وخرج [أبو عبد اللَّه الحاكم] [ (2) ] من حديث الوليد بن مسلم، حدثني عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد اللَّه أن سليمان بن حبيب حدثهم عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لتنتقض عري الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبثت بالتي تليها، وأول نقضها الحكم، وآخرها الصلاة. قال الحاكم: والإسناد كله صحيح. ومن حديث هيثم بن خارجة، عن ضمرة، عن يحيى بن أبي عمرو، عن ابن هزور اليلمي، عن ابنه قال: قال صلّى اللَّه عليه وسلم: لتنقضوا [ (3) ] الإسلام عروة كما ينقض الحبل فوة فوة ومن حديث الأوزاعي حدثني أبو عمار قال حدثني جابر ابن عبد اللَّه قال: قدمت من سفر فجاءني جابر يسلم عليّ فجعلت أحدثه بافتراق الناس وما أحدثوا فجعل جابر يبكي ثم قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن الناس دخلوا في دين اللَّه أفواجا وسيخرجون منه أفواجا والحمد للَّه رب العالمين على كل حال.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 2/ 370، حديث رقم (6612) . [ (2) ] في (الأصل) : «الإمام أحمد» ، والصواب ما أثبتناه. (المستدرك) : 4/ 104، كتاب الأحكام حديث رقم (7022) . [ (3) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 388 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بتغلب الترك على أهل الإسلام فكان كما أخبر فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث بشير بن المهاجر قال: حدثني عبد اللَّه ابن بريدة، عن أبيه قال: كنت جالسا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فسمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن أمتي يسوقها قوم عراض الأوجه، صغار الأعين كأن وجوههم مثل الحجف ثلاث مرات حتى يلحقوهم بجزيرة العرب أما السابقة الأولى: فينجو من هرب منهم، وأما الثانية: فينجو بعض ويهلك بعض، وأما الثالثة: فيصطلون كلهم من بقي منهم، قالوا: يا رسول اللَّه من هم؟ قال: هم الترك، قال أما والّذي نفسي بيده ليربطن خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين قال: وكان بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر والأسقية بعد ذلك للهرب مما سمع من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من البلاء من أمراء الترك. وخرجه الحاكم بنحو أو قريب منه وقال هذا حديث صحيح الإسناد. قال المؤلف عفا اللَّه عنه: وله شواهد تقدمت، وقد أوضح صحة هذا الحديث ما كان من خروج جنكيزخان وأولاده واستيلائهم من سنة بضع عشرة وستمائة على ممالك الشرق وعراقي العرب والعجم إلى حدود جزيرة العرب واصطلامهم أهل الإسلام من تلك الممالك. وذكر الحاكم من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين أن ابن مسعود قال: كأني بالروم قد أتتكم على براذين محدمة الأذان حتى تربطها بشط الفرات. ومن طريق قتادة، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن عبد اللَّه بن عمرو قال: يوشك [ (2) ] بنو قنطوراء بن كركر أن يخرجوا أهل العراق من أرضهم. قلت: ثم يعودون؟ قال: إنك لتشتهي ذلك! قال: ويكون لهم سلوة من عيش.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 6/ 478، حديث رقم (22442) ، (المستدرك) 4/ 521، كتاب الفتن، باب (50) ، حديث رقم (8463) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 522، كتاب الفتن والملاحم باب (50) حديث رقم (8466، 8467) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 389 قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين، وبنو قنطور هم الترك. قال المؤلف- عفا اللَّه عنه-: قد أخرج الترك أهل العراق ونزلوا شاطئ الفرات في سنة ست وخمسين وستمائة. وذكر عبد اللَّه بن قتيبة من حديث عبد اللَّه بن وهب، عن حمزه بن عبد اللَّه، عن محمد بن حلجة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عبد اللَّه بن صفوان، عن حفصة أم المؤمنين أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا سمعتم بناس يأتون من قبل المشرق إلى زهاء يعجب الناس من زيهم، فقد أظلت الساعة. قوله إلى زهاء يريد إلى عدد كثير وهو من قولك هم زهاء ألف أي قدر ألف ويقال: كم زهاء القوم؟ أي كم حرزهم وقدرهم [ (1) ] واللَّه أعلم. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالزلازل فاعلم أنه لم يأت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من وجه صحيح، أن الزلزلة كانت في عصره ولا صحت عنه فيها سنّة، وأول زلزلة كانت في الإسلام في عهد عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأنكرها. روى سفيان بن عيينة، عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن نافع، عن صفية رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قال: زلزلت المدينة على عهد عمر رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنه حتى اصطكت البيوت، فقام فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: ما أسرع ما أحدثتم! واللَّه لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم. وخرج ابن حبان في [صحيحه] من حديث أرطاة بن المنذر قال: حدثني ضمرة بن حبيب قال: سمعت سلمة بن نفيل الكوفي قال: كنا جلوسا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يوحي إليه فقال: إني غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا   [ (1) ] (جمع الجوامع للسيوطي) : حديث رقم (2008) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 390 قليلا وستأتوني أفنادا، يفني بعضكم بعضا، وبين يدي الساعة موتان شديد وبعده سنوات الزلازل [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث أرطاة من المنذر قال: حدثني ضمرة ابن حبيب قال: سمعت سلمة بن نفيل السكونيّ قال: قال قائل: يا رسول اللَّه هل أثبت بطعام من السماء؟ قال: نعم، قال: وبماذا؟ قال بسخنة، قالوا: فهل كان فيها فضل عنك؟ قال: نعم، قال: فما فعل به؟ قال رفع وهو يوحى إلى أني مكفوت غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا قليلا، بل تلبثون حتى تقولوا متى، وستأتون أفنادا يفني بعضكم بعضا، وبين يدي الساعة موتان شديد وبعده سنوات الزلازل. وخرج الحاكم من حديث محمد بن فضل بن غزوان حديثا صدقه ابن المثنى، عن رباح بن المثنى، عن أبي بردة قال: بينا أنا واقف في السوق في إمارة زياد إذ ضربت بإحدى يدي على الأخرى تعجبا! فقال رجل من الأنصار قد كانت لوالدي صحبة مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مما تعجب يا أبا بردة؟ قلت: أعجب من قوم دينهم واحد، ونبيهم واحد، ودعوتهم واحدة، وحجهم واحد، وغزوهم واحد، ويستحل بعضهم! قتل بعض قال: فلا تعجب فإنّي سمعت والدي أخبرني   [ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 180، كتاب التاريخ، باب (10) إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عما يكون في أمته من الفتن والحوادث، حديث رقم (6777) وإسناد صحيح. أبو المغيرة: هو عبد القدوس بن الحجاج الخولانيّ. وأخرجه أحمد: 5/ 74، حديث رقم (16516) عن أبي المغيرة، بهذا الإسناد. وقال في أوله: «كنا جلوسا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم! إذ قال له قائل: يا رسول اللَّه، هل أتيت بطعام من السماء؟ قال: «نعم» ، قال: وبماذا؟ قال: بمسخنة في (المسند) «بسخنة» ، والمسخنة: قدر يسحن فيها الطعام، قال: فهل كان فيها فضل عنك؟ قال: نعم «، قال: فما فعل به؟ قال: رفع، وهو يوحي إلى أني مكفوت غير لابث..» فذكره. والأفناد: الفرق المختلفين، الواحد فند. والموتان بوزن البطلان: الموت الكثير الوقوع. [ (2) ] (مسند أحمد) : 5/ 74، حديث رقم (16516) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 391 أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن أمتي أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة حساب ولا عذاب إنما عذابها في القتل والزلازل والفتن [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وخرجه أبو داود كما تقدم. وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث نعيم بن حماد، حدثنا بقية بن الوليد، عن يزيد بن عبد اللَّه الجهمي، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: دخلت على عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها ورجل معها، فقال الرجل: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة، فأعرضت عنه بوجهها. قال أنس: فقلت لها حدثينا يا أم المؤمنين عن الزلزلة. فقالت: يا أنس، إن حدثتك عنها عشت حزينا وبعثت حين تبعث وذلك الحزن في قلبك، فقلت: يا أماه حدثينا. فقالت: إن المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت ما بينها وبين اللَّه عز وجل من حجاب، وإن تطيبت لغير زوجها كان عليها نارا وشنارا، فإذا استحلوا الزنا، وشربوا الخمور بعد هذا، وضربوا المعازف، غار اللَّه في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا وإلا هدمها عليهم. وفي الحديث قصة تركتها، وأول زلزلة كانت في الإسلام سنة عشرين على عهد عمر رضى اللَّه وتبارك عنه فأنكرها، وقال: أحدثتم، واللَّه لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم. رواه سفيان بن عيينة عن عبد اللَّه بن عمر عن صفية قال: زلزلت المدينة على عهد عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى اصطكت البيوت، فقام فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: ما أسمع ما أحدثتم، واللَّه لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم. قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: وفي سنة أربع وتسعين دامت الزلازل في الدنيا أربعين يوما فوقعت الأبنية الشاهقة وتهدمت أنطاكية.   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 283، كتاب التوبة والإنابة، حديث رقم (7649) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 561، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8575) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : بل أحسبه موضوعا على أنس، ونعيم منكر الحديث إلى الغاية مع أن البخاري روى عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 392 وفي سنة أربع وعشرين ومائتين من الهجرة النبويّة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وأزكى التحيات، وأجل الإكرام زلزلت فرغانة فمات منها خمسة عشر الفا. وفي سنة عشرين ومائتين جفت الأهواز فتصدعت الجبال ودامت ستة عشر يوما. وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين من الهجرة النبويّة رجفت دمشق رجفة انقضت منها البيوت وسقطت على من فيها، فمات خلائق كثيرة من ذلك، وانكفأت قرية بالغوطة على أهلها فلم ينج منهم سوى رجل واحد، وزلزلت أنطاكية فمات منها عشرون ألفا. وفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين زلزلت جرجار، وطبرستان، ونيسابور، وأصبهان، وقم، وقاشان، في وقت واحد، وزلزلت الافغان فهلك من أهلها خمسة وعشرون ألفا وتقطعت الجبال ودنا بعضها من بعض وسمع للسماء والأرض أصوات عالية، وسار جبل لم يكن عليه مزارع حتى أتى مزارع قوم آخرين، ووقع طائر أبيض دون الرخمة وفوق الغراب على دابة بحلب لسبع سنين من شهر رمضان المعظم فصاح بصوت عال يسمعه الناس: يا معشر الناس اتقوا اللَّه، اللَّه، اللَّه، حتى صاح أربعين صوتا فكتب صاحب البريد بذلك إلى الخليفة ببغداد وأشهد على ذلك خمسمائة إنسان ممن سمعوه، وكتب أسماءهم إلى الخليفة. وفي سنة خمس وأربعين ومائتين من الهجرة النبويّة على صاحبها الصلاة والسلام وأزكى التحيات وأجلّ الاكرام، زلزلت أنطاكية فسقط منها ألف وخمسمائة دار ووقع من سورها بضع وتسعون برجا وسمعت أصوات هائلة من كبرى المنازل، وسمع بمدينة نبتيس صيحة هائلة دامت مدة فمات منها خلق كثير، وذهب جبلة بأهلها، وفي سنة ثمان وثمانين ومائتين من الهجرة والنبويّة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وأزكى التحيات وأجل الإكرام، زلزلت دبيل ليلا ولم يبق منهم إلا اليسير، فأخرج من تحت الهدم من مات تحت الأماكن الساقطة بالزلزلة المذكورة خمسون ومائة ألف ميت. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 393 وفي سنة أربع وثلاثين وأربع مائة من الهجرة النبويّة وقعت زلزلة بتبريز فهدمت قلعتها وأسواقها، ودورها، فهلك تحت الهدم نحو من خمسين الفا. وفي سنة أربع وأربعين أربع مائة كانت بأرّجان زلازل انقلعت منها الحيطان وانفرج إيوان دار، حتى رئيت السماء من وسطه ثم عاد إلى حاله الأول والتأم كما كان. وفي سنة ستين وأربعمائة زلزلت فلسطين، فهلك فيها خمسة عشر ألفا وانشقت صخرة بيت المقدس، ثم عادت والتأمت، وغار البحر مسيرة يوم، فساخ في الأرض، ثم رجع، فهلك به خلق كثير. وفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة، خسف بأيلة من زلزلة كانت بها. وفي سنة سبع وخمسمائة، زلزلت نواحي الشام فوقع ثلاثة عشر برجا من سور الزها، وخسف بسميساط وقلب بنصف القلعة. وفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، كانت زلزلة بحرة أتت علي مائة ألف وثلاثين ألف، فأهلكتهم، وكانت في مقدار عشرة فراسخ، ثم خسفت في سنة أربع وثلاثين فصار موضع البلد ماء أسود، وفيها زلزلت حلوان، فتقطع الجبل وهلك خلائق بها. وفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة كانت بالشام زلازل، هلك منها خلائق كثيرة، إلى غير ذلك من الأهوال. تم بحمد اللَّه تعالى الجزء الثاني عشر ويليه الجزء الثالث عشر وأوله: وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بغلبة المسلمين على الأعمال الدنيوية الجزء: 12 ¦ الصفحة: 394 [ المجلد الثالث عشر ] بِسْمِ اللَّهِ الرّحمنِ الرّحِيم وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم بغلبة المسلمين على الأعمال الدنيوية خرّج ابن يونس من طريق ابن وهب قال: حدثني عمرو بن الحارث وابن لهيعة عن بكر بن سوادة أن موسى بن الشعب حدثهم أن الوليد بن عتبة حدثه أنه انطلق هو وأبيض [رجل من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] إلى رجل يعوده قال: فدخلت المسجد، فرأيت الناس يصلون، فقلت: الحمد للَّه، جمع اللَّه بالإسلام بين الأحمر، والأبيض، والأسود، فقال: الأبيض والأسود فقال الأبيض: بصلاتكم وتجلسون مجالسكم وهو معكم في سوادكم، ولكل أمة منكم نصيب. قال المؤلف: مثل هذا لا يقال بالرأي، وإنما يعلم بخبر الصادق والمصدوق، فيحمل على السماع، ويفسره ما خرجه ابن يونس من طريق ابن وهب، قال: حدثني موسى بن أبي الغافقي، عن سليط بن معية، عن أبيه أنه كان مع تبيع بن عامر الكلاعي بالإسكندرية مقفله من رءوس فقال: يا معشر العرب إذا اعتدت مسلمة الأرض على أربعة آباء فعليكم بالهرب قالوا: يا أبا عطيف إلى أين الهرب؟ قال: إلى الآخرة، فإن مسلمة الأرض سيغلبون على الدنيا وأعمالها. وذكر ابن يونس أن معاوية بن خديج وفد على معاوية بن أبي سفيان فجعل يسأله عن أهل مصر ويخبره عنهم، فقال معاوية بن خديج: إني وجدت أهل مصر ثلاثة أصناف، فثلث ناس، وثلث أشبه بالناس، وثلث لا ناس فقال ابن خديج: فسر لنا يا أمير المؤمنين هذا، قال: أما الثلث الذين هم الناس العرب، والثلث الذين يشبهون الناس الموالي، والثلث الذين هم لا ناس فالمسالمة. قال المؤلف: قد ظهر مصداق ما يقدم من غلبة المسلمة فإن الشرق بات إنما يليه حقطاي، وهم تيمور، وهم حديثو عهد بالإسلام، والمغرب بأيدي البربر، ولمصر والشام الجراكسة، وقد حكموا بأرض مصر القبط، وأنه ليذكر فيما أراه وأسمعه قول ابن بسام:   [ (1) ] هو أبيض بن حمال. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 3 إذا حكم النصارى إلى الفروج ... وباهت بالخيول والسروج وزالت دولة الأحرار طرا ... وصار الملك في ولد العلوج فقل للأعور والدجال هذا ... أوانك إن عزمت على الخروج وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم بفتنة السفياني من الشام فخرّج الحاكم [ (1) ] من طريق نعيم بن حماد، عن يحيى بن سعيد عن الوليد ابن عياش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: قال ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحذركم سبع فتن تكون بعدي، فتنة تقبل من المدينة، وفتنة بمكة، وفتنة تقبل من اليمن، وفتنة تقبل من الشام، وفتنة تقبل من المشرق، وفتنة تقبل من المغرب، وفتنة من بطن الشام وهي السفياني. قال: فقال ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: منكم من يدرك أولها، ومن هذه الأمة من يدرك آخرها، قال الوليد بن عياش: فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وفتنة مكة فتنة عبد اللَّه بن الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وفتنة الشام من قبل بني أمية، وفتنة المشرق من قبل هؤلاء. قال الحاكم- رحمه اللَّه-: هذا حديث صحيح الإسناد واللَّه أعلم.   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 515، كتاب الفتن والملاحم باب (50) ، حديث رقم (8447) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) هذا من أو أيد نعيم مهدي. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 4 وأما تأويله صلّى اللَّه عليه وسلّم رؤيا زرارة فوقع كما قال فقال محمد بن سعد: زرارة بن قيس بن الحارث بن عداء بن الحارث بن عوف بن جشم بن كعب بن قيس بن سعد بن مالك بن النخع، وفد إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في وفد النخع، وهم مائتا رجل وكانوا آخر وفد قدموا من اليمن، فقدموا لنصف من المحرم سنة إحدى عشرة وهم مائتا رجل فنزلوا دار رملة بنت الحارث، ثم جاءوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقرين بالإسلام، وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن [ (1) ] فقال رجل منهم يقال له زرارة: يا رسول اللَّه، إني رأيت في سفري هذا عجبا فقال له: وما رأيت؟ قال: رأيت أتانا خلقها في أهلي ولدت جديا أسفع أحوى، وأريت النعمان بن المنذر عليه قرطان، ودملجان، ومسكتان، قال: ذلك ملك العرب رجع إلى أحسن زيه وبهجته. قال: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ورأيت عجوزا خرجت من الأرض! قال: تلك بقية الدنيا، قال: وأريت نارا خرجت من الأرض فحالت بيني وبين ابن لي يقال له: عمرو، وهي تقول: لظى لظى بصير وأعمى، أطعموني أكلكم وما لكم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تلك فتنة تكون في آخر الزمان، قال: يا رسول اللَّه وما الفتنة؟ قال: يقتل الناس إمامهم، ويشتجرون اشتجار أطباق الرأس، وخالف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أصابعه، يحسب المسيء فيها أنه محسن، ويكون دم المؤمن أحل من شرب الماء، إن مات ابنك أدركت الفتنة، وإن مت أنت أدركها ابنك، فقال: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن لا أدركها فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ لا تدركها، فمات، وبقي عمرو بن زرارة وكان أول خلق اللَّه خلع عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالكوفة وبايع عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.   [ (1) ] إلى هنا آخر القصة في (طبقات ابن سعد) : 1/ 346، وباقي القصة في (الإصابة) : 2/ 560- 561 ، وترجمة رقم (2797) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 5 فصل في ذكر خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم التي لم يشركه فيها غيره اعلم أنه يقال: خصه بالشيء يخصه خصا وخصوصا وخصصه واختصه أفرده به دون غيره، والاسم الخصوصية، والخصية، والخاصة، والخصيصي، وهي تمد وتقصر، وفعلت به خصية، وخاصة، وخصوصية، والخاصة من تخصه لنفسك، والخصتان كالخاصة، وخاصّه بكذا أعطاه شيئا كثيرا. قاله أبو الحسن على بن سيده في (المحكم) [ (1) ] . اعلم أن أصحابنا- رحمهم اللَّه- قد أكثروا من ذكر هذا الفصل في أوائل كتب النكاح من مصنفاتهم، تأسيا، بالإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه ذكر طرفا من ذلك هنالك فقال: إن اللَّه- تعالى- لما خص به رسوله من وجد وأبان بينه وبين خلقه، بينما فرض عليهم من طاعته افترض علينا أشياء خففها عن خلقه، ليزيده بها إن شاء اللَّه حظها على خلقه زيادة في كرامته، وتنبيها لفضيلته صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: اقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي- رحمه اللَّه تعالى- بعد إيراده هذا في كتاب (الحاوي) : هذا فصل نقله المزني مع بقية الباب من أحكام القرآن للشافعي، فأنكر بعض المعترضين عليه إيراد ذلك في مختصره، لسقوط التكليف عنا فيما خص به الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، من تخفيف وتغليظ، ولوفاة زوجاته المخصوصات بالأحكام، فلم يكن فيه إلا التشاغل بما يلزم، عما يجب ويلزم، فصوب أصحابنا ما أورده المزني على هذا المعترض بما ذكروه من غرض المزني من وجهين: أحدهما: أنه قدم مناكح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تبركا بها، والتبرك في المناكح مقصود كالتبرك بالخطب.   [ (1) ] كذا قاله ابن منظور في (اللسان) : 7/ 24- 25، نقلا عن (المحكم) لابن سيده. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 6 والثاني: أن يسبق العلم بأن الأمة لا تساوى نبيها صلّى اللَّه عليه وسلّم في مناكحه، وإن كانت تساويه في غيرها من الأحكام، حتى لا يقدم أحد على ما خطر عليه اقتداء به انتهى. وقد حكى الصيمري عن أبي علي بن خيران أنه منع من الكلام في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أحكام النكاح وكذا في الإمامة، كما حكاه الماورديّ، وأطلق في (الروضة) [ (1) ] الحكاية، عن الصيمريّ عنه، ووجهه أن ذلك قد انقضى، فلا عمل يتعلق به، فلا معنى للكلام فيه، وإنما يسوغ الاجتهاد في النوازل التي تقع، أو نتوقع، ومال إلى هذا الشيخ أبو حامد الغزالي ونسبه إلى المحققين تبعا لإمامه، فقال: وليس يسوغ إثبات خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأقيسة التي تناط بها الأحكام العامة في الناس، ولكن الوجه ما جاء به الشرع من غير مزيد عليه. وقال إمام الحرمين: قال المحققون: وذكر الخلاف في مسائل الخصائص خبط غير مفيد، فإنه لا تعلق به حكم ناجز، تمس الحاجة إليه، وإنما يجزي الخلاف فيما [لا] [ (2) ] نجد بدا من إثبات حكم فيه، فإن الأقيسة لا مجال لها في ذلك، والأحكام الخاصة تتبع فيها النصوص، ما لم ينقل فيه فالخلاف فيه هجوم على غيب من غير فائدة. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح بعد حكاية ذلك: وهذا غريب بلبح، وقال: إنه قد انقضى فلا عمل يتعلق به، وليس فيه من دقيق العلم ما يقع به التدريب، فلا وجه لتضييع الزمان برجم الظنون فيه، وأما الجمهور فإنّهم جوّزوا ذلك لما فيه من العلم. وقال الثوري: وجه الصواب الجزم بجواز ذلك بل باستحبابه، ولو قيل بوجوبه لم يكن بعيدا أن لم يمنع منه إجماع، لأنه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتا في الصحيح فيعمل به أخذا بأصل الناس، فوجب بيانها لتعرف،   [ (1) ] (روضة الطالبين) : 5/ 362، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره. [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 7 ولا يشاركه فيها أحد، وأي فائدة أعظم من هذه؟ وأما ما يقع في أثناء الخصائص مما لا فائدة فيه اليوم فقليل جدا، لا تخلو أبواب الفقه عن مثله للتدرب، ومعرفة الأدلة، وتحقيق الشيء على ما هو عليه. وقال ابن الرفعة في (المطلب) : قد يقال بالتوسط، فيتكلم فيما جرى في الصدر الأول من ذلك دون ما لم يجز منه، قال: وكلام الوسيط يرشد إليه، وأما جمهور الأصحاب فلم يعرجوا على ما ذكره ابن جبران وإمام الحرمين، بل ذكروا ذلك مستقصيا لزيادة العلم، لا سيما الإمام أبو العباس أحمد بن أحمد ابن القاضي الطبريّ صاحب كتاب (التلخيص) . وقد جاء في السنة ما بينه، وهو قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم عام الفتح: إن اللَّه أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد رتب الحافظ أبو بكر البيهقيّ كلامه في ذلك في (سننه الكبير) [ (1) ] ولكن فرعوا كثيرا من ذلك على أحاديث فيها نظر، سيرد ذكرها إن شاء اللَّه- تعالى-، وقد رتبوا الكلام فيها على أربعه أنحاء: الأول: ما وجب عليه دون غيره. الثاني: ما حرم عليه دون غيره. الثالث: ما أبيح له دون غيره. الرابع: ما اختص به من الفضائل دون غيره. فذكروا في كل منها أحكام النكاح وغيرها ورتبها بعضهم على قسمين: أحدهما: ما اختص به عن سائر إخوانه من الأنبياء صلوات اللَّه عليه وعليهم أجمعين. الثاني: ما اختص به من الأحكام دون أمته.   [ (1) ] (سنن البيهقيّ) : 7/ 36، كتاب النكاح. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 8 النوع الأول: في الواجبات والحكمة في اختصاصه عليه السلام عن ازدياده الدرجات لما خرّج البخاريّ في كتاب (الرقاق) من- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ترفعه وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى من ما افترضته عليه الحديث ... ، وذكر الرافعي منه عبارة ولم يسنده، وعلم اللَّه أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقوم بها، وأصبر عليها من غيره، قال إمام الحرمين: قال بعض علمائنا: الفريضة يزيد ثوابها على ثواب النافلة سبعين درجة، واستأنس بما خرجه ابن خزيمة في (صحيحه) وعلق القول بصحته فقال: إن صح الحديث. وخرّجه البيهقيّ [ (1) ] في (شعب الإيمان) من حديث سلمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال في رمضان: من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيما كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، فقال: النفل فيه كالفرض في غيره، وقال: الفرض بسبعين فرضا في غيره فأشعر هذا بأن الفرض يزيد على النفل بسبعين درجة من طريق النحويّ. هذا كلام إمام الحرمين في (النهاية) . وتعقب بأنه لا يلزم وما ذكر، لأن هذه خصوصية لشهر رمضان لا يلزم منها أن كل فرض مفعول في غيره يزيد ثوابه على ثواب النافلة بسبعين درجة، وهذا النوع ينقسم إلى متعلق بالنكاح، وإلى غيره. وفي القسم الثاني مسائل:   [ (1) ] (شعب الإيمان) : 3/ 305، باب (23) في الصيام، فضائل شهر رمضان حديث رقم (6308) باختلاف يسير في اللفظ، وعزاه السيوطي إلى ابن خزيمة وقال: ان صح الخبر، والمصنف والأصبهاني في (الراغب) عن سلمان، وقال الحافظ ابن حجر في (أطرافه) : مداره على عليّ بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ويوسف بن زياد الراويّ عنه ضعيف جدا، وتابعه إياس بن عبد الغفار عن علي بن زيد عند البيهقي في (الشعب) قال ابن حجر: واياس ما عرفته. (صحيح ابن خزيمة) : 3/ 191- 192 باب (8) فضائل شهر رمضان إن صح الخبر حديث رقم (1887) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 9 المسألة الأولى: صلاة الضحى المسألة الثانية: صلاة الأضحى المسألة الثالثة: صلاة الوتر واستدل أصحابنا لذلك بما خرّجه الإمام أحمد في (مسندة) [ (1) ] والبيهقيّ في (سننه) [ (2) ] من حديث أبي جناب الكلبي واسمه يحيى بن أبي حبة عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ثلاث هنّ على فرائض وهي لكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى. وخرجه الدار الدّارقطنيّ وقال: ركعتا الفجر بدل الضحى [ (3) ] . وخرّجه الحافظ أبو حامد بن عدي [ (4) ] ولفظه: ثلاث عليّ فريضة ولكم تطوع: الوتر والأضحى وركعتا الفجر. وخرجه الحاكم في (المستدرك) [ (5) ] شاهدا بلفظ ثلاث هي على فريضة ولكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الفجر. ومدار هذا الحديث على أبي جناب   [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 383، حديث رقم (2015) ، من مسند عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (2) ] (سنن البيهقيّ) : 2/ 468، كتاب الصلاة، باب ذكر البيان أن لا فرض في اليوم والليلة من الصلوات أكثر من خمس صلوات، وأن الوتر تطوع، ثم قال: أبو جناب الكلبيّ اسمه يحيى ابن أبي حية، ضعيف، وكان يزيد بن هارون يصدقه ويرميه بالتدليس. وله أيضا في (المرجع السابق) : 9/ 264، كتاب الضحايا، باب الأضحية سنة، نحب لزومها، ونكره تركها. [ (3) ] (سنن الدار الدّارقطنيّ) : 2/ 21، من حديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (4) ] (الكامل لابن عدي) : 7/ 213، من حديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (5) ] (المستدرك) : 1/ 441- 442، كتاب الوتر، حديث رقم (1119) ، قال الحاكم: الأصل في هذا حديث الإيمان، وسؤال الأعرابيّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الصلوات الخمس، قال: هل عليّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع. ومن حديث سعيد بن يسار، عن ابن عمر في الوتر على الجزء: 13 ¦ الصفحة: 10 يحيى بن أبي حية الكلبي الكوفيّ قال يحيى القطان: لو استحللت، أن أروى عن جناب لرويت حديث عليّ في تكبيرات العيدين. وقال أبو نعيم: أبو جباب يدلس، وقال البخاريّ: كان يحيى القطان يضعفه، يقول: مات سنة خمسين ومائة. وقال السعديّ: يضعف حديثه، وقال ابن المثنى: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن تحدثا عن ابن حبان بشيء. وقال ابن معين: ليس به بأس إلا أنه كان يدلس، مرة قال: هو صدوق، وقال الدارميّ: هو ضعيف، وقال الفلاس: متروك الحديث، وقال النسائيّ: ضعيف، وقال ابن عديّ: هو من جمله المتشيعين بالكوفة. وقد اختلف كلام ابن حبان فيه، فذكره في (ثقاته) (وضعفائه) ، وقال الإمام أحمد: أحاديثه مناكير. وقال البيهقيّ في (خلافياته) : أبو جناب هذا ليس بالقوى. وقال في (سننه) : ضعيف. وقال ابن الصلاح: هذا حديث غير ثابت، ضعفه البيهقي في (خلافياته) ، فظهر من كلام الأئمة أن أبا جناب هذا ضعيف مدلّس وقد عنعن [ (1) ] . ولهذا الحديث طريق ثان من حديث جابر الجعفيّ، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا: أمرت بركعتي الفجر والوتر وليس عليكم. رواه البزار: وجابر بن يزيد بن الحارث بن عبد يغوث بن الجعفيّ الكوفيّ أبو عبد اللَّه. وخرّجه الإمام أحمد ولم يذكر لفظة «عليكم» وقال بدلها: «ولم تكتب» ، وفي رواية له: «أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها، وأمرت بالضحى ولم تكتب عليكم» [ (2) ] .   [ () ] الراحلة، وقد اتفق الشيخان على إخراجهما في (الصحيح) . وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : ما تكلم الحاكم عليه، وهو غريب منكر، ويحيى ضعفه النسائيّ والدار الدّارقطنيّ. [ (1) ] له ترجمة في: (الثقات) : 7/ 597، (المغني في الضعفاء) : 2/ 733- 734، ترجمة رقم (6954) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 387، حديث رقم (2082) ، من مسند عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 11 وقيل أبو يزيد وقيل أبو محمد يروى عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الشعبي، ومجاهد وأبي الضحى، وعكرمة، وطائفة، ويروى عنه شعبة والسفيانان، وإسرائيل، وشريك، وأبو عوانة، وخلق، وكان من كبار علماء الشيعة. قال سلام بن أبي مطيع: حدثنا جابر الجعفيّ: عندي خمسون ألف باب من العلم ما حدثت به أحد فذكرت لأيوب ذلك فقال: أما الآن فهو كذاب. وقال إسماعيل بن أبي خالد: قال الشعبي: يا جابر، ما تموت حتى تكذب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال إسماعيل: مضت الأيام والليالي حتى أتهم بالكذب، وقال أبو حنيفة- رحمه اللَّه-: ما رأيت فيمن رأيت أفضل من عطاء، ولا لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي، ما أتيته بشيء قط من رآني إلا جاءني فيه بحديث، وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لم يظهرها. وقال جرير عن ثعلبة: أردت جابر الجعفي فقال لي: كتب ابن أبي سليم لا تأته فإنه كذاب، وقال النسائي: جابر الجعفي متروك الحديث، قال جرير: أدركت جابر الجعفي وطلب الحديث وتوصي فلم أستحل أن أسمع منه حديثا، قال زائدة: كان كذابا يؤمن بالرجعة. وقال ابن معين: وكان جابر الجعفي كذابا لا يكتب حديثه ولا كرامة، ليس بشيء. قال أبو الأحوص: كنت إذا مررت بجابر الجعفي سألت ربي العافية، وكلام الأئمة فيه كثير، قد أورده ابن عدي، وله أيضا طريق ثالث من حديث وضاح بن يحيى عن مندل بن علي العتري، عن يحيى بن سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا: ثلاث على فريضة وهن لكم تطوع الوتر، وركعتا الفجر، وركعتا الضحى، ويترك أسوأ حالا ممن تقدم. وله أحاديث أفراد وغرائب، ضعفه يحيى ووقع فيه شريك، وقال السعدي: واهي الحديث، وقال النسائيّ: ضعيف، وقال ابن حبان: لا يحتج بالوضّاح، كان يروى عن الثقات الأحاديث المقلوبة التي كأنها معمولة، وضعفه ابن الجوزي في (علله) وقال: هذا حديث لا يصح، وقال في (الأعلام) : إنه حديث لا يثبت. فتبين من هذا ضعف الحديث من جميع طرقه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 12 ومع ذلك ففي ثبوت خصوصية هذه الثلاثة برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نظر، فإن الّذي ينفي ولا يعدل قد جاء ما يعارض هذا الحديث، وما أخرجه الدار الدّارقطنيّ [ (1) ] من حديث قتادة عن أنس مرفوعا: أمرت بالوتر والأضحى، ولم يعزم عليّ. ورواه ابن شاهين في (ناسخه ومنسوخه) وقال: ولم يعرض عليّ ولكنه حديث ضعيف أيضا فيه عبد اللَّه بن مجرد العامريّ الجزريّ، قاضي الجزيرة لأبي جعفر المنصور، يروى عن نافع، والزهريّ، وقتادة، والحكم بن عيينة، وجماعة، ويروى عنه بقية، وأبو يوسف القاضي، وعبد الرزاق، وأبو نعيم وجماعة، وهو ضعيف بإجماعهم. قال ابن معين: ضعيف، ومره قال: ليس بتفة، وقال السعدي: هالك، وقال الفلاس: متروك الحديث، وقال البخاريّ: منكر الحديث، وقال ابن عديّ: ورواياته عمن يرويه غير محفوظه، وذكر ابن شاهين في (الناسخ والمنسوخ) حديث ابن عباس المتقدم من طريق الوضاح، وحديث أنس هذا، ثم قال: الحديث الأول أقرب إلى الصواب من الثاني، لأن فيه عبد اللَّه بن مجرد وليس بمرض عندهم، وقال: ولا أعلم الناتج منهما لصاحبه قال: ولكن الّذي عندي يشبه ان يكون حديث عبد اللَّه بن مجرد على ما فيه ناسخا للأول، لأنه ليس يثبت أن هذه الصلوات فرض وهذا كله كلام عجيب، فلا ناسخ ولا منسوخ، لأن النسخ أيضا يصار إليه عند تعارض الأدلة الصحيحة، ولا معارضة، إذا تم هاهنا أمور: أحدها: ما حكاه بعض الأصحاب عن أبي العباس الروياني أن الأضحية والوتر لم تجبا عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد شهد للوتر فقط ما ثبت في الصحيحين من حديث عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يوتر على البعير، وهذا من حجتنا على الحنفية في عدم وجوبه، لأنه لو كان واجبا لما فعله على الراحلة، فدل على أنه سنة في حقه شأن المندوب، لكن قال النوويّ في (شرح المهذب) : إنه كان من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم جواز هذا الواجب الخاص به على الراحلة.   [ (1) ] (سنن الدار الدّارقطنيّ) : 2/ 21. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 13 وقال العوفيّ المالكي: فعل الوتر في السفر على الراحلة، والوتر لم يكن واجبا عليه إلا في الحضر، صرح به في (شرح المحصول) و (شرح التنقيح) وعز الدين في (القواعد) . وقال الشيخ تقيّ الدين بن الصلاح: تردد الأصحاب في وجوب الضحى والأضحى والوتر عليه، مع أن مسند الحديث الّذي ذكرنا ضعّفه، ولو تمكنوا فقطعوا بوجوب السؤال عليه، وتردد في الأمور الثلاثة لكان أقرب، ويكون مستند التردد فيها أن ضعفه من جهة، ولو أنه ابن جناب الكلبيّ، وفي ضعفه خلاف بين أئمة الحديث، وقد وثقه بعضهم، واللَّه أعلم بأنها الضحى. وخرّج البخاري [ (1) ] من حديث مالك عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. وخرّجه أبو دواد [ (2) ] من حديث وما يسبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسبحه الضحى قط وإني لأسبحها. ذكره في باب تحريض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب. وخرّجه في باب من لم يصلّ الضحى ورآه واسعا، من حديث ابن ذؤيب عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سبّح سبحة الضحى وإني لأسبحها [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 12، كتاب التهجد، باب (15) تحريض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب، وطرق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة وعليا- عليهما السلام- ليلة للصلاة، حديث رقم (1128) . [ (2) ] (سنن أبي داود) : 2/ 64، كتاب الصلاة، باب (301) صلاة الضحى، حديث رقم (1293) . [ (3) ] (فتح الباري) : 3/ 71، كتاب التهجد، باب (32) من لم يصلّ الضحى ورآه واسعا، حديث رقم (1177) . قال الحافظ في (الفتح) : حديث عائشة يدل على ضعف ما روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن صلاة الضحى كانت واجبة عليه، وعدها لذلك جماعة من العلماء من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يثبت في الجزء: 13 ¦ الصفحة: 14 وخرّجه مسلم من حديث مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلى بسبحة الضحى قط وإني لأسبحها وإن كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليدع العمل وهو يجب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. وخرّجه أبو داود [ (1) ] من حديث مالك بهذا الإسناد كما قال البخاريّ. وخرّج مسلم [ (2) ] من حديث سعيد الجريريّ، عن عبد اللَّه بن شفيق قال: قلت لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- هل كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يجيء من مغيبه.   [ () ] ذلك خبر صحيح، وقول الماوردي في (الحاوي) : إنه صلّى اللَّه عليه وسلّم واظب عليها بعد يوم الفتح إلى أن مات، يعكر عليه ما رواه مسلم من حديث أم هانئ: أنه لم يصلها قبل ولا بعد. ولا يقال: إن نفى أم هانئ لذلك يلزم منه العدم، لأنا نقول: يحتاج من أثبته إلى دليل، ولو وجد لم يكن حجة، لأن عائشة ذكرت أنه كان إذا عمل عملا أثبته، فلا يستلزم المواظبة على هذا الوجوب عليه. ثم قال الحافظ: ومن فوائد ركعتي الضحى أنها تجزئ عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كل يوم، وهي ثلاثمائة وستون مفصلا، كما أخرجه مسلم من حديث أبي ذر، وقال فيه: ويجزئ عن ذلك ركعتا الضحى. وحكى شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين في (شرح الترمذيّ) : أنه اشتهر بين العوام أن من صلى الضحى ثم قطعها يعمى، فصار كثير من الناس يتركونها أصلا لذلك، وليس لما قالوه أصل، بل الظاهر أنه مما ألقاه الشيطان على ألسنة العوام ليحرمهم الكثير، لا سيما ما وقع في حديث أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. (فتح الباري) . [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 237، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (13) استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات أو ست، والحث على المحافظة عليها، حديث رقم (717) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 15 وخرّج الترمذيّ [ (1) ] من حديث عطية العوفيّ [ (2) ] عن أبي سعيد الخدريّ قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى حتى نقول: لا يدعها، ويدعها حتى نقول: لا يصليها، ثم قال: حسن غريب.   [ () ] قال الإمام النووي: هذه الأحاديث كلها متفقة لا اختلاف بينها عند أهل التحقيق، وحاصلها أن الضحى سنة مؤكدة، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وبينهما أربع أو ست، كلاهما أكمل من ركعتين ودون ثمان. وأما الجمع بين حديثي عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- في نفي صلاته صلّى اللَّه عليه وسلّم الضحى وإثباتها، فهو أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يصليها بعض الأوقات لفضلها، ويتركها في بعض خشية أن تفرض كما ذكرته عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. ويتأول قولها: «ما كان يصليها إلا أن يجئ من مغيبه» على أن معناه ما رأيته، كما قالت في الرواية الثانية: «ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي سبحة الضحى» وسببه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادر من الأوقات، فإنه قد يكون في ذلك مسافرا، وقد يكون حاضرا، ولكنه في المسجد أو في موضع آخر، وإذا كان عند نسائه، فإنما كان لها يوم من تسعة، فيصح قولها: ما رأيته يصليها، وتكون قد علمت بخبره أو خبر غيره، أنه صلاها، أو يقال: قولها: «ما كان يصليها» ، أي ما يداوم عليها، فيكون نفيا للمداومة، لا لأصلها، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. وأما ما صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى: «هي بدعة» ، فمحمول على أن صلاتها في المسجد، والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة، لأن أصلها في البيوت ونحوها مذموم. أو يقال: قوله: «بدعة» أي المواظبة عليها لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يواظب عليها خشية أن تفرض، وهذا في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد ثبت استحباب المحافظة في حقنا بحديث أبي الدرداء وأبي ذر، أو يقال: إن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الضحى، وأمره بها، وكيف كان؟ فجمهور العلماء على استحباب الضحى، وإنما نقل التوقف فيها عن ابن مسعود، وابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. (شرح النووي) . [ (1) ] (سنن الترمذي) : 2/ 342، كتاب أبواب الصلاة، باب (346) ما جاء في صلاة الضحى، حديث رقم (477) ، وقال: هذا حديث حسن غريب وأخرجه الطمام أحمد في (المسند) برقم (11172) ، (11332) ، من طريق فضيل ابن مرزوق. [ (2) ] هو عطية بن سعد بن جنادة- بضم الجيم وتخفيف النون- وعطية هذا قد تكلموا فيه كثيرا، وهو صدوق، وفي حفظه شيء، وعندي أن حديثه لا يقل عن درجة الحسن، وقد حسّن له الترمذيّ كثيرا، كما في هذا الحديث. (هامش سنن الترمذيّ) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 16 وهذا الحديث ظاهره مقتضى عدم الوجوب، وكذا حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلو كانت واجبة في حقه لكان مداومته عليها أشهر من أن تخفى. ونقل النووي في (شرح المهذب) أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يداوم على صلاة الضحى مخافة أن تفرض على الأمة فيعجزوا عنها، وكان ينفلها في بعض الأوقات، وذكر في (الروضة) أنها واجبة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وذكر الماوردي أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما صلاها يوم الفتح واظب عليها إلى أن مات، وفيه نظر، ففي البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ما أخبرني أحد أنه رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى إلا أم هانئ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فإنّها حدثت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات ما رأيته صلى صلاة قط أخف منها، غير أنه كان يتم الركوع والسجود. وخرّجه الترمذي [ (3) ] وقال: فسبح ثماني ركعات.   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 66، كتاب التهجد، باب (31) صلاة الضحى في السفر، حديث رقم (1176) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 238- 339، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (13) استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات أو ست، والحث على المحافظة عليها، حديث رقم (80) . [ (3) ] (سنن الترمذيّ) : 2/ 338، كتاب أبواب الصلاة، باب (346) ما جاء في صلاة الضحى، حديث رقم (474) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وكأنّ أحمد رأى أصح شيء في هذا الباب حديث أم هانئ، واختلفوا في نعيم، فقال بعضهم: «نعيم بن خمّار» ، وقال الجزء: 13 ¦ الصفحة: 17 وخرّج البخاريّ في باب صلاة الضحى في الحضر [ (1) ] ، من حديث شعبة، عن أنس بن سيرين، قال: سمعت أنس بن مالك [الأنصاري] قال: قال رجل من الأنصار- وكان ضخما- للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لا أستطيع الصلاة معك، فصنع للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم طعاما فدعاه إلى بيته ونضح له طرف حصير بماء، فصلى عليه ركعتين وقال: فلان بن فلان بن الجارود لأنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى؟ فقال: ما رأيته صلى غير ذلك اليوم. فلذلك اختلف الناس في صلاة الضحى، فذهبت طائفة من السلف إلى حديث عائشة المتقدم ولم يروا صلاة الضحى، حكاه ابن بطال، وأبعد بعضهم فقال: إنها بدعة كما يحكى عن ابن عمر. خرّج البخاريّ [ (2) ] من حديث مسدد قال: حدثنا يحيى عن شعبة، عن توبة، عن مورّق قال: قلت لابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أتصلي الضحى؟ قال: لا، قلت فعمر؟ قال: لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا، قلت: فالنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال لا إخاله. وخرّج الفرياني من حديث سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: صلاة الضحى في السفر بدعة.   [ () ] بعضهم: «ابن همّار» ، وقال بعضهم: «نعيم بن هبّار» ، وقال بعضهم: «ابن همام» ، والصحيح: «ابن همّار» ، وأبو نعيم وهم فيه فقال: «ابن حماز» ، وأخطأ فيه، ثم ترك فقال: «نعيم عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» . قال أبو عيسى: وأخبرني بذلك عبد بن حميد عن أبي نعيم. [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 72، كتاب التهجد، باب (33) صلاة الضحى في الحضر، حديث رقم (1179) . قوله: «يصلي الضحى» قال ابن رشيد: هذا يدل على أن ذلك كان كالمتعارف عندهم، وإلا فصلاته صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت الأنصاري، وإن كانت في وقت صلاة الضحى، ولا يلزم نسبتها لصلاة الضحى، قال الحافظ: إلا أنا قدمنا أن القصة لعتبان بن مالك، وقد تقدم في صدر الباب أن عتبان سماها صلاة الضحى، فاستقام مراد المصنف، وتقييده ذلك بالحضر ظاهر لكونه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلى في بيته. [ (2) ] (المرجع السابق) ، باب (31) صلاة الضحى في السفر، حديث رقم (1175) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 18 وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة، عن إسماعيل، عن الشعبي، قال سمعت ابن عمر يقول: ما صليت الضحى منذ أسلمت. وقال طاووس: أول من صلاها الأعراب. وروى عثمان: وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئا أحب إليّ منها. وحكى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، عن جماعة استحباب فعلها، وهو رواية عن أحمد. وخرّج الفريابي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون أن يديموا صلاة الضحى كهيئة المكتوبة، كانوا يصلون ويدعون، وذهبت طائفة إلى أنها إنما تفعل بسبب، وإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما فعلها لأجل الفتح، وقال أبو عمر بن عبد البر: وأما قول عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ما سبح رسول اللَّه سبحة الضحى قط، فما قلت لك إن من علم السنن علما خاصا يوجد عند بعض أهل العلم دون بعض، وليس أحد من الصحابة إلا وقد فاته من الحديث ما أحصاه غيره، إلا خاصة ممتنعة، وهذا ما لا يجهله إلا من لا عناية له بالعلم، وإنما حصل المتأخرون على علم داخله فليسوا في الحفظ كالمتقدمين، وإن كانوا قد حصل في كتب المقل منهم علم جماعة من العلماء، واللَّه ينور بالعلم قلب من يشاء. وقد روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أثار كثيرة حسان في صلاة الضحى منها حديث أم هانئ، فذكره من حديث أم هانئ بنت أبي طالب، ومن حديث ابن طهمان، عن أبي الزبير، عن عكرمة بن خالد، عن أم هانئ، وذكره من حديث أم هانئ بنت أبي طالب أنها قالت: قدم [ (1) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الفتح- فتح مكة- فنزل بأعلى مكة، فصلى ثماني ركعات فقلت: يا رسول اللَّه! ما هذه الصلاة؟ قال: الضحى. قال أبو عمر الأسدي: إن أم هانئ قد علمت من صلاة الضحى ما لم تعلم عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، من الأمور ما يقضي وعليه المداد، وهو الأصل.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 478، حديث رقم (26347- 26348) . باختلاف في اللفظ. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 19 وقد روى إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، عن أم هانئ قالت: لما كان يوم الفتح اغتسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلى ثماني ركعات فلم ير أحد صلاهن بعد، فهذه أم هانئ لم تعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاهن بعد. وذكر من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، قال: ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم فتح مكة اغتسل في بيتها وصلى ثماني ركعات فلم يره أحد صلاها من بعد، وابن ليلى من كبار التابعين. وذكر من حديث إسحاق بن راشد عن الزهريّ، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه ابن الحارث، عن أبيه قال: سمعته يقول: سألت وحرصت على أحد يحدثني أنه رآه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلى الضحى، فلم أجد غير أم هانئ، حدثتني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل عليها يوم فتح مكة، فأمر بماء فوضع له، فاغتسل ثم صلى في بيتها ثماني ركعات، تقول أم هانئ: لا أدري أقيامه أطول أم ركوعه؟ ولا أدري أركوعه أطول أم سجوده؟ غير أن ذلك مقارب يشبه بعضه بعضا. ورواه ابن عيينة، وعبد الكريم بن أبي أمية ويزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحارث قال: سألت عن صلاة الضحى في إمارة عثمان وأصحاب رسول اللَّه متوافرون، فلم أجد أحدا أثبت لي صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الضحى إلا أم هانئ، وذكر الحديث. قال: فهذه الآثار كلها حجة لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، في قولها [ (1) ] : ما سبح رسول اللَّه سبحة الضحى قط، لأن كثيرا من الصحابة قد شركها في علم ذلك، ومما يؤيد ذلك أيضا حديث سماك، قلت لجابر بن سمرة: أكنت [ (2) ] تجالس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: نعم كثيرا، فكان لا يقوم من مصلاه الّذي صلى فيه الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام.   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 71، كتاب التهجد، باب (32) من لم يصل الضحى ورآه واسعا، حديث رقم (1177) . [ (2) ] (سبق تخريجه) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 20 وهذا حديث صحيح، رواه الترمذيّ وجماعة عن سماك، وذكر حديث عمر بن ذر، قال: سمعت مجاهد يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى ركعتين وأربعا أو ستا. هذا حديث مرسل. وذكر حديث أحمد بن عبد اللَّه بن صالح، قال: حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا يونس، عن الزهريّ، عن محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلى في بيته بسبحة الضحى فقاموا وراءه فصلوا [ (1) ] قال: وهذا حديث إنما حدث به عثمان بن عمر بن فارس، أو يونس بن يزيد على المعنى بتأويل تأوله، وإنما الحديث على حسب ما رواه مالك وغيره عن ابن شهاب. قال: والدليل على أنه لا يعرف في هذا الحديث ذكر صلاة الضحى، إنكار ابن شهاب لصلاة الضحى، فقد كان الزهريّ يعتنى بحديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- هذا، ويقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يصل الضحى قط، قال: وإنما كان أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلونها بالهواجر، أو قال: بالهجير، ولم يكن عبد الرحمن بن عوف، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عمر، يصلون الضحى ولا يعرفونها. قال الواقدي: عن عائشة في صلاة الضحى حديث منكر، رواه معمر عن قتادة عن معاذة العدوية، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: سألت عائشة كم كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى؟ قالت: أربع ركعات ويزيد ما يشاء، وهذا عندي غير صحيح، وهو مردود بحديث ابن شهاب المذكور في هذا الباب. قال مؤلفه: وقد خرّج مسلم هذا الحديث من طريق يزيد الرشاقي، قال: حدثتني معاذة أنها سألت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: كم   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 72، كتاب التهجد، باب (33) صلاة الضحى في الحضر، قاله عتبان بن مالك عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (1179) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 21 كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى؟ فقالت: أربع ركعات ويزيد ما يشاء [ (1) ] ، وفي لفظ: ويزيد ما يشاء. وخرّجه من حديث معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة بهذا الإسناد مثله [ (2) ] فهو إذا حديث صحيح، ونحوه حمله حينئذ على أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصليها كذلك إذا صلاها، وقد قدم من مغيبه، جمعا بين الحديثين واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. وخرّجه البيهقي [ (3) ] من حديث على بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سلمة بن رجاء عن الشعثاء امرأة من بنى أسد، قال: دخلت على عبد اللَّه بن أبي أوفى فرأيته صلى الضحى ركعتين، فقالت له امرأته: إنك صليت ركعتين! فقال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلى الضحى ركعتين حين بشر بالفتح، وحين جيء برأس أبي جهل. ثالثها: هل كان الواجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قلنا به أقل الضحى أو أكثرها؟ ففي رواية لأحمد: أمرت بركعتي الضحى، ولم تؤمروا بها؟. رابعها: هل كان الواجب عليه في الوتر أكثره أو أقله؟. خامسها: الأضحية في الحديث السالف وكلام أصحابنا المراد به الضحى كما قاله ابن الصلاح. وقال ابن سيده: وضحى بالشاة: ذبحها ضحى النحر، هذا هو الأصل، وقد تستعمل التضحية في جميع أوقات أيام النحر، والضحية ما ضحيت به، وهي الأضحى وجمعها أضاحي، يذكر ويؤنث، وقال يعقوب: سمى اليوم أضحى بجمع الأضحاء التي الشاة، والأضحية، كالضحية. انتهى.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 173، حديث رقم (24368) ، (مسلم بشرح النووي) : 5/ 238، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (13) استحباب صلاة الضحى، الحديث الّذي يلي الحديث رقم (79) . كلاهما بدون رقم. [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 3/ 89، باب إجابة اللَّه عز وجل دعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على كل من كان يؤذيه بمكة من كفار قريش حتى قتلوا مع إخوانهم من الكفرة ببدر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 22 فإذا يقال: أضحى في الواحد والجمع، ويقال أيضا: وضحايا، وأضحية، وأضاحىّ وبالتشديد. وهذا التقرير قد يفهم منه أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان الواجب عليه ضحايا في كل سنة، وتقل الإشادة به إلى وجوب ذلك في العوام. وفي قوله- تعالى-: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ [ (1) ] دليل على وجوب الأضحية على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأن الإشارة في قوله- تعالى-: وَبِذلِكَ أُمِرْتُ إلى ما سبق من الصلاة، والنسك، والأضحية من النسك، فاقتضت الآية أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يؤديها، والأمر على الوجوب فهو خاص به، لا يتعدى إلى الأمة، وهذا أقعد من الاستدلال بالآية على وجوب الأضحية على الأمة فتأمله. وقد خرّج البخاريّ [ (2) ] من حديث شعبة قال: حدثنا عبد العزيز بن صهيب، سمعت أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يضحى بكبشين وأنا أضحي بكبشين. وله من حديث شعبة حدثنا قتادة عن أنس، قال: ضحى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بكبشين أملحين فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر فذبحهما بيده [ (3) ] . وخرّجه مسلم [ (4) ] ، ولفظه: ضحى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما. وخرّج النسائي [ (5) ] من حديث حفص عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: ضحى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكبش أقرن فحيل يمشي في سواد، ويأكل في سواد، وينظر في سواد.   [ (1) ] الأنعام: 162. [ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 22، كتاب الأضاحي، باب (9) من ذبح الأضاحي بيده، حديث رقم (5553) . [ (3) ] المرجع السابق: حديث رقم (5558) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 35، كتاب الأضاحي باب (3) استحباب الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل والتسمية والتكبير، حديث رقم (1966) . [ (5) ] (سنن النسائي) : 7/ 252، كتاب الضحايا، باب (43) حديث رقم (4402) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 23 وخرّجه الترمذيّ بهذا الإسناد مثله، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث حفص بن غياث. وخرّجه أبو داود [ (1) ] من حديث حفص ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يضحى بكبش أقرن فحيل، ينظر في سواد، ويأكل في سواد. وخرّج أبو بكر البزار من حديث أبي عامر، قال: حدثنا زهير بن محمد عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن على بن حسين عن أبي رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ضحى اشترى كبشين، سمينين، أقرنين، أملحين، فإذا صلى وخطب أتى بأحدهما وهو في مصلاه فذبحه، ثم يقول: اللَّهمّ هذا عن أمتي جميعا، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه ويقول: هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعا المساكين، ويأكل هو وأهله ... الحديث. سادسها: أن الآمديّ وابن الحاجب، عدّا ركعتي الفجر من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا خلاف كما في ذلك، ويشهد ما في حديث ابن عباس المتقدم، إلا أنه ضعيف.   [ (1) ] (عون المعبود بشرح سنن أبي داود) : 4/ 352، كتاب الضحايا، باب (4) ما يستحب من الضحايا، حديث رقم (2793) . (فحيل) بوزن كريم. قال الخطابي: هو الكريم المختار للفحولة، وأما الفحل فهو عام في الذكورة منها، وقالوا: في ذكورة النخل فحال فرقا بينه وبين سائر الفحول من الحيوان. انتهى. قال في (النيل) : فيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ضحى بالفحيل كما ضحى بالخصي «ينظر في سواد إلخ» معناه أن ما حول عينيه وقوائمه وفمه أسود. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 24 المسألة الرابعة: التهجد كان واجبا عليه فقال القفال: هو ما يصلى بالليل وإن قل، قال اللَّه- تعالى-: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [ (1) ] أو زيادة على ثواب الفرائض بخلاف تهجد غيره، فإنه جائز للنقصان المتطرق إلى الفرائض، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم معصوم من تطرق الخلل إلى مفروضاته، فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. حكاه إمام الحرمين. وذكر البغويّ في (تفسيره) نحوه، وقال الحسن وغيره: ليس لأحد نافلة. إلا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لأن فرائضه كاملة، وأما غيره فلا يخلو عن نقص، فنوافله تكمل فرائضه، وأسنده البيهقيّ في (دلائل النبوة) عن مجاهد وكذا ابن المنذر في (تفسيره) ، وحكى ابن المنذر أيضا عن الضحاك نحوه، وذكره سليمان بن حبان، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، وذكر محمد بن نصر المروزي، عن أبي إسحاق أنه- تعالى- قال: نافِلَةً لَكَ قال: ليس هي نافلة لأحد إلا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وعن مجاهد قال: النافلة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة من أجل أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما عمل من عمل سوى المكتوبة فهو له نافلة، من أجل أنه لا يعمل ذلك في كفارة الذنوب، فهي نوافل له وزيادة، فالناس يعملون ما سوى المكتوبات لذنوبهم في كفارتها، فليس للناس نوافل وإنما هي للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة. وعن الحسن: لا تكون نافلة الليل إلا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم. وعن قتادة: نافِلَةً لَكَ قال: تطوعا وفضيلة لك. وخرّج من طريق وكيع: يعنى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ قال محمد بن نصر: قد سمى ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- التطوع نوافل من الناس كلهم، لم يخص بذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دون غيره، وهذا المعروف في اللغة، أن كل تطوع نافلة من الناس كلهم. واستدل الرافعي وغيره بحديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] الإسراء: 79. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 25 قال: ثلاث هن على فرض، وهن لكم سنة: الوتر، والسواك، وقيام الليل [ (1) ] . وهو حديث ضعيف، أخرجه البيهقي في (السنن) و (الخلافيات) من حديث موسى بن عبد الرحمن الصنعاني عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ثلاث هن عليّ فرض وهن لكم سنّة: الوتر، والسواك، وقيام الليل. وموسى هذا هو موسى ابن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني أبو محمد المفسّر. قال ابن عدي: منكر الحديث، وقد يقبل بابن جريح، عن عطاء، عن ابن عياش، وهذه الأحاديث بواطيل. وقال البيهقيّ: موسى هذا ضعيف جدا ولم يثبت في هذا إسناد. وقال الشيخ أبو حامد: إن الشافعيّ نص على أنه نسخ وجوب قيام الليل في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كما نسخ في حق الأمة فإنه كان واجبا في ابتداء الإسلام على الأمة كافة. قال ابن الصلاح، والنووي في (الروضة) : وهذا هو الصحيح تشهد له الأحاديث. قال مؤلفه: قال الشافعيّ: سمعت من أثق خبره وعمله، يذكر أن اللَّه- عز وجل- أنزل فرضا في الصلاة، ثم نسخه بفرض غيره، ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات الخمس، قال: كأنه يعنى قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا* نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [ (2) ] ، ثم نسخه في [آخر] السورة بقوله: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ [ (3) ] فينسخ قيام الليل، أو نصفه، أو أقل، أو أكثر بما تقدم. قال: ويقال: نسخ ما وصفت في المزمل بقول اللَّه- تعالى-: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً   [ (1) ] (سبق تخريجه) . وموسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني منكر الحديث، ترجمته في (الكامل في ضعفاء الرجال) : 6/ 349، ترجمة رقم (210/ 1831) . [ (2) ] المزمل: 1- 4. [ (3) ] المزمل: 20. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 26 وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [ (1) ] فأعلمه أن صلاة الليل نافلة لا فريضة، والفرائض فيما ذكر من ليل ونهار، وقال: ففرائض الصلوات خمس، وما سواها تطوع. انتهى، فهذا ما أشار إليه الشيخ أبو حامد من نصّ الشافعيّ. وقال محمد بن نصير المروزي في كتاب (قيام الليل) وقد حكاها عن الشافعيّ: فذهب الشافعيّ في الحكاية التي حكاها وغيره، إلى أن اللَّه- تعالى- افترض قيام الليل في أول سورة المزمل على المقادير التي ذكرها، ثم نسخ ذلك في آخر السورة، وأوجب قراءة ما تيسر في قيام الليل فرضا، ثم نسخ فرض قراءة ما تيسر بالصلوات الخمس.   [ (1) ] الإسراء: 78- 79. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 27 وأما سائر الأخبار التي ذكرناها عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها وابن عباس وغيرهما فإنّها دلت على أن آخر السورة نسخ أولها فصار قيام الليل تطوعا بعد فرضيته بنزول آخر السورة فذهبوا إلى أن قوله- تعالى-: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ [ (1) ] اختيار لا إيجاب فرض. قال محمد بن نصر: وهذا أولى القولين عندي بالصواب، وكيف يجوز أن تكون الصلوات الخمس مفروضات في أول الإسلام، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة، فرضت عليه ليلة أسرى به، والأخبار التي ذكرناها تدل على أن قوله- تعالى-: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ إنما نزل بالمدينة، ونفس الآية تدل على ذلك؟ قوله: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ (2) ] والقتال في سبيل اللَّه إنما كان بالمدينة، وكذلك قوله- تعالى-: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ* والزكاة إنما فرضت بالمدينة. وفي حديث جابر: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثهم في الجيش وقد كان كتب عليهم قيام الليل، وبعثه الجيوش لم يكن إلا بعد قدوم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، قال- تعالى-: ما تَيَسَّرَ*، يدل على أنه ندب واختيار وليس بفرض. انتهى. قال مؤلفه: وقال عمر بن نصر: لم يخف على الشافعيّ شيء مما قلت، وإنما أرادوا- واللَّه أعلم- أن هذه الآية نسخت بنزولها قيام الليل، أو بقول اللَّه- تعالى- فيها: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ، فتأمله تجده كذلك.   [ (1) ] المزمل: 20. [ (2) ] المزمل: 20. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 28 وخرّج مسلم [ (1) ] من حديث سعيد، عن قتادة، عن زرارة، أن سعيد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل اللَّه فقدم المدينة، فأراد أن يبيع عقارا بها، فيجعله في السلاح والكراع، ويجاهد الروم حتى يموت، فلما قدم المدينة أتى أناسا من أهل المدينة، فنهوه عن ذلك، وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فنهاهم نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: أليس لكم فيّ أسوة؟. فلما حدثوه بذلك راجع امرأته وقد كان طلقها، وأشهد على رجعتها، فأتى ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فسأله عن وتر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال ابن عباس: ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: من؟ قال: عائشة، فأتها فاسألها، ثم ائتني فأخبرني بردها عليك، فانطلقت إليها فأتيت على حكيم بن أفلح فاستخلفته إليها، فقال: ما أنا بمقاربها لأني نهيتها إلى أن تقول في هاتين الشعبتين شيئا، فأبت فيهما إلا مضيا. قال: فأقسمت عليه، فجاء، فانطلقنا إلى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فأستأذنا عليها، فأذنت لنا، فدخلنا عليها، فقالت: أحكيم؟ فعرفته، فقال: نعم، فقالت: من معك؟ قال: سعد بن هشام، ثم قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر، فترحمت عليه، وقالت: خيرا، قال قتادة: وكان أصيب يوم أحد، فقلت: [يا] أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان القرآن، فهممت أن أقوم ولا أسأل أحدا عن شيء من أمره [ (2) ] ، ثم بدا لي، فقلت: أنبئيني عن قيام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: ألست تقرأ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [ (3) ] ؟ قلت: بلى، قالت: فإن اللَّه- عز وجل- افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه حولا، وأمسك اللَّه- عز وجل- خاتمتها   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 271- 273، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (28) جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض، حديث رقم (139) . [ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (صحيح مسلم) : «عن شيء حتى أموت» . [ (3) ] المزمل: 1. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 29 اثنى عشر شهرا في السماء، حتى أنزل اللَّه [عز وجل] في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. قال: قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه اللَّه ما يشاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات، لا يجلس إلا في الثامنة، فيذكر اللَّه، ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر اللَّه- عز وجل- ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلى ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخذ اللحم، أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسع يا بني، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل، صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان. قال: فانطلقت إلى ابن عباس فحدثته بحديثها فقال: صدقت، لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني به، قال: قلت: لو علمت أنك لا تدخل عليها ما حدثتك حديثها. وخرّجه أيضا من حديث هشام، عن أبيه، عن قتادة، من حديث معمر عن قتادة، وأخرجه النسائي [ (1) ] من حديث سعيد عن قتادة مختصرا. وخرّج أبو داود [ (2) ] من طريق يزيد النحويّ عن عكرمة، عن ابن عباس، قال في المزمل: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ [ (3) ] نسختها الآية التي فيها: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [ (4) ] وناشئة الليل:   [ (1) ] (سبق تخريجه) . [ (2) ] قال المنذري: صح من حديث عائشة أنها قالت: «وأمسك اللَّه خاتمتها- تريد سورة المزمل- أثنى عشر شهرا في السماء. (هامش سنن أبي داود) . [ (3) ] المزمل: 2، 3. [ (4) ] المزمل: 20. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 30 أوله، كانت صلاتهم أول الليل، يقول: هو أجدر أن تحصوا ما فرض اللَّه عليكم من قيامكم، وذلك أن الإنسان إذا نام لا يدري متى يستيقظ. وقوله- تعالى-: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [ (1) ] هو أجدر أن يفقه القول، وقوله- تعالى-: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا [ (2) ] يقول فراغا طويلا. وخرّج من طريق وكيع [ (3) ] ، عن مسعود، عن سماك الخثعميّ عن ابن عباس، قال: لما نزلت أول المزمل، كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها سنة. ترجم عليه باب نسخ قيام الليل والتيسير فيه. وذهب بعضهم إلى أن الناسخ قوله- تعالى-: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ وقوله- تعالى-: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ الآية، وأن ذلك ناسخ لقيام الليل في حق الأمة فقط، وفي هذا نظر، فإن الخطاب في أول السورة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد شركته الأمة في ذلك، فالخطاب في آخرها يتوجه لمن يتوجه إليه الخطاب في أولها، وقد قيل: إنّ المنسوخ من قيام الليل ما كان مقدرا، وأما الواجب فهو باق لقوله- تعالى-: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وهذا بناء على أن المراد بالقراءة الصلاة، فسماها- تعالى- ببعض أجزائها، فتكون الآية كقوله- تعالى-: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ إذ لا بد من الهدى، فكذلك لا بد من صلاة الليل. وحديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، المخرج في (الصحيحين) [ (4) ] كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه، قالت   [ (1) ] المزمل: 2. [ (2) ] المزمل: 7. [ (3) ] (سنن أبي داود) : 2/ 72، كتاب الصلاة، أبواب قيام الليل، باب (306) نسخ قيام الليل والتيسير فيه، حديث رقم (1305) ، (تفسير ابن كثير) : 4/ 465، سورة المزمل. [ (4) ] (فتح الباري) : 3/ 18، كتاب التهجد، باب (6) قيام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الليل، وقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: كان يقوم حتى تفطر قدماه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 31   [ () ] والفطور: الشقوق، انفطرت: انشقت، حديث رقم (1130) ، ومن كان في بلية ففرضه الصبر والشكر، وأما الصبر فواضح، وأما الشكر فالقيام بحق اللَّه- تعالى- عليه في تلك البلية، فإن للَّه على العبد عبودية في البلاء كما له عليه عبودية في النعماء. ثم الصبر على ثلاثة أقسام: صبر المعصية فلا يرتكبها، وصبر على الطاعة حتى يؤديها، وصبر على البلية فلا يشكو ربه فيها. والمرء لا بد له من واحدة من هذه الثلاث، فالصبر لازم له أبدا لا خروج له عنه، والصبر سبب في حصول كل كمال، وإلى ذلك أشار صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله في الحديث الأول: «إن الصبر خير ما أعطيه العبد» . وقال بعضهم: الصبر تارة يكون للَّه، وتارة يكون باللَّه، فالأول: الصابر لأمر اللَّه طلبا لمرضاته، فيصير على الطاعة، ويصير على المعصية، والثاني: المفوض للَّه بأن يبرأ من الحول والقوة، ويضيف ذلك إلى ربه. وزاد بعضهم: الصبر على اللَّه، وهو الرضا بالمقدور، فالصبر للَّه يتعلق بإلهيته ومحبته، والصبر به يتعلق بمشيئته وإرادته، والثالث: يرجع إلى القسمين الأولين عند التحقيق، فإنه لا يخرج عن الصبر على أحكامه الدينية، وهي أوامره ونواهيه، والصبر على ابتلائه وهو أحكامه الكونية. واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. (فتح الباري) . وأخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب (18) إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، حديث رقم (79) ، (80) ، (81) . قال القاضي: الشكر معرفة إحسان المحسن والتحدث به، وسميت المجازاة على فعل الجميل شكرا لأنها تتضمن الثناء عليه، وشكر العبد للَّه- تعالى- اعترافه بنعمه، وثناؤه عليه، وتمام مواظبته على طاعته. وأما شكر اللَّه- تعالى- أفعال عباده فمجازاته إياهم عليها، وتضعيف ثوابها، وثناؤه بما أنعم به عليهم، فهو المعطي والمثنى سبحانه، والشكور من أسمائه مواظبته- سبحانه وتعالى- بهذا المعنى، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. (شرح النووي) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 167، حديث رقم (24323) ، من حديث السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- (5) ، (6) راجع التعليق السابق. وفيه مشروعية الصلاة للشكر، وفيه أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان، كما قال- تعالى-: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً قال القرطبي: ظن من سأله عن سبب تحمله المشقة في العبادة أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما يعبد اللَّه خوفا من الذنوب، وطلبا للمغفرة والرحمة، فمن تحقق أنه غفر له لا يحتاج إلى الجزء: 13 ¦ الصفحة: 32 عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا رسول اللَّه! أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة! أفلا أكون عبدا شكورا؟. وأخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن صخر، عن أبي قسيط، عن عروة وأخرجاه من وجه آخر عن المغيرة بن شعبة، وهو من جملة ما يدل على عدم وجوب قيام الليل عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال ابن عبد البر في كتاب (التمهيد) : وأوجب بعض التابعين قيام الليل فرضا، ولو كان كقدر حلب شاة، وهو عبيدة السلماني، وهو قول شاذ متروك لإجماع العلماء على أن قيام الليل منسوخ عن الناس بقوله- عز وجل-:   [ () ] ذلك، فأفادهم أن هناك طريقا آخر للعبادة، وهو الشكر على المغفرة وإيصال النعمة لم لا يستحق عليه فيها شيئا، فيتعين كثرة الشكر على ذلك. والشكر: الاعتراف بالنعمة والقيام بالخدمة، فمن كثر ذلك منه سمي شكورا، ومن ثم قال- سبحانه وتعالى-: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ وفيه ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه من الاجتهاد في العبادة والخشية من ربه. قال العلماء: إنما ألزم الأنبياء أنفسهم بشدة الخوف لعلمهم بعظيم نعمة اللَّه- تعالى- عليهم، وأنه ابتدأهم بها قبل استحقاقها، فبذلوا مجهودهم في عبادته ليؤدوا بعض شكره، مع أن حقوق اللَّه أعظم من أن يقوم بها العباد. واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. وقيل: أخرج البخاري هذا الحديث لينبه على أن قيام جميع الليل غير مكروه، ولا تعارضه الأحاديث الآتية بخلافه، لأنه يجمع بينها بأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يداوم على قيام جميع الليل، بل كان يقوم وينام، كما أخبر عن نفسه، وأخبرت عنه عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وأخرجه البخاريّ أيضا في كتاب التفسير، باب (2) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً حديث رقم (4836) ، (4837) ، وفي كتاب الرقاق، باب (20) الصبر على محارم اللَّه إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ، حديث رقم (6471) . قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : ووجه مناسبته للترجمة أن الشكر واجب، وترك الواجب حرام، وفي شغل النفس بفعل الواجب صبر عن فعل الحرام، والحاصل أن الشكر يتضمن الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 33 عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ ... فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ والفرائض لا تثبت إلا بتقدير وتحصيل. وذكر محمد بن نصر المروزي في كتاب (قيام الليل) بسنده إلى أبي رجاء، قلت للحسن: ما تقول في رجل حدثنا القرآن كله عن ظهر قلب، ولا يقول به، إنما يصلي المكتوبة؟ فقال: لعن اللَّه ذاك إنما [القيام] للقرآن، قلت: قال اللَّه تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ قال: نعم ولو خمسين آية، ونقل أبو محمد بن حزم في (المحلى) [ (1) ] أن الخمسين [آية] تقول: إن الوتر فرض وإن تهجد الليل فرض.   [ (1) ] (المحلى) : 2/ 93، كتاب الصلاة، مسألة رقم (292) ، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم الأحول، عن أبي مجاز، أن أبا موسى الأشعري كان بين مكة والمدينة، فصلى العشاء ركعتين، ثم قام فصلى ركعة أوترها، وقرأ فيها بمائة آية من سورة النساء، وقال: ما ألوت أن وضعت قدمي حيث وضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأن أقرأ ما قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 34 تنبيهات الأول: أن قبل قوله- تعالى-: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [ (1) ] يقتضي أن التهجد غير واجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن النافلة غير الواجب. قال ابن سيده: العطية عن بدء، والنفل ما يفعله الإنسان مما لا يجب عليه. وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ قلنا بها أن النافلة فيها بمعنى الزيادة. ومنه قوله- تعالى-: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً [ (2) ] ، وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا [ (3) ] أن إسحاق ويعقوب زيادة، لأن إبراهيم عليه السلام لما سأل اللَّه- سبحانه- ولدا بقوله: هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [ (4) ] استحباب دعاءه ووهب له إسحاق، وزاده يعقوب بن إسحاق، من غير زيادة، فكان يعقوب نافلة لإبراهيم، عند الولد، قال ابن سيده: النافلة ولد، وهو من ذلك يعني من العطية امتدادا، فإذا تقرر أن النافلة الزيادة، ولا يأتونكم منا غير واجبة. وخرّج مسلم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل المزني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: هو خليل على جابر بن عبد اللَّه ... فذكر حديث جابر الطويل في الحج إلى أن قال جابر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد صلى بنا المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينها شيئا، ثم اضطجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى طلع الفجر فصلى حين تبين له الصبح. الحديث، وهذا يدل على عدم وجوب الوتر والتهجد لأن الظاهر أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يفعلها تلك الليلة. وقد يجاب عن التهجد بأنه لعله إذ ذاك صار منسوخا في هذا الحديث وعلى ما جزم به الدارميّ.   [ (1) ] الاسراء: 79. [ (2) ] الأنبياء: 72. [ (3) ] مريم: 49. [ (4) ] الصافات: 100. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 35 والّذي نص عليه الشافعيّ في (الأم) وغيره: أن السنة ترك التنفل بعد العشاء. كما يسن تركه بعد المغرب، وصرح به الماوردي، والقاضي حسين، وغيرهما، وأبعد البحلي فقال: إنه يأتي بسنة المغرب بعد العشاء ثم بسنة العشاء، ثم بالوتر، وهو مصادم للنص. الثاني: قال الرافعيّ: مقتضى الحديث المروي عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- الّذي سلف، وكلام الأئمة هنا كون الوتر غير التهجد المأمور به، وذلك مخالف لما مرّ في باب صلاة التطوع أنه يشبه أن يكون الوتر هو التهجد، ويعتضد به الوجه المذكور هناك عن رواية الروياني. قال وكان التغاير أظهر، وكذا قال في (تذييله على الشرح) : من أنه الأظهر وتبعه صاحب (الحاوي) . لكن خرّج البخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 41، كتاب التهجد، باب (16) قيام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالليل في رمضان وغيره، حديث رقم (1147) ، وذكره في كتاب صلاة التراويح، باب (1) فضل من قام في رمضان، حديث رقم (2013) ، وفي كتاب المناقب، باب (24) كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تنام عينه ولا ينام قلبه، رواه سعيد بن ميناء، عن جابر، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 263، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (17) صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، حديث رقم (738) . قوله: «إن عيني تنامان ولا ينام قلبي» هذا من خصائص الأنبياء- صلوات اللَّه وسلامه عليهم-. وسبق في حديث نومه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الوادي، فلم يعلم بفوات وقت الصبح حتى طلعت الشمس، وأن طلوع الفجر والشمس متعلق بالعين لا بالقلب. وأما أمر الحدث ونحوه فمتعلق بالقلب، وأنه قيل أنه في وقت ينام قلبه، وفي وقت لا ينام، فصادف الوادي نومه. والصواب الأول. (شرح النووي) . [ (3) ] (سنن أبي داود) : 2/ 86- 87، كتاب الصلاة، باب (316) في صلاة الليل، حديث رقم (1341) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 36 عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، كيف كانت صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا، فلا تسل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثم يصلى ثلاثا، قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فقلت: يا رسول اللَّه أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي. وهذا يدل على أن التهجد هو غير الوتر. وما خرّجه مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] والنسائي [ (4) ] من طريق هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان   [ () ] (4) (سنن الترمذي) : 2/ 302- 303، أبواب الصلاة، باب (325) ما جاء في وصف صلاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالليل، حديث رقم (439) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 262، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (17) صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، حديث رقم (737) . قال القاضي: قال العلماء: في هذه الأحاديث أخبار كل واحد من ابن العباس، وزيد، وعائشة، بما شاهد، وأما الاختلاف في حديث عائشة: فقيل: هو منها، وقيل: من الرواة عنها، فيحتمل أن إخبارها بأحد عشرة هو الأغلب، وباقي رواياتها إخبار منها بما كان يقع نادرا في بعض الأوقات، فأكثره خمس عشرة بركعتي الفجر، وأقله سبع، وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه، بطول قراءة، كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود، أو لنوم، أو عذر أو مرض، أو غيره في بعض الأوقات عند كبر السن، كما قالت: فلما أسن صلى سبع ركعات، أو تارة تعد الركعتين الخفيفتين في أول قيام الليل، كما رواه زيد بن خالد، وروتها عائشة بعدها، هذا في مسلم، وتعد ركعتي الفجر تارة، وتحذفهما تارة، أو تعد إحداهما، وقد تكون عدت راتبة العشاء مع ذلك تارة، وحذفتها تارة. قال القاضي: ولا خلاف أنه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأن صلاة الليل من الطاعات، التي كلما زاد فيها زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وما اختاره لنفسه، واللَّه- تعالى- أعلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 37 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها. يقابل الحديث الأول، والّذي يلزم من كلامهم أن يكون كل وتر تهجدا، مأمورا به. ولفظ الشافعيّ- رحمه اللَّه-: وأوكد النوافل الوتر ويشبه أن يكون صلاة التهجد، والظاهر أن الوتر والتهجد يفرقان، فالوتر لا يعتبر في حقيقته أن يكون بعد النوم، بخلاف التهجد. قال ابن سيده: هجد يهجد هجودا، وأهجد نام، والهاجد والهجود المصلي بالليل، والجمع هجود وهجد. قال: وتهجد القوم، واستيقظوا للصلاة أو لغيرها، وقال الأزهري: المتهجد القائم لصلاة الليل من النوم، فكأنه قيل له متهجد لإلقائه الهجود عن نفسه، كما يقال للعابد: متحنث لإلقائه الحنث عن نفسه، فيمكن تأويل كلام الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على أن يقال: إن الّذي يتبع الوتر في التأكيد هو التهجد. وذكر محمد بن نصر المزروي، عن الحجاج بن عمر بن غزية الأنصاري أنه قال: يحسب أحدكم أنه إذا قام من الليل فصلى حتى يصبح، أنه قد تهجد؟ إنما التهجد الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، قال: فتلك كانت صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.   [ () ] (2) (سنن أبي داود) : 2/ 96، كتاب الصلاة، باب (316) في صلاة الليل، حديث رقم (1359) . [ (3) ] (سنن الترمذيّ) : 2/ 304، أبواب الصلاة، باب (326) بدون ترجمة، حديث رقم (442) ، من حديث وكيع، عن شعبة، عن أبي جمرة الضبعيّ، عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. [ (4) ] (سنن النسائي) : 3/ 266- 267، كتاب قيام الليل، باب (41) كيف الوتر بخمس، حديث رقم (1716) ، وقد انفراد به النسائي. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 38 المسألة الخامسة: صلاته صلّى اللَّه عليه وسلّم بالليل وكانت ثمانية أنواع: النوع الأول: أن يصلي ثنتي عشرة ركعة يسلم في كل ركعتين، ثم يصلي ركعة واحدة، ويسلم. وخرّج أبو داود [ (1) ] من طريق مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين. النوع الثاني: أن يصلي ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين، ثم يصلي خمس ركعات متصلات لا يجلس إلا في آخرهن [ (2) ] . خرّج النسائي [ (3) ] وغيره من طريق عبدة بن سليمان، قال: حدثنا هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر بينهن بخمس ركعات لا يجلس في شيء من الخمس إلا في آخرهن، ثم يجلس ويسلم. النوع الثالث: أن يصلي عشر ركعات يسلم في آخر كل ركعتين، ثم يوتر بواحدة. خرّج مسلم [ (4) ] من طريق ابن وهب قال: أخبرني وهب، أخبرني عمرو ابن الحارث عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 1/ 96- 97، كتاب الصلاة، باب (316) في صلاة الليل، حديث رقم (1360) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1358) . [ (3) ] (سنن النسائي) : 3/ 266- 267، كتاب قيام الليل، باب (41) كيف الوتر بخمس، حديث رقم (1716) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 262، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (17) صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الليل، وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، حديث رقم (122) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 39 - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي في ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء- وهي التي تدعو الناس العتمة- إلى الفجر، إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين، ويوتر لواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر، وجاء المؤذن، قام، فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة. النوع الرابع: أن يصلي ثماني ركعات لا يجلس في شيء منهن جلوس تشهد إلا في آخرها، فإذا جلس في آخرهن وتشهد قام دون أن يسلم، فأتى بركعة واحدة، ثم يجلس ويتشهد ويسلم. خرّج مسلم [ (1) ] من حديث سعد بن هشام المتقدم، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فيذكر اللَّه ويحمده، ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد، فيذكر اللَّه- عز وجل-، ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض، ثم يسلم. الحديث. وخرّج النسائي [ (2) ] من طريق حماد عن أبي حمزه، عن الحسن، عن سعد ابن هشام، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يوتر بتسع ركعات يقعد في الثامنة، ثم يقوم فيركع ركعة. النوع الخامس: أن يصلي سبع ركعات لا يجلس ولا يتشهد إلا في آخر السادسة منهن، ثم يقوم دون تسليم، فيأتي بالسابعة، ثم يجلس ويتشهد ويسلم. خرّج النسائي [ (3) ] من طريق معاذ بن هشام الدستوائي، حدثنا أبي عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام بن عامر، عن عائشة- رضي   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] (سنن النسائي) : 3/ 67- 68، كتاب السهو، باب (67) أقل ما يجزئ من عمل الصلاة، حديث رقم (1314) ، باب (43) كيف الوتر بتسع، حديث رقم (1719) ، (1920) ، وأخرجه ابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع، حديث رقم (1191) . [ (3) ] (سنن النسائي) : 3/ 67، كتاب قيام الليل، باب (42) كيف الوتر بسبع، حديث رقم (1718) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 40 اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما كبر وضعف، أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة، ثم ينهض، ولا يسلم، فيصلي السابعة، ثم يسلم تسليمة ... الحديث. النوع السادس: أن يصلي سبع ركعات لا يجلس جلوس تشهد إلا في آخرهن، جلس وتشهد وسلم. خرّج النسائي [ (1) ] من طريق سعيد، حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، أن عائشة أم المؤمنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما أسنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخذه اللحم، صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن، ثم يصلي ركعتين بعد أن يسلم. النوع السابع: أن يصلي خمس ركعات متصلات، لا يجلس ولا يتشهد إلا في آخرهن. خرّج النسائي [ (2) ] من حديث سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن. النوع الثامن: أن يصلي ثلاث ركعات يجلس في الثانية، ثم يقوم دون أن يسلم، ويأتي بالثالثة، ثم يجلس، ويتشهد، ويسلم كصلاة المغرب. خرّج النسائي [ (3) ] من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة ابن أوفى، عن سعد بن هشام، أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- حدثته أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يسلم في ركعتي الوتر. قال محمد بن نصر المروزي: فأما الوتر بثلاث ركعات فإنا لم نجد عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خبرا ثابتا مفسرا أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن كما وجدنا عنه أخبارا أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوتر بثلاث، لا ذكر التسليم فيها. فذكر من طريق يونس عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يوتر بثلاث،   [ (1) ] (المرجع السابق) : باب (42) كيف الوتر بسبع، حديث رقم (1717) . [ (2) ] (المرجع السابق) : باب (41) كيف الوتر بخمس، حديث رقم (1713) . [ (3) ] (المرجع السابق) : باب (36) كيف الوتر بثلاث؟ حديث رقم (1697) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 41 يقرأ في الأولى ب- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [ (1) ] وفي الثانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [ (2) ] وفي الثالثة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (3) ] . قال مؤلفه: وذكر في الباب عن عمران بن حصين وعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، وعبد الرحمن بن أبزى، وأنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أسند ذلك محمد بن نصر عنهم من طريق عديدة، ثم قال: فهذه أخبار منهم، تحتمل أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قد سلم في الركعتين من هذه التي روى أنه أوتر بها، جائز أن يقال لمن صلى عشر ركعات يسلم بين كل ركعتين: فلا نصلي عشر ركعات، وكذلك إن لم يسلم إلا في آخرهن، جاز أن يقال: يصلي عشر ركعات، والأخبار المفسرة التي لا تحتمل إلا معنى واحدا أولى أن تتبع، ويحتج بها، غير أنا روينا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه خيّر الموتر بين أن يوتر بخمس أو بثلاث، أو بواحدة. وروينا عن بعض أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن، فالعمل بذلك جائز عندنا، والاختيار ما بينا. فأما الحديث الّذي حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن زرارة، عن سعد بن هشام، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يسلم في ركعتي الوتر. وفي رواية قد أسندها أيضا: كان لا يسلم في الركعتين الأولين من الوتر قال: فهذا عندنا قد اختصره سعيد من الحديث الطويل الّذي ذكرناه، ولم يقل في هذا الحديث أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أوتر بثلاث لم يسلم في الركعتين الوتر، وصدق في ذلك الحديث، فكان يكون حجة لمن أوتر بثلاث بلا تسليمة في الركعتين، إنما قال: لم يسلم في ركعتي الوتر، وصدق في ذلك الحديث، أنه لم يسلم في   [ (1) ] الأعلى: 1. [ (2) ] الكافرون: 1. [ (3) ] الإخلاص: 1، ثم زاد في آخره «ويقنت قبل الركوع، فإذا فرغ قال عند فراغه: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات، يطيل في آخرهن» . المرجع السابق: باب (37) ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبيّ بن كعب في الوتر، حديث رقم (1698) ، (1699) ، (1700) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 42 الركعتين، ولا في الست، ولم يجلس أيضا في الركعتين، كما لم يسلم فيهما، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. وقال ابن عبد البر: وأهل العلم يقولون: إن الاضطراب عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- في أحاديثها في الحج، وأحاديثها في الرضاع، وأحاديثها في صلاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالليل، وأحاديثها في قصر صلاة المسافر، ولم يأت ذلك إلا منها، لأن الذين يروون ذلك عنها حفاظ أثبات: القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، والأسود بن يزيد، ومسروق، ونظراؤهم، وقد أجمع العلماء على أن لا حد ولا شيئا مقدرا في صلاة الليل، وأنها نافلة، فمن شاء أطال فيها القيام، وقلت ركعاته، ومن شاء أكثر الركوع والسجود، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 43 المسألة السادسة: في السواك وكان واجبا عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الصحيح واستدل له بحديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- المتقدم، وقد تبين ضعفه لكن خرّج أبو داود [ (1) ] والبيهقي [ (2) ] في (سننهما) ، وابن خزيمة [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر، فلما شقّ ذلك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمرنا بالسواك لكل صلاة ووضع عنه الوضوء إلا من حدث.   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 1/ 41- 42، كتاب الطهارة، باب (25) السواك، حديث رقم (48) ، ثم قال: فكان ابن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يرى أن به قوة، فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة. قال أبو داود: إبراهيم بن سعد رواه عن محمد بن إسحاق، قال: عبيد اللَّه بن عبد اللَّه. قال الخطّابيّ: يحتج بهذا الحديث من يرى أن المتيمم لا يجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد، وأن عليه أن يتيمم لكل صلاة فريضة. قال: وذلك لأن الطهارة بالماء كانت مفروضة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم لكل صلاة، وكان معلوما أن حكم التيمم الّذي جعل بدلا عنها مثلها في الوجوب، فلما وقع التخفيف بالعفو عن الأصل ولم يذكر سقوط التيمم، كان باقيا على حكمه الأول، وهو قول عليّ بن أبي طالب، وابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، والنخعيّ، وقتادة، وإليه ذهب مالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق. (معالم السنن) . [ (2) ] (سنن البيهقيّ) : 7/ 49، كتاب النكاح، باب ما روى عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قوله: «أمرت بالسواك حتى خفت أن يدردني» ، يدردني أي يذهب بأسناني. [ (3) ] (صحيح ابن خزيمة) : 1/ 71- 72، باب (106) الأمر بالسواك عند كل صلاة أمر ندب وفضيلة، لا أمر وجوب وفريضة، حديث رقم (138) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 44 وأخرجه الحاكم [ (1) ] في (مستدركه) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه. وقد اختلف في هذا الحديث على ابن إسحاق، فقيل: عنه عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر، وقيل: عن محمد بن طلحة، عن محمد بن يحيى، عن بن إسحاق، فالظاهر من هذا الحديث أنه أوجب عليه السواك، وهو الصحيح عند الأصحاب قاله النووي: ومال إلى قوله ابن الصلاح، ويؤيده ما خرّجه البيهقيّ [ (2) ] من حديث أم سلمة مرفوعا: ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خشيت على أضراسي. قال البخاريّ: هذا حديث حسن [ (3) ] . قال عبد اللَّه بن وهب: حدثنا يحيى بن عبد اللَّه بن سالم، عن عمرو مولى المطلب، عن المطلب بن عبد اللَّه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لقد لزمت السواك حتى تخوفت يتدردني. رواه البيهقي [ (4) ] وفيه انقطاع بين المطلب وعائشة. وقال محمد بن يوسف الفريابي: قال ابن عيينة: سمعت أبا الحويرث الدرقي يذكر عن نافع بن جبير بن مطعم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد أمرت بالسواك حتى خفت أن يدردني. هكذا ذكره مرسلا، وحدثنا إسرائيل، وحدثنا   [ (1) ] (المستدرك) : 1/ 58، كتاب الطهارة، حديث رقم (556) ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه، إنما اتفقا على حديث علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان عام الفتح صلى الصلوات كلها بوضوء واحد، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم، وله شاهد في الكتابين من حديث بريدة. [ (2) ] (سنن البيهقيّ) : 7/ 49، كتاب النكاح، باب ما روى عنه من قوله: «أمرت بالسواك حتى خفت أن يدردني» . [ (3) ] المرجع السابق. [ (4) ] (المرجع السابق) : 7/ 50. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 45 أبو إسحاق عن التميمي واسمه أربدة قال: قلت لابن عباس: أرأيت السواك؟ فقال: ما زال يذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى ظن أنه سينزل عليه فيه شيء. وخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من طريق ليث عن أبي بردة عن أبي المليح بن أسامة عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب عليّ. وخرّجه الطبراني في (المعجم الكبير) من طريقين مدارهما على ليث بن أبي سليم بن زنيم أبي بكر القرشي مولاهم. ضعفه ابن معين والنسائي. وخرّجه ابن ماجة [ (2) ] من حديث أبي أمامة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرض عليّ وعلى أمتي، ولولا خشيت أن أشق على أمتي لفرضته عليهم، وإني لأستاك حتى أني تخشيت أن يدرد مقادم فمي إلا أن في سنده من تكلم فيه. وخرّج الإمام أحمد [ (3) ] من طريق شريك عن أبي إسحاق عن التميمي، عن ابن عباس قال: قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكثر السواك حتى رأينا أو خشينا أنه ينزل عليه. وخرّج الطبراني في (الأوسط) من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- بلفظ غير هذا. وخرّج البزار من طريق عمران بن خالد الخياط، عن ثابت عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمرت بالسواك حتى خشيت ادرادا وحتى خشيت على أمتي وأسناني.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 544، حديث رقم (15577) من حديث واثلة بن الأسقع. [ (2) ] (سنن ابن ماجة) : 1/ 106، كتاب الطهارة وسننها، باب (7) السواك، حديث رقم (289) باختلاف يسير في اللفظ. [ (3) ] (مسند أحمد) : 1/ 469، حديث رقم (2568) ، من مسند عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 46 واستدل من رأى أن السواك لم يكن واجبا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنما كان مستحبا برواية أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب عليّ، وطرقها كلها معلولة فتأملها. تنبيه هل المراد بوجوب السواك في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنسبة إلى الصلاة المفروضة؟ أو في النافلة أيضا؟ أو في الأحوال التي أكدها في حقنا؟ أو ما هو أعم من ذلك؟ وساق حديث عبد اللَّه بن حنظلة المتقدم أولا، يقول بوجوبه عليه مطلقا، وقال ابن الرفعة في (الكفاية) : إنه لم يصح أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعل السواك إلا عند القيام إلى الصلاة، وعند تغيير الفم، ثم قال: فإن قلت: قد روى مسلم عن شريح بن هانئ سألت عائشة عن أي شيء كان يبدأ به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك [ (1) ] ولفظه كان يؤذن بالدوام، ثم أجاب يحتمل أن يكون فعل ذلك لأجل تغيير حصل في فمه، ثم استبعده بأن في رواية النسائي عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي ركعتين، ثم ينصرف فيستاك.   [ (1) ] (جامع الأصول) : 7/ 177، حديث رقم (5175) ، ورواه أبو داود برقم (51) ، (56) ، (57) في الطهارة، باب في الرجل يستاك بسواك غيره، وباب السواك لمن قام الليل، ومسلم برقم (253) في الطهارة، باب السواك، والنسائي في الطهارة، باب السواك في كل حين. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 47 المسألة السابعة: مشاورة ذوي الأحلام في الأمور قال ابن سيده: وأشار عليه بأمر كذا، أمره به، وهي الشورى، والمشورة مفعلة، ولا تكون مفعولة لأنها مصدر، والمصادر لا تجيء على مثال مفعول، وإن جاءت على مثال مفعول، وكذلك المشورة، وشاور مشاورة وشوارا، واستشاره طلب منه المشورة. وقال الراغب [ (1) ] : والمشاورة واستخراج صائب الرأي عن الغير، واشتقاقه من شرت العسل وشورته إذا أظهرت ماله من الجري. قلت اختلف في مشاورة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، هل كانت واجبة عليه، أو مستحبة؟ فالصحيح عند أصحابنا أنها كانت واجبة عليه لقوله- تعالى-: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [ (2) ] وظاهر الأمر الوجوب وذهب قوم إلى أنها كانت مستحبة، وقاسوا ذلك على غيره، وقالوا: الأمر للاستحباب من أجل استمالة قلوب أصحابه وحكى ذلك ابن القشيري عن نص الشافعيّ- رحمه اللَّه-، وأنه جعله كقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: والبكر تستأمر تطبيبا لقلبها، إلا أنه واجب، وهو قول الحسن، فإنه قال: قد [فعله حتى] يستن به من بعده. وفي رواية: لقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غنيا عن المشاورة، ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده. وقال الشافعيّ- رحمه اللَّه-: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهريّ، قال: قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ما رأيت أحدا أكثر   [ (1) ] لفظ الراغب: التشاور، والمشاورة، والمشورة: استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض، من قولهم: شرت العسل إذا اتخذته من موضعه، واستخرجته منه، قال- تعالى-: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، والشورى: الأمر الّذي يتشاور فيه، قال- تعالى-: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ. (المفردات في غريب القرآن) : 270. [ (2) ] آل عمران: 159. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 48 مشورة لأصحابه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . ورواه الإمام أحمد وعبد الرزاق، وفي (سنن البيهقيّ) ، وفي إسناده انقطاع. وروى أبو عبد الرحمن السلمي، من طريق محمد بن يزيد بن عبادة بن كثير، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: لما نزلت هذه الآية: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [ (2) ] ، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه ورسوله غنيان عنها، ولكن جعلها رحمة في أمتي، فمن شاور منهم لم يعدم رشدا، ومن ترك المشورة منهم لم يعدم غيا، فعلى هذا لا تبقى المشورة من الخصائص. وقال الراغب: وقيل: كان سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم، فأمر اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بمشاورة أصحابه لئلا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم، قال- تعالى-: فَإِذا عَزَمْتَ [ (3) ] أي قطعت الرأي على شيء بعد الشورى فتوكل على اللَّه في إمضاء أمرك وقرئ: فَإِذا عَزَمْتَ [ (4) ] بضم التاء أي عزمت لك على شيء فتوكل عليّ ولا تشاور بعد ذلك أحدا، والعزم ثبات الرأي على الأمر، نحو اجتماع الرأي، والتوكل على اللَّه الثقة به، والوقوف حيثما وقف، ونبه- تعالى- بقوله: فَبِما رَحْمَةٍ [ (5) ] على نعمته علي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أولا، وعلى أمته ثانيا، وأمر بالعفو عن تقصيرهم فيما يلزمهم له، وأن يستغفر لهم من ذلك، ثم أمره بإجراء نفسه أحدهم في الرأي، الّذي هو خاص بالإنسان، وقال- تعالى-: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [ (6) ] أي فإن قاربتهم هذه المقاربة فليكن اعتمادك على اللَّه [وتوكلك عليه] ، ومشاورته صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه ليقتدي به غيره، وقيل: تطيبا لقلوبهم.   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] آل عمران: 159. [ (3) ] آل عمران: 159. [ (4) ] آل عمران: 159. [ (5) ] آل عمران: 159. [ (6) ] آل عمران: 159. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 49 وأما ما استشار فيه فهو الأمور الممكنات المتقاربة باختيار الفاعل قال جامعه: قال الماورديّ: واختلف فيما يشاور فيه، فقال قوم: في الحروب ومكايدة العدوّ خاصة، وقال آخرون: في أمور الدنيا دون الدين، وقال آخرون: في أمور الدين بينها لهم على علل الأحكام، وطريق الاجتهاد، وقال الثعلبي: اختلف في المعنى الّذي أمر اللَّه- تعالى- نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمشاورة لهم فيه، مع كمال عقله، وجزالة رأيه، وتتابع الوحي عليه، ووجوب طاعته على أمته، فيما أحبوا أو كرهوا. فقيل: هو خاص في المعنى، وإن كان عاما في اللفظ، ومعنى الآية: ومشاورتهم فيما ليس عندك فيه من اللَّه- تعالى- عهد، يدل عليه قراءة ابن مسعود: «وشاورهم في بعض الأمر» ، وقال ابن الكلبي: ناظرهم لقاء العدو، ومكايد الحروب عند الغزو، وقال الراغب: وأما القصد بالاستشارة فتارة لاستضاءة المستشير برأي المستشار، أو لئلا يلزم إن استبد فيتفق وقوعه بخلاف إيراده، ولهذا قيل: الاستشارة حصن من الندامة، وأمن من الملامة، وتارة طلبا لهداية المستشار، إما لأن يبين له خطأ رأيه إن كان له رأي خطأ في ذلك الأمر، وإما أن لا يعتقد هو أو غيره أن الاستبداد فضيلة فيستبد رأيه فيما ربما يؤدي إلى فساد، وإما لإكرامه وتعظيمه، فإذا تقرر هذا فأمور النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تنفعك من أن يكون شيئا دنياويا، أو كان دينيا فمعلوم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم غير محتاج إلى الاستضاءة برأي غيره من البشر، لما أمده اللَّه- تعالى- به من النور الإلهي، وما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يستشيرهم في شيء من أصول الشريعة، ولكن ربما كان يستشيرهم في بعض فروعها، التي هي مسائل الاجتهاد، نحو ما روي أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم استشارهم في شعار يرفع للصلاة، ومثل ذلك تشريف لهم أولا، وتنبيه على أن ما سبيله الاجتهاد فحقه الاستعانة فيه بالآراء الكثيرة الصحيحة، لينقدح منها الصواب. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 50 وأما ما كان من الأمور الدنياوية كالمساحة، والكتاب، والحساب فمعلوم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مستعينا بغيره في كثير منها، بل صرح في ذلك بكونهم أعرف بها منه، فيما روى أنه لما ورد المدينة وجد أهلها يأبرون نخيلهم فقال: ما أرى أن ذلك ينفع فتركوه، فتبين نقص ثمارهم في تركه، فعاودوه، فقال: ما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به، وأنا أعلم بأمور آخرتكم [ (1) ] . واعترض العلامة شرف الدين أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن محمد المرسي، على الراغب في هذا المثال، فقال: هذا الأمر من الأمور التي لا يستشار فيها، لأنها راجعة إلى ما أجرى اللَّه- تعالى- العادة فيها، فمن لم يعلم جري العادة في أن الثمار إذ لم تؤبر يسقط ثمرها، فإن الإبار لا ينفع، ومن علم جري العادة فيها قال: إن ذلك نافع، وإذا كان كذلك فلا معنى للاستشارة في ذلك، وإنما صلّى اللَّه عليه وسلّم لما لم يعلم جري العادة في ذلك قال: ما أرى أن ذلك ينفع، ثم قال لهم: أنتم أعلم بأمر دنياكم، قلت: والراغب يبعد من الصواب، فإن منعه لهم من الثابت، إن لم يكن رأيا أشار به فإنه في معناه، بدليل أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجع عن قوله الأول في المنع، وأقرهم على التأبير ولو لم يكن منعه لهم أشار به، لما رجع عنه. قال الراغب: وعلى هذا ما يتعلق بأمر الحرب، مثل تهييجها تارة، وتليينها أخرى، والمن والافتداء تارة [ (2) ] ، ولذلك لما هم صلّى اللَّه عليه وسلّم بمصالحة عيينة بن حصن على ثلث ثمار المدينة، قيل له: إن كان ذلك بوحي فسمعا وطاعة، وإن   [ (1) ] أبر النخل والزرع يأبره ويأبره أبرا وإبارا وإبارة. وأبره أصلحه، وتأبير النخل تلقيحه، ويقال: نخلة مؤبرة مثل مأبورة، والاسم منه الإبار على وزن الإزار. (لسان العرب) : 4/ 4- 3 مختصرا. [ (2) ] إشارة إلى قوله- تعالى-: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ [محمد: 4] . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 51 كان برأي رأيته فليس ذلك بصواب، فترك رأيه لرأيهم، فثبت أن ما يتعلق بالأمور الدنيوية، فحال الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وغيره فيه، سواء، والمشاورة فيه مستحسنة له ولغيره. قال المرسي: الأمور الممكنة على ضربين، منها ما جعل اللَّه- تعالى- فيه عادة مطردة تنخرم، فهذا مما لا يستشار فيه، بل من علم العادة كان أعلم ممن لا يعلمها. والضرب الثاني: ما كانت العادة فيه أكثر، ورأيه فيها أصوب، ألا ترى أن من حاول التجارة علم وقت رخصها، وغلائها، وما يصلح، فيستشار فيها لعلمه بالأكثر وقوعا من الصلاح فيها، ولهذا ينبغي أن يستشار أرباب كل فن في فنهم، والاستشارة لا تعدو هذا، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. قلت: صحيح ما أورده المرسيّ، ومع صحته فلا يمنع كون مصالحة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عيينة أو همّه بمصالحته، كان رأيا من عند نفسه، بحسب ما رآه من مصلحة الناس، وهو مأخوذ من المشورة، فكأنه أشاد بهذا، بل الحديث مصرح به فتأمله [ (1) ] .   [ (1) ] قال الحافظ ابن كثير: قد ادعى بعض العلماء أن هذه الآية المخيرة بين مفاداة الأسير والمنّ عليه منسوخة بقوله- تعالى-: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ رواه العوفيّ عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وقاله الضّحاك، وقتادة، والسديّ، وابن جريح: وقال الآخرون- وهم الأكثرون-: ليست بمنسوخة. ثم قال بعضهم: إنما الإمام مخير بين المن على الأسير ومفاداته فقط، ولا يجوز له قتله. وقال آخرون منهم: بل له أن يقتله إن شاء، لحديث قتل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم النضر بن الحارث، وعقبة ابن أبي معيط من أسارى بدر، وقال ثمامة بن آثال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قال له: «ما عندك يا ثمامة؟ فقال: إن تقتل، تقتل ذا دم، وإن تمنن على شاكر، وإن كنت تريد المال فاسأل تعط منه ما شئت. وزاد الشافعيّ- رحمة اللَّه عليه- فقال: الإمام مخير بين قتله، أو المن عليه، أو مفاداته، أو استرقاقه أيضا. (تفسير ابن كثير) : 4/ 186، سورة محمد. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 52 المسألة الثامنة: كان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم مصابرة العدو وإن كثر عددهم، والأمة إنما يلزمهم الثبات إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف ولم يبوب البيهقيّ- رحمه اللَّه- على هذه الخصوصية في (سننه) ، ولكن يستدل لذلك بقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم لعروة في جملة كلامه لما خرج إليه يوم الحديبيّة: فإن أبوا فو اللَّه لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي، يريد صلّى اللَّه عليه وسلّم قريشا. ويستدل أيضا بما وقع في يوم أحد فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفرد في اثنى عشر رجلا أو نحوهم، والعدو إذ ذاك نحو ثلاثة آلاف، ومثل ذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفرد يوم حنين كما هو مشهور في السير ومرّ ذكره، وسيمر إن شاء اللَّه- تعالى-. ومن ذلك ما ذكره الماورديّ في كتاب (الحاوي) أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا بارز رجلا في الحرب لم يكفّ عنه قبل قتله. ومنه أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم ينفر من الزحف وثبت بإزاء عدوّه وإن كثروا، ويمكن أن يستدل لذلك بأن الفرار والتولي من الزحف إنما هو تخوف القتل، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم معصوم من ذلك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 53 المسألة التاسعة: كان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا رأى منكرا أن ينكره ويغيّره إنما يلزمه ذلك عند الإمكان ووجهه أن اللَّه- تعالى- وعده بالعصمة والحفظ، فقال- سبحانه-: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ (1) ] الآية. وقد ثبت في (الصحيحين) [ (2) ] وغيرهما من حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: ما خيّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أمرين إلا أحب أيسرهما ما لم يكن إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة اللَّه، فينتقم للَّه بها. ووجوب تغيير المنكر سببه أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مرّ عليه يظن جوازه، وقد قرر الآمديّ ذلك، فقال: وفرق ما إذا كان الفعل الصادر من كافر أو مسلم، فإن كان من كافر لم يدل على الجواز لما تقرر من كفره، وإن كان من مسلم فإن كان سبق منه تحريم ذلك الفعل، فسكوته يدل على النسخ، وإن لم يسبق، فيدلّ على الجواز، وأورد النووي في (الروضة) [ (3) ] سؤالا، فقال: قد يقال: هذا ليس من الخصائص، بل كل مكلف يتمكن من إزالة المنكر يلزمه تغييره، ثم أجاب   [ (1) ] المائدة: 67. [ (2) ] رواه البخاريّ في الأنبياء، باب صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي الأدب، باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يسروا ولا تعسروا» وفي الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات اللَّه، وفي المحاربين، باب كم التعزيز والأدب، ومسلم رقم (2327) في الفضائل، باب مباعدته صلّى اللَّه عليه وسلّم للآثام، والموطّأ 2/ 903 في حسن الخلق، باب ما جاء في حسن الخلق، وأبو داود رقم (4785) في الأدب، باب التجاوز في الأمر. (جامع الأصول) : 11/ 248- 249. [ (3) ] (روضة الطالبين) : 5/ 347، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 54 بأن المراد أنه لا يسقط عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم للخوف، فإن معصوم بخلاف غيره، واللَّه- تعالى- أعلم. المسألة العاشرة: كان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم قضاء دين من مات من المسلمين معسرا عند اتساع المال [ (1) ] خرّج البخاريّ في آخر كتاب الكفالة [ (2) ] ، وفي آخر كتاب النفقات [ (3) ] ، من طريق يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب. وخرّج مسلم في آخر كتاب الفرائض [ (4) ] من طريق ابن وهب، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة   [ (1) ] قال الإمام النووي في (المرجع السابق) : وكان عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم قضاء دين من مات من المسلمين معسرا. وقيل: كان يقضيه تكرما. وقال في هامشه: وقيد الإمام محل الوجهين بما إذا صدر منه مطل ظلم به ومات، قال: فأما إذا لم يملك في حياته ما يؤديه ولم ينسب إلى المطل والتسويف لم يقض دينه من بيت المال، لأنه لقي اللَّه- تعالى- ولا مظلمة عليه، قال: وحيث أوجبناه فشرطه اتساع المال، وفضله عن مصالح الأحياء. [ (2) ] (فتح الباري) : 4/ 597- 598، كتاب الكفالة، باب (3) من تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع، وبه قال الحسن، حديث رقم (2295) . [ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 643- 644، كتاب النفقات، باب (15) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «من ترك كلا أو ضياعا فإلي» ، حديث رقم (5371) ، باختلاف يسير في اللفظ. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 65- 66، كتاب الفرائض، باب (4) من ترك مالا فلورثته، حديث رقم (1619) . قال الإمام النوويّ: إنما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يترك الصلاة عليه ليحرض الناس على قضاء الدين في حياتهم، والتوصل إلى البراءة منها، لئلا تفوتهم صلاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما فتح اللَّه عليه عاد يصلي عليهم، ويقضي دين من لم يخلف وفاء. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 55 - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يؤتى بالرجل عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه من قضاء؟ فإن حدّث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: صلوا على صاحبكم، فلما فتح اللَّه- تعالى- الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين فعلى قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته، قال البخاريّ: فمن توفى من المؤمنين فترك دينا فعليّ قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته. وخرّج البخاريّ في كتاب الفرائض [ (1) ] من طريق يونس عن ابن شهاب، حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته. وخرّجه في باب الاستقراض [ (2) ] ، ولفظه: ما من مؤمن إلا أنا أولى به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ (3) ] فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا   [ () ] وفيه الأمر بصلاة الجنازة، وهي فرض كفاية، وقد قيل: إنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقضيه من مال مصالح المؤمنين، وقيل: من خالص مال نفسه، وقيل: كان هذا القضاء واجبا عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: تبرع منه صلّى اللَّه عليه وسلّم، والخلاف وجهان لأصحابنا وغيرهم. واختلف أصحابنا في قضاء دين من مات وعليه دين، فقيل: يجب قضاؤه من بيت المال، وقيل: لا يجب. ومعنى هذا الحديث: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا قائم بمصالحكم حياة أحدكم وموته، وأنا وليه في الحالين، فإن كان عليه دين قضيته من عندي إن لم يخلف وفاء، وإن كان له مال فهو لورثته، لا أخذ منه شيئا، وإن خلف عيالا محتاجين ضائعين فليأتوا إلي فعلي نفقتهم ومؤنتهم. (شرح مسلم) مختصرا. [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 8- 9، كتاب الفرائض، باب (4) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «من ترك مالا فلأهله» ، حديث رقم (6731) . [ (2) ] (المرجع السابق) : كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس باب (11) الصلاة على من ترك دنيا، حديث رقم (2399) . [ (3) ] الأحزاب: 6. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 56 فليأتني فأنا مولاه. وخرّجاه من طريق آخر، وحكى الإمام وجها أنه لم يكن واجبا عليه، بل كان يفعله تكرما. وبه جزم الماورديّ. وقال النووي في (شرح مسلم) [ (1) ] كان يقضيه من مال المصالح وقيل: من خالص ماله، وقال الإمام في (النهاية) : أشعر قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: من ترك ضياعا، أو دينا فعليّ بالوجوب عليه، ومن قال: كان ذلك تكرما فهو غير سديد، لأن وعده صلّى اللَّه عليه وسلّم حق وصدق، فلا يجوز تقدير خلافه. انتهى، على القول الأول: هل يجب ذلك على الأئمة بعده فيقومون به من مال المصالح؟ وجهان، وقد جاء في رواية قيل: يا رسول اللَّه وعلى كل إمام بعدك؟ قال: وعلى كل إمام بعدي حكاية الوجهين وفي الإطلاق نظر، لأن من استدان وبقي معسرا حتى مات، لم يقض دينه من بيت المال. واللَّه- تعالى- أعلم. المسألة الحادية عشر: كان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا رأى شيئا يعجبه أن يقول: لبيك إن العيش عيش الآخرة [ (2) ] ذكره الرافعي بصيغة قيل، وجزم به ابن القاصّ في (تلخيصه) لكن لفظه فيه: كان إذا رأى شيئا يعجبه قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة. وقال البيهقيّ في كتاب (السنن) [ (3) ] كان إذا رأى شيئا يعجبه، ثم قال: هذه كلمة صدرت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أنعم حاله يوم حجه بعرفة، ثم ساقه بإسناده، وفي أشد حاله يوم الخندق، ثم ساقه بإسناده.   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] (روضة الطالبين) : 5/ 348، كتاب النكاح، باب خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره. [ (3) ] (سنن البيهقيّ) : 7/ 48، كتاب النكاح، باب كان إذا رأى شيئا يعجبه قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 57 خرّج البخاريّ من طريق قتيبة، حدثنا عبد العزيز، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخندق وهو يحفر ونحن ننقل التراب على أكتافنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار. ذكره في غزوة الخندق [ (1) ] كذلك، وذكره في كتاب المناقب [ (2) ] ، وفي أول كتاب الرقاق [ (3) ] ، ولفظه فيهما: اللَّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة. وخرّجه مسلم [ (4) ] من طريق عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعيد قال: جاءنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن نحفر الخندق وننقل التراب على أكتافنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار. وأخرجاه من حديث أنس، وفيه زيادة. وقال الشافعيّ: أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، أخبرني حميد الأعرج، عن مجاهد أنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يظهر التلبية: لبيك اللَّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، قال: حتى إذا كان ذات يوم والناس منصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه، فزاد فيها: لبيك إن العيش عيش الآخرة. قال ابن جريج: وأحسب أن ذلك كان يوم عرفة. قال مؤلفه: ليس في هذين الحديثين ما يقتضي الوجوب، وغاية ما فيهما استحباب مثل ذلك، وقد قيل به في حق المكلفين، ومع هذا الحديث فقول مجاهد مرسل، وقول ابن جريج منقطع.   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 498- 499، كتاب المغازي، باب (30) غزوة الخندق وهي الأحزاب، قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع، حديث رقم (4098) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 149، كتاب مناقب الأنصار، باب (9) دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أصلح الأنصار والمهاجرة، حديث رقم (3797) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 11/ 275، كتاب الرقاق، باب (1) ما جاء في الرقاق، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة، حديث رقم (6414) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 414، كتاب الجهاد والسير، باب (44) غزوة الأحزاب وهي (الخندق) ، حديث رقم (126) ، (127) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 58 المسألة الثانية عشر: كان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا فرض الصلاة [صلاها] كاملة لا خلل فيها قاله القاضي الماوردي. المسألة الثالثة عشر: كان يلزمه صلّى اللَّه عليه وسلّم إتمام كل تطوع يبتدأ به حكاه البغوي عن بعضهم. المسألة الرابعة عشر: أنه كان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يدفع بالتي هي أحسن قاله ابن القاصّ، ودليله قوله- تعالى-: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ (1) ] قال ابن عطية: آية جمعت مكارم الأخلاق، وأنواع الحلم، والمعنى: ادفع أمورك وما يعرضك مع الناس ومخالطتك لهم بالفعلة، أو باليسيرة التي هي أحسن السير والفعلات. فمن ذلك السلام، وحسن الأدب، وكظم الغيظ، والسماحة في العطاء، والاقتضاء وغير ذلك. قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: إذا فعل المؤمن هذه الفضائل عصمه اللَّه من الشيطان، وخضع له عدوه. وفسر مجاهد وعطاء هذه الآية بالسلام عند اللقاء، ولا شك أن السلام مبدأ الدفع بالتي هي أحسن، وهو جزء منه.   [ (1) ] فصلت: 34. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 59 المسألة الخامسة عشر: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلف وحده من العلم ما كلف الناس بأجمعهم ذكره ابن القاصّ، واستشهد له بما خرّجه البيهقيّ من طريق يونس، عن الزهريّ قال: أخبرني حمزة بن عمر، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: بينما أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت منه، حتى أني لأرى الريّ يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي يعني عمر قال: فما أولته يا رسول اللَّه؟ قال: العلم [ (1) ] ، وسيأتي بطرقه إن شاء اللَّه- تعالى- في المنامات النبويّه. المسألة السادسة عشر: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يغان على قلبه فيستغفر اللَّه ويتوب إليه في اليوم سبعين مرة خرّج مسلم [ (2) ] من طريق حماد بن زيد، عن ثابت، عن أبي بردة، عن الأغر، وكانت له صحبة- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر اللَّه في اليوم مائة مرة.   [ (1) ] سبق تخريجه، وسيأتي له مزيد بيان إن شاء اللَّه- تعالى-. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 26- 27، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب (12) استحباب الاستغفار والاستكثار منه، حديث رقم (41) . قال القاضي: قيل المراد الفترات والغفلات عن الذكر الّذي كان شأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم الدوام عليه، فإذا فتر أو غفل عدّ ذلك ذنبا، واستغفر منه، قال: وقيل هو همه بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالها بعده، فيستغفر لهم، وقيل: سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته وأمورهم ومحاربة العدو، ومداراته، وتأليف المؤلفة، ونحو ذلك فيشتغل بذلك من عظيم مقامه فيراه ذنبا بالنسبة إلى عظيم منزلته، وإن هذه الأمور من أعظم الطاعات، وأفضل الأعمال، فهي نزول عن أعالي درجته ورفيع مقامه من حضوره مع اللَّه- تعالى-، ومشاهدته، ومراقبته وفراغه مما سواه، فيستغفر لذلك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 60 قال أبو زكريا النووي: والمراد به هنا ما يتغشى القلب. قال القاضي يعني أبا الفضل عياض-: قيل: المراد الفترات والغفلات عن الذكر الّذي شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل عدّ ذلك ذنبا واستغفر منه، قال: وقيل: سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته، وأمورهم، ومحاربة العدوّ ومداراته، وتألف المؤلفة، ونحو ذلك، فيشتغل بذلك عن عظيم مقامه، فيراه ذنبا بالنسبة إلى عظيم منزلته، وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات، وأفضل الأعمال، فهي نزول عن عالي درجته، ورفيع مقامه، في حضوره مع اللَّه- تعالى-، ومشاهدته، ومراقبته وفراغه مما سواه، فيستغفر لذلك. وقيل: إن هذا الغين هي السكينة التي تغشي قلبه لقوله- تعالى-: فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ [ (1) ] ويكون استغفاره إظهارا للعبودية والانقياد، وملازمة الخضوع، وشكرا لما أولاه، وقد قال المحاسبي: خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام، وإن كانوا آمنين من عذاب اللَّه. وقيل: يحتمل أن هذا الغين حال خشية وإعظام، تغشي القلب، ويكون استغفاره شكرا كما سبق، وهو شيء يعتري القلوب الصافية، كما تتحدث به النفس فهو يشبهها.   [ () ] وقيل يحتمل أن هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه لقوله- تعالى-: فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ [الفتح: 18] . ويكون استغفاره إظهار للعبودية والافتقار، وملازمة الخشوع، وشكرا لما أولاه، وقد قال المحاسبي: خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام، وإن كانوا آمنين عذاب اللَّه- تعالى-، وقيل يحتمل أن هذا الغين حال إعظام يغشي القلب ويكون استغفاره شكرا كما سبق، وقيل: هو شيء يعتري القلوب الصافية مما تتحدث به النفس، فهو شأنها واللَّه- تعالى- أعلم. [ (1) ] الفتح: 18. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 61 المسألة السابعة عشر: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يؤخذ عن الدنيا عند تلقى الوحي وهو مطالب بأحكامها عند الأخذ عنها [ (1) ] وقد تقدم الكلام في كيفية تلقي الوحي. المسألة الثامنة عشر: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس والكلام [ (2) ]   [ (1) ] (السنن الكبرى للبيهقي) : 7/ 52، كتاب النكاح، باب كان يؤخذ عن الدنيا عند تلقى الوحي، وهو مطالب بأحكامها عند الأخذ عنها. [ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 51، كتاب النكاح باب ما كان مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس والكلام. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 62 وأما الواجب المتعلق بالنكاح وهو القسم الأول من الواجبات فكان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم تخيير زوجاته بين اختيار زينة الدنيا ومفارقته وبين اختيار الآخرة والبقاء في عصمته ولا يجب ذلك على غيره قال اللَّه- جل جلاله-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [ (1) ] . ومعنى الآية: أن اللَّه- تعالى- يقول لنبيه محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا محمد قل لأزواجك: إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن، يقول: فإنّي أمتعكن ما أوجب اللَّه على الرجال لنسائهم، من المتعة عند فراقهم إياهن بالطلاق، بقوله- تعالى-: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [ (2) ] وقوله- تعالى-: وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [ (3) ] يقول: وأطلقكن على ما أذن اللَّه به، وأدّب به عباده بقوله- تعالى-: إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [ (4) ] ، إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (5) ] ، وإن كنتن تردن طاعة اللَّه وطاعة رسوله، ورضى اللَّه، ورضى رسوله، فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [ (6) ] .   [ (1) ] الأحزاب: 28- 29. [ (2) ] البقرة: 236. [ (3) ] الأحزاب: 28. [ (4) ] الطلاق: 1. [ (5) ] الأحزاب: 29. [ (6) ] الأحزاب: 29. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 63 وقد اختلف سلف الأمة في سبب نزول هذه الآية على أقوال تسعة: إحداها: أن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا من عرض الدنيا إما زيادة في النفقة أو غير ذلك فاعتزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نساءه شهرا فيما ذكر ثم أخبره اللَّه تعالى أن يخيرهن بين الصبر عليه والرضي بما قسم لهن، والعمل بطاعة اللَّه تعالى وبين أن يمتعهن ويفارقهن إن لم يرضين بالذي يقسم لهن خرّج محمد بن جرير الطبريّ من طريق ابن علية عن أيوب عن أبي الزبير أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يخرج صلوات فقالوا: ما شأنه؟ فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إن شئتم لأعلمن لكم ما شأنه، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعل يتكلم ويرفع صوته، حتى أذن له، قال: فجعلت أقول في نفسي: أي شيء أكلم به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعله ينبسط أو كلمة نحوها؟ فقلت: يا رسول اللَّه! لو رأيت فلانة وسألتني النفقة وصككتها صكة، فقال: ذاك حبسني عنكم، قال: فأتى حفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقال: لا تسألي رسول اللَّه شيئا، ما كانت لك من حاجة فإليّ، ثم تتبع نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعل يكلمهن، فقال لعائشة: أيغرك أنك امرأة حسناء وأن زوجك يحبك؟ لتنتهينّ أو لينزلنّ اللَّه فيكنّ القرآن. قال: فقالت له أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا ابن الخطاب: أو ما بقي لك إلا أن تدخل بين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبين نسائه؟ فمن تسأل المرأة إلا زوجها؟ قال: ونزل القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [ (1) ]   [ (1) ] الأحزاب: 28- 29 وتمامها: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 64 إلى قوله- تعالى-: أَجْراً عَظِيماً قال: فبدأ بعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فخيرها وقرأ عليها القرآن، فقالت: هل بدأت بأحد من نسائك قبلي؟ قال: لا، قالت: فإنّي أختار اللَّه ورسول والدار الآخرة، ولا تخيرهن بذلك، قال: ثم تتبعهن، فجعل يخبرهن ويقرأ عليهنّ القرآن، ويخبرهن بما صنعت عائشة، فتتابعن على ذلك. وخرّج من طريق سعيد عن قتادة قال: قال الحسن وقتادة: خيرهن بين الدنيا والآخرة، والجنة والنار، في كل شيء كن أردنه من الدنيا. ثانيها: في غيرة كانت غارتها عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: وقال عكرمة: في غيرة كانت غارتها عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، وكان تحته يومئذ تسع نسوة، خمس من قريش: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة ابنة أبي سفيان، وسودة ابنة زمعة، وأم سلمة ابنة أبي أمية، وكانت تحته صفية ابنة حيي الخيبرية، وميمونة ابنة الحارث الهلالية، وزينب ابنة جحش الأسدية، وجويرية ابنة الحارث، فاختارت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- اللَّه ورسوله والدار الآخرة، رئي الفرج في وجهه، فتتابعن كلهن على ذلك، واخترن اللَّه ورسوله والدار الآخرة. وخرّج من طريق عبد الأعلى قال: حدثنا سعيد عن قتادة، عن الحسن وهو قول قتادة قالا: أمره أن يخيرهن بين الدنيا، والآخرة، والجنة، والنار قال قتادة: وهي غيرة من عائشة في شيء أرادته من الدنيا وكانت تحته تسع نسوة، فذكرهن. قال: فبدأ بعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وكانت أحبهن إليه، فلما اختارت اللَّه ورسوله والدار الآخرة، رئي الفرج في وجهه فتتابعن على ذلك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 65 ثالثها: أن نسائه يغايرن عليه خرّج أبو جعفر من طريق ابن وهب، قال: قال ابن زيد كان أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد تغايرن عليه [ (1) ] فهجرهن شهرا، ثم نزل التخيير من اللَّه فيهن، فخيرهن بين أن يخترن أن يخلي سبيلهن ويسرحهن، وبين أن يخترن إن أردن اللَّه ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين لا نتكحن [بعده] أبدا، وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن لمن وهبت نفسها له، حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ويرجي من يشاء حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ومن ابتغى ممن هي عنده وعزل، فلا جناح عليه، ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ [ (2) ] . قال: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ [ (3) ] من ابتغى أصابه، ومن عزل لم يصبه، فخيرهن بين أن يرضين بهذا أو يفارقهن، فاخترن اللَّه ورسوله، إلا امرأة. شرط اللَّه له هذا الشرط ما زال يعدل بينهن حتى لقي اللَّه، قال الغزالي: لأن الغيرة توغر الصدور، وتنفر القلب، وتوهن الاعتقاد. رابعها: أنهن أجمعن وقلن: نريد كما تريد النساء من الحلي والثياب فطالبنه بذلك، وليس عنده فتأذى، والزامهنّ الصبر على الفقر يؤذيهن، ومطالبتهن له بذلك يؤذيه، فأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بإلقاء زمام الأمر إليهن ليفعلن ما يخترنه، ونزه اللَّه- تعالى- منصبه العالي عن التأذي والإيذاء. خامسها: أن بعض نسائه التمست منه خاتما من ذهب فاتخذ لها خاتم فضة وصفّره بالزعفران فتسخّطت   [ (1) ] في (الأصل) : «كان أزواجه قد تغايرن على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما أثبتناه أجود للسياق. [ (2) ] الأحزاب: 51. [ (3) ] الأحزاب: 51. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 66 سادسها: أن اللَّه سبحانه امتحنهن بالتخيير ليكون لرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم خير النساء سابعها: أن اللَّه تعالى خيره صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الغنى والفقر فأمره تعالى بتخيير نسائه لتكون من اختارته موافقة لاختياره وعبارة الرافعي أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم آثر لنفسه الفقر والصبر عليه، فأمر بتخييرهن لئلا يكون مكرها لهن على الفقر والصبر. وقال الشافعيّ [ (1) ] : إن من ملك زوجة فليس عليه تخييرها، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يخير نساءه فاخترنه، وحمله ذلك أن اللَّه- تعالى- خير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أن يكون نبيا ملكا، وعرض عليه مفاتيح خزائن الدنيا، وبين أن يكون نبيا مسكينا، فشاور جبرئيل، فأشار عليه بالمسكنة، فاختارها فلما اختارها وهي أعلى المنزلتين، وأمره اللَّه- تعالى- أن يخير زوجاته فربما كان فيهن من يكره المقام معه على الشدة تنزيها له. ثامنها: أن سبب نزول الآية قصة مارية في بيت حفصة   [ (1) ] ونحوه في (البحر المحيط في التفسير) : 8/ 461- 474. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 67 تاسعها: أن سبب شربه صلّى اللَّه عليه وسلّم العسل في بيت زينب بنت جحش وتواطؤ عائشة وحفصة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما على أن يقولا له: إنا نجد منك ريح مغافير ونزل فيهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما [ (1) ] ويترجح من هذه الأقوال ما خرّجه مسلم [ (2) ] من طريق روح بن عبادة قال: حدثنا زكريا بن إسحاق حدثنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال: دخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يستأذن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوجد الناس جلوسا ببابه، لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فدخل، ثم أقبل عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأستأذن، فأذن له، فوجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا حوله نساؤه، واجما، ساكنا، فقال: لأقولن شيئا أضحك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة: فقمت إليها فوجأت عنقها!! فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: هن حولي كما ترى يسألنني النفقة. فقام أبو بكر إلى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يجأ عنقها، وقام عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى حفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يجأ عنقها، يقول: تسألن رسول اللَّه ما ليس عنده؟ قلن: لا واللَّه لا نسأل رسول اللَّه شيئا أبدا ليس عنده، ثم اعتزلهن شهرا، أو تسعا وعشرين يوما، ثم نزلت عليه هذه الآية: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَ   [ (1) ] التحريم: 4. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) 10/ 335- 336، كتاب الطلاق، باب (4) بيان أن تخييره امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية، حديث رقم (1478) . قوله: «لأقولن شيئا يضحك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي بعض النسخ: «أضحك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» ، فيه استحباب مثل هذا، وأن الإنسان إذا رأى صاحبه مهموما حزينا، يستحب له أن يحدثه بما يضحكه ويطيب نفسه، وفيه فضيلة لأبى بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 68 تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [ (1) ] . قال: فبدأ بعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فقال: يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا، أحب ألا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك، قالت: وما هو يا رسول اللَّه؟ فتلا عليها الآية، فقالت: أفيك يا رسول اللَّه أستشير أبوي؟ بل اختار اللَّه ورسوله والدار الآخرة، وأسألك ألا تخبره امرأة من نسائك بالذي قلت، قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها أن اللَّه- عز وجل- لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما ميسرا. قال مؤلفه: في هذا الحديث دليل على أن نساء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طلبن منه عرض الدنيا وإن تغير عليهنّ لذلك، فنزلت آية التخيير [ (2) ] ، وحكى الحناطيّ وجها: أن التخيير لم يكن واجبا عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنما كان مندوبا. وفي آية التخيير [ (1) ] فوائد: وهي أن الزوج إن اعتبر بالنفقة، كان لها خيار الفسخ، وأن المتعة تجب للمدخول بها إذا طلقت، وجواز تعجيلها قبل الطلاق، وأن السراح صريح في الطلاق، وأن المتعة غير مقدرة شرعا، حكى هذه القواعد الخمس الماوردي، وزاد أبو بكر الخفاف في كتاب (الأقسام والخصال) : أن التخيير ليس بطلاق، وأنها متى اختارت فراقه وجب عليه الطلاق، وأن الخيار على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دون سائر أمته، وأنه غير جائز أن يتزوج صلّى اللَّه عليه وسلّم كافرة، وأن أزواجه محرمات على التأبيد، إلا أن تكون مطلقة غير مدخول بها. وهنا فوائد أخر:   [ (1) ] الأحزاب: 28- 29. [ (2) ] الأحزاب: 28- 29. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 69 أحدها: من اختارت من أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الحياة الدنيا هل كان يحصل الفراق بنفس الاختيار؟ وفيه وجهان لأصحابنا: أحدهما: يحصل، كما لو خير غيره زوجته، ونوى تفويض الطلاق إليها، فاختارت نفسها، وأصحهما: لا يحصل، لقوله- تعالى-: فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [ (1) ] ولو حصل الفراق باختيارها لما كان للتسريج معنى، لأنه تخيير بين الدنيا والآخرة، فلا يحصل الفراق باختيار الدنيا، كما لو خير واحد من الأمة زوجته فاختارت الفراق. وفي السراح الجميل تأويلات: أحدها: أن تطلق دون الثلاث، والثاني: أن يوفي فيه المهر والمتعة، والثالث: أنه الصريح من الطلاق دون الكناية، والرابع: حكاه ابن القشيري في (تفسيره) ، وهو أن يكون في مستقبل العدة في طهر لم يجامع فيه. قال الماوردي: هل كان التخيير بين الدنيا والآخرة؟ أو بين الطلاق والمقام؟ فيه قولان للعلماء، أشبههما بقول الشافعيّ الثاني، ثم قال: إنه الصحيح، فعلى الأول لا شيء حتى تطلق، وعلى الثاني فيه وجهان: أحدهما: أن تخييره كتخيير غيره، يرجع فيه إلى نيته ونيتها، وثانيها: أنه صريح في الطلاق لخروجه مخرج التغليظ. وعن أبي عباس الروياني حكاية وجهين، في أن قولها: اخترت نفسي، هل يكون صريحا في الطلاق؟ حكاهما الرافعي عنه، والظاهر أنه ما حكاه الماوردي، فإن قلنا: تحصل الفرقة بالاختيار أو بوقوع الطلاق فطلقها دون الثلاث، ففي كونه رجعيا كما في حق غيره، أو بائنا تغليظا، لأن اللَّه- تعالى- غلظ عليه في التخيير، فيغلظ عليه الطلاق، وجهان: أحدهما: لا يكون السراح جميلا، وثانيهما: نعم لاختيارها الدنيا على الآخرة، فلم تكن من   [ (1) ] الأحزاب: 28. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 70 أزواجه في الآخرة، حكاهما الرافعي عن أبي العباس الروياني أيضا، وهما في (الحاوي) لأبي الحسن الماوردي. ثانيهما: هل يعتبر أن يكون جوابهن على الفور؟ فيه وجهان: أصحهما في أصل (الروضة) [ (1) ] ، لا يجوز فيه التراخي، وبه قطع القاضي ابن كج، ونقل ابن الرفعة في (المطلب) تصحيحه عن (النهاية) ولم يتردد فيه، ودليل ذلك قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: لا تعجلي حتى تستأمري أبويك، واعترض الشيخ أبو حامد بأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم صرح بتراخي خيارها إلى مراجعة أبويها، والكلام في التخيير المطلق. قال الرافعي: وحكاه الإمام عن الأصحاب وهما مبنيان على الوجهين في حصول الفراق، وبنفس الاختيار، فإن قلنا به، وجب على الفور، وإن قلنا: لا، جاز فيه التراخي. قال الإمام: لا يجوز كما لو قال الواحد منا لزوجته: طلقي نفسك، ففي كون جوابها على الفور أو على التراخي قولان. قال الإمام: وبناء هذا الخلاف السابق عندنا في غاية الضعف، لأجل الخبر، وإن قال متكلف: ما جرى من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تخييرا ناجزا في حقها، قلنا: نعم، فلم اكتفي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم باختيارها اللَّه ورسوله، ورآه جوابا عن التخيير، فلا حاصل فيه لذكر الخلاف. وحكى النوراني، والماورديّ، الخلاف في اعتبار الفور وعدمه مع جزمه بحصول الفراق بالاختيار، لكنه بناه على أن الفرقة فرقة طلاق أو فسخ، فيه وجهان، فإن قلنا: فرقة طلاق فهو على الفور، وإلا فعلى التراخي، فإن   [ (1) ] قال الإمام النووي: وهل كان جوابهن مشروطا بالفور؟ وجهان: أصحهما: لا، فإن قلنا بالفور فهل كان يمتد بامتداد المجلس، أم المعتبر ما يعد جوابا في العرف؟ وجهان. وهل كان قولها: اخترت نفسي، صريحا في الفراق؟ فيه وجهان. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 71 فعلناه على الفور فيمتد بامتداد المجلس، أو يعتبر فيه الفورية المعتبرة في الإيجاب والقبول؟ فيه وجهان، حكاهما الرافعي عن الهرويّ. ثالثها: هل كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم طلاق من اختارته؟ فيه وجهان لأصحابنا، أحدهما: وبه قطع الماوردي ونص عليه الشافعيّ في (الأم) نعم، كما يحرم إمساكها لو رغبت عنه، ومكافأة لهن على صبرهن، وبه يشعر قوله- تعالى-: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [ (1) ] فإن التبدل فراقهن، وتزوج غيرهن، ففي تحريمه تحريم مفارقتهن، وأظهرها ما عند الإمام والرافعي في (الشرح الصغير) ، والنووي في (أصل الروضة) [ (2) ] ، لا كما لو أراد واحد من الأمة طلاق زوجته لا يمنع منه، وإن رغبت فيه، ولأن التبدل معناه مفارقتهن أولا، والتزويج بأمثالهن بدلا عنهن، وذلك مجموع أمرين، فلا يقتضي المنع من أولهما. قال الإمام: وادعاء الحجر على الشارع في الطلاق بعيد، وفيه وجه ثالث، أنه يحرم عقب اختيارهن، ولا يحرم إذا انفصل عنه. فإن قلت: يستدل للوجه الأظهر بأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم طلق حفصة وراجعها، وعزم على طلاق سودة، فوهبت يومها لعائشة، قلنا: ذكر الماورديّ أن ذلك كان قبل التخيير، وكذا قصة الإفك، وقول عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لما استشاره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فراق أهله: لم يضيق اللَّه عليك، النساء كثير سواها، لعله كان قبل نزول آية التخيير. وقد قال ابن الجوزي: كان إيلاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم منهن سنة تسع، والتخيير بعدها، لكن اصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم صفية بنت حيي من سبي خيبر سنة سبع وتزوجها.   [ (1) ] الأحزاب: 52. [ (2) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 72 ونقل الماوردي أن تزويجها كان بعد نزول آية التخيير ولا يصح ذلك، لأن التخيير كان بعد الفتح، ففي (صحيح البخاريّ) من طريق مروان بن معاوية قال: حدثنا أبو يعفور، قال: تذكرنا عند أبي الضحى، قال: حدثنا عبد اللَّه بن عباس، قال: أصبحنا يوما ونساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يبكين وعند كل امرأة منهن أهلها، فخرجت إلى المسجد فإذا هو ملآن من الناس، فجاء عمر بن الخطاب فصعد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في غرفة له، فسلم، فلم يجبه أحد، ثم سلم، فلم يجبه أحد، ثم سلم، فلم يجبه أحد، فناداه، فدخل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أطلقت نساءك؟ فقال: لا، ولكن آليت منهن شهرا، فمكث تسعا وعشرين [ليلة] ، ثم دخل على نسائه. ترجم عليه باب هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نساءه في غير بيوتهن [ (1) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 374- 375، كتاب النكاح، باب (93) هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نساءه في غير بيوتهن، ويذكر عن معاوية بن حيدة رفعه: «غير أن لا تهجر إلا في البيت» والأول أصح، حديث رقم (5203) . قوله: «باب هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نساءه في غير بيوتهن» كأنه يشير إلى أن قوله: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ لا مفهوم له، وأنه تجوز الهجرة فيما زاد على ذلك، كما وقع للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من هجره لأزواجه في المشربة، وللعلماء في ذلك اختلاف. قوله: «تذاكرنا عند أبي الضحى فقال: حدثنا ابن عباس «لم يذكر ما تذاكروا به، وقد أخرجه النسائي عن أحمد بن عبد الحكم، عن مروان بن معاوية، بالإسناد الّذي أخرجه البخاريّ فأوضحه، ولفظه: «تذاكر الشهر، فقال بعضنا: ثلاثين، وقال بعضنا تسعا وعشرين، فقال أبو الضحى: ابن عباس» . وكذا أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن مروان بن معاوية، وقال فيه: «تذاكرنا الشهر عند أبي الضحى» . قوله: «دخلت المسجد، فإذا هو ملأن من الناس» هذا ظاهر في حضور ابن عباس هذه القصة، وحديثه الطويل، بل الّذي مضى قريبا يشعر بأنه ما عرف القصة إلا من عمر، لكن يحتمل أن يكون عرفها مجملة ففصلها عمر له، لما سأله عن المتظاهرتين. (فتح الباري) مختصرا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 73 فتأمل هذا الحديث تجده دليلا على أن هجره عليه السلام نساءه وإيلاءه منهن كان بعد الفتح، وبيان ذلك أن ابن عباس لم يقدم المدينة إلا مع أبيه بعد الفتح، وقد صرح في هذا الحديث بحضوره القصة. رابعها: لما خير صلّى اللَّه عليه وسلّم زوجاته فاخترنه كافأهن اللَّه تعالى على حسن صنيعهن بالجنة فقال: فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [ (1) ] أي في الجنة، وبأن حرم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم التزويج عليهنّ، والاستبدال بهن، فقال- تعالى-: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ لكن نسخ ذلك لتكون المنّة لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بترك التزويج عليهنّ بقوله- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [ (2) ] . الآية. وذهب محمد بن جرير الطبريّ إلى أنه كان لرسول اللَّه أن يتزوج من شاء من النساء اللاتي أحلهن اللَّه له على نسائه اللاتي كنّ عنده، ثم نزلت عليه لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ [ (3) ] فلم ينهه فيها، إلا أن يفارق من كان عنده منهن بطلاق، إرادة استبدال غيرها لها، ولإعجاب بحسن المستبدلة بها إياه، إذ كان اللَّه- تعالى- قد جعلهن أمهات المؤمنين، وخيرهن فاخترن اللَّه ورسوله، فحرمن على غيره، ومنع من فراقهن بطلاق.   [ (1) ] الأحزاب: 29. [ (2) ] الأحزاب: 50. [ (3) ] الأحزاب: 52. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 74 وأما نكاح غيرهن: فلم يمنع منه بل أحله اللَّه له على ما بيّن في كتابه وقد روى أبو عاصم عن ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحل له النساء، يعنى أهل الأرض. وقال سفيان: عن عمرو عن عطاء، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحل له النساء [ (1) ] . وقال وهيب: عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد اللَّه بن عمير الليثي، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحلّ اللَّه له أن يتزوج من النساء ما شاء [ (2) ] . وقال عمر بن شيبة: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: أحسب عبيد بن عمير حدثني، قال أبو زيد عمر بن شبة، وقال أبو عاصم مرة: عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما مات   [ (1) ] (سنن النسائي) : 6/ 364، كتاب النكاح، باب (2) ما افترض اللَّه- عزّ وجل- على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم وحرمه على خلقه، ليزيد إن شاء اللَّه قربه إليه، حديث رقم (3204) ، وأخرجه الترمذيّ في تفسير القرآن، باب ومن سورة الأحزاب، حديث رقم (3216) ، قال الحافظ السنديّ في (حاشيته على سنن النسائي) : قوله: «حتى أحل له النساء» أي بقوله- تعالى-: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ الآية، فهي ناسخة لقوله- تعالى-: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ الآية. [ (2) ] (سنن النسائي) : 6/ 364، حديث رقم (3205) ، وهذا الحديث انفرد به النسائي، قال في (جامع الأصول) : وصححه ابن خزيمة وابن حبان، والحاكم من طريق ابن جرير عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، وله شاهد عند ابن أبي حاتم من حديث أم سلمة أنها قالت: لم يمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحل اللَّه أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم. (جامع الأصول) : 2/ 321، حديث رقم (769) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 75 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحلّ له النساء [ (1) ] ، قال: وقال أبو الزبير: شهدت رجلا يحدثه عن عطاء، وقال: الآية، ولأن قوله- تعالى-: إِنَّا أَحْلَلْنا يقتضي تقدم لحظر، والثاني أنه قال فيها: وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ ولم يكن في المخيرات أحد من هؤلاء، كما قاله الشافعيّ- رحمه اللَّه- في الآية. وأجيب بأن الإحلال يقتضي تقدم حظر، وزوجاته اللاتي اخترنه لم يكنّ محرمات عليه، وإنما كان حرم عليه أن يتزوج بالأجنبيات، فانصرف الإحلال إليهن، ولأنه قال في سياق الآية: وَبَناتِ عَمِّكَ الآية، ومعلوم أنه لم يكن تحته أحد من بنات عمه، ولا بنات عماته، ولا من بنات خاله، ولا من بنات خالاته، فثبت أنه أحل له التزويج بهذا ابتداء. خامسها: إذا ثبت أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحل له التزويج فهل ذلك عام في جميع النساء؟ فيه وجهان، حكاهما الماورديّ وغيره: أحدهما: أن ذلك يختص ببنات الأعمام والعمات، وبنات الأخوال والخالات، المهاجرات معه لظاهر الآية. وقد روى البيهقي [ (2) ] وغيره من طريق السدي، عن أبي صالح، عن أم هانئ قالت: خطبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاعتذرت إليه، فعذرني، ثم أنزل اللَّه- تعالى- عليه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ   [ (1) ] راجع التعليق رقم (1) . [ (2) ] (سنن البيهقيّ) : 7/ 54، كتاب النكاح، باب كان يجوز له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبدل من أزواجه أحدا ثم نسخ، قال الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أنزل اللَّه- تبارك وتعالى- عليه: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ، قال بعض أهل العلم: نزلت عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد تخييره أزواجه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 76 إلى قوله- تعالى-: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ [ (1) ] ، قالت: فلم أكن أحلّ له، لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء. وخرّجه الترمذيّ [ (2) ] وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وخرّجه الحاكم [ (3) ] وقال: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، وذكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود: وبنات خالاتك واللاتي هاجرن معك بواو. وقال الضحاك في هذه القراءة: يعنى بذلك كل شيء هاجر معه، ليس من بنات العم والعمة، ولا من بنات الخال والخالة، وردّ ذلك بأن السدي ضعيف. وقال ابن [العربيّ] : هو ضعيف جدا، ولم يأت هذا الحديث من طريق صحيح.   [ (1) ] الأحزاب: 50. [ (2) ] (سنن الترمذيّ) : كتاب التفسير، باب ومن سورة الأحزاب، حديث رقم (3211) ، وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث السدي. قال الشيخ عبد القادر الأرنائوط: والسدي هذا هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي الكبير، وأبو محمد الكوفيّ، وهو صدوق بهم كما قال الحافظ في (التقريب) ، وفي سنده أيضا أبو صالح باذام، مولى أم هانئ، وهو ضعيف مدلس، ومع ذلك فقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبيّ. قال الحافظ في (تخريج الكشاف) : رواه الترمذيّ، والحاكم، وابن أبي شيبة، وإسحاق، والطبريّ، والطبرانيّ، وابن أبي حاتم، كلهم من رواية السّدّي، عن أبي صالح، عن أم هانئ. (جامع الأصول) : 2/ 319، حديث رقم (767) . [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 185، كتاب النكاح، حديث رقم (2754) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح، وأخرجه أيضا في كتاب معرفة الصحابة من (المستدرك) : 4/ 58، ذكر أم هانئ فأخته بنت أبي طالب بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- حديث رقم (6782) ، وقد سكت عنه الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 77 وقراءة ابن مسعود لا تعارض ما ثبت بالتواتر، ومع هذا فإنه جائز أن يكون بمعنى القراءة المتواترة، فإن العرب تدخل الواو في نعت من تقدم ذكره أحيانا، كما قال الشاعر: فإن رشيدا وابن مروان لم يكن ... يفعل حتى يصدر الأمر مصدرا ورشيد هو ابن مروان. والثاني: وهو الأظهر، أنه عام في جميع النساء لأن الإباحة رفعت ما تقدم في الحظر، فاستباح ما كان يستبيح قبلها، ولأنه في استباحة النساء أوسع من أمته، فلم يجز أن ينقص عنهم. وقال القاضي حسين: إن تحريم النسوة عليه، هل بقي مؤبدا أم ارتفع؟ فيه وجهان. سادسها: قال الماوردي: تحريم طلاق من اختارته صلّى اللَّه عليه وسلّم منهن إذا قلنا به كما سلف لم ينسخ بل بقي إلى الموت وبه استدل أبو حنيفة- رحمه اللَّه- على بقاء تحريم نكاح غيرهن أيضا، وكلام الإمام يشير إلى خلافه. سابعها: هل كان يجوز له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يجعل الاختيار لهن قبل المشاورة معهن؟ فيه وجهان، حكاهما الرافعي في (الجرجانيات) لأبي العباس الروياني، ولم يذكرهما في (الروضة) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 78 النوع الثاني: ما اختص به الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم من المحرمات وذلك تكرمة له صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن تأخير ترك المحرم، أكثر من تأخير ترك المكروه، وفعل المندوب، إذ الحرام في المنهيات كالواجب في المأمورات، وهو أيضا قسمان: القسم الأول: المحرمات في غير النكاح وفيه مسائل: الأولى: الزكاة، فإنّها حرام عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تحل له بإجماع العلماء على ذلك وشاركه في ذلك ذو القربى بسببه أيضا، فالخاصة عائدة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنّها أوساخ الناس، وتحريم ذلك عليه وعلى آله، أشهر عند أهل العلم من أن يحتاج فيه إلى إكثار. كما خرّجه مسلم من طريق مالك، عن الزهريّ أن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث، حدثه فذكر الحديث إلى أن قال: ثم قال: - يعنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس [ (1) ] وذكره أيضا من طريق   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 167- 168، كتاب الزكاة، باب (51) ترك استعمال آل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الصدقة، حديث رقم (167) . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إن الصدقة لا تتبغي لآل محمد» دليل على أنها محرمة سواء كانت بسبب العمل، أو بسبب الفقر والمسكنة، وغيرهما من الأسباب الثمانية، وهذا هو الصحيح عند الجزء: 13 ¦ الصفحة: 79 يونس بن يزيد، عن ابن شهاب ولفظه: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لا لمحمد، ولا آل محمد [ (1) ] . وخرّج ابن أبي شيبة [ (2) ] من طريق سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن موسى بن أبي رزين، عن عليّ قال: قلت للعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: سل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يستعملك على الصدقة، فسأله، فقال: ما كنت لأستعملك على غسالات ذنوب الناس. واعلم أن منصب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منزه عن ذلك، وأيضا فإن الزكاة تعطى على سبيل التكرم، المبني على ذلّ الآخذ، فأبدلوا عنها بالغنيمة المأخوذة بطريق العز والشرف، والمبني على عزّ الآخذ وذلّ المأخوذ منه. وقد اختلف علماء السلف، هل الأنبياء عليهم السلام تشارك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك؟ أم يختص به صلّى اللَّه عليه وسلّم دونهم؟ فذهب الحسن إلى أن الأنبياء تشاركه في ذلك، وذهب سفيان بن عيينة إلى اختصاصه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك دونهم.   [ () ] أصحابنا، وجوز بعض أصحابنا لبني هاشم وعبد المطلب العمل عليها بسهم العامل، لأنه أجاره، وهذا ضعيف أو باطل، وهذا الحديث صريح في رده. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إنما هي أوساخ الناس» تنبيه على العلة في تحريمها على بني هاشم وبني عبد المطلب، وأنها لكرامتهم وتنزيههم عن الأوساخ، ومعنى أوساخ الناس أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم كما قال- تعالى-: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها فهي كغسالة الأوساخ. (شرح النووي) . [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (168) . [ (2) ] راجع التعليقات السابقة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 80 وأما صدقة التطوع ففي تحريمها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتحريمها على آله أربعة أقوال: أحدها: تحرم، حكاه الشيخ أبو حامد، والقفال، قال ابن الصلاح: وخفي على إمام الحرمين، والغزاليّ، والصحيح الأول. والثاني: لا تحرم، إنما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يمتنع منها ترفعا. والثالث: تحرم عليه دونهم، وهذا القول أصحهما، قال ابن عبد البر: الّذي عليه جمهور أهل العلم وهو الصحيح عندنا: أن صدقة التطوع لا بأس بها لبني هاشم ومواليهم، ومما يدل على صحة ذلك، أن عليا والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وغيرهما تصدقوا، وأوقفوا أوقافا على جماعة من بني هاشم، وصدقاتهم الموقوفة معروفة مشهورة، لا خلاف بين العلماء، أن بني هاشم وغيرهم، في قبول الهدايا والمعروف سواء، وقد قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: كل معروف صدقة. والرابع: محرم عليهم الجهة الخاصة دون العامة، كالمساجد، ومياه الآبار، وأبدى الماوردي وجها آخر اختاره: أن ما كان منها أموالا متقومة كانت محرمة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم دون ما كان منها غير متقوم، فتخرج صلاته في المساجد، وشربه ماء زمزم، وبئر رومة، ويخرج من هذا الوجه أنه كان يحرم عليه أن يوقف عليه معينا، لأن الوقف صدقة تطوع. وحكى الرافعي في هذا الخلاف وجهين، فقال: وفي المحرمات الصدقة في أظهر الوجهين على ما سبق في قسم الصدقات، وتبع في حكاية الخلاف لذلك الإمام هنا، والطبري صاحب (العدة) وكذا حكاه العجليّ في شرح (الوسيط) والجرجاني في (الشافي) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 81 ولكن الّذي سبق في كلام الرافعي: أن في الخلاف قولان، وهو الصواب في بعض نسخ الرافعي، و (الروضة) [ (1) ] ، أيضا فقد قال الماوردي في كتاب (الوقف) : إنها منصوصة في (الأم) [ (2) ] . وقد ثبت ما يقوي تحريم الصدقة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم مطلقا، زكاة مفروضة كانت أو تطوعا، وهو قول أكثر أهل العلم. خرّج البخاريّ في آخر كتاب الجهاد [ (3) ] ، في باب من تكلم بالفارسية والرطانة من طريق شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة- رضي اللَّه   [ (1) ] (روضة الطالبين) : 5/ 348، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره، الضرب الثاني، ما اختص به صلّى اللَّه عليه وسلّم من المحرمات، وهي قسمان، أحدهما المحرمات في غير النكاح، فمنها الزكاة، وكذا الصدقة على الأظهر. [ (2) ] قال الإمام الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأما آل محمد، الذين جعل لهم الخمس عوضا من الصدقة، فلا يعطون من الصدقات المفروضات شيئا- قل أو كثر- لا يحل لهم أن يأخذوها، ولا يجزئ عمن يعطيهموها إذا عرفهم، وإن كانوا محتاجين، وغارمين، ومن أهل السهمان، وإن حبس عنهم الخمس، وليس منعهم حقهم في الخمس يحل لهم ما حرم عليهم من الصدقة. قال: وآل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة المفروضة أهل الخمس، وهم أهل الشعب، وهم صليبة بني هاشم وبني عبد المطلب، ولا يحرم على آل محمد صدقة التطوع، إنما يحرم عليهم الصدقة المفروضة. أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أنه كان يشرب من سقايات الناس بمكة والمدينة! فقلت له: أتشرب من الصدقة وهي لا تحل لك؟ فقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة. قال الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وتصدق عليّ وفاطمة على بني هاشم وبني المطلب بأموالهما، وذلك أن هذا تطوع. وقبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الهدية من صدقة تصدّق بها على بريرة، وذلك أنها من بريرة تطوع لا صدقة. (الأم) : 2/ 69 كتاب الزكاة، باب العلة في القسم. [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 226، كتاب الجهاد والسير، باب (188) من متكلم بالفارسية والرطانة، وقول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ [الروم: 22] ، وقال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: 4] ، حديث رقم (3072) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 82 تبارك وتعالى عنه- أن الحسن بن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كخ، كخ! أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة؟ وخرّجه في كتاب الزكاة [ (1) ] ، وترجم عليه باب ما يذكر في الصدقة للنّبيّ وآله. وخرّجه مسلم في آخر كتاب الزكاة به، ولفظه عن محمد- وهو ابن زياد، سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أخذ الحسن بن عليّ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كخ، كخ! ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة [ (2) ] ؟ وفي لفظ له قال: إنا لا تحل لنا الصدقة [ (3) ] ، وفي لفظ البخاريّ: إن آل محمد لا يأكلون الصدقة. وخرّجاه أيضا من حديث معمر عن همام بن أمية، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها، ذكره البخاريّ في كتاب اللقطة في باب إذا وجد تمرة في الطريق [ (4) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 451، كتاب الزكاة، باب (60) ما يذكر في الصدقة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1491) . وفي حديث دفع الصدمات إلى الإمام، والانتفاع بالمسجد في الأمور العامة، وجواز إدخال الأطفال المساجد وتأديبهم بما ينفعهم، ومنعهم مما يضرهم، ومن تناول المحرمات، وإن كانوا غير مكلفين ليتدربوا بذلك. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 181، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعلى آله، وهم: بنو هاشم، وبنو المطلب دون غيرهم، حديث رقم (161) . [ (3) ] (المرجع السابق) ، الحديث الّذي يلي الحديث السابق، بدون رقم. [ (4) ] (فتح الباري) : 5/ 108، كتاب اللقطة، باب (7) إذا وجد تمرة في الطريق، حديث رقم (2432) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 83 وخرّجه مسلم في الزكاة [ (1) ] ، وخرجاه من حديث سفيان، عن منصور، عن طلحة، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: مر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بتمرة في الطريق فقال: لولا أنني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها. ذكره البخاريّ في البيوع [ (2) ] ولفظة، عن أنس قال: مرّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بتمرة مسقوطة، فقال: لولا أن تكون صدقة لأكلتها، وقال همام عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: أجد تمرة ساقطة على فراشي، هكذا ذكر هذا متصلا بحديث أنس، وترجم عليهما باب ما يتنزه عنه من الشبهات. وخرّجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] وخرّج البخاريّ [ (5) ] في كتاب الهبة في باب قبول الهدية من طريق معن قال: حدثني إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتى بطعام سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل، فإن قيل: هدية ضرب بيده صلّى اللَّه عليه وسلّم فأكل معهم.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 182، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعلى آله، وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، حديث رقم (162) . [ (2) ] (فتح الباري) : 4/ 368، كتاب البيوع، باب (4) ما يتنزه عن الشبهات، رقم (2055) . قال المهلب: إنما تركها صلّى اللَّه عليه وسلّم تورعا وليس بواجب، لأن الأصل أن كل شيء في بيت الإنسان على الإباحة، حتى يقوم دليل على التحريم، وفيه تحريم قليل الصدقة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويؤخذ منه تحريم كثيرها من باب أولى. (فتح الباري) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 190، كتاب الزكاة، باب (53) باب قبول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الهدية ورده الصدقة، حديث رقم (175) . وفيه استعمال الورع والفحص عن أصل المآكل والمشارب. (شرح النووي) . [ (4) ] (سنن أبي داود) : 2/ 300، كتاب الزكاة، باب (29) الصدقة على بني هاشم، حديث رقم (1652) . [ (5) ] (فتح الباري) : 5/ 254، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (6) قبول الهدية، حديث رقم (2576) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 84 وخرّجه مسلم [ (1) ] في كتاب (الزكاة) من طريق الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أتي بطعام سأل عنه، فإن قيل: هدية أكل منها، وإن قيل: صدقة لم يأكل منها. وخرّجه النسائي [ (2) ] من طريق بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتي بشيء سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل صدقة لم يأكل، وإن قيل هديه بسط يده. ذكره في آخر كتاب الزكاة. وفي حديث سليمان: إنها لا تحل لنا الصدقة. وترجم عليه الهدية للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم. واستبعد إمام الحرمين ثبوت الخلافة في جواز أخذه صلّى اللَّه عليه وسلّم صدقة التطوع لنفسه، وحكى ابن الصلاح عن (أمالي أبي الفرج السرخسي) ، أن في صرف الكفارة والنذر إلى الهاشمي قولين، والظاهر جريانهما في المطلبيّ أيضا لأنه في معناه.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 190، كتاب الزكاة، باب (53) قبول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الهدية ورده الصدقة، حديث رقم (175) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 5/ 112- 113، كتاب الزكاة، باب (98) الصدقة لا تحل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (2612) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 85 الثانية: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يأكل البصل، والثوم، والكراث، وما له رائحة كريهة من البقول خرّج البخاري [ (1) ] من طريق يونس عن ابن شهاب، زعم عطاء أن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، زعم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من أكل ثوما، أو بصلا، فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته، وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى بقدر فيه خضروات من بقول فوجد لها ريحا، فسأل، فأخبر بما فيه من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه أكلها، وقال: كل، فإنّي أناجي من لا تناجي.   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 717- 718، كتاب الأطعمة، باب (49) ما يكره من الثوم والبقول، حديث رقم (5452) . قوله: (باب ما يكره من الثوم والبقول) أي التي لها رائحة كريهة، وهل النهي عن دخول المسجد لأكلها على التعميم أو على من أكل النيء منها دون المطبوخ؟ وفي هذه الأحاديث بيان جواز أكل الثوم والبصل والكرات، إلا أن من أكلها يكره له حضور المسجد، وقد ألحق بها الفقهاء ما في معناها من البقول الكريهة الرائحة كالفجل، وقد ورد فيه حديث في الطبراني وقيده عياض بمن يتجشى منه، وألحق به بعض الشافعية الشديد البخر ومن به جراحة تفوح منها رائحتها، واختلف في الكراهية: فالجمهور على التنزيه، وعن الظاهرية التحريم، وأغرب عياض فنقل عن أهل الظاهر تحريم تناول هذه الأشياء مطلقا لأنها تمنع حضور الجماعة، والجماعة فرض عين، ولكن صرح ابن حزم بالجواز، ثم يحرم على من يتعاطى ذلك حضور المسجد، وهو أعلم بمذهبه من غيره. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 86 وخرّجه مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] ، وقال مالك: عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يأكل الثوم، ولا الكراث، ولا البصل، من أجل الملائكة، ومن أجل أنه يكلم جبريل- عليه السلام-. قال ابن عبد البر: في هذا الحديث من الفقه إباحة أكل الثوم لسائر الناس، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما امتنع من أكل الثوم والبصل والكراث لعلة ليست موجودة في غيره، فصار ذلك خصوصا له. وقد اختلف هل كان ذلك حراما عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فيه لأصحابنا وجهان: أحدهما: يحرم، وبه جزم الماوردي كيلا يتأذى به الملك، وأشبههما لا يحرم عليه، بل كان أكل ذلك مكروها في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنما كان يمتنع منه ترفعا. والدليل على ذلك ما خرّجه مسلم من طريق شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن أبي أيوب الأنصاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتى بطعام أكل منه، وبعث بفضلة إليّ، وأنه بعث إليّ يوما بفضلة لم يأكل منها، لأن فيها ثوما فسألته: أحرام هو؟ قال: لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه، قال: فإنّي أكره ما كرهت. وخرّجه الترمذيّ [ (3) ] وقال: هذا حديث حسن صحيح. وخرّجه مسلم [ (4) ] أيضا من طريق عاصم، عن عبد اللَّه بن الحارث، عن أفلح مولى أبي أيوب، عن أبي أيوب، وفيه قصة، وفي آخره: وكان   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 52- 53، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (17) نهي من آكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها، حديث رقم (72) . [ (2) ] (سنن أبي داود) : 4/ 170) ، كتاب الأطعمة، باب (41) أكل الثوم، حديث رقم (3822) ، وقوله: «فليعتزل مسجدنا» إنما أمره باعتزال المسجد عقوبة له وليس هذا كالمطر والريح العاصف ونحوهما من الأمور، وقد رأيت بعض الناس صنف في الأعذار المانعة عن حضور الجماعة بابا ووضع فيها أكل الثوم والبصل وليس هذا من ذاك في شيء، واللَّه- تعالى- أعلم. [ (3) ] (سنن الترمذيّ) : 4/ 299- 230، كتاب الأطعمة، باب (13) ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل، حديث رقم (1806) . [ (4) ] (سبق تخريجه) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 87 النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يؤتي- يعني مجيء الملك - وهذا صريح في نفي التحريم، وإثبات الكراهة، وعلى هذا الجادة، قال ابن الصلاح: وهذا يبطل وجه التحريم. وخرّج أبو داود [ (1) ] من حديث بقية عن بجير، عن خالد، عن أبي زياد، عن خيار بن سلمة أنه سأل عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن البصل، فقالت: إن آخر طعام أكله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طعام فيه بصل. وخرّجه أحمد [ (2) ] أيضا وهو سند صالح واعترض صاحب (المطلب) بأن حديث أبي أيوب كان في ابتداء الهجرة، والنهي عن أكل الثوم كان عام خيبر كما رواه البخاريّ في (صحيحه) . وأجيب بما خرّجه مسلم [ (3) ] من طريق إسماعيل بن علية، عن الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في تلك البقلة، الثوم، والناس جياع، فأكلنا منها أكلا شديدا، ثم رحنا إلى المسجد، فوجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الريح فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا يقربنا في المسجد، فقال الناس: حرمت! حرمت! فبلغ ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا أيها الناس! إنه ليس لي تحريم ما أحل اللَّه لي، ولكنها شجرة أكره ريحها.   [ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 173، كتاب الأطعمة، باب (41) في أكل الثوم حديث رقم (3829) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 130، حديث رقم (24064) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 5/ 54، حديث رقم (76) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 88 الثالثة: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يأكل متكئا خرّج البخاريّ [ (1) ] من طريق مسعر عن عليّ بن الأقمر، سمعت أبا جحيفه قال: كنت عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال لرجل: لا آكل متكئا. وخرّجه ابن أبي خيثمة بهذا الإسناد مثله، وخرّجه أبو داود [ (2) ] من طريق سفيان، عن عليّ بن الأقمر بهذا الإسناد مثله سواء. وخرّج البخاريّ [ (3) ] من طريق جرير بن منصور، عن عليّ بن الأقمر، عن أبي جحيفة، قال: كنت عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال لرجل عنده: لا آكل وأنا متكئ. وخرّجه النسائي من طريق شريك عن عليّ بن الأقمر، عن أبي جحيفة، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما أنا فلا آكل متكئا. وخرّج عبد الرزاق عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد، وخرّجه البيهقي في (شعب الإيمان) [ (4) ] وفي (دلائل النبوة) . وخرّج ابن سعد [ (5) ] ، عن أبي النضر، عن أبي معشر، عن سعيد [المقبري] ، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لها: يا عائشة إن شئت لسارت معي جبال الذهب، أتاني ملك وإن حجزته لتساوي الكعبة، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن شئت   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 675، كتاب الأطعمة، باب (13) ، حديث رقم (5398) . [ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 140- 141، كتاب الأطعمة، باب (17) ما جاء في الأكل متكئا، حديث رقم (3769) . [ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 675، كتاب الأطعمة، باب (13) الأكل متكئا، حديث رقم (5399) . [ (4) ] (شعب الإيمان) : 5/ 107، باب (39) في المطاعم والمشارب، الأكل متكئا، حديث رقم (5975) . [ (5) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 381، ذكر صفة مأكله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 89 [كنت] [ (1) ] نبيا [مليكا] [ (2) ] ، وإن شئت [نبيا] عبدا، فأشار إليّ جبريل [أن] ضع نفسك، فقلت: نبيا عبدا، فكان بعد ذلك لا يأكل متكئا، ويقول: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد. وخرّج النسائي من طريق بقية الزبيدي قال: حدثني الزهريّ، عن محمد بن عبد اللَّه بن عباس قال: كان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يحدث أن اللَّه- تعالى- أرسل إلى بيته صلّى اللَّه عليه وسلّم ملكا من الملائكة، ومعه جبريل- عليه السلام-، فقال له الملك: إن اللَّه يخيّرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون ملكا فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جبريل كالمستشير، فأشار جبريل بيده أن تواضع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا بل أكون عبدا نبيا، فما أكل بعد هذه الكلمة طعاما متكئا. ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهريّ، قال: جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ملك لم يأته قبلها ولا بعدها، فقال: إن اللَّه يخيرك بين أن تكون نبيا ملكا، أو نبيا عبدا ... الحديث بنحوه. وعن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد. خرّجه البزار وقال: لا نعلمه يروي بإسناد متصل إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه عن ابن عمر إلا نافعا، ولا عنه إلا عبيد اللَّه، ولا عنه إلا مبارك، تفرد به حفص وقال: ومبارك كان مدلسا، وقد اختلف في ذلك، هل كان حراما عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو مكروها؟ فيه وجهان: أشبههما كما قال الرافعي وغيره: أنه كان مكروها فإنه لم يثبت فيه ما يقتضي   [ (1) ] من (الأصل) فقط. [ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (الطبقات) : «ملكا» ، وله من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن شعيب بن عبد اللَّه بن عمرو، قال إسحاق بن عيسى في حديثه عن أبيه قال: ما رئي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأكل متكئا قط، ولا يطأ عقبه رجلان. ومن حديث الفضل بن دكين، أخبرنا مسعر، كلاهما عن عليّ بن الأقمر، قال: سمعت أبا جحيفة يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا آكل متكئا. (المرجع السابق) : 1/ 380. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 90 التحريم واجتناب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الشيء واختياره غيره، لا يدل على كونه محرما عنده. وقال النووي [ (1) ] : والصحيح أنه كان مكروها في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لا حراما، وقال ابن شاهين: لم يكن محرما عليه وإنما هو أدب من الآداب. والثاني: أنه كان حراما عليه وجزم به صاحب (التلخيص) لما فيه من الكبر والعجب، فعلى أنه ليس بحرام لا يبقى من باب الخصائص، فإنه يكره لغيره أيضا الأكل متكئا على كل من تفسيريه، وإذا تقرر ذلك فما المراد بالمتكئ؟ فيه خلاف، قال ابن سيده: توكأ على الشيء واتكأ تحمل واعتمد، والتكأة العصا يتكأ عليها في المشي، واتكأ الرجل جعل له متكأ، وضربه فاتكأه، ألقاه على جانبه الأيسر [ (2) ] ، وفسر الخطّابيّ المتكئ هنا بالمتمكن في جلوسه من التربع، وشبهه المعتمد على الوطاء تحته، قال: وكل من استوى   [ (1) ] (روضة الطالبين) : 5/ 348- 349، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره، وقال في هامشه: لم يبين المصنف المراد بالاتكاء، وعن الخطابي: المراد به الجالس المعتمد على وطاء تحته، وعن ابن الجوزي: أن المراد به المائل على جنب، وفسره القاضي عياض في (الشفاء) بما ذكره الخطّابيّ. [ (2) ] قال الزجاج: هو ما يتكأ عليه لطعام أو شراب أو حديث، وقال المفسرون في قوله- تعالى-: وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً أي طعاما، وقيل للطعام متكأ لأن القوم إذا قعدوا على الطعام اتكئوا، وقد نهيت هذه الأمة عن ذلك، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: آكل كما يأكل العبد، وفي الحديث: لا آكل متكئا. المتكئ في العربية كل من استوى قاعدا، على وطاء متمكنا، والعامة لا تعرف المتكئ إلا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقيه، والتاء فيه بدل من الواو، وأصله من الوكاء، وهو ما يشد به الكيس وغيره، كأنه أوكأ مقعدته وشدها بالقعود على الوطاء الّذي تحته. قال ابن الأثير: ومعنى الحديث: أني إذا أكلت لم أقعد متمكنا فعل من يريد الاستكثار منه، ولكن آكل بلغة، فيكون قعودي له مستوفزا. قال: ومن حمل الاتكاء على الميل إلى أحد الشقين، تأوله على مذهب الطب، فإنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا، ولا يسيغه هنيئا، وربما تأذى به. (لسان العرب) : 1/ 200- 201 مختصرا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 91 قاعدا على وطئ فهو متكئ، ومعناه لا آكل أكل من يريد الاستكثار من الطعام ويقعد له متكئا بل أقعد مستوفزا [ (1) ] ، وآكل قليلا، فيكون الاتكاء على هذا التفسير التربع، ورجحه جماعة لما فيه من التجبّر والتعاظم، وأنكر ابن الجوزي هذا التفسير، وقال: المراد به المائل على جنب، فيكون الاتكاء على هذا التفسير الاضطجاع، وهو المتبادر إلى أفهام كثيرين، لما قد يحصل به من الأذى كما نهى عن الشرب قائما. وقال القاضي عياض [ (2) ] : وليس هو الميل على شق عند المحققين، واختيار ما فسره الخطابي وإليه ذهب ابن دحية أيضا فقال: الاتكاء في اللغة هو التمكن في الأكل. الرابعة: تعليم الشّعر قال اللَّه تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (3) ] يقول- تعالى-: وما علمنا محمدا الشعر وما ينبغي له أن يكون شاعرا، فجعل اللَّه- تعالى- ذلك علما من أعلام نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم لئلا تدخل الشبهة على من أرسل إليهم، فيظن به أنه قوي على القرآن بما في طبعه من القوة على الشعر. قال سعيد: عن قتادة، قيل لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- هل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان أبغض الحديث إليه غير أنه كان يتمثل بيت أخي بني قيس فيجعل آخره أوله، وأوله آخره، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إنه ليس هكذا، فقال نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني واللَّه ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي.   [ (1) ] (معالم السنن) : 4/ 141، شرح الحديث رقم (3769) باب ما جاء في الأكل متكئا من (سنن أبي داود) . [ (2) ] (الشفا) : 1/ 51، فصل وأما ما تدعو ضرورة الحياة إليه مما فصلناه ... إلخ. [ (3) ] ياسين: 69. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 92 وقال الزجّاج: معنى وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (1) ] أي ما يتسهل له. وخرّج أبو داود [ (2) ] من حديث ابن عمرو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقا، أو تعلقت تميمة، أو قلت الشعر من قبل نفسي. فلهذا قال أصحابنا: إنه كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم تعلم الشعر. قال الرافعي: وإنما يتجه القول بتحريمهما- يعنى الشعر والخط- ممن يقول: إنه كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يحسنها، وقد اختلف فيه، فقيل: يحسنهما ويمتنع منهما، والأصحّ أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يحسنهما. قال النووي في (الروضة) [ (3) ] : ولا يمتنع تحريمهما وإن لم   [ (1) ] ياسين: 69. [ (2) ] (سنن أبي داود) : 4/ 201- 202، كتاب الطب، باب (10) في الترياق، حديث رقم (3869) ، ثم قال أبو داود: هذا كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة، وقد رخّص فيه قوم، يعني الترياق. قال الشيخ: ليس شرب الترياق مكروها من أجل أن التداوي محظور، وقد أباح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم التداوي والعلاج في عدة أحاديث، ولكن من أجل أن يقع فيه من لحوم الأفاعي وهي محرمة. والترياق أنواع: فإذا لم يكن فيه لحوم الأفاعي فلا بأس بتناوله واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. والتميمة، يقال: إنها خرزة كانوا يتعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات، واعتقاد هذا الرأي جهل وضلال، إذا لا مانع ولا دافع غير اللَّه- سبحانه-، ولا يدخل في هذا التعوذ بالقرآن، والتبرك والاستشفاء به، لأنه كلام اللَّه- سبحانه-، والاستعاذة به ترجع إلى الاستعاذة باللَّه- سبحانه-، ويقال: بل التميمة قلادة تعلق فيها العوذ، قال أبو ذؤيب: وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع وقال آخر: بلاد بها عقّ الشباب تميمتي ... وأول أرض مسّ جلدي ترابها وقد قيل: إن المكروه من العوذ هو ما كان بغير لسان العرب فلا يفهم معناه، ولعله قد يكون فيه سحر أو نحوه من المحظور، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. (معالم السنن) . [ (3) ] (روضة الطالبين) : 5/ 349، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره، وقال في هامشه: قال في (الخادم) قال في: (البيان) : ذكر النقاش أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 93 يحسنهما، ويكون المراد تحريم التوصل إليهما، ودليل التحريم أن اللَّه- تعالى- أخبر عن حال نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم وردّ قول من قال من الكفار: إنه شاعر، وأن القرآن شعر بقوله- تعالى-: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (1) ] . ولذلك كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يقول الشعر، ولا يزنه، وكان إذا حاول إنشاء بيت قديم متمثلا به كسر وزنه، وإنما كان يحرر المعاني فقط، من ذلك أنه انشد بيت طرفة [ (2) ] :   [ () ] ما مات حتى كتب. قال: والأول أي عدم الكتابة هو المشهور. قال صاحب (الخادم) : يشهد للنقاش ما رواه البخاريّ في عمرة القضاء أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صالح سهيل بن عمرو، فكتب عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الصحيفة: هذا ما قاضي عليه محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال سهيل: اكتب محمد بن عبد اللَّه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: امحه، فقال عليّ: لا أمحوك أبدا، فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الكتاب فكتب: هذا ما قاضي محمد بن عبد اللَّه، وفي هذه الكتابة وجوه: أحدها: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب وهو لا يعلم ما يكتب فانتظم مراده. ثانيها: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوحى إليه فكتبه عن علم بالكتابة. ثالثها: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لكثرة كتابة اسمه بين يديه فعلم ذلك، وهذا أضعف الأوجه. رابعها: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر من كتب ونسب الفعل إليه تجوزا، ولم يبين الشيخ هل المراد بالشعر إنشاده أو روايته أو أعم من ذلك؟ قال في (الخادم) : وجعل الماورديّ والرويانيّ قول الشعر، وتعلمه، وروايته، سواء في التحريم. [ (1) ] ياسين: 69. [ (2) ] هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن عباد بن صعصعة بن قيس بن ثعلبة، ويقال: إن اسمه عمرو، وأمه وردة، من رهط أبيه، وكان أحدث الشعراء سنا، وأقلهم عمرا، قتل وهو ابن عشرين سنة، فيقال له: ابن العشرين، وكان حسب من قومه، جريئا على هجائهم وهجاء غيرهم، ومما سبق إليه قوله: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد وقال غيره: ويأتيك بالأنبياء من لم تبع له ... بتاتا ولم تضرب له وقت موعد (الشعر والشعراء) : 103- 108 مختصرا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 94 ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك من لم تزوره بالأخبار وأنشد يوما، وقد قيل له: من أشعر الناس؟ فقال: الّذي يقول: ألم ترياني كلما جئت طارقا* وجدت بها وإن لم تطبني طبيبا وأنشد يوما: أتجعل نهبي ونهب العب ... يد بين الأقرع وعيينة [ (1) ] وربما أنشد صلّى اللَّه عليه وسلّم البيت المستقيم في النادر.   [ (1) ] كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أعطى في العرب الأقرع بن حابس التميميّ مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن بدر الفزاريّ مائة من الإبل، وأعطى مالك بن عوف مائة من الإبل، وأعطى العباس بن مرداس السلميّ أربعا من الإبل، فعاتب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في شعر قاله: كانت نهابا تلافيتها ... بكري على القوم في الأجرع وحثّى الجنود لكي يدلجوا ... إذا هجع القوم لم أهجع فأصبح نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع إلا أفائل أعطيتها ... عديد قوائمها الأربع وقد كنت في الحرب ذا تدرا ... فلم أعط شيئا ولم أمنع وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع فرفع أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم للعباس: أنت الّذي تقول: أصبح نهبي ونهب العب ... يد بين الأقرع وعيينة؟ فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، ليس هكذا قال! قال: كيف؟ فأنشده أبو بكر كما قال عباس، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: سواء، ما يضرك بدأت بالأقرع أم عيينة! فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: بأبي أنت وأمي، ما أنت بشاعر ولا رواية، ولا ينبغي لك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقطعوا لسانه عني، فأعطوه مائة من الإبل، ويقال: خمسين من الإبل. (مغازي الواقدي) : 3/ 946- 947. والأجرع: المكان السهل. والعبيد: فرس عباس بن مرداس. أفائل: جمع أفيل، وهي الصغار من الإبل. ذا تدرإ: أي ذا دفع، من قولك: درأه أي دفعه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 95 وروى البيهقيّ من طريق عليّ بن عمرو الأنصاري، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهريّ عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما سمعت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بيت شعر قط إلا بيتا واحدا: تفاءل بما تهوى يكن ... فلقل ما يقال بشيء كان ألّا يحقق وثبت في الصحيح أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الخندق تمثل شعر عبد الله بن رواحة: اللَّهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا الشعر بتمامه لكن قال أبو الحجاج المزني في حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: هذا حديث منكر. وأما بشعر ابن رواحة فإنه تارة يروى برحاف، وتارة بغير رحاف، فاللَّه أعلم كيف قاله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وذكر الأمويّ في (مغازيه) أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل يوم بدر يدور بين القتلى يقول: فعلق هاما من رجال أعزّة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما وقال الحربي: ولم يبلغني أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنشد بيتا تاما على وزنه، بل الصدر، كقول لبيد: ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل أو العجز كقوله طرفة: ويأتيك بالأخبار من لم تزود فإن أنشد بيتا كاملا غيّره، قال يوما: أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين الأقرع وعيينة [ (1) ] فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول اللَّه، ثم قرأ: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ [ (2) ] : الآية، وقال عمر بن شبّة [ (3) ] في كتاب (أخبار مكة) : حدثنا أبو داود، حدثنا   [ (1) ] راجع التعليق السابق، ففيه البيت بدون تغيير. [ (2) ] ياسين: 69. [ (3) ] هو عمرو بن شبة يزيد بن عبيدة بن رابطة النميري أبو يزيد البصريّ، ثم البغداديّ، الأديب الأخباريّ الشهير بابن شبة. ولد سنة (173) وتوفي بسر من رأى سنة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 96 شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت رجلا اسمه سعد قال مرة، عن سعد ولم يذكر مرة سعدا، قال: ذكرت بنو ناجية عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإما أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: عين، فأبكى أسامة بن لؤيّ فقال رجل: علقت بأسامة العلاقة، وإما أن يكون الرجل قال، فأتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم البيت. وذكر السهيليّ أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال للعباس بن مرادس: أنت القائل: أتجعل نهبي العب ... يد بين الأقرع وعيينة وتكلم السهيليّ على ما تقدم الأقرع على عيينة بمناسبات غريبة، وتكلموا على قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم حنين وهو في وجوه العدو: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب بما حاصله أنه لم يخرج مخرج الشعر، وإنما وقع سجعا من غير قصد. وقال الحسن بن أبي الحسن: أنشد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كفي بالإسلام والشيب للمرء ناهيا فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه إنما قال الشاعر: هريرة ودع إن تجهزت غاديا ... كفي بالشيب والإسلام للمرء ناهيا فقال أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: أشهد أنك رسول اللَّه، يقول اللَّه عز وجل: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (1) ] ، وقال الخليل بن أحمد: كان الشعر أحب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كثير الكلام، ولكن لا يأتي له. واعلم أن إصابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وزن الشعر أحيانا لا يوجب أنه لا يعلم الشعر وكذلك ما يأتي له أحيانا من نثر كلامه مما يدخل في وزن الشعر كقوله: هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل اللَّه ما لقيت؟ وقوله:   [ () ] (262) ، وله من التصانيف: أخبار أمراء البصرة، أخبار أمراء الكوفة، أخبار أمراء المدينة، أخبار مكة، أخبار بني نمير، أخبار الكوفة، وغير ذلك. (كشف الظنون) : 5/ 622. [ (1) ] ياسين: 69. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 97 أنا النبي لا كذب ... أن ابن عبد المطلب فقد تأتى مثل ذلك في آيات القرآن الكريم، بل في كل كلام، وليس كل ذلك بشعر، ولا في معناه، كقوله- تعالى-: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [ (1) ] ، وقوله- تعالى-: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [ (2) ] وقوله- تعالى-: وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ [ (3) ] ، إلى غير ذلك من الآيات، لأن ما وافق وزنه وزن الشعر، ولم يقصد به الشعر، ليس بشعر، إذ لو كان شعرا لكان كل من نطق بكلام موزون من عامة الناس الذين لا يعرفون الوزن، يصدق عليه أنه شاعر، ولم يقل بهذا أحد من العقلاء. وقال أبو حسن الأخفش في قوله- عليه السلام-: أنا النبي لا كذب ليس بشعر، وقال في كتاب (العين) : ما جاء من السجع على جزأين لا يكون شعرا، وروى عن الأصمعي أنه من منهوك الرجز، وقد قيل: لا يكون من منهوك الرجز إلا بالوقوف على الباء من قوله: «لا كذب» ، ومن قوله: «عبد المطلب» ، ولم يعلم كيف قاله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال ثابت: قال الخليل: المشطور ليس من الشعر، وكذلك المنهوك، قيل: فما هما؟ قال أنصاف مسجعة، فرد ذلك عليه، فقال: لأحتجن عليهم بحجة، إن لم يقرءوا بها كفروا، لو كان شعرا ما جرى على لسان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأن اللَّه- تعالى- يقول: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (4) ] .   [ (1) ] آل عمران: 92، قال الشاعر: يا عباد اللَّه هبوا ... ليس غير اللَّه ربّ إن في القرآن آية ... ذكرها للقلب طب لن تنالوا البر حتى ... تنفقوا مما تحبّوا [ (2) ] الصف: 13. [ (3) ] سبأ: 13. [ (4) ] ياسين: 69. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 98 وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ: الأظهر من حاله صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «لا كذب» ، الباء مرفوعة، ويخفض الباء من عبد المطلب على الإضافة. وقال النحاس عن بعضهم: إنما الرواية بالإعراب، وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعرا، لأنه إذا فتح الباء من البيت الأول، أو ضمها، أو نونها، وكسر الباء من البيت الثاني، خرج على وزن الشعر. وقال بعضهم: ليس هذا الوزن من الشعر، ورد بأن أشعار العرب على هذا الوزن، قد رواها الخليل وغيره، وأما قوله- عليه السلام-: هل أنت إلا إصبع دميت ... [وفي سبيل اللَّه ما لقيت] ؟ [ (1) ] فإنه من بحر السريع، إذا كسرت التاء من دميت، فإن سكنت لم يكن شعرا، لأن ما بين الكلمتين على هذه الصفة لا يكون فعولن، ويصير فعلن، ولا مدخل لفعلن في بحر السريع. فلعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قالها ساكنة، أو متحركة التاء، من غير إشباع، وعلى تسليم أنه شعر لا يلزم منه أن يكون صلّى اللَّه عليه وسلّم عالما بالشعر، ولا شاعرا، لأن التمثل بالبيت النادر وإضافة القافيتين من الرجز وغيره لا يوجب أن يكون قائل ذلك عالما بالشعر، ولا يسمى شاعرا باتفاق العقلاء، كما أن من خاط مرة لا يكون خياطا. وقال أبو إسحاق الزجاج: معنى وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ [ (2) ] وما علمناه أن يشعر، أي ما جعلناه شاعرا، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئا من الشعر. وقد قيل: إنما أخبر اللَّه- تعالى- أنه ما علمه الشعر ولم يخبر أنه لا ينشد شعرا، وقالوا مع ذلك: كل من قال قولا موزونا لا يقصد به الشعر فإنه ليس بشعر، وإنما وافق الشعر، فالذي نفاه اللَّه- تعالى- عن نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إنما هو العلم بالشعر، وأصنافه، وأعاريضه، وقوافيه، والاتصاف بقوله، ولم يكن صلّى اللَّه عليه وسلّم موصوفا بذلك من أحد بالاتفاق، ألا ترى أن قريشا لما تراوضت فيما تقول العرب فيه إذا قدموا عليهم في الموسم، فلما قال بعضهم: نقول: إنه   [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق. [ (2) ] ياسين: 96. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 99 شاعر، قال أهل الفطنة منهم: واللَّه لتكيدنكم العرب، فإنّهم يعرفون أصناف الشعر، فو اللَّه ما يشبهه شيئا منها، وما قوله بشعر. وقال أنيس أخو أبي ذر: لقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فلم يلتئم أنه شعرا. وقال: عتبة بن ربيعة لما كلمه: واللَّه ما هو بشعر، ولا كهانة، ولا سحر. وقد سقت هذه كلها بأسانيدها في موضعها من هذا الكتاب. الخامسة: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يحسن الكتابة قالوا: وكان يحرم عليه ذلك، قال اللَّه- تعالى-: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [ (1) ] قال ابن كيسان: واحد الآيتين أميّ، كان منسوبا إلى أمة، والأمة لا تكتب بالجملة، إنما يكتب بعضها، وقيل نسب إلى أمه، لأن الكتاب كان في الرجال، ولم يكن في النساء [ (2) ] .   [ (1) ] الأعراف: 157، وتمامها: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. [ (2) ] قال ابن حديدة الأنصاري (783 هـ) : روينا عن الإمام أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد اللَّه الخثعميّ ثم السهيليّ- رحمه اللَّه- في (الروض الألف) - وقد تكلم على كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلح الحديبيّة-: وأنه محا اسمه وهو «رسول اللَّه» حين قال له سهيل بن عمرو: ولو شهدت أنك رسول اللَّه لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فكتب: «هذا ما صالح عليه محمد بن عبد اللَّه» لأنه قول حق كله، فظن بعض الناس أنه كتب بيده، وفي البخاريّ: كتب وهو لا يحسن الكتابة، فتوهم أن اللَّه- تعالى- أطلق يده بالكتابة في تلك الساعة خاصة. وقال: هي آية، فيقال له: كانت تكون آية لا تنكر، لولا أنها مناقضة لآية أخرى وهو كونه أميا لا يكتب، وبكونه أميا في أمة أمية قامت الحجة، وأفحم الجاحد، وانحسمت الشبهة، فكيف يطلق اللَّه- عز وجلّ- يده فيكتب لتكون آية؟ وإنما معنى «كتب» أمر أن يكتب، وكان الكاتب في ذلك اليوم عليّ بن أبي طالب- رضوان اللَّه عليه-، وقد كتب له عدة من الجزء: 13 ¦ الصفحة: 100   [ () ] أصحابه صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم الخلفاء الأربعة [وغيرهم] ، ذكرهم عمر بن شبة في كتاب (الكتّاب) له، فجميعهم ثلاثة وعشرون، وقد تتبعت ما أغفله ابن شبّة- رحمه اللَّه- فبلغت بهم نحوا من أربعة وأربعين كاتبا مع الذين ذكرهم، خرجتهم من مصنفات علماء هذا الشأن. (المصباح المضيء) : 1/ 27- 28، باب في ذكر من كتب له من الصحابة، والكلام على كتابه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلح الحديبيّة، مختصرا. وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: ولأن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم اشتهر بوصف النبي الأميّ، فصار هذا المركب كاللقب له، فلذلك لا يغيره عن شهرته، وكذلك هو حيثما ورد ذكره في القرآن الكريم. والأميّ: الّذي لا يعرف الكتابة والقراءة، قيل: هو منسوب إلى الإمام، أي هو أشبه بأمه منه لأبيه، لأن النساء في العرب ما كنّ يعرفن القراءة والكتابة، وما تعلمنها إلا في الإسلام، فصار تعلم القراءة والكتابة من شعار الحرائر دون الإماء، كما قال عبيد الراعي- وهو إسلاميّ-: هنّ الحرائر لا ربات أخمرة ... سود المحاجر لا يقرأن بالسّور. أما الرجال ففيهم من يقرأ ويكتب. وقيل: منسوب للأمة، أي الّذي جاء حاله معظم الأمة، أي الأمة المعهودة عندهم وهي العربية، وكانوا في الجاهلية لا يعرف منهم القراءة والكتابة إلا النادر منهم، ولذلك يصفهم أهل الكتاب بالأميين، لما حكى اللَّه- تعالى- عنهم في قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران: 75] . والأمية وصف خص اللَّه- تعالى- به من رسله محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم إتماما للإعجاز العلميّ والعقلي الّذي أيده اللَّه به، فجعل الأمية وصفا ذاتيا له، ليتم بها وصفه الذاتي، وهو الرسالة، لكي يظهر أن كماله النفسانيّ كمال لدنيّ إلهي، لا وساطة فيه للأسباب المتعارفة للكمالات، وبذلك كانت الأمية وصف كمال فيه، مع أنها في غيره وصف نقصان، لأنه لما حصل له من المعرفة وسداد العقل ما لا يحتمل الخطأ في كل نواحي معرفة الكمالات الحق، وكان على يقين من علمه، وبينه من أمره، ما هو أعظم مما حصل للمتعلمين، صارت أميته آية على كون ما حصل له إنما هو من فيوضات إلهية. (تفسير التحرير والتنوير) : 9/ 133. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 101 وقال ابن النحاس: منسوب إلى أمه كما ولد، وقيل: نسب إلى أم القرى، وقال- تعالى-: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ [ (1) ] يقول اللَّه- جل ذكره-: وما كنت يا محمد تتلو يعنى تقرأ قبله يعني من قبل هذا القرآن الّذي أنزلته إليك من كتاب ولا تخطه بيمينك يقول: ولم تكن تكتب بيمينك، ولكنك كنت أميا، إذا لارتاب المبطلون، يقول: ولو كنت من قبل أن يوحى إليك تقرأ الكتب أو تخطها بيمينك، إذا لارتاب، يقول: إذا لشكّ بسبب ذلك في أمرك وما جئتهم به من عند ربك من هذا الكتاب الّذي تتلوه عليهم المبطلون القائلون: أنه سجع وكهانة، وأنه أساطير الأولين. قال ابن عباس: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أميا لا يقرأ شيئا ولا يكتب. وقال سعيد عن قتادة: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يقرأ كتابا قبله، ولا يخطه بيمينه، ظقال: كان أميا، والأمي الّذي لا يكتب، وقال أبو إدريس الأوردي، عن الحكم، عن مجاهد: كان أميا، والأميّ الّذي لا يكتب، قال: وكان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يخط، ولا يقرأ كتابا، فنزلت هذه الآية: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ [ (2) ] قال سعيد: إذا لقالوا: إنما هذا شيء تعلمه محمد وكتبه. وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: المبطلون قريش، وقد زعم بعضهم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يمت حتى تعلم الكتابة، وهذا قول لا دليل عليه، فهو مردود. وتمسك القائل بأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحسن الكتابة بما خرّجه البيهقيّ من طريق أبي عقيل يحيى بن المتوكل، عن مجاهد، عن عون بن عبد اللَّه، عن أبيه، قال: لم يمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى كتب وقرأ. وقال مجاهد: فذكرت ذلك للشعبي، فقال: قد صدق، قد سمعت من بعض أصحابنا يذكرون ذلك.   [ (1) ] العنكبوت: 48. [ (2) ] العنكبوت: 48. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 102 قال البيهقيّ: إنه حديث منقطع، وفي روايته جماعة من الضعفاء والمجهولين [ (1) ] . قال مؤلفه: يحيي بن المتوكل أبو عقيل المدني الحذاء الضرير [ (2) ] مولى آل عمر وصاحب بهيمة، روى عنهما، وعن محمد بن المنكدر، والقاسم بن عبد اللَّه العمري، وجماعة، وروى عنه ابن المبارك، ووكيع، وجماعة. قال ابن معين: ليس بشيء، ومرة قال: ليس به بأس، ومرة قال: ضعيف، وقال الدارميّ: هو ضعيف، وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه عن بهيمة، عن عائشة منكرة، لم يرو عن بهيمة شيء وما روى عنها إلا هو واهي الحديث، ومرة قال: يروي عن قوم لا أعرف منهم واحدا، ولم يحل عنهم. وقال الفلاس: هو ضعيف، ومرة قال: فيه ضعيف، وقال السعديّ: أحاديثه منكرة، وقال النسائي: ضعيف وقال ابن عدي: وعامة أحاديثه غير محفوظة، ومجالد بن سعيد بن عمير بن ذي يزن، أبو عمير الهمدانيّ، الكوفي، ضعفه يحيى القطان، وابن معين، والسعديّ، والنسائي، وقال ابن عدي: وعامة ما يروونه غير محفوظ. وذكر النقاش في (تفسيره) عن الشعبي أنه قال: ما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى كتب، وأسند من حديث أبي كبشة السلوليّ أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قرأ صحيفة لعيينة بن حصن. قال ابن عطية: وهذا كله ضعيف، وتمسك أيضا بما خرّجه البخاري [ (3) ] في كتاب الصلح في عمرة القضاء من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق، عن   [ (1) ] (سنن البيهقيّ) : 7/ 42- 43، كتاب النكاح، باب لم يكن له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتعلم شعرا ولا يكتب. [ (2) ] يحيى بن المتوكل العمري أبو عقيل المدنيّ، ويقال: الكوفيّ الحذاء الضرير، صاحب بهية، مولى العمريين، روى عن أبيه، وأمه أم يحيى وبهية ويحيى بن سعيد الأنصاريّ وغيرهم، عن يحيى بن معين وهو ضعيف، وليس حديثه بشيء، وعن عليّ بن المديني كذلك، كما ضعفه النسائي وغيره، قال ابن قانع: مات سنة (167) . له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 11/ 237، (تاريخ بغداد) : 14/ 108، (الكامل في ضعفاء الرجال) : 7/ 206- 208. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 103   [ () ] (3) (فتح الباري) : 5/ 380، كتاب الصلح، باب (6) كيف يكتب «هذا ما صالح فلان بن فلان فلان ابن فلان» وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه، حديث رقم (2699) . قال الحافظ: وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي، فادعى أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب، فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه، ورموه بالزندقة، وأن الّذي قاله يخالف القرآن، حتى قال قائلهم: برئت ممن شرى دنيا بآخرة ... وقال إن رسول اللَّه قد كتبا فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير: هذا لا ينافي القرآن، بل يؤخذ من مفهوم القرآن، لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن، فقال: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ وبعد أن تحققت أمنيته، وتقررت بذلك معجزته، وأمن الارتياب في ذلك، لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى. وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك، منهم شيخه أبو ذر الهرويّ، وأبو الفتوح النيسابوريّ، وآخرون من علماء إفريقية وغيرها، واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة، وعمر بن شبة، من طريق مجاهد عن عون بن عبد اللَّه قال: «ما مات رسول اللَّه حتى كتب وقرأ» قال مجاهد: فذكرته للشعبيّ فقال: صدق، قد سمعت من يذكر ذلك. ومن طريق يونس بن ميسرة على أبي كبشة السلوليّ، عن سهل بن الحنظلية» أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتلمس؟ فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصحيفة فنظر فيها فقال: قد كتب لك بما أمر لك» . قال يونس: فنرى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب بعد ما أنزل إليه. قال عياض: وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها، كقوله لكاتبه: «ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك» ، وقوله لمعاوية: «ألق الدواة وحرف القلم، وأقم الباء، وفرق السين ولا تعور الميم» ، وقوله: «لا تمد بسم اللَّه» . قال: وهذا وإن لم يثبت أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب، فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة، فإنه أوتى من كل شيء. وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث. وعن قصة الحديبيّة بأن القصة واحدة، والكاتب فيها عليّ، وقد صرح في حديث المسور بأن عليا هو الّذي كتب، فيحمل على أن النكتة في الجزء: 13 ¦ الصفحة: 104 البراء، قال: اعتمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذي القعدة، فأبي أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللَّه، فقالوا: لا نقرّبها، فلو نعلم أنك رسول اللَّه ما منعناك، لكن أنت محمد بن عبد اللَّه، فقال: أنا رسول اللَّه، وأنا محمد بن عبد اللَّه، ثم قال لعليّ بن أبي طالب: امح رسول اللَّه، قال: لا واللَّه لا أمحوك أبدا، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الكتاب - وليس بحسن يكتب- فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد اللَّه. وذكر الحديث. ووقع في (أطراف أبي مسعود الدمشقيّ) أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب، فكتب: مكان «رسول اللَّه» : «محمدا» وكتب: «هذا ما قاضى عليه محمد» . وأخرجه الإسماعيلي، وقال ابن دحية في كتاب (التنوير) بعد أن عزاها إلى أبي مسعود: هي زيادة متلوّة ليست في (الصحيحين) ، وغفل- رحمه اللَّه- عن وقوعها في (صحيح البخاريّ) ، كما بيّنا، وليس في هذه الزيادة   [ () ] قوله: «فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب» لبيان أن قوله: «أرني إياها» أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها، إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك: «فكتب» فيه حذف، تقديره: فمحاها، فأعادها لعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكتب، وبهذا جزم ابن التين، وأطلق كتب بمعنى أمر الكتابة، وهو كثير كقوله: كتب إلى قيصر، وكتب إلى كسرى، وعلى تقدير حمله على ظاهره، فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالما بالكتابة ويخرج عن كونه أميا، فإن كثيرا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها وخصوصا الأسماء، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا ككثير من الملوك ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها، فخرج المكتوب على وفق المراد، فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا. وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني- أحد أئمة الأصول من الأشاعرة- وتبعه ابن الجوزي، وتعقب ذلك السهيليّ وغيره، بأن هذا وإن كان ممكنا ويكون آية أخرى، لكنه يناقض كونه أميا لا أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة. (فتح الباري) : 7/ 641- 642 ، كتاب المغازي، باب (44) عمرة القضاء، حديث رقم (4251) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 105 دليل، فقد تقرر في موضعه أن المقيد يقضي على المطلق، ففي الرواية الأخرى: فأمر عليا فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد اللَّه، وله طرق عديدة في (الصحيحين) وغيرهما. قال ابن دحية: وذكر عمر بن شبة في كتاب (الكتاب) له، أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب يوم الحديبيّة بيده، ونحى في قوله إلى أنه قصر الكتاب عالما به في ذلك الوقت، ولم يعلمه قبله، وإن ذلك من معجزاته صلّى اللَّه عليه وسلّم، أن تعلم الكتاب في وقته، لأن ذلك خرق للعادة. وقال بهذا القول بعض المحدثين، منهم أبو ذرّ الهروي، وأبو الفتح النيسابورىّ، والقاضي أبو الوليد الباجي، وصنف في ذلك كتابا، وقيل: إنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب ذلك اليوم غير عالم بالكتابة، ولا مميز لحروفها، لكنه أخذ العلم بيده، فخط به ما لم يميزه هو فإذا هو كتاب ظاهر بين على حسب المراد. قال: وذهب إلى ذلك القاضي أبو جعفر السمنانيّ الأصوليّ، قال الباجي: كان من أوكد معجزاته صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يكتب من غير تعلم، قال ابن دحية: وهذا كله ليس بشيء، وقد ردّ على الباجي فيما ذهب إليه من ذلك ابن معوذ، وسمّع عليه بسبب المقالة، وتبعه كثير من فقهاء الأندلس وغيرهم بموافقته، منهم. محمد بن إبراهيم الكناني، وأجاد فيما كتب، وبين أن ذلك لا يبطل المعجزة، واستأنس بمفهوم وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ وحكى في أثناء ذلك عن بعض أهل الأدب أنه زعم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحسن الشعر ولكنه كان لا يتعاطاه، قال: وإن ذلك أتم وأكمل مما لو قلنا إنه كان لا يحسنه. وحكى البغوي في (التهذيب) الخلاف، فقال: وقيل: كان يحسن الخط ولا يكتب، ويحسن الشعر ولا يقوله، والأصح أنه كان لا يحسنهما، ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئة. وقال القضاعي في (عيون المعارف) : أن من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه لم يكن له أن يقول شعرا، ولا أن ينقله، وألحق الماوردي بقول الشعر روايته وبالكتابة والقراءة أي في كتاب لقوله- تعالى-: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ قال موسعة والصواب أن اللَّه- تعالى- إنما سأل نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما فضّل به ملائكته الجزء: 13 ¦ الصفحة: 106 مع إعلاء ذكره وما خصّه به من بين أنبيائه إلا لما هو أفضل منه وأقوم بحجته على الكافرين به، وهو أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث في زمن الفصاحة والبلاغة، فلو كان ممن يقرأ ويكتب لتوجه للطاعن الطعن مع أنه مع شدة فصاحة أهل بيته وتميزهم فيها على فصاحة قريش كلها وإتقان المعرفة بالكتابة والخط أن يأتي بما أتى به من القرآن فيتبع لقريش الحجة بذلك، وحاش له معرفة الكتابة ليكون له ذلك معجزا يبطل به دعواهم، ويحصن، حجتهم ويكذب أقوالهم، إذ كان قد أتى العرب من رجل أي ما أنجزه، ومنعهم عن الإتيان بمثله. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 107 السادسة: كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا لبس لأمته أن ينزعها حتى يلقى العدو ويقاتله لحديث يوم أحد لما أشار عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم جماعة من المؤمنين بالخروج إلى عدوه إلى أحد فدخل فلبس لأمته فلما خرج عليهم قالوا: يا رسول اللَّه إن أبيت أن ترجع فقال: ما ينبغي لنبيّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل هكذا في رواية يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن شهاب وغيره، وفي رواية موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب وأذن بالخروج إلى العدو أن يرجع حتى يقاتل. وقال الواقدي [ (1) ] في روايته: عن الزهريّ عن عروة، عن المستورد بن مخرمة: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم اللَّه بينه وبين أعدائه، [وكانت الأنبياء قبله إذا لبس النبي لأمته لم يضعها حتى يحكم اللَّه بينه وبين أعدائه] [ (2) ] . وفي سنن البيهقيّ مرسلا [ (3) ] : لا ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب وأذن في الناس بالخروج إلى العدوّ أن يرجع حتى يقاتل، ثم قال: وقد كتبناه موصولا   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 214، في سياق حوادث غزوة أحد، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] وعلى ذلك لا تكون خصوصية له صلّى اللَّه عليه وسلّم، ما دامت كانت للأنبياء قبله. [ (3) ] (سنن البيهقيّ) : 7/ 40- 41، كتاب النكاح، باب لم يكن له إذا لبس لأمته أن ينزعها حتى يلقى العدوّ ولو بنفسه، ثم قال: وهكذا ذكره موسى بن عقبة عن الزهريّ، وكذلك ذكره محمد بن إسحاق عن يسار عن شيوخه من أهل المغازي، وهو عام في أهل المغازي وإن كان منقطعا، وكتبناه موصولا بإسناد حسن. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 108 بإسناد حسن، فذكره من رواية ابن عباس وأخرجه الإمام أحمد [ (1) ] من حديث أبي الزبير عن جابر. وذكره البخاريّ في (صحيحه) [ (2) ] في باب المشاورة بغير إسناد. وقوله في الحديث: لأمته هو بالمحركة قيده صاحب (المشارق) ، وقال أبو الخطاب ابن دحية في كتاب (نهاية السؤول في خصائص الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم) كذا سمعته. قال ابن فارس في (المحل) اللأمة مهمون الزرع قال: كذا قيدتها بالتمييز في كتاب (فقه اللغة) إلا أنه جعلها الزرع التام وكذا قيده في (كفاية المتحفظ) وقال ابن سيدة في مادة لأم: أو اللأمة الزرع وجمعها لأم وهذا على غير قياس وإسلام لأمته وتلاءم منها لبسها وجاء ملاء ما عليه لأمة والأمة سلاح كلها، عن بن الأعرابيّ وقد استلأم بها، وقد اختلف في هذه المسألة فاشتهر الجمهور بأنه كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم التسرع حتى يقاتل ويمكن تقرير دليله بأن نزع اللأمة بعد لبسها يشعر بالجبن وهو من ضعف النفس وذلك ممتنع على الأنبياء غير جائز عليهم، وعن رواية الشيخ أبي على: إن ذلك كان مكروها لا محرما، وقال الإمام: وهذا بعيد غير موثوق به قال: وقد قيل بناء عليه: إنه كان لا يبتدي تطوعا إلا لزمه إتمامه، فإذا كان ذلك في القتال الّذي هو   [ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 317، حديث رقم (14373) ، من مسند جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 419، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (28) قول اللَّه- تعالى-: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، وأن المشاورة قبل العزم والتبين لقوله- تعالى-: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ الحديث الّذي بين رقمي (7368) ، (7369) بدون إسناد أو رقم. وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما جاءه المشركون يوم أحد كان رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكون شهدوا ما أصاب أهل بدر، فما زالوا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى لبس لأمته، فلما لبسها ندموا وقالوا: يا رسول اللَّه أقم، فالرأي رأيك، فقال: ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم اللَّه بينه وبين عدوه، وكان قد ذكر لهم قبل أن يلبس الأداة: إني رأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة. (فتح الباري) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 109 فرض وهذا التفريع ضعيف لما قام من أكله صلّى اللَّه عليه وسلّم الحيس بعد ما أصبح صائما وقد ضعف هذا التفريع النووي- رحمه اللَّه-. السابعة: كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم خائنة الأعين أي لم يكن له أن يومئ بطرفه خلاف ما يظهره بكلامه وقد اختلف في المراد بخائنة الأعين فقيل: نفى الإيماء بالعين وقيل: مقاربة النظر. وقال الرافعي: هي الإيماء إلى مباح من ضرب أو قتل وغيره على خلاف ما يظهره وما يشعر به الحال [ (1) ] دائما، قيل لها: خائنة الأعين، تشبهها بالخيانة من حيث أنه يخفى خلاف ما يظهر، ولا يحرم ذلك على غير الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم. خرّج النسائي [ (2) ] من حديث أسباط بن نصر قال: زعم السدي، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس، إلا أربعة نفر وامرأتين وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة، عكرمة بن أبي جهل، وعبد اللَّه بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد اللَّه بن سعد بن أبي السرح، فأما عبد اللَّه بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر، فسبق سعيد عمارا وكان أشبه الرجلين فقتله، وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه، وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم ريح عاصف، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا، فقال عكرمة: واللَّه لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره، اللَّهمّ إن لك علي عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتى محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنه   [ (1) ] (روضة الطالبين) : 5/ 350، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره. [ (2) ] (سنن النسائي) : 7/ 122، كتاب التحريم، باب (14) الحكم في المرتد، حديث رقم (4078) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 110 عفوّا كريما، فجاء فأسلم، وأما عبد اللَّه بن سعد بن أبي السرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فلما دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس إلى البيعة جاء حتى أوقفه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: يا رسول اللَّه بايع عبد اللَّه، قال: فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله، فقالوا: وما يدرينا يا رسول اللَّه ما في نفسك؟ هل أومأت إلينا بعينك، قال: إنه لا ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة أعين. وخرّجه أبو داود [ (1) ] بهذا الإسناد يوم كان فتح مكة: اختبأ عبد اللَّه بن سعد ابن أبي السرح عند عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فجاء به حتى أوقفه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللَّه بايع عبد اللَّه، الحديث ... إلى آخره ولم يذكر أوله، ذكره في الحدود. أخرجه الحاكم [ (2) ] وقال حديث صحيح على شرط مسلم، وروى بن سعد [ (3) ] من طريق سعيد بن المسيب، قال: أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل ابن أبي السرح ومقيس بن صبابة والحويرث بن نقيذ وعبد اللَّه [بن هلال] بن خطل، فأما ابن خطل [الأدرمي] وهو متعلق بأستار الكعبة فبقر بطنه وكان رجل من الأنصار نذر إن رأى ابن أبي السرح أن يقتله، فجاء عثمان- وكان أخا لابن أبي السرح من الرضاعة- فشفع له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد أخذ الأنصاريّ يقلم السيف ينتظر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم متى ينوي إليه أن يقتله فشفع له عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى تركه، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للأنصاريّ قد انتظرتك أن توفي بنذرك، قال: يا رسول اللَّه هبتك، أفلا أومأت إليّ؟ قال: إنه ليس لنبي أن يومئ. رواه   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 3/ 133، كتاب الجهاد، باب (127) باب قتل الأسير ولا يفرض عليه الإسلام حديث رقم (2683) . [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 62، كتاب البيوع، باب (19) حديث رقم (2329) وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح. [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 136، غزوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عام الفتح. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 111 البيهقيّ في دلائل النبوة [ (1) ] من طريق قتادة، عن أنس نحوه في قصة ابن أبي السرح، قد حكى سبط بن الجوزي في (مرآة الزمان) أن هذا الأنصاريّ عباد بن بشر، واستدل صاحب (التلخيص) بهذا على أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن له أن يجزع في الحرب. قال الرافعي: احتج بما خرّجه البخاريّ من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن ابن مالك أن عبد اللَّه بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك حين تخلف عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يكن يريد رسول اللَّه غزوة إلا ورّى بغيرها، ومن طريق عبد اللَّه بن المبارك، عن الزهريّ قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك قال: سمعت كعب بن مالك يقول كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قل ما يريد غزوة إلا ورّى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا واستقبل غزو عدو كبير فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة عدوهم، وأخبرهم بوجهه الّذي يريد. وعن يونس، عن الزهريّ، أخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك كان يقول: لقل ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس. هكذا وقع هذا الحديث في صحيح البخاريّ [ (2) ] ، عن يونس،   [ (1) ] (دلائل النبوة) : 5/ 60، باب من أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتله يوم فتح مكة ولم يدخل فيما عقد من الأمان. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 140، كتاب الجهاد والسير، باب (103) من أراد غزوة فورّى بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس، حديث رقم (2949) . وأخرجه أبو داود في الجهاد، باب (84) في أي يوم يستحب السفر، حديث رقم (2605) ، وأخرجه الدارميّ في السير، باب في الخروج يوم الخميس. من حديث عثمان بن عمر، عن يونس عن الزهريّ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 491، حديث رقم (15352) من حديث كعب بن مالك الأنصاري، ولفظه: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك» ، ورقم (15354) من حديث كعب بن مالك الأنصاري أيضا، ولفظه: «أقل ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخرج إذا أراد سفرا إلا يوم الخميس» ، وحديث رقم (26637) بنحوه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 112 عن الزهريّ، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك قال سمعت كعب بن مالك يقول، وإن كعب بن مالك كان يقول، والحديث منقطع لأنه لم يسمع عبد الرحمن بن عبد اللَّه من عمه عبيد اللَّه عن ابنهما كعب بن المبارك وعدد ذلك من أوهام عبد اللَّه بن المبارك، لأن ابن سعد وعبد اللَّه بن وهب. روياه عن يونس، عن الزهريّ، عن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده كعب بن مالك، ورواه الليث عن عقيل عن الزهريّ بهذا الإسناد أيضا متصلا، وروى مسلم قوله: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قل ما يريد غزوة إلا ورّى [بغيرها] [ (1) ] ، من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، ومن حديث محمد ابن عبد اللَّه ابن أخى بن شهاب، عن عمه، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك وهو حديث طويل وله طرق عديدة. واحتجوا أيضا بما خرّجه البخاريّ ومسلم وغيرهما من حديث معمر، عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الحرب خدعة [ (2) ] .   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] أخرجه الجماعة إلا (الموطأ) ، و (النسائي) . فقد أخرجه البخاريّ في الأنبياء، باب علامات النبوة في الإسلام، وفي الجهاد، باب الحرب خدعة، وقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحلت لكم الغنائم، وفي الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومسلم في الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (2918) ، والترمذي في الفتن، باب ما جاء في الفتن، حديث رقم (2127) . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «الحرب خدعة» تروى بفتح الخاء، وهي اللغة الفصحى، وهي المرة الواحدة من الخداع، يعني أن الحرب بمرة واحدة من الخداع، يبلغ فيها الغرض، لأن الخصم متى انخدع غلب وقهر، وتروى بضم الخاء، وهي الاسم من الخداع، وقد روى بضم الخاء وفتح الدال- بوزن همزة- أي: إن الحرب تخدع الرجال كثيرا. (جامع الأصول) : 11/ 312، شرح الحديث رقم (8875) . قال الخطابيّ: هذا الحرف يروى بفتح الخاء وسكون الدال، وهو أفصحها، وبضم الخاء وسكون الدال، وبضم الخاء وفتح الدال، فمعنى الأولى: المرة الواحدة من الخداع: أي أن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 113 وبما خرّجاه من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو سمع جابر بن عبد اللَّه قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الحرب خدعة، وبما خرّجه أبو بكر بن أبي شيبة [ (1) ] من حديث زكريا عن أبي إسحاق، عن سعد بن ذي حدان، عن عليّ قال: إن اللَّه سمّي على لسان نبيه إن الحرب خدعة. واحتجوا بما فعله صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب من أمره نعيم بن مسعود أن يوقع بين قريش وقريظة وفعل ما فعل، حتى فرق اللَّه شملهم على يديه، وألقى بينهم العداوة، وقلل اللَّه جمعهم بذلك وبغيره، وسيرد خبر نعيم في ذكر رسله عليهم السلام، والفرق بين الرّنو بالعين والخداع بالحرب: أن الرّنو يزرى بالرامز بخلاف الإبهام في الأمور العظام فإنه يدل على الحزم واللَّه أعلم.   [ () ] المقاتل إذا خدع مرة واحدة لم يكن لها إقالة، ومعنى الثانية: الاسم من الخداع، ومعنى الثالثة: أراد أن الحرب تخدع الرجال، وتمنيهم، ولا تفي لهم، كما يقال: فلان رجل لعبة: إذا كان يكثر اللعب، وضحكة: إذا كان يكثر الضحك. (المرجع السابق) : 2/ 575- 576، شرح الحديث رقم (1054) . وأخرجه مسلم في الجهاد، باب جواز الخداع في الحرب، حديث رقم (1740) ، وأخرجه أبو داود في الجهاد، باب المكر في الحرب، حديث رقم (2637) ، وإسناده صحيح. [ (1) ] (المصنف) : 6/ 453، باب (185) في المكر والخدعة في الحرب، حديث رقم (33650) ، وحديث رقم (33651) : «إن اللَّه قضى على لسان نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن الحرب خدعة، وإني محارب أتكلم في الحرب، قال: ولكن إذا قلت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فو اللَّه لأن أخر من السماء أحب إليّ من أن أقول على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما لم يقل. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 114 الثامنة: اختلف أصحابنا هل كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يصلي على من عليه دين؟ على وجهين، وفي جوازه مع وجود الضامن على طريقتين حكاهما أبو العباس في (الجرجانيات) ، يثاب على ما حكاه الرافعي عنه، قال النووي في (الروضة) [ (1) ] بعد أن حكى الخلاف في الثانية وجهين على خلاف الرافعي، من كونه طريقتين: والصواب الجزم بجوازه مع الضامن نسخ التحريم، فكان صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك يصلي على من عليه دين ولا ضامن له ويوفيه من عنده والأحاديث الصحيحة [مصرحة بما ذكرته] ، ففي الباب حديث أبي سلمى، عن أبي هريرة في (الصحيحين) ، وعن سلمة بن الأكوع، في البخاريّ، وعن أبي قتادة في الترمذيّ، وعن جابر عند أبي داود، وعن أبي سعيد، عند البيهقيّ، وعن ابن عمر، عند الطبراني، قال في (الأوسط) : عن أبي أمامة وأسماء بنت يزيد وعنده في (الكبير) ، وعن ابن عياش في (الناسخ) للبخاريّ. وفي حديث سلمة يعني الضامن أنه قتادة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وفي حديث أبي سعيد أن الضامن عليّ فتكون القصة تكررت وكل ذلك لا يدل على التحريم فقيل في امتناعة صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنه تأديب للأحياء لئلا يأكلوا أموال   [ (1) ] (روضة الطالبين) : 5/ 350، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره، وقال في (هامشه) : كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يؤتي بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه قضاء؟ فإن حدّث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإن قيل: لا، قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم، فلما فتح عليه الفتوح قام فقال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفى من المؤمنين فترك دينا فعليّ قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته. [متفق عليه] . وأخرجه البيهقيّ في (السنن الكبرى) : 7/ 44، كتاب النكاح، باب كان عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم قضاء دين من مات من المسلمين، وقال: رواه مسلم في الصحيح، عن حرملة بن وهب، وأخرجه البخاريّ من وجه آخر عن يونس، 7/ 53 كتاب النكاح، باب كان لا يصلي على من عليه دين ثم نسخ، بنحوه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 115 الناس وقيل: هي عقوبة في أمور الدين أصلها المال، وحديث سلمة عند البخاريّ مصرح بمسألة الصلاة إذا وجد الضامن. التاسعة: كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يستكثر ومعناها: أن يعطي شيئا ليأخذ أكثر منه وقد اختلف في تأويل ذلك، فعن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لا يعطي عطية يلتمس بها أفضل منها. وقال أرطاة عن ضمرة بن حبيب وأبي الأحوص: لا يعطي شيئا له معطي أكثر منه. وقال أبو دجانة عن عكرمة: لا يعطي شيئا لأن يعطى أكثر منه، وعنه أيضا قال: لا تعطي العطية لتريد أن تأخذ أكثر منها، وقال منصور عن إبراهيم: لا تعطي فيما يزداد، وقال مغيرة عن إبراهيم: لا تعطي شيئا تأخذ أكثر منه، وفي رواية عنه: لا تعطي شيئا ليزداد، وفي رواية: لا تعط أكثر منه، وقال سلمة عن الضحاك: لا تعطى وتعطي أكثر منه، وقال وكيع عن أبي داود عن الضحاك قال: هو الربا الحلال، قال: للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة. وفي رواية: هما ربا، إن حلال أو حرام، وقلنا: الحلال فالهدايا، وأما الحرام فالربا، وقال سعيد عن قتادة: قال: لا تعط شيئا لشيء أكثر منه، وقاله أيضا طاووس، قال: ونقل عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: لا تعط مالا مصانعة رجاء أفضل من الثواب في الدنيا. وقال سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: لا تعط لتزداد، قال سفيان عن رجل عن الضحاك بن مزاحم: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [ (1) ] قال: للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة، وللناس عامة موسع عليهم.   [ (1) ] المدثر: 6، وقرأ الجمهور: وَلا تَمْنُنْ، بفك التضعيف، والحسن وأبو السمال: بشد النون. قال ابن عباس وغيره: لا تعط عطاء لتعطى أكثر منه، كأنه من قولهم: من إذا أعطى. قال الضحاك: هذا خاص به صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومباح ذلك لأمته، لكنه لا أجر لهم. (البحر المحيط) : 10/ 326- 327. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 116 قال سفيان بن حسين، عن الحسن قال: لا تمنن عملك تستكثره على ربك وفي رواية لا تمنن تستكثر عملك الصالح، وعن الربيع بن أنس قال لا تكثرن عملك في عينك فإنه فيما أنعم اللَّه عليك وأعطاك قليل، وقال حصبة عن مجاهد: لا تضعف أن تستكثر من الخير، قال: لا تمنن في كلام العرب تضعف من قولهم حبل متين إذا كان ضعيفا، وقال ابن وهب عن أبي زيد قال: لا تمنن بالنّبوّة والقرآن الّذي أرسلناك به تستكثرهم به لتأخذ عليه عرضا من الدنيا. واختار أبو جعفر محمد بن جرير الطبري من هذه الأقوال: ولا تمنن على ربك من أن تستكثر عملك الصالح لأنه في سياق آيات فيه أمره- تعالى- عليه السلام للجد في الدعاء إليه والصبر على ما يلقاه من الأذى في فكانت أشبه بذلك من غيرها، واختار القرطبي: لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت من المال. وقال: يقال: مننت فلانا كذا أي أعطيته، ويقال: العطية المن، فكأنه أمر بأن يكون عطاياه صلّى اللَّه عليه وسلّم للَّه- عز وجل- لا لارتقاب ثواب من الخلق عليها لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ما كان يجمع الدنيا، ولهذا قال: ما لي مما أفاء اللَّه عليكم إلا هذا الخمس، والخمس مردود فيكم كان ما يفضل من نفقة عياله مصروفا إلى مصالح المسلمين، ولهذا لم يورث لأنه كان لا يدخر، ولا يقتني، وقد عصمه اللَّه- تعالى- عن الرغبة في شيء من الدنيا، ولهذا حرمت عليه الصدقة، وأبيحت له الهدية، فكان يتقبلها ويثيب عليها، وقال: لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو دعيت إلى كراع لقبلت، قال ابن العربيّ: وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يقبلها سنّة، ولا يستكثرها شريعة، وإذا كان لا يعطي عطية يستكثر بها فالأغنياء أولى بالاجتناب، لأنها باب من أبواب المذلة، وذكر قول من قال: معناه لا تعط عطية تنتظر ثوابها فإن الانتظار يعلق الأطماع، وذلك في حيرة بحكم الامتناع وقد قال اللَّه- تعالى-: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 117 زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [ (1) ] وذلك جائز لسائر الخلق، لأنه متاع الدنيا، وطلب الكسب، والتكاثر بها [ (2) ] . قال القرطبي: وأما من قال: أنه أراد به العمل، أي لا تمنن على اللَّه بعملك فتستكثر فهو صحيح، فإن ابن آدم لو أطاع اللَّه عمره من غير معصية لم يبلغ نعم اللَّه بعد شكرها. خرّج البيهقي [ (3) ] من طريق زكريا بن عدي حدثنا ابن المبارك، عن الأوزاعيّ، عن عطاء، وقال زكريا: أراه عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قوله تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ [ (4) ] قال: هو الربا الحلال أن يهدي يريد أكثر منه فلا أجر فيه ولا وزر، ونهي عنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة، وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ.   [ (1) ] طه: 131. [ (2) ] قال أبو حيان الأندلسي: وعن ابن عباس أيضا: لا تقل دعوت فلم أجب، وعن قتادة: لا تدل بعملك، وعن ابن زيد: لا تمنن بنبوتك تستكثر بأجر أو كسب تطلبه منهم. وقال الحسن: تمنن على اللَّه بجدّك، تستكثر أعمالك ويقع لك بها إعجاب، وهذه الأقوال كلها من المنّ تعداد اليد وذكرها. وقال مجاهد: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ما حملناك من أعباء الرسالة، أو تستكثر من الخير، من قولهم: حبل متين: أي ضعيف. وقيل: ولا تعط مستكثرا رائيا لما تعطيه. وقرأ الجمهور: تَسْتَكْثِرُ برفع الراء، والجملة حالية، أي مستكثرا. وقال الزمخشريّ: ويجوز في الرفع أن تحذف «أن» ويبطل عملها. (المرجع السابق) . [ (3) ] (سنن البيهقيّ) : 7/ 51، كتاب النكاح، باب ما نهاه اللَّه- عز وجلّ- عنه بقوله: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ، ثم قال البيهقيّ: وأخبرنا أبو عبد اللَّه، وأبو بكر بن الحسن، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد حدثنا أبو نعيم، حدثنا سلمة بن سابور عن عطية عن ابن عباس وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ قال: لا تعطي رجلا ليعطيك أكثر منه. [ (4) ] الروم: 39. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 118 العاشرة: أمره اللَّه- تعالى- أن يختار الآخرة عن الأولى فكان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يمد عينيه إلى ما متع به المترفون من إقبال الدنيا قال تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [ (1) ] .   [ (1) ] طه: 131، قال البيهقيّ: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نصرت بالرعب، وأعطيت الخزائن، وخيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل. وأخبرنا يحيى بن إسماعيل بن سالم الأسديّ قال: سمعت الشعبيّ يحدث عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: إن جبريل- عليه السلام- أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا. (سنن البيهقيّ) : 7/ 46- 48، كتاب النكاح باب ما أمره اللَّه- تعالى- به من اختياره الآخرة على الأولى، ولا يمد عينيه إلى زهرة الحياة الدنيا، فقال تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [طه: 131] . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 119 القسم الثاني: المحرمات المتعلقة بالنكاح وفيه مسائل: الأولى: إمساك من كرهت نكاحه ورغبت عنه محرم عليه على الصحيح بخلاف غيره من يخير امرأته فإنّها لو اختارت فراقه لما وجب عليه فراقا، وقال بعضهم: بل كان يفارقها تكرما. [وهو] [ (1) ] حديث غريب كما قاله الرافعي [ (2) ] . واستند من قال بالتحريم بما خرّجه البخاريّ من طريق الأوزاعي [ (3) ] ، سألت الزهريّ: أي أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم استعاذت منه؟ قال: أخبرني عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن ابنة الجون لما أدخلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ودنا منها، قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال لها: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك. وخرّج أيضا من طريق حمزة بن أبي أسيد [ (4) ] ، عن أبي أسيد [- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-] [ (5) ] قال: خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلسوا ها هنا ودخل، وقد أتى بالجونية فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت   [ (1) ] زيادة للسياق. [ (2) ] (روضة الطالبين) : 5/ 350، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره. [ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 455، كتاب الطلاق، باب (3) من طلق، هل يواجه الرجل امرأته بالطلاق، حديث رقم (5254) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5255) . [ (5) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 120 النعمان بن شراحبيل ومعها دايتها حاضنة لها فلما دخل عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: هبي نفسك لي قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت: أعوذ باللَّه منك قال: قد عذت بمعاذ ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد، اكسها رازقين وألحقها بأهلها. وقال الحسين بن الوليد النيسابورىّ: عن عبد الرحمن، عن عباس، عن سهل عن أبيه وأبي أسيد قالا: تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أميمة بنت شراحيل فلما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقين. ترجم عليه البخاريّ باب [باب من طلق] [ (1) ] ، هل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟.   [ (1) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . والسوقة بضم السين المهملة، يقال للواحد من الرعية والجمع، قيل لهم ذلك لأن الملك يسوقهم فيساقون إليه ويصرفهم على مراده، وأما أهل السوق فالواحد منهم سوقيّ. قال ابن المنير: هذا من بقية ما كان فيها من الجاهلية، والسوق عندهم من ليس بملك كائنا من كان، فكأنها استبعدت أن يتزوج الملكة من ليس بملك، ولم يؤاخذها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بكلامها معذرة لها لقرب عهدها بجاهليتها. وقال غيره: يحتمل أنها لم تعرفه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخاطبته بذلك، وسياق القصة من مجموع طرقها يأبى هذا الاحتمال. وسيأتي في الحديث التالي من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد قال: «ذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد الساعديّ أن يرسل إليها، فقدمت، فنزلت في أجم بني ساعدة، فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى جاء بها فدخل عليها فإذا امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها قالت: أعوذ باللَّه منك، قال: لقد اعذت مني. فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جاء ليخطبك، قالت: كنت أشقى من ذلك» . فإن كانت القصة واحدة فلا يكون قوله في حديث الباب: «ألحقها بأهلها» ، ولا قوله في حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: «الحقي بأهلك» تطليقا، ويتعين أنها لم تعرفه. وإن كانت القصة متعددة- ولا مانع من ذلك- فلعل هذه المرأة هي الكلابية التي وقع فيها الاضطراب. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 121   [ () ] وقد ذكر ابن سعد بسند فيه العزرميّ الضعيف، عن ابن عمر، قال: «كان في نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سنا بنت سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب، قال: وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث أبا سعيد الساعديّ يخطب عليه امرأة من بني عامر يقال لها: عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر، قال ابن سعد: اختلف علينا اسم الكلابية فقيل: فاطمة بنت الضحاك بن سفيان، وقيل: عمرة بنت يزيد بن عبيد، وقيل: سنا بنت سفيان بن عوف، وقيل: العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف» . «فقال بعضهم: هي واحدة اختلف في اسمها، وقال بعضهم: بل كن جميعا، ولكن لكل واحدة منهن قصة غير قصة صاحبتها» ، ثم ترجم الجونية فقال: أسماء بنت النعمان. ثم أخرج من طريق عبد الواحد بن أبي عون قال: «قدم النعمان بن أبي الجون الكندي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مسلما، فقال: يا رسول اللَّه، ألا أزوجك أجمل أيم في العرب، كانت تحت ابن عم لها فتوفى، وقد رغبت فيك؟ قال: نعم، قال: فابعث من يحملها إليك، فبعث معه أبا أسيد الساعديّ، قال أبو أسيد: فأقمت ثلاثة أيام ثم تحملت معي في محفة، فأقبلت بها حتى قدمت المدينة، فأنزلتها في بني ساعدة، ووجهت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في بني عمرو بن عوف فأخبرته «الحديث. قال ابن عون: وكان ذلك في ربيع الأول سنة تسع، ثم أخرج من طريق أخرى عن عمر بن الحكم، عن أبي أسيد، قال: «بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الجونية فحملتها حتى نزلت بها في أطم بني ساعدة، ثم جئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته، فخرج يمشي على رجليه حتى جاءها «الحديث» . ومن طريق سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، قال: اسم الجونية أسماء بنت النعمان بن أبي الجون، قيل لها: استعيذي منه فإنه أحظى لك عنده، وخدعت لما رئي من جمالها، وذكر لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من حملها على ما قالت، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إنهن صواحب يوسف وكيدهن» . فهذه تتنزل قصتها على حديث أبي حازم عن سهل بن سعد. وأما القصة التي في حديث الباب من رواية عائشة، فيمكن أن تنزل على هذه أيضا، فإنه ليس فيها إلا الاستعاذة، والقصة التي في حديث أبي أسيد فيها أشياء مغايرة لهذه القصة، فيقوى التعدد، ويقوى أن التي في حديث أبي أسيد اسمها أميمة، والتي في حديث سهل اسمها أسماء، بل جاء ليخطبها فقط. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 122   [ () ] قوله: «فأهوى بيده» أي أمالها إليها. ووقع في رواية ابن سعد: «فأهوى إليها ليقبلها، وكان إذا اختلى النساء أقعى وقبّل» وفي رواية لابن سعد: «فدخل عليها داخل من النساء وكانت من أجمل النساء فقالت: إنك من الملوك، فإن كنت تريدين أن تحظي عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا جاءك فاستعيذي منه» ، ووقع عنده عن هشام بن محمد عن عبد الرحمن بن الغسيل بإسناد حديث الباب: «أن عائشة وحفصة دخلتا عليها أول ما قدمت فمشطتاها وخضبتاها، وقالت لها إحداهما: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول: أعوذ باللَّه منك» . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «قد عذت بمعاذ» هو بفتح الميم ما يستعاذ به، أو اسم مكان العوذ، والتنوين فيه للتعظيم. وفي رواية ابن سعد: «فقال بمكة على وجهه وقال: عذت معاذا ثلاث مرات » وفي أخرى له: «فقال: أمن عائذ اللَّه» . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يا أبا أسيد اكسها رازقين» براء ثم زاي ثم قاف بالتثنية صفة موصوف محذوف للعلم به. والرازقية ثياب من كتان بيض طوال. قاله أبو عبيدة وقال غيره: يكون في داخل بياضها زرقه، والرازقي الصفيق. قال ابن التين: متعها بذلك إما وجوبا وإما تفضلا. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «وألحقها بأهلها» قال ابن بطال: ليس في هذا أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم واجهها بالطلاق، وتعقبه ابن المنير بأن ذلك ثبت في حديث عائشة [أول أحاديث الباب] ، فيحمل على أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لها: الحقي بأهلك، ثم لما خرج إلى أبي أسيد قال له: ألحقها بأهلها، فلا منافاة، فالأول قصد بالطلاق، والثاني أراد به حقيقة اللفظ، وهو أن يعيدها إلى أهلها، لأن أبا أسيد هو الّذي كان أحضرها كما ذكرناه. ووقع في رواية لابن سعد، عن أبي أسيد قال: «فأمرني فرددتها إلى قومها» وفي أخرى له: «فلما وصلت بها تصايحوا وقالوا: إنك لغير مباركة، فما دهاك؟ قالت: خدعت. قال: فتوفيت في خلافة عثمان» . قال: «وحدثني هشام بن محمد عن أبي خيثمة زهير بن معاوية أنها ماتت كمدا «ثم روى بسند فيه الكلبيّ» أن المهاجر بن أبي أمية تزوجها، فأراد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- معاقبتها، فقالت: ما ضرب عليّ الحجاب، ولا سميت أم المؤمنين. فكفّ عنها» . وعن الواقديّ: سمعت من يقول: إن عكرمة بن أبي جهل خلف عليها، قال: وليس ذلك بثبت. ولعل ابن بطال أراد أنه لم يواجهها بلفظ الطلاق. وقد أخرج ابن سعد من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن الوليد بن عبد الملك إليه يسأله، فكتب إليه: ما تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 123 وخرّج البخاريّ في كتاب الأشربة في باب الشرب من قدح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وآنيته، من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال: ذكر لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم امرأة من العرب فأمر أبا أسيد أن يرسل إليها، فأرسل إليها فقدمت، فأنزلت في أجم بني ساعدة فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى جاءها فدخل عليها فإذا امرأة منكسة رأسها فلما كلمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: قد أعذتك مني، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ فقالت: لا فقالوا: هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جاءك ليخطبك فقالت: كنت أنا أشقى من ذلك. قال سهيل: فأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ حتى جلس في سقيفة بني ساعدة هو وأصحابه، ثم قال: اسقنا يا سهل، فأخرجت لهم هذا القدح فأسقيتهم فيه، قال أبو حازم: فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا فيه [ (1) ] ، قال: ثم استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز فوهبه له [ (2) ] . وخرّجه مسلم وهذه سياقته [ (3) ] .   [ () ] كندية إلا أخت بني الجون فملكها. فلما قدمت المدينة نظر إليها فطلقها ولم يبن بها. فقوله: فطلقها، يحتمل أن يكون باللفظ المذكور قبل، ويحتمل أن يكون واجهها بلفظ الطلاق، ولعل هذا هو السرّ في إيراد الترجمة بلفظ الاستفهام دون بت الحكم. واعترض بعضهم بأنه لم يتزوجها إذ لم يجر ذكر صورة العقد، وامتنعت أن تهب له نفسها فكيف يطلقها؟. والجواب أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان له أن يزوج من نفسه بغير إذن المرأة وبغير إذن وليها، فكان مجرد إرساله إليها، وإحضارها، ورغبته فيها كان كافيا في ذلك، ويكون قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم «هبي لي نفسك» تطييبا لخاطرها، واستمالة لقلبها، ويؤيده قوله في رواية لابن سعد: «أنه اتفق مع أبيها على مقدار صداقها، وأن أباها قال له: إنها رغبت فيك وخطبت إليك» . وفي الحديث أن من قال لأمرأته: الحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت، فإن لم يرد الطلاق لم تطلق، على ما وقع في حديث كعب بن مالك الطويل في قصة توبته «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أرسل إليه أن يعتزل امرأته قال لها: الحقي بأهلك فكوني حتى يقضي اللَّه هذا الأمر» . (فتح الباري) مختصرا. [ (1) ] كذا في (الأصل) وفي (صحيح البخاريّ) : «فأخرجت لهم هذا القدح فأسقيتهم فيه. فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا منه» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 124 وقال البخاريّ: اسقنا يا سهل، وقد قيل: إنّ بين القصتين تغاير فلعلهما قضيتان لامرأتين إحداهما مخطوبة، والأخرى نزولها معقود عليها، وفيه بعد، وفي رواية لابن سعد: علمها نساؤه ذلك وإسناده ضعيف. وذكره الحاكم في المستدرك [ (1) ] وسيأتي في ذكر أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مزيد بيان لذلك، وفيها مما ذكرنا أنه حرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم نكاح كل امرأة كرهت صحبته، وجدير أن يكون الأمر كذلك لما فيه من الإيذاء، ويشهد لذلك إيجاب التخيير كما تقدم، وينبغي أن يفرق بالكراهة فإن كانت كراهة المرأة لذاته صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنّها تكفر بذلك، وإن كانت كراهتها لأجل الغيرة فلا. وقد قال بعضهم: ينبغي أن ينظر في التاريخ، وعلى تقدير أن تكون قصة المستعيذة بعد آية التخيير. ففي سبب نزول آية التخيير أقوال منها: تغاير نسائه عليه. يقول: لم يكرهن صحبته وإنما رغبتهن فيه أوجبت تغايرهن عليه،   [ () ] (2) (فتح الباري) : 10/ 121، كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وآنيته، وقال أبو بردة: قال لي عبد اللَّه بن سلام: «ألا أسقيك في قدح شرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه؟ «حديث رقم (5637) . قوله: «قالت: أنا كنت أشقى من ذلك» ليس أفعل التفضيل فيه على ظاهره، بل مرادها إثبات الشقاء لها لما فاتها من التزوج برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، «وسقيفة بني ساعدة» هو المكان الّذي وقعت فيه البيعة لأبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالخلافة. وفي الحديث: التبسط على الصاحب، واستدعاء ما عنده من مأكول ومشروب، وتعظيمه بدعائه بكنيته، والتبرك بآثار الصالحين، واستيهاب الصديق ما لا يشق عليه هبته. (فتح الباري) : مختصرا. [ (3) ] لم أجده في (صحيح مسلم) . [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 38، كتاب معرفة الصحابة، ذكر الكلابية أو الكندية، حديث رقم (6813) ، وقد سكت عنه الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) ، وحديث رقم (6816) ، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : سنده واه، ويروي عن زهير بن معاوية أنها ماتت كمدا، ويذكر عن هشام ابن الكلبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: خلف عن أسماء ... الخبر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 125 وحصل بذلك ضيق، فأنزل اللَّه- تعالى- الآية، فعلى هذا ونحوه لا تحريم، وهذا قويّ ودليل التحريم غير منهض قائله. الثانية: نكاح الحرة الكتابية حرام عليه قال إمام الحرمين: وقد اختلف في تحريم الحرة الكافرة عليه، قال ابن العربيّ [ (1) ] : والصحيح عندي تحريمها عليه، وبهذا يتميز علينا فإنه ما كان من جانب الفضائل والكرامة فحظه فيه أكثر، وما كان من جانب النقائص فجانبه عنها أظهر فجوز لنا نكاح الحرائر الكتابيات وقصر هو صلّى اللَّه عليه وسلّم لجلالته على المؤمنات، وإذا كان لا يحل له من لم تهاجر لنقصان فضل الهجرة، فأحرى ألا تحل له الكتابية الكافرة لنقصان الكفر. انتهى [ (2) ] . وخرّج الحاكم [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: سألت ربي- عز وجل- أن لا أزوج أحدا من أمتي ولا أتزوج إلا كان معي في الجنة فأعطاني، قال الحاكم صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] .   [ (1) ] قال ابن العربيّ في قوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة: 22] ، قال فيها ثلاث أقوال: الأول: لا يجوز العقد بنكاح على مشركة كانت كتابية أو غير كتابية، قال عمر في إحدى روايتيه، وهو اختيار مالك والشافعيّ إذا كانت أمة. الثاني: المراد به وطء من لا كتاب له من المجوس والعرب، قاله قتادة. الثالث: أنه منسوخ بقوله تعالى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: 5] . (أحكام القرآن) : 1/ 156. [ (2) ] (أحكام القرآن) : 3/ 1559. [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 148، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4667) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 126 خرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال لامرأته: أن سرّك أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا، فلذلك حرم على أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة. وإذا تقرر ذلك، فالجنة محرمة على الكافرين ولأن الكافرة تكره صحبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة، قال القاضي حسين: لا يجوز له أن ينزع ماؤه في رحمها، خالفه أبو إسحاق من أصحابنا فقال: لا يحرم عليه نكاحها كما في موالاته وحكمه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح إن سعى من حكم أمته وهي حلال لهم وله أولى وهذا القائل يقول: لو نكح كتابية لهديت إلى الإسلام كرامة له، وفي (الحاوي) للماورديّ أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم استمتع بأمته ريحانة بنت عمر بملك اليمين وكانت يهودية من بني قريظة بعد أن عرض عليها الإسلام فأبت ثم أسلمت بعد ذلك، وهذا دليل القائل على الأمة الكتابية كما سيأتي إن شاء اللَّه- تعالى-. قال مؤلفه فيما نقله الماورديّ نظر، فقد نقل الواقدي [ (2) ] أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أخذها من سبي بني قريظة لنفسه صفية عرض عليها الإسلام فأبت فعزلها   [ (1) ] (السنن الكبرى) : 7/ 69- 70، كتاب النكاح، باب ما خص به من أن أزواجه أمهات المؤمنين، وأنه يحرم نكاحهن من بعده على جميع العالمين. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 520- 521، باب غزوة بني قريظة. وقال الواقدي: وحدثني ابن أبي سبرة، عن أبي حرملة، عن أخته أم عبد اللَّه ... [قالت صفية] : فسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلينا قبل الكتيبة، فسبيت في النزار قبل أن ينتهي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الكتيبة، فأرسل بي إلى رحله، ثم جاءنا حين أمسى فدعاني، فجئت وأنا مقنعة حييّة، فجلست بين يديه فقال: إن أقمت على دينك لم أكرهك، وإن اخترت اللَّه ورسوله فهو خير لك، قالت: أختار اللَّه ورسوله والإسلام، فأعتقني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتزوجني وجعل عنقي مهري، فلما أراد أن يخرج إلى المدينة قال أصحابه: اليوم نعلم أزوجة أم سرية، فإن كانت امرأته فسيحجبها وإلا فهي سرية. فلما خرج أمر بستر فسترت به فعرف أني زوجة، ثم قدّم إلى البعير وقدّم فخذه لأضع رجلي، فأعظمت ذلك، ووضعت فخذي على فخذه، ثم ركبت. وكنت ألقى الجزء: 13 ¦ الصفحة: 127 حتى أسلمت، فسر بذلك ثم قال: فحدثني عبد الملك بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أيوب بن بشير المعاوي، قال: أرسل بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر، وكانت عندها حتى حاضت حيضة ثم طهرت من حيضتها فجاءت أم المنذر فأخبرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجاءها في منزل أم المنذر فقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن أحببت إن أعتقك وأتزوجك فعلت، وإن أحببت أن تكوني في ملكي أطؤك بالملك فعلت، فقالت: يا رسول اللَّه إني أخفّ عليك وعليّ أن أكون في ملكك، فكانت في ملك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يطؤها حتى ماتت عنده. وحدثني بن أبي ذئب قال: سألت الزهريّ عن ريحانة فقال: كانت أمة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعتقها وتزوجها فكانت تحتجب في أهلها وتقول: لا يراني أحد بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال الواقدي [ (1) ] : فهذا أثبت الحديثين عندنا. فتبين أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يطأ ريحانة إلا بعد أن أسلمت ويظل الاستدلال على جواز التسري بالأمة الكتابية وقد خرجوا على القول بجواز ذلك هل عليه تخييرها بين أن تسلم فيمسكها أم تقيم على دينها فيفارقها؟ فيه وجهان حكاهما الماورديّ أحدهما: عليه تخييرها لتصبح من أزواجه في الآخرة، والثاني ليس ذلك عليه لأنه لما خير ريحانة وقد عرض عليها الإسلام فأقام على الاستمتاع بها.   [ () ] أزواجه، يفخرن عليّ يقلن: يا بنت اليهوديّ وكنت أرى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلطف بي ويكرمني، فدخل عليّ يوما وأنا أبكي فقال: مالك؟ فقلت: أزواجك يفخرن عليّ ويقلن: يا بنت اليهوديّ. قالت: فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد غضب ثم قال: إذا قالوا لك أو فاخروك فقولي: أبي هارون وعمي موسى. (مغازي الواقدي) : 2/ 674- 675، باب غزوة خيبر مختصرا. [ (1) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 128 الثالثة: في تسريه بالأمة الكتابية وفيه الخلاف المذكور قبله، وقال الرافعيّ: الأظهر هنا أجل، وبه أجاب الشيخ أبو حامد، وهو اختيار الماورديّ في ريحانة، ولا ينهض دليل ذلك عنه إلا التعقب والابتعاد [ (1) ] . الرابعة: في تحريم نكاحه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأمة المسلمة اختلف أصحابنا في ذلك على وجهين: أحدهما: عن أبي هريرة: لا يحرم عليه نكاحها كما في حق أبيه وأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوسع نكاحا من أمته، وأصحهما، يحرم لأن جواز نكاح الأمة مشروط بخوف العنت، وكونه صلّى اللَّه عليه وسلّم معصوم ويفقد أن طول الحرة ونكاحه صلّى اللَّه عليه وسلّم غير مفتقر إلى المهر، ولأن من نكح أمة كان ولده رقيقا، ومنصبه صلّى اللَّه عليه وسلّم منزه عن ذلك   [ (1) ] قال الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لأنها داخلة في معنى من حرم من المشركات وغير حلال، منصوصة بالإحلال كما نص حرائر أهل الكتاب في النكاح، واللَّه- تعالى- إنما أحل نكاح إماء أهل الإسلام بمعنيين، وفي ذلك دلالة على تحريم من خالفهن من إماء المشركين، واللَّه أعلم، لأن الإسلام شرط ثالث. وأخبرنا أبو منصور النصروي، حدثنا أحمد بن نجدة، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا سفيان عن ابن نجيح عن مجاهد، قال: لا يصلح نكاح إماء أهل الكتاب، لأن اللَّه تعالى يقول: مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ. وعن الحسن في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا إلى قوله تعالى: مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ قال: فلم يرخص لنا في إماء أهل الكتاب. وعمن أدرك من فقهائهم الذين ينتهي إلى قولهم، منهم سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد، وعبيد اللَّه، وسليمان بن يسار، قال: وكانوا يقولون: لا يصلح للمسلم نكاح الأمة اليهودية ولا النصرانية، إنما أحل اللَّه المحصنات من الذين أوتوا الكتاب، وليست الأمة بمحصنة. (سنن البيهقيّ) : 7/ 177، كتاب النكاح، باب لا يحل نكاح أمة كتابية لمسلم بحال. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 129 وبهذا قطع جماعة، وجمع الماورديّ هذه المسألة مفرعة على جواز الاجتهاد في الخصائص، وذهب الجمهور إلى الجواز ليتوصل به إلى معرفة الأحكام، ثم ذكر الماورديّ اختلافهم في نكاح الكتابية، ثم قال: وأما الأمة فلم يختلف أنه لم يكن له أن يتزوجها. قال الرافعي: لكن من جوز ذلك قال: خوف العنت إنما يشترط في حق الأمة وفي اشتراط فقدان الطول تردد عن الشيخ أبي محمد وغيره على وجه الجواز. قال الإمام فإن شرطناه لم تجز الزيادة على أمة واحدة وإلا جازت وقد فرعوا على القول بأن نكاح الأمة جائز فروعا منها إذا أتت بولد هل يكون رقيقا أم لا؟ وفي لزوم قيمة هذا الولد لسيدها وجهان، وهل يقدر في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم نكاح غرر؟ وكل هذا مما يجب أن يصان جانبه العليّ عنه، والإمساك في حقه إضرار إلى نكاح الأمة لأنه لو أعجبته أمة وجب على مالكها بذلها له هبة قياسا على ما ذكروه في الطعام. واللَّه اعلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 130 النوع الثالث: ما اختص به من المباحات والتخفيفات توسعة وتنبيها على [أنّ] ما اختص به صلّى اللَّه عليه وسلّم من الإباحة لا يلهيه عن طاعة اللَّه تعالى وهذا النوع قسمان أيضا: متعلق بغير النكاح ومتعلق به واعلم أن معظم المباحات لم يفعلها مع إباحتها له، وليس المراد المباح هنا ما استوى طرفاه بل ما لم يحرج في فعله ولا في تركه فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم واصل، [وكان له] [ (1) ] الاستبداد بالخمس، قد يكون راجحا لفعل يصرفه في المصالح، وقد يكون راجح الترك لفقد هذا المعنى، ودخوله مكة بغير إحرام قد يترجح فعله، وقد يترجح تركه، وكذا الزيادة على الأربع لا يساوي فيه فإن أفعاله صلّى اللَّه عليه وسلّم وأقواله كلها راجحة مثاب عليها، حتى في أكله وشربه، لأن كل واحد من أمته يكون له أن يقصد وجه اللَّه- تعالى- بذلك، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم أولى بذلك. القسم الأول: المباحات له صلّى اللَّه عليه وسلّم في غير النكاح وفيه مسائل: الأولى: الوصال في الصوم أبيح له صلّى اللَّه عليه وسلّم قال القضاعي: أبيح له دون غيره من الأنبياء، وقد اختلف في ذلك، فقيل: يكره فيما قاله الشافعيّ، وعند الجمهور أنه من المباحات، وأحاديث وصال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والنهي عنه لغيره ثابتة في الصحيحين، من حديث أنس   [ (1) ] زيادة للبيان. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 131 ابن مالك [ (1) ] ، وفي البخاريّ من حديث أبي سعيد [ (2) ] ، وفي الصحيحين أيضا من حديث عبد اللَّه بن عمر [ (3) ] ، ومن حديث أبي هريرة [ (4) ] ، ومن حديث عائشة [ (5) ]   [ (1) ] أخرجه البخاريّ ومسلم والترمذي، ولفظه «عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: واصل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في آخر شهر رمضان، فواصل ناس «من المسلمين، فبلغه ذلك، فقال: لو مدّ لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم، إنكم لستم مثلي- أو قال: لست مثلكم- إني أظل يطعمني ربي ويسقيني» . وفي رواية قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لا تواصلوا، قالوا: إنك تواصل؟ قال: لست كأحد منكم، إني أبيت أطعم وأسقى» . أخرجه البخاريّ ومسلم، وأخرج الترمذيّ الرواية الثانية، وقال: إن ربي يطعمني ويسقيني. والمتعمق في الأمر: المبالغ فيه المجاوز للحد. (جامع الأصول) : 6/ 380، ترك الوصال، حديث رقم (4563) . [ (2) ] أخرجه البخاريّ وأبو داود، ولفظه:» عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر، قالوا: فإنك تواصل يا رسول اللَّه؟ فقال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني» (جامع الأصول) : 6/ 382 حديث رقم (45566) . [ (3) ] أخرجه البخاريّ ومسلم ومالك وأبو داود: ولفظه: «عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل؟ قال: إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى» وفي رواية: «لست مثلكم» . وللبخاريّ أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واصل، فواصل الناس، فشق عليهم، فنهاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يواصلوا، قالوا: إنك تواصل؟ قال: لست كهيئتكم، إني أظل أطعم وأسقى، وأخرج الموطأ وأبو داود الرواية الأولى. (جامع الأصول) : 6/ 379، حديث رقم (4562) . [ (4) ] أخرجه البخاريّ ومسلم ومالك، ولفظه: «عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول اللَّه؟ قال: وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما، ثم يوما، ثم رأوا الهلال، فقال: لو تأخر لزدتكم كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا «أخرجه البخاريّ ومسلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 132 رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، ولأحمد [ (1) ] من وجهين صحيحين: إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني.   [ () ] وللبخاريّ: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إياكم والوصال- مرتين- فقيل: إنك تواصل؟ قال: إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكفلوا من الأعمال ما تطيقون» . ولمسلم نحوه، ولم يقل: «مرتين» وقال: «إنكم لستم في ذلك مثلي» . وله في أخرى مثله، وقال: «واكفلوا ما لكم به طاقة» . وأخرج الموطأ رواية البخاريّ إلى قوله: «ويسقيني» . والتنكيل، نكل به: إذا جعله عبرة لغيرة، وقيل: هو العقوبة. (جامع الأصول) : 6/ 381- 382، حديث رقم (4565) . [ (5) ] أخرجه البخاريّ ومسلم ولفظه: «عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قالت: نهاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل؟ إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقيني، إلا أن البخاريّ قال: «نهى» ولم يقل: «نهاهم» (جامع الأصول) : 6/ 381، حديث رقم (4564) . [ (1) ] (مسند أحمد) : 2/ 461، حديث رقم (7122) من مسند أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه: «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إياكم والوصال، قالها ثلاث مرار، قالها ثلاث مرار، قالوا: فإنك تواصل يا رسول اللَّه، قال: إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من العمل ما تطيقون» . وحديث رقم (7188) من مسند أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إياكم والوصال كذاك علمي، قالوا: إنك تواصل، قال: إني لست كأحدكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» . وحديث رقم (7495) من مسند أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه: «نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الوصال، قالوا: إنك تواصل، قال: إنكم لستم كهيئتي، إن اللَّه حبي يطعمني ويسقيني» وقال يزيد: «إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» . وحديث رقم (7728) من مسند أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه: «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تواصلوا، قالوا: يا رسول اللَّه إنك تواصل؟ قال: إني لست مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، قال: فلم ينتهوا عن الوصال، فواصل بهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يومين أو ليلتين ثم رأوا الهلال، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو تأخر الهلال لزدتكم، كالمنكل بهم» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 133 حدثنا أمية به بتخصيصه بأنه ليس كهيئاتهم، إن اللَّه يطعمه ويسقيه، قال النووي [ (1) ] : قوله يطعمني ويسقيني: معناه يجعل اللَّه لي قوة الطاعم والشارب، وقيل هو على ظاهره أنه يطعم من طعام الجنة كرامة له، والأول أصح، لأنه لو أكل حفيفة لم يكن مواصلا، وقد قال في رواية ابن عمر: إني في الظل   [ () ] وحديث رقم (8053) من مسند أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه: «إياكم والوصال، إياكم والوصال، قالوا: إنك تواصل يا رسول اللَّه، قال: إني لست في ذاكم مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فأكلفوا من العمل ما لكم به طاقة» . وحديث رقم (10671) من مسند أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه: «لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر، فقالوا: إنك تواصل؟ قال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني، وساق يسقيني» . وحديث رقم « (13666) من مسند أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى عن الوصال، قال: قيل له: إنك تواصل؟ قال: إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» . وحديث رقم (13170) من مسند أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولفظه: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى عن الوصال، قال فقيل: إنك تواصل؟ قال: إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» . وحديث رقم (25680) من حديث السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ولفظه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى عن الوصال، فقيل: يا رسول اللَّه فإنك تواصل؟ قال: إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» . وأخرجه البيهقيّ في (السنن الكبرى) : 7/ 61- 62، كتاب النكاح، باب الوصال له مباح ليس لغيره، وقال: أخرجه البخاريّ ومسلم في الصحيحين من حديث مالك، وثبت معناه من حديث أبي هريرة، وأنس بن مالك، وعائشة بنت الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم جميعا-، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 220، شرح الحديث رقم (1103) من باب (11) النهي عن الوصال في الصوم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 134 يطعمني ربي ويسقيني، ولنفسه ظل لا يكون إلا في النهار، ولا يجوز الأكل الحقيقي في النهار بلا شك فثبت ما قلناه. وأجيب بأنه لو أكل من طعام الجنة لم يفطر أو بأن طعام اللَّه- تعالى- لا يفطر بدليل القاضي وقد علل بقوله: إنما أطعمه اللَّه وسقاه وقيل: يعان على الصوم ويقوى عليه فكأنه أطعم أو يخلق له اللَّه من الشبع الّذي كالطاعم والشارب. وقيل: كان الإطعام والإسقاء حقيقة في المنام وقال الإمام: الوصال قربة في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإنما يثبت خصوصية الوصال للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قلنا بأنه حرام على الأمة. وقد نص الشافعيّ- رحمه اللَّه- على كراهيته، وفي ذلك وجهان، قيل: كراهة تحريم، وقيل: كراهة تنزيه، أصحهما أنه كراهة تحريم في النهي عنه. قال جمهور العلماء: قاله النووي واستدل به على تحريم الوصال بما خرّجه البخاريّ من حديث أبي حازم، عن يزيد بن الهاد، عن عبد اللَّه بن حباب، عن أبي سعيد الخدريّ أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا تواصلوا فأيكم إذا كان يواصل فليواصل حتى السحر. قالوا: فإنك تواصل يا رسول؟ اللَّه قال: لست كهيئتكم إني أبيت مطعم يطعمني وساق يسقيني [ (1) ] . والنهي يقتضي التحريم، وقال القاضي عياض: قيل: النهي عنه رحمه وتخفيف فمن قدر فلا حرج، وقد واصل جماعة من السلف لأيام، وأجازه ابن وهب وأحمد وإسحاق إلى السحر ثم حكى عن الأكثرين كراهته. وقد كانت أخت أبي سعيد تواصل وهي صحابية، وكان عبد اللَّه بن الزبير يواصل سبعة أيام، فإذا كان الليلة السابعة دعي بإناء من سمن فشربه ثم يأتي بثريدة فيها عرقان ويؤتي الناس بالجنان فيقول: هذا من خالص مالي، وهذا من بيت مالكم، وكان ابن وضاح يواصل أربعة أيام. وقال عطاء وأبيّ وغيرهم من أصحابنا: هو من الخصائص التي أبيحت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحرمت على الأمة واحتج لمن أباحه بقوله في بعض طرق مسلم: نهاهم عن الوصال- رحمه اللَّه-.   [ (1) ] سبق تخريجه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 135 وفي طرق بعضهم: لما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما ثم يوما ثم زاد الهلال فقال: لو تأخر الهلال لزدتكم. وفي بعضها لو مدّ لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم [ (1) ] . ولو كان حراما ما فعله صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصحابه، وقد اشتهر عن كثير من الصلحاء الوصال، فلعل وصالهم جاء من غير قصد إليه، بل اتفق ترك تناولهم المفطر بفعله عنهم، أو لاشتغاله بالاستغراق بالمعارف، ونحن نشاهد الترك عند اشتغال القلب بما يسرّ أو يحزن فكيف بذاك؟ وعلى هذا تكون الخصوصية له صلّى اللَّه عليه وسلّم على كل أمته لا على أحد من أفرادها. الثانية: اصطفاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما يختاره من الغنيمة قبل قسمها من جارية أو غيرها بشيء ما اختاره من ذلك الصفيّ والجمع الصّفايا خرّج أبو داود [ (2) ] من طريق سفيان بن مسروق [حدثنا محمود بن خالد السلمي، حدثنا عمر- يعني ابن عبد الواحد- عن سعيد- يعني ابن بشير، عن قتادة، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 221، كتاب الصيام، باب (11) النهي عن الوصال في الصوم، حديث رقم (1104) قال الإمام النووي: وبيان الحكمة في نهيهم والمفسدة المترتبة على الوصال، وهي الملل من العبادة والتعرض للتقصير في بعض وظائف الدين: من إتمام الصلاة بخشوعها، وأذكارها، وآدابها، وملازمة الأذكار، وسائر الوظائف المشروعة في نهاره وليلة. واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) . [ (2) ] (سنن أبي داود) : 3/ 397، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (21) ما جاء في سهم الصفتين حديث رقم (2993) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وهو حديث مرسل، وفيه سعيد بن بشير وهو ضعيف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 136 شاء، فكانت صفية من ذلك السهم وكان إذا لم يغز [بنفسه] ضرب له بسهم ولم يخير. وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كانت صفية من الصّفي [ (1) ] . وخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث وكيع، حدثنا قرة بن خالد، عن أبي العلام يزيد بن عبد اللَّه بن الشخير قال: كنا جلوسا بهذا المربد بالبصرة فجاء أعرابي معه قطعة من أديم أو قطعة جراب فقال: هذا كتاب كتبه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذته فقرأته على القوم فإذا فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، كتاب من محمد رسول اللَّه لبني زهير بن أقيش، إنكم إن أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغنم الخمس، وسهم النبي والصفيّ فإنكم آمنون بأمان اللَّه وأمان الرسول، قال: قلنا للأعرابي: أنت سمعت هذا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: نعم يقول صوم شهر الصبر- يعني رمضان- وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن من حرّ الصدر، تم انصاع مدبرا، فقال: تروني أكذب على رسول اللَّه؟. وخرّجه أبو محمد بن داود من حديث وكيع، عن قرة بن خالد بنحوه إلى قوله: وأمان رسول اللَّه، وبعد هذا قال: قلنا له: هل سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: شيئا؟ قال: سمعته يقول صوم شهر الصبر، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر يذهبن في حرّ الصدر قال: قلت: إنك سمعت رسول اللَّه؟ قال: أتروني أكذب على رسول اللَّه؟ ثم أخذ العتاب وانصاع مدبرا. وخرّجه أبو داود [ (2) ] من حديث مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا قرة قال: سمعت يزيد بن عبد اللَّه [ (3) ] قال: كنا بالمربد [ (4) ] ، فجاء رجل أشعث الرأس بيده قطعة أديم أحمر، فقلنا: كأنك من أهل البادية، فقال: أجل، قلنا: ناولنا هذه   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2994) ، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم. [ (2) ] (سنن أبي داود) : 3/ 400، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (21) ما جاء في سهم الصفيّ، حديث رقم (2999) . [ (3) ] يزيد بن عبد اللَّه: هو ابن الشّخير. [ (4) ] المربد: محلة بالبصرة من أشهر محالها وأطيبها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 137 القطعة الأديم التي في يدك، فناولناها [فقرأناها] [ (1) ] ، فإذا فيها: من محمد رسول اللَّه إلى بني زهير بن أقيش، إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا رسول اللَّه، وأقم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأديتم الخمس من المغنم، وسهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصّفيّ فأنتم آمنون بأمان اللَّه ورسوله، فقلنا: من كتب لك هذا الكتاب؟ قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] ، خرّجه قاسم بن أصبغ من طريق مسلم بن إبراهيم، عن قرة إلى آخره نحوه [ (3) ] . قال أبو عمر بن عبد البر: سهم الصّفيّ مشهود في صحيح الآثار. معروف عند أهل العلم، ولا يختلف أهل السير في أن صفيّ من الصّفا، وأجمع العلماء على أن سهم الصّفيّ ليس لأحد بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرّج البخاريّ ومسلم من طريق حماد بن يزيد، عن ثابت، عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها، وقصة صفية. خرجها البخاريّ من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن أنس، قدمنا خيبر فلما فتحنا الحصن ذكر له جمال صفية، وقد قتل زوجها وكانت عروسا، فاصطفاها لنفسه [ (4) ] ، الحديث.   [ (1) ] زيادة للسياق من (سنن أبي داود) ، وأقيش، بضم الهمزة وفتح القاف، ثم ياء مثناة ساكنة وآخره شين معجمة، هم حيّ من بني عكل. [ (2) ] قال الخطابيّ: أما سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنه كان يسهم له كسهم رجل ممن شهد الوقعة، حضرها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو غاب عنها. وأما الصفيّ فهو ما يصطفيه من عرض الغنيمة من شيء قبل أن يخمس- عبد، أو جارية، أو فرس، أو سيف، أو غيرها- وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مخصوصا بذلك، مع الخمس الّذي كان له خاصة. (معالم السنن) . [ (3) ] ورواه بعضهم عن يزيد بن عبد اللَّه، وسمى الرجل النمر بن تولب الشاعر، صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويقال: إنه ما مدح أحدا، ولا هجا أحدا، وكان جوادا لا يكاد يمسك شيئا، وأدرك الإسلام وهو كبير، ويسمى الكيس لحسن شعره، ترجمته في (الشعر والشعراء) : 191- 192. [ (4) ] (فتح الباري) : 7/ 608، كتاب المغازي، باب (39) غزوة خيبر، حديث رقم (4211) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 138 وله من حديث ثابت عن أنس كان في السبي صفية، فصارت إلى دحية، ثم صارت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . خرّج البخاريّ ومسلم من حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس في قصة خيبر، فجمع السبي، فجاء دحية فقال: أعطنى جارية من السبي، قال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية، فجاء رجل فقال: يا نبيّ اللَّه! أأعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلا لك، قال: أدعوه بها، فجاء بها، فلما نظر إليها [النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] قال: خذ جارية من السبي غيرها، الحديث [ (2) ] . وعن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أنه اشتراها من دحية بسبعة أرؤس [ (3) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4200) ، (4201) ، قال الحافظ في (الفتح) : فلما قيل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، إنها بنت ملك من ملوكهم، ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه، وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها، فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم، فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه، واختصاص النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بها، فإن في ذلك رضا الجميع، وليس ذلك من الرجوع في الهبة في شيء. [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 632، كتاب الصلاة، باب (12) ما يذكر في الفخذ، حديث رقم (371) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «خذ جارية من السبي غيرها «ذكر الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في (الأم) عن (سير الواقدي) أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أعطاه أخت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وكان كنانة زوج صفية، فكأنه طيب خاطره لما استرجع منه صفية بأن أعطاه أخت زوجها، واسترجاع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صفية منه محمول على أنه إنما أذن له في أخذ جارية من حشو السبي لا في أخذ أفضلهن فجاز استرجاعها مننه لئلا يتميز بها على باقي الجيش، مع أن فيهم من هو أفضل منه. ووقع في رواية لمسلم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اشترى صفية منه بسبعة أرؤس، وإطلاق الشراء على ذلك على سبيل المجاز، وليس في قوله: «سبعة أرؤس» ما ينافي قوله هنا: «خذ جارية» إذ ليس هنا دلالة على نفي الزيادة (فتح الباري) . [ (3) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 139 وذكر الرافعي أن ذا الفقار [ (1) ] كان من الصفيّ، واعترض عليه بأن غنائم بدر كانت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم كلها لأنها كانت قبل فرض الخمس، والكلام في الصفيّ بعد فرض الخمس وعلى هذا المعنى يحمل ما خرّجه الترمذيّ، وابن ماجة، والحاكم، عن ابن عباس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر. وخرّجه الواقدي عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، وعن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: تنفّل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سيفه ذا الفقار يومئذ، وكان لمنبه بن الحجاج، ومعناه أخذه لنفسه لم يعطيه أحدا. تتمّة قد عد الإمام أبو حامد الغزالي- رحمه اللَّه- إعطاءه [تميم] الداريّ بنت ميمونة فتجرى من الخصائص النبويّة، وجعل ذلك من الصفايا المختصة به صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلا يكون لأحد من الأئمة بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقطع أحدا من الرعية شيئا لم يدخل في ملك المسلمين. وتردد القاضي أبو الحسن الماوردي في ما أخذ الإقطاع الّذي وقع لتميم الداريّ، وجوز أن تكون من الخصائص بعد أن حكى الخلاف، هل لغير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يفعل ذلك؟ وسيرد كلامه في ذلك إن شاء- اللَّه تعالى-. قال القاضي أبو بكر أبو محمد بن العربيّ المعافري الإشبيلي المالكي في شرح (الموطأ) لما تكلم على حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال في (صحيحه) : وإنما تركها من تركها لقولهم: إنها غير مسموعة، وهذا لا يمنع من الاحتجاج، وقد كان عند أولاد تميم الداريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في قطعة أديم [ (2) ] : بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا   [ (1) ] ذو الفقار: اسم سيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] وفد عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم الداريون مرتين، مرة قبل الهجرة، ومرة بعدها، وفي المرة الأولى سألوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرضا فدعا بقطعة من أدم، وكتب كتابا نسخته: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 140 ما أنطى [ (1) ] محمد رسول اللَّه تميما الدارميّ قطعة قرية حبرون وبيت عينون بلد الخليل، فبقي ذلك في يده ويد أهله إلى أن غلب الفرنجة على القدس سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، قال: ولقد اعترض بعض الولاة على تميم الداريّ أيام كان بالشام وأراد انتزاعها فحضر القاضي حامد الهرويّ الحنفي، فاحتج الدارميّ بالكتاب، فقال القاضي: هذا الكتاب ليس بلازم لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع تميما ما لم يملك، فاستدعى الوالي الفقهاء، وكانت الرواية التي رويت إلى الأرض كلها، وكان يقطع الجنة فيقول: قصر كذا لفلان، فوعده صدق، وعطاؤه حق، قال: فحضره القاضي والوالي، وأبقي الدارميين على ما في أيديهم.   [ () ] بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب ذكر فيه ما وهب محمد رسول اللَّه للداريين. إذ أعطاه اللَّه الأرض وهب لهم بيت عينون، وحبرون، والمرطوم، وبيت إبراهيم ومن فهيم إلى الأبد، شهد عباس بن عبد المطلب، وخزيمة بن قيس، وشرحبيل بن حسنة وكتب. فلما هاجر صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة قدموا عليه وسألوه أن يجدد لهم الكتاب فكتب ما نسخته: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول اللَّه لتميم بن أوس الداريّ: أنّ له قرية حبرون، وبين عينون، قريتهما كلهما، وسهلهما، وجبلهما، وماءهما، وحرثهما، وأنباطهما، وبقرهما، ولعقبه من بعده، لا يحاقه فيهما أحد، ولا يلجها عليهم أحد بظلم، فمن ظلم وأخذ منهم شيئا فإن عليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين. وكتب عليّ. (مجموعة الوثائق السياسة) : 531، وثيقة رقم (43) الإقطاع للداريين وهم من لخم، ووثيقة رقم (44) تجديد الكتاب السابق. ثم رواية أخرى عن النص السابق، وثيقة (45) : بسم اللَّه الرحمن الرحيم. هذا ما أنطى محمد رسول اللَّه لتميم الداريّ وإخوته وحبرون، ومرطوم، وبيت إبراهيم وما فيهن، نطية بت بذمتهم، ونفّذت وسلّمت ذلك لهم ولأعقابهم. فمن آذاهم آذاه اللَّه، ومن أذاهم لعنه اللَّه. شهد عتيق بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وكتب عليّ بن أبي طالب وشهد. [ (1) ] في بعض الروايات: «أنطى» ، «أعطى» وما أثبتناه من (الأصل) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 141 وقد ذكر القاضي أبو بكر بن العربيّ- رحمه اللَّه- هذه القصة في كتاب سماه (قانون التأويل) [ (1) ] وهو كان جمعة من قوام يد الشيخ أبي حامد محمد بن محمد الغزالي- رحمه اللَّه- ونصه ما قوله أدام اللَّه علوه: فما أقطع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تميم الداريّ من الشام قبل أن يملكه أهل الإسلام ما وجه صحته مع أنه جرى قبل الملك، ولم يتصل به القدر، ولم يجر تحديد محل الإقطاع، هل يجوز لإمام أن ينزع ذلك من يد تميم؟ ومتى يحصل الملك للمقطع؟ فأجاب على ذلك بأن الإقطاع صحيح لتميم ومنتقل إلى أعقابه وقت حصول الملك عند تسليم الإمام المستولى على تلك الأرض له ذلك، ووجه صحته أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مختصا بالصفايا من المغنم حتى كان يختار من المغنم ما يريد، ويدفع ملك المسلمين عنه بعد استيلائهم عليه، فلذلك كان له أن يستثنى تبعة من ذيلة الكفر عن ملك المسلمين ويعينها لبعض المسلمين فتصير ملكا له، ويكون سبب الملك تسليم الإمام وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويستثنى من التخصيصات، وليس ذلك لغيره من الأئمة، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مطلعا بالوحي على من سيملك في المستقبل، وعلى وجه المصلحة في التخصيص والاستثناء وغير ذلك ولا يطلع غيره عليه. وأما قول من قال لا يصح إقطاعه لأنه قبل الملك، فهو كفر محض، لأنه يقال له: هل حل لرسول اللَّه ما فعل أو كان ظالما بتصرفه ذلك؟ فإن جعله ظالما كفر، وإن قال بل حل له ذلك، قيل له: أتعلم أن ذلك يحصل أو لا فإن جهله كفر، وإن قال: إنه علم، لكن علم أنه لا يحصل، قيل له: فلا يبقى إلا أنه قد قدم عليه مع علمه مبطلاته [ (2) ] . هذا كلام الشيخ أبي حامد الغزالي، كما ترى أن عطاء ذلك لتميم الداريّ منن الخصائص النبويّة وجعله من الصفايا المختصة به صلّى اللَّه عليه وسلّم فلا يكون لأحد من   [ (1) ] (قانون التأويل) ، للقاضي أبي بكر محمد بن عبد اللَّه الإشبيليّ المالكي، المعروف بابن العربيّ، الحافظ، المتوفى سنة (546 هـ-) ، ذكر حاجي خليفة في (كشف الظنون) : 2/ 281 [ (2) ] بعد هذه العبارة طمس في (الأصل) لم أجد له توجيها بقدر سطرين ونصف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 142 الأئمة بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقطع أحدا من الرعية [شيئا] لم يملكه المسلمون واختلف كلام القاضي أبي الحسن على الماورديّ، فجزم في (الأحكام السلطانية) بجواز ذلك عموما. وقال في كتاب (الحاوي) : وأما الإقطاع فإنه لا يصح إلا في ما لم يستقر عليه ملك، وعلى هذا كانت قطائع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فذكر قال: فعلى هذا كانت قطائع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا ما كان من شأن تميم الداريّ، وأبى ثعلبة، فذكرها احتمل ذلك من فعله أن يكون أقطعهما ذلك إقطاع تقليد لا إقطاع تمليك، ويجوز أن يكونا مخصوصين بتصديق إخبار وتحقيق إعجاز، وأما الأئمة بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن أبا بكر، وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- لم يقطعا الأموات لم يجز عليه ملك واصطفى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من أرض سواد أموال كسرى لأهل بيته، وما وهب عنه أربابه أو تملكوا، وكان مبلغ ذلك تسعة آلاف ألف، وكان ينفقها في مصالح المسلمين، ولم يقطع شيئا منها، ثم إن عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أقطعها لأنه رأى إقطاعها أوفر لعلتها من تعطيلها، وشرط على من أقطعها أن يأخذ منه حق ألف، فكان ذلك منه إقطاع إجارة، قال بذلك الماورديّ، هذا، وقال في قوله: إقطاع إجارة إلى أمرائهم أن يؤجروها بأجرة معلومة ينتفعوا بها مع بقاء الرقبة. انتهى. وقد جمع الفقهاء الخصائص، ولم يعدوا منها ما ذكره الغزاليّ. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 143 الثالثة: كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم الاستبداد بخمس خمس الفيء والغنيمة وبأربعة أخماس الفيء فينفرد صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك قال ابن سيده: والغنم والغنيمة والمغنم، الفيء، وغنم الشيء غنما، فاز به وتغنمه واغتنمه، وانتهز غنمه واغتنمه الشيء جعله له غنيمة [ (1) ] ، قال: والفيء الغنيمة، وقد فيئت فيئا واستفأت. وكانت الغنيمة لغة: ما يناله الرجل والجماعة بسعي، غير أنهم جعلوا على أن المراد بقوله- تعالى-: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فإنما هو مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر، وهذا التخصيص لا تقتضيه اللغة [ (2) ] ، لكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع، وسمى الشرع ما يصل من أموال الكفار باسمين: هما الغنيمة، والفيء ما ناله المسلمون من عدوهم بسعي كما تجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة، ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفيا، وكل مال دخل على المسلمين من غير حرب، ولا إيجاف، فخراج الأرضين وجزية الجماجم، وخمس الغنيمة، ونحو ذلك مما يؤخذ من المشركين عفوا يسمى فيئا.   [ (1) ] (لسان العرب) : 12/ 445- 446. [ (2) ] قال الأزهري: الغنيمة ما أوجف عليه المسلمون بخيلهم وركابهم من أموال المشركين، ويجب الخمس لمن قسمه اللَّه له، ويقسم أربعة أخماسها بين الموجفين: للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم واحد. وأما الفيء فهو ما أفاء اللَّه من أموال المشركين على المسلمين بلا حرب ولا إيجاف عليه، مثل جزية الرءوس وما صولحوا عليه فيجب فيه الخمس أيضا لمن قسمه اللَّه، والباقي بصرف فيما يسدّ الثغور من خيل، وسلاح وعده، وفي أرزاق أهل الفيء، وأرزاق القضاة، ومن غيرهم، ومن يجري مجراهم. وقد تكرر في الحديث ذكر الغنيمة، والمغنم، والغنائم، وهو ما أصيب من أموال أهل الحرب، وأوجف عليه المسلمون الخيل والركاب. (لسان العرب) : 12/ 446. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 144 وقال عطاء بن السائب: الغنيمة ما ظهر عليها من أموال المشركين والفيء ما ظهر عليه من الأرضين، والأصل في الغنيمة قول اللَّه- تعالى-: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [ (1) ] والأصل في الفيء قوله- تعالى-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [ (2) ] وقد كانت الغنيمة محرمة على الأنبياء وأحلها اللَّه- تعالى- لرسوله محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجعلها اللَّه- تعالى- ملكا له صلّى اللَّه عليه وسلّم خالصا دون غيره لقوله- تعالى-: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [ (3) ] والأنفال هي الغنائم، والنفل هو الزيادة من الخير، فسميت الغنائم أنفالا لأنها زيادة، ثم نسخ اللَّه- تعالى- هذه الآية بقوله- تعالى-: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [ (4) ] الآية. وقال أبو عمر بن عبد البر: وأجمع على أن هذه الآية نزلت بعد قوله- تعالى-: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ [ (5) ] وإن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين، وعن قوله- تعالى-: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ [ (6) ] نزلت في حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر، انتهى. فلما أضاف- تعالى- مال الغنيمة إلى الغانمين، ثم استثنى منه خمسه لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومن سمى معه من أهل الخمس بقوله- تعالى-: لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ دل على أن الباقي من بعد أخماسه ملك الغانمين، فصار مال الغانمين مقسوما على خمسة وعشرين سهما منها لأهل الخمس، وهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذي القربى،   [ (1) ] الأنفال: 41. [ (2) ] الحشر: 7. [ (3) ] الأنفال: 1. [ (4) ] الأنفال: 41. [ (5) ] الأنفال: 1. [ (6) ] الأنفال: 1. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 145 واليتامى، والمساكين وابن السبيل، وفيه خلاف ذكر في موضعه، وصار أربعة أخماس، وهو عشرون سهما تقسم بين الغانمين لا يشاركهم فيها غيرها. وأما مال الفيء وهي الأموال الواصلة من المشركين بغير قتال ولا إيجاف بخيل ولا ركاب كالذي أجلى عنه المشركون خوفا ورغبا، والأموال التي يضحون بها عن أنفسهم، ودمائهم وأموالهم، المأخوذ من عشور أموالهم إذا دخلوا تجارا، والجزية التي تقربهم بها إلى دارنا، ومال الخراج المقربون على أراضيهم، والأرضين المأخوذة عفوا منهم، ومال من مات في دارنا ولا وارث له منهم، كل ذلك فيء لأنه واصل بغير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، هذا هو المنصوص من مذهب الشافعيّ في الجديد. وقوله في القديم: أن الفيء من جميع ذلك ما انجلى عنه المشركون خوفا ورعبا، وما سواه من الجزية، والخراج، وعشور التجارة، ومال من مات ولا وارث له، ليس بفيء ولا يخمس والأول أصح، وقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صدر الإسلام يملك جميع الفيء كما ملك جميع الغنيمة، لذلك ملك أموال بني النضير، فكانت مما أفاء اللَّه- تعالى- لم يشاركه فيها أحد، وصارت من صدقاته التي تصدق بها إلى أن أنزل اللَّه- تعالى- في الفيء قوله- تعالى-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فاختلف الناس حينئذ فيما استقر حكم الفيء عليه على ثلاثة مذاهب: أحدها: إن مال الفيء مصروف في وجوه المصالح لا يخمس، وهو قول أبي حنيفة. الثاني: إن مال الفيء مقسوم على خمسة أسهم لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منها سهم كأحد أهل الخمس وهو قول مالك. الثالث: أن خمسه مقسوم على خمسة، منها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سهم، وأربعة أخماس الفيء له أيضا خاصة، فيكون جميع مال الفيء مقسوما على الجزء: 13 ¦ الصفحة: 146 خمسة وعشرين سهما منها واحد وعشرين سهما لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأربعة أسهم هي لأربعة أصناف هم ذوو القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وهذا هو مذهب الشافعيّ، ولكل على قوله دليل إذا تكرر ما وصفنا، فالذي ملك اللَّه- تعالى- رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم مال الغنيمة، ومال الفيء، خمس الخمس من الفيء والغنيمة، وأربعة أخماس الفيء، ذلك سوى الصفيء من الغنيمة، فصار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مالكا لأربعة أموال: مالين من الغنيمة هما خمس الخمس، والصفيّ، ومالين من الفيء هما خمس الخمس، وأربعة أخماسه، واستدل أصحابنا على ذلك بقوله- تعالى-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فأضاف اللَّه- تعالى- الفيء إلى رسوله، كما أضاف الغنيمة إلى الغانمين، ثم من استثناه في سهم الغانمين، فوجب أن يكون إطلاق ما جعل لهم من الفيء محمول على المقدار المحصول من الغنيمة، ويكون الخمس، ويكون الباقي بعده لمن أضاف المال إليه وهو الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم كما كان الباقي من الغنيمة لما أضافها إليه وهم الغانمون. وقال الشافعيّ: سمعت ابن عيينة يحدث عن الزهريّ أنه سمع مالك بن أوس بن الحدثان يقول: سمعت عمر بن الخطاب، والعباس بن عبد المطلب، وعلى بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- يختصمان إليه في أموال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر: كانت أموال بنى النضير مما أفاء اللَّه على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليها بخيل، ولا ركاب، فكانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دون المسلمين، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينفق منها على أهله نفقة سنة، فما فضل منها جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل اللَّه، ثم توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوليها أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بمثل ما وليها به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم وليها عمر بمثل ما ولى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ثم سألها في أن أوليكما هذا على أن تعملانها بمثل ما وليهما به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم وليها أبو بكر، ثم وليتها، ثم حينما تختصمان تريدان أن أدفع إلى كل واحد منكما نصفا، أتريدان منى قضاء غير ما قضيت بينكما أولا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 147 والّذي بإذنه تقوم السموات والأرض لا أقضي بينكما قضاء غير هذا، فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ أكفيكماها. وهذا الحديث خرّجه البخاريّ [ (1) ] ، ومسلم [ (2) ] من حديث جويرية، عن معمر، عن الزهريّ، وعن عقيل، عن ابن شهاب، وعن شعيب عن الزهريّ. وخرّجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] ، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الزهريّ. وخرّجه أبو داود [ (5) ] عن أسامة بن زيد، عن الزهريّ، عن مالك بن أوس، وفي بعضها طول، وفي بعضها اختصار. ووجه الدلالة أن هذا الخبر اقتضى ظاهره الفيء جميعه ملك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، واقتضى ظاهر الآية أن الفيء كله يقسم على خمسة، فوجب الجمع بينهما على وجه لا تنافي فيه ليستويا جميعا، وهو أن يكون معنى الخبر أن أربعة   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 242- 243، كتاب فرض الخمس، باب (1) حديث رقم (3094) مطولا. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 315- 319، كتاب الجهاد والسير، حديث رقم (49) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1757) . [ (4) ] (سنن أبي داود) : 3/ 371- 372، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (19) في صفايا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأموال، حديث رقم (2965) . وأخرجه الترمذيّ في الجهاد، في باب الفيء، حديث رقم (1719) ، وأخرجه النسائي في كتاب قسم الفيء، حديث رقم (4145) . [ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2967) ، وفيه، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم، فمن مسك بشيء من هذا الفيء فإن له به علينا ست فرائض من أول شيء يفيئه اللَّه علينا «ثم دنا- يعني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- من بعير- فأخذ وبرة من سنامه، ثم قال: «يا أيها الناس، إنه ليس لي من هذا الفيء شيء، ولا هذا» ورفع إصبعيه «إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخياط والمخيط» ، فقام رجل في يده كبة من شعر، فقال: أخذت هذه لأصلح بها برذعة لي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك» . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 282- 283، حديث رقم (6690) من مسند عبد اللَّه بن عمرو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 148 أخماس الفيء خالص لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومعنى الآية أن خمسه مقسوم على خمسة. واللَّه أعلم. وخرّج أبو داود [ (1) ] والحاكم [ (2) ] من حديث عمرو بن عبسة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس، والخمس مردود فيكم. قال الحاكم: وهو على شرط البخاريّ، ولنا وجه يشير إليه كلام الفورانى أن الخمس من الخمس يصرف بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خليفة الزمان [ (3) ] . قال الإمام: ولم يصح عندي نسبته إلى أحد من الأصحاب، وعلى هذا الوجه إن صح لا تبقى خصوصية [ (4) ] . قال مؤلفه: نقل ابن عبد البر أن مذهب أبي بكر، وعمر، في سهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفيما كان له خاصة من صفاياه، وما لم يوجف عليه بخيل، ولا ركاب، كأموال بني النضير، وفدك، وخيبر، أن ذلك في سبيل اللَّه على حسب ما كان سبيله في حياته، كان ينفق منه على عياله، وعامله سنة، ثم يجعل باقيه عدة في سبيل اللَّه، وأن هذا مذهب جمهور أهل الحديث والرأى، ومذهب عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن ذلك لقيامهم بأمر المسلمين يصرفه فيما وليّ من مصالح المسلمين، ولذلك أقطعه مروان، وهو قول قتادة، والحسن.   [ (1) ] راجع التعليقات السابقة. [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 714، كتاب معرفة الصحابة، ذكر عمرو بن عبسة السلمي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، حديث رقم (6583) ، ولفظه: صلى بنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بعير من المغنم، فلما سلم أخذ وبرة من جنب البعير فقال: «إنه لا يحل لي من هذا المغنم مثل هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم» . وقد حذفه الحافظ الذهبيّ من (التلخيص) . [ (3) ] قال الحنفية: سقط سهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بموته، لأنه كان يأخذه بوصف الرسالة لا يوصف الإمامة، وهذا مخالف لجمهور الأئمة (الفقه الإسلامي وأدلته) : 6/ 461، الفصل الثالث، حكم الأنفال والغنائم. [ (4) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 149 الرابعة: دخوله صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة بلا إحرام نقله صاحب (التلخيص) وغيره: أنه كان مباحا له صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي جوازه لغيره من غير غدر خلاف، ودليل ذلك ما خرّجه مسلم من حديث ابن الزبير، عن جابر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، وفي رواية دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء. وذكر ابن عبد البر في (الكفاية) : أنه من دخل مكة مقاتلا لباغ أو قاطع طريق أو خائفا من ظالم يلزمه الإحرام. واستدل بدخوله صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة عام الفتح، وعلى رأسه المغفر، لو كان محرما لم يلبسه، وقد كان خائفا من غدر الكفار، وعدم قبولهم الصلح الواقع بينه وبين أبي سفيان، وقد علمت ما في هذا الاستدلال؟ فإن دخوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير إحرام خاص به، وقوله: «لو كان محرما لم يلبسه، وقد كان خائفا من غدرهم» كلام غير مستقيم لأن المحرم الخائف يباح له اللبس قطعا، وكيف يقال: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يومئذ خائفا من غدر قريش؟ واللَّه- تعالى- قد وعده بأن يعصمه منهم، ومن غيرهم بقوله- تعالى-: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، ويترك الخوض عند ذلك فيما بينه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 150 الخامسة: أبيحت له مكة يوما واحدا ودخلها كما تقدم بغير إحرام، وقتل من أهلها يومئذ نحو عشرين، منهم: ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة [ (1) ] ، وقال القضاعي: إنه خصّ به سائر الأنبياء. وخرّج البخاريّ ومسلم من حديث جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم فتح مكة: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونيّة وإذا استنفرتم فانفروا، وقال يوم فتح مكة: إن هذا البلد حرمه اللَّه يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة اللَّه، وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة. الحديث [ (2) ] .   [ (1) ] (السنن الكبرى للبيهقيّ) : 7/ 59- 60، كتاب النكاح، باب دخول الحرم بغير إحرام والقتل فيه، من حديث ابن شهاب عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل عام الفتح، وعلى رأسه مغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه! ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقتلوه. رواه مسلم في الصحيح عن يحيى، وأخرجه البخاريّ من أوجه عن مالك. [ (2) ] (جامع الأصول) : 9/ 288- 290، النوع الثالث: في مكة وحرمها، حديث رقم (6900) ، وتمامه: «.. لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته، إلا من عرفها، ولا يختلي خلاه، فقال العباس: يا رسول اللَّه! إلا الإذخر، فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إلا الإذخر» أخرجه البخاريّ في الحج، باب لا ينفر صيد الحرم، وباب فضل الحرم، وفي الجنائز، باب الحشيش في القبر، وفي البيوع، باب ما قيل في الصواغ، وفي المغازي، باب مقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة زمن الفتح. وأخرجه مسلم في الحج، باب تحريم مكة، وصيدها، وخلاها، وشجرها، ولقطتها إلا لمنشد على الدوام، والنسائي في الحج، باب حرمة مكة، وباب تحريم القتال فيها، وباب النهي أن ينفر صيد الحرم، وأخرجه أيضا أبو داود في المناسك، باب تحريم حرم مكة، حديث رقم (2018) ، وإسناده صحيح. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 151 وللبخاريّ من حديث خالد عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن اللَّه حرم مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما حلت لي ساعة من نهار، والحديث له طرف آخر [ (1) ] ، وهذا صريح في اختصاصه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك دون من قبله من الأنبياء عليهم السلام. السادسة: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يورث وأن ما تركه صدقة وبه قطع أبو العباس الروياني، وقال الرافعي في (الشرح الصغير) : أنه المشهور، وعلى هذا هل يكون وقفا على ورثته؟ فيه وجهان: حكاهما الروياني في أيضا، فإن جعلناه وفقا، فهل هو الواقف؟ فيه وجهان لقوله عليه السلام: ما تركنا صدقة. وأصحهما عند الإمام أنه باق على ملكه، ينفق منه على أهله كما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم ينفقه في حياته، ووجه الإمام بأن الأنبياء- عليهم السلام- أحياء، قال: وكذلك كان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ينفق منه على أهله، وخدمه، ويصرفه فيما كان يصرفه في حياته. قال النووي في (الروضة) [ (2) ] : وهذا ضعيف، والصواب الجزم بأنه زال ملكه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه، وأن ما تركه فهو صدقه على المسلمين لا يختص به الورثة، وكيف يصح غير [ما ذكرته مع قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لا نورث ما تركناه فهو صدقة] [ (3) ] فإنه نص على زوال الملك. ثم إن الرافعي ذكر في قسم الفيء والقسمة، أن خمس الفيء كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم ينفق منه على نفسه، وأهله، وفي مصالحه، ولم يكن يملكه، ولا ينقل منه إلى غيره أبدا، وهذا حكم منه بأن جهة الإنفاق غير مملوكة، خلاف ما ذكر هنا، ومن الغريب ما ذكره صاحب   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] (روضة الطالبين) : 5/ 351، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره. [ (3) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (روضة الطالبين) ، وفي (الأصل) : «غير ذلك مع الحديث الصحيح» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 152 (البيان) في آخر (إحياء الموات) عن الشيخ أبي حامد أن بعضهم قال: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما كان يملك شيئا ولا يأتي منه الملك، وإنما أبيح له ما يأكله، وما يحتاج إليه، وغلطه أبو حامد لقوله- تعالى-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ الآية، وقد أعتق صلّى اللَّه عليه وسلّم صفيه، واستولد مارية، وقد عد الغزالي- رحمه اللَّه- هذه الخصلة من هذا الضرب. قال الرافعي: كان المعنى فيه إن جعلها صدقة تورث زيادة القربة، ورفع الدرجات، وعدها الأكثرون من المكرمات، وعلى هذا يجوز له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتصدق بجميع ماله بعد موته بخلاف أمته، وهذا ليس خاصا به صلّى اللَّه عليه وسلّم بل الأنبياء- عليهم السلام- لا تورث، لكنه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمتاز به من بين أمته، ولما ذكر القضاعيّ ما اختص به- عليه السلام- من بين الأنبياء. قال: ومنها أن ماله كان بعد موته قائما على نفقته وملكه، فجعل الخصوصية، من هذه الحيثية. واعلم أن ما ملكه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حياته كأموال بني النضير، والنصف من فدك، والثلث من وادي القرى، وثلاثة حصون من خيبر، [وأطم] الكتيبة، و [حصن] الوطيح، و [حصن] السّلالم فإنّها بعد وفاته كلها صدقة تصدق بها في حياته لا تورث عنه [ (1) ] .   [ (1) ] خرّج البيهقيّ في (السنن الكبرى) : 7/ 64- 65، كتاب النكاح، باب كان ماله صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد موته قائما على نفقته وملكه، من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة- زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- أنها- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبرته أن فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، أرسلت إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- تسأله ميراثها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مما أفاء اللَّه بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خيبر، قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا نورث، ما تركناه صدقة، وإنما يأكل آل محمد في هذا المال، وإني واللَّه لا أغير شيئا من صدقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن حالها التي كانت عليه في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ... وذكر الحديث. رواه البخاري في الصحيح عن ابن بكير، وأخرجه مسلم من وجه آخر عن الليث. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 153 وأما سهمه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خمس الخمس من الفيء والغنيمة فإنه مصروف بعده في المصالح، من الكراع، والسلاح، وأرزاق المقاتلة، والقضاة، والأئمة، وعمارة المساجد، وقناطر السابلة. وأما سهمه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أربعة أخماس الفيء [ (1) ]   [ () ] وعن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي، ومؤنة عاملي فهو صدقة. رواه مسلم في الصحيح عن ابن أبي عمر، وأخرجه البخاريّ من حديث مالك عن أبي الزناد. وما بين الحاصرتين في هذه الفقرة زيادة لبيان أسماء الأماكن من (مغازي الواقدي) . [ (1) ] خرّج البيهقيّ في (السنن الكبرى) : 7/ 58- 59، من حديث سفيان عن عمرو بن دينار، عن الزهريّ، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: أرسل إليّ عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فدعاني فدخلت عليه وهو على رمال فقال: يا ملك، إنه قد نزل علينا دواف من قومك، فخذ هذا المال فاقسمه بينهم، فقلت: يا أمير المؤمنين! ول ذلك غيري، فقال: خذها عنك أيها الرجل، فجلست، فجاء يرفا، فقال: هل لك في عبد الرحمن، وطلحة، والزبير، وسعد؟ قال: قل لهم: فليدخلوا، فدخلوا، فقال: هل لك في عليّ وعباس؟ قال: قل لهما: فليدخلا، فدخلوا، وكل واحد منهما يكلم صاحبه، فلما جلسوا قالوا: يا أمير المؤمنين، أقضي بينهما وأرحهما، قال: أنشدكما اللَّه الّذي بإذنه تقوم السموات والأرض، هل علمتما أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إنا لا نورث، ما تركناه صدقة، يعني فقالا: نعم، ثم قال ذلك للآخرين، فقال القوم: نعم، قال: وقال إن أموال بني النضير كاتب مما أفاء اللَّه على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالصة ينفق منها على أهله نفقة سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل اللَّه، ثم هي للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة. وأخرجاه من حديث سفيان مختصرا. كتاب النكاح من (السنن الكبرى) : 7/ 58- 59، باب ما أبيح له صلّى اللَّه عليه وسلّم من أربعة أخماس الفيء وخمس خمس الفيء والغنيمة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 154 ففي تصرفه قولان: أحدهما: في المقاتلة، فعلى هذا يصرف جميعه فيهم خاصة. ثانيهما: أنه يصرف جميعه في المصالح كلها. وأما الصفيّ فقد سقط حكمه فلا يستحقه أحد بعده صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد خرّج البخاري ومسلم وأبو داود من حديث مالك عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: إن أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يسألنه ميراثهن من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت عائشة لهن: أليس قد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا نورث ما تركنا صدقة؟ [ (1) ] .   [ () ] ومن حديث صفوان بن عيسى، عن أسامة بن زيد عن الزهريّ، عن مالك بن أوس، قال: كان فيما احتج به عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: كانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثلاث صفايا: بنو النضير، وخيبر، وفدك، فأما بنو النضير، فكانت حبسا لنوائبه، وأما فدك فكانت حبسا لابن السبيل، وأما خيبر فجزأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أجزاء، جزأين بين المسلمين، وجزءا لنفقة أهله، فما فضل عن نفقة أهله جعله بين فقراء المسلمين. قال الشيخ- رحمه اللَّه-: وأما الخمس فالآية ناطقة به مع ما روينا في كتاب قسم الفيء، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (المرجع السابق) . [ (1) ] أخرجه البخاريّ في الفرائض، باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا نورث ما تركناه صدقة، وفي الجهاد، باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه وفرض الخمس، وفي المغازي باب حديث بني النضير، ومخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم في دية الرجلين، وفي تفسير سورة الحشر، باب قوله- تعالى-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ، وفي النفقات، باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، وفي الاعتصام، باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلوّ في الدين والبدع. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 155   [ () ] ومسلم في الجهاد، باب حكم الفيء، حديث رقم (1757) ، والترمذيّ في السير، باب ما جاء في تركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (1610) ، وأبو داود، حديث رقم (2963) وإسناده صحيح، و (2964) وإسناده صحيح، و (2965) وإسناده صحيح، وفي الخراج والإمارة، باب في صفايا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأموال، والنسائي: 7/ 136- 137 في قسم الفيء، وإسناده صحيح. قال القاضي عياض: وقد تأول قوم طلب فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ميراثها من أبيها على أنها تأولت الحديث- إن كان بلغها- قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لا نورث» على الأموال التي لها بال، فهي التي لا تورث.. لا ما يتركوه من طعام، وأناث، وسلاح. وهذا التأويل خلاف ما ذهب إليه أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وسائر الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم أجمعين-. وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ما تركت بعد نفقة نسائي، ومؤنة عاملي» فليس معناه: إرثهن منه، بل لكونهن محبوسات عن الأزواج لسببه، أو لعظم حقهن في بيت المال لفظلهن، وقدم هجرتهن، وكونهن أمهات المؤمنين. وكذلك اختصصن بمساكنهن لم يرثها ورثتهن. قال القاضي: وفي ترك فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- منازعة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعد احتجاجه عليها بالحديث: التسليم للإجماع على القضية، وأنها لما بلغها الحديث، وبين لها التأويل، تركت رأيها، ثم لم يكن منها ولا من أحد من ذريتها بعد ذلك طلب الميراث. ثم لما ولى عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الخلافة لم يعدل بها عما فعله أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فدل على أن طلب عليّ والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- إنما كان طلب تولى القيام بها بأنفسهما، وقسمتها بينهما كما سبق. قال: وأما ما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فمعناه: انقباضتها عن لقائه، وليس هذا من الهجران المحرم، الّذي هو ترك السلام والإعراض عند اللقاء، ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته. قال العلماء: وفي هذا الحديث: أنه ينبغي أن يولي أمر كل قبيلة سيدهم، ويفوض إليه مصلحتهم، لأنه أعرف بهم وأرفق بحالهم، وأبعد من أن يأنفوا من الانقياد له. ولهذا قال اللَّه- سبحانه وتعالى-: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها [النساء: 35] . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 156 ولأبي داود من حديث أسامة بن زيد عن ابن شهاب بإسناده نحوه قالت: قلت ألا تتقين اللَّه؟ ألم تسمعن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا نورث ما تركنا فهو صدقة؟ وإنما هو المال لآل محمد، لنا بينهم ولضيفهم، فإذا مت فإلى من يلي الأمر من بعدي. ذكره في كتاب الفيء [ (1) ] . وخرّج البخاريّ ومسلم من طريق معمر عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة والعباس آتيا أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يلتمسان ميراثهما عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك، وسهمهما من خيبر، فقال أبو بكر: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال. قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- واللَّه لا أدع أمرا رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بصنعة فيه إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلم تكلمه حتى ماتت [ (2) ] . اللفظ للبخاريّ، خرّجه في الفرائض، وخرجه في المغازي في حديث بني النضير من طريق معمر بهذا الإسناد بمعناه وقال في آخره: إنما يأكل آل محمد في هذا المال واللَّه لقرابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحب إليّ أن أصل من قرابتي. وخرّجه من حديث عقيل وصالح بن كيسان ومعمر بأطول من هذا وأشبع، وهي كلها مما اتفق عليه. ولهما أيضا من حديث ابن المبارك عن يونس، عن الزهري، عن الذهبيّ، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا نورث ما تركنا صدقة.   [ () ] وفيه جواز نداء الرجل باسمه من غير كنية، وفيه جواز احتجاب المتولي في وقت الحاجة لطعامه أو وضوئه، ونحو ذلك، وفيه قبول خبر الواحد، وفيه استشهاد الإمام على ما يقوله بحضرة الخصمين العدول لتقوى حجته في إقامة الحق، وقمع الخصم. واللَّه- تعالى- أعلم. (جامع الأصول) : 2/ 702- 703، هامش، 9/ 636- 640، الأحاديث. [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 157 ومن حديث سفيان الثوري، عن أبي الزياد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مثله سواء. ومن حديث حماد بن سلمة [ (1) ] ، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: جاءت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلي أبي بكر فقالت: من يرثك؟ قال: أهلي وولدي قالت: فما لي لإرث أبي؟ فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا نورث، ولكني أعول من كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوله، وأنفق على من كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينفق عليه. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة، حديث حسن غريب من هذا الوجه، إنما أسنده حماد بن سلمة وعبد الوهاب بن عطاء بن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وسألت محمدا عن هذا الحديث فقال: لا أعلم أحدا رواه عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، إلا حماد بن سلمة، قال أبو عيسى: وروى عبد الوهاب بن عطاء عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة نحو حديث حماد بن سلمة فذكره، ولفظه: أن فاطمة جاءت أبا بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- تسأل ميراثها من رسول اللَّه فقالا: سمعنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إني لا أورث، قالت: واللَّه لا أكلمكما أبدا فماتت ولم تكلمهما. قال علي بن عيسى: معنى لا أكلمكما: يعني في هذا الميراث أنتما صادقان. قال مؤلفه: تأويل عليّ بن عيسى بن يزيد البغدادي هذا غير موافق عليه، فقد روي الليث، عن عقيل، عن أبي شهاب، عن عروة، عن عائشة   [ (1) ] أخرجه الترمذيّ في السير، باب ما جاء في تركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1608) وهو حديث حسن، وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، إنما أسنده حماد بن سلمة وعبد الوهاب بن عطاء بن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي بكر الصديق، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال الترمذيّ: وفي الباب عن عمر وطلحة والزبير، وعبد الرحمن بن عوف وسعد وعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-. (جامع الأصول) : 9/ 639 الحديث رقم (7439) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 158 طلبت فاطمة ميراثها في أبيها من أبي بكر، وفي الحديث: فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت. اتفق البخاري ومسلم على إخراج هذا الحديث وهذه اللفظة فيه. وروى إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب هذا الحديث بهذا الإسناد وفيه: فغضبت فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، واتفقا أيضا على هذا الحديث وانفرد البخاريّ بهذا اللفظ دون مسلم. وخرّج البخاريّ [ (1) ] في فرض الخمس والوصايا في الفرائض. وخرج مسلم [ (2) ] في الجهاد وأبو داود في كتاب الفيء من حديث مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا تقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة، فقال أبو داود: ومؤنة عاملي يعني اكرة الأرض. وخرّجه مسلم أيضا من حديث سفيان عن أبي الزناد بهذا الإسناد نحوه [ (3) ] ، وخرّج أبو عمر يوسف بن عبد البر حديث لا نورث من طرق عديدة، ثم قال: فإن قال قائل لو سلمت فاطمة وعلي والعباس ذلك لقول أبي بكر ما أتى على والعباس في ذلك عمر بن الخطاب في خلافته يسألانه ذلك، وقد علمت أنهما أتيا عمر يسألانه ذلك وذلك معلوم.   [ (1) ] (جامع الأصول) : 9/ 636، ميراث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما خلّفه، حديث رقم (7437) ثم قال في هامشه: رواه البخاريّ في الفرائض، باب قول النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا نورث ما تركنا صدقة، وفي الوصايا، باب نفقة القيم للوقف، وفي الجهاد، باب نفقة نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد وفاته. وأخرجه مسلم في الجهاد، باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا نورث ما تركناه صدقة، حديث رقم (1760) ، (1761) ، والموطأ: 2/ 993، في الكلام باب ما جاء في تركة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو داود في الخراج والإمارة، باب صفايا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (2974) . [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 159 قيل له: أما تشاجر علي والعباس وإقبالهما إلى عمر فمشهود، ولكنهما لم يسألا ذلك ميراثا، إنما سألا ذلك عن عمد ليكون بأيديهما منه ما كان بيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منه أيام حياته، ليعملا في ذلك بالذي كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعمل به في حياته، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأخذ منه قوت عامه ثم يجعل ما فضل في الكراع، والسلاح، عدة في سبيل اللَّه، وكذلك صنع أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأراد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ذلك لأنه موضع يسوغ فيه الاختلاف، وأما الميراث والتمليك فلا يقوله أحد إلا الروافض، وأما علماء الإسلام فعلى قولين: أحدهما: وهو الأكثر، وعليه الجمهور، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يورث وما ترك صدقة. والآخر: أن بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يورث، لأنه خصه اللَّه- عز وجل- بأن جعل ما له صدقه زيادة في فضله. كما خصه في النكاح بأشياء حرمها عليه أباحها لغيره، وأشياء أباحها له حرمها على غيره، وهذا القول قاله بعض أهل البصرة، منهم ابن علية، وسائر علماء المسلمين على القول الأول. وأما الروافض فليس قولهم مما يشتغل به، ولا يحكى مثله، لما فيه من الطعن على السلف، والمخالفة لسبيل المؤمنين. وخرج أيضا من حديث عبد اللَّه بن أبي أمية قال: قرئ على مالك، عن ابن شهاب، عن ابن مالك بن أوس بن الحدثان قال: سمعت عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: حدثنا أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول إنا معشر الأنبياء ما تركنا صدقة، ومن حديث الحميدي [ (1) ] ، حدثنا سفيان عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي.   [ (1) ] (جامع الأصول) : 9/ 636، حديث رقم (7437) ، ولفظه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «لا تقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي فهو صدقة» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 160 وقد خرّج هذا الحديث أبو عبد الرحمن النسائي في (السنن الكبير) من حديث الزبير وغيره. السابعة: كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقضي بعلمه وفي غير خلاف مشهود حاصله ثلاثة أقوال لجواز المنع، وفي غير الحدود، وشاهد حكمه عليه السلام بعلمه حديث هند بنت عتبة خرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى   [ (1) ] رواه البخاريّ في البيوع، باب من أجرى أمر الأنصار على ما يتعارفون بينهم، وفي المظالم، باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه، وفي النفقات، باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها، ونفقة الولد، وباب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف، وباب وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ، وفي الإيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي الأحكام، باب من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة، وباب القضاء على الغائب. [ (2) ] ومسلم في الأقضية، باب قضية هند، حديث رقم (1714) ، وأبو داود في البيوع، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، حديث رقم (3532) ، والنسائي في القضاة، باب قضاء الحاكم على الغائب إذا عرفه، 8/ 246. قال الإمام النووي: في هذا الحديث فوائد، منها: وجوب نفقة الزوجية، ومنها وجوب نفقة الأولاد الفقراء الصغار، ومنها أن النفقة مقدرة بالكفاية لا بالأمداد، ومذهب أصحابنا أن نفقة القريب مقدرة بالكفاية كما هو ظاهر هذا الحديث، ونفقة الزوجة مقدرة بالأمداد: على الموسر كل يوم مدّان، وعلى المعسر مدّ، وعلى المتوسط مدّ ونصف، وهذا الحديث يرد على أصحابنا. ومنها جواز سماع الأجنبية عند الإفتاء والحكم، وكذا ما في معناه، ومنها جواز ذكر الإنسان بما يكرهه إذا كان للاستفتاء والشكوي، ونحوهما، ومنها أن من له على غير حق وهو الجزء: 13 ¦ الصفحة: 161   [ () ] عاجز عن استيفائه، يجوز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه، وهذا مذهبنا، ومنع ذلك أبو حنيفة ومالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. ومنها جواز إطلاق الفتوى، ويكون المراد تعليقا بثبوت ما يقوله المستفتي، ولا يحتاج المفتي أن يقول: إن ثبت كان الحكم كذا وكذا، بل يجوز له الإطلاق كما أطلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإن قال ذلك فلا بأس. ومنها أن للمرأة مدخلا في كفالة أولادها والإنفاق عليهم من مال أبيهم. قال أصحابنا: إذا امتنع الأب من الإنفاق على الصغير، أو كان غائبا، أذن القاضي لأمة في الأخذ من آل الأب أو الاستقراض عليه، والإنفاق على الصغير، بشرط أهليتها، وهل لها الاستقلال بالأخذ من ماله بغير إذن القاضي؟ فيه وجهان مبنيان على وجهين لأصحابنا في أن إذن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لهند امرأة أبي سفيان إفتاء أم قضاء، والأصح أنه كان إفتاء، وأن هذا يجري في كل امرأة أشبهتها فيجوز، والثاني: كان قضاء، فلا يجوز لغيرها إلا بإذن القاضي، واللَّه- تعالى- أعلم. ومنها اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعيّ، ومنها جواز خروج المزوجة من بيتها لحاجتها إذا أذن لها زوجها في ذلك أو علمت رضاه. واستدل به جماعات من أصحابنا وغيرهم على جواز القضاء على الغائب، وفي المسألة خلاف للعلماء، قال أبو حنيفة وسائر الكوفيين لا يقضي عليه بشيء. وقال الشافعيّ والجمهور: يقضي عليه في حقوق الآدميين، ولا يقضي في حقوق اللَّه- تعالى-. ولا يصح الاستدلال بهذا الحديث للمسألة، لأن هذه القضية كانت بمكة، وكان أبو سفيان حاضرا بها، وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبا عن البلد، أو مستترا لا يقدر عليه، أو متعذرا، ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجودا، فلا يكون قضاء على الغائب، بل هو إفتاء كما سبق واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. (شرح مسلم) . قال القاضي عياض- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أرادت بقولها: أهل خباء، نفسه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكنت عنه بأهل الخباء إجلالا له صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: ويحتمل أنها تريد بأهل الخباء أهل بيته، والخباء يعبر عن مسكن الرجل وداره. وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأيضا والّذي نفسي بيده، فمعناه وستزيدين من ذلك، ويتمكن الإيمان من قلبك، ويزيد حبك للَّه ولرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويقوى رجوعك عن بعضه، وأصل هذه اللفظة: آض يئض أيضا إذا رجع. ورجل مسيك، أي شحيح وبخيل. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 162 النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: واللَّه يا رسول اللَّه ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليّ من أن يذلهم اللَّه، وقال البخاريّ: أن يذلوا من أهل خبائك، وما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزهم اللَّه من أهل خبائك، وقال البخاريّ: إن يعزوا من أهل خبائك، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأيضا والّذي نفسي بيده، ثم قالت: يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل ممسك، وقال البخاريّ: مسيك، فهل عليّ من حرج أن أنفق على عياله من ماله بغير إذنه؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا حرج عليك أن تنفقي عليهم بالمعروف. وقال البخاريّ: فهل عليّ من حرج من أن أطعم من الّذي له عيالنا؟ قال لها: لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف ولم يقل في الحديث: وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأيضا والّذي نفسي بيده. وخرّجه البخاريّ في الأحكام، وترجم عليه باب القضاء على الغائب وحكم القاضي بعلمه إذا لم يخف الظنون والتهمة، كما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وذلك إذا كان مشهودا. وخرّجه في كتاب النذور والإيمان وفي كتاب المناقب وذكره في كتاب النفقات [ (1) ] مختصرا. وخرّجاه أيضا من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. وخرّجه النسائي أيضا [ (2) ] ، واستدل به البيهقيّ [ (3) ] قد اختلف في قوله عليه السلام خذي من ماله ما يكفيك بالمعروف وهل هو قضاء أو إفتاء جزم الرافعي والنووي في (الروضة) [ (4) ] على أنه قضاء، ذكره النووي في القضاء على   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] (السنن الكبرى) : 7/ 66- 67، كتاب النكاح، باب ما أبيح له صلّى اللَّه عليه وسلّم من القضاء، بعلمه، وفي قضاء غيره بعلم نفسه قولان. [ (4) ] (روضة الطالبين) : 5/ 352، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 163 الغائب، وذكره في نفقة الأقارب أنه إفتاء وهو مبني على أنه كان أبو سفيان حاضرا أو غائبا وفيه قولان [ (1) ] . قال الخطابي [ (2) ] وقد ذكر الحديث: وفيه جواز الحكم بعلمه وذلك أنه لم يكلفها البينة فيما ادعته من ذلك، إذ كان قد علم صلّى اللَّه عليه وسلّم ما بينهما من الزوجية، وأنه كان كالمستفيض عندهم بخل أبي سفيان، وما كان ينسب إليه من الشح، وظاهر إطلاق الأصحاب أن له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقضي بعلمه مطلقا سواء الحدود وغيرها.   [ (1) ] سبق أن أشرنا إليه مستفيضا. [ (2) ] (معالم السنن) : 3/ 803، كتاب البيوع والإجارات، باب (81) في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، شرح الحديث رقم (3532) ، ثم قال: وفيه جواز أن يقضي الرجل حقه من مال عنده لرجل له عليه حق يمعنه منه، وسواء كان ذلك من جنس حقه أو من غير جنس حقه، وذلك لأن معلوما أن منزل الرجل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه من النفقة والكسوة وسائر المرافق التي تلزمه لهم، ثم أطلق إذنها في أخذ كفايتها وكفاية أولادها من ماله، ويدل على صحة ذلك قولها في غير هذه الرواية: «إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يدخل عليّ بيتي ما يكفيني وولدي» . قال الشيخ: وقد استدل بعضهم من معنى هذا الحديث على وجوب نفقة خادم المرأة على الزوج، قال: وذلك أن أبا سفيان رجل رئيس في قومه، ويبعد أن يتوهم عليه أن يمنع زوجته نفقتها، ويشبه أن يكون ذلك منه في نفقة خادمها، فوقعت الإضافة في ذلك إليها، إذا كانت الخادم داخلة في ضمنها، ومعدودة في جملتها. واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. (معالم السنن) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 164 الثامنة: كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يحكم لنفسه ولولده على الأصح لأنه معصوم وفي من عداه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجه في حكمه لولده حكاه الماوردي وحكى معه وجها آخر أنه يجوز، وجعل القضاعي هذا الخصوصية والآتية بعدها مما خصّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بهما من بين سائر الأنبياء، ويستدل لذلك بقوله- تعالى-: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] فإنه يشمل قضاءه لنفسه، ولولده، ومن ذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يكره له الفتوى والحكم في حال الغضب، لأنه لا يخاف عليه من الغضب ما يخاف علينا، ذكره النووي في (شرح مسلم) في كتاب اللقطة [ (2) ] . التاسعة: كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يقبل شهادة من يشهد له خرَّج أبو داود [ (3) ] من حديث أبي اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري، عن عمارة بن خزيمة أنّ عمه حدثه- وهو من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- أن النبي   [ (1) ] النساء: 65. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 268، كتاب اللقطة، شرح الحديث رقم (1723) ، حيث قال: وفيه جواز الفتوى والحكم في حال الغضب، وأنه نافذ، لكن يكره ذلك في حقنا، ولا يكره في حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنه لا يخاف عليه في الغضب ما يخاف علينا، واللَّه- تعالى- أعلم. [ (3) ] (سنن أبي داود) : 4/ 31- 32، كتاب الأقضية، باب (20) إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد، يجوز له أن يحكم به، حديث رقم (3607) ، قال الشيخ: هذا حديث يضعه كثير من الناس غير موضعه، وقد تذرع به قوم من أهل البدع إلى استحلال الشهادة لمن عرف عنده بالصدق على كل شيء ادعاه، وإنما وجه الحديث ومعناه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما حكم على الأعرابي بعلمه إذ كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صادقا بارا في قوله، وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 165 صلّى اللَّه عليه وسلّم ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليقضيه ثمن الفرس، فأسرع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي، فيساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ابتاعه، فنادى الأعرابي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته؟ فقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين سمع نداء الأعرابي. فقال: أو ليس قد ابتعته منك؟ قال: لا واللَّه ما بعتكه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بلى قد ابتعته منك، فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدا، فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على خزيمة فقال: بم تشهد؟ فقال: بتصديقك يا رسول اللَّه، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شهادة خزيمة بشهادة رجلين. ترجم عليه باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يقضي به. وفي صحيح البخاريّ ما يؤيد قصة خزيمة هذه، قال في تفسير سورة الأحزاب [ (1) ] : حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب، عن الزهريّ قال: أخبرني   [ () ] لقوله، والاستظهار بها على خصمه، فصارت في التقدير شهادته له وتصديقه إياه على قوله كشهادة رجلين في سائر القضايا. (معالم السنن) . وأخرجه النسائي في البيوع، باب (81) التسهيل في ترك الإشهاد على البيع، حديث رقم (4661) . قال الحافظ المنذري: وهذا الأعرابي: هو سواء بن الحارث، وقيل: سواء بن قيس المحاربي، ذكره غير واحد من الصحابة، وقيل: إنه جحد البيع بأمر بعض المنافقين، وقيل: إن هذا الفرس هو «المرتجز» المذكور في أفراس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال الحافظ السندي في (حاشيته على سنن النسائي) : والمشهور أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم رد الفرس بعد ذلك على الأعرابي فمات من ليلته عنده. واللَّه- تعالى- أعلم. وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 282- 283، حديث رقم (21376) من حديث خزيمة بن ثابت الأنصاري، بسياقة أتم. [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 644- 645، كتاب التفسير، باب (3) فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب: 23] ، حديث رقم (4784) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 166 خارجة بن زيد بن ثابت قال: لما نسخنا الصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت كثيرا أسمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرأها، لم أجدها عند أحد إلا مع خزيمة الأنصاريّ الّذي جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شهادته شهادة رجلين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ وفي هذا الحديث التصريح بأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل شهادة من شهد له. ومقتضى إطلاق صاحب (الحاوي الصغير) أن من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم أيضا قبول شهادة من شهد لولده أيضا وبه صرح المروذيّ في (توضيحه الكبير) وله أيضا أن يشهد لنفسه ولولده [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم: فلو قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لفلان على فلان كذا، فيه وجهان.   [ () ] قال الحافظ في (الفتح) : هذا يدل على أن زيدا لم يكن يعتمد في جمع القرآن على علمه، ولا يقتصر على حفظه، لكن فيه إشكال، لأن ظاهره أنه اكتفى مع ذلك بخزيمة وحده والقرآن إنما يثبت بالواتر، والّذي يظهر في الجواب أن الّذي أشار إليه أن فقده فقد وجودها مكتوبة، لا فقد وجودها محفوظة، بل كانت محفوظة عنده وعند غيره، ويدل على هذا قوله في حديث جمع القرآن: «فأخذت أتتبعه في الرقاع والعسب» . وفي هذا الحديث فضيلة الفطنة في الأمور، وأنها ترفع منزلة صاحبها، لأن السبب الّذي أبداه خزيمة حاصل في نفس الأمر يعرفه غيره من الصحابة، وإنما هو لما اختصّ بتفطنه لما غفل عنه غيره، مع وضوحه، جوزي على ذلك بأن خصّ بفضيلة من شهد له خزيمة أو عليه فحسبه. [ (1) ] (روضة الطالبين) : 5/ 352، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره. وأخرجه أيضا البيهقيّ في (السنن الكبرى) : 7/ 66، كتاب النكاح، باب ما أبيح له من الحكم لنفسه، وقبول شهادة من شهد له بقوله، وإن جاز ذلك جاز أن يحكم لولده، وولد ولده. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 167 العاشرة: كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يحمي لنفسه ولم يقع ذلك وليس للأئمة بعده ولا لغيره أن يحموا لأنفسهم ذكر القضاعي هذه الخصيصة بما خص به صلّى اللَّه عليه وسلّم دون من قبله من الأنبياء، وقد اختلف فيما حماه صلّى اللَّه عليه وسلّم للمسلمين، فالصحيح أنه لا ينقض بحال لأنه نص، وقيل إن بقيت الجماعة التي حمى لها لم ينقض، وإن زالت فوجهان: أصحهما المنع أيضا، لأنه تغيير للمقطوع بصحته باجتهاد محتمل للخطإ، وأما الإمام بعده فله نقض ما حماه للحاجة على الأصح [ (1) ] .   [ (1) ] خرّج البيهقيّ من حديث يحيى بن بكير، حدثنا الليث بن سعد، حدثني يونس بن زيد عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، أن الصعب بن جثامة قال: قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لا حمى إلا للَّه ورسوله، قال: وبلغنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حمى البقيع [أو النقيع] ، وأن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حمى الشرف والرَّبَذَة. ثم قال: رواه البخاريّ عن يحيى بن بكير في (السنن الكبرى) : 7/ 59، كتاب النكاح، باب الحمى له خاصة في أحد القولين، ثم قال في باب دوام الحمى له صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة: قد روينا في كتاب الحج مرفوعا وموقوفا في حمى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه لا يخبط، ولا يعضد، ولكن يهش هشا. (المرجع السابق) . قال في هامش (جامع الأصول) : أخرجه البخاريّ في الحرث والمزارعة، باب لا حمى إلا للَّه- تعالى- ورسوله، وفي الجهاد، باب أهل الدار يبيتون فيصاب الوالدان والذراري، وأبو داود في الخراج والإمارة، باب في الأرض يحميها الإمام أو الرجل، حديث رقم (3083) ، (3084) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 168 الحادية عشر: له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهما وعلى مالكهما البذل ويفدي مهجة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم بمهجته صيانة لمهجة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ووقاية لنفسه الكريمة بالأموال والأرواح قال اللَّه- جل جلاله-: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ (1) ] قال ابن قتيبة: يريد إذا دعاهم إلى أمر ودعتهم أنفسهم إلى خلاف ذلك الأمر كانت طاعته أولى بهم من طاعتهم لأنفسهم. وذكر الفورانيّ وإبراهيم المروذيّ وغيرهما، أنه لو قصده صلّى اللَّه عليه وسلّم ظالم وجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] ، ودليله وقاية طلحة بن عبيد اللَّه له بنفسه يوم أحد، وعد القضاعيّ هذه الخصوصية مما خصّ به دون غيره من الأنبياء، وفي هذه المسألة نظر فإن قاصد نفس المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم إما كافر، وإما مسلم، فإن كان كافرا فذلك ليس من الخصوصيات، إلا على طريقه ذكرها الإمام عن الأصوليين، هي أضعف الطرق، وإن كان مسلما فهو بنفس هذا القصد كافر، فتأمله.   [ (1) ] الأحزاب: 6. [ (2) ] (روضة الطالبين) : 5/ 352، كتاب النكاح، باب في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح وغيره. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 169 المسألة الثانية عشر: أنه يجب على أمته صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يحبوه قال اللَّه- تعالى-: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ [ (1) ] ، قال القاضي عياض: يكفي بهذا حضا وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ قرّع تعالى من كان ماله، وأهله، وولده، أحب إليه من اللَّه ورسوله، وأوعدهم بقوله: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، ثم [فسقهم] [ (2) ] بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده اللَّه [ (3) ] .   [ (1) ] التوبة: 24. [ (2) ] في (الأصل) : «خشعهم» وصوبناها من (الشفا) . [ (3) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 2/ 14- 15، الباب الثاني في لزوم محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال الملا على القاري في (شرح الشفا) : واعلم أن المراد بالحب هنا ليس الحب الطبيعي التابع لهوى النفس، فإن محبة الإنسان لنفسه من حيث الطبع أشد من محبة غيره، وكذا محبة ولده ووالده أشد من محبة غيرهما، وهذا الحب ليس بداخل تحت اختيار الشخص، بل خارج عن حد الاستطاعة، فلا مؤاخذة به لقوله- تعالى-: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها بل المراد الحب العقلي الاختياري، الّذي هو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه، وإن كان على خلاف الطبع، ألا ترى أن المريض يكره الدواء المر بطبعه، ومع ذلك يميل إليه باختياره ويهوى تناوله بمقتضى عقله، لما علم أو ظنّ أن صلاحه فيه؟. وكذلك المؤمن إذا علم أن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح دينه، ودنياه، وآخرته، وعقباه، وتيقن أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أشفق الناس عليه وألطفهم إليه، وحينئذ يرجح جانب أمره بمقتضى عقله على أمر غيره، وهذا أول درجات الإيمان. وأما كماله: فهو أن يصير طبعه تابعا لعقله في حبه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قيل: ومن محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم نصر سنته، والذب عن شريعته، والاقتداء بسيرته صلّى اللَّه عليه وسلّم. (شرح الشفا) : 2/ 34. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 170 خرّج مسلم [ (1) ] من حديث إسماعيل بن علية، وعبد الوارث كلاهما عن عبد العزيز، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يؤمن عبد، وفي حديث عبد الوارث: الرجل، حتى أكون أحب إليه من أهله، وماله، والناس أجمعين. وخرّج من حديث شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين [ (2) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 374- 375، كتاب الإيمان، باب (16) وجوب محبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثر من الأهل، والولد، والوالد، والناس أجمعين، وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة، حديث رقم (69) . [ (2) ] (المرجع السابق) حديث رقم (70) . قال الإمام أبو سليمان الخطابي: لم يرد به حب الطبع، بل أراد به حب الاختيار، لأن حب الإنسان نفسه طبع، ولا سبيل إلى قلبه. قال: فمعناه: لا تصدق في حبي حتى تفنى في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي على هواك، وإن كان فيه هلاكك. هذا كلام الخطابيّ. وقال ابن بطال، والقاضي عياض، وغيرهما- رحمة اللَّه عليهم-: المحبة ثلاثة أقسام: محبة إجلال وإعظام، كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس، فجمع أصناف المحبة في محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال ابن بطال- رحمه اللَّه-: ومعنى الحديث: أن كل من استكمل الإيمان علم أن حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، لأن به صلّى اللَّه عليه وسلّم استنقذنا من النار، وهدينا من الضلال. قال القاضي عياض- رحمه اللَّه-: ومن محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم نصرة سنته، والذب عن شريعته، وتمنى حضور حياته، فيبذل ماله ونفسه دونه. قال: وإذا تبين ما ذكرناه، تبين أن حقيقة الإيمان لا تتم إلا بذلك، ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومنزلته على كل والد، وولد، ومحسن، ومفضل، ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه، فليس بمؤمن، هذا كلام القاضي عياض- رحمه اللَّه- واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 171 وخرّج البخاريّ من حديث ابن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده، وولده، والناس أجمعين [ (1) ] . ذكره في باب حب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم من الإيمان، وخرّج فيه من طريق شعيب قال: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: والّذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 80، كتاب الإيمان، باب (8) حب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم من الإيمان، حديث رقم (15) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (14) ، وفي هذا الحديث إيماء إلى فضيلة التفكر، فإن الأحبية المذكورة تعرف به، وذلك أن محبوب الإنسان إما نفسه وإما غيرها، أما نفسه فهو أن يريد دوام بقائها سالمة من الآفات، هذا هو حقيقة المطلوب. وأما غيرها فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما، على وجوهه المختلف حالا ومالا، فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، إما بالمباشرة، وإما بالسبب، علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبديّ، في النعيم السرمديّ، وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات، فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره. لأن النفع الّذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره، ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه. ولا شك أن حظ الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- من هذا المعنى أتم، لأن هذا ثمرة المعرفة، وهم بها أعلم، واللَّه الموفق. وقال القرطبيّ: كل من آمن بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إيمانا صحيحا لا يخلو عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة، غير أنهم متفاوتون. فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من أخذ منها بالحد الأدنى، كمن كان مستغرقا في الشهوات، محجوبا في الغفلات، أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اشتاق إلى رؤيته، بحيث لا يؤثرها على أهله، وولده، وماله، ووالده، ويبذل نفسه في الأمور الخطيرة، ويجد مخبر ذلك من نفسه وجدانا لا تردد فيه، وقد شوهد من هذا الجنس من يؤثر زيارة قبره ورؤية مواضع آثاره على جميع ما الجزء: 13 ¦ الصفحة: 172 وخرّج في كتاب الأيمان والنذور [ (1) ] من طريق ابن وهب قال: أخبرني حيوة قال: حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد، أنه سمع جده عبد اللَّه بن هشام، قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال عمر: يا رسول اللَّه، لأنت أحبّ إليّ من كل شيء إلا نفسي، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا والّذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنه الآن واللَّه لأنت أحب إليّ من نفسي، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الآن يا عمر. وذكره أيضا بهذا الإسناد في مناقب عمر [ (2) ] ، وفي كتاب الاستئذان [ (3) ] ، وانتهى منه إلى قوله: بيد عمر بن الخطاب. وخرّج البخاريّ ومسلم من حديث عبد الوهاب الثقفي عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان اللَّه ورسوله أحب عليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا   [ () ] ذكر، لما وقر في قلوبهم من محبته، غير أن ذلك سريع الزوال بتوالي الغفلات، واللَّه المستعان. (فتح الباري) . [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 641- 642، كتاب الإيمان والنذور، باب (3) كيف كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ وقال سعد: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده» ، وقال أبو قتادة: قال أبو بكر عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لاها اللَّه إذا. يقال: واللَّه، باللَّه، وتاللَّه، حديث رقم (6632) . قال الخطابيّ: حب الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب، وإنما أراد- عليه السلام- حب الاختيار، إذا لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه. قال الحافظ: فعلى هذا فجواب عمر أولا كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى، فأخبر بما اقتضاه الاختيار، ولذلك حصل الجواب بقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «الآن يا عمر» أي الآن عرفت فنطقت بما يحب. (فتح الباري) . [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 53، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (6) مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشيّ العدويّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، حديث رقم (3694) . [ (3) ] (فتح الباري) : 11/ 64، كتاب الاستئذان، باب (27) المصافحة، حديث رقم (6264) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 173 يحبه إلا للَّه، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه اللَّه منه، كما يكره أن يقذف في النار [ (1) ] . وقال البخاريّ [ (2) ] : أن يكون اللَّه ورسوله، ولم يقل: بعد أن أنقذه اللَّه منه. وأخرجاه من حديث شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثلاث من كن فيه وجد طعم الإيمان، من كان يحب المرء لا يحبه إلا للَّه، ومن كان اللَّه ورسوله أحب إليه مما سواها، ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه اللَّه منه [ (3) ] . وقال البخاريّ: وجد حلاوة الإيمان، ومن كان اللَّه ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا اللَّه، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه اللَّه كما يكره أن يلقى في النار. ترجم عليه باب من كره أن يعود في الكفر، كما يكره أن يلقى في النار، في كتاب الإيمان [ (4) ] . وخرّجه في كتاب الأدب، في باب الحب في اللَّه من حديث شعبة [ (5) ] ، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يجد أحد حلاوة   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 372، كتاب الإيمان، باب (15) بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، حديث رقم (67) . [ (2) ] (فتح الباري) : 1/ 82، باب (9) حلاوة الإيمان، حديث رقم (16) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 373، كتاب الإيمان، باب (15) بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، حديث رقم (68) . [ (4) ] (فتح الباري) : 1/ 98، باب (14) ، حديث رقم (21) . [ (5) ] (فتح الباري) : 10/ 567- 568، كتاب الأدب، باب (42) الحب في اللَّه، حديث رقم (6041) ، وأخرجه أيضا في كتاب الإكراه، باب (1) من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر، حديث رقم (6941) . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ... » هذا حديث عظيم، أصل من أصول الإسلام، قال العلماء- رحمهم اللَّه تعالى-: معنى حلاوة الإيمان استلذاذ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 174 الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا اللَّه، وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه اللَّه، وحتى يكون اللَّه ورسوله أحب إليه مما سواهما. ولمسلم من حديث النضر بن شميل قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنحو حديثهم غير أنه قال من رجع يهوديا أو   [ () ] الطاعات، وتحمل المشقات، في رضي اللَّه- عزّ وجل ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإيثار ذلك على عرض الدنيا ومحبة العبد ربه- سبحانه وتعالى- بفعل طاعته، وترك مخالفته، وكذلك محبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال القاضي- رحمه اللَّه-: هذا الحديث بمعنى الحديث المتقدم، ذاق طعم الإيمان، من رضي باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وذلك أنه لا يصح المحبة للَّه ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم حقيقة، وحب الآدميّ في اللَّه ورسوله، وكراهة الرجوع إلى الكفر، إلا لمن قوى بالإيمان يقينه، واطمأنت به نفسه، وانشرح له صدره، وخالط لحمه ودمه، وهذا الّذي وجد حلاوته. قال: والحب في اللَّه ثمرات حب اللَّه، قال بعضهم: المحبة مواطأة القلب على ما يرضى الرب سبحانه، فيحب ما أخب، ويكره ما كره. واختلفت عبارات المتكلمين في هذا الباب بما لا يؤول إلى اختلاف إلا في اللفظ، وبالجملة: أصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحب، ثم الميل قد يكون لما يستلذه الإنسان ويستحسنه، كحسن الصورة، والصوت، والطعام، ونحوها، وقد يستلذه بعقله للمعاني الباطنة كمحبة الصالحين، والعلماء، وأهل الفضل مطلقا، وقد يكون لإحسانه إليه، ودفعه المضار والمكاره عنه، وهذه المعاني كلها موجودة في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما جمع من جمال المظاهر والباطن، وكمال خلال الجلال، وأنواع الفضائل، وإحسائه إلى جميع المسلمين، بهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم، ودوام النعم، والإبعاد. وقد أشار بعضهم إلى أن هذا متصور في حق اللَّه- تعالى-، فإن الخير كله منه- سبحانه وتعالى-. قال مالك وغيره: المحبة في اللَّه من واجبات الإسلام، هذا كلام القاضي- رحمه اللَّه-. واما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: يعود أو يرجع، فمعناه يصير، وقد جاء العود، والرجوع بمعنى الصيرورة. (شرح النووي) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 175 نصرانيا، وقال سهل بن عبد اللَّه: من لم ير ولاية الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم في جميع الأحوال، ويرى نفسه في ملكه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يذوق حلاوة سنته لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه. وخرّج البخاريّ من حديث شعبة، عن سليمان، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: المرء مع من أحب [ (1) ] . وخرّجاه من حديث جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه كيف ترى رجلا؟ [ (2) ] . وقال البخاريّ: كيف تقول في رجل أحب قوما، ولم يلحق بهم؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: المرء مع من أحب [ (3) ] . وخرّج أبو داود من حديث يونس بن عبيد، عن ثابت، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ما رأيت أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرحوا بشيء أشد منه، قال رجل: يا رسول اللَّه الرجل يحب العمل من الخير يعمل به، ولا يعمل مثله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: المرء مع من أحب. ولمسلم [ (4) ] من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أن أعرابيا قال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: متى الساعة؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أعددت لها؟ قال: أحب اللَّه ورسوله، قال: أنت مع من أحببت. وخرّجه البخاريّ [ (5) ] من طرق. وقد أجمع الحافظ أبو نعيم طرق هذا الحديث، وسماه كتاب (المحبين مع المحبوبين) ، عدّ الصحابة فيه نحو العشرين، وقد قال بعض الحفاظ قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: المرء مع من أحب، أو ما هذا معناه   [ (1) ] أخرجه البخاريّ في الأدب، باب علامة حب اللَّه عزّ وجلّ، ومسلم في البر والصلة، باب المرء مع من أحب، حديث رقم (2640) ، (2641) والترمذيّ في الزهد، باب ما جاء أن المرء مع من أحب، وإسناده حسن، وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح. [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] راجع التعليق السابق. [ (4) ] (جامع الأصول) : 6/ 555- 557، حديث رقم (4785) . [ (5) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 176 مشهور جدا يكاد يبلغ درجة التواتر، رواه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنس بن مالك، وعبد اللَّه بن مسعود، وأبو موسي الأشعريّ، وعليّ بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدريّ، وأبو ذر الغفاريّ، وصفوان بن عسال، والبراء بن عازب، وأبو أمامة الباهليّ، وأبو هريرة، ومعاذ بن جبل، وأبو قتادة الأنصاري، وعبادة الصامت، وجابر بن عبد اللَّه، وأم المؤمنين عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال مؤلفه: فانظر ما أعظم أجر محبة اللَّه تعالى ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ كل محب مع محبوبه، وانظر إلى سيرة السلف في محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف كانت؟ فعن عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: ما كان أحد أحبّ إليّ من رسول اللَّه. وعن عبدة بنت خالد بن سعد، أنها قالت: ما كان خالد يأوى إلى فراش إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار، ويقول: هم أصلي، وفصلي، وهم بحق قلبي، طال شوقي إليهم فعجّل ربّ قبضي إليك، حتى يغلبه النوم. وروى عن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه، يعنى أباه أبا قحافة، ذلك أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك، وعن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال للعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن تسلم أحب إليّ من أن يسلم الخطاب لأن ذاك أحب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وعن هند بنت عمرو بن حرام [ (1) ]- وقد قتل زوجها عمرو بن الجموح وابنها خلاد بن عمرو بن الجموح، وأخوها عبد اللَّه بن عمرو بن حرام- فحملتهم على بعير تريد خيم المدينة فلقيتها عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وقد خرجت تستروح الخبر-[فقالت] : فما وراءك؟ قالت هند: أما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصالح، وكل مصيبة بعده جلل واتخذ اللَّه من المؤمنين شهداء   [ (1) ] هي هند بن عمرو بن حرام الأنصارية، قال ابن مندة: روى حديثها الواقديّ عن أيوب بن النعمان عن أبيها عنها (الإصابة) : 8/ 157، ترجمة رقم (11680) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 177 وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [ (1) ] . وسئل عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كيف كان حبكم لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: كان واللَّه أحب إلينا من أموالنا، وأولادنا، وأبنائنا، وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ. وقيل لزيد بن الدّثنّة [ (2) ] لما أخرجه أهل مكة من الحرم ليقتلوه، قالوا: أيسرك أن محمدا في أيدينا مكانك وأنت في بيتك؟ قال: ما يسرني أن محمدا أشيك بشوكة وأني في بيتي، قال: يقول سفيان بن حرب: لا، ما رأينا أصحاب رجل قط أشد له حبا من أصحاب محمد بمحمد [ (3) ] . وقال القاضي حسين: يجب على المرء أن يكون حزنه على فراق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الدنيا أكثر من حزنه على فراق أبويه، كما يجب عليه أن يكون عنده أحب إليه من نفسه، وأهله، وماله، والآثار في هذا عن السلف كثيرة جدا. وقال القاضي عياض: من أحب شيئا آثره، وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقا في حبه، وكان مدعيا، فالصادق في حب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من تظهر علامات [ (4) ] ذلك عليه، وأولها الاقتداء به، واستعمال سنته، واتباع أقواله،   [ (1) ] الأحزاب: 25، والخبر في (مغازي الواقدي) : 1/ 265. [ (2) ] هو زيد بن الدّثنّة، بفتح الدال وكسر المثلثة بعدها نون، ابن معاوية بن عبيد بن عامر بن بياضة الأنصاري البياضيّ. شهد بدرا واحدا، وكان في غزوة بئر معونة، فأسره المشركون، وقتلته قريش بالتنعيم. قال ابن إسحاق في (المغازي) : حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة، أن نفرا من عضل والقارة قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد أحد، فقالوا: إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوا بنا في الدين، فبعث معهم خبيب بن عديّ، وزيد بن الدينة ... فذكر القصة بطولها، وهي في صحيح البخاريّ من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 362، وغزوة الرجيع. [ (4) ] كذا في (الأصل) ، وفي (الشفا) : «علامة» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 178 وأفعاله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عسره، ويسره، ومنشطه ومكرهه. وشاهد هذا قوله- تعالى-: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [ (1) ] . وإيثار ما شرعه، وحض عليه على هوى نفسه، وموافقة شهوته، قال اللَّه- تعالى-: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [ (2) ] . وإسخاط العباد في رضي اللَّه قال، فمن اتصف بهذه الصفة فهو كامل المحبة للَّه، ورسوله، ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبة، ولا يخرج عن اسمها، ودليله قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم للذي حده في الخمر، فلعنه بعضهم، وقال: ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تلعنه فإنه يحب اللَّه ورسوله، ومن علامات محبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كثرة ذكره له، فمن أحب شيئا أكثر ذكره، ومنها كثرة شوقه إلى لقائه، فكل حبيب يحب لقاء حبيبه، ومن علامات ذلك كثرة ذكره وتعظيمه له، وتوقيره عند ذكره، وإظهار الخشوع، والانكسار مع سماع اسمه [ (3) ] . قال إسحاق التجيبيّ: كان أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعده لا يذكرونه إلا خشعوا، واقشعرت جلودهم، وبكوا، وكذلك كثير من التابعين، منهم من يفعل ذلك محبة له، وشوقا إليه، ومنهم من يفعله تهيبا، وتوقيرا، ومنها محبته لمن أحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومن هو بسببه من آل بيته، وصحابته من المهاجرين، والأنصار، وعداوة من عاداهم، وبغض من أبغضهم، وسبهم، فمن أحب شيئا أحب من يحب، ومن قال أحب شيئا، أحب كل شيء يحبه، ومنها بغض من أبغض اللَّه ورسوله، ومعاداة من عاداه، ومجانبة من خالف سنته، وابتدع في دينه، واستقالة كل أمر يخالف شريعته، قال- تعالى-:   [ (1) ] آل عمران: 31. [ (2) ] الحشر: 9. [ (3) ] (الشفا) : 2/ 20. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 179 لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (1) ] وهؤلاء أصحابه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قد قتلوا أحبّاءهم، وقاتلوا آباءهم وأبناءهم في مرضاته. وقال له عبد اللَّه بن أبيّ: لو شئت لأتيتك برأسه يعني أباه، ومنها أن يحب القرآن ويحب تلاوته والعمل به، وتفهمه، ويحب سنته، ويقف عند حدودها، ومن علامة حبه للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم شفقته على أمته، ونصحه لهم، وسعيه في مصالحهم، ودفع المضار عنهم، كما كان عليه السلام بالمؤمنين رءوفا رحيما. ومن علامة تمام محبته زهد مدّعيها في الدنيا، وإيثاره الفقر، وإنصافه به. قال: اختلف الناس في تفسير محبة اللَّه، ومحبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال سفيان: المحبة اتباع الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال بعضهم: محبة الرسول اعتقاد نصرته والذّب عن سنته والانقياد لها، وهيبة مخالفته، وقال بعضهم: المحبة دوام الذكر للمحبوب، وقال بعضهم: المحبة مواطأة القلب لمراد الرب يحب ما أحب، ويكره ما كره. وقال آخر: المحبة ميل القلب إلى موافق له، وأكثر العبارات المتقدمة إشارة إلى ثمرات المحبة دون حقيقتها، وحقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الإنسان، وتكون موافقته له إما لاستلذاذه [بذكره] [ (2) ] بإدراكه كحب الصور الجميلة، والأصوات الحسنة، والأطعمة، والأشربة اللذيذة، وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله، وقلبه معاني باطنة شريفة كمحبة الصالحين، والعلماء، وأهل المعروف، والمأثور عنهم السير الجميلة، والأفعال الحسنة، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء، حتى يبلغ التعصب بقوم لقوم، والتشيّع من أمة في آخرين ما يؤدي إلى الجلاء عن الأوطان، وهتك الحرم، واخترام النفوس، أو يكون حبه إياه لموافقة له من جهة إحسانه له، وإنعامه عليه، فقد جبلت النفوس على حب   [ (1) ] المجادلة: 22. [ (2) ] من (الأصل) فقط، وليست في (الشفا) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 180 من أحسن إليها، فإذا تقرر لك هذا نظرت هذه الأسباب كلها في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فعلمت أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم جامع لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبة [ (1) ] . أما جمال الصورة والظاهر، وكمال الأخلاق والباطن فقد قررنا منها قبل فيما مر من الكتاب ما لا يحتاج إلى زيادة [ (2) ] . وأما إحسانه وإنعامه على أمته فكذلك قد مر منه في أوصاف اللَّه- تعالى- من رأفته بهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، وشفقته عليهم، واستنقاذهم به من النار، وأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، ورحمة للعالمين، مبشرا، ونذيرا، وداعيا إلى اللَّه بإذنه، ويتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويهديهم إلى صراط مستقيم، فأي إحسان أجل قدرا، وأعظم خطرا، من إحسانه إلى جميع المؤمنين، وأي إفضال أعم منفعة، وأكثر فائدة، من إنعامه على كافة المؤمنين، وداعيهم إلى الفلاح، والكرامة، ووسيلتهم إلى ربهم، وشفيعهم، والمتكلم عنهم، والشاهد لهم، والموجب لهم البقاء الدائم، والنعيم السرمد، فقد استبان لك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستوجب للمحبة الحقيقية شرعا، بما قدمناه من صحيح الآثار، وعادة وجبله، بما ذكرناه آنفا لإفاضة الإحسان، وعمومة الإجمال، فإذا كان الإنسان يحب من منحه في دنياه مرة أو مرتين معروفا، أو استنقذه من هلكه أو مضرة مدة التأذي بها قليل منقطع، فمن منحه ما لا يغني من عذاب الجحيم أولى بالحب [ (3) ] ، وإذا كان يحب بالطبع ملكا لحسن سيرته، أو حاكما لما يؤثر من قوام طريقته، أو قاص بعيد الدار لما يشاد من علمه، أو كرم   [ (1) ] (الشفا) : 2/ 23- 24، فصل في معنى المحبة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وحقيقتها، مختصرا. [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] كذا في (الأصل) وفي (الشفا) : «فمن منحه ما لا يبيد من النعيم، ووقاه ما لا يغني من عذاب الجحيم» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 181 شيمته [ (1) ] ، فمن جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحق بالحب، وأولى بالميل [ (2) ] . المسألة الثالثة عشر: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ينقض وضوؤه بالنوم بخلاف غيره ودليله ما خرّجه البخاريّ من حديث سفيان، عن عمرو قال: أخبرنى كريب، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نام حتى نفخ، ثم صلى، وربما قال: اضطجع حتى نفخ، ثم قام فصلى، ثم حدثنا به سفيان مرة بعد مرة، عن معمر، عن كريب، عن ابن عباس قال: بتّ عند خالتي ميمونة ليلة، فقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الليل، فلما كان في بعض الليل قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتوضأ من شنّ معلقة وضوءا خفيفا يخففه عمرو، ويقلله، وقام يصلي، فتوضأت نحوا مما توضأ، ثم جئت، فقمت عن يساره، وربما قال سفيان: عن شماله، فحولني فجعلني عن يمينه، ثم صلى ما شاء اللَّه، ثم اضطجع، فنام حتى نفخ، ثم أتاه المنادي، فآذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصلاة، فصلى ولم يتوضأ، قلنا لعمرو: إنّ أناسا يقولون: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تنام عينيه، ولا ينام قلبه، قال عمرو: سمعت عبيد بن عمير يقول: رؤيا الأنبياء وحي، ثم قرأ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [ (3) ] .   [ (1) ] في (الأصل) : «شيمه» ، وما أثبتناه من (الشفا) . [ (2) ] (الشفا) : 2/ 24- 25، فصل في معنى المحبة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وحقيقتها، ثم قال: وقد قال عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في صفته صلّى اللَّه عليه وسلّم: من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، وذكرنا عن بعض الصحابة أنه كان لا يصرف بصره عنه محبة فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (3) ] الصافات: 102. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 182 ذكره البخاريّ في أول الوضوء، وترجم عليه باب التخفيف في الوضوء [ (1) ] . وذكره في كتاب [الآذان] في باب وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الغسل، والطهور [ (2) ] . وخرّجه مسلم في كتاب الصلاة به مثله أو نحوا منه، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم أتاه بلال فأذنه بالصلاة، فخرج، فصلى الصبح، ولم يتوضأ، قال سفيان: وهذا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة لأنه بلغنا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تنام عيناه، ولا ينام قلبه [ (3) ] . وخرّجه البخاريّ ومسلم من طرق عديدة. وخرّج الترمذي [ (4) ] من حديث مالك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول اللَّه أتنام قبل أن توتر؟ قال: يا عائشة إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي. قال ابن عبد البر: وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إن عينيّ تنامان، ولا ينام قلبي، فتلك من علياء مراتب الأنبياء [قال:] تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا. واللَّه أعلم. قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رؤيا الأنبياء وحي لأن الأنبياء يفارقون سائر البشر في نوم القلب، ويساوونهم في نوم العين، فلو سلط النوم على قلوبهم كما يصنع بغيرهم، لم تكن رؤياهم أكثر من سواهم، وقد خصهم اللَّه- تعالى- من فضله بما شاء أن يخصهم به، ومن هنا كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينام حتى ينفخ، ثم يصلي ولا يتوضأ، لأن الوضوء إنما يجب بغلبة   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 317 ن كتاب الوضوء، باب (5) التخفيف في الوضوء، حديث رقم (138) . [ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 438، كتاب الأذان، باب (161) وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الغسل والطهور؟ وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم، حديث رقم (859) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 294- 295، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (26) الدعاء في صلاة الليل وقيامه، حديث رقم (186) . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 2/ 302- 303، أبواب الصلاة، باب (208) ما جاء في وصف صلاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالليل، حديث رقم (439) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 183 النوم على القلب لا على العين، فكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يساوي أمته في الوضوء من الحدث، ولا يساويهم في الوضوء من النوم، كما لم يساويهم في وصال الصوم وغيره مما جرت عادتهم به، فإن قيل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتوضأ، قيل له: كان يتوضأ لكل صلاة وما جاء عنه قط أنه قال: وضوئي هذا من النوم، وليس ببعيد أن يتوضأ إذا خامر النوم قلبه، وذلك نادر، كنومة في سفره عن صلاة الصبح، ليس لأمته أن الصلاة لا يسقطها خروج الوقت، وإن كان مغلوبا بنوم، أو نسيان، وهذا واضح. روى حماد بن سلمة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نام حتى سمع غطيطه، ثم صلى ولم يتوضأ [ (1) ] . قال عكرمة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محفوظا، وإن ذلك منه كان نادرا ليس لأمته كما سنّ في من نام، أو نسي كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأسن. وذكر عند عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قيل لي: لتنم عينك، ولتغفل، فقال: يا أمير المؤمنين ما يذكر من شأن ذاك أو ذاك، فقال عمر: هبلتك أمك أدركه! مرتين، أو ثلاثا، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لنا: إن رجلا يقال له أويس من قرن من أمره كذا، فلما قدم الرجل لم يبدأ بأحد قبله، فدخل عليه، قال: استغفر لي، فقال: ما بدا لك، قال: إن عمر قال لي كذا وكذا، قال: ما [أنا] بمستغفر لك حتى تجعل لي ثلاثا، قال: وما هن؟ قال: لا تؤذيني فيما بقي، ولا تخبر بما قال لك عمر أحدا من الناس، ونسي الثالثة. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: وقد روى من وجوه أن أويسا [ (2) ] قتل بصفين مع على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 242- 243، كتاب الأذان، باب (57) يوم عن يمين الإمام بحذائه سواء إذا كانا اثنين، حديث رقم (697) من حديث شعبة عن الحكم، قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما [ (2) ] هو أويس القرني، القدوة، الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليمانيّ، وقرن بطن من مراد، وفد على عمر، وروى قليلا عنه، وعن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص، فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: ألك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على اللَّه لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فاستغفر لي. قال: فاستغفر له. وجد في قتلى صفين مع أصحاب علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 6/ 161، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (1044) ، (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) : 2/ 79، (لسان الميزان) : 1/ 471، (سير الأعلام) : 4/ 19- 33 . وأحاديث صلاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالليل، ونومه ولا يتوضأ، وتنام عيناه ولا ينام قلبه المقدس. ذكرها البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 62، باب كان ينام ولا يتوضأ. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 184 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بصلة بن أشيم [ (1) ] فخرّج البيهقيّ [ (2) ] من حديث ابن المبارك، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: بلغنا أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقول: يكون في أمتي رجل يقال له: صلة بن أشيم يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا [ (3) ] .   [ (1) ] هو أبو الصهباء، صلة بن أشيم العدويّ، له ترجمة في (التاريخ الكبير) : 4/ 321، (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) : 2/ 237- 243، ترجمة رقم (184) . [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 379، باب ما روي في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بأنه يكون في أمته رجل يقال له: صلة بن أشيم، فكان بعد وفاته على صفته. [ (3) ] (حلية الأولياء) : 2/ 241، وفيه: قال رجل لصلة بن أشيم: ادع اللَّه لي. فقال: رغبك اللَّه فيما يبقى، وزهدك فيما يفنى، ووهب لك اليقين الّذي لا يسكن إلا إليه، ولا يعول في الدين إلا عليه، وله فيه كرامات لا يتسع المقام لسردها، فلتراجع هناك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 185 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بولادة غلام له يسميه باسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البيهقي [ (1) ] من طريق عون بن سلام، قال قيس: عن ليث، عن محمد بن بشر، عن محمد ابن الحنيفة، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سيولد لك بعدي غلام قد نحلته اسمي وكنيتي [ (2) ] . وخرّجه الحافظ أبو نعيم أحمد من طريق عبد العزيز بن الخطاب عن قيس ابن الربيع، عن ليث، عن محمد بن بشر عن محمد ابن الحنفية، عن عليّ قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سيولد لك ولد قد نحلته اسمي وكنيتي [ (3) ] . وفي رواية: حدثنا عليّ: سيولد لك، وخالفهما غيرهما، عن قيس، فقال محمد بن الأشعث: خرّجه الحافظ أبو بكر الخطيب من طريق الحسن بن بشر، عن قيس، عن ليث، عن محمد بن الأشعث، عن ابن الحنفية، عن عليّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يولد لك ابن قد نحلته اسمي قال: وكلا الحديثين غريب. والمحفوظ عن ابن الحنفية، فذكر حديث وكيع، حدثنا فطر عن   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 380، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بولادة غلام لعليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وإذنه إياه في أن يسميه باسمه، ويكنيه بكنيته، فكان ذلك في محمد ابن الحنفية. [ (2) ] هو محمد ابن الحنفية، السيد الإمام أبو القاسم وأبو عبد اللَّه محمد بن الإمام علي بن أبي طالب القرشي الهاشميّ، ولد في العام الّذي مات فيه أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، وكان ورعا كثير العلم، وتوفى سنة إحدى وثمانين، له ترجمة في (التاريخ الكبير) : 1/ 1/ 182، (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) : 3/ 174، (العقد الثمين) : 2/ 157، (شذرات الذهب) : 1/ 88، (طبقات ابن سعد) : 5/ 91. [ (3) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 186 منذر، عن ابن الحنفية قال: قال على: يا رسول اللَّه أرأيت إن ولد لي بعدك أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم، فكانت رخصة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ورواه أيوب بن واقد عن فطر، عن منذر الثوريّ، عن محمد ابن الحنفية، عن أبيه عليّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن ولد لك غلام فسمه باسمي، وكنه بكنيتي، وهو رخصة لك دون الناس. ورواه يحيى بن سعيد، عن فطر، عن منذر الثوري، عن محمد ابن الحنفية، عن علي أنه استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن ولد له بعده أن يسميه باسمه، ويكنيه بكنيته، قال: وكانت رخصة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: وسماني محمدا وكنيته أبو القاسم. ورواه أبو نعيم، عن فطر هو ابن خليفة، عن منذر الثوري، قال: سمعت ابن الحنفية يقول: كانت رخصة لعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: يا رسول اللَّه إن ولد لي بعدك أسميه باسمك، وأكنيه بكنيتك، قال: نعم وكذا رواه على بن قادم، عن فطر. وروى ابن عساكر من طريق محمد بن الصلت الأسدي، قال ربيع بن منذر الثوري، عن أبيه أظنه عن ابن الحنفية، قال: وقع بين طلحة، وبين عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- كلام، قال: فقال لعليّ: إنك تسمى باسمه، وتكنى بكنيته، وقد نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ذلك أن يجمعا لأحد من أمته، فقال على إن الجريء من اجترأ على اللَّه، وعلى رسوله، يا فلان ادع له فلانا وفلانا، فجاء نفر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قريش فشهدوا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رخص لعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يجمعهما، وحرمهما على أمته من بعده. ومن طريق محمد بن سعد [ (1) ] أن محمد بن الصلت، وخالد بن مخلد قالا: عن الربيع بن المنذر، والثوري، عن أبيه قال: وقع بين عليّ وطلحة كلام، فقال له طلحة: ما أجرأك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سميت باسمه، وكنيت بكنيته، وقد نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يجمعهما أحد من أمته بعده، فقال عليّ: إن الجرى   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 8/ 464. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 187 من اجترأ على اللَّه وعلى رسوله، اذهب يا فلان فادع لي فلانا وفلانا لنفر من قريش، قال: فجاءوا، فقال: بم تشهدوا؟ قالوا: نشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إنه سيولد لك بعدي غلام، فقد نحلته اسمي وكنيتي، ولا يحل لأحد من أمتي بعده. ومن حديث ابن أبي خثيمة، عن محمد بن الصلت الأسديّ، عن الربيع ابن منذر، عن أبيه قال: كان بين عليّ وطلحة كلام، فقال عليّ: إن الجريء من افترى على اللَّه، وعلى رسوله، يا فلان ادع لي فلانا وفلانا، فدعا نفرا من قريش، فقال: بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: سمّ يا عليّ [باسمي] وكن بكنيتي، ولا تحل لأحد بعدك. وأما إخباره عليه الصلاة والسلام أمّ ورقة [ (1) ] بأنها ستدرك الشهادة فكان كما أخبر فخرّج البيهقيّ [ (2) ] وغيره من طريق أبي نعيم، قال الوليد بن جميع: قال حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد اللَّه بن الحارث، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] هي أم ورقة بنت عبد اللَّه بن الحارث بن عويمر بن نوفل الأنصارية، ويقال لها: أم ورقة بنت نوفل، فنسبت إلى جدها الأعلى. أخرج حديثها أبو داود من حديث وكيع بن الجراح، عن الوليد بن عبد اللَّه بن جميع، حدثتني جدتي، وعبد اللَّه بن خلاد الأنصاري، عن أم ورقة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما غزا بدرا ... وذكر الحديث. ومن طريق محمد بن فضيل، عن الوليد، عن عبد الرحمن بن خلاد، عن أم ورقة بنت عبيد اللَّه بن الحارث بهذا، والأول أتم. وأخرجه ابن السكن، من طريق محمد بن فضيل، وأخرجه ابن السكن أيضا من طريق عبد اللَّه بن داود عن الوليد، عن ليلى بنت مالك، عن أمها، عن أم ورقة، وهو عند ابن مندة بعلو عن عبد اللَّه بن داود، وكذا قيل بين عبد الرحمن بن خلاد وأم ورقة واسطة. وأخرجه أبو نعيم من رواية أبي نعيم، عن الوليد، حدثتني جدتي عن أمها أم ورقة، وساق الحديث كرواية وكيع. (الإصابة) : 8/ 321- 322، ترجمة رقم (12294) مختصرا. [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 381- 382، باب في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم أم ورقة بأنها تدرك الشهادة فاستشهدت في عهد عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 188 يزورها ويسميها الشهيدة، وكانت قد جمعت القرآن وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين غزا بدرا قالت: تأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم، وأمرّض مرضاكم لعل اللَّه- تعالى- يهدي لي شهادة، قال: إن اللَّه- تعالى- مهد لك شهادة، فكان يسميها الشهيدة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أمرها أن تؤم أهل دارها، وأنها غمتها جارية لها، وغلام كانت قد دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقيل: إن أم ورقة قتلتها جاريتها، وغلامها، وأنهما هربا، فأتى بهما فصلبهما، فكانا أول مصلوبين بالمدينة، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: صدق رسول اللَّه كان يقول: انطلقوا نزور الشهيدة [ (1) ] . وخرّجه أبو داود [ (2) ] من حديث وكيع بن الجراح، حدثنا الوليد بن عبد اللَّه ابن جميع، قال: حدثتني جدتي، وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاريّ، عن أم ورقة بنت نوفل أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما غزا بدرا قالت له: يا رسول اللَّه ائذن لي في الغزو معك أمرّض مرضاكم لعل اللَّه أن يرزقني شهادة، قال: قري في بيتك، فإن اللَّه يرزقك الشهادة، قال: فكانت تسمى الشهيدة، فاستأذنت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتخذ في دارها مؤذنا، فأذن لها، قال: وكانت دبرت غلاما لها، وجارية، فقاما إليها بالليل فغماها بقطيفة لها حتى ماتت ودفناها، فأصبح عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فقام في الناس، فقال: من عنده من هذين علم أو من رآهما فليجئ بهما فجيء بهما فصلبا، فكانا أول مصلوب بالمدينة.   [ (1) ] (المرجع السابق) ، والمدبّر هو العبد أو الجارية الّذي أعتقه سيده بحيث ينال حريته بعد موت سيده. [ (2) ] (سنن أبي داود) : 1/ 396- 397، كتاب الصلاة، باب (62) إمامة النساء، حديث رقم (591) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 189 قال أبو عمر بن عبد البر [ (1) ] : أم ورقة بنت عبد اللَّه بن الحارث بن عويمر الأنصاريّ، وقيل: أم ورقة بنت نوفل وهي مشهورة بكنيتها، واضطرب أهل الخبر في نسبها. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بالطاعون الّذي يأتي بعده فخرّج البخاريّ [ (2) ] من حديث بسر بن عبيد اللَّه أنه سمع أبا إدريس الخولانيّ قال: سمعت عوف بن مالك قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: اعدد ستا بين يدي الساعة: موتى، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من بيوت المدينة إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم، وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا.   [ (1) ] (الاستيعاب) : 4/ 1965، ترجمة رقم (4224) ، وذكر حديثها وزاد فيه وقال: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين كان يقول: انطلقوا بنا نزور الشهيدة. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 340، كتاب الجزية والموادعة، باب ما يحذر من الغدر وقول اللَّه- تعالى-: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ [الأنفال: 62] ، حديث رقم (3176) ، وفيه أشياء من علامات النبوة قد ظهر أكثرها، وفيه بشارة ونذارة، وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش، وفيه إشارة إلى أن عدد جيوش المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه. ووقع في رواية للحاكم من طريق الشعبيّ عن عوف بن مالك في هذا الحديث «ان عوف بن مالك قال لمعاذ في طاعون عمواس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لي: اعدد ستا بين يدي الساعة، فقد وقع منهن ثلاث، يعني موته صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفتح بيت المقدس والطاعون، قال: وبقي ثلاث، فقال له معاذ: إن لهذه أهلا» . ووقع في (الفتن) لنعيم بن حماد أن هذه القصة تكون في زمن المهدي على يد ملك من آل هرقل. (فتح الباري) مختصرا. وبنو الأصفر: الروم. وأخرجه ابن ماجة في الفتن، باب (25) أشراط الساعة، حديث رقم (4042) ، وبعضه في الأدب من (سنن أبى داود) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 190 ذكره في كتاب الجزية والموادعة، في باب ما يحذر من الغدر. وخرّجه البيهقي [ (1) ] بهذا السند، ولفظه قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة تبوك وهو في خباء من أدم، فجلست بفناء الخباء فسلمت، فرد وقال: ادخل يا عوف، فقلت: أكلي أم بعضي؟ قال: كلك، فدخلت، فرأيته يتوضأ وضوءا مكيثا، ثم قال: يا عوف احفظ خلالا ستا بين يدي الساعة: إحداهن موتى، قال عوف: فوجمت عندها وجمة شديدة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قل إحدى، فقلت: إحدى، ثم قال: فتح بيت المقدس، أظنه قال: ثم موتان يظهر فيكم يستشهد اللَّه به ذراريكم، وأنفسكم، ويزكى به أموالكم، ثم استفاضة المال بينكم، وذكر الحديث. وهذه الستة قد وقع بعضها، فمات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفتح بيت المقدس في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ووقع الطاعون، ثم استفاض المال في خلافة عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال الوليد بن مسلم، قال سعيد بن عبد العزيز: زاد عثمان الناس عامة مائة دينار، ومائة دينار في عطياتهم، قالوا: وكانت الفتنة الرابعة من الآيات الستة مقتل بالشام، والعراق، وخرسان بين الفرق والعصبية، ولا نزال متتابعة حتى تقع فتنة الروم. ومن طريق ابن وهب قال [ (2) ] : أخبرني ابن لهيعة، عن عبد اللَّه بن حبان أنه سمع سليمان بن موسى يذكر أن الطاعون وقع بالناس يوم جسر عموسة، فقام عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا أيها الناس إنما هذا الوجه رجس فتنحوا منه، فقال شرحبيل بن حسنة: يا أيها الناس إني قد سمعت قول صاحبكم، وإني واللَّه لقد أسلمت، وصليت وإن عمرا لأضلّ من بعير أهله، وإنما هو بلاء أنزله اللَّه فاصبروا، فقام معاذ بن جبل، فقال: يا أيها الناس إني قد سمعت قول صاحبيكم هذين، وإن هذا الطاعون رحمة ربكم،   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 383- 385، باب ما جاء في إخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالطاعون الّذي وقع بالشام في أصحابه في عهد عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (2) ] (المرجع السابق) : 385. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 191 ودعوة بينكم، وإني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنكم ستقدمون الشام، فتنزلون أرضا يقال لها جسر عموسة [ (1) ] ، فتخرج لكم فيها جرجان لها ذباب كذباب الدمل يستشهد اللَّه به أنفسكم، وذراريكم، ويزكى به أموالكم، اللَّهمّ إن كنت تعلم أني سمعت هذا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فارزق معاذا، وآل معاذ من ذلك الحظ الأوفى، ولا تعافه منه، قال: فطعن في السبابة، فجعل ينظر إليها ويقول: اللَّهمّ بارك فيها فإنك إذا باركت في الصغير كان كبيرا، ثم طعن ابنه، فدخل عليه، فقال: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [ (2) ] ، قال: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [ (3) ] . قال المؤلف- رحمة اللَّه عليه-: وقوله في هذا الحديث: وأن هذا الطاعون رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، يشير إلى حديث يحيى بن أبي بكير، قال: عن أبي بكر النهشلي، عن رماد بن علابة عن أسامة بن شريك، قال: خرجنا في اثنى عشر من بني ثعلبة، فبلغنا أن أبا موسى نزل منزلا، فأتيناه، فسمعناه يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: اللَّهمّ اجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون، قلنا: يا رسول اللَّه هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال: وخز أعدائكم وذراريكم من الجن، وفي كل شهداء [ (4) ] . وخرج ابن عساكر من طريق هشام بن خالد الأزرق عن الحسن بن يحي، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن بشر بن مرة، عن معاذ بن جبل،   [ (1) ] لم أجد لهذا الموضع ذكر فيما بين يديّ من معاجم البلدان. [ (2) ] البقرة: 147. [ (3) ] الصافات: 102، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 218- 219، حديث رقم (17299) ، من حديث شرحبيل بن حسنة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (4) ] (مسند أحمد) : 5/ 537، حديث رقم (19034) ، من حديث أبي موسى الأشعريّ. وفي (الفتوح) لابن أعثم الكوفي: واشتدّ الطاعون بالشام، وفشا الموت في الناس، فقال عمرو بن العاص: أيها الناس! إنّ هذا الوباء قد وقع فيكم، إنما هو وخز من الجن فمن أقام به هوى، ومن انحاز عنه نجا. (الفتوح) : 1/ 313، ذكر الطاعون الّذي وقع بالشام، ومن مات هنالك من المسلمين. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 192 قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تنزلون منزلا يقال له: الجاثية، يصيبكم فيه ذباب مثل عدة الجمل يستشهد اللَّه به أنفسكم، ودراركم، ويزكى أبدانكم. وخرجه الطبراني إلا أنه قال: كما يستشهد اللَّه به أنفسكم ودراركم، ويزكى به أعمالكم. وقال سيف بن عمر: قالوا: ووقع الطاعون بالشام، ومصر، والعراق، واستقر في الشام، ومات فيه الناس الذين هم في أهل الأمصار، وفي المحرم، وصفر، يعني سنة سبع عشرة وارتفع عن الناس، وكتبوا إلى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بإخلاء الشام، قالوا: وكان ذلك الطاعون موتانا لم ير مثيله طمع له العدو في [الناس] وتخوفت له قلوب المسلمين [لما] كثر موته، وطال مكثه، حتى [ما] تكلم في ذلك اثنان فاختلفوا، فأمر معاذ بن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالصبر حتى ينجلي، وأمر عمر بن عبسة بالتنحي، ثم ذكر سيف كلامهم في ذلك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 193 وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم بفتن تموج كموج البحر وأنها تكون بعد قتل عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرج البخاريّ من حديث حفص بن غياث، عن الأعمش، عن شقيق سمعت حذيفة يقول: بينا نحن جلوس عند عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذ فقال: * يكم يحفظ قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الفتنة؟ قال: فتنة الرجل في أهله، وماله، وولده، وجاره، يكفرها الصلاة، والصدقة والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، قال: ليس عن هذا أسألك، ولكن التي تموج كموج البحر، فقال: ليس عليك منها يا أمير المؤمنين بأس، إن بينك وبينها بابا مغلقا. قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: بل يكسر، قال عمر: إذن لا يغلق الباب أبدا، قلت: أجل، قلت لحذيفة: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد ليلة، وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأله من الباب، فأمرنا مسروقا فسأله، فقال: من الباب؟ قال عمر [ (1) ] . وخرّجه مسلم من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، قال: كنا عند عمر، فقال: أيكم يحفظ حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الفتنة كما قال؟ قال: قلت: أنا، قال: إنك لجريء، وكيف قال؟ قلت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: فتنة الرجل في أهله، وماله، ونفسه، وولده وجاره، يكفرها الصلاة، والصيام، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فقال عمر: ليس هذا أريد إنما أريد، التي تموج كموج البحر، قال: فقلت:   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 60، كتاب الفتن، باب (17) الفتنة التي تموج كموج البحر، وقال ابن عيينة عن خلف بن حوشب: كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن، قال امرؤ القيس: الحرب أول ما تكون فتية ... تسعى بزينتها لكل جهول حتى إذا اشتغلت وشب ضرامها ... ولت عجوزا غير ذات حليل شمطاء ينكسر لونها وتغيرت ... مكروهة للشم والتقبيل الجزء: 13 ¦ الصفحة: 194 مالك، ولها يا أمير المؤمنين؟ إن بينك وبينها بابا مغلقا، قال: أفيكسر الباب، أو يفتح؟ قال: قلت: لا بل يكسر، قال: ذلك أحرى أن لا يغلق أبدا، قال: فقلنا لحذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: هل كان عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد ليلة، إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط قال: فهبنا أن نسأل حذيفة: من الباب؟ فقلنا لمسروق: سله، فسأله، فقال: عمر [ (1) ] . وخرّجه من حديث وكيع، وجرير، وعيسى بن يونس، ويحيى بن عيسى كلهم، عن الأعمش، بهذا الإسناد نحو حديث أبي معاوية، وفي حديث عيسى، عن الأعمش، عن شقيق، قال: سمعت حذيفة يقول [ (2) ] . وخرّجه من حديث سفيان، عن جامع بن أبي راشد والأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: قال عمر: من يحدثنا عن الفتنة، واقتص بنحو حديثهم [ (3) ] . وخرّجه البخاريّ في كتاب الصلاة، وفي كتاب الزكاة، وفي أول المناقب، وفي أبواب علاماتها النبويّة. وخرّج الإمام أحمد [ (4) ] حديث أبي عوانة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عزرة بن قيس، عن خالد بن الوليد، قال: كتب إليّ أمير المؤمنين حين ألقى الشام، بوانية بثينة وعسلا- وشك عفان، مرة قال: حين ألقى الشام كذا وكذا- فأمرني أن أسير إلى الهند والهند، في أنفسنا يومئذ البصرة، قال: وأنا لذلك كاره، قال: فقام رجل فقال لي: يا أبا سليمان، اتّق اللَّه فإن الفتن قد   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 233- 234، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (7) في الفتنة التي تموج كموج البحر، حديث رقم (26) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (27) . [ (3) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم، وأخرجه مسلم مطولا في كتاب الإيمان، باب (65) بيان أن الإسلام بدا غريبا وسيعود غريبا وأنه ليزار بين المسجدين، حديث رقم (231) . [ (4) ] (مسند أحمد) : 5/ 51، حديث رقم (16379) من حديث زيد بن العوام. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 195 ظهرت، قال: فقال: وابن الخطاب حيّ؟! إنما تكون بعده، والناس بذي بليان- أو بذي بليان- بمكان كذا وكذا، فينظر الرجل فيتفكر، هل يجد مكانا لم ينزل به ما نزل بمكانه الّذي هو فيه من الفتنة والشر، فلا يجده، قال: وتلك الأيام التي ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين يدي الساعة أيام الهرج، فنعوذ باللَّه أن تدركنا وإياكم تلك الأيام. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 196 وأما إنذاره عثمان بن عفان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بالبلوى التي أصابته فقتل فيها خرّج البخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمر، عن سعيد بن المسيب قال: أخبرنى أبو موسى الأشعريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه توضأ في بيته، ثم خرج، فقلت: لألزمنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولأكوننّ معه يومي هذا، قال: فجاء المسجد فسأل عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالوا: خرج ووجه هاهنا. قال: فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس، قال: فجلست عند الباب- وبابها من جريد- حتى قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاجته، وتوضأ، فقمت إليه فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسط قفها، وكشف عن ساقيه، ودلاهما في البئر، قال: فسلمت عليه، ثم انصرفت، فجلست عند الباب، فقلت: لأكونن بواب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اليوم، فجاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رسلك، قال: فذهبت، فقلت: يا رسول اللَّه هذا أبو بكر يستأذن، قال: ائذن له وبشره بالجنة. قال: فأقبلت حتى قلت لأبى بكر: ادخل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبشرك بالجنة، قال: فدخل أبو بكر، فجلس عن يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القف، ودلى رجليه في البئر كما صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكشف عن ساقيه، ثم رجعت فجلست، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد اللَّه بفلان يريد أخاه خيرا يأت   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 25، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (5) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو كنت متخذا خليلا، حديث رقم (3674) . وأخرجه أيضا في كتاب الأدب، باب (119) من نكت العود في الماء والطين، حديث رقم (6216) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 180- 181، كتاب فضائل الصحابة، باب (3) من فضائل عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، حديث رقم (29) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 197 به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب فقلت: على رسلك، ثم جئت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسلمت عليه، وقلت: هذا عمر يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فجئت عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فقلت له ادخل ويبشرك رسول اللَّه بالجنة، قال: فدخل، فجلس مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القف عن يساره، ودلى رجليه في البئر، ثم رجعت فجلست، فقلت: إن يرد اللَّه بفلان خيرا يعنى أخاه يأت به، فجاء إنسان فحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال عثمان بن عفان، فقلت: على رسلك، قال: وجئت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته، فقال: ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه. وقال البخاريّ: على بلوى تصيبه، قال: فجئت، فقلت: ادخل ويبشرك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالجنة مع بلوى تصيبك، قال: فدخل، فوجد القفّ قد مليء، فجلس، وجاههم من الشقّ الآخر، قال شريك: قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم [ (1) ] ، ذكره البخاريّ في مناقب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وخرّجه مسلم [ (2) ] من حديث سليمان بن بلال، قال: أخبرني شريك بن عبد اللَّه بن أبي نمر قال: سمعت سعيد بن المسيب بنحوه أو قريب منه. وخرّجاه من حديث محمد بن جعفر بن أبي كثير، عن شريك، وخرجاه أيضا من حديث عثمان بن غياث، قال: حدثني أبو النهدي، عن أبي موسى، ومن حديث حماد، عن أيوب، عن أبي عثمان النهديّ [ (3) ] . وخرّجه الترمذيّ [ (4) ] من طريق حماد به، وقال: هذا حديث صحيح، وقد روى من غير وجه، عن أبي عثمان النهديّ، وقال الحافظ أبو القاسم بن   [ (1) ] هذه رواية مسلم، والقف: حافة البئر. رقم (29) . [ (2) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي قبل الحديث رقم (9) بدون رقم. [ (3) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي قبل الحديث رقم (29) بدون رقم. [ (4) ] (سنن الترمذيّ) : 5/ 589- 590، كتاب المناقب، باب (19) ، مناقب عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، حديث رقم (3710) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى من غير وجه عن أبي عثمان النهديّ، وفي الباب عن جابر وابن عمران- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 198 عساكر: والحديث محفوظ من مسند أبي موسى، رواه عن صفية، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهديّ وابنه أبو بردة. وخرّجه البيهقيّ [ (1) ] من طريق عبد الأعلى بن أبي المساور، عن إبراهيم بن محمد بن حاطب، عن عبد الرحمن بن بجير، عن زيد بن أرقم قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: انطلق حتى تأتي أبا بكر، فتجده في داره جالسا محتبيا، فقل: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أبشر بالجنة، ثم انطلق حتى تأتي الثنية، فتلقى عمر راكبا على حمار تلوح صلعته، فقل إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرأ عليك السلام، ويقول: أبشر بالجنة، ثم انصرف حتى تأتي عثمان فتجده في السوق، وهو يبيع ويبتاع، فقل: إن النبي يقرأ عليك السلام، ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد، قال: فانطلقت حتى أتيت أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فوجدته في داره جالسا محتبيا كما قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: إن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرأ عليك السلام، ويقول: أبشر بالجنة، قال: فأين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلت: في مكان كذا وكذا قال: فقام، فانطلق إليه، قال: ثم أتيت الثنية، فإذا عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- راكب على حمار [ (2) ] تلوح صلعته كما قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فقلت: إن نبي اللَّه يقرأ عليك السلام ويقول أبشر بالجنة، قال: فأين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقلت: في مكان كذا وكذا، فانطلق له قال: ثم انطلقت إلى السوق فأجد عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فيها يبيع ويبتاع كما قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فقلت: إن نبي اللَّه يقرأ عليك السلام ويقول أبشر بالجنة بعد بلاء شديد، قال: فأين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فقلت: في مكان كذا وكذا، قال: فأخذ بيدي وأقبلنا جميعا حتى أتينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا نبيّ اللَّه إن زيدا أتاني فقال: إن نبي اللَّه يقرأ عليك السلام ويقول:   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 389- 390، باب ما جاء في إخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبلوى التي أصابت عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والفتنة التي ظهرت في أيامه، والعلامة التي دلت على قبره وقبر صاحبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. [ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل البيهقيّ) : «على جمله» ، وما أثبتناه أجود للسياق، وهو مطابق لصدر الحديث. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 199 أبشر بالجنة بعد بلاء شديد! وأي بلاء يصيبني يا رسول اللَّه؟ والّذي بعثك بالحق ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك، فأيّ بلاء يصيبني؟ فقال: هو ذاك. قال البيهقيّ: عبد الأعلى [ (1) ] بن أبي المساور ضعيف في الحديث، فإن كان حفظ هذا فيحتمل أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث زيد بن أرقم وأبو موسى لم يعلمه فقعد على الباب، فلما جاءوا راسلهم على لسان أبي موسى بمثل ذلك. قال المؤلف- رحمه اللَّه وعفى عنه- قد خرّج ابن عساكر حديث البئر من طريق بكر بن المختار ومن طريق عبد الأعلى عن أبي المساور وكلاهما عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. ومن طريق المبارك بن فلفل أخي المختار عن أنس، ومن طريق أبي معاوية، عن عمرو بن سلمة، عن أبي حازم، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وخرّج معناه من حديث إسماعيل بن قيس، عن أبيه قيس بن زيد بن ثابت، ومن حديث زيد بن أبي أنيسة، عن محمد بن عبد اللَّه، عن المطلب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وخرّج البيهقيّ [ (2) ] من من حديث يحيى بن سعيد القطان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي سهلة مولى عثمان بن عفان، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ادع لي أو ليت عندي رجل من أصحابي، قالت: قلت: أبو بكر؟ قال: لا، قالت:   [ (1) ] عبد الأعلى بن أبي المساور، قال البخاريّ: منكر الحديث، وقال يحيى بن معين وأبو داود: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك، وقال الدار الدّارقطنيّ: متروك، وذكره العقيلي في (الضعفاء الكبير) ، وابن حبان في (المجروحين) وقال: كان ممن يروي عن الأثبات ما لا يشبه حديث الثقات حتى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة علم أنها معمولة. وهو الّذي روي عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أتى منكم الجمعة فليغتسل فإنه كفارة من الجمعة إلى الجمعة. [ (2) ] (المرجع السابق) : 391. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 200 قلت: عمر؟ قال: لا، قلت: ابن عمك علي؟ قال: لا، قلت: فعثمان؟ قال: نعم، قال: فجاء عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: قومي، قال: فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يسر إلى عثمان ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار [ (1) ] قلنا: ألا تقاتل؟ قال: لا، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عهد إليّ أمرا فأنا صابر نفسي عليه [ (2) ] . وخرّجه الترمذيّ من حديث يحيى بن سعيد، عن إسماعيل بن خالد، عن قيس [بن أبي حازم] حدثني أبو سهلة قال: قال عثمان يوم الدار: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد عهد إليّ عهدا فأنا صابر عليه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن أبي خالد [ (3) ] . وللبيهقي من حديث إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن أبي عمر مولى المطلب [ (4) ] ، عن حذيفة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم ويرث دنياكم شراركم» [ (5) ] . وقد خرّجه أبو عيسى من حديث عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عبد اللَّه وهو ابن عبد الرحمن الأنصاري الأشهليّ، عن حذيفة بن اليمان أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمثله، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمرو [ (6) ] .   [ (1) ] الدار التي حصر فيها عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (2) ] وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) ، حديث رقم (409) ، من مسند عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال قيس: فكانوا يرونه ذلك اليوم أي يوم الدار. [ (3) ] (سنن الترمذيّ) : 5/ 590، كتاب المناقب، باب (19) من مناقب عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، حديث رقم (3711) . وأخرجه ابن ماجة في المقدمة، حديث رقم (113) . [ (4) ] في (دلائل البيهقيّ) : «عبد المطلب- هكذا قال أبو داود- عن حذيفة» . [ (5) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 319. [ (6) ] (سنن الترمذيّ) : 4/ 407، كتاب الفتن، باب (9) ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حديث رقم (2170) . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1342، كتاب الفتن، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 201 وخرج البيهقيّ من طريق عبد اللَّه بن الحكم [المصري] وشعيب بن الليث، قالا: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعة بن لقيط التجيبيّ، عن عبد اللَّه بن حوالة [الأسديّ] ، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من نجا من ثلاث فقد نجا، قالوا: ماذا يا رسول اللَّه؟ قال: موتى، وقتل خليفة مصطبر بالحق يعطيه، ومن الدجال [ (1) ] . وخرّج الترمذيّ من طريق حجين بن المثنى، عن الليث بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الملك بن عامر، عن النعمان بن بشير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: يا عثمان إنه لعل اللَّه يقمّصك قميصا، فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم. قال: وفي الحديث قصة طويلة. قال: هذا حديث حسن غريب [ (2) ] . وخرّجه البيهقيّ من حديث عبد اللَّه بن صالح قال: حدثني الليث قال: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف أنه حدثه أنه جلس يوما مع شفيّ الأصبحي فقال: سمعت عبد اللَّه بن عمرو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: سيكون فيكم اثنا عشر خليفة: أبو بكر الصديق لا يلبث خلفي [ (3) ] إلا قليلا، وصاحب رحى دار العرب يعيش حميدا ويموت شهيدا، فقال رجل: يا رسول اللَّه! ومن هو؟ قال: عمر بن الخطاب، ثم التفت إلى عثمان فقال: وأنت يسألك الناس أن تخلع   [ () ] باب (25) أشراط الساعة، حديث رقم (4043) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 537، حديث رقم (22791) ، من حديث حذيفة بن اليمان. [ (1) ] (سنن البيهقيّ) : 6/ 392. [ (2) ] (سنن الترمذيّ) : 5/ 587، كتاب المناقب، باب (19) في مناقب عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حديث رقم (3705) . [ (3) ] في (الأصل) : «بعدي» وما أثبتناه من (دلائل البيهقيّ) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 202 قميصا كساكه اللَّه- عز وجل- والّذي بعثني بالحق لئن خلعته لا تدخل الجنة حتى بلج الجمل في سمّ الخياط [ (1) ] . وخرّجه الطبراني من طريق بقية عن صفوان بن عمرو بن يزيد عن النعمان بن بشير قال: حججت فأتيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: من أنت فقلت أنا النعمان فقالت ابن بشير؟ فقلت: نعم فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال يوما لعثمان: إن كساك اللَّه ثوبا فأرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه. قال النعمان: فقلت: غفر اللَّه لك يا أم المؤمنين ألا ذكرت هذا حين جعلوا يختلفون إليك؟ فقالت فقلت: أنسيته حتى بلغ اللَّه فيه أمره. وخرّجه الإمام أحمد من طريق الوليد بن سليمان قال: حدثني ربيعة بن يزيد عن عبد اللَّه بن عامر، عن النعمان بن بشير، عن عائشة قالت: أرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عثمان بن عفان فأقبل عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما رأينا رسول اللَّه أقبلت إحدانا على الأخرى فكان من آخر كلام كلمه، أن ضرب منكبه وقال: يا عثمان إن اللَّه- عز وجل- عسى أن يلبسك قميصا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني ثلاثا فقلت لها: يا أم المؤمنين فأين كان هذا عنك؟ قالت: أنسيته واللَّه فما ذكرته، قال فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم يرض بما أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين، أن اكتبى إليّ به، فكتبت به إليه كتابا [ (2) ] . قال المؤلف- رحمه اللَّه- ورواه فرج بن فضالة عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهريّ، عن عروة عن عائشة.   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 392- 393، وسمّ الخياط: خرق الإبرة، وهو كناية على الاستحالة، اقتباسا من قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف: 40] . [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 126- 127، حديث رقم (24045) ، من حديث السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 203 ورواه محمد بن عبد الأعلى بن كناسة الأسدي أبو يحيى، عن إسحاق بن سعيد، عن عمرو بن سعيد بن العاص، عن ابنه قال: بلغني أن عائشة قالت: ورواه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وحماد بن سلمة كلاهما عن هشام بن عروة، عن ابنه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. ورواه يحيى بن سعيد عن إسماعيل، عن قيس، عن أبي سلمة، عن عائشة. ورواه أبو معاوية محمد بن حازم الضرير، عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، عن أبي سهلة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. ورواه سفيان بن عيينة وزيد بن أبي أنيسة، عن إسماعيل بن أبي خالد، فجعله من مسند عثمان. وخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث أرطاة بن المنذر، أخبرني أبو عون الأنصاري أن عثمان بن عفان قال لابن مسعود: هل أنت منته عما بلغني عنك؟ فاعتذر إليه بعض العذر، فقال عثمان: ويحك! إني قد سمعت وحفظت وليس كما سمعت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إنه سيقتل أمير وينتزى منتز وإني أنا المقتول، وليس عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إنما قتل عمر واحد وإنه يجتمع عليّ. وقال موسى بن عقبة [ (2) ] : حدثني جدي أبو أمي أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يستأذن عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في الكلام، فأذن له، فقام فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: إني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنكم ستلقون بعدي فتنة، واختلافا، أو قال: اختلافا وفتنة، فقال قائل من الناس: فمن لنا يا رسول اللَّه؟ أو ما تأمرنا به؟ قال:   [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 107، حديث رقم (481) ، من مسند عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 393. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 204 عليكم بالأمين، وأصحابه، وهو يشير إلى عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بذلك. وقال يعقوب بن سفيان عن عبيد اللَّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن منصور عن ربعيّ بن خراش عن البراء بن ناجية الكاهليّ، عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تدور رحى الإسلام عند رأس خمس، أو ست وثلاثين، أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإلا تروحى عنهم سبعين سنة، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أمن هذا؟ أو من مستقبله؟ قال: من مستقبله. قال البيهقيّ: تابعه الأعمش، وسفيان الثوريّ، عن منصور [ (1) ] . وخرّج الحاكم من حديث قبيصة بن عقبة قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن ربعيّ، عن البراء بن ناجية، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: تدور رحى الإسلام على خمس وثلاثين، أو ست وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن بقي لهم دينهم سبعين عاما، فقال عمر: يا رسول اللَّه بما بقي؟ أو بما مضى؟ قال: بما بقي، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وخرجه ابن حبان في (صحيحه) من حديث مسدد، عن يزيد بن مروان، عن العوام بن حوشب، عن سليمان بن أبي عبلة، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن مسعود، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: تدور رحى   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 393- 394. [ (2) ] (المستدرك) 3/ 123، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4593) . وأخرجه الحاكم أيضا في (المستدرك) : 4/ 566، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8589) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، حديث إسناده خارج عن الكتب الثلاث، أخرجته تعجبا إذ هو قريب مما نحن فيه. وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 205 الإسلام على خمس وثلاثين، أو ست وثلاثين، فإن هلكوا فسبيل من هلك، وإن بقوا بقي لهم دينهم سبعين سنة [ (1) ] .   [ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 46، كتاب التاريخ، باب (10) إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عما يكون في أمته من الفتن والحوادث، ذكر خبر شنع به بعض المعطلة وأهل البدع على أصحاب الحديث حيث حرموا توفيق الإصابة لمعناه، حديث رقم (6664) وقال: في هامشه: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح. سليمان بن أبي سليمان: هو أبو إسحاق الشيبانيّ، والقاسم بن عبد الرحمن: هو القاسم بن عبد اللَّه بن مسعود الهذليّ. ثم قال بعقب هذا الحديث: هذا خبر شنع به أهل البدع على أئمتنا، وزعموا أن أصحاب الحديث حشوية، يروون ما يدفعه العيان والحسّ، ويصححونه، فإن سئلوا عن وصف ذلك قالوا: نؤمن به ولا نفسّره. ولسنا بحمد اللَّه ومنه مما رمينا في شيء، بل نقول: إن المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم ما خاطب أمته قط بشيء لم يعقل عنه، ولا في سننه شيء لا يعلم معناه، ومن زعم أن السنن إذا صحت يجب أن تروى ويؤمن بها من غير أن تفسر ويعقل معناها، فقد قدح في الرسالة، اللَّهمّ إلا أن تكون في السنن الأخبار التي فيها صفات اللَّه جلّ وعلا، التي يقع فيها التكييف، بل على الناس الإيمان بها. ومعنى هذا الخبر عندنا مما نقول في كتبنا: إن العرب تطلق اسم الشيء بالكلية على بعض أجزائه، وتطلق العرب في لغتها اسم النهاية على بدايتها، واسم البداية على نهايتها، أراد صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله: تدور رحى الإسلام على خمس وثلاثين، أو ست وثلاثين، زوال الأمر عن بني هاشم إلى بني أمية، لأن الحكمين كان في آخر سنة ست وثلاثين، فلما تلعثم الأمر على بني هاشم وشاركهم فيه بنو أمية، أطلق صلّى اللَّه عليه وسلّم اسم نهاية أمرهم على بدايته، وقد ذكرنا استخلافهم واحدا واحدا إلى أن مات عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة، وبايع الناس في ذلك يزيد بن عبد الملك، وتوفى يزيد بن عبد الملك ببلقاء من أرض الشام [وهي اليوم إحدى محافظات المملكة الأردنية الهاشمية] يوم الجمعة لخمس ليال بقين من شعبان سنة خمس ومائة، وبايع الناس هشام بن عبد الملك أخاه في ذلك اليوم، فولّى هشام خالد بن عبد اللَّه القسري العراق، وعزل عمر بن هبيرة في أول سنة ست ومائة، وظهرت الدعاة بخراسان لبني العباس، وبايعوا سليمان بن كثير الخزاعي الداعي إلى بني هاشم، فخرج في سنة ست ومائة إلى مكة، وبايعه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 206 قال البيهقيّ: وبلغني أن في هذا إشارة إلى الفتنة التي كان فيها قتل عثمان سنة خمس وثلاثين، ثم إلى الفتن التي كانت في أيام على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأراد بالسبعين- واللَّه أعلم- ملك بني أمية، فإنه بقي ما بين أن استقر لهم الملك إلى أن ظهرت الدعاة بخراسان، وضعف أمر بنى أمية، ودخل الوهن فيه نحوا من سبعين سنة [ (1) ] . وخرّج البيهقيّ من حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شماسة أن رجلا حدثه، عن عبد الرحمن بن عديس [ (2) ] أنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يخرج أناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يقتلون في جبل لبان، أو الجليل، أو جبل لبنان [ (3) ] . وخرّجه ابن يونس من حديث ابن لهيعة، عن عياش بن عياش، عن الهيثم بن شفيّ، عن عبد الرحمن بن عديس قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يخرج ناس من أمتي يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يقتلون في جبل لبنان والخليل [ (4) ] . ومن حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن معاوية بن أبي سفيان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخذ ابن عديس في زمن أهل مصر، فجعله في بعلبكّ، فهرب منه، فطلب سفيان بن مجيب فأدركه رجل رام من قريش،   [ () ] الناس لبني هاشم، فكان ذلك تلعثم أمور بني أمية، حيث شاركهم فيه بنو هاشم، فأطلق اسم نهاية أمرهم على بدايته، وقال: وإن بقوا بقي لهم دينهم سبعين سنة، يريد على ما كانوا عليه. (الإحسان) : 15/ 47- 49. [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 394. [ (2) ] عبد الرحمن بن عديس بن عمرو بن كلاب البلوي، صحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وسمع منه، وشهد فتح مصر، وكان فيمن سار إلى عثمان. [ (3) ] أخرجه يعقوب بن سفيان، والبغوي، وابن مندة، وابن السكن، وغيرهم، وهو في (كنز العمال) رقم (31243) وعزاه إلى ابن مندة والطبرانيّ والبيهقيّ وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عديس. [ (4) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 207 فأشار إليه بنشابة، فقال ابن عديس: أنشدك اللَّه في دمي، فإنّي ممن بايع تحت الشجرة، فقال: إن الشجر كثير في الجبل، أو قال: الجليل فقتله، قال ابن لهيعة: كان عبد الرحمن بن عديس البلويّ سار بأهل مصر إلى عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقتلوه، ثم قتل ابن عديس بعد ذلك [ (1) ] [بعام أو اثنين بجبل لبنان أو بالجليل] [ (2) ] . قال البيهقيّ: ورواه عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن عياش بن عياش، عن أبي الحصين، عن عبد الرحمن بن عديس بمعنى الحديث المرفوع ثمّ في قتله، ورواه عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بمعنى الحديث المرفوع [ (3) ] . قال البيهقيّ: وبلغني عن محمد بن يحيى الذّهليّ أنه قال: عبد الرحمن البلويّ هو رأس الفتنة لا يحل أن يحدّث عنه بشيء، وبلغني عن أبي حامد بن الشرقي أنه قال: حدثونا أن عبد الرحمن البلويّ هذا خطب حين حصر عثمان، فقال ابن مسعود يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: عثمان أضلّ عيبة بفلاة عليها قفل ضل مفتاحها، فبلغ ذلك عثمان فقال: كذب البلويّ ما سمعها من عبد اللَّه بن مسعود، ولا سمعها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] . قال المؤلف- رحمه اللَّه-: قد روى الشاميون عدة أحاديث في مقتل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أورد منها الحافظ أبو القاسم بن عساكر جملة في تاريخ دمشق، ولما كلم على عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عند ما بدأ الناس يعينونه، كان مما قاله لعثمان: وإني أحذرك أن تكون إمام هذه الأمة المقتول، فإنه كان يقال: يقتل في هذه الأمة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة.   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 394- 395. [ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق. [ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 395. [ (4) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 395. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 208 وقال عبد اللَّه بن محمد بن عقيل: قتل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سنة خمس وثلاثين، فكانت الفتنة خمس سنين منها أربعة أشهر للحسن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. قاله الإمام أحمد في (المسند) [ (1) ] . وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم بأقوام يؤخرون الصلاة فخرّج مسلم [ (2) ] عن حماد بن زيد، عن أبي عمران الجونيّ، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: صلّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلّ، فإنّها لك نافلة. وخرّج مسلم [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال لي رسول   [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 119، حديث رقم (551) من مسند عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 152- 153، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (41) كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار، وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام، حديث رقم (238) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (239) . [ (4) ] (سنن الترمذيّ) : 1/ 332- 333، أبواب الصلاة، باب (129) ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام، حديث رقم (176) . قال الإمام النووي في (شرح مسلم) : معنى يميتون الصلاة: يؤخرنها فيجعلونها كالميت الّذي خرجت روحه، والمراد بتأخيرها عن وقتها، أي وقتها المختار، لا عن جميع وقتها، فإن المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار، ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها، فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع. وقال الحافظ في (الفتح) : قال المهلب: المراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب، لا أنهم أخرجوها عن الوقت. كذا قال: وتبعه جماعة، وهو مخالف للواقع، فقد صح أن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 209 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا ذر إنه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة، فصلّ الصلاة لوقتها، فإن صليت لوقتها كانت لك نافلة وإلا كنت قد أحرزت صلاتك. وخرّج مسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من حديث يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا شعبة، عن بديل قال: سمعت أبا العالية يحدث عن عبد اللَّه بن الصامت عن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وضرب فخذي: كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال: فما تأمر؟ قال: صلّ الصلاة لوقتها، ثم اذهب لحاجتك، فإن أقيمت الصلاة وأنت في المسجد، فصل.   [ () ] الحجاج وأميره الوليد وغيرهما، كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، والآثار في ذلك مشهورة، منها: ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريح عن عطاء قال: أخر الوليد الجمعة حتى أمسى، فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس، ثم صليت العصر وأنا جالس ايماء وهو يخطب. وإنما فعل ذلك عطاء خوفا على نفسه من القتل. ومنها ما رواه أبو نعيم- شيخ البخاريّ- في كتاب الصلاة من طريق أبي بكر بن عتبة، قال: صليت إلى جنب أبي جحيفة، فمسي الحجاج بالصلاة، فقام أبو جحيفة فصلى. ومن طريق ابن عمر: أنه كان يصلي مع الحجاج، فلما أخر الصلاة ترك أن يشهدها معه، فنظرت إلى سعيد بن جبير وعطاء يومئان إيماء وهما قاعدان. قال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد اللَّه بن مسعود، وعبادة بن الصامت، قال: وحديث أبي ذر حديث حسن [بل هو حديث صحيح، رواه مسلم، وأبو داود، والدارميّ، ونسبه إلى المنذريّ أيضا وابن ماجة] . قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم: يستحبون أن يصلي الرجل الصلاة لميقاتها إذا أخرها الإمام، ثم يصلى مع الإمام، والصلاة الأولى المكتوبة عند أكثر أهل العلم. وأبو عمران الجونيّ اسمه: عبد الملك بن حبيب. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 155، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (41) كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار، وما يفعله المأموم إذا أخرها، حديث رقم (241) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 2/ 409- 410، كتاب الإمامة، باب (2) الصلاة مع أئمة الجور، حديث رقم (777) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 210 وخرّجاه [ (1) ] من حديث إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب عن أبي العالية البراء قال: أخر ابن زياد الصلاة، فجاءني عبد اللَّه بن الصامت، فألقيت له كرسيا، فجلس عليه، فذكرت له صنيع ابن زياد، فعض على شفته وضرب على فخذي وقال: إني سألت أبا ذرّ كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك، وقال: إني سألت رسول اللَّه ص كما سألتني، فضرب فخذي كما ضربت فخذك، وقال: صلّ الصلاة لوقتها فإن أدركتك الصلاة معهم فصلّ ولا تقل: إني قد صليت، فلا أصلي. وخرّجاه [ (2) ] من حديث خالد بن الحارث قال: عن شعبة، عن أبي نعامة، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر قال: كيف أنتم؟ أو قال: كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ فصلّ الصلاة لوقتها، ثم إن أقيمت الصلاة فصلّ معهم فإنّها زيادة خير. وخرّج مسلم [ (3) ] من طريق مطر، عن أبي العالية البراء قال: قلت لعبد اللَّه بن الصامت: نصلي يوم الجمعة خلف أمراء، فيؤخرون الصلاة، قال: فضرب فخذي ضربة أوجعتني وقال: سألت أبا ذر عن ذلك، فضرب فخذي، وقال: سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ذلك، فقال: صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة. ولابن الجارود من حديث أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن زرّ بن حبيش، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لعلكم تدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها، فإن أدركتموهم، فصلوا في بيوتكم الوقت الّذي تعرفون، ثم صلوا معهم، واجعلوها تسبيح.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : حديث رقم (242) ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : حديث رقم (243) ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : حديث رقم (244) ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ثم قال بعقبة: قال: وقال عبد اللَّه: ذكر لي أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضرب فخذ أبي ذر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 211 وقال ابن عبد البر: وقد روى الخبر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عبادة بن الصامت، وعامر بن ربيعة، وقبيصة بن وقاص، ومعاذ بن جبل، كما رواه أبو ذر، وابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وهي آثار صحاح كلها ثابتة. خرّج البيهقيّ من طريق عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه سيلي أمركم قوم يطفئون السنة، ويحدثون البدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها. قال ابن مسعود: فكيف أصنع يا رسول اللَّه إن أدركتهم؟ قال: يا ابن أم عبد لا طاعة لمن عصى اللَّه، قالها ثلاثا [ (1) ] . ومن طريق ابن خثيم، عن القاسم بن عبد الرحمن أن أباه أخبره أن الوليد بن عقبة أخر الصلاة بالكوفة وأنا جالس مع أبي في المسجد، فقام عبد اللَّه بن مسعود، فثوب بالصلاة، فصلى بالناس، فأرسل الوليد إليه: ما حملك على ما صنعت، أجاءك من أمير المؤمنين أمر؟ فسمع وطاعة، أم ابتدعت الّذي صنعت؟ قال: لم يأتنا من أمير المؤمنين أمر، ومعاذ اللَّه أن أكون ابتدعت أبى اللَّه علينا ورسوله أن ننتظرك في صلاتنا ونتبع حاجتك [ (2) ] . وروى ابن يونس من طريق عيسى بن حماد، عن ابن وهب، عن عمرو بن مالك، وحيوة بن شريح، عن ابن الهاد، قال: خرجت أنا وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن القاسم، فقال ربيعة: سأل رجل القاسم بن محمد وأنا وعبد الرحمن معه، وذلك في إمرة ابن حبان، وكان ابن حبان يؤخر الصلاة، وكان الناس يومئذ لا يصلون الصلاة معهم حتى يذهب وقتها، فقال له رجل: يا أبا محمد صليت قبله؟ - يعني ابن حبان- قال: نعم، قال: وتصلي معهم أيضا؟ قال: نعم، قال: تصلي مرتين؟ فقال القاسم: نعم أصلى مرتين أحب إليّ من أن لا أصلي.   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 396، باب ما جاء في في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن مسعود وغيره بأنهم يدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها، وما ظهر من صدقة فيما قال. وأخرجه ابن ماجة في كتاب الجهاد، باب (40) لا طاعة في معصية اللَّه، حديث رقم (2865) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 397. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 212 وقال عيسى بن حماد: قلت لعبد اللَّه بن وهب: فما كان يمنعهم أن يصلوا في منازلهم، ولا يحضروا معهم؟ قال: لم يكن يمكنهم ذلك، كان من تخلف عنهم عوقب أشد العقوبة. قال ابن وهب: حدثني الحارث بن نبهان، عن سليمان بن عمرو عن محمد بن إسماعيل قال: كنت بين عطاء، وسعيد بن جبير، والحجاج بن يوسف يخطب، وقد أخر الصلاة حتى كادت تفوت، قال: فرأيت عطاء، وسعيد بن جبير يصليان إيماء. وذكر ابن عبد البر من حديث حفص بن غياث، عن عقبة بن معتب، قال: كنا نصلي مع الحجاج الجمعة، ثم ننصرف فنبادر مسجد سماك نصلي العصر. وعن ابن جريح، عن عطاء قال: أخّر الوليد مرة الجمعة حتى أمسى، قال: فصلينا الظهر قبل أن أجلس، ثم صليت العصر وأنا جالس وهو يخطب، قال أضع يدي على ركبتي، وأومى إيماء برأسي. وعن الثوري، عن محمد بن إسماعيل قال: رأيت سعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، أخّر الوليد بن عبد الملك الصلاة، فرأيتهما يومئان إيماء وهما قاعدان. وعن الثوري، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق وأبى عبيدة أنهما كانا يصليان الظهر إذا حانت الظهر، وإذا حانت العصر صليا العصر في المسجد مكانهما، وكان ابن زياد يؤخر الظهر والعصر. وعن إسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن شقيق قال: كان يأمرنا أن نصلي الجمعة في بيوتنا، ثم نأتي المسجد وذلك أن الحجاج كان يؤخر الصلاة. وقال أبو زرعة عن أبي مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز قال: كانوا يؤخرون الصلاة في أيام الوليد بن عبد الملك، ويستحلون الناس أنهم ما صلوا، فأتى عبد اللَّه بن أبي زكريا، فاستحلف أنه ما صلى، وقد كان صلى، وأتى مكحول، فقال: فلما جئنا إذن؟ فترك. قال ابن عبد البر: وكانت ملوك بنى أمية على تأخير الصلاة، كان ذلك شأنهم قديما من زمن عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقد كان الوليد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 213 ابن عقبة يؤخرها في زمن عثمان، وكان ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ينكر ذلك عليه، ومن أجل ذلك حدث ابن مسعود بالحديث في ذلك، وكانت وفاة ابن مسعود في خلافة عثمان، قال: وإنما صلّى من صلّى إيماء وقاعدا لخوف خروج الوقت، وللخوف على نفسه القتل والضرب، ومن كان شأنه التأخير لم يؤمن عليه فوات الوقت من المدينة والشام إلا على إنكاره عليهم تأخير الصلاة، ولا يصح عندي إخراجه من المدينة ذلك، وإنما حمل العلماء- واللَّه أعلم- الصلاة معهم أمره صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك، وحضه على لزوم الجماعة، وفي قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي ذر: كيف بك يا أبا ذر إذا كان عليك أمراء؟ ويقوله لكبار الصحابة الذين رووا الحديث: يكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة، دليل على تأخير الصلاة عن وقتها، وقد كان قبل زمن الوليد بن عبد الملك لأن أبا ذر توفى في خلافة عثمان بالربذة [ (1) ] ، ودفن بها على قارعة الطريق، وصلّى عليه ابن مسعود منصرفه من الكوفة إلى المدينة، وتوفى ابن مسعود بالمدينة بعد ذلك بيسير، وفي قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في حديث أبي ذر وغيره: سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، ولم يقل: خلفا، دليل على أن عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لم يكن يؤخر الصلاة، ولا يظن ذلك مسلم به لأن عثمان من الخلفاء لا من الأمراء، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، فسماهم خلفاء، وقال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم إمارة، وملكا، وجبروتا، فتضمنت الخلافة هذه الأربعة.   [ (1) ] الرَّبَذَة: من قرى المدينة على ثلاثة أيام، قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة، وبهذا الموضع قبر أبي ذرّ الغفاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- واسمه جندب بن جنادة. (معجم البلدان) : / 27، موضع رقم (5353) مختصرا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 214 وأما ظهور صدقة صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما قال لعقبة بن أبي معيط في صبيته فخرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن إبراهيم قال: أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقا، فقال له عمارة بن عقبة: عن أبي معيط تستعمل رجلا من بقايا قتله عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فقال له مسروق: عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، وكان في أنفسنا موثوق الحديث، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أراد قتل أبيك قال: من للصبية قال: النار، فقد رضيت لك ما رضي لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال الإمام أحمد [ (2) ] : عن فياض بن محمد الرقى، عن جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج الكلابي، عن عبد اللَّه الهمدانيّ، عن الوليد بن عقبة قال: لما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم، فيمسح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رءوسهم، ويدعو لهم، فجيء بي إليه وإني مطيب بالخلوق فلم يمسح على رأسي ولم يمنعه من ذلك إلا أن أمي خلقتني بالخلوق فلم يمسني من أجل الخلوق. قال الإمام أحمد [ (3) ] وقد روي أنه مسح يومئذ فقذره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يمسه ولم يدع له الخلوق ولا يمنع من الدعاء لطفل في فعل غيره لكنه منع بركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لسابق علم اللَّه فيه. قال المؤلف- رحمه اللَّه وعفى عنه-: عبد اللَّه الهمزاني على الشك أبو موسى قال ابن عدي: لا يصح حديثه، قال البخاريّ [ (4) ] : قال ابن عدي   [ (1) ] (سنن البيهقيّ) : 9/ 65، كتاب السير، باب ما يفعله بالرجال البالغين منهم. [ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 615- 616، حديث رقم (15944) . من حديث الوليد بن عقبة بن أبي معيط- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (3) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 215 وعبد اللَّه الهمدانيّ: لم ينسب ولم أعرفه إلا هكذا، وقال ابن عبد البر وأبو موسى: هذا محمول والحديث منكر مضطرب لا يصح، ولا يمكن أن يكون من بعث مصدقا في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صبيا يوم الفتح، ويدل أيضا على فساد ما رواه أبو موسى مجهول، إن الزبير وغيره من أهل العلم اليسير والخبر، ذكروا أن الوليد وعمارة ابني عقبة خرجا ليردا أختهما أم كلثوم عن الهجرة وكانت هجرتها في الهدنة بين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبين أهل مكة ومن كان غلاما مخلقا يوم الفتح يجيء منه مثل هذا وذلك واضح والحمد للَّه.   [ () ] (4) (جامع الأصول) : 4/ 746، حديث رقم (2879) ، أخرجه أبو داود رقم (4181) في الترجل، باب في الخلوق للرجال، ومن حديث جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، عن عبد اللَّه الهمدانيّ، عن الوليد بن عقبة، وقال فيه غيره: عن أبي موسى الهمدانيّ، عن الوليد ابن عقبة، ويقال: الهمدانيّ، قاله جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، ولا يصح حديثه. وقال الحافظ أبو القاسم الدمشقيّ: إن عبد اللَّه الهمدانيّ هو أبو موسى. وقال الحاكم أبو أحمد: الكرابيسي وليس يعرف أبو موسى الهمدانيّ، ولا عبد اللَّه الهمدانيّ، وقد خولف في هذا الإسناد. وقال ابن أبي خثيمة: أبو موسى الهمدانيّ اسمه عبد اللَّه، وهذا حديث مضطرب الإسناد، ولا يستقيم عن أصحاب التواريخ أن الوليد بن عقبة كان يوم فتح مكة صغيرا، وقد روي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثه ساعيا إلى بني المصطلق، وشكته زوجته إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وروي أنه قدم في فداء من أسر يوم بدر. وقال أبو عمر النمري: وهذا الحديث رواه جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، عن أبي موسى الهمدانيّ، ويقال: الهمدانيّ، كذلك ذكره البخاريّ على الشك، عن الوليد بن عقبة. قالوا: وأبو موسى هذا مجهول، والحديث منكر مضطرب لا يصح، ولا يمكن أن يكون من بعث مصدقا في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صبيا يوم الفتح، وبدل على فساد ما رواه أبو موسى المجهول: أن الزبير بن بكار وغيره ذكروا أن الوليد وعمارة ابني عقبة خرجا ليردا أختهما أم كلثوم عن الهجرة، وكانت هجرتها في الهدنة بين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وبين أهل مكة. ومن كان غلاما مخلقا يوم الفتح ليس يجيء منه مثل هذا، ثم قال: وله أخبار فيها نكارة وشناعة. وقال الحافظ ابن حجر في (التقريب) : عبد اللَّه الهمدانيّ أو أبو موسى مجهول، وخبره منكر، قاله ابن عبد البر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 216 وقال عبد الرزاق [ (1) ] : عن معمر، عن قتادة في قوله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [ (2) ] قال: بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الوليد بن عقبة إلى بنى المصطلق، فأتاهم الوليد بن عقبة فخرجوا يتلقونه، ففرقهم فرجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ارتدوا، فبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خالد بن الوليد، فلما دنا منهم، بعث عيونا ليلا فإذا هم يصلون وينادون فأتاهم خالد، فلم ير منهم إلا طاعة وخيرا، فرجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، فأنزل اللَّه الآية- وقال ابن عبد البر: ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله- عز وجل- إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ نزلت في الوليد بن عقبة وذكر ذلك عن مجاهد وقتادة وابن أبي ليلى. ومن حديث الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة في قصة ذكرها أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ [ (3) ] . قال ابن عبد البر [ (4) ] : وكان الأصمعي وأبو عبيدة وابن الكلبي وغيرهم يقولون: كان الوليد بن عقبة فاسقا شريب خمر وكان شاعرا كريما [تجاوز اللَّه عنا وعنه] قال أبو عمر بن عبد البر: أخباره في شرب الخمر ومنادمته أبا زبيد الطائي كثيرة مشهورة يسمج بنا ذكرها هنا، وله أخبار فيها نكارة وشناعة بقطع على سوء حاله، وقبح أفعاله، غفر اللَّه لنا وله، فلقد كان من رجالات قريش ظرفا وحلما وشجاعة وأدبا وكان من الشعراء المطبوعين، وتذكر منها طرفا: ذكر عمر بن شبة قال: عن هارون بن معروف عن ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب قال: صلى الوليد [ابن عقبة] بأهل الكوفة الصبح أربع ركعات، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم؟ فقال عبد اللَّه بن مسعود: ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم.   [ (1) ] (تفسير عبد الرزاق) : 2/ 188، تفسير سورة الحجرات، مسألة رقم (2929) . [ (2) ] الحجرات: 6. [ (3) ] السجدة: 18. [ (4) ] (الإستيعاب) : 4/ 1552- 1557، ترجمة رقم (2721) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 217 قال: وحدثنا محمد بن حميد، عن جرير، عن الأجلح، عن الشعبي في حديث الوليد بن عقبة حين شهدوا عليه فقال الخطيئة: في ذلك: شهد الخطيئة يوم يلقي ربه ... أن الوليد أحق بالغدر نادي وقد تمت صلاتهم ... أأزيدكم سكرا وما يدري فأبوا أبا وهب ولو أذنوا ... لقرنت بين الشفع والوتر كفّوا عنانك إذ جريت ولو ... تركوا عنانك لم تزل تجري وقال أيضا: تكلم في الصلاة وزاد فيها ... علانية وجاهر بالنفاق ومج الخمر في سنن المصلي ... ونادي والجميع إلى افتراق أزيدكم على أن تحمدوني ... فما لكم وما لي من خلاق قال ابن عبد البر: وخبر صلاته بهم وهو سكران، وقوله لهم: أزيدكم بعد أن صلى الصبح أربعا، مشهورة من رواية الثقات من نقل أهل الحديث وأهل الإخبار. وقد روى فيما ذكر الطبري: أنه تعصب عليه قوم من أهل الكوفة بغيا وحسدا وشهدوا عليه زورا أنه تقيأ الخمر، وذكر القصة، قال ابن عبد البر: وهذا الخبر من نقل أهل الأخبار لا يصح عند أهل الحديث: ولا له عند أهل العلم أصل، والصحيح عندهم في ذلك ما رواه عبد العزيز بن المختار وسعيد بن أبي عروبة، عن عبد اللَّه الداناج، عن حصين بن المنذر أبي ساسان، أنه ركب إلى عثمان فأخبره بقصة الوليد، وقدم على عثمان رجلان فشهدا عليه بشرب الخمر، وأنه صلى صلاة الغداة بالكوفة أربعا، ثم قال: أزيدكم؟ فقال أحدهما: رأيته يشربها، وقال الآخر: رأيته يتقيأها، فقال عثمان: إنه لم يتقيأها حتى شربها. وقال لعلي: أقم عليه الحد، فقال عليّ لابن أخيه عبد اللَّه بن جعفر أقم عبد اللَّه بن جعفر أقم عليه الحد، فأخذ السوط، فجلده وعثمان يعد، حتى بلغ أربعين، فقال عليّ: أمسك، جلد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخمر أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة. قال ابن عبد البر: وكان معاوية لا يرضاه، وهو الّذي حرضه على قتال عليّ، فرب حريص محروم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 218 وذكر له ابن عبد البر [ (1) ] في تحريضه معاوية على قتال عليّ أتركها طلبا للاختيار. وقد سمع أبو جعفر محمد بن جرير الطبري- رحمه اللَّه- فيما ذكر من تعصب القوم، قال الوليد: وإنهم شهدوا عليه بالزور، سيف بن عمر فإنه أورد ذلك في كتاب (الردة) له، ولولا خوف الإطالة لنقلت ما رواه من ذلك. وقد خرّج البيهقيّ حديث عبد اللَّه الداناج من طريق سعيد بن أيوب قال يزيد بن هارون عن سعيد بن أبي عروبة، عن عبد اللَّه الداناج فذكره. وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم بالفتن من بعده فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم ووقعت الفتنة في آخر أيام عثمان وفي أيام علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فخرّج البخاريّ [ (2) ] من حديث ابن عيينة أنه سمع الزهريّ، عن عروة، عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة، عن زينب بنت جحش- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من النوم محمرا وجهه يقول: لا إله إلا اللَّه ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه- وعقد سفيان تسعين أو مائة- قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث.   [ (1) ] (الاستيعاب) : 4/ 1555، ترجمة رقم (2721) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 470، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (7) قصة يأجوج ومأجوج، حديث رقم (3346) ، وفي كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3598) . وأخرجه في كتاب الفتن، باب (4) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويل للعرب من شر قد اقترب، حديث رقم (7059) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 219 وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث سفيان بهذا الإسناد ولفظه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استيقظ من نومه وهو يقول لا إله إلا اللَّه ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه- وعقد سفيان بيده عشرة- قلت: يا رسول اللَّه أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث. وخرّجه مسلم [ (2) ] من حديث يونس عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أن زينب بنت جحش قالت: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما فزعا محمرا وجهه يقول لا إله إلا اللَّه ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها فقلت: يا رسول اللَّه أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث. وخرّجه من حديث الليث [ (3) ] قال: حدثني عقيل بن خالد، ومن حديث إبراهيم بن سعد قال أبي: عن صالح كلاهما عن ابن شهاب بمثل حديث يونس، عن الزهريّ بإسناده. وخرّجه البخاريّ في كتاب الأنبياء [ (4) ] من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 219- 220، كتاب الفتن وأشراط الساعة باب (1) اقتران الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، حديث رقم (1) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2) . قال الإمام النووي: هذا الإسناد اجتمع فيه أربع صحابيات: زوجتان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وربيبتان له بعضهن عن بعض، ولا يعلم حديث اجتمع فيه أربع صحابيات بعضهن عن بعض غيره. قوله (أنهلك وفينا الصالحون؟) قال: إذا كثر الخبث هو بفتح الخاء والباء وفسره الجمهور بالفسوق والفجور، وقيل: المراد الزنا خاصة، وقيل أولاد الزنا، والظاهر أنه المعاصي مطلقا ويهلك بكسر اللام على اللغة الفصيجة المشهورة وحكى فتحها وهو ضعيف، أو فاسق ومعنى الحديث أن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام وإن كان هناك صالحون. [ (3) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي بين (2) ، (3) بدون رقم. [ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 470، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (7) قصة يأجوج ومأجوج، حديث رقم (3346) وأطرافه في (3598) ، (7050) ، (7135) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 220 وخرّجه في كتاب الفتن [ (1) ] من حديث محمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب، عن عروة مثل حديث عقيل. وخرّجه في باب علامات النبوة [ (2) ] في الإسلام من حديث شعيب، عن الزهريّ قال: أخبرني عروة نحو حديث عقيل، ولأبي داود [ (3) ] من حديث عقيل، ولأبي داود من حديث سلام بن سلام بن سليم، عن منصور، عن هلال بن سياف، عن سعيد بن زيد، قال: كنا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر فتنة فعظم أمرها أو قالوا: يا رسول اللَّه لئن أدركتنا هذه لتهلكنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلا، إن بحسبكم القتل، قال سعيد: فرأيت إخواني قتلوا. وله من حديث الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويل للعرب من شر قد اقترب، موتوا إن استطعتم. وخرّج الحاكم [ (4) ] من حديث عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ويل للعرب من شر قد اقترب، على رأس الستين تصير الأمانة غنيمة، والصدقة غرامة، والشهادة بالمعرفة، والحكم بالهوى [ (5) ] .   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] (سنن أبي داود) : 4/ 468، كتاب الفتن والملاحم، باب (7) ما يرجى في القتل، حديث رقم (4277) . [ (4) ] (المستدرك) : 4/ 486، كتاب الفتن والملاحم، باب (50) حديث رقم (8357) قال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : على شرط مسلم. [ (5) ] (المرجع السابق) : 4/ 530، حديث رقم (8489) . وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : على شرط البخاريّ ومسلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 221 قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه بهذه الزيادات. وقال سليمان بن حرب عن يزيد بن إبراهيم التستري قال: سمعت الحسن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: قال الزبير: لما نزلت وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [ (1) ] ما كنا نشعر أنها وقعت. ولأبي داود الطيالسي من حديث الصلت بن دينار قال: حدثنا عقبة بن صهبان وأبو رجاء العطاردي قالا: سمعنا الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو يتلو هذه الآية: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً قال: وقعت حيث وقعت [ (2) ] . وقال الإمام أحمد [ (3) ] : حدثنا أبو سعيد- مولى بني هاشم، عن شداد يعني ابن سعيد، عن غيلان بن جرير، عن مطرف قال: قلنا للزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا أبا عبد اللَّه ما جاء بكم؟ ضيعتم الخليفة حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه؟، قال الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إنا قرأناها على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً قال: لقد تلوت هذه الآية زمانا وما أراني من أهلها فأصبحنا من أهلها. وخرّجه من حديث أسود بن عامر حدثنا جرير سمعت الحسن قال: قال الزبير: فذكر معناه. وخرّج البخاريّ [ (4) ] من حديث شعيب عن الإمام، ومن حديث محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب، عن هند بنت الحارث الرواسية أن أم سلمة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة فزعا يقول سبحان اللَّه ماذا أنزل   [ (1) ] الأنفال: 25. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 406- 407. [ (3) ] (مسند أحمد) : 1/ 267، حديث رقم (1417) . [ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 759، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3599) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 222 اللَّه من الخزائن وماذا أنزل من الفتن [ (1) ] ؟ من يوقظ صواحب الحجرات- يريد أزواجه- لكي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة. ذكره في الفتن، وذكره في كتاب الأدب من حديث شعيب عن الزهريّ، حدثتني هند بنت الحارث أن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: استيقظ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال سبحان اللَّه ماذا أنزل من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجر- يريد أزواجه- حتى يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة، وخرّجه في كتاب (العلم) [ (2) ] وفي كتاب (اللباس) [ (3) ] من حديث معمر عن الزهريّ. وخرّج البخاريّ [ (4) ] ومسلم [ (5) ] كلاهما من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهريّ، عن عروة، عن أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-   [ (1) ] إلى هنا آخر الحديث في المناقب، وسياقته في كتاب الفتن أتم. [ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 280، كتاب العلم، باب (40) العلم والعظة بالليل، حديث رقم (115) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 10/ 372، كتاب اللباس، باب (31) ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتجوز من اللباس والبسط، حديث رقم (5844) . [ (4) ] المرجع السابق 13/ 14، كتاب الفتن، باب (4) قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويل للعرب، من شر قد اقترب. حديث رقم (7060) . قال الحافظ: وإنما اختصت المدينة بذلك لأن قتل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان بها، ثم انتشرت الفتن في البلاد بعد ذلك، فالقتال بالجمل وبصفين كان بسبب قتل عثمان، والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم بصفين وكل قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شيء من ذلك أو عن شيء تولد بتوليته لهم، وأول ما نشأ ذلك من العراق وهي من جهة المشرق فلا منافاة بين حديث الباب وبين الحديث الآتي: إن الفتنة من قبل المشرق، وحسن التشبيه بالمطر لإرادة التعميم لأنه إذا وقع في أرض معينة عمها ولو في بعض حباتها، قال ابن بطال: أنذر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في حديث زينب بقرب قيام الساعة كي يتوبوا قبل أن تهجم عليهم، وقد ثبت أن خروج يأجوج ومأجوج قرب قيام الساعة فإذا فتح من ردمهم ذلك القدر في زمنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يزل الفتح يتسع على مر الأوقات، وقد جاء في حديث أبي هريرة رفعه «ويل» للعرب من شر الجزء: 13 ¦ الصفحة: 223 أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أشرف على أطم من آطام المدينة فقال: هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا، قال: فإنّي لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كوقع القطر. وقال البخاريّ: على أطم من الآطام وقال: إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر. وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث معمر عن الزهريّ بهذا الإسناد نحوه. وخرّج البخاريّ [ (2) ] في آخر كتاب الحج من حديث سفيان عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة قال سمعت أسامة قال: أشرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أطم من آطام المدينة فقال: هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر، قال الحافظ أبو نعيم: فكان تحقيق هذا الخبر ما وقع بالمدينة وقتل عثمان وما وقع يوم الحرة في أيام يزيد بن معاوية. وخرّج مسلم [ (3) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب أن أبا إدريس الخولانيّ كان يقول: قال حذيفة بن اليمان: واللَّه إني لأعلم الناس بكل فتنة فهي كائنة فيما بيني وبين الساعة وما بي إلا أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أسرّ إلى في ذلك شيئا لم يحدثه غيري ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال:   [ () ] قد اقترب، موتوا إن استطعتم قال: وهذا غاية في التحذير من الفتن والخوض فيها حيث جعل الموت خيرا من مباشرتها، وأخبر في حديث أسامة بوقوع الفتن خلال البيوت ليتأهّبوا لها فلا يخوضوا فيها ويسألوا اللَّه الصبر والنجاة من شرها. (فتح الباري) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 224، كتاب الفتن وأشراط الساعة باب (3) نزول الفتن كمواقع القطر، حديث رقم (9) . [ (1) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي رقم (9) بدون رقم. [ (2) ] (فتح الباري) : 4/ 117، كتاب فضائل المدينة، باب (8) آطام المدينة، حديث رقم (1878) ، وأخرجه أيضا في كتاب المظالم، باب (25) الفرقة والعلية المشرقة وغير المشرفة في السطوح وغيرها، حديث رقم (2467) . وأخرجه أيضا ف كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3597) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 231، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (6) إخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما يكون إلى قيام الساعة، حديث رقم (22) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 224 وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يعد الفتن: منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري. قال البيهقيّ [ (1) ] : ومات حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعد الفتنة الأولى يقتل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقيل الفتنتين الأخريين في أيام علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فهن ثلاث لم يكدن يذرن شيئا وهن المراد بالمذكورات في الخبر فيما نعلم. واللَّه أعلم. وله من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: عن إبراهيم بن سعد عن سالم بن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن محمود بن لبيد، عن محمد بن مسلمة أنه قال: يا رسول اللَّه كيف أصنع إذا اختلف المصلون قال: تخرج بسيفك إلى الحرة ونفر فتضرب بها ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة. ولأبي داود [ (2) ] من حديث عمرو بن مرزوق، أخبرنا شعبة، عن الأشعث بن سليم، عن أبي بردة، عن ثعلبة بن ضبيعة، قال: دخلنا على حذيفة، فقال: إني لأعرف رجلا لا تضره الفتن شيئا، فخرجنا، فإذا فسطاط مضروب، فإذا فيه محمد بن مسلمة، فسألناه عن ذلك، فقال: ما أريد أن يشتمل على شيء من أمصارهم حتى تنجلي عما انجلت. حدثنا مسدد [ (3) ] ، عن أبي عوانه، عن أشعث بن سليم، عن أبي بردة عن ضبيعة بن حصين الثعلبي، بمعناه. خرّج مسلم [ (4) ] من حديث حماد بن زيد قال عثمان السحام: انطلقت أنا وفرقد السبخي إلى مسلم بن أبي بكرة وهو في أرضه فدخلنا عليه فقلنا: هل   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 406، (السنن الكبرى للبيهقيّ) 8/ 191، كتاب قتال أهل البغي. [ (2) ] (سنن أبي داود) : 5/ 50، كتاب السنة، باب (13) ما يدل على ترك الكلام في الفتنة، حديث رقم (4664) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4665) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 225 سمعت أباك يحدث، قال: سمعت أبا بكرة يحدث قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنها ستكون فتن ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا نزلت أو وقعت، فمن كان له أرض فليلحق بأرضه، قال: فقال رجل: يا رسول اللَّه أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء، اللَّهمّ هل بلغت، اللَّهمّ هل بلغت، اللَّهمّ هل بلغت؟ قال: فقال رجل: يا رسول اللَّه أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني؟ قال: يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار. وخرّجه من حديث وكيع [ (1) ] وابن أبي عدي كلاهما، عن عثمان الشحام بهذا الإسناد حديث ابن أبي عدي نحو حديث حماد إلى آخره، وانتهى حديث وكيع عند قوله إن استطاع النجاء. ولم يذكر ما بعده.   [ () ] (4) (مسلم بشرح النووي) : 18/ 225، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (3) نزول الفتن كمواقع القطر، حديث رقم (13) . [ (1) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي رقم (13) بدون رقم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 226 وأما صدق إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بأن إحدى نسائه تنبح عليها كلاب الحوأب [ (1) ] وماء الحوأب ينسب إلى الحوأب ابنة كلب بن وبرة أم ثعلبة وهو ظاعنه ومحارب بن مر بن أو بن طابخة بن إلياس بن نضر بن نزار بن معد بن عدنان. خرّج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث محمد بن جعفر قال: عن شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب فقالت: ما أظنني إلا راجعة إني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لنا: أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟ فقال الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ترجعين عسى اللَّه أن يصلح بك بين الناس.   [ (1) ] الحوأب: بالفتح ثم السكون، همزة مفتوحة، وباء موحدة، وأصله في اللغة، يقال: حافر حوأب وأب صعب، والحوأبة: العلبة الضخمة، والحوأب: الوادي الوسيع في هذه. والحوأب: موضع في طريق البصرة محاذي البقرة ماءة أيضا من مياهم، قال أبو زياد: ومن مياه أبي بكر بن كلاب الحوأب، وهو من المياه الأعداد، قديم جاهلي، وقال نصر: الحوأب من مياه العرب على طريق البصرة، والحوأب والغناب والحزيز: جبال سود أظنها في ديار عوف بن عبد بن أبي بكر بن كلاب أخي قريط بن عبد، وقيل: سمي الحوأب بالحوأب بنت كلب بن وبرة، وهي أم تميم وبكر المعروف بالشعيراء والغوث وهو الربيط، وهو صوفة وثعلبة، وهو ظاعنة وغيرهم من ولد مر بن أد بن طابخة، وفي الحديث: أن عائشة لما أرادت المضي إلى البصرة في وقعة الجمل مرت بهذا الموضع فسمعت نباح الكلاب فقالت: ما هذا الموضع؟ فقيل لها: هذا موضع يقال له الحوأب، فقالت: إنا للَّه! ما أراني إلا صاحبة القصة، فقيل لها: وأي قصة؟ قالت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يقول وعنده نساؤه: ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب سائرة إلى الشرق في كتيبة! وهمت بالرجوع فغالطوها وحلفوا لها أنه ليس بالحوأب. (معجم البلدان) : 2/ 360- 361، موضع رقم (3972) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 140، حديث رقم (24133) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 227 وخرّجه أيضا من حديث يحيى عن إسماعيل عن قيس قال: لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب، قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: الحوأب، قالت: ما أظنني إلا راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح اللَّه- عز وجل- ذات بينهم، قالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لها ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب [ (1) ] . وخرّجه بقي بن مخلد من حديث أبي أسامة عن إسماعيل، عن قيس قال لما بلغت عائشة بعض مياه بني عامر ليلا نبحت عليها الكلاب فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، فوقفت وقالت: ما أظنني إلا أني راجعة سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لنا ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب [ (2) ] . وخرّج البيهقيّ [ (3) ] من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين قال: عن عبد الجبار بن الورد، عن عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خروج بعض نسائه أمهات المؤمنين فضحكت عائشة وقال: انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت ثم التفت إلى علي فقال: يا علي وليت من أمرها شيئا فأرفق بها. قال المؤلف- رحمه اللَّه- عمار الدهني هو عمار بن معاوية ويقال: ابن أبي معاوية ويقال: ابن صالح ويقال: ابن حبان البجلي الكوفيّ مولى الحكم بن نفيل وأحمد وابن معين وأبو حاتم: ثقة، إلا أنه كان شيعيا، قطع بشر بن مروان عن عرقوبيه في التشيّع [ (4) ] . وقال البيهقيّ [ (5) ] وحذيفة بن اليمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- توفى قبل مسير عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، وقد أخبرنا الطفيل   [ (1) ] (المرجع السابق) : 7/ 78، حديث رقم (23732) . [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 411. [ (4) ] (تهذيب التهذيب) : 7/ 355- 356، ترجمة رقم (662) . [ (5) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 411. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 228 وعمرو بن ضليع بمسير إحدى أمهات المؤمنين في كتيبة ولا يقوله إلا عن سماع. وذكر من حديث عبد اللَّه بن رجاء قال: عن همام بن يحيى قال: عن قتادة، عن أبي الطفيل قال: انطلقت أنا وعمرو إلى حذيفة فذكر الحديث وقال فيه: لو حدثتكم أن أم أحدكم تغزوه في كتيبة تضربه بالسيف ما صدقتموني، قال: رواه أيضا أبو الزاهرية عن حذيفة [ (1) ] . وخرّج الحاكم [ (2) ] من حديث هلال بن العلاء الرقي، عن عبد اللَّه بن جعفر، عن عبيد اللَّه بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن خيثمة بن عبد الرحمن قال: كنا عند حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: بعضنا حدثنا يا أبا عبد اللَّه ما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لو فعلت لرجمتموني، قال: قلنا: سبحان اللَّه أنحن نفعل ذلك؟ قال: أرأيتكم لو حدثتكم أن بعض أمهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها، شديد بأسها، صدقتم به؟ قالوا: سبحان اللَّه! ومن يصدق بهذا، ثم قال حذيفة: أتتكم الحميراء في كتيبة يسوقها أعلاجها حيث تسوء وجوهكم ثم قام فدخل مخدعا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. [ولم يخرجاه] . وقال البيهقيّ [ (3) ] عن جعفر بن عون، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: وددت أني ثكلتك عشرة مثل ولد الحارث بن هشام وأني لم أسر مسيري الّذي سرت.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 411. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 517- 518، كتاب الفتن والملاحم باب (50) الفتن والملاحم، حديث رقم (8453) وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : على شرط البخاريّ ومسلم. وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 411- 412، باب ما جاء في إخباره وما روى في إشارته على عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأن يرفق بها، وما روى في توبتها منن خروجها، وتلهفها على ما خفي عليها من ذلك، وكونها منن أهل الجنة مع زوجها صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورضي عنها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 229 وقال حدثنا أحمد بن يوسف، حدثنا محمد بن يوسف، قال: ذكر سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لوددت إذا مت وكنت نسيا منسيا [ (1) ] . أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، قال حدثنا أبي، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم، قال: سمعت وائلا قال: لما بعث عليّ عمارا والحسن إلى الكوفة يستنفرهم خطب عمار، فقال: أني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن اللَّه- تبارك وتعالى- ابتلاكم لتتبعوه أو إياها [ (2) ] . وخرّجه البخاريّ في كتاب الفتن [ (3) ] من حديث أبي بكر، عن عياش، عن ابن عباس، عن ابن حصين، عن أبي مريم عبد اللَّه بن زياد الأسدي قال: لما صار طلحة، والزبير، وعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- إلى البصرة بعث عليّ عمار بن ياسر والحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر، فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه، فسمعت عمارا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة واللَّه إنها لزوجة نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم في الدنيا والآخرة ولكن اللَّه ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي. وذكره في كتاب (الفتن) من حديث ابن أبي غنيّة، عن الحكم، عن أبي وائل قال: قام عمّار على منبر الكوفة، فذكر عائشة وذكر مسيرها وقال: إنها زوجة نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم في الدنيا الآخرة، ولكنها مما ابتليتم [ (4) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 412، وأخرجه البخاريّ في كتاب التفسير، باب (8) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ، حديث رقم (4754) ، وفي (مسند أحمد) : 1/ 455، وهو جزء من حديث طويل رقم (2492) من حديث عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] (فتح الباري) : 13/ 67، كتاب الفتن، باب (18) حديث رقم (7100) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7101) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 230 وخرّج البيهقيّ [ (1) ] من طريق أبي نعيم قال: عن عبد الجبار بن العباس الشامي الكوفي، عن عطاء بن السائب، عن عمرو بن الهجنع، عن أبي بكرة، قال: قيل له: ما يمنعك ألا تكون قاتلت على بصيرتك يوم الجمل؟ قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يخرج قوم هلكى لا يفلحون، قائدهم امرأة قادئهم في الجنة. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: قد وقع حديث أبو بكرة في البخاريّ من حديث عوف، عن الحسن، عن أبي بكرة قال: لقد نفعني اللَّه بكلمة سمعتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أيام الجمل بعد ما كدت ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم. قال: لما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: لن يصلح قوم ولّوا أمرهم امرأة. ذكره في آخر كتاب المغازي [ (2) ] وفي كتاب الفتن [ (3) ] . ذكر خبر وقعة الجمل تصديقا للفقرة السابقة [خرجت [ (4) ] عائشة ومن معها من مكة وتبعها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق فبكوا على الإسلام، فلم ير يوم كان أكثر باكيا وباكية من ذلك اليوم، فكان يسمى يوم النحيب، فلما بلغوا ذات عرق لقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بها فقال: أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل وراءكم؟ يعني عائشة وطلحة والزبير، اقتلوهم ثم ارجعوا إلى منازلكم. فقالوا: نسير فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا. فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال: إن   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 413، وعبد الجبار الشبامي: قال أبو نعيم: لم يكن بالكوفة أكذب منه. [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 160، كتاب المغازي، باب (83) كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى كسرى وقيصر، حديث رقم (4425) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 13/ 67، كتاب الفتن، باب (18) حديث رقم (7099) . [ (4) ] ما بين الحاصرتين مضطرب في الأصل وبه طمس وبياض وأثبتناه من (الكامل لابن الأثير) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 231 ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني. قالا: نجعله لأحدنا أينا اختاره الناس، قال: بل تجعلونه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه. فقالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام! قال: فلا أراني أسعى إلا لإخراجها من بني عبد مناف. فرجع ورجع عبد اللَّه بن خالد بن أسيد، وقال المغيرة بن شعبة: الرأي ما قال سعيد، من كان هاهنا من ثقيف فليرجع. فرجع ومضى القوم ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان، وأعطى يعلي بن منية عائشة جملا اسمه عسكر اشتراه بثمانين دينارا فركبته، وقيل: بل كان جملها لرجل من عرينة. قال العرني: بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال: أتبيع جملك؟ قلت: نعم، قال: بكم؟ قلت: بألف درهم، قال: أمجنون أنت؟. قلت: ولم؟ واللَّه ما طلبت عليه أحدا إلا أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحد إلا فته، قال: لو تعلم لمن نريده! إنما نريده لأم المؤمنين عائشة! فقلت: خذه بغير ثمن. قال: بل ترجع معنا إلى الرحل فنعطيك ناقة ودراهم، قال: فرجعت معه فأعطوني ناقة مهرية وأربعمائة درهم أو ستمائة، وقالوا لي: يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق؟ قلت: أنا من أدل الناس. قالوا: فسر معنا، فسرت معهم فلا أمر على واد إلا سألوني عنه، حتى طرقنا الحوأب، وهو ماء، فنبحتنا كلابه، فقالوا: أي ماء هذا؟ فقلت هذا ماء الحوأب، فصرخت عائشة بأعلى صوتها وقالت: إن للَّه وإن إليه راجعون، إني لهيه، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول وعنده نساؤه: ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب، ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت: ردوني، أنا واللَّه صاحبة ماء الحوأب، فأناخوا حولها يوما وليلة، فقال لها عبد اللَّه بن الزبير: إنه كذب، ولم يزل بها وهي تمتنع، فقال لها: النجاء النجاء! قد أدرككم عليّ بن أبي طالب، فارتحلوا نحو البصرة، ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان بن حنيف عمران بن حصين وكان رجل عامة، وألزّه بأبي الأسود الدئلي، وكان رجل خاصة، وقال لهما: انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها، وعلم من معها. فخرجا فانتهيا إليها بالحفير، فأذنت لهما، فدخلا وسلما وقالا: إن أميرنا بعثنا إليك لنسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا؟ فقالت: واللَّه ما مثلي يعطي لبنيه الخبر، إن الغوغاء ونزاع القبائل غزوا حرم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأحدثوا فيه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 232 وآووا المحدثين فاستوجبوا لعنة اللَّه ولعنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام وسفكوه، وانتهبوا المال الحرام وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتي هؤلاء وما الناس فيه وراءنا، وما ينبغي لهم من إصلاح هذه القصة، وقرأت: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ [ (1) ] الآية، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به، ومنكر ننهاكم عنه. فخرج عمران وأبو الأسود من عندها فأتيا طلحة وقالا: ما أقدمك؟ فقال: الطلب بدم عثمان، فقالا: ألم تبايع عليا؟ فقال: بلى والسيف على عنقي وما أستقيل عليا البيعة إن هو لم يحل بيننا وبينا قتلة عثمان. ثم أتيا الزبير فقالا: له مثل قولهما لطلحة، وقال لهما مثل قول طلحة، فرجعا إلى عثمان بن حنيف ونادى مناديها بالرحيل. فقال عثمان: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، دارت رحى الإسلام ورب الكعبة فانظروا بأي زيفان تزيف، فقال عمران: إي واللَّه لتعركنكم عركا طويلا قال: فأشر عليّ يا عمران، قال: اعتزل فإنّي قاعد، قال عثمان: بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين. فأبى ونادى عثمان في الناس وأمرهم بلبس السلاح، فاجتمعوا إلى المسجد وأمرهم بالتجهز، وأمر رجلا دسه إلى الناس خدعا كوفيا قيسيا فقام فقال: أيها الناس أنا قيس بن العقدية الحميسي، إن هؤلاء القوم إن كانوا جاءوا خائفين فقد أتوا من بلد يأمن فيه الطير، وإن كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلة عثمان، فأطيعوني وردوهم من حيث جاءوا. فأقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلى المربد فدخلوا من أعلاه ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه، وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها، فاجتمع القوم بالمربد، فتكلم طلحة وهو في ميمنة المربد، وعثمان في ميسرته، فأنصتوا له، فحمد اللَّه وأثنى عليه، وذكر عثمان وفضله وما استحل منه، ودعا إلى الطلب بدمه وحثهم عليه وكذلك الزبير، فتكلمت عائشة، وكانت جهورية الصوت، فحمدت اللَّه وقالت: كان الناس يتجنون على عثمان ويزرون   [ (1) ] النساء: 114. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 233 على عماله ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبرونا عنهم، فننظر في ذلك فنجده بريئا تقيا وفيا، ونجدهم فجرة غدرة كذبة، وهم يحاولون غير ما يظهرون، فلما قووا كاثروه، واقتحموا عليه داره، واستحلوا الدم الحرام، والشهر الحرام، والبلد الحرام، بلا ترة ولا عذر، إلا أن مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره، أخذ قتلة عثمان وإقامة كتاب اللَّه، وقرأت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ [ (1) ] الآية، فافترق أصحاب عثمان فرقتين، فرقة قالت: صدقت وبرت، وقال الآخرون: كذبتم واللَّه ما نعرف ما جئتم به! وأقيل جارية بن قدامة السعدي وقال: يا أم المؤمنين واللَّه لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح! إنه قد كان لك من اللَّه ستر وحرمة، فهتكت سترك وأبحت حرمتك! إنه من رأى قتالك يرى قتلك! لئن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس وأقبل حكيم بن جبلة العبديّ وهو على الخيل، فأنشب القتال، وأشرع أصحاب عائشة رماحهم، وأمسكوا ليمسك حكيم وأصحابه، فلم ينته وقاتلهم وأصحاب عائشة كافون يدفعون عن أنفسهم وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها، فاقتتلوا على فم السكة، وأمرت عائشة أصحابها فتيمانوا إلى مقبرة بني مازن وحجز الليل بينهم ورجع عثمان إلى القصر، وأتى أصحاب عائشة إلى ناحية دار الرزق وباتوا يتأهبون وبات الناس يأتونهم، واجتمعوا بساحة دار الرزق، فغاداهم حكيم بن جبلة العبديّ وهو يسب وبيده الرمح، فقال له رجل من عبد القيس: من هذا الّذي تسبه؟ قال: عائشة، قال: يا ابن الخبيثة ألأمّ المؤمنين تقول هذا؟ فطعنه حكيم فقتله، ثم مر بامرأة وهو يسبها أيضا، فقالت له: الأمّ المؤمنين تقول هذا يا ابن الخبيثة؟ فطعنها فقتلها، ثم سار فاقتتلوا بدار الرزق قتالا شديدا إلى أن زال النهار وكثر القتل في أصحاب عثمان بن حنيف وكثر الجراح في الفريقين، فلما عضتهم الحرب تنادوا إلى الصلح وتوادعوا، فكتبوا بينهم كتابا على أن يبعثوا رسولا إلى المدينة يسأل أهلها، فإن كان طلحة والزبير أكرها خرج عثمان بن حنيف عن   [ (1) ] آل عمران: 23. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 234 البصرة وأخلاها لهما، وإن لم يكونا أكرها خرج طلحة والزبير، وكتبوا بينهم كتابا بذلك وسار كعب بن سور إلى أهل المدينة يسألهم. فقدم الكتاب على عثمان، وقدم كعب بن سور، فأرسلوا إلى عثمان ليخرج، فاحتج بالكتاب وقال: هذا أمر آخر غير ما كنا فيه، فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة ذات رياح ومطر، ثم قصدا المسجد فوافقا صلاة العشاء، وكانوا يؤخرونها، فأبطأ عثمان، فقدّما عبد الرحمن بن عتاب، فشهر الزط والسيابجة السلاح، ثم وضعوه فيهم، فأقبلوا عليهم فاقتتلوا في المسجد فقتلوا، وهم أربعون رجلا، فأدخلا الرجال على عثمان فأخرجوه إليهما، فلما وصل إليهما توطئوه وما بقيت في وجهه شعرة، فاستعظما ذلك وأرسلا إلى عائشة يعلمانها الخبر، فأرسلت إليهما أن خلو سبيله. وقد قيل في إخراج عثمان غير ما تقدم، وذلك أن عائشة وطلحة والزبير لما قدموا البصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان: من عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان، أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا، فإن لم تفعل فخذل الناس عن عليّ، فكتب إليها: أما بعد فأنا ابنك الخالص، لئن اعتزلت ورجعت إلى بيتك وإلا فأنا أول من نابذك. وقال زيد: رحم اللَّه أم المؤمنين! أمرت أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل فتركت ما أمرت به وأمرتنا به وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه، وبلغ حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان بن حنيف فقال: لست أخاف اللَّه إن لم أنصره! فجاء في جماعة من عبد القيس ومن تبعه من ربيعة وتوجه نحو دار الرزق، وبها طعامه أراد عبد اللَّه بن الزبير أن يرزقه أصحابه! فقال له عبد اللَّه: ما لك يا حكيم؟ قال: نريد أن نرتزق من هذا الطعام، وأن تخلوا عثمان فيقيم في دار الإمارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم عليّ، وأيم اللَّه لو أجد أعوانا عليكم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قتلتم، ولقد أصبحتم وإن دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم، أما تخافون اللَّه؟ بم تستحلون الدم الحرام؟ قال: بدم عثمان، قال: فالذين قتلتم هم قتلوا عثمان، أما تخافوا مقت اللَّه؟ فقال له عبد اللَّه: لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلي سبيل عثمان حتى تخلع عليا. فقال حكيم: اللَّهمّ إنك حكم عدل فاشهد، وقال لأصحابه: لست في شك من قتال هؤلاء القوم، فمن كان في شك الجزء: 13 ¦ الصفحة: 235 فلينصرف. وتقدم فقاتلهم. فقال طلحة والزبير: الحمد للَّه الّذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة، اللَّهمّ لا تبق منهم أحدا فاقتتلوا قتالا شديدا، ومع حكيم أربعة قواد، فكان حكيم بحيال طلحة، وذريح بحيال الزبير، وابن المحترش بحيال عبد الرحمن بن عتاب، وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلاثمائة، فضرب رجل رجله فقطعها، فحبا حتى أخذها فرمى بها صاحبه، فصرعه وأتاه فقتله ثم اتكأ عليه، فأتى عليه رجل وهو رثيث رأسه على آخر، فقال: ما لك يا حكيم؟ قال: قتلت، قال: من قتلك؟ قال: وسادتي، فاحتمله وضمه في سبعين من أصحابه، وقيل: قتله رجل فقال له ضخيم وقتل معه ابنه الأشرف وأخوه الرعل بن جبلة، ولما قتل حكيم أرادوا قتل عثمان بن حنيف، فقال لهم: أما إن سهلا بالمدينة فإن قتلتموني انتصر، فخلوا سبيله، فقصد عليا. وقتل ذريح ومن معه، وأفلت حرقوص بن زهير في نفر من أصحابه، فلجئوا إلى قومهم، فنادى منادى طلحة والزبير: من كان فيهم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم، فجيء بهم فقتلوا ولم ينج منهم إلا حرقوص بن زهير، فإن عشيرته بني سعد منعوه، وكان منهم، فنالهم من ذلك أمر شديد، وكتبت عائشة إلى أهل الكوفة بما كان منهم وتأمرهم أن يثبطوا الناس عن علي وتحثهم على طلب قتلة عثمان، وكتبت إلى أهل اليمامة وإلى أهل المدينة بما كان منهم أيضا، وسيرت الكتب، وكانت هذه الوقعة لخمس ليال بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين. قال الشعبي: ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة نفر بدريون ما لهم سابع، وقال سعيد بن زيد: ما اجتمع أربعة من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لخير يعلمونه إلا وعليّ أحدهم، قيل: وقال أبو قتادة الأنصاري لعلي: يا أمير المؤمنين إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قلدني هذا السيف وقد أغمدته زمانا وقد حان تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين لا يألون الأمة غشا وقد أحببت أن تقدمني فقدمني: وقالت أم مسلمة: يا أمير المؤمنين لولا أن أعصي اللَّه وأنك لا تقبله مني لخرجت معك، وهذا ابن عمي، وهو واللَّه أعز عليّ من نفسي، يخرج معك ويشهد مشاهدك، فخرج معه وهو لم يزل معه، واستعمله عليّ على البحرين، ثم عزله، واستعمله النعمان بن عجلان الزرقيّ، فلما أراد عليّ المسير إلى الجزء: 13 ¦ الصفحة: 236 البصرة وكان يرجو أن يدرك طلحة والزبير فيردهما قبل وصولهما إلى البصرة أو يوقع بهما، فلما سار أستخلف على المدينة تمّام بن العباس، وعلى مكة قثم ابن العباس، وقيل: أمر على المدينة سهل بن حنيف، وسار علي من المدينة في تعبئته التي تعبأها لأهل الشام آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين، وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في تسعمائة، وسار حتى انتهى إلى الرَّبَذَة، فلما انتهى إليها أتاه خبر سبقهم، فأقام بها يأتمر ما يفعل، وأتاه ابنه الحسن في الطريق، فقال له: لقد أمرتك فعصيتني فتقتل غدا بمضيعة لا ناصر لك. فقال له علي: إنك لا تزال تخن خنين الجارية، وما الّذي أمرتني فعصيتك؟ قال: أمرتك يوم أحيط بعثمان أن تخرج من المدينة فيقتل ولست بها، ثم أمرتك يوم قتل أن لا تبايع حتى تأتيك وفود العرب وبيعة أهل كلّ مصر فإنّهم لن يقطعوا أمرا دونك، فأبيت عليّ، وأمرتك حين خرجت هذه المرأة وهذان الرجلان أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فإن كان الفساد كان على يد غيرك، فعصيتني في ذلك كله. ولما قدم الرَّبَذَة وسمع بها خبر القوم أرسل منها إلى الكوفة محمد بن أبي بكر الصديق ومحمد بن جعفر وكتب إليهم: إني اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما حدث، فكونوا لدين اللَّه أعوانا وأنصارا وانهضوا إلينا، فالإصلاح نريد لتعود هذه الأمة إخوانا، فمضيا وبقي عليّ بالربذة، وأرسل إلى المدينة فأتاه ما يريده من دابة وسلاح وأمر أمره وقام في الناس فخطبهم وقال: إن اللَّه- تبارك وتعالى- أعزنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانا بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد، فجرى الناس على ذلك ما شاء اللَّه، الإسلام دينهم والحق فيهم والكتاب إمامهم، حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزع بين هذه الأمة! ألا إن هذه الأمة لا بد مفترقة كما افترقت الأمم قبلها، فنعوذ باللَّه من شر ما هو كائن. فلما أراد المسير من الرَّبَذَة إلى البصرة قام إليه ابن لرفاعة بن رافع فقال: أمير المؤمنين، أي شيء تريد وأين تذهب بنا؟ فقال: أما الّذي نريد وننوي فالإصلاح إن قبلوا منا وأجابونا إليه، قال: فإن لم يجيبونا إليه؟ قال: ندعهم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 237 بعذرهم ونعطيهم الحقّ ونصبر، قال: فإن لم يرضوا؟ قال: ندعهم ما تركونا قال: فإن لم يتركونا؟ قال: امتنعنا منهم، قال: فنعم إذا. وسار علي من الرَّبَذَة وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمر بن الجراح، والراية مع محمد بن الحنفية، وعليّ على ناقة حمراء يقود فرسا كميتا، فلما انتهى إلى ذي قار أتاه فيها عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعرة، وقيل: أتاه بالربذة، وكانوا قد نتفوا شعر رأسه ولحيته، على ما ذكرناه، فقال: يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحية وقد جئتك أمرد، فقال: أصبحت أجرا وخيرا، إن الناس وليهم قبلي رجلان فعملا بالكتاب والسنة، ثم وليهم ثالث فقالوا وفعلوا، ثم بايعوني وبايعني طلحة والزبير، ثم نكثا بيعتي وألبّا الناس علي، ومن العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر وعثمان وخلافهما عليّ، واللَّه إنهما ليعلمان أني لست بدون رجل ممن تقدم، اللَّهمّ فاحلل ما عقدا ولا تبرم ما أحكما في أنفسهما، وأرهما المساءة فيما قد عملا! وأقام بذي قار ينتظر محمدا ومحمدا، فأتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج عبد القيس. وقيل: إن عليا أرسل الأشتر بعد ابنه الحسن وعمار إلى الكوفة فدخل والناس في المسجد وأبو موسى يخطبهم ويثبطهم والحسن وعمار معه في منازعة، وكذلك سائر الناس، كما تقدم، فجعل الأشتر لا يمر بقبيلة فيها جماعة إلا دعاهم، ويقول: اتبعوني إلى القصر، فانتهى إلى القصر في جماعة الناس، فدخله وأبو موسى في المسجد يخطبهم ويثبطهم والحسن يقول له: اعتزل عملنا لا أم لك! وتنح عن منبرنا! وعمار ينازعه، فأخرج الأشقر غلمان أبي موسى من القصر، فخرجوا يعدون وينادون: يا أبا موسى هذا الأشتر قد دخل القصر فضربنا وأخرجنا. فنزل أبو موسى فدخل القصر فصاح به الأشتر: اخرج لا أم لك أخرج اللَّه نفسك! فقال: أجلني هذه العشية فقال: هي لك ولا تبيتن في القصر الليلة، ودخل الناس ينهبون متاع أبي موسى، فمنعهم الأشتر وقال: أنا له جار، فكفوا عنه. فنفر الناس في العدد المذكور، وقيل: إن عدد من سار من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل، قال أبو الطفيل: سمعت عليا يقول ذلك قبل وصولهم، فقعدت فأحصيتهم فما زادوا رجلا ولا نقصوا رجلا. وكان على كنانة وأسد وتميم والرباب ومزينة معقل بن يسار الجزء: 13 ¦ الصفحة: 238 الرياحي، وكان على سبع قيس سعد بن مسعود الثقفي عم المختار، وعلى بكر وتغلب وعلة بن محدوج الذهلي، وكان على مذحج والأشعرين حجر بن عدي، وعلى بجيلة وأنمار وخثعم والأزد مخنف بن سليم الأزدي، فقدموا على أمير المؤمنين بذي قار، فلقيهم في ناس معه فيهم ابن عباس فرحب بهم وقال: يا أهل الكوفة أنتم قاتلتم ملوك العجم وفضضتم جموعهم حتى صارت إليكم مواريثهم فمنعتم حوزتكم وأعنتم الناس على عدوهم، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة فإن يرجعوا فذاك الّذي نريد، وإن يلجوا داويناهم بالرفق حتى يبدءونا بظلم، ولم ندع أمرا فيه صلاح إلا أثرناه على ما فيه الفساد إن شاء اللَّه. وكان رؤساء الجماعة من الكوفيين: القعقاع بن عمرو، وسعد بن مالك، وهند بن عمرو، والهيثم بن شهاب، وكان رؤساء النفار: زيد بن صوحان، والأشتر، وعدي بن حاتم، والمسيب بن نجبة، ويزيد بن قيس، وأمثال لهم ليسوا دونهم، إلا أنهم لم يؤمروا، منهم حجر بن عدي، فلما نزلوا بذي قار دعا علي القعقاع فأرسله إلى أهل البصرة وقال: الق هذين الرجلين، وكان القعقاع من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فادعهما إلى الألفة والجماعة وعظم عليهما الفرقة، وقال له: كيف تصنع فيما جاءك منهما وليس عندك فيه وصاة [مني] ؟ قال: نلقاهم بالذي أمرت به، فإذا جاء منهم ما ليس عندنا منك فيه رأى اجتهدنا رأينا وكلمناهم كما نسمع ونرى أنه ينبغي قال: أنت لها. فخرج القعقاع حتى قدم البصرة فبدأ بعائشة فسلم عليها وقال: أي أمه ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بني الإصلاح بين الناس. قال: فأبعثني إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامها، فبعثت إليهما، فجاءا، فقال لهما: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها، فقالت: الإصلاح بين الناس، فما تقولان أنتما؟ أمتابعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان، قال: فأخبراني ما وجه هذه الإصلاح؟ فو اللَّه لئن عرفناه لنصلحن ولئن أنكرناه لا نصلح. قال: قتلة عثمان، فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن. قال: قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة، وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائة رجل فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 239 حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف، فإن تركتموهم كنتم تاركين لما تقولون، وإن قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا عليكم، فالذي حذرتم وقويتم به هذا الأمر أعظم مما أراكم تكرهون، وإن أنتم منعتم مضر وربيعة من هذه البلاد اجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحديث العظيم والذنب الكبير. قالت عائشة: فماذا تقول أنت؟ قال: أقول: إن هذا الأمر دواؤه التسكين، فإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير، وتباشير رحمة، ودرك بثأر، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر، وذهاب هذا المال، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم، ولا تعرضونا للبلاء فتعرضوا له فيصرعنا وإياكم، وأيم اللَّه إني لأقول هذا القول وأدعوكم إليه! وإني لخائف أن لا يتم حتى يأخذ اللَّه حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها ونزل بها ما نزل، فإن هذا الأمر الّذي حدث أمر ليس يقدر، وليس كقتل الرجل الرجل، ولا النفر الرجل، ولا القبيلة الرجل، قالوا: قد أصبت وأحسنت فارجع، فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر، فرجع إلى عليّ فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه، ورضيه من رضيه، وأقبلت وفود العرب من أهل البصرة نحو عليّ بذي قار قبل رجوع القعقاع لينظروا ما رأى إخوانهم من أهل الكوفة وعلى أي حال نهضوا إليهم وليعلموهم أن الّذي عليه رأيهم الإصلاح ولا يخطر لهم قتالهم على بال. فلما لقوا عشائرهم من أهل الكوفة قال لهم الكوفيون مثل مقاتلهم وأدخلوهم على عليّ فأخبروه بخبرهم، وسأل على جرير بن شرس، عن طلحة والزبير، فأخبره بدقيق أمرهما وجليله وقال له: أما الزبير فيقول: بايعنا كرها. وأما طلحة فيتمثل الأشعار، فقال الأشتر: قد عرفنا رأي طلحة والزبير. وأما عليّ فلم نعرف رأيه إلى اليوم، ورأى الناس فينا واحد، فإن يصطلحوا مع علي فعلى دمائنا، فهلموا بنا نثب على عليّ فنلحقه بعثمان فتعود فتنة، يرضى منا فيها بالسكون، فقال عبد اللَّه بن السوداء: بئس الرأي رأيت، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 240 أنتم يا قتلة عثمان بذي قار ألفان وخمسمائة أو نحو من ستمائة، وهذا ابن الحنظلية، يعني طلحة، وأصحابه في نحو من خمسة آلاف بالأشواق إلى أن يجدوا إلى قتالكم سبيلا، فقال علباء بن الهيثم: انصرفوا بنا عنهم ودعوهم، فإن قلوا كان أقوى لعدوهم عليهم، وإن كثروا كان أحرى أن يصطلحوا عليكم، دعوهم وارجعوا فتعلقوا ببلد من البلدان حتى يأتيكم فيه من تقوون به وامتنعوا من الناس، فقال ابن السوداء: بئس ما رأيت، ودّ واللَّه الناس أنكم انفردتم ولم تكونوا مع أقوام برآء، ولو انفردتم لتخطفكم الناس كل شيء، وأصبح عليّ على ظهر ومضى، ومضى معه الناس حتى نزل على عبد القيس فانضموا إليه، وسار من هناك فنزل الزاوية يريد البصرة، وسار طلحة والزبير وعائشة من الفرضة، فالتفوا عند موضع قصر عبيد اللَّه بن زياد، فلما نزل الناس أرسل شقيق بن ثور إلى عمرو بن مرحوم العبديّ أن اخرج فإذا خرجت فمل بنا إلى عسكر علي فخرجا في عبد القيس وبكر بن وائل فعدلوا إلى عسكر عليّ، فقال الناس: من كان هؤلاء معه غلب، وأقاموا ثلاثة أيام لم يكن بينهم قتال، فكان يرسل عليّ إليهم يكلمهم ويدعوهم، وكان نزولهم في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، ونزل بهم عليّ وقد سبق أصحابه وهم يتلاحقون به، وقام عليّ فخطب الناس، فقام إليه الأعور بن بنان المنقري فسأله عن إقدامهم على أهل البصرة، فقال له عليّ: على الإصلاح وإطفاء النائرة [ (1) ] لعل اللَّه يجمع شمل هذه الأمة بنا ويضع حربهم، قال: فإن لم يجيبونا؟ قال: تركناهم ما تركونا، قال: فإن لم يتركونا؟ قال: دفعناهم عن أنفسنا، قال: فهل لهم من هذا مثل الّذي عليهم؟ قال: نعم، وقام إليه أبو سلامة الدالاني فقال: أترى لهؤلاء القوم حجة فيما طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا اللَّه بذلك؟ قال: نعم، قال: أفترى لك حجة بتأخير ذلك؟ قال: نعم، إن الشيء إذا كان لا يدرك فإن الحكم فيه أحوطه وأعمه نفعا، قال: فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدا؟ قال: إني لأرجو أن لا يقتل منا ومنهم أحد نقي قلبه للَّه إلا أدخله اللَّه الجنة، فلما قدم علي أتاه الأحنف فقال له: إن قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن ظهرت عليهم   [ (1) ] النائرة: العداوة والشحناء. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 241 غدا قتلت رجالهم وسبيت نساءهم، قال: ما مثلي يخاف هذا منه، وهل يحل هذا إلا لمن تولى وكفر، وهم قوم مسلمون؟ قال: اختر مني واحدة من اثنتين، إما أن أقاتل معك، وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف، قال فكيف بما أعطيت أصحابك من الاعتزال؟ قال: إن من الوفاء للَّه قتالهم، قال: فاكفف عنا عشرة آلاف سيف: فرجع إلى الناس فدعاهم إلى القعود ونادى: يا آل خندف! فأجابه ناس، ونادى: يا آل تميم! فأجابه ناس، ثم نادى: يا آل سعد! فلم يبق سعدي إلا أجابه، فاعتزل بهم ونظر ما يصنع الناس، فلما كان القتال وظفر علي دخلوا فيما دخل فيه الناس وافرين، فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح، فقيل لعلي: هذا الزبير، فقال: أما إنه أحرى الرجلين إن ذكر باللَّه- تعالى- أن يذكر. وخرج طلحة فخرج إليهما عليّ حتى اختلفت أعناق دوابهم، فقال عليّ: لعمري قد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا إن كنتما أعددتما عند اللَّه عذرا فاتقيا اللَّه ولا تكونا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً [ (1) ] ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دمكما، فهل من حدث أحل لكما دمي؟ قال طلحة: ألبت على عثمان، قال علي: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ [ (2) ] يا طلحة، تطلب بدم عثمان فلعن اللَّه قتلة عثمان! يا طلحة، أجئت بعرس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت! أما بايعتني؟ قال: بايعتك والسيف على عنقي، فقال عليّ للزبير: يا زبير ما أخرجك؟ قال: أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلا ولا أولى به منا، فقال له عليّ: ألست له أهلا بعد عثمان؟ قد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك السوء ففرق بيننا، وذكره أشياء، وافترق أهل البصرة ثلاث فرق: فرقة مع طلحة والزبير، وفرقة مع علي، وفرقة لا ترى القتال، منهم الأحنف وعمران بن حصين وغيرهما، وجاءت عائشة فنزلت في مسجد الحدان في الأزد، ورأس الأزد يومئذ صبرة بن شيمان، فقال له كعب بن سور: إن الجموع إذا تراءت لم   [ (1) ] النحل: 92. [ (2) ] النور: 25. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 242 تستطع، إنما هو بحور تدفق فأطعني ولا تشهدهم واعتزل بقومك فإنّي أخاف أن لا يكون صلح، ودع مضر وربيعة فهما أخوان، فإن اصطلحا فالصلح أردنا وإن اقتتلا كنا حكاما عليهم غدا. ولما خرج طلحة والزبير نزلت مضر جميعا وهم لا يشكون في الصلح، ونزلت ربيعة فوقهم وهم لا يشكون في الصلح، ونزلت اليمن أسفل منهم ولا يشكون في الصلح، وعائشة في الحدان، والناس بالزابوقة على رؤسائهم هؤلاء، وهم ثلاثون ألفا، وردّوا حكيما ومالكا إلى عليّ إننا على ما فارقنا عليه القعقاع، ونزل علي بحيالهم، فنزلت مضر إلى مضر، وربيعة إلى ربيعة، واليمن، فكان بعضهم يخرج إلى بعض لا يذكرون إلا الصلح، وكان أصحاب علي عشرين ألفا، وخرج علي وطلحة والزبير فتواقفوا فلم يروا أمر أمثل من الصلح ووضع الحرب، فافترقوا على ذلك، وبعث علي من العشي عبد اللَّه بن عباس إلى طلحة والزبير، وبعثا هما محمد بن أبي طلحة إلى عليّ، وأرسل عليّ إلى رؤساء أصحابه، وطلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما بذلك، فباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية التي أشرفوا عليها والصلح، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة وقد أشرفوا على الهلكة، وباتوا يتشاورون، فاجتمعوا على إنشاب الحرب، فغدوا مع الغلس وما يشعر بهم، فخرجوا متسللين وعليهم ظلمة، فقصد مضرهم إلى مضرهم، وربيعتهم إلى ربيعتهم، ويمنهم إلى يمنهم، فوضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين أتوهم، وبعث طلحة والزبير إلى الميمنة، وهم ربيعة، أميرا عليها عبد الرحمن بن الحارث، وإلى الميسرة عبد الرحمن ابن عتّاب، وثبتا في القلب وقالا: ما هذا؟ قالوا: طرقنا أهل الكوفة ليلا، فقالا: قد علمنا أن عليا غير منته حتى يسفك الدماء وأنه لن يطاوعنا، فرد أهل البصرة أولئك الكوفيين إلى عسكرهم، وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة فقال: أدركي فقد أبى القوم إلا القتال لعل اللَّه أن يصلح بك. فركبت وألبسوا هودجها الأدراع، فلما برزت من البيوت وهي على الجمل بحيث تسمع الغوغاء وقفت واقتتل الناس وقاتل الزبير فحمل عليه عمار بن ياسر فجعل يحوزه بالرمح والزبير كاف عنه يقول: أتقتلني يا أبا اليقظان؟ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 243 فيقول: لا يا أبا عبد اللَّه، وإنما كف الزبير عنه لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تقتل عمارا الفئة الباغية، ولولا ذلك لقتله، وبينما عائشة واقفة إذ سمعت ضجة شديدة فقالت: ما هذا؟ قالوا: ضجة العسكر، قالت: بخير أو بشر؟ قالوا: بشر، فما فجأها إلا الهزيمة، فمضى الزبير من وجهه إلى وادي السباع، وإنما فارق المعركة لأنه قاتل تعذيرا لما ذكر له عليّ، وأما طلحة فأتاه سهم غرب فأصابه فشك رجله بصفحة الفرس وهو ينادي: إليّ، إليّ عباد اللَّه! الصبر الصبر! فقال له القعقاع بن عمرو: يا أبا محمد إنك لجريح وإنك عما تريد لعليل، فأدخل البيوت، فدخل ودمه يسيل وهو يقول: اللَّهمّ خذ لعثمان مني حتى ترضى، فلما امتلأ خفه دما وثقل قال لغلامه: أردفني وأمسكني وأبلغني مكانا أنزل فيه. فدخل البصرة، فأنزله في دار خربة فمات فيها، وكان الّذي رمى طلحة مروان بن الحكم وقيل: غيره. وقالت عائشة: لما انجلت الوقعة وانهزم الناس لكعب بن سور: خلّ عن الجمل وتقدم بالمصحف فادعهم إليه. وناولته مصحفا، فاستقبل القوم والسبئية أمامهم، فرموه رشقا واحدا فقتلوه، ورموا أم المؤمنين في هودجها، فجعلت تنادي: البقية البقية يا بنيّ! ويعلو صوتها كثرة: اللَّه اللَّه! اذكروا اللَّه والحساب! فيأبون إلا إقداما، فكان أول شيء أحدثته حين أبوا أن قالت: أيها الناس العنوا قتلة عثمان وأشياعهم وأقبلت تدعو، وضج الناس بالدعاء. فسمع عليّ فقال: ما هذه الضجة؟ قالوا: عائشة تدعوا على قتلة عثمان وأشياعهم، فقال عليّ: اللَّهمّ العن قتلة عثمان! فأرسلت إلى عبد الرحمن بن عتاب وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام أن أثبتا مكانكما، وحرضت الناس حين رأت القوم يريدونها ولا يكفون، فحملت مضر البصرة حتى قصفت مضر الكوفة حتى زحم عليّ فنخس قفا ابنه محمد، وكانت الراية معه، وقال له: أحمل! فتقدم حتى لم يجد متقدما إلا على سنان رمح، فأخذ عليّ الراية من يده وقال: يا بني بين يدي، وحملت مضر الكوفة، فاجتلدوا قدام الجمل حتى ضرسوا والمجنبتان على حالهما لا تصنع شيئا، ومع علي قوم من غير مضر، منهم زيد بن صوحان طلبوا ذلك منه، فقال له رجل: تنح إلى قومك، مالك ولهذا الموقف؟ ألست تعلم أن مضر بحيالك والجمل بين يديك وأن الموت دونه؟ فقال: الموت خير من الحياة، الموت أريد، فأصيب هو الجزء: 13 ¦ الصفحة: 244 وأخوه سيحان وارتث صعصعة أخوهما واشتدت الحرب، فلما رأى علي ذلك بعث إلى ربيعة وإلى اليمن أن أجمعوا من يليكم، فقام رجل من عبد القيس من أصحاب عليّ فقال: ندعوكم إلى كتاب اللَّه، فقالوا: وكيف يدعونا إليه من لا يستقيم ولا يقيم حدود اللَّه وقد قتل كعب بن سور داعي اللَّه! ورمته ربيعة رشقا واحدا فقتلوه، فقام مسلم بن عبد اللَّه العجليّ مكانه فرشقوه رشقا واحدا فقتلوه، ودعت يمن الكوفة يمن البصرة فرشقوهم، وأبى أهل الكوفة القتال ولم يريدوا إلا عائشة، فذكرت أصحابها فاقتتلوا حتى تنادوا فتحاجزوا، ثم رجعوا فاقتتلوا وتزاحف الناس وظهرت يمن البصرة على يمن الكوفة فهزمتهم، وربيعة البصرة على ربيعة الكوفة فهزمتهم، ثم عاد يمنّ الكوفة فقتل على رايتهم عشرة، خمسة من همدان وخمسة من سائر اليمن ورجعت ربيعة الكوفة فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل على رايتهم، وهم في المسيرة: زيد وعبد اللَّه بن رقبة وأبو عبيدة بن راشد بن سلمى وهو يقول: اللَّهمّ أنت هديتنا من الضلالة واستنقذتنا من الجهالة، وابتليتنا بالفتنة فكنا في شبهة وعلى ريبة، وقتل واشتد الأمر حتى لزقت ميمنة أهل الكوفة بقلبهم وميسرة أهل البصرة بقلبهم ومنعوا ميمنة أهل الكوفة بميمنة أهل البصرة، فلما رأى الشجعان من مضر الكوفة والبصرة الصبر تنادوا: طرفوا إذا فرغ الصبر، فجعلوا يقصدون الأطراف الأيدي والأرجل، فما رئي وقعة كانت أعظم منها قبلها ولا بعدها ولا أكثر ذراعا مقطوعة ولا رجلا مقطوعة، وأصيب يد عبد الرحمن بن عتّاب قبل قتله، فنظرت عائشة من يسارها فقالت: من القوم عن يساري؟ قال صبرة بن شيمان: بنوك الأزد، فقالت: يا آل غسان حافظوا اليوم على جلادكم الّذي كنا نسمع به، فكان الأزد يأخذون بعر الجمل يشمونه ويقولون: بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك، وقالت لمن عن يمينها: من القوم عن يميني؟ قال: بكر بن وائل، قالت: إنما بإزائكم عبد القيس، فاقتتلوا أشد من قتالهم قبل ذلك، وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت: من القوم؟ قالوا: بنوا ناجية، قالت: بخ بخ سيوف أبطحية قرشية! فجالدوا جلادا يتفادى منه، ثم أطافت بها بنو ضبة فقالت: ويها جمرة الجمرات! فلما رقوا خالطهم بنو عدي بن عبد مناة وكثروا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 245 حولها، فقالت: من أنتم؟ قالوا: بنو عدي خالطنا إخوتنا، فأقاموا رأس الجمل وضربوا ضربا شديدا ليس بالتعذير ولا يعدلون بالتطريف، حتى إذا كثر ذلك وظهر في العسكرين جميعا راموا الجمل وقالوا: لا يزال القوم أو يصرع الجمل، وصار مجنبتا علي إلى القلب، وفعل ذلك أهل البصرة، وكره القوم بعضهم بعضا، وأخذ عميرة بن يثربي برأس الجمل وكان قاضي البصرة قبل كعب بن سور، فشهد الجمل هو وأخوه عبد اللَّه، فقال علي: من يحمل على الجمل؟ فانتدب له هند بن عمر الجمليّ المراديّ، فاعترضه ابن يثربي فاختلفا ضربتين، فقتله ابن يثربي، ثم حمل علباء بن الهيثم فاعترضه ابن يثربي فقتله وقتل سيحان بن صوحان وارتث صعصعة. ولم يزل الأمر كذلك حتى قتل على الخطام أربعون رجلا، قالت عائشة: ما زال جملي معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة، قال: وأخذ الخطام سبعون رجلا من قريش كلهم يقتل وهو آخذ بخطام الجمل، وكان ممن أخذ بزمام الجمل محمد بن طلحة، وقال: يا أمتاه مريني بأمرك، قالت: آمرك أن تكون خير بني آدم إن تركت، فجعل لا يحمل عليه أحد إلا حمل عليه، وقال: حاميم لا ينصرون، واجتمع عليه نفر كلهم ادعى قتله، المكعبر الأسديّ، والمكعبر الضبيّ، ومعاوية بن شداد العبسيّ، وعفّار السعديّ النصريّ، فأنفذه بعضهم بالرمح، وأخذ الخطام عمرو بن الأشرف فجعل لا يدنو منه أحد إلا خبطه بالسيف، فأقبل إليه الحارث بن زهير الأزدي، فاختلفا ضربتين فقتل كل واحد منهما صاحبه، وأحدق أهل النجدات والشجاعة بعائشة، فكان لا يأخذ الخطام أحد إلا قتل، وكان لا يأخذه والراية إلا معروف عند المطيفين بالجمل فينتسب: أنا فلان بن فلان، فو اللَّه إن كان ليقاتلون عليه وإنه للموت لا يوصل إليه إلا بطلبة وعنت، وما رامه أحد من أصحاب علي إلا قتل أو أفلت ثم لم يعد، وحمل عدي بن حاتم الطائي عليهم ففقئت عينه، وجاء عبد اللَّه بن الزبير ولم يتكلم فقالت: من أنت؟ فقال: ابنك ابن أختك، قالت: وا ثكل أسماء! وانتهى إليه الأشتر، فاقتتلا، فضربه الأشتر على رأسه فجرحه جرحا شديدا، وضربه عبد اللَّه ضربة خفيفة، واعتنق كل رجل منهما صاحبه وسقطا إلى الأرض يعتركان، وأخذ الخطام الأسود بن أبي البختري فقتل، وهو قرشي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 246 أيضا، وأخذه عمرو بن الأشرف فقتل، وقتل معه ثلاثة عشر رجلا من أهل بيته، وهو أزدي، وجرح مروان بن الحكم، وجرح عبد اللَّه بن الزبير سبعا وثلاثين جراحة من طعنة ورمية، قال: وما رأيت مثل يوم الجمل، ما ينهزم منا أحد وما نحن إلا كالجبل الأسود، وما يأخذ بخطام الجمل أحد إلا قتل حتى ضاع الخطام، ونادى علي: اعقروا الجمل فإنه إن عقر تفرقوا، فضربه رجل فسقط فما سمعت صوتا قط أشد من عجيج الجمل، وكانت راية الأزد من أهل الكوفة مع مخنف بن سليم فقتل وأخذها الصقعب، وأخوه عبد اللَّه بن سليم فقتل، وأخذها العلاء بن عروة، فكان الفتح وهي بيده، وكانت راية عبد القيس من أهل الكوفة مع القاسم بن سليم فقتل، وقتل معه زيد وسيحان ابنا صوحان، وأخذها عدة نفر، فقتلوا، منهم عبد اللَّه بن رقية، ثم أخذها منقذ بن النعمان فرفعها إلى ابنة مرة بن منقذ فانقضت الحرب وهي في يده، وكانت راية بكر بن وائل في بني ذهل مع الحارث بن حسان الذهلي، فأقدم وقال: يا معشر بكر لم يكن أحد له من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مثل منزلة صاحبكم فانصروه، فتقدم وقاتلهم فقتل ابنه وخمسة من بني أهله، وقتل الحارث، وقتل رجال من بني محدوج، وقتل من بني ذهل خمسة وثلاثون رجلا، وقال رجل لأخيه وهو يقاتل: يا أخي ما أحسن قتالنا إن كنا على الحق! قال: فإنا على الحق، إن الناس أخذوا يمينا وشمالا، وان تمسكنا بأهل بيت نبينا فقاتلا حتى قتلا، وجرح يومئذ عمير بن الأهلب الضبي، فقال له الرجل: قل لا إله إلا اللَّه، قال: أدن مني فلقني فيّ صمم، فدنا منه الرجل، فوثب عليه فعض أذنه فقطعها. وقيل في عقر الجمل: إن القعقاع لقي الأشتر وقد عاد من القتال عند الجمل، فقال: هل لك في العود؟ فلم يجبه، فقال: يا أشتر بعضنا أعلم بقتال بعض منك، وحمل القعقاع والزمام مع زفر بن الحارث، وكان آخر من أخذ الخطام، فلم يبق شيخ من بني عامر إلا أصيب قدام الجمل، وقيل: لما سقط الجمل أقبل محمد بن أبي بكر إليه ومعه عمار فاحتملا الهودج فنحياه، فأدخل محمد يده فيه، فقالت: من هذا؟ فقال: أخوك البر، قالت: عقق، قال: يا أخيّه هل أصابك شيء؟ قالت: ما أنت وذاك؟ قال: فمن إذا الضلال؟ قالت: بل الهداة، وقال لها عمار: كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يا أماه؟ قالت: لست الجزء: 13 ¦ الصفحة: 247 لك بأم، قال: بلى وإن كرهت، قالت: فخرتم أن ظفرتم وأتيتم مثل الّذي نقمتم، هيهات واللَّه لن يظفر من كان هذا دأبه-! فأبرزوا هودجها فوضعوها ليس قربها أحد، وأتاها عليّ فقال: كيف أنت يا أمه؟ قالت: بخير، قال: يغفر اللَّه لك، قالت: ولك، وجاء أعين بن ضبيعة بن أعين المجاشعي حتى اطلع في الهودج، فقالت: إليك لعنك اللَّه، فقال: واللَّه ما أرى إلا حميراء، فقالت له: هتك اللَّه سترك وقطع يدك وأبدى عورتك، فقتل بالبصرة، وسلب، وقطعت يده، ورمى عريانا في خربة من خربات الأزد، فلما كان الليل أدخلها أخوها محمد بن أبي بكر البصرة فأنزلها في دار عبد اللَّه بن خلف الخزاعي على صفية بنت الحارث بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، وهي أم طلحة الطلحات بن عبد اللَّه بن خلف، وتسلل الجرحى من بين القتلى ليلا فدخلوا البصرة، فأقام على بظاهر البصرة ثلاثا، وأذن للناس في دفن موتاهم، فخرجوا إليهم فدفنوهم، وجعل كلما مر برجل فيه خير قال: زعم من زعم أنه لم يخرج إلينا إلا الغوغاء وهذا العابد المجتهد فيهم، وصلى عليّ على القتلى من أهل البصرة والكوفة، وصلى على قريش من هؤلاء وهؤلاء، وأمر فدفنت الأطراف في قبر عظيم، وجمع ما كان في العسكر من شيء وبعث به إلى مسجد البصرة وقال: من عرف شيئا فليأخذه إلا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان، وكان جميع القتلى عشرة آلاف نصفهم من أصحاب عليّ ونصفهم من أصحاب عائشة، وقيل غير ذلك. ثم دخل على البصرة يوم الاثنين فبايعه أهلها على راياتهم حتى الجرحى والمستأمنة، وأتاه عبد الرحمن بن أبي بكرة في المستأمنين أيضا فبايعه، ثم راح إلى عائشة وهي في دار عبد اللَّه بن خلف، وهي أعظم دار بالبصرة، فوجد النساء يبكين على عبد اللَّه وعثمان ابني خلف وكان عبد اللَّه قتل مع عائشة وعثمان قتل مع علي، وكانت صفية زوج عبد اللَّه مختمرة تبكي، فلما رأته قالت له: يا على يا قاتل الأحبة! يا مفرق الجمع! أيتم اللَّه منك بنيك كما أيتمت ولد عبد اللَّه منه! فلم يرد عليها شيئا، ودخل على عائشة فسلم عليها، وقعد عندها، فلما خرج عليّ أعادت عليه القول، فكف بغلته وقال: لقد هممت أن أفتح هذا الباب، وأشار إلى باب في الدار، وأقتل من فيه، وكان فيه ناس الجزء: 13 ¦ الصفحة: 248 من الجرحى فأخبر عليّ بمكانهم فتغافل عنهم فسكت، وكان مذهبه أن لا يقتل مدبرا لا يذفف على جريح ولا يكشف سترا ولا يأخذ مالا، ثم جهز علي عائشة بكل ما ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك وبعث معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء البصرة المعروفات، وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر، فلما كان اليوم الّذي ارتحلت فيه أتاها عليّ فوقف لها، وحضر الناس فخرجت وودعتهم وقالت: يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه واللَّه ما كان بيني وبين عليّ في القديم إلا ما يكون بين المرأة وبين أحمائها، وإنه على معتبي لمن الأخيار، وقال عليّ: صدقت، واللَّه ما كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة. وخرجت يوم السبت غرة رجب وشيعها أميالا وسرح بنيه معها يوما، فكان وجهها إلى مكة، فأقامت إلى الحج، ثم رجعت إلى المدينة، وقال لها عمار حين ودعها: ما أبعد هذا المسير من العهد الّذي عهد إليك! قالت: واللَّه إنك ما علمت لقوال بالحق، قال: الحمد للَّه الّذي قضى على لسانك لي] [ (1) ] .   [ (1) ] (الكامل في التاريخ لابن الأسير) : 3/ 209- 258 مختصرا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 249 وأما إخبار اللَّه تعالى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بما عزم عليه عمرو بن جحاش من إلقاء صخرة عليه حتى قام من مكانه فقال الواقدي: حدثني محمد بن عبد اللَّه، وعبد اللَّه بن جعفر، ومحمد بن صالح، ومحمد بن يحيى بن سهل، وابن أبي حبيبة، ومعمر بن راشد في رجال ممن لم أسمهم، فكل قد حدثني ببعض هذا الحديث، وبعض القوم كان أوعى له من بعض، وقد جمعت كل الّذي حدثوني، قالوا: أقبل عمرو بن أمية من بئر معونة حتى كان بقناة، فلقى رجلين من بنى عامر فنسبها، فانتسبا، فقابلهما حتى إذا ناما وثب عليهما فقتلهما، ثم خرج حتى ورد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ساعته في قدر حلب شاة، فأخبره خبرهما، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بئس ما صنعت، قد كان لهما منا أمان وعهد! فقال: ما شعرت، كنت أراهما على شركهما، وكان قومهما قد نالوا منا ما نالوا من الغدر بنا، وجاء بسلبهما، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعزل سلبهما حتى بعث به مع ديتها، وذلك أن عامر بن الطفيل بعث إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن رجلا من أصحابك قتل رجلين من قومي، ولهما منك أمان وعهد، فابعث بديتهما إلينا، فسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بني النضير يستعين في ديتهما، وكانت بنو النضير حلفاء لبني عامر، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم السبت فصلى في مسجد قباء ومعه رهط من المهاجرين والأنصار، ثم جاء بني النضير فيجدهم في ناديهم، فجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، فكلمهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعينوه في دية الكلابيين الذين قتلهما عمرو بن أمية، فقالوا: نفعل، يا أبا القاسم، ما أحببت قد أني لك أن تزورنا وإن تأتينا، أجلس حتى نطعمك! ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستند إلى بيت من بيوتهم، ثم خلا بعضهم إلى بعض فتناجوا، فقال: حيي بن أخطب: يا معشر اليهود، قد جاءكم محمد في نفير من أصحابه لا يبلغون عشرة- ومعه أبو بكر، وعمرو، وعلي، والزبير، وطلحة، وسعد بن معاذ، وأسيد بن خضير، وسعد بن عبادة- فأطرحوا عليه حجارة من فوق هذا البيت الّذي هو تحته فاقتلوه، فلن تجدوه أخلى منه الساعة!! فإنه إن قتل تفرق أصحابه، فلحق من كان معه من قريش بحرمهم، وبقي من ها هنا من الجزء: 13 ¦ الصفحة: 250 الأوس والخزرج حلفاؤكم، فما كنتم تريدون أن تصنعوا يوما من الدهر فمن الآن! فقال عمرو بن جحاش: أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة، قال سلام بن مشكم: يا قوم، أطيعوني هذه المرة وخالفوني الدهر! واللَّه إن فعلتم ليخبرن بأن قد غدرنا به، وإن هذا نقض العهد الّذي بيننا وبينه، فلا تفعلوا! ألا فو اللَّه لو فعلتم الّذي تريدون ليقومن بهذا الدين منهم قائم إلى يوم القيامة، يستأصل اليهود ويظهر دينه! وقد هيأ الصخرة ليرسلها على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويحدرها، فلما أشرف بها جاء رسول اللَّه الخبر من السماء بما هموا به فنهض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سريعا كأنه يريد حاجة، وتوجه إلى المدينة، وجلس أصحابه يتحدثون وهم يظنون أنه قام يقضي حاجة. فلما يئسوا من ذلك قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ما مقامنا ها هنا بشيء، لقد وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأمر فقاموا، فقال حيي: عجل أبو القاسم قد كنا نريد أن نقضي حاجته ونغذيه، وندمت اليهود على ما صنعوا، فقال لهم كنانة بن صويراء: هل تدرون لم قام محمد؟ قالوا: لا واللَّه، ما ندري وما تدري أنت! قال: بلى والتوراة، أني لأدري قد أخبر محمد ما هممتم به من الغدر، فلا تخدعوا أنفسكم، واللَّه إنه لرسول اللَّه وما قام إلا أنه أخبر بما هممتم به من الغدر، وإنه لآخر الأنبياء، كنتم تطمعون أن يكون من بني هارون فجعله اللَّه حيث شاء وإن كتبنا والّذي درسنا في التوراة التي لم يغير ولم تبدل أن مولده بمكة ودار هجرته يثرب، وصفته بعينها ما تخالف حرفا هما في كتابنا، وما يأتيكم [به] أولى من محاربته إياكم، ولكأنّي انظر إليكم ظاعنين، يتضاغى صبيانكم، قد تركتم دوركم خلوفا وأموالكم، وإنما هي شرفكم، فأطيعوني في خصلتين، والثالثة لا خير فيها!. قالوا: ما هما؟ قال: تسلمون وتدخلون مع محمد، فتأمنون على أموالكم وأولادكم، وتكونون من عليه أصحابه، وتبقى بأيديكم أموالكم، ولا تخرجوا من دياركم، قالوا: لا نفارق التوراة وعهد موسى! قال: فإنه مرسل إليكم: اخرجوا من بلدي، فقالوا: نعم- فإنه لا يستحل لكم دما ولا مالا- وتبقى أموالكم، إن شئتم بعتم، وإن شئتم أمسكتم، قالوا: أما هذا فنعم، قال: أما واللَّه إن الأخرى خيرهن لي، قال: أما واللَّه لولا أني أفضحكم لأسلمت، ولكن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 251 واللَّه لا تعير شعثاء بإسلامي أبدا حتى يصيبني ما أصابكم- وابنته شعثاء التي كان حسان ينسب بها. فقال سلام بن مشكم: قد كنت لما صنعتم كارها، وهو مرسل إلينا أن اخرجوا من داري، فلا تعقب يا حيي كلامه، وأنعم له بالخروج، فاخرج من بلاده، قال: أفعل، أنا أخرج! فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة تبعه أصحابه، فلقوا رجلا خارجا من المدينة فسألوه: هل لقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: لقيته بالجسر داخلا، فلما انتهى أصحابه إليه وجدوه قد أرسل إلى محمد بن مسلمة يدعوه، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه قمت ولم نشعر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: همت اليهود بالغدر بي، فأخبرني اللَّه بذلك فقمت [ (1) ] ، وقد ذكر موسى بن عقبة القصة بمعنى ما تقدم.   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 363- 366، وقد ذكره الواقدي بتمامه لكن ذكره المقريزي مختصرا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 252 وأما تصديق اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في قوله عن أبيّ بن خلف: أنا أقتله، فقتله يوم أحد فخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن أبيّ بن خلف قال حين افتدى: واللَّه إن عندي فرسا أعلفها كل يوم فرق ذرة ولأقتلن عليها محمدا، فبلغت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حلفته فقال: بل أنا أقتله إن شاء اللَّه، فلما كان يوم أحد طعنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عنقه بحربته، فوقع أبيّ عن فرسه، فلما رجع إلى فرسه وقد خدشه في عنقه خدشا غير كبير، فاحتقن الدم، قال: قتلني واللَّه محمد! قالوا: ذهب واللَّه فؤادك إن بك بأس، فقال: إنه قد قال لي بمكة: أنا أقتلك إن شاء اللَّه، واللَّه لو بصق لقتلني، فمات عدو اللَّه بسرف وهم قافلون إلى مكة. وقال ابن إسحاق [ (2) ] : حدثنا ابن شهاب، وقال قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب أن أبي بن خلف الجمحيّ أسر ببدر، فلما افتدي من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن عندي العوذ فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليها، فيقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا أقتلك عليها إن شاء اللَّه، فلما كان يوم أحد أقبل أبي بن خلف يركض على فرسه تلك حتى دنا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاعترض رجال من المسلمين ليقاتلوه فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: استأخروا استأخروا! فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحربة في يده فرمى بها أبي بن خلف فكسرت الحربة ضلعا من أضلاعه، فرجع إلى أصحابه ثقيلا فاحتملوه حتى ولوا به، فطفقوا يقولون له: لا بأس بك، فقال لهم أبي: ألم يقل لي: بل أنا أقتلك إن شاء اللَّه؟ فانطلق به أصحابه، فمات ببعض الطريق فدفنوه، قال سعيد بن المسيب: وفيه أنزل اللَّه- تبارك وتعالى-: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 3/ 211. [ (2) ] (السيرة النبويّة لابن هشام) : 4/ 33. [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 46، من قتل من المسلمين يوم أحد. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 253 قال أبو نعيم [ (1) ] : ورواه حماد بن سلمة عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، وقال محمد بن سعيد: حدثني ابن شهاب الزهريّ عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك قال: كان كعب أول من عرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد الهزيمة، وقول الناس قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال كعب: عرفت عينيه تزهران من تحب المغفر، فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأشار إليّ أن أنصت، فلما عرفوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهضوا به معهم، ونهض به معهم نحو الشّعب ومعه أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، والحارث بن الصمة في رهط من المسلمين، فلما أسند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الشّعب أدركه أبيّ بن خلف وهو يقول: يا محمد لا نجوت إن نجوت فقال القوم: أيعطف عليه يا رسول اللَّه رجل منا؟ فقال: دعوه، فلما دنا تناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحربة من الحارث بن الصمة، يقول بعض القوم فيما ذكر لي: فلما أخذها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشّعر [ (2) ] من ظهر البعير إذ انتفض، ثم استقبله، فطعنه بها طعنة تدأدأ [ (3) ] منها عن ظهر فرسه مرارا. وقال ابن لهيعة: حدثت أبو الأسود، عن عروة بن الزبير قال: كان أبيّ ابن خلف أخو بني جمح حلف وهو بمكة ليقتلن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما بلغت حلفته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا أقتله إن شاء اللَّه، فأقبل أبيّ مقنعا في الحديد يقول لا نجوت إن نجا محمد، فحمل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يريد قتله فاستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار يتقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنفسه، فقتل مصعب بن عمير، وأبصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ترقوة أبيّ بن خلف من فرجه بين سابغة الدرع والبيضة، فطعنه بحربته فوقع أبي عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، فأتوه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خوار الثور، فقالوا: ما   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 482، حديث رقم (414) . [ (2) ] الشّعر: ذباب زرق تقع على الإبل والحمير فتنادي بها كثيرا. [ (3) ] تدأدأ: سقط وتدحرج. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 254 أجزعك؟ إنما هو خدش، فذكر لهم قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: [أقتل أبيا] ثم قال: والّذي نفسي بيده لو كان الّذي بى بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين، فمات [ (1) ] . وقال موسى بن عقبة: عن ابن شهاب فيمن ذكرهم من قتلى المشركين يوم أحد. قال: وأبيّ بن خلف مات بمكة أو بالطريق من طعنة، طعنه إياها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال عبد الرزاق: عن معمر بن عثمان الجزري، عن مقسم قال معمر: وحدثني الزهريّ ببعضه أنّ عقبة بن أبي معيط وأبيّ بن خلف التقيا، فقال عقبة لأبيّ: لا أرضى عنك حتى تأتي محمدا فتتفل في وجهه، وتشتمه وتكذبه، فلما كان يوم أحد خرج أبيّ بن خلف مع المشركين فأخذ النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بحربة فخرج له بها فتقع في ترقوته، فخر يخور كما يخور الثور، فأقبل أصحابه حتى احتملوه وهو يخور، فقالوا ما هذا؟ فو اللَّه ما بك إلا خدش فقال: واللَّه لو لم يصبني إلا ريقه لقتلني أليس قد قال: أنا أقتله؟ فو اللَّه لو كان الّذي بي بأهل ذي المجاز لقتلهم فما لبث إلا يوما أو نحو ذلك حتى مات. وقال الواقدي: في (مغازيه) فحدثني يونس بن محمد الظفري، عن عاصم بن عمرو، عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك قال: كان أبيّ بن خلف قدم في فداء ابنه وكان أسر يوم بدر فقال: يا محمد إن عندي فرسا لي أعلفها كل يوم فرقا من ذرة كي أقتلك عليها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا أقتلك عليها إن شاء اللَّه، ويقال: قال: ذلك بمكة فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمته بالمدينة فقال: أنا أقتله عليها إن شاء اللَّه، قالوا: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القتال لا يلتفت وراءه، وكان يقول لأصحابه إني أخشى أن يأتي أبيّ بن خلف من خلفي فإذا رأيتموه فآذنوني به، فإذا بأبيّ يركض على فرسه وقد رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعرفه، فجعل يصيح بأعلى صوته يا محمد لا نجوت إن نجوت، فقال القوم: يا رسول اللَّه ما كنت صانعا حين يغشاك؟ فقد جاءك، وإن شئت عطف بعضنا عليك فأبىّ رسول اللَّه ودنا أبي، فتناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم انتفض بأصحابه كما ينتفض البعير، فتطايرنا عنه تطاير الشعر من   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (415) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 255 ظهر البعير، ولم يكن أحد يشبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جد الجد، ثم أخذ الحربة فطعنه بالحربة في عنقه وهو على فرسه، فجعل يخور كما يخور الثور، ويقول له أصحابه: أبا عامر! واللَّه ما بك بأس، ولو كان هذا الّذي بك يعين أحدنا ما ضره، قال: لا واللات والعزى لو كان هذا الّذي بي بأهل المجاز لماتوا أجمعون، أليس قال: لأقتلنك؟ فاحتملوه، وشغلهم ذلك عن طلب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولحق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعظم أصحابه في الشعب، ويقال: تناول الحربة من الزبير بن العوام. كان ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: مات أبيّ بن خلف ببطن رابغ فإنّي لأسير ببطن رابغ بعد هوي من الليل إذ نار تأجج لي، فهبتها وإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذ بها يصيح: العطش، وإذا رجل يقول: لا تسقه فإن هذا قتيل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هذا أبيّ بن خلف، فقلت: ألا سحقا، ويقال: مات بسرف، ويقال: لما تناول الحربة من الزبير حمل أبيّ علي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليضربه، فاستقبله مصعب بن عمير يجود بنفسه دون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فضرب مصعب بن عمير وجهه، وأبصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجة بين سابغة البيضة والدرع، فطعنه هناك فوقع وهو يخور [ (1) ] . وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن مروان عن عمارة بن أبي حصينة، عن عكرمة، قال: شجّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في وجهه يوم أحد وكسرت رباعيته وذلق لسانه من العطش حتى جعل يقع على ركبتيه، وتركه أصحابه، فجاء أبيّ بن خلف يطلبه بدم أخيه أمية بن خلف، فقال: أين هذا الّذي يزعم أنه نبيّ؟ فليبرز لي فإنه إن كان نبيا قتلني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أعطوني الحربة، فقالوا: يا رسول اللَّه وبك حراك فقال: إني قد استسقيت اللَّه دمه، فأخذ الحربة، ثم مشى إليه فطعنه فصرعه عن دابته، وحمله أصحابه فاستنقذوه، فقالوا له: ما نرى بك بأسا، قال: إنه قد استسقى اللَّه دمي، إني لأجد لها ما لو كانت على ربيعة، ومضر لوسعتهم [ (2) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 250- 252، غزوة أحد. [ (2) ] (مصنف ابن أبي شيبة) : 7/ 371، كتاب المغازي، حديث رقم (36773) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 256 وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم على عتبة بن أبي وقاص فخرّج عبد الرزاق عن معمر، عن الزهريّ، عن عثمان الجزري، عن مقسم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد حين كسر رباعيته، ودمي وجهه، وقال: اللَّهمّ لا يحل عليه الحول حتى يموت كافرا، فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النار. وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم على ابن قميئة ومن وافقه في ضيعه فخرّج أبو نعيم [ (1) ] من حديث بن جريح، عن إبراهيم بن ميسرة، عن نافع بن عاصم، قال: الّذي دمي وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن قميئة رجل من هذيل، فسلط اللَّه عليه تيسا فنطحه حتى قتله. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ]- وقد ذكر غزوة أحد-: وكان أربعة من قريش قد تعاهدوا وتعاقدوا على قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعرفهم المشركون بذلك عبد اللَّه بن شهاب، وعتبة بن أبي وقاص، وابن قميئة [ (3) ] ، وأبيّ بن خلف، ورمى عتبة يومئذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأربعة أحجار وكسرت رباعيته- أشظى [ (4) ] باطنها اليمنى السفلى وشج وجنتيه حتى غاب حلق المغفر في وجنته، وأصيبت ركبتاه فجحشتا، وكان حفر حفرها أبو عامر الفاسق كالخنادق للمسلمين، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقفا على بعضها ولا يشعر به، والثبت عندنا أن الّذي رمى في وجنتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن قميئة والذي رمى في شفته وأصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص،   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 488- 489، حديث رقم (424) وسنده منقطع. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 243- 246. [ (3) ] في بعض المراجع: «قمئة» . [ (4) ] أشظى: كسر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 257 وأقبل ابن قميئة وهو يقول: دلوني على محمد، فو الّذي يحلف به، لئن رأيته لأقتلنه! فعلاه السيف ورماه عتبة بن أبي وقاص مع تجليل السيف، وكان عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم درعان، فوقع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحفرة التي أمامه فجحشت ركبتاه، ولم يصنع سيف بن قميئة شيئا، إلا وهن الضربة بثقل السيف، فقد وقع لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وانتهض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وطلحة يحمله من ورائه، وعلي آخذ بيديه حتى استوى قائما. حدثني الضحاك بن عثمان عن ضمرة بن سعيد، عن أبي بشير المازني، قال: حضرت يوم أحد وأنا غلام، فرأيت ابن قميئة علا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسيف، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقع على ركبتيه في حفرة أمامه حتى توارى، فجعلت أصيح- وأنا غلام- حتى رأيت الناس ثابوا إليه، قال: فانظر إلى طلحة بن عبيد اللَّه آخذا بحضنه حتى قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ويقال: إن الّذي شج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جبهته ابن شهاب، والّذي أشظى رباعيته وأدمى شفتيه عتبة بن أبي وقاص، والّذي رمى وجنتيه، حتى غاب الحلق في وجنتيه ابن قميئة، وسال الدم من في شجته التي في جبهته حتى أخضل الدم لحيته صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجه رسول اللَّه، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى اللَّه- عز وجل-؟ فأنزل اللَّه- عز وجل-: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [ (1) ] الآية. وقال سعد بن أبي وقاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: سمعته يقول: اشتد غضب اللَّه على قوم أدموا وجه رسول اللَّه، اشتد غضب اللَّه على رجل قتله رسول اللَّه! قال سعد: فقد شفاني من عتبة أخي دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لقد حرصت على قتله حرصا ما حرصته على شيء قط، وإن كان ما علمته لعاقا بالوالد سيّئ الخلق، ولقد تخرقت صفوف المشركين مرتين أطلب أخي لأقتله، ولك راغ مني روغان الثعلب، فلما كان الثالثة قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عبد اللَّه ما تريد؟ تريد أن تقتل نفسك؟ فكففت، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:   [ (1) ] آل عمران: 128. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 258 اللَّهمّ لا يحولنّ الحول على أحد منهم! قال: واللَّه، ما حال الحول على أحد ممن رماه أو جرجه! مات عتبة. وأما ابن قميئة فإنه اختلف فيه، فقائل يقول: قتل في المعرك، وقائل يقول: إنه رمى يوم أحد بسهم، فأصاب مصعب بن عمير، فقال: خذها وأنا ابن قميئة! فقتل مصعبا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أقمأه اللَّه، فعمد إلى شاة يحتلبها فنطحته بقرنها وهو معتقلها فقتلته، فوجد ميتا بين الجبال، لدعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان عدو اللَّه قد رجع إلى أصحابه، فأخبرهم أنه قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو رجل من بني الأدرم من بني فهر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 259 وأما تغسيل الملائكة حنطلة بن أبي عامر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لما قتل بأحد وظهور الماء بقطر من رأسه تصديقا لإخبار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك فقال ابن إسحاق [ (1) ] : فحدثني يحيى بن عبد اللَّه، عن جده وقد التقى حنظلة بن أبي عامر الغسيل وأبو سفيان، فلما استعلاه حنظلة بن أبي عامر رآه شداد بن الأسود وهو ابن شعوب، وقد علا أبا سفيان فضربه شداد بالسيف حتى قتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن صاحبكم- يعني حنظلة- لتغسله الملائكة، فسألوا أهله ما شأنه؟ فسئلت صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب سمع الهاتفة. وذكر الواقدي [ (2) ] في (مغازيه) قصة حنظلة قال: وكان حنظلة بن أبي عامر تزوج جميلة بنت عبد اللَّه بن أبي بن سلول، فأدخلت عليه في الليلة التي في صبحها قتال أحد، وكان قد استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبيت عندها فأذن له، فلما صلى الصبح غدا يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولزمته جميلة فعاد فكان معها، فأجنب منها ثم أراد الخروج، وقد أرسلت قبل ذلك إلى أربعة من قومها فأشهدتهم أنه قد دخل بها، فقيل لها بعد: لم أشهدت عليه؟ قالت: رأيت كان السماء فرجت فدخل فيها حنظلة ثم أطبقت، فقلت: هذه الشهادة! فأشهدت عليه أنه قد دخل بها، وتعلق بعبد اللَّه بن حنظلة، ثم تزوجها ثابت بن قيس بعد فولدت له محمد بن ثابت بن قيس. وأخذ حنظلة بن أبي عامر سلاحه، فلحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأحد وهو يسوي الصفوف، قال: فلما انكشف المشركون اعترض حنظلة بن أبي عامر لأبي سفيان بن حرب فضرب عرقوب فرسه فاكتسعت الفرس، ويقع أبو سفيان إلى الأرض! وحنظلة يريد ذبحه بالسيف، فأسمع الصوت رجالا لا يلتفتون إليه من الهزيمة، حتى عاينه الأسود بن شعوب، فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه،   [ (1) ] (السيرة النبويّة لابن هشام) : 3/ 22- 23. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 273- 274. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 260 فمشى حنظلة إليه بالرمح وقد أثبته، ثم ضربه الثانية فقتله، وهرب أبو سفيان يعدو على قدميه فلحق ببعض قريش، فنزل عن صدر فرسه وردف وراء أبي سفيان- فذلك قول أبي سفيان- فلما قتل حنظلة مر عليه أبوه، وهو مقتول جنب حمزة بن عبد المطلب وعبد اللَّه بن جحش، فقال: إن كنت لأحذرك هذا الرجل من قبل هذا المصرع، واللَّه إن كنت لبرا بالوالد، شريف الخلق في حياتك، وإن مماتك لمع سراة أصحابك وأشرافهم، وإن جزى اللَّه هذا القتيل- لحمزة- خيرا، أو أحدا أمن أصحاب محمد فجزاك اللَّه خيرا، ثم نادي يا معشر قريش حنظلة لا يمثل به وإن كان خالفني وخالفكم فلم يأل لنفسه فيما يرى خيرا، ثم نادى: يا معشر قريش، حنظلة لا يمثل به وإن كان خالفني وخالفكم، فلم يأل لنفسه فيما يرى خيرا، فمثل بالناس وترك فلم يمثل به. وكانت هند أول من مثل بأصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمرت النساء بالمثل- جدع الأنوف والآذان- فلم تبق امرأة إلا عليها معضدان ومسكتان وخدمتان، ومثل بهم كلهم إلا حنظلة. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة، قال أبو أسيد الساعدي: فذهبنا فنظرنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء، قال أبو أسيد: فرجعت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته، فأرسل إلى امرأته فسألها، فأخبرته أنه خرج وهو جنب. وقال ابن عبد البر [ (1) ] : وذكر أهل السيرة أن حنظلة الغسيل كان قد ألم بأهله في حين خروجه إلى أحد، ثم هجم عليه من الخروج في النفير ما أنساه الغسل، وأعجله عنه، فلما قتل شهيدا أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأن الملائكة غسلته. وروى حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لأمرأة حنظلة بن أبي عامر الأنصاري: ما كان شأنه؟ قالت: كان جنبا وغسلت أحد شقي رأسه، فلما سمع الهيعة خرج فقتل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد رأيت الملائكة تغسله.   [ (1) ] (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) : 1/ 381- 382 ترجمة رقم (549) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 261 وابنه عبد اللَّه بن حنظلة، ولد على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قد ذكرناه في باب العبادلة من هذا الكتاب [ (1) ] . حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشي، قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم البغدادي الدورقي قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، قال: افتخرت الأوس فقالوا: منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب، ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، ومنا من اهتز بموته عرش الرحمن سعد بن معاذ، فقال الخزرجيون: منا أربعة قرءوا القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يقرأه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب. قال ابن عبد البر [ (2) ] : يعني لم يقرأه كله أحد منكم يا معشر الأوس، ولكن قد قرأه جماعة من غير الأنصار منهم: عبد اللَّه بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة. وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وغيرهم.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 381. [ (2) ] (المرجع السابق) : 382. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 262 وأما غشي النعاس المؤمنين يوم أحد فقال اللَّه تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ [ (1) ] الأمن وهو نقيض الخوف، يقال أمن أمنا وأمنه، وقيل الأمنة الأمن وهو نقيض الخوف إنما تكون من استباق الخوف، والأمن يكون مع عدم الخوف، وكان في ذلك علم من أعلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن المسلمين كانوا في غم شديد، وقد انهزموا من عدوهم، وخرج الشيطان فيهم قبل محمد، واستشهد منهم سبعون، فما نزل اللَّه- سبحانه وتعالى- عليهم مع هذه الشدائد العظيمة النعاس حتى نام أكثرهم، وإنما ينعس من يأمن، والخائف لا ينام. خرّج البخاريّ [ (2) ] من حديث حسين بن محمد عن شيبان، عن قتادة، حدثنا أنس بن أبا طلحة قال: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه. وخرّج الترمذيّ [ (3) ] من حديث سعيد عن قتادة، عن أنس أن أبا طلحة قال: غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد، حدث أنه كان فيمن غشيه النعاس يومئذ قال: فجعل سيفي يسقط من يدي، وآخذ، ويسقط من يدي وآخذه، والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرغبه، وأخذ له للحق. قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. وخرّج أبو نعيم [ (4) ] والبيهقيّ [ (5) ] من طريق حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس، عن أبي طلحة قال: رفعت رأسي يوم أحد فجعلت انظر وما منهم أحد   [ (1) ] آل عمران: 154. [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 288، كتاب التفسير، باب (11) أَمَنَةً نُعاساً، حديث رقم (4562) . [ (3) ] (الترمذيّ) : 5/ 214، كتاب تفسير القرآن، باب (4) ومن سورة آل عمران، حديث رقم (3008) . [ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 487، حديث رقم (421) . [ (5) ] (دلائل البيهقيّ) : 3/ 267، باب قول اللَّه- عز وجل-: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ الآية. وقول اللَّه- عز وجل- إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ [آل عمران: 153- 152، 153، 154] . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 263 إلا وهو يميد تحت حجمته من النعاس، فذلك قوله- تعالى عز وجل-: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ [ (1) ] الآية. وخرّج أبو نعيم [ (2) ] من حديث هشام بن عروة عن أبيه، عن الزهريّ أنهم كانوا جلوسا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد في أصل الجبل حتى أرسل اللَّه عليهم النعاس أمنة منه، وأنهم ليغطون حتى إن حجفهم لتنتطح في أيديهم والعدو تحتهم. وقال ابن إسحاق [ (3) ] : حدثني يحيى بن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن الزبير، عن الزبير قال: واللَّه إني لأسمع قول معتب بن قشير أخي بني عمرو بن عوف والنعاس يغشاني ما أسمعه إلا كالحلم حين قال: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا [ (4) ] . وخرّج البيهقيّ من حديث ابن شهاب عن عبد الرحمن بن مصور بن محرقة، عن عابية، عن عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قوله- تعالى-: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ [ (5) ] قال: ألقى علينا النوم يوم أحد.   [ (1) ] آل عمران: 154. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 487، حديث رقم (422) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (423) . [ (4) ] آل عمران: 154. [ (5) ] آل عمران: 154. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 264 وذكر الواقدي [ (1) ] في (مغازيه) قصة أحد، ثم قال أبو أسيد الساعدي: لقد رأيتنا قبل أن يلقى علينا النعاس، وإنا لسلم لمن أرادنا، لما بنا من الحزن، فألقى علينا النعاس فنمنا حتى تناطح الحجف، وفزعنا وكأنا لم تصبنا قبل ذلك نكبة. وقال طلحة بن عبيد اللَّه: غشينا النعاس حتى كان حجف القوم تناطح. وقال الزبير بن العوام: غشينا النعاس فما منا رجل إلا وذقنه في صدره من النوم، فأسمع معتب بن قشير يقول: وإني لك لكالحالم لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا [ (2) ] ، فأنزل اللَّه- تعالى- فيه. وقال أبو اليسر: لقد رأيتني يومئذ في أربعة عشر رجلا من قومي إلى جنب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد أصابنا النعاس أمنة منه، ما منهم رجل إلا يغط غطيطا حتى إن الحجف لنناطح، ولقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده وما يشعر به، وأخذه بعد ما تثلم وإن المشركين لتحتنا.   [ () ] قال الشيخ أبو نعيم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: وفي هذه الغزوة مما ذكرناه من الدلائل ما حقق اللَّه من قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في أبيّ بن خلف: بل أنا أقتلك، وكذب أبيّ إذ قال: أنا أقتل محمدا. ومنها: ما أراهم اللَّه- عزّ وجلّ- منن ردّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حدقة قتادة بن النعمان إلى موضعها بعد سقوطها، حتى كانت أحسن عينيه وأحدهما، فثبتت الدلالة فيه من وجهين. وفيها: غسل الملائكة لحنظلة، وظهور ذلك للأنصار، فرأوا الماء يقطر من رأسه رفعا للجنابة التي كانت عليه. وفيها: ما غشيهم من النعاس مع قرب العدوّ منهم، وما يوجب في العادة أن لا يناموا، فلما كان ما وقع شيئا خارجا عن العادة، ثبتت في الدلالة فيه، واللَّه- تعالى- أعلم. (دلائل أبي نعيم) : 2/ 488. [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 295- 296. [ (2) ] آل عمران: 154. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 265 وقال أبو طلحة: ألقى علينا النعاس فكنت أنعس حتى يسقط سيفي من يدي، وكان النعاس لم يصب أهل النفاق والشك يومئذ، فكان منافق يتكلم بما في نفسه، وإنما أصاب النعاس أهل اليقين والإيمان. وقال أبو نعيم [ (1) ] : ما غشيهم من النعاس مع قرب العدو منهم، وما يوجب في العادة أن لا يناموا فلما كان فيما وقع شيئا خارجا عن العادة ثبتت الدلالة فيه واللَّه أعلم.   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 488، حديث رقم (423) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 266 وأما ظهور صدق الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم في إخباره أن قزمان في النار فقال الواقدي [ (1) ] : وكان قزمان من المنافقين، وكان قد تخلف عن أحد، فلما أصبح عيره نساء بنى ظفر فقلن: يا قزمان، قد خرج الرجال وبقيت! يا قزمان، ألا تستحي مما صنعت؟ ما أنت إلى إلا امرأة، خرج قومك فبقيت في الدار! فأحفظته، فدخل بيته فأخرج قوسه وجعبته وسيفه- وكان يعرف بالشجاعة- فخرج يعدو حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يسوي صفوف المسلمين، فجاء من خلف الصفوف حتى انتهى الصف الأول فكان فيه، وكان أول من رمى بسهم من المسلمين، فجعل يرسل نبلا كأنها الرماح، وإنه ليكت كتيت الجمل، ثم صار إلى السيف ففعل الأفاعيل، حتى إذا كان آخر ذلك قتل نفسه، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذكره قال: من أهل النار، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار! يا آل أوس، قاتلوا على الأحساب واصنعوا مثل ما اصنع! قال: فيدخل بالسيف وسط المشركين حتى يقال: قد قتل، ثم يطلع ويقول: أنا الغلام الظفري! حتى قتل منهم سبعة، وأصابته الجراحة وكثرت به فوقع، فمر به قتادة بن النعمان فقال: أبا الغيداق! قال له قزمان: يا لبيك! قال: هنيئا لك الشهادة! قال قزمان: إني واللَّه ما قاتلت يا أبا عمرو على دين، ما قاتلت إلا على الحفاظ، أن قريش إلينا حتى تطأ سعفنا، فذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم جراحته فقال: من أهل النار، فأندبته الجراحة، فقتل نفسه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. وقال الواقدي [ (2) ] في موضع آخر: وكان قزمان عديدا في بني ظفر لا يدري ممن هو، وكان لهم حائطا محبا، وكان مقلا لا ولد له ولا زوجة، وكان شجاعا يعرف بذلك في حروبهم، تلك التي كانت تكون بينهم، فشهد أحدا فقاتل   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 223- 224. [ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 263- 264. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 267 قتالا شديدا فقتل ستة أو سبعة، وأصابته الجراح فقيل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: قزمان قد أصابته الجراح، فهو شهيد! قال: من أهل النار، فأتى إلى قزمان فقيل له: هنيئا لك يا أبا الغيداق الشهادة! قال: بم تبشرون؟ واللَّه ما قاتلنا إلا على الأحساب، قالوا: بشرناك بالجنة، قال: جنة من حرمل، واللَّه ما قاتلنا على جنة ولا نار، إنما قاتلنا على أحسابنا! فأخرج سهما من كنانته، فجعل يتوجأ به نفسه، فلما أبطأ عليه المشقص أخذ السيف فاتكأ عليه حتى خرج من ظهره، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أهل النار. حدثنا يونس [ (1) ] بن محمد الظفري، عن أبيه، قال: أقبل قزمان يشد على المشركين، وتلقاه خالد بن الأعلم، وكل واحد منهما راجل، فاضطربا بأسيافهما، فيمر بهما خالد بن الوليد فحمل الرمح على قزمان، فسلك الرمح في غير مقتل، شطب الرمح، ومضى خالد وهو يرى أنه قد قتله، فضربه عمرو بن العاص وهما على تلك الحال، وطعنه أخرى فلم يجهز عليه، فلم يزالا يتجاولان حتى قتل قزمان خالد بن الأعلم، ومات قزمان من جراحة به من ساعة، وعثمان بن عبد اللَّه بن المغيرة قتله الحارث بن الصمة خمسة. فقال الواقدي [ (2) ] في (مغازيه) : قال جابر بن عبد اللَّه: لما قتل سعد بن ربيع بأحد رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، ثم مضى إلى حمراء الأسد، وجاء أخو سعد بن ربيع فأخذ ميراث سعد، وكان لسعد ابنتان وكانت امرأته حاملا، وكان المسلمون يتوارثون على ما كان في الجاهلية حتى قتل سعد بن ربيع، فلما قبض عمهن المال- ولم تنزل الفرائض- وكانت امرأة سعد امرأة حازمة، صنعت طعاما- ثم دعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- خبزا ولحما وهي يومئذ بالأسواف [ (3) ] ، فانصرفنا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الصبح، فبينا نحن عنده جلوس ونحن نذكر وقعة أحد ومن قتل من المسلمين، ونذكر سعد بن ربيع إلى أن قال رسول   [ (1) ] (المرجع السابق) : 1/ 308. [ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 329- 331، هذا الحديث مطموس في الأصل ونقلناه بتمامه من المرجع السابق. [ (3) ] الأسواف: اسم حرم المدينة، وقيل: اسم موضع بعينه بناحية البقيع: (معجم البلدان) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 268 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قوموا بنا، فقمنا معه ونحن عشرون رجلا حتى انتهينا إلى الأسواف، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ودخلنا معه فنجدها قد رشت ما بين صورين، وطرحت خصفة [ (1) ] . قال جابر بن عبد اللَّه: واللَّه ما ثم وسادة ولا بساط، فجلسنا ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدثنا عن سعد بن ربيع، يترحم عليه ويقول: لقد رأيت الأسنة شرعت إليه يومئذ حتى قتل، فلما سمع ذلك النسوة بكين، فدمعت عينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما نهاهن عن شيء من البكاء. قال جابر: ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، قال: فتراءينا من يطلع، قال فطلع أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقمنا فبشرناه بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم سلم ثم ردوا عليه، ثم جلس. ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فتراءينا من يطلع من خلال السعف، فطلع عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فقمنا فبشرناه بما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلم ثم جلس. ثم قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فنظرنا من خلال السعف، فإذا علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قد طلع، فقمنا فبشرناه بالجنة، ثم جاء فجلس فسلم ثم جلس، ثم أتي بالطعام. قال جابر: فأتى من الطعام بقدر ما يأكل رجل واحدا واثنان، فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده فيه، فقال: خذوا بسم اللَّه! فأكلنا منها حتى نهلنا، واللَّه ما أرانا حركنا منها شيئا، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ارفعوا هذا الطعام! فرفعوه، ثم أتينا برطب في طبق في باكورة أو مؤخر قليل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بسم اللَّه، كلوا! قال: فأكلنا حتى نهلنا، وإني لأرى في الطبق نحوا مما أتى به، وجاءت الظهر فصلى بنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يمس ماء، ثم رجع إلى مجلسه فتحدث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم جاءت العصر فأتى ببقية الطعام يتشبع به، فقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلى بنا العصر، ولم يمس ماء.   [ (1) ] الخصفة: الشيء المنسوج من خوص. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 269 ثم قامت امرأة سعد بن ربيع فقالت: يا رسول اللَّه، إن سعد بن ربيع قتل بأحد، فجاء أخوه فأخذ ما ترك، وترك ابنتين ولا مال لهما، وإنما ينكح- يا رسول اللَّه- النساء على المال، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ أحسن الخلافة على تركته، لم ينزل عليّ في ذلك شيء، وعودي إليّ إذا رجعت! فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيته جلس على بابه وجلسنا معه، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برحاء حتى ظننا أنه أنزل عليه، قال: فسرى عنه والعرق يتحدر عن جبينه مثل الجمان، فقال: عليّ بامرأة سعد قال: فخرج أبو مسعود عقبة بن عمرو حتى جاء بها، قال: وكانت امرأة حازمة جلدة، فقال: أين عم ولدك؟ قالت: يا رسول اللَّه في منزله، قال: أدعية لي، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلسي، فجلست وبعث رجلا يعدو إليه فأتى به وهو في بلحارث بن الخزرج، فأتى به وهو متعب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادفع إلى بنات أخيك ثلثي ما ترك أخوك فكبرت امرأته تكبيرة سمعها أهل المسجد، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادفع إلى زوجة أخيك الثمن وشأنك وسائر ما بيدك، ولم يورث الحمل يومئذ، وهي أم سعد بنت سعد بن ربيع امرأة زيد بن ثابت أم خارجة بن زيد، فلما ولى عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقد تزوج زيد أم سعد بنت سعد وكانت حملا، فقال: إن كانت لك حاجة أن تكلمي في ميراثك من أبيك، فإن أمير المؤمنين قد ورّث الحمل اليوم، وكانت أم سعد يوم قتل أبوها سعد حملا، فقالت: ما كنت لأطلب من أخي شيئا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 270 وأما حماية الدبر عاصم بن ثابت حتى لم تمسه أيدي المشركين تكرمة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلما من أعلام نبوته فخرّج البخاريّ من حديث الزهريّ قال: أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي- وهو حليف لبني زهرة- وكان من أصحاب أبي هريرة إن أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشرة رهط سرية عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري- جد عاصم بن عمرو بن الخطاب- فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة- وهو بين عسفان ومكة- ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد، وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا. فقال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فو اللَّه لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللَّهمّ أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصما في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، منهم خبيب الأنصاريّ وابن دثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم، فأوثقوهم. فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، واللَّه لأصحبكم، إن لي في هؤلاء لأسوة- يريد القتلى- وجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى، فقتلوه، فانطلقوا بخبيب، وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقيعة بدر، فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا، فأخبرني عبيد اللَّه بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته، فأخذ ابنا لي وأنا غافله حين أتاه، قالت: فوجدته مجلسه على فخذه والموس بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي، فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت الجزء: 13 ¦ الصفحة: 271 لأفعل ذلك، واللَّه ما رأيت أسيرا قط خير من خبيب، واللَّه لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر، وكانت تقول إنه لرزق من اللَّه رزقه خبيبا، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنون أن بى جزع ... اللَّهمّ أحصهم عددا ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شق كان للَّه مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع فقتله ابن الحارث، فكان خبيب هو سنّ الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا، فأستجاب اللَّه لعاصم بن ثابت يوم أصيب، وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر، فبعث اللَّه على عاصم مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسولهم، فلم يقدر على أن يقطع من لحمه شيئا. ذكره البخاريّ في كتاب الجهاد [ (1) ] ، وترجم عليه: هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر، ومن ركع ركعتين عند القتل. وذكره في غزوة الرجيع [ (2) ] بنحوه أو قريب منه، وذكر بعقبه من طريق سفيان، عن عمرو سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: الّذي قتل خبيبا هو أبو سروعة. وذكره أيضا في غزوة بدر [ (3) ] ، وذكر موسى بن عقبة هذا الحديث، وقصة من قتل منهم ومن أسر بنحو حديث أبي هريرة.   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 203- 204، كتاب الجهاد والسير، باب (170) هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر، ومن ركع ركعتين عند القتل حديث رقم (3045) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 481- 482، كتاب المغازي باب (29) غزوة الرجيع، ورعل وذكوان، وبئر معونة وحديث عضل والقارة وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه، قال ابن إسحاق: حدثنا عاصم بن عمر أنها بعد أحد، حديث رقم (4086) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 7/ 392- 393، كتاب المغازي، باب (10) بدون ترجمة، حديث رقم (3989) ، وذكره في كتاب التوحيد، باب (14) ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي اللَّه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 272 وذكره عروة بن الزبير أيضا، وزاد فيه قول خبيب: اللَّهمّ إني لا انظر في وجه عدوك، اللَّهمّ إني لا أجد رسولك، فبلغه عنى السلام، فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره ذلك، وزاد موسى بن عقبة: وزعموا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو جالس في ذلك اليوم الّذي قتلا فيه: وعليكما أو عليك السلام، خبيب قتلته قريش، ولا أدري أذكر زيد الدّثنّة معه أم لا؟ قال: وزعموا أنهم رموا ابن الدّثنّة بالنبل وأرادوا قتله، فلم يزدد إلا إيمانا وتثبيتا. وزاد عروة وموسى بن عقبة جميعا: أنهم لما رفعوا خبيبا على الخشبة نادوه يناشدونه: أتحب أن محمدا مكانك؟ قال: لا واللَّه العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدميه، فضحكوا منه، وزاد بيانا قالها. وذكر الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] في غزوة الرجيع بأتم سياقه قال: حدثني موسى بن يعقوب، عن أبي الأسود عن عروة قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحاب الرجيع عيونا إلى مكة ليخبروه خبر قريش، فسلكوا على النجدية حتى كانوا بالرجيع، فاعترضت لهم بنو لحيان. حدثني محمد بن عبد اللَّه، ومعمر بن راشد، وعبد الرحمن بن عبد العزيز، وعبد اللَّه بن جعفر، ومحمد بن صالح، ومحمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة، ومعاذ بن محمد، في رجال من لم أسمّ، وكل قد حدثني ببعض الحديث، وبعض القوم كان أوعى له من بعض، وقد جمعت الّذي حدثوني، قالوا: لما قتل سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي مشت بنو لحيان إلى عضل والقارة، فجعلوا لهم فرائض على أن يقدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فيكلموه، فيخرج إليهم نفرا من أصحابه يدعونهم إلى الإسلام، فنقتل من قتل صاحبنا، ونخرج بسائرهم إلى قريش بمكة فنصيب بهم ثمنا، فإنّهم ليسوا لشيء أحب إليهم من أن يؤتوا بأحد من أصحاب محمد، يمثلون به ويقتلونه بمن قتل منهم ببدر.   [ () ] عز وجل-، وقال خبيب: وذلك في ذات الإله فذكر الذات باسمه- تعالى-، حديث رقم (7402) . [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 354- 363، غزوة الرجيع في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 273 فقدم سبعة نفر من عضل والقارة- وهما حيان إلى خزيمة- مقرين بالإسلام، فقالوا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا فينا إسلاما فاشيا، فابعث معنا نفرا من أصحابك يقرئوننا القرآن، ويفقهوننا في الإسلام، فبعث معهم سبعة نفر: مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وخالد بن أبي البكير، وعبد اللَّه بن طارق البلوي حليف في بنى ظفر، وأخاه لأمه معتب بن عبيد، حليف في بني ظفر، وخبيب بن عديّ بن بلحارث بن الخزرج، وزيد بن الدّثنّة من بني بياضة، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، ويقال: كانوا عشرة وأميرهم مرثد بن أبي مرثد، ويقال أميرهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. فخرجوا حتى إذا كانوا بماء لهذيل- يقال له الرجيع قريب من الهدة- خرج النفر فاستصرخوا عليهم أصحابهم الذين بعثهم اللحيانيون، فلم يرع أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا بالقوم، مائة رام وفي أيديهم السيوف، فاخترط أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أسيافهم، ثم قاموا، فقال العدو: ما نريد قتالكم، وما نريد إلا أن نصيب منكم من أهل مكة ثمنا، ولكم عهد اللَّه وميثاقه لا نقتلكم. فأما خبيب بن عدي، وزيد بن الدّثنّة، وعبد اللَّه بن طارق فاستأسروا، وقال خبيب: إن لي عند القوم يدا، وأما عاصم بن ثابت، ومرثد، وخالد بن أبي البكير، ومعتب بن عبيد، فأبوا أن يقبلوا جوارهم ولا أمانهم، وقال عاصم بن ثابت: إني نذرت ألا أقبل جوار مشرك أبدا، فجعل عاصم يقاتلهم وهو يقول: ما علتي وأنا جلد نابل ... النبل والقوس لها بلابل نزلّ عن صفحتها المعابل ... الموت حق والحياة باطل وكل ما حم الإله نازل ... بالمرء والمرء إليه آئل إن لم أقاتلكم فأمي هابل [ (1) ] قال الواقدي: ما رأيت من أصحابنا أحدا يدفعه، قال: فرماهم بالنبل حتى فنيت نبله، ثم طعنهم بالرمح حتى كسر رمحه، وبقي السيف فقال: اللَّهمّ حميت دينك أول نهاري فاحم لي لحمي آخره! وكانوا يجردون كل من قتل من   [ (1) ] هابل: أي فاقد، يقال: هبلته أمه إذا فقدته. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 274 أصحابه، قال: فكسر غمد سيفه، ثم قاتل حتى قتل، وقد جرح رجلين وقتل واحد، فقال عاصم وهو يقائل: أنا أبو سليمان ومثلي رامي ... ورثت مجدا معشرا كراما أصبت مرثدا وخالدا قياما ثم شرعوا فيه الأسنة حتى قتلوه، وكانت سلافة بنت سعد بن الشهيد قد قتل زوجها وبنوها أربعة، قد كان عاصم قتل منهم اثنين، الحارث، ومسافعا، فندرت لئن أمكنها اللَّه منه أن تشرب في قحف رأسه الخمر، وجعلت لمن جاء برأس عاصم مائة ناقة، قد علمت ذلك العرب وعلمته بنو لحيان فأرادوا أن يحتزوا رأس عاصم ليذهبوا به إلى سلافة بنت سعد ليأخذوا منها مائة ناقة. فبعث اللَّه- تبارك وتعالى- عليهم الدبر فحمته فلم يدن إليه أحد إلا لدغت وجهه، وجاء منها شيء كثير لا طاقة لأحد به، فقالوا: دعوه إلى الليل، فإنه إذا جاء الليل ذهب عنه الدبر، فلما جاء الليل بعث اللَّه عليه سيلا- وكنا ما نرى في السماء سحابا في وجه من الوجوه- فاحتمله فذهب به فلم يصلوا إليه، فقال: عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو يذكر عاصما- وكان عاصم نذر ألا يمس مشركا ولا يمسه مشرك تنجسا به، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إن اللَّه- عز وجل- ليحفظ المؤمنين، فمنعه اللَّه- عز وجل- أن يمسوه بعد وفاته كما امتنع في حياته. وقاتل معتب بن عبيد حتى جرح فيهم، ثم خلصوا إليه فقتلوه، وخرجوا بخبيب، وعبد اللَّه بن طارق، وزيد بن الدّثنّة حتى إذا كانوا بمر الظهران، وهم موثقون بأوتار قسيهم، قال عبد اللَّه بن طارق: هذا أول الغدر! واللَّه لا أصاحبكم، إن لي في هؤلاء لأسوة- يعني القتل، فعالجوه فأبى، ونزع يده من رباطه، ثم أخذ سيفه، فانحازوا عنه، فجعل يشد فيهم وينفرجون عنه، فرموه بالحجارة حتى قتلوه- فقبره بمر الظهران، وخرجوا بخبيب بن عدي، وزيد بن الدّثنّة حتى قدموا بهما مكة، فأما خبيب فابتاعه حجير بن أبي إهاب بثمانين مثقال ذهب، ويقال اشتراه بخمسين فريضة، ويقال اشترته ابنة الحارث بن عامر بن نوفل بمائة من الإبل، وكان حجير إنما اشتراه لابن أخيه عقبة بن الحارث بن عامر ليقتله بأبيه- قتل يوم بدر-، وأما زيد بن الدّثنّة، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 275 فاشتراه صفوان بن أمية بخمسين فريضة فقتله بأبيه، ويقال إنه شرك فيه أناس من قريش، فدخل بهما في شهر حرام، وفي ذي القعدة، فحبس حجير خبيب بن عدي في بيت امرأة، يقال لها ماوية، مولاة لبني عبد مناف، وحبس صفوان بن أمية زيد بن الدّثنّة عند ناس من بني جمح، ويقال عند نسطاس غلامه، وكانت ماوية قد أسلمت بعد فحسن إسلامها، وكانت تقول: واللَّه ما رأيت أحدا خيرا من خبيب، واللَّه لقد أطلعت عليه من صير الباب وإنه لفي الحديد، وما أعلم في الأرض حبة عنب تؤكل، وإن في يده لقطف عنب مثل رأس الرجل يأكل منه، وما هو إلا رزق رزقه اللَّه، وكان خبيب يتهجد بالقرآن، وكان يسمعه النساء فيبكين ويرققن عليه، قالت: فقلت له: يا خبيب، هل لك من حاجة؟ قال: لا، إلا أن تسقيني العذب، ولا تطعميني ما ذبح على النصب، وتخبريني إذا أرادوا قتلي، قالت: فلما انسلخت الأشهر الحرم وأجمعوا على قتله أتيته فأخبرته، فو اللَّه ما رأيته اكترث لذلك، وقال: ابعثي لي بحديدة أستصلح بها، قالت: فبعثت إليه موسى مع ابني أبي حسين، فلما ولى الغلام قلت: أدرك واللَّه الرجل ثأره، أي شيء صنعت؟ بعثت هذا الغلام بهذه الحديدة، فيقتله ويقول: «رجل برجل» فلما أتاه ابني بالحديدة تناولها منه، ثم قال ممازحا له: وأبيك إنك لجريء! أما خشيت أمك غدري حين بعثت معك بحديدة وأنتم تريدون قتلي؟ قالت ماوية: وأنا أسمع ذلك فقلت: يا خبيب، إنما أمنتك بأمان اللَّه وأعطيتك بإلهك، ولم أعطك لتقتل ابني، فقال خبيب: ما كنت لأقتله، وما نستحل في ديننا الغدر، ثم أخبرته أنهم مخرجوه فقاتلوه بالغداة، قال: فأخرجوه بالحديد حتى انتهوا به إلى التنعيم، وخرج معه النساء والصبيان والعبيد وجماعة من أهل مكة، فلم يتخلف أحد، إما موتور فهو يريد أن يتشافي بالنظر من وتره، وأما غير موتور فهو مخالف للإسلام وأهله، فلما انتهوا به إلى التنعيم، ومعه زيد بن الدّثنّة، فأمروا بخشبة طويلة فحفر لها، فلما انتهوا بخبيب إلى خشبته قال: هل أنتم تاركي فأصلي ركعتين؟ قالوا: نعم، فركع ركعتين أتمهما من غير أن يطول فيهما. فحدثني معمر، عن الزهريّ، عن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن العلاء، عن أبي هريرة، قال: أول من سن الركعتين عند القتل خبيب. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 276 قالوا: ثم قال: أما واللَّه لولا أن تروا أني جزعت من الموت لاستكثرت من الصلاة، ثم قال: اللَّهمّ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا. فقال معاوية بن أبي سفيان: لقد حضرت دعوته ولقد رأيتني وإن أبا سفيان ليضجعني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب، ولقد جبذني يومئذ أبو سفيان جبذة، فسقطت على عجب ذنبي فلم أزل أشتكي السقطة زمانا. وقال حويطب بن عبد العزى: لقد رأيتني أدخلت إصبعي في أذني وعدوت هربا فرقا أن أسمع دعاؤه. وقال حكيم بن حزام: لقد رأيتني أتوارى بالشجر فرقا من دعوة خبيب منهم أحدا. فحدثني عبد اللَّه بن يزيد قال: حدثني بن عمرو قال: سمعت جبير بن مطعم يقول: لقد رأيتني يومئذ أتستر بالرجال فرقا من أن أشرف لدعوته. وقال الحارث بن برصاء: واللَّه ما ظننت أن تغادر دعوة خبيب منهم أحد وحدثني عبد اللَّه، قال: سمعت عمرو بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سعيد بن عامر بن حذيم الجمحيّ على حمص، وكانت تصيبه غشية وهو بين ظهري أصحابه، فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فسأله في قدمة قدم عليه من حمص فقال: يا سعيد ما الّذي يصيبك؟ أبك جنة؟ قال: لا واللَّه يا أمير المؤمنين، ولكني كنت فيمن حضر خبيبا حين قتل وسمعت دعوته، فو اللَّه ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس إلا غشي علي، قال: فزادته عند عمر خيرا. وحدثني قدامة بن موسى، عن عبد العزيز بن رمانة، عن عروة بن الزبير، عن نوفل بن معاوية الديليّ، قال: حضرت يومئذ دعوة خبيب، فما كنت أرى أن أحدا ممن حضر ينفلت من دعوته، ولقد كنت قائما فأخلدت إلى الأرض فرقا من دعوته، ولقد مكثت قريش شهرا أو أكثر وما لها حديث في أنديتها إلا دعوة خبيب. قالوا: فلما صلى ركعتين حملوه إلى الخشبة، ثم وجهوه إلى المدينة وأوثقوه رباطا، ثم قالوا: أرجع عن الإسلام، نخل سبيلك! قال: لا واللَّه ما أحب أني رجعت عن الإسلام وأن لي ما في الأرض جميعا! قالوا: فتحب أن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 277 محمدا في مكانك وأنت جالس في بيتك؟ قال: واللَّه ما أحب أن يشاك محمد بشوكة وأنا جالس في بيتي، فجعلوا يقولون: ارجع يا خبيب! قال: لا أرجع أبدا! قالوا: أما واللات والعزى، لئن لم تفعل لنقتلنك! فقال: إن قتلي في اللَّه لقليل! فلما أبى عليهم وقد جعلوا وجهه من حيث جاء، قال: أما صرفكم وجهي عن القبلة فإن اللَّه يقول: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [ (1) ] ، ثم قال: اللَّهمّ إني لا أرى إلا وجه عدو، اللَّهمّ أنه ليس ها هنا أحد يبلغ رسولك السلام عني، فبلغه أنت عني السلام. فحدثني أسامة بن زيد، عن أبيه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان جالسا مع أصحابه، فأخذته غمية كما كان يأخذه إذا أنزل عليه الوحي، قال: ثم سمعناه يقول: وعليه السلام ورحمة اللَّه، ثم قال: هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام، قال: ثم دعوا أبناء من أبناء من قتل ببدر فوجدوهم أربعين غلاما، فأعطوا كل غلام رمحا، ثم قالوا: هذا الّذي قتل آباءكم، فطعنوه برماحهم طعنا خفيفا، فاضطرب على الخشبة فانقلب، فصار وجهه إلى الكعبة، فقال: الحمد للَّه الّذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضي لنفسه ولنبيه وللمؤمنين! وكان الذين أجلبوا على قتل خبيب: عكرمة بن أبي جهل، وسعيد بن عبد اللَّه بن قيس، والأخنس بن شريق، وعبيدة بن حكيم بن أمية بن الأوقص السلميّ، وكان عقبة بن الحارث بن عامر ممن حضر، وكان يقول: واللَّه ما أنا قتلت خبيبا إن كنت يومئذ لغلاما صغيرا، ولكن رجلا من بني عبد الدار يقال له أبو ميسرة من عوف بن السباق أخذ بيدي فوضعها على الحربة، ثم أمسك بيدي، ثم جعل يطعن بيده حتى قتله، فلما طعنه بالحربة أفلت، فصاحوا: يا أبا سروعة، بئس ما طعنه أبو ميسرة! فطعنه أبو سروعة حتى أخرجها من ظهره، فمكث ساعة يوحد اللَّه ويشهد أن محمدا رسول اللَّه. يقول الأخنس بن شريق: لو ترك ذكر محمد على حال لتركه على هذه الحال، ما رأينا قط والدا يجد بوالده ما يجد أصحاب محمد بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم.   [ (1) ] البقرة: 115. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 278 قالوا: وكان زيد بن الدّثنّة عند آل صفوان بن أمية محبوسا في حديد، وكان يتهجد بالليل ويصوم بالنهار، ولا يأكل شيئا مما أوتي به من الذبائح، فشق ذلك على صفوان، وكانوا قد أحسنوا إساره، فأرسل إليه صفوان: فما الّذي تأكل من الطعام؟ قال: لست آكل مما ذبح لغير اللَّه، ولكني أشرب اللبن، وكان يصوم، فأمر له صفوان بعس من اللبن عند فطره فيشرب منه حتى يكون مثلها من القابلة، فلما خرج به وبخبيب في يوم واحد التقيا، ومع كل واحد منهما فئام من الناس، فالتزم كل منهما صاحبه، وأوصى كل واحد منهما صاحبه بالصبر على ما أصابه، ثم افترقا، وكان الّذي ولى قتل زيد نسطاس غلام صفوان، خرج به إلى التنعيم فرفعوا له جزعا، فقال: أصلي ركعتين فصلى ركعتين، ثم حملوه على الخشبة، ثم جعلوا يقولون لزيد: أرجع عن دينك المحدث وأتبع ديننا، ونرسلك! قال: لا واللَّه، لا أفارق ديني أبدا! قالوا: أيسرك أن محمدا في أيدينا مكانك وأنت في بيتك؟ قال: ما يسرني أن محمد أشيك بشوكة وأني في بيتي! قال: يقول أبو سفيان بن حرب: لا، ما رأينا أصحاب رجل قط أشد له حبا من أصحاب محمد بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال حسان بن ثابت، صحيحة سمعتها من يونس بن محمد الظفري: فليت خبيبا لم تخنه أمانة ... وليت خبيبا كان بالقوم عالما شراه زهير بن الأغر وجامع ... وكانا قديما يركبان المحارما أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم ... وكنتم بأكناف الرجيع اللهازما وقال حسان بن ثابت، ثبته قديمة: لو كان في الدار قرم ذو محافظة ... حامي الحقيقة ماض في خاله أنس إذن حللت خبيبا منزلا فسحا ... ولم يشد عليك الكبل والحرس ولم تقدك إلى التنعيم زعنفة ... من المعاشر ممن قد نفت عدس فأصبر خبيب فإن القتل مكرمة ... إلى جنان نعيم ترجع النفس دلوك غدرا وهم فيها أولو خلف ... وأنت ضيف لهم في الدار محتبس وقد ذكر يونس بن بكير بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة هذه القصة وزاد فيها أن قدوم النفر من القادة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة بعد أحد وزاد أن خبيبا قال: حين بلغه أن القوم قد اجتمعوا على صلبه أبياتا: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 279 لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع وكلهم مبري العداوة جاهد ... علي لأني في وثاق بمضجع وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جزع طويل ممنع إلى اللَّه أشكو غربتي ثم كربتي ... وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي فذا العرش، صبرني على ما يراد بي ... فقد بضعوا لحمي وقد بأس مطمعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع وقد خيروني الكفر والموت دونه ... وقد هملت عيناي من غير مجزع وما بي حذار الموت إني لميت ... ولكن حذاري حجم نار ملفع فو اللَّه ما أرجو إذا مت مسلما ... على أي جنب كان في اللَّه مصرعي فلست بمبد العدو تخشعا ... ولا جزعا إني إلى اللَّه مرجعي وذكر عبد اللَّه بن وهب قال: حدثنا عمر بن الحرث بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه الزهريّ أخبره عن بريدة بن سفيان الأسلمي، فذكر القصة، وزاد فيها رفع خبيب على الخشبة أستقبل الدعاء. قال رجل: فلما رأيته يدعوا لبثت بالأرض، فلم يحل الحول ومنهم أحد غير ذلك الرجل الّذي لبث بالأرض. وقال يونس عن إبراهيم بن إسماعيل: حدثني جعفر بن عمرو بن أمية الضمريّ أن أباه حدثه عن جده- وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثه عينا وحده- قال: جئت إلى خشبة خبيب، فرقيت فيها وأنا أخوف العيون، فأطلقته، فوقع بالأرض، ثم اقتحمه فانتبذت قليلا، ثم التفت فكأنما ابتلعته الأرض. ذكره جعفر بن عون، عن إبراهيم بن إسماعيل، فذكره بمعناه إلا أنه قال: فانتبذت غير بعيد، فلم أر خبيبا فكأنما ابتلعته الأرض، فلم يذكر لخبيب رمة حتى الساعة. قال كاتبه: قد تضمن هذا الخبر عشرة أعلام من أعلام النبوة: أن الدبر جمعت عاصما حتى لم تمسه أيدي المشركين، ومنها أن السيل غيبه، ومنها أكل خبيب العنب في غير أوانه، وهي كرامة كما قصه اللَّه- تعالى- من شأن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 280 مريم كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً [ (1) ] ومنها ثباته، وثبات زيد على دين الإسلام، ومحبة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم مع عظيم ما جمع فيه من المحبة العظيمة في ذلك، ومنها تغييب رمة خبيب عن المشركين بعد صلبه، ومنها توجيه اللَّه تعالى له إلى نحو الكعبة بعد صرفهم إياه عنها، ومنها إعلام اللَّه- تعالى- رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بما نزل بالقوم، وإبلاغه تعالى سلام خبيب له، ومنها إجابة اللَّه دعوة خبيب، وهلاك من شهد قتله من عامة كل ذلك تكرمة من اللَّه لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم.   [ (1) ] آل عمران: 37. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 281 وأما حماية اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم ممن بعثه أبو سفيان بن حرب ليقتله وتخليصه تعالى عمرو بن أمية الضمريّ ومن معه من فتك المشركين وتأييدهما عليهم حتى قتلا منهم وأسرا قال الواقدي [ (1) ] : حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه قال: وحدثنا عبد اللَّه بن أبي عبيدة، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمريّ، قال: وحدثنا عبد اللَّه بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون، وزاد بعضهم على بعض قال: كان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة: ما أحد يغتال محمدا فإنه يمشي في الأسواق فندرك ثأرنا، فأتاه رجل من العرب فدخل عليه منزله، وقال له: إن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله فإنّي هاد بالطريق خريت، ومعي خنجر مثل خافية النسر، قال: أنت صاحبنا فأعطاه بعيرا ونفقة وقال: أطو أمرك فإنّي لا آمن أن يسمع هذا أحد فينمه إلى محمد، قال العربيّ: لا يعلم به أحد. فخرج ليلا على راحلته فسار خمسا وصبح ظهر الحرة، صبح سادسة، ثم أقبل يسأل عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أتى المصلي، فقال له قائل: قد توجه إلى بني عبد الأشهل، فخرج يقود راحلته حتى انتهى إلى بنى عبد الأشهل، فعقل راحلته، ثم أقبل يؤم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوجده في جماعة من أصحابه يحدث في مسجدهم، فدخل، فلما رآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال لأصحابه: إن هذا الرجل يريد غدرا واللَّه حائل بينه وبين ما يريد. فوقف، فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا ابن عبد المطلب، فذهب ينحني على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأنه يساره، فجبذه أسيد بن الحضير، وقال له: تنح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجبذ بداخله إزاره، فإذا الخنجر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا غادر، وسقط في يدي العربيّ، وقال: دمي دمي يا محمد، وأخذ أسيد يلبب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اصدقني: ما أنت؟ وما أقدمك؟   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 3/ 333- 337. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 282 فإن صدقتني نفعك الصدق، وإن كذبتني فقد أطلعت على ما هممت به، قال العربيّ: فأنا آمن؟ قال فأنت آمن، فأخبره بخير أبي سفيان وما جعل له، فأمر به فحبس عند أسيد، ثم دعا به من الغد فقال: قد أمنتك، فأذهب حيث شئت، أو خير لك من ذلك، قال: وما وهو؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه، قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك رسول اللَّه، واللَّه يا محمد ما كنت أفرق الرجال فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي، وضعفت نفسي، ثم اطلعت على ما هممت به مما سبقت به الركبان، ولم يعلمه أحد، فعرفت أنك ممنوع، وأنك على حق، وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبسم، وأقام أياما ثم استأذن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج من عنده فلم يسمع له بذكر. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعمرو بن أمية الضمريّ، ولسلمة بن أسلم بن حريش: أخرجا حتى تأتيا أبا سفيان بن حرب، فإن أصبتما منه غرة فاقتلاه، قال عمرو: فخرجت أنا وصاحبي حتى أتينا بطن [يأجج] فقيدنا بعيرنا، فقال لي صاحبي: يا عمرو هل لك في أن نأتي مكة ونطوف بالبيت سبعا، ونصلي ركعتين؟ فقلت: إني أعرف بمكة من الفرس الأبلق، وأنهم أن رأوني عرفوني، وأنا أعرف أهل مكة إنهم إذا أمسوا أنفجعوا بأفنيتهم، فأبى أن يطيعني، فأتينا مكة فطفنا سبعا وصلينا ركعتين، فلما خرجت لقيني معاوية بن أبي سفيان فعرفني وقال عمرو بن أمية: [وأحزناه] فأخبر أباه فنيد بنا أهل مكة، فقالوا: ما جاء عمرو في خير- وكان عمرو رجلا فاتكا في الجاهلية- فحشد أهل مكة، وتجمعوا، وهرب عمرو، وسلمة، وخرجوا في طلبهما، واشتدوا في الجبل قال عمرو: فدخلت غارا فتغيبت عنهم، حتى أصبحت وباتوا يطلبون في الجبل، وعمى اللَّه عليهم طريق المدينة أن يهتدوا لراحلتنا فلما كان الغد ضحوة أقبل عثمان بن مالك بن عبيد اللَّه التيمي يختلي لفرسه حشيشا، فقلت لسلمة بن أسلم: إن أبصرنا أشعر بنا أهل مكة، وقد أقصروا عنا فلم يزل يدنو من باب الغار حتى أشرف علينا وخرجت فطعنته طعنة تحت الثدي بخنجري فسقط وصاح، وأسمع أهل مكة، فأقبلوا بعد تفرقهم، ودخلت الغار فقلت لصاحبي: لا تحرك وأقبلوا حتى أتوا عثمان بن مالك، فقالوا: من قتلك؟ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 283 قال عمرو بن أمية قال أبو سفيان: وما علمنا أنه لم يأت بعمرو خير، ولم يستطع أن يخبرهم بمكاننا كان بآخر رمق ومات، وشغلوا عن طلبنا بصاحبهم يحملونه، فمكثنا ليلتين في مكاننا، ثم خرجنا، فقال صاحبي: يا عمرو بن أمية، هل لك في خبيب بن عدي ننزله؟ فقلت له: أين هو؟ قال: هو ذاك مصلوب حوله الحرس، فقلت: أمهلني وتنح عني فإن خشيت شيئا فانح إلى بعيرك فأقعد عليه وأت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره الخبر، ودعني فإنّي عالم بالمدينة، ثم اشتددت عليه حتى حللته فحملته على ظهري فما مشيت به إلا عشرين ذراعا حتى استيقظوا فخرجوا في طلب أثري، فطرحت الخشبة، فما أنسي وقعها دب، يعني صوتها، ثم أهلت عليه من التراب برجلي فأخذت بهم طريق الصفراء فأعبوا فرجعوا وكنت لا أدرك مع بقاء نفس، فأنطلق صاحبي إلى البعير فركبه، وأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، وأقبلت حتى أشرفت على الغليل: غليل ضجنان فدخلت في غار فيه معي قوس وأسهم وخنجر، فبينا أنا فيه إذ أقبل رجل من بني بكر من بني الدئل أعور طويل يسوق غنما ومعزى، فدخل على الغار، فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني بكر، فقال: وأنا من بني بكر، ثم اتكأ، فرفع عقيرته يتغنى يقول: فلست بمسلم ما دمت حيا ... ولست أدين دين المسلمينا فقلت في نفسي: واللَّه إني لأرجو أن أقتلك، فلما نام قمت إليه، فقتلته شر قتلة قتلها أحد قط، ثم خرجت حتى هبطت، فلما أسهلت في الطريق إذا رجلان بعثتهما قريش يتجسسان الأخبار، فقلت: استأسرا فأبى أحدهما فرميته فقتلته، فلما رأى ذلك الآخر استأسر فشددته وثاقا، ثم أقبلت به إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما قدمت المدينة رآني صبيان وهم يلعبون وسمعوا أشياخهم يقولون: هذا عمرو، فاشتد الصبيان إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأخبروه، وأتيته بالرجل قد ربطت إبهاميه بوتر قوسي، فلقد رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يضحك، ثم دعا لي بخير، وكان قدوم سلمة قبل قدوم عمرو بثلاثة أيام. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 284 وأما رفع عامر بن فهيرة بعد قتله في بعث بئر معونة فخرّج البخاريّ قصة بئر معونة في (المغازي) [ (1) ] من حديث يزيد بن زريع حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، ومن حديث همام، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن أنس بن أبي طلحة، حدثني أنس. ومن حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن أنس، وخرّجها في غزوة الرجيع من حديث أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، ثم قال: وعن أسامة قال: قال هشام بن عروة: فأخبرني أبي قال: لما قتل الذين ببئر معونة، وأسر عمرو بن أمية الضمريّ قال له عامر بن الطفيل: من هذا؟ وأشار إلى قتيل، فقال له عمرو بن أمية: هذا عامر بن فهيرة، فقال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه، وبين الأرض، ثم وضع فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خبرهم، فنعاهم الحديث. وذكر الواقدي خبر بعث بئر معونة، ثم قال عامر بن الطفيل لعمرو بن أمية: هل تعرف أصحابك؟ قال: قلت: نعم، قال: فطاف فيهم، وجعل يسأله عن أنسابهم، فقال: هل تفقد منهم عن أحد؟ قال: أفقد مولى لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقال له عامر بن فهيرة، فقال: كيف كان فيكم؟ قال: قلت: كان من أفضلنا، ومن أول أصحاب نبينا إسلاما. قال: ألا أخبرك خبره؟ وأشار إلى رجل، فقال: هذا طعنه برمحه، ثم انتزع رمحه، فذهب بالرجل علوا في السماء حتى واللَّه ما أراه، قال عمرو، فقلت ذلك عامر بن فهيرة كان الّذي قتله من بني كلاب يقال له جبار بن سلمي، ذكر أنه لما طعنه قال: سمعته يقول: فزت واللَّه، قال: فقلت في نفسي: ما قوله فزت؟ قال: فأتيت الضحاك بن سفيان الكلابي، فأخبرته بما كان، وسألته عن قوله: فزت، فقال: الجنة، قال: وعرض علي الإسلام، قال: فأسلمت، ودعاني إلى الإسلام ما رأيت من مقتل عامر بن فهيرة، ورفعه إلى السماء   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 349. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 285 علوا قال: وكتب الضحاك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخبره بإسلامي، وما رأيت من مقتل عامر بن فهيرة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فإن الملائكة وارت جثته! وأنزل عليين. وأما إعلام اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم يهاجم به المشركون من الميل على المسلمين إذ أضلوا ليقتلوهم فخرّج مسلم [ (1) ] من حديث زهير، حدثنا أبو الزبير، عن جابر قال: غزونا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قوما من جهينة فقاتلونا قتالا شديدا، فلما صلينا الظهر قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم، فأخبر جبريل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك، فذكر ذلك لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: وقالوا: إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد، فلما حضرت العصر قال: صفنا صفين والمشركين بيننا وبين القبلة، قال: فكبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكبرنا وركع فركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، فلما قاموا سجد الصف الثاني، ثم تأخر الصف الأول، وتقدم الصف الثاني، فقاموا مقام الأول فكبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكبرنا، وركع فركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، وقام الثاني، فلما سجد الصف الثاني، ثم جلسوا جميعا سلم عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال أبو الزبير: ثم خص جابر أن قال: كما يصلي أمراؤكم هؤلاء. وخرّج أبو داود [ (2) ] من حديث سعيد بن منصور، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي عياش الزرقيّ قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد، فصلينا الظهر، فقال   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 375، كتاب صلاة المسافر وقصرها، باب (57) صلاة الخوف، حديث رقم (308) . [ (2) ] (سنن أبي داود) : 2/ 28- 29، كتاب الصلاة باب (281) صلاة الخوف، حديث رقم (1236) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 286 المشركون: لقد أصبنا غرة، لقد أصبنا غفلة، لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة، فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر، فلما حضرت العصر قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستقبل القبلة، والمشركون أمامه، فصف خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صف، وصف بعد ذلك الصف صف آخر، فركع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وركعوا جميعا، ثم سجد وسجد الصف الذين يلونه، وقام الآخرون يحرسونهم فلما صلى هؤلاء السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الّذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدم الصف الأخير إلى مقام الصف الأول، ثم ركع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وركعوا جميعا، ثم سجد وسجد الصف الّذي يليه، وقام الآخرون يحرسونهم، فلما جلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والصف الّذي يليه سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعا، فسلم عليهم جميعا، فصلاها بعسفان، وصلاها يوم بني سليم. قال أبو داود: روى أيوب، وهشام عن أبي الزبير، عن جابر هذا المعنى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكذلك رواه داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس وكذلك عبد الملك، عن عطاء، عن جابر، وكذلك قتادة، عن الحسن، عن حطان، عن أبي موسى فعله، وكذلك عكرمة بن خالد، عن مجاهد، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكذلك هشام بن عروة، عن أبيه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال كاتبه: في رواية أبي داود زيادة ذكر الموضع الّذي صلى فيه، وقول أبي عياش: وعلى المشركين خالد بن الوليد، وهو قول الثوري. وذكر الواقدي، عن خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قصة إسلامه قال: فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الحديبيّة خرجت في خيل المشركين، فلقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه بعسفان، فقمت بإزائه، وتعرضت له فصلى بأصحابه الظهر أمامنا، فهممنا أن نغير عليه، ثم لم يعزم لنا فأطلع اللَّه نبيه على ما في أنفسنا من الهم به، فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو هشام عن أبي الزبير، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصحابه الظهر بنخل، فهم بهم المشركون، ثم قالوا: دعوهم فإن لهم صلاة بعد هذه أحب إليهم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 287 من أبنائهم، قال: فنزل جبريل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، فصلى العصر، وصفهم صفين ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أيديهم، والعدو بين يديّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكبروا جميعا، وركعوا جميعا، ثم سجد الذين يلونه، والآخرون قيام، فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون، ثم تقدم هؤلاء، وتأخر هؤلاء، وكبروا جميعا، وركعوا جميعا، ثم سجد الذين يلونهم والآخرون قيام، فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون. وأما حماية اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم من غورث بن الحارث، وكفايته أمره فخرّج البخاريّ من حديث شعيب، ومحمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب، عن سنان، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخبره أنه غزا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل نجد، فلما قفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قفل معه، فأدركتهم القافلة في واد كثير العضاة، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتفرق الناس في العضاة يستظلون بالشجر، ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحت الشجرة، فعلق بها سيفه. قال جابر: فنمنا نومة، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فأستيقظت وهو في يده صلتا فقال لي: من يمنعك منى؟ قلت: اللَّه، فها هو ذا جالس، ثم لم يعاقبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وقال: أبان حدثنا يحيي بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فجاء رجل من المشركين، وسيف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم معلق بالشجرة. فاخترطه، فقال له: تخافني؟ قال: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال: اللَّه فتهدده أصحاب النبي   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 541- 542، كتاب المغازي، باب (32) غزوة ذات الرقاع، وهي غزوة محارب خصفة منن بني ثعلبة من غطفان فنزل نخلا، وهي بعد خيبر، لأن أبا موسى جاء بعد خيبر، حديث رقم (4135) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 288 صلّى اللَّه عليه وسلّم وأقيمت الصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أربع، وللقوم ركعتان. وقال مسدد: عن أبي عوانة، عن أبي بشر أسم الرجل غورث بن الحارث، وقاتل فيها محارب خصفة [ (1) ] . وخرج البخاريّ أيضا من طريق عبد الرزاق حدثنا معمر، عن الزهريّ، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: غزونا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوة نجد، فلما أدركته القائلة وهو في واد كثير العضاة، فنزل تحت شجرة، وأستظل بها، وعلق سيفه فتفرق الناس في الشجرة يستظلون، وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجئنا فإذا أعرابى قاعد بين يديه، فقال: إن هذا أتانى وأنا نائم، فأخترط سيفي، فأستيقظت وهو قائم على رأسي مخترط سيفي صلتا، قال: من يمنعك مني؟ قلت: اللَّه، فشامه، ثم قعد، فهو هذا، قال: ولم يعاقبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . ذكره في غزوة ذات الرقاع [ (3) ] ، وغزوة المريسيع [ (4) ] . وخرّجه النسائي [ (5) ] وخرّجه البيهقيّ [ (6) ] من طريق أبي بكر الإسماعيليّ قال: أخبرنا محمد بن يحيي المروزي، قال: حدثنا عاصم هو ابن عليّ، قالا: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر، قال: قاتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محارب خصفة بنخل، فرأوا من المسلمين غرة، فجاء رجل يقال له غورث بن الحارث، حتى قام على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسيف، فقال:   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4136) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 545، كتاب المغازي، باب (33) غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع، قال ابن إسحاق: وذلك سنة ست، وقال موسى بن عقبة: سنة أربع، وقال النعمان بن راشد عن الزهريّ: كان حديث الإفك في غزوة المريسيع، حديث رقم (4139) . [ (3) ] (سبق تخريجه) . [ (4) ] (سبق تخريجه) . [ (5) ] (لعله في الكبرى) . [ (6) ] (دلائل البيهقيّ) : 3/ 375- 376. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 289 من يمنعك مني؟ قال: اللَّه، قال: فسقط السيف من يده، قال: فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم السيف، فقال: من يمنعك مني؟ قال: كن خير آخذ، قال: تشهد أن لا إله إلا اللَّه وإني رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فأتى أصحابه وقال: جئتكم من عند خير الناس، ثم ذكر صلاة الخوف، وأنه صلى أربع ركعات، لكل طائفة ركعتين. قال البيهقيّ: هذا لفظ حديث عاصم، وفي رواية عارم قال الأعرابي: أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، قال: فخلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه، فجاء إلى قومه، فقال: جئتكم من عند خير الناس، فلما حضرت الصلاة صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة الخوف، فكان الناس طائفتين بإزاء عدوهم، وطائفة تصلي مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فصلى بالطائفة الذين معه ركعتين، ثم انصرفوا فكانوا مع أولئك الذين بإزاء عدوهم، وجاء أولئك، فصلى بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ركعتين، فكانت للناس ركعتين ركعتين وللنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أربع ركعات. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 290 وأما إشارة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم حين ضرب بالفأس في حفر الخندق وإلى ما فتحه اللَّه من المدائن لأمته فخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق ابن وهب، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج يوم الخندق وهم محدقون حول المدينة فتناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الفأس فضرب بها ضربة فقال: هذه الضربة يفتح اللَّه- تعالى- بها كنوز الروم، ثم ضرب الثانية فقال: هذه الضربة يفتح اللَّه- تعالى- بها كنوز فارس، ثم ضرب الثالثة فقال: هذه الضربة يأتيني اللَّه- عزّ وجلّ- بأهل اليمن أنصارا وأعوانا. وخرجه البيهقيّ [ (2) ] من طريق محمد بن عبد اللَّه الحافظ قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علّون المقري ببغداد، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يونس القرشيّ، قال: حدثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: حدثنا كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف المزنيّ قال: حدثني أبي عن أبيه قال: خط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخندق عام الأحزاب من أجم السّمر طرف بني حارثة حين بلغ المداد، ثم قطع أربعين ذراعا بين كل عشرة، فاختلف المهاجرون والأنصار- في سلمان الفارسيّ- وكان رجلا قويا- فقالت الأنصار: سلمان منا، وقالت المهاجرون: سلمان منا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سلمان منا أهل البيت. قال عمر بن عوف: فكنت أنا، وسلمان، وحذيفة بن اليمان، والنعمان ابن مقرّن، وستة من الأنصار في أربعين ذراعا، فحضرنا حتى إذا بلغنا الثديّ أخرج اللَّه من بطن الخندق صخرة بيضاء مدورة، فكسرت حديدنا، وشقّت   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 498- 499، من الأخبار في غزوة الخندق، حديث رقم (429) ، أخرجه الطبراني بإسنادين في أحدهما حييّ بن عبد اللَّه، وثقه ابن معين، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح، كما في (مجمع الزوائد) : 6/ 131. [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 3/ 418- 420، باب ما ظهر في حفر الخندق من دلائل النبوة وآثار الصدق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 291 علينا، فقلنا: يا سلمان، ارق إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره خبر هذه الصخرة، فإنا إن نعدل عنها فإن المعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه، فرقى سلمان حتى أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول اللَّه، بأبينا أنت وأمنا، خرجت لنا صخرة بيضاء من الخندق مروه فكسرت حديدنا، وشقت علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمرك، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك، فهبط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع سلمان في الخندق، ورقينا عن الشقة في شقة الخندق، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المعول من سلمان فضرب الصخرة ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاء ما بين لابتيها- يعني لابتي المدينة- حتى لكأن مصباحا في جوف ليل مظلم، فكبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تكبيرة فتح، فكبر المسلمون. ثم ضربها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الثانية، فكسرها، وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تكبيرة فتح، فكبر المسلمون. ثم أخذ بيد سلمان فرقى، فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه! لقد رأيت شيئا ما رأيته قط، فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى القوم، فقال: هل رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا: نعم يا رسول اللَّه، بأبينا أنت وأمنا، قد رأيناك تضرب، فخرج برق كالموج فرأيناك تكبر، ولا نرى شيئا غير ذلك، فقال: صدقتم، ضربت ضربتي الأولى، فبرق الّذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى، كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت ضربتي الثانية، فبرق الّذي رأيتم، أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق منها، الّذي رأيتم، أضاءت منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا يبلغهم النصر، وأبشروا يبلغهم النصر، وأبشروا يبلغهم النصر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 292 فاستبشر المسلمون، وقالوا: الحمد اللَّه موعود صادق بأن اللَّه وعدنا النصر بعد الحصر، فطلعت الأحزاب، فقال المسلمون: هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً [ (1) ] . وقال المنافقون: ألا تعجبون!؟ يحدثكم ويمنيكم، ويعدكم بالباطل، يخبركم أنه بصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق، ولا تسطيعون أن تبرزوا!!. فأنزل القرآن: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [ (2) ] . وله من حديث هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف عن ميمون، قال: حدثني البراء بن عازب قال: لما كان حين أمرنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول، فشكونا ذلك إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجاء فلما رآها ألقى ثوبة، وأخذ المعول، فقال: بسم اللَّه، ثم ضرب ضربة فكسر ثلثها، فقال: اللَّه أكبر أعطيت مفاتيح الشام واللَّه إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية، وقال: بسم اللَّه، فقطع ثلثا آخر، فقال: اللَّه أكبر أعطيت مفاتيح فارس، واللَّه إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة، وقال بسم اللَّه، فقطع بقية الحجر، فقال: اللَّه أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، واللَّه إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة [ (3) ] . ومن طريق محمد بن إسحاق قال: حدثنا سعيد بن يحيى قال: حدثني أبي قال: ابن إسحاق: فحدثني من سمع حميلا يتحدث، عن أنس بن مالك قال: قسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخندق بين المهاجرين والأنصار، وظل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومه ذلك بعمل فضرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمعوله ضربة، وبرقت برقة، فخرج نور من قبل اليمن، ثم ضرب أخرى فخرج نور من قبل فارس، فعجب سلمان من   [ (1) ] الأحزاب: 22. [ (2) ] الأحزاب: 12. [ (3) ] (المرجع السابق) : 241، باختلاف يسير في اللفظ. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 293 ذلك فقال رسول اللَّه: أرأيت؟ قلت: نعم، قال: لقد أضاء لي أبيض المدائن، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه قد بشرني في مقامي هذا بفتح اليمن، والروم، وفارس. وقال: محمد بن إسحاق، عن الكلبي عن أبي صالح، عن سلمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ضربت في ناحية الخندق فعصت عليّ صخرة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قريب مني فلما رآني أضرب، ورأى شدة المكان [جاء] فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب به ضربة أخرى، فلمعت برقة أخرى، قال: فقلت: بأبي أنت وأمي! ما هذا الّذي رأيت تحت المعول؟ قال: وقد رأيت ذلك يا سلمان؟ قلت: نعم، قال: أما الأولى فإن اللَّه فتح بها عليّ اليمن، وأما الثانية فإن اللَّه فتح بها عليّ الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن اللَّه فتح بها عليّ المشرق. ومن طريق الحسن بن سفيان قال: حدثنا عبد الرحمن بن المتوكل، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا محمد بن أبي يحيى عن العباس بن سهل، بن سعد، عن أبيه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخندق، فأخذ الكرزن [ (1) ] فحفره، فصادف حجرا فضحك، فقيل: لم ضحكت يا رسول اللَّه؟ قال: ضحكت من ناس يؤتي بهم من قبل المشرق في الكبول يساقون إلى الجنة، وهو كارهون. قال أبو نعيم: فأخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم بانتشار المسلمين وظهورهم حتى يسبوا سبايا الأمم مقيدين مسوقين إلى بلاد الإسلام يسترقون فيسلمون. وقال الواقدي في (مغازيه) : وحدثني أبيّ بن عباس بن سهل عن أبيه، عن جده قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الخندق، فأخذ الكرزن [ (2) ] ، وضرب   [ (1) ] الكرزن والكرزين: قال أبو حنيفة: الكرزن، بفتح الكاف والزاى جميعا، الفأس لها حدّ، وفي الحديث عن العباس بن سهل عن أبيه قال: كنت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الخندق فأخذ الكرزين يحفر في حجر إذ ضحك، فسئل: ما أضحك؟ فقال: من ناس يؤتى بهم من قبل المشرق في الكبول يساقون إلى الجنة وهم كارهون، قال: أبو عمرو: إذا كان لها حد واحد فهي فأس وكرزن وكرزن، والجمع كرازين وكرازن. (لسان العرب) : 13/ 358. [ (2) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 294 به، [فصادف حجرا] ، فصلّ الحجر فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقيل: يا رسول اللَّه مم تضحك؟ قال: أضحك من قوم يؤتي بهم من المشرق في الكبول يساقون إلى الجنة وهم كارهون [ (1) ] . وحدثني عاصم بن عبد اللَّه الحكمي، عن عمر بن الحكم قال: كان عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يضرب يومئذ بالمعول، فصادف حجرا صلدا، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المعول وهو عند جبل بني عبيد، فضرب ضربة فذهبت أولها برقة إلى اليمن، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة إلى الشام، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة نحو المشرق، وكسر الحجر عند الثالثة، فكان عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: والّذي بعثه بالحق لصار كأنه سهلة [ (2) ] ، وكان كلما ضرب ضربه تبعه سليمان ببصره فيبصر عند كل ضربه برقة، فقال سلمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه رأيت المعول كلما ضربت به أضاء ما تحته، فقال: أليس قد رأيت ذلك؟ قال: نعم. قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إني رأيت في الأولى قصور الشام، ثم رأيت في الثانية قصور اليمن، ورأيت في الثالثة قصر كسرى الأبيض بالمدائن، وجعل يصفه لسلمان، فقال: صدقت والّذي بعثك بالحق إن هذه لصفته، وأشهد أنك رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذه فتوح يفتحها اللَّه عليكم بعدي يا سليمان، لتفتحن الشام ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته، وتظهرون على الشام فلا ينازعكم أحد، ولتفتحن اليمن، ولتفتحن هذا المشرق، ويقتل كسرى فلا يكون [كسرى] بعده، قال سلمان: فكل هذا قد رأيت [ (3) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 449، وما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط. [ (2) ] السهلة: رمل ليس بالدقاق. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 449- 450، وما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 295 وأما إخبار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأن المشركين بعد الخندق لا يغزون المسلمين، وكان كذلك فخرّج البخاريّ من حديث سفيان، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن صرد قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يوم الأحزاب نغزوهم، ولا يغزوننا [ (1) ] . ومن حديث إسرائيل قال: سمعت أبا إسحاق يقول: سمعت سليمان بن صرد يقول: «سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول حين أجلي الأحزاب عنه: الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم» [ (2) ] . وذكر يونس عن ابن إسحاق- رحمة اللَّه عليه- قال: انصرف أهل الخندق عن الخندق، قالوا: يا رسول اللَّه فما ندمنا لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم فلم تغزهم قريش بعد ذلك، وكان هو يغزوهم صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى فتح اللَّه- تعالى- عليه مكة شرفها اللَّه- تعالى- وعظمها [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 515، كتاب المغازي، باب (30) غزوة الخندق وهي الأحزاب، قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع، حديث رقم (4109) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4110) . [ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 3/ 457- 458، باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ذهاب الأحزاب الآن نغزوهم ولا يغزوننا فكان كما قال. وأخرجه البخاريّ في (الصحيح) من حديث يحيى بن آدم عن إسرائيل. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 296 وأما قذف اللَّه عز وجل الرعب في قلوب بني قريظة فخرّج البخاريّ [ (1) ] من حديث ابن نمير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قال: لما رجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الخندق، ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل عليه السلام، فقال: قد وضعت السلاح! واللَّه ما وضعناه فاخرج إليهم. قال: فإلى أين؟ قال: هاهنا، وأشار إلى قريظة، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم. وخرّجه مسلم. وخرّج البخاريّ في الجهاد من طريق عبدة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما رجع يوم الخندق، ووضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار فقال: وضعت السلاح؟ فو اللَّه ما وضعته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأين؟ قال: ها هنا وأومأ إلى بني قريظة، قال: فخرج إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ترجم عليه باب الغسل بعد الحرب والغبار [ (2) ] . وخرّج من طريق جرير بن حازم عن حميد بن هلال، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كأني انظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بني قريظة [ (3) ] . وذكر ابن إسحاق أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار، ونزلوا على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحكم   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 815، كتاب المغازي، باب (31) مرجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة، ومحاصرته إياهم، حديث رقم (4117) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 38، كتاب الجهاد والسير، باب (18) الغسل بعد الحرب والغبار، حديث رقم (2813) . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 518، كتاب المغازي، باب (31) مرجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة، ومحاصرته إياهم، حديث رقم (4118) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 297 فيهم إلى سعد بن معاذ الأوسي الأشهلي، فحكم فيهم بأن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبي الذراري والنساء [ (1) ] . وخرّج البيهقيّ من طريق بشر عن أبيه قال حدثنا الزهري: قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك أن عمه عبيد اللَّه بن كعب أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما رجع من طلب الأحزاب وضع عنه اللأمة، واغتسل، واستجمر فتبدّى له جبريل- عليه السلام- فقال: عذيرك [ (2) ] من محارب ألا أراك قد وضعت اللأمة، وما وضعناها بعد، قال: فوثب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فزعا، فعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر حتى يأتوا بني قريظة، قال: فلبس الناس السلاح، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس، فاختصم الناس عند الغروب، فقال بعضهم: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة، فإنما نحن في عزيمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فليس علينا إثم، وصلى طائفة من الناس احتسابا، وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس، فصلوا حين جاءوا بني قريظة احتسابا، فلم يعنف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واحدا من الفريقين [ (3) ] .   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 195، 199، والذراري: الذرّ النسل والذرية فعليه من الذر وهم الصغار، وتكون الذرية واحدا وجمعا، وفيها ثلاث لغات أفصحها ضم الذال، وبها قرأ السبعة، والثانية كسرها، ويروي عن زيد بن ثابت، والثالثة: فتح الذال مع تخفيف الراء، وبها قرأ أبان بن عثمان، وتجمع على ذريات، وقد تجمع على الذراريّ. [ (2) ] عذيرك: أي هات من يعذرك: فعيل بمعنى فاعل. [ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 4/ 7- 8، باب مرجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة، ومحاصرته إياهم، وما ظهر في رؤية من رأى من الصحابة جبريل- عليه السلام- في صورة دحية الكلبيّ، ثم قذف الرعب في قلوب بني قريظة وإنزالهم من حصونهم من آثار النبوة. وقد أخرجه الإمام أحمد والشيخان مختصرا، والحاكم مطولا عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ومن طريق جابر أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) ، والطبري في (التاريخ) عن عبد اللَّه بن أبي أوفى. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 298 وخرّج أيضا من حديث عبد اللَّه بن نافع قال: حدثنا عبد اللَّه بن عمر عن أخيه عبيد اللَّه بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان عندها، فسلم علينا رجل ونحن في البيت، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فزعا فقمت في أثره، فإذا بدحية الكلبي. فقال: هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة، فقال: قد وضعتم السلاح لكنا لا نضع طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الأسد [ (1) ] ، وذلك حين رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الخندق، فقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فزعا، فقال لأصحابه: عزمت عليكم أن لا تصلوا صلاة العصر حتى تأتوا بني قريظة، فغربت الشمس قبل أن يأتوهم، فقالت طائفة من المسلمين: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يرد أن ندع الصلاة، فصلوا. وقالت طائفة: واللَّه إنا لفي عزيمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وما علينا من إثم، فصلت طائفة إيمانا واحتسابا، وتركت طائفة إيمانا واحتسابا فلم فلم يعب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واحدا من الفريقين [ (2) ] .   [ (1) ] حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة، (معجم البلدان) : 2/ 346، موضع رقم (3908) . [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 4/ 8- 9، وقال في (هامشه) : وقد اختلف العلماء في المصيب من الصحابة يومئذ من هو؟ بل الإجماع على أن كلا من الفريقين مأجور ومعذور غير معنف، فقالت طائفة من العلماء: الذين أخروا الصلاة يومئذ عن وقتها المقدر لها حتى صلوها في بني قريظة هم المصيبون لأن الأمر يومئذ بتأخير الصلاة خاص فيقدم على عموم الأمر بها في وقتها المقدر لها شرعا، قال أبو محمد بن حزم الظاهري في كتاب السيرة: وعلم اللَّه أنا لو كنا هناك لم نصلّ العصر إلا في بني قريظة ولو بعد أيام، وهذا القول منه ماش على قاعدته الأصلية في الأخذ بالظاهر. وقالت طائفة أخرى من العلماء: بل الذين صلوا في وقتها لما أدركتهم وهم في مسيرتهم هم المصيبون، لأنهم فهموا أن المراد إنما هو تعجيل السير إلى بني قريظة لا تأخير الصلاة، فعملوا بمقتضى الأدلة الدالة على أفضلية الصلاة في أول وقتها مع فهمهم عن الشارع ما أراد، ولهذا لم يعنفهم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة في وقتها التي حولت إليه يومئذ كما يدعيه أولئك، وأما أولئك الذين أخروا فعذروا بحسب ما فهموا، وأكثر ما كانوا يؤمرون بالقضاء وقد فعلوه، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 299 وخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمجالس بينه وبين بني قريظة، فقال: هل مرّ بكم من أحد؟ قالوا مرّ علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليس ذلك بدحية، ولكن جبريل أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب، فحاصرهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمر أصحابه أن يستتروا بالجحف حتى يسمعهم كلامه، فناداهم: يا إخوة القردة والخنازير، قالوا: يا أبا القاسم لم تك فحاشا، فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، وكانوا حلفاءه فحكم فيهم أن يقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم ونساؤهم. وقال يونس عن ابن إسحاق: وحدثني والدي إسحاق بن يسار، عن معبد ابن كلب بن مالك السلمي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار، وقذف اللَّه- عز وجل- في قلوبهم الرعب [ (1) ] .   [ () ] وأما على قول من يجوّز تأخير الصلاة لعذر القتال كما فهمه البحتري، حيث احتج على ذلك بحديث ابن عمر المتقدم في هذا، فلا إشكال على من أخر، ولا على من قدم أيضا، واللَّه- تبارك وتعالى أعلم-. [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 195، حصار بني قريظة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 300 وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء سعد بن معاذ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في جراحته وإجابة اللَّه تعالى إياه في دعوته وما ظهر في ذلك من كرامته فخرج البخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من طريق ابن نمير قال: حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل قريش يقال له ابن العرقة. قال البخاريّ: يقال له حبان بن العرقة رماه في الأكحل، فضرب عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيمة في المسجد، ليعوده من قريب، فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الخندق، وضع السلاح، فاغتسل، فأتاه جبريل- عليه السلام- وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: قد وضعت السلاح فو اللَّه ما وضعناه اخرج إليهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأين؟ فأشار إلى بنى قريظة، فقاتلهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنزلوا على حكمه، فرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحكم فيهم إلى سعد، قال: فإنّي أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وتسبى النساء والذرية، وأن تقسم أموالهم. وقال مسلم بعد هذا: حدثنا أبو كريب عن ابن نمير، عن هشام قال: قال أبي: فأخبرت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لقد حكمت فيهم بحكم اللَّه عزّ وجل [ (3) ] . وقال البخاريّ متصلا بقوله: وأن تقسم أموالهم. قال هشام: أخبرني أبي عن عائشة أن سعدا قال: - وتحجّر كلمه للبرء- فقال: اللَّهمّ إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليّ أن أجاهد فيك من قوم   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 523، كتاب المغازي، باب (31) مرجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأحزاب، ومخرجه إلى بني قريظة، ومحاصرته إياهم، حديث رقم (4122) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 337- 338، كتاب الجهاد والسير، باب (22) جواز قتال من نقض العهد، وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل أهل للحكم، حديث رقم (65) ، (66) . [ (3) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 301 كذبوا رسولك وأخرجوه، اللَّهمّ فإن كان بقي من حرب قريش فأبقني أجاهدهم فيك، اللَّهمّ فإنّي أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل موتي فيها، فانفجرت من لبته فلم يرعهم- وفي المسجد خيمة من بني غفار- إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة! ما هذا الّذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات منها. وقال مسلم متصلا بقوله: لقد حكمت فيهم بحكم اللَّه، وعن أبي كريم قال: عن نمير، عن هشام، قال: أخبرني أبي عن عائشة أن سعدا قال: وتحجّر كلمه للبرء، فقال: اللَّهمّ إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليّ أن أجاهد فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللَّهمّ فإن كان بقي من حرب قريش شيء، فأبقني أجاهدهم فيك اللَّهمّ فإنّي أظن أنك وضعت الحرب بيننا وبينهم فإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها، واجعل موتى فيها، فانفجرت من ليلته، فلم يرعهم- وفي المسجد معه خيمة من بنى غفار- إلا والدم يسيل إليهم. فقالوا: يا أهل الخيمة! ما الّذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد جرحه يغذو دما، فمات منها. [ (1) ] وخرّج البيهقيّ من حديث الليث قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر، قال: رمى سعد بن معاذ يوم الأحزاب فقطعوا أكحله، فحسمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنار فانتفخت يده، فتركه، فنزف الدم، فحسمه أخرى، فانتفخت يده فلما رأى ذلك قال: اللَّهمّ لا تخرج نفسي حتى تقرّ عيني من بني قريظة، فاستمسك عرقه، فما قطرت منه قطره، حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأرسل إليه رسول   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 338- 339، كتاب الجهاد والسير باب (22) جواز قتال من نقض العهد، وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل أهل للحكم، حديث رقم (67) ، قوله «رماه في الأكحل» قال العلماء: هو عرق معروف، قال الخليل: إذا قطع في اليد لم يرفأ الدم، وهو عرق الحياة، في عضو منه شعبة لها اسم. قوله: «فضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيمة في المسجد «فيه جواز النوم في المسجد، وجواز مكث المريض فيه وإن كان جريحا. وقوله: «إن سعدا تحجر كلمه للبرء «الكلم بفتح الكاف الجرح، وتحجّر أي يبس. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 302 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فحكم أن تقتل رجالهم، وتسبي نساؤهم، وذراريهم، يستعين بهم المسلمون، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يا سعد: أصبت حكم اللَّه فيهم، وكانوا أربع مائة، فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه، فمات- رحمه اللَّه-[ (1) ] . وأما إسلام ثعلبة وأسيد بني سعية وأسد بن عبيد وما في ذلك من آثار النبوة فخرج البيهقيّ من طريق جرير بن حازم، عن طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر عن شيخ من بنى قريظة قال: قدم علينا من الشام رجل يهودي يقال له: ابن الهيبان، واللَّه ما رأينا رجلا قط خيرا منه، فأقام [ (2) ] بين أظهرنا، وكنا نقول له إذا احتبس المطر: استسق لنا، فيقول: لا واللَّه، حتى تخرجوا أمام مخرجكم صدقة. فيقولون [ (3) ] : ماذا؟ فيقول: صاع [ (4) ] من تمر أو مد من شعير، فنفعل [ (5) ] ، فيخرج بنا إلى ظاهر حرّينا، فو اللَّه ما يبرح مجلسه حتى تمر بنا الشعاب تسيل، قد فعل ذلك غير مرة، ولا مرتين، فلما حضرته الوفاة قال: يا معشر يهود أما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع! قلنا: أنت أعلم، قال: أخرجني نبي   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 27- 28، دعاء سعد بن معاذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في جراحته، وإجابة اللَّه- تعالى- إياه في دعوته، وما ظهر في ذلك من كرامته. وأخرجه الترمذي في كتاب السير، باب (29) ما جاء في النزول على الحكم، حديث رقم (1582) والإمام أحمد في (المسند) : 4/ 314- 315، حديث رقم (14359) . [ (2) ] في (الأصل) : «فقام» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] في (الأصل) : «فنقول» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (4) ] في (الأصل) : «صاعا» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . [ (5) ] في (الأصل) : «فنخرج» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 303 أتوقعه يبعث الآن فهذه البلدة مهاجره، وأنه يبعث بسفك الدماء، وسبي الذرية، فلا يمنعنكم ذلك منه، ولا تسبقن إليه، ثم مات [ (1) ] . وخرّج من طريق يونس، عن ابن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن شيخ من بنى قريظة أنه قال: هل تدري عما كان إسلام ثعلبة، وأسيد ابني سعية، وأسد بن عبيد نفر من هزل لم يكونوا من بني قريظة، ولا نضير، كانوا فوق ذلك، فقلت: لا، قال: فإنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان. فذكر القصة بمعنى رواية جرير، وزاد قال: فلما كان تلك الليلة التي افتتحت فيها قريظة، قال: أولئك الفتية الثلاثة، وكانوا شبابا أحداثا يا معشر يهود هذا الّذي كان ذكر لكم ابن الهيبان، قالوا: ما هو؟ قال: بلى إنه لهو يا معشر يهود هذا يهود، إنه واللَّه بصفته، ثم نزلوا، وخلوا أموالهم، وأولادهم، وأهاليهم، قالوا: وكانت أموالهم في الحصن مع المشركين، فلما فتح رد ذلك عليهم [ (2) ] . وقال الواقدي في (مغازيه) [ (3) ] : فحدثني صالح بن جعفر، عن محمد بن عقبة، عن ثعلبة بن أبي مالك قال: قال ثعلبة، وأسيد ابنا سعيّة، وأسيد بن عبيد عمهم: يا معشر بني قريظة، واللَّه إنكم لتعلمون أنه رسول اللَّه، وأن صفته عندنا، حدثنا بها علماؤنا، وعلماء بنى النضير، هذا أولهم يعني حييّ بن أخطب مع جبير بن الهيبان أصدق الناس عندنا، هو خبّرنا بصفته عند موته. قالوا: لا نفارق التوراة، فلما رأى هؤلاء النفر إباءهم نزلوا في الليلة التي في صبحها نزل بنو قريظة [ (4) ] ، فأسلموا فأمنوا على أنفسهم وأهلهم وأموالهم.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 31. [ (2) ] (المرجع السابق) : 4/ 32. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 503. [ (4) ] في (المغازي) : «نزلت بنو قريظة» وما أثبتناه من (الأصل) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 304 وقال أبو عمر بن عبد البر [ (1) ] : أسيد بن سعية القرظي من بني قريظة أسلم وأحرز ماله، وحسن إسلامه. وذكر من طريق يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما أسلم عبد اللَّه بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسيد بن عبيد، ومن أسلم من يهود فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام قالت أخبار يهود: ما أتى محمد إلا شرارنا، فأنزل اللَّه- عز وجل-: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ* يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ [ (2) ] . وذكر الطبري عن ابن حميد، عن سلمة [بن الفضل] ، عن ابن إسحاق قال: ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد وهم من بني هذيل ليسوا من بني قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك، وهم بنوا عم القوم، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال البخاريّ توفي أسيد بن سعية ثعلبة بن سعية في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] .   [ (1) ] (الاستيعاب) : 1/ 96، ترجمة رقم (59) : أسيد بن سعية، ويقال: أسيد- بالفتح بن سعية أو شعبة- بن عريب القرظيّ. قال إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق: أسيد بالضم، وقال يونس بن بكير أسيد بالفتح، وقال الدار الدّارقطنيّ: بالفتح الصواب. وقد قيل: سعية، وسعة، وسعية بالياء أكثر، نزل هو وأخوه ثعلبة بن سعية في الليلة التي في صبيحتها نزل بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ، ونزل معهما أسد بن عبيد القرظيّ فأسلموا، وأحرزوا دمائهم وأموالهم. [ (2) ] آل عمران: 113. [ (3) ] (الاستيعاب) : 1/ 96- 97، ترجمة رقم (60) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 305 وأما امتناع عمرو بن سعدى القرظيّ من الغدر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ابن إسحاق [ (1) ] : وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظيّ، فمرّ بحرس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة، فلما رآه قال: من هذا؟ قال: أنا عمرو بن سعدى القرظيّ، وكان عمرو قد أبي أن يدخل مع بنى قريظة في غدرهم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: لا أغدر بمحمد أبدا. فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللَّهمّ لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، ثم خلى سبيله، فخرج على وجهه حتى أتى باب مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب فلم يدر أين ذهب من الأرض إلى يومه هذا، فذكر شأنه لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: ذلك رجل نجاه اللَّه بوفائه، وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمّة فيمن أوثق من بني قريظة حتى نزلوا على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأصبحت رمته ملقاه، ولا يدري أين يذهب. [فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه تلك المقالة] . وقال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] : فحدثني الضحاك بن عثمان، عن محمد بن يحيى بن حبان قال: قال عمرو بن سعدى وهو رجل منهم: يا معشر اليهود إنكم قد حالفتم محمدا على ما حالفتموه عليه ألا تنصروا عليه أحدا من عدوه، وأن تنصروه ممن دهمه، فنقضتم ذلك العهد الّذي كان بينكم، وبينه، فلم أدخل فيه، ولم أشرككم في غدركم، فإن أبيتم أن تدخلوا معه، فأثبتوا على اليهودية، وأعطوا الجزية، فو اللَّه لا أدرى يقبلها أم لا، قالوا: نحن لا نقر للعرب بخرج في رقابنا يأخذوننا به، القتل خير من ذلك، قال: فإنّي بري منكم، وخرج في تلك الليلة مع بني سعية، فمر بحرس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعليهم محمد بن مسلمة.   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 197- 198، قصة عمرو بن سعدى، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، والرمة: الجبل البالي. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 503- 504. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 306 فقال محمد بن مسلمة: من هذا؟ قال: عمرو بن سعدى، فقال محمد: مرّ! اللَّهمّ لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، فخل سبيله، وخرج حتى أتى مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبات به حتى أصبح، فلما أصبح غدا، فلم يدر أين هو حتى الساعة، فسئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه، فقال: ذاك نجاه اللَّه بوفائه، ويقال أنه لم يطع أحدا [ (1) ] منهم، ولم يبادر للقتال. وأما قتل أبي رافع بن أبي الحقيق واسمه عبد اللَّه وقيل سلام فقال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق، لما انقضى شأن [ (2) ] الخندق، وأمر بني قريظة، وكان أبو رافع سلام بن أبي الحقيق فيمن كان حزّب الأحزاب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الأشرف في عداوته لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتحريضه عليه، فاستأذنت الخزرج ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قتل [سلام] بن أبي الحقيق، وهو بخيبر، فأذن لهم فيه. قال ابن إسحاق: حدثني الزهريّ عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك قال: كان مما صنع اللَّه به لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن هذين الحيين من الأنصار: الأوس، والخزرج، كانا يتصاولان معه تصاول الفحلين لا تصنع أحد منهما شيئا إلا صنع الآخر مثله، فلما قتلت الأوس كعب بن الأشرف تذكرت الخزرج رجلا هو في العداوة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مثله. فذكروا ابن أبي الحقيق بخير، فاستأذنوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قتله، فأذن لهم، فخرج له عبد اللَّه بن عتيك، وأبو قتادة، وعبد اللَّه بن أنيس، ومسعود ابن سنان، وخزاعيّ [ (3) ] بن أسود حليف [لهم] [ (4) ] من أسلم.   [ (1) ] في (المغازي) : «لم يطلع أحد» ، وما أثبتناه من (الأصل) ، وهو أجود للسياق. [ (2) ] في (الأصل) : «أمر الخندق» ، وما أثبتناه من (سيرة ابن هشام) . [ (3) ] في (الأصل) : «الأسود بن خزاعيّ» ، وما أثبتناه من (سيرة ابن هشام) . [ (4) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 307 قال ابن إسحاق: وحسبت أن فيهم فلان ابن سلمة، فخرجوا إليه، فلما جاءه، وصعد إليه في علية له [طلعت منها] امرأته، فصيّحت، وكان قد نهاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين بعثهم عن قتل النساء، والولدان، فجعل الرجل يرفع عليها السيف، ثم يذكر نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فيمسك يده، قال: فابتدروه بأسيافهم، فتحامل عليه عبد اللَّه بن أنيس في بطنه حتى قتله. وروى عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن أمه، عن عبد اللَّه بن أنيس أنه قتل ابن عتيك، وابن أنيس وقف عليه، وقيل فيه: أنه قتله ابن أنيس وابن عتيك وقف عليه [ (1) ] . والصحيح ما خرّجه البخاريّ من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبي رافع اليهوديّ رجالا من الأنصار، وأمرّ عليهم عبد اللَّه بن عتيك وكان أبو رافع يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنوا منه، وقد غربت الشمس، وراح الناس بسرحهم. قال عبد اللَّه لأصحابه: اجلسوا مكانكم فإنّي منطلق، ومتلطف بالبواب لعلي أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، فتقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة، وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عبد اللَّه إن كنت تريد أن تدخل، فادخل، فإنّي أريد أن أغلق الباب، فدخلت، فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأعاليق على ود [ (2) ] قال: فقمت إلى الأقاليد، فأخذتها، ففتحت الباب، وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان في علاليّ له، فلما ذهب عنه أهل سمره، صعدت إليه فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت عليّ من داخل، قلت: إن القوم نذروا بي، لم يخلصوا إليّ حتى أقتله، فانتهيت إليه، فإذا هو في بيت مظلم   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 234- 237، مقتل سلام بن أبي الحقيق وسياقة ابن هشام أتم، وفيها: فقدمنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرناه بقتل عدوّ اللَّه، واختلفنا عنده في قتله، كلنا يدعيه، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هاتوا أسيافكم، قال: فجئناه بها، فنظر إليها، فقال لسيف عبد اللَّه بن أنيس: هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام. [ (2) ] الود: الوتد في لغة تميم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 308 وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت، قلت: أبا رافع؟ قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش، فما أغنيت شيئا وصاح، فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمّك الويل، إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف قال: فأضربه ضربة فأثخنته، ثم وضعت صبيب [ (1) ] السيف ولم أقتله، ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامتي، ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته؟ فلما صاح الديك قام الناعي على السور، فقال: أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النجاء فقد قتل اللَّه أبا رافع فانتهيت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فحدثته فقال: ابسط رجلك فبسطت رجلي، فمسحها فكأنما لم اشتكها قط. وكرره البخاريّ من غير طريق كلها تدور على البراء بن عازب [ (2) ] . وقال الواقدي [ (3) ]- رحمه اللَّه- في (مغازيه) : حدثني أبو أيوب بن النعمان، عن أبيه، عن عطية بن عبد اللَّه بن أنيس، عن أبيه قال: خرجنا من   [ (1) ] ضبيب السيف: طرفه. [ (2) ] أخرجه البخاريّ في المغازي، باب (16) قتل أبي رافع عبد اللَّه بن أبي الحقيق، ويقال سلام ابن أبي الحقيق، كان بخيبر، ويقال في حصن له بأرض الحجاز، وقال الزهريّ: هو بعد كعب بن الأشرف، حديث رقم (4038) . وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز اغتيال المشرك الّذي بلغته الدعوة وأصرّ، وقتل من أعان على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده، أو ماله، أو لسانه، وجواز التجسيس على أهل الحرب وتطلب غرتهم، والأخذ بالشدة في محاربة المشركين، وجواز إبهام القول للمصلحة، وتعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين، والحكم بالدليل والعلامة لاستدلال ابن عتيك على أبي رافع بصوته واعتماده على صوت الناعي بموته، واللَّه- تعالى- أعلم. (فتح الباري) . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 391- 395. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 309 المدينة حتى أتينا خيبر. قال: وقد كانت أم عبد اللَّه بن عتيك بخيبر يهودية أرضعته، وقد بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسة نفر: عبد اللَّه بن عتيك، وعبد اللَّه ابن أنيس، وأبو قتادة، والأسود بن خزاعيّ ومسعود بن سنان. قال: فانتهينا إلى خيبر، وبعث عبد اللَّه بن عتيك إلى أمه فأعلمها بمكانه، فخرجت إلينا بجراب مملوء تمرا كبيسا وخبزا، فأكلنا منه ثم قال لها: يا أماه إنا قد أمسينا، بيتينا عندك فادخلينا خيبر، فقالت أمه: وكيف تطيق خيبر وفيها أربعة آلاف مقاتل؟ ومن تريد فيها، قال: أبا رافع، قالت: لا تقدر عليه. قال: واللَّه لأقتلنه أو لأقتلن دونه قبل ذلك، فقالت: فادخلوا علي ليلا: فدخلوا عليها فلما ناما أهل خيبر، وقد قالت لهم: أدخلوا في خمر الناس، فإذا هدأت الرجل فأكمنوا! ففعلوا ودخلوا عليها، ثم قالت: إن اليهود لا تغلق عليها أبوابها فرقا أن يطرقها ضيف، فيصبح أحدهم بالفناء لم يضف فيجد الباب مفتوحا فيدخل فيتعشى، فلما هدأت الرجل قالت: انطلقوا حتى تستفتحوا على أبي رافع فقولوا: إنا جئنا لأبي رافع بهداه فإنّهم سيفتحون لكم. ففعلوا ذلك، ثم خرجوا لا يمرون بباب من بيوت خيبر إلا أغلقوه، حتى أغلقوا بيوت القرية كلها، حتى انتهوا إلى عجلة عند قصر سلام، قال: فصعدنا، وقدمنا عبد اللَّه بن عتيك، لأنه كان يرطن باليهودية، ثم استفتحوا على أبي رافع فجاءت امرأته فقالت: ما شأنك؟ فقال: عبد اللَّه بن عتيك ورطن باليهودية: جئت أبا رافع بهداه ففتحت له، فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح. قال عبد اللَّه بن أنيس: وازدحمنا على الباب أينا يبدر إليه، فلما أرادت أن تصيح. قال: فأشرت إليهما السيف قال: وأنا أكره أن يسبقني أصحابي إليه. قال: فسكنت ساعة. قال: ثم قلت لها: أين أبو رافع؟ وإلا ضربتك بالسيف! فقالت: هو ذاك في البيت فدخلنا عليه فما عرفناه إلا بياضة كأنه قطنة ملقاه فعلوناه بأسيافنا، فصاحت امرأته، فهمّ بعضنا أن يخرج إليها، ثم ذكرنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهانا عن قتل النساء، قال: فلما انتهينا جعل سمك البيت يقصر علينا، وجعلت سيوفنا ترجع. قال ابن أنيس: وكنت رجلا أعشى لا أبصر بالليل إلا بصرا ضعيفا، قال: فتأملته كأنه قمر، قال: فاتكئ بسيفي على بطنه حتى سمعت خشه في الفراش، وعرفت أنه قد قضى، قال: وجعل القوم يضربونه جميعا، ثم نزلنا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 310 ونسي أبو قتادة قوسه، فذكرها بعد ما نزل، فقال أصحابه: دع القوس، فأبى فرجع فأخذ قوسه، فانفكت رجله فاحتملوه بينهم، فصاحت امرأته فتصايح أهل الدار بعد ما قتل فلم يفتح أهل البيوت عن أنفسهم ليلا طويلا، واختبأ القوم في بعض مناهر خيبر، وأقبلت اليهود وأقبل الحارث أبو زينب، فخرجت إليه امرأته فقالت: خرج القوم الآن، فخرج الحارث في ثلاثة آلاف في آثارنا يطلبوننا بالنيران في شعل السعف، ولربما وطئوا في النهر، فنحن في بطنه وهم على ظهره فلا يرونا، فلما أوعبوا في الطلب فلم يروا شيئا رجعوا إلى امرأته فقالوا لها: هل تعرفين منهم أحدا؟ فقالت: سمعت منهم كلام عبد اللَّه بن عتيك، فإن كان في بلادنا هذه فهو معهم. فكروا الطلب الثانية، وقال القوم فيما بينهم: لو أن بعضنا أتاهم فنظر هل مات الرجل أم لا؟ فخرج الأسود بن خزاعيّ حتى دخل مع القوم وتشبه بهم، فجعل في يده شعله كشعلهم حتى كر القوم الثانية إلى القصر وكر معهم، ويجد الدار قد شحنت، قال: فأقبلوا جميعا ينظرون إلى أبي رافع ما فعل، قال: فأقبلت امرأته معها شعلة من نار، ثم أحنت عليه تنظر أحي أم ميت هو فقالت: فاظ وإله موسى! قال: ثم كرهت أن أرجع إلا بأمر بين، قال: فدخلت الثانية معهم، فإذا الرجل لا يتحرك منه عرق، قال: فخرجت اليهود في صحيحة واحدة وأخذوا في جهازه يدفنونه، وخرجت معهم وقد أبطأت على أصحابي بعض الإبطاء، قال: فانحدرت عليهم في النهر فخبرتهم، فمكثنا في مكاننا يومين ترميم حتى سكن عنا الطلب، ثم خرجنا مقبلين إلى المدينة، كلنا يدعي قتله، فقدمنا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على المنبر، فلما رآنا قال: أفلحت الوجوه! فقلنا: أفلح وجهك يا رسول اللَّه، قال: أقتلتموه؟ قلنا: نعم، وكلنا يدعي قتله، قال: عجلوا عليّ بأسيافكم، فأتيناه بأسيافنا، ثم قال: هذا قتله هذا أثر الطعام في سيف الطعام في سيفه عبد اللَّه بن أنيس. قال: وكان ابن أبي الحقيق قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي من العرب جعل لهم الجعل العظيم لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبعث إليهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هؤلاء النفر. فحدثني أيوب بن النعمان قال: حدثني خارجة بن عبد اللَّه قال: فلما انتهوا إلى أبي رافع تشاجروا في قتله. قال: فاستهموا عليه فخرج سهم عبد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 311 اللَّه بن أنيس. وكان رجلا أعشى فقال لأصحابه: أين موضعه؟ فقالوا له: ترى بياضه كأنه قمر. قال: قد رأيت قال: وأقبل عبد اللَّه بن أنيس وقام النفر مع المرأة يفرقون أن تصيح قد شهروا سيوفهم عليها، ودخل عبد اللَّه بن أنيس، فضرب بالسيف، فرجع السيف عليه لقصر السمك فاتكأ عليه وهو ممتلئ خمرا حتى سمع خش السيف وهو في الفراش. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بأن عبد اللَّه بن أنيس إذا رأى سفيان بن خالد نبيح فرق منه فكان كذلك خرّج أبو داود [ (1) ] من حديث محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر، عن ابن عبد اللَّه بن أنيس، عن أبيه قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خالد بن سفيان ابن نبيح الهذلي، وكان نحو عرنة وعرفات، فقال: أذهب فأقتله، فرأيته وقد حضرت صلاة العصر، فقلت: إني أومئ أخاف أن يكون بيني وبينه ما إن أؤخر الصلاة فانطلقت أمشى وأنا أصلي أمشي إيماء نحوه، فلما دنوت منه قال: من أنت؟ قلت: رجل من العرب، بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذاك، قال: إني لفي ذاك، فمشيت معه ساعة، حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد. وقال الواقدي [ (2) ]- رحمه اللَّه-: حدثنا إسماعيل بن عبد اللَّه بن جبير، عن موسى بن جبير قال بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي، ثم اللحياني، وكان نزل عرنة وما حولها في ناس من قومه وغيرهم، فجمع الجموع لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وضوى إليه بشر كثير من أفناء الناس، فدعا رسول   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 2/ 41- 42، كتاب الصلاة، باب (289) في صلاة، حديث رقم (1249) ، قال ابن الأثير: وهو حديث حسن بشواهده. (جامع الأصول) : 5/ 749، حديث رقم (4063) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 531- 533. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 312 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن أنيس، فبعثه سرية وحده إليه ليقتله، وقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: انتسب إلى خزاعة فقال عبد اللَّه بن أنيس: يا رسول اللَّه ما أعرفه فصفه لي فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنك إذا رأيته هبته وفرقت منه وذكرت الشيطان، وكنت لا أهاب الرجال، فقلت يا رسول اللَّه: ما فرقت من شيء قط، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بلى، آية بينك وبينه أن تجد له قشعريرة إذا رأيته، واستأذنت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أقول، فقال: قل ما بدا لك، قال: فأخذت سيفي لم أزد عليه، وخرجت أعتزي إلى خزاعة، فأخذت على الطريق حتى انتهيت إلى قديد فأجد بها خزاعة كثيرا، فعرضوا علي الحملان والصحابة، فلم أرد ذلك وخرجت حتى أتيت بطن سرف، ثم عدلت حتى خرجت على عرنة، وجعلت أخبر من لقيت أني أريد سفيان بن خالد لأكون معه، حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي، ووراءه الأحابيش ومن استجلب وضوى إليه فلما رأيته هبته، وعرفته بالنعت الّذي نعت لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورأيتني أقطر فقلت: صدق اللَّه ورسوله! وقد دخلت في وقت العصر حين رأيته، فصليت وأنا أمشي أومئ إيماء برأسي فلما دنوت منه قال: من الرجل؟ فقلت: رجل من خزاعة، سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك، قال: أجل أني لفي الجمع له، فمشيت معه، وحدثته فاستحلى حديثي، وأنشدته شعرا، وقلت: عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث، فارق الآباء وسفه أحلامهم قال: لم يلق محمد أحد يشبهني! قال: وهو يتوكأ على عصى يهد الأرض حتى انتهى إلى خبائه، وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم مطيفون به، فقال: هلم يا أخا خزاعة! فدونت منه لجاريته: احلبي! فحلبت، ثم ناولتني، فمصصت ثم دفعته إليه، فعب كما يعب الجمل حتى غاب أنفه في الرغوة، ثم قال: اجلس، فجلست معه، حتى إذا هدأ الناس وناموا وهدأ، اغتررته فقتلته وأخذت رأسه، ثم أقبلت وتركت نساءه يبكين عليه، وكان النجاء مني حتى صعدت في جبل فدخلت غارا، وأقبل الطلب من الخيل والرجال توزع في كل وجه، وأنا مختف في غار الجبل، وضربت العنكبوت على الغار، وأقبل رجل معه إداوة ضخمة ونعلاه في يده، وكنت حافيا، وكان أهم أمري عندي العطش، كنت أذكر تهامة وحرها، فوضع إداوته ونعله وجلس يبول على باب الغار، ثم قال الجزء: 13 ¦ الصفحة: 313 لأصحابه: ليس في الغار أحد، فانصرفوا راجعين، وخرجت إلى الإداوة فشربت منها وأخذت النعلين فلبستهما، فكنت أسير الليل وأتوارى النهار حتى جئت المدينة فوجدت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المسجد، فلما رآني قال: أفلح الوجه، قلت: أفلح وجهك يا رسول اللَّه! فوضعت رأسه بين يديه، وأخبرته خبري، فدفع إليّ عصا، فقال: تخصر بهذه في الجنة، فإن المتحضرين في الجنة قليل، فكانت عند عبد اللَّه بن أنيس حتى إذا حضره الموت أوصى أهله أن يدرجوها في كفنه، وكان قتله في المحرم على رأس أربعة وخمسين شهرا. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم الحارث بن أبي ضرار بأمور فكانت كما أمره صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ابن إسحاق [ (1) ] : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: لم قسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عم له فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تستعينه في كتابتها، قالت عائشة: فو اللَّه ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها: وعرفت أنه سيرى منها صلّى اللَّه عليه وسلّم ما رأيت، فدخلت عليه، فقالت: يا رسول اللَّه، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، سيد قومه وقد أصابني من البلاء، ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي، قال: فهل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول اللَّه؟ قال: أقضى عنك كتابتك وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول اللَّه، قال: قد فعلت. قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد تزوج جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار، فقال الناس: أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأرسلوا ما   [ (1) ] (السيرة النبويّة لابن هشام) : 4/ 257- 259. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 314 بأيديهم، قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها. قال ابن هشام: ويقال: لما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من غزوة بني المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث، وكان بذات الجيش دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة، وأمره بالاحتفاظ بها، وقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته، فلما بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء، فرغب في بعيرين منها، فغيبهما في شعب من شعاب العقيق، ثم أتى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا محمد، أصبتم ابنتي، وهذا فداؤها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق، في شعب كذا وكذا؟ فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك محمد رسول اللَّه فو اللَّه ما اطلع على ذلك إلا اللَّه، فأسلم الحارث، وأسلم معه ابنان له، وناس من قومه، وأرسل إلى البعيرين، فجاء بهما فدفع الإبل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ودفعت إليه ابنته جويرية، فأسلمت، وحسن إسلامها، فخطبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبيها فزوجه إياها، وأصدقها أربعمائة درهم. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: قد نقدمه في موضعه من هذا الكتاب الاختلاف في نكاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جويرية هل هو بأداء ما كتبت عليه أو بغير ذلك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 315 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بموت منافق عند هبوب الريح فكان كما أخبر فخرج الواقدي [ (1) ] : في (مغازيه) عن عبيد اللَّه بن الهرير، عن أبيه، عن رافع بن خديج قال: لما رحنا من المريسيع قبل الزوال كان الجهد بنا يومئذ وليلتنا، ما أناخ منا رجل إلا لحاجته، أو لصلاة يصليها وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستحث راحلته، ويخلف بالسوط في مراقها حتى أصبحنا ومددنا يومنا حتى انتصف النهار، أو كرب، ولقد راح الناس وهم يتحدثون بمقالة ابن أبي، وما كان منه، فما هو إلا أن أخذهم السهر والتعب بالمسير، فما نزلوا حتى ما يسمع لقول ابن أبي في أفواههم- يعنى ذكرا- إنما أسرع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس ليدعوا حديث ابن أبي، فلما نزلوا وجدوا مس الأرض وقعوا نياما، ثم راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس مبردا، فنزل من الغد ماء، يقال له بقعاء فوق النقيع، وسرح الناس كله ظهرهم، فأخذتهم ريح شديدة حتى أشفق الناس منها، وسألوا عنها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخافوا أن يكون عيينة بن حصين خالف إلى المدينة، وقالوا: لم تهج هذه الريح إلا من حدث! وإنما بالمدينة الذراري والصبيان، وكانت بين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعيينة مدة، فكان ذلك حين انقضائها فدخلهم أشد الخوف، فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خوفهم فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليس عليكم بأس منها ما بالمدينة من نقب إلا عليه ملك يحرسه وما كان ليدخلها عدو حتى تأتوها ولكنه مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة، فلذلك عصفت الريح وكان موته للمنافقين غيظا شديدا وهو زيد بن رفاعة بن التابوت مات ذلك اليوم. فحدثني خارجة بن الحارث، عن عباس بن سهل، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال: كانت الريح يومئذ أشد ما كانت قط إلى أن زالت الشمس، ثم سكنت آخر النهار.   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 422- 423. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 316 وقال جابر: فسألت حين قدمت قبل أن أدخل بيتي: من مات؟ فقالوا: زيد ابن رفاعة بن التابوت وذكر أهل المدينة أنهم وجدوا مثل ذلك من شدة الريح حتى دفن عدو اللَّه فسكتت الريح. وحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه قال: قال عبادة بن الصامت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يومئذ لابن أبي: أبا حباب، مات خليلك! قال: أي أخلائي؟ قال: من موته فتح الإسلام وأهله. قال من قال زيد بن رفاعة بن التابوت قال: يا ويلاه كان واللَّه وكان! وكان فجعل يذكر، فقلت: اعتصمت واللَّه بالذنب الأبتر قال: من أخبرك يا أبا الوليد بموته؟ قلت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبرنا الساعة أنه مات هذه الساعة، قال: فأسقط في يديه وانصرفت كئيبا حزينا، قال: وسكنت الريح آخر النهار فجمع الناس ظهورهم وقد ذكر هذه القصة موسى بن عقبة في (مغازيه) ومحمد بن إسحاق بن يسار. وخرّج البيهقيّ [ (1) ] من طريق محمد بن إسحاق الثقفي، قال: حدثنا أبو كريب من حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قدم من سفر فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب، فزعم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بعثت هذه الريح لموت منافق، قال: فقدم المدينة فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات، وفي رواية أبي معاوية قال: هبت ريح شديدة والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض أسفاره فقال: هذه لموت منافق قال: فلما قدمنا المدينة إذا هو قد مات عظيم من عظماء المنافقين رواه مسلم [ (2) ] في (الصحيحين) ، عن أبي كريب.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 61. [ (2) ] (صحيح مسلم) : 17/ 132، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب (50) حديث رقم (15) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 317 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بموضع ناقته لما فقدت وإخباره بما قال المنافق في ذلك فقال الواقدي [ (1) ] : فحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن ابن رومان، ومحمد ابن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قالا: فقدت ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القصواء من بين الإبل، فجعل المسلمون يطلبونها في كل وجه، فقال زيد بن اللصيت- وكان منافقا وهو في رفقة قوم من الأنصار، منهم عباد بن بشر بن وقش، وسلمة بن سلامة بن وقش، وأسيد بن حضير-، فقال: أين يذهب هؤلاء في وجه قالوا: يطلبون ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ضلت، قال: أفلا يخبره اللَّه بمكان ناقته؟ فأنكر القوم ذلك عليه فقالوا: قاتلك اللَّه يا عدو اللَّه، نافقت!. ثم أقبل عليه أسيد بن حضير فقال: واللَّه لولا أني لا أدري ما يوافق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك لأنفذت خصيتك بالرمح يا عدو اللَّه، فلما خرجت معنا وهذا في نفسك؟ قال: خرجت لأطلب من عرض الدنيا، ولعمري أن محمد ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة، يخبرنا عن أمر السماء، فوقعوا به جميعا وقالوا: واللَّه، لا يكون منك سبيل أبدا ولا يظلنا وإياك ظل أبدا ولو علمنا ما في نفسك ما صحبتنا ساعة من نهار، ثم وثب هاربا منهزما منهم أن يقعوا به ونبذوا متاعه فعمد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجلس معه فرارا من أصحابه متعوذا به وقد جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبر ما قال: من السماء. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: والمنافق يسمع أن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ألا يخبره بمكانها؟ فلعمري أن محمد ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة! ولا يعلم الغيب إلا اللَّه وأن اللَّه- تعالى- قد أخبرني بمكانها وأنها في هذا الشعب مقابلكم، قد تعلق زمامها بشجرة، فأعمدوا عمدها فذهبوا فأتوا بها من حيث قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فلما نظر المنافق إليها قام سريعا إلى رفقائه الذين كانوا معه، فإذا رحله منبوذ، وإذ هم جلوس لم يقم رجل من مجلسه، فقالوا له حين دنا: لا تدن منا!   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 423- 425. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 318 قال: أكلمكم! فدنا فقال: أذكركم باللَّه، هل أتى أحدا فأخبره بالذي قلت؟ قالوا: لا واللَّه ولا قمنا من مجلسنا هذا. قال: فإنّي قد وجدت عند القوم ما تكلمت به، وتكلم به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخبرهم بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنه قد أتى بناقته وأني قد كنت في شك من شأن محمد فأشهد أنه رسول اللَّه، واللَّه لكأنّي لم أسلم إلا اليوم قالوا له: فاذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستغفر لك، فذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاستغفر له واعترف بذنبه، ويقال: أنه لم يزل فسلا حتى مات، وصنع مثل هذا في غزوة تبوك. وقد ذكر قصة الناقة موسى بن عقبة بنحو بما تقدم وزاد فرعون أن ابن اللصيب. وقال الحافظ أبو نعيم وقد ذكر فقد الناقة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في منصرفه من تبوك وليس ببعيد وقوع الأمرين جميعا. وأما نفث الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم شجة عبد اللَّه بن أنيس فلم تقح فقال الواقدي [ (1) ] فحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان أسير بن زارم رجلا شجاعا، فلما قتل أبو رافع أمرت يهود أشير بن زارم، فقام في اليهود فقال: أنه واللَّه ما سار محمد إلى أحد من اليهود وإلا بعث أحدا من أصحابه فأصاب منهم ما أراد، ولكني أصنع ما لا يصنع أصحابي، فقالوا: وما عسيت أن تصنع ما لم يصنع أصحابك؟ قال: أسير في غطفان فأجمعهم. فسار في غطفان فجمعها، ثم قال: يا معشر اليهود نسير إلى محمد في عقر داره فإنه لم يغز أحد في داره إلا أدرك منه عدوه بعض ما يريد قالوا: نعم ما رأيت فبلغ ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: وقدم عليه خارجة بن حسيل الأشجعي، فاستخبره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما وراءه فقال: تركت أسير بن زارم يسير إليك في   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 566- 568. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 319 كتائب اليهود، قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس، فانتدب له ثلاثون رجلا. قال عبد اللَّه بن أنيس: فكنت فيهم: فاستعمل علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن رواحة: قال: فخرجنا حتى قدمنا خيبر فأرسلنا إلى عبد اللَّه بن رواحة: قال: فخرجنا حتى قدمنا خيبر فأرسلنا إلى أسير: إنا آمنون حتى نأتيك فنعرض عليك ما جئنا له؟ فقال: نعم، ولي مثل ذلك منكم؟ قلنا: نعم، فدخلنا عليه، فقلنا: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثنا إليك أن تخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك، فطمع في ذلك، وشاور اليهود فخالفوه في الخروج وقالوا: ما كان محمد يستعمل رجلا من بني إسرائيل، فقال: بلى، قد مللنا الحرب، قال: فخرج معه ثلاثون رجلا من اليهود مع كل رجل رديف من المسلمين، قال: فسرنا حتى إذا كنا بقرقرة ثبار ندم أسير حتى عرفنا الندامة فيه. قال عبد اللَّه بن أنيس: وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت له، قال: فدفعت بعيري فقلت: غدرا أي عدو اللَّه! ثم تناومت فدنوت منه لأنظر ما يصنع، فتناول سيفي، فغمزت بعيري وقلت: هل من رجل ينزلق فيسوق بنا؟ فلم ينزل أحد، فنزلت عن بعيري فسقت بالقوم حتى أنفرد أسير، فضربته بالسيف فقطعت مؤخرة الرجل وأندرت عامة فخذه وساقه، وسقط عن بعيره، وفي يده مخرش من شوحط، فضربني فشجني مأمومة، وملنا على أصحابه فقتلناهم كلهم غير رجل واحد أعجزنا شدا، ولم يصب من المسلمين أحد، ثم أقبلنا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث أصحابه إذا قال لهم: تمشوا بنا إلى الثنية نتحسب من أصحابنا خبرا، فخرجوا معه، فلما أشرفوا على الثنية، فإذا هم بسرعان أصحابنا، قال: فجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه، قال: وانتهينا إليه فحدثناه الحديث، فقال: نجاكم اللَّه من القوم الظالمين!. قال عبد اللَّه بن أنيس: فدنوت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنفث في شجتي، فلم تقح بعد ذلك اليوم، ولم تؤذني، وقد كان العظم فل، ومسح على وجهي، ودعا لي، وقطع قطعة من عصاه فقال: أمسك هذا معك علامة بيني وبينك يوم القيامة أعرفك بها، فإنك تأتي يوم القيامة متحضرا، فلما دفن جعلت معه تلي جسده دون ثيابه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 320 قال: فحدثني خارجة بن الحارث، عن عطية بن عبد اللَّه بن أنيس، عن أبيه قال: كنت أصلح قوسي، قال: فجئت فوجدت أصحابي قد وجهوا إلى أسير بن زارم، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أرى أسير بن زارم! أي أقتله، قال: ثم بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن عتيك في ثلاثين راكبا فيهم عبد اللَّه بن أنيس إلى أسير بن زارم اليهودي حتى أتوه بخيبر وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتوه فقالوا: إنا أرسلنا إليك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليستعملك على خيبر، فلم يزالوا يخدعونه، حتى أقبل معهم في ثلاثين راكبا مع كل رجل منهم رديف من المسلمين، فلما بلغوا قرقرة، وهي من خيبر على ستة أميال، ندم أسير بن زارم فأهوى بيده إلى السيف، سيف عبد اللَّه بن أنيس، ففطن له عبد اللَّه بن أنيس فزجر راحلته، واقتحم عبد اللَّه بن أنيس حتى استمكن من أسير بن زارم في يده محرث من شوحط، فضرب عبد اللَّه بن أنيس فشجه شجة مأمومة [ (1) ] ، وانكفأ كل رجل من المسلمين إلى رديفه، فقتله غير رجل واحد من اليهود أعجزهم شدا، ولم يصب من المسلمين أحد، وقدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبصق في شجة عبد اللَّه بن أنيس، فلم تقح ولم تؤذه، هكذا ذكر ابن لهيعة أن المبعوث عبد اللَّه بن عتيك وخالفه ابن شهاب، وابن إسحاق فقالا: عبد اللَّه بن رواحة، كما ذكر الواقدي.   [ (1) ] شجة مأمومة: أي بلغت أم الرأس. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 321 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى الحديبيّة بأن قريشا لا ترى نيرانهم وإخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بمجيء أهل اليمن وبشقاوة الأعرابي فكان كما أخبر فخرّج الحافظ أبو نعيم من حديث عبد اللَّه بن وهب قال: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عام الحديبيّة حتى إذا كنا بعسفان قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيكم يعرف ثنية ذات الحنضل، فإن عيون قريش على ضجنان ومر الظهران، فأخذنا حين أمسينا على جبال يقال لها: سراوع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إلا رجل يسعى أمام الركب، فنزل رجل فجعل تنكبه الحجارة، وتتعلق به الشجرة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اركب، فركب، ثم قال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إلا رجل يسعى أمام الركب، فنزل رجل آخر تنكبه الحجارة وتعلق به الشجرة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خذوا هاهنا، وأشار إلى ناحية فأصبنا الطريق، فسرنا حتى أتينا في آخر الليلة على عقبة ذات الحنظل فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مثل هذه الثنية الليلة كمثل الباب الّذي قال اللَّه- عز وجل- لبني إسرائيل: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ [ (1) ] ما هبط أحد من الثنية الليلة إلا غفر له، فاطلعت في آخر الليل الناس التمس أخي قتادة بن النعمان بما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجعل الناس يركب بعضهم بعضا حتى وجدت أخي في آخر الناس، فلما هبطنا نزلنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كان معه ثقل [ (2) ] فليصطنع قال أبو سعيد: رأينا الّذي معه ثقل [ (3) ] ، فقلت: يا رسول اللَّه عسى أن ترى قريش نيراننا، فقال: لن يروكم، فلما أصبحنا صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصبح، وصلينا معه، ثم قال: والّذي نفسي بيده   [ (1) ] البقرة: 58. [ (2) ] الثّقل: الدقيق. [ (3) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 322 لقد غفر للركب الليلة أجمعين، إلا رويكبا واحدا، التقت عليه رحال القوم ليس منهم، فذهبنا ننظر، فإذا أعرابي بين ظهرانيّ القوم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالهم مع أعمالهم، فقلنا: من هم يا رسول اللَّه، أقريش؟ قال: لا، لكن أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا، قلنا: أهم خير منا يا رسول اللَّه؟ قال: لو كان لأحدكم جبل ذهب فأنفقه ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه، إلا أن هذا فصل ما بيننا وبين الناس لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [ (1) ] . وخرّج الحاكم من حديث أبي عامر العقديّ، حدثنا قرة بن خالد، حدثنا أبو الزبير، عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صعد ثنية المرار، فإنه يحط عمله ما حط عن بني إسرائيل، فكان أول من صعدها جبل بني الخزرج، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلهم مغفور لهم، إلا صاحب الجمل الأحمر، قال: فإذا هو أعرابي ينشد ضالة له، فقلنا: يستغفر لك رسول اللَّه، فقال: لأن أجد ضالتي أحب إليّ مما يستغفر لي صاحبكم، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وقال الواقدي في كتاب (المغازي) [ (2) ] : قالوا: فلما أمسى قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تيامنوا في هذا العضل، فإن عيون قريش يمر بظهران، أو بضجنان، فأيكم يعرف ثنية ذات الحنظل؟ فقال بريدة بن الحصيب الأسلمي: أنا يا رسول اللَّه عالم بها، قال: اسلك أمامنا فأخذ به بريدة في العضل قبل جبال سراوع قبل المغرب، فسار قليلا تنكبه الحجارة، وتعلقه الشجر، وحار حتى كأنه لم يعرفها قط، قال: فو اللَّه إن كنت لأسلكها في الجمعة مرارا، فلما رآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يتوجه، قال: اركب، فركبت، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: من رجل يدلنا على طريق ذات الحنظل؟ فنزل حمزة بن عمرو الأسلمي فقال: أنا يا رسول اللَّه أدلك، فقال: انطلق امامنا، فانطلق عمرو أمامهم حتى نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى   [ (1) ] الحديد: 10. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 583- 586. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 323 الثنية فقال: هذه ثنية ذات الحنظل؟ فقال عمرو: نعم يا رسول اللَّه، فلما وقف به على رأسها تحدّر به، قال عمرو: واللَّه إن كان لا يهمني نفسي وحدي إنما كانت مثل الشراك فاتسعت لي حتى برزت فكانت محجة لا حبة [ (1) ] ، ولقد كان النفر يسيرون تلك الليلة جميعا معطفين من سعتها يتحدثون، وأضاءت تلك الليلة حتى كأنا في قمر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده ما مثل هذه الليلة إلا مثل الباب الّذي قال اللَّه- تعالى- لبني إسرائيل: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ قالوا: ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يجوز هذا الثنية أحد إلا غفر له. قال أبو سعيد الخدريّ: وكان أخي لأمي قتادة بن النعمان في آخر الناس، فقال: فوقفت على الثنية فجعلت أقول للناس: إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يجوز هذه الثنية هذه الليلة أحد إلا غفر له، فجعل الناس يسرعون حتى جاز أخي في آخر الناس، وفرقت أن يصبح قبل أن نجوز، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين نزل: من كان معه ثقل فليصطنع، قال أبو سعيد: وأينا معه ثقل، إنما كان عامة زادنا التمر، فقلنا: يا رسول اللَّه إنا نخاف من قريش أن ترانا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنهم لن يروكم، إن اللَّه سيعينكم عليهم، فأوقدوا النيران، واصطنع من أراد أن يصطنع، فلقد أوقدوا أكثر من خمسمائة نار، فلما أصبحنا صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصبح، ثم قال: والّذي نفسي بيده لقد غفر اللَّه للركب أجمعين إلا رويكبا واحدا على جمل أحمر التفت عليه رجال القوم ليس منهم، فطلب في العسكر وهو يظن أنه من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإذا هو به ناحية إلى ذرى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل من بني ضمرة من أهل سيف البحر، فقيل السعيد: إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كذا وكذا، قال سعيد: ويحك اذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستغفر لك، قال: بعيري واللَّه أهم [ (2) ] إليّ من أن يستغفر لي وإذ هو قد أضلّ بعيرا له يتبع العسكر يتوصل بهم ويطلب بعيره وإنه لفي عسكركم فأدّوا إليّ بعيري، قال سعيد: تحوّل عني لا حياك اللَّه، ألا لا أرى قربي إلا   [ (1) ] لا حبة: واسعة. [ (2) ] في (الأصل) : «أحب» وما أثبتناه منن (المغازي) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 324 داهية وما أشعر به، فانطلق الأعرابي يطلب بعيره بعد أن استبرأ العسكر، فبينما هو في جبال سراوع، إذ زلقت نعله فتردى فمات، فما علم به حتى أكلته السباع [ (1) ] . وحدثني هشام بن سعد [ (2) ] ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه سيأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم، فقيل يا رسول اللَّه: قريش؟ قال: لا، ولكن أهل اليمن فإنّهم أرق أفئدة، وألين قلوبا، قلنا: يا رسول اللَّه هم بخير منا؟ فقال بيده هكذا ويصف، وأخذ هشام في الصفة كأنه يقول: سواء إلا أن فضل ما بيننا وبين الناس لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ [ (3) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 2/ 586. [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] الحديد: 10. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 325 وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم بفتح خيبر فروى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد اللَّه بن بكر بن حزم، عن بعض أسلم أن بني سهم من أسلم أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخيبر فقالوا: واللَّه يا رسول اللَّه لقد جهدنا وما بأيدينا شيء، فلم يجدوا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا يعطهم إياه، فقال: اللَّهمّ إنك قد عرفت حالهم وأن ليس بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء وأكثرها طعاما وودكا، فغدا الناس، ففتح اللَّه عليهم حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر منه طعاما وودكا، فلما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من حصونهم ما افتح، وحاز من الأموال ما حاز، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم، وكانا آخر حصون أهل خيبر افتتاحا، فحاصرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بصنع عشرة ليلة [ (1) ] . وقال الواقدي- رحمه اللَّه- وكان حصن الصعب بن معاذ في النطاة، وكان حصن اليهود فيه الطعام، والودك، والماشية، والمتاع، وكان فيه خمسمائة مقاتل، وكان الناس قد أقاموا أياما يقاتلون وليس عندهم طعام إلا العلف. قال معتب الأسلمي: أصابنا معشر أسلم خصاصة حين قدمنا خيبر وأقمت عشرة أيام على حصن النطاة لا نفتح ساقيه طعام، فأجمعت أسلم أن يرسلوا أسماء بن حارثة فقالوا: ائت محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقل: إن أسلم يقرئونك السلام، ويقولون: إنا قد جهدنا من الجوع والضعف، فقال بريدة بن الحصيب: واللَّه إن رأيت كاليوم قط أمرا بين العرب يصنعون منه هذا الخير، فقام هند بن حارثة فقال: إنا لنرجو أن تكون البعثة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مفتاح خيبر، فجاءه أسماء بن حارثة فقال: يا رسول اللَّه إن أسلم تقول: إنا قد جهدنا من الجوع والضعف فادع اللَّه لنا، فدعا لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: واللَّه ما بيدي ما أقريهم، ثم صاح بالناس فقال: اللَّهمّ افتح عليهم أعظم حصن فيه، أكثره طعاما، وأكثره ودكا، ودفع اللواء إلى الحباب بن المنذر بن الجموح   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 302- 303، افتتاح أعظم الحصون على بني سهم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 326 وندب الناس فما رجعنا حتى فتح اللَّه علينا الحصن، حصن الصعب بن معاذ، فقالت أم مطاع الأسلمية: وكانت قد شهدت خيبر مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في نساء، قالت: لقد رأيتهم حين شكوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما شكوا من شدة الحال فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فنهضوا، فرأيت أسلم أول من انتهى إلى حصن الصعب بن معاذ وإن عليه لخمسمائة مقاتل فما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى فتحه اللَّه، وكان عليه قتال شديد برز رجل من اليهود يقال له: يويشع يدعو إلى البراز فبرز إليه الحباب بن المنذر فاختلفا ضربتين فقتله الحباب، وبرز آخر يقال له: الذيال فبرز له عمارة بن عقبة الغفاريّ فبدره الغفاريّ فيضربه ضربة على هامته [ (1) ] وهو يقول: خذها وأنا الغلام الغفاريّ! فقال الناس: بطل جهاده، فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: ما بأس به يؤجر ويحمد [ (2) ] .   [ (1) ] في (الأصل) : «عاتقة» وما أثبتناه من (المغازي) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 658- 660. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 327 وأما طول عمر أبي اليسر بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال الواقدي [ (1) ] : وكان أبو اليسر يحدث أنهم حاصروا حصن الصعب بن معاذ ثلاثة أيام، وكان حصنا منيعا، وأقبلت غنم لرجل من اليهود ترتع وراء حصنهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من رجل يطعمنا من هذه الغنم؟ فقلت: أنا يا رسول اللَّه، فخرجت أسعى مثل الظبي فلما نظر إليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم موليا قال: اللَّهمّ متعنا به، فأدركت الغنم وقد دخل أولها الحصن فأخذت شاتين من آخرها فاحتضنتهما تحت يدي، ثم أقبلت أعدو كأن ليس معي شيء حتى أتيت بهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمر بهما فذبحتا، ثم قسمهما فما بقي أحد من أهل العسكر الذين هم معه محاصرين الحصن إلا أكل منها، فقيل لأبي اليسر: وكم كانوا؟ قال: كانوا عددا كبيرا، فيقال: أين بقية الناس؟ فيقول: بالرجيع في العسكر، فسمع أبو اليسر- وهو شيخ كبير- وهي يبكي في شيء غاظه من بعض ولده فقال: لعمري بقيت بعد أصحابي ومتعوا بي، وما أمتّع بهم، لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ متعنا به، فبقي فكان من آخرهم. قال المؤلف- رحمه اللَّه- أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمر بن غزية بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي شهد العقبة وبدرا وهو الّذي أسر العباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يوم بدر مات سنة خمس وخمسين بالمدينة [ (2) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 660. [ (2) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/ 1776، ترجمة رقم (3221) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 328 وأما رجيف الحصن بخيبر لما رماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكفّ من حصا فقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] : فحدثني موسى بن عمر الحارثي، عن أبي عفير محمد بن سهل بن أبي حثمة قال: لما تحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الشق وبه حصون ذوات عدد، فكان أول حصن بدأ به منها حصن أبيّ، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على قلعة يقال لها سموان، فقاتل عليها أهل الحصن قتالا شديدا، وخرج رجل من اليهود يقال له: غزّال فدعا إلى البراز فبرز له الحباب بن المنذر واختلفا ضربات، ثم حمل الحباب عليه فقطع يده اليمنى من نصف الذراع، فوقع السيف من يد غزّال فكان أعزل. فبادر راجعا منهزما إلى الحصن، وتبعه الحباب فقطع عرقوبه فوقع فذفّف عليه [ (2) ] ، فخرج آخر فصاح من يبارز؟ فبرز له رجل من المسلمين من آل جحش فقتل الجحشيّ وقام مكانه يدعو إلى البراز فبرز له أبو دجانة قد عصب رأسه بعصابة حمراء فوق المغفر يختال في مشيته، فبدره أبو دجانة فضربه فقطع رجليه، ثم ذفّف عليه وأخذ سلبه، درعه، وسيفه، فجاء به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فنفله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك. وأحجموا عن البراز، فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه، يقدمهم أبو دجانة، فوجدوا فيه أثاثا، ومتاعا، وغنما، وطعاما، وهرب من كان فيه من المقاتلة وتقحموا الجدر كأنهم الظباء حتى صاروا إلى حصن النزار بالشق. وجعل يأتي من بقي من قلل النطاة إلى حصن البزار فعلقوه وامتنعوا فيه أشد الامتناع. وزحف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه فقاتلهم فكانوا أشد أهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معهم، حتى أصابت النبل ثياب   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 667- 668. [ (2) ] فذفّف عليه: أجهز عليه حتى مات. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 329 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعلقت به، فأخذ النبل فجمعها، ثم أخذ لهم كفا من حصا، فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم، ثم ساخ في الأرض. قال إبراهيم بن جعفر: استوى بالأرض حتى جاء المسلمون فأخذوه أهله أخذا وكانت فيه صفية بنت حيي وابنة عمها وصبيات من حصن النزار [ (1) ] . وأما ما صنعه اللَّه سبحانه وتعالى لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى فرت غطفان وتركت يهود خيبر فذكر الواقديّ [ (2) ] وغيره: أن كنانة بن أبي الحقيق، خرج من خيبر في ركب إلى غطفان يدعوهم إلى نصرهم، ولهم نصف تمر خيبر سنة، وذلك أنه بلغهم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سار إليهم، قالوا: وكان رجل من بني مرة يكنى أبا شيم يقول: أنا في الجيش الذين كانوا مع عيينة من غطفان، أقبل: مدد اليهود، فنزلنا بخيبر ولم ندخل حصنا، فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عيينة بن حصن وهو رأس غطفان وقائدهم أن ارجع بمن معك، ولك نصف تمر خيبر هذه السنة، إن اللَّه وقد وعدني خيبر. فقال عيينة: لست بمسلم حلفائي وجيراني، فأقمنا على ذلك مع عيينة إذ سمعنا صائحا لا ندري من السماء أو من الأرض: أهلكم، أهلكم بحيفاء [ (3) ]- صيح ثلاثة- فإنكم قد خولفتم إليهم!!. وقال الواقدي- رحمه اللَّه-: إنه لما سار كنانة بن أبي الحقيق فيهم، حلفوا معه وارتأسهم عيينة بن حصن، وهم أربعة آلاف، فدخلوا مع اليهود في حصون النطاة قبل قدوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بثلاثة أيام، فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر أرسل إليهم سعد بن عبادة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهم في   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 667- 668، وقلل: جمع قلة، وقله أعلاه، وفي (البداية والنهاية) : «وأخذ المسلمون كل شيء أخذا باليد» . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 650- 652. [ (3) ] حيفاء أو حفياء: موضع قرب المدينة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 330 الحصن، فلما انتهى سعد إلى الحصن ناداهم: إني أريد إن أكلم عيينة بن حصن، فأراد عيينة أن يدخله الحصن، فقال مرحب: لا ندخله فيرى خلل حصننا، ويعرف نواحيه التي يؤتي منها ولكن تخرج إليه، فقال عيينة: وقد أحببت أن يدخل فيرى حصانته ويرى عددا كبيرا، فأبى مرحب أن يدخله، فخرج عيينة إلى باب الحصن. فقال سعد: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسلني إليك يقول: إن اللَّه قد وعدني خيبر، فارجعوا، وكفوا فإن ظهرنا عليها فلكم تمر خيبر سنة، فقال عيينة: بلغه عني أنا واللَّه ما كنا لنسلم حلفاءنا لشيء، وإنا لنعلم ما لك، ولمن معك، بما ها هنا طاقة، هؤلاء قوم أهل حصون منيعة، ورجال عددهم كثير وسلاح، إن أقمت هلكت ومن معك، وإن أردت القتال عجلوا عليك بالرجال والسلاح ولا واللَّه، ما هؤلاء كقريش، قوم ساروا إليك، فإن أصابوا غرة منك فذاك الّذي أرادوا، وإلا انصرفوا، وهؤلاء قوم يماكرونك الحرب، ويطاولونك حتى تملهم. فقال له سعد بن عباده: أشهد ليحضرنك في حصنك هذا حتى تطلب الّذي عبادة عرضنا عليك، فلا نعطيك إلا السيف، ولقد رأيت يا عيينة من قد حللنا بساحته من يهود يثرب، كيف مزقوا كل ممزق! فرجع سعد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره بما قال، وقال سعد: يا رسول اللَّه إن اللَّه منجز لك ما وعدك، ومظهر دينه، فلا تعطه [ (1) ] تمرة واحدة يا رسول اللَّه، لئن أخذه السيف ليسلمنهم وليهربن إلى بلاده، كما فعل قبل ذلك اليوم في الخندق، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يوجهوا إلى حصنهم الّذي فيه غطفان، وذلك عشية وهم في حصن ناعم. فنادى منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أصبحوا على رايتكم عند حصن ناعم الّذي فيه غطفان، قال: فرعبوا من ذلك يومهم وليلتهم، فلما كان بعد هذه من تلك الليلة سمعوا صائحا يصيح، لا يدرون من السماء أو الأرض: يا معشر غطفان أهلكم، أهلكم، الغوث، الغوث بحيفاء صيح ثلاثة لا تربة ولا مال.   [ (1) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المغازي) : «فلا تعط هذا الأعرابي» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 331 قال: فخرجت غطفان على الصعب والذّلول، وكان أمرا صنعه اللَّه- عزّ وجل- لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما أصبحوا أخبر كنانة بن أبي التحقيق وهو في الكتيبة بانصرافهم، فسقط في يديه [ (1) ] ، وذلّ، وأيقن بالهلكة وقال: كنا من هؤلاء الأعراب في باطل، إنا سرنا فيهم فوعدونا النصر، وغزوّنا، ولعمري لولا ما وعدونا من نصرهم ما نابذنا محمدا بالحرب، ولم نحفظ كلام سلام بن أبي الحقيق إذ قال: لا تستنصروا بهؤلاء الأعراب أبدا فإنا قد بلوناهم، وجلبهم لنصر بني قريظة ثم غروهم، فلم نر عندهم وفاء لنا، وقد سار فيهم حييّ بن أخطب، وجعلوا يطلبون الصلح من محمد، ثم زحف محمّد إلى بني قريظة، وانكشفت غطفان راجعة إلى أهلها. قالوا: فلما انتهى الغطفانيون إلى أهلهم بحيفاء، وجدوا أهلهم على حالهم، فقالوا: هل راعكم شيء؟ قالوا: لا واللَّه، فقالوا ولقد ظننا أنكم قد غنمتم، فما نرى معكم غنيمة ولا خيرا. فقال عيينة لأصحابه: هذا واللَّه من مكائد محمد وأصحابه خدعنا واللَّه، فقال له الحارث بن عوف: بأي شيء؟ قال عيينة: إنّا في حصن النطاة بعد هدأة [ (2) ] ، إذا سمعنا صائحا يصيح، لا ندري من السماء أو من الأرض! أهلكم، أهلكم بحيفاء، صيح ثلاثة فلا تربة، ولا مال. فقال الحارث بن عوف: يا عيينة واللَّه لقد غبرت أن انتفعت واللَّه إن الّذي سمعت لمن السماء، واللَّه ليظهرن محمد على من ناوأه، حتى لو ناوأته الجبال لأدرك منها ما أراد، فأقام عيينة أياما في أهله، ثم دعا أصحابه للخروج إلى نصر اليهود، فجاءه الحارث بن عوف، فقال: يا عيينة أطعني، وأقم في منزلك، ودع نصر اليهود، [محمد أحب إلينا من اليهود] مع أني لا أراك ترجع إلى خيبر، إلا وقد فتحها محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا آمن عليك، فأبى عيينة أن يقبل قوله، وقال: لا أسلم حلفائي لشيء، ولما ولي عيينة إلى أهله، هجم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الحصون حصنا حصنا، فلقد انتهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى حصن   [ (1) ] سقط في يده: ندم وتحيّر وذلّ. [ (2) ] الهدأة: أول الليل إلى ثلاثة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 332 ناعم ومعه المسلمون، وحصون ناعم عدة، فرمت اليهود يومئذ بالنّبل، وترّس أصحاب صلّى اللَّه عليه وسلّم عن رسول اللَّه، وعلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ درعان ومغفر وبيضة وهو على فرس يقال له الظرب، في يده قناة وترس، وأصحابه محدقون به، وقد كان دفع لواءه إلى رجل من أصحابه من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا، ثم دفع إلى آخر فرجع ولم يصنع شيئا، ودفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لواء الأنصار إلى رجل منهم، فخرج ورجع ولم يعمل شيئا، فحث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين، وسالت كتائب اليهود، امامهم الحارث أبو زينب يقدم اليهود يهد الأرض هدّا، فأقبل صاحب راية الأنصار فلم يزل يسوقهم حتى انتهوا إلى الحصن فدخلوه، وخرج أسير اليهوديّ يقدم أصحابه معه عاديته، وكشف راية أصحاب الأنصار حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في موقفه، ووجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في نفسه حدة شديدة، وقد ذكر لهم الّذي وعدهم اللَّه، فأمسى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مهموما، وقد كان سعد بن عبادة رجع مجروحا وجعل يستبطئ أصحابه، وجعل صاحب راية المهاجرين يستبطئ أصحابه ويقول: أنتم، وأنتم! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنّ اليهود جاءهم الشيطان فقال لهم: إنّ محمدا يقاتلكم على أموالكم! نادوهم: قولوا لا إله إلا اللَّه، ثم قد أحرزتم بذلك أموالكم ودماءكم، وحسابكم على اللَّه، فنادوهم بذلك فنادت اليهود: إنا لا نفعل ولا نترك عهد موسى والتوراة بيننا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبه اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه على يديه، ليس بفرّار، أبشر يا محمد بن مسلمة غدا، إن شاء اللَّه يقتل قاتل أخيك وتولى عادية اليهود، فلما أصبح أرسل إلى عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو أرمد، فقال: ما أبصر سهلا ولا جبلا. قال: فذهب إليه فقال: افتح عينيك. ففتحهما فتفل فيهما. قال عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: فما رمدت حتى الساعة، ثم دفع إليه اللواء، ودعا له ومن معه من أصحابه بالنصر، فكان أول من خرج إليهم الحارث أخو مرحب في عاديته، فانكشف المسلمون وثبت عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فاضطربا ضربات فقتل عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن فدخلوه وأغلقوا عليهم، فرجع المسلمون إلى موضعهم، فخرج مرحب وهو يقول: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 333 قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب أضرب أحيانا وحينا أضرب فحمل عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقطره على الباب وفتح الباب، وكان للحصن بابان. وحدثني ابن أبي سبرة، عن خالد بن رباح، عن شيوخ من بني ساعدة قالوا: قتل أبو دجانة الحارث أبا زينب، وكان يومئذ معلما بعمامة حمراء، والحارث معلم فوق مغفره، وياسر وأسير وعامر معلمين. قال وحدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد اللَّه قال: لما نظر عيينة بن حصن إلى حصن الصعب بن معاذ، والمسلمون ينقلون منه الطعام، والعلف، والبرّ، قال: ما أحد يعلف لنا دوابنا ويطعمنا من هذا الطعام الضائع، فقد كان أهله عليه كراما، فشتمه المسلمون وقالوا: لك الّذي جعل لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذو الرقيبة فأمسكت [ (1) ] .   [ (1) ] شرح معنى «ذو الرقيبة» ، في سياق الفقرة التالية. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 334 وأما إعلام اللَّه سبحانه وتعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بما رآه عيينة بن حصن في منامه وبالصياح الّذي أنفره إلى أهله فقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] : قالوا: وكان أبو شييم المزني- قد أسلم، فحسن إسلامه- يحدث بقول لما نفرنا أهلها بحيفاء مع عيينة، قدمنا عليهم وهم قارون هادئون لم يهجهم هائج، رجع بنا عيينة فلما كان دون خيبر بمكان يقال له الحطام عن عرّسنا من الليل ففزعنا. فقال عيينة: أبشروا إني أرى الليلة في النوم، أني أعطيت ذا الرقيبة- جبلا بخيبر- قد واللَّه أخذت برقبة محمد. قال: فلما قدمنا خيبر قدم عيينة، فوجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد فتح خيبر وغنمه اللَّه ما فيها، فقال عيينة: أعطنى يا محمد مما غنمت من حلفائي فإنّي انصرفت عن قتالك وخذلت حلفائي ولم أكثر عليك، ورجعت عنك بأربعة آلاف مقاتل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبت، ولكن الصياح الّذي سمعت أنفرك إلى أهلك، قال: أجزني يا محمد، قال: لك ذو الرقيبة! قال عيينة: وما ذو الرقيبة؟ قال: الجبل الّذي رأيته في النوم، أنك أخذته. فانصرف عيينة فجعل يتدسس إلى اليهود ويقول: ما رأيت كاليوم أمرا، واللَّه ما كنت أرى أحد يصيب محمدا غيركم، قلت: أهل الحصون والعدّة، والثروة، أعطيتم بأيديكم وأنتم في هذه الحصون المنيعة، وهذا الطعام الكثير ما يوجد له آكل، والماء الواتن، قالوا: قد أردنا الامتناع في قلعة الزبير، ولكن الدبول قطعت عنا، وكان الحر، فلم يكن لنا بقاء على العطش، قال: فقد وليتم من حصون الناعم منهزمين حتى صرتم إلى حصن قلعة الزبير، وجعل يسأل عمن قتل منهم فيخبر، قال: قتل واللَّه أهل الجد والجلد، لا نظام ليهود بالحجاز أبدا. ويسمع كلامه ثعلبة بن سلام بن أبي الحقيق وكانوا يقولون: إنه   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 675- 677. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 335 ضعيف العقل مختلط، فقال: يا عيينة أنت غررتهم وخذلتهم وتركتهم وقتال محمد، وقبل ذلك ما صنعت ببني قريظة. فقال عيينة: إن محمد كادنا في أهلنا فنفرنا إليهم حيث سمعنا الصريخ ونحن نظن أن محمدا قد خالف إليهم، فلم نر شيئا فكررنا إليكم لننصركم. قال ثعلبة: ومن بقي تنصره، قد قتل من قتل، وبقي من بقي، فصار عبدا لمحمد وسبانا وقبض الأموال. قال: يقول رجل من غطفان لعيينة: لا أنت خلفاءك فلم يعدوا عليك حلفنا ولا أنت حيث وليت، كنت أخذت تمر خيبر من محمد سنة، واللَّه إني لأرى أمر محمد أمرا ظاهرا، ليظهر على من ناوأه فانصرف عيينة إلى أهله يفتل يديه، فلما رجع إلى أهله جاءه الحارث بن عوف فقال: ألم أقل لك إنك توضع في غير شيء، واللَّه ليظهرن محمد على من بين المشرق والمغرب، اليهود كانوا يخبروننا هذا. أشهد لسمعت أبا رافع سلام بن أبي الحقيق يقول: إنا لنحسد محمدا على النبوة حيث خرجت مكن بني هارون وهو نبي مرسل، واليهود لا تطاوعني على هذا، ولنا منه ذبحان: واحد بيثرب وآخر بخيبر قال الحارث: قلت لسلام: يملك الأرض جميعا؟ قال: نعم، والتوراة التي أنزلت على موسى بن عمران، وما أحب أن تعلم يهود بقولي فيه. وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: كانت بنو فزارة ممن قدم على أهل خيبر ليعينوهم، فراسلهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن لا يعينوهم، وسألهم أن يخرجوا عنهم ولكم من خيبر كذا وكذا، هنالك من بني فزارة فقالوا: أحطنا والّذي وعدتنا، فقال: حطكم أو قال: لكم ذا الرقيبة جبل من جبال خيبر فقالوا: إذا نقاتلك، فقال: موعدكم حقا، فلما سمعوا ذلك خرجوا هاربين، وحقا ماء من مياه بني فزاره. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 336 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن رجل كان يقاتل معه بخيبر أنه من أهل النار، فقتل نفسه وصار من أهل النار فخرّج البخاريّ من حديث أبي غسان قال: حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد أن رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فنظر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا، فأتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مسرعا فقال: أشهد أنك رسول اللَّه، قال: وما ذاك؟ قال: قلت لفلان: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنه لا يموت على ذلك فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك: إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم. ذكره في (القدر) [ (1) ] وفي كتاب (الرقاق) [ (2) ] . وخرّج في كتاب (القدر) [ (3) ] من حديث معمر، عن الزهريّ حدثنا سعيد ابن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: شهدنا   [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 610، كتاب القدر، باب (5) العمل بالخواتيم، حديث رقم (6607) . [ (2) ] (المرجع السابق) : كتاب الرقاق، باب (33) الأعمال بالخواتيم، وما يخاف منها، حديث رقم (6493) ، قال ابن بطال في تغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة، وتدبير لطيف، لأنه لو علم وكان ناجيا أعجب وكسل، وإن كان هالكا ازداد عتوا، فحجب عنه ذلك ليكون بين الخوف والرجاء. وقد روي الطبري عن حفص بن حميد قال: قلت لابن المبارك: رأيت رجلا قتل رجلا ظلما، فقلت في نفسي: أنا أفضل من هذا، فقال: أمنك على نفسك أشدّ من ذنبه. قال الطبري: لأنه لا يدري ما يؤول إليه الأمر، لعل القاتل يتوب فتقبل توبته، ولعل الّذي أنكر عليه يختم له بخاتمة السوء- أعاذنا اللَّه منها-. [ (3) ] (المرجع السابق) : كتاب القدر، باب (5) العمل بالخواتيم، حديث رقم (6606) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 337 مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لرجل ممن معه يدعي الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال فكثرت به الجراح فأثبتته، فجاء رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه، أرأيت الّذي تحدثت أنه من أهل النار قاتل في سبيل اللَّه من أشد القتال فكثرت به الجراح فأثبتته، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما إنه من أهل النار فكاد بعض المسلمين يرتاب، فبينا هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجراح، فأهوى بيده إلى كنانته فانتزع منها سهما فانتحر بها، فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه، صدق اللَّه حديثك، قد انتحر فلان فقتل نفسه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا بلال قم فأذن: لا يدخل الجنة إلا مؤمن وإنّ اللَّه ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. وخرّجه في غزوة خيبر من حديث شعيب، عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيّب أن أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: شهدنا خيبر ... إلى آخره بنحو حديث معمر وقال فيه: الجراحة في الموضعين وقال: فاستخرج منها سهما فنحر بها نفسه، وقال بعده تابعه معمر عن الزهري [ (1) ] . وقال شبيب عن يونس، عن ابن شهاب أخبرني ابن المسيب وعبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب أنّ أبا هريرة قال: شهدنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حنينا وقال ابن المبارك: عن يونس، عن الزهريّ، عن سعيد، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تابعه صالح عن الزهريّ. وقال الزبيدي: أخبرني الزهريّ أن عبيد الرحمن بن كعب أخبره أن عبيد اللَّه بن كعب قال: أخبرني من شهد مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر قال الزهريّ: وأخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه وسعيد عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . وخرّج مسلم حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: شهدنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حنينا، فقال الرجل: ممن يدعي بالإسلام هذا من أهل   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 598، كتاب المغازي، باب (39) ، غزوة خيبر، حديث رقم (4204) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4205) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 338 النار، فلما حضر القتال، قاتل الرجل قتالا شديدا، فأصابه جراحة، فقيل: يا رسول اللَّه الّذي قلت له آنفا أنه من أهل النار، فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا، وقد مات، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إلى النار، فكاد بعض المسلمين يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل: فإنه لم يمت ولكن به جراحا شديدا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اللَّه أكبر أشهد أني عبد اللَّه ورسوله، ثم أمر بلالا فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن اللَّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر [ (1) ] . وخرّجه البخاريّ من حديث شعيب، عن الزهريّ ومعمر عن الزهريّ إلى آخره بنحوه ولم يذكر حنينا ولا قال: آنفا وقال: ليؤيده، ذكره في كتاب الجهاد [ (2) ] . وخرّجا من حديث أبي حازم، عن سهل بن معبد الساعدي، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم التقى هو والمشركون فاقتتلوا ... الحديث. ولم يذكر فيه بخيبر [ (3) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 482- 483، كتاب الإيمان، باب (47) غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وإنّ من قتل نفسه بشيء عذب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة نفس مسلمة، حديث رقم (111) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 220- 221، كتاب الجهاد والسير، باب (182) إن اللَّه يؤيد الدين بالرجل الفاجر، حديث رقم (3062) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 484- 485، كتاب الإيمان، باب (47) غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وإن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، حديث رقم (112) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 339 وأما إطلاع اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم على ما غلّه من شهد خيبر معه فخرّج مسلم [ (1) ] والترمذي [ (2) ] من حديث عكرمة بن عمار قال: حدثني سماك الحنفي أبو زميل قال: حدثني عبد اللَّه بن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أوفى عباءة، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، قال: فخرجت فناديت في الناس: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، اللفظ لمسلم وهو أتم، ذكره في كتاب الإيمان، وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب صحيح. وخرّج مسلم في كتاب الإيمان من حديث ابن وهب، عن مالك، عن ابن أنس عن ثور بن زيد الدؤليّ، ومن حديث عبد العزيز بن محمد، عن ثور، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خيبر ففتح اللَّه علينا فلم نغنم ذهبا ولا ورقا، غنمنا المتاع، والطعام، والثياب، ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد له وهبه له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحل رحله فرمى بسهم فكان فيه حتفه، فقلنا: هنيئا له الشهادة يا رسول اللَّه، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلا والّذي نفسي بيده إن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من المغانم يوم خيبر لم تصبها المقاسم، قال: ففزع   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 487- 488، كتاب الإيمان، باب (48) غلظ تحريم الغلول، وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، حديث رقم (114) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 118، كتاب السير، باب (21) ما جاء في الغلول، حديث رقم (1574) ، وفيه: «قم يا علي فناد» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 340 الناس فجاء رجل بشراك، أو شراكين، فقال: يا رسول اللَّه أصبت يوم خيبر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شراك من نار أو شراكان من نار [ (1) ] . وخرّجه البخاريّ في كتاب الأيمان والنذور من حديث مالك، عن ثور بن زيد الدئلي، عن أبي الغيث مولى ابن مطيع، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم خيبر فلم نغنم ذهبا ولا فضة إلا الأموال، والثياب، والمتاع، فأهدى رجل من بني الضبيب يقال له: رفاعة بن زيد غلاما يقال له مدعم، فوجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى وادي القرى، حتى إذا كان بوادي القرى، بينما مدعم بحط رحلا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سهم عائر فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلا والّذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا، فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: شراك من نار أو شراكان من نار [ (2) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 488- 489، كتاب الإيمان، باب (48) غلظ تحريم الغلول، وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، حديث رقم (115) . وفي الحديثين من الفوائد غلظ تحريم الغلول، وأنه لا فرق بين قليله وكثيره، حتى الشراك، ومنها أن الغلول يمنع من إطلاق اسم الشهادة على من غلّ إذا قتل ... ومنها أنه لا يدخل الجنة أحد ممن مات على الكفر، وهذا بإجماع المسلمين، ومنها جواز الحلف باللَّه- تعالى- من غير ضرورة، لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفس محمد بيده، ومنها أن من غلّ شيئا من الغنيمة يجب عليه رده، وأنه إذا رده يقبل منه، ولا يحرق متاعه، سواء رده أم لم يرده، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يحرق متاع صاحب الشملة، وصاحب الشراك، ولو كان واجبا لفعله، ولو فعله لنقل. (شرح النووي) . [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 725، كتاب الإيمان والنذور، باب (33) هل يدخل في الإيمان والنذور، الأرض والغنم والزرع والأمتعة، وقال ابن عمر: قال عمر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه، قال: إن شئت حبسّت أصلها وتصدقت بها، وقال أبو طلحة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحب أموالي إليّ بيرحاء لحائط له مستقبلة القبلة حديث رقم (6707) ، والشراك: سير النعل. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 341 وخرّجه أبو داود في الجهاد، عن مالك بهذا الإسناد، وخرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عام خيبر، فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الثياب والمتاع والأموال قال: فوجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نحو وادي القرى وقد أهدى لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد أسود يقال له: مدعم، حتى إذا كانوا بوادي القرى فبينما مدعم يحط رحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جاءه سهم فقتله.. الحديث إلى آخره نحوه [ (1) ] . وخرّج في كتاب الجهاد من حديث سفيان، عن عمرو عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد اللَّه بن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل يقال له: كركرة فمات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلّها [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 3/ 155، كتاب الجهاد باب (143) في تعظيم الغلول، حديث رقم (2711) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 230، كتاب الجهاد والسير، باب (190) القليل من الغلول، ولم يذكر عبد اللَّه بن عمرو عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه حرّق متاعه، وهذا أصح، حديث رقم (3074) ، وقال في آخره: قال أبو عبد اللَّه: قال ابن سلام: كركرة، يعني بفتح الكاف، وهو مضبوط هكذا. قوله: «على ثقل» ، بمثلثة وقاف مفتوحتين: العيال، وما يثقل حمله من الأمتعة. قوله: «كركرة» ، ذكر الواقديّ أنه كان أسود يمسك دابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القتال، وروى أبو سعيد النيسابورىّ في (شرف المصطفى) : أنه كان نوبيا أهداه له هوذة بن عليّ الحنفيّ صاحب اليمامة فأعتقه، وذكر البلاذريّ أنه مات في الرق. واختلف في ضبطه في كافه الأولى، وأما الثانية فمكسورة اتفاقا، وقد أشار البخاريّ إلى الخلاف في ذلك بقوله في آخر الحديث: «قال ابن سلام: كركرة» قال، وأراد بذلك أن شيخه محمد بن سلام رواه عن ابن عيينة بهذا الإسناد بفتح الكاف، وصرح بذلك الأصيلي في روايته، فقال: يعني بفتح الكاف. واللَّه- تعالى- أعلم. قال عياض: هو للأكثر بالفتح في رواية عليّ، وبالكسر في رواية ابن سلام وعند الأصيلي بالكسر في الأول، وقال القابسيّ: لم يكن عند المروزي فيه ضبط إلا أني أعلم الأول خلاف الثاني. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 342 وخرّج أبو داود [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من حديث يحيى بن سعيد الأنصاريّ، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أبي عمرة، عن زيد بن خالد الجهنيّ أن رجلا من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم توفى يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال: إن صاحبكم غلّ في سبيل اللَّه ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين، اللفظ لأبي داود، وخرّجه ابن الجارود به بنحوه. وقال الواقدي في غزاة خيبر [ (3) ] : وكان رجل أسود مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يمسك دابته عند القتال فقال له: كركرة فقتل يومئذ، فقيل يا رسول اللَّه استشهد كركر فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه الآن ليحرق في النار على شملة غلها، فقال رجل من القوم: يا رسول اللَّه أخذت شراكين يوم كذا وكذا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شراكان من نار، وتوفى يومئذ رجل من أشجع وإنهم ذكروه لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: صلوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن صاحبكم غلّ في سبيل اللَّه، قال زيد بن خالد الجهنيّ: ففتشنا متاعه، فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يسوى درهمين. وقال في غزوة وادي القرى [ (4) ] ، وكان أبو هريرة [يحدث] [ (5) ] قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر إلى وادي القرى، وكان رفاعة بن زيد بن   [ () ] وفي الحديث تحريم قليل الغلول وكثيره، وقوله: «هو في النار» ، أي يعذب على معصيته أو المراد هو في النار إن لم يعف اللَّه عنه. [ (1) ] (سنن أبي داود) : 3/ 155، كتاب الجهاد، باب (143) في تعظيم الغلول، حديث رقم (2710) ، وأخرجه ابن ماجة في الجهاد، باب الغلول، حديث رقم (2848) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 4/ 366، كتاب الجنائز، باب (66) الصلاة على من غلّ، حديث رقم (1958) . قال الحافظ السندي: «غل» : أي خان في الغنيمة قبل القسمة، «ما يساوي درهمين» : أي قدرا يساوي درهمين، أو كلمة «ما» نافية. (حاشية السندي على سنن النسائي) . [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 681. [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 709- 710. [ (5) ] زيادة للسياق من (المغازي) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 343 وهب الجذاميّ قد وهب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبدا أسود يقال له: مدعم، وكان يرحل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما نزلوا بوادي القرى انتهينا إلى اليهود وقد ضوى إليها أناس من العرب فبينما مدعم يحط رحل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد استقبلتنا اليهود بالرمي حيث نزلنا، ولم يكن على تعبئة وهم يصيحون في آطامهم، فيقبل سهم عائر [ (1) ] فأصاب مدعما فقتله، فقال الناس: هنيئا لك الجنة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلا والّذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لتشتعل عليه نارا فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشراك أو بشراكين فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شراك [ (2) ] من نار، أو شراكان من نار. وقال في غزوة حنين [ (3) ] : [أن رجلا] قاتل قتالا شديدا حتى اشتد به الجراح فذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: من أهل النار، فارتاب المسلمون في ذلك، ووقع في أنفسهم ما اللَّه به عليهم، فلما اشتدّ به الجراح أخذ مشقصا [ (4) ] من كنانته فانتحر به، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بلالا ينادي: ألا لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن اللَّه يؤيد الدين بالرجل الفاجر. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: فدخل الواقدي- رحمه اللَّه- بما ذكر وجه البيان بأن الغالين أربعة: أحدهم: الّذي نحر نفسه من شدة ألم الجراحة بحنين. والثاني: الّذي لم يصلّ عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما مات بخيبر وهو رجل من أشجع. والثالث: كركرة قتل بخيبر. والرابع: مدعم قتل بوادي القرى.   [ (1) ] العائر من السهام: ما لا يدري راميه. [ (2) ] الشراك أحد سيور النعل التي تكون على وجهها. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 917. [ (4) ] المشقص من النصال: ما طال وعرض. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 344 وأما نطق ذراع الشاة المسمومة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تخبره بما فيها من السم فخرّج الحاكم [ (1) ] من حديث أبي قلابة الرقاشيّ، حدثنا أبو عتّاب سهل بن حماد، عن عبد الملك بن أبي نضرة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يهودية أهدت شاة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سميطا، فلما بسط القوم أيديهم قال لهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كفوا أيديكم، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة قال: فأرسل إلى صاحبتها: أسممت طعامك هذا؟ قالت: نعم، أحببت إن كنت كاذبا أن أريح الناس منك، وإن كنت صادقا علمت أن اللَّه سيطلعك عليه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «اذكروا اسم اللَّه وكلوا، فأكلنا، فلم يضر أحدا منا شيئا» قال: هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه] [ (2) ] . وخرّج البيهقيّ [ (3) ] من حديث عبد الملك بن أبي نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يهودية أهدت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إما شاة مسمومة وإما برقا مسموطا مسموما، فلما قربته إليه وبسط القوم أيديهم، قال: أمسكوا، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة، فدعا صاحبتها فقال: أسممت هذا؟ قالت: نعم، قال: ما حملك عليه؟ قالت: أحببت إن كنت كاذبا أن أريح الناس منك، وإن كنت رسولا أنك ستطلع عليه، فلم يعاقبها. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر، عن الزهريّ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن امرأة يهودية أهدت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شاة مصلية بخيبر فقال: ما   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 122، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7090) ، وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 260، باب ما جاء في الشاة التي سممت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بخيبر، وما ظهر في ذلك من عصمة اللَّه جلّ ثناؤه ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ضرر ما أكل منه حتى بلغ فيه أمره، وإخبار ذراعها إياه بذلك حتى أمسك عن البقية. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 345 هذه؟ قالت: هدية، وحذرت أن تقول من الصدقة فلا يأكل، قال: فأكل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأكل أصحابه، ثم قال: أمسكوا، ثم قال للمرأة: هل سممت هذه الشاة؟ قالت: من أخبرك هذا؟ قال: هذا العظم لساقها، وهو في يده، قالت: نعم، [قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:] لم، قالت: أردت إن كنت كاذبا أن يستريح الناس منك، وإن كنت نبيا لم يضرك، قال: فاحتجم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الكاهل وأمر أصحابه فاحتجموا، فمات بعضهم، قال الزهريّ: فأسلمت، فتركها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال معمر: وأما الناس فيقولون قتلها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . قال البيهقيّ: هذا مرسل ويحتمل أن يكون عبد الرحمن حمله، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (2) ] . وخرّج أبو داود من طريق ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: كان جابر بن عبد اللَّه يحدث أن يهودية من أهل خيبر سممت شاة مصلية، ثم أهدتها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الذراع فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ارفعوا أيديكم، وأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليهودية، فدعاها، فقال: أسممت هذه الشاة؟ قالت اليهودية: من أخبرك، قال: أخبرتني هذه التي في يدي للذراع، قالت: نعم، قال: فما أردت إلى ذلك؟ قالت: قلت إن كان نبيا فلم يضره [شيئا] [ (3) ] ، وإن لم يكن نبيا استرحنا منه، فعفا عنها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يعاقبها، وتوفى بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة واحتجم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على كاهله من أجل الّذي أكل من الشاة، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة، وهو مولى لبني بياضة من الأنصار [ (4) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 260- 261، وما بين الحاصرتين زيادة للبيان. [ (2) ] (المرجع السابق) : 262. [ (3) ] زيادة في (الأصل) : فقط. [ (4) ] (سنن أبي داود) : 4/ 648- 649، كتاب الديات، باب (6) فيمن سقى رجلا سما أو أطعمة فمات، أيقاد منه؟ حديث رقم (4510) ، وهو حديث منقطع، الزهريّ لم يسمع من جابر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 346 ومن طريق وهب بن بقية قال: حدثنا خالد عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أهدت له يهودية شاة مصلية بخيبر، نحو حديث جابر قال: فمات بشر بن البراء بن معرور، فأرسل إلى اليهودية، [وقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:] ما حملك على الّذي صنعت فذكر نحو حديث جابر، فأمر بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتلت. ولم يذكر أمر الحجامة [ (1) ] . قال البيهقيّ: ورويناه عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ويحتمل أنه لم يقتلها [في الابتداء] ، ثم لما مات   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4511) ، وما بين الحاصرتين زيادة للبيان. وقد اختلف الناس فيما يجب على من جعل في طعام رجل سما فأكله فمات، فقال مالك بن أنس: عليه القود، وأوجب الشافعيّ- في أحد قوليه- القود إذا جعل في طعامه سما وأطعمه إياه، أو في شرابه فسقاه ولم يعلمه أن فيه سما. قال الشافعيّ: وإن خلط بطعام سما فوضعه ولم يقل له فأكله أو شربه فمات فلا قود عليه. قال الخطابيّ: والأصل أن المباشرة والسبب إذا اجتمعا كان حكم المباشرة مقدما على السبب، كحافر البئر والدافع إليها. فأما إذا استكرهه على شرب السم فعليه القود في مذهب الشافعيّ ومالك، وعن أبي حنيفة: إن سقاه السمّ فمات: لم يقتل به، وإن أوجره إيجارا كان على عاقلته الدية. ثم إنه ليس في هذا الحديث أكثر من أن اليهودية أهدتها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأن بعثت بها، فصارت ملكا له، وصار أصحابه أضيافا له، ولم تكن هي التي قدّمتها إليهم وإليه، وما هذا سبيله فالقود فيه ساقط، لما ذكرنا من علة المباشرة وتقديمها على السبب. وفي الحديث دليل على إباحة أكل طعام أهل الكتاب، وجواز مبايعتهم ومعاملتهم مع إمكان أن يكون في أموالهم الربا ونحوه من الشبهة. وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الهدية توجب العوض، وذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يقبل الهدية من يهودية إلا من حيث يرى فيها التعويض، فيكون ذلك عنده بمنزلة المعاوضة بعقد البيع. واللَّه- تعالى- أعلم. (معالم السنن) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 347 بشر بن البراء أمر بقتلها، وقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير [ (1) ] . وقال إسماعيل بن إبراهيم عن عمه موسى بن عقبة وقال محمد بن فليح: حدثنا عقبة عن ابن شهاب قال: لما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر وقتل من قتل منهم أهدت زينب بنت الحارث اليهودية وهي ابنة أخي مرحب لصفية شاة مصلية وسممتها، وأكثرت في الكتف والذراع لأنه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة، فقدمت إليهم الشاة المصلية، فتناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الكتف وانتهش منها، وتناول بشر بن البراء عضوا فانتهش منه، فلما استرطها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استرط بشر بن البراء ما في فيه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أرفعوا أيديكم فإن كتف هذه الشاة تخبرني أن قد بغيت فيها، فقال بشر بن البراء: والّذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك طعامك، فلما أسغت ما في فيك، لم أكن أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون استرطتها وفيها بغي، فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه مثل الطيلسان، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلا ما حول [ (2) ] . [قال جابر] : وفي رواية ابن فليح عن موسى، قال الزهري: قال جابر بن عبد اللَّه: واحتجم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الكاهل يومئذ حجمه مولى بني بياضه بالقون والشفرة وبقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الّذي توفى فيه فقال: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطع الأبهر مني فتوفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شهيدا [ (3) ] . وقد ذكر ابن إسحاق [ (4) ] والواقدي قصة سم الشاة، وسياق الواقدي أنه قال في (مغازيه) [ (5) ] : لما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر واطمأن جعلت زينب ابنة   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 262- 263. [ (2) ] (المرجع السابق) : 263- 264. [ (3) ] (المرجع السابق) : 264- وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (4) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 308- 309، قصة الشاة المسمومة، وموته صلّى اللَّه عليه وسلّم شهيدا. [ (5) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 677- 678. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 348 الحارث اليهودية تسأل: أي الشاة أحب إلى محمد؟ فيقولون: الذراع والكتف، فعمدت إلى عنز لها فذبحتها، ثم عمدت إلى سم لا بطيّ، قد شاورت اليهود في سموم فأجمعوا لها على هذا السم بعينه، فسمت الشاة وأكثرت في الذراعين والكتفين، فلما غابت الشمس صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المغرب وانصرف إلى منزله، وجد زينب جالسة عند رحله فيسأل عنها فقالت: أبا القاسم، هدية أهديتها لك، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالهدية فقبضت منها ووضعت بين يديه، ثم قال لأصحابه وهم حضور أو من حضر منهم: ادنوا فتعشوا، فدنوا فقمدوا أيديهم، وتناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الذراع وتناول بشر بن البراء عظما فانتهش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منها نهشا وانتهش بشر، فلما ازدرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ازدرد بشر. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ضعوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبره أنها مسمومة، فقال بشر بن البراء: قد واللَّه يا رسول اللَّه وجدت ذلك من أكلتي التي أكلتها، فما منعني أن ألفظها إلا كراهية أن أنغص إليك طعامك، فلما تسوغت ما في يدك، لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون ازدرتها وفيها بغى، فلم يرم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان وماطله وجعه سنة لا يتحول إلا ما حوّل، ثم مات منه، ويقال: لم يرم مكانه حتى مات. وعاش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك ثلاث سنين، ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بزينب، فقال: سمعت الذراع؟ فقالت: من أخبرك؟ قال: الذراع، قالت: نعم، [قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:] وما حملك على ذلك؟ قالت: قتلت أبي، وعمي، وزوجي، ونلت من قومي ما نلت، فقلت: إن كان نبيا فستخبره الشاة بما صنعت، وإن كان ملكا استرحنا منه. فاختلف علينا فيها، فقال قائل: أمر بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتلت، ثم صلبت، وقال قائل: عفى عنها، وكان نفر ثلاثة قد وضعوا أيديهم في الطعام ولم يسيغوا منه شيئا، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه فاحتجموا أوساط رءوسهم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 349 من الشاة، واحتجم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحت كتفه اليسرى، ويقال: احتجم على كاهله، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة. قالوا: فكانت أم بشر بن البراء تقول: دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مرضه الّذي مات فيه وهو محموم فمسسته فقلت: ما وجدت مثل [ما] وعك عليك على أحد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كما يضاعف لنا الأجر كذلك يضاعف لنا البلاء، زعم الناس أن برسول اللَّه ذات الجنب، ما كان اللَّه ليسلطها عليّ، إنما هي همزة من الشيطان ولكنه من الأكلة الّذي أكلت أنا وابنك يوم خيبر، ما زال يصيبني منها عداد [ (1) ] حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري [ (2) ] ، فمات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شهيدا. ويقال: إن الّذي مات من الشاة مبشر بن البراء، وبشر أثبت عندنا، وهو المجتمع عليه. قال الواقدي: سألت إبراهيم بن جعفر عن قول زينب ابنة الحارث قتلت أبي؟ قال: قتل يوم خيبر أبوها الحارث وعمها يسار، وكان أجبن الناس، وكان الحارث أشجع اليهود، وأخوها زبير قتل يومئذ وكان زوجها سيدهم وأشجعهم سلام بن مشكم، كان مريضا، فقتل وهو مريض، وهو أبو الحكم كان صاحب حربهم، ولكن اللَّه شغله بالمرض [ (3) ] .   [ (1) ] العداد: اهتياج وجع اللديغ، وذلك إذا تمت له سنة من يوم لدغ هاج به الألم. [ (2) ] الأبهر: العرق المعلق بالقلب. [ (3) ] (المرجع السابق) : 678- 679. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 350 وأما أن الأرض أبت أن تقبل ميتا قتل موحّدا روى محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة وشعيب، عن ابن شهاب الزهريّ قال: حدثنا عبد اللَّه بن موهب، عن قبيصة بن ذؤيب قال: أغار رجل من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على سرية من المشركين فانهزمت، فغشى رجل من المسلمين رجلا من المشركين وهو منهزم فلما أراد أن يعلوه بالسيف قال: لا إله إلا اللَّه، فلم ينزع عنه حتى قتله، ثم وجد في نفسه من قتله، فذكر حديثه لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فهل لا نقبت عن قلبه؟ يريد أن يعبر عن القلب اللسان، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى توفى ذلك الرجل القاتل، فأصبح على وجه الأرض فجاء أهله فحدثوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ادفنوه، فدفنوه، فأصبح على وجه الأرض، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فحدثوه ذلك، فقال: إن الأرض قد أبت أن تقبله فاطرحوه في غار من الغيران. وروى يونس بن بكير عن البراء بن عبد اللَّه، عن الحسن قال: بلغنا أن رجلا كان على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قتال المشركين، فذكر معنى ما ذكر قبيصة، يزيد وينقص، ومما زاد، قال: فأنزل اللَّه فيه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً، فبلغنا أن الرجل مات فقيل: يا رسول اللَّه مات فلان فدفناه، فأصبحت الأرض قد لفظته، ثم دفناه فلفظته، فقال: أما إنها تقبل من هو شر منه ولكن اللَّه- عز وجل- أراد أن يجعله موعظة لكم لكي لا يقدم رجل على قتل من يشهد أن لا إله إلا اللَّه ويقول: إني مسلم، اذهبوا به إلى شعب بني فلان فادفنوه، فإن الأرض ستقبله، فدفنوه في ذلك الشعب، ذكر ذلك البيهقيّ [ (1) ]- رحمة اللَّه عليه.   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 4/ 310، باب ذكر الرجل الّذي قتل رجلا بعد ما شهد بالحق، ثم مات فلم تقبله الأرض، وما ظهر في ذلك من آثار الجزء: 13 ¦ الصفحة: 351 وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو خالد، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللَّه بن قسيط، عن القعقاع بن عبد اللَّه بن أبي حدرد الأسلمي، عن أبيه قال: بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سرية إلى إضم، فلقينا عامر بن الأضبط فحيانا بتحية الإسلام، فحمل عليه المحلم بن جثامة فقتله وسلبه، فلما قدمنا جئنا بسلبة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرناه، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [ (1) ] .. الآية. وقال في غزوة حنين: قالوا: وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الظهر يوما بحنين، ثم تنحى إلى [ظل] شجرة فجلس إليها فقام عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعي وهو يومئذ سيد قيس ومعه الأقرع بن حابس يدفع عن محلم ابن جثامة لمكان خندف، فاختصما بين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعيينة، يقول: يا رسول اللَّه، لا واللَّه لا أدعه حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تأخذ الدية؟ فأبى عيينة حتى ارتفعت الأصوات وكثر اللغط إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له: مكيتل قصد مجتمع، عليه سلة كاملة وذرقة في يده، فقال: يا رسول اللَّه إني لم أجد لهذا القتيل شبها غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها فنفرت أخراها، أسنن اليوم وغير غدا [ (2) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرا الآن وخمسين إذا رجعنا   [ (1) ] النساء: 94، واختلف في اسم القاتل والمقتول، بعد الاتفاق على أن ذلك كان في سرية، فروى ابن القاسم عن مالك: أن القاتل أسامة بن زيد، والمقتول مرداس بن نهيك الفزاري من أهل فدك، وفي سيرة ابن إسحاق: أن القاتل محلم بن جثامة، والمقتول عامر بن الأضبط. وقيل: القاتل أبو قتادة، وقيل: أبو الدرداء، وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وبخ القاتل، وقال له: فهلا شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه. ومخاطبتهم ب- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تلوح إلى أن الباعث على قتل من أظهر الإسلام منهيّ عنه، ولو كان قصد القاتل الحرص على تحقيق وصف الإيمان ثابت للمقتول، فإن هذا التحقيق غير مراد للشريعة، وقد ناطت صفة الإسلام بقول: «لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه» ، أو بتحية الإسلام وهي: «السلام عليكم» (تفسير التحرير والتنوير) : 4/ 167. [ (2) ] أسن اليوم وغيّر غدا: يريد احكم لنا اليوم بالدم، واحكم غدا بالدية لمن شئت. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 352 إلى المدينة؟ فلم يزل بهم حتى رضوا بالدية، قال قوم محلّم: ائتوا به حتى يستغفر له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجاء رجل طوال ضرب للحم في حلة قد تهيأ فيها للقتل، فقام بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ لا تغفر لمحلم، قالها ثلاثا فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ثوبه. قال محمد بن إسحاق: زعم قومه أنه استغفر له بعد كذا في كتابي عن ابن حدرد، عن أبيه، وقيل: عن حجاج بن منهال عن حماد في هذا الإسناد عن أبي حدرد عن أبيه [ (1) ] . عن عبد الرحمن بن الحارث، عن الحسن البصري قال: لما مات محلم بن جثامة دفنه قومه فلفظته الأرض، ثم دفنوه فلفظته الأرض، ثم دفنوه فلفظته الأرض، فطرحوه بين قزحين فأكلته السباع. وذكر الطبري عن نافع، عن ابن عمر أن محلم بن جثامة مات في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدفنوه، فلفظته الأرض مرة بعد أخرى، فأمر به فألقى به بين جبلين، وألقيت عليه حجارة، قال ابن عبد البر: وقال مثل ذلك أيضا قتادة. وروى أنه مات بعد سبعة أيام ودفنوه فلفظته الأرض، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن الأرض لتقبل من هو شرّ منه ولكن اللَّه أراد أن يريكم آية في قتل المؤمن. قال ابن عبد البر: وقد قيل: أن هذا ليس بمحلم بن جثامة، وأن محلّم بن جثامة ترك حمص بآخره، ومات بها في إمارة ابن الزبير. قال ابن عبد البر: ومعلوم أن قتله كان خطأ لا عمدا لأن قاتله لم يصدقه في قوله واللَّه- تعالى- أعلم.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 306- 307. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 353 وأما تصديق اللَّه تعالى رؤيا رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بدخوله المسجد الحرام قال اللَّه- تبارك وتعالى-: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [ (1) ] . قال ابن عطية: روى في تفسير هذه الآية: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى في منامه عند خروجه من العمرة أنه يطوف بالبيت هو وأصحابه بعضهم محلقين وبعضهم مقصرين. وقال مجاهد أرى ذلك بالحديبية فأخبر الناس بهذه الرؤيا ووثقه الجميع أن ذلك يكون إن شاء اللَّه- تعالى- لكن ليس في تلك الوجهة. وروى أن رؤياه إنما كانت أن ملكا جاءه فقال: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللَّه آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين، وأنه بهذا أعلم الناس فلما قضى اللَّه- تعالى- بالحديبية بأمر بالصلح وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصدر [ (2) ] ، قال المنافقون: أين الرؤيا؟ ووقع في نفوس المسلمين من ذلك، فأنزل اللَّه- تعالى-: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ قال: ولما نزلت هذه الآية علم المسلمون أن تلك الرؤيا ستخرج فيما يستأنفونه من الزمن، واطمأنت قلوبهم بذلك وسكنت فخرجت في العام المقبل، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة في ذي القعدة سنة سبع، ودخلها ثلاثة أيام هو وأصحابه، وصدقت رؤياه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقوله: فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا يريد ما قدره من ظهور الإسلام في تلك المدة، ودخول الناس فيه، وما كان أيضا بمكة من المؤمنين الذين دفع اللَّه بهم. وقوله- تعالى-: فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ أي من قبل ذلك وفيما يدنوا إليكم، واختلف في الفتح القريب، قيل: هو بيعة الرضوان، وعن مجاهد وابن إسحاق: أنه الفتح بالحديبية، وقال عبد اللَّه بن زيد: الفتح القريب: خيبر،   [ (1) ] الفتح: 27. [ (2) ] الرجوع والعودة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 354 وقال قوم: الفتح القريب: مكة، وهذا ضعيف لأن فتح مكة كان بعد ذلك، قال ابن عطية: ويحسن أن يكون الفتح هذا اسم جنس يعم كل ما وقع للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه ظهور وفتح عليه. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] : قالوا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد رأى في النوم أنه دخل البيت، وحلق رأسه، وأخذ مفتاح البيت وعرّف مع المعرفين [ (2) ] ، فاستنفر أصحابه إلى العمرة، فأسرعوا وتهيأ للخروج، وخرج أصحابه معه لا يشكون في الفتح للرؤيا التي رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وساق قصة الحديبيّة إلى أن قال: فلما وقعت هذه القضية أسلم في الهدنة أكثر ممن كان أسلم من يوم دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى يوم الحديبيّة، وما كان في الإسلام فتح أعظم من يوم الحديبيّة، وقد كان أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكرهون الصلح لأنهم خرجوا لا يشكون في الفتح لرؤيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه حلق رأسه، وأنه دخل البيت، وأخذ مفتاح الكعبة، وعرف مع المعرفين فلما رأوا الصلح، دخل الناس من ذلك أمر عظيم، حتى كادوا يهلكوا. وقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورجال معه من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا رسول اللَّه ألم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام، وتأخذ مفتاح الكعبة، وتعرف مع المعرفين، وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قلت لكم في سفركم هذا؟ قال عمر: لا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما إنكم ستدخلونه وآخذ مفتاح الكعبة، وأحلق رأسي ورءوسكم ببطن مكة وأعرف مع المعرفين، ثم أقبل على عمر فقال: أنسيتم يوم أحد وأنا أدعوكم: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ؟ أنسيتم يوم الأحزاب: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ؟ أنسيتم يوم كذا؟ وجعل يذكرهم أمورا، فقال المسلمون: صدق اللَّه ورسوله، يا رسول اللَّه ما فكرنا فيما فكرت فيه، لأنت أعلم باللَّه وبأمره منا، فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عام القضية   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 572 وما بعدها. [ (2) ] أي وقف بعرفة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 355 وحلق رأسه قال: هذا الّذي وعدتكم، فلما كان يوم الفتح أخذ المفتاح فقال: ادعوا لي عمر بن الخطاب، فقال: هذا الّذي قلت لكم: فلما كان في حجة الوداع وقف بعرفة فقال: أي عمر، هذا الّذي قلت لكم، قال: أي رسول اللَّه، ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح الحديبيّة. وكان الناس قصر رأيهم يومئذ عما كان بين محمد وبين ربه، والعباد يعجلون، واللَّه لا يعجل كعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد، لقد نظرت إلى سهيل بن عمر في حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بدنه، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينحرها بيده، ودعا الحلاق فحلق رأسه، وانظر إلى سهيل يلتقط من شعره، وأراه يضعه على عينيه، وأذكر إباءه أن يقر يوم الحديبيّة بأن يكتب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ويأبى أن يكتب أن محمدا رسول اللَّه، فحمدت اللَّه الّذي هداه للإسلام، وصلوات اللَّه وبركاته على نبي الرحمة الّذي هدانا به، وأنقذنا به من الهلكة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 356 وأما إطلاع اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم على ما قاله المشركون في عمرة القضية فخرّج أبو داود [ (1) ] من حديث مسدد قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن سعيد بن جبير أنه حدثه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم وقد وهنتهم الحمى ولقوا منها شرا، فأطلع اللَّه- تعالى- نبيه على ما قالوه، فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين، فلما رأوهم رملوا قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد منا، قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ولم يأمرهم أن يرملوا الأشواط إلا إبقاء عليهم. وخرّجه البخاريّ أيضا في باب كيف كان بدء الرّمل [ (2) ] ، وفي عمرة القضاء [ (3) ] من حديث سليمان بن حرب، وحماد بن زيد.   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 2/ 446، كتاب المناسك، باب (51) في الرّمل، حديث رقم (1886) . [ (2) ] (فتح الباري) : 3/ 599، كتاب الحج، باب (55) كيف كان بدأ الرّمل؟ حديث رقم (1602) . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 647- 648، كتاب المغازي، باب (44) عمرة القضاء، حديث رقم (4256) ، وزاد ابن سلمة عن أيوب عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لعامه الّذي استأمن قال: أرملوا ليرى المشركون قوتكم. والمشركون من قبل قعيقعان. قوله: «باب كيف كان بدء الرمل» أي ابتداء مشروعيته، وهو بفتح الراء والميم هو الإسراع، وقال ابن دريد: هو شبيه بالهرولة، وأصله أن يحرك الماشي منكبيه في مشيه، وفي الحديث: جواز تسمية الطوفة شوطا، ونقل عن مجاهد والشافعيّ كراهته، ويؤخذ منه جواز تسمية الطوفة شوطا، ونقل عن مجاهد والشافعيّ كراهته، ويؤخذ منه جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار إرهابا لهم، ولا يعد ذلك من الرياء المذموم، وفيه جواز المعاريض بالفعل كما يجوز بالقول، وربما كانت بالفعل أولى. (فتح الباري) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 357 وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث أبي الربيع الزهراني قال حماد: يعني ابن زيد عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: يقدم عليكم غدا قوم وهنتهم الحمى ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحجر وأمرهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا. قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم. اللفظ لمسلم، وهو أتم، فلم يذكر   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 15- 16، كتاب الحج، باب (39) استحباب الرمل في الطواف والعمرة، وفي الطواف الأول في الحج، حديث رقم (240) . ومن حديث سفيان عن عطاء، عن ابن عباس قال: إنما سعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ورمل بالبيت ليرى المشركين قوته. حديث رقم (241) . قال الإمام النووي: وأما يثرب فهو الاسم الّذي كان للمدينة في الجاهلية، وسميت في الإسلام المدينة، فطيبة، فطابة، قال اللَّه- تعالى- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ. [ولم يأت ذكر «يثرب» في القرآن الكريم إلا على لسان المشركين أو اليهود أو المنافقين، قال تعالى: وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا، [الأحزاب: 13] . وأخرجه النسائي في المناسك، باب (155) العلة التي من أجلها سعى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبيت، حديث رقم (2945) . قال الحافظ السيوطي في (حاشيته على سنن النسائي) : قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: فكان ذلك ضربا من الجهاد، قال: وعلته في حقنا تذكر النعمة التي أنعمها اللَّه على رسوله وأصحابه بالعزة بعد الذلة، وبالقوة بعد الضعف، حتى بلغ عسكره صلّى اللَّه عليه وسلّم سبعين ألفا. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 485، حديث رقم (2681) ، وحديث رقم (2790) ، وحديث رقم (3526) كلهم من مسند عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 358 فيما خرّجه البخاريّ ومسلم الاطلاع، وله عندهما طرق، واللَّه- تعالى- أعلم. وأما تعيين أمراء غزوة مؤتة واحدا بعد واحد وكان ذلك إشارة إلى أنهم سيستشهدوا فخرّج البخاريّ [ (1) ] من حديث مغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن سعيد، عن نافع عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد اللَّه بن رواحة، قال عبد اللَّه: كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] : حدثني ربيعة بن عثمان، عن عمر بن الحكم قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحارث بن عمير الأزدي، ثم أحد بني لهب إلى ملك بصري بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغسانيّ فقال: أين تريد؟ قال: الشام، قال: لعلك من رسل محمد؟ قال: نعم أنا   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 650، كتاب المغازي، باب (45) غزوة مؤتة من أرض الشام، حديث رقم (4261) . قال ابن إسحاق: هي بالقرب من البلقاء، وقال غيره: هي على مرحلتين من بيت المقدس ويقال: إن السبب فيها أن شرحبيل بن عمرو الغساني- وهو من أمراء قيصر على الشام- قتل رسولا أرسله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى صاحب بصرى، واسم الرسول الحارث بن عمير، فجهز إليهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عسكرا في ثلاثة آلاف. وفي (مغازي أبي الأسود) : عن عروة: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجيش إلى مؤتة في جمادى من سنة ثمان، وكذا قال ابن إسحاق وموسى بن عتبة وغيرهما من أهل المغازي لا يختلفون في ذلك، إلا ما ذكر خليفة في (تاريخه) أنها كانت سنة سبع، (فتح الباري) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 755- 756، غزوة مؤتة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 359 رسول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمر به، فأوثق رباطا، ثم قدمه فضرب عنقه صبرا، ولم يقتل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رسول غيره، فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر، فاشتد عليه وندب الناس وأخبرهم بمقتل الحارث ومن قتله، فأسرع الناس وخرجوا فعسكروا بالجرف، ولم يبين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأمر، فلما صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الظهر جلس، وجلس أصحابه حوله، وجاء النعمان بن مهض [ (1) ] اليهودي، فوقف على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع الناس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: زيد بن حارثة أمير الناس، فإن قتل زيد بن حارثة، فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر، فعبد اللَّه بن رواحة، فإن أصيب عبد اللَّه بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا فليجعلوه عليهم، فقال النعمان بن مهض [ (2) ] : أبا القاسم إن كنت نبيا فسميت من سميت قليلا أو كثيرا أصيبوا جميعا، إن الأنبياء في بني إسرائيل إذا استعملوا الرجل على القوم، ثم قالوا: إن أصيب فلان فلو سمى مائة أصيبوا جميعا، ثم جعل اليهود يقولون لزيد بن حارثة: أعهد فلا ترجع إلى محمد أبدا إن كان نبيا، فقال زيد: فأشهد أنه نبي صادق بارّ، وذكر الخبر في قتل الأمراء بمؤتة.   [ (1) ] في بعض أصول (مغازي الواقدي) : «فنحص» . [ (2) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 360 وأما نعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيدا وجعفرا وعبد اللَّه بن رواحة يوم قتلوا بمؤتة قبل أن يأتي خبرهم إلى الناس فخرّج البخاريّ من حديث حماد بن زيد عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم قال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف اللَّه، حتى فتح اللَّه عليهم. ذكره في غزوة مؤتة [ (1) ] وفي المناقب [ (2) ] والإسناد واحد. وخرّج في كتاب الجهاد [ (3) ] من طريق ابن علية، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 652، كتاب المغازي، باب (45) غزوة مؤتة من أرض الشام، حديث رقم (4262) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 126، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (25) مناقب خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، حديث رقم (3757) ، وشهد خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عدة مشاهد ظهرت فيها نجابته، ثم كان قتل أهل الردة على يديه، ثم فتوح البلاد الكبار، ومات على فراشه سنة إحدى وعشرين، وبذلك جزم ابن نمير، وذلك في خلافة عمر بحمص، وقد أخرج الحاكم وابن حبان من حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف اللَّه صبّه اللَّه على الكفارة. [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 221، كتاب الجهاد، باب (183) من تأمر في الحرب من غيره إمرة إذا خاف العدو، حديث رقم (3063) . قال ابن المنير: يؤخذ من حديث الباب أن من تعين لولاية وتعذرت مراجعة الإمام أن الولاية ثبتت لذلك المعين شرعا، وتجب طاعته حكما، ولا يخفى أن محله ما إذا اتفق الحاضرون عليه، قال: ويستفاد منه صحة مذهب مالك في أن المرأة إذا لم يكن لها وليّ إلا السلطان، فتعذر إذن السلطان أن يزوجها الآحاد، وكذا إذا غاب إمام الجمعة قدم الناس لأنفسهم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 361 خطب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد اللَّه بن رواحة فأصيب، ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة، ففتح اللَّه عليه وما يسرني- أو قال: وما يسرهم- أنهم عندنا وقال: وإن عينية لتذرفان، ترجم عليه باب من تأمر في الحرب من غير إمرة. وخرّجه في الجنائز [ (1) ] في الرجل يعني إلى أهل الميت بنفسه من حديث عبد الوارث عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد اللَّه بن رواحة فأصيب- وإن عيني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لتذرفان- ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له. وقال موسى بن عقبة: وقدم يعلي بن منبه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخبر أهل مؤتة فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرتك، قال: بل أخبرني يا رسول اللَّه، فأخبره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبرهم كله ووصف له، فقال: والّذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره، وإن أمرهم كما ذكرت، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم.   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 150، كتاب الجنائز، باب (4) الرجل ينعي إلى أهل الميت بنفسه، حديث رقم (1246) ، قال ابن المرابط: مراده النعي الّذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح، وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره، والصلاة عليه، والدعاء له، والاستغفار، وتنفيذ وصاياه، وما يترتب على ذلك من الأحكام. قال ابن العربيّ: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات: الأولى: دعوة الأهل والأصحاب وأهل الصلاح، فهذا سنة. الثانية: دعوة الحفل للمفاخرة، فهذه تكره. الثالثة: الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم. قال الزين ابن المنير: وجه دخول قصة الأمراء في الترجمة، أن نعيهم كان لأقاربهم وللمسلمين، الذين هم أهلهم من جهة الدين. (فتح الباري) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 362 وخرّج الحاكم [ (1) ] من حديث الحسن بن بشر حدثنا سعدان بن الوليد، عن عطاء، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: بينما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه إذ ردّ السلام، ثم قال: يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل، وميكائيل وإسرافيل، سلموا علينا فردي عليهم السلام، وقد أخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا قبل ممره على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بثلاث أو أربع فقال: لقيت المشركين فأصبت في جسدي في مقاديمي ثلاثا وسبعين بين رمية وطعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت، ثم أخذت باليد اليسرى فقطعت، فعوضني اللَّه من يدي جناحين أطير بهما أخذت مع جبريل وميكائيل، أنزل من الجنة حيث شئت وآكل من ثمارها ما شئت، فقالت أسماء: هنيئا لجعفر ما رزقه اللَّه من الخير، ولكن أخاف أن لا يصدق الناس فأصعد المنبر فأخبر به، فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس إن جعفر مع جبريل وميكائيل، له جناحان عوضه اللَّه من يديه سلّم عليّ، ثم أخبرهم كيف كان أمره حيث لقي المشركين، فاستبان للناس بعد اليوم الّذي أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن جعفر لقيهم، فلذلك سمي الطيار في الجنة. وخرّج البيهقي [ (2) ] من طريق أبي خليفة الفضل بن حباب الجمحيّ قال: حدثنا سليمان بن حرب، عن الأسود بن شيبان، عن خالد بن سمير قال: قدم علينا عبد اللَّه بن رباح الأنصاري، وكانت الأنصار تفقهه فغشيه الناس فغشيته فيمن غشيه من الناس، فقال: حدثنا أبو قتادة فارس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جيش الأمراء وقال عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد، فجعفر، فإن أصيب جعفر، فعبد اللَّه بن رواحة، فوثب جعفر فقال: يا رسول   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 232، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، حديث رقم (4937) ، وقد سكت عنه الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) ، وحديث رقم (4937) ، وقد حذفه الحافظ الذهبي من (التلخيص) لضعفه. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 367- 368، باب ما جاء في غزوة مؤتة، وما ظهر في تأمير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أمراءها، ثم في إخباره عن الوقعة قبل مجيء خبرها من آثار النبوة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 363 اللَّه!: ما كنت أرهب أن تستعمل زيدا عليّ، قال: امض فإنك لا تدري أي ذلك خير، فانطلقوا فلبثوا ما شاء اللَّه فصعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المنبر فأمر فنودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أخبركم عن جيشكم هذا، إنهم انطلقوا فلقوا العدو فقتل زيد شهيدا فاستغفر له، ثم أخذ اللواء جعفر فشد على القوم حتى قتل شهيدا شهد له بالشهادة واستغفر له، ثم أخذ اللواء عبد اللَّه بن رواحة فأثبت قدميه حتى قتل شهيدا فاستغفر له، ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء وهو أمر نفسه، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره. فمن يومئذ سمى خالد: سيف اللَّه. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] : حدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وحدثني عبد الجبار بن عمارة، عن عبد اللَّه بن أبي بكر زاد أحدهما على صاحبه في الحديث قالا: لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام، فهو ينظر إلى معتركهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أخذ الراية زيد بن حارثة، فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة وكرّه إليه الموت وحبب إليه الدنيا، فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تحبب إليّ الدنيا، فمضى قدما حتى استشهد، فصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: استغفروا له فقد دخل الجنة وهو يسعى، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فمناه الحياة وكره إليه الموت، ومناه الدنيا، فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا، ثم مضى قدما حتى استشهد. فصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال: استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل الجنة. فهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة، ثم أخذ الراية بعده عبد اللَّه بن رواحة فاستشهد، ثم دخل الجنة فشق ذلك على الأنصار فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أصابته الجراح معترضا قيل: يا رسول اللَّه ما اعتراضه؟ قال: لما أصابته الجراح فكل فعاتب نفسه، فشجع فاستشهد، فدخل الجنة، فسرى عن قومه.   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 671- 672. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 364 وخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من طريق ابن إسحاق، حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر، عن أم عيسى، عن أم جعفر ابنة محمد بن جعفر بن أبي طالب، عن جدتها أسماء ابنة عميس قالت: لما أصيب جعفر وأصحابه دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وقد دبغت أربعين منيئة، وعجنت عجيني، وغسلت بنيّ، ودهنتهم، ونظفتهم] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ائتيني ببني جعفر، قالت: فأتيته بهم، فشمّهم وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول اللَّه! بأبي أنت وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم، أصيبوا هذا اليوم [قالت: فكنت أصيح، واجتمع النساء إليّ وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أهله، فقال: لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما فأنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 513- 514، حديث رقم (26546) ، من حديث أسماء بنت عميس، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 365 وأما إخبار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عوف بن مالك الأشجعيّ بقصة الجزور المنحور في غزاة ذات السلاسل فقال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق، حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: حدثت عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: كنت في الغزوة التي بعث فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- غزوة ذات السلاسل، فصبحت أبا بكر، وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فمررت بقوم وهم على جزور قد نحروها، وهم لا يقدرون على أن يعضوها، وكنت أمرأ جزارا، فقلت لهم: تعطوني منها عشيرا على أن أقسمها بينكم؟ فقالوا: نعم، فأخذت الشفرتين، فجزيتها مكاني وأخذت جزاء، فحملته إلى أصحابي، فأطعمنا، وأكلنا. فقال أبو بكر وعمر: أني لك هذا اللحم يا عوف؟ فأخبرتهما، فقالا: لا واللَّه ما أحسنت حين أطعمتنا هذا، ثم قاما يتقيئان ما في بطونهما منه، فلما قفل الناس من ذلك السفر كنت أول قادم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجئته وهو يصلي في بيته، فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، فقال عوف بن مالك؟ فقلت: نعم بأبي أنت وأمي، فقال صاحب الجزور؟ ولم يزدني على ذلك شيئا [ (1) ] . قال البيهقيّ [ (2) ] : قصر بإسناده محمد بن إسحاق، ورواه سعيد بن أبي أيوب، وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعة بن لقيط أخبره عن مالك قال: غزونا وعلينا عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وفينا عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فأصابتنا مخمصة شديدة، فانطلقت ألتمس المعيشة، فالتقيت قوما   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 404- 405، باب ما جاء في الجزور التي نحرت في غزوة ذات السلاسل، وما جرى لعوف بن مالك الأشجعيّ فيها، وإخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عوفا بعلمه بها قبل أن يخبره عوف بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (2) ] (المرجع السابق) : 405. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 366 يريدون ينحرون جزورا لهم، فقلت: إن شئتم كفيتم نحرها، وعملها، واعطوني منها، ففعلت، فأعطوني منها شيئا، فصنعته، ثم أتيت عمر بن الخطاب، فسألني من أين هو؟ فأخبرته، فقال: أسمعك قد تعجلت أجرك، وأبى أن يأكله، فلما رأيت ذلك تركتهما، ثم أبردوني في فتح لنا، فقدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: صاحب الجزور؟ ولم يزد على ذلك. وذكره البيهقيّ [ (1) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا ابن عثمان، عن عبد اللَّه بن المبارك، ومن طريق عمرو، وحدثني يعقوب بن الربيع، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، فذكره. وقال الواقدي- رحمه اللَّه- في (مغازيه) [ (2) ] : وكان عوف بن مالك الأشجعيّ رفيقا لأبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في رحلهما، فخرج يوما عوف في العسكر، فمر بقوم في أيديهم جزور، وقد عجزوا عن عملها، وكان عوف هذا عالما بالجزر، فقال: أتعطوني عليها، وأقسمها بينكم؟ قالوا: نعم نعطيك عشيرا منها، فنحرها، ثم جزأها بينهم، وأعطوه منها جزءا، فأخذه، فأتى به أصحابه، فطبخوه، وأكلوا منه، فلما فرغوا قال أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: من أين لك هذا اللحم؟ فأخبرهما، فقالا: واللَّه ما أحسنت حين أطعمتنا هذا، ثم قاما يتقيئان، فلما فعل ذلك أبو بكر، وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فعل ذلك الجيش. قال أبو بكر وعمر لعوف: تعجلت أجرك، ثم أتى أبا عبيدة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال له: مثل ذلك. وكان عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين قفلنا احتلم في ليلة باردة كأشد ما يكون من البرد، فقال لأصحابه: ما ترون؟ قد واللَّه احتملت وإن اغتسلت مت، فدعا بماء، فتوضأ، وغسل فرجه، وتيمم، ثم قام، فصلى بهم، فكان أول من بعث عوف بن مالك بريدا.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 405. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 773. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 367 قال عوف: فقدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في السّحر، وهو يصلى في بيته، فسلمت عليه، فقال عوف بن مالك؟ فقلت: عوف بن مالك يا رسول اللَّه، قال صاحب الجزور؟ قلت: نعم، فلم يزد على هذا شيئا، وذكر الخبر. وأما إغاثة اللَّه تعالى سرية بعثها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برزق أخرجه لها من البحر وقد جهدها الجوع تكرمة له صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البخاريّ في كتاب الصيد والذبائح [ (1) ] ، وفي كتاب المغازي [ (2) ] من حديث ابن جريج، أخبرنى سفيان عن عمرو أنه سمع جابرا يقول: غزونا جيش الخبط، وأمّر أبو عبيدة بن الجراح، فجعنا جوعا شديدا، فألقى البحر حوتا ميتا لم ير مثله يقال له: العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه، فمر الراكب تحته. زاد في المغازي: أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر يقول: فقال أبو عبيدة: كلوا، فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: كلوا، رزقا أخرجه اللَّه، أطعمونا إن كان معكم، فأتاه بعضهم ببعضه، فأكله. وخرّج مسلم [ (3) ] من حديث زهير قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر، ومن حديث أبي خثيمة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمّر علينا أبا عبيدة يتلقى عيرا لقريش، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، قال: قلت: كيف كنتم تصنعون؟ قال:   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 767، كتاب الذبائح والصيد، باب (12) قول اللَّه- تعالى-: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ، حديث رقم (5493) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 97، كتاب المغازي، باب (66) غزوة سيف البحر، وهم يتلقون عيرا لقريش. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 90- 92، كتاب الصيد والذبائح باب (4) إباحة ميتات البحر، حديث رقم (17) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 368 نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء، فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط، ثم نبله بالماء، فنأكله، قال: وانطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه، فإذا هو دابة تدعى العنبر، قال: قال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي سبيل اللَّه، وقد اضطررتم، فكلوا، قال: فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا، ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن، ونقتطع منه القدر كالثور، ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينة وأخذ ضلعا من أضلاعه، فأقامها، ثم رحل أعظم بعير معنا، فمر من تحتها، وتزودنا من لحمه ووشايق، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكرنا ذلك له فقال: هو رزق أخرجه اللَّه لكم، فهل معكم شيء من لحمه فتطعمونا؟ قال: فأرسلنا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منه فأكله. وخرجه البخاريّ ومسلم من حديث سفيان، عن عمرو: سمعت جابرا يقول، ومن حديث مالك، عن وهب بن كيسان، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 369 وأما نعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النجاشيّ في اليوم الّذي مات فيه بأرض الحبشة فخرّج البخاريّ [ (1) ] ومسلم، وأبو داود، والنسائي من حديث مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نعى للناس النجاشي في اليوم الّذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم وكبر عليه أربع تكبيرات، وقال النسائي: فصف عليه، وكبر أربع تكبيرات، ذكره في باب الصفوف على الجنازة، وذكره البخاريّ في باب التكبير على الجنازة أربعا، وذكره أبو داود في باب الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك في بلد آخر. وخرّج مسلم من حديث الليث بن سعد قال: حدثني عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبى سلمة بن عبد الرحمن أنهما حدثاه عن أبي هريرة أنه قال: نعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النجاشيّ صاحب الحبشة في اليوم الّذي مات فيه، فقال: استغفروا لأخيكم. قال ابن شهاب: وحدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صفّ بهم بالمصلى، فكبر عليه أربع تكبيرات. وقال البخاريّ: أربعا، وأخرجاه من حديث صالح، عن ابن شهاب، فخرّجه مسلم كرواية عقيل بالإسنادين جميعا.   [ (1) ] (جامع الأصول) 6/ 215، الفصل الثالث، في صلاة الجنائز، حديث رقم (4302) وقال في (هامشه) : رواه البخاريّ في الجنائز، باب الرجل ينعي إلى الميت بنفسه، وباب الصفوف على الجنازة، وباب الصلاة على الجنازة بالمصلي وبالمسجد، وباب التكبير على الجنازة أربعا، وفي فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب موت النجاشي، ومسلم في الجنائز باب في التكبير على الجنازة، حديث رقم (951) ، والموطأ في الجنائز، باب التكبير على الجنائز، وأبو داود في الجنائز باب في الصلاة على المشرك يموت في بلاد الشرك، حديث رقم (3204) ، والترمذيّ في الجنائز، باب ما جاء في التكبير على الجنازة، حديث رقم (1022) ، والنسائي في الجنائز، باب عدد التكبير على الجنازة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 370 وخرّجه البخاريّ في هجرة الحبشة وموت النجاشيّ، عن صالح، عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وابن المسيب أن أبا هريرة أخبرهما أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نعى لهم النجاشيّ صاحب الحبشة في اليوم الّذي مات فيه، وقال: استغفروا لأخيكم، وعن صالح، وعن ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبرهم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صف لهم في المصلى، فصلى عليه، وكبر عليه أربعا. وخرّج النسائي من طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، عن ابن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة قال: نعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النجاشي لأصحابه، فذكره. وخرّج البيهقيّ [ (1) ] من طريق مسدد قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن موسى بن عقبة، عن أمه، عن أم كلثوم قالت: لما تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أم سلمة قال: إني قد أهديت إلى النجاشي أواق من مسك، وحلة، وإني لا أراه إلا قد مات، وإني لا أرى الهدية إلا سترد على، فإن ردّت عليّ أظنه قال: قسمتها بينكن أو فيكن قالت: فكان كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مات النجاشي، وردت عليه، أعطى كل امرأة من نسائه أوقية من ذلك المسك، وأعطى سائره أم سلمة، وأعطاها الحلة. وخرّج الإمام أحمد [ (2) ]- رحمه اللَّه- من حديث يزيد بن هارون، عن مسلم بن خالد، عن موسى بن عقبة، عن أمه، عن أم كلثوم بنت أبي سلمة قال: لما تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أم سلمة قال لها: إني قد أهديت إلى النجاشيّ حلة وأواقي من مسك ولا أرى النجاشيّ إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودة عليّ، فإن ردت عليّ فهي لك، وكان كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وردت عليه   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 412، باب نعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النجاشيّ في اليوم الّذي مات فيه بأرض الحبشة، وذلك قبل فتح مكة. [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 552- 553، حديث رقم (26732) ، من حديث أم كلثوم بنت عقبة أم حميد بن عبد الرحمن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 371 هديته، فأعطنى كل امرأة من نسائه أوقية مسك، وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة. وخرّجه ابن حبان في (صحيحه) [ (1) ] من حديث موسى بن عقبة، عن أمه، عن أم كلثوم، عن أم سلمة قالت: لما تزوجني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني أهديت إلى النجاشي حلة، وأواقي مسك، ولا أراه إلا قد مات، وسترد الهدية، فإن كان كذلك فهي لك، قالت: فكان كما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مات النجاشي، وردت الهدية، فدفع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى كل امرأة من نسائه أوقية مسك، ودفع الحلة وسائر المسك إلى أم سلمة. قال البيهقيّ [ (2) ] قوله: ولا أراه إلا قد مات، يريد واللَّه أعلم قبل بلوغ الهدية إليه، وهذا القول صدر منه قبل موته، ثم لما مات نعاه في اليوم الّذي مات فيه، وصلى عليه.   [ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 11/ 515- 516، كتاب الهبة، باب ذكر إباحة المهدي هدية نفسه بعد بعثه إلى المهدي إليه، قبل وصول الهدية إليه، حديث رقم (5114) . وقال في إسناده ضعيف. مسلم بن خالد: هو الزنجي سيّئ الحفظ، وأم موسى بن عقبة لا تعرف. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 4/ 412. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 372 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بنصر بني كعب على بني بكر فكان كذلك وإجابة اللَّه تعالى دعاءه في تعمية خبره عن قريش بمكة فقال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق قال: حدثني الزهري، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أنهما حدثاه جميعا قالا: كان في صلح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الحديبيّة بينه وبين قريش، أنه من شاء أن يدخل في عقد محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعهده دخل، ومن يشاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه، فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرا، ثم بنى بكر الذين كانوا دخلوا في عقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعهده وأن عمرو بن سالم الخزاعي أحد بني كعب ركب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ما كان من أمر خزاعة، وبني بكر بالوتيرة [ (1) ] حتى قدم المدينة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخبره الخبر، وقد قال أبيات شعر، فلما قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنشده إياها فقال: يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا قد كنتم ولدا وكنا والدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا فانصر هداك اللَّه نصرا اعتدا ... وادع عباد اللَّه يأتوا مددا فيهم رسول اللَّه قد تجردا ... إن سيم خسفا وجهه تربّدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا ... إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك الموكّد ... وجعلوا لي في كداء رصدا وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذلّ وأقل عددا هم بيتونا بالوتير هجّدا ... وقتلونا ركعا وسجّدا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نصرت يا عمرو بن سالم فما برح حتى مرت عنان [ (2) ] من السماء فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذه السحابة تستهل بنصر بني كعب، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس بالجهاد وكتمهم فخرجوا، وسأل اللَّه   [ (1) ] الوتيرة: الأرض الممتدة. [ (2) ] عنان: سحاب. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 373 - تعالى- أن يعمي على قريش خبره حتى يتبعهم في بلادهم، فذكر خبر فتح مكة بطوله [ (1) ] . وقال الواقدي: فحدثني يحيى بن خالد بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وحدثني داود بن خالد بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمير عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وحدثني داود بن خالد، عن المقبري، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قالا: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني لأرى السحاب تستهل بنصر بني كعب [ (2) ] . وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المدينة فنادى مناديه: من أحب أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر وصام! رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال: وحدثني مالك بن أنس، عن سمي مولى أبي بكر، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن رجل رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعرج يصب الماء على رأسه ووجهه من العطش. قال: وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن حكيم بن حكيم، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: لما كنا بالكديد بين الظهر والعصر أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إناء من ماء في يده حتى رآه المسلمون، ثم أفطر تلك الساعة. وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن قوما صاموا فقال: أولئك العصاة! وقال أبو سعيد الخدريّ: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم! قال ذلك بمر الظهران. فلما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العرج، والناس لا يدرونن أين توجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى قريش، أو إلى هوازن أو إلى ثقيف! فهم يحبون أن يعلموا، فجلس في أصحابه بالعرج وهو يتحدث، فقال كعب بن مالك: آتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعلم لكم علم وجهه. فجاء كعب فبرك بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ركبتيه، ثم قال:   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 48- 49، باختلاف يسير في سياق أبيات الشعر، وهي أقرب لما في (مغازي الواقدي) ، وصوبناها من (ابن هشام) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 801- 803. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 374 قضينا من تهامة كل ريب ... وخيبر ثم أجمعنا السيوفا نسائلها ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوسا أو ثقيفا فلست لحاضر إن لم تروها ... بساحة داركم منها ألوفا فننتزع الخيام ببطن وج ... ونترك دورهم منهم خلوفا أنشدنيها أيوب بن النعمان، عن أبيه. قال: فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يزد على ذلك، فجعل الناس يقولون: واللَّه ما بين لك رسول اللَّه شيئا، ما ندري بمن يبدي، بقريش أو ثقيف أو هوازن. قال: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم قال لما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقديد قيل: هل لك في بيض النساء وأدم الإبل؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن اللَّه- تعالى- حرمها عليّ بصلة الرحم ووكزهم في لبأت الإبل. قال: حدثني الزبير بن موسى، عن أبي الحويرث، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: إن اللَّه حرمهم عليّ ببر الوالد ووكزهم في لبأت الإبل. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 375 وأما إطلاع اللَّه تعالى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بالمسير إليهم فروى يونس بن بكير، عن بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة قال: لما أجمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسير إليهم، ثم أعطاه امرأة من مزينة وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلته في رأسها، ثم قفلت عليه فروتها وخرجت به، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوام فقال: أدركا امرأة قد كتب معها حاطب كتابا إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا في أمرهم فذكر الحديث [ (1) ] . وخرج البخاريّ في آخر كتاب الجهاد [ (2) ] من طريق هشيم حدثنا حصين، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن- وكان عثمانيا- فقال لابن عطية- وكان علويا- إني لأعلم الّذي جرّأ صاحبك على الدماء، سمعته يقول بعثني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والزبير فقال: ائتوا روضة كذا، تجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا فأتينا الروضة فقلنا: الكتاب، فقالت: لم يعطني، قلنا: لتخرجن أو لأجردنك، فأخرجت من حجزتها، فأرسل إلى حاطب فقال: لا تعجل واللَّه ما كفرت ولا أزددت للإسلام إلا حبّا ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع اللَّه به عن أهله وماله، ولم يكن لي أحد فأحببت أن أتخذ عندهم يدا فصدقه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال عمرو: دعني أضرب عنقه فإنه قد نافق، فقال: ما يدريك لعل اللَّه اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فهذا الّذي جرأه.   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 52، كتاب حاطب بن أبي بلتعة يحذر أهل مكة. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 234، كتاب الجهاد والسير، باب (195) ، إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين اللَّه، وتجريدهن، حديث رقم (3081) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 376 وخرّجه أيضا في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، في باب ما جاء في المتأولين من حديث أبي عوانة عن فلان قال: تنازع أبو عبد الرحمن وحبان بن عطية فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت ما الّذي جرّأ صاحبك على الدماء يعنى عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: ما هو لا أبا لك، قال: شيء سمعته يقول، قال: ما هو؟ قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والزبير وأبا مرثد وكلنا فارس قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة حاج، [قال البكري: خاخ بخاء معجمة بعد الألف، موضع] [ (1) ] ، قال أبو سلمة: قال أبو عوانة: حاج، فإن فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فأتوني بها، فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تسير على بعير لها وقد كان كتب إلى أهل مكة بمسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم، فقلنا أين الكتاب الّذي معك؟ فقالت: ما معي كتاب، فأنخنا بها بعيرها فابتغينا في رحلها فما وجدنا شيئا، فقال صاحباي: ما نرى معها كتابا، قال: فقلت: لقد علمنا ما كذب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم حلف عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والّذي يحلف به لتخرجن الكتاب وإلا لأجردنك، فأهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجت الصحيفة، فأتوا بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر: يا رسول اللَّه قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، دعني فأضرب عنقه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا حاطب ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول اللَّه ما لي أن لا أكون مؤمنا باللَّه ورسوله ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي ومالي، وليس من أصحابك أحد إلا له هناك من قومه من يدفع اللَّه به عن أهله وماله، قال: صدق، ولا تقولوا له إلا خيرا، قال: فعاد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه، قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، دعني فلأضرب عنقه، فقال: أو ليس من أهل بدر؟ وما يدريك لعل اللَّه اطلع   [ (1) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 377 عليهم فقال: اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم الجنة، فاغرورقت عيناه، فقال: اللَّه ورسوله أعلم [ (1) ] . قال أبو عبد اللَّه خاخ أصح ولقد قال أبو عوانة: أنه حاج وحاح تصحيف وهو موضع، وهشيم يقول: حاح. وخرّجه أيضا من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، عن عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ومن حديث حصين بن عبد الرحمن، عن سعيد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو مما اتفقا على إخراجه.   [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 375- 376، كتابه استنابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب (9) ما جاء في المتأولين، حديث رقم (6939) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 378 وأما وحي اللَّه تعالى بما قالته الأنصار يوم فتح مكة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج مسلم من حديث سفيان بن فروخ، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة قال ثابت البناني: عن عبد اللَّه بن رباح، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: وفدت وفود إلى معاوية وذلك في رمضان، فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام، وكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحلة، فقلت: إلا أضع طعاما فأدعوهم إلى رحلي، قال: فأمرت بطعام يصنع، ثم لقيت أبا هريرة من العشي، فقلت: الدعوة عندي الليلة، فقال: سبقتني؟ فقلت: نعم، فدعوتهم، فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ ثم ذكر فتح مكة، فقال: أقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالدا على المجنبة الأخرى وبعث أبا عبيدة أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادي ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في كتيبة قال: فنظر فرآني فقال: أبو هريرة قلت: نعم لبيك يا رسول اللَّه، فقال: لا يأتيني إلا أنصاري. زاد غير شيبان فقال: اهتف لي بالأنصار قال: فأطافوا به ووبشت قريش أوباشا وأتباعا فقالوا: نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الّذي سئلنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم، ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى، ثم قال: حتى توافوني بالصفا، قال: فانطلقنا فما شاء أحد منا يقتل أحد إلا قتله، وما أحد منا يوجه إلينا شيئا، قال: فجاء أبو سفيان فقال يا رسول اللَّه: أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، ثم قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: وجاء الوحي وكان إذا جاء الوحي، لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى ينقضي الحي فلما انقضى الوحي قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا رسول اللَّه، قال: قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، قالوا: قد كان ذاك قال: كلا إني عبد اللَّه ورسوله، هاجرت إلى اللَّه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 379 وإليكم، والمحيا محياكم، والممات مماتكم، فأقبلوا الليلة يبكون ويقولون: واللَّه ما قلنا الّذي قلنا إلا الضن باللَّه ورسوله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه ورسوله يصدقانكم ويعذر انكم، قال: فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان، وأغلق الناس أبوابهم، قال: وأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت، قال: فإنّي على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه، وفي يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قوس وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلى عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يده فجعل يحمد اللَّه ويدعو بما شاء اللَّه أن يدعو [ (1) ] . قال: وحدثنيه عبد اللَّه بن هاشم قال: عن بهز، عن سليمان بن المغيرة بهذا الإسناد وزاد في الحديث، ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى: أحصدوهم حصدا، وقال في الحديث قالوا: قلنا ذاك يا رسول اللَّه قال: فما اسمى إذا كلا إني عبد اللَّه ورسوله [ (2) ] . وخرّجه من طريق يحيى بن حسان، قال حماد بن سلمة: قال: حدثنا ثابت، عن عبد اللَّه بن رباح قال: وفدنا إلى معاوية بن أبي سفيان وفينا أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكان كل رجل منا يصنع طعاما يوما لأصحابه فكانت نوبتي، فقلت: يا أبا هريرة اليوم نوبتي، فجاءوا إلى المنزل ولم يدرك طعامنا، فقلت: يا أبا هريرة لو حدثنا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى يدرك طعامنا، فقال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الفتح فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمني، وجعل الزبير على المجنبة اليسرى، وجعل أبو عبيد على البياذقة وبطن الوادي، فقال: يا أبا هريرة أدع لي الأنصار، فدعوتهم، فجاءوا يهرولون، فقال يا معشر الأنصار هل ترون أوباش قريش؟ قالوا: نعم، قال: انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا، وأخفى بيده ووضع يمينه   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 368- 372، كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة، حديث رقم (84) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (85) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 380 على شماله وقال: موعدكم الصفا، قال: فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه، قال: وصعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصفا، وجاءت الأنصار فأطافوا بالصفا، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول اللَّه أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، فقالت الأنصار: أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته، ألا فما اسمى إذا، ثلاث مرات، أنا محمد عبد اللَّه ورسوله، هاجرت إلى اللَّه وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم، قالوا: واللَّه ما قلنا إلا ضنا باللَّه ورسوله، قال: فإن اللَّه ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم [ (1) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (86) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 381 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بأن مكة شرفها اللَّه تعالى لا تغزى بعد فتحه لها، ولا تكون دار كفر فكان كذلك فخرّج الترمذيّ [ (1) ] من حديث يحيى بن سعيد، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن الحارث بن مالك بن البرصاء قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم فتح مكة يقول: لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وهو حديث زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي لا نعرفه إلا من حديثه. وقال البيهقيّ: وإنما أرادوا- واللَّه أعلم- أنها لا تغزى بعده على كفر أهلها وكان كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال الواقدي: وحدثني يزيد بن فارس، عن عراك بن مالك، عن الحارث بن برصاء قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة يعني على كفر [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذيّ) : 4/ 136، كتاب السير، باب (45) ما جاء ما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم فتح مكة: إن هذه لا تغزى بعد اليوم، حديث رقم (1611) ، قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن عباس وسليمان بن صرد، ومطيع. قال ابن الأثير: وإنما يحتمل أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أراد أنها لا يغزوها كافر، يريد البيت، فأما المسلمون فلا، على أن من غزاها من المسلمين في زمن يزيد وعبد الملك لم يقصدوا مكة ولا البيت، وإنما كان قصدهم عبد اللَّه بن الزبير، مع تعظيمهم أمر مكة والبيت، وإن كان جرى منهم ما جرى ففي حق البيت، من رميه بالنار في المنجنيق، وإحراقه، ولأجل ذلك هدمه ابن الزبير، وبناه بعد عود أهل الشام عن حصاره، لما وصلهم موت يزيد. لو كانت الرواية في الحديث على أن «لا» ناهية لكان واضحا لا يحتاج إلى تأويل، كما قيل في قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لا يقتل قرشيّ بعد هذا اليوم صبرا» . [ (2) ] (جامع الأصول) : 9/ 291- 292. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 382 وخرّج مسلم من حديث علي بن مسهر ووكيع عن زكريا، عن الشعبي قال: أخبرني عبد اللَّه بن مطيع، عن أبيه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول يوم فتح مكة: لا يقتل قرشيّ صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة. قال البيهقيّ- رحمه اللَّه- هذا وإن كان على طريق الخير فالمراد به واللَّه أعلم النهي وفيه أيضا إشارة إلى إسلام أهل مكة وإنها لا تغزي بعدها أبدا كما في حديث الحارث بن مالك بن برصاء [ (1) ] . وقال الواقدي- رحمه اللَّه- وحدثني عبد اللَّه بن يزيد الهذلي، عن أبي حصين الهذلي قال: لما قتل النفر الذين أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتلهم سمع النوح عليهم بمكة وجاء أبو سفيان بن حرب، فقال: فداك أبي وأمي، البقية في قومي فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يقتل قرشي صبرا بعد اليوم- يعني على الكفر-[ (2) ] .   [ (1) ] راجع التعليق السابق. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 862. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 383 وأما تصديق اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم عثمان بن أبي طلحة أنه يأخذ مفتاح الكعبة ويضعه حيث شاء فقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] ثم نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يعني من الكعبة يوم فتح مكة [ (2) ]] ومعه المفتاح ناحية من المسجد فجلس، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد قبض السقاية من العباس وقبض المفتاح من عثمان، فلما جلس قال: ادعوا لي عثمان فدعى له عثمان بن أبي طلحة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لعثمان يوما [بمكة] وهو يدعوه إلى الإسلام ومع عثمان المفتاح، [فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:] لعلك سترى هذا المفتاح [يوما] بيدي أضعه حيث شئت، فقال عثمان: لقد هلكت إذا قريش وذلت، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل عمرت وعزّت يومئذ، فلما دعاني [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] بعد أخذه المفتاح صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرت [من] قوله ما كان قال. فأقبلت، فاستقبلته صلّى اللَّه عليه وسلّم ببشر، واستقبلني [عليه الصلاة والسلام] ببشر، ثم قال: خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها [منكم] إلا ظالم، يا عثمان إن اللَّه- تعالى- استأمنكم على بيته فكلوا بالمعروف. قال عثمان: فلما وليت ناداني فرجعت إليه، فقال: ألم يكن الّذي قلت لك؟ قال: فذكرت قوله لي بمكة فقلت: بلى، أشهد أنك رسول اللَّه، فأعطاه المفتاح، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مضطبع [ (3) ] بثوبه وقال: أعينوه، وقال: قم على الباب وكل بالمعروف.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 737- 738. [ (2) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط في سائر الفقرة. [ (3) ] في (مغازي الواقدي) : «مضطجع» ، وما أثبتناه أجود للسياق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 384 وأما إعلام اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بما قالته قريش لما سمعوا أذان بلال رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يوم فتح مكة فروى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار قال: حدثني بعض آل حمير بن مطعم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما دخل مكة أمر بلالا فعلا على الكعبة على ظهرها فأذن عليها بالصلاة، فقال بعض بني سعد بن العاص: لقد أكرم اللَّه سعدا إذ قبضه قبل أن يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة. وقال يونس: عن هشام بن عروة، عن أبيه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بلالا عام الفتح فأذن على ظهر الكعبة ليغيظ به المشركين. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب قال: قال ابن مليكة أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بلالا يوم الفتح فأذن فوق الكعبة، فقال رجل من قريش للحارث بن هشام: ألا ترى إلى هذا العبد أين صعد؟ فقال: دعه فإن يكن اللَّه- تعالى- يكرهه فسيغيره. وقال الواقدي في (مغازيه) - رحمة اللَّه عليه- وقد ذكر فتح مكة: قالوا: وجاء وقت الظهر فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بلالا أن يؤذن الظهر فوق ظهر الكعبة يومئذ وقريش فوق رءوس الجبال، وقد فر وجوههم وتغيبوا خوفا أن يقتلوا، فمنهم من يطلب الأمان ومنهم من قد أومن، فلما أذن بلال ورفع صوته كأشد ما يكون، فلما بلغ: أشهد أن محمدا رسول اللَّه، تقول جويرية بنت أبي جهل: قد لعمري رفع لك ذكرك، أما الصلاة فسنصلي، واللَّه لا نحب من قتل الأحبة أبدا، ولقد كان جاء أبي الّذي جاء محمدا من النبوة فردها ولم يرد خلاف قومه. وقال خالد بن أسيد: الحمد للَّه الّذي أكرم أبي قبل أن يسمع هذا اليوم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 385 وقال الحارث بن هشام: وا ثكلاه ليتني متّ قبل هذا اليوم قبل أن أسمع بلالا ينهق فوق الكعبة، فقال الحكم بن أبي العاص: هذا واللَّه الحدث العظيم أن يصبح عبد بني جمح على بنية أبي طلحة، وقال سهيل بن عمرو: إن كان هذا سخط فسيغيره، وإن كان رضا فسيقره. وقال أبو سفيان بن حرب: أما أنا فلا أقول شيئا، لو قلت شيئا لأخبرته هذه الحصباء فأتى جبريل- عليه السلام- رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره خبرهم. وأما عفوه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن سهيل بن عمرو يوم فتح مكة وبرّه له مع سوء أثره يوم الحديبيّة فقال الواقدي [ (1) ]- رحمه اللَّه-: فحدثني موسى بن محمد، عن أبيه قال: قال سهيل بن عمرو: لما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة وظهر انقحمت [ (2) ] بيتي وأغلقت عليّ بابي وأرسلت إلى ابني عبد اللَّه بن سهيل أن اطلب لي جوارا من محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنّي لا آمن أن أقتل، قال: وجعلت أتذكر أثري عند محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، فليس أحد أسوأ أثرا مني، وإني لقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الحديبيّة بما لم يلقه أحد، وكنت الّذي كاتبته مع حضوري بدرا وأحدا، وكلما تحركت قريش كنت فيها، فذهب عبد اللَّه بن سهيل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! أبي تؤمنه؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم هو آمن بأمان اللَّه- تعالى- فليظهر، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لمن حوله: من لقي سهيل بن عمرو فلا يشد النظر إليه، فلعمري إن سهيلا له عقل وشرف وما مثل سهيل جهل الإسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه أنه لم يكن له بنافع! فخرج عبد اللَّه إلى أبيه فخبره بمقالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال سهيل: كان واللَّه برا صغيرا وكبيرا، وكان سهيل   [ (1) ] (المرجع السابق) : 846- 847. [ (2) ] أي رميت بنفسي فيه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 386 يقبل ويدبر، وخرج إلى حنين مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على شركه، حتى أسلم بالجعرانة. وأما إخباره بإسلام عبد اللَّه بن الزّبعرى حين نظر إليه مقبلا قال الواقدي في فتح مكة من (مغازيه) [ (1) ] : وهرب هبيرة بن أبي وهب وهو يومئذ زوج أم هانئ بنت أبي طالب، وهو ابن الزبعري جميعا حتى انتهيا إلى نجران فلم يأمنا من الخوف حتى دخلا حصن نجران فقيل لهما: ما وراءكما؟ فقالا: أما قريش فقد قبلت ودخل مكة ونحن واللَّه نرى أن محمدا سائر إلى حصنكم هذا فجعلت بلحارث وكعب يصلحون ما رثّ من حصنهم، وجمعوا ماشيتهم، فأرسل حسان بن ثابت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أبياتا يريد بها ابن الزبعريّ: [أنشدتها ابن أبي الزناد] : لا تعدمن رجلا أحلك بغضه ... نجران في عيش أحذّ لئيم [ (2) ] بليت قناتك في الحروب فألقيت ... خمانه [ (3) ] خوفاء ذات وصوم [ (4) ] غضب الآله على الزبعري وابنه ... وعذاب سوء في الحياة مقيم فلما جاء ابن الزبعري شعر حسان تهيأ للخروج فقال هبيرة بن أبي وهب أين تريد يا ابن عم؟ قال: أردت واللَّه محمدا، قال: أتريد أن تتبعه قال: إي واللَّه، قال: يقول هبيرة: يا ليت أني كنت رافقت غيرك واللَّه! ما ظننت أنك تتبع محمدا أبدا. قال ابن الزبعري: هو ذاك، فعلى أي شيء أقيم مع بني الحارث بن كعب، وأترك ابن عمي وخير الناس وأبرّهم ومع قومي وداري، فانحدر ابن   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 847- 848، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (2) ] الأخذ: القليل المنقطع. [ (3) ] خمانة: ضعيفة. [ (4) ] الوصوم: جمع وصم، وهو العيب في الحسب. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 387 الزبعري حتى جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس وأصحابه، فلما نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليه قال: هذا ابن الزبعري ومعه وجه فيه نور الإسلام، فلما وقف على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: السلام عليكم أي رسول اللَّه شهدت أن لا اللَّه إلا اللَّه، وأنك عبده ورسوله، والحمد للَّه الّذي هداني للإسلام، لقد عاديتك، وأجلبت عليك، وركبت الفرس والبعير، ومشيت في عداوتك، ثم هربت منك إلى نجران وأنا أريد ألا أقرب الإسلام أبدا، ثم أرادني اللَّه منه بخير فألقاه في قلبي وحببه إليّ، وذكرت ما كنت فيه من الضلالة، واتباع ما لا ينفع ذا عقل من حجر يعبد ويذبح له، لا يدري من عبده ومن لا يعبده، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الحمد للَّه الّذي هداك للإسلام، إن الإسلام يجب ما كان قبله. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 388 وأما صنع اللَّه تعالى له في إلقاء محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم في قلب هند بنت عتبة بعد مبالغتها في شدة عداوته فقال الواقدي [ (1) ] : فحدثني ابن أبي سبرة عن موسى بن عقبة، عن أبي حبيبة مولى الزبير، عن عبد اللَّه بن الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما كان يوم الفتح أسلمت هند بنت عتبة، وأسلمت أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل، وأسلمت امرأة صفوان بن أمية البغوم بنت المعذل بن كنانة، وأسلمت فاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وأسلمت هند بنت منبه بن الحجاج، وهي أم عبد اللَّه بن عمرو بن العاص في عشر نسوة من قريش فأتين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بالأبطح فبايعنه، فدخل عليه وعنده زوجته وابنته فاطمة، ونساء من نساء بني عبد المطلب، فتكلمت هند بنت عتبة فقالت: يا رسول اللَّه الحمد للَّه الّذي أظهر الدين الّذي اختاره لنفسه لتمسني رحمتك، يا محمد إني امرأة مؤمنة باللَّه مصدقة، ثم كشفت عن نقابها فقالت: هند بنت عتبة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مرحبا بك، فقالت: واللَّه يا رسول اللَّه ما كان على الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وزيادة أيضا، ثم قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليهنّ القرآن وبايعهن فقالت هند من بينهن: يا رسول اللَّه فما نماسحك، فقال: إني لا أصافح النساء إن قولي لمائة امرأة مثل قولي لامرأة واحدة، ويقال: وضع على يده ثوبا ثم مسحن على يده يومئذ، ويقال: كان يؤتي بقدح من ماء فيدخل يده فيه ثم يدفعه إليهن فيدخلن أيديهن فيه والقول الأول أثبت عندنا: إني لا أصافح النساء. قال كاتبه: وقد ثبت في الصحيحين وسنن النسائي، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: لا واللَّه ما مست يده يد امرأة قط في   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 850- 851. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 389 المبايعة، ما بايعهن إلا بقوله قد بايعتكن على ذلك، وفي لفظ: واللَّه ما مست يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يد امرأة قط غير أنه بايعهن بالكلام. وخرّج النسائي من طريق مالك، عن محمد بن المنكدر، عن أميمة بنت رفيقة قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في نسوة نبايعه على الإسلام، فقلت: يا رسول اللَّه نبايعك على أن لا نشرك باللَّه شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف، قال: فيما استطعتن وأطقتن، فقلت: اللَّه ورسوله أرحم بنا من أنفسنا نبايعك يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو كمثل قولي لامرأة واحدة، ترجم عليه بيعة النساء، وذكره أيضا في التفسير. وقد خرّج البخاريّ ومسلم قول هند، فخرجه البخاريّ في الأحكام من حديث أبي اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليّ أن يعزهم اللَّه. وقال البخاريّ: أن يعزوا من أهل خبائك، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأيضا والّذي نفسي بيده، ثم قالت: يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل ممسك، وقال البخاري: مسيك فهل عليّ حرج أن أنفق على عياله من ماله بغير إذنه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا حرج عليك أن تنفقي عليهم بالمعروف، وقال البخاريّ: فهل عليّ حرج من أن أطعم من الّذي له عيالنا؟ فقال لها: لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف. ولم يقل في الحديث: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأيضا والّذي نفسي بيده [ (1) ] . وخرّج البخاريّ في كتاب النذور في باب كيف كانت بمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث يحيى بن بكير، عن الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير، وخرّجه في آخر كتاب المناقب تعليقا وقال عبدان: حدثنا يونس، عن الزهري قال حدثني عروة.   [ (1) ] سبق تخريجه وشرحه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 390 وخرّج مسلم من حديث يعقوب بن إبراهيم، عن ابن أخي الزهريّ، عن عمه قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة فقالت: يا رسول اللَّه ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليّ أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليّ أن يغزوا من أهل خبائك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأيضا، الّذي نفسي بيده قالت: يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل مسيك، فهل عليّ حرج أن أطعم من الّذي له عيالنا؟ قال لها: لا، إلا بالمعروف، وقال البخاريّ: قال: إلا بالمعروف وقال في حديث الليث: وأيضا والّذي نفس محمد بيده، وقال فيه: أهل خباء من أهل خبائك أو أخبائك في الموضعين. وذكره في كتاب (النفقات) مختصرا محذوفا من حديث يونس، عن ابن شهاب أخبرني عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: جاءت هند بنت عتبة فقالت: يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل مسيك فهل عليّ حرج أن أطعم من الّذي له عيالنا؟ قال: لا، إلا بالمعروف [ (1) ] . وخرّجاه مختصرا من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وخرجه كذلك النسائي فظهر صحة حديث الواقدي. تم بحمد اللَّه تعالى الجزء الثالث عشر ويليه الجزء الرابع عشر وأوله: وأما إخبار الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا سفيان بن حرب بما حدث به نفسه يوم الفتح من عوده إلى المحاربة وبما قاله لهند   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 629، كتاب النفقات، باب (4) نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها، ونفقة الولد، حديث رقم (5359) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 391 [ المجلد الرابع عشر ] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم وأما إخبار الرسول صلى اللَّه عليه وسلم أبا سفيان بن حرب بما حدث به نفسه يوم الفتح من عوده إلى المحاربة وبما قاله لهند فقال [البيهقي: وقرأت في كتاب] محمد بن سعد عن محمد بن عبيد، عن إسماعيل بن خالد، عن أبي إسحاق السبيعي أن أبا سفيان بن حرب كان جالسا فقال في نفسه: لو جمعت لمحمد جمعا إنه ليحدث نفسه بذلك إذ ضرب النبي صلى اللَّه عليه وسلم بين كتفيه وقال: إذا يخزيك اللَّه. قال: فرفع رأسه فإذا النبي صلى اللَّه عليه وسلم قائم على رأسه فقال: ما أيقنت أنك نبي حتى الساعة، إن كنت لأحدث نفسي بذلك [ (1) ] . وخرجه البيهقي من حديث محمد بن يوسف الفرياني قال: حدثنا يونس ابن أبي إسحاق، عن أبي السفر، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: رأى أبو سفيان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يمشي والناس يطئون عقبه فقال بينه وبين نفسه: لو عاودت هذا الرجل القتال! فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى ضرب بيده في صدري فقال: إذا يخزيك اللَّه، قال: أتوب إلى اللَّه وأستغفر اللَّه مما تفوهت به [ (2) ] . ومن حديث محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبى حامد بن الشرقي قالا: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، عن محمد بن موسى بن أعين يعني الجزري، عن أبي، عن إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال:   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 102، باب إسلام هند بنت عتبة بن ربيعة. وفي (الأصل) : «قال محمد بن سعد في الطبقات» ، وهو خلط من النساخ، والخبر رواه ابن سعد عن أبي إسحاق السبيعي، والحاكم في (الإكليل) عن ابن عباس. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 102) ، ثم قال: هكذا وجدته في كتابي موصولا في أبواب فتح مكة من كتاب (الإكليل) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 3 لما كان ليلة دخل الناس مكة ليلة الفتح لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا، فقال أبو سفيان لهند: أترين هذا من اللَّه؟ ثم أصبحوا، فغدا أبو سفيان إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: قلت لهند: أترين هذا من اللَّه؟ قالت نعم هو من اللَّه، فقال أبو سفيان: أشهد أنك عبد اللَّه ورسوله، والّذي يحلف به أبو سفيان ما سمع قولي هذا أحد من الناس إلا اللَّه- عز وجل- وهند [ (1) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بمجيء عكرمة بن أبي جهل مؤمنا قبل قدومه فكان كذلك فقال الواقدي [ (2) ] : ثم قالت أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل: يا رسول اللَّه قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فأمّنه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هو آمن، فخرجت أم حكيم في طلبه ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه حتى قدمت به على حي من عك [ (3) ] ، فاستعانتهم عليه [ (4) ] ، فأوثقوه رباطا، وأدركت عكرمة، وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة، فركب البحر، فجعل نؤتي السفينة يقول له: أخلص، فقال: أي شيء أقول؟ قال: قل: لا إله إلا اللَّه قال عكرمة: ما هربت إلا من هذا، فجاءت أم حكيم على هذا الكلام، فجعلت تلحّ إليه وتقول: يا ابن عم جئتك من عند أوصل الناس، وأبر الناس، وخير الناس، لا تهلك نفسك، فوقف لها حتى أدركته، فقالت: إني قد استأمنت لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أنت فعلت؟ قالت: نعم أنا كلمته فأمنك، [قال: وكيف يؤمنني وقد صنعنا به أنا وأبي ما صنعناه؟   [ (1) ] (المرجع السابق) : 103. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 851. [ (3) ] عكّ: مخلاف من مخاليف مكة التهامية. [ (4) ] كذا في (الأصل) ، وفي (مغازي الواقدي) : «فاستغاثتهم عليه» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 4 قالت: بلى إنه خير الناس] [ (1) ] ، فرجع معها وقال: ما لقيت من غلامك الروميّ؟ فخبرته خبره، فقتله عكرمة وهو يومئذ لم يسلم، فلما دنا من مكة، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأصحابه: يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحيّ ولا يبلغ الميت، قال: وجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها فتأبى عليه، وتقول: إنك كافرا وأنا مسلمة، فيقول: إن أمرا منعك مني لأمر كبير، فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عكرمة وثب إليه- وما على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رداء- فرحا بعكرمة، ثم جلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوقف بين يديه ومعه امرأته منتقبة، فقال: يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني، فقال: صدقت، فأنت آمن، فقال عكرمة: فإلى ما تدع يا محمد؟ قال: أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتفعل وتفعل حتى عدّ خصال الإيمان [ (2) ] ، فقال عكرمة: واللَّه ما دعوت إلا إلى الحق وإلى أمر حسن جميل، قد كنت فينا واللَّه قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا، وأبرّنا برا، ثم قال عكرمة: فأني أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا رسول اللَّه [ (3) ] ، فسر بذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم قال: يا رسول اللَّه علمني خير شيء أقوله، قال: خير شيء تقوله: أشهد من حضر أني مسلم مهاجر، فقال عكرمة: ذلك ثم ماذا؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تقول أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد من حضر أني مسلم مهاجر، فقال عكرمة ذلك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدا إلا أعطيتكه، قال عكرمة: فإنّي أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها أو مسير أوضعت فيه أو مقام لقيتك فيه، أو كلام قلته في وجهك، أو وأنت غائب عنه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، فاغفر له وما نال مني من عرض في وجهي، أو وأنا غائب عنه، فقال عكرمة: رضيت يا رسول اللَّه، ثم قال عكرمة: أما   [ (1) ] ما بين الحاصرتين في (الأصل) فقط، وليس في (مغازي الواقدي) . [ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المغازي) : خصال الإسلام. [ (3) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المغازي) : 2/ 852. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 5 واللَّه يا رسول اللَّه لا أدع نفقة كنت أنفقها في صدّ عن سبيل اللَّه إلا أنفقت ضعفها في سبيل اللَّه، ولا قتالا كنت أقاتل في صدّ عن سبيل اللَّه إلا أبليت ضعفه في سبيل اللَّه، ثم اجتهد في القتال حتى قتل شهيدا، فرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم امرأته بذلك النكاح الأول. وأما تيقن صفوان بن أمية نبوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال الواقدي في ذكر فتح مكة [ (1) ] : وأما صفوان بن أمية فهرب حتى أتى الشعيبة [ (2) ] وجعل يقول لغلامه يسار وليس معه غيره: ويحك! انظر من ترى؟ قال: هذا عمير بن وهب، قال صفوان: ما أصنع بعمير؟ واللَّه ما جاء إلا يريد قتلي، قد ظاهر محمدا عليّ فلحقه، فقال: يا عمير، ما كفاك ما صنعت بي؟ حملتني دينك وعيالك، ثم جئت تريد قتلي! فقال أبو وهب: جعلت فداءك جئتك من عند أبر الناس وأوصل الناس، وقد كان عمير قال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه، سيد قومي خرج هاربا ليقذف نفسه في البحر، وخاف ألا تؤمنه فأمنه، فداك أبي وأمي! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قد أمنته. فخرج في أثره فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد أمنك، فقال صفوان: لا واللَّه لا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها، فرجع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه جئت صفوان هاربا يريد أن يقتل نفسه فأخبرته بما أمنته، فقال: لا أرجع حتى تأتيني بعلامة أعرفها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: خذ عمامتي، قال: فرجع عمير إليه بها، وهو البرد الّذي دخل فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ معتجرا [ (3) ]   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 853- 855. [ (2) ] الشعيبة: مرفا السفن من ساحل بحر الحجاز، وهو كان مرفا مكة ومرسى سفنها قبل جدة. [ (3) ] الاعتجار بالعمامة: هو أن يلفها على رأسه، ويرد طرفها على وجهه، ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 6 به، برد حبرة [ (1) ] ، فخرج عمير في طلبه الثانية حتى جاءه بالبرد، فقال: أبا وهب، جئتك من عند خير الناس، وأوصل الناس، وأبرّ الناس، وأحلم الناس، مجده مجدك، وعزه عزك، وملكه ملكك، ابن أمك وأبيك، أذكرك اللَّه في نفسك، قال له: أخاف أن أقتل، قال: قد دعاك إلى أن تدخل في الإسلام، فإن رضيت وإلا سيّرك شهرين، فهو أوفى الناس وأبرهم، وقد بعث إليك ببرده الّذي دخل به معتجرا، تعرفه؟ قال: نعم، فأخرجه، فقال: نعم هو هو! حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي بالمسلمين العصر بالمسجد، فوقفا، فقال صفوان: كم تصلون في اليوم والليلة؟ قال: خمس صلوات، قال: يصلي بهم محمد؟ قال: نعم، فلما سلم صاح صفوان: يا محمد! إن عمير بن وهب جاءني ببردك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت أمرا وإلا سيرتني شهرين، قال: انزل أبا وهب. قال: لا واللَّه حتى يتبين لي، قال: بل تسير أربعة أشهر، فنزل صفوان، وخرج رسول اللَّه قبل هوازن، وخرج معه صفوان وهو كافر، وأرسل إليه يستعيره سلاحه، فأعاره سلاحه، مائة درع بأداتها، فقال صفوان: طوعا أو كرها؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: [بل] عارية مؤداه، فأعاره، فأمره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحملها إلى حنين، فشهد حنينا والطائف، ثم رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الجعرّانة، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسير في الغنائم ينظر إليها، ومعه صفوان بن أمية، فجعل صفوان ينظر إلى شعب ملي نعما، وشاء، ورعاء، فأدام إليه النظر ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يرمقه، فقال: أبا وهب يعجبك هذا الشعب؟ قال: نعم، قال: هو لك وما فيه، فقال صفوان عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، وأسلم مكانه [ (2) ] .   [ (1) ] الحبرة: ضرب من ثياب اليمن. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 855. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 7 قال الواقدي [ (1) ] : فحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، قال: أسلم أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، ومخرمة بن نوفل قبل نسائهم، ثم قدموا على نسائهم في العدة، فردهن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بذلك النكاح، وأسلمت امرأة صفوان وامرأة عكرمة قبل زوجيهما، ثم أسلما، فردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نساءهم عليهم، وذلك أن إسلامهم كان في عدتهم. وخرّج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون، عن شريك، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أمية بن صفوان بن أمية، عن أبيه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعا، فقال: اغصبا يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة، فضاع بعضها، فعرض عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يضمنها له، فقال: أنا اليوم يا رسول اللَّه في الإسلام أرغب [ (2) ] . وخرّج الترمذي من حديث يحيى بن آدم، عن ابن المبارك، عن يونس ابن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن صفوان بن أمية [ (3) ] : أعطاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إليّ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إليّ. قال أبو عيسى: حديث صفوان، رواه معمر وغيره، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكأن هذا الحديث أصح وأشبه، وإنما هو «سعيد بن المسيب عن صفوان» [ (4) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 617- 619، حديث رقم (27089) ، من حديث صفوان بن أمية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (3) ] هو صفوان بن أمية بن خلف بن حذافة بن جمح القرشيّ الجمحيّ أمه أيضا جمحية، من ولد جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب، يكنى أبا وهب، وقيل أبا أمية، وهما كنيتان له مشهورتان. (الإستيعاب) : 2/ 718، ترجمة رقم (1214) . [ (4) ] (سنن الترمذي) 3/ 53، كتاب الزكاة، باب (30) ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم حديث رقم (666) ثم قال: وقد اختلف أهل في إعطاء المؤلفة قلوبهم، فرأى أكثر أهل العلم أن لا يعطوا، وقالوا: إنما كانوا قوما على عهد النبي، كان يتألفهم على الإسلام حتى أسلموا، ولم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 8 وخرجه الإمام أحمد من حديث زكريا بن عدي، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حنين، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما زال يعطيني حتى صار وإنه لأحب الناس إليّ [ (1) ] .   [ () ] يروا أن يعطوا اليوم من الزكاة على مثل هذا المعنى، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وغيرهم، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال بعضهم: من كان اليوم على مثل حال هؤلاء ورأى الإمام أن يتألفهم على الإسلام فأعطاهم، جاز ذلك، وهو قول الشافعيّ. (المرجع السابق) : 54. [ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 401، حديث رقم (14880) من حديث صفوان بن أمية العجمي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، 7/ 620، حديث رقم (27090) من حديث صفوان ابن أمية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. وخرجه الإمام مسلم في كتاب الفضائل، باب (14) ما سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا قط فقال: لا، وكثرة عطائه، حديث رقم (59) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 9 وأما إنجاز اللَّه تعالى وعده لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلم بدخول الناس في دين اللَّه أفواجا بعد فتح مكة فخرّج البخاريّ في غزوة الفتح [ (1) ] من حديث حماد بن زيد، عن أيوب عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة قال: قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته، فقال: كنا بما ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن اللَّه أرسله، أوحى إليه، أو أوحى اللَّه بكذا فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يقرّ في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق. فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم فلما قدم قال: جئتكم واللَّه من عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حقا، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنا، فنظروا، فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني لما كنت أتلقى من الركبان، فقدّموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 27، كتاب المغازي، باب (54) بدون ترجمة، حديث رقم (4302) ، وفي الحديث حجة للشافعية في إمامة الصبي المميز في الفريضة، وهي خلافية مشهورة، ولم ينصف من قال: إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم ولم يطلع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على اجتهادهم لأنها شهادة نفي، ولأن زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز، كما استدل أبو سعيد وجابر لجواز العزل بكونهم فعلوه على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولو كان منهيا عنه لنهى عنه في القرآن، وكذا من استدل به بأن ستر العورة في الصلاة ليس شرطا لصحتها، بل هو سنة، ويجزى بدون ذلك، لأنها واقعة حال، فيحتمل أن يكون ذلك بعد علمهم بالحكم. (فتح الباري) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 10 عنا است قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص. وخرّجه أبو داود [ (1) ] وسياقة البخاريّ أتم. وأما تصديق اللَّه تعالى رسوله صلى اللَّه عليه وسلم بأن العزى قد يئست أن تعبد بأرض العرب فلم تعبد بعد مقدمه صلى اللَّه عليه وسلم بحمد اللَّه تبارك وتعالى فقال الواقدي [ (2) ] : حدثني عبد اللَّه بن يزيد، عن سعيد بن عمرو الهذلي قال: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مكة يوم الجمعة لعشر ليال بقين من رمضان، فبث السرايا في كل وجه، وأمرهم أن يغيروا على من لم يكن على الإسلام، فخرج هشام بن العاص في مائتين، قبل يلملم [ (3) ] ، فخرج خالد بن سعيد بن العاص في ثلاثمائة قبل عرنة، وبعث خالد بن الوليد في ثلاثين فارسا من أصحابه [إلى]   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 1/ 393- 394، كتاب الصلاة، باب (61) من أحق بالإمامة، حديث رقم (585) ، وقد اختلف الناس في إمامة الصبي غير البالغ إذا عقل الصلاة، فمن أجاز ذلك: الحسن وإسحاق بن راهويه، وقال الشافعيّ: يؤم الصبي غير المحتلم إذا عقل الصلاة إلا في الجمعة، وكره الصلاة خلف الغلام قبل أن يحتلم: عطاء والشعبيّ ومالك والثوريّ والأوزاعيّ، وعليه ذهب أصحاب الرأي وكان أحمد بن حنبل يضعف أمر عمرو بن سلمة. وقال مرة: دعه ليس بشيء بيّن، وقال الزهريّ: إذا اضطروا إليه أمهم قال الخطيبي، وفي جواز صلاة عمرو بن سلمة لقومه دليل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، لأن صلاة النبي نافلة. (معالم السنن) . وأخرجه النسائي في الإمامة، باب (11) إمامة الغلام قبل أن يحتلم، حديث رقم (788) ، قال الإمام السندي في (حاشيته على سنن النسائي) : وفيه دليل على إمامة الصبيّ للمكلفين، ومن لا يقول به يحمل الحديث على أنه كان بلا علم من النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، فلا حجة فيه، واللَّه- تعالى- أعلم. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 783- 784، شأن هدم العزى. [ (3) ] يلملم: موضع على ليلتين من مكة، وقيل: هو جبل من الطائف على ليلتين. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 11 [العزى] انتهى إليها فهدمها، ثم رجع إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هدمت العزى؟ قال: نعم يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: هل رأيت شيئا؟ قال: لا، قال: فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها، فرجع خالد وهو متغيظ، فلما انتهى إليها جرد سيفه، فخرجت امرأة سوداء عريانة ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، قال خالد: وأخذني اقشعرار في ظهري، فجعل يصيح: أيا عزّ شدى شدة لا تكذّبي ... على خالد ألقى القناع وشمّري أيا عزّ إن لم تقتلي المرء خالدا ... فبوئي بذنب عاجل أو تنصري يا عزّ كفرانك لا سبحانك ... إني وجدت اللَّه قد أهانك قال: وأقبل خالد بالسيف وهو يقول: كفرانك لا سبحانك ... إني وجدت اللَّه قل أهانك فضربها بالسيف فجزلها باثنتين، ثم رجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأخبره، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم تلك العزّى وقد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا، ثم قال خالد: أي رسول اللَّه، الحمد للَّه الّذي أكرمنا بك وأنقذنا من الهلكة، ولقد كنت أرى أبي يأتي العزى بحترة [ (1) ] مائة من الإبل والغنم، فيذبحها للعزى ويقيم عندها ثلاثا، ثم ينصرف إلينا مسرورا، فنظرت إلى ما مات عليه أبي، ذلك الرأي الّذي كان يعاش في فضله، كيف خدع حتى صار يذبح لحجر لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا الأمر إلى اللَّه فمن يسره للهدى تيسّر ومن يسره للضلالة كان فيها. وكان هدمها لخمس ليال بقين من رمضان سنة ثمان، وكان سادنها أفلح ابن النضر الشيبانيّ من بني سليم، فلما حضرته الوفاة دخل عليه وهو حزين، فقال له أبو لهب: ما لي أراك حزينا؟ قال: أخاف أن تضيع العزى من بعدي، قال له أبو لهب: لا تحزن، فأنا أقوم عليها بعدك، فجعل كل من لقي قال: إن تظهر العزى كنت قد اتخدت يدا عندها بقيامي عليها، وإن يظهر محمد على العزى- ولا أراه يظهر- يا ابن أخي، فأنزل اللَّه- تعالى-: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ويقال: إنه قال هذا في اللات.   [ (1) ] الحترة بكسر الحاء: العطية اليسيرة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 12 وخرّج البيهقيّ [ (1) ] من طريق أحمد بن عليّ بن المثنى، قال: حدثنا أبو كريب، عن محمد بن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل قال: لما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكانت بها العزى، فأتاها خالد بن الوليد، وكانت على ثلاث سمرات، فقطع السمرات [ (2) ] ، وهدم البيت الّذي كان عليها، ثم أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، فقال: ارجع فإنك لم تصنع شيئا، فرجع خالد فلما نظرت إليه السدنة وهم حجابها، أمعنوا في الجبل وهم يقولون: يا عزى خبليه [ (3) ] ، يا عزى عوريه، وإلا فموتي برغم، قال: فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها فعممها بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره فقال: تلك العزى. وخرّج البيهقيّ [ (4) ] من حديث مؤمل بن إسماعيل، عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون، ولكنه في التحريش بينهم. ومن حديث وكيع [ (5) ] عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن التحريش [ (6) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 5/ 77، باب ما جاء في بعثة خالد بن الوليد إلى نخلة كانت بها العزى، وما ظهر في ذلك من الآثار. [ (2) ] السمرات: الشجرات. [ (3) ] من الخبال، وهو النقصان والهلاك. [ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 363، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بأن المسلمين لا يعبدون الشيطان في جزيرة العرب، يريد أصحابه فمن بعدهم فكان كما قال: ثم كان كما أخبر به من التحريش بينهم في آخر أيامه. [ (5) ] (المرجع السابق) . [ (6) ] أي أنه يسعى بينهم في الخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب المنافقين، باب (16) تحريش الشيطان وبعث سراياه لفتنة الناس، حديث رقم (65) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 13 وأما كفاية اللَّه تعالى أمر الّذي أراد قتله قريب أوطاس فقال الواقدي [ (1) ] : حدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كانت ذات أنواط شجرة عظيمة، أهل الجاهلية يذبحون لها [ (2) ] ويعكفون عليها يوما، وكان من حج منهم وضع رداءه عندها، ويدخل بغير رداء تعظيما لها، فلما سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى حنين، قال له رهط من أصحابه فيهم الحارث بن مالك: يا رسول اللَّه اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط، فكبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثا، وقال: هكذا فعل قوم موسى بموسى. قال: قال أبو بردة بن نيار: لما كنا دوين أوطاس نزلنا تحت شجرة، ونظرنا إلى شجرة عظيمة، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحتها، وعلق بها سيفه وقوسه، قال: وكنت من أقرب أصحابه إليه، قال: فما أفزعني إلا صوته: يا أبا بردة! فقلت: لبيك، وأقبلت سريعا، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس وعنده رجل جالس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا الرجل جاء وأنا نائم، فسل سيفي، ثم قام به على رأسي، ففزعت منه وهو يقول: يا محمد من يمنعك مني اليوم؟ قلت: اللَّه، قال أبو بردة: فوثبت إلى سيفي فسللته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شمّ سيفك، قال: قلت يا رسول اللَّه، دعني أضرب عنق عدو اللَّه، فإن هذا من عيون المشركين، فقال لي: اسكت يا أبا بردة، قال: فما قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا، ولا عاقبه، قال: فجعلت أصيح به في العسكر ليشهده الناس فيقتله قاتل بغير أمر رسول اللَّه، فأما أنا فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد كفني عن قتله، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اللَّه عن الرجل يا أبا بردة! قال: فرجعت إلى   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 891- 892، غزوة حنين، باختلاف يسير في اللفظ. [ (2) ] كذا في (الأصل) ، (وفي المغازي) : «بها» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 14 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا أبا بردة إن اللَّه مانعي وحافظي حتى يظهر دينه على الدين كله [ (1) ] ، وقد تقدم وقوع مثل هذا في مرتين: إحداهما: من دعثور في غزوة ذي أمر. والأخرى: من ابن غورث في ذات الرقاع. وأما كفاية اللَّه تعالى له كيد شيبة بن عثمان بن أبي طلحة يوم حنين وهدايته إلى الإسلام بدعائه وإخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم شيبة بما هم به فقال ابن إسحاق [ (2) ] : وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، أخو بنى عبد الدار: قلت: اليوم أدرك ثأرى، وكان أبوه قتل يوم أحد، اليوم أقتل محمدا، قال: فأدرت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشي فؤادي، فلم أطق ذاك فعرفت أنه ممنوع [مني] . وقال الواقدي [ (3) ] : وكان شيبة بن عثمان بن أبي طلحة قد تعاهد هو وصفوان بن أمية حين وجّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى حنين، وكان أمية بن خلف قتل يوم بدر، وكان عثمان بن أبي طلحة قتل يوم أحد، فكانا تعاهدا إن رأيا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دائرة أن يكونا عليه وهما خلفه، قال شيبة: فأدخل اللَّه الإيمان قلوبنا، قال شيبة، لقد هممت بقتله، فأقبل شيء حتى تغشي فؤادي فلم أطق ذلك، وعلمت أنه قد منع مني. وقال: قد غشيتني ظلمة حتى لا أبصر، فعرفت أنه ممتنع مني، وأيقنت بالإسلام.   [ (1) ] إلى هنا آخر رواية الواقدي. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 112، شيبة بن طلحة يحاول قتل الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 909- 910، غزوة حنين. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 15 وقال الواقدي [ (1) ] : وقد سمعت في قصة شيبة وجها آخر، كان شيبة بن عثمان يقول: لما رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم غزا مكة فظفر بها، وخرج إلى هوازن، قلت: أخرج لعلي أدرك ثأرى، وذكرت قتل أبي يوم أحد، قتله حمزة، وعمي قتله عليّ، قال: فلما انهزم أصحابه جئته عن يمينه، فإذا العباس قائم عليه درع بيضاء كالفضة ينكشف عنها العجاج [ (2) ] ، فقلت: عمه لن يخذله! فجئته عن يساره، فإذا بأبي سفيان ابن عمه، فقلت: ابن عمه ان يخذله! فجئته من خلفه، فلم يبق إلا أن أسوره بالسيف إذ رفع لي فيما بيني وبينه شواظ [ (3) ] من نار كأنه برق، وخفت أن يمحشني [ (4) ] ، ووضعت يدي على بصري، ومشيت القهقرى والتفت إليّ وقال: يا شيب يا شيب، أدن مني، فوضع يده على صدري وقال: اللَّهمّ أذهب عنه الشيطان، قال: فرفعت إليه رأسي، وهو أحب إليّ من سمعي، وبصري، وقلبي، ثم قال: يا شيب، قاتل الكفار! قال: فتقدمت بين يديه أحب واللَّه أن أقيه بنفسي وبكل شيء، فلما انهزمت هوازن، رجع إلى منزله، ودخلت عليه فقال: الحمد للَّه الّذي أراد بك خيرا مما أردت، ثم حدثني بما هممت به. وخرّج الإمام أبو بكر البيهقيّ [ (5) ] هذه القصة من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثني عبد اللَّه بن المبارك، عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن شيبة بن عثمان، قال: لما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم حنين قد عرى، ذكرت أبي وعمي، وقتل علي وحمزة إياهما، فقلت: اليوم أدرك ثأري من محمد، قال: فذهبت لأجيئه عن يمينه، فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائم عليه درع بيضاء، كأنها فضة يكشف عنها العجاج، فقلت: عمه   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] العجاج: الغبار. [ (3) ] الشواظ: اللهب الّذي لا دخان له. [ (4) ] يمحشني: يحرقني. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 145، باب رمي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وجوه الكفار، والرعب الّذي ألقى في قلوبهم، ونزول الملائكة وما ظهر في كل واحد من هذه الأنواع من آثار النبوة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 16 ولن يخذله، قال: ثم جئته عن يساره، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، فقلت: ابن عمه ولن يخذله، قال: ثم جئت من خلفه فلم يبق إلا أن أسوره سورة بالسيف إذ رفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت تمحشني، فوضعت يدي على بصري، ومشيت القهقرى، والتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا شيب، يا شيب ادن مني، اللَّهمّ أذهب عنه الشيطان، قال: فرفعت إليه بصري ولهو أحب إليّ من سمعي، وبصري وقال: يا شيب قاتل الكفار. وخرّج من طريق محمد بن يعقوب قال: حدثنا العباس بن محمد، عن محمد بن بكير الحضرميّ، عن أيوب بن جابر عن صدقة بن سعيد، عن مصعب بن شيبة، عن أبيه قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم حنين، واللَّه ما أخرجني إسلام ولا معرفة به، ولكن أيقنت أن تظهر هوازن على قريش، فقلت وأنا واقف معه: يا رسول اللَّه إني أرى خيلا بلقا، قال: يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر، فضرب بيده على صدري، ثم قال: اللَّهمّ اهد شيبة، ثم ضربها الثانية، ثم قال: اللَّهمّ اهد شيبة، ثم ضربها الثالثة، فقال: اللَّهمّ اهد شيبة، فو اللَّه ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق اللَّه أحب إليّ منه، وذكر الحديث [ (1) ] [في التقاء الناس وانهزام المسلمين، ونداء العباس، واستنصار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى هزم اللَّه المشركين] [ (2) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 146. [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 17 وأما إعلام اللَّه- تعالى- رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بما قاله عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر لأهل الحصن بالطائف فخرج البيهقيّ [ (1) ] من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: وأقبل عيينة بن بدر حتى جاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ائذن لي أن أكلمهم لعلّ اللَّه أن يهديهم، فأذن له، فانطلق حتى دخل عليهم الحصن، فقال: بأبي أنتم تمسكوا بمكانكم، واللَّه لنحن أذل من العبيد، وأقسم باللَّه لئن حدث به حدث، لتملكن العرب عزا ومنعة، فتمسكوا بحصنكم، وإياكم أن تعطوا بأيديكم، ولا يتكاثرون عليكم قطع هذا الشجر، ثم رجع عيينة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ماذا قلت لهم يا عيينة؟ قال: قلت لهم وأمرتهم بالإسلام ودعوتهم إليه، وحذرتهم النار، ودللتهم على الجنة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبت، بل قلت لهم: كذا وكذا فقصّ عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حديثه، فقال: صدقت يا رسول اللَّه، أتوب إلى اللَّه- عز وجل- وإليك من ذلك، فلما أخذ الناس في القطع قال عيينة بن بدر ليعلى بن مرة: حرام عليّ أن أقطع حظي من الكرم، فقال يعلي بن مرة: إن شئت قطعت نصيبك، فماذا ترى؟ قال عيينة: أرى أن تدخل جهنم، فكانت هذه ريبة من عيينة في دينه، وسمع بذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فغضب منه، وأوعد عيينة، وقال: أنت صاحب العمل أولى لك فأولى. وقال الواقدي [ (2) ] في غزوة الطائف: قالوا: وقال عيينة: يا رسول اللَّه ائذن لي حتى أتي حصن الطائف فأكلمهم، فأذن له، فجاءه فقال: أدنو منكم   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 163- 164، باب استئذان عيينة بن حصن بن بدر في مجيئه ثقيفا، وإطلاع اللَّه عزّ وجلّ رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم على ما قال لهم، وأخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 2/ 531، باب وما ذكر في غزوة الطائف حديث رقم (460) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 932- 933. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 18 وأنا آمن؟ قالوا: نعم، وعرفه أبو محجن فقال: ادن، فدنا، قال لي: ادخل، فدخل عليهم الحصن، فقال: فداءكم أبي وأمي، واللَّه لقد سرني ما رأيت منكم، واللَّه أني إلى العرب أحدا غيركم! واللَّه ما لاقي محمد مثلكم قط ولقد ملّ المقام فأثبتوا في حصنكم فإن حصنكم حصين، وسلاحكم كثير وماءكم، واتن لا تخافون قطعه، فلما خرج قالت ثقيف لأبي محجن: فإن كرهنا دخوله وخشينا أن يخبر محمدا بخلل إن رآه فينا أو في حصننا. قال أبو محجن: أنا كنت أعرف له، ليس منا أحد أشدّ على محمد وإن كان معه، فلما رجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: ما قلت لهم؟ قال: قلت لهم ادخلوا في الإسلام، فو اللَّه لا يبرح محمد عقر داركم حتى تنزلوا، فخذوا لأنفسكم أمانا قد نزل بساحة أهل الحصون قبلكم قينقاع، والنضير، وقريظة، وخيبر أهل الحلقة، والعدة، والآطام، فخذّلتهم ما استطعت. ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ساكت عنه حتى إذا فرغ من حديثه قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبت! قلت لهم كذا وكذا للذي قال، فقال عيينة: استغفر اللَّه، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه دعني أقدمه فأضرب عنقه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، ويقال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أغلظ له يومئذ وقال: ويحك يا عيينة إنما أنت أبدا توضع في الباطل، كم لنا منك من يوم بني النضير، وقريظة، وخيبر، تجلب علينا عدونا، وتقاتلنا بسيفك، ثم أسلمت كما زعمت، فتحرض علينا عدونا! قال: أستغفر اللَّه يا أبا بكر، وأتوب إليه، لا أعود أبدا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 19 وأما تسبيح سارية مصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالطائف فقال الواقدي [ (1) ] : وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ضرب لزوجتيه قبتين، ثم كان يصلي بين القبتين حصار الطائف كله، وقد اختلف علينا في حصاره، فقال قائل: ثمانية عشر يوما، وقال قائل: تسعة عشر يوما، وقال قائل: خمسة عشر يوما، وكل ذلك وهو يصلي بين القبتين ركعتين، فلما أسلمت ثقيف، بنى أمية ابن عمرو بن وهب بن معتب بن مالك، على مصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مسجدا، وكان فيه سارية لا تطلع الشمس عليها من الدهر إلا يسمع لها نقيض [ (2) ] أكثر من عشر مرار، فكانوا يرون أنّ ذلك تسبيحا. وأما إجابة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رجل يقوم على حصن الطائف فقال الواقدي [ (3) ] : وكان رجل يقوم على الحصن فيقول: روحوا رعاء الشاء! روحوا جلابيب محمد! روحوا عبيد محمد! أترونا نتباءس على أحبل أصبتموها من كرومنا؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ روح مروّحا إلى النار، قال سعد بن أبي وقاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فأهوى له بسهم فوقع في نحره، فهوى من الحصن ميتا، قال: فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد سرّ بذلك.   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 927. [ (2) ] النقيض: الصوت. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 929. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 20 وأما إجابة دعائه صلى اللَّه عليه وسلّم في هداية ثقيف ومجيئهم إليه فخرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: أقبلت امرأة من المهاجرات كانت مع زوجها في الجيش يقال لها: خولة بنت حكيم، كانت ممن بايع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت قبل ذلك تحت عثمان بن مظعون قبل بدر، فدخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه ما يمنعك أن تنهض إلى أهل الطائف، قال: لم يؤذن لنا حتى الآن فيهم، وما أظن أن نفتحها الآن، فأقبل عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فلقيها خارجة من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: هل ذكر لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا بعد؟ قالت: أخبرني أنه لم يؤذن له في قتال أهل الطائف بعد، فلما رأى ذلك عمر ابن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- اجترأ على كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ألا تدعو على أهل الطائف فتنهض إليهم لعل اللَّه- عزّ وجلّ- يفتحها فإن أصحابك كثير، وقد شق عليهم الحبس، ومنعهم معايشهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لم يؤذن لنا في قتالهم، فلما رأى ذلك عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أفلا آمر الناس فلا يسرحوا ظهرهم حتى يرتحلوا بالغداة؟ قال: بلى، فانطلق عمر حتى أذن في الناس بالقفول وأمرهم أن لا يسرحوا ظهرهم، فأصبحوا وارتحل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، ودعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين ركب قافلا: اللَّهمّ اهدهم واكفنا مئونتهم. وقال الواقدي [ (2) ] : وجاءت خولة بنت حكيم بن أمية بن الأوقص السلمية وهي امرأة عثمان بن مظعون، فقالت: يا رسول اللَّه أعطني إن فتح اللَّه عليك حلي الفارعة بنت الخزاعي، أو بادية بنت غيلان، وكانتا من أجمل نساء   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 168- 169، باب إذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالقفول من الطائف، ودعائه لثقيف بالهداية، وإجابة اللَّه- تعالى- دعاءه. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 935- 936، شأن غزوة الطائف. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 21 ثقيف، فقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة؟ قال: فخرجت خولة فذكرت ذلك لعمر، فدخل عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على رسول اللَّه ولم يؤذن لك فيهم؟ قال: لا، قال: أفلا أؤذن في الناس بالرحيل؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بلى، فأذن عمر بالرحيل، فجعل المسلمون يتكلمون، يمشي بعضهم إلى بعض، فقالوا: ننصرف ولا نفتح الطائف! لا نبرح حتى تفتح علينا، واللَّه إنهم أذل وأقل من لاقينا، قد لقينا جمع مكة، وجمع هوازن، ففرق اللَّه تلك الجموع، وإنما هؤلاء ثعلب في جحر لو حصرناهم لماتوا في حصنهم هذا، وكثر القول بينهم والاختلاف، فمشوا إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكلموه [ (1) ] ، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (2) ] : اللَّه ورسوله أعلم، والأمر ينزل عليه من السماء. فكلموا عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأبى وقال: قد رأينا الحديبيّة وداخلني في الحديبيّة من الشك ما لا يعلمه إلا اللَّه، وراجعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ بكلام، ليت أني لم أفعل وأن أهلي ومالي ذهبا، ثم كانت الخيرة لنا من اللَّه فيما صنع، فلم يكن فتح كان خيرا للناس من صلح الحديبيّة بلا سيف، دخل فيه من أهل الإسلام مثل من كان دخل من يوم بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إلى يوم كتب الكتاب، فاتهموا الرأي، والخيرة فيما صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولن أراجعه في شيء من ذلك الأمر أبدا، والأمر أمر اللَّه، وهو يوحي إلى نبيه ما يشاء. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد قال لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إني رأيت، أني أهديت لي قعبة [ (3) ] مملوءة زبدا، فنقرها ديك فأهراق ما فيها، قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ما أظن أن تدرك منهم يا رسول اللَّه يومك هذا ما تريد، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأنا لا أرى ذلك.   [ (1) ] كذا بالأصل، وفي (المغازي) : «فتكلموا» [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] القعبة: القدح. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 22 [قال الواقدي] [ (1) ] حدثني كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما مضت خمس عشرة ليلة من حصارهم استشار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نوفل بن معاوية الديليّ فقال: يا نوفل ما [تقول أو] ترى؟ فقال: يا رسول اللَّه ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك شيء، قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ولم يؤذن لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في فتحها. قال وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عمر فأذن في الناس بالرحيل، فجعل الناس يضجون من ذلك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فاغدوا على القتال، فغدوا، فأصابت المسلمين جراحات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا قافلون إن شاء اللَّه، فسروا بذلك وأذعنوا [ (2) ] ، وجعلوا يرحلون، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يضحك، فلما استقل الناس لوجههم نادى سعد بن عبيد بن أسيد بن عمرو بن علاج الثقفي قال: ألا إن الحي مقيم. قال: يقول عيينة بن حصن: أجل واللَّه مجدة كرام، فقال له عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قاتلك اللَّه، تمدح قوما مشركين بالامتناع من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد جئت تنصره؟ فقال: إني واللَّه ما جئت معكم أقاتل ثقيفا، ولكن أردت أن يفتح محمد الطائف، فأصيب جارية من ثقيف فأطأها لعلها تلد لي رجلا، فإن ثقيفا قوم مباركون. قال: فأخبر عمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمقالته فتبسم صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال: هذا الأحمق [ (3) ] المطاع، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه حين أرادوا أن يرتحلوا: قولوا: لا إله إلا اللَّه وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، فلما ارتحلوا واستقلوا قال: قولوا آئبون إن شاء اللَّه تائبون، عابدون   [ (1) ] زيادة يقتضيها السياق. [ (2) ] أذعن: أسرع في الطاعة. [ (3) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المغازي) : «الحمق» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 23 لربنا حامدون، ولما ظعن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الطائف قيل: يا رسول اللَّه ادع اللَّه على ثقيف فقال: اللَّهمّ اهد ثقيفا وائت بهم [ (1) ] . وقال ابن إسحاق [ (2) ] : حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم وعبد اللَّه بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم، قالوا: حاصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك، ثم انصرفوا عنهم ولم يؤذن فيهم، فقدم المدينة فجاءه وفدهم في رمضان فأسلموا. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ذي الخويصرة بأنه وأصحابه يمرقون من الدين فكان كما أخبر يروي قتيبة بن سعيد وأبو خيثمة وإسحاق بن إبراهيم الحنظليّ وعثمان ابن أبي شيبة قالوا جميعا: حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه يعني ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قالوا: لما كان يوم حنين آثر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى ناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: واللَّه إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه اللَّه! قال: فقلت: واللَّه لأخبرن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتيته فأخبرته بما قال الرجل، فتغيّر وجهه حتى صار كالصرف، قال: فمن يعدل إذا لم يعدل اللَّه   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 156، أبو بكر يفسر رؤيا رسول اللَّه وفيها: فإن ثقيفا قوم مناكير وما.. أثبتناه من الواقدي. [ (2) ] في (المرجع السابق) : «فحصرهم بضعا وعشرين ليلة، قال ابن هشام: سبع عشرة ليلة» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 24 ورسوله؟ ثم قال: يرحم اللَّه موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر، قال: فقلت: لا جرم، لا أرفع إليه بعد هذا حديثا [ (1) ] . لفظ أبي خيثمة: وقال إسحاق مثل ذلك إلا أنه قال: وآثر ناسا من أشراف العرب، وقال: أو ما أريد به وجه اللَّه، وحديث قتيبة وعثمان على لفظ أبي خيثمة إلا أنهما قالا: أو ما أريد به وجه اللَّه- تعالى-، رواه البخاريّ [ (2) ] ، في (الصحيح عن قتيبة) ، ورواه مسلم [ (3) ] ، عن أبي خيثمة وإسحاق بن إبراهيم وعثمان بن أبي شيبة، وذكر الواقدي أن المتكلم بهذا معتب ابن قشير العمري [ (4) ] . وقال يحيى بن بكير ومحمد بن رمح: حدثنا الليث عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أتى رجل بالجعرانة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمد: اعدل، فقال: ويلك! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: دعني يا رسول اللَّه فأقتل هذا المنافق، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: معاذ اللَّه أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 5/ 184- 185، باب اعتراض من اعترض من أهل النفاق في قسمة النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم حنين، وإخبار النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عن خروج أشباه له يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، وإخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن آيتهم وما ظهر في ذلك من علامات النبوة. [ (2) ] (فتح الباري) : 309، كتاب فرض الخمس، باب (19) ما كان النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، حديث رقم (3150) . [ (3) ] (مسلم بشرح النوويّ) : 7/ 164، كتاب الزكاة، باب (46) إعطاء المؤلفة قلوبهم، حديث رقم (140) . [ (4) ] (مغازي الواقديّ) : 3/ 949. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 25 وأصحابه يقرءون القرآن، لا يجاوز خناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية، لفظ حديث ابن رمح، خرّجه عنه مسلم [ (1) ] . وقال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق قال: حدثني أبو عبيدة بن محمد ابن عمار بن ياسر عن مقسم أبي القاسم مولى عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل قال: خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي، فلقينا عبد اللَّه بن عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يطوف بالكعبة معلقا نعليه في يده، فقلنا له: هل حضرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعنده ذو الخويصرة التميمي يكلمه؟ قال: نعم، ثم حدثنا فقال: أتى ذو الخويصرة التميمي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يقسم المقاسم بحنين، فقال: يا محمد! قد رأيت ما صنعت قال: وكيف رأيت؟ قال: ما رأيتك عدلت، فغضب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه ألا أقوم إليه فأضرب عنقه؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعه عنك، فإنه سيكون لهذا شيعة يتعمقون في الدين حتى يمرقوا كما يمرق السهم من الرمية تنظر في النصل فلا تجد شيئا، وتنظر في القدح فلا تجد شيئا، ثم تنظر في الفوق فلا تجد شيئا، سبق الفرث والدم [ (2) ] . وروي بشر بن شعيب بن أبي حمزة، عن أبيه، عن الزهريّ قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بينا نحن عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة- رجل من بني تميم- فقال: يا رسول اللَّه! اعدل، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويلك من يعدل إذا لم أعدل؟ وقد خبت وخسرت إن لم أعدل. قال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه ائذن لي فيه أضرب عنقه، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم، صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن، لا   [ (1) ] (مسلم بشرح النوويّ) : 7/ 165، كتاب الزكاة، باب (47) ذكر الخوارج وصفاتهم، حديث رقم (142) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 186- 187. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 26 يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافة فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء، ثم في قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس. قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأشهد أن عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قاتلهم وأنا معه، وأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي نعت [ (1) ] . خرّجه البخاريّ عن أبي اليمان، عن شعيب، وأخرجاه من وجه آخر عن الزهريّ، فأخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم بخروج قوم فيهم رجل مخدّج اليد، عند افتراق يكون بين المسلمين، وأنه يقتلهم أولى الطائفتين بالحق فكان كذلك، وخرجوا حين وقعت الفرقة بين أهل العراق وأهل الشام، وقتلهم أولى الطائفتين بالحق، وهو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ووجدوا المخدّج كما وصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان ذلك علم من أعلام النبوة ظهر بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] ، وسيأتي مزيد بيان لهذا إن شاء اللَّه تعالى.   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 5/ 187- 188، والرصاف: مدخل النصل من السهم، النضي: السهم بلا نصل ولا ريش، القذذ: ريش السهم، سبق الفرث والدم: أي أن السهم قد جاوز هما ولم يعلق فيه منهما شيء، تدردر: تضطرب. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 766، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام حديث رقم (3610) ، وأخرجه في كتاب الأدب، عن عبد الرحمن بن إبراهيم، وفي كتاب استتابة المرتدين، عن محمد بن المثنى. وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الزكاة، باب (47) ذكر الخوارج وصفاتهم، حديث رقم (148) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 27 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عروة بن مسعود الثقفيّ بأن قومه يقتلونه فكان كذلك فقال ابن لهيعة: عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير قال: فلما صدر أبو بكر وعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وأقاما [ (1) ] للناس الحج، قدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مسلما [ (2) ] ، وقال موسى بن عقبة: وأقام أبو بكر للناس حجتهم [ (3) ] ، وقدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليرجع إلى قومه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني أخاف أن يقتلوك، قال: لو وجدوني نائما ما أيقظوني، فأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجع إلى الطائف وقدم الطائف عشيا، فجاءته ثقيف فحيوه، ودعاهم إلى الإسلام ونصح لهم، فاتهموه، وعصوه، وأسمعوه من الأذى ما لم يكن يخشاهم عليه، فخرجوا من عنده حتى إذا أسحر [ (4) ] وطلع الفجر قام على غرفة له في داره، فأذن بالصلاة وتشهد، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله، فزعموا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين بلغه قتله، قال: مثل عروة مثل صاحب ياسين حين دعا قومه إلى اللَّه فقتلوه [ (5) ] . وقال الواقدي [ (6) ] :   [ (1) ] كذا (بالأصل) ، وفي (دلائل البيهقيّ) : «وأقام» . [ (2) ] كذا (بالأصل) ، وفي (دلائل البيهقيّ) : «فأسلم» . [ (3) ] كذا (بالأصل) ، وفي (دلائل البيهقيّ) : «حجتهم» . [ (4) ] كذا (بالأصل) ، وفي (دلائل البيهقيّ) : «سحر» . [ (5) ] (دلائل البيهقيّ) : 5/ 299- 300، باب قدوم وفد ثقيف وهم أهل الطائف على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتصديق ما قال في عروة ابن مسعود الثقفيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثمّ إجابة اللَّه- تعالى- دعاءه في هداية ثقيف. [ (6) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 960- 962، قدوم عروة بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 28 قالوا: كان عروة بن مسعود حين حاصر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل الطائف بجرش يتعلم عمل الدبابات [ (1) ] والمنجنيق [ (2) ] ، ثم رجع إلى الطائف بعد أن ولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعمل المنجنيق والدبابات والعرادات [ (3) ] ، وأعد ذلك حتى قذف اللَّه في قلبه الإسلام. فقدم المدينة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلم، ثم قال: يا رسول اللَّه ائذن لي فأتي قومي فأدعوهم إلى الإسلام، فو اللَّه ما رأيت مثل هذا الدين ذهب عنه ذاهب، فأقدم على أصحابي وقومي بخير قادم، وما قدم وافد قط على قومه إلا من قدم بمثل ما قدمت به، وقد سبقت يا رسول اللَّه في مواطن كثيرة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنهم إذا قاتلوك، قال: يا رسول اللَّه لأنا أحب إليهم من أبكار أولادهم. ثم استأذنه الثانية، فأعاد عليه الكلام الأول، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنهم إذا قاتلوك. فقال: يا رسول اللَّه لو وجدوني نائما ما أيقظوني، واستأذنه الثالثة فقال: إن شئت فاخرج. فخرج إلى الطائف فسار إليها خمسا، فقدم على قومه عشاء فدخل منزله، فأنكر قومه دخوله منزله من قبل أن يأتي الربة [ (4) ] ، ثم قالوا: السفر قد حصره [ (5) ] ، فجاءوا منزله، فحيوه بتحية الشرك، فكان أول ما أنكر عليهم تحية الشرك، فقال: عليكم تحية أهل الجنة، ثم دعاهم إلى الإسلام وقال: يا قوم أتتهمونني؟ ألستم تعملون أني أوسطكم نسبا، وأكثركم مالا، وأعزكم نفرا؟ فما حملني على الإسلام إلا أني رأيت أمرا لا يذهب عنه ذاهب، وأقبلوا   [ (1) ] الدبّابة- بالدال المهملة فموحدة مشددة، وبعد الألف موحدة فتاء تأنيث-: آلة من آلات الحرب يدخل فيها الرجال، فيندفعون بها إلى الأسوار لينقبوها. [ (2) ] المنجنيق- بفتح الميم وقد تكسر، يؤنث وهو أكثر، ويذكر فيقال: هي المنجنيق، وعلى التذكير: هو المنجنيق، ويقال: المنجنوق ومنجليق، وهو معرب، وأول من عمله قبل الإسلام إبليس- لعنه اللَّه- حين أرادوا رمي سيدنا إبراهيم صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو أول منجنيق رمى به في الإسلام. أما في الجاهلية فيذكر أن جذيمة- بضم الجيم، وفتح الذال المعجمة وسكون التحتية- ابن مالك المعروف بالأبرش، أول من رمى بها، وهو من ملوك الطوائف. [ (3) ] العرادة: أصغر من المنجنيق. [ (4) ] يعنى: اللات. [ (5) ] حصره: أي منعه عن مقصده. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 29 فما حملني على الإسلام إلا أن رأيت أمرا لا يذهب عنه ذاهب، وأقبلوا نصحي ولا تستعصوني، فو اللَّه ما قدم وافد قط على قوم بأفضل مما قدمت به عليكم، فاتهموه، واستغشوه، وقالوا: قد واللات وقع في أنفسنا حيث لم تقرب الربة، ولم تحلق رأسك عندها أنك قد صبوت فآذوه ونالوا منه، وحلم عليهم، فخرجوا من عنده يأتمرون كيف يصنعون به حتى إذا طلع الفجر أوفى على غرفة له، فأذّن بالصلاة، فرماه رجل من رهطه من الأحلاف يقال له: وهب ابن جابر، ويقال: الّذي رماه أوس بن عوف بن بني مالك، وهذا أثبت عندنا. وكان عروة رجل من الأحلاف فأصاب أكحله [ (1) ] فلم يرقأ دمه [ (2) ] وحشد قومه في السلاح وجمع الآخرون وتجايشوا، فلما رأى عروة ما يصنعون قال: لا تقتتلوا فيّ، فإنّي قد تصدقت بدمي على صاحبه ليصلح بذلك نبيكم، فهي كرامة اللَّه أكرمني بها، الشهادة ساقها اللَّه إليّ، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، واللَّه خبرني عنكم هذا أنكم تقتلونني، ثم قال لرهطه: ادفنوني مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يرتحل عنكم، قال: فدفنوه معهم، وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتله، فقال: مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى اللَّه- تعالى- فقتلوه. ويقال: إن عروة لم يقدم المدينة وإنما لحق رسول اللَّه بين مكة والمدينة فأسلم، ثم انصرف، والقول الأول أثبت عندنا، فلما قتل عروة قال ابنه أبو مليح بن عروة بن مسعود وابن أخيه قارب بن الأسود بن مسعود لأهل الطائف: لا نجامعكم على شيء أبدا، وقد قتلتم عروة، ثم لحقا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلما، فقال لهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: توليا من شئتما، قالا: نتولى اللَّه ورسوله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وخالكما أبو سفيان بن حرب، حالفاه ففعلا، ونزلا على المغيرة بن شعبة، فأقاما بالمدينة حتى قدم وفد ثقيف في رمضان سنة تسع واللَّه- تعالى- أعلم.   [ (1) ] الأكحل: عرق في اليد. [ (2) ] رقأ الدم: إذا سكن وانقطع. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 30 وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء رسوله صلى اللَّه عليه وسلم على حارثة بن عمرو فقال الواقدي [ (1) ] : حدثني رشيد أبو موهوب، عن جابر بن أبي سلمى وعنبسة بن أبي سلمى قالا: كتب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى حارثة بن عمرو بن قريظ يدعوهم إلى الإسلام فأخذوا صحيفته فغسلوها، ورقعوا بها است دلوهم، وأبوا أن يجيبوا، فقالت أم حبيب بنت عامر بن خالد بن عمرو بن قريط بن عبد بن أبي بكرة وخاصمتهم في بيت لها فقالت فيه شعرا. قالوا: فلما فعلوا بالكتاب ما فعلوا، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ما لهم أذهب اللَّه بعقولهم فهم أهل رعدة وعجلة، وكلام مختلط، وأهل سفه، وكان الّذي جاءهم بالكتاب رجل من عرينة يقال له: عبد اللَّه بن عوسجة، لمستهل ربيع الأول سنة تسع. قال الواقدي- رحمه اللَّه-: رأيت بعضهم عييا لا يبين الكلام، واللَّه تعالى أعلم.   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 982- 983، سرية بني كلاب أميرها الضحاك بن سفيان الكلابي. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 31 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عمار بن ياسر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- بما قال المنافقون في مسيرهم إلى تبوك فقال الواقدي [ (1) ] : قالوا: وكان رهط من المنافقين يسيرون مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في تبوك، منهم وديعة بن ثابت، أحد بني عمرو بن عوف، والجلاس بن سويد بن الصامت، ومخشيّ بن حميّر من أشجع، حليف لبني سلمة، وثعلبة ابن حاطب، فقال ثعلبة: تحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم؟ واللَّه لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال إرجافا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وترهيبا للمؤمنين، فقال وديعة بن ثابت: ما لي أرى قرءانا هؤلاء أوعبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء؟ وقال الجلاس بن سويد- وكان زوج أم عمير وكان ابنها عمير يتيما في حجره-: هؤلاء سادتنا وأشرافنا وأهل الفضل منا، واللَّه لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير! فقال مخشيّ بن حمير: واللَّه لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة وأنا ننفلت من أن ينزل فينا القرآن بمقالتكم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعمار بن ياسر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أدرك القوم فإنّهم قد احترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى، قد قلتم كذا وكذا، فذهب إليهم عمار فقال لهم، فأتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ناقته قد أخذ بحقب ناقة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ورجلاه تنسفان الحجارة وهو يقول: يا رسول اللَّه إنما كنا نخوض ونلعب، ولم يلتفت إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأنزل اللَّه- تعالى- فيه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [ (2) ] إلى قوله- تعالى-: كانُوا مُجْرِمِينَ [ (3) ] ، ورد عمير على الجلاس ما قال حين قال: لنحن شر من   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1003- 1005. [ (2) ] التوبة: 65. [ (3) ] التوبة: 66. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 32 الحمير، قال: فأنت شر من الحمار، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصادق وأنت الكاذب، وجاء الجلاس إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فحلف ما قال من ذلك شيئا فانزل اللَّه- تعالى- على نبيه فيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ [ (1) ] ونزلت فيه أيضا: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ... الآية، وكان للجلاس دية في الجاهلية على بعض قومه وكان محتاجا، فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة أخذها له فاستغنى بها، وقال مخشي بن حمير: قد واللَّه يا رسول اللَّه قعد بي اسمي واسم أبي، فكان الّذي عفى عنه في هذه الآية مخشيّ بن حميّر فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد الرحمن أو عبد اللَّه وسأل اللَّه- تعالى- أن يقتل شهيدا ولا يعلم بمكانه، فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر. ويقال في الجلاس بن سويد: إنه كان ممن تخلف من المنافقين في غزوة تبوك فكان يثبط الناس عن الخروج، وكانت أم عمير تحته وكان عمير يتيما في حجره ولا مال له، فكان يكفله ويحسن إليه، فسمعه وهو يقول: واللَّه لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير! فقال له عمير: يا جلاس قد كنت أحب الناس إليّ، وأحسنهم عندي أثرا، وأعزهم عليّ أن يدخل عليه شيء نكرهه، واللَّه لقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك، ولئن كتمتها لأهلكن، وإحداهما أهون عليّ من الأخرى! فذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم الجلاس، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أعطى الجلاس مالا من الصدقة لحاجته وكان فقيرا فبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الجلاس فسأله عما قال عمير فحلف باللَّه ما تكلم به قط، وأن عميرا لكاذب- وهو عمير بن سعيد- وهو حاضر عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقام وهو يقول: اللَّهمّ أنزل على رسولك بيان ما تكلمت به، فأنزل اللَّه- تعالى- على نبيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ إلى قوله: أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ، للصدقة التي أعطاها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال الجلاس: اسمع! اللَّه قد عرض علي التوبة، واللَّه لقد قلت ما قال عمير ولما اعترف بذنبه وحسنت توبته ولم يمتنع عن خير كان يصنعه إلى عمير بن سعيد، فكان ذلك مما قد عرفت به توبته. واللَّه- سبحانه وتعالى- أعلم.   [ (1) ] التوبة: 74. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 33 وأما إخباره لأبى ذر [الغفاريّ] بأنهم يخرجون من المدينة فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث هاشم، عن عبد الحميد، عن شهر حدثتني أسماء [بنت يزيد] أن أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا فرغ من خدمته آوى إلى المسجد فكان هو بيته يضطجع فيه، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة فوجده منجدلا في المسجد فنكته برجله حتى استوى جالسا، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا أراك نائما في المسجد؟ قال أبو ذر: يا رسول اللَّه وأين أنام؟ وهل لي بيت غيره؟ فجلس إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: كيف أنت إذا أخرجوك منه قال: إذا ألحق بالشام، فإن الشام أرض الهجرة، وأرض المحشر، وأرض الأنبياء، فأكون رجلا من أهلها، فقال: كيف أنت إذا أخرجوك من الشام؟ قال: إذا أرجع إليه فيكون بيتي ومنزلي، قال: فكيف بك إذا أخرجوك منه الثانية؟ قال: إذا آخذ سيفي فأقاتل عني [حتى أموت قال:] فكشر إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأثبته بيده، فقال: أدلك على خير من ذلك؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه قال: تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك، حتى تلقاني وأنت على ذلك. قال جامعه: قد صدق اللَّه- تعالى- ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما أخبر به أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من إخراجهم له من الشام والمدينة، وذلك أنه أخرج من المدينة أولا في خلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى الشام لإنكاره أشياء من سيرته، فأقام بها، فأنكر على معاوية بن أبي سفيان وهو يومئذ أمير الشام، فشكاه إلى عثمان، فأمره بحمله إليه، فحمله إلى المدينة، فأخذ يطعن على عثمان، فأخرجه من المدينة، وأسكنه   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 611- 612، حديث رقم (27041) ، من حديث أسماء بنت يزيد. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 34 الرَّبَذَة حتى مات، وقد ذكرته في كتاب (التاريخ الكبير المقفى [ (1) ] ) ذكرا مستوفي. وخرّج ابن حبان في (صحيحه) من حديث النضر بن شميل، عن كهمس بن الحسن [القيسيّ] ، عن أبي السليل ضريب بن نقير القيسيّ قال: قال أبو ذر: جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتلو هذه الآية: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [ (2) ] [فجعل يرددها] حتى نعست فقال: يا أبا ذر لو أن الناس أخذوا بها لكفتهم، ثم قال: يا أبا ذر كيف تصنع إذا أخرجت من المدينة؟ قلت: إلى السعة والدعة، أكون حماما من حمام مكة، قال: فكيف تصنع إذا أخرجت من مكة؟ قلت: إلى السعة والدعة، إلى أرض الشام والأرض المقدسة، قال: فكيف تفعل إذا أخرجت منها؟ قال: [إذا] والّذي بعثك بالحق آخذ سيفي فأضعه على عاتقي، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أو خير من ذلك، تسمع وتطيع لعبد حبشيّ مجدّع [ (3) ] ، واللَّه- تعالى- أعلم.   [ (1) ] (المقفى الكبير) : 1/ 541، 2/ 418، 4/ 302، 5/ 17. [ (2) ] الطلاق: 3- 4. [ (3) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 53- 54، كتاب التاريخ، باب (10) إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عما يكون في أمته من الفتن والحوادث، ذكر الإخبار عن إخراج الناس أبا ذر الغفاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من المدينة، حديث رقم (6669) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، ثم قال في (هامشه) : إسناده ضعيف لانقطاعه، فإن ضريب بن نقير لم يدرك أبا ذر ولا سمع منه. والثابت أن أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إنما نزل الرَّبَذَة باختياره، وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إنما أمره بالتنحي عن المدينة لدفع المفسدة التي خافها على غيره من مذهبه الّذي انفرد به في حرمة ادخار المال ولو أديت زكاته، فاختار الرَّبَذَة، فقد روى البخاريّ في (صحيحه) [1406] عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذرّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 35 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أبي ذر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بأنه يموت وحده فكان كما قال فروى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني بريدة بن سفيان الأسلميّ، عن محمد بن كعب القرظيّ، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما نفى عثمان أبا ذرّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- إلى الرَّبَذَة [ (1) ] ، وأصابه بها قدره، لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه، فأوصاهما أن اغسلاني وكفناني، ثم ضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم قولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعينونا على دفنه. فلما مات فعلا ذلك به، ثم وضعاه على قارعة الطريق، وأقبل عبد اللَّه ابن مسعود في رهط من أهل العراق عمار، فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق، قد كادت الإبل تطؤها، وقام إليهم الغلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعينونا أعلى دفنه، قال فاستهل عبد اللَّه بن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، تمشى وحدك، وتموت وحدك، وتبعث   [ () ] قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إليّ عثمان: أن أقدم المدينة، فقدمتها، فكثر عليّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال لي: إن شئت تنحيت، فكنت قريبا، فذاك الّذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمروا عليّ حبشيا لسمعت وأطعت. [ (1) ] الرَّبَذَة: خرقة الصائغ يجلو بها الحليّ، وبها سميت الرَّبَذَة، وهي قرية كانت عامرة في صدر الإسلام، وبها قبر أبي ذرّ الغفاريّ وجماعة من الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 36 وحدك، ثم نزل هو وأصحابه فواروه، ثم حدثهم عبد اللَّه بن مسعود حديثه، وما قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى تبوك [ (1) ] . ثم قال ابن إسحاق [في خبر أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في غزوة تبوك] : ثم مضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سائرا، فجعل يتخلف عنه الرجل، فيقولون: يا رسول اللَّه، تخلف فلان، فيقول: دعوه، فإن بك فيه خير فسيلحقه اللَّه- تعالى- بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم اللَّه منه، حتى قيل: يا رسول اللَّه! قد تخلف أبو ذرّ، وأبطأ به بعيره، فقال: إن يك فيه خير فسيلحقه اللَّه بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم اللَّه منه. وتلوم [ (2) ] أبو ذر على بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ماشيا، ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول اللَّه، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فقال رسول اللَّه هو واللَّه أبو ذرّ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كن [ (3) ] أبا ذرّ، فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رحم اللَّه أبا ذرّ، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده [ (4) ] . قال الواقدي في (مغازيه) : وكان أبو ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أبطأت في غزوة تبوك من أجل بعيري كان نضوا أعجف [ (5) ] ، فقلت: أعلفه أياما، ثم ألحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فعلفته أياما، ثم خرجت، فلما كنت في ذي المروة عجز بي فتلومت عليه يوما فلم أر به حركة، فأخذت متاعي فحملته [ (6) ] على ظهري، ثم خرجت أتبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ماشيا في حرّ شديد، وقد تقطع الناس فلا أرى أحدا يلحقنا من المسلمين، فطلعت على رسول   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 205، موت أبي ذرّ ودفنه بالربذة. [ (2) ] تلوّم: أبطأ وتمهّل. [ (3) ] كن أبا ذر: لفظه الأمر، ومعناه الدعاء. [ (4) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 203- 204، خبر أبي ذرّ في غزوة تبوك. [ (5) ] النّضو: الدابة التي أهزلتها الأسفار وأذهبت لحمها. [ (6) ] في (الأصل) : «فجعلته» ، وما أثبتناه من (المغازي) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 37 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نصف النهار وقد بلغ مني العطش فنظر ناظر من الطريق، فقال: يا رسول اللَّه! إن هذا الرجل يمشي وحده، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: كن أبا ذر، فلما تألمني القوم قالوا: يا رسول اللَّه! هذا أبو ذر، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى دنوت منه فقال: مرحبا بأبي ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فقال: ما خلفك يا أبا ذر فأخبره خبر بعيره، ثم قال: إن كنت لمن أعزّ أهلي عليّ تخلفا، لقد غفر اللَّه لك يا أبا ذرّ بكل خطوة ذنبا إلى أن بلغتني، ووضع متاعه عن ظهره، ثم استسقى [ (1) ] فأتي بإناء من ماء فشربه. فلما أخرجه عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى الرَّبَذَة وأصابه قدره، لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما فقال: غسلاني وكفناني، ثم ضعاني على قارعة الطريق إذا أنا مت. وأقبل ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في رهط من أهل العراق عمارا، فلم يرعهم إلا بالجنازة على قارعة الطريق قد كادت الإبل تطؤها، فسلم القوم، فقام إليهم غلامه فقال لهم: هذا أبو ذر صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعينوني عليه، فاستهل ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يبكي ويقول: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يمشي أبو ذر وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، ثم نزل هو وأصحابه حتى واروه، ثم حدثهم ابن مسعود حديثه وما قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى تبوك [ (2) ] . وذكر أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر، حديث عليّ بن المديني قال: حدثنا يحيى بن سليم [الطائفي] [ (3) ] قال: حدثني عبد اللَّه بن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن أم ذرّ زوجة أبي ذر قالت: لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت، فقال لي: ما يبكيك؟ فقلت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسعك كفنا لي ولا لك؟ ولا يد لي للقيام بجهازك، قال: فأبشري لا تبكي، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول:   [ (1) ] في (الأصل) : «استلقى» وما أثبتناه من (المغازي) فهو أجود للسياق. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1000- 1001. [ (3) ] من (الأصل) فقط. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 38 لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران يحتسبان فيريان النار أبدا، وقد مات لنا ثلاثة من الولد، وإني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة، فأنا ذلك الرجل، فو اللَّه ما كذبت ولا كذبت، فأبصري الطريق، قلت: أنّي وقد ذهب الحاجّ وتقطعت الطريق؟ قال: اذهبي فتبصري، قالت: فكنت أشتدّ إلى الكثيب فأنظر، ثم أرجع إليه فأمرضه، فبينا أنا كذلك إذا أنا برجال على رحالهم كأنهم الرّخم [ (1) ] تحث بهم رواحلهم، فأسرعوا إليّ حتى وقفوا عليّ فقالوا: يا أمة اللَّه! مالك؟ قالت: امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه؟ قالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلت: نعم، قالت: ففدوه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فقال لهم: أبشروا فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة واللَّه ما كذبت ولا كذبت، ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب هو لي أو لها، وإني أنشدكم اللَّه أن يكفني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال، إلا فتى من الأنصار فقال: أنا أكفنك يا عم في ردائي هذا، وفي ثوبين من عيبتي من غزل أمي، قال: أنت تكفنني [يا بني] [ (2) ] ، قال: فكفنه الأنصاري وغسله في النفر الذين حضروه وقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم يمان [ (3) ] .   [ (1) ] الرخم: جمع رخمة وهو طائر من الجوارح يشبه النسر. [ (2) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) . [ (3) ] (الاستيعاب) : 1/ 253- 255، ترجمة جندب بن جنادة [أبو ذرّ] رقم 339. ثم قال ابن عبد البرّ: وروى عنه جماعة من الصحابة، وكان من أوعية العلم المبرزين في الزهد والورع والقول بالحق، سئل عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن أبي ذرّ فقال: ذلك رجل وعى علما عجز عنه الناس، ثم أوكأ عليه، ولم يخرج شيئا منه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 39 وقد خرّجه الحاكم في (مستدركه) [ (1) ] أيضا من حديث ابن المديني نحوه سواء، واللَّه أعلم. وأما خرصه صلّى اللَّه عليه وسلّم حديقة المرأة وإخباره بهبوب ريح شديدة فكان كما قال فخرّج البخاريّ في كتاب الزكاة في باب خرص   [ () ] وروى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: أبو ذرّ في أمتي شبيه عيسى ابن مريم في زهده، وبعضهم روى: من سرّه أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذرّ. ومن حديث ورقاء وغيره، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ، ومن سرّه أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذرّ. وروى إبراهيم التيميّ عن أبيه عن أبي ذر، قال: كان قوتي على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صاعا من تمر، فلست بزائد عليه حتى ألقى اللَّه- تعالى-. (الاستيعاب) . [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 388، كتاب معرفة الصحابة، محنة أبي ذرّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (5470) ، وقد سكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) ، يحي بن سليم الطائفيّ الحذاء الخراز، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال ابن معين: ثقة. وقال النسائيّ ليس بالقويّ وقال أحمد: رأيته يختلط في أحاديثه فتركته، وقال ابن أبي مريم عن ابن معين: ليس به بأس، يكتب حديثه، (الميزان) : 3/ 383- 384. وقد أخرجه البيهقيّ في (دلائل النبوة) : 6/ 401- 402، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن حال أبي ذرّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عند موته، وما أوصاه به من الخروج من المدينة عند ظهور الفتن. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) . وابن كثير في (البداية والنهاية) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 40 التمر [ (1) ] وفي كتاب الجزية [ (1) ] من حديث سهل بن بكار، عن وهيب، عن عمر بن يحيي، عن   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 438، كتاب الزكاة، باب (54) خرص التمر، حديث رقم (1481) . قوله: «خرص التمر» أي مشروعيته، والخرص بفتح المعجمة وحكى كسرها وبسكون الراء بعدها مهملة، هو حرز ما على النخل من الرطب تمرا. حكى الترمذي عن بعض أهل العلم أن تفسيره: أن الثمار إذا أدركت من الرطب والعنب مما تجب فيه الزكاة، بعث السلطان خارصا ينظر فيقول: يخرج من هذا كذا وكذا زبيبا، وكذا وكذا تمرا، فيحصيه، وينظر مبلغ العشر فيه، فيثبته عليهم، ويخلي بينهم وبين الثمار، فإذا جاء وقت الجذاذ أخذ منهم العشر. وفائدة الخرص: التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها، والبيع من زهورها، وإيثار الأهل والجيران والفقراء، لأن منعهم منها تضيقا لا يخفى. وقال الخطّابيّ: أنكر أصحاب الرأي الخرص، وقال بعضهم: إنما كان يفعل تخويفا للمزارعين لئلا يخونوا، إلا ليلزم به الحكم لأنه تخمين وغرور، أو كان يجوز قبل تحريم الربا والقمار وتعقبه الخطّابيّ بأن تحريم الربا والميسر متقدم. والخرص عمل به في حياة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حتى مات، ثم أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فمن بعدهم، ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبيّ، قال: وأما قولهم: إنه تخمين وغرر فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر، وإدراكه بالخرص الّذي هو نوع من المقادير. وحكى أبو عبيد عن قوم منهم أن الخرص كان خاصا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لأنه كان يوفق من الصواب ما لا يوفق له غيره، وتعقبه بأنه لا يلزم من كون غيره لا يسدد لما كان يسدد له، سواء أن تثبت بذلك الخصوصية، ولو كان المرء لا يجب عليه الاتباع إلا فيما يعلم أنه يسدد فيه، كتسديد الأنبياء لسقط الأتباع، وتردّ هذه الحجة أيضا بإرسال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم الخراص في زمانه، واللَّه- تعالى- أعلم. واعتلّ الطحاوي بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفة فتتلفها، فيكون ما يؤخذ عن صاحبها مأخوذا بدلا مما لم يسلم له، وأجيب بأن القائلين به لا يضمنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص. قال ابن المنذر: أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ فلا ضمان. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 41 عباس الساعدي، عن أبي حميد الساعدي [ (1) ] قال: غزونا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوة تبوك، فلما جاء وادي القرى إذا امرأة في حديقة لها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه: اخرصوا، وخرص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشرة أوسق، وقال لها: أحصي ما يخرج منها فلما أتينا تبوك قال: أما إنها ستهب الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد، ومن كان معه بعير فليعقله، فعقلناها، وهبت ريح شديدة، فقام رجل فألقته بجبل طيِّئ، وأهدى ملك أيلة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بغلة بيضاء، وكساه بردا، وكنت له ببحرهم، فلما أتى وادي القرى قال للمرأة: كم جاء حديقتك؟ قالت: عشرة أوسق خرص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني متعجل إلى المدينة، فمن أراد منكم أن يتعجل معي فليتعجل. فلما- قال ابن بكار: كلمة معناها- أشرف على المدينة قال: هذه طابة، فلما رأى أحدا قال: هذا جبل يحبنا ونحبه، ألا أخبركم بخير دور الأنصار؟ قالوا: بلى، قال: دور بني النجار، ثم دور بني عبد الأشهل، ثم دور بني ساعدة، أو دور بني الحارث بن الخزرج، وفي كل دور الأنصار يعني خيرا، وقال سليمان بن بلال: حدثني عمرو، ثم دور بني الحارث، ثم بني ساعدة. وقال سليمان: عن سعد بن سعيد، عن عمارة بن غزية، عن عباس، عن أبيه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أحد جبل يحبنا ونحبه، قال أبو عبد اللَّه: كل بستان عليه حائط فهو حديقة، وما لم يكن عليه حائط لم يقل حديقة [ (2) ] .   [ () ] وفي هذا الحديث مشروعية الخرص، وفيه أشياء من أعلام النبوة، كالإخبار عن الريح، وما ذكر في تلك القصة، وفيه تدريب الأتباع وتعليمهم، وأخذ الحذر مما يتوقع الخوف منه، وفضل المدينة والأنصار، ومشروعية المفاضلة بين الفضلاء بالإجمال والتعيين، ومشروعية الهدية والمكافأة عليها. (فتح الباري) . [ (1) ] (فتح الباري) 6/ 328، كتاب الجزية والموادعة، باب (2) إذا وادع الإمام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيتهم؟ حديث رقم (3161) مختصر جدا كما قال الحافظ: وهذا القدر لا يكفى في مطابقة الحديث للترجمة. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1482) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 42 لم يذكر منه في كتاب الجزية غير قوله: غزونا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تبوك، وأهدى ملك أيلة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بغلة بيضاء، وكساه بردا، وكتب له ببحرهم ولم يزد على ذلك [ (1) ] . وخرّج مسلم من حديث سليمان بن بلال، عن عمرو بن يحيى، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبي حميد قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوة تبوك، فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اخرصوها فخرصناها، وخرصها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشرة أوسق، قال: أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء اللَّه، وانطلقنا حتى أتينا تبوك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيِّئ، وجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكتاب وأهدي له بغله بيضاء، فكتب إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهدى له بردا، ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى، فسأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها؟ فقالت: عشرة أوسق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع معي ومن شاء فليمكث، فخرجا حتى أشرفنا على المدينة، فقال: هذه طابة، وهذا أحد، وهو جبل يحبنا ونحبه، ثم قال: إن خير دور الأنصار دار بني النجار، ثم دار بني عبد الأشهل، ثم دار بني عبد الحارث بن الخزرج، ثم دار بني ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير، فلحقنا سعد بن عبادة فقال أبو أسيد: ألم تر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيّر دور الأنصار فجعلنا آخرا! فأدرك سعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللَّه: خيرت دور الأنصار فجعلتنا آخرا! فقال: أو ليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار [ (2) ] .   [ (1) ] راجع تعليق رقم (3) في الصفحة السابقة. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 47- 48، كتاب الفضائل، باب (3) في معجزات النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (11) . وفيه المعجزة الظاهرة من إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمغيب، وخوف الضرر من القيام وقت الريح، وفيه ما كان عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الشفقة على أمته والرحمة لهم، والاعتناء بمصالحهم، وتحذيرهم ما يضرهم في دين أو دنيا، وإنما أمر بشدّ عقل الجمال لئلا ينفلت منها شيء، فيحتاج صاحبه إلى القيام في طلبه فيلحقه ضرر الريح، وفيه قبول هدية الكافر. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 43 وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر حزم، عن العباس بن سهل بن سعيد الساعدي، أو عن العباس، عن سعد بن سهل- الشك مني- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين مر بالحجر ونزلها واستسقى الناس من بئرها فلما راحوا منها قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للناس: لا تشربوا من مائها شيئا، ولا تتوضئوا منه للصلاة، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئا، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له، ففعل الناس ما أمرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا رجلين من بني ساعدة، خرج أحدهم لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعير له، فأما الّذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الّذي ذهب في طلب بعيره فاحملته الريح حتى طرحته بجبلي طيِّئ، فأخبر بذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد [ (1) ] إلا ومعه صاحبه، ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفى، وأما الآخر الّذي وقع بجبلي طيِّئ فإن طيِّئا أهدته إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قدم من تبوك [ (2) ] . قال عبد اللَّه بن أبي بكر: قد سمي إليّ العباس الرجلين، ولكنه استودعني إياهما فأبى أن يسميهما لنا [ (3) ] . وقال الواقدي في (مغازيه) [ (4) ] : قال أبو حميد الساعدي: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى تبوك، فلما جئنا وادي القرى مررنا على حديقة لامرأة فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اخرصوها، فخرصها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وخرصناها معه، عشرة أو ساق ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: احفظي ما خرج منها حتى نرجع إليك، فلما أمسينا بالحجر قال: إنها ستهبّ الليلة ريح شديدة فلا يقومن منكم أحد إلا معه صاحبه، ومن كان له بعير فليوثق عقاله، قال: وهاجت ريح شديدة، قال:   [ () ] فيحتاج صاحبه إلى القيام في طلبه فيلحقه ضرر الريح، وفيه قبول هدية الكافر، وقوله: «ببحرهم» أي ببلدهم، والبحار القرى. (شرح النووي) . [ (1) ] في (الأصل) : «أن يخرج رجل» وما أثبتناه من (ابن هشام) . [ (2) ] كذا (بالأصل) ، وفي (ابن هشام) : «حين قدم المدينة» . [ (3) ] (سيره ابن هشام) : 5/ 201- 202، ما حدث بالحجر. [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1005- 1006، باختلاف يسير في اللفظ. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 44 ولم يقم أحد إلا مع صاحبه إلا رجلين من بني ساعدة، خرج أحدهما لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعيره، فأما الّذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الّذي ذهب في طلب بعيره، فاحتملته الرياح فطرحته بجبليّ طيِّئ، فأخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبرهما، فقال: ألم أنهكم أن يخرج أحد إلا ومعه صاحب، ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفى، وأما الآخر الّذي وقع بجبليّ طيِّئ فإن طيِّئا أهدته للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قدم المدينة، واللَّه- تعالى- أعلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 45 وأما صلاته صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بتبوك على معاوية بن معاوية وقد مات بالمدينة فروى الحافظ أبو عمر بن عبد البر [ (1) ] ، والحافظ أبو بكر البيهقيّ [ (2) ] من حديث عثمان بن الهيثم، عن محبوب بن هلال، عن [ابن] أبي ميمونة، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: نزل جبريل- عليه السلام- على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا محمد مات معاوية بن معاوية المزني، [أفتحب] أن تصلي عليه؟ قال: نعم، فضرب بجناحه الأرض فلم تبق شجرة، ولا أكمة إلا تضعضعت، ورفع إليه سريره حتى نظر إليه فصلّى عليه وخلفه صفان من الملائكة في كل صف سبعون ألف ملك، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لجبريل: يا جبريل [بم نال] هذه المنزلة [من اللَّه] ؟ قال: بحبه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (3) ] وقراءته إياها جائيا، وذاهبا، وقائما، وقاعدا، وعلى كل حال. السياق لابن عبد البر. وزاد البيهقي من حديث الحسن بن محمد الزعفرانيّ قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن العلاء أبي محمد الثقفي، قال: سمعت أنس بن مالك قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بتبوك فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور، ولم أرها طلعت فيما مضى، [فأتى جبريل- عليه السلام- رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا جبريل ما لي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى] ؟ قال: ذلك أن معاوية بن معاوية الليثي مات اليوم بالمدينة، فبعث اللَّه سبعين ألف ملك يصلون عليه، قال: وفيم ذاك قال: كان يكثر قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ بالليل وبالنهار، وفي ممشاه وقيامه وقعوده، فهل لك يا رسول   [ (1) ] (الاستيعاب) : 3/ 1423- 1425، ترجمة رقم (2438) . [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 5/ 245، باب ما روى في صلاته صلّى اللَّه عليه وسلّم بتبوك على معاوية بن معاوية الليثي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في اليوم الّذي مات فيه بالمدينة وما بين الحاصرتين زيادات للسياق منه. [ (3) ] الإخلاص: 1. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 46 اللَّه أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه؟ قال: نعم، قال: فصلّى عليه، ثم رجع. قال أبو عمر: العلاء أبو محمد الثقفي هو العلاء بن يزيد الثقفي أبو محمد، يروي عن أنس، روى عن يزيد بن هارون وعثمان بن مطيع، في حديثه مناكير، كان محمد يتكلم فيه. وخرّجه أيضا من حديث بقية بن الوليد قال: حدثنا محمد بن زياد، عن أبي أمامة الباهلي قال: أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل- عليه السلام- وهو بتبوك فقال: يا محمد اشهد جنازة معاوية بن مقرن المزني، قال: فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه، ونزل جبريل في سبعين ألفا من الملائكة، فوضع جناحه الأيمن على الجبال فتواضعت، ووضع جناحه الأيسر على الأرض فتواضعت، حتى نظر إلى مكة والمدينة، فصلّى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجبريل والملائكة، فلما فرغ قال: يا جبريل بم بلغ معاوية بن مقرن هذه المنزلة، قال: بقراءته: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قائما، وقاعدا، وراكبا، وماشيا [ (1) ] . قال أبو عمر بن عبد البر: أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقوية، ولولا أنها في [غير] [ (2) ] الأحكام لم يكن في شيء منها حجة، ومعاوية بن مقرن المزني وإخوته: النعمان، وسويد، ومعقل، وسائرهم وكانوا سبعة معروفون في الصحابة مذكورون في كبارهم، وأما معاوية بن معاوية فلا أعرفه بغير ما ذكرت في هذا [الكتاب] [ (3) ] ، وفضل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لا ينكر. قال أبو عمير: معاوية بن معاوية المزني، ويقال: الليثي، ويقال: معاوية بن مقرن المزني، وهو أولى بالصواب إن شاء اللَّه، توفي في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، روى حديثه أنس بن مالك وأبو أمامه واختلفت الآثار في ذلك.   [ (1) ] (الاستيعاب) : 3/ 1424- 1425. [ (2) ] في (الاستيعاب) : «في» (الأحكام) . [ (3) ] في (الاستيعاب) : «الباب» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 47 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم خالد بن الوليد حين بعثه إلى أكيدر بدومة الجندل بأنه يجده يصيد البقر فوجده كما قال فروى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق [ (1) ] قال: حدثني يزيد بن رومان وعبد اللَّه بن أبي بكر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك رجل من كندة كان ملكا على دومة وكان نصرانيا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لخالد: إنك ستجده يصيد البقر، فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه منظر العين في ليلة مقمرة صافية وهو على سطح ومعه امرأته، فأتت البقر تحك بقرونها باب القصر، فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا واللَّه، قالت: فمن يترك مثل هذا؟ قال: لا أحد، فنزل فأمر بفرسه فأسرج وركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ له يقال له: حسان، فخرجوا معهم بمطاردهم فتلفقتهم خيل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأخذته وقتلوا أخاه حسان، وكان عليه قباء من ديباج مخوّص بالذهب، فاستلبه خالد بن الوليد، فبعث به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل قدومه به عليه، ثم إن خالدا قدم بالأكيدر على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فحقن له دمه وصالحه على الجزية، ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته، فقال رجل من طيِّئ يقال له: بجير بن بجرة يذكر قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لخالد: إنك ستجده يصيد البقر وما صنعت البقر تلك الليلة حتى استخرجته لتصديق قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تبارك سائق البقرات إني ... رأيت اللَّه يهدي كل هاد ومن يك عائدا عن ذي تبوك ... فإنا قد أمرنا بالجهاد زاد فيه غيره: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يفضض اللَّه، فاك فأتى عليه تسعون سنة فما تحرك له ضرس ولا سن.   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 207- 208. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 48 وقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] حدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ومحمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، ومعاذ بن محمد، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، وإسماعيل ابن إبراهيم، عن موسى بن عقبة، فكل قد حدثني من هذا الحديث بطائفة، وعماده حديث ابن أبي حبيبة. قالوا: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالد بن الوليد من تبوك في أربعمائة وعشرين فارسا إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل- وكان أكيدر من كندة قد ملكهم وكان نصرانيا- فقال خالد: يا رسول اللَّه، كيف لي به وسط بلاد كلب، وإنما أنا في أناس يسير؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ستجده يصيد البقر فتأخذه. قال: فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له ومعه امرأته الرباب بنت أنيف بن عامر من كندة، وصعد على ظهر الحصن من الحر، وقينته تغنبه، ثم دعا بشراب فشرب، فأقبلت البقر تحك بقرونها باب الحصن، فأقبلت امرأته الرباب فأشرفت على الحصن فرأت البقر، فقالت: ما رأيت كالليلة في اللحم، هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا، ثم قالت: من يترك هذا؟ قال: لا أحد. قال: يقول أكيدر: واللَّه ما رأيت جاءنا بقر غير تلك الليلة ولقد كنت أضمّر لها الخيل إذا أردت أخذها شهرا أو أكثر، ثم أركب بالرجال وبالآلة. قال: فنزل، فأمر بفرسه فأسرج، وأمر بخيل فأسرجت، وركب معه نفر من أهل بيته، معه أخوه حسان ومملوكان، فخرجوا من حصنهم بمطاردهم [ (2) ] ، فلما فصلوا من الحصن وخيل خالد تنتظرهم لا يصهل منها فرس ولا يتحرك، فساعة فصل أخذته الخيل، فاستأسر أكيدر، وامتنع حسان فقاتل حتى قتل، وهرب المملوكان ومن كان معه من أهل بيته، فدخلوا   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1025- 1028، غزوة أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل في رجب سنة تسع، وهي على عشرة أميال من المدينة المنورة. [ (2) ] المطارد: جمع مطرد، وزن منبر، وهو رمح قصير يطرد به الوحش. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 49 الحصن، وكان على حسان قباء ديباج مخوّص بالذهب، فاستلبه خالد فبعث به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع عمرو بن أمية الضمريّ حين قدم عليهم فأخبرهم بأخذهم أكيدر. قال أنس بن مالك وجابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: رأينا قباء حسان أخي أكيدر حين قدم به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجعل المسلمون يتلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تعجبون من هذا؟ والّذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا. وقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لخالد بن الوليد: إن ظفرت بأكيدر فلا تقتله، وائت به إليّ فإن أبي فاقتلوه، فطاوعهم. فقال بجير بن بجرة من طيِّئ، يذكر قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لخالد: إنك تجده يصيد البقر وما صنع البقر تلك الليلة بباب الحصن تصديق قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال شعرا. وقال خالد لأكيدر: هل لك أن أجيرك من القتل حتى آتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أن تفتح لي دومة؟ قال: نعم، ذلك لك، فلما صالح خالد أكيدر، وأكيدر في وثاقه انطلق به خالد حتى أدناه من باب الحصن ونادى أكيدر أهله: افتحوا باب الحصن فأرادوا ذلك فأبى عليهم أخو أكيدر، فقال أكيدر لخالد: تعلم واللَّه لا يفتحون لي ما رأوني في وثاقك، فخل عني فلك اللَّه والأمانة أن أفتح لك باب الحصن إن أنت صالحتني على أهله، قال خالد: فإنّي أصالحك، فقال أكيدر: إن شئت حكمتك، وإن شئت حكمتني، قال خالد: بل نقبل منك ما أعطيت فصالحه على ألفي بعير، وثماني مائة رأس وأربعمائة درع، وأربعمائة رمح، على أن ينطلق به وأخيه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فيحكم فيهما حكمه. فلما قاضاه خالد على ذلك خلى سبيله ففتح الحصن فدخل خالد وأوثق مضادا أخا أكيدر، وأخذ ما صالح عليه من الإبل والرقيق والسلاح، ثم خرج قافلا إلى المدينة ومعه أكيدر، فلما قدم بأكيدر على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صالحه على الجزء: 14 ¦ الصفحة: 50 الجزية، وحقن دمه ودم أخيه، وخلى سبيلها، وكتب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتابا فيه أمانهم وما صالحهم، وختمه يومئذ بظفره [ (1) ] . وذكر ابن الكلبي أن أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل، لما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منع أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ما صالح عليه فأخرج من جزيرة العرب من دومة ولحق الحيرة وابتنى بها بناء وسماه دومة، بدومة الجندل، وفي (كتاب الفتوح) : أن خالد بن الوليد لما خرج إلى دومة الجندل وبها أكيدر هذا والجودي بن ربيعة جمع كثير قال أكيدر: لا أحد فمن نقيه من خالد ولا يرى وجهه أحد إلا انهزم فلا تقاتلوا، فعصوه فتركهم، وخرج فأخذته خيل خالد فقتلته، ثم قتل خالد الجودي وفتح دومة.   [ (1) ] والخبر بتمامه في (سيرة ابن هشام) : 5/ 207- 208، خالد يأسر أكيدر دومة، وفي (دلائل البيهقيّ) : 5/ 250- 253، باب بعث النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة، وما ظهر في إخباره صلى اللَّه عليه وسلّم عن وجوده وهو يصيد البقر من آثار النبوة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 51 وأما أكل طائفة من سبع ثمرات غير مرة حتى شبعوا- وهم بتبوك مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وإذا هي لم تنقص فقال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعيد، عن عرباض بن سارية قال: كنت ألزم باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحضر والسفر، فرأينا ليلة ونحن بتبوك، وذهبنا لحاجة، فرجعنا إلى منزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد تعشى ومن عنده من أضيافه ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يريد أن يدخل في قبته ومعه زوجته أم سلمة بنت أبي أمية، فلما طلعت عليه قال: أين كنت منذ الليلة؟ فأخبرته، فطلع جعال بن سراقة، وعبد اللَّه بن مغفل المزني، وكنا ثلاثة، كلنا جائع، إنما نعيش بباب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم البيت، فطلب شيئا نأكلها فلم يجده، فخرج إلينا فنادى بلالا: يا بلال، هل من عشاء لهؤلاء النفر؟ قال: لا والّذي بعثك بالحق لقد نفضنا جربنا [ (1) ] وحمتنا [ (2) ] ، قال: انظر عسى أن تجد شيئا، فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا، فتقع التمرة والتمرتان، حتى رأيت بين يديه سبع تمرات، ثم دعا بصحفة فوضع فيها التمر، ثم وضع يده على التمرات وسمى اللَّه، وقال: كلوا بسم اللَّه، فأكلنا فأحصيت أربعا وخمسين تمرة أكلتها أعدها ونواها في يدي الأخرى، وصاحباي يصنعان ما أصنع وشبعنا، وأكل كل واحد منا خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هي، فقال: يا بلال، ارفعها في جرابك فإنه لا يأكل منها أحد إلا نهل شبعا، قال: فبتنا حول قبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكان يتهجد من الليل، فقام تلك الليلة يصلي، فلما طلع الفجر ركع ركعتي الفجر، وأذّن بلال وأقام، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس، ثم انصرف إلى فناء قبته، فجلس وجلسنا حوله، فقرأ من المؤمنين عشرا، فقال: هل لكم في الغداء؟   [ (1) ] الجرّب: جمع جراب، وهو معروف. [ (2) ] الحمت: جمع حميت، وهو النحي أو الزق الّذي يكون فيه السمن. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 52 قال عرباض: فجعلت أقول في نفسي أي غداء؟ فدعا بلال بالتمر، فوضع يده عليه في الصفحة، ثم قال: كلوا بسم اللَّه، فأكلنا- والّذي بعثه بالحق- حتى شبعنا وإنا لعشرة، ثم رفعوا أيديهم منها شبعا، وإذا التمرات كما هي! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لولا أني أستحيي من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد المدينة عن آخرنا، وطلع غليم من أهل البلد، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم التمرات بيده فدفعها إليه، فولى الغلام يلوكهن [ (1) ] . وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم لذي البجادين أن يحرم اللَّه تعالى دمه على الكفار فمات حتف أنفه مع عزمه على القتل في سبيل اللَّه فقال الواقدي في (مغازيه) : قالوا: وكان عبد اللَّه ذو البجادين [ (2) ] من مزينة وكان يتيما لا مال له، مات أبوه فلم يورثه شيئا، وكان عمه ميّلا [ (3) ] فأخذه وكفله حتى كان قد أيسر، وكانت له إبل وغنم ورقيق، فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، كانت نفسه تتوق إلى الإسلام، ولا يقدر عليه من عمه، حتى مضت السنون والمشاهد كلها، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من فتح مكة راجعا إلى المدينة، فقال عبد اللَّه لعمه: يا عم إني قد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمدا، فأذن لي في الإسلام، فقال: واللَّه لئن اتبعت محمدا لا أترك بيدك شيئا كنت أعطيتكه إلا نزعته منك حتى ثوبيك، فقال عبد العزى وهو يومئذ اسمه: وأنا واللَّه متبع محمدا ومسلم، وتارك عبادة الحجر والوثن وهذا ما بيدي فخذه، فأخذ كل ما أعطاه حتى جرده من إزاره، فأتى أمه فقطعت بجادا لها باثنين فائتزر بواحد وارتدى بالآخر، ثم أقبل إلى المدينة وكان بورقان- جبل بالمدينة- فاضطجع في المسجد في السحر، ثم صلّى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ (1) ] (مغازي الواقديّ) : 3/ 1036- 1037. [ (2) ] البجاد: الكساء الغليظ الجافي. [ (3) ] ميلا: ذا مال. 3 الجزء: 14 ¦ الصفحة: 53 الصبح، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتصفح الناس إذا انصرف من الصبح فنظر إليه، فأنكره، فقال: من أنت؟ فانتسب له فقال: أنت عبد اللَّه ذو البجادين، ثم قال: انزل مني قريبا. فكان يكون في أضيافه ويعلمه القرآن، حتى قرأ قرآنا كثيرا، والناس يتجهزون إلى تبوك. وكان رجلا صيتا، فكان يقوم في المسجد فيرفع صوته بالقراءة، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه! ألا تسمع هذا الأعرابي يرفع صوته بالقرآن حتى قد منع الناس القراءة؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعه يا عمر فإنه خرج مهاجرا إلى اللَّه ورسوله. قال: فلما خرج إلى تبوك قال: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه لي بالشهادة، فقال: أبلغني لحاء سمرة [ (1) ] ، فأبلغه لحاء سمرة، فربطها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على عضده وقال: اللَّهمّ إني أحرم دمه على الكفار، فقال: يا رسول اللَّه ليس هذا أردت، قال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنك إذا خرجت غازيا في سبيل اللَّه فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد، أو وقصتك دابتك فأنت شهيد، لا تبال بأية كان. فلما نزلوا تبوك أقاموا بها أياما، وتوفى عبد اللَّه ذو البجادين، فكان بلال ابن الحارث يقول: حضرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومع بلال المؤذن شعله من نار عند القبر واقفا بها، وإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القبر، وإذا أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يدليانه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يقول: أدنيا إليّ أخاكما، فلما هيئاه لشقه، قال: اللَّهمّ إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه، قال: فقال عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يا ليتني كنت صاحب اللحد [ (2) ] .   [ (1) ] لحاء سمرة: قشر شجرة. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1013- 1014. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 54 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم [بطلوع] وفد عبد القيس [قبل قدومهم] فخرّج البيهقيّ [ (1) ] من طريق قيس بن حفص الدارميّ، عن طالب بن حجير العبديّ، قال: حدثنا هود بن عبد اللَّه بن سعيد أنه سمع [جده] [ (2) ] مزيدة العصري قال: بينما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث أصحابه إذ قال لهم: سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق، فقام عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتوجه نحوهم فلقى ثلاثة عشر راكبا، فقال: من القوم؟ قالوا: من بني عبد القيس، فقال: فما أقدمكم هذه البلاد؟ أتجارة؟ قالوا: لا، قال: أما إنّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ذكركم آنفا، فقال: خيرا، ثم مشى معهم حتى أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر للقوم: هذا صاحبكم الّذي تريدون، فرمي القوم بأنفسهم عن ركائبهم، فمنهم من مشى، ومنهم من هرول، ومنهم من سعى، حتى أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذوا بيده فقبلوها، وتخلف الأشج في الركاب حتى أناخها، وجمع متاع القوم، ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقبلها، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن فيك خلتين يحبهما اللَّه ورسوله، فقال جبل جبلت عليه أم تخلقا مني؟ قال: بل جبل، قال: الحمد للَّه الّذي جبلني على ما يحب اللَّه ورسوله [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 5/ 326- 327، باب وفد عبد القيس وإخباره النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بطلوعهم قبل قد ومهم، وتصويبات العنوان منه. [ (2) ] من (الأصل) فقط. [ (3) ] الخلتان كما في رواية مسلم: الحلم والأناة. وسبب وفودهم أن منقذ بن حبان أحد بني غنم ابن وديعة كان متجره إلى يثرب في الجاهلية، فشخص إلى يثرب بملاحف ونمر من هجر بعد هجرة النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إليها، فبينا منقذ قاعد إذ مرّ به النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنهض منقذ إليه، فقال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمنقذ بن حبان؟ كيف جميع هيأتك وقومك؟ ثم سأله عن أشرافهم رجل رجل، يسميهم بأسمائهم، فأسلم منقذ وتعلم سورة الفاتحة، واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، ثم رحل قبل هجر، فكتب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم معه إلى جماعة عبد القيس كتابا، فذهب به وكتمه أياما، ثم اطلعت. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 55 قال كاتبه: قد خرّج البخاريّ ومسلم حديث وفد عبد القيس بغير هذه السياقة، فخرّجه مسلم [ (1) ] من طريق شعبة، عن أبي جمرة قال: كنت أترجم   [ () ] عليه امرأته وهي بنت المنذر بن عائذ بن الحارث، والمنذر هو الأشج، سماه النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم به لأثر كان في وجهه. وكان منقذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي ويقرأ، فأنكرت امرأته ذلك، وذكرت لأبيها المنذر فقالت: أنكرت بعلي منذ قدم من يثرب، إنه يغسل أطرافة [تعني يتوضأ] ، ويستقبل الجهة [تعني القبلة] ، فيحني ظهره مرة، ويضع جبينه مرة، ذلك ديدنه منذ قدم، فتلاقيا، فتجاريا ذلك، فوقع الإسلام في قلبه. ثم سار الأشج إلى قومه- عصر ومحارب- بكتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقرأه عليهم فوقع الإسلام في قلوبهم، وأجمعوا على المسير إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسار الوفد، فلما دنوا من المدينة قال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لجلسائه: أتاكم وفد عبد القيس، خير أهل المشرق، ومنهم الأشجّ العصري غير ناكثين ولا مبدلين ولا مرتابين، إذ لم يسلم قوم حتى وتروا. (شرح النووي) . [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 300- 302، كتاب الإيمان، باب (6) الأمر بالإيمان باللَّه- تعالى- ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه، وحفظه، وتبليغه من لم يبلغه، حديث رقم (24) . وفي هذا الحديث وفادة الرؤساء والأشراف إلى الأئمة عند الأمور المهمة، وفيه تقديم الاعتذار بين يدي المسألة، وفيه بيان مهمات الإسلام وأركانه ما سوى الحج، وفيه استعانة العالم في تفهيم الحاضرين، والفهم عنهم ببعض أصحابه كما فعله ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وقد يستدل به على أنه يكفى في الترجمة في الفتوى والخبر قول واحد. وفيه استحباب قول الرجل لزواره والقادمين عليه: مرحبا ونحوه، والثناء عليهم إيناسا وبسطا. وفيه جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه. وأما استحبابه فيختلف بحسب الأحوال والأشخاص وأما النهي عن المدح في الوجه فهو في حق من يخاف عليه الفتنة بما ذكرناه. وقد مدح النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في مواضع كثيرة في الوجه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لست منهم، وقال: يا أبا بكر لا تبك، إن أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا. وقال له: وأرجو أن تكون منهم، أي من الذين يدعون من أبواب الجنة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 56 بين يدي ابن عباس وبين الناس، فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر فقال: إن وفد عبد القيس أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من الوفد أو من القوم؟ قالوا: ربيعة، قال: مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا الندامى، قال: فقالوا: يا رسول اللَّه إنا نأتيك من شقة بعيدة، وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر وأنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر الحرام، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا ندخل به الجنة، قال: فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع قال: أمرهم بالإيمان باللَّه وحده وقال: هل تدرون ما الإيمان باللَّه؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمسا من المغنم، ونهاهم عن الدباء والحنتم، والمزفت، قال شعبة: وربما قال النقير، قال شعبة:   [ () ] وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: دخلت الجنة فرأيت قصرا، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر ابن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأردت أن أدخله فذكرت غيرتك! فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، أعليك أغار؟ وقال له: ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجّك. وقال: افتح لعثمان وبشره بالجنة، وقال لعلى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أنت مني وأنا منك. وفي الحديث الآخر: أما ترضى أن تكون مني بمنزله هارون من موسى؟. وقال لبلال: سمعت دقّ نعليك في الجنة، وقال لعبد اللَّه بن سلام: أنت على الإسلام حتى تموت. وقال للأنصار: أنتم أم أحبّ الناس إليّ. ونظائرهم هذا كثيرة في المدح في الوجه. وأما مدح الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والأئمة الذين يفتدي بهم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم أجمعين- فأكثر من أن تحصر. واللَّه- تعالى- أعلم. وفي حديث الباب من الفوائد: أنه لا عتب على طالب العلم والمستفتي إذا قال للعالم: أوضح لي الجواب، ونحو هذه العبارة. وفيه أنه لا بأس بقول: رمضان، من غير ذكر الشهر، وفيه جواز قول الإنسان لمسلم: جعلني اللَّه فداك. فهذه أطراف مما يتعلق بهذا الحديث، وهي وإن كانت طويلة فهي مختصرة بالنسبة إلى طالبي التحقيق، واللَّه- تعالى- أعلم، وله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعصمة. (شرح النووي) مختصرا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 57 وربما قال: المقير، وقال: احفظوه وأخبروا به من وراءكم، وقال أبو بكر: يعني ابن أبي شيبة في روايته من وراءكم وليس في روايته المقير. وخرّجه البخاري وفي روايته: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، فقال: إن وفد عبد القيس، لم يذكر المرأة، وقال: غير حزايا ولا ندامي، وقال: في شهر حرام وقال: تعطوا الخمس من المغنم وقال: وأخبروه من وراءكم، ذكره في كتاب العلم [ (1) ] ، وفي كتاب الإيمان [ (2) ] ، وفي إجازة خبر الواحد الصدوق بألفاظ متقاربة. وأخرجاه من حديث قرة بن خالد، عن أبي حمزة، ومن حديث حماد بن يزيد، وعباد بن عباد، عن أبي جمرة. وأخرجه البخاريّ في كتاب الأدب [ (3) ] من حديث أبي التياح، عن أبي جمرة، عن ابن عباس. وأخرجه مسلم [ (4) ] من حديث سعيد، عن قتادة، عن أبي سعيد الخدريّ.   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 243- 244، كتاب العلم، باب (25) تحريض النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا من وراءهم، حديث رقم (87) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 172، كتاب الإيمان، باب (40) أداء الخمس من الإيمان، حديث رقم (53) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 10/ 688، كتاب الأدب، باب (98) قول الرجل: «مرحبا» ، وقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لفاطمة: مرحبا يا بنتي، وقالت أم هانئ: جئت النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: مرحبا بأم هانئ، حديث رقم (6176) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 307، كتاب الإيمان، باب (6) الأمر بالإيمان باللَّه- تعالى- ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم وشرائع الدين، والدعاء إليه، والسؤال عنه، وحفظه، وتبليغه من لم يبلغه، حديث رقم (27) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 58 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عديّ بن حاتم بأمور فرآها عديّ بعد ذلك كما أخبر فخرّج البخاريّ في باب علامات النبوة في الإسلام [ (1) ] من حديث إسرائيل، عن سعد الطائي، عن محل بن خليفة، عن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: يا عدي هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها، قال: فإن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا اللَّه، قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعّار طيِّئ الذين الذين قد سعروا البلاد؟ ولئن طالت بك الحياة لتفتحن كنوز كسرى قال: كسرى بن هرمز! ولئن: طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه، وليلقين اللَّه أحدكم يوم يلقاه ليس بينه وبين ترجمان يترجم له، فيقولنّ له: ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم. قال عدي: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا اللَّه، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى ابن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلّى اللَّه عليه وسلّم: يخرج الرجل ملء كفه. وخرّج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث شعبة قال: سمعت سماك بن حرب قال: سمعت عباد بن حبيش يحدث عن عدي بن حاتم قال: جاءت خيل رسول اللَّه   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 757- 758، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3595) ، وقال في عقبه: حدثني عبد اللَّه، حدثنا أبو عاصم أخبرنا سعدان بن بشر حدثنا أبو مجاهد حدثنا محلّ بن خليفة، سمعت عديا: «كنت عند النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم» . [ (2) ] (مسند أحمد) : 5/ 511- 512، حديث رقم (18891) ، من حديث عدي بن حاتم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 59 صلّى اللَّه عليه وسلّم- أو قال: رسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وأنا بعقرب، فأخذوا عمتي وناسا، قال: فلما أتوا بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فصفوا له، قلت: يا رسول اللَّه نأى الوافد وانقطع الولد، وأنا عجوز كبيرة ما بى من خدمة، فمنّ عليّ منّ اللَّه عليك. قال: من وافدك؟ قالت: عديّ بن حاتم الّذي فر من اللَّه ورسوله، قالت: فمنّ عليّ! قالت: فلما رجع ورجل إلى جنبه نرى أنه علي قال: سليه حملانا، قال: فسألته، فأمر لها، قالت فأتني، فقالت: لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها. قالت: ائته راغبا أو راهبا فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه. قال فأتيته، فإذا عنده امرأة وصبيان- أو صبيّ- فذكر قربهم من النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فعرفت أنه ليس ملك كسرى ولا قيصر، فقال له: يا عدي بن حاتم! ما أفرك أن يقال: لا إله إلا اللَّه؟ فهل من إله إلا اللَّه؟ ما أفرك أن يقال: اللَّه أكبر؟ فهل شيء هو أكبر من اللَّه عزّ وجلّ؟ قال: فأسلمت فرأيت وجهه استبشر وقال: إن المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى. ثم سألوه فحمد اللَّه- تعالى- وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فلكم أيها الناس أن ترضخوا من الفضل، ارتضخ امرؤ بصاع، ببعض صاع، بقبضة، ببعض قبضة، قال شعبة: وأكثر علمي أنه قال: بتمرة، بشق تمرة، وإن أحدكم لا في اللَّه- عزّ وجلّ- فقائل ما أقول: ألم أجعلك سميعا بصيرا؟ ألم أجعل لك مالا وولدا؟ فماذا قدمت؟ فينظر من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، فلا يجد شيئا، فما يتقى النار إلا بوجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوه فبكلمة لينة، إني لا أخشى عليكم الفاقة، لينصركم اللَّه- تعالى- وليعطينكم أو ليفتحن لكم حتى تسير الظعينة بين الحيرة ويثرب أو أكثر، ما تخاف السرق على ظعينتها. [قال محمد بن جعفر: حدثناه شعبة ما لا أحصيه وقرأته عليه] [ (1) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المسند) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 60 وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بقدوم أهل اليمن فخرّج البخاريّ من حديث شعيب أبى الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبا، وأرق أفئدة، الفقه يمان، والحكمة يمانية [ (1) ] . وخرّج مسلم من حديث حماد قال: حدثنا أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: جاءكم أهل اليمن هم أرق أفئدة، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمنية [ (2) ] . ومن حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد قالها أبي عن صالح، عن الأعرج قال: قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا، وأرق أفئدة، الفقه يمان، والحكمة يمانية [ (3) ] . ومن حديث أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهريّ قال: حدثني سعيد ابن المسيب أن أبا هريرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: جاءكم أهل اليمن هم أرق أفئدة، وأضعف قلوبا، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، السكينة في أهل الغنم، والفخر والخيلاء في الفدادين، أهل الوبر قبل مطلع الشمس [ (4) ] . والبخاريّ ومسلم من حديث ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن ذكوان، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: جاءكم أهل اليمن هم أرق أفئدة، وألين قلوبا، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم [ (5) ] .   [ (1) ] (جامع الأصول) : 9/ 347، حديث رقم (6984) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 389، كتاب الإيمان، باب (21) تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه، حديث رقم (82) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (84) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (89) . [ (5) ] (جامع الأصول) : 6/ 347، حديث رقم (6984) ، ونسبه إلى البخاريّ ومسلم والترمذي. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 61 وخرّج مسلم من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا، وأرق أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، رأس الكفر في المشرق [ (1) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 393، كتاب الإيمان، باب (21) تفاضل أهل الإيمان فيه، ورجحان أهل اليمن فيه، حديث رقم (90) . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألين قلوبا وأرق أفئدة، المشهور أن الفؤاد هو القلب، فعلى هذا يكون كرر لفظ القلب بلفظين، وهو أولى من تكريره بلفظ واحد. وقيل: الفؤاد غير القلب وهو عين القلب، وقيل: باطن القلب، وقيل: غشاء القلب. وأما وصفها باللين والرقة والضعف، فمعناه أنها ذات خشية واستكانة سريعة الاستجابة، والتأثر بقوارع التذكير، سالمة من الغلظ والشدة والقسوة التي وصف بها قلوب الآخرين. قال: وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: في الفدادين، فزعم أبو عمر الشيبانيّ أنه بتخفيف الدال، وهو جمع فداد بتشديد الدال، وهو عبارة عن البقر التي يحرث عليها، حكاه عنه أبو عبيد وأنكره عليه، وعلى هذا المراد بذلك أصحابها، فحذف المضاف، والصواب في الفدادين بتشديد الدال، جمع فداد بدالين أولاهما مشددة، وهذا قول أهل الحديث والأصمعيّ وجمهور أهل اللغة، وهو من الفديد، وهو الصوت الشديد، فهم الذين تعلو أصواتهم في إبلهم وخيلهم وحروثهم ونحو ذلك. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: هم المكثرون من الإبل الذين يملك أحدهم المائتين منها إلى الألف، وقوله: إنّ القسوة في الفدادين عند أصول أذناب الإبل، معناه: الذين لهم جلبة وصياح عند سوقهم لها. وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: الفخر والخيلاء، فالفخر هو الافتخار وعد المآثر القديمة تعظيما، والخيلاء الكبر واحتقار الناس. وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: في أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر، فالوبر وإن كان من الإبل دون الخيل، فلا يمتنع أن يكون قد وصفهم بكونهم جامعين بين الخيل والإبل والوبر. وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: والسكينة في أهل الغنم، فالسكينة، الطمأنينة والسكون على خلاف ما ذكره من صفة الفدادين، هذا آخر ما ذكره الشيخ أبو عمرو رحمه اللَّه، وفيه كفاية فلا نطول بزيادة عليه. واللَّه- تعالى- أعلم. (شرح النووي) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 62 ولأبي بكر بن أبي شيبة من حديث يزيد بن هارون، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسير له، فقال: يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب هم خير من في الأرض، فقال رجل من الأنصار: إلا نحن يا رسول اللَّه؟ فقال كلمة ضعيفة: إلا أنتم [ (1) ] . وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسندة من حديث ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن إلى آخره بمعناه. وللطبراني في كتاب (الأوائل) من حديث علي بن عثمان اللاحقي حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوبا، وهم أول من جاء بالمصافحة.   [ (1) ] (المصنف) : 6/ 410، كتاب الفضائل، باب (58) ما جاء في اليمن وفضلها، حديث رقم (32426) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 63 وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في قدوم معاوية بن حيدة بن معاوية بن حيدة ابن قشير بن كعب القشيري [ (1) ] فخرّج البيهقيّ من طريق داود الوراق، عن سعد بن حكيم، عن أبيه، عن جده معاوية بن حيدة القشيري، قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما دفعت إليه قال أما إني سألت اللَّه- عز وجل- أن يعينني عليكم بالسّنة نحفيكم [ (2) ] ، وبالرعب أن يجعله في قلوبكم قال: فقال بيديه جميعا، أما إني قد خلقت هذا وهكذا أن لا أومن بك ولا أتبعك فما زالت السنة تحفيني، وما زال الرعب يجعل في قلبي حتى قمت بين يديك، أفبالله الّذي أرسلك بما تقول؟ قال: نعم، قال: وهو أمرني بما تأمر؟ قال: نعم، قال: فما تقول في نسائنا؟ قال: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [ (3) ] ، وأطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، ولا تضربون، ولا تقبحون، قال: أفينظر أحدنا إلى عورة أخيه إذا اجتمعنا؟ قال: لا، قال: فإذا تفرقا، قال: فضم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إحدى فخذيه على الأخرى، ثم قال: اللَّه أحق أن تستحيوا، قال: وسمعته يقول: يحشر الناس يوم القيامة عليهم الفدام [ (4) ] ، وأول ما ينطق من [ (5) ] الإنسان كفه وفخذه [ (6) ] .   [ (1) ] ترجمته في (الإصابة) : 6/ 149- 150، ترجمة رقم (8071) . [ (2) ] تحفيكم: تستأصلكم. [ (3) ] البقرة: 223. [ (4) ] الفدام: ما يشد على فم الإبريق والكوز، والمراد: يمنعون من الكلام حتى تتكلم جوارحهم. [ (5) ] في (الأصل) : «عن» . [ (6) ] (دلائل البيهقيّ) : 5/ 378- 379، باب ما قدم معاوية بن حيدة القشيريّ ودخوله على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإجابة اللَّه- عزّ وجلّ- دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى ألجأه إلى القدوم عليه وفيه: «تأكلوا» ، «تلبسوا» ، «تضربوهم» ، «تقبحوهم» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 64 وأما شهادة الأساقفة للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بأنه النبي الّذي كانوا ينتظرونه وامتناع من أراد ملاعنته من ذلك فقال يونس عن إسحاق: وفد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفد نصارى نجران بالمدينة، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: لما قدم وفد نجران على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخلوا عليه مسجده بعد العصر فحانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوهم، فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم. حدثني بريدة بن سفيان، عن ابن السلماني، عن كرز بن علقمة قال: قد قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفد نصارى نجران [ (1) ] ستون راكبا، منهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، و [في الأربعة عشر] منهم [ثلاثة] نفر إليهم يؤول أمرهم: العاقب، أمير القوم وذو رأيهم، وصاحب مشورتهم، والذين لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره واسمه عبد المسيح والسيد لهم، ثمالهم [ (2) ] وصاحب رحلهم ومجتمعهم، واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة، أحد بني بكر بن وائل، أسقفهم وحبرهم وإمامهم، وصاحب مدراسهم [ (3) ] . وكان أبو حارثة قد شرف فيهم، ودرس كتبهم، حتى حسن عمله في دينهم، وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه، ومولوه، وأخدموه، وبنوا له الكنائس، وبسطوا عليه الكرامات، لما يبلغهم عنه من عمله واجتهاده في دينهم. فلما رجعوا [ (4) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من نجران جلس أبو حارثة على بغله له موجها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإلى جنبه أخ له يقال له: كرز بن علقمة حتى إذا   [ (1) ] نجران: عرفت بنجران بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وأما أهلها فهم: بنو الحارث ابن كعب من مذحج. [ (2) ] ثمال القوم: من يرجعون إليه ويقوم بأمرهم، وقد قيل في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثمال اليتامى عصمة للأرامل [ (3) ] المدارس: المكان الّذي يدرسون فيه كتبهم، كذلك من يدرس لهم. [ (4) ] في (الأصل) : «وجهوا» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 65 عثرت بغلة أبي حارثة، فقال كرز [ (1) ] : تعس الآبعد: يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له أبو حارثة: وأنت تعست! فقال له: ولم يا أخى؟ فقال: واللَّه إنه للنبيّ الّذي كنا ننتظر، قال له كرز: فما يمنعك وأنت تعلم هذا؟ قال: ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا، ومولونا، وأكرمونا، وقد أبوا إلا خلافه، ولو فعلت نزعوا منا كما ترى، فأضمر علينا منه أخوه كرز بن علقمة، حتى أسلم بعد ذلك. [فهو كان يحدث عنه هذا الحديث فيما بلغني] [ (2) ] . حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: حدثني سعيد بن جبير عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: اجتمعت نصارى نجران، وأحبار يهود عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا، وقالت النصارى، ما كان إبراهيم إلا نصرانيا، فأنزل اللَّه- عز وجل- فيهم: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ* ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [ (3) ] فقال أبو رافع القرظي حين اجتمع عنده النصارى والأحبار: فدعاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الإسلام، [قالوا] أتريد منايا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس: وذلك تريد يا محمد، وإليه تدعو؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معاذ اللَّه أعبد غير اللَّه أو آمر بعبادة غيره! ما بذلك بعثني ولا أمرني، فأنزل اللَّه- عز وجل- في ذلك قوله تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ* وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ (4) ] ،   [ (1) ] في (ابن هشام) : «كوز» . [ (2) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (ابن هشام) . [ (3) ] آل عمران: 65- 68. [ (4) ] آل عمران: 79- 80. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 66 ثم ذكر ما أخذ عليهم وعلى آبائهم من الميثاق بتصديقه إذا هو جاءهم وإقرارهم به على أنفسهم، فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. حدثني محمد بن أبي أمامه قال: لما وقد أهل نجران على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسألونه عن عيسى ابن مريم- عليه السلام- نزلت فيهم فاتحة آل عمران إلى رأس الثمانين [ (1) ] . وقال يونس بن بكير، عن سلمة بن عبد يشوع، عن أبيه، عن جده، قال يونس- وكان نصرانيا فأسلم-: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب إلى أهل نجران قبل أن تنزل عليه: طس* تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ [ (2) ] باسم إليه إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمد النبي رسول اللَّه إلى أسقف نجران وأهل نجران: إن أسلمتم، فإنّي أحمد إليكم اللَّه، إليه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أما بعد فإنّي أدعوكم إلى عبادة اللَّه من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية اللَّه من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد أذنتكم بحرب آذنتكم. والسلام. فلما أتى الأسفل الكتاب وقرأه فظع به وذعره ذعرا شديدا، فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له: شرحبيل بن وداعة، وكان من همدان ولم يكن أحد يدعى إذا نزلت معضلة قبله لا الأيهم، ولا السيد، ولا العاقب، فدفع الأسقف كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى شرحبيل فقرأه، فقال للأسقف: يا أبا مريم! ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد اللَّه إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة، فما يؤمن من أن يكون هذا هو ذلك الرجل، ليس لي في النبوة رأي،   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 5/ 384- 385، باب وفد نجران وشهادة الأساقفة لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم بأنه الّذي كانوا ينتظرونه، وامتناع من امتنع منهم من الملاعنة، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. [ (2) ] النمل: 1- 2، وقد في هذه الرواية هذا، وقال: قبل أن ينزل علي. طس* تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ وذلك غلط على غلط، فإن هذه السورة مكية باتفاق، وكتابه إلى نجران بعد مرجعه من تبوك، (زاد المعاد لابن القيم) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 67 لو كان أمر من أمر الدنيا أشرت عليك فيه، وجهدت لك، فقال له الأسقف: تنحّ فاجلس، فتنحّى شرحبيل فجلس ناحية. فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له: عبد اللَّه بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حمير، فأقرأه الكتاب، وسأله عن الرأي فيه، فقال مثل قول شرحبيل وعبد اللَّه، فأمره الأسقف فتنحى، فجلس ناحية. فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس، فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه، فقال له مثل قول شرحبيل وعبد اللَّه، فأمره الأسقف فتنحى، فجلس ناحية. فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جمعا أمر الأسقف بالناقوس فضرب به، ورفعت المسوح في الصوامع، وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار، وإذا كان فزعهم ليلا ضربوا بالناقوس ورفعت النيران في الصوامع، فاجتمع حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح أهل الوادي أعلاه وأسفله، وطول الوادي يوم للراكب السريع وفيه ثلاث وسبعون قرية ومائة وعشرون ألف مقاتل، فقرأ عليهم كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسألهم عن الرأي فيه، فاجتمع رأي أهل الوادي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمدانيّ، وعبد اللَّه بن شرحبيل الأصبحي، وحبار بن فيض الحارثي، فيأتونهم بخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم، ولبسوا حللا لهم يجرونها من حبرة، وخواتيم الذهب، ثم انطلقوا حتى أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسلموا عليه، فلم يرد عليهم السلام، وتصدوا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلمهم وعليهم تلك الحال والخواتيم الذهب، فانطلقوا يبتغون عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وكانا معرفة لهم، كانا يجدعان العتائر إلى نجران في الجاهلية فيشتري لهما من بزّها وتمرها وذرتها، فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرحمن! إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له، فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا، وتصدينا لكلامه نهارا طويلا، فأعيانا أن يكلمنا، فما الرأي منكما؟ أنعود أم نرجع؟ فقالا لعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو في القوم-: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال علي لعثمان ولعبد الرحمن: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم، ويلبسوا ثياب سفرهم، ثم يعودون إليه، ففعل وفد نجران ذلك فوضعوا حللهم الجزء: 14 ¦ الصفحة: 68 وخواتيمهم، ثم عادوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلموا فرد سلامهم، ثم قال: والّذي بعثني بالحق لقد آتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم. ثم ساءلهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى ابن مريم؟ فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى يسرنا إن كنت نبيا أن نعلم ما نقول فيه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما عندي فيه شيء يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركما بما يقال في عيسى. فأصبح الغد، وقد أنزل اللَّه- تعالى- هذه الآية: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ* فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ [ (1) ] . فأبوا أن يقروا بذلك، فلما أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشى عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدة نسوة، فقال شرحبيل لصاحبيه: يا عبد اللَّه بن شرحبيل ويا جبار بن فيض قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي وإني واللَّه أرى أمرا مقبلا، إن كان هذا الرجل ملكا مبعوثا فكنا أول العرب طعن في عينه، ورد عليه أمره، لا يذهب لنا من صدر ولا من صدور قومه حتى يصيبونا بجائحة وإنا لأدنى العرب منهم جوارا، وإن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك، فقال له صاحباه: فما الرأي يا أبا مريم؟ فقد وضعتك الأمور على ذراع، فهات رأيك، فقال: رأيي أن أحكمه فإنّي أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا، فقالا له: إذا أنت وذاك. فتلقى شرحبيل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك، فقال: وما هو؟ قال شرحبيل: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلي الصباح فمهما حكمت فينا جائز، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لعل وراءك أحد يثرّب عليك، فقال شرحبيل: سل صاحبيّ، فسألهما، فقالا له: ما يرد الوادي أحد منا ولا يصدر إلا عن رأي شرحبيل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كافر، أو قال: جاحد موفق.   [ (1) ] آل عمران: 59- 61. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 69 فرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يلاعنهم [ (1) ] حتى إذا كان الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما كتب محمد النبي رسول اللَّه لنجران إذا كان عليهم حكمة في كل ثمرة، وكل صفراء، وبيضاء، وسوداء، ورقيق وأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حلة، حلل الأواقى في كل رجب ألف حلة وفي كل صفر، ألف حلة لكل حلة أوقية من الفضة فما زادت الخراج أو نقصت على حال الأواقى فبالحساب وما قضوا من دروع أو خيل أو ركاب أو عروض أخذ منهم بالحساب، وعلى نجران مؤنة رسلي ومتعتهم ما بين عشرين فدونه ولا يحبسنّ رسلي فوق شهر، وعليهم عارية ثلاثين درعا، وثلاثين فرسا، وثلاثين بعيرا، إذا كان كيد ومعرة وما هلك مما أعاروا رسلي من دروع أو خيل أو ركاب فهو ضمان على رسلي حتى يؤدوه إليهم، ولنجران وحاشيتها جوار اللَّه وذمة محمد النبي على أنفسهم، وملتهم، وأراضيهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وعشيرتهم، وبيعهم وأن لا يغيروا مما كانوا عليه ولا يغيّر حق من حقوقهم، ولا ملتهم، ولا يغير أسقف عن أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا واقها من وقيهاه، وكل ما ما تحت أيديهم من قليل أو كثير وليس عليهم دنية، ولا دم جاهلية، ولا يحشرون، ولا يعشرون، ولا يطأ أراضيهم جيش، ومن سأل فيهم حقا فبينهم النّصف غير ظالمين، ولا مظلومين بنجران، ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة، ولا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر، وعلى ما في هذه الصحيفة جوار اللَّه وذمة محمد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أبدا حتى يأتي اللَّه بأمره، وما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم. شهد أبو سفيان بن حرب، وغيلان بن عمرو، ومالك بن عوف من بني نصر، والأقرع بن حابس الحنظليّ، والمغيرة [ (2) ] ، وكتب. حتى إذا قبضوا كتابهم انصرفوا إلى نجران فتلقاهم الأسقف ووجوه نجران على مسيرة ليلة من نجران، ومع الأسقف أخ له من أمه وهو ابن عمه من النسب يقال له: بشر   [ (1) ] كذا (بالأصل) ، وفي (الدلائل) : «فرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلاعنهم» . [ (2) ] زاد ابن سعد: «وعامر مولى أبي بكر، وفي (الخراج) لأبي يوسف: أن الّذي كتب لهم هذا الكتاب: عبد اللَّه بن أبي بكر، وفي (الأموال) لأبي عبيد: شهد بذلك عثمان بن عفان ومعيقب. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 70 ابن معاوية وكنيته: أبو علقمة، فدفع الوفد كتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الأسقف فبينما هو يقرأه وأبو علقمة معه وهما يسيران إذ كبت ببشر ناقته فتعّس بشر غير أنه لا يكنى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال له الأسقف، عند ذلك: قد واللَّه تعست نبيا مرسلا، فقال بشر: لا جرم واللَّه لا أحل عنها عقدا حتى آتية، فضرب وجه ناقته نحو المدينة وثني الأسقف ناقته عليه، فقال له: افهم عني، إنما قلت هذا ليبلغ عني العرب مخافة أن يروا أنا أخذنا حقه أو نصرته بضربة أو بخعنا لهذا الرجل بما لم تبخع به العرب، ونحن أعزهم وأجمعهم دارا، فقال له بشر: واللَّه ما أقبل ما خرج من رأسك أبدا فضرب بشر ناقته وهو مولّي الأسقف ظهره وهو يقول فيه شعرا. حتى أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلم ولم يزل مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى استشهد أبو علقمة بعد ذلك. ودخل وفد نجران فأتى الراهب ليث بن أبي شمر الزبيدي وهو في رأس صومعة، فقال له: إن نبيا بعث بتهامة، وأنه كتب إلى الأسقف، فأجمع رأي أهل الوادي على أن يسيروا إليه شرحبيل بن وداعة، وعبد اللَّه بن شرحبيل، وحبّار بن فيض فيأتونهم بخبره، فساروا حتى أتوا النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فدعاهم إلى الملاعنة، فكرهوا ملاعنته، وحكّمه شرحبيل فحكم عليهم حكما وكتب لهم به كتابا، ثم أقبل الوفد بالكتاب حتى دفعوه إلى الأسقف، فبينما الأسقف يقرؤه وبشر معه إذ كبت ببشر ناقته فتعّسه، فشهد الأسقف له أنه نبيّ مرسل، فانصرف أبو علقمة نحوه يريد الإسلام، فقال الراهب: أنزلوني وإلا رميت نفسي من هذه الصومعة، فأنزلوه، فانطلق الراهب بهدية إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معها هذا البرد الّذي يلبسه الخلفاء، والقعب، والعصا، وأقام الراهب بعد ذلك يسمع كيف ينزل الوحي، والسنن، والفرائض، والحدود، وأبي اللَّه للراهب الإسلام فلم يسلم، واستأذن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الرجعة إلى قومه فأذن له وقال له صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا راهب لك حاجتك إذا أبيت الإسلام، فقال له الراهب: إن لي حاجة ومعاذ اللَّه إن شاء اللَّه، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن حاجتك واجبة يا راهب فاطلبها إذا كان أحبّ إليك، فرجع إلى قومه فلم يعد حتى قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وأن الأسقف أبا الحارث أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه السيد والعاقب ووجوه قومه، فأقاموا عنده يسمعون ما ينزل اللَّه- عزّ وجلّ- عليه، فكتب للأسقف هذا الكتاب ولأساقفة نجران: بسم اللَّه الرحمن الرحيم من محمد النبي للأسقف أبي الحارث وكل أساقفة نجران، وكنهتهم، ورهبانهم، وبيعهم، وأهل الجزء: 14 ¦ الصفحة: 71 بيعهم، ورقيقهم، وملتهم، ومتواطئهم، وعلى كل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، جوار اللَّه ورسوله، ولا يغير أسقف من أسقفته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته، ولا يغيّر حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا مما كانوا عليه، على ذلك جوار اللَّه ورسوله أبدا ما نصحوا للَّه أو أصلحوا غير مثقلين بظلم ولا ظالمين، وكتب المغيرة بن شعبة. فلما قبض الأسقف الكتاب استأذن في الانصراف إلى قومه ومن معه، فأذن لهم، فانصرفوا حتى قبض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] قال: وقد تقدم حديث يونس بن بكير في ذكر الكتب النبويّة. قال كاتبه قد وقع في (صحيحي البخاريّ ومسلم) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جاء السيد والعاقب صاحبا نجران إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يريدان أن يلاعناه، فقال: أحدهما لصاحبه: لا تفعل فو اللَّه إن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالا: إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا فقال: لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين، فاستشرف له أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح، فلما قام قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا أمين هذه الأمة [ (2) ] . ولهما من طريق شعبة [ (3) ] قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن صلة بن زفر عن حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جاء أهل نجران إلى رسول   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 5/ 385- 391. [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 117، كتاب المغازي، باب (73) قصة أهل نجران، حديث رقم (4380) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4381) قوله: جاء السيد والعاقب صاحبا نجران «أما السيد فكان اسمه الأيهم بتحتانية ساكنة، ويقال: شرحبيل، وكان صاحب رحالهم ومجتمعهم ورئيسهم في ذلك وأما العاقب فاسمه عبد المسيح، وكان صاحب شورتهم، وكان معهم أيضا أبو الحارث ابن علقمة أسقفهم، وحبرهم، وصاحب مدارسهم. قال ابن سعد: دعاهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الإسلام. وتلا عليهم القرآن فامتنعوا، فقال: إن أنكرتم ما أقول فهلم أباهلكم. فانصرفوا على ذلك. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 72 اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: ابعث إلينا رجلا أمينا، فقال لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين قال فاستشرف له الناس، قال: فبعث أبو عبيدة بن الجراح، قال البخاريّ: حق أمين مرة واحدة. وخرجه مسلم من حديث سفيان عن أبي إسحاق بهذا الإسناد نحوه، واللَّه- سبحانه وتعالى- أعلم بالصواب.   [ () ] وفي قصة أهل نجران من الفوائد: أن إقرار الكافر بالنّبوّة لا يدخله في الإسلام حتى يلتزم أحكام الإسلام. وفيها جواز مجادلة أهل الكتاب، وقد تجب إذا تعينت مصلحته. وفيها مشروعية مباهلة المخالف إذا أصرّ بعد ظهور الحجة. وقد دعا ابن عباس إلى ذلك ثم الأوزاعيّ، ووقع ذلك لجماعة من العلماء من العلماء. ومما عرف بالتجربة أن من باهل مبطلا لا تمضى عليه من يوم المباهلة. ووقع لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة فلم يقم بعدها غير شهرين. وفيها مصالحة أهل الذمة على ما يراه الإمام من أصناف المالي، ويجرى ذلك مجرى ضرب الجزية عليهم، فإن كلا منها مال يؤخذ من الكفار على وجه الصغار في كل عام. وفيها بعث الإمام الرجل العالم الأمين إلى أهل الهدنة في مصلحة الإسلام. وفيها منقبة ظاهرة لأبى عبيدة بن الجرام رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. وقد ذكر ابن إسحاق أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث عليا إلى أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم وجزيهم، هذه القصة فير قصة أبي عبيدة، لأن أبا عبيدة توجه لهم فقبض مال الصلح ورجع، وعليّ أرسله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك يقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية، ويأخذ ممن أسلم منهم وجب عليه من الصدقة واللَّه تعالى أعلم. (فتح الباري) . وأخرجه أيضا البيهقي في (دلائل النبوة) : 5/ 392، باب وفد نجران وشهادة الأساقفة لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم بأنه النبي الّذي كانوا ينتظرونه، وامتناع من امتنع منهم من الأساقفة لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم بأنه النبي الّذي كانوا ينتظرونه، وامتناع من امتنع منهم الملاعنة، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة، وكذلك رواه ابن هشام في (السيرة) ، وان سعد في (الطبقات) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 73 وأما تيقن عبد اللَّه بن سلام رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رسالته فخرج الحاكم [ (1) ] من حديث هوذة بن خليفة حدثنا عوف بن أبي جميلة، عن زرارة بن أبي أوفى، عن عبد اللَّه بن سلام- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما ورد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة انجفل الناس إليه وقيل: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: وجئت في الناس لأنظر فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء سمعته يتكلم أن قال: يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. [ولم يخرجاه] . وخرّج البخاريّ من حديث عبد اللَّه بن منبر [سمع عبد اللَّه بن بكر] حدثنا حميد بن أنس قال سمع: عبد اللَّه بن سلام- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بمقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في أرض يخترف، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمن إلا نبي فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفا، قال: جبريل؟ قال: نعم. قال: ذلك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ [ (2) ] أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أنك رسول اللَّه. يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أي رجل عبد اللَّه بن سلام فيكم؟ قالوا:   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 14، كتاب الهجرة، حديث رقم (4283) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاريّ ومسلم. [ (2) ] البقرة: 97. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 74 خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبد اللَّه بن سلام فقالوا: أعاذه اللَّه من ذلك فخرج عبد اللَّه فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا رسول اللَّه، قالوا: شرنا وابن شرنا وانتقصوه، قال: فهذا الّذي كنت أخاف يا رسول اللَّه. في ذكره في التفسير [ (1) ] . وذكره في المناقب من طريق بشر بن المفضل حدثنا حميد عن أنس إلى آخره بنحوه ولم يقل فيه: وهو في أرض يخترف، ولم يقل فيه: فقرأ هذه الآية، وقال فيه: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أرأيتم إن أسلم عبد اللَّه بن سلام؟ قالوا: أعاذه اللَّه من ذلك، فأعاد عليهم، فقالوا: مثل ذلك فخرج إليهم عبد اللَّه، الحديث إلى آخره [ (2) ] . وذكره في أول كتاب الأنبياء من حديث الفزاري، عن حميد، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بلغ عبد اللَّه بن سلام مقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبيّ، قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكلها أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه؟ ومن أي شيء ينزع إلى أخواله، الحديث. وقال فيه: فزيادة كبد الحوت، وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه به، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها، وفيه جاءت اليهود، ودخل عبد اللَّه البيت فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أي رجل فيكم عبد اللَّه؟ قالوا: أعلمنا وابن أعلمنا، وأخبرنا وابن أخبرنا، الحديث إلى قوله: شرنا   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 209، كتاب التفسير، باب (6) قوله تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ. حكى الثعلبي عن ابن عباس أن سبب عداوة اليهود لجبريل- عليه السلام- أن نبيهم أخبرهم أن بخت نصّر سيخرب بيت المقدس، فبعثوا رجلا ليقتله، فوجده شابا ضعيفا، فمنعه جبريل من قتله وقال له: إن كان اللَّه أراد هلاككم على يده فلن تسلط عليه، وإن كان غيره فعلى أي حق تقتله؟ فتركه، فكبر بختنصر وغزا بيت المقدس فقتلهم وخربه، فصاروا يكرهون جبريل لذلك. (فتح الباري) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 346- 347، كتاب مناقب الأنصار، باب (51) بدون ترجمة. حديث رقم (3938) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 75 وابن شرنا، ووقعوا فيه [ (1) ] . ولم يزد على هذا ولم يقل فيه: فقرأ هذه الآية: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ. وذكر البيهقيّ [ (2) ] من طريق يونس بن بكير، عن أبي معشر المدني، عن سعيد المقبري قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتى قباء أمر مناديه فنادى بالصلاة، فذكر الحديث في مجيء عبد اللَّه بن سلام وجلوسه عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورجوعه إلى عمته فقالت له: يا ابن أخي لم احتبست؟ فقال: يا عمة كنت عند رسول اللَّه فقالت: عند موسى بن عمران؟ فقال لم أكن عند موسى بن عمران، فقالت: عند النبي الّذي يبعث قبيل قيام الساعة! قال: نعم، من عنده جئت، فرجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسأله عن ثلاث، فذكر الحديث الأول إلا أنه سأله عن السواد الّذي في القمر بدل أول أشراط الساعة، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أول نزل ينزله، قال أهل الجنة بلام ونون، فقال: ما بلام ونون؟ فقال: ثور وحوت يأكل من زائدة كبد، أحدهما سبعون ألفا، ثم يقومان يزفنان لأهل الجنة، وأما الشبه فأي النطفتين سبقت إلى الرحم من الرجل أو المرأة فالولد به أشبه. وأما السواد الّذي في القمر فإنه ما كان شمسين فقال اللَّه- تعالى-: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً [ (3) ] ، والسواد الّذي رأيت هو المحو فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ، فقال عبد اللَّه بن سلام: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا رسول اللَّه. ثم ذكر الحديث في قصة اليهود الذين دخلوا عليه وسألهم عن عبد اللَّه وما أجابوا به، وقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في آخره: أجزنا الشهادة الأولى وأما هذه فلا.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 446- 447، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (1) خلق آدم وذريته، حديث رقم (3329) ، وفي (الأصل) : «أخيرنا وابن أخيرنا» وما أثبتناه من (البخاريّ) . [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 261- 262، باب مسائل عبد اللَّه بن سلام- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وإسلامه حين عرف صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في رسالته. [ (3) ] الإسراء: 12. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 76 وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق صفوان بن عمرو قال: حدثني عبد الرحمن ابن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: انطلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود، فقال: يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا يشهدون أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه يحط اللَّه عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الّذي غضب عليهم قال: فأسكتوا، ما أجابه أحد منهم، ثم ردّ عليهم فلم يجبه منهم أحد، فقال: أبيتم! فو اللَّه لأنا الحاشر، وأنا العاقب، وأنا النبيّ المصطفى، أبيتم أو كذبتم، ثم انصرف وأنا معه حتى كدنا أن نخرج، فإذا رجل من خلفنا يقول: كما أنت يا محمد، فقال ذلك الرجل: أي رجل أعلم بكتاب اللَّه منك ولا أفقه منك، ولا من أبيك قبلك، ولا من جدك قبل أبيك، قال: فإنّي أشهد له باللَّه أنه نبي اللَّه الّذي تجدونه في التوراة، فقالوا: كذبت، ثم ردوا عليه قوله وقالوا فيه شرا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبتم لن يقبل قولكم أما آنفا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذا آمن فكذبتموه وقلتم فيه ما قلتم، فلن نقبل قولكم، قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وعبد اللَّه بن سلام، وأنا، وأنزل اللَّه- تعالى- فيه: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ الآية [ (2) ] . قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه انما اتفقا على حديث حميد، عن أنس أي رجل عبد اللَّه بن سلام فيكم مختصرا.   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 415، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب عبد اللَّه بن سلام الإسرائيلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حديث رقم (5756) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاريّ ومسلم، وإنما اتفقا على حديث حميد عن أنس. [ (2) ] الأحقاف: 10. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 77 وأما معرفة الحبر من أحبار اليهود بإصابة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم في جوابه عما سأله وصدقه في نبوته فخرج مسلم [ (1) ] من حديث الربيع بن نافع، قال: حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد يعني أخاه أنه سمع أبا سلام قال: حدثني أبو أسماء الرحبيّ أن ثوبان مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حدثه قال: كنت قائما عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجاء حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد! فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول: يا رسول اللَّه؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الّذي سماه به أهله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اسمي محمد الّذي سماني به أهلي، فقال اليهودي: جئتك أسالك؟ فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أينفعك شيء إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني، فنكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعود معه فقال: سل؟ فقال اليهودي: أين يكون الناس يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ [ (2) ] ؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هم في الظلمة دون الجسر، قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: فقراء المهاجرين، قال: اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد الحوت، قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الّذي كان يأكل من أطرافها، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا [ (3) ] ، قال: صدقت، قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان، قال: ينفعك إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني، قال: جئت اسألك عن الولد؟ قال: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا [ (4) ] بإذن اللَّه، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا [ (5) ]   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 230- 232، كتاب الحيض، باب (8) بيان صفة مني الرجل والمرأة، وأن الولد مخلوق من مائهما، حديث رقم (315) . [ (2) ] إبراهيم: 48. [ (3) ] الإنسان: 18. [ (4) ] أنجبا ذكرا. [ (5) ] أنجبا أنثى. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 78 بإذن اللَّه، فقال اليهودي: لقد صدقت، إنك لنبيّ، ثم انصرف فذهب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد سألني هذا عن الّذي سألني وما لي علم بشيء منه حتى أتاني اللَّه به، واللَّه- تعالى- أعلم. وخرّجه من حديث يحيى بن حسان قال معاوية بن سلام في هذا الإسناد بمثله، غير أنه قال: كنت قاعدا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: زائده كبد الحوت، وقال أذكر وآنث ولم يقل أذكرا وأنثا [ (1) ] . وخرّجه النسائي من حديث مروان بن محمد، قال معاوية بن سلام: قال: أخبرني أخي أنه سمع جده أبا سلام يقول: حدثني أبو أسماء الرحبيّ، عن ثوبان قال: كنت قاعدا ... الحديث، وفيه: زيادة كبد الحوت وفيه: من أين يكون شبه الولد؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر. وخرّجه الحاكم من حديث ابن أبي توبة الربيع بن نافع، عن معاوية بن سلام به نحوه، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرّج البيهقيّ من حديث يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني المختار بن أبي المختار، عن أبي ظبيان قال: حدثنا أصحابنا أنهم بيناهم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر لهم، فاعترضهم يهودي جعد أحمر متلفف بطيلسان، فقال: فيكم أبو القاسم؟ فيكم محمد؟ فقلنا: إياك، فلما انتهى إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: يا أبا القاسم، إني سائلك عن مسألة لا يعلمها إلا نبي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سأل عما شئت، فقال: من أي الفحلين يكون الولد فصمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى لوددنا أنه لم يسأله، ثم عرفنا أنه قد بين له فقال: من كل يكون، فقال: ما من ماء الرجل؟ وما من ماء المرأة؟ فصمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى لوددنا أنه لم يسأله، ثم عرفنا أنه قد بين له، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما نطفة الرجل فبيضاء غليطة، فمنها العظام والعصب وأما نطفة المرأة فحمراء رقيقة فمنها اللحم والدم. فقال: اشهد إنك رسول اللَّه [ (2) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث رقم (315) بدون رقم. [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 264- 265، باب مسائل الحبر ومعرفته إصابة النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في جواب مسألته وصدقه في نبوته. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 55، حديث رقم (4424) من مسند عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 79 وأما معرفة عصابة من اليهود إصابة مقالته صلى اللَّه عليه وسلم فخرّج أبو داود الطيالسي من حديث عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب قال: حدثني ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: حضرت عصابة من اليهود يوما النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول اللَّه! حدثنا عن خلال نسألك عنهما لا يعلمها إلا نبي، قال: سلوا عم شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة اللَّه، وما أخذ يعقوب على بنيه، إن أنا حدثتكم بشيء تعرفونه صدقا لتبايعني على الإسلام، قالوا: لك ذلك، قال: فسلوني عما شئتم، قالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك: أخبرنا عن الطعام الّذي حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ [ (1) ] ، وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذكر منه حتى تكون الأنثى؟ وأخبرنا كيف هذا الشيء في النوم؟ ومن وليّك من الملائكة؟. قال: فعليكم عهد اللَّه لئن أنا حدثتكم لتبايعني، فأعطوه ما شاء اللَّه من عهد وميثاق. قال: أنشدكم باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى، تعلمون أن إسرائيل- يعقوب- مرض مرضا شديدا طال سقمه، فنذر للَّه نذرا: لئن شفاه اللَّه من سقمه ليحرمنّ أحب الشراب إليه، وأحب الطعام إليه، وكان أحب الشراب إليه ألبان الإبل، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل؟ قالوا اللَّهمّ نعم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اشهد عليهم، قال: أنشدكم باللَّه الّذي لا إله إلا هو الّذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا، كان له الولد والشبه بإذن اللَّه، وإن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن اللَّه، إن علا ماء المرأة ماء الرجل كانت أنثى بأذن اللَّه؟ قالوا: اللَّهمّ: نعم!. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اشهد عليهم، قال: أنشدكم باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا:   [ (1) ] آل عمران: 93. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 80 اللَّهمّ نعم! قال: اللَّهمّ اشهد عليهم، قالوا: أنت الآن حدثنا من وليّك من الملائكة؟ فعندها نجامعك أو نفارقك. قال: وليّي جبريل، ولم يبعث اللَّه نبيا قط إلا وهو وليّه، قالوا: فعندها نفارقك لو كان وليّك غيره من الملائكة لتابعناك وصدقناك، قال فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا: إنه عدونا من الملائكة، فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ-: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ ... [ (1) ] ، ونزلت: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ [ (2) ] .   [ (1) ] البقرة: 97. [ (2) ] البقرة: 90. والخبر أخرجه البيهقيّ في (دلائل النبوة) : 6/ 266- 267، باب ما جاء في مسائل عصابة من اليهود، ومعرفة إصابته صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما قال. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 81 وأما معرفة اليهوديّين صدقه صلّى اللَّه عليه وسلّم في نبوته فخرّج البيهقيّ من طريق يزيد بن هارون قال: أخبرنا شعبة [بن الحجاج] ، عن عمرو بن مرة، عن عبد اللَّه بن سلمة، عن صفوان بن عسال قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي فنسأله، فقال الآخر: لا تقل نبي فإنه إن سمعك تقول: نبي كانت له أربعة أعين، فانطلقا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسألاه عن قول اللَّه- عز وجل- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ [ (1) ] ، قال: لا تشركوا باللَّه شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تفروا يوم الزحف، ولا تقذفوا محصنة- شك شعبة- وعليكم خاصة اليهود- أن لا تعدوا في السبت. فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد إنك نبي، قال: فما يمنعكما أن تسلما قالا: إن داود سأل ربه أن لا يزال في ذريته نبيّ، ونحن نخاف إن تبعناك أن تقتلنا اليهود.   [ (1) ] الإسراء: 101. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 82 وأما اعتراف اليهود بنبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ جاءوه يسألوه عن حد الزاني وشهادة ابن صوريا على يهود فخرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث محمد بن مقاتل المروزيّ قال: حدثنا عبد اللَّه ابن المبارك حدثنا معمر عن الزهري قال: كنت جالسا عند سعيد بن المسيب وعند سعيد رجل وهو يوقره، فإذا هو رجل من مزينة وكان أبوه شهد الحديبيّة، وكان من أصحاب أبي هريرة، قال: قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كنت جالسا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ جاء نفر من يهود وقد زنا رجل منهم وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف فإن أفتانا حدا دون الرجم فعلناه، واحتججنا عند اللَّه حين نلقاه بتصديق نبيّ من أنبيائك! قال مرّة عن الزهري: وإن أمرنا بالرجم عصيناه، فقد عصينا اللَّه فيما كتب علينا من الرجم في التوراة، فأتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل منا زنا بعد ما أحصن؟ فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يرجع إليهم شيئا، وقام معه رجلان من المسلمين حتى أتوا بيت مدراس اليهود، فوجدهم يتدارسون التوراة، فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا معشر اليهود أنشدكم باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة من العقوبة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: نجبه، والتجبية أن يحملوا اثنين على حمار فيولون ظهر أحدهما ظهر الآخر، قال: فسكت حبرهم وهو فتى شاب، فلما رآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صامتا ألظ النشدة، فقال حبرهم: أما إذ نشدتهم فإنا نجد في التوراة الرجم على من أحصن، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: فما أول من ترخصتم أمر اللَّه؟ فقال: زنا رجل منا ذو قرابه بملك من   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 268، باب ما جاء في مسائل اليهوديّين ومعرفتهما بصدق النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في نبوته. وأخرجه الترمذيّ في (السنن) : كتاب الاستئذان، باب ما جاء في قبلة اليد والرجل، رقم (2733) ، وأعاده في تفسير سورة الإسراء عن محمود بن غيلان، وقال: حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأدب عن أبي بكر بن أبي شيبة، ونقله ابن كثير في (البداية والنهاية) عن الإمام أحمد. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 83 ملوكنا فأخر عنه الرجم، فزنى بعده آخر في أسرة من الناس، فأراد ذلك الملك أن يرجمه، فقام قومه دونه فقالوا: لا واللَّه لا ترجمه حتى يرجم فلان ابن عمه فاصطلحوا بينهم على هذه العقوبة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فإنّي أحكم بما في التوراة، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بهما فرجما. قال الزهري: وبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا [ (1) ] . ومن طريق يونس بن بكير عن إسحاق قال: حدثني الزهريّ، قال: سمعت رجلا من مزينة يحدث عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة حدثهم فذكر معنى هذا الحديث يزيد وينقص، فمما زاد أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لابن صوريا: أنشدك باللَّه وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل، هل تعلم أن اللَّه حكم فيمن زنا بعد إحصانه بالرجم في التوراة؟ فقال: اللَّهمّ نعم، أما واللَّه يا أبا القاسم إنهم يعرفون أنك نبي مرسل، ولكنهم يحسدونك. فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأمر بهما فرجما عند باب مسجد بني غنم بن مالك ابن النجار، ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا، فأنزل اللَّه- تعالى-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إلى قوله: سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ [ (2) ] يعني الذين لم يأتوه، تغيبوا وتخلفوا وأمروهم بما أمروهم به من تحريف الكلم عن مواضعه، قال: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ للتجبية وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا [ (3) ] إلى آخر القصة [ (4) ] . قال كاتبه: قد وقعت هذه القصة من رواية البخاريّ، ومسلم، وأبي داود، والنسائيّ، واختلفوا في سياقها.   [ (1) ] المائدة: 44. [ (2) ] المائدة: 41. [ (3) ] المائدة: 41. [ (4) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 269- 271، باب رجوعهم إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في عقوبة الزاني، وما ظهر من ذلك من كتمانهم ما أنزل اللَّه- تعالى- في التوراة من حكمه، وصفة نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 84 فخرّج البخاريّ [ (1) ] ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث مالك عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أنه قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد اللَّه بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبد اللَّه بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجما، فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة. وهذه سياقة البخاري في باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام [ (2) ] . وخرّجه أيضا في كتاب المناقب [ (3) ] ، وذكره النسائي في الحدود [ (4) ] ، وخرّجه مسلم من حديث عبيد اللَّه، عن نافع أن عبد اللَّه بن عمر أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتي بيهوديّ ويهودية قد زنيا، فانطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى جاء يهود فقال: ما تجدون في التوراة على من زنى؟ قالوا: تسود وجوههما ونحملهما، ونخالف بين وجوههما، ويطاف بهما، قال: فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، فجاءوا بها، فقرءوها حتى إذا مروا بآية الرجم، وضع الفتى الّذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ ما بين يديها وما وراءها، فقال له عبد اللَّه بن سلام وهو مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مرة فليرفع يده، فرفعها، فإذا تحتها   [ (1) ] (فتح الباري) : 12/ 203، كتاب الحدود، باب (37) أحكام أهل الذمة وإحصائهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام، حديث رقم (6841) . [ (2) ] راجع التعليق السابق. [ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 782، كتاب المناقب، باب (26) قول اللَّه- تعالى- يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: 146] ، حديث رقم (3635) . [ (4) ] لم أجده في (السنن) ، ولعله في (الكبرى) ، ولكن نسبه المنذريّ إلى النسائيّ. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 85 آية الرجم فأمر بهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجما، قال عبد اللَّه بن عمر: كنت فيمن رجمهما، فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه [ (1) ] . وأخرجاه أيضا من حديث أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، فخرجه البخاريّ في آخر كتاب التوحيد [ (2) ] ، وأخرجاه من حديث موسى بن عقبة، عن نافع عن بن عمر [ (3) ] ، وخرّجه البخاري في الحدود من حديث سليمان: حدثني عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر سياقة مختصرة [ (4) ] . وخرّج مسلم [ (5) ] وأبو داود [ (6) ] والنسائي من حديث معاوية، عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن مرة، عن البراء بن عازب، قال: مر عليّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بيهوديّ محمم مجلو، فدعاهم فقال: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلا من علمائهم فقال: أنشدك باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقال: اللَّهمّ لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك. نجد حدّ الزاني في كتابنا: الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه، وإذا أخذنا الرجل الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 220- 221، كتاب الحدود، باب (6) رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، حديث رقم (26) . [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 631، كتاب التوحيد، باب (51) ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب اللَّه بالعربية وغيرها لقول اللَّه- تعالى- قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، حديث رقم (7543) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 221، كتاب الحدود، باب (6) رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، حديث بدون رقم بين (27) ، (28) . [ (4) ] (فتح الباري) : 12/ 153- 154، كتاب الحدود، باب (24) الرجم في البلاط، حديث رقم (6819) ، والمراد بالبلاط هنا موضع معروف عند باب المسجد النبوي كان مفروشا [ (5) ] ب (لبلاسطم بشرح النووي) : 11/ 221، حديث رقم (28) . [ (6) ] (سنن أبي داود) : 4/ 593- 594، كتاب الحدود، باب (26) في رجم اليهوديّين، حديث رقم (4448) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 86 فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل اللَّه- عز وجل-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [ (1) ] إلى قوله تعالى: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا في اليهود. يقول ائتوا محمدا، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل اللَّه- تعالى-: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [ (2) ] في اليهود، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [ (3) ] في اليهود وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [ (4) ] . وخرّج أبو داود من حديث مجالد، حدثنا عامر، عن جابر بن عبد اللَّه قال: جاءت اليهود برجل منهم وامرأة زنيا، فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم، فأتوه بابني صوريا فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: فما يمنعكما أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالشهود، فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برجمهما [ (5) ] . ومن حديث هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم والشعبي، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، نحوه، لم يذكر فدعا بالشهود فشهدوا [ (6) ] .   [ (1) ] المائدة: 41. [ (2) ] المائدة: 45. [ (3) ] المائدة: 44. [ (4) ] المائدة: 47. [ (5) ] (سنن أبي داود) : 4/ 600- 601، كتاب الحدود، باب (26) في رجم اليهوديّين، حديث رقم (4452) ، وأخرجه ابن ماجة مختصرا في الأحكام، باب شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض، حديث رقم (2374) . [ (6) ] (سنن أبي داود) : 4/ 601، كتاب الحدود، باب (26) في رجم اليهوديّين، حديث رقم (4453) ، وهو حديث مرسل. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 87 ومن حديث هشيم، عن ابن شبرمة، عن الشعبي بنحو منه [ (1) ] . وخرّج أيضا من حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهريّ قال: حدثنا رجل من مزينة من حديث يونس قال: قال محمد بن مسلم: سمعت رجلا من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه، ثم اتفقا: ونحن عند سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وهذا حديث معمر وهو أتمّ، قال: زنى رجل من اليهود وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها، واحتججنا بها عند اللَّه، قلنا: فتيا نبيّ من أنبيائك! قالوا: فأتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فلم يكلمهم حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب فقال: أنشدكم باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد: أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما، ويطاف بهما. قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم سكت ألظّ به النشدة، أنشده فقال: اللَّهمّ إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة آية الرجم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فما أول ما ارتخصتم أمر اللَّه- عز وجل-؟ قال: زنا ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنا رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا: لا ترجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فإنّي أحكم بما في التوراة فأمرهما فرجما [ (2) ] . قال الزهريّ: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم [ (3) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4454) ، وهو حديث مرسل أيضا. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4450) . وألظّ: ألحّ عليه في ذلك وفي الحديث «ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام» . [ (3) ] فيه رجل من مزينة، قال الخطابيّ: لا يعرف، والآية (44) من سورة المائدة، وفي قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فإنّي أحكم بما في التوراة» حجة لمن قال بقول أبي حنيفة، إلا أن الحديث عن رجل لا يعرف، وقد يحتمل أن يكون معناه: أحكم بما في التوراة احتجاجا به عليهم، وإنما حكم بما كان في دينه وشريعته، فذكره التوراة لا يكون علة للحكم. (معالم السنن) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 88 ومن حديث محمد بن إسحاق عن الزهريّ سمعت رجلا من مزينة يحدث عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: زنا رجل وامرأة من اليهود وقد أحصنا حين قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، وقد كان الرجم مكتوبا عليهم في التوراة فتركوه وأخذوا بالتجبية، يضرب مائة بحبل مطليّ بقار، ويحمل على حمار وجهه مما يلي دبر الحمار، فاجتمع أحبار من أحبارهم فبعثوا قوما آخرين إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: سلوه عن حد الزاني وساق الحديث، قال فيه: ولم يكونوا من أهل دينه فيحكم بينهم فخير في ذلك، قال: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [ (1) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4451) ، والآية (42) من سورة المائدة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 89 وأما اعتراف اليهودي بصفته صلّى اللَّه عليه وسلّم في التوراة فخرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث مؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فمرض، فأتاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوده فوجد أباه عند رأسه يقرأ التوراة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا يهودي أنشدك باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى، هل تجد في التوراة نعتي وصفتي ومخرجي؟ قال: لا، قال الفتى: يا رسول اللَّه إنا نجد لك في التوراة نعتك، وصفتك، ومخرجك، وإني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أقيموا هذا من عند رأسه ولوا أخاكم. ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عثمان، حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبيد، عن أبيه قال: إن اللَّه- عز وجل- بعث نبيه لإدخال رجال الجنة، فدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كنيسة فإذا هو بيهود وإذا بيهودي يقرأ التوراة، فلما أتى على صفته أمسك، وفي ناحيتها رجل مريض، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما لكم أمسكتم؟ فقال المريض: إنهم أتوا على صفة نبيّ فأمسكوا، ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة، وقال: ارفع يدك فقرأ حتى أتى على صفته فقال: هذه صفتك وصفة أمتك، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، ثم مات، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لوا أخاكم [ (2) ] . ومن طريق صالح بن عمر، قال: حدثنا عاصم يعني ابن كليب، عن أبيه، عن الفلتان بن عاصم، قال: كنا جلوسا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ شخص بصره إلى رجل فدعاه، فأقبل رجل من اليهود مجتمع عليه قميص وسراويل ونعلان، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: أشهد أني رسول اللَّه؟ قال: فجعل لا يقول شيئا إلا قال: يا رسول اللَّه، فيقول: أتشهد أني رسول اللَّه؟ فيأبى، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتقرأ التوراة؟ قال: نعم، والإنجيل؟ قال: نعم، والفرقان   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 272- 273، باب ما جاء في اليهودي الّذي اعترف بصفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التوراة وأسلم عنده موته، واليهوديّ الّذي اعترف بصفته حين ناشده. [ (2) ] (المرجع السابق) : 272- 273. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 90 ورب محمد لو شئت لقرأته، قال: فأنشدك بالذي أنزل التوراة، والإنجيل وأشياء حلفه بها تجدني فيهما؟ قال: نجد مثل نعتك يخرج من مخرجك كنا نرجو أن يكون فينا، فلما خرجت رأينا أنك هو، فلما نظرنا إذا أنت لست به، قال: من أين؟ قال: نجد من أمتك سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وإنما أنتم قليل، قال: فهلل وكبر، وهلل وكبر، ثم قال: والّذي نفس محمد بيده إني لأنا هو، إن أمتي لأكثر من سبعين ألفا وسبعين وسبعين [ (1) ] . وأما دعاؤه صلى اللَّه عليه وسلم اليهود إلى تمني الموت وإخبارهم أنهم لا يتمنوه أبدا فصدق قوله، ولن يتمنوا الموت فقد قال اللَّه- تعالى-: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [ (2) ] فتضمنت هذه الآية معجزا نبويا، وأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبر اليهود بأنهم لا يتمنون الموت بعد أن تحداهم به، وقد كان يمكنهم أن يبطلوا دعواه بكلمة، وهي أن يقولوا: تمنينا الموت، فلم يفعلوا، فدل على علمهم بصدقة، فصرفهم عن تكذيبه مع سهولته ظاهرا، وتوفر الدواعي عليه. وذلك أن اليهود ادعت أشياء باطلة كقولهم: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً، وقولهم: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى، وقولهم: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، فأكذبهم اللَّه- تعالى- في ذلك وألزمهم، فقال: يا محمد قل إن كانت لكم الدار الآخرة يعني الجنة فتمنوا الموت إن كنتم صادقين في دعواكم لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة كان الموت أحب إليه من الحياة في الدنيا لما يصير إليه من نسيم الجنة، ويزول عنه من   [ (1) ] (المرجع السابق) : 273. [ (2) ] البقرة: 94- 95. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 91 نصب الدنيا، وإذا خافوها فأحجموا عن تمني الموت خوفا وفرقا من اللَّه- تعالى-، العالم يقبح فعالهم وسوء أعمالهم، ولمعرفتهم بكفرهم في قولهم: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ولحرصهم على الدنيا فلما علم اللَّه- سبحانه- منهم ذلك أخبر عنهم بقوله- تعالى-: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يحقق- تعالى- كذبهم للناس فلم يقدم أحد منهم على تمني الموت معجزة من اللَّه- تعالى- لنبيه ولو تمنوه لأظهروه بألسنتهم ليردوا بإظهاره صدق المخبر لهم بذلك، وليبطلوا حجته فيكون تمنيهم للموت أعظم ما يدفعون به نبوته، ويشنعون به عليه من إخباره بما وقع في الوجوه خلافه، لكن اللَّه- سبحانه صرفهم عن تمني الموت وحرصهم على الإمساك يجعل ذلك آية للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد روى أنهم لو تمنوا الموت لماتوا، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار. وحكى عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أن المراد ادعوا بالموت على الكاذب من الفريقين منا ومنكم، فلم يدعوا لعلمهم بكذبهم. وقال الكلبي: عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن كنتم في مقالتكم صادقين فقولوا: اللَّهمّ أمتنا، فو الّذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه، فأبوا أن يفعلوا فكرهوا ما قال لهم فنزل: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يعني عملته أيديهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ أنهم لن يتمنوه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند نزول هذه الآية: واللَّه لا يتمنونه أبدا، والّذي نفسي بيده لو تمنوا الموت لماتوا، فكره أعداء اللَّه الموت فلم يتمنوا جزعا أن ينزل بهم الموت. وقال في قوله- تعالى-: وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً [ (1) ] قال: وإذا ناديتم إلى الصلاة بالأذان والإقامة اتخذوها هزوا ولعبا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ أمر اللَّه. قال: وكان منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا نادى بالصلاة فقام المسلمون إلى الصلاة، قالت اليهود والنصارى: قد قاموا، لا قاموا، فإذا رأوهم ركعا سجدا استهزءوا بهم وضحكوا منهم.   [ (1) ] المائدة: 58. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 92 قال: وكان رجل من اليهود تاجر إذ سمع المنادي ينادي بالأذان قال: أحرق اللَّه الكاذب، قال: فبينا هو كذلك إذا دخلت جاريته بشعلة من نار فطارت شرارة منها في البيت فالتهبت في البيت فأحرقته [ (1) ] . وأما اعتراف نفر من اليهود بموافقة سورة يوسف- عليه السلام- ما في التوراة فروى محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس أن حبرا من أحبار اليهود دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم وكان قارئا للتوراة فوافقه وهو يقرأ سورة يوسف كما أنزلت على موسى في التوراة فقال له الحبر: يا محمد! من علمكها؟ قال: اللَّه علمنيها. فتعجب الحبر لما سمع منه فرجع إلى اليهود فقال لهم: أتعلمون واللَّه إن محمدا ليقرأ القرآن كما أنزل في التوراة؟ فانطلق بنفر منهم حتى دخلوا عليه فعرفوه بالصفة، ونظروا إلى خاتم النبوة فجعلوا يستمعون إلى قراءته لسورة يوسف- عليه السلام- فتعجبوا منه، وقالوا: يا محمد من علمكها؟ فقال علمنيها اللَّه ونزل: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ [ (2) ] يقول: لمن سأل عن أمرهم فأراد أن يعلم علمهم، فأسلم القوم عند ذلك [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 274- 275، باب ما جاء في قول اللَّه عز وجل قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة: 94] ، وإخبار اللَّه تعالى بأنهم لن يتمنوه أبدا فكان كما أخبر، وما روى من احتراق من يهزأ بالأذان، ويدعو على المؤذن بالاحتراق. [ (2) ] يوسف: 7. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 276، ما جاء في تعجب الحبر الّذي سمعه يقرأ سورة يوسف لموافقتها ما في التوراة، وسؤاله من سأل عن أسماء النجوم التي رآها ساجدة له. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 93 وأما تصديق يهودي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في إخباره بأسماء النجوم [التي سجدت] ليوسف عليه السلام في منامه فروى الحكم بن ظهير، عن السدي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أتى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل يقال له بستاني [ (1) ] اليهودي، فقال: يا محمد أخبرني! عن النجوم التي رآها يوسف- عليه السلام- أنها ساجدة له، ما أسماؤها؟ قال: فلم يجبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشيء، فنزل جبريل- عليه السلام- فأخبره، فبعث نبي اللَّه إلى اليهودي، فلما جاءه قال: وأنت تسلم إن أخبرتك؟ قال: نعم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: حرثان أو قال حرثال، وطارق، والذيال، وذو الكنفات، وذوا القرع، ووثاب، وعمودان، وقابس، والضّروح، والمصبّح، والفيلق، والضياء، والنور، رآها في أفق السماء أنها ساجدة له، فلما قص يوسف- عليه السلام- رؤياه على يعقوب قال له: هذا أمر متشتت يجمعه اللَّه من بعد، فقال اليهودي: هذه واللَّه أسماؤها. قال الحكم: الصبا هو الشمس، وهو أبوه والنور هو القمر، وهي أمه. قال البيهقيّ [ (2) ] : تفرد به الحكم ظهير بن وهو عند بعض أهل التفسير. واللَّه- تعالى- أعلم. وأما هلاك من خالف أمر الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البيهقيّ [ (3) ] من طريق عثمان بن سعيد الدارميّ قال: حدثنا الربيع ابن نافع أبو توبة وأبو الجماهير محمد بن عثمان التنوخي قالا: حدثنا الهيثم بن حميد قال: أخبرني راشد بن داود الصنعاني، حدثنا أبو أسماء الرحبيّ، عن   [ (1) ] في بعض المصادر: «بستانه» . [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 277، باب مطلب أسماء النجوم التي سجدت ليوسف- عليه السلام-. [ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 282، باب ما روى فيما أصاب من خالف أمره في الرحيل. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 94 ثوبان مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال في مسير له أنا مدلجون الليلة فلا يرحلن معنا مضعف ولا مصعب، فارتحل رجل على ناقة له صعبة، فسقط فاندقت فخذه فمات، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بلالا فنادى: إن الجنة لا تحل لعاص ثلاثا [ (1) ] . وقال الواقدي [ (2) ] في- غزوة تبوك-: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يخرجن معنا إلا مقو، فخرج رجل على بكر صنعت فصرعه، فقال الناس: الشهيد الشهيد، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مناديا ينادي: لا يدخل الجنة إلا مؤمن أو إلا نفس مؤمنة، ولا يدخل الجنة عاص، وكان الرجل طرحه بعيره بالسويداء [ (3) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 6/ 370، حديث رقم (21859) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 994- 995. [ (3) ] السويداء: موضع على ليلتين من المدينة على طريق الشام، ولها ذكر في سنن أبي داود، كتاب الإمارة، حديث رقم (2958) (معجم البلدان) : 3/ 325، موضع رقم (6788) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 95 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بهلاك المشرك الّذي سال عن كيفية اللَّه- تعالى- فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق ديلم بن غزوان قال: حدثنا ثابت عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا من أصحابه إلى رأس من رءوس المشركين يدعوه إلى اللَّه- عز وجل-، فقال المشرك: هذا الإله الّذي تدعو إليه من ذهب هو أو من فضة أو من نحاس؟! فتعاظم مقالته في صدر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره فقال: ارجع إليه، فرجع إليه فقال له مثل ذلك، فأنزل اللَّه- عز وجل- صاعقة من السماء، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الطريق لا يدري، فرجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه قد أهلك صاحبك وأنزل اللَّه- تعالى- على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ [ (2) ] الآية، قال كاتبه: هذا المشرك هو أربد بن قيس.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 283، باب ما روى في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بما أصاب المشرك الّذي سأل عن كيفية اللَّه- سبحانه- من العذاب. [ (2) ] الرعد: 13. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 96 وأما هلاك من كذب على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإخباره بأن رسله إليه لا تدركه فكان كذلك فقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن رجل، عن سعيد بن جبير، قال: جاء رجل إلى قرية من قرى الأنصار فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسلني إليكم وأمركم أن تزوجوني فلانة، قال: فقال رجل من أهلها: جاءنا هذا بشيء ما نعرفه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنزلوا الرجل وأكرموه حتى آتيكم بخبر ذلك، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر ذلك له، فأرسل عليا والزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فقال: اذهبا فإن أدركتماه فاقتلاه، ولا أراكما تدركانه، قال: فذهبا فوجداه قد لدغته حية فقتلته، فرجعا إلى النبي فأخبراه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من كذب علي فليتبوَّأ مقعده من النار [ (1) ] . قال البيهقي [ (2) ] هذا مرسل، وقد روى من وجه آخر، فذكره من طريق يحيى ابن بسطام قال: حدثني عمر بن فرقد البزار، حدثنا عطاء بن السائب، عن عبد اللَّه بن الحارث أن جد جد الجندعي كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقربه، فأتى اليمن، فعشق فيهم امرأة فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمرني أن تبعثوا إلي بفتاتكم، فقالوا: عهدنا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يحرم الزنا، ثم بعثوا رجلا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليا فقال: ائته، فإن وافقته حيا فأقتله، وإن وجدته ميتا فحرقه بالنار. قال: فخرج جدجد من الليل يستسقي من الماء فلدغته أفعى فقتلته، فقدم علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فوافقه وهو ميت، فحرقه بالنار، فمن ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من كذب علي متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 284، باب ما روى فيما أصاب الّذي كذب عليه، وقوله للذين بعثهما إليه: ولا أراكما تدركانه، فلم يدركانه. [ (2) ] (المرجع السابق) : 285. [ (3) ] حديث: «من كذب علي متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار» متواتر، رواه عن النبي ثمانية وتسعون صحابيا، منهم العشرة، ولا يعرف ذلك لغيره. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 97 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا بما يحدث به نفسه وما يؤول إليه أمره فخرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث بشر بن بكر، عن الأوزاعي، قال: حدثني الرقاشيّ، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ذكروا رجلا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فذكروا قوته في الجهاد واجتهاده في العبادة، فإذا هم بالرجل مقبل، قالوا: هذا الّذي كنا نذكر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده إني لأرى في وجهه سنعة من الشيطان، ثم أقبل فسلم عليهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل حدثت نفسك أن ليس في القوم أحد خير منك؟ قال: نعم، ثم ذهب فاختط مسجدا وصف بين قدميه يصلي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من يقوم إليه فيقتله؟ قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أنا، فانطلق إليه فوجده قائما يصلي، فهاب أن يقتله فانصرف، فقال: يا رسول اللَّه، وجدته قائما يصلي فهبت أن أقتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيكم يقوم إليه قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أنا، فانطلق إليه فصنع كما صنع أبو بكر، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أيكم يقوم إليه فيقتله؟ قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أنا، قال: أنت إن أدركته فذهب فوجده قد انصرف، فرجع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا أول قرن خرج في أمتي، لو قتلته ما اختلف أثناه بعده من أمتي، ثم قال: إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة [ (2) ] ، قال يزيد الرقاشيّ: هي الجماعة.   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 287- 288، باب ما روى في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم الرجل الّذي وصف بالاجتهاد في العبادة بما حدثته نفسه، وبغير ذلك من حاله. [ (2) ] وأخرجه الإمام أحمد، دون ذكر القصة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 98 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم امرأة صامت بما كان منها في صومها فخرج البيهقي من طريق جعفر بن عون، قال: أخبرنا مسعر عن عمرو ابن مرة عن أبي البختري، قال: كانت امرأة في لسانها ذرابة [ (1) ] ، فأتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما أمست دعاها إلى طعامه فقالت له: إني كنت صائمة، فقال: ما صمت، فلما كان اليوم الآخر تحفظت بعض التحفظ، فلما أمست دعاها إلى طعامه، فقالت: أما إني كنت اليوم صائمة، قال: كذبت! فلما كان اليوم الآخر تحفظت ولم يكن منها شيء، فلما أمست دعاها إلى طعامه، قالت: أما إني كنت صائمة. قال اليوم صمت، هذا حديث مرسل [ (2) ] .   [ (1) ] امرأة ذربة- على وزن قربة- وذربة، أي صخابة، حديدة، فاحشة، طويلة اللسان، والذرب اللسان: الفاحش البذيء الّذي لا يبالي ما قال. (لسان العرب) : 1/ 385- 386، مختصرا. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 289، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم المرأة الصائمة، بما كان من شأنها في حفظ لسانها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 99 وأما استغناء أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ببركة اقتدائه في التعفف بقول المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أنس قال: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: أصابنا جوع ما أصابنا مثله قط في جاهلية ولا إسلام! فقالت لي أختي فريعة: اذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسله لنا، فو اللَّه يخيب سائله إنك منه بإحدى اثنتين: إما أن يكون عنده فيعطيك، وإما أن لا يكون عنده، فيقول: أعينوا أخاكم، فلم أكره ذلك، فلما دنوت من المسجد وهو يومئذ ليس له جدار، سمعت صوت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: إن هذا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطب، فكان أول ما فهمت من قوله من يستعف يعفه اللَّه ومن يستغن يغنه اللَّه، فقلت في نفسي: ثكلتك أمك سعد بن مالك، واللَّه لكأنك أردت بهذا. لا جرم والّذي بعثك بالحق لا أسألك شيئا بعد ما سمعت منك، فجلست، فلما فرغ رجعت وفريعة تقبل وتدبر أقصى الآجام إلى بابه قد أدامها الجوع. قال: فلما حصلت ببقيع الزبير أبصرت ليس معى شيء، فلما جئت قالت: مالك؟ فو اللَّه ما يخيب سائله، فأخبرتها بالذي سمعت منه. قالت: فسألته بعد ذلك؟ قلت: لا، قالت: أحسنت، فلما كان من الغد فإنّي واللَّه لأتعب نفسي تحت الأجم إذ وجدت من دراهم يهود فابتعنا به وأكلنا منه، ثم واللَّه ما زال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم محسنا [ (1) ] . قال: رواه هلال بن حصن، عن أبي سعيد إلا أنه قال: فرجعت فما سألت أحدا بعده شيئا، فجاءت الدنيا فما من أهل بيت من الأنصار أكثر أموالا منا.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 290- 291، باب ما جاء في وعده من استعف بالإعفاف، ومن استغنى بالإغناء، ووجود صدقة أبي سعيد الخدريّ وغيره. وأخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب (20) الصبر عن محارم اللَّه، ومسلم في كتاب الزكاة، والإمام أحمد في (المسند) : 4/ 227. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 100 ومن حديث عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي [ (1) ] سلمة، عن أبي سعيد الخدريّ قال: جئت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأنا أريد أن أسأله فوجدته جالسا على المنبر يخطب الناس: من يستعفف يعفه اللَّه، ومن يستغن يغنه اللَّه، فرجعت وقلت: لا أسأله فلانا أكثر قومي مالا. واللَّه تعالى اعلم [ (2) ] . وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم وابصة الأسدي بما جاء يسأله عنه قبل أن يسأله فخرّج البيهقيّ من حديث ابن وهب قال: حدثني معاوية، عن أبي عبد اللَّه محمد الأسدي، أنه سمع وابصة الأسدي قال: جئت لأسأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن البر والإثم فقال من قبل أن أسأله: جئت يا وابصة تسألني عن البرّ والإثم؟ قلت: إي، والّذي بعثك بالحق إنه للذي جئت أسألك عنه، فقال: البر ما انشرح له صدرك، والإثم ما حاك في نفسك، وإن أفتاك عنه الناس [ (3) ] . ومن طريق الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد ابن سلمة، عن الزبير أبي عبد السلام، عن أيوب بن عبد اللَّه- يعني ابن مكرز- عن وابصة، قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه. فجعلت أتخطى الناس، فقالوا: إليك يا وابصة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم! فقلت: دعوني أدن منه [فإنه من أحب الناس إليّ أن ادنو]   [ (1) ] كذا في (الأصل) ، وفي (دلائل البيهقيّ) : «عن سلمة» . [ (2) ] (المرجع السابق) : 291. [ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 292، باب ما روى في إخبار النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم السائل بما أراد أن يسأله قبل سؤاله. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) من حديث أبي عبد الرحمن السلمي عن وابصة، الأسديّ. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 101 [منه] [ (1) ] ، فقال: أدن يا وابصة، أدن يا وابصة، فدنوت حتى مست ركبتي ركبته فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا وابصة أخبرك بما جئت تسألني عنه، فقلت: أخبرني يا رسول اللَّه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: جئت تسألني عن البر والإثم؟ قلت: نعم، فجمع أصابعه فجعل ينكت بها في صدري ويقول: يا وابصة استفت قلبك، استفت نفسك، البر ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك [ (2) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلين عن ما أتيا يسألانه عنه قبل أن يسألاه فخرج البيهقي من طريق خلاد بن يحيى قال: حدثنا عبد الوهاب، عن مجاهد، وخرجه ابن حبان في (صحيحه) من حديث القاسم بن الوليد، عن سنان بن الحارث بن مصرف، عن طلحة بن مصرف، عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كنت جالسا عند نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجاءه رجلان، أحدهما أنصاري، والآخر ثقفي، فابتدر المسألة للأنصاريّ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أخا ثقيف، إن الأنصاري قد سبقك بالمسألة، فقال الأنصاري: يا رسول اللَّه فإنّي أبدأ به، فقال: سل عن حاجتك، وإن شئت أنبأناك بالذي جئت تسأل عنه، قال: ذاك أعجب إلى يا رسول اللَّه! قال: فإنك جئت تسألني عن صلاتك بالليل، وعن ركوعك، وعن سجودك، وعن صيامك، وعن غسلك من الجنابة، فقال: والّذي بعثك بالحق إن ذلك الّذي جئت أسأل عنه. قال: أما صلاتك بالليل فصل أول الليل وآخر الليل، ونم وسطه. قال: أفرأيت يا رسول اللَّه إن صليت وسطه؟ قال: فأنت ذا إذا. قال: وأما ركوعك فإذا أردت فاجعل كفيك على ركبتيك، وأفرج بين أصابعك، ثم ارفع رأسك فانتصب قائما حتى يرجع كل عظم إلى مكانه، فإذا سجدت فأمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر، وأما صيامك فصم الليالي البيض: يوم ثلاثة عشر، ويوم أربعة عشر، ويوم خمسة عشرة.   [ (1) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط. [ (2) ] (المرجع السابق) : 292- 293، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 288. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 102 ثم أقبل الأنصاري فقال: يا أخا الأنصار سل عن حاجتك وإن شئت أنبأناك بالذي جئت تسأل عنه. قال: فذلك أعجب، إلي يا رسول اللَّه! قال: فإنك جئت تسأل عن خروجك من بيتك تؤم البيت العتيق وتقول: ماذا لي فيه؟ وعن وقوفك بعرفات، وتقول: ماذا لي فيه؟ وعن حلقك رأسك، وتقول: ماذا لي فيه؟ وعن طوافك بالبيت، وتقول: ماذا لي فيه؟ وعن رميك الجمار، وتقول ماذا لي فيه؟ قال: إي والّذي بعثك بالحق، إن هذا الّذي جئت أسألك عنه. قال أما خروجك من بيتك تؤم البيت، فإن لك بكل موطأة تطؤها راحلتك أن تكتب لك حسنة وتمحى عنك سيئة، وإذا وقفت بعرفات، فإن اللَّه- تعالى- ينزل إلى السماء الدنيا فيقول للملائكة: هؤلاء عبادي جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي، وهم لم يروني فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج ذنوبا أو قطر السماء أو عدد أيام الدنيا، غسلها عنك، وأما رميك الجمار فإن ذلك مدخور لك عند ربك، فإذا حلقت رأسك، فإن لك بكل شعرة تسقط من رأسك أن تكتب لك حسنة وتمحى عنك سيئة، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك ليس عليك منها شيء [ (1) ] . قال البيهقي: وله [شاهد بإسناد] حسن فذكر من طريق القاسم بن الوليد الجندعي، عن سنان بن الحارث بن مصرف، عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمر، قال: جاء رجل من الأنصار وأظنه رجل من ثقيف إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا نبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمات أسألك عنهن تعلمنيهن، فذكر الحديث بمعناه إلا أنه قال: وإذا رمى الجمر فإن أحدا لا يدري ماله حتى يوفاه يوم القيامة، وقال في الطواف: خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه [ (2) ] . قال: روى ذلك عن أنس بن مالك، فذكره من طريق مسدد قال: حدثنا عطاف بن خالد المخزومي، حدثنا إسماعيل بن رافع، عن أنس بن مالك-- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (3) ] قال: كنت جالسا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسجد الخيف فأتى رجل من الأنصار ورجل من   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 293- 294، باب ما روى في إخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم السائل بما أراد أن يسأله عنه قبل سؤاله. [ (2) ] (المرجع السابق) : 294. [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 103 ثقيف فسلما عليه ودعوا له دعاء حسنا، ثم قالا: جئناك يا رسول اللَّه نسألك، قال: إن شئتما أن أخبركما بما تسألاني عنه، فعلت وإن شئتما أن أسكت وتسألاني فعلت، قالا: أخبرنا يا رسول اللَّه نزدد إيمانا أو نزدد يقينا- شك إسماعيل- فذكر الحديث في إخباره بما أرادا أن يسألا عنه بنحو من حديث ابن عمر إلا أنه زاد ذكر الطواف الأول فقال:. وأما طوافك، بالبيت فإنك لا تضع رجلا ولا ترفعها إلا وكتب اللَّه لك بها حسنة، ومحا عنك بها خطيئة، ويرفع لك بها درجة، وأما ركعتان بعد الطواف، فإنّها كعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة، ثم ذكر الوقوف، ثم قال: وأما رميك الجمار، فلك بكل حصاة ترميها كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات، وأما نحرك، فمدخور لك عند ربك، ثم ذكر ما بعده وقال: فقال الثقفي: أخبرني يا رسول اللَّه قال: جئت تسألني عن الصلاة، فإذا غسلت وجهك، انتثرت الذنوب عن رأسك، فإذا غسلت رجليك انتثرت الذنوب من أظفار قدميك، ثم إذا قمت إلى الصلاة فاقرأ من القرآن ما تيسر، ثم إذا ركعت فأمكن يديك من ركبتيك، وافرق بين أصابعك حتى تطمئن راكعا، ثم سجدت فأمكن وجهك من السجود حتى تطمئن ساجدا، وصل من أول الليل وآخره قال: يا رسول اللَّه، أفرأيت إن صليت الليل كله قال: فإنك إذا أنت [ (1) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم رجالا من أهل الكتاب عن ذي القرنين قبل أن يسألوه فخرج البيهقي من طريق عبد اللَّه بن مسلمة القعنبي قال: حدثنا عبد اللَّه ابن عمر بن حفص بن عاصم، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن سعد ابن مسعود، عن رجلين من كندة من قومه، قالا: استطلنا يوما فانطلقنا إلى عقبة بن عامر الجهنيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فوجدناه في ظل داره جالسا، فقلنا: إنا استطلنا يوما فجئنا نتحدث عندك فقال: وأنا استطلت يومي فخرجت إلى هذا الموضع.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 295. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 104 قال: ثم أقبل علينا فقال: كنت أخدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرجت ذات يوم فإذا أنا برجال من أهل الكتاب بالباب معهم مصاحف فقالوا: من يستأذن لنا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فدخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته فقال: ما لي ولهم يسألوني عما لا أدري؟ أنا عبد لا أعلم إلا ما علمني ربي، ثم قال: أبغني وضوءا، فأتيته بوضوء، فتوضأ، ثم خرج إلى المسجد فصلّى ركعتين، ثم انصرف فقال لي وأنا لا أرى السرور والبشر في وجهه: أدخل القوم علي ومن كان من أصحابي فأدخله أيضا علي، فأذنت لهم فدخلوا فقال: إن شئتم أخبرتكم عما جئتم تسألونني عنه من قبل أن تكلموا وإن شئتم، فتكلموا قبل أن أقول، قالوا: بل أخبرنا. قال: جئتم تسألونني عن ذي القرنين، إن أول أمره أنه كان غلاما من الروم أعطي ملكا، فسار حتى أتى ساحل أرض مصر فابتنى مدينة يقال لها الإسكندرية، فلما فرغ من شأنها بعث اللَّه إليه ملكا، ففزع به فاستعلى بين السماء، ثم قال له: انظر ما، تحتك؟ فقال: أرى مدينتين، ثم استعلا به ثانية، ثم قال: انظر ما تحتك؟ فنظر فقال: ليس أرى شيئا، فقال له: المدينتين وهو البحر المستدير، وقد جعل اللَّه لك مسلكا تسلك به فعلم الجاهل وثبت العالم. قال: ثم جوزه فابتنى السد جبلين زلقين لا يستقر عليهما شيء، فلما فرغ منهما سار في الأرض فأتي على أمة أو على قوم وجوههم كوجوه الكلاب، فلما قطعهم أتى على قوم قصار، فلما قطعهم أتى على قوم من الحيات تلتقم الحية منها الصخرة العظيمة، ثم أتى على الغرانيق وقرأ هذه الآية: وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً [ (1) ] ، فقالوا: هكذا نجده في كتابنا [ (2) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بما دفن مع أبي رغال فخرج البيهقي من حديث يحيى بن معين قال حدثنا وهب بن جرير: قال: أخبرني أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير قال: سمعت عبد اللَّه بن عمرو يقول: سمعت رسول اللَّه   [ (1) ] الكهف: 84- 85. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 295- 296. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 105 صلّى اللَّه عليه وسلّم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال: هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من! ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه، فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن [ (1) ] . ومن حديث يزيد بن زريع حدثنا روح بن القاسم، عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير، عن عبد اللَّه بن عمرو، أنهم كانوا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر أو مسير، فمروا بقبر فقال: هذا قبر أبي، رغال كان من قوم ثمود، فلما أهلك اللَّه قومه بما أهلكهم به منعه بمكانه من الحرم، فخرج حتى بلغ ذا المكان أو الموضع فمات، فدفن معه قضيب من ذهب فابتدرناه، فاستخرجناه [ (2) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أمر السفينة فخرج البيهقي من حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر قال: بلغني أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان جالسا في أصحابه يوما، فقال: اللَّهمّ أنج أصحاب السفينة، ثم مكث ساعة فقال: قد استمرت، فلما دنوا من المدينة قال: قد جاءوا يقودهم رجل صالح، قالوا: والذين كانوا في السفينة، قالوا: الأشعريون والّذي قلدهم عمرو بن الحمق الخزاعي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أين جئتم؟ قالوا: من زبيد قال: بارك اللَّه في زبيد قالوا: وفي رمع [ (3) ] قال: بارك اللَّه في زبيد، قالوا: وفي رمع يا رسول اللَّه، قال: في الثالثة وفي رمع. قال البيهقي: وفي هذا إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن احتباس السفينة وإشرافها على الغرق، ثم دعاؤه لها إيابا بالنجاة، ثم إخباره عن استمرارها ونجاتها، ثم بقدومها، ثم بمن يقودهم فكان الجميع كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم [صلاة لا تنقطع] [ (4) ] . قال كاتبه: هذه سبعة أعلام من أعلام النبوة.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 297، باب إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن قبر أبي رغال وما فيه من الذهب. [ (2) ] (المرجع السابق) : 297. [ (3) ] رمع: قرية باليمن، وفي (الأصل) : «زمع» . [ (4) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) : 6/ 298، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أمر السفينة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 106 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بإسلام أبي الدرداء عند ما أقبل خرج البيهقي [ (1) ] من طريق عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرني معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير قال: كان أبو الدرداء يعبد صنما في الجاهلية، وأن عبد اللَّه بن رواحة، ومحمد بن مسلمة دخلا بيته فكسرا صنمه، فرجع أبو الدرداء فجعل يجمع صنمه ويقول: ويحك! هلا دفعت عن نفسك؟ فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أحدا أو يدفع عن أحد دفع عن نفسه ونفعها، فقال أبو الدرداء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أعدي شيئا في المغتسل، فجعلت له ماء فاغتسل وأخذ حلته فلبسها، ثم ذهب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فنظر إليه ابن رواحة مقبلا فقال: هذا أبو الدرداء، وما أراه جاء إلا في طلبنا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا، إنما جاء يسلم فإن ربي [عز وجل] [ (2) ] وعدني بأبي الدرداء أن يسلم.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 301، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بإسلام أبي الدرداء فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم، باختلاف يسير في اللفظ. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 107 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بحال من نحر نفسه فخرج أبو داود [ (1) ] من حديث زهير، حدثنا سماك، حدثني جابر بن سمرة، قال: مرض رجل فصيح عليه، فجاء جاره إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: إنه قد   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 3/ 526، كتاب الجنائز، باب (51) الإمام لا يصلي على من قتل نفسه، حديث رقم (3185) ، والمشقص جمعه مشاقص، وهو نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض. وأخرجه مختصرا بمعناه: مسلم في الجنائز، حديث رقم (978) ، والنسائي في الجنائز، حديث رقم (1966) ، باب ترك الصلاة على من قتل نفسه، والترمذي في الجنائز، حديث رقم (1068) ، باب من قتل نفسه، لم يصل عليه، وابن ماجة في الجنائز، حديث رقم (1068) ، باب من قتل نفسه، لم يصل عليه، وابن ماجة في الجنائز، حديث رقم (1526) باب الصلاة على أهل القبلة. وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 90، حديث رقم (20292) وحديث رقم (20376) ، وحديث رقم (20404) كلهم من حديث جابر بن سمرة. وقد اختلف الناس في هذا، فكان عمر بن عبد العزيز لا يرى الصلاة على من قتل نفسه، وكذلك قال الأوزاعي، وقال أكثر الفقهاء: يصلّى عليه. قال الخطابي: كان الزهري يقول: يصلّى على الّذي يقاد منه في حد، ولا يصلي على من قتل في رجم، وقد روى عن علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه أمر أن يصلي على شراحة وقد رجمها، وهو قول أكثر العلماء. وقال الشافعيّ: لا تترك الصلاة على أحد من أهل القبلة، برا كان أو فاجرا وقال أصحاب الرأي والأوزاعي: يغسل المرجوم ويصلى عليه، وقال مالك: من قتله الإمام في حد من الحدود فلا يصلي عليه الإمام، ويصلي عليه أهله إن شاءوا أو غيرهم. وقال أحمد: لا يصلي الإمام على قاتل ولا غال. وقال أبو حنيفة: من قتل من المحاربين أو صلب لم يصل عليه، وكذلك الفئة الباغية لا يصلى على قتلاهم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 108 مات، قال: وما يدريك؟ قال: أنا رأيته، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنه لم يمت، قال: فرجع فصيح عليه، فجاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إنه قد مات، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه لم يمت، فرجع، فصيح عليه، فقالت امرأته: انطلق إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، فقال الرجل: اللَّهمّ العنة، قال ثم انطلق الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشاقص معه فانطلق إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره أنه قد مات، فقال: وما يدريك؟ قال: رأيته ينحر نفسه بمشقص، معه، قال: أنت رأيته؟ قال نعم، قال: إذا لا أصلّي عليه. فانطلق إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره. وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ما صار إليه أمر ماعز بن مالك الأسلمي فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق حديث الفيد بن القاسم قال: سمعت الجعد بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن ماعز حدثه أن ماعزا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فكتب له كتابا أن ماعزا أسلم آخر قومه، وأنه لا يجني عليه إلا يده، فبايعه على ذا. قال كاتبه: وماعزا هذا هو الّذي اعترف على نفسه بالزنا تائبا منيبا، وكان محصنا، فرجم رحمة اللَّه عليه، وكانت هذه القصة هي التي أشار إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله في الحديث: وأنه لا يجني عليه إلا يده، وحديث رجم ماعز في (الصحيحين) وغيرهما [ (2) ] .   [ () ] وذهب بعض أصحاب الشافعيّ إلى أن تارك الصلاة إذا قتل لم يصل عليه، ويصلي على من سواه، ممن قتل في حد أو قصاص. (معالم السنن) . [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 303، باب ما جاء في إشارته إلى ما صار إليه أمر ماعز بن مالك، وفي هامشه: هو ماعز آخر غير ماعز بن مالك الأسلمي، أفرده البخاري والبغوي، وجوز ابن مندة أن يكون واحدا، والخبر ذكره ابن حجر في ترجمته من (الإصابة) ، نقلا عن البخاري في (التاريخ الكبير) . [ (2) ] سبق تخريج هذه الأحاديث في باب من رجمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من هذا الكتاب. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 109 وأما إخباره [صلّى اللَّه عليه وسلّم] رجلا قال في نفسه شعرا بما قال في نفسه فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق أبي دجانة أحمد بن الحكم المعافري، حدثنا عبيد بن خلصة، حدثنا عبد اللَّه بن عمر المدني، عن المنكدر بن محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه! إن أبي يريد أن يأخذ مالي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادعه ليه، قال: فجاء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن ابنك يزعم أنك تأخذ ماله، فقال: سله، هل هو إلا عماته، أو قراباته، أو ما أنفقه على نفسي وعيالي؟ قال: فهبط جبريل الأمين- عليه السلام-، فقال: يا رسول اللَّه! إن الشيخ قد قال في نفسه شيئا لم تسمعه أذناه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلت في نفسك شيئا لم تسمعه أذناك؟ قال: لا يزال يزيدنا بك بصيرة ويقينا، نعم قلت قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هات، فأنشأ يقول فيه شعرا. قال: فبكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأخذ بتلبيب ابنه، وقال: أنت ومالك لأبيك. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي شهم بما كان منه فخرج البيهقي [ (2) ] من طريق هريم بن سفيان، عن بيان، عن قيس بن أبي سهم قال: مرت بي امرأة بالمدينة فأخذت بكشحها قال: فأصبح الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم يبايع الناس، قال: فأتيته [فسلمت عليه] فلم يبايعني، وقال: صاحب الجبيذة بالأمس؟ قال: قلت: واللَّه لا أعود فبايعني.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 304- 305، باب ما جاء في إخباره من قال في نفسه شعرا في الشكاية عن ولده بذلك إن صحت الرواية، قال البزار: يعرف عن هشام ابن المنكدر مرسلا، وقال الهيثمي: فيه ضعيف، وقال العقيلي: ضعيف. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 306، باب ما جاء في إخبار صاحب الجبيذة بصنيعه، وما ثبت عن بن عمر أنهم كانوا يتقون الكلام والانبساط، مخافة أن ينزل فيهم القرآن بما قالوا وفعلوا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 110 وخرجه الحاكم [ (1) ] من طريق هريم به نحوه، وقال: هذا حديث صحيح [الإسناد] على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] . ومن طريق محمد بن أبان الواسطي قال: حدثنا يزيد بن عطاء، عن بيان ابن بشر، عن قيس بن أبي حازم، عن شهم [ (2) ] ، قال: رأيت جارية في بعض طرق المدينة فأهويت بيدي إلى خاصرتها، فلما كان من الغد أتى الناس إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ليبايعوه فبسطت يدي فقلت: بايعني يا رسول اللَّه، قال: أنت صلحب الجبذة أمس؟ أما إنك صاحب الجبذة أمس، قال: قلت: يا رسول اللَّه بايعني فو اللَّه لا أعود أبدا، قال: فنعم إذا [ (3) ] . وقد خرج البخاري من حديث أبي نعيم قال: حدثنا سفيان، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خشية أن ينزل فيها شيء فلما توفي تكلمنا وانبسطنا [ (4) ] . وفي رواية محمد بن يوسف الفريابي قال: ذكر حصن، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر: كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا مخافة أن ينزل فينا القرآن، فلما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تكلمنا [ (5) ] . ولابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: تاللَّه لقد كان أحدنا يكف عن   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 418، كتاب الحدود، حديث رقم (8134) وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] في (دلائل البيهقي) : «شهم» ، وفي (المستدرك) : «سهم» . [ (3) ] (المرجع السابق) : 306. [ (4) ] أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب (80) الوصاة بالنساء، حديث رقم (5187) ، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الجنائز، باب (65) ذكر وفاته ودفنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (1632) ، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) . [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 307. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 111 الشيء مع امرأته، وهو وإياها في ثوب واحد، تخوفا أن ينزل فيهم شيء من القرآن [ (1) ] ، وهذا يؤيد حديث أبي شهم ويقويه. وأما إطلاعه صلّى اللَّه عليه وسلّم على شاة دعي لأكلها وهو يأكلها أنها أخذت بغير حق فخرّج أبو داود من حديث عاصم بن كليب، عن أبيه، عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جنازة فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على القبر يوصي الحافر: أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء، وجيء بالطعام فوضع يده، ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلوك لقمة في فيه، ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة: يا رسول اللَّه إني أرسلت إلى البقيع تشتري لي شاة، فلم توجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل بها إليّ بثمنها فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إليّ بها. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أطعميه للأسارى [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد [ (3) ] من حديث حماد، عن حميد، عن أبي المتوكل، عن جابر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه مروا بامرأة فذبحت لهم شاة واتخذت لهم طعاما فلما رجع قالت: يا رسول اللَّه إنا اتخذنا لكم طعاما فادخلوا فكلوا، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه- وكانوا لا يبدءون حتى يبتدئ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لقمة فلم يستطع أن يسيغها، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذه الشاة ذبحت بغير إذن أهلها؟ فقالت المرأة: يا رسول اللَّه إنا لا نحتشم من آل سعد بن معاذ ولا يحتشمون منا، فنأخذ منهم ويأخذون منا.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 307. [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 310، باب امتناع النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أكل الشاة التي أخذت بغير إذن مالكها، وما ظهر في ذلك من حفظ اللَّه- تعالى- رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أكل الحرام. [ (3) ] (مسند أحمد) : 4/ 316، حديث رقم (14371) من مسند جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 112 وعند النسائي بعضه، وخرّجه الحاكم [ (1) ] بطوله من حديث حماد به نحوه وقال: حديث صحيح على شرط مسلم.   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 262، كتاب الذبائح، حديث رقم (7579) ، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : على شرط مسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 113 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بوقعة ذي قار في يوم الوقعة وأن نصرة العرب على فارس كانت به [ (1) ] ذكر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه لما بلغه ما كان من هزيمة ربيعة جيش كسرى، قال: هذا أول يوم انتصف العرب من العجم، وبي نصروا. وهو يوم قراقر، ويوم الجبابات، ويوم ذي العجرم، ويوم الغذوان، ويوم البطحاء، بطحاء ذي قار، وكلهن حول ذي قار. فحدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال: حدثني أبو المختار فراس ابن خندق- أو خندقة- وعدة من علماء العرب قد سماهم، أن الّذي جر يوم ذي قار، قتل النعمان بن المنذر اللخمي عدي بن زيد العبادي، وكان عدي من تراجمة أبرويز كسرى بن هرمز. وكان سبب قتل النعمان بن المنذر عدي بن زيد، ما ذكر لي عن هشام بن محمد، قال: سمعت إسحاق بن الجصاص- وأخذته من كتاب حماد وقد ذكر أبي بعضه- قال: ولد زيد بن حماد بن زيد بن أيوب بن مجروف بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم ثلاثة: عديا الشاعر، وكان جميلا شاعرا خطيبا، وقد قرأ كتب العرب والفرس، وعمارا- وهو أبي- وعمرا- وهو سمي- ولهم أخ من أمهم، يقال له عدي بن حنظلة من طيِّئ، وكان عمار يكون عند كسرى، فكان أحدهما يشتهي هلاك عدي بن زيد، وكان الآخر يتدين في نصرانيته، وكانوا أهل بيت يكونون مع الأكاسرة لهم معهم أكل [ (2) ] وناحية، يقطعونهم القطائع، [ويجزلون صلاتهم] [ (3) ] ، وكان المنذر بن المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان في حجر عدي، فهم الذين أرضعوه [وربوه، وكان المنذر ابن آخر يقال له «الأسود» ، أمه مارية بنت الحارث بن جلهم من تيم الرباب، فأرضعه] [ (4) ] ، ورباه قوم من أهل الحيرة يقال لهم: بنو   [ (1) ] سياق هذا الفضل مضطرا في (الأصل) واستدركناه من (تاريخ الطبري) و (الكامل في تاريخ لابن الأثير) . [ (2) ] الأكل هنا: الرزق، يقال: فلان ذو أكل، إذا كان ذا رزق وحظ واسع في الدنيا. [ (3) ] تكملة من الأغاني فيما رواه عن هشام الكلبي. [ (4) ] تكملة من الأغاني فيما رواه عن هشام الكلبي. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 114 مرينا، ينسبون إلى لخم، وكانوا أشرافا. وكان للمنذر بن المنذر سوى هذين من الولد عشرة، وكان يقال لولده كلهم الأشاهب [ (1) ] ، من جمالهم، فذلك قول الأعشى: وبنو المنذر الأشاهب بالحيرة ... يمشون غدوة بالسيوف وكان النعمان أحمر أبرش [ (2) ] قصيرا، وكانت أمه يقال لها: سلمى بنت وائل بن عطية الصائغ من أهل فدك، وكانت أمة للحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب من كلب، وكان قابوس بن المنذر الأكبر عم النعمان وإخوته، بعث كسرى بن هرمز بعديّ بن زيد وإخوته، فكانوا في كتّابه يترجمون له، فلما مات المنذر بن المنذر، وترك ولده هؤلاء الثلاثة عشر، جعل على أمره كله إياس بن قبيصة الطائي [وملكه على الحيرة إلى أن يرى كسرى رأيه] فكان عليه أشهرا، وكسرى في طلب رجل يملكه على العرب، ثم إن سكره بن هرمز دعا عدي بن زيد، فقال له: من بقي من بني المنذر؟ وما هم؟ وهل فيهم خير؟ فقال: بقيتهم في ولد هذا الميت المنذر بن المنذر، وهم رجال، فقال: ابعث إليهم، فكتب فيهم فقدموا عليه، فأنزلهم على عدي ابن زيد، فكان عدي يفضل إخوة النعمان عليه في النزل، وهو يريهم أنه لا يرجوه، ويخلو بهم رجلا رجلا، ويقول لهم: إن سألكم الملك: أتكفونني العرب؟ فقولوا: نكفيكهم إلا النعمان، وقال للنعمان: إن سألك الملك: عن إخوتك فقل له: إن عجزت عنهم، فأنا عن غيرهم أعجز، وكان من بني مرينا رجل يقال له عدي بن أوس بن مرينا، وكان ماردا شاعرا، وكان يقول للأسود [بن المنذر] [ (3) ] : إنك قد عرفت أني لك راج، وأن طلبتي ورغبتي إليك أن تخالف عديّ بن زيد، فإنه واللَّه لا ينصح لك أبدا، فلم يلتفت إلى قوله. فلما أمر كسرى عدي بن زيد أن يدخلهم عليه، جعل يدخلهم عليه، جعل يدخلهم عليه رجلا رجلا، فيكلمه، فكان يرى رجالا فلما رأى مثلهم، فإذا   [ (1) ] قال في (القاموس) : «والأشاهب بنو المنذر لجمالهم» ، وقال شارحه: «سموا بذلك لبياض وجوههم» . [ (2) ] الأبرش: الأرقط، وهو الّذي يكون فيه بقعة بيضاء وأخرى أي لون كان. [ (3) ] زيادة للسياق من (ابن الأثير) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 115 سألهم هل تكفونني ما كنتم تلون؟ قالوا: نكفيك العرب إلا النعمان. فلما دخل عليه النعمان رأى رجلا دميما فكلمه، وقال له: أتستطيع أن تكفيني العرب؟ قال: نعم، قال: فكيف تصنع في بإخوتك؟ قالوا: إن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز. فمكله وكساه، وألبسه تاجا قيمته ستون ألف درهم، فيه اللؤلؤ والذهب. فلما خرج- وقد ملك- قال عدي بن أوس بن مرينا للأسود: دونك فإنك قد خالفت الرأى. ثم إن عديّ بن زيد صنع طعاما في بيعة، ثم أرسل إلى ابن مرينا أن ائتني بمن أحببت، فإن لي حاجة، فأتاه في ناس فتغدّوا في البيعة، وشربوا، وقال عديّ [بن زيد] لعدي بن مرينا: يا عدي إن أحق من عرف الحق، ثم لم يلم عليه، من كان مثلك، أنى قد عرفت أن صاحبك الأسود بن المنذر كان أحب إليك أن يملك من صاحبي النعمان، فلا تلمني على شيء كنت على مثله، وأنا أحب ألا تحقد عليّ شيئا لو قدرت عليه ركبته، وأنا أحب أن تعطيني من نفسك ما أعطيتك من نفسي، فإن نصيبي من هذا الأمر ليس بأوفر من نصيبك، فقام عديّ بن زيد إلى البيعة فحلف ألا يهجوه ولا يبغيه غائلة أبدا، ولا يزوي عنه خبرا أبدا، فلما فرغ عديّ بن زيد قام عدي بن مرينا، فحلف على مثل يمينه ألا يزال يهجوه أبدا، ويبغيه الغوائل ما بقي، وخرج النعمان حتى نزل منزله بالحيرة، فقال عديّ بن مرينا لعديّ بن زيد فقال فيه شعرا. وقال عدي بن مرينا للأسود: [أما] إذ لم تظفر فلا تعجز أن تطلب بثأرك من هذا المعدى، الّذي عمل بك ما عمل فقد كنت أخبرك أن معدا لا ينام مكرها، أمرتك أن تعصيه فخالفتني، قال: فما تريد؟ قال: أريد ألا يأتيك فائدة من مالك وأرضك إلا عرضتها عليّ، ففعل. وكان ابن مرينا كثير المال والضيعة، فلم يك في الدهر يوم إلا على باب النعمان هدية من ابن مرينا، فصار من أكرم الناس عليه، وكان لا يقضي في ملكه شيئا إلا بأمر عدي بن مرينا، وكان إذا ذكر عدي بن زيد عنده أحسن عليه الثناء، وذكر فضله، وقال: إنه لا يصلح المعدي إلا أن يكون فيه مكر وخديعة، فلما رأى من يطيف بالنعمان منزلة ابن مرينا عنده لزموه وتابعوه، فجعل يقول لمن يثق به من أصحابه: إذا رأيتموني أذكر عديّ بن زيد عند الملك بخير فقولوا: إنه لكما تقول، ولكنه لا يسلم عليه أحد، وإنه ليقول: إن الملك- يعني النعمان- عامله، وإنه ولاه ما ولاه، فلم يزالوا بذلك حتى الجزء: 14 ¦ الصفحة: 116 أضغنوه عليه، وكتبوا كتابا على لسان عدي إلي قهرمان [ (1) ] لعدي، ثم دسوا له، حتى أخذوا الكتاب، ثم أتى به النعمان فقرأه، فأغضبه، فأرسل إلى عدي بن زيد: عزمت عليك إلا زرتني، فإنّي قد اشتقت إلى رؤيتك! وهو عند كسرى فاستأذن كسرى، فأذن له، فلما أتاه لم ينظر إليه حتى حبس في محبس لا يدخل عليه فيه أحد، فجعل عدي بن زيد يقول الشعر وهو في السجن، فكان أول ما قال في السجن من الشعر: ليت شعري عن الهمام ويأتيك ... بخبر الأنباء عطف السؤال فقال أشعارا، وكان كلما قال عدي من الشعر، بلغ النعمان وسمعه ندم على حبسه إياه، فجعل يرسل إليه ويعده ويمنيه ويفرق أن يرسله فيبغيه الغوائل، فقال عدي: أرقت لمكفهر بات فيه ... بوارق يرتقين رءوس شيب وقال أيضا: «طال ذا الليل علينا واعتكر [ (2) ] » وقال أيضا: «ألا طال الليالي والنهار» وقال حين أعياه ما يتضرع إلى النعمان أشعارا، يذكره فيها الموت، ويخبره من هلك من الملوك قبله، فقال: «أرواح مودع أم بكور [ (3) ] » وأشعارا كثيرة. قال: وخرج النعمان يريد البحرين، فأقبل رجل من غسان، فأصاب في الحيرة ما أحب. ويقال: الّذي أغار على الحيرة فحرق فيها، جفنة بن النعمان الجفني، فقال عدي:   [ (1) ] القهرمان: أمين الملك وخاصته، فارسي معرب، ويطلق في لغة الفرس على القائم بأمور الرجل، كالخازن والوكيل. [ (2) ] وعجزه: وكأنى ناذر الصبح سمره. [ (3) ] وعجزه: لك فاعمد لأى حال تصير. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 117 سما صقر فأشعل جانبيها ... وألهاك المروح والعزيب [ (1) ] فلما طال سجن عدي كتب إلى أخيه أبي، وهو مع كسرى بشعر فقال فيه شعرا. فزعموا أن أبيا لما قرأ كتاب عدي قام إلى كسرى فكلمه، فكتب وبعث معه رجلا، وكتب خليفة النعمان إليه: إنه قد كتب إليك [في أمره] ، فأتاه أعداء عدي من بني بقيلة [ (2) ] من غسان، فقالوا: اقتله الساعة، فأبى عليهم وجاء الرجل، وقد تقدم أخو عدي إليه ورشاه، وأمره أن يبدأ بعدي، فدخل عليه وهو محبوس بالصنين، فقال: ادخل عليه فانظر ما يأمرك به، فدخل الرسول على عدي، فقال: إني قد جئت بإرسالك، فما عندك؟ قال: عندي الّذي تحب، ووعده عدة، وقال: لا تخرجن من عندي، وأعطنى الكتاب حتى أرسل به، فإنك واللَّه إن خرجت من عندي لأقتلن، فقال: لا أستطيع إلا أن آتى الملك بالكتاب، فأدخله عليه، فانطلق مخبر حتى أتى النعمان، فقال: إن رسول كسرى قد دخل على عدي وهو ذاهب به، وإن فعل واللَّه لم يستبق منا أحدا، أنت ولا غيرك. فبعث إليه النعمان أعداءه فغموه حتى مات، ثم دفنوه. ودخل الرسول على النعمان بالكتاب، فقال: نعم وكرامة! وبعث إليه بأربعة آلاف مثقال وجارية، وقال له: إذا أصبحت فادخل عليه، فأخرجه أنت بنفسك،. فلما أصبح ركب، فدخل السجن، فقال له الحرس: إنه قد مات منذ أيام، فلم نجترئ على أن نخبر الملك للفرق منه، وقد علمنا كراهته لموته. فرجع إلى النعمان فقال: إني قد دخلت عليه وهو حي، [وجئت اليوم فجحدني السجان وبهتني. وذكر له أنه قد مات منذ أيام] فقال له النعمان: يبعثك الملك إلي فتدخل إليه قبلي! كذبت، ولكنك أردت الرشوة والخبث. فتهدده، ثم زاده جائزة وأكرمه، واستوثق منه ألا يخبر كسرى، إلا أنه قد مات قبل أن يقدم عليه. فرجع الرسول إلى كسرى، فقال: إنه قد مات قبل أن أدخل عليه، وندم النعمان على موت عدي، واجترأ أعداء عدي على النعمان، وهابهم النعمان هيبة شديدة، فخرج النعمان في بعض صيده ذات يوم، فلقى ابنا لعدي، يقال   [ (1) ] المروح: الإبل المروحة إلى أعطافها، والعزيب ما ترك في مراعيه، وانظر بقية الأبيات في رواية الأغاني. [ (2) ] بقيلة: بطن من الحيرة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 118 له زيد، فلما رآه عرف شبهه، فقال: من أنت؟ قال: أنا زيد بن عدي بن زيد فكلمه فإذا غلام ظريف، فرح به فرحا شديدا، وقربه وأعطاه، واعتذر إليه من أمر أبيه وجهزه، ثم كتب إلى كسرى: إن عديا كان ممن أعين به الملك في نصحه ولبه، فأصابه ما لا بد منه، وانقضت مدته، وانقطع أكله، ولم يصب به أحد أشد من مصيبتي، وأما الملك فلم يكن ليفقد رجلا إلا جعل اللَّه له منه خلفا، لما عظم اللَّه له من ملكه وشأنه، وقد أدرك له ابن ليس من دونه، وقد سرحته إلى الملك، فإن رأى الملك أن يجعله مكان أبيه، فليفعل. فلما قد الغلام على كسرى جعله مكان أبيه، وصرف عمه إلى عمل آخر، فكان هو الّذي يلي ما كتب به إلى أرض العرب، وخاصة الملك. وكانت له من العرب وظيفة موظفة في كل سنة: مهران أشقران والكمأة الرطبة في حينها واليابسة، والأقط والأدم وسائر تجارات العرب، فكان زيد بن عدي بن زيد يلي ذلك، وكان هذا عمل عدي. فلما وقع عند الملك بهذا الموقع، سأله كسرى عن النعمان، فأحسن عليه الثناء، فمكث سنوات بمنزلة أبيه، وأعجب به كسرى، وكان يكثر الدخول عليه، وكانت لملوك الأعاجم صفة من النساء مكتوبة عندهم، فكانوا يبعثون في تلك الأرضين بتلك الصفة، [فإذا وجدت حملت إلى الملك] غير أنهم لم يكونوا يتناولون أرض العرب بشيء من ذلك، ولا يريدونه. فبدأ الملك في طلب النساء فكتب بتلك الصفة، ثم دخل على كسرى فكلمه فيما دخل فيه، ثم قال: إني رأيت الملك كتب في نسوة يطلبن له، فقرأت الصفة، وقد كنت بآل المنذر عالما، وعند عبدك النعمان من بناته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين. امرأة على هذه الصفة. قال: فتكتب فيهن. قال: أيها الملك، إن شر شيء في العرب وفي النعمان [خاصة] أنهم يتكرمون- زعموا في أنفسهم- عن العجم، فأنا أكره أن يغيبهن [عمن تبعث إليه، أو يعرض عليه غيرهن] وإن قدمت أنا عليه لم يقدر أن يغيبهن، فابعثنى وابعث معى رجلا من حرسك يفقه العربية، [حتى أبلغ ما تحبه] فبعث معه رجلا جليدا، فخرج به زيد، فجعل يكرم ذلك الرجل ويلطفه حتى بلغ الحيرة. فلما دخل عليه أعظم الملك، وقال: إنه قد احتاج إلى نساء لأهله وولده، وأراد كرامتك [بصهره] ، فبعث إليك. فقال: وما هؤلاء النسوة؟ فقال: هذه صفتهن قد جئنا بها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 119 وكانت الصفة أن المنذر الأكبر أهدى إلى أنوشروان جارية، كان أصابها إذا أغار على الحارث الأكبر الغساني بن أبى شمر، فكتب إلى أنوشروان يصفها له، [وقال: إني قد وجهت إلى الملك جارية] معتدلة الخلق، نقية اللون والثغر، بيضاء، قمراء، وطفاء، [كحلاء] دعجاء، حوراء، عيناء، قنواء، شماء، زجاء، برجاء، أسيلة الخد، شهية القد، جئلة الشعر، عظيمة الهامة، بعيدة مهوى القرط، عيطاء عريضة الصدر، كاعب الثدي، ضخمة مشاشة المنكب والعضد، حسنة المعصم، لطيفة الكف، سبطة البنان، لطيفة طى البطن، خميصة الخصر، غرثى الوشاح، رداح القبل، رابية الكفل، لفاء الفخذين، ريا الروادف، ضخمة المأكمتين، عظيمة الركبة، مفعمة الساق، مشبعة الخلخال، لطيفة الكعب والقدم، قطوف المشي، مكسال الضحى، بضة المتجرد، سموعا للسيد، ليست بخنساء، ولا سعفاء، ذليلة الأنف، عزيزة النفر، لم تغد في بؤس، حيية رزينة، حليمة ركينة، كريمة الخال، تقتصر بنسب أبيها دون فصيلتها، وبفصيلتها دون جماع قبيلتها، قد أحكمتها الأمور في الأدب، فرأيها رأى أهل الشرف، وعملها عمل أهل الحاجة، صناع الكفين، قطيعة اللسان، رهوة الصوت، تزين البيت، وتشين العدو، إن أردتها اشتهت، وإن تركتها انتهت، تحملق عينها، وتحمر وجنتها، وتذبذب شفتاها، وتبادرك الوثبة، [ولا تجلس إلا بأمرك إذا جلست] [ (1) ] .   [ (1) ] معاني المفردات الغربية. - الوطفاء: غزيرة الإهاب وشعر الحاجبين. - الدعجاء: شديدة سواء العين مع شدة بياض البياض. - الحور: اسوداد العين كلها مثل الظباء، ولا يكون في بنى آدم إلا على الاستعارة. - العين: سعة العين. - القنواء: من القنا، وهو ارتفاع في أعلى الأنف واحد يداب في وسطه وسبوغ في طرفه. - الشمم في الأنف: ارتفاع القصبة وحسنها. - الزجاء: دقيقة الحاجبين في طول: [قال الناظم: إذا ما الغانيات برزن يوما وزجن الحواجب والعيونا] . - البرجاء: الجملية الحسنة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 120 فقبلها كسرى، وأمر بإثبات هذه الصفة في دواوينه، فلم يزالوا يتوارثونها حتى أفضى ذلك إلى كسرى بن هرمز، فقرأ عليه زيد هذه الصفة، فشق عليه، فقال زيد- والرسول يسمع-: أما في عين السوداء وفارس ما تبلغون حاجتكم! فقال الرسول لزيد: ما العين؟ قال: البقر، فقال زيد للنعمان: إنما أراد كرامتك، ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به. فأنزلهما يومين، ثم كتب إلى كسرى: إن الّذي طلب الملك ليس عندي، وقال لزيد: اعذرنى عنده، فلما رجع إلى كسرى، قال زيد للرسول الّذي جاء معه: اصدق الملك الّذي سمعت منه، فإنّي سأحدثه بحديثك ولا أخالفك فيه. فلما دخلا على كسرى، قال زيد: هذا كتابه، فقرأه عليه، فقال له كسرى: فأين الّذي كنت تخبرني [به] ؟ قال: قد كنت أخبرتك بضنهم بنسائهم على غيرهم، وأن ذلك من شقائهم واختيارهم الجوع والعرى على الشبع والرياش، واختيارهم السموم والرياح على طيب أرضك هذه، حتى إنهم ليسمونها السجن،   [ (-) ] الخد الأسيل: الطويل المسترسل الأملس. - الجثلة: كتفية الشعر سوداؤه. - العيطاء: الطويلة العنق. - الشاشة: رأس العظم. - غرثى الوشاح: دقيقة الخصر. - الرداع: العجزاء الثقيلة الأوراك التامة الخلق. والقيل: ما استقبلك من مشرف. - اللفاء: الضخمة الفخذين المكتنزتهما. - المأكمتان: اللحمتان اللتان على رءوس الوركين. - مفعمة الساق: ممتلتها. - مشبعة الخلخال: كناية عن سمن الساقين. - القطوف: من القطاف، وهو تقارب الخطو. - المكسال: المرأة لا تكاد تبرح مجلسها، وهو مدح لها عندهم كقولهم: نئوم الضحى. - البضة: الناعمة. - الخنساء: من الخنس، وهو تأخر الأنف الرأس وارتفاعه عن الشفعة. - السفعاء: من السفع، وهو السواد. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 121 فسل هذا الرسول [الّذي كان] معى عن الّذي قال، فإنّي أكرم الملك عن الّذي قال ورد عليه أن أقوله، فقال للرسول: وما قال؟ قال: أيها الملك، أما في بقر السواد [وفارس] ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا! فعرف الغضب في وجهه، ووقع في قلبه منه ما وقع، ولكنه قد قال: رب عبد قد أراد ما هو أشد من هذا، فيصير أمره إلى التباب. وشاع هذا الكلام، فبلغ النعمان، وسكت كسرى على ذلك أشهرا، وجعل النعمان يستعد ويتوقع، حتى أتاه كتابه: أن أقبل فإن الملك إليك حاجة، فانطلق حين أتاه كتابه فحمل سلاحه وما قوى عليه، ثم لحق بجبلي طيِّئ. وكانت فرعة ابنة سعد بن حارثة بن لأم عنده، وقد ولدت له رجلا وامرأة وكانت أيضا عنده زينب ابنة أوس بن حارثة، فأراد النعمان طيِّئا على أن يدخلوه [بين الجيلين] ويمنعوه، فأبوا ذلك عليه، وقالوا: لولا صهرك لقاتلناك، فإنه لا حاجة لنا في معاداة كسرى، [ولا طاقة لنا به] فأقبل [يطوف على قبائل العرب] ليس أحد من الناس يقبله، غير أن بني رواحة بن سعد بمن بنى عبس قالوا: إن شئت قاتلنا معك- لمنة كانت له عندهم في أمر مروان القرظ- فقال لا أحب أن أهلككم، فإنه لا طاقة لكم بكسرى. فأقبل حتى نزل بذي قار في بنى شيبان سرا، فلقى هانئ بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان سيدا منيعا، والبيت يومئذ من ربيعة في آل ذي الجدين، لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي يالجدين. وكان كسرى قد أطعم قيس بن مسعود الأبلة، فكره النعمان أن يدفع إليه أهله لذلك، وعلم أن هانئا مانعه مما يمنع منه نفسه. وتوجه النعمان إلى كسرى، فلقى زيد بن عدي على قنطرة ساباط، فقال: أنج نعيم [إن استطعت النجاء] ، فقال: أنت يا زيد فعلت هذا! أما واللَّه لئن انفلت لأفعلن بك ما فعلت بأبيك! فقال له زيد: امض نعيم، فقد واللَّه وضعت لك عنده أخية [ (1) ] لا يقطعها المهر الأرن [ (2) ] . فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث   [ (1) ] الأخية في الأصل: أن يدفن طرفا الحبل في الأرض، وفيها عصية أو حجير، ويظهر منه مثل عروة تشد بها الدابة [كالفخ مثلا] . [ (2) ] الأرن: النشيط. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 122 إليه، فقيده وبعث به إلى خانقين، فلم يزل في السجن حتى وقع الطاعون فملت فيه، والناس يظنون أنه مات بساباط لبيت قاله الأعشى: فذاك وما أنجى من الموت ربه بساباط حتى مات، وهو محرزق [ (1) ] وإنما هلك بخانقين، وهذا قبيل الإسلام، فلم يلبث إلا يسيرا حتى بعث اللَّه نبيه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان سبب وقعة ذي قار بسبب النعمان [ (2) ] . قال البيهقي [ (3) ] هذا مرسل وروى أيضا حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسلا بعض معناه. قال كاتبه: قد تقدم حديث حصين، وتقدم حديث مسلم: رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب [ (4) ] . وخرج الإمام أحمد [ (5) ] والحاكم [ (6) ] وصححه من حديث صفوان، حدثني سليم بن عامر، عن تميم الداريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:   [ (1) ] حرزق الرجل، أي حبسه. [ (2) ] الخبر في (الأغاني) : 2/ 105- 128. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 336- 337. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 36- 37، كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (18) . و «رطب ابن طاب» : نوع من الرطب معروف، يقال له: رطب ابن طاب، وتمر ابن طاب، وعذق ابن طاب، وعرجون ابن طاب، وهو مضاف إلى ابن طاب، رجل من أهل المدينة. «وأن ديننا قد طاب» : أي كمل واستقرت أحكامه، وتمهدت قواعده. [ (5) ] (مسند أحمد) : 5/ 73، حديث رقم (16509) ، من حديث تميم الداريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (6) ] (المستدرك) : 4/ 477، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8326) قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 123 سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك اللَّه بيت مدر ولا وبر إلا أدخله اللَّه هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز اللَّه به الإسلام وذلا يذل اللَّه به الكفر، وكان تميم الداريّ يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية. وله من حديث الوليد بن مزيد [ (1) ] ، حدثني ابن جابر، سمعت سليم بن عامر يقول: سمعت المقداد بن الأسود الكندي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا يبقى على ظهر الأرض نبت مدر ولا وبر إلا أدخل كله الإسلام عليهم، يعز عزيز أو يذل ذليل. وخرّجه ابن حبان في (صحيحه) وقوله: إما يعز عزيزا أو يذل ذليلا، ما يعرفهم فيجعلهم من أهلها أو يذلهم فيدينون بها. وأما إخباره بمعاونة القبط المسلمين فكان كما أخبر فخرّج الحافظ أبو نعيم من حديث بدار حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي عن يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي سلمة، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وقد أوصى عند وفاته فقال-: اللَّه، اللَّه في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل اللَّه [ (2) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (8324) ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : على شرط البخاريّ ومسلم. [ (2) ] (كنز العمال) : 12/ 66، حديث رقم (34023) ، وعزاه إلى الطبراني عن أم سلمة، (مجمع الزوائد: 10/ 63) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 124 وخرّجه أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عبد الحكم في كتاب (فتوح مصر) من حديث إسماعيل بن عباس، عن عبد الرحمن بن زياد، عن مسلم ابن يسار، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: استوصوا بالقبط خيرا فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوكم من حديث ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوصى، عند وفاته أن تخرج اليهود من جزيرة العرب وقال: اللَّه اللَّه في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل اللَّه، كذا أورده موقوفا على أبي سلمة. وخرّج أيضا من حديث ابن وهب، عن موسى بن أيوب الغافقي، عن رجل من الزبد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرض فأغمى عليه، ثم أفاق، فقال: استوصوا بالأدم الجغد، ثم أغمى عليه الثانية، ثم أفاق فقال مثل ذلك ثم أغمى عليه الثالثة، فقال مثل ذلك، فقال القوم: لو سألنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأدم والجعد، فأفاق فسألوه فقال: قبط مصر، فإنّهم أخوالكم، وهم أعوانكم، على عدوكم، وأعوانكم على دينكم، قالوا: كيف يكونون أعوانا على ديننا يا رسول اللَّه؟ قال: يكفونكم أعمال الدنيا، وتتفرغون للعبادة فالراضى بهما يؤتي إليهم كالفاعل بهم، وإنكاره لما يؤتي إليهم من الظلم كالمتنزه عنهم. ومن حديث ابن وهب عن أبي هانئ الخولانيّ، عن أبي عبد الرحمن الحبلى وعمرو بن حريث وغيرهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إنكم ستقدمون على قوم جعد رءوسهم، فاستوصوا بهم خيرا فإنّهم قوة لكم وبلاغ إلى عدوكم بإذن اللَّه تعالى، قبط مصر. وخرّج الحافظ أبو نعيم من حديث موسى بن عقبة، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن ابنة الهاد، عن العباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يظهر الدين حتى يجاوز البحار وحتى يخاض البخار بالخيل في سبيل اللَّه ثم يأتي قوم يقرءون القرآن يقولون قد قرأنا من أقوامنا، منا أفقه؟ من أعلم منا؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال هل في أولئك من خير وأولئك هم وقوم النار. ومن حديث شعبة، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن مسعود عن أبيه، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إنكم منصورون ومفتوح لكم الجزء: 14 ¦ الصفحة: 125 ومصيبون، فمن أدرك منكم ذلك فليتق اللَّه وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار. ومن حديث بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن أبي على الهمذاني قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ستفتح لكم الأرض وتكفون الموتة فلا يعجزن أحدكم أن يلهو بأسهمه. ومن حديث هشام بن عمارة قال: حدثنا محمد بن حرب، عن أبي سلمة ابن سليم، عن يحيى بن جابر، عن ابن فألح عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنها ستفتح عليكم الأمصار وسيضرب عليكم فيها بعوث ينكر الرجل البعث فيتخلص من قومه ويعرض نفسه على القبائل يقول: من أكفنه بعث كذا إلا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 126 وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قتل نفر من المسلمين ظلما بعذراء [ (1) ] من أرض الشام [فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] فخرج البيهقي [ (3) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا ابن بكير قال: حدثني ابن لهيعة، قال: حدثني الحارث بن سويد، عن عبد اللَّه بن زرير الغافقي، قال: سمعت عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود، فقتل حجر وأصحابه، قال يعقوب: قال أبو نعيم: ذكر زياد بن سمية، على بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على المنبر، فقبض حجر على الحصباء ثم أرسلها، وحصبت من حوله زيادا، فكتب إلى معاوية يقول: إن حجرا حصبني وأنا على المنبر، فكتب إليه معاوية: أن يحمل إليه حجرا، فلما قرب من الشام بعث من يتلقاهم فالتقى معهم بعذراء فقتلهم. قال البيهقي: لا يقول عليّ مثل هذا إلا بأن يكون سمعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد روى عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بإسناد مرسل مرفوعا فذكر من طريق يعقوب بن سفيان، قال: حدثني حرملة قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: دخل معاوية على   [ (1) ] عذراء: بالفتح ثم السكون والمد، وهو في الأصل الرملة التي لم توطأ، والدرة العذراء التي لم تثقب. وهي قرية بغوطة دمشق من إقليم خولان معروفة، وبها منارة، وبها قتل حجر بن عدي الكندي، وبها قبره، وقيل، إنه هو الّذي فتحها. (معجم البلدان) : 4/ 103، موضع رقم (8251) ، مختصرا. [ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 456، باب ما روي في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل نفر من المسلمين ظلما بعذراء من أرض الشام، فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 127 عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: ما حملك على قتل أهل عذراء، حجر وأصحابه، فقال: يا أم المؤمنين، رأيت قتلهم صلاحا للأمة، وأن بقاءهم فساد للأمة، فقالت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول سيقتل بعذراء ناس يغضب اللَّه لهم، وأهل السماء [ (1) ] . قال ابن عساكر: رواه ابن المبارك، عن ابن لهيعة فلم يرفعه. وذكر بإسناد آخر، فأخرجه من حديث عبد اللَّه بن المبارك، عن ابن لهيعة، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، أن معاوية حج فدخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: يا معاوية! قتلت حجر ابن الأدبر وأصحابه؟ أما واللَّه لقد بلغني أنه سيقتل سبعة نفر يغضب اللَّه لهم وأهل السماء. وخرج البيهقي من طريق يعقوب حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حماد ابن سلمة، عن على بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن مروان بن الحكم، قال: دخل معاوية على أم المؤمنين عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: سمعت يا معاوية أنك قتلت حجرا وأصحابه، وفعلت [ (2) ] ما فعلت، أما خشيت أنّ اختبأ لك رجل [ (3) ] فيقتلك؟ فقال: لا، إني في بيت أمان، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن يا أم المؤمنين، كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك وأمرك؟ قالت: صالح، قال: فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 457. [ (2) ] في (المرجع السابق) : «وفعلت الّذي فعلت» . [ (3) ] في (المرجع السابق) : «اختبأ لك رجلا» ، وما أثبتناه حق اللغة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 128 وأما ظهور صدقه فيمن قتل عمرو بن الحمق بن الكاهن ابن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو ابن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي الكعبي [ (1) ] فذكر الحافظ أبو القاسم على بن الحسن بن هبة اللَّه بن عساكر في (تاريخه) من طريق غياث بن إبراهيم، عن الأجلح بن عبد اللَّه الكندي، قال: سمعت زيد بن علي وعبد اللَّه بن الحسن وجعفر بن محمد، ومحمد بن عبد اللَّه ابن الحسن يذكرون تسمية من شهد مع عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كلهم ذكره عن آبائه، وعمن أدرك من أهله، وسمعته أيضا من غيرهم فذكرهم، وذكر فيهم عمرو بن الحمق الخزاعي وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: يا عمرو، أتحب أن أريك آية الجنة؟ قال: نعم يا رسول اللَّه، فمرّ عليّ فقال هذا وقومه آية الجنة، فلما قتل عثمان وبايع الناس عليا رضي- اللَّه تبارك وتعالى عنه- لزمه، وكان معه حتى أصيب، ثم كتب معاوية في طلبه، وبعث من يأتيه به. قال الأجلح: فحدثني عمران بن سعيد البجلي، - وكان مؤاخيا لعمرو بن الحمق- أنه خرج معه حين طلب، فقال لي: يا رفاعة، إن القوم قاتليّ، رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبرنى أن الجن والإنس تشترك في دمي، وقال لي: يا عمرو إن أمّنك رجل على دمه فلا تقتله فتلقى اللَّه بوجه غادر [ (2) ] ، قال رفاعة، فما أتم حديثه حتى رأيت أعنة الخيل فودعته وواثبته حية فلسعته، وأدركوه، فاحتزوا رأسه، فكان أول رأس أهدي في الإسلام. وذكر من طريق أبي سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد العامري، قال: حدثنا موسى بن زياد أبي هارون الزيات قال: حدثنا على بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبد اللَّه بن علي بن أبي رافع، عن عون بن عبد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه عبيد اللَّه، قال: قال موسى بن زياد: حدثنا يحيى بن يعلى عن محمد   [ (1) ] النسب في (الأصل) أطول من ذلك، واكتفينا بما أمكن تحقيقه من (الإصابة) : 4/ 623- 624 ، ترجمة رقم (5822) ، (الاستيعاب) : 3/ 1173- 1174. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 482- 483. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 129 ابن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه، عن جده، وعن ابن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه، قال علي بن هاشم في حديثه وكان عبيد اللَّه بن أبي رافع كاتب عليّ ابن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه واللفظ لعبيد اللَّه بن كثير في تسمية من شهد مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من قريش، والأنصار، ومن مهاجري العرب، فذكرهم، وذكر فيهم عمرو بن الحمق الخزاعي، بقي بعد عليّ فطلبه معاوية ليقتله فهرب منه نحو الجزيرة ومعه رجل من أصحاب علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقال له زاهر، فلما نزلا الوادي نهشت عمرا حية من جوف الليل، فأصبح منتفخا، فقال لزاهر: تنح عني فإن خليلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أخبرني أني سيشترك في دمي الجن والإنس، ولا بد لي أن أقتل، فقد أصابتنى بلية الجن بهذا الوادي، فبينما هما على ذلك إذ رأيا نواصي الخيل في طلبه، فأمر زاهرا يتغيب، فإذا قتلت فإنّهم يأخذون رأسي فارجع إلى جسدي فادفنه، فقال له زاهر: بل أنشر نبلى فأرميهم حتى إذا فنيت نبلى قتلت معك، قال: لا، ولكنى سأزودك مني بما ينفعك اللَّه به، فاسمع منى آية الجنة، محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعلامتهم عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وتوارى زاهر، فأقبل القوم فنظروا إلى عمرو فنزل إليه رجل منهم أدم، فقطع رأسه، وكان أول رأس في الإسلام نصب، وخرج زاهر إليه فدفنه، ثم بقي حتى قتل الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بالطف. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 130 وأما ظهور صدقه صلى اللَّه عليه وسلم في إشارته إلى كيف يموت سمرة بن جندب [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث سفيان قال: حدثنا عبيد اللَّه بن معاذ حدثنا أبي، حدثنا شعبة عن أبي [مسلمة عن أبى] [ (3) ] نضرة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لعشرة في بيت من أصحابه: آخركم موتا في الناس فيهم سمرة ابن جندب. قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتا. قال البيهقي: رواته ثقات، إلا أن أبا نضرة العبديّ لم يثبت له عن أبي هريرة سماع. وروى من وجه آخر موصولا، عن أبي هريرة فذكره من طريق يونس ابن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن حكيم الضبيّ قال: كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة فيسألنى فلا يبدأ بشيء حتى يسألنى عن سمرة، فإذا أخبرت بحياته وصحته فرح وقال: إنا كنا عشرة في بيت، وإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قام   [ (1) ] هو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، من علماء الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، نزل البصرة. له أحاديث صالحة، حدّث: ابنه سليمان، والحسن البصري، وابن سيرين، وجماعة. وبين العلماء فيما روى الحسن عن سمرة اختلاف في الاحتجاج بذلك، وقد ثبت سماع الحسن من سمرة، ولقيه بلا ريب، صرح بذلك في حديثين. وكان زياد بن أبيه يستخلفه على البصرة إذا سار إلى الكوفة، ويستخلفه على الكوفة إذا سار إلى البصرة، وكان شديدا على الخوارج، قتل منهم جماعة. وكان الحسن وابن سيرين يثنيان عليه. رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. مات سمرة سنة ثمان وخمسين. وقيل: سنة تسع وخمسين (تهذيب سير الأعلام) : 1/ 94، ترجمة رقم (269) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 458، باب ما روى في إخباره صلى اللَّه عليه وسلّم نفرا من أصحابه بأن آخرهم موتا في النار. [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 131 علينا [ (1) ] فنظر في وجوهنا، وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: آخركم موتا في النار، فقد مات منا ثمانية ولمن يبق غيري وغيره، فليس شيء أحب إليّ من أن أكون قد ذقت الموت. وخرج أيضا من طريق حماد عن على بن زيد عن أوس بن خالد، قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة فقلت لأبي محذورة: مالك إذا قدمت عليك سألتني عن سمرة؟ وإذا قدمت على سمرة سألني عنك؟ فقال إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت، فجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: آخركم موتا في النار، فمات أبو هريرة، ثم مات أبو محذورة، ثم سمرة. قال البيهقي: بهذا وبصحبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، نرجو له بعد تحقيق قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] وقد قال بعض أهل العلم: إن سمرة مات في الحريق، فصدق قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. وبلغني عن هلال بن العلاء الرقى أن عبد اللَّه بن معاوية حدثهم عن رجل [قد] [ (3) ] سماه: أن سمرة استجمر فغفل عنه أهله، حتى أخذته النار [ (4) ] . وقال: ابن عبد البر [ (5) ] : وكان زياد يستخلفه على البصرة ستة أشهر، وعلى الكوفة ستة أشهر، فلما مات زياد استخلفه على البصرة، فأقره معاوية عليها، عاما أو نحوه، ثم عزله، وكان شديدا على الحرورية، وكان إذا أتى بواحد منهم قتله ولم يقله ويقول: شر قتلى تحت أديم الأرض [ (6) ] يكفرون المسلمين، ويسفكون الدماء، فالحرورية ومن قاربهم في مذهبهم يطعنون عليه وينالون منه.   [ (1) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «قام فينا» . [ (2) ] (المرجع السابق) : 459. [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 460. [ (5) ] (الاستيعاب) : 2/ 653- 655، ترجمة سمرة بن جندب رقم (1063) . [ (6) ] كذا في (الأصل) ، وفي (الاستيعاب) : «أديم السماء» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 132 قال: وكانت وفاته بالبصرة [في خلافة معاوية] [ (1) ] سنة ثمان وخمسين، سقط في قدر مملوءة ماء حارا، كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز [شديد] [ (2) ] أصابه فسقط في القدر الحارة فمات، فكان ذلك تصديقا [ (3) ] لقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم له ولأبى هريرة، وثالث معهما: آخركم موتا في النار. وروى أبو سعيد بن يونس من حديث داود بن المحبر عن زياد بن عبد اللَّه ابن سمرة بن جندب، كان أصابه كزاز شديد، وكان لا يكاد أن يدفأ، فأمر بقدر عظيمة فملئت ماء وأوقد تحتها واتخذ فوقها مجلسا، وكان يصعد إليه بخارها فيدفئه، فبينا هو كذلك إذا خفت به. فظن أن ذلك الّذي قيل فيه [ (4) ] .   [ (1) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] في (الأصل) : «قصد بها» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) . [ (4) ] قال البيهقي: وقد قال بعض أهل العلم: إن سمرة مات في الحريق فصدق بذلك قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ويحتمل أن يورد النار بذنوبه، ثم ينجو بإيمانه، فيخرج منها بشفاعة الشافعين. واللَّه تعالى أعلم. (دلائل البيهقي) : 6/ 460. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 133 وأما ظهور صدقه صلى اللَّه عليه وسلّم في موت عبد اللَّه بن سلام [ (1) ] على الإسلام من غير أن ينال الشهادة [فكان كما أخبر- توفى على الإسلام في أول أيام معاوية بن أبي سفيان سنة ثلاث وأربعين-] فخرج البخاري [ (2) ] من حديث ابن عون عن محمد [بن سيرين] ، عن قيس بن عباد قال: كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين فتجور فيها ثم خرج وتبعته، فقلت: إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجنة! قال: واللَّه ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لم ذاك، رأيت رؤيا على عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة، ذكر من سعتها وخضرتها، وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارق، فرقيت، حتى كنت في أعلاه فأخذت بالعروة، فقيل لي: استمسك فاستيقظت، وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: تلك العروة الوثقى، فأنت تموت على الإسلام حين تموت، وذلك الرجل عبد اللَّه ابن سلام.   [ (1) ] هو عبد اللَّه بن سلام بن الحارث، الإمام الحبر، المشهود له بالجنة، أبو الحارث الإسرائيلي، حليف الأنصار، من خواص أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حدث عنه أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعطاء بن يسار، وزرارة بن أوفى، وآخرون. له إسلام قديم بعد أن قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة، وهو من أحبار اليهود. اتفقوا على أن ابن سلام توفى سنة ثلاث وأربعين. (تهذيب سير الأعلام) : 1/ 71- 72، ترجمة رقم (190) باختصار. وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (الدلائل) . [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 162- 163، كتاب مناقب الأنصار، باب (19) مناقب عبد اللَّه بن سلام رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3813) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 134 وخرجه من حديث ابن عون عن محمد [بن سيرين] ، حدثنا قيس بن عباد، عن ابن سلام. قال: وصيف مكان منصف. ذكره في كتاب التعبير، في باب التعلق بالعروة والحلقة [ (1) ] . ومن حديث ابن عون، عن محمد [بن سيرين] ، حدثنا قيس بن عباد، عن عبد اللَّه بن سلام، - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كأنى في روضة ذكر من سعتها وخضرتها، قال: ورأيت في وسط تلك الروضة عمودا وفي أعلى العمود عروة فقيل لي: ارقه، قلت: لا أستطيع، قال: فأتانى وصيف، فرفع ذلك الوصيف ثيابي من خلفي، فرقيت حتى كنت في أعلاه، فقيل لي: استمسك بالعروة، قال: فاستمسكت بتلك العروة فانتبهت وإنها لفي يدي وأنا متمسك بها، فلما استيقظت أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقصصتها عليه، فقال: تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة العروة الوثقى لا تزال مستمسكا بالإسلام حتى تموت [ (2) ] . وخرجه مسلم [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن عون بهذا الإسناد أو نحوا أو قريبا مما تقدم أولا. وخرجاه من حديث حرمي بن عمارة، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين قال: قال قيس بن عباد فذكره. ولمسلم [ (4) ] من حديث جرير عن الأعمش، عن سليمان بن مسهر، عن خرشة بن الحر، قال: كنت جالسا في حلقة في مسجد المدينة قال: وفيها شيخ حسن الهيئة وهو عبد اللَّه بن سلام، قال: فجعل يحدثهم حديثا حسنا قال: فلما قام قال القوم: من سرة أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا،   [ (1) ] باب رقم (23) التعليق بالعروة الوثقى، حديث رقم (7014) . [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 496، كتاب التعبير باب (23) التعليق بالعروة والحلقة، حديث رقم (7014) . وأخرجه البيهقي في (الدلائل) : 6/ 461- 462. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 275، كتاب فضائل الصحابة باب (339) باب من فضائل عبد اللَّه بن سلام، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (148) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 276- 277 حديث رقم (150) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 135 قال: فقلت: واللَّه لاتبعنه فلأعلمن مكان بيته قال: فتبعته، قال: فانطلق حتى كاد أن يخرج من المدينة، ثم دخل منزله، قال: فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقال: ما حاجتك يا ابن أخى؟ فقلت له: سمعت القوم يقولون لك لما قمت: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فأعجبني أن أكون معك، قال: اللَّه أعلم بأهل الجنة، وسأحدثك ممّ قالوا ذاك، إني بينما أنا نائم، إذ أتانى رجل فقال لي: قم، فأخذ بيدي، فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجواد عن شمالي، قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها، فإنّها طرق أصحاب الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني فقال لي: خذ هاهنا، فأتى بى جبلا، فقال لي: اصعد، قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي، قال: حتى فعلت ذلك مرارا، قال: ثم انطلق بى حتى أتى بى عمودا رأسه في السماء وأسفله في الأرض، في أعلاه حلقة، فقال لي: أصعد فوق هذا! قلت: كيف أصعد هذا ورأسه في السماء؟. قال: فأخذ بيدي فزج بى، قال: فإذا أنا متعلق بالحلقة، قال: ثم ضرب العمود فخرّ، قال: وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت. قال: فأتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقصصتها عليه، فقال: أما الطرق التي رأيت على يسارك، فهي طرق أصحاب الشمال، قال: مر، أما الطرق التي رأيت عن يمينك، فهي طرق أصحاب اليمين، وأما الجبل فهو منزل الشهداء، ولن تناله، وأما العمود فهو عمود الإسلام، وأما العروة فهي عروة الإسلام، ولن تزال متمسكا بها حتى تموت. قال ابن عبد البر [ (1) ] : توفى في المدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين، وشهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لعبد اللَّه بن سلام بالجنة.   [ (1) ] (الإستيعاب) : 3/ 921- 922، ترجمة رقم (1561) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 136 وأما ظهور صدقه صلى اللَّه عليه وسلّم في إخباره لرافع بن خديج [ابن رافع بن عدي بن زيد بن عمرو بن زيد ابن جشم الأنصاري، النجاري، الخزرجي] بالشهادة فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن مرزوق الواشحي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد- يعني: ابن رافع- عن جدته أن رافع بن خديج رمى- قال عمرة: لا أدرى أيهما قال؟ - يوم أحد أو يوم حنين- بسهم في ثندوته فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه انزع السهم؟ فقال له: يا رفع إن شئت نزعت السهم والقطبة جميعا، وإن شئت نزعت السهم وتركت القطبة وشهدت لك يوم القيامة أنك شهيد، فقال رافع: يا رسول اللَّه، انزع السهم ودع القطبة واشهد لي يوم القيامة أنى شهيد قال: فعاش بعد ذلك حياة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان خلافة معاوية انتقض ذلك الجرح فمات بعد العصر. قال كاتبه: وقد ذكر ابن عبد البر [ (2) ] أنه أصيب يوم أحد، انتقضت جراحته في زمن عبد الملك بن مروان، فمات قبل ابن عمر بيسير سنة أربع وسبعين، وكذا ذكره الحاكم [ (3) ] وغيره عن الواقدي في تاريخ وفاته.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 463، باب ما جاء في شهادة [النبي صلى اللَّه عليه وسلّم] لرافع بن خديج بالشهادة وظهور صدقة في ذلك زمن معاوية. والثندوة: الترقوة. [ (2) ] (الاستيعاب) : 2/ 479- 480، ترجمة رقم (727) وما بين الحاصرتين في العنوان زيادة للنسب منه. [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 648، كتاب معرفة الصحابة، ذكر رافع بن خديج رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 137 وأما إنذاره صلى اللَّه عليه وسلّم بهلاك أمته على يد أغيلمة من قريش فكان منذ ولّي يزيد بن معاوية فخرج البخاري [ (1) ] من حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال: أخبرني جدي قال: كنت جالسا مع أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالمدينة، ومعنا مروان، قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: «سمعت الصادق المصدوق صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: هلكت أمتى على يدي غلمة من قريش، فقال مروان: لعنه اللَّه عليهم غلمة، فقال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لو شئت أن أقول: بنى فلان وبنى فلان لفعلت «فكنت أخرج مع جدي إلى بنى مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم. قلنا: أنت أعلم. وذكره أيضا في باب علامات النبوة [ (2) ] ، وخرج فيه أيضا من حديث شعبة عن أبي التياح، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يهلك الناس هذا الحي من قريش، قالوا فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم [ (3) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 10، كتاب الفتن، باب (3) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: هلاك أمتى على يدي أغيلمة سفهاء، حديث رقم (7058) ، قال الحافظ: يتعجب من لعن مروان الغلمة المذكورين، مع أن الظاهر أنهم من ولده، فكأن اللَّه تعالى أجرى ذلك على لسانه ليكون أشدّ في الحجة عليهم لعلهم يتعظون. وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد، أخرجها الطبراني وغيره، غالبها فيه مقال، وبعضها جيد، ولعل المراد تخصيص الغلمة المذكورين بذلك. (فتح الباري) . [ (2) ] باب (25) من كتاب المناقب، حديث رقم (3605) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3604) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 138 وخرج مسلم [ (1) ] في كتاب الفتن من حديث أبي أسامة بهذا الإسناد ولفظه: عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يهلك أمتى هذا الحي من قريش. الحديث. وخرج البيهقي [ (2) ] من طريق عبد اللَّه بن يزيد المقرئ قال: حدثنا حيوة قال: أخبرنى بشير بن أبي عمرو الخولانيّ أن الوليد بن قيس الحسبي أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: وتلا هذه الآية: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [ (3) ] فقال: يكون خلف من بعد ستين سنة، أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدون تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر. قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ فقال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به وخرجه الحاكم [ (4) ] وقال: هذا حديث صحيح رواته حجازيون وشاميون أثبات. قال البيهقي [ (5) ] : وقد روي عن علي عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما ما يؤكد هذا التاريخ، فذكر من طريق أبي أسامة، عن مجالد، عن عامر قال: لما رجع عليّ من صفين قال: يا أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية فإنه لو قد فقدتموه لقد رأيتم الرءوس تنزو من كواهلها كالحنظل.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 256- 257، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (2917) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 464- 467، باب ما جاء في إخباره النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالفتن التي ظهرت بعد الستين من أغيلمة من قريش فكان كما أخبر. [ (3) ] مريم: 59. [ (4) ] (المستدرك) : 2/ 406، كتاب التفسير، باب (19) تفسير سورة مريم. حديث رقم (3416) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 466، باب ما جاء في إخبار النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالفتن التي ظهرت بعد الستين من أغيلمة من قريش فكان كما أخبر. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 139 ومن حديث العباس بن الوليد [ (1) ] بن مزيد البيروتي قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا ابن جابر عن عمير بن هانئ أنه حدثه قال: كان أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يمشي في سوق المدينة وهو يقول اللَّهمّ لا تدركني سنة الستين، ويحكم! تمسكوا بصدغي معاوية: اللَّهمّ لا تدركني إمارة الصبيان. قال البيهقي [ (2) ] : وهما إنما يقولان مثل هذا الشيء سمعاه من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وخرج البيهقي [ (3) ] من طريق هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف بن أبي خلفة عن أبي العالية قال: لما كان يزيد بن أبي سفيان أميرا بالشام غزا الناس فغنموا وسلموا، فكان في غنيمتهم جارية نفيسة فصارت لرجل من المسلمين في سهمه، فأرسل إليه يزيد فانتزعها منه، وأبو ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يومئذ بالشام قال: فاستغاث الرجل بأبي ذر على يزيد، فانطلق معه، فقال ليزيد: ردّ على الرجل جاريته- ثلاث مرات-، قال أبو ذر: أما واللَّه لئن فعلت لقد سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: أن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية، ثم ولّى عنه، فلحقه يزيد فقال: أذكرك باللَّه أنا هو؟ قال: اللَّهمّ لا، وردّ على الرجل جاريته. قال البيهقي [ (4) ] : يزيد بن أبي سفيان كان من أمراء الأجناد بالشام في أيام أبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ولكن سميه [ (5) ] يزيد بن معاوية يشبه أن يكون هو، قال: وفي هذا الإسناد إرسال بين أبي العالية وأبي ذر، وقد روى من وجه آخر. فذكر من طريق يعقوب بن سفيان قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عمرو الحراني، حدثنا: محمد بن سليمان، عن ابن غنيم البعلبكي، عن هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشنيّ، عن أبي عبيدة بن الجراح رضي   [ (1) ] (المرجع السابق) . [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 466- 467. [ (4) ] (المرجع السابق) : 467. [ (5) ] (سميه: الّذي يسمس باسمه، قال تعالي: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم] الجزء: 14 ¦ الصفحة: 140 اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر معتدلا قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية [ (1) ] . وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في أن قيس بن خرشة القيسي لا يضره بشر فخرج الحافظ أبو عمر بن عبد البر [ (2) ] من طريق ابن وهب قال: حدثني حرملة بن عمران عن يزيد بن أبي حبيب أنه سمعه يحدث محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي، قال: اصطحب قيس بن خرشة وكعب الكتابيين حتى إذا بلغا صفين وقف كعب، ثم نظر ساعة، قال: فقال لا إله إلا اللَّه، ليهرقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لم يهرق ببقعة من الأرض، فغضب قيس، ثم قال: وما يدريك يا أبا إسحاق ما هذا؟، فإن هذا من الغيب الّذي استأثر اللَّه به، فقال كعب: ما من شبر من الأرض إلا وهو مكتوب في التوراة التي أنزل اللَّه على نبيه موسى بن عمران- عليه السلام- ما يكون عليه إلى يوم القيامة، فقال: محمد بن يزيد: ومن قيس بن خرشة؟ فقال له رجل: تقول: ومن قيس بن خرشة؟ وما تعرفه وهو رجل من أهل بلادك؟ قال: واللَّه ما أعرفه، قال: فإن قيس بن خرشة قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أبايعك على ما جاءك من اللَّه، وعلى أن أقول بالحق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا قيس عسى إن مرّ بك الدهر أن يليك بعدي ولاة لا تستطيع أن تقول لهم [ (3) ] الحق، قال قيس: لا واللَّه، لا أبايعك على شيء إلا وفيت به، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا لا يضرك بشر.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 467، باب ما جاء في إخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالفتن التي ظهرت بعد الستين من أغيلمة من قريش فكان كما أخبر. (المطالب العالية) : 4/ 332، باب لعن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحكم بن العاص وبنيه وبني أمية، حديث رقم (4532) . وقال البوصيري: رواه ابن منيع والحارث وأبو يعلى بسند منقطع وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلي رجال الصحيح إلا أن مكحولا لم يدرك أبا عبيدة. [ (2) ] (الاستيعاب) : 3/ 1286- 1288، ترجمة رقم (2129) قيس بن خرشة القيسي. [ (3) ] في (الأصل) : «معهم» ، وما أثبتناه من (الاستيعاب) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 141 قال: فكان قيس يعيب زيادا أو ابنه عبيد اللَّه بن زياد بن بعده، فبلغ ذلك عبيد اللَّه بن زياد، فأرسل إليه فقال: أنت الّذي تفترى على اللَّه وعلى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: [لا واللَّه، ولكن إن شئت أخبرتك بمن يفترى على اللَّه وعلى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: ومن هو؟ قال: من ترك العمل بكتاب اللَّه وسنة رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم، قال] [ (1) ] : ومن ذلك؟ قال: أنت، وأبوك، والّذي أمركما، قال: وأنت الّذي تزعم أنه لا يضرك بشر؟ قال: نعم، قال: لتعلمن اليوم أنك كاذب، ائتوني بصاحب العذاب، فمال قيس عند ذلك فمات- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وخزي ابن مرجانة [ (2) ] .   [ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من (الأصل) ، وأثبتناه من (الاستيعاب) . [ (2) ] (الاستيعاب) : 3/ 1286- 1288، ترجمة قيس بن خرشة القيسي رقم (2129) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 142 وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث مؤمل قال: حدثنا عمارة بن زاذان، حدثنا ثابت عن أنس [بن مالك] [ (2) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن ملك القطر [ (3) ] استأذن [ربه] [ (2) ] أن يأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأذن له فقال لأم سلمة: أملكى علينا الباب، لا يدخل علينا أحد، قال: وجاء الحسين [بن عليّ] [ (4) ] ليدخل فمنعته، فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وعلى منكبه، وعلى عاتقه، قال: فقال الملك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتحبه؟ قال: نعم، قال [أما] [ (2) ] إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان الّذي يقتل فيه، فضرب بيده فجاء بطينة حمراء، فأخذتها أم سلمة فصرتها في خمارها، قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء. وخرجه البيهقي من حديث عبد الصمد بن حسان عن عمارة بن زاذان نحوه أو قريبا منه، إلا أنه قال: فضرب بيده فأراه ترابا أحمر فأخذته أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها فصرته في طرف ثوبها، فكنا نسمع، أن يقتل بكربلاء، قال: وكذلك رواه سفيان بن فروخ، عن عمارة فذكره نحوه [ (5) ] . وقال أبو يعلى: حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، عن ليث بن أبي سليم، عن جرير، عن الحسن العبسىّ، عن مولى لزينب، أو عن بعض أهله، عن زينب قالت: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيتي وحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عندي حين درج، فغفلت عنه، فدخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجلس على بطنه، فبال فانطلق لأخذه، فاستيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: دعيه، فتركته حتى فرغ، ثم دعا بماء، فقال: إنه يصب من الغلام، ويغسل من الجارية،   [ (1) ] (مسند أحمد) 4/ 127، حديث رقم (13127) من مسند أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (13383) . [ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (3) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المرجع السابق) : «ملك القطر» . [ (4) ] من (الأصل) فقط. [ (5) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 143 فصبوا صبا، ثم توضأ، فقام فصلّى، فلما قام احتضنه إليه، فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فشكا، ثم مدّ يده فقلت حين قضى الصلاة: يا رسول اللَّه، إني رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك تصنعه؟ قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن ابني هذا تقتله أمتي، فقلت: أرني تربته، فأراني تربة حمراء. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] وأبو بكر بن أبي شيبة من حديث محمد بن شرحبيل ابن مدرك الجعفي عن عبد اللَّه بن نجي الحضرميّ، عن أبيه، أنه صار مع عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى عليّ: صبرا أبا عبد اللَّه، بشط الفرات، فقلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي اللَّه أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تقضيان؟ قال: بل قام جبريل من عندي قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال: هل لك أن اشمك من تربته؟ قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عينيّ أن فاضتا. وخرج الإمام [ (2) ] أحمد من حديث وكيع قال: حدثني عبد اللَّه بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة، أو أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال لإحداهما لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء. وخرج الحاكم [ (3) ] من حديث مصعب قال: حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد بن عبد اللَّه، عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول اللَّه   [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 137، حديث رقم (649) ، من مسند على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] (المرجع السابق) : 7/ 418، حديث رقم (25985) ، من حديث أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 194، كتاب معرفة الصحابة، أول فضائل أبي عبد اللَّه الحسين بن على الشهيد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ابن فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 144 صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه إني رأيت حلما منكرا الليلة، قال: [وما هو] ؟ قالت: إنه شديد، قال: [وما هو] ؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت خيرا، تلد فاطمة إن شاء اللَّه غلاما فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، - فكان في حجري كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخلت يوما إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تهريقان الدموع، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي، مالك؟ قال: أتاني جبريل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟ قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] [ولم يخرجاه] وخرج من طريق أبي نعيم قال: حدثنا عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أوحى اللَّه إلى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم: أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . وخرّج من حديث قرة بن خالد قال: حدثنا عامر بن عبد الواحد، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن الحسين ابن عليّ يقتل بالطف [ (3) ] . وخرج أبو بكر بن أبي شيبة [ (1) ] من حديث يعلى بن عبيد، عن موسى الجهنيّ، عن صالح بن أربد النخعي، قال: قالت أم سلمة- رضي اللَّه تبارك   [ () ] (4818) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : بل منقطع ضعيف، فإن شدادا لم يدرك أم الفضل، ومحمد بن مصعب ضعيف. [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) . [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 195- 196، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4822) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4826) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : حجاج بن نصير متروك. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 145 وتعالى عنها-: دخل الحسين بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا جالسة على الباب، فاطلعت فرأيت في كف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا يقلبه وهو نائم على بطنه! فقلت: يا رسول اللَّه تطلعت فرأيتك تقلب شيئا في كفك، والصبي نائم على بطنك، ودموعك تسيل، فقال: إن جبريل عليه السلام أتانى بالتربة التي يقتل عليها، وأخبرنى أن أمتى يقتلونه [ (1) ] . وخرّج أبو نعيم أحمد بن حديث عبد اللَّه بن أحمد، قال: حدثني عبد بن زياد الأسدي، حدثنا عمرو بن ثابت عن الأعمش، عن أبي وائل شفيق بن سلمة، عن أم سلمة قالت: كان الحسين والحسن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يلعبان بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيتي، فنزل جبريل فقال: يا محمد، إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك، وأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وضمه إلى صدره، ثم قال: وديعة عندك هذه التربة، فشمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: ريح كرب وبلاء، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أم سلمة، إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل، قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: تحولين دما ليوم عظيم [ (2) ] . وخرج من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا سليمان بن بلال عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنظب، عن أم سلمة قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا في بيتي ذات يوم، فقال: لا يدخلن عليّ أحد، فانتظرت، فدخل الحسين، فسمعت نشيج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يبكى، فاطلعت، فإذا الحسين في حجره، وإلى جنبه يمسح رأسه وهو يبكى، فقلت: واللَّه ما علمت به حتى دخل، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن جبريل كان معنا في البيت فقال: أتحبه؟ فقلت: أما من حيث الدنيا فنعم، فقال إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل من ترابها فأراه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما أحيط بالحسين- رضي اللَّه تبارك   [ (1) ] (المصنف) : 7/ 477- 478، كتاب الفتن، باب (2) ما ذكر في فتنة الدجال، حديث رقم (37355) . [ (2) ] سبق تخريجهما. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 146 وتعالى عنه- حين قتل، قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: أرض كربلاء، قال: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أرض كرب وبلاء [ (1) ] . وخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث موسى بن يعقوب عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن عبد اللَّه بن وهب بن زمعة، قال: أخبرتني أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اضطجع ذات يوم النوم فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت منه في الكرة الأولى، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وفي يده تربة حمراء يقلبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول اللَّه؟ قال: أخبرنى جبريل عليه السلام أن هذا يقتل بأرض العراق- للحسين- فقلت: يا جبريل أرنى تربة الأرض التي يقتل بها، فهذه تربتها. تابعه موسى الجهنيّ عن صالح بن زيد النخعي عن أم سلمة وأبان، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة. وخرّج البيهقي [ (3) ] من طريق سعيد بن الحكم بن أبي مريم قال: حدثني يحيى بن أيوب قال: حدثني ابن غزية وهو عمارة عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كان لعائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها مشربة، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد لقي جبريل عليه السلام لقيه فيها، فرقاها مرة من ذلك، وأمر عائشة أن لا يطلع [إليهم] أحد، قال: وكان رأس الدرجة في حجرة عائشة، فدخل الحسين بن على رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فرقى ولم تعلم حتى غشيها، فقال جبريل: من هذا؟ قال: ابني، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعله على فخذه، قال جبريل: سيقتل، تقتله أمتك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمتى؟ قال: نعم، وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها فأشار جبريل بيده إلى الطف بالعراق، فأخذ تربة حمراء، فأراه إياها.   [ (1) ] سبق تخريجهما. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 468. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 470. في (الأصل) : «إليه» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 147 قال البيهقي [ (1) ] : هكذا رواه يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية مرسلا. ورواه إبراهيم بن أبي يحيى، عن عمارة موصولا فقال: عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة. وخرّجه الحافظ أبو نعيم [ (2) ] من حديث عطاء بن مسلم الخفاق، عن الأشعث ابن سحيم، عن أبيه، عن أنس بن الحارث، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن أمتى تقتل هذا بأرض من أراضى العراق، فمن أدركه منكم فلينصره، قال: فقتل أنس مع الحسين بن على رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة [ (3) ] حدثنا- أحوص بن حبان عن يونس، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن نعجة قال: إن أول ذل دخل على العرب قتل الحسين بن علي وادّعاه زياد. وخرّج البيهقي [ (4) ] من حديث شبابة بن سوار، قال: حدثنا يحيى بن سالم الأسدي، قال: سمعت الشعبي يقول: كان ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قدم المدينة، فأخبر أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، فقال: أين تريد؟ قال: العراق، ومعه طوامير وكتب، فقال: لا تأتهم، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: إن اللَّه عز وجل خيّر نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة، ولم يرد الدنيا وإنكم بضعة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واللَّه لا يليها أحد منكم أبدا، وما صرفها اللَّه عنكم إلا للذي هو خير لكم، فارجعوا فأبى، وقال: هذه كتبهم وبيعتهم، قال: فاعتنقه ابن عمر وقال: استودعك اللَّه من قتيل.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 470. [ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 554، إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن قتل الحسين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، حديث رقم (493) ، ونقله الحافظ السيوطي في (الخصائص الكبرى) : 2/ 451، وقال: رواه ابن السكن والبغوي في الصحابة. [ (3) ] (المصنف) : 7/ 258، كتاب الأوائل، باب (1) أول ما فعل ومن فعله، حديث رقم (35849) . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 470- 471. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 148 وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث عبد الرحمن، قال: حدثنا: حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في المنام نصف النهار، أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم يلتقطه، أو يتبع فيها شيئا، فقلت: ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم، قال: فحفظنا ذلك فوجدناه قتل ذلك اليوم. وخرج من حديث عفان، حدثنا حماد، حدثنا عمار فذكره بنحو منه [ (2) ] . وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: حدثتنا أم شوق العبدية، قالت: حدثتني نضرة الأزدية قالت: لما قتل الحسين بن على أمطرت السماء دما فأصبحت وكل شيء [لنا] [ (4) ] ملآن [دماء] [ (5) ] . ومن حديث سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن معمر قال: أول ما عرف الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك، فقال الوليد: أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن على؟ فقال الزهري: بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط [ (6) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 400، حديث رقم (2166) من مسند عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2549) من مسند عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 471. [ (4) ] من (الأصل) : فقط. [ (5) ] في (الأصل) : دما، وما أثبتناه من (الدلائل) . [ (6) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 471) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 149 وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق نوح بن دراج عن محمد بن إسحاق، عن الزهري أن أسماء الأنصارية قالت: ما رفع حجر بإيليا ليلة قتل عليّ رضي- اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلا ووجد تحته دم عبيط. وخرجه البيهقي [ (2) ] من حديث ابن عفير، حدثنا حفص بن عمران عن السري بن يحيى، عن ابن شهاب قال: قدمت دمشق وأنا أريد الغزو فأتيت عبد الملك يعني ابن مروان لأسلم عليه، فوجدته في قبة على فرش يفوق القائم، والناس تحته سماطان، فسلمت وجلست، فقال: يا ابن شهاب أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل ابن أبي طالب؟ قلت: نعم، قال: هلم، فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة وحوّل وجهه فأحنى عليّ فقال: ما كان؟ فقلت: لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم، قال: فقال: لم يبق أحد يعلم هذا غيري وغيرك، ولا يسمعن منك، قال: فما تحدثت به حتى توفي. قال البيهقي هكذا روي في قتل عليّ بهذا الإسناد، وروى بإسناد أصح من هذا عن الزهري، أن ذلك كان في قتل الحسين بن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما. قال كاتبه: يريد ما تقدم ذكره من طريق سليمان بن حرب، عن حماد. وخرج من طريق أيوب بن محمد الرقى حدثنا: سلام بن سليمان الثقفي، عن زيد بن عمرو الطندى، قال: حدثتني أم حبان، قالت: يوم قتل الحسين   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 155، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأصح الأسانيد على سبيل الاختصار، حديث رقم (4694) : قال الحاكم: قد اختلفت الروايات في مبلغ سنّ أمير المؤمنين حين قتل، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : نوح كذاب. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 440- 441، باب ما روى في إخباره بتأمير علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقتله فكانا كما أخبر. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 150 أظلمت علينا ثلاثا: ولم يمس أحد منا من زعفرانهم شيئا فجعله على وجهه إلا احترق، ولم يقلب حجر في بيت المقدس إلا أصبح تحته دم عبيط. ومن حديث علي بن مسهر قال: حدثتني جدتي، قالت: كنت أيام الحسين جارية شابة فكانت السماء أياما كأنها علقة [ (1) ] . ومن حديث أبي بكر الحميدي حدثنا سفيان، قال: حدثتني جدتي، قالت: لقد رأيت الورس عاد رمادا، ولقد رأيت اللحم كأن فيه النار حين قتل الحسين [ (2) ] . ومن طريق سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثني جميل بن مرة، قال: أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل، فنحروها وطبخوها قال: فصارت مثل العلقم، فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئا [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 472. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 472. [ (3) ] (المرجع السابق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 151 وأما إنذاره صلى اللَّه عليه وسلم بقتل أهل الحرة وتحريق الكعبة المشرفة فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثني ابن فليح عن أبيه، عن أيوب بن عبد الرحمن، عن أيوب بن بشير المعافري، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج في سفر من أسفاره، فلما مرّ بحرة زهرة وقف فاسترجع فساء ذلك من معه، وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم، فقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه! ما الّذي رأيت؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أما إن ذلك ليس من سفركم هذا، قالوا: فما هو يا رسول اللَّه؟ فقال: يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي. قال البيهقي [ (2) ] : هذا مرسل وقد روى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في تأويل آية من كتاب اللَّه تعالى ما يؤكده، فذكر من طريق ثور ابن يزيد عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لأتوها [ (3) ] قال: لأعطوها، يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة. وخرج الإمام أحمد [ (4) ] من حديث شعبة بن أوس عن بلال العبسيّ، عن ميمونة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كيف أنتم إذا مرج الدين وظهرت الرغبة واختلف الإخوان، وحرق البيت العتيق؟. وذكر محمد بن الحسن بن زبالة، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه قال: أمطرت السماء على عهد عمر بن الخطاب فقال لأصحابه: هل لكم في هذا الماء الحديث العهد بالعرش لننزل به ونشرب منه؟ فلو جاء من مجيئه راكب   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 473، باب ما روي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في إخباره بقتل أهل الحرة فكان كما أخبر. [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] الأحزاب: 14، كذا في (الأصل) ، برواية ورش عن نافع، وهي برواية حفص عن عاصم هكذا: لَآتَوْها. [ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 469، حديث رقم (2689) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 152 لتمسحنا به، فخرجوا حتى أتوا حرة واقم، وشراجها تطرد، فشربوا منها وتوضأنا فقال كعب: واللَّه يا أمير المؤمنين ليسيلن هذا الشراج بدماء الناس كما يسبل بهذا الماء! فقال عمر: دعنا من أحاديثك، قال: فدنا منه عبد اللَّه بن الزبير فقال: يا أبا الحق ومتى ذلك؟ وفي أي زمان؟ قال: إياك أن يكون ذلك على يدك. وعن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان الواسطي، عن أبيه، عن كعب الأحبار قال: أفنجد في كتاب اللَّه حرة في المدينة تقتل بها مقتلة تضيء وجوههم يوم القيامة كما يضيء القمر ليلة البدر؟ وذكر من حديث زيد بن كثير عن المطلب بن عبد اللَّه، عن ابن أبي ربيعة أنه مر بعروة بن الزبير وهو يبنى قصره بالعقيق، فقال: أردت الحرث يا أبا عبد اللَّه؟ قال: لا، ولكنه ذكر لي أنه سيصيبها عذاب يعنى المدينة، فقلت: إن أصابها شيء كنت متنحيا عنها. قال كاتبه: وكان من خبر وقعة الحرة [ (1) ] أن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عامل المدينة ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان، بعث بوفد من أهل المدينة إلى يزيد فيهم عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل وعبد اللَّه بن عمرو بن أبي حفص، بن المغيرة المجذومي، والمنذر بن الزبير بن العوام، فأكرمهم يزيد وأعظم جوائزهم، فلما عادوا إلى المدينة أظهروا شيم يزيد، وعابوه بشرب الخمر، وعزف القيان، واللعب بالكلاب، وخلعوه، وبايعوا عبد اللَّه بن حنظلة في سنة اثنتين وستين، فندب يزيد لحربهم مسلم بن عقبة المزني، ويسمى مسرفا، في اثنى عشر ألف، وعهد إليه إن ظهر عليهم أن يبيح المدينة، وقاتلهم بعد ما دعاهم إلى طاعة يزيد، وأجّلهم ثلاثا فلم يجيبوه، فهزمهم بعد قتال شديد، قتل فيه عبد اللَّه بن حنظلة، وعبد اللَّه بن زيد المازني، ومعقل بن سنان الأشجعي، في سبعمائة من حملة القرآن وعدة كثيرة. قال أبو الهيثم: قتل يوم الحرة- حرة واقم نحو- من ستين ألف وخمسمائة.   [ (1) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 495 من أحداث سنة (63 هـ) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 153 وقال: أبو مخنف: المقتولون من وجوه قريش سبعمائة. وقال أبو جعفر الطبري: قتل من القراء سبعمائة ومن الصاحبة أربعة: عبد اللَّه بن يزيد ابن عاصم، ومعقل بن يسار، ومحمد بن عمرو بن حزم، وعبد اللَّه بن حنظلة الغسيل، وأنهب المدينة ثلاثا فانتهبت، وذلك يوم الأربعاء لثلاث أيام، افتضّ فيها ألف عذراء! وكان الّذي أدخل أهل الشام بنو حارثة من خلف الناس حينئذ، فانهزموا حينئذ، ودعا مسرف الناس إلى بيعة يزيد على انهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما يشاء، وقتل من امتنع من ذلك حتى أسرف في القتل والظلم، فسموه مسرفا لذلك، فبّحه اللَّه [ (1) ] . وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا ابن عون، عن خالد ابن عبد الحويرث عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: الآيات خرزات منظومات في سلك، يقطع السلك فيتبع بعضها بعضا. قال ابن الحويرث: كنا نادين بالصباح وهناك عبد اللَّه بن عمرو وكان هناك امرأة من بنى المغيرة يقال لها فاطمة، فسمعت عبد اللَّه بن عمرو يقول: ذاك يزيد بن معاوية، فقالت: أكذاك يا عبد اللَّه بن عمرو، تجده مكتوبا في الكتاب؟ قال: لا أجده باسمه، ولكن أجد رجلا من شجرة معاوية يسفك الدماء، ويستحل الأموال، وينقض هذا البيت حجرا حجرا، فإن كان ذلك وأنا حي، وإلا فاذكريني، قال: وكان منزلها على أبي قبيس [ (3) ] فلما كان زمن الحجاج وابن الزبير ورأت البيت ينقض، قالت: رحم اللَّه عبد اللَّه بن عمرو قد كان حدثنا بهذا. قال كاتبه إنما أحرق البيت في حصار أيام يزيد بن معاوية، وقال الليث: رمى الحجاج البيت بالنار فأحرقه، فجاءت سحابة فأمطرت على البيت لم   [ (1) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 495، من أحداث سنة (63 هـ) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 520- 521، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8461) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . [ (3) ] أبو قبيس: اسم جبل. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 154 تجاوزه وأطفأت النار، وجاءت صاعقة فأحرقت المنجنيق وما فيه، وانكسر الحجر الأسود حين رمى الحجاج البيت [ (1) ] . وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بذهاب بصر عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فكان كذلك، وعمى قبل موته فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ عن ثور بن يزيد، عن موسى بن ميسرة، أن بعض بني عبد اللَّه سايره في طريق مكة، قال: حدثني العباس بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد اللَّه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في حاجة فوجد عنده رجلا، فرجع ولم يكلمه من أجل مكان الرجل معه، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العباس بعد ذلك، فقال العباس: أرسلت إليك ابني فوجد عندك رجلا فلم يستطع أن يكلمك، فرجع، قال: ورآه؟ قال: نعم!، قال: أتدري من ذلك الرجل؟ ذاك الرجل جبريل- عليه السلام-، ولن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علما. وخرّجه الحاكم [ (3) ] من حديث عاصم بن على، قال: حدثتنا زينب بنت سليمان بن علي بن عبد اللَّه بن عباس، قال: حدثني أبي قال: سمعت أبي يقول: بعث العباس ابنه عبد اللَّه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فنام وراءه، وعند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رجلا فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: متى جئت يا حبيبي؟ قال: مذ ساعة قال: هل رأيت عندي أحدا؟ قال: نعم، رأيت رجلا، قال: ذاك جبريل عليه السلام ولم يره خلق إلا عمي إلا أن يكون نبيا، ولكن عسى أن يجعل ذلك في آخر عمرك، ثم قال: اللَّهمّ علّمه التأويل، وفقهه في الدين، واجعله من أهل الإيمان، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.   [ (1) ] راجع التعليق: رقم (1) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 478، قال في (مجمع الزوائد) : فيه من لم أعرفه. [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 617- 618، كتاب معرفة الصحابة حديث رقم (6287) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : بل منكر. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 155 وخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث صالح بن أبي الأسود، عن أبي الجارود، عن شوذب، عن عكرمة، قال: خرجت بابن عباس وهو على راحلته فلما أخرجها من الحرم قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حدثني أنه سيذهب بصري وقد ذهب، وحدثني أنى سأغرق وقد غرقت في بحيرة طبرية، وحدثني أنى سأهاجر من بعد فتنه، اللَّهمّ وإني أشهدك أن هجرتي اليوم إلى محمد بن علي ابن أبي طالب. وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن أرقم بالعمى فكان كذلك فخرج البيهقي [ (2) ] من طريق المعتمر قال: حدثنا نباته بن بنت بريد، عن حمادة، عن أنيسة بنت زيد بن أرقم، عن أبيها: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل على زيد يعوده من مرض كان به، قال: ليس عليك من مرضك بأس، ولكن كيف بك إذا أعمرت بعدي فعميت؟ قال: إذا احتسب وأصبر. قال: إذا تدخل الجنة بغير حساب قال: فعمى بعد ما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثم ردّ اللَّه عليه بصره ثم مات.   [ (1) ] لم أجده. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 479. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 156 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم من يأتى بعده من الكذابين [وإشارته إلى من يكون] منهم من ثقيف فكان كما أخبر فخرج مسلم [ (1) ] من حديث مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. خرجه أيضا من طريق عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن همام عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بمثله، غير أنه قال: ينبعث [ (2) ] . وخرج الحافظ [ (3) ] أبو أحمد بن عدي، من حديث أبي يعلي الموصلي قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن الحسن، حدثنا: شريك عن أبي الحق، عن عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول صلّى اللَّه عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم مسيلمة والعنسيّ، والمختار ابن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن قسي، وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور ابن عكرمة ابن خصفة بن قيس غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أمه دومة بنت عمرو بن وهب بن معقبة بن مالك بن كعب بن عمرو بن عوف بن ثقيف، كان المختار خارجيا، ثم صار زبيريا، ثم صار رافضيا في ظاهره، وزعم أنه يوحى إليه فيسجع به سجعا. وولاه ابن الزبير الكوفة، ثم خرج يطلب بدم الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فقتل عبيد اللَّه بن زياد في حرب، وقتل أناسا كثيرة، ثم قتله مصعب بن الزبير سنة سبع وستين، وشر قبائل العرب بنو أمية، وبنو حنيفة، وثقيف.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 260، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (84) . [ (2) ] (المرجع السابق) الحديث الّذي يلي الحديث السابق. [ (3) ] (الكامل في ضعفاء الرجال) لابن عدي: 6/ 173- 174، حديث رقم 36/ 1657. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 157 قال ابن عدي: وهذا لا أعلم رواه عن شريك إلا محمد بن الحسن الأسدي، وله إفرادات، وحدث عنه الثقات من الناس، ولم أجد بحديثه بأسا. قال البيهقي: ولحديث هذا المختار بن أبي عبيد الثقفي شواهد صحيحة. وذكر من طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا الأسود بن سفيان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنها قالت للحجاج بن يوسف: أما إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه قال: فقام عنها ولم يراجعها. خرجه مسلم [ (1) ] في الصحيح من وجه آخر عن الأسود بن شيبان. وذكر من طريق عبد اللَّه بن الزبير الحميدي قال: حدثنا سفيان هو ابن عيينة حدثنا أبو المحياة عن أمه، قالت: لما قتل الحجاج بن يوسف عبد اللَّه بن الزبير، دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر فقال لها: يا أمّه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟ فقالت: لست لك بأم، ولكنى أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن انتظر حتى أحدثك بما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يقول: يخرج في ثقيف كذاب ومبير، فأما الكذاب فقد رأيناه يعنى المختار [ (2) ] ، وأما المبير فأنت، فقال الحجاج: مبير المنافقين. ومن طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا شريك عن أبي علوان عبد اللَّه بن عصمة، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن في ثقيف كذابا ومبيرا. قال كاتبه: المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف ابن عقدة بن غيرة بن عوف بن قسي بن منبه، وقسي هو ثقيف، كان شابا مع عمه سعد بن مسعود الثقفي وهو على المدائن لعلي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم نزل الكوفة وأنزله في داره، فأراد نصرته، فقبض عليه عبيد اللَّه بن   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 332- 334، كتاب فضائل الصحابة، باب (58) ذكر كذاب ثقيف ومبيرها، حديث رقم (229) . [ (2) ] (المرجع السابق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 158 زياد بعد ما ضرب وجهه بقضيب فشتر عينه، ثم حبسه حتى قتل الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، لأنه كان زوج أخته صفيه بنت أبي عبيد، وأخرجه إلى الحجاز، فأقسم ليأخذن بثأر الحسين وليقتلن بقتله عدة من على دم يحيى بن زكريا عليهما السلام، ونزل الطائف وزعم أنه مبيد الجبارين ثم تبع عبد اللَّه بن الزبير وقائل معه، فلما مات يزيد بن معاوية مضى إلى الكوفة فكان لا يمر على مجلس إلّا سلّم عليه، قال: أبشروه بالنصر والفتح، أتاكم ما تحبون فأجمعت الشيعة إليه، فقال: لهم إن المهدي يعني محمد بن الحنيفة- بعثني إليكم أمينا ووزيرا، وأمرنى بقتال الملحدين، والطلب بدم أهل بيته، فبايعوه، فقبض عليه وسجن، فلما قتل سليمان بن حرد أخرج من السجن، فأخذ يجمع الشيعة وخرج يظاهر الكوفة ليلا في ربيع الأول سنة ستة وستين، ونادى مناديه: يا منصور أمت، ونادى آخر: يا لثأرات الحسين، فملك الكوفة بعد حروب شديدة، وبايعه الناس، فأحسن السيرة، وسير بعوثة إلى أرمينية، وأذربيجان، والموصل، والمدائن، وغير ذلك، ثم وثب بمن في الكوفة من قتلة الحسين، وقد خرج عليه أهل الكوفة وقاتلوه فظهر بهم في ذي الحجة منها، وقتل منهم نحو الثمانمائة، وتجرد لقتلة الحسين حتى أفناهم، فكانوا ألوفا، فبعث عبد اللَّه ابن الزبير لقتاله أخاه مصعب بن الزبير، فكانت بينهم حروب عظيمة، قتل فيها المختار، وعمره سبع وستون سنة. قال البيهقي [ (1) ] : وقد شهد جماعة من أكابر التابعين على المختار بن أبي عبيد بما كان يستبطن، وأخبر بعضهم بأنه من جملة الكذابين الذين أخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بخروجهم بعده، فذكر عن أبي داود الطيالسي قال: حدثنا قرة بن خالد، عن عبد الملك بن عمير، عن رفاعة بن شداد، قال: كنت أبطن شيء بالمختار- يعني: الكذاب- قال: فدخلت عليه ذات يوم، فقال: دخلت وقد قام جبريل قبل من هذا الكرسي! قال: فأهديت إلى قائم سيفي يعني لأضربه، حتى ذكرت حديثا حدثته عمرو بن الحمق الخزاعي، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا أمن الرجل الرجل على دمه، ثم قلته رفع له لواء الغدر يوم القيامة، فكففت عنه،   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 482، باب ما جاء في إخباره بمن يكون من الكذابين وإشارته إلى من يكون منهم من ثقيف فكان كما أخبر. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 159 وقال زائدة عن السدي عن رفاعة القتباني: قال: كنت بالسيف على رأس المختار بن أبي عبيد، فسمعته ذات يوم يقول: قام جبريل من هذه النمرقة فأردت أن أسل سيفي فأضرب عنقه فذكرت حديثا حدثنيه، عمرو بن الحمق الخزاعي أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: من أمن رجلا على نفسه فقتله فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول كافرا، قال: فتركته. قال البيهقي [ (1) ] وكذلك رواه سفيان الثوري وأسباط بن نصر، وغيرهما، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السندي. وخرجه الإمام [ (2) ] أحمد من طريق ابن نمير، حدثنا: عيسى [القاري] أبو عمر حدثنا السدي عن رفاعة القتباني قال: دخلت على المختار فألقى لي وسادة فقال: لولا أخى جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، قال: فأردت أن أضرب عنقه، فذكرت حديثا حدثنيه [أخي] عمرو بن الحمق قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله، فأنا من القاتل بريء. ومن طريق الحميدي [ (3) ] حدثنا: سفيان بن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي قال: فأخرت أهل البصرة فغلبتهم بأهل الكوفة، والأحنف ساكت لا يتكلم، فلما رآني غلبتهم أرسل غلاما له فجاءه بكتاب فقال لي: هاك اقرأ، فقرأته، فإذا فيه من المختار إليه يذكر أنه نبي فقال: يقول الأحنف: أني فينا مثل هذا. قال البيهقي [ (1) ] : وقد روينا عن يحيى بن سعيد، عن مجالد، عن الشعبي قصة ما كان في الكتاب من موضوعة الّذي كان يعارض به القرآن. ومن طريق عبيد اللَّه بن معاذ، حدثنا أبي حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، سمع مرة يعنى الهمذانيّ، قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: القرآن ما منه   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 483، باب ما جاء في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بمن يكون بعده من الكذابين، وإشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى من يكون منهم من ثقيف، فكان كما أخبر. [ (2) ] (مسند أحمد) : 6/ 294، حديث رقم (21440) ، من حديث عمرو بن الحمق الخزاعي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه. [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 483. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 160 حرف، أو قال: آية- شك- إلا وقد عمل به قوم أو قال سيعملون بها، قال مرة: فقرأت: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ [ (1) ] فقلت من عمل بهذه حتى كان المختار بن أبي عبيد. قال البيهقي [ (2) ] : ولعكرمة مولى ابن عباس فيما يقال عن الوحي والموضوع [سئل] [ (3) ] يريدون ما كان المختار يدّعيه من أنه يوحى إليه، وأن عنده كتاب يسمى الموضوع. ومن طريق أبي داود حدثنا: عبد اللَّه بن الجراح عن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قال عبيدة السلماني يعنى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في خروج الكذابين، قال إبراهيم: فقلت له أترى هذا منهم؟ يعنى المختار بن أبي عبيد؟ قال عبيدة: أما إنه من الرءوس [ (4) ] . قال جامعه: وكانت سيرة المختار بن أبي عبيد في تتبع قتله الحسين وقتلهم، شاهدة بصدق على ما خرجه الحاكم [ (5) ] من حديث أبي يعلى محمد بن شداد المسمعي، حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أوحى اللَّه إلى نبيكم أني قتلت بيحيى سبعين ألفا، وأني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.   [ (1) ] الأنعام: 93. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 484. [ (3) ] في (الأصل) : «يقال» وما أثبتناه من (الدلائل) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 484. [ (5) ] (المستدرك) : 2/ 219، كتاب التفسير، من سورة البقرة، حديث رقم (3147) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : عبد اللَّه ثقة، ولكن المتن منكر جدا، فأما محمد بن شداد، فقال الدارقطنيّ: لا يكتب حديثه، وأما حميد، فقال ابن عدي: كان يسرق الحديث. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 161 قال الحاكم: قد كنت أحسب دهرا أن المسمعي تفرد بهذا الحديث عن أبي نعيم حتى حدثناه أبو محمد السبيعي الحافظ، حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن ناجية حدثنا حميد بن الربيع، حدثنا أبو نعيم، فذكره بإسناد نحوه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 162 أما ما أخبر به صلى اللَّه عليه وسلّم عن الحطم بن هند الكبريّ فكان كما أخبر فذكر أبو زيد عمر بن شيبة في كتاب (أخبار مكة) بسنده إلى عبد اللَّه ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال: كان شريح بن ضبيعة بن شرحبيل بن عمرو مرثد سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس يغزو ببكر بن وائل في الجاهلية وابن أبي رميض العتري ارتجز به في مسيره: قد لفها الليل بسواق حطم ... ليس براعي إبل ولا غنم فسماه الناس الحطم وأنه أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة فقال يا محمد! إني سيد قومي، وداعية قومي، وإني إن أسلمت دعوت إليك الناس وإن تركت دينك صرفت عنك من بعدي، فما دينك يا محمد؟ قال: ديني الإسلام، قال: وما الإسلام؟ فذكر له، وقال: لا تشرب الخمر، فقال يا محمد! ولا نشرب الخمر؟! قال: نعم، قال: إن في دينك لغلظ وشدة، أذهب فأعرضه على قومي، فإن قبلوا قبلت معهم وأن أدبروا كنت معهم، قال: اذهب فاعرض عليهم ما بدا لك، فلما أدبر، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد دخل عليّ بوجه كافر وخرج من عندي بعقبي غادر، ولن يسلم أبدا فخرج حتى أتى سرح المسلمين، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أقبل من سفر سرح الناس ظهرهم، وإن عدو اللَّه اطرد سرح المسلمين هو وأصحابه، وطلبه المسلمون فسبقهم إلى اليمامة فنزلها، وأهل اليمامة مشركون فلما دخلت شهور الحرم علم أن الناس قد وضعوا السلاح، فباع تلك الإبل واشترى تجارة، فعهد بها إلى مكة يريد الحج والتجارة، وأهل مكة مشركون، فبلغ ذلك أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه إن الحطم عدد وختر وباع إبلنا، واشترى تجارات بأثمانها، وتوجه إلى مكة، أفلا نعرض له فنضرب عنه وننزع ما في يده؟ فقال: بلى، فجمع رجالا ودعا رجلا يستعمله عليهم، إذ نزل عليه الوحي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً [ (1) ] فكف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه فلم يعرض له.   [ (1) ] المائدة: 2. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 163 قال أبو زيد: أما الهدي: فهي البدن، كانت تهدى إلى البيت فيعلق في أعناقها النعال وعليها جلالها فتمر بالمشركين وهم يأكلون الميتة والجلد، ولقد واللَّه لهذا هو أخبث ما أكل الناس، كان يبلغ بهم الجوع أن يحلقوا أوبار الإبل فيجمعونها بالدم، فيأكلونه، وكانوا لا يعرضون للبدن تعظيما لها، وأما القلائد فكان الرجل إذا توجه إلى مكة حاجا جعل في عنقه قلائد من لحاء السمر [ (1) ] أو من شعر أسود فيمر بالكفار، فلا يعرضون له وإن كانوا يطلبونه بدم، فيقولون: هذا يريد بيت اللَّه، وإذا صدر من مكة راجعا جعل في عنقه قلادة من إذخر [ (2) ] مكة، فقالوا: شجر الحرم في عنقه، إياكم وإياه وأما آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ فهو من كان توجه يريد مكة يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا. قال أبو بكر حدثنا محمد بن بلال بن أبي بردة- وهو أمير البصرة يومئذ: فأرسل إلى الحسن في الليل فأتيته فقال: أرأيت قوله: يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً الفضل والرضوان؟ قلت: الفضل: التجارة، والرضوان: الأجر. قال: الكفار يدرون ما الأجر ويريدونه؟ قلت: نعم، قد كانوا يعتقون الرقاب ويصلون الأرحام ويحجون، وأنشد أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في كتاب الكامل. فأنشدني. قوله: أن النشد يعني فرس أو ناقة، وقوله: قد لفها الليل بسواق حطم فهو الّذي لا يبقى من السير شيئا ويقال: رجل حطم للذي يأتي شيئا على الزاد لشدة أكله، يقال للنار التي لا تبقى حطمة! وقوله: على ظهر وضم، الوضم: كل ما قطع اللحم. [عليه] .   [ (1) ] قشر الشجر. [ (2) ] شجر ينبت بالحرم المكيّ. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 164 وأما ظهور صدقة صلّى اللَّه عليه وسلّم في إخباره بغلبة الروم وفارس بعد ما غلبت منها فقال اللَّه- تعالى-: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [ (1) ] . اعلم أن عامة القرآن على ضم الغين من قوله: غُلِبَتِ الرُّومُ بمعنى أن فارس غلبت الروم، وروى عن ابن عمر وأبي سعيد الخدريّ وعليّ بن أبي طالب ومعاوية بن قرة أنهم قرءوا: غُلِبَتِ الرُّومُ بفتح الغين اللام. يا قالوا: أبا عبد الرحمن على أي شيء غلبوا؟ قال: على ريف الشام، قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: والصواب الّذي لا يجوز غيره الم* غُلِبَتِ بضم الغين لإجماع الحجة من القراءة عليه، قال: وتأويل الكلام غلبت فارس والروم في أدنى الأرض، ومن أرض الشام إلى فارس، وهم من بعد غلبهم، يقول والروم من بعد غلبة فارس إياهم سَيَغْلِبُونَ فارس فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ غلبهم، ومن بعد غلبهم إياهم، يقضي في خلقه ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويظهر من يشاء منهم على من أحب إظهاره عليه وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يقول: ويوم يغلب الروم فارس يفرح المؤمنون باللَّه ورسوله بنصر اللَّه إياهم على المشركين، ونصرة الروم على فارس، يَنْصُرُ اللَّه- تعالى [ذكره [ (2) ]]- مَنْ يَشاءُ من خلقه على، من يشاء، وهو نصره المؤمنين على المشركين ببدر وَهُوَ الْعَزِيزُ يقول: واللَّه الشديد في انتقامه من أعدائه لا يمنعه من ذلك مانع، ولا يحول بينه وبينه حائل الرحيم بمن تاب من خلقه، وراجع طاعته أن يعذبه. انتهى [ (3) ] . وفي قوله تعالي: أَدْنَى الْأَرْضِ، قراءات، إحداها: أداني بألف بعد دال مفتوحة، وبمعنى أقرب الأرض، وفيها قولان، أحدهما: في أداني أرض فارس، حكاه النقاش، والثاني، في أداني أرض الروم، قاله الجمهور،   [ (1) ] الروم: 1- 5. [ (2) ] زيادة للسياق من (تفسير الطبراني) . [ (3) ] (المرجع السابق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 165 والقراءة الثانية: أدنى بسكون الدال، وهي إجماع القراء، ومعناه أقرب، وفي أدنى أربعة أقوال، أحدها: طرف الشام، قاله ابن عباس، والثاني: الجزيرة فيما بين العراق والشام، وهي أقرب أرض الروم إلى فارس، قاله مجاهد، والثالث: الأردن وفلسطين، قاله السّدي ومقاتل، والرابع: أذرعات، قاله عكرمة ويحيى بن سلام. ويقال: إن قيصر بعث رجلا يدعى يحنس وبعث كسرى شهربراز فالتقيا بأذرعات وبصرى [ (3) ] ، وهي أدنى بلاد الشام إلى أرض العرب والعجم. قال ابن عطية: فإن كانت الوقعة بأذرعات فهي من أدنى الأرض بالقياس إلى مكة. وإن كانت الوقعة بالجزيرة فهي أدنى الأرض بالقياس إلى أرض كسرى، وإن كانت بالأردن فهي إلى أدنى أرض الروم. فلما جرى ذلك وغلبت الروم شرّ الكفار فبشّر اللَّه عباده المؤمنين بأن الروم سيغلبون، وتكون الدولة لهم في الحرب، وكان في هذا الإخبار دليل على نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأن الروم غلبت من فارس، فأخبر اللَّه نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، وأن المؤمنين يفرحون بذلك لأن الروم نصارى أهل كتاب وهو الإنجيل، فكان هذا من علم الغيب الّذي أخبر اللَّه- تعالى- به مما لم يكن، فكان كما أخبر. قال الزجاج وهذا يدل على أن القرآن من عند اللَّه، لأنه أنبأ بما سيكون، وهذا لا يعلمه إلا اللَّه. وقد اختلف في البضع فقال ابن سيده: البضع أو البضع ما بين الثلاث إلى العشر أولها من الثلاثة إلى العشر مضاف إلى ما تضاف إليه الآحاد، كقوله- تعالى-: فِي بِضْعِ سِنِينَ وقوله: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ [ (1) ] ويبني مع العشرة كما يبني سائر الآحاد، فيقال: بضعة عشر رجلا، وبضع عشرة امرأة، ولم يسمع بضعة عشر ولا بضع عشرة رجلا، وبضع عشر امرأة. ولا يمتنع ذلك. وقيل: البضع من الثلاث إلى التسع وقيل هو ما بين الواحد إلى الأربعة وقال الهرويّ: العرب تستعمل البضع فيما بين الثلاث إلى التسع، والبضع والبضعة واحد ومعناهما القطعة من العدد.   [ (3) ] أذرعات وبصر: أسماء أماكن. [ (1) ] يوسف: 42. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 166 وحكى عن أبي عبيدة أنه قال: البضع ما دون نصف العقد، يريد ما بين واحد إلى أربعة، وهذا ليس بشيء، لأن في الحديث أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: يا أبا بكر، هل احتطت فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع. وحكى الثعلبي أن أكثر المفسرين على أن البضع سبع، وقال الماوردي: وهو قول لأبي بكر الصديق، وقال مجاهد: من ثلاث إلى تسع، وقال الأصمعي: من ثلاث إلى عشر، وحكى الزجاج: ما بين الثلاث إلى الخمس [ (1) ] .   [ (1) ] البضع والبضع، بالفتح والكسر: ما بين الثلاث إلى العشر، وبالهاء: من الثلاثة إلى العشرة، يضاف إلى ما تضاف إليه الآحاد، لأنه قطعة من العدد، كقوله- تعالى- فِي بِضْعِ سِنِينَ [يوسف: 42] . وتبني مع العشرة كما تبنى سائر الآحاد، وذلك من ثلاثة إلى تسعة، فيقال: بضعة عشر رجلا، وبضع عشرة جارية، قال ابن سيده: ولم نسمع بضعة عشر ولا بضع عشرة، ولا يمتنع ذلك. وقيل: البضع من الثلاث إلى التسع، وقيل: من أربع إلى تسع، وفي التنزيل فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ، قال الفراء: البضع ما بين الثلاثة إلى ما دون العشرة، وقال شمر: البضع لا يكون أقل من ثلاثة ولا أكثر من عشرة، وقال أبو زيد: أقمت عنده بضع سنين، وقال بعضهم: بضع سنين، وقال أبو عبيدة: البضع ما لم يبلغ العقد ولا نصفه، يريد ما بين الواحد إلى أربعة. ويقال: البضع سبعة، وإذا جاوز لفظ العشر ذهب البضع، لا تقل: بضع وعشرون. وقال أبو زيد: يقال له: بضع وعشرون رجلا وله بضع وعشرون امرأة. وقال ابن بري: وحكى عن الفراء في قوله- تعالى-: بِضْعِ سِنِينَ أن البضع لا يذكر إلا مع العشر والعشرين إلى التسعين، ولا يقال فيما بعد ذلك، يعني أنه يقال مائة ونيف. (لسان العرب) : 8/ 14- 15. وقال محمد بن إسماعيل اللغويّ النحويّ: البضع: ما بين العقدين من واحد إلى عشرة، ومن أحد عشر إلى عشرين، ومع المذكر بهاء، ومع المؤنث بغير هاء: بضعة وعشرون رجلا، وبضع وعشرون امرأة. (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) : 2/ 250. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 167 وقد روى أن إيقاع الروم بالفرس كان يوم بدر، وروى أنه كان يوم الحديبيّة، وأن الخبر وصل يوم بيعة الرضوان، قاله عكرمة وقتادة. قال ابن عطية: في كلا اليومين كان نصر من اللَّه- تعالى- للمؤمنين، وقد قيل: إن سبب فرح المؤمنين بغلبة الروم وهمهم أن يغلبوا، لأن الروم أهل الكتاب كالمسلمين، فهم أقرب من أهل الأوثان، وقيل: فرحوا لإنجاز اللَّه وعده، إذ فيه دليل على النبوة، ولأنه- تعالى- أخبر بما يكون في بضع سنين، فكان كذلك، وقيل، لأن الفطرة جبلت على محبة أن يغلب العدو الأصغر، لأنه أيسر مئونة، بخلاف العدو الأكبر إذا كان الغلب له فإن الخوف يكثر منه. وقيل: فرحوا بنصر الرسول على المشركين يوم بدر، قال القرطبي: ويحتمل أن يكون سرورهم بالجموع من ذلك فسروا بظهورهم على عدوهم، وبظهور الروم، وبإنجاز وعد اللَّه- تعالى-. خرّج أبو عيسى الترمذي من حديث نصر بن عليّ الجهضميّ قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن سليمان الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد قال: لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت الم* غُلِبَتِ الرُّومُ إلى قوله: يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ اللَّه قال: ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس [ (1) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، هكذا قرأ نصر بن علي: غُلِبَتِ الرُّومُ [ (2) ] . وخرّج من حديث معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري، عن سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قوله الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى   [ () ] وقال أبو القاسم الراغب الأصفهاني: والبضع بالكسر المنقطع من العشرة، ويقال: ذلك لما بين الثلاث إلى العشرة، وقيل: بل هو فوق الخمس ودون العشرة، قال- تعالى-: بِضْعِ سِنِينَ. (المفردات في غريب القرآن) : 50. [ (1) ] سنن الترمذي: 5/ 320، كتاب تفسير القرآن، باب (31) ومن سورة الروم، حديث رقم (3192) . [ (2) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 168 الأرض قال: غلبت وغلبت، كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل كتاب فذكروه لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فذكره أبو بكر لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أما إنهم سيغلبون، فذكره أبو بكر لهم فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين فلم يظهروا، فذكروا ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ألا جعلته إلى دون؟ قال: أراه العشر، قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر، قال: ثم ظهرت الروم بعد. قال: فذاك قوله- تعالى-: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ إلى قوله: يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ، قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر [ (1) ] . قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب، إنما نعرفه من حديث سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي عمرة. وخرّجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] . وخرّج الترمذي من حديث محمد بن خالد بن عثمة قال: حدثني عبد اللَّه ابن عبد الرحمن الجمحيّ، قال: حدثني ابن شهاب الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لأبي بكر في مناحبة الم* غُلِبَتِ الرُّومُ: ألا احتطت يا أبا بكر، فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع [ (3) ] . وخرّجه بقي من حديث معن بن عيسى قال: حدثنا عبيد اللَّه بن عبيد الرحمن الجمحيّ، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: لما نزلت: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ ناحب أبو بكر قريشا، ثم ذكر ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا أبا بكر هلا احتطت فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع [ (4) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3193) . [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 444، كتاب التفسير، باب (30) تفسير سورة الروم، حديث رقم (3539) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 321، كتاب تفسير القرآن، باب (31) ومن سورة الروم حديث رقم (3191) . والمناحبة: المراهنة، وقوله: «احتطت» من الاحتياط. [ (4) ] راجع التعليق السابق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 169 وخرّج الترمذي من حديث ابن أبي الزناد، عن أبي الزناد، عن عروة بن الزبير، عن نيار بن مكرم الأسلميّ قال: لما نزلت: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم، لأنهم وإياهم أهل كتاب، وذلك قول اللَّه- تعالى-: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ فكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان يبعث، فلما أنزل اللَّه هذه الآية خرج أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصيح في نواحي مكة الم* غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ. قال ناس من قريش لأبي بكر: فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال بلى، وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والمشركون وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر: كم تجعل؟ البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسمّ بيننا وبينك وسطا ننتهي إليه، قال: فسموا بينهم ست سنين قال: فمضت الست سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين لأن اللَّه- تعالى- قال: في بضع سنين، قال: وأسلم عند ذلك ناس كثيرة [ (1) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن غريب من حديث نيار بن مكرّم لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد [ولا نعرف النيار بن مكرم، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم غير هذا الحديث] [ (2) ] . وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن منصور، عن أبي الضحاك، عن مسروق، عن ابن مسعود قال: مضت آية الروم، وقد مضى فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً [ (3) ] واللزام القتل يوم بدر، وقد مضت البطشة الكبرى يوم بدر.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3194) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط. [ (3) ] آخر آية من سورة الفرقان. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 170 وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق وقال: قال عبد اللَّه: خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والفرس والروم. وكان من خبر هذه الحادثة أن كسرى أبرويز بن هرمز ملك فارس تزوج مريم ابنة موريق قيصر ملك الروم فإنه من القسطنطينية دار ملك الروم في تحمل عظيم ومعها عسكر عدته سبعون ألفا نجدة له على أعدائه، فسار بهم إلى أذربيجان، وحارب عدوه بهرام جوهين وهزمه، وعاد إلى المدائن دار ملك الأكاسرة، فنوطه ملكه وأعاد عساكر الروم إلى بلادهم بالحباء والكرامة فلما كان بعد أربع عشرة سنة من ملكه ثار على موريق قائد له يقال له: فوقاص وقتله، وملك بعده على الروم ودعي قيصر وتتبع أولاد موريق فقتلهم إلا واحدا منهم فرّ إلى كسرى أبرويز وأعلمه بما كان من قتل أبيه وإخوته، فغضب لذلك وندب فرحان يقال له شهربراز لمحاربة الروم على عساكر كثيرة، وأخرج معه قائد من قواده، فمضى أحدهما في طائفة من العسكر إلى الشام فخرب معابد الروم وقتل رجالهم وأسروهم وسبي ونهب الأموال وتهبط القدس، وبعث بخشبة الصليب إلى كسرى، ومضى القائد الآخر إلى مصر، وملك الإسكندرية وقد صالحه أهل مصر وسار فرحان شهربراز فوطئ الشلم ولقي جيوش الروم بأذرعات وبصري فهزمها وظفر، وسبى، وغنم، ومضى إلى بلاد الروم فقتل وسبي وخرب المدائن، وقطع الأشجار حتى نزل على خليج القسطنطينية، وبعث إليهم أهل صلوقية بعدة سفن تحمل المير، وعليها هرقل بن هرقل التونيس أحد البطارقة فسرّوا بقدومه، وجاءه الأعيان [فرضوا] منه عقلا رصينا، وحزما وافرا، وسياسة جيدة ورأيا صائبا، فكلمهم بما نزل بهم من الفتن والشدائد وطعن على الملك فوقاص قيصر وما زال بهم حتى رضوا به ملكا عليهم وخلفوا له فثار بهم على فوقاص وقبله واستبد بملك الروم، وكتب إلى كسرى أن يلتزم في كل سنة بحمل ألف قنطار من ذهب، وألف قنطار من فضة، وألف جارية بكر، وألف فارس، وألف ثوب أطلس، وأن يعجل قطيعة سنة، فالتزم ذلك وسأل أن يفرج عن حصاره وأن يمهله ستة أشهر حتى يخرج إلى الأعمال، ويحيى ذلك منها كل ذلك خديعة منه، فمشى على كسرى ذلك وأمرنا بالإفراج عنه فتنحت العساكر إلى بعض المروج وخرج هرقل من القسطنطينية بعد ما أقام عليها أخاه قسطنطين، وانتخب معه خمسة آلاف فارس، فأوغل في بلاد أرمينية، وقصد الجزيرة ونزل على نصيبين، وقائل أهلها حتى ملكها، وقتل الجزء: 14 ¦ الصفحة: 171 الفرس أفدح قتل، وأسر، وسبى، وخرب المدائن، فبعث كسرى بعسكر إلى الموصل، وكتب يستدعي فرخان شهربراز لمحاربة هرقل فاتفق في أثناء ذلك ينكر كسرى أبرويز على فرخان شهربراز وعزمه على قتله، فلما بلغه ذلك انحرف عنه إلى هرقل، وكتب إليه بدخوله في حملته وسار إليه حتى لقيه إلى نصيبين، فقوى به، ومضى يريد كسرى وأوقع بجنوده حتى قاربا المدائن فأخذ كسرى أبرويز في الحيلة على هرقل ومكر به حتى أوقع بينه وبين فرخان شهربراز، ورجع إلى بلاده. وفي هذه الحادثة أنزل اللَّه- تعالى-: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ يعني أذرعات وبصرى، فإنّها أدنى أرض الروم إلى الفرس، وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين، فساء النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه ظفر الفرس بالروم لأنهم أهل كتاب وفرح المشركون بذلك لأن المجوس إخوانهم في الشرك باللَّه، فلما نزلت هذه الآية راهن أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أبيّ بن خلف على مائة بعير بأن الظفر يكون للروم بعد تسع سنين، فغلب أبو بكر أبيّ بن خلف، وجاء الخبر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بظفر الروم بفارس يوم الحديبيّة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 172 وأما إعلامه صلى اللَّه عليه وسلم بالفتن [ (1) ] قبل كونها فخرّج البخاريّ من حديث سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة [ (2) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لقد خطبنا النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه وجهله من جهله إن   [ (1) ] الفتن: جمع فتنة، قال الراغب: أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته، ويستعمل في إدخال الإنسان النار، ويطلق على العذاب كقوله- تعالى-: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ وعلى ما يحصل عند العذاب كقوله- تعالى- أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، وعلى الاختبار كقوله- تعالى-: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً، وفيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وفي الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا، قال- تعالى-: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، ومنه قوله- تعالى- وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ أي يوقعونك في بلية وشدة في صرفك عن العمل بما أوحى إليك. وقال أيضا: الفتنة تكون من الأفعال الصادرة من اللَّه ومن العبد، كالبلية والمصيبة، والقتل والعذاب، والمعصية، وغيرها من المكروهات: فإن كانت من اللَّه- تعالى- فهي على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر اللَّه فهي مذمومة، فقد ذم اللَّه الإنسان بإيقاع الفتنة كقوله- تعالى- وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وقوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وقوله- تعالى-: ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ وقوله- تعالى-: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ وكقوله- تعالى-: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ. وقال غيره: أصل الفتنة: الاخبار، ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه، ثم أطلقت على كل مكروه أو آئل إليه، كالكفر، والإثم، والتحريق، والفضيحة، والفجور، وغير ذلك. (مفردات القرآن) : 371- 372 مختصرا. [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 604، كتاب القدر، باب (4) وكان أمر اللَّه قدرا مقدرا حديث رقم (6604) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 173 كنت لأرى الشيء قد نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه ذكره في أول كتاب القدر [ (1) ] . وخرّجه مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] من حديث جرير، عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة قال: قام فينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدّث به، حفظه من حفظه ونسبه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء وأنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه. وخرّجه من طريق سفيان، عن الأعمش بهذا الإسناد إلى قوله: ونسيه من نسيه، ولم يذكر ما بعده [ (4) ] . وخرّج مسلم من حديث حجاج، عن عاصم، عن عزرة بن ثابت قال: حدثنا علباء بن أحمر، قال: حدثني [يعني عمرو بن أخطب] [ (5) ] قال: صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا [ (6) ] . ومن حديث شعبة عن عدي بن ثابت، عن عبد اللَّه بن يزيد، عن حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: أخبرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بما هو كائن   [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 604، كتاب القدر، باب (4) وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً، حديث رقم (6604) . [ (2) ] (مسلم بشرح النوويّ) : 18/ 232، كتاب الفتن، باب (6) إخبار النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة، حديث رقم (23) . [ (3) ] (سنن أبي داود) : 4/ 441، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (1) ذكر الفتن ودلائلها، حديث رقم (4240) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 232، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (6) إخبار النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة، الحديث الّذي يلي رقم (23) بدون رقم. [ (5) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) . [ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (24) (المرجع السابق) : حديث رقم (25) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 174 إلى أن تقوم الساعة فما منه شيء إلا قد سألته إلا إني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة [ (1) ] . وخرّج أبو داود من حديث ابن فروخ [ (2) ] ، قال: حدثنا أسامة بن زيد قال: أخبرني ابن لقبيصة بن ذؤيب، عن أبيه قال: قال حذيفة بن اليمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- واللَّه ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا؟ واللَّه ما ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته [ (3) ] . وخرّج الترمذي [ (4) ] من طريق حماد بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما صلاة العصر بنهار ثم قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، وفي الحديث قصة ذكرها [ (5) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (24) . [ (2) ] اسمه عبد اللَّه بن فروخ، وكنيته أبو عمر، خراسانيّ من أهل مرو، قدم مصر، وخرج إلى المغرب، ومات بها، قال المنذري: وقد تكلم فيه غير واحد. [ (3) ] (سنن أبي داود) : 4/ 443، كتاب الفتن والملاحم، باب (1) ذكر الفتن ودلائلها، حديث رقم (4243) . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 419- 420، كتاب الفتن، باب (26) ما جاء ما أخبر النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة، حديث رقم (2191) . [ (5) ] إلى هنا آخر الحديث (بالأصل) ، وتمامه: «وكان فيما قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن اللَّه مستخلفكم فيها فانظر كيف تعلمون، ألا فاتقوا الدنيا [اجعلوا بينكم وبينها وقاية بترك الحرام وترك الإكثار منها والزهد فيها] واتقوا النساء، وكان فيما قال: ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه، قال: فبكى أبو سعيد فقال: قد واللَّه رأينا أشياء فهبنا، فكان فيما قال: ألا إنه ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته، ولا غدرة أعظم من غدرة إمام عامة يركز لواؤه عن استه، فكان فيما حفظنا يومئذ: ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى، فمنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا، ومنهم يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا، ألا وإن منهم البطيء الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء، فتلك. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 175 وقال: وفي الباب عن حذيفة وأبي مريم وأبي زيد بن أخطب والمغيرة بن شعبة [وذكروا أن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حدثهم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة] [ (1) ] وهذا حديث حسن [ (2) ] .   [ () ] بتلك، ألا وإن منهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، ألا وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وإن منهم حسن القضاء حسن الطلب، ومنهم شيء القضاء حسن الطلب، ومنهم حسن القضاء شيء الطلب، فتلك بتلك، ألا وإن منهم الشيء القضاء الشيء الطلب، ألا وخيرهم الحسن القضاء الحسن الطلب، ألا وشرهم شيء القضاء شيء الطلب، ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه، فمن أحسّ بشيء من ذلك فليلصق بالأرض. قال: وجعلنا نلتفت إلى الشمس هل بقي منها شيء؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه. [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (سنن الترمذي) . [ (2) ] قال في هامش (جامع الأصول) : في سنده عليّ بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، ومع ذلك فقد قال الترمذيّ: هذا حديث حسن، قال: ولبعض فقرائه شواهد. وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1325، كتاب الفتن، باب (19) فتنة النساء، حديث رقم (4000) مختصرا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 176 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بإتمام اللَّه تعالى أمره وإظهار دينه فقال اللَّه- تعالى-: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ (1) ] وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث إسماعيل، عن قيس، عن خبّاب بن الأرتّ قال: شكونا إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو اللَّه لنا؟ قال: كان الرجل في من قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق بأثنين وما يصده عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ما يصده ذلك عن دينه، واللَّه ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللَّه والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون. ذكره في باب علامات النبوة في الإسلام [ (3) ] . وخرجه في كتاب مناقب الأنصار [ (4) ] من طريق بيان وإسماعيل قالا: سمعنا قيسا يقول: سمعت خبّابا يقول: أتيت النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة- وقد لقينا من المشركين شدة- فقلت: يا رسول اللَّه ألا تدعو اللَّه لنا؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه. وليتمنّ اللَّه هذا الأمر حتى يسير   [ (1) ] التوبة: 33، الفتح: 28، الصف: 9. [ (2) ] التوبة: 33، الصف: 9. [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 768، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3612) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 7/ 209، كتاب مناقب الأنصار، باب (29) ما لقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه من المشركين بمكة، حديث رقم (3852) ، وفي (الأصل) : «وخرجه في أول المبعث) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 177 الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا اللَّه. زاد بيان والذئب على غنمه. وذكره في كتاب الإكراه [ (1) ] . قال كاتبه: قد صدق اللَّه ورسوله فأعلى اللَّه- تعالى- دين نبيه محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم على أهل الأديان كلهم فغلبت ملته ملة اليهود، وأخرجهم أصحابه من بلاد العرب، وغلبوا النصارى على بلاد الشام، ومصر، إلى ناحية الروم والمغرب، وغلبوا المجوس على ملكهم بالعراق، وبلاد فارس، وغلبوا عبّاد الأصنام على كثير من بلادهم، فيما يلي الترك، والهند، وكذلك سائر الأديان، وأطلع اللَّه- تعالى- مع ذلك نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم على شرائع الدين، حتى لا يخفي عليه شيء منه. قال الشافعيّ- رحمه اللَّه-: قد أظهر اللَّه جل ثناؤه دينه الّذي بعث [به] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأديان، بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق، وما خالفه من الأديان باطل، وأظهر بيان جماع الشرك دينان: دين أهل الكتاب، ودين الأميين. فقاتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأميين حتى دنوا بالإسلام طوعا وكرها، وقتل من أهل الكتاب، وسبى، حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعضهم الجزية صاغرين، وجرى عليهم حكمه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهذا ظهور الدين كله.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 12/ 390، كتاب الإكراه، باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر، حديث رقم (6943) . 0 الجزء: 14 ¦ الصفحة: 178 وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بما يفتح اللَّه تعالى لأمّته من الفتوح بعده قوله- تعالى-: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [ (1) ] . فخرج مسلم من حديث شعبة، عن أبي مسلمة قال: سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن اللَّه مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة من بني إسرائيل كانت في النساء. ذكره في آخر كتاب الذكر والدعاء [ (2) ] . وخرجه النسائيّ في آخر كتاب العشرة وقال: لننظر كيف تعملون [ (3) ] . وخرّج البيهقيّ [ (4) ] من طريق زيد بن الحباب، قال: حدثنا سفيان، عن المغيرة الخراسانىّ، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ بن ابن كعب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بشر هذه الأمة بالسناء، والرفعة، والنصر، وبالتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب.   [ (1) ] النور: 55. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 60، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب (26) باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان فتنة النساء، حديث رقم (99) . [ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 317، باب قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [النور: 55] . [ (4) ] (المرجع السابق) : 318. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 179 وخرجه من طريق إسحاق بن سليمان الرازيّ، عن المغيرة بن مسلم السراج، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب قال: جاء جبريل إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: بشر هذه الأمة ... الحديث [ (1) ] . ومن طريق أبي سعيد بن الأعرابي، عن محمد بن إسماعيل [الصائغ] [ (2) ] عن عفان، عن عبد العزيز بن مسلم، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بشر هذه الأمة بالسناء، والنصر، والتمكين، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب. قال الصائغ: رواه رجلان: عبد العزيز بن مسلم والمغيرة بن مسلم [ (3) ] . وأخرجه الفرياني من حديث سفيان، عن المغيرة بمكة، وقال سيف بن عمر عن عبيدة، عن يزيد الضخم قال: قال قائل لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يعني في قتال أهل الردة: وما أراك تتحايز لما قد بلغ من الناس ولما يتوقع في إغارة العدو؟ فقال: ما دخلني إشفاق ولا دخلني الدين، ومنه إلى أحد بعد ليلة القار فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين رأى إشفاقي عليه وعلى الدين قال لي: هون عليك، اللَّه عز وجل قد [وعدني] لهذا الأمر بالنصر والتمام. وخرّج الحاكم من حديث سفيان، عن المغيرة، عن الربيع بن أنس كما تقدم وقال: حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه] [ (4) ] . وخرّج البخاري في غزوة بدر من حديث معمر ويونس عن الزهري وعروة [ (5) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 318. [ (2) ] من (الأصل) فقط. [ (3) ] (المرجع السابق) : 318. [ (4) ] (المستدرك) : 4/ 354، كتاب الرقاق، حديث رقم (7895) وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : فيه من الضعفاء محمد بن الأشرس السلمي وغيره. [ (5) ] (فتح الباري) : 7/ 405- 406، كتاب المغازي، باب (12) بدون ترجمة، حديث رقم (4015) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 180 وخرّج مسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير أنه أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمرو بن عوف- وهو حليف لبني عامر بن لؤيّ وكان شهد بدرا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين وأمّر عليهم العلاء ابن الحضرميّ فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انصرف فتعرضوا له، فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين رآهم، ثم قال: أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟ فقالوا: أجل يا رسول اللَّه، قال: فأبشروا وأمّلوا ما يسركم، فو اللَّه ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم. لفظهم فيه متقارب. وقال النسائيّ فيه: فو اللَّه ما من الفقر أخشى عليكم، وقال فتنافسوا فيها كما تنافسوا، وخرّجه البخاري في أول كتاب الجزية [ (3) ] وفي كتاب الرقاق [ (4) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 307، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (6) . [ (2) ] لعله في (الكبرى) . [ (3) ] (فتح الباري) : 316- 317، كتاب الجزية والموادعة، باب (1) الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، حديث رقم (3158) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 1/ 292- 293، كتاب الرقاق، باب (7) ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، حديث رقم (6425) . وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 552- 553، كتاب صفة القيامة والرقاق والورع، باب (28) بدون ترجمة، حديث رقم (2462) . وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1324- 1325، كتاب الفتن، باب (18) فتنة المال، حديث رقم (3997) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 428، حديث رقم (18436) ، من حديث المسور بن مخرمة، وأخرجه البيهقيّ في (دلائل النبوة) : 6/ 319. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 181 وخرّج البخاريّ في باب علامات النبوة في الإسلام [ (1) ] من حديث ابن مهدي عن سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل لكم من أنماط؟ قلت: وأنّي يكون لنا الأنماط؟ قال: أما وإنها ستكون لكم الأنماط، فأنا أقول لها- يعني امرأته- أخري عنا أنها أنماطك، فتقول: ألم يقل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بأنها ستكون لكم الأنماط فأدعها. وخرجه في كتاب النكاح [ (2) ] من حديث قتيبة، عن سفيان بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هل اتخذتم الأنماط؟ قلت: يا رسول اللَّه! وأنّي لنا الأنماط؟ قال: إنها ستكون. وخرّجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] من حديث سفيان، عن ابن المنكدر، عن جابر قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تزوجت: اتخذت أنماط؟ قلت: وأني لنا أنماط؟ قال: أما إنها ستكون. وقال أبو داود: أما إنها ستكون لكم أنماط ولم يقل: لما تزوجت. وخرّج البخاريّ من طريق عبد الرزاق قال: حدثنا ابن جريح، قال: أخبرني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن الزبير، عن سفيان بن   [ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 780، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3631) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 9/ 280، كتاب النكاح، باب (62) الأنماط ونحوها من للنساء، حديث رقم (5161) ، والنمط بساط له خمل رقيق. [ (3) ] والزينة، باب (7) جواز اتخاذ الأنماط، حديث رقم (39) ، (40) ، وفيها جواز اتخاذ الأنماط إذا لم تكن من الحرير، وفيه معجزة ظاهرة بإخباره بها، وكانت كما أخبر. (شرح النوويّ) . [ (4) ] (سنن أبي داود) : 4/ 380- 381، كتاب اللباس، باب (45) في الفرش، حديث رقم (4145) . وأخرجه الترمذي في (السنن) : 5/ 92- 93، كتاب الأدب، باب (26) ما جاء في الرخصة في اتخاذ الأنماط، حديث رقم (2774) . وأخرجه النسائيّ في (السنن) : 6/ 446، كتاب النكاح، باب (83) الأنماط، حديث رقم (3286) . وأخرجه البيهقيّ في (دلائل النبوة) : 6/ 319. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 182 أبي زهير [النميري] قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون [ (1) ] فيتحملون [ (2) ] بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح الشام فيأتي قوم فيبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وقال البخاري: إنه قال: سمعت رسول اللَّه. وقال: وتفتح الشام، قال: وتفتح العراق، لم يذكرهم [ (3) ] . وخرّجه النسائيّ من حديث مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن الزبير، عن سفيان بن أبي زهير قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول ... الحديث بمثله أو نحوه. ولمسلم من حديث وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن الزبير، عن سفيان بن أبي زهير قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يفتح الشام   [ (1) ] يبسون: يسوقون دوابهم سوقا لينا. [ (2) ] يتحملون: أي من المدينة راحلين إلى اليمن. [ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 111، كتاب فضائل المدينة، باب (5) من رغب عن المدينة، حديث رقم (1874) . وأخرجه مسلم في كتاب الحج باب (90) الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار، حديث رقم (497) . وأخرجه البيهقيّ في (دلائل النبوة) : 6/ 320. قوله: «تفتح اليمن» قال ابن عبد البرّ وغيره: افتتحت اليمن في أيام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي أيام أبي بكر، وافتتحت الشام بعدها، والعراق بعدها. وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد وقع على وفق ما أخبر به النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلى ترتيبه، ووقع تفرق الناس في البلاد، لما فيها من السعة والرخاء، ولو صبروا على الإقامة بالمدينة لكان خيرا لهم. وفي هذا الحديث فضل المدينة على البلاد المذكورة، وهو أمر مجمع عليه، وفيه دليل على أن بعض البقاع أفضل من بعض، ولم يختلف العلماء في أن للمدينة فضلا على غيرها، وإنما اختلفوا في الأفضلية بينها وبين مكة. (فتح الباري) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 183 فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسّون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح اليمن فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسّون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعملون، ثم يفتح العراق فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون [ (1) ] . وخرّج البخاري من حديث ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: اللَّهمّ بارك لنا في شامنا، اللَّهمّ بارك لنا في يمننا قالوا: يا رسول اللَّه وفي نجدنا؟ قال: اللَّهمّ بارك لنا في شامنا، اللَّهمّ بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول اللَّه وفي نجدنا قال: فأظنه قال في الثالثة: هنالك بالزلازل والفتن وبها يطلق قرن الشيطان [ (2) ] . قال ابن عبد البر: دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم للشام يعني أهلها؟ لأهل الشام سينتقل إليها الإسلام وكذلك وقت لأهل نجد قرنا علما منه بأن العراق ستكون كذلك وهذا من أعلام نبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرّج البخاريّ من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد اللَّه بن العلاء بن زبير قال: سمعت بسر بن عبيد اللَّه أنه سمع أبا إدريس الخولانيّ قال: سمعت عوف ابن مالك قال: أتيت النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: أعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطي الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا تبقى بيت من بيوت العرب إلا دخلته، ثم هدنة بينكم وبين بني الأصفر فيعذرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا. ذكره في آخر الجزية [ (3) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 167، كتاب الحج، باب (90) الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار، حديث رقم (496) . [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 57، كتاب الفتن باب (16) قول النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: الفتنة من قبل المشرق حديث رقم (7094) . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 340- 341، كتاب الجزية والموادعة، باب (15) ما يحذر من الغدر وقوله- تعالى- وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ، حديث رقم (3176) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 184 الموتان بضم الميم وسكون الواو: هو الموت الكثير السريع وقوعه وكذلك شبهه كقعاص الغنم وهو يأخذ الغنم لا يلبسها أن تموت والعقص أن يضرب الإنسان فيموت مكانه سريعا فشبه الموتان به. وخرّج مسلم من طريق حرملة بن عمران التجيبي، عن عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: سمعت أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما، فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها قال: فمر بربيعة وعبد الرحمن بني شرحبيل بن حسنة يتنازعان في موضع لبنة فخرج منها [ (1) ] - ومن حديث حرملة، عن عبد الرحمن بن شماسة، عن أبي بصرة، عن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فإذ فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما أو قال: ذمة وصهرا، فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها قال: فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها [ (2) ] / وروى ابن يونس من حديث ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميري، عن بحير بن داخل المعافري، عن عمرو بن العاص حدثني عمر أمير المؤمنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إذا فتح اللَّه عليكم بعدي مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض، قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولم يا رسول اللَّه؟ قال: لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة [ (3) ] . قال قاسم بن أصبغ: حدثنا محمد بن وضاح، عن محمد بن مصفى حدثنا بقية، عن ابن أبي مريم قال: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 330، كتاب فضائل الصحابة باب (56) وصية النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بأهل مصر، حديث رقم (226) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (227) . [ (3) ] (كنز العمال) : 14/ 168، حديث رقم (38262) باختلاف يسير في اللفظ، وعزاه إلى ابن عبد الحكم في (فتوح مصر) وابن عساكر، وفيه لهيعة عن الأسود بن مالك الحميري، عن بحر بن داخر المعافري، ولم أر للأسود ترجمة، إلا أن ابن حبان ذكر في (الثقات) : أنه يروي عن بحر بن داخر، ووثق بحرا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 185 أبيه، عن أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: إنكم ستفتحون أرضا يقال لها الشام فإذا افتتحتموها فخير ثم منازلها. فعليكم بأرض دمشق فإنّها غير مدائن الشام، وهي معقل المسلمين من الملاحم، ونشاطهم بأرض منها يقال لها الغوطة [ (1) ] . وخرجه الإمام [ (2) ] أحمد من حديث أبي اليمان، حدثنا أبو بكر يعني ابن أبي مريم، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: حدثنا رجل من أصحاب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ستفتح عليكم الشام فإذا خيرتم المنازل فيها فعليكم بمدينة يقال لها دمشق، فإنّها معقل المسلمين في الملاحم، وفسطاطها منها بأرض يقال لها الغوطة. [وقد تقدم حديث علي بن حاتم: ولئن طالت بك حياة ليفتحن كنوز كسرى] [ (3) ] . وخرّج مسلم [ (4) ] من حديث المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فكتب إليّ: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم جمعة عشية رجم الأسلميّ، فقال: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش وسمعته يقول: عصيبة من المسلمين يفتحون البيت الأبيض بيت كسرى [ (5) ] ، أو آل كسرى وسمعته يقول: إن بين يدي الساعة كذا بين فاحذروهم، وسمعته يقول: إذا أعطى اللَّه أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته، وسمعته يقول: أنا فرطكم [ (6) ] على الحوض.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (38246) ، باختلاف يسير في اللفظ، وعزاه إلى ابن النجار. [ (2) ] (مسند أحمد) : 5/ 163، حديث رقم (17016) ، حديث رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (3) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط. [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 445، كتاب الإمارة، باب (1) الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش، حديث رقم (10) . [ (5) ] هذا من المعجزات الظاهرة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد فتحوه بحمد اللَّه في زمن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (6) ] الفرط بفتح الراء، ومعناه السابق إليه والمنتظر لسقيكم منه، والفرط والفارط هو الّذي يتقدم القوم إلى الماء ليهيئ لهم ما يحتاجون إليه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 186 وخرّج البخاريّ في باب علامات النبوة في الإسلام [ (1) ] من حديث الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: وأخبرني ابن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والّذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه. وخرجه في كتاب الأيمان والنذور، في باب كيف كانت يمين النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] ، من حديث شعيبة، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والّذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه عز وجل. وخرّج البخاريّ في كتاب الجهاد، في باب الحرب خدعة [ (3) ] ، من طريق عبد الرزاق حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: هلك كسرى، ثم لا يكون كسرى بعده. وقيصر ليهلكن، ثم لا يكون قيصر بعده ولتقسمنّ كنوزهما في سبيل اللَّه، وسمي الحرب خدعة. وخرجه مسلم في كتاب الفتن [ (4) ] من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر أحاديث منها، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الحديث بمثله   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 776، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام حديث رقم (3618) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 11/ 641، كتاب الأيمان والنذور، باب (3) كيف كانت يمين النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (6630) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 194، كتاب الجهاد والسير، باب (157) الحرب خدعة، حديث رقم (3027) ، (3028) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 257- 258، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (75) ، (76) ، (77) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 187 ولم يذكر قوله: وسمى الحرب خدعة، وقال: ولتنفقن، وفي بعض النسخ وتقسمن، كما قال البخاري. وخرّج البخاريّ في كتاب فرض الخمس [ (1) ] من حديث إسحاق، سمع جريرا، عن عبد الملك، عن جابر بن سمرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، فذكر بمثل حديث أبي هريرة سواء. وخرّجه في باب علامات النبوة في الإسلام [ (2) ] من حديث سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة يرفعه، قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده- وذكر قال: لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه. قال قاسم بن ثابت: معنى هذا الحديث- واللَّه تعالى أعلم- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجابهم على نحو مسألتهم، وذلك أن أهل مكة كانوا تجارا يرحلون إلى الشام والعراق ويضطربون في المعاش. قال ابن دريد: سمى العراق بعراق السفرة وهو الخرز المحيط بها، فقيل عراق لأنه استكف أرض العرب، وقيل سمي عراق بتواشح الشجر كناية، أراد عرقا وجمع عراقا، وقال الأصمعي: كانت العراق تسمى إران فعربوها فقالوا: العراق، وقال الخليل: شاطئ البحر، لأنه على شاطئ دجلة والفرات، حتى يتصل بالبحر، فلما افتتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة شكوا إليه كساد تجارتهم، وقلة مكسبهم، وانقطاعهم عن البلدان التي منها يميرون، وبها يتجرون، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، يريد لا يكون بعده بالعراق كسرى، ولا بالشام قيصر، بظهور الملة [المحمدية] [ (3) ] ويقال في نحو هذا الحديث: أنزل اللَّه- تبارك وتعالى-: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 270، كتاب فرض الخمس، باب (8) قول النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحلت لي الغنائم، وقال اللَّه عزّ وجلّ: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها [الفتح: 20] ، وهي للعامة حتى يبينه الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3121) . [ (2) ] (المرجع السابق) : كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3619) ، وفي (الأصل) نقل المقريزي- رحمه اللَّه- الحديث رقم (3618) بسند الحديث رقم (3619) ، والصواب ما أثبتناه. [ (3) ] زيادة للسياق والبيان. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 188 نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [ (1) ] وقال الأصمعي: كسرى بكسر الكاف. وخرّج مسلم [ (2) ] من حديث أبي عوانة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لتفتحن عصابة من المسلمين أو من المؤمنين [كنز آل كسرى] [ (3) ] الّذي في الأبيض. قال قتيبة: من المسلمين ولم يشك. وخرجه من حديث شعبة، عن سماك بمعنى حديث أبي عوانة [ (4) ] ذكرهما [ (5) ] في الفتن. قال البيهقي [ (6) ] : وإنما أراد هلاك قيصر الّذي كان ملك الشام وتنحية ملك القياصرة عنها، فصدق اللَّه- تعالى- قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ونحن عن الشام ملك القياصرة، ونحى عن الدنيا ملك الأكاسرة، وبقي للقياصرة ملك الروم، لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثبت اللَّه ملكه حين أكرم كتاب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أن يقضى اللَّه- تعالى- فتح القسطنطينية، ولم يبق للأكاسرة ملك لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: مزق ملكه حين مزق كتابه [ (7) ] . قال: وفي قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه إشارة إلى صحة خلافة أبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- لأن كنوزهما نقلت إلى المدينة، بعضها في زمان أبي بكر، وأكثرها في زمان عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقد أنفقاها في [مصالح] المسلمين، فعلمنا أن من   [ (1) ] التوبة: [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 358، كتاب الفتن وأشراط الساعة باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت منن البلاء، حديث رقم (78) . [ (3) ] في (الأصل) : «كنزا لكسرى» ، وما أثبتناه من (صحيح مسلم) . [ (4) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم. [ (5) ] في (الأصل) : «ذكره» . [ (6) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 393، باب ما جاء في الجمع بين قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا هلك قيصر فلا قيصر بعد، وما روى عنه من قوله في قيصر حين أكرم كتاب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثبت ملكه، وما ظهر من صدقه فيهما وفيما أخبر عنه من هلاك كسرى، وهو الصادق المصدوق صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (7) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 325. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 189 أنفقها كان له إنفاقها، وكان ولي الأمر في ذلك مصيبا فيما فعل من ذلك. وباللَّه التوفيق. وذكر البيهقيّ من طريق حماد حدثنا يونس، عن الحسن أن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أتى بفروة كسرى فوضعت بين يديه وفي القوم سراقة بن مالك بن جعشم قال: فألقى إليه سواري كسرى بن هرمز فجعلهما في يديه فبلغا منكبيه، فلما رآهما في يدي سراقة قال: الحمد للَّه! سواري كسرى بن هرمز في يدي سراقة بن مالك بن جعشم أعرابي من بني مدلج! وذكر الحديث [ (1) ] . قال الشافعيّ- رحمة اللَّه عليه- وإنما ألبسهما سراقة لأن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لسراقة ونظر إلى ذراعيه: كأني بك قد لبست سواري كسرى، قال الشافعيّ: وقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين أعطاه سواري كسرى: البسهما، ففعل، ثم قال: قل: اللَّه أكبر! قال: اللَّه أكبر، قال: الحمد للَّه الّذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن مالك بن جعشم أعرابيا [ (2) ] من بني مدلج [ (3) ] . وخرّج البيهقيّ من طريق أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي في (المعجم) لشيوخه قال: حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن هارون بن زياد القطيعي، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي خالد، عن قيس، عن عدي بن حاتم، قال: قال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: مثلت إليّ الحيرة كأنياب الكلاب وأنكم ستفتحونها فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه [هب] [ (4) ] لي ابنة بقيلة، قال: هي لك، فأعطوها إياها، فجاء أبوها فقال: أتبيعها؟ قال: نعم، قال: بكم؟ قال: احكم ما شئت، قال: ألف درهم قال: قد أخذتها، قالوا له: لو قلت ثلاثين ألفا لأخذها، قال: وهل عدد أكثر من ألف؟ [ (5) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 325. [ (2) ] في (الأصل) : «أعرابي» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) ، وهو حق اللغة. [ (3) ] (المرجع السابق) : 236. [ (4) ] من (الأصل) فقط. [ (5) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 326. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 190 وخرّجه ابن حبان في (صحيحه) من حديث محمد بن يحيى بن أبي عمر هكذا وقع في هذه الرواية أن الشيماء اشتراها أبوها والمشهور أن الّذي اشتراها عبد المسيح أخوها [ (1) ] . وخرّج الطبراني من حديث أبي السكين زكريا بن يحيى قال: حدثني عمها زجر بن حصن، عن جدي حميد بن منهب قال: قال خزيم بن أوس هذه لأم الطائي بن حارثة بن لام الطاي سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي وهذه الشيماء بنت بقيلة الأزدية على بغلة سوداء بخمار أسود كما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فعلقت بها وقلت: هذه وهبها لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فدعاني خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عليها فأتيته بها فسلمها إليّ ونزل إلى أخيها عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حبان بن بقيلة فقال لي: يعنيها، فقلت لا أنقصها واللَّه من عشر مائة شيئا، فدفع إليّ ألف درهم فقيل لي: لو قلت مائة ألف لدفعتها إليك، فقلت: ما كنت أحسب أن مالها أكثر من عشر مائة قال وبلغني في غير هذا: أن الشاهدين كانا محمد بن مسلمة وعبد اللَّه بن عمرو. وقال كاتبه: وقد أخبرني بشير بن سعد بدل ابن عمر هذا الحديث غريبا أخرجه ابن شاهين في الصحابة من هذا الوجه وأبو السكين من رجال البخاريّ وحميد لا بأس به، وزخر معروف النسب مجهول الحال وخزيم طائي شيبانيّ فأعله. وخرّج البيهقيّ من طريق سعيد بن عبد العزيز قال: حدثني مكحول، عن أبي إدريس الخولانيّ، عن عبد اللَّه بن حوالة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إنكم ستجندون أجنادا: جند بالشام، وجند بالعراق وجند باليمن، قال: فقلت: يا رسول اللَّه خر لي، قال: عليك بالشام، فمن أتى فليلحق بيمنه فليسق من غدره، فإن اللَّه قد تكفل لي بالشام وأهله [ (2) ] .   [ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 65، كتاب التاريخ، باب (10) إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عما يكون في أمته من الفتن والحوادث، حديث رقم (6674) ، وقال في هامشه: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن يحيى بن أبي عمر، فمن رجال مسلم، سفيان هو ابن عيينة. [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 326. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 191 ومن طريق سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول وربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولانيّ، عن عبد اللَّه بن حوالة الأزدي قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إنكم ستجندون أجنادا: جندا بالشام، وجندا بالعراق، وجندا باليمن، فقلت: خر لي يا رسول اللَّه، قال عليك بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن اللَّه قد تكفل لي بالشام وأهله. فسمعت أبا إدريس يقول: من تكفل اللَّه به، فلا ضيعة عليه [ (1) ] . ومن طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا عبد اللَّه بن يوسف، عن يحيى بن حمزة، قال: حدثني أبو علقمة نصر بن علقمة يرد الحديث إلى جبير بن نفير، قال: قال عبد اللَّه بن حوالة: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فشكونا العرى والفقر وقلة الشيء، قال: أبشروا فو اللَّه لأنا بكثرة الشيء أخوفني عليه من قلته، واللَّه لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح اللَّه أرض فارس، وأرض الروم، وأرض حمير، وحتى تكونوا أجنادا ثلاثة: جندا بالشام، وجندا بالعراق، وجندا باليمن وحتى يعطى الرجل المائة فيسخطها، قال ابن حوالة: قلت يا رسول اللَّه! ومن يستطيع الشام وبه الروم ذات القرون؟ قال: واللَّه ليفتحنها عليكم وليستخلفنكم فيها حتى تظل العصابة البيض منكم قمصهم الملحمة، أقفاؤهم قياما على الرويجل الأسود منكم المخلوق، وما أمرهم من شيء فعلوه، وذكر الحديث [ (2) ] . قال أبو علقمة: فسمعت عبد الرحمن بن جبير يقول فعرف أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نعت هذا الحديث في جزء بن سهيل السلمي وكان على الأعاجم في ذلك الزمان، فكان إذا راحوا إلى مسجد نظروا إليه وإليهم قياما حوله، فعجبوا لنعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيه وفيهم [ (3) ] . ومن طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية ابن صالح أن حمزة بن حبيب حدثه عن ابن زغب الإيادي، قال: نزل بي عبد اللَّه ابن حوالة صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقد بلغنا أنه فرض له المائتين فأبى إلا مائة وقال: قلت له: واللَّه ما منعته قال: قلت له: أحق ما بلغنا أنه فرض لك في مائتين فأبيت إلا مائة، واللَّه ما منعه وهو نازل على أن يقول لا أم لك أو لا   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 327. [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 327. [ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 327- 328. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 192 يكفي ابن حوالة مائة في كل عام؟ ثم أنشأ يحدثنا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثنا على أقدامنا حول المدينة لنغنم، فقدمنا ولم نغنم شيئا فلما رأى الّذي بناه من الجهد قال: اللَّهمّ لا تكلهم إليّ فأضعف عنهم ولا تكلهم الناس إلى الناس فيهونوا عليهم أو يستأثروا عليهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولكن بأرزاقهم [ (1) ] . ثم قال: ليفتحن لكم الشام، ثم لتقسمن كنوز فارس والروم، وليكونن لأحدكم من المال كذا وكذا، وحتى إن أحدكم ليعطي مائة دينار فيسخطها، ثم وضع يده على رأسي فقال: يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد أتت الزلازل والبلايا والأمور العظام، الساعة أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك [ (2) ] . قال البيهقيّ: أراد بالساعة انخرام ذلك القرن واللَّه- تعالى- أعلم. وأراد بكنوز فارس والروم ما كان منهم بالشام حين يفتح الشام يوجد كنوزهم بها، وقد وجد ذلك [ (3) ] . قال كاتبه: وأراد بنزول الخلافة الأرض المقدسة: ملك بني أمية. وخرّج مسلم [ (4) ] من حديث يحيى بن آدم حدثنا زهير بن معاوية، عن سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر أردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه. وذكره البيهقيّ من حديث آدم بهذا السند نحوه إلا أنه قال: منعت العراق ولم يقل: إذا، وقال: ومنعت مصر إردبها ودينارها، وقال: قال يحيى:   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 328. [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 328. [ (3) ] (المرجع السابق) : 328. [ (4) ] أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب (8) لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، حديث رقم (33) . والقفيز: مكيال معروف لأهل العراق، وهو ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف. والمدّ: مكيال معروف لأهل الشام يسع خمسة عشر مكوكا. والإردب: مكيال معروف بمصر، يسع أربعة وعشرين صاعا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 193 يريد من هذا الحديث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذكر القفيز والدرهم قبل أن يضعه عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على الأرض [ (1) ] . وقال [أبو عبيد] الهروي [ (2) ] في هذا الحديث: قد أخبر النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بما لم يكن، وهو في علم اللَّه- تعالى- كائن، فخرّج لفظه على لفظ الماضي، لأنه ماض في علم اللَّه عزّ وجلّ، وفي إعلامه بهذا قبل وقوعه ما دلّ على إثبات نبوته صلى اللَّه عليه وسلم ودل على رضاه من عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ما وظفه على الكفرة من الجزية في الأمصار. وفي تفسير المنع وجهان: أحدهما: أن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم علم أنهم سيسلمون وسيسقط عنهم ما وظّف عليهم بإسلامهم فصاروا مانعين بإسلامهم ما وظف عليهم بإسلامهم، والدليل على ذلك قوله في الحديث: «وعدتم من حيث بدأتم» لانه بدأهم في علم اللَّه وفيما قدر وفيما قضى أنهم سيسلمون فعادوا من حيث بدءوا. وقيل في قوله صلى اللَّه عليه وسلم: منعت العراق درهمها «أنهم يرجعون عن الطاعة، وهذا يعني أن العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان فيمنعون حصول ذلك للمسلمين. [وهذا وجه، والأول أحسن] [ (3) ] . قال البيهقيّ [ (4) ] : وتفسيره، فذكر ما خرجه مسلم من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن الجريريّ، عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يوشك أهل العراق لا يجني إليهم درهم ولا قفيز، قالوا: مما ذاك يا أبا عبد اللَّه؟ قال: من قبل العجم يمنعون   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 329. [ (2) ] أبو عبيد الهرويّ، هو أبو عبيد القاسم بن سلام الهرويّ، الأزديّ، [154- 224 هـ] ، طلب العلم وسمع الحديث، ونظر في الفقه والأدب، واشتغل بالحديث، والفقه، والأدب، والقراءات، وأصناف علوم الإسلام، وكان دينا، ورعا حسن الرواية، صحيح النقل، أخذ من أكابر علماء عصره أمثال: أبي زيد الأنصاريّ، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، والأصمعيّ، وروى عن ابن الأعرابيّ، والفراء، والكسائيّ، ومؤلفه في (غريب الحديث) أول من سبق إليه، وصار كتابه إماما لأهل الحديث. [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 330. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 194 ذلك، ثم قال: يوشك أهل الشام ألا يجبي إليهم دينار ولا مدي، قلنا: مما ذاك؟ قال: من قبل الروم. ثم سكت هنية، ثم قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا. لا يعده عدا، قال: قلت لأبي نضرة وأبي أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا [ (1) ] . وخرّجه البيهقيّ [ (2) ] من حديث محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا ابن بشار وأبو موسى قالا: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد قال بندار بن أبي إياس الجريريّ وقالا: عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: يوشك أهل العراق لا يجبي إليهم درهم ولا قفيز، قالوا: مما ذاك يا أبا عبد اللَّه؟ قال: من العجم. وقال بندار: من قبل العجم. وقال: يمنعون ذاك، ثم سكت هنية، فقالا: ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبي إليهم دينار ولا مدي، قال: مم ذاك؟ قال: من قبل الروم يمنعون ذاك. ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يكون في أمتي خليفة يحثي المال حثيا لا يعده عدا. ثم قال: والّذي نفسي بيده ليعودن الأمر كما بدأ، ليعودن كل إيمان إلى المدينة كما بدأ بها، حتى يكون كل إيمان بالمدينة، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا يخرج من المدينة رهبة عنها إلا أبد لها اللَّه خيرا منه، وليسمعنّ ناس برخص من أسعار ورزق فيتبعونه، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وخرّج البخاري من حديث سفيان عن عمرو قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول: حدثنا أبو سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقولون: فيكم من صحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح عليه، ثم يأتي على الناس زمان فيغرون فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صحب أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان يغزون فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صحب من صاحب أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم. ذكره في علامات النبوة [ (3) ] وفي الجهاد.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 254- 255، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (67) . [ (2) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 330- 331. [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 157، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3594) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 195 وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث سفيان بن عيينة قال: سمع عمرو جابرا يخبر عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قال: يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ بمعناه، في آخره: فيكم من رأى من صحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟. وخرّجه من حديث يحيى بن سعيد [ (2) ] حدثنا ابن جريح، عن أبي الزبير، عن جابر [ (3) ] قال: زعم أبو سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث، فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثاني فيقولون: هل فيكم من رأى أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فيفتح لهم، ثم يبعث البعث الثالث فيقولون هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيقال: انظروا، هل ترون فيكم من رأى من رأى أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم؟ ثم يكون البعث الرابع، فيقال: انظروا هل ترون فيكم أحدا رأى من رأى أحدا رأى أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به. وذكره في آخر المناقب بعد حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو. وخرّج البيهقيّ [ (4) ] من حديث يعقوب بن سفيان، قال: حدثني محمد بن مقاتل المروزي، حدثنا أوس بن عبد اللَّه بن بريدة، عن أخيه، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ستبعث بعوث فكن في بعث يأتي خراسان، ثم اسكن مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين، ودعا لها بالبركة وقال: لا يصيب أهلها سوء.   [ (1) ] (المرجع السابق) : كتاب الجهاد والسير، باب (76) من استعان بالضعفاء، والصالحين في الحرب، حديث رقم (2897) ، وأخرجه البخاريّ أيضا في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم باب (1) فضائل أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، ومن صحب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه، حديث رقم (208) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 317، كتاب فضائل الصحابة، باب (52) فضل الصحابة ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، حديث رقم (208) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (209) . [ (4) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 332، وفي إسناده ضعيفان، كما في (مجمع الزوائد) : 10/ 64. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 196 وخرّجه من طريق الحسين بن حريث [ (1) ] حدثنا أوس، فقال: هذا حديث تفرد به أوس بن عبد اللَّه لم يرو غيره. قال كاتبه: أوس بن عبد اللَّه بن حصيب الأسلمي سكن مرو، فيه نظر، قاله البخاريّ، وقال ابن عدي [ (2) ] : وفي بعض أحاديثه مناكير. قال البيهقيّ [ (3) ] : وقد روى في فتح فارس أحاديث صحيحة، وزعم بعض أهل العلم أن ذلك إشارة إلى جميع من يتكلم بالفارسية، إلى أقصى خراسان وفي بعضها غنيمة عن حديث أوس بن عبد اللَّه، وباللَّه التوفيق. وخرّج البخاريّ في التفسير [ (4) ] وخرج مسلم [ (5) ] من حديث ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنا جلوسا عند النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم إذ أنزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ فقال: قلت: من هؤلاء يا رسول اللَّه؟ فلم يراجعه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا. وقال البخاري: حتى سأله ثلاثا، قال: وفينا سلمان الفارسيّ، قال: فوضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يده على سلمان، ثم قال: لو كان الإيمان عند الثريّا لنا له رجال من هؤلاء. وقال بعده: حدثني عبد اللَّه بن عبد الوهاب حدثنا عبد العزيز، أخبرني ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: لناله رجال من هؤلاء.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 333. [ (2) ] (الكامل في ضعفاء الرجال) : 1/ 410- 411، ترجمة رقم (224) وقال بعد أن ساق أحاديث الباب: وهذه الأحاديث بهذه الأسانيد، يرويها أوس بن عبد اللَّه بن بريدة كما ذكرته، والأوس بن عبد اللَّه غير ما ذكرت من الأحاديث شيئا يسيرا، وفي بعض أحاديثه مناكير. [ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 333. [ (4) ] (فتح الباري) : 8/ 827، كتاب التفسير، باب (62) سورة الجمعة حديث رقم (4897) ، (4898) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 334- 335، كتاب فضائل الصحابة، باب (59) فضل فارس، حديث رقم (231) ، وفيه فضيلة ظاهره باب (59) فضل فارس، حديث رقم (231) ، وفيه فضيلة ظاهره لهم، وجواز استعمال المجاز والمبالغة في مواضعها، (شرح النووي) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 197 وخرّج الترمذيّ [ (1) ] من حديث عليّ بن حجر، قال: أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر، حدثني ثور بن زيد الديليّ عن أبي الغيث، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة فتلاها. فلما بلغ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ، قال له رجل: يا رسول اللَّه! من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فلم يكلمه، قال: وسلمان الفارسيّ فينا قال: فوضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على سلمان يده فقال: والّذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من هؤلاء. ثور بن زيد مدنيّ، وثور بن يزيد شاميّ، وأبو الغيث اسمه سالم مولى عبد اللَّه بن مطيع، مدنيّ ثقة. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وعبد اللَّه بن جعفر هو والد عليّ بن المديني، ضعفه يحيى بن معين. وخرّج من حديث عليّ بن حجر، أنبأنا إسماعيل بن جعفر، حدثنا عبد اللَّه ابن جعفر بن نجيح، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنه قال: قال ناس من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه! من هؤلاء الذين ذكر اللَّه إن تولينا استبدلوا بنا ثم لم يكونوا أمثالنا؟. قال: وكان سلمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بجنب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فضرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخذ سلمان، قال: هذا وأصحابه، والّذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثّريّا لتناوله رجال من فارس [ (2) ] . قال أبو عيسى: وعبد اللَّه بن جعفر بن نجيح هو والد عليّ بن المديني. وقد روى عليّ بن حجر عن عبد اللَّه بن جعفر الكثير، وحدثنا عليّ بهذا الحديث عن إسماعيل بن جعفر، عن عبد اللَّه بن جعفر، وحدثنا بشر بن معاذ، حدثنا عبد اللَّه بن جعفر عن العلاء نحوه، إلا أنه قال: معلق بالثريا [ (3) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 358، كتاب التفسير، باب (62) ومن سورة الجمعة، حديث رقم (3310) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 358، كتاب تفسير القرآن، باب (47) ومن سورة محمد صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3261) . والمنوط: المعلّق. [ (3) ] (المرجع السابق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 198 وخرّج البيهقيّ من طريق عمرو بن عثمان بن كثير بن دينار، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق عن عبد اللَّه بن بسر قال: أهدى للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم شاة والطعام يومئذ قليل، فقال لأهله: أصلحوا هذه الشاة وانظروا إلى هذا الخبز، فأثردوا واغرفوا عليه، وكانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قصعة يقال لها: الغراء، يحملها أربعة رجال، فلما أصبحوا وسجدوا الضحى، أتي بتلك القصعة فالتفوا عليها، فلما كثروا جثا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال أعرابيّ: ما هذه الجلسة؟ قال: إن اللَّه- عزّ وجلّ- جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا، كلوا من جوانبها، ودعوا ذروتها يبارك فيها، ثم قال: خذوا كلوا، فو الّذي نفس محمد بيده لتفتحن عليكم فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه اسم اللَّه عزّ وجلّ [ (1) ] . وخرّج مسلم من حديث عبد اللَّه بن وهب، أخبرني الليث بن سعد، حدثني موسى بن عليّ عن أبيه قال: قال المستورد القرشيّ عبد عمرو بن العاص: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو: أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربع: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك [ (2) ] . ومن حديث ابن وهب قال: حدثني أبو شريح أن عبد الكريم بن الحارث حدّثه أن المستورد القرشيّ قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس قال: فبلغ ذلك عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: ما هذه الأحاديث التي تذكر عنك أنك تقولها عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقال له المستورد: قلت الّذي سمعت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فقال عمرو: لئن قلت ذلك، إنهم أحلم الناس عند فتنة، وأجبر الناس عند مصيبة، وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم، ذكره في الفتن [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 334، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأطعمة، باب (6) الأكل متكئا، حديث (3263) مختصرا. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 239- 240، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (10) تقوم الساعة والروم أكثر الناس، حديث رقم (35) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (36) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 199 وذكر البيهقيّ من حديث ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير قال: سمعت المستورد، ثم قال: لعله إذا كان صحيحا إنما زجره عمرو عن روايته لئلا يعرض المسلمون عن قتالهم، فإنّ الّذي تدل عليه الأحاديث إنما أراد به القسطنطينية، واللَّه تعالى أعلم. ثم أورد حديث عمرو بن مرزوق قال: أخبرنا شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك قال: كان يقال فتح القسطنطينية مع الساعة [ (1) ] . وخرّج البخاريّ [ (2) ] من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوذا وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر. ذكره في باب علامات النبوة. وذكر البيهقيّ [ (3) ] من طريق أبي بكر الإسماعيلي قال: حدثنا المنيعى قال: قال أبو عبد اللَّه يعني محمد بن عباد: بلغني أن أصحاب بابل كانت نعالهم الشعر. قال البيهقيّ: هم قوم من الخوارج خرجوا في ناحية الري، فأكثروا الفساد والقتل في المسلمين، حتى قوتلوا وأهلكهم اللَّه- عزّ وجلّ-. وخرّج البخاري [ (4) ] من حديث شعيب قال: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة، وتجدون من خير الناس، أشدهم كراهية لهذا الأمر، حتى يقع فيه، والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن تكون له مثل أهله وماله.   [ (1) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 335. [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 750، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3590) . [ (3) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 336. [ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 749- 750، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3587) ، (3588) ، (3589) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 200 وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة يبلغ به النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين ذلف الآنف. وخرّج البخاريّ في الجهاد [ (2) ] من حديث صالح، عن الأعرج، قال: قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك، صغار الأعين حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر. وخرجه من حديث سفيان، قال الزهريّ: عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] . وخرّجه مسلم بهذا السند [ (4) ] . وخرّجه أيضا من حديث ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبيّ [ (5) ] . وخرّجه مسلم بهذا السند [ (6) ] أيضا. وخرجه أيضا من حديث يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك، قوما وجوههم كالمجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر [ (7) ] . وخرجاه من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تقاتلون بين يدي الساعة قوما نعالهم الشعر كأن وجوههم المجان المطرقة حمر الوجوه صغار الأعين [ (1) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 254، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم (64) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 129، كتاب الجهاد، باب (95) قتال الترك، حديث رقم (2928) . ألب [ (3) ] (المرجع السابق) : باب (9) قتال الترك، حديث رقم (2928) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 253، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء حديث رقم (62) . [ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (63) ، وزاد فيه: «وجوههم مثل المجان المطرقة» . [ (6) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (64) ، وزاد فيه: «ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين ذلف الأنوف» . [ (7) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (65) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 201 وخرّج البخاريّ من حديث سفيان قال إسماعيل: أخبرني قيس، قال: أتينا أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: صحبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث سنين لم أكن في سني أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن صبحت سمعته يقول- وقال هكذا بيده-: بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر وهو هذا البارز [ (1) ] ، وقال سفيان مرة: وهم أهل البازر [ (2) ] . وخرجه من حديث جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يقول: حدثنا عمرو ابن تغلب، قال: قال النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون نعال الشعر، وإن من أشراط أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة. ذكره في كتاب الجهاد [ (3) ] في باب علامات النبوة [ (4) ] . وخرّج البيهقيّ [ (5) ] من حديث مسدد، حدثنا هشيم، عن سيار أبي الحكم، عن جبر بن عبيدة، عن أبي هريرة، قال: وعدنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غزوة الهند فإن أدركتها أنفق فيها مالي ونفسي، فإن استشهدت كنت من أفضل الشهداء، وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرّر. ومن حديث الأعمش، عن أبي عمارة، عن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني رأيت الليلة كأنما يتبعني غنم سود، ثم أردفتها غنم بيض حتى لم تر السواد فيها، فقصها على أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه هي العرب تتبعك، ثم أردفتها العجم حتى لم يروا فيها قال: أجل، كذلك عبرها الملك سحرا.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (66) ، وأخرجه البخاريّ في كتاب الجهاد والسير، باب (96) قتال الذين ينتعلون الشعر، حديث رقم (2929) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 750، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3591) . [ (3) ] (المرجع السابق) : باب (95) قتال الترك، حديث رقم (2927) . [ (4) ] (المرجع السابق) : باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3592) . [ (5) ] (دلائل البيهقيّ) : 6/ 336. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 202 وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بقيام الخلفاء بعد بأمر أمته فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث شعبة، عن فرات القزاز قال: سمعت أبا حازم يحدث قال: قاعدة أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك بني خلف نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، ثم أعطوهم حقهم فإن اللَّه سائلهم عما استرعاهم ذكره البخاريّ في باب ما جاء عن نبي إسرائيل وأما إخباره بقيام ملوك بعد الخلفاء. فخرج مسلم [ (3) ] من حديث صالح بن كيسان، عن الحارث، عن جعفر ابن عبد اللَّه بن الحكم، عن عبد الرحمن ابن المسور، عن أبي رافع، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما من نبي بعثه اللَّه في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. قال أبو رافع فحدثه عبد اللَّه بن عمر فأنكره علي فقده ابن مسعود فنزل بقناة فاستتبعني إليه بن عمر يعوده فانطلقت معه فلم أجلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته ابن عمر قال صالح: وقد تحدث بنحو عن   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 612- 613 كتاب أحاديث الأنبياء باب (50) ما ذكر عن بني إسرائيل، حديث رقم (3455) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 473، كتاب الإمارة، باب (10) وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول، حديث رقم (44) . [ (3) ] المرجع السابق: 2/ 384- 388 كتاب الإيمان، باب (20) باب كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجبان، حديث رقم (80) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 203 أبى رافع. وخرجه أيضا من حديث ابن أبي مريم، عن عبد العزيز ابن محمد قال: أخبرني الحارث بن فضيل الخطميّ، عن جعفر عبد اللَّه بن الحكم، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبي رافع مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن عبد اللَّه بن مسعود أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما كان من نبي إلا كان له حواريون يهتدون بهدية ويتسنون بسنته بمثل حديث صالح ولم يذكر قدوم ابن مسعود واجتماع ابن عمر معه. وخرج البيهقي من طريق عبد اللَّه بن الحارث بن محمد بن حاطب الجمحيّ، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يكون بعد الأنبياء خلفاء يعملون بكتاب اللَّه ويعدلون في عباد اللَّه، ثم يكون بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر، ويقتلون الرجال ويصطفون الموال، فمغير بيده، ومغير بلسانه، ومغير بقلبه، ليس وراء ذلك من الإيمان شيء [ (1) ] ومن حديث جرير بن حازم، عن ليث، عبد الرحمن بن سليط، عن أبي ثعلبة الخشنيّ، عن أبي عبيدة الجراح، ومعاذ بن جل، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: إن اللَّه بدأ هذه الأمة نبوة ورحمته، وكائنا خلافه ورحمة وكائنا ملكا عضوضا، وكائنا عزة وجبرية وفسادا في الأمة: يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك، ويرزقون أبدا حتى يلقوا اللَّه عز وجل [ (2) ] وقال أبو نعيم ورواه عبد الملك ابن ميس وعمرو بن مرة، عن أسباط، عن أبي ثعلبة، عن أبي سيدة من حديث من دون معاذ. وخرجه أبو نعيم من حديث ابن وهب قال: حدثنا ابن لهيعة، عن خالد ابن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن هذا الأمر بدأ نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة ثم كائن ملكا غضوضا، ثم كائن عتوا وجبرية وفسادا في الأمة، يستحلون الفروج والحرير والخمور، يرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا اللَّه عز وجل [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 340. [ (2) ] المرجع السابق. [ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 2/ 549، حديث رقم (484) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 204 وخرج الإمام أحمد من حديث إسرائيل، عن سماك عن ثروان بن ملحان قال: كنا جلوسا في المسجد فمر علينا عمار بن ياسر فقلنا له: حدثنا سمعت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الفتنة؟ فقال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: يكوى بعدي عن قوم يأخذون الملك يقتل عليه بعضهم بعضا. قال: قلنا له: لو حدثنا غيرك غيرك ما صدقناه قال: فأنه سيكون [ (1) ] . وخرج الحاكم من حديث سفيان، عن الأعمش عن عمارة بن عمير، عن أبي عمار، عن حذيفة، قال يكون عليكم أمراء يعذبوكم ويعذبهم اللَّه [ (2) ] . وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عن مدة الخلافة بعده ثم يكون ملكا فكان كما أخبر خرج أبو داود من حديث حوشب، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتى اللَّه الملك من يشاء أو قال: ملكة من يشاء [ (3) ] . قال سعيد قال: حدثنا سفينة: أمسك عليك أبو بكر سنتين، وعمر عشرا وعثمان أثنى عشر، وعلي كذا، قال: سعيد: قلت: لسفينة إن هؤلاء لا يزعمون أن عليا عليه السلام لم يكن بخليف، قال: كذت أستاه بني الزرقاء يعني مروان [ (4) ] . وخرج أيضا من طريق قبيصة بن عتبة أن عباد السماك قال: سمعت سفيان الثوري يقول: الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر، وعثمان، وعلى وعمر ابن عبد العزيز- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-[ (5) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 5/ 326، حديث رقم (17856) . [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 550، كتاب الفتن والملاحم حديث رقم (8539) ، وقال الحافظ لذهبي في (التلخيص) صحيح. [ (3) ] (سنن أبي داود) : 5/ 37، كتاب السنة، حديث رقم (4647) . [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4646) وهو جزء من حديث طويل. [ (5) ] (المرجع السابق) 5/ 27، حديث رقم (4631) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 205 وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث حشرج بن نباتية، عن سعيد بن جمهان قال: حدثني سفينة: قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم بعد ذلك، ثم قال لي سفينة، لأمسك خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ثم قال لي: أمسك خلافة علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: فوجدناها ثلاثين سنة قال سعيد: فقلت له: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم قال: كذبوا بنوا الزرقاء بل هم ملوك من شر الملوك. قال أبو عيسى: وفي الباب عن عمر وعلي قالا: لم يعهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، في الخلافة شيئا. وهذا الحديث حسن قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان ولا نعرفه إلا من حديث سعيد بن جمهان. وخرجه أبو نعيم من حديث الحماني قال: حدثني سعيد بن جمهان، قال: حدثني سفينة، قال خطبنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: الخلافة في أمتي ثلاثون سنة أبي بكر وعمر ثنتا عشرة سنة وستة أشهر، وخلافة عثمان ثنتا عشرة سنة وستة أشهر، ثم خلافة علي تكملة الثلاثين. قلت: معاوية؟ قال: أول الملوك [ (2) ] وقال الحافظ أبو أحمد بن عدي الجرجاني سمعت ابن جماد يقول: قال البخاري [ (3) ] حشرج بن نباته، عن سعيد بن جمهان. عن سفينة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: لأبي بكر وعمر وعثمان هؤلاء الخلفاء بعدي وهذا لم يتابع عليه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: لم يستخلف النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وقال النسائي: حشرج عن سعيد بن جمهان ليس بالقوى، وسئل يحيى بن معين وأحمد بن حنبل عن حشرج بن نباته، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: لما بني النبي صلى اللَّه عليه وسلم المسجد وضح حجرا ثم قال: ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري، ثم قال: ليضع عمر حجره إلى جنب أبي بكر، ثم قال ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر، ثم قال هؤلاء خلفاء من بعدي وهو أهل الحديث الّذي أنكره البخاريّ على حشرج هذا وهذا الحديث قد روي بغير هذا الإسناد،   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 34، كتاب الفتن، باب (48) ما جاء في الخلافة، حديث رقم (2226) . [ (2) ] لم أجده في (دلائل أبي نعيم) ولا (الحلية) لأبي نعيم. [ (3) ] (لتاريخ الكبير) : 1/ 1/ 117. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 206 حدثنا محمد بن إبراهيم السراج، حدثنا يحيي الحماني، حدثنا ابن نباته، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: لما بني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المسجد وضع حجرا ثم قال: ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري، ثم قال ليضع عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر، ثم قال: ليضع عثمان حجره إلى جنب [حجر] عمر، ثم قال: هؤلاء الخلفاء من بعدي. قال ابن عدي: وهذا الّذي أنكره البخاريّ على حشرج هذا الحديث، وهذا الحديث قد روي بغير هذا الإسناد حدثناه على بن إسماعيل بن أبي النجم، حدثنا عقبة بن موسى بن عقبة، عن أبيه عن محمد بن الفضل بن عطية عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك وهو عم ابن زياد بن علاقة: لما بني صلى اللَّه عليه وسلم المسجد وضع حجرا [ (1) ] فذكر هذه القصة. وخرجه البيهقي من طريق مؤمل قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي ابن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن ابنية قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: خلافة نبوة ثلاثين عاما ثم يؤتي اللَّه الملك من يشاء. فقال معاوية: قد رضينا بالملك [ (2) ] . وخرجه أبو نعيم من حديث أبي داود الطيالسي، حدثنا حماد ابن سلمة، حدثنا على بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: وفدنا مع زياد ومعنا أبو بكر فدخلنا عليه فقال له معاوية: حدثنا حديثا سمعته من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عسى اللَّه أن ينفعنا به، قال: نعم- كان نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه الرؤيا الصالحة ويسأل عنها، فقال رجل: يا رسول اللَّه إني رأيت رؤيا، كان ميزانا دلى من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت يا أبا بكر، ثم وزن أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وعمر فرجح أبو بكر بعمر، ثم وزن عمر بعثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فرجح عمر بعثمان، ثم رفع الميزان فاستاء لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال خلافة نبوة، ثم يؤتى اللَّه الملك من يشاء، فغضب معاوية وزج في أقفائنا فأخرجنا فقال زياد لا أبا لك: أما وجدت من   [ (1) ] (الكامل في الضعفاء لابن عدي) : 2/ 440 حديث رقم (184) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 342، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 290، حديث رقم (12416) ، من حديث أبي عبد الرحمن سفينة مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 207 حديث رسول اللَّه حديثا تحدثه غير هذا؟ فقال: واللَّه لا أحدثه إلا به حتى أفارقه، فلم يول زياد يطلب الإذن حتى أذن لنا فأدخلنا فقال معاوية: يا أبا بكر حدثنا بحديث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعل اللَّه ينفعنا به، قال: فحدثه أيضا مثل حديثه الأول فقال له معاوية: لا أبا لك تخبرنا أنا ملوك قد رضينا أن نكون ملوكا. قال أبو نعيم: ورفع الميزان بعد وزن الثلاثة يدل على رفع اعتدال الأحوال وزوالها عن الاستواء بما حدث من الفتن تصل عثمان وتشتت الكلم وليس ذلك بقادح في خلافة علي ولا إهانته، إذ يوجب الخلافة استحقاق خالصها وشرائطها لائتلاف الرغبة وارتفاع الفتن، ثم إن وقع اختلاف في الأمر فعلى الإمام أن يجتهد في إزالته بما يقتضيه حكم الشريعة، فإن استقام فهو الغرض المقصود والأمر المحمود، وإن امتنع استقامته وتعذر فعلى اللَّه حساب المعتدين والتالفين. ونظير هذا الحديث تسبيح الحصا في يد النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ثم لم يسمع لهن تسبيح فهو أيضا دليل على وقوع الفتن وتغيير الأمور بقتل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وليس ذلك من استحقاق الخلافة أو سقوطها في شيء، ثم ذكر حديث موسى ابن عقبة: حدثنا أبي عن محمد بن الفضل، عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك قال: مررت برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وهو يؤسس مسجد قباء فقلت: يا رسول اللَّه تبني هذا البناء وإنما معك هؤلاء الثلاثة؟ قال: إن هؤلاء أولياء الخلافة، وذكره من طريق إسحاق الأزرق، عن موسى بن كثير عن زياد بن علاقة، عن قطبة قال: مررت بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وهو يبني مسجد المدينة ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فقلت يا رسول اللَّه هؤلاء الثلاثة نفر في بناء هذا المسجد قال: نعم- إنهم ولاة الخلافة بعدي. ومن طريق موسى الجوني حدثنا عبد الرحمن بن وهب، حدثنا يحيى بن أيوب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أول من حمل صخرة بمسجد قباء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ثم حمل أبو بكر أخرى، ثم حمل عمر أخرى، ثم حمل عثمان أخرى، فقلت يا رسول اللَّه انظر إلى هؤلاء يتبعونك حيث رأوك قال: أما إنهم أمراء الخلافة بعدي. قال الجزء: 14 ¦ الصفحة: 208 كاتبة: لم تكن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بالمدينة لما أسس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسجد قباء. وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم باختيار اللَّه تعالى والمؤمنين خلافة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكانت كما أخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخرج البخاريّ من حديث يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وا رأساه: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: وذلك لو كان وأنا حي فاستغفر لك وأدعو لك فقالت عائشة: وا ثكلياه، واللَّه إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم بل أنا وا رأساه، لقد همت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى اللَّه ويدفع المؤمنون أو يدفع اللَّه ويأبى المؤمنون ذكره في كتاب المرضى [ (1) ] . وخرجه مسلم في المناقب [ (2) ] من حديث يزيد بن هارون، قال: حدثنا إبراهيم ابن سعيد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، في مرضه: ادعى لي أباك أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا فإنّي أخاف أن يتمنى متمن ويقول، قائل: أنا أولى. ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر ولأبى داود الطيالسي من حديث عبد العزيز بن رفيع، عن أبي مليكة عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 152، كتاب المرضى باب (16) ما رخص لمريض أن يقول: إني وجع، أو وا رأساه، أو اشتد بى الوجع وقول أيوب عليه السلام: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ حديث رقم (5666) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 164 كتاب فضائل الصحابة باب (1) فضائل أبي بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (11) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 209 مات فيه: ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد. وفي بعض الطرق ادعي لي أباك أبا بكر وأخاك، حتى أكتب كتابا فإنّي أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر، ومعناه أن يقول أنا أحق وليس كما يقول: سل يأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر. هكذا في بعض النسخ وفي بعضها أنا أولى أي أنا أحق بالخلافة ورواه بعضهم أنا ولي بتخفيف النون وكسر اللام أي أنا أحق، والخلافة لي، وبعضهم قال: أنا ولاه. وفي البخاريّ لقد هممت أن أوجه إلى أبي بكر وابنه واعتمد رواية مسلم أخاك، وقد وقع ذكر الاستخلاف في الإيمان عند ذكر الوفاة فراجعه. وأما رؤيته صلى اللَّه عليه وسلم في منامه مدتي خلافة أبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فكان كما رأى لأن رؤياه وحي فخرج البخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث يونس، عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول:   [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 22، كتاب فضائل أصحاب النبي باب (5) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا. قاله أبو سعيد حديث رقم (3664) ، وأعاده في باب (6) مناقب عمر بن الخطاب، حديث رقم (3682) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 170، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) فضائل عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (17) . القليب: البئر إذا لم تكن مطوية. «نزعت» : الدلو من البئر: إذا جذبتها واستقيت الماء بها. «الذنوب» : بفتح الذال: الدلو العظيمة. «الغرب» : الرجل القوى الشديد، وفلان عبقري القوم أي سيدهم وكبيرهم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 210 سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء اللَّه ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، واللَّه يغفر له ضعفه. ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعطن. لفظهما فيه متقارب، وقد تقدم هذا الحديث بطرقه في ذكر المنامات النبويّة. وقال الشافعيّ رحمه اللَّه: رؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي، قوله: في نزعه ضعف: قصر مدته وشغله بالحرب مع أهل الردة عن الافتتاح والتزيد الّذي بلغه عمر في طول مدته. وقال الطيبي: أراد صلى اللَّه عليه وسلم إثبات خلافتهما والإخبار عن مدة ولايتهما، والإبانة عما جرى عليه أحوال أمته في أيامها فشبه أمر المسلمين بالقليب وهي البئر العادية لما فيها من الماء الّذي هو الحياة وشبه الوالي عليهم بالنازع الّذي يستقي الماء ويسقيه. وأما إشارته [ (1) ] صلى اللَّه عليه وسلم إلى ما وقع في الفتنة في آخر عهد عثمان ثم في أيام علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فخرج البخاري من حديث يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه أن ابن عباس كان يحدث أن رجلا أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة [ (2) ] . وخرج مسلم [ (3) ] من حديث الزبيدي قال: أخبرني الزهيري، عن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عباس وأبا هريرة كان يحدث أن رجلا أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم. ومن   [ () ] «العطن» : الموضع الّذي تناخ فيه الإبل إذا رويت، يقال: عطنت الإبل، فهي عاطنة، وعواطن: إذا شربت فبركت عند الحوض لتعاد إلى الشرب مرة أخرى، وأعطنتها أنا، والمراد بقوله: حتى ضرب الناس بعطن. حتى رووا. وأرووا إبلهم وضربوا لها عطنا. [ (1) ] في (دلائل البيهقي) : إخباره وما أثبتناه من (الأصل) . [ (2) ] (فتح الباري) : 12/ 534، كتاب التعبير، باب (47) . [ (3) ] (مسام بشرح النووي) : 15/ 33- 35، كتاب الرؤيا، باب (3) في تأويل الرؤيا، حديث رقم (17) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 211 حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن عتبة أخبره أن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يحدث أن رجلا أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم فالمستكثرون والمستقل وأرى شيئا وأصلا من السماء إلى الأرض فأراك أخذت به فعلوت ثم أخذ به رجلا من بعدك فعلا ثم أخذ به رجل آخر فعلا ثم أخذ به رجل آخر. فانقطع به ثم وصل له فعلا. قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يا رسول اللَّه بأبي أنت واللَّه لتدعني فلأعبرنها قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: اعبرها قال أبو بكر أما الظلة فظلة الإسلام وأما الّذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن، حلاوته ولينه وأما ما يكتف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الّذي أنت عليه فيعلو به، ثم يأخذ به رجل أخر فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني أصبت أم أخطأت؟ يا رسول اللَّه يا أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال: فو اللَّه يا رسول اللَّه لتحدثني ما الّذي أخطأت قال: لا تقسم. لفظهما فيه متقارب. وخرجه مسلم من حديث سفيان، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منصرفة من أحد فقال: يا رسول اللَّه إني رأيت هذه الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل بمعنى حديث يونس [ (1) ] . ومن حديث عبد الرزاق، حدثنا معمر عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن ابن عباس أو أبي عن أبى هريرة قال: عبد الرازق كان معمر أحيانا يقول عن ابن عباس وأحيانا يقول عن هريرة أن رجلا أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إني أرى الليلة ظلة بمعنى حديثهم [ (2) ] ومن حديث سليمان بن كثير عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس   [ (1) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي رقم (17) بدون رقم. [ (2) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم أيضا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 212 أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه. من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له قال: فجاء رجل فقال: يا رسول اللَّه رأيت ظلة بنحو حديثهم [ (3) ] قال أبو سليمان [ (4) ] الخطابي: اختلف الناس في تأويل قوله صلى اللَّه عليه وسلم قد أصبت بعضا وأخطأت بعضا. فقال بعضهم: إنما صوبه في تأويل الرؤيا وخطأه في الافتيات بالتعبير بحضرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وقال بعضهم: موضع الخطأ في ذلك أن المذكور في الرؤيا شيئان وهما السمن والعسل فعبرهما على شيء واحد وهو القرآن وكان حقه أن يعبر كل واحد منها على انفراده وإنما هما الكتاب والسنة لأنهما بيان الكتاب الّذي أنزل عليه، قال: وبلغني هذا القول أو قريب من معناه، عن أبي جعفر الطحاوي. ولأبي داود من حديث الأشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: قال ذات يوم: من رأى منكم رويا؟ فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو كر فرجحت أنت بأبي بكر ووزن عمر، وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان فرأيت الكراهة في وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ومن حديث حماد، عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن ابنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال ذات يوم: أيكم رأى رؤيا فذكر مثله ولم يذكر الكراهية. فاستاءها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعني ساءه ذلك فقال: خلافة نبوة ثم يؤتي اللَّه الملك من يشاء. ولابن وهب من حديث يونس، عن ابن شهاب قال: كان جابر بن عبد اللَّه يحدث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أرى الليلة رجل صالح أن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- نيط برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ونيط عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأبي بكر ونيط عثمان ابن عفان بعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال جابر: فلما قمنا من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قلنا أما الرجل الصالح فرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.   [ (3) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم أيضا. [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 347. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 213 وأما ما ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الّذي بعث اللَّه عز وجل به نبيه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . قال البيهقي [ (2) ] : تابعه ابن أبي حمزة عن الزهري هكذا وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن ابن شهاب عن عمرو بن أبان بن عثمان عن جابر بن عبد اللَّه أنه كان يحدث. فذكر الحديث بمثله. أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن علي علي الروذباري، أخبرنا أبو بكر بن داسة، حدثنا أبو داود، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة، عن أشعث بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن سمرة بن جندب رجلا قال: يا رسول اللَّه إني رأيت كان دلوا دلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيبها فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيبها فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيبها فشرب حتى تضلع، ثم جاء علي فأخذ بعراقيبها فانتشطت فانتضح عليه منه شيء قلت: ضعف شرب أبي بكر: قصر مدته والانتضاح منه علي ما أصابه من المنازعة في ولايته- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قصر مدته والانتضاح منه على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ما أصابه من المنازعة في ولايته. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم لجماعة فيهم عمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن فيهم شهيدان فاستشهدا كما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخرج البخاري [ (3) ] والترمذي من حديث سعيد، عن قتادة، أن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حدثهم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر   [ (1) ] (المرجع السابق) : 348. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 348- 349. [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 51، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، باب (6) مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما حديث رقم (3686) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 214 وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فرجف بهم فقال: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان، وقد تقدم هذا الحديث بطرقه في ذكر تحرك الجبل لأجله وسكونه بأمره [ (1) ] . وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بأن عمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير شهداء فكان كذلك وقتلوا شهداء رضوان اللَّه عليهم فخرج مسلم [ (2) ] والترمذي [ (3) ] من حديث سهيل أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. وقد تقدم بطرقه. وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم ثابت بن قيس بأنه شهيد وما كان من ذلك فخرج عبد الرزاق [ (4) ] من حديث معمر، عن الزهري، عن ثابت بن قيس ابن شماس قال لما نزلت: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ قال: يا نبي اللَّه لقد خشيت أن أكون قد هلكت نهانا اللَّه أن نرفع أصواتنا فوق صوتك،   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 583، كتاب المناقب، باب (19) في مناقب عثمان بن عفان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3697) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 199، كتاب فضائل الصحابة، باب (6) فضائل طلحة والزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، حديث رقم (50) . [ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 582، كتاب المناقب، باب (19) في مناقب عثمان بن عفان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (3696) . [ (4) ] (تفسير ابن كثير) : 4/ 220- 221، تفسير سورة الحجرات. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 215 وأنا امرؤ جهير الصوت. ونهى اللَّه المرء أن يحمد بما لم يفعل، وأجدني أحب الحمد. ونهى اللَّه عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم يا ثابت ألا ترضي أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة؟ فعاش حميدا، وقتل يوم مسيلمة. وخرجه الحاكم [ (1) ] في (المستدرك) من حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي، عن ابن شهاب قال: أخبرني إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصاري، عن أبيه أن ثابت بن قيس قال: قلت يا رسول اللَّه لقد خشيت أن أكون قد هلكت، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: نهانا اللَّه أن نحب أن نحمد بما لم نفعل، وأجدني أحب الحمد ونهانا عن الخيلاء، وأجدني أحب الجمال، ونهانا ان نرفع أصواتنا فوق صوتك، وأنا جهير الصوت فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا ثابت ألا ترضي أنت تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟. قال: بلي يا رسول اللَّه. قال: فعاش حميدا، وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ولم يخرجاه بهذه السياقة إنما أخرج مسلم وحده حديث حماد بن سلمة، وسليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: لما أنزلت لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [ (2) ] جاء ثابت بن قيس وذكر الحديث مختصرا. قال المؤلف: وخرجه الطبراني في الأوسط، عن أحمد بن محمد بن محمد بن حمزة، عن أبيه، عن جده، عن الأوزاعي، عن الزهري قال: حدثني ابن ثابت الأنصاري قال: قلت يا رسول اللَّه فذكر الحديث بمعناه وخرج الحاكم [ (3) ] من حديث موسى بن إسماعيل، عن حماد، عن ثابت، عن أنس أن ثابت بن قيس. جاء يوم اليمامة، وقد تحنط ولبس أكفانه، وقد انهزم أصحابه   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 260، كتاب معرفة الصحابة حديث رقم (5034) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) صحيح على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] (الحجرات) : 2. [ (3) ] (المستدرك) : 38260 كتاب معرفة الصحاب، باب (31) حديث رقم (5034) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح على شرط البخاري ومسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 216 وقال: اللَّهمّ إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، فبئس ما عودتم أقرانكم خلوا بيننا وبين أقراننا ساعة، ثم حمل فقاتل ساعة فقتل وكانت درعه قد سرقت فرآه رجل فيما يرى النائم. فقال: إن درعي في قدر تحت أكاف بمكان كذا وكذا وأوصي بوصايا فطلب الدرع فوجد حيث قال فأنفذوا وصيته وفيها قصة عجيبة، فذكرها من طريق عطاء الخراساني قال: لما قدمت المدينة فأتيت ابنة ثابت بن قيس بن شماس فذكرت قصة أبيها قالت: لما أنزل اللَّه على رسوله صلى اللَّه عليه وسلم لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [ (1) ] الآية وآية وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [ (2) ] جلس أبي في بيته يبكي ففقده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسأله عن أمره فقال: إني امرؤ جهير الصوت، وأخاف أن يكون قد حبط عملي، فقال: بل تعيش حميدا وتموت شهيدا ويدخلك اللَّه الجنة بسلام فلما كان يوم اليمامة مع خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- استشهد فرآه رجل من المسلمين في منامه فقال: إني لما قتلت انتزع درعي رجل من المسلمين وخبأه في أقصي العسكر وهو عنده وقد أكب على الدرع برمة وجعل على البرمة رجلا فأتت الأمير فأخبره وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه وإذا أتيت المدينة فأت قفل لخليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن علي من الدين كذا وكذا وغلامي فلان من رقيقي عتيق، وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه. قال: فأتاه. فأخبره الخبر فوجد الأمر على ما أخبره، وأتى أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأخبره فأنفذ وصيته، فلا نعلم أحدا بعد ما مات أنفذ وصيته غير ثابت بن قيس بن شماس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (3) ] . وقال الحافظ أبو عمرو النمري، وروى هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن عامر قال: حدثني عطاء الخراساني، قال حدثتني ابنة ثابت بن قيس بن شماس قالت: لما نزلت:   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] الحديد: 3. [ (3) ] (المستدرك) : 3/ 261، كتاب معرفة الصحابة باب (31) حديث رقم (5036) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 217 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الآية دخل أبوها بيته وأغلق علي بابه ففقده النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأرسل إليه يسأله، فأخبره، فقال: أنا رجل شديد الصوت أخاف أن يكون قد حبط عملي، قال: لست منهم بل تعيش بخير وتموت بخير. قال: ثم أنزل اللَّه تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [ (1) ] فأغلق عليه بابه وطفق يبكي، ففقده النبي صلى اللَّه عليه وسلم إليه فأخبر، وقال: يا رسول اللَّه إني أحب الجمال، وأحب أن أسود قومي، فقال: لست منهم بل تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة قالت: فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة، فلما التقوا انكشفوا فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم حفز كل واحد منهما حفزة، فثبتا فقاتلا حتى قتلا، وعلي ثابت يومئذ درع له نفيسة، فمر به رجل من المسلمين. فأخذها، فبين رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت في منامه فقال له إني أوصيك بوصية: فإياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه، إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي، ومنزله في أقصي الناس، وعند خباية فرس يسترني في طوله، وقد كفى على الدرع برمة، وفوق البرمة رجل، فأت خالد فمره أن يبعث إلى درعي فيأخذها. وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعنى أبا بكر فقل له: إن علي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق. فأتى الرجل خالد- رضي اللَّه وتبارك عنه- فأخبره فبعث إلي الدرع فأتى بها. وحدث أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- برؤياه فأجاز وصيته قال: ولا نعلم أحد أجيزت وصيته بعد موته غير ثاب بن قيس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال المؤلف رحمه اللَّه: الرجل الّذي زار ثابت بن قيس في منامه هو بلال بن رباح مؤذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.   [ (1) ] لقمان: 18. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 218 وأما إنذار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بارتداد قوم ممن آمن عن إيمانهم فكان كما أنذر وارتدت العرب بعد وفاته صلى اللَّه عليه وسلم قال اللَّه تعالى وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ (1) ] وهذه الآية يعرض اللَّه فيها بارتداد من ارتد وانقلابهم على أعقابهم. بعد موت الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وفيها معنى قوله صلى اللَّه عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا بضرب بعضكم رقاب بعض [ (2) ] . وعن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال المراد بالشاكرين: أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأصحابه، وعنه أيضا: أبو بكر أمين الشاكرين وأمير من أحب اللَّه. وعنه: السن أن أبا بكر كان واللَّه إمام الشاكرين، هو واللَّه إمام الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [ (3) ] . قال الحسن علم اللَّه قوما يرجعون عن الإسلام بعد نبيهم فأخبرهم أنه سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه. فقوله: مَنْ يَرْتَدَّ جملة شرطية مستقبلية وهي إخبار عن الغيب وقع الخبر على وقعة فيكون معجزا لأنه من الكائنات التي أخبر عنها القرآن قبل كونها. وقال الضحاك عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ قال: حصت وعمت   [ (1) ] آل عمران: 144. [ (2) ] (جامع الأصول) : 3/ 458، في ذكر حجة الوداع، حديث رقم (1795) وعزاه للبخاريّ ومسلم. [ (3) ] المائدة: 54. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 219 أبناءهم وجدودهم ومن أظهر غير ما ستر فهو حشو في المؤمنين، فأخبرهم بما هم لاقون إن فعلوا بارتداد من ارتد منهم في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم فكاتبهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالرسل، وماثلهم من بعده بأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ومن أقام معه في الدار فهم جنود اللَّه الذين أقامهم على أمره وأصحاب نبيه صلى اللَّه عليه وسلم، الذين قاتلوا بني قينقاع، والنضير، وقريظة، وخيبر، فبدأ القوم بسعد بن عبادة، ثم أبواب الشام، ثم ثلثوا ببني أسد، وغطفان، ثم أثبتوا في نواحي جزيرة العرب حتى ضربوا البحرين من قبل عدن، وحضرموت من قبل عمان، والبحرين من قبل الشام والعراق حتى أدخلوا الناس في الباب الّذي خرجوا منه. فأتى اللَّه تعالي بفلولهم المرتدة في دورهم، فكانوا أذل أهل رأفة على المؤمنين من تلك القبائل، أهل غلظة وانتقام على المرتدة لا يجعلوا في جهادهم بلوم من لام في ذلك، هذا ما خصهم اللَّه تعالى به فأتى من رجع عن دين محمد صلى اللَّه عليه وسلم بأصحاب محمد صلى اللَّه عليه وسلم في بيوتهم. وعن سعيد بن مسلم وسعيد بن أبي عروبة. عن الحسن في قوله تعالى: مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [ (1) ] الآية، قال أبو بكر وأصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبره أنه يأتيهم به في دورهم، وحيث كانوا فهم أحباء اللَّه. وقال طلحة بن الأعلم، عن ماهان، عن ابن عباس قال: كانت منازل الناس على عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم: مسلم خالص، ومنافق، وكافر، فمن دخل من أهل الكفر في الإسلام فهو مسلم. ومن خرج من المسلمين إلى الكفار فهو منهم. ومن أسر الكفر وأظهر الإسلام حقن بذلك دمه حتى يظهره، وعلى هذا قابل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العرب. وقابل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- العرب من بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منهم خاصة أو عامة، ما خلا أهل مكة، وأهل الطائف، والقبائل التي أجابت النبي صلى اللَّه عليه وسلم عام الحديبيّة ممن حول مكة، والقبائل التي عاقب اللَّه يوم الحديبيّة منهم، وفائت عبد القيس، وحضرموت بعد الريب وحسن إسلامهم واستفاقوا من نومهم. قال هشام بن عروة، عن أبيه: ما مات   [ (1) ] المائدة: 54. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 220 النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى قل أهل الردة، وذلوا ودخلوا عامتهم في الباب الّذي خرجوا منه فلما مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يبق حي إلا ارتاب منهم خاصة أو عامة، ما خلا أهل مكة، وأهل الطائف. وقد جاء أهل الطائف لموافاتهم عثمان بن أبي العاص من غير ظان تموت على دينهم فاستيقظوا، ولم يبق أحد على دينه في عبد القيس وحضرموت فإنّهم نزعوا عن دينهم ثم استقاموا. وقال مجاهد عن سعيد عن الشعبي: لما فصل أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- تضرمت الأرض وارتدت من كل قبيلة وعامة إلا قريش وثقيف. وقال هشام بن عروة، عن أبيه. لما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفصل أسامة، ارتدت العرب خواص وعوام، وتروخي عن مسيلمة وطليحة فاستغلظ أمرهما. واجتمعت على طلحة عوام طيِّئ وأسد. وارتدت غطفان إلا ما كان من أشجع وخواص من الأفناء فبايعوه وقدمت هوازن رجلا وأخرت أخرى، أمسكوا الصدقة إلا ما كان من ثقيف ومن إليهم فإنّهم أقيدوا بهم عوام جذيلة والأعجار، وارتدت خواص من سليم وكذلك سائر الناس من كل مكان. وقدمت رسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم من اليمن واليمامة وبلاد بني أسد مع وفود من كان كاتبه النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأمر أمره في الأسود ومسيلمة وطليحة بالأخبار والكتب، فدفعوا كتبهم إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأخبره الخبر، فقال لهم: لا تبرحوا حتى تجيء رسل أمرائكم وغيرهم بأوهى مما وصفهم، فلم يلبثوا أن قدمت كتب أمراء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من كل مكان بأنقاض العرب عامة وخاصة وتبسطهم بأنواع المثل على المسلمين، فجاءهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جاءهم بالرسل، فردوا رسلهم بأمره واتبع الرسل وانتظر بمصادمتهم قدوم أسامة، وكان أول من صادم عبس، وذبيان، عاجلهم وأعجلوه فقاتلهم قبل رجوع أسامة وقدوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمثل ذلك. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 221 فخرج البخاري في أول كتاب الفتن [ (1) ] من حديث بشر بن السري، عن نافع عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: أنا على حوضي أنتظر من يرد علي فيؤذن بناس من دوني فأقول: أمتي فيقال: لا تدري، مشوا على القهقرى. قال ابن أبي مليكة: اللَّهمّ إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن. وخرج مسلم في كتاب المناقب [ (2) ] من حديث داود بن عمر الضبي قال: حدثنا نافع بن عمر الجمحيّ، عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد اللَّه بن عمرو ابن العاص الحديث. قال: وقالت أسماء بنت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني على الحوض حتى انظر من يرد علي منكم وسيؤخذ أناس من دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك؟ واللَّه ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم قال: فكان ابن أبي مليكة يقول: اللَّهمّ إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا. وخرج مسلم من حديث وهب قال: سمعت عبد العزيز بن صهيب يحدث قال: حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتم ورفعوا إلى اختلجوا دوني فلأقولن: أي رب أصحابي فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ذكره في المناقب [ (3) ] وخرجه البخاري في الرقاق [ (4) ] من حديث وهب حدثنا عبد العزيز، عن أنس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 3، كتاب الفتن، باب (1) . ما جاء في قوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحذر من الفتن، حديث رقم (7048) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 61، كتاب الفضائل باب (9) إثبات حوض نبينا صلى اللَّه عليه وسلم وصفاته، حديث رقم (2293) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 15/ 70، حديث رقم (40) وفي (الأصل) «المناقب» وأثبتناه من كتاب الفضائل. [ (4) ] (فتح الباري) : 11/ 566، كتاب الرقاق، باب (53) في الحوض. وقول اللَّه تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ حديث رقم (6582) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 222 اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي، فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك. وله من حديث جرير وشعبة، عن مغيرة، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه. وخرج البخاري في كتاب الفتن [ (3) ] . ومسلم في المناقب [ (4) ] من حديث يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم قال سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول. أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليردن على أقوام أعرفهم، ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا؟ فقلت: نعم قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدريّ لسمعته يزيد فيه قال: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي. لفظهما فيه متقارب وقد تداخلت بعض ألفاظهم. وخرجه مسلم [ (5) ] من حديث ابن وهب قال: حدثنا أسامة، عن أبي حازم، عن سهل، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وعن النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمثل حديث يعقوب. وخرجه البخاري بمثله في آخر كتاب الرقاق [ (6) ] . وخرج فيه من حديث يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه كان يحدث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى [ (1) ] .   [ (3) ] (المرجع السابق) : 13/ 4، حديث رقم (7050- 7051) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 59، كتاب الفضائل، باب (9) إثبات حوض نبينا صلى اللَّه عليه وسلم وصفاته، حديث رقم (26) . [ (5) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي رقم (2291) بدون رقم. [ (6) ] سبق تخريجه. [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 567، كتاب الرقاق، باب (53) في الحوض. وقول اللَّه تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، حديث رقم (6585) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 223 ومن حديث ابن فليح قال: حدثنا هلال، عن عطاء، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بسياقه أخرى. قال المؤلف عفي اللَّه تبارك وتعالى عنه وللردة أخبار كثيرة قد صنف المتقدمون فيها كتبا، وهي في الجملة كانت في إحدى عشرة فرقة: ثلاثة على عهد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وسبعة في خلافة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وواحدة في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فالتي في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فبنو مذجح، قاموا مع الأسود ذي الخمار بسهلة بن كعب وقد ثنيا. وينوا حنيفة قاموا بأمر مسلمة وقد ثنيا. وبنو أسد قاموا بأمر طليحة بن خويلد وقد ثنيا. وأما السبع التي في خلافة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فهم فزارة قوم عيينة بن حصن، وغطفان قوم هبيرة بن سلمة العشري. وبنو سليم قوم الفجاءة، واسمه بجير بن غياث بن عبد اللَّه بن عبد ياليل بن سلمة بن عميرة بن خفاق بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفه بن قيس غيلان بن مضر. وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض تميم قوم سجاح بنت المنذر، وكندة قوم الأشعث بن قيس. وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحكم بن يزيد. وأما التي في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فهو ابن الأيهم. وسأورد نبذة من أخبارهم إن شاء اللَّه تعالي فأقول: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 224 فأما قيام مذجح بأمر الأسود العنسي ّ واسمه عيهلة بن كعب بن عوف العنسيّ، بالنون وعنس بطن مذحج، وكان يلقب ذا الخمار لأنه كان معتمدا متخمرا أبدا. وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم قد جمع لباذان حين أسلم وأسلم أهل اليمن عمل اليمن جميعه وأمره على جميع مخالفيه، فلم يزل عاملا عليه حتى مات. فلما مات باذان فرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمراءه في اليمن، فاستعمل عمرو بن حزم على نجران، وخالد بن سعيد بن العاص على ما بين نجران وزبيد، وعامر بن شهر على همدان، وعلي صنعاء شهر بن باذان، وعلى عك والأشعريين الطاهر بن أبي هالة، وعلى مأرب أبا موسى، وعلى الجند يعلي بن أمية، وكان معاذ معلما ينتقل في عمالة كل عامل باليمن وحضرموت، واستعمل على أعمال حضرموت زياد ابن لبيد الأنصاري، وعلي السكاسك والسكون عكاشة بن ثور، وعلي بني معاوية بن كندة عبد اللَّه أو المهاجر، فاشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلم يذهب حتى وجهه أبو بكر، فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهؤلاء عمالة على اليمن وحضرموت وكان أول من اعترض الأسود الكاذب شهر وفيروز وداذويه وكان الأسود العنسيّ لما عاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من حجة الوداع وتمص [ ... ] من السفر غير مرض موته بلاغه ذلك، بلغه النبوة، وكان مشعبذا يريهم الأعاجيب، فاتبعه مذحج، وكانت ردة الأسود أول ردة في الإسلام على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وغزا نجران فأخرج عنها عمرو بن حزم وخالد بن سعيد، ووثب قيس بن عبد يغوث، ابن مكشوح على فروة بن مسيك، وهو على مراد، فأجلاه ونزل منزله، وسار الأسود عن نجران إلى صنعاء، وخرج إليه شهر بن باذان فلقيه، فقتل شهر لخمس وعشرين ليلة من خروج الأسود، وخرج معاذ هاربا حتى لحق بأبي موسي وهو بمأرب فلحقا بحضرموت، ولحق بفروة من قم على إسلامه من مذجح. واستب للأسود ملك اليمن، ولحق أمراء اليمن إلى الطاهر بن أبي هالة إلا عمرا وخالدا، فإنّهما رجعا إلى المدينة، والطاهر بجبال عك وجبال صنعاء، وغلب الأسود على ما بين مفازة حضرموت إلى الطائف إلى البحرين والإحساء إلى عدن واستطار أمره كالحريق، وكان معه سبعمائة فارس يوم لقي شهرا سوى الركبان، واستغلظ أمره، وكان خليفته في مذجح عمرو بن الجزء: 14 ¦ الصفحة: 225 معديكرب، وكان خليفته على جنده قيس بن عبد يغوث، وأمر الأنباء إلى فيروز وداذويه. وكان الأسود تزوج امرأة شهر بن باذان بعد قتله، وهي ابنة عم فيروز وخاف من بحضرموت من المسلمين أن يبعث إليهم جيشا، أو يظهر بها كذاب مثل الأسود، فتزوج معاذ إلى السكون، فعطفوا عليه. وجاء إليهم وإلي من باليمن من المسلمين كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأمرهم بقتال الأسود، فقام معاذ في ذلك وقويت نفوس المسلمين، وكان الّذي قدم بكتاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وبر بن يحنس الأزدي قال حنش الديلميّ: فجاءتنا كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأمرنا بقتاله إما مصادقة أو غيلة، بعثني إليه وإلى فيروز وداذويه، وأن نكاتب من عنده دين. فعلمنا في ذلك، فرأينا أمرا كثيفا، وكان قد تغير لقيس بن عبد يغوث، فقلنا: إن قيسا يخاف على دمه فهو لأول دعوة، فدعوناه وأبلغناه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فكأنما نزلنا عليه من السماء، فأجبنا وكاتبنا الناس. فأخبره الشيطان شيئا من ذلك، فدعا قيسا فأخبره أن شيطانه يأمره بقتله لميله إلى عدوه، فخلف قيس: لأنت أعظم في نفسي من أن أحدث نفسي بذلك. ثم أتانا فقال: يا جنش ويا فيروز ويا داذويه، فأخبرنا بقول الأسود فبينا نحن معه يحدثنا إذا أرسل إلينا الأسود فتهددنا، واعتذرنا إليه ونجونا منه ولم نكد وهو مرتاب بنا ونحن نحذره فبينا نحن على ذلك إذا جاءتنا كتب عامر بن شهر وذي زود وذي مران وذي الكلاع وذي ظليم يبذلون لنا النصر، فكاتبناهم وأمرناهم أن لا يفعلوا شيئا حتى نبرم أمرنا أيضا إلى نجران فأجابوه، وبلغ ذلك الأسود وأحسن بالهلاك قال: فدخلت على آزار، وهي امرأته التي تزوجها بعد قتل شهر بن باذان، فدعوتها إلى ما نحن عليه وذكرتها قتل زوجها شهر وإهلاك عشيرتها وفضيحة النساء. فأجابت وقالت: واللَّه ما خلق اللَّه شخصا أبغض إلى منه، ما يقوم للَّه على حق ولا ينتهي عن محرم، فأعلموني أمركم أخبركم بوجه الأمر. قال: فخرجت وأخبرت فيروز وداذويه وقيسا. قال: وإذ قد جاء رجل فدعا قيسا إلى الأسود، فدخل في عشرة من مذحج وهمذان فلم يقدر على ما قتله معهم وقال له: ألم أخبرك الحق وتخبرني الكذب؟ إنه، يعني شيطانه، يقول لي: إلا تقطع من قيسي يده يقطع رقبتك. فقال قيس: إنه ليس من الحق أن أهلك وأنت رسول اللَّه فمرني بما أحببت أو اقتلني، فموته أهون من موتنا. فرق له وتركه، وخرج قيس فمر بنا وقال: اعلموا عملكم. ولم يقعد عندنا- فخرج علينا الأسود في جمع، فقمنا له وبالباب مائة ما بين بقرة وبعير، فنحرها ثم الجزء: 14 ¦ الصفحة: 226 خلاها ثم قل: أحق ما بلغني عنك يا فيروز؟ - وبوأ له لحرية- لقد هممت أن أنحرك. فقال: اخترتنا لصهرك وفضلته فلو لم تكن نبيا لما بعنا نصيبك منك بشيء فكيف وقد اجتمع لنا بك أمر الدنيا والآخرة! فقال له: أقسم هذه، فقسمها، ولحق به وهو يسمع سعاية رجل بفيروز وهو يقول له: أنا قاتله غدا وأصحابه، ثم التفت فإذا فيروز فأخبره بقسمتها، ودخل الأسود ورجع فيروز فأخبرنا الخبر، فأرسلنا إلي قيس فجاءنا. فاجتمعنا على أن أعود إلي المرأة فأخبرها بعزيمتها ونأخذ رأيها، فأتيتها فأخبرتها فقالت: هو متحرز وليس من القصر شيء إلا والحرس محيطون به غير هذا البيت فإن ظهره إلى مكان كذا وكذا، فإذا أمسيتم فانقلبوا عليه فإنكم من دون الحرس وليس دون قتله شيء، وستجدون فيه سراجا وسلاحا. فتلقاني الأسود خارجا من بعض منازله فقال: ما أدخلك علي؟ ووجأ رأسي حتى سقطت، وكان شديدا، فصاحت المرأة فأدهشته، وقالت: جاءني ابن عمي زائرا ففعلت به هذا؟ فتركني، فأتيت أصحابي فقلت: النجاء! الهرب! وأخبرتهم الخبر. فإنا علي ذلك حياري إذ جاءنا رسولهم يقول: لا تدعن ما فارقتك منها- فعمل، فلما أخبرته قال: ننقب علي بيوت مبطنة، فدخل فاقتلع البطانة وجلس عندها كالزائر، فدخل عليها الأسود فأخذته غيره، فأخبرته برضاع وقرابة منها عنده محرم، فأخرجه، فلما أمسينا عملنا في أمرنا أعلمنا أشياعنا وعجلنا عن مراسلة الهمدانيين والحميريين فنقبنا البيت ودخلنا، وفيه سراج تحت جفنة، واتقينا بفيروز كان أشدنا، فقلت: انظر ماذا ترى، فخرج ونحن بينه وبين الحرس. فلما دنا من باب البيت سمع غطيطا شديدا والمرأة قاعدة، فلما قام على باب البيت أجلسه الشيطان وتكلم على لسانه وقال: ما لي ولك يا فيروز! فخشي إن رجع أن يهلك وتهلك المرأة فعاجله وخالطه وهو مثل الجمل فأخذ برأسه فقتله ودق عنقه وضع ركبته في ظهره فدقه ثم قام ليخرج فأخذت المرأة بثوبه وهي تراه انه لم يقتله فقال: قد قتلته وأرحتك منه، وخرج فأخبرنا، فدخلنا معه، فخار كما يخور الثور، فقطعت رأسه بالشفرة، وابتدر الحرس المقصورة يقولون: ما هذا؟ فقالت المرأة: النبي يوحى إليه! الجزء: 14 ¦ الصفحة: 227 فخمدوا، وقعدنا نأتم بيننا، فيروز ودوادويه وقيس، كيف نخبر أشياعنا، فاجتمعنا على النداء. فلما طلع الفجر نادينا بشعارنا الّذي بيننا وبين أصحابنا، ففزع المسلمون والكافرون، ثم نادينا بالأذان فقلت: أشهد ان محمد رسول اللَّه وأن عيهلة كذاب! وألقينا إليهم رأسه، وأحاط بنا أصحابه وحرسه وشنوا الغارة وأخذوا صبيانا كثيرة وانتبهوا. فنادينا أهل صنعاء من عنده منهم فأمسكه، ففعلوا. فلما خرج أصحابه فقدوا سبعين رجلا، فراسلونا وأرسلناهم على أن يتركوا لنا ما في أيديهم ونترك ما في أيدينا، ففعلنا، ولم يظفروا منا بشيء، وترددوا ما بين صنعاء ونجران. وتراجع أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى أعمالهم، وكان يصلي بنا معاذ بن جبل، وركبنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بخبره، وذلك في حياته. وأتاه الخبر من ليلته، وقدمت رسلنا، وقد توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأجابنا أبو بكر. قال ابن عمر: أتي الخبر من السماء إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم، في ليلته التي قتل فيها، فقال: قتل العنسيّ، قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين، قيل: من قتله؟ قال: قتله فيروز. قيل: كان أول أمر العنسيّ إلي آخره ثلاثة أشهر، وقيل قريب من أربعة أشهر، وكان قدوم البشير بقتله في آخر ربيع الأول بعد موت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فكان أول بشارة أتت أبا بكر وهو بالمدينة. قال فيروز: لما قتلنا الأسود عاد أمرنا كما كان وأرسلنا إلى معاذ بن جبل فصلى بنا ونحن راجون مؤمنون لم يبق شيء نكرهه إلا تلك الخيول من أصحاب الأسود فأتي موت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فانتقضت الأمور واضطربت الأرض [ (1) ] .   [ (1) ] (الكامل في التاريخ لابن الأثير) : 336- 341. 3 الجزء: 14 ¦ الصفحة: 228 وأما قيام حنيفة بأمر مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب ابن الحارث بن عبد الحارث بن عدي بن حنيفة يكنى أبا ثمامة وقيل أبو هارون [ (2) ] عن رافع بن خديج قال: قدمت علي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وفود العرب فلم يقدم علينا وفد أقسى قلوبا ولا أحرى أن يكون الإسلام لم يقر في قلوبهم من بني حنيفة، وقد يقوم ذكر قدوم مسيلمة وأنه ذكر لرسول اللَّه، فقال: أما إنه ليس بشركم مكانا! لما كانوا أخبروه به من أنهم تركوه في رجالهم حافظا لها. ويروى من حديث ابن عباس: أن مسيلمة قال عند ما قدم في قومه: لو جعل لي محمد الخلافة من بعده لا تبعته، فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منحية من نخل فوقف عليه ثم قال: لئن أقبلت ليفعلن اللَّه بك ولئن أدبرت ليقطعن اللَّه دابرك وما أراك إلا الّذي رأيت فيه ما رأيت، ولئن سئلت هذه الشطبة- لشطبة من المنحية التي في يده- ما أعطيكما- وهذا ثابت يجيبك. قال ابن عباس: فسألت أبا هريرة عن قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم ما أراك إلا الّذي رأيت فيه ما رأيت. قال: كان رسول اللَّه قال: بينا أنا نائم رأيت سوارين من ذهب فنفختهما فطارا فوقع أحدهما باليمامة والآخر باليمن. قيل: ما أولتهما يا رسول اللَّه؟ قال: أولتهما كذابين يخرجان من بعد. ولما انصرف مسيلمة في قومه إلى اليمامة ارتد عدوا اللَّه وأدعي الشركة في النبوة مع النبي وقال للوفد الذين كانوا معه: ألم يقل لكم حين ذكرتموني له: أما إنه ليس يشركم مكانا! ما ذاك إلا علم أني أشركت في الأمور معه! وكتب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من مسيلمة رسول اللَّه إلى محمد رسول اللَّه أما بعد فإنّي قد أشركت في الأمر معك. وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشا قوم يعتدون.   [ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 310. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 229 وقدم علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بهذا الكتاب رسولا لمسيلمة فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين قرأ كتابه: فما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال! فقال أما واللَّه لولا ان الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما، ثم كتب إلى مسيلمة: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللَّه إلى مسيلمة الكذاب: أما بعد فإن الأرض للَّه يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين. قال ابن إسحاق: وكان ذلك في آخر سنة 10 هـ. وذكر غيره أن ذلك كان بعد انصراف النبي صلى اللَّه عليه وسلم من حجة الوداع ووقوعه في المرض الّذي توفاه اللَّه فيه، فاللَّه تعالي أعلم. وجد لعدو اللَّه الضلال بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأصفقت معه حنيفة علي ذلك إلا أفراد من ذوي عقولهم ومن أراد اللَّه به الخير منهم. وكان من أعظم ما فتن به قومه شهادة الرجال أنه قدم مع قومه وافدا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقرأ القرآن وتعلم السنن قال ابن عمر: وكان من أفضل الوفد عندنا، قرأ البقرة وآل عمران، وكان يأبى أبيا يقرأه، فقدم اليمامة وشهد لمسيلمة على رسول اللَّه أنه أشركه في الأمر من بعده، فكان أعظم على أهل اليمامة فتنة من غيره لما كان يعرف به قال رافع بن خريج: كان بالرجال الخشوع ولزوم قراءة القرآن والخير في ما نري شيء عجيب، خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما وهو معنا جالس مع نفر فقال أحد هؤلاء النفر في النار. قال رافع فنظرت في القوم فإذا بأبي هريرة وأبي أروي الدوسيّ وطفيل بن عمرو الدوسيّ والرجال بن عنفوة، فجعلت انظر واجب وأقول: من هذا الشقي؟ فلما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجعت بنو حنيفة، فسألت ما فعل الرجال؟ فقالوا: أفتن، هو الّذي شهد لمسيلمة علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه أشركه في الأمر عبده. فقلت: ما قال رسول اللَّه فهو حق. قالوا: وسمع الرجال يقول: كبشان انتطحا فأحبهما إلينا كبشنا. وكان ابن اليشكري من سراة أهل اليمامة وأشرافهم وكان مسلما يكتم إسلامه وكان صديقا للرجال، فقال شعرا فشا في اليمامة حتى كانت المرأة والوليدة والصبي ينشدونه فقال: سعاد الفواد بنت أثال طال ليلي بفتنة الرجال إنها يا سعاد من حدث الدهر عليكم كفتنة الرجال فتن القوم بالشهادة وله عزيز الجزء: 14 ¦ الصفحة: 230 ذو قوة ومحال لا يساوي الّذي يقول من الأمر قبالا وما احتذي به من نعال أن ديني دين النبي وفي القوم رجال على الهدي امثالي أهلك القوم محكم بن طفيل ورجال ليسوا لنا برجال بزهم أمرهم مسيلمة اليوم فلن يرجعوه أخرى الليالي قلت للنفس إذ تعاظمها الأمر له فرجة كحل العقال إن تكن ميتي على فطرة اللَّه حنيفا فأنني لا أبالي فبلغ ذلك مسيلمة ومحكما وأشراف أهل اليمامة فطلبوه ففاتهم ولحق بخالد بن الوليد فأخبره بحال أهل اليمامة ودله على عوراتهم. وقالوا إن رجلا من نبي حنيفة كان أسلم وأقام عند رسول اللَّه فحسن إسلامه فأرسله رسول اللَّه إلى مسيلمة ليقدم به عليه. وقال الحنفي: إن أجاب أحدا من الناس أجابني وعسي أن يجيئه اللَّه. فخرج حتى أتاه فقال: إن محمدا قد أحب أن تقوم عليه، فإنك لو جئته فيلقي هذه المقالة إليه فلما أكثر عليه قال: انظر في ذلك، فشاور الرجال بن عنفوة وأصحابه فقالوا: لا تفعل إن قدمت عليه قتلك، ألم تسمع كلامه وما قال؟ فأبي مسيلمة أن يقوم معه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبعث معه رجلين ممن يصدق ب ليكلماه ويخبراه بما قال للحنفي. فخرج الرسولان حتى قدما علي رسول اللَّه مع رسوله فتشهد أحدهما برسول اللَّه وحده ثم كلمه بما بدأ له، فلما قضي كلامه تشهد الآخر فذكر رسول اللَّه وذكر مسيلمة فقال رسول اللَّه: كذبت، خذوا هذا فاقتلوه، فثار المسلمون إليه يلببونه وأخذ صاحبه بحجزته وجعل يقول: يا رسول اللَّه أعف عنه بأبي أنت وأمي فيجاذبه المسلمون؟ فلما أرسلوه تشهد بذكر رسول اللَّه وحده وأسام هو وصاحبه. فلما توفي رسول اللَّه خرجا فقدما علي أهليهما باليمامة. وقد فتن الّذي أمسك. بجحرة صاحبه ذلك فقتل مع مسيلمة وثبت الممسك بحجزته وكان بعد يخبر خالد بن الوليد بعورة بني حنيفة وأخبر رسول اللَّه رسوله إلي مسيلمة كيف رفق به حتى أراد أن يقدم لولا أن الرجال نهاه، فقال رسول اللَّه: يقتله اللَّه ويقتل الرجال معه، ففعل اللَّه ذلك بهما وأنجز وعده فيهما [ (1) ] .   [ (1) ] تاريخ الردة: 56- 61. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 231 وأما قيام بني أسد بما كان من أمر طليحة وكان طليحة بن خويلد الأسدي من بني أسد بن خزيمة قد تنبأ في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فوجه إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ضرار ابن الأزور عاملا على بني أسد وأمرهم بالقيام على من ارتد فضعف أمر طليحة حتى لم يبق إلا أخذه، فضربه بسيف فلم يصنع فيه شيئا، فظهر بين الناس أن السلاح لا يعمل فيه، فكثر جمعه. ومات النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهم على ذلك، فكان طليحة يقول: عن جبرائيل يأتيني. وسجع للناس الأكاذيب، وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة ويقول: إن اللَّه لا يصنع بتعفر وجوهكم وتقبح أدباركم شيئا، اذكروا اللَّه أعفة قياما، إلى غير ذلك، وتتبعه كثير من العرب عصبية، فلهذا كان أكثر أتباعه من أسد وغطفان وطيِّئ. فسارت فزارة وغطفان إلى جنوب طيبة، وأقامت طيِّئ على حدود أراضيهم وأسد بسميراء، واجتمعت عبس وثعلبة ابن سعد ومرة بالأبرق من الربدة، واجتمع إليهم ناس من نبي كنانة، فلم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين، أقامت فرقة بالأبرق، وسارت فرقة إلي ذي القصة، وأمدهم طليحة بأخيه حبال، فكان عليهم وعلي من معهم من الدئل وليث ومدلج، وأرسلوا إلى المدينة يبذلون الصلاة ويمنعون الزكاة، فقال أبو بكر: واللَّه لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه. وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة وردهم، فرجع وفدهم فأخبروهم بقلة من في المدينة وأطمعوهم فيها. وجعل أبو بكر بعد مسير الوفد على أنقاب [ (2) ] المدينة عليا وطلحة والزبير وابن مسعود، وألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الغارة من العدو لقربهم، فما لبثوا إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل وخلقوا بعضهم بذي حسي ليكونوا لهم رداء، فوافوا ليلا الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم، وأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر، فخرج إلى أهل المسجد على النواضح، فردوا العدو واتبعوهم حتى بلغوا ذا حسي، فخرج عليهم الردء بأنحاء قد نفخوها وفيها الحبال، ثم دهدهوها على الأرض، فنفرت إبل المسلمين وهم عليها ورجعت   [ (2) ] أنصار. (والأنقاب، واحدها النقب: الطريق في الجبل) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 232 بهم إلى المدينة ولم يصرع مسلم. وظن الكفار بالمسلمين الوهن، وبعثوا إلى أهل ذي القصة بالخبر، فقدموا عليهم، وبات أبو بكر يعبي الناس، وخرج علي تعبية يمشي وعلي ميمنته النعمان بن مقرن وعلى مسيرته عبد اللَّه بن مقرن وعلى أهل الساقة سويد ابن مقرن. فما طلع الفجر إلا وهم العدو على صعيد واحد، فما شعروا بالمسلمين حتى وضعوا فيهم السيوف، فما ذر قرن الشمس حتى ولوهم الأدبار وغلبوهم على عامة ظهرهم وقتل رجال، واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة، وكان أول الفتح، ووضع بها النعمان بن مقرن في عدد، ورجع إلى المدينة، فذل له المشركون. فوثب بنو عبس وذبيان على من فيهم من المسلمين فقتلوهم، فحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة، وازداد المسلمون قوة وثباتا. وطرقت المدينة صدقات نفر كانوا على صدقة الناس، بهم صفوان والزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم، وذلك لتمام ستين يوما من مخرج أسامة، وقدم أسامة بعد ذلك بأيام، وقيل: كانت غزوته وعوده في أربعين يوما. فلما قدم أسامة استخلفه أبو بكر المدينة وجنده معه ليستريحوا ويريحوا ظهرهم، ثم خرج فيمن كان معه، فناشده المسلمون ليقيم، فأبي وقل: لأواسينكم بنفسي. وسار إلي ذي حسي وذي القصة حتى نزل بالأبراق فقاتل من به، فهزم اللَّه المشركين وأخذ الخطبة أسيرا، فطارت عبس وبنو بكر، وأقام أبو بكر بالأبراق أياما، وغلب علي بني ذبيان وبلادهم وحماها لدواب المسلمين وصدقاتهم. ولما انهزمت عبس وذبيان رجعوا إلى طليحة وهو بزاخة، وكان رحل من سميراء إليها، فأقام عليها، وعاد أبو بكر إلى المدينة. فلما استراح أسامة وجنده، وكان قد جاءهم صدقات كثيرة تفضل عليهم، قطع أبو بكر البعوث وعقد الألوية، فعقد أحد عشر لواء، عقد لواء لخالد بن الوليد وأمره بطليحة ابن خويلد فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن قام له، وعقد لعكرمة ابن أبي أمية وأمره بجنود العنسيّ ومعونة الأبناء على قيس بن مكشوح، ثم يمضي إلي كندة بحضرموت، وعقد لخالد بن سعيد وبعثه إلي مشارف الشام، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 233 وعقد لعمرو بن العاص وأرسله إلي قضاعة، وعقد لحذيفة بن محصن الغفاني وأمره بأهل دبا، وعقد لعرفجة بن هرثمة وأمره بمهرة وأمرهما ان يجتمعا وكل واحد منهما علي صاحبه في عمله. وبعث شرحبيل بن حسنة في أثر عكرمة بن أبي جهل وقال: إذا فرغ من اليمامة فالحق بقضاعة وأنت علي خيلك تقاتل أهل الردة. وعقد لمعن بن حاجز وأمره ببني سليم ومن معهم من هوازن، وعقد لسويد بن مقرن وأمره بتهامة باليمن، وعقد للعلاء بن الحضرميّ وأمره بالبحرين، ففضلت الأمراء من ذي القصة ولحق بكل أمير جنده، وعهد إلي كل أمير وكتب إلي جميع المرتدين نسخة واحدة واحدة يأمرهم بمراجعة الإسلام ويحذرهم، وسير الكتب إليهم مع رسله. ولما اهزمت عبس وذبيان ورجعوا إلي طليحة ببزاخة أرسل إلي جديلة والغوث من طيِّئ يأمرهم باللحاق به فتعجل إليه بعضهم وأمروا قومهم باللحاق بهم، فقدموا علي طليحة. وكان أبو بكر بعث عدي بن حاتم قبل خالد إلي طيِّئ بالبطاح ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى يأذن له. وأظهر أبو بكر للناس أنه خارج إلي خيبر بجيش حتى يلاقي خالدا، يرهب به العدو بذلك. وقدم عدي علي طيِّئ فدعاهم وخوفهم، فأجابوه وقالوا له: استقبل الجيش فأخره عنا حتى نستخرج من عند طليحة منا لئلا يقتلهم. فاستقبل عدي خالدا وأخبره بالخبر، فتأخر خالد، وأرسلت طيِّئ إلى إخوانهم عند طليحة فلحقوا بهم، فعادت طيِّئ إلى خالد بإسلامهم، ورحل خالد يريد جديلة، فاستمهله عدي عنهم، ولحق بهم عدي يدعوهم إلى الإسلام، فأجابوه، فعاد إلى خالد بإسلامهم، ولحق بالمسلمين ألف راكب منهم، وكان خير مولود في ارض طيِّئ وأعظمه بركة عليهم. وأرسل خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت بن قرم النصارى طليعة، فلقيهما حبال أخو طليحة فقتلاه، فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخوه سلمة، فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتا ورجعا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 234 وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتا قتيلين، فخرج لذلك المسلمون، وانصرف بهم خالد نحو طيِّئ، فقالت له طيِّئ: نحن نكفيك قيسا، فإن بني أسد حلفاؤنا. فقال: قاتلوا أي الطائفتين شئتم. فقال عدي بن حاتم: لو نزل هذا علي الذين [هم] أسرتي الأدنى فالأدنى لجاهدتهم [ (1) ] عليه، واللَّه لا أمتنع عن جهاد بني أسد لحلفهم. فقال له خالد. إن جهاد الفريقين جهاد، لا تخالف رأي أصحابك وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط، ثم تعبي لقتالهم، ثم سار حتى التقيا على بزاخة، وبنو عامر قريبا يتربصون على من تكون الدائرة، قال: فاقتتل الناس على بزاخة. وكان عيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من بني فزارة، فقاتلوا قتالا شديدا وطليحة متلفف في كسائه يتنبأ لهم، فلما اشتدت الحرب كبر عيينة على طليحة وقال له: هل جاءك جبرائيل بعد؟ قال لا، فرجع فقاتل، ثم كر على طليحة فقال له: لا أبا لك! أجاءك جبرائيل؟ قال: لا. فقال عيينة: حتى متى؟ قد واللَّه بلغ منا! ثم رجع فقاتل قتالا شديدا ثم كر على طليحة فقال: هل جاءك جبرائيل؟ قال: نعم. قال: فماذا قال لك؟ قال: قال لي: إن رحى كرحاه، وحديثا لا تنساه. فقال عيينة: قد علم اللَّه أنه سيكون حديث لا تنساه، انصرفوا يا بني فزارة فإنه كذاب، فانصرفوا وانهزم الناس. وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلته لامرأته النوار، فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته ثم نجا بها وقال: يا معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل. ثم انهزم فلحق بالشام، ثم نزل على كلب فأسلم حين بلغه ان أسدا وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيما في كلب حتى مات أبو بكر. وكان خرج معتمرا [في إمارة أبي بكر] ومر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر: هذا طليحة! فقال: مال أصنع به؟ قد أسلم! ثم أتي عمر فبايعه حين استخلف. فقال له: أنت قاتل عكاشة وثابت؟ واللَّه لا أحبك أبدا! فقال: يا أمير المؤمنين ما يهمك من رجلي أكرمهم اللَّه بيدي ولم يهني بأيديهما!   [ (1) ] لجاهدتم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 235 فبايعه عمر وقال له: ما بقي من كهانتك؟ فقال: نفخة أو نفختان [بالكير] . ثم رجع إلى قومه فأقام عندهم حتى خرج إلي العراق. ولما انهزم الناس عن طليحة أسر عيينة بن حصن، فقدم علي أبي بكر، فكان صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف: يا عدو اللَّه أكفرت بعد إيمانك؟ فيقول: واللَّه ما آمنت باللَّه طرفة عين. فتجاوز عنه أبو بكر وحق دمه. وأخذ من أصحاب طليحة رجل كان عالما به، فسأله خالد عما يقول فقال: إن مما أتى به: والحمام واليمام، والصرد والصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام. قال: ولم يؤخذ منهم سبي لأنهم قد أحرزوا حريمهم، فلما انهزموا أقروا بالإسلام خشية على عيالاتهم، فأمنهم. حبال بكسر الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة، وبعد الألف لام. وذو القصة بفتح القاف، والصاد المهملة. وذو حسي بصم الحاء المهملة والسين المهملة المفتوحة. ودبا بفتح الدال المهملة، وبالباء الموحدة. وبزاخة بضم الباء الموحدة، وبالزاي، والخاء المعجمة [ (1) ] وأما ردة عيينة بن حصن الفزاري وكنيته أبو مالك فإنه كان من الأعراب الجفاة. وأسلم واستعمله النبي صلى اللَّه عليه وسلم على فزارة والتقى مع طليحة الأسدي بمكان يقال له: بزاخة ووقف أحياء كثيرة من الأعراب ينظرون على من تكون الدائرة، وجاء طليحة فيمن معه من قومه ومن التف معهم وانصاف غليهم، وقد حضر معه عيينة بن حصن في سبعمائة من قومه، بني فزارة، واصطف الناس، وجلس طليحة ملتفا في كساء له يتنبأ لهم ينظر ما يوحي إليه فيما يزعم، وجعل عيينة يقاتل ما يقاتل، حتى إذا ضجر من القتال يجيء إلى طليحة وهو ملتف في كسائه فيقول: أجاءك جبريل؟ فيقول: لا، فيرجع فيقاتل، ثم يرجع فيقول له مثل ذلك ويرد عليه   [ (1) ] (الكامل في التاريخ لابن الأثير) : 2/ 343- 349. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 236 مثل ذلك، فلما كان في الثالثة قال له: هل جاءك جبريل؟ قال: نعم، قال: فما قال لك؟ قال: قال لي إن لك رحاء كرحاه، وحديثا لا تنساه، قال يقول عيين، أظن ان قد علم اللَّه سيكون لك حديث لا تنساه، ثم قال: يا بني فزارة انصرفوا، انهزم وانهزم الناس على طليحة، فلما جاءه المسلمون ركب على فرس قد أعدها له، وأركب امرأته النوار على بعير له، ثم انهزم بها إلي الشام وتفرق جمعه، وقد قتل اللَّه طائفة ممن كان معه، فلما أوقع اللَّه بطليحة وفزارة ما أوقع قالت بنو عامر وسليم وهوازن ندخل فيما خرجنا منه، ونؤمن باللَّه ورسوله، ونسلم لحكمة في أموالنا وأنفسنا. قلت: وقد كان الأسدي ارتد عن الإسلام، وقال لقوله: واللَّه لنبي من بني أسد أحب إلي من نبي من نبي هاشم، وقد مات محمد وهذا طليحة فاتبعة، فوافق قومه بنو فزارة على ذلك، فلما كسرهما خالد هرب طليحة بامرأته إلي الشام، فنزل على بني كلب وأسر خالد عيينة بن حصن، وبعث به إلي المدينة مجموعة يداه إلي عنقه، فدخل وهو كذلك فجعل الولدان والغلمان يطعنونه بأيديهم، ويقولون: أي عدو اللَّه، ارتددت عن الإسلام؟ فيقول: واللَّه ما كنت آمنت قط، فلما وقف بين يدي الصدّيق استتابه وحقن دمه، ثم حسن إسلامه بعد فأسره مع عيينة، وأما طليحة فإنه راجع الإسلام بعد ذلك أيضا، وذهب إلي مكة معتمرا أيام الصديق، واستحيي أن يواجهه مدة حياته، وقد رجع فشهد القتال مع خالد، وكتب الصديق إلي خالد: أن استشره في الحرب ولا تؤمره- يعني معاملته له بنقيض ما كان قصده من الرئاسة في الباطن- وهذا من فقه الصديق- رضي اللَّه تبرك وتعالي عنه وأرضاه-، وقد قال خالد بن الوليد لبعض أصحابه طليحة ممن أسلم وحسن إسلامه: أخبرنا عما كان يقول لكم طليحة من لوحي، فقال: إنه كان يقول: الحمام واليمام والصرد والصوام، قد ضمن قبلكم بأعلام ليبلغن ملكنا العراق والشام، إلي غير ذلك من الخرافات والهنديانات [ (1) ] .   [ (1) ] البداية والنهاية: 6/ 350. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 237 وأما ردة قرة بن هبيرة بن مسلمة القشيري في غطفان فإنه اجتمع له عسكر من بني عامر على أن لا يؤدي الزكاة وذلك بعد موت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وصارت وبنو عامر تقدم رجلا وتؤخر أخرى، وتنظر ما صنع أسد وغطفان فلما أحيط بهم وبنو عامر علي قادتهم وسادتهم: قرة بن هبيرة في كعب ومن لافها وعلقمة بن علاثة في كلاب ومن لافها. فلما مر عمرو بن العاص بقرة منصرفه من عمان بعد وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنزله وأكرمه. فلما أراد أن يرحل قال له: يا هذا، إن العرب لا تطيب لكم أنفسا بالإتاوة فإن أنتم أغنيتموها من أخذ أموالها فستسمع لكم وتطيع، وإن أبيتم فلا أرى أن تجتمع عليكم فقال عمرو: أكفرت يا قرة؟ وخوله بنو عامر فكره أن تبوح لمتابعتهم فيكفروا، أو بمتابعته فينفروا، فيقول: لنردنكم إلي فئتكم، وكلما سأله عمرو: أكفرت يا قرة؟ يقول: لنردنكم إلي فئتكم، واجعلوا بيننا وبينكم موعدا. فقال عمرو: أتوعدنا بالعرب ونحو فئاتها، موعدك حشف أمك، فو اللَّه لأوطنه عليك الحبل. وقدم علي أبي بكر والمسلمين، فأخبرهم خبر ما بين عمان إلي المدينة فلما كان يوم البزاخة أقبلت بنو عامر إلي خالد بن الوليد يقولون: ندخل فيما خرجنا منه، فبايعهم علي الإسلام. وأما ردة بني يربوع قوم مالك بن نويرة ابن حمزة بن شداد بن عبيد بن ثعلبة ابن يربوع بن حنظلة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم لما رجعت سجاح إلي الجزيرة ارعوى مالك بن نويرة وندم وتحير في أمره، وعرف وكيع وسماعة قبح ما أتيا فراجعا رجوعا حسنا ولم يتجبرا، وأخرجا الصدقات فاستقبلا بها خالدا وسار خالد بعد أن فرغ من فزارة وغطفان الجزء: 14 ¦ الصفحة: 238 وأسد وطيِّئ يريد البطاح وبها مالك بن نويرة قد تردد عليه أمره وتخلفت الأنصار عن خالد وقالوا: ما هذا بعهد الخليفة إلينا إن نحن فرغنا من بزاخة أن نقيم حتى يكتب إلينا، فقال خالد: قد عهد إلي أن أمضي وأنا الأمير ولو لم يأت كتاب بما رأيته فرصة، وكنت إن أعلمته فاتتني لم أعلمه وكذلك لو ابتلينا بأمر ليس فيه منه عهد لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به، فأنا قاصد إلي مالك ومن معي ولست أكرههم، ومضي خالد، وندمت الأنصار وقالوا: إن أصاب القوم خيرا حرمتوه، وإن أصيبوا ليجتنبنكم الناس، فلحقوه ثم سار حتى قدم البطاح فلم يجد بها أحدا، وكان مالك بن نويرة قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع وقال: يا بني يربوع إنا دعينا إلي هذا الأمر، فأبطأنا عنه، فلم نفلح، وقد نظرت فيه فرأيت الأمر يتأتي لهم بغير سياسة وإذا الأمر لا يسوسه الناس فإياكم ومناوأة قوم صنع لهم فتفرقوا وأدخلوا في هذا الأمر فتفرقوا علي ذلك. ولما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام، وأن يأتوه بكل من لم يحب وإن امتنع أن يقتلوه، وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يؤذنوا إذا نزلوا منزلا، فإن أذن القوم فكفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا فاقتلوه وانهبوا وإن أجابوكم إلي داعية الإسلام فسائلوهم عن الزكاة، فإن أقروا فاقبلوا منهم، وإن أبوا فقاتلوهم. قال: فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني ثعلب بن يربوع فاختلفت السرية فيهم، وكان فيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا، فلما اختلفوا أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شيء، فأمر خالد مناديا فنادى: ادفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة القتل فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكا. وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم. فقال إذا أراد اللَّه أمرا أصابه، وتزوج خالد أم تميم امرأة مالك فقال عمر لأبي بكر: إن سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه في ذلك، فقال: هيه يا عمر، تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد، فإنّي لا أشيم سيفا سله اللَّه على الكافرين، وودى مالكا، وكتب إلي خالد أن يقدم عليه، ففعل ودخل عليه المسجد وعليه قباء وقد غرز في عمامته أسهما فقام إليه عمر الجزء: 14 ¦ الصفحة: 239 فنزعها وحطمها، وقال قتلت امرأ مسلما، ثم نزوت علي امرأته، واللَّه لأرجمنك بأحجارك، وخالد لا يكلمه، يظن أن رأي أبي بكر مثله، ودخل علي أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه وعنفه في التزويج الّذي كانت عليه العرب من كراهة أيام الحرب فخرج، وعمر جالس فقال هلم إلي يا ابن أم سلمة فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلمه وقيل: إن المسلمين لما غشوا مالكا وأصحابه ليلا أخذوا السلاح فقالوا: نحن المسلمين، فقال أصحاب مالك: ونحن المسلمين، فقالوا لهم: ضعوا السلاح، فوضعوه، ثم صلوا وكان يعتذر في قتله أنه قال: ما إخال صاحبكم إلا قال كذا وكذا، فقال له أو ما تعده لك صاحبا؟ ثم ضرب عنقه وقدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطلب بدم أخيه ويسأله أن يرد عليهم سبيهم، فأمر أبو بكر برد السبي وودى مالكا من بيت المال. ولما قدم على عمر قال له: ما بلغ بك الوجد على أخيك؟ قال بكيته حولا حتى أسعدت عيني الذاهبة عيني الصحيحة، وما رأيت نارا قط إلا كدت أنقطع أسفا عليه، لأنه كان يوقد ناره إلي الصبح مخافة أن يأتيه ضيف ولا يعرف مكانه، قال: فصفه لي، قال كان يركب الفرس الحرون، ويقود الجمل الثقال وهو بين المزادتين النضوختين في الليلة القرة وعليه شملة فلوت، معتقلا، رمحا خطلا، فيسري ليلته ثم يصبح وكأن وجهه فلقة قمر. قال: أنشدني بعض ما قلت فيه، فأنشد مرثيته التي يقول فيها: وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا فقال عمر: لو كنت أقول الشعر لرثيت أخي زيدا، فقال متمم: ولا سواء يا أمير المؤمنين لو كان أخي صرع مصرع أخيك لما بكيته. فقال عمر: ما عزائي أجد بأحسن مما عزيتني به، وفي هذه الوقعة قتل الوليد وأبو عبيدة ابنا عمارة بن الوليد وهما ابنا أخي خالد، لهما صحبة [ (1) ] .   [ (1) ] (الكامل في التاريخ لابن الأثير) : 2/ 357- 360. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 240 وأما سجاح بنت الحارث بن سويد ابن عقفان التميمية قد أقبلت من الجزيرة وادعت النبوة، وكانت ورهطها في أخوالها من تغلب تقود أفناء ربيعة، معها الهزيل بن عمران في بني تغلب، وكان نصرانيا فترك دينه، وتبعها، وعقبة بن هلال في النمر، وزياد بن فلان أياد، والسليل ابن قيس في شيبان، فأتاهم أمر أعظم مما هم فيه لاختلافهم. وكانت سجاح تريد غزو أبي بكر، فأرسلت إلي مالك بن نويرة تطلب الموادعة، فأجابها وردها من غزوها وحملها على أحياء من بني تميم، فأجابته وقالت: أنا امرأة من بني يربوع، فإن كان ملك فهو لكم. وهرب منها عطارد ابن حاجب وسادة بني مالك وحنظلة إلي بني العنبر، وكرهوا ما صنع وكيع وما صنع مالك بن نويرة، واجتمع مالك ووكيع وسجاح فسجعت لهم سجاح وقالت: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا علي الرباب فليس دونهم حجاب. فساروا إليهم، فلقيهم حنبة وعبد مناة فقتل بينهم قتلى كثيرة وأسر بعضهم من بعض ثم تصالحو، وقال قيس بن عاصم شعرا ظهر فيه ندمه على تخلفه عن أبي بكر بصدقته. ثم صارت سجاح في جنود الجزيرة حتى بلغت النياح، فأغار عليهم أوس بن خزيمة الهجيمي في بني عمرو فأسر الهزيل وأعتقه، ثم اتفقوا على أن يطلق أسرى سجاح ولا يطأ أرض أوس ومن معه. ثم خرجت سجاح في الجنود وقصدت اليمامة وقالت: عليكم باليمامة، ودفوا دفيف الحمامة، فإنّها غزوة حرامه، لا يلحقكم بعدها ملامة. فقصدت ابن حنيفة، فبلغ ذلك مسيلمة فخاف إن هو شغل بها أن يغلب ثمامة وشرحبيل بني حسنة والقبائل التي حولهم على حجر، وهي اليمامة، فأهدى لها ثم أرسل إليها يستأمنها علي نفسه حتى يأتيها، فأمنته، فجاءها في أربعين من بني حنفية فقال مسيلمة: لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها لو عدلت، وقد رد اللَّه عليك النصف الّذي ردت قريش. وكان مما شرع لهم أن من أصاب ولدا واحدا ذكرا لا يأتي النساء يموت ذلك الولد فيطلب الولد حتى يصيب ابنا ثم ينسك، وقيل: بل تحصن منها، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 241 فقالت له: انزل، فقال لها: أبعدي أصحابك ففعلت، وقد ضرب لها قبة وجحرها لتذكر بطيب الريح الجماع، واجتمع بها فقالت له: ما اوحي إليك ربك؟ فقال ألم تر إلي ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى بين صفاق وحشي. قالت: وماذا أيضا؟ قال: إن اللَّه خلق النساء أفواجا، وجعل الرجال لهن أزواجا، فتولج فيهن قعسا إيلاجا، ثم تخرجها إذا تشاء إخراجا، فينتجن لنا سخالا إنتاجا. قالت: أشهد أنك نبي. قال هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب؟ قالت: نعم. قالت: بذلك أوحي إلي فأقامت عنده ثلاثا ثم انصرف إلي قومها، فقالوا لها: ما عندك؟ قالت: كان علي الحق فتبعته وتزوجته. قالوا: هل أصدقك شيئا؟ قالت: لا. قالوا: فارجعي فاطلبي الصداق، فرجعت. فلما رآها أغلق باب الحصن وقال: ما لك؟ قالت: أصدقني. قال: من مؤذنك؟ قالت: شبث بن ربعي الرياحي، فدعاه وقال له: ناد في أصحابك أن مسيلمة رسول اللَّه قد وضع عنكم صلاتين مما جاءكم به محمد: صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة. فانصرفت ومعها أصحابها، منهم: عطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم وغيلان بن خرشة وشبث بن ربعي، فقال عطارد بن حاجب: أمست نبيتنا أنثى نطوف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا وصالحها مسيلمة على غلات اليمامة سنة تأخذ النصف وتترك عنده من يأخذ النصف، فأخذت النصف وانصرفت إلي الجزيرة وخلقت الهذيل وعقة وزيادا لأخذ النصف الباقي، فلم يفاجئهم إلا دنو خالد إليهم فارفضوا. فلم تزل سجاح في تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة وجاءت معهم وحسن إسلامهم وإسلامها، وانتقلت إلي البصرة وماتت بها وصلي عليها سمرة ابن جندب وهو على البصرة لمعاوية قبل قدوم عبيد اللَّه بن زياد من خراسان وولايته البصرة. وقيل: إنها لما قتل مسيلمة سارت إلي أخواله تغلب بالجزيرة فماتت عندهم ولم يسمع لها ذكر [ (1) ] .   [ (1) ] (الكامل لابن الأثير) : 2/ 354- 357. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 242 وأما ردة الأشعث بن قيس بن معديكرب ابن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة بن عفير بن الحارث بن مرة بن أزد بن زيد يستحث بني عدي بن مهد بن كهلان بن سبإ بن يعرب بن قحطان الكندي، فإنه كان مطاعا في الجاهلية يقوم بأمر كندة، فارتد فيمن ارتد وخرج في بني الحارث ابن معاوية إلي المحاجر ونزل محجرا وقد طابقت معاوية كلها على منع الصدقة وأجمعوا على الردة إلا قليلا، فجمع بني الحارث بن معاوية، وبني عمرو بن معاوية، ومن أطاعه من السكاسك وغيرهم فانضم المهاجر بن أبي أمية إلي زياد بن لبيد، فكانت وقعة بينهم وبين كندة، وعليهم الأشعث بمحجر الزرقان، فانهزمت كندة إلي الجحيم فقدم عكرمة بن أبي جهل على المهاجر وزياد، وحصروا المير وقطعوا المواد عنه، ثم اقتتلوا حتى كثرت القتلى، فخرج الأشعث إلي عكرمة بأمان فأرسله المهاجر إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- فعفا عنه. وأما الحكم بن ضبيعة أخو بني قيس بن ثعلبة فإنه خرج لما مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم في من اتبعه من بكر بن وائل فاجتمع إليه من غير المرتدين ممن لم يزل مشركا حتى نزل القطيف وهجر واستغووا الخط ومن بها من الزط والسبابجة وبعث بعثا إلي دارين وبعث إلي جواثا فحصر المسلمين فاشتد الحصر علي من بها، فقال عبد اللَّه بن حذف وقد قتلهم الجوع: ألا أبلغ أبا بكر رسولا ... وفتيان المدينة أجمعينا فهل لكم إلي قوم كرام ... تعود في جواثا محصرينا كأن دماؤهم في كل فج ... شعاع الشمس يغشى الناظرينا توكلنا علي الرحمن إنا ... وجدنا النصر للمتوكلينا الجزء: 14 ¦ الصفحة: 243 وكان سبب استنفاذ العلاء بن الحضرميّ من إياهم أن أبا بكر كان قد بعثه علي قتال أهل الردة بالبحرين فلما كان بحيال اليمامة لحق به ثمامة بن أثال الحنفي أيضا لحقه في مثل عدته فسلك الدهناء حتى إذا كانوا في بحبوحتها نزل وأمر الناس بالنزول في الليل فنفرت إبلهم بأحمالها فما بقي عندهم بعير ولا زاد ولا ماء فلحقهم من الغم ما لا يعلمه إلا اللَّه وأوصي بعضهم بعضا فدعاهم العلاء فاجتمعوا إليه فقال: ما هذا الّذي غلب عليكم من؟ الغم فقالوا كيف نلام ونحن إن بلغنا غدا لم تحم الشمس حتى نهلك فقال لن تراعوا أنتم المسلمون وفي سبيل اللَّه وأنصار اللَّه فأبشروا فو اللَّه لن تأخذوا فلما صلوا الصبح دعا العلاء ودعوا معه فلمع لهم الماء فمشوا إليه وشربوا واغتسلوا فما تعالي النهار حتى أقبلت الإبل تجمع من كل وجه فأناخت إليهم فسقوها وكان أبو هريرة فيهم فلما ساروا عن ذلك المكان قال لمنجاب بن راشد كيف علمك بموضع الماء؟ قال عارف به فقال له كن معي حتى تقيمني عليه قال فرجعت به إلي ذلك المكان فلم نجد إلا غدير الماء فقلت له واللَّه لولا الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان وما رأيت بهذا المكان ماء قبل اليوم، وإذا إداوة مملوة ماء فقال أبو هريرة هذا وللَّه المكان ولهذا رجعت بك وملأت إدواتي تم وضعتها على شفير الغدير وقلت: إن كان منا من المن عرفته وإن كان عنا عرفته فإذا من من المن فحمد اللَّه ثم ساروا فنزلوا بهجر وأرسل العلاء إلي الجارود يأمره أن ينزل بعبد القيس على الحطم مما يليه وسار هو فيمن معه حتى نزل عليه مما يلي هجر فاجتمع المشركون إلي العلاء وخندق المسلمون علي أنفسهم والمشركون وكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلي خندقهم فكانوا كذلك شهرا فبينما هم كذلك سمع المسلمون ضوضاء هزيمة أو قتال فقال العلاء من يأتينا بخبر القوم فقال عبد اللَّه بن حذف أنا فخرج حتى دنا من خندقهم فأخذوه وكانت أمه عجيلة فجعل ينادي يا أبجراه فجاء أبجر بن بحير فعرفه فقال ما شأنك؟ فقال علام أقبل وحولي عساكر من عجل وتيم اللات وغيرهما؟ فخلصه فقال له واللَّه إني لأظنك بئس بن أخت أتيت الليلة أخوالك، فقال دعني من هذا وأطعمني فقد مت جوعا فقرب له طعاما فأكل ثم قال زودني واحملني يقول هذا الرجل قد غلب عليه السكر فحمله علي بعير وزوده وجوزه فدخل عسكر المسلمين الجزء: 14 ¦ الصفحة: 244 فأخبرهم ان القوم سكارى فخرج المسلمون عليهم فوضعوا فيهم السيف كيف شاءوا وهرب الكفار فمن بين متردد وناج ومقتول ومأسور، واستولي المسلمون على العسكر ولم يفلت رجل إلا بما عليه فأما أبجر فأفلت، وأما الحكم فقتل قتله قيس بن عاصم بعد أن قطع عفيف بن المنذر التميمي رجله وطلبهم المسلمون فأسر عفيف بن المنذر النعمان بن المنذر الغرور فأسلم وأصبح العلاء فقسم الأنفال ونفل رجالا من أهل البلاء ثيابا فأعطى ثمامة بن أثال الحنفي خميصة ذات أعلام كانت للحكم يباهي بها، فلما رجع ثمامة بعد فتح دارين رآها بنو قيس بن ثعلبة: فقالوا له أنت قتلت الحطم؟ فقال لم أقتله ولكني اشتريها من المغنم فوثبوا عليه فقتلوه [ (1) ] . وأما ردة جبلة بن أبي المنذر بن الأيهم بن الحارث وهو جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن أبي شمر واسمه المنذر بن الحارث وهو ابن مارية ذات القرطين وهو ابن ثعلبة بن عمرو بن جفنة واسمه كعب أبو عامر بن حارثة بن امرئ القيس ومارية بنت أرقم بن ثعلب بن عمرو ابن جفنة ويقال غير ذلك في نسبه وكنيته جبلة أبو المنذر الغساني الجفني وكان ملك غسان وهم نصارى العرب أيام هرقل وغسان أولاد عم الأنصار أوسها وخزرجها وكان جبلة آخر ملوك غسان فكتب إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتابا مع شجاع بن وهب يدعوه إلي الإسلام فأسلم وكتب بإسلامه إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال ابن عساكر: إنه لم يسلم قط وهكذا صرح به الواحدي وسعيد بن عبد العزيز وقال الواقدي: شهد اليرموك مع الروم أيام عمر بن الخطاب ثم أسلم بعد ذلك في أيام عمرو فاتفق أنه وطء رداء رجل من مزينة بدمشق فلطمه ذلك المزني فدفعه أصحاب جبلة إلي أبي عبيدة فقالوا: هذا لطم جبلة قال أبو عبيدة فيلطمه جبلة فقالوا: أوما يقتل؟ قال: لا، قالوا: فكنا تقطع يده؟ قال لا إنما   [ (1) ] (الكامل في التاريخ لابن الأثير) : 2/ 368- 370. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 245 أمر اللَّه بالقود فقال جبلة أترون أني جاعل وجهي بدلا لوجه مازني جاء من ناحية المدينة؟ بئس الدين هذا ثم ارتد نصرانبا وترحل بأهله حتى دخل أرض الروم فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان إن صديقك جبلة ارتد عن الإسلام فقال إنا للَّه: وإنا إليه راجعون ثم قال: ولم؟ قال لطمة رجل من مزينة فقال وحق له فقام إليه عمر بالدرة فضربه ورواه الواقدي عن معمر وغيره عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عباس ساق ذلك بأسانيده إلي جماعة من الصحاب وهذا القول هو أشهر الأقوال وقد روى ابن الكلبي وغيره أن عمر لما بلغه إسلام جبلة فرح بإسلامه ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة وقيل: بل استأذنه جبلة في القدوم عليه فأذن له فركب في خلق كثير من قومه قيل مائة وخمسين راكبا وقيل خمسمائة وتلقته هدايا عمر ونزله قبل أن يصل إلي المدينة بمراحل وكان يوم دخوله يوما مشهودا دخلها وقد ألبس خيوله قلائد الذهب والفضة ولبس تاجا على رأسه مرصعا باللآلئ والجواهر، وفيه قرطا مارية جدته. وخرج أهل المدينة رجالهم ونساؤهم ينظرون إليه فلما سلم علي عمر رحب به عمر وأدنى مجلسه، وشهد الحج مع عمر في هذه السنة فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطء إزاره رجل من بني فزارة فانحل فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل ومن الناس من يقول إنه قلع عينه فاستعدى عليه الفزاري إلي عمر ومعه خلق كثير من بني فزارة فاستحضره عمر فاعترف جبلة فقال له عمر اقتدته منك فقال كيف وأنا ملك وهو سوقة؟ فقال إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوى. فقال جبلة: قد كنت أظن أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية. فقال عمر: دع ذا عنك فإنك إن لم ترض الرجل اقتدته منك فقال: إذا أتنصر. فقال: إن تنصرت ضربت عنقك. فلما رأى الحد قال: سأنظر في أمري هذه الليلة فانصرف من عند عمر. فلما أدلهم الليل ركب في قومه ومن أطاعه، فسار إلي الشام ثم دخل الروم ودخل علي هرقل في مدينة القسطنطينية فرحب به هرقل وأقطعه بلادا كثيرة وأجرى عليه أرزاقا جزيلة. وأهدى إليه هدايا جميلة. وجعله من سمّاره فمكث عنده دهرا وقال الواقدي: شهد اليرموك مع الروم أيام عمر بن الخطاب ثم أسلم بعد ذلك في أيام عمر. فاتفق أنه وطء رداء رجل من مزينة بدمشق فلطمه ذلك المزني فدفعه أصحاب جبلة إلي أبي عبيدة فقالوا: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 246 هذا لطم جبلة، قال أبو عبيدة، فيلطمه جبلة، فقالوا: أوما يقتل؟ قال لا قالوا فما تقطع يده؟ قال لا إنما أمر اللَّه بالقود، فقال جبلة أترون أني جاعل وجهي بدلا لوجه مازني جاء من ناحية المدينة؟ بئس الدين هذا ثم ارتد نصرانبا وترحل بأهله حتى دخل أرض الروم فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان إن صديقك جبلة ارتد عن الإسلام فقال إنا للَّه وإنا راجعون، ثم قال ولم؟ قال لطمة رجل من مزينة فقال وحق له، فقام إليه عمر بالدرة فضربه ورواه الواقدي عن معمر وغيره عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عباس ساق ذلك بأسانيده إلي جماعة من الصحابة، وهذا القول هو أشهر الأقوال وقد روى ابن الكلبي وغيره أن عمر لما بلغه إسلام جبلة فرح بإسلامه ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة وقيل: بل استأذنه جبلة في القدوم عليه فأذن له فركب في خلق كثيرة من قومه قيل: مائة وخمسين راكبا. وقيل: خمسمائة وتلقته هدايا عمر ونزله قبل أن يصل إلي المدينة بمراحل وكان يوم دخوله يوما مشهودا دخلها وقد ألبس خيوله قلائد الذهب والفضة ولبس تاجا على رأسه مرصعا باللآلي والجواهر وفيه قرطا مارية جدته وخرج أهل المدينة رجالهم ونساؤهم ينظرون إليه فلما سلم علي عمر رحب به عمرو أدنى مجلسه وشهد الحج مع عمر في هذه السنة، فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطء إزاره رجل من بني فزارة فانحل فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل! ومن الناس من يقول إنه قلع عينه فاستعدى عليه الفزاري إلي عمر ومعه خلق كثير من بني فزارة فاستحضر عمر فاعترف جبلة فقال له عمر أقتد منه فقال كيف وأنا ملك وهو سوقة؟ فقال إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوى فقال جبلة قد كنت أظن أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية فقال عمر دع ذا عنك فإنك إن لم ترض الرجل اقتدته منك فقال إذا أتنصر! فقال إن تنصرت ضربت عنقك فلما رأى الحد قال سأنظر في أمري هذه الليلة فانصرف من عند عمر فلما أدلهم الليل ركب في قومه ومن أطاعه فسار إلي الشام ثم دخل الروم ودخل علي هرقل في مدينة القسطنطينية فرحب به هرقل وأقطعه بلادا كثيرة وأجرى عليه أرزاقا جزيلة وأهدى إليه هدايا جميلة وجعله من سماره فمكث عنده دهرا ثم إن عمر كتب كتابا إلي هرقل مع رجل يقال له جثامة بن مساحق الكناني. فلما بلغ الجزء: 14 ¦ الصفحة: 247 هرقل كتاب عمر بن الخطاب قال له هرقل: هل لقيت ابن عمك جبلة؟ قال: لا قال فألقه فذكر اجتماعه به وما هو فيه من النعمة والسرور والحبور الدنيوي في لباسه وفرشه ومجلسه وطيبه وجواريه حواليه حسان من الخدم والقيان ومطعمه وشرابه وسروره وداره التي تعوض بها عن دار الإسلام وذكر انه دعاه إلي الإسلام والعود إلي الشام فقال أبعد ما كان مني من الارتداد؟ فقال نعم إن الأشعث بن قيس ارتد وقاتلهم بالسيوف ثم لما رجع إلي الحق منه وزوجه الصديق بأخته أم فروة قال فتلهى عنه بالطعام والشراب وعرض عليه الخمر فأبي عليه وشرب جبلة من الخمر شيئا كثيرا حتى سكر ثم أمر جواريه المغنيات فغنينه بالعيدان من قول حسان بن ثابت فينا وفي ملكنا وفي منازلنا بأكناف غوطة دمشق قال سكت طويلا ثم قال لهن أبكينني فوضعن عيدانهن ونكسن رءوسهن وقلن: تنصرت الأشرف من عار لطمة ... وما كان لو صبرت لها ضرر تكنفني فيها اللجاج ونخوة ... وبعت بها العين الصحيحة بالعور فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلي القول الّذي قاله عمر وياليتني أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر وياليت لي بالشام أدنى معيشة ... أجالس قومي ذاهب السمع والبصر أدين بما دانوا به من شريعة ... وقد يصبر العود الكبير على الدبر قال فوضع يده على وجهه فبكى حتى بل لحيته بدموعه وبكيت معه ثم أستدعي بخمسمائة دينار هرقلية فقال خذ هذه فأوصلها إلي حسان بن ثابت وجاء بأخرى فقال خذ هذه لك فقلت لا حاجة لنا فيها ولا أقبل منك شيئا وقد ارتددت عن الإسلام فيقال إنه أضافها إلي التي لحسان فبعث بألف دينار هرقلية ثم قال له أبلغ عمر بن الخطب مني السلام وسائر المسلمين فلما قدمت على عمر أخبرته فقال ورأيته يشرب الخمر؟ قلت: نعم قال: أبعده اللَّه تعجل فانية بباقية فما ربحت تجارته، ثم قال وما الّذي وجه به لحسان؟ قلت خمسمائة دينار هرقلية فدعا حسانا فدفعها إليه فأخذها وهو يقول: إن ابن جفنة من بقية معشر ... لم يغرهم آباؤهم باللوم لم ينس بالشام إذ هو ربها ... كلا ولا منتصرا بالروم الجزء: 14 ¦ الصفحة: 248 يعطي الجزيل ولا يراه عنده ... إلا كبعض عطية المحروم وأتيته يوما فقرب مجلس ... وسقى فرواني من المذموم ثم لما كان في هذه السنة من أيام معاوية بعث معاوية عبد اللَّه بن مسعدة الفزاري رسولا إلي ملك الروم فاجتمع بجبلة بن الأيهم فرأى ما هو فيه من السعادة الدنيوية والأموال من الخدم والحشم والذهب والخيول فقال له جبلة لو أعلم أن معاوية يقطعني أرض البثينة فإنّها منازلها وعشرين قرية من غوطة دمشق ويفرض لجماعتنا ويحسن جوائزنا لرجعت إلي الشام فأخبر عبد اللَّه بن مسعدة معاوية بقوله فقال معاوية: أنا أعطيه ذلك وكتب إليه كتابا مع البريد بذلك فما أدركه البريد إلا وقد مات قبحة اللَّه وذكر أكثر هذه الأخبار الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في المنتظر وأرخ وفاته هذه السنة أعني سنة ثلاث وخمسين وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه فأكال الترجمة وأفاد ثم قال في آخرها بلغني أن جبلة توفي في خلافة معاوية بأرض الروم بعد سنة أربعين من الهجرة [ (1) ] . وذكر ابن سعد أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتب إلي جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلي الإسلام، فأسلم وكتب بإسلامه إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأهدى له هدية ولم يزل مسلما حتى كان في زمان عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فبينما هو في سوق دمشق إذ وطئ رجلا من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ وانطلق به إلي أبي عبيدة الجراح، فقالوا: هذا لطم جبلة، قال: فليطمه، قالوا: وما يقتل؟ قال: لا قالوا: فما تقطع يده قال: لا، إنما أمر اللَّه- تبارك وتعالي- بالقود، قال جبلة: أو ترون إني جاعل وجهي ندا لوجه جدي جاء من عمق! بئس الدين هذا: ثم ارتد نصرانيا وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان ابن ثابت: أبا الوليد، أما علمت ان صديقك وجبلة بن الأيهم ارتد نصرانيا؟ قال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون قال، ولم؟ قال: لطمة رجل من مزينة،   [ (1) ] (البداية والنهاية) : 8/ 69- 72. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 249 قال: وحق له، فقام إليه عمر بالدرة فضربه بها [ (2) ] قال الدولابي: لما قتل أهل الردة فسارعوا إلى الدخول في الإسلام فخيرهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بين خطة مخزية أو حرب مجلية، فاختاروا المخزية، وهي أن يشهدوا على قتلاهم أنهم في النار، وقتلى المسلمين في الجنة. وما أصابوا من أموال المسلمين ردوه، وما أصاب المسلمون لم يردوه، وأن يدو قتلى المسلمين ولا يدو قتلاهم وأن يأخذ منهم الحلقة ولكراع، فلما ولي عمر ابن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إنه لقبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضا وقد وسع اللَّه واستثار في سبايا العرب في الجاهلية وفي الإسلام أيام الردة إلا امرأة ولدت وجعل فداء كل إنسان سبعة أبعرة وستة، وإلا حنيفة وكندة خفف عنهم، وقال: لا ملك على عربي، وأجمع عليه المسلمون. وبقي في قريش بعد ما ندي السبي عدة. وأما إنذاره صلى اللَّه عليه وسلم بسوء عاقبة الرجّال بن عنفوة فشهد لمسيلمة وقاتل معه حتى قتل وقد كان الرجال هذا وقد وفد إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقرأ البقرة، وجاء زمن الردة إلى أبي بكر فبعثه إلى أهل اليمامة يدعوهم إلى اللَّه ويثبتهم على الإسلام، فارتد مع مسيلمة وشهد له بالنّبوّة قال سيف بن عمر عن طلحة عن عكرمة عن أبى هريرة: كنت يوما عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم في رهط معنا الرجال بن عنفوة، فقال: أن فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من أحد، فهلك القوم وبقيت أنا والرجال وكنت متخوفا لها، حتى خرج الرجال مع مسيلمة وشهد بالنّبوّة، فكانت فتنة الرجال أعظم من فتنة مسيلمة، رواه إسحاق عن شيخ، عن أبي هريرة، وقرب خالد وقد جعل على المقدمة شرحبيل بن حسنة، وعلى المجنبتين زيدا وأبا حذيفة، وقد مرت المقدمة في الليل بنحو من أربعين ظن وقيل ستين فارسا عليهم مجاعة بن مرارة، وكان قد ذهب لأخذ ثأر له في بنى تميم وبنى عامر   [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 265. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 250 وهو راجع إليه فلم يصدقهم، وأمر بضرب أعناقهم كلهم، سوى مجاعة فإنه استبقاه مقيدا عنده- لعلمه بالحرب والمكيدة- وكان سيدا في بني حنيفة، شريفا مطاعا، ويقال: إن خالدا لما عضوا عليه قال لهم: ماذا تقولون يا بني حنيفة؟ قالوا: نقول منا نبي ومنكم نبي، فقتلهم غلا واحدا واسمه سارية، فقال له، أيها الرجل إن كنت تريد عدا بعدول هذا خيرا أو شرا فاستبق هذا الرجل- يعني مجاعة بن مرارة- فاستبقاه خالد مقيدا، وجعله في الخيمة، مع امرأته، وقال: استوصي به خيرا، فلما تواجه الجيشان قال مسيلمة لقومه: اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم تستنكح النساء سبيات، وينكحن غير حظيات فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم، وتقدم المسلمون حتى نزل بهم خالد علي كثيب يشرف على اليمامة، فضرب به عسكره ورواية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماسي، والعرب على راياتها، ومجاعة بن مرارة مقيد في الخيمة مع أم تميم امرأة خالد، فاصطدم المسلمون والكفار فكانت جولة وانهزمت الأعراب حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد بن الوليد وهموا بقتل أم تميم، حتى أجارها مجاعة وقال: نعمت الحرة هذه، وقد قتل الرجال بن عنفوة لعنة اللَّه في هذه الجولة، قتله زيد بن الخطاب [ (1) ] . وأما أن لعنته صلى اللَّه عليه وسلم أدركت الملوك الأربعة وأختهم فقال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، عن صفوان بن عمرو قال: حدثني شرحبيل بن عبيد، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزردي، عن عمرو بن عبسة، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعرض خيلا يوما وعنده عيينة بن حصن الفزاري، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أنا أعلم بالخيل منك، فقال عيينة: وأنا أفرس بالرجال منك، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: وكيف ذاك؟ قال خير الرجال   [ (1) ] (البداية والنهاية) : 6/ 356. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 251 يحملون سيوفهم على عوائقهم جاعلين على رماحهم على مناسج خيولهم، لابسو البرود من أهل نجد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبت، بل خير الرجال رجال أهل اليمن، والإيمان يمان إلي لخم وجذام وعاملة ومأكول خمير خير من آكلها وحضرموت خير من بني الحارث بن كندة، وقبيلة خير من قبيلة، شر من قبيلة. واللَّه ما أبالي أن يهلك الحارثان كلاهما لعن اللَّه الملوك الأربعة: جمداء، وفحوساء، ومشرخاء، وأبضعة. وأختهم العمردة. ثم قال: أمني ربي ان ألعن قريشا مرتين، فلعنتهم، وأمرني أن أصلي عليهم مرتين، فصليت عليهم مرتين، ثم قال: عصية عصت اللَّه ورسوله غير قيس وجعدة وعصية، ثم قال: لأسلم وغفار ومزينة وأخلاطهم من جهينة خير من بني أسد وتميم وغطفان وهوازن عند اللَّه عز وجل يوم القيامة، ثم قال: شر قبيلتين في العرب نجران وبنو تغلب، وأكثر القبائل في الجنة مذحج مأكول [ (1) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 5/ 524- 525، وحديث رقم (18951) ، (18952) ، من حديث عمرو بن عبسة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 252 وخرجه أيضا من حديث زهران بن معاوية حدثنا يزيد بن جابر، عن رجل عن عمرو بن عبسة فذكر نحوه باختصار وفيه: وأنا يمان وحضرموت خير من بني الحارث وما أبالي يهلك الحيان [ (2) ] كلاهما. فلا قيل ولا ملك إلا للَّه عز وجل. وذكر سيف في كتاب (الردة) أن المهاجر بن أبي أمية لما ذرع من نجران وأوثق عمرو بن معديكرب وقيس بن عبد يغوث وبعث بهما إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سار إلي اللحجبة العنسيّ ومعه زياد بن لبيد فما زال زياد بحضرموت والسكون حتى سكن بعضهم عن بعض بعد ما نادوا بمنع الصدقة. فخرج بنو عمرو بن معاوية إلي المحاجر ونزل حمد محجرا ومسرح محجرا وبضعة محجرا وأختهم العمردة محجرا وكانوا رؤساء على بني عمرو بن معاوية ونزلت بنو الحارث بن معاوية محاجرها فنزل الأشعث بن قيس منزلا محجي ولسمط بن الأسود محجرا وطابقت معاوية كلها على منع الصدقة وأجمعوا على الردة إلا شرحبيل بن السمط وابنه فإنّهما خرجا إلي زياد بن لبيد في آخرين وجمعوا جمعهم وطرقوا معاوية في محاجرهم وأكبوا على بني عمرو بن معاوية وهم عند القوة وشوكتهم من خمسة أوجه في خمس فرقا، فأصابوا مشرحاء وفحوساء وأبضعه وأختهم العمردة أدركتهم اللعنة وقتلوا فأكثروا واقترب من الطاق الهرب وذهبت بنو عمرو بن معاوية فلم يأتوا لخير بعدها. واكتفي زياد بالسبي والأموال يريد الأشعث بن قيس. ويقال: إن العمردة كانت تأتي المؤمنين فتركلهم برجلها.   [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (18956) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 253 وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث ابن وهب أخبرني معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن عابد الأزردي، عن عائذ، عن عمرو بن عبسة فذكره بنحو أو قريب منه، ثم قال القرد بن الحرث: محوس ومشرح، وجحح وأبضعة بنو معديكرب بن وليعة بن شرحبيل بن حجر القرد وهم الملوك الأربعة كانوا قد وفدوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ارتدوا فقتلوا يوم البخير وسموا ملوكا لأنه كان لكل واحد منهم واد يملكه بما فيه قال: ومسرون بن الحالبي بن معديكرب قتل يوم النحير. ولهم تقو ادنا نحير يا عين بكى للملوك الأربعة. محوس. ومشرح. وحمد. وابضعة، والخالتي انني لن ادعه. وقال: في الجمهرة وهو كتاب كندة لخالتي وهو باطل والفحيح الخالي بن معديكرب. وفي (أخبار الردة) أن زياد بن لبيد كان على صدقات بني معاوية فوسم ناقة لرجل لم تكن عليه صدقة، فأتاه أخوه فقال: خذ مكان الناقة جملا، فلا صدقة على أخي فرأى زياد أنه اعتلال واتهمه بالكفار فقال قد وسمت ولا ترد، فنادى صاحب الناقة أبا الرياض اصام الدليل من أكل في داره. فأتي حارثة بن سراقة فقال: أطلق بكرة الفتي وخذ بعيرا مكانها فأبي. فأطلق حارثة عقالها فأمر به زياد بن لبيد فأخذ، وكتف هو وأصحابه فغضب بنو حارثة وغضب السكون وحضرموت لزياد، وعسكر فوافاهم زياد وخلي عن حارثة وأصحابه فلما رجعوا دمروهم، ثم خرج بنو عمرو بن معاوية خصوصا إلي المحاجر وهي أحماء حموها فنزل جمد ومخوص. ومشرح وأبضعة والعمردة، والمحاجر ونزل الأشعث بن قيس الكندي محجرا، فارتدوا إلا شرحبيل بن السمط وابنه، فيتهم زياد بن لبيد فقتل مشرحا ومخوصا وجمدا وأبضعة والعمردة أختهم وأدركتهم اللعنة، وأخذ زياد بالسبي والأموال علي عسكر   [ (1) ] المستدرك: 4/ 91، كتاب معرفة الصحاب، ذكر فضيلة أسلم، وغفار، ومزينة، وغيرهم، حديث رقم (6979) ، قال الحاكم: هذا حديث غريب المتن، صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح غريب. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 254 الأشعث بن قيس، فاستغاثوه فتقدمهم، وعلم أن زياد بن لبيد لا يقلع عنه فنجا الأشعث إلي النحير بعد أن هزم فأتي المهاجر بن أبي أمية وزياد بن لبيد وعكرمة بن أبي جهل، فاستأمن لنفسه وعلي تسعة من قبل أن يفتح الباب، فكتب التسعة ونسي نفسه، وفتح الباب فقتلت المقاتلة وسرح من كان في الكتاب. وقال المهاجر بن أبي أمية للأشعث أخطأك نوؤك يا عدوّ اللَّه، قد كنت اشتهي ان تخزى وأوثقه وبعثه إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- فكان، يلعنه المسلمون والسبي وسموه غرف النار، وهو اسم الغادر، ولما وصل إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أراد قتله، فقال: أنا أرضيت لقوم كيما يحل دمي؟ قال: نعم، قال: إنما وجب الصلح بعد الختم فخشي القتل، فقال: احتسب في خيرا أو اقتلني، ورد عليّ زوجتي وكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- زوجة أخته أم فروة، فقبل منه ورد عليه أهله، ولم يكن قد بني بها، واللَّه تبارك وتعالي أعلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 255 وأما إجابة اللَّه تعالي دعاء رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في مجيء ثمامة بن أثال بن النعمان بن مسلمة بن عبيد ابن ثعلبة بن يربوع بن الدؤل بن حنيفة الحنفي [ (1) ]   [ (1) ] أبو أمامة اليمامي، حديثه في البخاري من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل بني حنيفة: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد ان لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه. وأخرجه أيضا مطولا، ورواه ابن إسحاق في المغازي، عن سعيد المقبري مطولا، وأوله: ثمامة كان عرض لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأراد قتله، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه أن يمكنه منه، فلما أسلم قدم مكة معتمرا، فقال: والّذي نفسي بيده، لا تأتيكم حبة من اليمامة- وكانت ريف أهل مكة- حتى يأذن فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وذكر أيضا ابن إسحاق أن ثمامة ثبت على إسلامه لما ارتد أهل ليمامة، وارتحل هو ومن أطاعه من قومه، فلحقوا بالعلاء الحضرميّ، فقاتل معه المرتدين من أهل البحرين، فلما ظفروا اشتري ثمامة حلة كانت لكبيرهم فرآها عليه ناس من بني قيس بن ثعلبة، فظنوا أنه هو الّذي قتله وسلبه فقتلوه. وروى ابن منك من طريق علباء بن أحمد عن عكرمة، عن ابن عباس قصة إسلام ثمامة ورجوعه إلى اليمامة ومنعه عن قريش المبرة، ونزول قوله تعالي: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون: 76] وإسناده حسن. وله مقام في الردة، وفي الإنكار علي بني حنيفة أبيات، منها: أهم بترك القول ثم يردني ... إلي القول إنعام النبي محمد شكرت له فكي من الغل بعد ما ... رأيت خيالا من حسام مهند وكان ثمامة حين أسلم قال: يا رسول اللَّه، واللَّه لقد قدمت عليك وما علي وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، ولا دين أبغضن إلي دينك، ولا بلد أبغض إلي من بلدك، وما أصبح على وجه الأرض وجه أحبّ إلى من وجهك، ولا دين أحبّ من دينك، ولا بلد أحب إلي من بلدك. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 256 فقال سيف: عن طلحة، عن عكرمة قال: كان من حديث ثمامة بن أثال وسبب إسلامه أن ثمامة كان يتعرض لرسل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخيف طريقهم، وكان المنذر بن ساوي والي قبائل ممن حولهم، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فهم بقتله فخلصه عامر بن مسلمة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ أمكني ثمامة بغير عهد ولا عقد. فلما كان الحج خرج ثمامة حاجا. وخرج رجل من مكة يريد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فضل ثمامة، فلما دنا من المدينة لقيه ذلك الرجل فتساءلا، فأخذه الرجل، فقال ثمامة: الحمد للَّه إذ رماني بخليل ولم يرمني برفيق، ما أبالي متى بت، فانتهي به إلي المدينة، فأتي به إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما أبالى ميتي بت، فانتهي به إلي المدينة، فأتي به إلي النبي فقال: أنت سيد أهل اليمامة يا   [ () ] وقال محمد بن إسحاق: ارتد أهل اليمامة عن الإسلام غير ثمامة بن أثال ومن اتبعه من قومه، فكان مقيما باليمامة ينهاهم عن اتباع مسيلمة وتصديقه، ويقول: إياكم وأمرا مظلما لا نور فقيه، وإنه لشقاء كتبه اللَّه عز وجل على من أخذ به منكم، وبلاء من لم يأخذ به منكم يا بني حنيفة. فلما عصوه ورأى انهم قد اتفقوا على اتباع مسيلمة، عزم على مفارقتهم، ومر العلاء بن الحضري ومن تبعه على جانب اليمامة، فلما بلغه ذلك قال لأصحابه من المسلمين: إني واللَّه ما أرى أن أقيم مع هؤلاء مع ما قد أحدثوا، وإن اللَّه تعالي لضاربهم ببلية لا يقومون بها ولا يقعدون، وما نرى أن نتخلف عن هؤلاء وهم مسلمون، وقد عرفنا الّذي يريدون، وقد مروا بنا قريب، ولا أرى إلا الخروج إليهم، فمن أراد الخروج منكم فليخرج ممدا العلاء بن الحضرميّ، ومعه أصحابه من المسلمين، فكأن ذلك قد فت في أعضاد عدوهم حين بلغهم مدد دعانا إلي ترك الديانة والهدي ... مسيلمة الكذاب إذ جاء يسجع فيا عجبا من معشر قد تتابعوا ... له في سبيل الغي والغي أشنع في أبيات كثيرة ذكرها ابن إسحاق في الردة، وفي آخرها: وفي البعد دار قد أضل أهلها ... هدى واجتماع كل ذلك مهيع (سيرة ابن هشام) : 6/ 51- 52، (الاستيعاب) : 1/ 213- 216، ترجمة رقم (277) ، (الإصابة) : 1/ 410- 412، ترجمة رقم (962) ، (جمهرة أنساب العرب) : 312، (الفتوح) لابن أعثم: 1/ 29 وما بعدها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 257 ثمامة؟ فقال: أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، فقال: ما كني رجل رجلا إلا كان منه في ذمة، قال: وكيف؟ قال: إنها ملاطفة، قال: إذا أنسى في عمري بيدهم فقال: أقتلك! أحب من يد، أم سليم، أو أعتقك وتسلم؟ أو أفاديك وتسلم؟ فقال تقتل تقتل ذا دم، وإن بعتني أن تفاديني عظيما، فأما ان أسلم قرا فو اللَّه لا أسلم أبدا! فقال: إني قد أعتقتك، قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، فأقر، ثم مضى، فقضى حجته، ثم كتب إلي أهل مكة- وهم يومئذ مشركون حاربوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكانت مادة أهل مكة في بعض الحالات من اليمامة- أنه فقال: واللَّه الّذي لا إله إلا هو، لا تمروا أبدا من قبل اليمامة حتى تؤمنوا باللَّه ورسوله فأضر ذلك بأهل مكة، فكتبوا إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يشكون إليه فكتب لهم إلي أبي أمامة: أن لا تقطع عنهم موادتهم التي كانت تأتيهم من قبلك، فجعل ذلك أبو أمامة وخلي عنهم، وثبت على إسلامه وكان خير ما كان حين تغير الناس وأقام على إسلامه وقاتل أهل الردة. وقال سيف عن طلحة بن الأعلم عن رجل من بني الحارث بن نيار عن أبيه وكان مع ثمامة بن أثال وبدى إسلامه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما بعث العلاء بن المنذر إلي أهل البحرين داعية استجاب له المنذر ودخل في الإسلام ورجع العلاء فمر بجنبات اليمامة فأخذه ثمامة، فلما قدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبره فقال: اللَّهمّ اهد عامرا وأمكن ابن عامر، فخرج حاجا فتحير حين دنا من المدينة وقد خرج إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما كان يخرج إليه وكان سمع بالذي كان من ثمامة وبدعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسأل أحدهما صاحبه، فأخذه العباس فأدخله المدينة فأتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: قد أمكن اللَّه منك يا ثمامة وحبسه، ثم عرضه فقال: ما أصنع بك يا ثمامة؟ أفديك أو أقتلك؟ أو أطلقك؟ ومع واحدة منهن أو تسلم! فقال: إن تفاد تفاد عظيما، وإن تقتل تقتل عظيما ذا ذنب، وإن تطلق تطلق عظيما شاكرا. قال: أسلم، قال: أما دمت في يدك فلا، فمن عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على حجك. فأتي أهل مكة، فلما قضي نسكه قال: يا معشر قريش إنكم تكذبون محمدا، وتقاتلونه، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 258 وقد عرفتم أن ميركم من اليمامة، وأنتم واللَّه لا يأتيكم ثمرة ولا برة حتى تؤمنوا بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم وتصدقوه، فجس عنهم ميرة اليمامة فبعثوا أبا سفيان إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فساءله أن يبعث إلي ثمامة بأمره أن يخلي بينهم وبين الميرة ففعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرج البخاري من حديث الليث قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد: أنه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلي نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا رسول اللَّه. ذكره في الصلاة [ (1) ] في باب الأسير يربط في المسجد، وخرجه في المغازي [ (2) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 831، كتاب الصلاة، باب (76) الاغتسال إذا أسلم وربط الأيسر أيضا في المسجد، حديث رقم (462) ، وأخرجه في باب (82) دخول المشرك المسجد، حديث رقم (469) . وفي دخول المشرك المسجد مذاهب: فعن الحنفية الجواز مطلقا، وعن المالكية والمزني المنع مطلقا، وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيرة للآية. وقيل: يؤذن للكتابي خاصة، وحديث الباب يرد عليه فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب. (فتح الباري) . وأخرجه في كتاب الخصومات، باب (7) التوثق ممن تخشى معرته، وقيد ابن عباس عكرمة على تعلم القرآن والسنن والفرائض، حديث رقم (2422) ، وباب (8) الربط والحبس في الحرم، واشترى نافع بن عبد الحارث دارا للمسجد بمكة من صفوان بن أمية، حديث رقم (2423) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 109، كتاب المغازي باب (71) وفد بني حنيفة، وحديث ثمامة بن أثال، حديث رقم (4372) . وفي قصة ثمامة من الفوائد ربط الكافر في المسجد والمن علي الأسير الكافر، وتعظيم أمر العفو عن المسيء لأن ثمامة بغضه انقلب حبا في ساعة واحدة لما أسداه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من العفو والمن بغير مقابل. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 259 وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث الليث قال: حدثني سعيد انه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له   [ () ] وفيه الاغتسال عند الإسلام، وأن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب، وأن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم شرع له أن يستمر في عمل ذلك الخير. وفيه الملاطفة بمن يرجي إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام، ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه. وفيه بعث السرايا إلى بلاد الكفار، وأسر من وجد منهم، والتخيير بعد ذلك في قتله أو الإبقاء عليه. (فتح الباري) . [ (1) ] (راجع التعليق السابق) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 330- 333، كتاب الجهاد والسير، باب (19) ربط الأسير وحبسه، وجواز المن عليه، حديث رقم (59) . قال الإمام النووي: قال أصحابنا: إذا أراد الإسلام بادر بالاغتسال، ولا يحل لأحد أن يأذن له في تأخيره، بل يبادر به ثم يغتسل، ومذهبنا أن اغتساله واجب إن كان عليه جنابة في الشرك، سواء كان اغتسل منها أم لا، وقال بعض أصحابنا: إن كان اغتسل أجزأه، وإلا وجب. وقال بعض أصحابنا وبعض والمالكية: لا غسل عليه، ويسقط حكم الجنابة بالإسلام، كما تسقط الذنوب، وضعفوا هذا بالوضوء، فإنه يلزمه بالإجماع، ولا يقال: يسقط أثر الحدث بالإسلام. هذا كله إذا كان أجنب في الكفر. أما إذا لم يجنب أصلا ثم أسلم، فالغسل مستحب له وليس بواجب. هذا مذهبنا، ومذهب مالك وآخرين، وقال أحمد وآخرون: يلزمه الغسل. قوله: «فانطلق إلي نخل قريب من المسجد» : هكذا هو في البخاري ومسلم وغيرهما نخل بالخاء المعجمة، وتقديره: انطلق إلي نخل فيه ماء فاغتسل منه. قال القاضي: قال بعضهم: صوابه نجل بالجيم، وهو الماء القليل المنبعث، وقيل: الجاري، قال الإمام النووي: بل الصواب الأول، لأن الروايات صحت به، ولم يرو إلا هكذا، وهو صحيح، ولا يجوز العدول عنه. (شرح النووي) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 260 ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فقال: ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال عندي يا محمد خير، إن تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم علي شاكر. وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت فتركه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى كان بعد الغد، فقال له: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم علي شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى كان من الغد، فقال ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك: إن تنعم تنعم علي شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أطلقوا ثمامة. فانطلق إلي نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. يا محمد! واللَّه ما كان على وجه الأرض أبغض علي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي. واللَّه ما كان دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إلي واللَّه ما كان أبغض بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا، ولكني أسلمت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا واللَّه لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وذكره البخاري في وفد بني حنيفة [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري انه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خيلا له نحو أرض نجد، فجاءت برجل يقال له ثمامة بن أثال الحنفي سيد أهل اليمامة. وساق الحديث بمثل حديث الليث إلا انه قال: إن تقتلني تقتل ذا دم. قال المؤلف: ولثمامة في محاربة مسيلمة بلاء حسن.   [ (1) ] راجع التعليق قبل السابق، وأخرجه أبو داود في الجهاد، باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه، حديث رقم (2679) ، والنسائي: 1/ 110 في الطهارة، باب تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم، حديث رقم (189) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 261 وأما إنذاره صلى اللَّه عليه وسلم بما كان بعده من محاربة أصحابه وقتل بعضهم بعضا فخرج محمد من حديث محمد بن نور، عن معتمر، عن قتادة أنه تلى هذه الآية: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ [ (1) ] . فقال أنس: ذهب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبقيت النقمة ولم ير اللَّه تعالي نبيه صلى اللَّه عليه وسلم في أمته شيئا يكرهه حتى مضى ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم. قال الحاكم [ (2) ] : صحيح الإسناد. وخرج البخاري في كتاب الفتن [ (3) ] من حديث شعبة، عن علي بن مدرك سمعت أبا زرعة بن عمر بن جرير، عن جده تجمير. قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حجة الوداع استنصت الناس، ثم قالوا: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.   [ (1) ] الزخرف: 41، فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أي لا بد أن تنتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ أي نحن قادرون على هذا وعلى هذا، ولم يقيض اللَّه تعالي رسوله صلى اللَّه عليه وسلم حتى أنت عينه من أعدائه وحكمه في نواصيهم وملكة ما تضمنت صياصيهم، هذا معني قول السدي واختاره ابن جرير وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا أبو ثور عن معمر قال: تلا قتادة فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ فقال ذهب النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويقيت النقمة ولم ير اللَّه تبارك وتعالي نبيا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم، قال: وذكر لنا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أري ما يصيب أمته من بعده فما رئي ضاحكا منبسطا حتى قبضه اللَّه عز وجل. (تفسير ابن كثير) : 4/ 138- 139. [ (2) ] (المستدرك) : 2/ 485، كتاب التفسير، باب (43) تفسير الزخرف، حديث رقم (3672) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) صحيح. [ (3) ] (فتح الباري) : 13/ 32، كتاب الفتن، باب (8) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ، حديث رقم (7077) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 262 وذكره في كتاب الديات [ (1) ] عن شعبة بهذا الإسناد، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم في حجة الوداع استنصت الناس، لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. ورواه أبو بكر، وابن عباس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وذكره في حجة الوداع، عن شعبة عن علي ابن مدرك بهذا الإسناد نحوه. وخرجه مسلم [ (2) ] أيضا من طريق شعبة كذلك. وخرج البخاري في كتاب الفتن [ (3) ] من حديث شعبة. قال: اخبرني واقد، عن أبيه، عن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- انه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: لا ترجعوا بعدي كفار يضرب بعضكم رقاب بعض. وخرجه في كتاب الديات [ (4) ] وذكره في كتاب الأدب [ (5) ] عن شعبة به وقال فيه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ويلكم- أو ويحكم قال شعبة: شك هو لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. وخرجه مسلم عن شعبة، عن واقد بن محمد زيد أنه سمع أباه يحدث عن عبد اللَّه بن عمر أنه قال في حجة الوداع: ويحكم أو قال: ويلكم- لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض [ (6) ] . ومن حديث عبد اللَّه بن وهب قال: حدثني عمر بن محمدا أن أباه حدثه، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمثل حديث   [ (1) ] (المرجع السابق) : 12/ 235، كتاب الديات، باب (2) قول اللَّه تعالي وَمَنْ أَحْياها قال ابن عباس: من حرم قتلها إلا بحق، فكأنما أحيا الناس جميعا، حديث رقم (6868، 6869) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 416، كتاب الإيمان، باب (29) بيان معني قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم لا ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، حديث رقم (120) . [ (3) ] (سبق تخريجه) . [ (4) ] (سبق تخريجه) . [ (5) ] (فتح الباري) : 10/ 676، كتاب الأدب، باب (95) ما جاء في قول الرجل: «ويلك» ، حديث رقم (6166) . [ (6) ] (مسلم بشرح النووي) : 2/ 415، كتاب الإيمان، باب (29) بيان معني قول صلى اللَّه عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، حديث رقم (120) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 263 شعبة، عن واقد [ (1) ] . وخرج البخاري [ (2) ] من حديث محمد بن فضيل عن أبيه عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. وذكره من حديث أبي بكرة وفيه قصة [ (3) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي السابق، بدون رقم. وقيل في معني هذا الحديث سبعة أقوال: أحدهما: أن ذلك كفر حق المستحل بغير حق. والثاني: المراد كفر النعمة وحق الإسلام. والثالث: أنه يقرب من الكفر ويؤدى إليه. والرابع: أنه فعل كفعل الكفار. والخامس: المراد حقيقة الكفر، ومعناه لا تكفروا بل دوموا مسلمين. والسادس: حكاه الخطابي وغيره، أن المراد بالكفار المتكفرون بالسلاح، يقال: تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه. قال الأزهري في كتابه (تهذيب اللغة) : يقال للابس السلاح كافر. والسابع قال القاضي عياض رحمه اللَّه: «يضرب» برفع الباء، وهكذا رواه المتقدمون والمتأخرون، وبه يصح المقصود هنا. ونقل القاضي عياض رحمه اللَّه: أن بعض العلماء ضبطه بإسكان الباء، قال القاضي: وهو إحالة للمعني، والصواب الضم، قال الإمام النووي: وكذا قال أبو البقاء العكبريّ: أنه يجوز جزم الباء على تقدير شرط مضمر، أي إن ترجعوا يضرب. واللَّه تعالي أعلم. قوله: «ويحكم- أو قال: ويلكم» قال القاضي: هما كلمتان استعملها العرب بمعني التعجب والتوجع. قال سيبويه: ويل، كلمة لمن وقع في هلكة، وويح، ترحم، وحكي عنه ويج زجر لمن أشرف على الهلكة. قال غيره: ولا يراد بهما الدعاء، بإيقاع الهلكة، ولكن الترحم والتعجب. وروي عن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ويح كلمة رحمة وقال الهروي: ويح لمن وقع في هلكة لا يستحقها فيترحم عليه، ويرثى له، وويل للذي يستحقه ولا يترحم عليه. واللَّه تعالي أعلم. [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 32، كتاب الفتن، باب (8) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، حديث رقم (7079) . [ (3) ] المرجع السابق: حديث رقم (7078) مطولا، ثم قال: فلما كان يوم حرق ابن الخضرمي حين حرقة جارية بن قدامة، قال: أشرفوا على أبي بكرة فقالوا: هذا أبو بكرة يراك، قال عبد الرحمن: فحدثتني أمي عن أبي بكرة أنه قال: لو دخلوا علي ما بهشت بقصبة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 264 قال البيهقي [ (1) ] وبلغني عن موسي بن هارون وكان من الحفاظ أنه سال عن هذا الحديث فقال: هؤلاء أهل الردة، قتلهم أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال بعض أهل العلم: معناه لا ترجعوا بعدي كفارا أي فرقا مختلفين، ويضرب بعضكم رقاب بعض، فتكونوا في ذلك مضاهين للكفار، فإن الكفار متعادون يضرب بعضهم رقاب بعض. والمسلمون متآخون بحقن بعضهم رقاب [ (2) ] بعض. وقيل معناه: لا ترجعوا بعدي كفارا، أي متكفرين بالسلاح [ (3) ] . وقال: الإمام أبو البقاء عبد اللَّه بن الحسين بن عبد اللَّه العكبريّ [ (4) ] : قوله: يضرب إذا رفعته كان موضع الجملة نصبا صفة لكفار، فيكون النهي   [ () ] قوله: «ما بهشت: بكسر الهاء وفتحها، يقال: بهش بعض القوم إلى بعض إذا تراموا للقتال، فكأنه قال: ما مددت يدي إلي قصبة ولا تناولتها لأدفع بها عني. ويقال لمن نظر إلي شيء فأعجبه واشتهاه وأسرع إلي تناوله: بهش إلي كذا. ويستعمل أيضا في الخير والشر. (فتح الباري) مختصرا. [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 6/ 360، باب ما جاء في تحذيره صلى اللَّه عليه وسلم من الرجوع إلي الكفر بعد الإيمان، وإخباره بالتبديل الّذي وجد بعد وفاتهم حتى قاتلهم أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بمن ثبت على دينه من أهل الإسلام. [ (2) ] في الأصل: دماء بعض. [ (3) ] (المرجع السابق) : 361. [ (4) ] هو أبو البقاء عبد اللَّه بن الحسين بن عبد اللَّه النحويّ الضرير العكبريّ الأصل، البغدادي المولد والدار. ولد في سنة (538 هـ) ببغداد، وكان نحويا، فقهيا على مذهب الإمام أحمد بن حنبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان ثقة صدوقا، كثير المحظوظ، دينا حسن الأخلاق متواضعا، روى عن مشايخ زمانه، أضر في صباه بالجدري، وكان لا يمضي ساعة من ليل أو نهار إلا في شغل بالعلم. وله من المؤلفات ما يدل علي سعة ثقافته العربية، فهو مبرز في النحو، عالم بالقراءات، متمكن في اللغة، محيط بفنون الأدب. قال ابن خلكان: وكان الغالب عليه النحو، توفي. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 265 عن كفرهم وضرب بعضهم رقاب بعض. فإنّهم فعلوا. فقد وجد المنهي عنه إلا أنهما إذا اجتمعنا كان المنهي أشد. وقال بعض العلماء: النهي يكون عن الصفة الناشئة ونظيره: قول الرجل لزوجته: إن كلمت رجلا طويلا فأنت طالق، فكلمت رجلا قصيرا، لم تطلق، فكذلك إذا رجعوا كفارا ولم يضرب بعضهم رقاب بعض. وهذا القول فيه بعد، وذلك ان الكفر قد علم النهي عنه بدون أن يضرب بعضهم رقاب بعض، ويجوز أن يروى يضرب بالجزم على تقدير شرط مضم، أي ترجعوا كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. هذا الحديث من باب قوله تعالي فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي بالرفع والجزم إلا أن أكثر المحققين من النحويين لا يجيزون الجزم في مثل هذا الحديث لئلا يصير المعني. ألا ترجعوا كفارا ويضرب، وهذا قيد المعني، بل قال: لا ترجعوا بعدي كفارا تسلموا وتوادوا كان مستقيما، لأن التقدير: ألا ترجعوا كفارا تسلموا. ونظير ذلك قولك لا تدن من الأسد تنج، أي ألا تدن فجعل التباعد من الأسد شيئا في السلامة، وهذا صحيح. ولو قلت لا تدن من الأسد يأكلك، كان فاسدا، لأن التباعد منه ليس بسبب في الأكل، فإن قلت: فلم لا يقدر أن يقال بغير لأن قيل: ينبغي أن يكون المعدود من جنس الملفوظ. وقد ذهب قوم إلى جواز الجزم هاهنا على هذا التقدير، وعليه يجوز الجزم في هذا بالحديث. وقيل: ليس المراد النهي عن الكفر، بل النهي عن الاختلاف المؤدي إلى القتل فعلي هذا يكون يضرب مرفوعا، ويكون تغييرا، للكفر المراد بالحديث. انتهى. وخرج مسلم من حديث يحيي بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد، عن عقبة بن عامر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قام: صلى اللَّه عليه وسلم علي قتلي أحد، ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات، فقال: إني فرطكم على الحوض وإن عرضه كما بين أيلة إلي الجحفة، وإني لست أخشى عليكم   [ () ] رحمه اللَّه ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر سنة (616 هـ) . (إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن) : المقدمة، باختصار وتصرف. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 266 أن تشركوا، بعدي ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم. قال عقبة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: وكان آخر ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على المنبر، ذكره في المناقب [ (1) ] وذكره البخاري في المغازي [ (2) ] من حديث ابن المبارك عن حيوة، عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلي المنبر فقال: إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم، وإني لأنظر إلي حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني واللَّه ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 64، كتاب الفضائل، باب (9) إثبات حوض نبينا صلى اللَّه عليه وسلم وصفاته، حديث رقم (31) . [ (2) ] فتح الباري: 7/ 442، كتاب المغازي، باب (17) غزوة أحد، حديث رقم (4042) ، وأخرجه أيضا في باب (28) أحد جبل يحبنا ونحبه. قاله عباس بن سهل عن أبي حميد عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (4085) . قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «أحد جبل يحبنا ونحبه» للعلماء في معني ذلك أقوال: أحدهما: أنه على حذف مضاف. والتقدير أهل أحد، والمراد بهم الأنصار لأنهم جيرانه. ثانيها: أنه قال ذلك للمسرة بلسان الحال إذا قدم من سفر، لقربة من أهله ولقياهم، وذلك فعل من يحب بمن يحب. ثالثها: أن الحب من الجانبين على حقيقة وظاهرة، لكون أحد من جبال الجنة كما ثبت من حديث أبي عبس عن جابر مرفوعا: «جبل أحد يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة» أخرجه الإمام أحمد. ولا مانع في جانب البلد من إمكان المحبة منه كما جاز التسبيح منها، وقد خاطبه صلى اللَّه عليه وسلم مخاطبة من يعقل فقال لما اضطرب «اسكن أحد» الحديث. وقال السهيليّ: كان صلى اللَّه عليه وسلم يحب الفأل الحسن، والاسم الحسن، واسم أحد من أسم مشتق من الأحدية فحركات حروفه الرفع، وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوه فتعلق الحب من النبي صلى اللَّه عليه وسلم به لفظا ومعني، فخص من بين الجبال بذلك. واللَّه تعالي أعلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 267 وخرجه في كتاب الجنائز في باب الصلاة علي الشهيد [ (1) ] وفي آخر كتاب الرقاق [ (2) ] . وفي آخر غزوة أحد [ (3) ] ، وفي باب علامات النبوة في الإسلام [ (4) ] وقال: مفاتيح خزائن الأرض من غير شك. وخرجه أبو داود [ (5) ] من حديث الليث بهذا الإسناد وانتهى من الحديث إلي قوله: ثم انصرف. وخرجه النسائي [ (6) ] وانتهى إلي قوله: وأنا شهيد عليكم.   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 268- 269، كتاب الجنائز، باب (72) الصلاة علي الشهيد، حديث رقم (1344) . وفيه جواز تكفين الرجلين في ثوب واحد لأجل الضرورة، إما يجمعهما فيه، وإما بقطعه بينهما، وعلي جواز دفن اثنين في لحد، وعلي استحباب تقديم أفضلهما لداخل اللحد، وعلي أن شهيد المعركة لا يغسل. واستدل به علي مشروعية الصلاة على الشهداء (فتح الباري) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 11/ 293، كتاب الرقاق، باب (7) ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، حديث رقم (6426) . [ (3) ] سبق تخريجه، وهو الحديث رقم (4085) من كتاب المغازي. [ (4) ] (المرجع السابق) : 6/ 758، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3596) . وخرجه أيضا في كتاب الرقاق، باب (53) في الحوض وقول اللَّه تبارك وتعالي: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ. وقال عبد اللَّه بن زيد: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «اصبروا حتى تلقوني على الحوض» حديث رقم (6590) . [ (5) ] (سنن أبي داود) : 3/ 551- 552، كتاب الجنائز، باب (75) الميت يصلي على قبره بعد حين، حديث رقم (3223) ، (3224) . [ (6) ] (سنن النسائي) : 4/ 363، كتاب الجنائز، باب (6) الصلاة علي الشهداء، حديث رقم (1953) قوله: «إني فرط لكم» بفتحتين، أي أتقدمكم لأهيئ لكم، وفيه أن هذا توديع لهم قوله: «وأنا شهيد عليكم «يحمل كلمة» على في مثله على معني اللام، أي شهيد لكم بأنكم آمنتم وصدقتموني، وفيه تشريف لهم وتعظيم. وإلا فالأمر معلوم عنده تعالي، واللَّه تعالي أعلم. (حاشية السندي) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 268 وخرج ابن حبان [ (1) ] من حديث مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن يحيي بن سعيد الأنصاري، عن عبيد سنوطا. عن خولة بنت قيس، ان النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: إذا مشت أمتي المطيطاء [ (2) ] وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم علي بعض [ (3) ]   [ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 112، كتاب التاريخ، باب (10) إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عما يكون في أمته من الفتن والحوادث، ذكر الإخبار عن الإمارة التي إذا ظهرت في هذه الأمة سلط البعض منها على بعض حديث رقم (6716) ، وهو حديث صحيح إسناده ضعيف. [ (2) ] المطيطاء مشية فيها تبختر ومد يدين، والتمطي من ذلك، لأنه إذا تمطي مد يديه، قال تعالى: ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أي يتبختر. [ (3) ] وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 525 باب ما جاء في إخباره صلى اللَّه عليه وسلم باتساع الدنيا على أمته حتى يلبسوا أمثال أستار الكعبة ويغدا ويراح عليهم بالجفان ويتنافسوا فيها حتى يضرب بعضهم رقاب بعض، ثم قال: وأخبرنا أبو الحسن المقري، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا أبو الربيع حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا موسى بن عبيدة، حدثنا عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمثله، واللَّه تعالى أعلم بالصواب. وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 456- 457، كتاب الفتن باب (74) بدون ترجمة حديث رقم (2261) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية عن يحيي بن سعيد الأنصاري، ثم قال: حدثنا بذلك محمد بن إسماعيل الواسطي حدثنا أبو معاوية عن يحيي ابن سعد عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نحوه، ولا يعرف لحديث أبي معاوية عن يحيي بن سعيد عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر أصل، إنما المعروف حديث موسى بن عبيدة، وقد روى مالك بن أنس هذا الحديث، عن يحيي بن سعيد مرسلا، ولم يذكر فيه: عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 269 وأما إخباره عليه الصلاة والسلام فاطمة الزهراء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بأنها أول أهل بيته لحوقا به فكان كذلك. فخرج البخاري [ (1) ] من حديث مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: جاءت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تمشي كان مشيتها مشي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها: لم تبكين، ثم أسر إليها حديثا فضحكت فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى قبض فسألتها فقالت: أسر إلي إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فبكت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة؟ أو نساء المؤمنين؟ فضحكت لذلك، وسيرد هذا الحديث إن شاء اللَّه تعالي.   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 778- 779، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3623) ، (3624) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 270 فصل في ذكر غنم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغنم مائة، وكان له منائح سبع وقيل عشر. خرج الحاكم من حديث لقيط بن صبرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: لنا غنم مائه [ (1) ] وسيأتي بطوله إن شاء اللَّه تعالى. وخرجه البخاري في (الأدب المفرد) من حديث إسماعيل، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه، قال ابن سعد عن الواقدي، عن إبراهيم بن سويد الأسلمي، عن عباد بن منصور، عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم سبعة أعنز ترعاهن أم أيمن [ (2) ] وقال الواقدي: عن عبد الملك بن سليمان بن أبي المغيرة، عن محمد بن عبد اللَّه بن الحصين قال: كانت منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ترعى بأحد وتروح في كل ليلة على البيت الّذي يدور فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] ، قالوا: وكانت منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغنم سبعا: عجوة، وزمزم، وسقيا، وبركة، وورسة، وإطلال، وإطراف. وعن وجيهة: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنز سبع، فكان الراعي يبلغ بهن مرة الجماز. ومرة أحدا، وتروح علينا. وقد روي أنه كان له صلى اللَّه عليه وسلم شاة يختص بشرب لبنها ترعى عيينة، وكان له ديك أبيض، ولم ينقل أنه اقتنى من البقر شيئا. وقيل: كانت له شاة تسمى غوثة، وعنز تسمى اليمن، وشاه تسمى قمر، ماتت. فقال: ما فعلتم بإهابها قالوا: ميتة! قال: دباغها طهورها [ (4) ] .   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 123، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7094) . [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 495. [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 496. [ (4) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 496، وأخرجه ابن سيد الناس في (عيون الأثر) : 2/ 323. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 271 فصل في ذكر حمى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن الصعب بن جثامة قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله، وقال: بلغنا أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع، وأن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حمى السرف والرَّبَذَة. ذكره في كتاب الشرب [ (1) ] . وخرجه أبو داود قبله، وفي لفظ آخر له: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع وقال: لا حمى إلا للَّه عز وجل [ (2) ] ، وخرجه النسائي ولفظه: لا حمى إلا للَّه ولرسوله. وقال الحافظ أبو نعيم: صحيح متفق عليه، رواه عن الزهري صفوان، أن ابن سليم، وعمرو بن دينار، ومحمد بن عمرو، ومعمر، وعقيل، ويونس الزبيدي، وإسحاق ابن راشد، وعبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن خالد، وأبو المغيرة بن عبد الرشيد الخزامي في آخر، يرويه عن الزهري. ولابن حبان من حديث عبد اللَّه بن نافع، حدثنا عاصم ابن عمر، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمران، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين. وقال الواقدي: حدثني ابن أبى سبرة، عن شعيب بن شداد، قال: لما مر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنقيع منصرفه من المريسيع، ورأى سعة، وكلا، وغدرا كثيرة تتناخس، وخبر بمراءته وبراءته، فسأل عن الماء فقيل: يا رسول اللَّه، إذا صفنا قلت المياه، وذهبت الغدر، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة أن يحفر   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 56، كتاب المساقاة، باب (11) لا حمى إلا للَّه ولرسوله، حديث رقم (2370) في (الأصل) : «كتاب الشرب» وأثبتناه من كتاب المساقاة وأخرجه أيضا في كتاب الجهاد، باب (146) أهل الدار يبيتون، فيصاب الولدان والذراري، حديث رقم (3012) ، وهو جزء من حديث طويل. [ (2) ] (سنن أبي داود) : 3/ 460- 462، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب (39) في الأرض يحميها الإمام أو الرجل، حديث رقم (3083) ، (3084) ، وأخرجه أيضا الدار الدّارقطنيّ في (السنن) : 4/ 238، حديث رقم (121) عن عمر بن شعيب عن أبيه، عن جده، وحديث رقم (122) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أيضا وأخرجه أيضا أبو عبيد في كتاب (الأموال) : 271، باب حمى الأرض ذات الكلإ والماء، حديث رقم (728) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 272 بئرا، وأمر بالنقيع أن يحمى، واستعمل عليه بلال بن الحارث المزني، فقال بلال: يا رسول اللَّه، وكم أحمى منه؟ قال: أقم رجلا صيتا إذ اطلع الفجر على هذا الجبل- يعنى مقملا- فحيث انتهى صوته فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها. قال بلال: يا رسول اللَّه، أفرأيت ما كان من سوائم المسلمين؟ فقال: لا تدخلها. قلت: يا رسول اللَّه، أرأيت المرأة والرجل الضعيف تكون له الاشية اليسيرة وهو يضعف عن التحول؟ قال: دعه يرعى. فلما كان زمان أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حماه على ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حماه، ثم كان عمر فكثرت به الخيل، وكان [زمن] عثمان فحماه أيضا [ (1) ] . وقال عمر بن شيبة: حدثنا معن، حدثنا عبد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع للخيل، وحمى الرَّبَذَة للصدقة. وحدثنا هارون ابن معروف قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن رجاء بن جميل أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حمى وادي نخلة للخيل المضمرة [ (2) ] . وخرج الحاكم من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللَّه بن عباس بن أبى ربيعة، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع وقال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله [ (3) ] . قال: وهو صحيح الإسناد. بلال بن الحارث [ (4) ] بن عصم بن سعد بن قرة المزني، أبو عبد الرحمن وفد سنة خمس في وفد مزينة، وكان أحد من حمل ألوية مزينة يوم الفتح وهو في الطبقة الثالثة من المهاجرين، وله سماع من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ورواية عنه، روى عنه. ابنه الحارث [ (5) ] بن بلال وعلقمة بن وقاص وغيرهما، وخرج له أبو داود،   [ (1) ] (مغازي الوافدي) : 2/ 425- 426. [ (2) ] الواقدي (مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع) : 3/ 1420. [ (3) ] (المستدرك) : 2/ 70، كتاب البيوع، حديث رقم (2358) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم، وأخرجا منه آخره. [ (4) ] (تهذيب التهذيب) : 1/ 440، ترجمة رقم (929) . [ (5) ] (المرجع السابق) : 2/ 119، ترجمة قم (231) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 273 والترمذي، والنسائي وابن ماجة. توفى سنة ستين من ثمانين سنه. والنقيع بالنون [ (1) ] على عشرين فرسخا عن المدينة عرضه ميل في طول يزيد رقبة شجر وهو أخصب واد هناك، وهو عور في صدر وادي العقيق، قال الخطابي: من قاله بالباء، فقد صحفه، وقال الكبرى: وهو بالباء مثل بقيع الغرقد، ووقع في كتاب (الأصيل) بالفاء بدلا من القاف بعد النون وهو تصحيف ومعنى حمى النقيع جعله محظورا ألا يقرب مرعاه. فصل في ذكر ديك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إن صح الحديث قال عبد المنعم بن شيرانا بن وهب حدثنا عبد اللَّه بن سعيد، حدثنا أبي، حدثنا أبو الدرداء، حدثنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما زلت بالأشواق وإلى الديك الأبيض مذ رأيت ديك اللَّه تعالى تحت عرشه ليلة أسرى بى ديكا أبيض زغبة أخضر كالزبرجد، وعرفه ياقوتة حمراء، وعيناه من ياقوتتين حمراءين، ورجلاه من ذهب أحمر في تخوم الأرض السفلى، وتحت العرش عنقه، أحسن هي، رأينه ومنقاره من ذهب يتلألأ نورا، فإذا كان في الثلث الأول نشر جناحيه يخفق بهما، وقال: سبحان ذي الملك والملكوت، يقول ذلك ثلاث مرات من أول الليل، فإذا خفق خفقت الديوك في الأرض، وصرخت كصراخه، فإذا كان في الثلث الأوسط فعل مثل ذلك، وقال: سبحان من هو دائم قيوم، سبحان من نامت العيون وعين سيدي لا تنام، سبحان الدائم القيوم، سبحان من خلق الصباح بإذنه، لا إله إلا هو سبحانه. قال: فاتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ديكا أبيض، قال: الديك الأبيض صديقي، وصديق صديقي، وعدوه عدوى، واللَّه تعالى يحرس دار صاحبه وعشرا عن يمينها، وعشرا عن يسارها، وعشرا من بين يديها، وعشرا من خلفها، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبيته معه في البيت [ (2) ] .   [ (1) ] (معجم البلدان) : 5/ 348- 349، موضع رقم (12121) . [ (2) ] (الموضوعات لابن الجوزي) : 3/ 6- 7) مع اختلاف يسير في اللفظ، وأخرجه أيضا في (الأسرار المرفوعة) الأخبار الموضوعة) لعلي القاري: 430- 431. قلت: وعلامات الوضح لائحة عليه!! وقد أدرك المقريزي يرحمه اللَّه- ذلك وتحفظ في عنوان الفصل بقوله: «إن صح الحديث» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 274 فصل في ذكر مآكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وشئونه فيها اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أكل على مائدة، وعلى الأرض، وكانت له قصعة كبيرة، وأكل خبز الشعير، وائتدم بالخل، وأكل القثاء، والدباء، والتمر، والأقط، والحيس، والثريد، واللحم، والقديد، والشواء، ولحم الدجاج، ولحم الحباري، وأكل الخبيص، والهريسة وعافى أكل الضبّ، واجتنب ما تؤذى رائحته، وأكل الجمار، والتمر، والعنب، والرطب، والبطيخ، وكان يحب الحلواء والعسل، وجمع بين إدامين ولم يأكل متكئا، ولا صدقة. وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم على مائدة وسفرة فقد خرج البخاري من حديث الحسين بن مهران قال: سمعت فرقدا [ (1) ] صاحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأكلت على مائدته. ومن حديث قتادة، عن أنس قال: ما علمت النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل لي سكرجة قط، ولا خبز له مرقق قط، ولا أكل على خوان قط. قيل لقتادة: فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على السفر. ذكره في الأطعمة [ (2) ]   [ (1) ] فرقد، صاحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ذكره البخاري وغيره، وقال: أدرك النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، وكذا قال ابن أبي حاتم، ويذكر أنه رأى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وطعم على مائدته. قال البخاري: حدثنا محمد بن سلام، قال: حدثني الحسين بن مهران الكرماني، قال: رأيت فرقدا صاحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: رأيت محمدا صلى اللَّه عليه وسلم وطعمت معه على مائدته. وقال ابن مندة: روى عنه حديثه محمد بن سلام، فذكره. وقال في الترجمة: فرقد أكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وتعقبه أبو نعيم بأن الحسن هو الّذي أكل على مائدة فرقد. قال الحافظ: وهو تعقب مردود، فقد أخرجه ابن السكن من وجه آخر عن محمد بن سلام عن الحسن.. عن رجل من الصحابة، قال أكلت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ورأيت عليه قلنسوة بيضاء في وسط رأسه، قال: وكان قد أتى على فرقد مائة وخمس سنين. وكذا أخرجه الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) ، فالواهم فيه أبو نعيم. (الإصابة) : 5/ 363 364، ترجمة رقم (6979) ، (الاستيعاب) : 3/ 1259، ترجمة رقم (2072) . [ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 662، كتاب الأطعمة، باب (8) الخبز المرفق، والأكل على الخوان والسفرة، حديث. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 275 وخرّج ابن حبان من حديث مسلم الأعور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، قال الحكيم الترمذي: الخوان هو المرتفع عن الأرض بقوائمه والمائدة ما مدّ وبسط، والسفر ما أسفر عما في جوفه وذلك أنها مضمومة معاليقها. وأما قصعته صلى اللَّه عليه وسلم فخرّج ابن حبان من حديث عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، حدثنا محمد ابن عبد الرحمن الحمصي. قال: سمعت عبد اللَّه بن بشر قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جفنة لها أربع حلق. قال مؤلفه: سيأتي ذكر القصعة الغراء في المعجزات عند ذكر إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بما يفتح اللَّه لأمته إن شاء اللَّه تعالى. وأما خبزه صلى اللَّه عليه وسلم فخرّج البخاري في كتاب الأطعمة [ (1) ] من حديث محمد بن فضيل، عن أبيه، عن أبى حازم، عن أبى هريرة قال: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم من طعام منذ قدم المدينة ثلاث أيام حتى قبض. وخرّجه مسلم من حديث يزيد بن كيسان، عن أبى حازم، عن أبى هريرة قال: والّذي نفسي بيده ما أشبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا [ (2) ] . وللترمذىّ في (الشمائل) من حديث قتادة، عن أنس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف [ (3) ] قال عبد اللَّه بن عبد الرحمن: قال بعضهم: هو   [ () ] ورقم (5386) . في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (24) الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة وتفسيرها ... وسئل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه، وأكل على مائدة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الضب، فاستدل ابن عباس بأنه ليس بحرام، حديث رقم (7358) . [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 686، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5416) . [ (2) ] (مسلم بشرح النوويّ) : 18/ 318، كتاب الزهد والرقائق، باب (53) الزهد والرقاق، حديث رقم (32) . [ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 318- 319، حديث رقم (377) ، وأخرجه أيضا في (مسند أحمد) : 4/ 175، حديث رقم (13447) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 276 كثرة الأيدي: وقال مالك بن دينار: سألت رجلا من أهل البادية: ما الضفف؟ قال: يتناول مع الناس. وللبخاريّ من حديث ابن أبى ذئب، عن سعيد المقبري عن أبى هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية فدعوه، فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير. ذكره في الأطعمة [ (1) ] في باب ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون. وللترمذي من حديث هلال بن حباب، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا هو وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم الشعير [ (2) ] . قال: هذا حديث حسن صحيح. وخرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث هشام الدستوائى، عن قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه مشى إلى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهوديّ وأخذ منه شعيرا لأهله. ولقد سمعته يقول: ما أمسى عند آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم صاع برّ ولا صاع حب وإن عنده لتسع نسوة. ذكره البخاري في كتاب البيوع في باب شراء النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالنسيئة، وخرجه الترمذي [ (5) ] وقال: هذا حديث حسن صحيح. وللبخاريّ من حديث همام بن يحيى حدثنا قتادة قال: كنا نأتي أنس بن مالك وخبّازه قائم وقال: كلوا، فما أعلم النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم رأى رغيفا مرفقا حتى لحق   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 686، كتاب الأطعمة، باب (23) ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون، حديث رقم (5414) . [ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 147، باب (25) ما جاء في صفة خبز رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (146) . [ (3) ] (فتح الباري) : 4/ 379، حديث رقم (2069) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 43- 44، كتاب المساقاة، باب (24) الرهن وجوازه في الحضر والسفر، حديث رقم (124) ، (125) ، (126) بطرق مختلفة. [ (5) ] (سنن الترمذي) : 3/ 519- 520، كتاب البيوع، باب (7) ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل، حديث رقم (1215) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 277 باللَّه، ولا أرى شاة سميطا بعينه قط، ذكره في الرقاق [ (1) ] ، في باب كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم من الدنيا. وذكره بهذا الإسناد في كتاب الأطعمة في باب شاة [ (2) ] مسموطة والكتف والجنب وذكره في الأطعمة أيضا في باب الخبز المرقق والأكل [ (3) ] على الخوان والسفرة، ولفظه: ما أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا مرققا، ولا شاة مسموطة، حتى لقي اللَّه. وللبخاريّ والنسائي من حديث عبد الوارث حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لم يأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرققا حتى مات، ذكره البخاري في باب [ (4) ] فضل الفقر، وذكره النسائي في كتاب الوليمة [ (5) ] . وللبخاريّ من حديث أبى حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النقي؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النقي من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه. قال: فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مناخل؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه. قال: قلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي نثريه فأكلناه. ذكره في الأطعمة [ (6) ] . وذكره من حديث جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض [ (7) ] . ذكره في الأطعمة، وفي الرقاق [ (8) ] ،   [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 340، حديث رقم (6457) . [ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 688- 689، حديث رقم (5421) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 9/ 662، حديث رقم (5385) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 11/ 329) ، حديث رقم (6450) . [ (5) ] كتاب الوليمة من (الكبرى) . [ (6) ] (فتح الباري) : 9/ 685- 686، حديث رقم (5413) . [ (7) ] سبق تخريجه قريبا. [ (8) ] سبق تخريجه قريبا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 278 وخرّجه مسلم من حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما شبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله [ (1) ] . ومن حديث أبى إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث سفيان، عن عبد الرحمن بن عباس، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما شبع آل محمد من خبز البرّ فوق ثلاث ليال. ولمسلم به قال: ما شبع آل محمد من خبز برّ فوق ثلاث ليال. وله من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ما شبع آل محمد بن خبز البر ثلاثا حتى مضى لسبيله. وللبخاريّ من حديث مسعر بن كدام عن هلال، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر [ (5) ] . وخرجه مسلم ولفظه: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا وأحدهما تمر [ (6) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 315، كتاب الزهد والرقاقة، باب (53) ، حديث رقم (200) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (22) . [ (3) ] سبق تخريجه قريبا. [ (4) ] سبق تخريجه قريبا. [ (5) ] (فتح الباري) : 11/ 240، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6455) ، وفيه إشارة إلى أن التمر كان أيسر عندهم من غيره، وفيه إشارة إلى أنهم ربما لم يجدوا في اليوم إلا أكلة واحدة، فإن وجدوا أكلتين فإحداهما تمر. ووقع عند مسلم من طريق وكيع عن مسعد بلفظ: «ما شبع آل محمد يومين من خبز البرّ إلا وأحدهما تمر» . وقد أخرج ابن سعد من طريق عمران بن يزيد المدني، حدثني والدي قال: دخلنا على عائشة فقالت: «خرج- تعنى النبي صلى اللَّه عليه وسلم- من الدنيا ولم يملأ بطنه في يوم من طعامين، كان إذا شبع من التمر لم يشبع من الشعير، وإذا شبع من الشعير لم يشبع من التمر» . وليس في هذا ما يدل على ترك الجمع بين لونين. (فتح الباري) . [ (6) ] (مسلم بشرح النووي) : 18/ 316، كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (2971) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 279 وأما ائتدامه بالخل ّ فخرج ابن حبان من حديث ياسين بن معاذ، وعن عطاء، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان أحب الصباغ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخل. وللترمذي من حديث أبى بكر بن عياش، عن أبى حمزة الثمالي، عن الشعبىّ، عن أم هانئ بنت أبى طالب قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، إلا اكسر يابسه وخلّ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: قربيه فما أقفر بيت من أدم فيه خلّ. قال هذا حديث حسن غريب من حديث أم هانئ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو حمزة الثمالي اسمه ثابت بن أبى صفية، وأم هانئ ماتت بعد عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بزمان [ (1) ] . ولمسلم من حديث أبى عوانة، عن أبى بشر، عن أبى سفيان، عن جابر بن عبد اللَّه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خلّ، فدعا به، فجعل يأكل، به ويقول: نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 4/ 246، كتاب الأطعمة، باب (25) ما جاء في الخل، حديث رقم (1841) . ثم قال: وسألت محمدا عن هذا الحديث فقال: لا أعرف للشعبيّ سماعا من أم هانئ، فقلت: أبو حمزة كيف هو عندك؟ فقال: أحمد بن حنبل تكلم فيه، وهو عندي مقارب الحديث. وحديث (1482) عن جابر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: نعم الإدام الخل. قال أبو عيسى: وهذا أصح من حديث مبارك بن سعيد. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 249- 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل والتأدم به، حديث رقم (166) . وفي الحديث فضيلة الخل، وأنه يسمى أدما، وأنه أدم فاضل جيد، قال أهل اللغة: الإدام بكسر الهمزة ما يؤتدم به. يقال: أدم الخبز يأدمه بكسر الدال، وجمع الإدام أدم بضم الهمزة والدال، كإهاب وأهب، وكتاب وكتب. وفيه النهى عن التأنق في الشهوات، فإنّها مفسدة للدين، سقمة للبدن، هذا كلام الخطابىّ ومن تابعه. والصواب الّذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه، وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد اخر. واللَّه تعالى أعلم. وأخرجه أبو داود في كتاب الأطعمة، باب (40) في الخل، حديث رقم (3820) ، (3821) . معنى. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 280 ومن حديث إسماعيل بن علية، عن المثنى بن سعيد قال: حدثنا طلحة بن نافع أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: أخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيدي ذات يوم إلى منزله، فأخرج إليه فلقا من خبز فقال: ما من أدم؟ قالوا: إلا شيء، من خل، قال: فإنّ الخل نعم الأدم. قال جابر: فما زلت أحبّ الخلّ منذ سمعتها من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال طلحة: ما زلت أحب الخل منذ سمعتها من جابر. [ (1) ] ومن حديث يزيد بن هارون قال: حدثنا حجاج بن أبى زينب قال: حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت جالسا في داري فمرّ بي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأشار إليّ فقمت إليه، فأخذ بيدي فانطلقنا حتى أتى بعض حجر نسائه فدخل، ثم أذن لي فدخلت الحجاب عليها، فقال: هل من غداء؟ فقالوا: نعم، فأتى بثلاثة أقرصة فوضعن على نبي [ (2) ] ، فأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قرصا فوضعه بين يديه وأخذ   [ () ] هذا الكلام: الاقتصاد في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة، كأنه يقول: ائتدموا بالخل، وما كان في معناه مما تخف مؤنته ولا يعزّ وجوده. (معالم السنن) . وأخرجه الترمذي في كتاب الأطعمة، باب (35) ما جاء في الخل، حديث رقم (1839) وقال: وفي الباب عن عائشة وأم هانئ، ثم قال: حدثنا عبدة بن عبد اللَّه الخزاعيّ البصري، حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن محارب بن دثار عن جابر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: نعم الإدام الخلّ، قال أبو عيسى هذا أصح من حديث مبارك بن سعيد [الحديث رقم (1839) ] . وحديث رقم (1840) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، لا نعرفه من حديث هشام بن عروة إلا من حديث سليمان بن بلال. وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأيمان، باب (21) إذا حلف أن لا يأتدم فأكل خبزا بخلّ، حديث رقم (3805) . وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأطعمة، باب (33) الائتدام بالخل، حديث رقم (3316) ، (3317) ، (3318) وفيه: «نعم الإدام الخل، اللَّهمّ بارك في الخل فإنه كان إدام الأنبياء على قبلي، ولم يفتقر بيت فيه خل. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 250، كتاب الأشربة، باب (30) فضيلة الخل والتأدم به، حديث رقم (167) . [ (2) ] النبي: مائدة أو طبق من خوص. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 281 قرصا آخر فوضعه بينه ثم أخذ الثالث فكسره باثنين، فجعل نصفه بين يديه، ونصفه بين يديى ثم قال: هل من أدم؟ فقالوا: لا، إلا شيء من خل قال: هاتوه، فنعم الأدم هو [ (1) ] . وأما أكله القثاء فخرج البخاري [ (2) ] من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب عنهما قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء وخرجه مسلم [ (3) ] بهذا السند ولفظه رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب وخرجه أبو داود [ (4) ] مثله سواء. وللترمذي [ (5) ] من حديث محمد بن إسحاق، عن أبى عبيدة بن [محمد] بن   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (169) ، وفيه استجاب مواساة الحاضرين على الطعام، وأنه يستحب جعل الخبز ونحوه بين أيديهم بالسوية، وأنه لا بأس بوضع الأرغفة والأقراص صحاحا غير مكسورة. [ (2) ] (فتح الباري: 9/ 704، كتاب الأطعمة، باب (39) القثاء بالرطب، حديث رقم (5440) ، باب (45) اقثاء (حديث رقم 54470) ، باب (47) جمع اللونين أو الطعامين بمرّة، حديث رقم (5449) . ويؤخذ منه جواز مراعاة صفات الأطعمة وطبائعها واستعمالها على الوجه اللائق بها على قاعدة الطب، لأن في الرطب حرارة، وفي القثاء برودة، فإذا أكلا معا اعتدلا، وهذا أصل كبير في المركبات من الأدوية. وترجم أبو نعيم في (الطب) باب الأشياء التي توكل مع الرطب ليذهب ضرره، فساق هذا الحديث. (فتح الباري) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 238- 239، كتاب الأشربة، باب (33) أكل القثاء بالرطب، حديث رقم (147) . وقد جاء في غير (مسلم) زيادة قال: يكسر حرّ هذا برد هذا، فيه جواز أكلهما معا، وأكل الطعامين معا، والتوسع في الأطعمة، ولا خلاف بين العلماء في جواز هذا، وما نقل بعض السلف من خلاف هذا، فمحمول على كراهة اعتياد التوسع والترفة لغير مصلحة دينية. واللَّه تعالى أعلم. (شرح النووي) . [ (4) ] (سنن أبى داود) : 4/ 176، كتاب الأطعمة، باب (45) في الجمع بين لونين في الأكل، حديث رقم (3835) . وفي سنن الترمذي) : 4/ 247، كتاب الأطعمة، باب (37) ما جاء في أكل القثاء بالرطب، حديث رقم (1844) . [ (5) ] (شمائل الترمذي) : 167- 168، باب 300) ما جاء في فاكهة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم 2030) ، وهو حديث ضعيف تفرديه المصنف والقناع: الطبق الّذي يؤكل عليه، وأجر زغب، اجر: جمع جرو، وهو الجزء: 14 ¦ الصفحة: 282 عمار بن ياسر، عن الربيع بن معوذ بن عفراء قالت: بعثني معاذ بن عفراء بقناع من رطب وعليه أجر من قثاء زغب وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب القثاء، فأتيته به وعنده حلية قد قدمت عليه من البحرين فملأ يده منها فأعطانيه. ولابن حبان من حديث معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يجمع البطيخ بالرطب [ (1) ] [والقثاء بالبلح] [ (2) ] وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الدّباء فخرج البخاري من حديث ابن عون حدثنا ثمامة بن عبد اللَّه بن أنس عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت غلاما أمشى مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على غلام له خياط فأتاه بقصعة فيها طعام وعليها دباء فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتتبع الدباء، وقال: فلما رأيت ذلك جعلت أجمعه بين يديه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فأقبل الغلام على عمله. قال: أنس لا أزال أحب الدباء بعد ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صنع ما صنع. ترجم عليه باب من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل هو على عمله [ (3) ] ، أخرجه في باب الدباء. [ (4) ]   [ () ] الصغير منكل شيء، وقيل: من القثاء خاصة وزغب، جمع أزغب، وهو الّذي عليه زغبة، والزغب. هو الشعيرات الدقيقة التي تكون على الثمرة عند بدء ظهورها. [ (1) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 12/ 51- 52، كتاب الأطعمة، باب (1) آداب الأكل، ذكر الإباحة للمرء أن يجمع في أكله بين الشيئين من المأكول، حديث رقم (5246) . [ (2) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) فقط. [ (3) ] (فتح الباري) : 9/ 701، كتاب الأطعمة، باب (35) من أضاف رجلا إلى طعام، وأقبل هو على عمله، حديث رقم (5435) . [ (4) ] (المرجع السابق) باب (33) الدباء، حديث رقم (5433) مختصرا، وأخرجه أيضا في باب (36) المرق، حديث رقم (5436) ، وفي باب (38) من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا، قال: وقال ابن المبارك: لا بأس أن يناول بعضهم بعضا، ولا يناول من هذه المائدة إلى مائدة أخرى، حديث رقم (5439) . وفي باب (37) القديد، حديث رقم (5437) . والدّبّاء: هو القرع. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 283 وخرّجه مسلم من حديث أبي أسامة عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجل فانطلقت معه فجيء بمرقة فيها دبّاء فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل من ذلك الدباء وتعجبه، قال: فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه. قال: فقال أنس: فما زلت بعد ذلك يعجبني الدّبّاء [ (1) ] . ومن حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن ثابت البنانيّ وعاصم الأحول، عن أنس، أن رجلا خياطا دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فذكره، وزاد ثابت: سمعت أنسا يقول فما صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دباء إلا صنع [ (2) ] . وخرّجه مالك في (الموطأ) [ (3) ] ، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: إن خياطا دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس: فذهبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرّب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دبّاء قال أنس: فرأيت رسول اللَّه   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 236، كتاب الأشربة، باب (21) جواز أكل المرق، واستحباب أكل اليقطين، وإيثار أهل المائدة بعضهم بعضا، وإن كانوا ضيفانا، وإذا لم يكره ذلك صاحب الطعام، حديث رقم (145) ، وفيه فوائد: منها إجابة الدعوة، وإباحة كسب الخياط، وإباحة المرق، وفضيلة أكل الدباء، وأنه يستحب أن يحب الدباء، وكذلك كل شيء كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحبه، وأنه يحرص على تحصيل ذلك، وأنه يستحب لأهل المائدة إيثار بعضهم بعضا إذا لم يكرهه صاحب الطعام. وأما تتبع الدباء من حوالي الصحفة فيحتمل وجهين: أحدهما، من حوالي جانبه، وناحيته من الصحفة لا من حوالي جميع جوانبها، إنما نهى عن ذلك لئلا يتقذره جليسه. ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتقذره أحد، بل يتبركون بآثاره صلى اللَّه عليه وسلم فقد كانوا يتبركون ببصاقه صلى اللَّه عليه وسلم ونخاته، ويدلكون بذلك وجوههم، وشرب بعضهم بوله، وبعضهم دمه، وغير ذلك، مما هو معروف من عظيم اعتنائهم بآثاره التي يخالفه فيها غيره. والدباء: هو اليقطين، وهو بالمد- هذا هو المشهور- وحكى القاضي عياض فيه القصر أيضا، الواحدة دباءة، أو دباة. واللَّه تعالى أعلم. (شرح النووي) . [ (2) ] سبق تخريجه. [ (3) ] (موطأ مالك) : 272، كتاب النكاح، ما جاء في الوليمة، حديث رقم (1150) ، وقال في هامشه: الدباء: هو القرع، وقيل: هو خاصّ بالمستدير منه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 284 صلى اللَّه عليه وسلم يتتبع الدباء من حول القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم. قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في (الموطأ) عند جميع رواته فيما علمت بهذا الإسناد، وزاد بعضهم في ذكر القديد. قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته وعنده هذه الدباء فقلت: أي شيء هذا؟ قال: هذا القرع، هو الدباء تكثر به طعامنا [ (1) ] . وخرجه النسائيّ [ (2) ] ولفظه: فرأيت عنده دباء يقطع فقلت: ما هذا؟ قال: نكثر به طعامنا. وللترمذي [ (3) ] من حديث الليث عن معاوية بن أبي صالح، عن أبي طالوت، قال: دخلت على أنس بن مالك وهو يأكل القرع وهو يقول: يا لك [من] شجرة ما أحبك إلا لحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إياك. قال: وفي الباب عند حكيم بن جابر، عن أبيه. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه. قال ابن عبد البر: من صريح الإيمان حبّ ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحبه، واتباع ما كان يفعله، ألا ترى إلى قول أنس: فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم؟، وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم السمن والأقط فخرج البخاري [ (4) ] من حديث شعبة قال: حدثنا جعفر بن إياس قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:   [ (1) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 1098، كتاب الأطعمة، باب (26) الدباء، حديث رقم (3304) ، قال في مجمع الزوائد) : هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. [ (2) ] راجع التعليق السابق، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 469، حديث رقم (18621) ، وفيه: «وعنده الدباء» ، وحديث رقم (18622) وفيه: «فرأيت عنده قرعا كلاهما من حديث جابر الأحمسيّ- رضي اللَّه تبارك تعالى عنه. [ (3) ] (سنن الترمذيّ) : 4/ 250، كتاب الأطعمة، باب (42) ما جاء في أكل الدباء، حديث رقم (1849) . [ (4) ] (فتح الباري) : 5/ 254، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (7) قبول الهدية، حديث رقم (2575) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 285 أهدت أم حفيد- خالة ابن عباس- إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أقطا وسمنا وأضبّا، فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الأقط والسمن وترك الأضبّ تقذرا قال ابن عباس: فأكل على مائدة رسول صلى اللَّه عليه وسلم ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وخرجه أبو داود [ (1) ] بهذا الإسناد وقال: إن خالته أهدت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ذكره البخاري في كتاب الهبة [ (2) ] . وخرجه مسلم [ (3) ] من حديث شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير- قال: سمعت ابن عباس يقول: أهدت خالتي أم حفيد [ (4) ] إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحديث بنوه. وذكره البخاري أيضا في كتاب الأطعمة [ (5) ] ، وفي كتاب الاعتصام [ (6) ] ، ومن حديث أبي عوانه، عن أبي بشر.   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 4/ 153، كتاب الأطعمة، باب (28) في أكل الضبّ، حديث رقم (3793) . وقد اختلف الناس في أكل الضب، فرخص فيه جماعة من أهل العلم. روى ذلك عن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وإليه ذهب مالك بن أنس، والأوزاعيّ والشافعيّ، وكرهه قوم. روى ذلك عن على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقد روي في النهي عن أكل الضب حديث ليس إسناده بذلك، ذكره أبو داود في هذا الباب. (معالم السنن) . [ (2) ] سبق تخريجه. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 157، كتاب الصيد والذبائح، باب (7) إباحة الضب، حديث رقم (1947) . وفيه تصريح بما اتفق عليه العلماء، وهو إقرار النبي صلى اللَّه عليه وسلم الشيء وسكوته عليه إذا فعل بحضرته، يكون دليلا لإباحته، ويكون بمعنى قوله: أذنت فيه وأبحته، فإنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يسكت على باطل، ولا يقر منكرا. واللَّه تعالى أعلم. (شرح النووي) . [ (4) ] اسمها هزيلة، ذكرها ابن عبد البر وغيره في الصحابة. [ (5) ] باب (8) الخبز المرقق، والأكل على الخوان والسفرة، حديث رقم (5389) وباب (16) الأقط، حديث رقم (5402) . [ (6) ] باب (24) الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة وتفسيرها، وقد أخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمر الخيل وغيرها، ثم سئل عن الحمر فدلهم على قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وسئل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه، وأكل على مائدة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الضبّ، فاستدل به ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأنه ليس بحرام، حديث رقم (7358) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 286 وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الحيس [ (1) ] فخرج أبو داود [ (2) ] من حديث عمر بن سعيد، عن رجل من أهل البصرة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من الخبز والثريد من الحيس. وخرجه ابن حبان ولفظه: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من التمر وهو الحيس. وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث أبي الأحوص، عن طلحة بن يحيى، عن مجاهد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، قال: فإنّي صائم، ثم مرّ بى بعد ذلك اليوم وقد أهدى إليّ حيس فخبأت له منه- وكان يحب الحيس- قلت: يا رسول اللَّه إنه أهدى لنا حيس فخبأت لك منه، قال: أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم فأكل منه، ثم قال: إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها. وأما حبّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد. فقال أبو بكر بن أبي شيبة عن السدي: أول من ترد الثريد إبراهيم الخليل عليه السلام [ (4) ] . وخرج الحاكم من حديث عباد بن العوام [ (5) ] ، عن حميد، عن أنس، أن   [ (1) ] الحيس: التمر البرنيّ والأقط يدقان ويعجنان بالسمن عجنا شديدا حتى يندر النوى منه نواة نواة، ثم يسوى كالثريد، وهي الوطبة أيضا، إلا أن الحيس ربما جعل فيه السويق، وأما الوطبة فلا. وفي الحديث أنه صلى اللَّه عليه وسلم أولم على بعض نسائه بحيس. (لسان العرب) : 6/ 61. [ (2) ] (سنن أبي داود) : 4/ 147، كتاب الأطعمة، باب (23) في أكل الثريد، حديث رقم (3783) . قال أبو داود: وهو ضعيف. [ (3) ] (سنن النسائي) : 4/ 506- 507، كتاب الصيام، باب (67) النية في الصيام والاختلاف على طلحة بن يحيى بن طلحة في خبر عائشة فيه، حديث رقم (2321) . [ (4) ] (المصنف) : 7/ 254، كتاب الأوائل، حديث رقم (35806) . [ (5) ] (المستدرك) : 4/ 129، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7116) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 287 النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم كان يعجبه الثفل، قال: فسمعت أبا محمد يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: الثفل هو الثريد. ومن حديث المبارك بن سعيد [ (1) ] ، عن عمر بن سعيد كذا، عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، فإن عمر بن سعيد هذا هو أخو سفيان والمبارك ابنا سعيد. وخرجه ابن حبان من حديث المبارك هذا عن عمر عن عكرمة قال: صنع سعيد بن جبير طعاما، ثم أرسل إلى ابن عباس: ائتني أنت ومن أحببت من مواليك، فجاءوا وجئنا معه، قالوا له: ائتنا بالثريد، فإنه كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، الثريد من الخبز. وللترمذي [ (2) ] من حديث العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبى سوية أبو الهذيل، قال: حدثنا عبيد اللَّه بن عكراش عن أبيه عكراش بن ذؤيب، قال: بعثني بنو مرّة بن عبيد بصدقات أموالهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقدمت عليه المدينة فوجدته جالسا بين المهاجرين والأنصار، قال: ثم أخذ بيدي فانطلق بي إلى بيت أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقال: هل من طعام؟ فأتينا بجفنة كثيرة الثريد والوذر [ (3) ] وأقبلنا نأكل منها، فخبطت بيدي من   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (7117) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. ثم قال الحاكم: فأما قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» ، فإنه مخرج في الصحيحين. [ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 249- 250، كتاب الأطعمة، باب (41) ما جاء في التسمية في الطعام، حديث رقم (1848) . وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأطعمة، باب (11) الأكل مما يليك، حديث رقم (3274) . [ (3) ] الوذر: قطع اللحم التي لأعظم فيها، الواحدة وذرة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 288 نواحيها، وأكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بين يديه، فقبض بيده اليسرى على يدي اليمنى ثم قال: يا عكراش! كل من موضع واحد، فإنه طعام واحد، ثم أتينا بطبق فيه ألوان من الرطب أو من التمر- شك عبيد اللَّه- قال: فجعلت آكل من بين يديه، وجالت يد رسول اللَّه. ص) في الطبق وقال: يا عكراش! كل من حيث شئت، فإنه غير لون واحد، ثم أتينا بماء فغسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يديه ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه وقال: يا عكراش هذا الوضوء مما غيّرت النار. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل، وقد تفرد العلاء بهذا الحديث ولا نعرف لعكراش عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلا هذا الحديث. وقال زيد بن ثابت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لم يدخل منزل النبي صلى اللَّه عليه وسلم هدية، أول هدية دخلت بها عليه قصعة مثرورة خبزا وسمنا ولبنا فأضعها بين يديه، فقلت: يا رسول اللَّه، أرسلت بهذه القصعة أمي، فقال عبادة: على رأس غلام بارك اللَّه فيك، فدعا أصحابه فأكلوا، فلم أرم البيت حتى جاءت قصعة سعد بن عبادة على رأس غلام مغطاة، فوضعت على باب أبي أيوب، وأكشف غطاءها لأنظر، فرأيت عراق لحم، فدخل بها على رسول اللَّه فقال زيد: فلقد كنا بني النجار لا تمر ليلة إلا على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منا الثلاثة يخلفون الطعام يتناوبون بينهم، حتى تحرك رسول اللَّه من بيت أبي أيوب، وكان مقامة فيه تسعة أشهر، وكانت [لا] تخطئه جفنة سعد بن عبادة، وجفنة سعد بن زرارة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- كل ليلة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 289 وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم اللحم فقد اتفقا على حديث الزهريّ عن جعفر بن أمية عن أبيه، أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ [ (1) ] . وفي لفظ: أنه رأى رسول اللَّه يحتز من كتف شاة يأكل منها، ثم صلى ولم يتوضأ [ (2) ] . وفي آخر: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل ذراعا يحتز منها فدعى إلى الصلاة، فقام، فطرح السكين ولم يتوضأ [ (3) ] . ولمسلم من حديث بكير بن الأشج عن كريب عن ميمونة- رضى اللَّه تعالى عنها- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل عندها كتفا ثم صلى ولم يتوضأ [ (4) ] . ومن حديث سعيد بن أبي هلال عن عبد اللَّه [بن عبيد اللَّه] بن أبي رافع عن أبي غطفان عن أبي رافع، قال: أشهد لكنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة ثم صلى ولم يتوضأ [ (5) ] . ولأبي داود من حديث مسعر، عن أبي صخرة جامع بن شداد، عن المغيرة بن عبد اللَّه عن المغيرة بن شعبة قال: ضفت النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة فأمر بحنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحزّ بها منها، قال فجاء بلال فآذنه   [ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 683، كتاب الأطعمة، باب (20) قطع اللحم بالسكين، حديث رقم (5408) . [ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 126، كتاب الجهاد، باب (92) ما يذكر في السكين، حديث رقم (2923) . [ (3) ] زيادة عقب الحديث السابق من حديث أبي اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهريّ وزاد: «فألقي السكين» . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 285، كتاب الحيض، باب (24) نسخ الوضوء مما مسته النار، حديث رقم (356) . [ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (357) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 290 بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: ما له؟ تربت يداه وقام يصلي [ (1) ] . ولأبي داود من حديث ابن عليه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن معاوية عن عثمان بن أبي سليمان عن صفوان بن أمية، قال: كنت آل مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم فآخذ اللحم من العظم فقال ادن العظم من فيك، فإنه أهنأ وأمرأ [ (2) ] وخرجه الحاكم وقال حديث صحيح [ (3) ] . ومن حديث زهير عن أبي إسحاق عنه سعيد بن عياض عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان أحب العراق إلى رسول اللَّه عراق الشاة [ (4) ] . وبهذا الإسناد قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم تعجبه الذراع [ (5) ] .   [ (1) ] وأخرجه الترمذي في (الشمائل) : 139، حديث رقم (167) ، وفيه: «ضفت مع رسول اللَّه» أي نزلت عليه ضيفا. وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) ، والطبراني في (الكبير) ، والبغوي في (شرح السنة) ، كلهم من طريق مسعر عن أبي صخرة به. [ (2) ] (سنن أبي داود) : 4/ 145، كتاب الأطعمة، باب (21) في أكل اللحم، حديث رقم (3779) . قال أبو داود: عثمان لم يسمع من صفوان، وهو مرسل. [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 126، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7103) ، وفيه: «قرب اللحم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ» قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) : صحيح. و [ (4) ] (سنن أبي داود) : 4/ 146، كتاب الأطعمة، باب (21) في أكل اللحم، حديث رقم (37800) . والعراق: بضم العين وسكون الراء جمع عرق، العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم، وهو جمع نادر. وهذا الحديث نسبه المنذري للنسائي أيضا. [ (5) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3781) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 291 وللدارميّ من حديث سفيان قال: حدثنا مسعد قال: سمعت رجلا من بني فهم قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- يقول: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأتي بلحم فجعل القوم يلقمونه اللحم، فقال صلى اللَّه عليه وسلم أطيب اللحم لحم الظهر [ (1) ] . ومن حديث خالد بن عبد اللَّه، عن أبى حيان [التيمي عن أبي زرعة، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بلحم فرفعت إليه الذراع وكانت تعجبه [ (2) ] . وللترمذيّ من حديث زبان بن يزيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي عبيد، قال طبخت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قدرا وكان يعجبه الذراع فناولته الزراع، ثم قال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع فقلت: يا رسول اللَّه! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والّذي نفسي بيده لو سكتّ لنا ولتني الذراع ما دعوت [ (3) ] . ولابن حبان من حديث طالوت بن عباد قال: حدثنا سعيد بن راشد حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن يعجبه في الشاة إلا الكتف. وخرج الحاكم من حديث العباس عبدان قال: أخبرنا الفضل بن موسى. حدثنا عبد اللَّه ابن كيسان حدثنا عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبا بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أتوا بيت أبي أيوب فلما أكلوا وشبعوا   [ (1) ] لم أجده (سنن الدارميّ) ، لكنه في (المستدرك) : 4/ 124، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7097) ، وصرح فيه باسم الفهميّ وقال: أري اسمه محمد بن عبد الرحمن، ثم قال: وقد رواه رقبة بن مصقلة عن ذا الفهميّ ولم ينسبه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، ورواه عن هذا الفهميّ رقبة بن مصقلة. وحديث رقم (7098) وقال: قد صح الخبر بالإسنادين ولم يخرجاه، ووافقه الحافظ الذهبي في (التلخيص) . وأخرجه أيضا الترمذي في (الشمائل) : 143، حديث رقم (172) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 140، حديث رقم (168) ، وفيه: «وكانت تعجبه فنهس منها» ، أي أخذ منها بفمه صلى اللَّه عليه وسلم. [ (3) ] (المرجع السابق) : 141، حديث رقم (170) ، تفرد به الترمذيّ وهو صحيح لغيره. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 292 قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: خبز ولحم وتمر وبسر ورطب! إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فكلوا بسم اللَّه وبركة اللَّه. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . ومن حديث مسدد حدثنا يحيى بن سليم المكيّ، حدثنا إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه قال: كنت وافد بني المنتفق إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فأمرت لنا بحريرة فصنعت لنا، وأتينا بقناع- والقناع الطبق فيه تمر- ثم جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل أصبتم شيئا؟ أو آمر لكم بشيء؟ فقلنا: نعم يا رسول اللَّه. قال: فبينما نحن مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جلوس قال: فدفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة ينفر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما ولدت يا فلان؟ قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة، ثم أقبل علينا، فقال: لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة ولا نريد أن تزيد فإذا ولدت بهمة ذبحنا مكانها شاة! يا رسول اللَّه! إن لي امرأة فذكر من طول لسانها وبذائها، فقال: طلقها، فقلت إن لي منها ولدا، قال: فمرها، يقول: عظها فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضربك أمتك. قال: قلت: يا رسول اللَّه أخبرني عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . ومن حديث عفان بن مسلم حدثنا أبو عوانة، عن أسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر بن عبد اللَّه- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال: لما قتل أبي ... فذكر الحديث بطوله، وقال فيه: قلت لامرأتى: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجيئنا اليوم نصف النهار، فلا تؤذي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا تكلميه. قال: فدخل وفرشت له فراشا ووسادة، فوضع رأسه ونام، فقلت لمولى لي: اذبح هذه العناق   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 120، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7084) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] (المستدرك) : 4/ 123، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7094) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 293 - وهي داجن سمينة- والوحا والعجل، افرغ قبل أن يستيقظ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأنا معك، فلم نزل فيها حتى فرغنا [منها] وهو نائم: فقلت له: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا استيقظ يدعو بالطهور، وإني أخاف إذا فزع أن يقوم فلا يفرغن من وضوئه حتى نضع العناق بين يديه، فلما قام قال: يا جابر ائتني بطهور، فلم يفرغ من طهوره [ (1) ] حتى وضعت العناق بين يديه، فنظر إليّ فقال: كأنك قد علمت حبنا اللحم [ (2) ] ! أدع لي أبا بكر، ثم دعا حواريه الذين معه فدخلوا فضرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده وقال: بسم اللَّه كلوا، فأكلوا حتى شبعوا وفضل منها لحم كثير، وذكر باقي الحديث. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] . وخرجه ابن حبان في (صحيحه) من حديث يحيى بن مسلم به [ (4) ] . وخرج الحاكم [ (5) ] من حديث حبيب بن الشهيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: أمرني أبي بخزيرة فصنعت، ثم أمرني فحملتها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هو في منزله فقال: ما هذا يا جابر؟ ألحم هذا؟ قلت: لا يا رسول اللَّه ولكنها خزيرة أمرنى بها أبي فصنعت، ثم أمرني فحملتها إليك، ثم رجعت إلي أبي فقال: هل رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قلت: نعم، قال: فما قال لك؟ قلت:   [ (1) ] (في الأصل) : «وضوئه» . [ (2) ] كذا في (الأصل) ، وفي (المستدرك) : «كأنك علمت حبنا للحم» . [ (3) ] (المستدرك) : 4/ 123- 124، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7096) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (4) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 487- 488، كتاب إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عن مناقب الصحابة، رجالهم ونسائهم، ذكر عبد اللَّه بن عمرو بن حرام أبو جابر رضوان اللَّه عليه، حديث رقم (7020) ، وقال في (هامشه) : إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح غير إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، وهو ثقة، روى له النسائي. عمرو بن دينار هو المكيّ. [ (5) ] (المستدرك) : 4/ 124- 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (7099) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. والخزيرة: لحم يقطع صغارا، ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق. والداجن: الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 294 قال: ألحم هذا يا جابر؟ قال أبي: عسى أن يكون رسول اللَّه اشتهى اللحم!! فقام إلى داجن له فذبحها وشواها، ثم أمرني بحملها إليه، فقال: حملتها إليه فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: جزى اللَّه الأنصار عنا خيرا، ولا سيما عبد اللَّه بن عمرو بن حرام، وسعد بن عبادة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ومن حديث علي بن عاصم حدثنا عبيد اللَّه بن أبي بكر بن أنس قال: سمعت أنسا يقول: أنفجت أرنبا بالبقيع فاشتدّ في أثرها فكنت فيمن اشتدّ فسبقته إليها، فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة، فأمر بها فذبحت ثم شويت، فأخذ عجزها، فأرسل به معي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا؟ قلت عجز أرنب بعث بها أبو طلحة إليك فقبله مني. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . وأما أكله عليه السلام القلقاس فقال الدولابي: أهدى أهل أيلة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم القلقاس، فأكله وأعجبه وقال: ما هذا؟ فقالوا: شحمة الأرض، فقال: إن شحمة الأرض لطيبة [ (1) ] . وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم القديد فخرج البخاري من حديث مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة أنه سمع أنسا يقول: إن خياطا دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه له، قال أنس: فذهبت مع رسول اللَّه إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد.. الحديث. ترجم عليه باب من ناول أو قدّم إلى صاحبه على المائدة شيئا [ (2) ] وذكره في باب من تتبع حوالي القصعة مع   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 125، كتاب الأطعمة، حديث رقم (71000) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. [ (2) ] (فتح الباري) : 9/ 703، كتاب الأطعمة، باب (38) من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا، حديث رقم (54390) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 295 صاحبه [ (1) ] إذا لم يعرف منه كراهة، وذكره في البيوع في باب الخياط [ (2) ] وفي الأطعمة، في باب المرق [ (3) ] . وخرجه مسلم [ (4) ] وأبو داود [ (5) ] بنحوه أو قريبا منه. ولابن حبان من حديث الحسين بن واقد، قال: أخبرنا أبو الزبير، عن جابر قال: أكلنا القديد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (6) ] . وقد أورد مالك رحمه اللَّه هذا الحديث كما تقدم أولا، وليس فيه إلا: فقرب له خبزا من شعير ومرقا فيه دباء [ (7) ] .. الحديث. قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في (الموطأ) عنه، جميع رواته القعنبي، وابن بكير، في حديث مالك هذا عن إسحاق، عن أنس ذكر القديد فقالا: بطعام فيه دباء وقديد، وتابعهم على ذلك قوم منهم أبو نعيم.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم. (5379) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2092) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (5436) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 335- كتاب الأشربة، باب (21) جواز أكل المرق، واستحباب اليقطين، وإيثار أهل المائدة بعضهم بعضا وإن كانوا ضيفانا، وإذا لم يكره ذلك صاحب الطعام، حديث رقم (144) . [ (5) ] (سنن أبي داود) : 4/ 146- 147، كتاب الأطعمة، باب في أكل الدباء، حديث رقم. (3782) . وحديث رقم. (3773) ، وفيه: كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال، فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتي بتلك القصعة- يعني وقد ثرد فيها- فالتفوا عليها.. الحديث. وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة باب الأكل متكئا، حديث رقم. (3263) . [ (6) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 13/ 253- 254، كتاب الأضحية، باب إباحة اتخاذ المرء القديد من لحم أضحيته لسفره، حديث رقم (5930) . [ (7) ] (الموطأ) : 372، كتاب النكاح، ما جاء في الوليمة. وفيه أن الموكل لأهله وخدمه بأكل ما يشتهيه حيث رآه في ذلك الإناء إذا علم أن مؤاكله لا يكره ذلك، وإلا فلا يتجاوز ما يليه، وقد علم أحدا لا يكره منه شيئا، بل كانوا يتبركون بريقه وغيره مما مسه، بل كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتدلكون بها. (شرح الزرقانى على الموطأ) : 3/ 211، كتاب النكاح، باب (381) ما جاء في الوليمة، حديث رقم (1188) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 296 وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم المنّ [ (1) ] فخرج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون حدثنا سفيان، عن حسين بن علي، عن زيد، عن أنس قال: أهدي الأكيدر لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جرة من منّ فلما انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الصلاة مرّ على القوم فجعل يعطي كل رجل منهم قطعة، فأعطى جابرا قطعة، ثم إنه رجع إليه فأعطاه قطعة أخرى، فقال: إنك قد أعطيتني مرة! فقال: هذه لبنات عبد اللَّه [ (2) ] . وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الجبن فخرج الإمام أحمد من حديث شريك، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: أتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحبنة في غزاة، فقال: أين صنعت هذه؟ فقالوا: بفارس، ونحن نرى أنه يجعل فيها ميتة فقال صلى اللَّه عليه وسلم: اطعنوا فيها بالسكين، واذكروا اسم اللَّه، وكلوا [ (3) ] . ومن حديث وكيع حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتي بجبنة فجعل أصحابه يضربونها بالعصي، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا السكين واذكروا اسم اللَّه وكلوا [ (4) ] . وقال الواقدي وأتي رسول اللَّه بجنبة بتبوك، فقالوا: يا رسول اللَّه! إن هذا طعام تصنعه فارس وإنا نخشى أن يكون فيه ميتة. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا فيه السكين، واذكروا اسم اللَّه [ (5) ] .   [ (1) ] المنّ كل طلّ ينزل من السماء على شجر أو حجر، ويحلو وينعق عسلا، ويجف جفاف الصمغ، (القاموس المحيط) : 4/ 288. [ (2) ] (مسند أحمد) : 3/ 571، حديث رقم (11815) ، من مسند أنس بن مالك- رضى اللَّه تعالى-. [ (3) ] (المرجع السابق) : 1/ 498، حديث رقم (2750) ، من مسند عبد اللَّه بن عباس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- [ (4) ] راجع التعليق السابق، وزاد في آخر الحديث السابق: ذكره شريك مرة أخرى فزاد فيه: فجعلوا يضربونها بالعصيّ. [ (5) ] (مغازي الوافدى) : 3/ 1019، غزوة تبوك. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 297 وخرّج أبو داود من حديث إبراهيم بن عيينة، عن عمرو بن منصور، عن الشعبي، عن ابن عمر قال: أتي النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة في تبوك فدعا بسكين، فسمي وقطع [ (1) ] . ولفظ ابن حبان قال: أتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة من جبن تبوك، فدعا بالسكين فسمى وقطع [ (2) ] . قال الخطّابي [ (3) ] : إنما جاء به أبو داود من أجل أن الجبن كان يعمله قوم الكفار لا تحل ذكاتهم، وكانوا يعقدونها بالنافح، وكان من المسلمين من يشاركهم في صنعة الجبن، فأباحه النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم على ظاهر الحال ولم يمتنع من أكله من أجل مشاركة الكفار المسلمين فيه. قال: مؤلفه: في دعوى أبي سليمان [ (4) ] رحمة اللَّه أن من المسلمين من كان يشارك المشركين في عمل الجبن يتوقف على النقل ولم يكن إذ ذاك بفارس ولا بالشام أحد من المسلمين فتأمله [ (5) ] .   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 4/ 169، كتاب الأطعمة، باب (39) أكل الجبن، حديث رقم (3819) . [ (2) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 12/ 46، كتاب الأطعمة، باب آداب الأكل، ذكر إباحة قطع المرء الأشياء التي تؤكل، ضدّ قول من كرهه، حديث رقم (5241) ، وإسناده حسن. وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 10/ 6، كتاب الضحايا، باب أكل الجبن، وذكر ستة أحاديث بألفاظ متقاربة من طرق. [ (3) ] (معالم السنن) : 4/ 169، تعليقا على الحديث رقم (3819) . [ (4) ] هو الإمام حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، من ولد زيد بن الخطاب، والخطابي بفتح الخاء وتشديد الطاء، نسبة إلى جده الخطاب المذكور. يكنى أبو سليمان البستيّ بضم الباء وسكون السين نسبة إلى بست، وهي مدينة من بلاد كابل، له مكانة علمية مرقوقة بين أقرانه، من مؤلفاته: غريب الحديث، وإعلام السنن شرح البخاري، ومعالم السنن شرح سنن أبي داود، وكتاب إصلاح غلط المحدثين، وكتاب شأن الدعاء، وكتاب العزلة، وغير ذلك. ولد في رجب سنة 139 هـ في بلدة بست، وتوفي فيها سنة 388 هـ. رحمة اللَّه (معالم السنن) على هامش (سنن أبي داود) ، المقدمة. [ (5) ] خرّج البيهقي في (السنن البري) : 10/ 6- 7، كتاب الضحايا، باب ما يحل من الجبن وما لا يحل، ومن حديث شعبة عن رجل من بنى عقيل عن عمه، قال: قرئ علينا كتاب عمر بن الخطاب- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أن كلوا الجبن مما صنعه أهل الكتاب قال الشيخ: هو إبراهيم العقيلي، وعمه ثور بن قدامة، رواه الثوريّ عنه. وله من حديث قيس بن السكن قال: قال عبد اللَّه- هو ابن مسعود- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كلوا الجبن ما صنع المسلمون وأهل الكتاب. (المرجع السابق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 298 وقد خرج هذا الحديث أبو حاتم البستي، وقال أبو حاتم الرازيّ: الشعبيّ لم يسمع من ابن عمر، وقال غير واحد: إنه سمع، قلت: وإبراهيم بن عيينة أخو سفيان بن عيينة، قال أبو حاتم الرازيّ: شيخ يأتي يمينا وسئل عنه أبو داود فقال: صالح. وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الشواء [ (1) ] فقد تقدم حديث أبى رافع: أشهد لكنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة، وحديث المغيرة: صنعت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فأمر بجنب فشوى، وحديث أنس: أنفجت أرنبا وفيه: فذبحت ثم شوبت. وخرج الترمذي من حديث ابن أبى لهيعة عن سليمان بن ذوبان عن عبد اللَّه بن الحارث قال: أكلت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شواء في المسجد. وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الدجاج فخرج البخاري من حديث عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة [والقاسم التميمي] عن زهدم بن الحارث عن أبي موسى قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل دجاجا لم يأكل غير هذا. ذكره بطوله في باب لا تحلفوا بآبائكم [ (2) ] ، وفي كتاب [فرض] الخمس [ (3) ] . وذكره مسلم من طرق [ (4) ] .   [ (1) ] سبق تخريج هذه الأحاديث. [ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 650، كتاب الأيمان والنذور، باب (4) لا تحلفوا بآبائكم، حديث رقم (6649) وفيه: «فقرب إليه طعام فيه لحم دجاج» . [ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 291، كتاب فرض الخمس، باب (15) ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ما سأل هوازن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم برضاعة فيهم فتحلل من المسلمين، وما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد الناس أن يعطيهم من الفيء والأنفال من الخمس، وما أعطى الأنصار، وما أعطى جابر بن عبد اللَّه من تمر خيبر، حديث رقم (3133) وفيه: «فأتى ذكر دجاجة وعنده رجل من بني تيم اللَّه أحمر كأنه من الموالي، فدعاه للطعام» . وأخرجه في كتاب الصيد والذبائح، باب (26) لحم الدجاج، حديث رقم (5517) ، وحديث رقم (5518) . وفي كتاب التوحيد، باب (56) قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) ، حديث رقم (7555) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 121- 123، كتاب الأيمان، باب (3) ندب من حلف يمينا فرأى غيرها- الجزء: 14 ¦ الصفحة: 299 وخرجه الدارميّ [ (1) ] بهذا السند ولفظه. قال: كنا عند أبي موسى فقدم في طعامه لحم دجاج وفي القوم رجل من بنى تميم أحمر فلم يدن فقال له أبو موسى: فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل منه. وفي رواية عن ابن موسى أنه ذكر الدجاج فقال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكله. وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الحبارى [ (2) ] فخرج أبو داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث برية بن عمر بن سفينة، عن أبيه، عن جده قال: أكلت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لحم الحباري. ورواه عن بريّه هذا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهديّ، فعبد الرحمن هذا يروى عن برية بن عمر، وجعفر بن سليمان، وعبد السلام بن حرب، وسفيان بن عيينة، وأبى بكر بن عياش، وعن الفضل بن سهل الأعرج، وأبى أمية محمد بن إبراهيم الطرسوى، ويعقوب الفسوي، وجماعة. قال ابن عدي: روي عن الثقات أحاديث مناكير ولم أر له حديثا منكرا يحكم من أجله على ضعفه، وأما برية فقال البخاري: إسناده مجهول. وقال ابن عدي: رأيت أحاديثه لا يتابعه عليها الثقات، وأرجو أنه لا بأس به [ (5) ] .   [ () ] خيرا منها، وأن يأتى الّذي هو خيرا منها، ويكفر عن يمينه، حديث قم (9) ، وثلاثة أحاديث بعده بدون أرقام من طرق كلها تدور على زهدم الجرمي، [ (1) ] (سنن الدارميّ) : 2/ 102، 103 باب في أكل الدجاج، عن زهدم الجرميّ أيضا. وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 536، حديث رقم (19025) وحديث رقم (19060) ، وحديث رقم (19094) ، وحديث رقم (19142) كلهم من حديث أبى موسى الأشعري- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (2) ] الحبارى بضم الحاء بعدها ياء موحدة مفتوحة: طائر كبير العنق، رماديّ اللون، لحمه بين الدجاج والبط، وهو من أشد الطير طيرانا. [ (3) ] (سنن أبي داود) : 4/ 155، كتاب الأطعمة، باب (9) في أكل لحم الحبارى حديث رقم (3797) . [ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 329، كتاب الأطعمة، باب (26) ما جاء في أكل الحبارى، حديث رقم (1828) . [ (5) ] (الكامل في الضعفاء لابن عدي) : 2/ 64، ترجمة برية بن عمر. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 300 وقال النسائي في قضاء علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في كتابه (المجتبى) : حدثنا زكريا بن يحيي قال: حدثنا الحسن بن حماد قال أخبرنا بشر بن عبد الملك، عن عيسى بن عمر، عن السّدّيّ، عن أنس بن مالك- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان عنده طائر فقال: اللَّهمّ ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معى من هذا الطير، فجاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، رضي فردّه، وجاء عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فردّه، ثم جاء على- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأذن له، كان الطائر حبارى أهدى للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم. قلت: حديث أنس هذا روي من طرق وقد روي أيضا عن جاب ابن عبد اللَّه عن على بن أبي طالب وعبد اللَّه بن عباس وعن سفينة. وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الخبيص فخرج الحاكم من حديث الوليد بن مسلم عن محمد بن حمزه بن عبد اللَّه ابن سلام عن أبيه، عن جده- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بعض أصحابه إذا أقبل عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقود بعيرا عليه غرارتان محتجزا بعقال ناقته، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما معك؟ قال: دقيق وسمن وعسل فقال له: أنخ، فأناخ، فدعا النبي صلى اللَّه عليه وسلم ببرمة عظيمة فجعل فيها من ذلك الدقيق والسمن والعسل، ثم أنضجه فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأكلوا، ثم قال لهم: كلو فإن هذا يشبه خبيص أهل فارس [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. قلت: محمد بن حمزة من يوسف بن عبد اللَّه بن سلام هذا يروي عنه معمر ابن راشد والوليد بن مسلم وعبد اللَّه بن سالم الحمصيّ، قال أبو حاتم: لا يوثق به، له حديث واحد، يعني حديث الخبيص هذا، وخرج له ابن ماجة، وقد روي له هذا الحديث عن محمد بن حمزة والوليد بن مسلم، وعنه محمد بن عبد العزيز الرمليّ، وكلاهما خرجا له في الصحيحين، خرج الحافظ أبو بكر بن   [ (1) ] (المستدرك) : 4/ 122- 123) كتاب الأطعمة، باب (33) ، حديث رقم (7093) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 301 ثابت من حديث داود ابن رشيد حدثنا الهيثم بن عمران قال: سمعت عبيد اللَّه بن أبي عبد اللَّه قال: صنع عثمان بن عفان خبيصا بالعسل والسمن والبرّ، فأتي به في قصعة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا؟ قال: هذا يا نبي اللَّه شيء تصنعه الأعاجم من البر والعسل والسمن، تسميه الخبيص [ (1) ] قال: فأكل. عبد اللَّه بن أبى عبد اللَّه العنسيّ من أفاضل أهل دمشق، يروي أحاديث مراسيل، حدث عنه الهيثم بن عمران. قلت: وخرجه الحارث بن أبي أمامة في مسندة عن داود بن رشيد بن سواء. وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الهريسة والطفشل قال الواقدي: ولما نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وادي القرى أهدي له بنو عريض اليهودي هريسا فأكلها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] وأطعم ما كنا نعهد فقال: كلا ورب المشارق والمغارب لا يأتون بخير ما كنت أعلم، وكان مالك بن أنس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كلهم على منبر من طين يقول: إن أول من خطب الناس في المصلى على منبر عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كلهم على منبر من طين بناه كثير بن الصلت. وللبخاريّ من حديث أبي عمرو قال: حدثني نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يغدو إلى المصلى والعنزة بين يديه تحمل وتنصب بالمصلى بين يديه فيصلي إليها، ترجم عليه حمل العنزة أو الحربة بين يدي الإمام يوم العيد [ (3) ] ، وذكره في باب الصلاة إلى [ (4) ] الحرية،   [ (1) ] (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) : 2/ 324، باب الخبيص، حديث رقم (382) . [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1006. [ (3) ] (فتح الباري) : 20/ 588، كتاب العيدين، باب (14) حمل العنزة- أو الحربة بين يدي الإمام يوم العيد، حديث رقم (973) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 10/ 756- 757، كتاب الصلاة، باب (92) الصلاة إلي الحربة ولفظة: «إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان تركز له الحربة فيصلي إليها» الجزء: 14 ¦ الصفحة: 302 من حديث عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يركز الحربة قدامه يوم الفطر، ويوم النحر يصلي إليها. وخرجه أبو داود بهذا السند ولفظه: عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر فمن، ثم اتخذها الأمراء [ (1) ] . وخرّجه مسلم من حديث عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر. أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء [ (2) ] . ومن حديث أبى بكر بن أبي شيبة وابن نمير قالا: حدثنا أبو خالد، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر. أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يصلي إلى راحلته. وقال ابن نمير: إن النبي (ص) صلى إلى بعير [ (3) ] . والبخاري من حديث فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، عن جابر ابن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق [ (4) ] . وخرّجه أبو داود من حديث عبد اللَّه- يعني ابن عمر- عن نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريق، ثم رجع من طريق آخر [ (5) ] .   [ (1) ] (سنن أبي داود) : 10/ 442- 443، كتاب الصلاة، باب (102) ما يستر المصلي، حديث رقم (687) [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 464، كتاب الصلاة باب (47) رقم (245) سترة المصلي، حديث رقم (245) [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (248) . [ (4) ] (فتح الباري) : 2/ 599، كتاب العيدين، باب (24) من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد، حديث رقم (986) . [ (5) ] (سنن أبي داود) : 1/ 683- 684، كتاب الصلاة، باب (54) الخروج إلى العيد في طريق، ويرجع في طريق، حديث رقم (1156) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 303 وخرّج عمر بن شبّة من حديث خالد بن إلياس، عن يحيي بن عبد اللَّه بن الرحمن، عن أبيه، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كان يأتى العيد ماشيا على باب سعد بن أبي وقاص، ويرجع على أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وخرّج البخاري من حديث الليث، عن ابن فرقد، عن نافع، أن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أخبره قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يذبح بالمصلي [ (1) ] . ولعمر بن أبى شيبة من حديث عبد العزيز بن عمران، عن ابن قسط الليثي، عن أبيه، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا قدم من سفر فمرّ بالمصلي استقبل القبلة، ووقف يدعو. وله من حديث يزيد بن هارون قال: أنبأنا ابن أبي ذؤيب، عن الزهري أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من منزلة حتى يأتى المصلى وحتى يفرغ من الصلاة، فإذا فرغ من الصلاة قطع. ومن حديث حماد بن سلمة، عن أبي التياح، عن عبيد اللَّه بن الهزيل- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى الفجر في مسجده، ثم ذهب إلى المصلي فقعد يحثهم ويذكرهم، فلما بسطت الشمس- قال: لو صلينا، فصلى ثم خطب. وخرّج البخاري من حديث سفيان بن عيينة، عن عبيد اللَّه بن أبي بكر سمع عباد بن تميم، عن عمه قال: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى المصلى يستسقي واستقبل القبلة. فصلى ركعتين وقلب رداءه- قال سفيان: فأخبرني المسعودي، عن أبي بكر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جعل اليمين على الشمال. ترجم عليه باب الاستسقاء في المصلى [ (2) ] ، وذكره في باب تحويل الرداء في الاستسقاء [ (3) ] . وخرّجه مسلم ولفظه: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلي المصلي فاستسقي واستقبل. القبلة وقلب رداءه وصلي ركعتين [ (4) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 10، كتاب الأضاحي، باب (6) الأضحى والنحر بالمصلي، حديث رقم (5552) . [ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 654، كتاب الاستسقاء، باب (19) الاستسقاء في المصلي، حديث رقم (1027) . وأبو بكر هو ابن محمد بن عمرو بن حزم. [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (1012) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 6/ 440، كتاب صلاة الاستسقاء، حديث رقم (2) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 304 فصل في ذكر أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دار ينزل بها للوفود، ويقال لها اليوم: دار الضيافة ذكر الواقدي، عن حبيب بن عمر السلاماني كان يحدث قال: قدمنا وفد سلامان علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونحن سبعة نفر، فانتهينا إلى باب المسجد، فصادفنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خارجا من المسجد إلى جنازة دعي إليها، فلما رأيناه قلنا: السلام عليكم يا رسول اللَّه ... فذكر القصة: وفيها: أنه أمر ثوبان بإنزالهم في دار رملة بنت الحارث، وأنهم لما سمعوا الظهر أتوا المسجد فصلوا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأنه سأل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، ما أفضل الأعمال؟ قال: الصلاة في وقتها. وأنه سأل عن رقية العين وذكرها، فأذن له فيها [ (1) ] . وذكر ابن إسحاق، والواقدي في خبر بنى قريظة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حبسهم في دار رملة بنت الحارث النجاريّة. وذكر الواقدي أن وفد تميم نزل على رملة بنت الحارث وهم عيينة بن حصن وخارجة بن حصين، وقيس بن الحارث، وذلك حين قدموا المدينة علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسلمين. وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري أن وفد بني كلاب وهم ثلاثة عشر، فيهم لبيد بن ربيعة، إذ وفدوا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنزلوا على رملة [ (2) ] هذه.   [ (1) ] (الإصابة) : 2/ 22 ترجمة رقم (1594) . [ (2) ] رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد الأنصارية النجارية. ذكرها ابن حبيب في المبايعات، وذكر ابن إسحاق في (السيرة النبويّة) : أن بني قريظة لما حكم فيهم سعد بن معاذ حبسوا في دار رملة بنت الحارث امرأة من الأنصار من بني النجار. قلت: وتكرر ذكرها في السيرة. وأما الواقدي فيقول: رملة بنت الحدث، بفتح الدال المهملة بغير ألف قبلها. وقال ابن سعد: رملة بنت الحارث، وهو الحارث بن ثعلبة ابن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، تكنّى أم ثابت وأمها كبشة بنت ثابت بن النعمان بن حرام، وزوجها معاذ بن الحارث بن رفاعة. (الإصابة) : 7/ 651، ترجمة رقم (11183) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 305 وذكر عمر بن شيبة في كتاب (أحياء المدينة) أن الدار التي يقال لها الدار الكبرى إنما سميت بذلك لأنها أول دار بناها أحد من المهاجرين بالمدينة وكان عبد الرحمن بن عوف ينزل فيها ضيفان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكانت أيضا تسمى دار الضيفان، وقد بنى فيها النبي صلى اللَّه عليه وسلم بيده. وذكر السهيليّ أن وفد بني حنيفة نزلوا في دار كبشة بنت الحارث. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 306 فصل في ذكر من كان يلي أمر الوفود على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وإجازته الوفد [ (1) ] اعلم أنه ولي أمر الوفود لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غير واحد، منهم: خالد بن   [ (1) ] بوب البخاري في كتاب الجهاد باب جوائز الوفود، وخرج عن ابن عباس: أوصى النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند موته بثلاث منها: أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. وفي طبقات ابن سعد أجاز رسول فروة بن عمرو الجذامي عامل قيصر على عمان باثني عشر أوقية ونشّ، قال: وذلك خمسمائة درهم، وفيها أيضا: أن وفد تميم لما وردوا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر لهم بالجوائز، كما كان يجيز الوفد، وذكر أن امرأة من بني النجار قالت: أنا انظر إلى الوفد يومئذ يأخذون جوائزهم عند بلال ثنتى عشرة أوقية ونشا، قلت: وقد رأيت غلاما أعطاه يومئذ وهو أصغرهم خمس أوراق يعني عمرو بن الأهتم وفيها أيضا: أن وفد عبد القيس لما قدموا عليه عليه السلام أمر لهم بجوائز وفضل عليهم عبد اللَّه الأشجّ فأعطاه اثنى عشر أوقية ونشا. وفي (المواهب أن وفد بهرام- وهم قبيلة من قضاعة- وكانوا ثلاثة عشر رجلا أقاموا أياما ثم ودعوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأمر لهم بوائز قال الزرقانى: لم يبين قدرها. وفي (المواهب) أيضا أن وفد غسان وكانوا ثلاثة عشر نفرا فأسلموا وأجزهم عليه السلام بجوائز وانصرفوا. وذكر فيها أيضا وفد سلامان- بطن من قضاعة- كانوا سبعة نفر فأمر لهم بالجوائز. ذكر الزرقانى: فأعطيت خمس أواقي فضة لكل رجل منا، واعتذر إلينا بلال وقال: ليس عنده مال اليوم فقلنا ما أكثر هذا وأطيبه. وترجم فيها أيضا لوفد عامر- بطن من الأزد باليمن- وكانوا عشرة فأقروا بالإسلام، وكتب لهم كتابا فيه شرائع الإسلام وأمر أبيّ بن كعب أن يعلمهم القرآن، وأجازهم عليه السلام. قال الزرقاني. كما كان يجيز الوفود وهو تشبيه في أصل الجائزة لأنه لم يكن له جائزة مخصوصة وإنما يدفع ما اتفق وجوده وهو يتفاوت قلة وكثرة، فقد أجاز بخمس أواق، وبعشر، وباثني عشر وبأزيد، وفي (طبقات ابن سعد) لدى الكلام على وفد بني حنيفة: فلما أرادوا الرجوع إلى بلادهم أمر لهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجوائزهم خمس أواق لكل رجل فقالوا: يا رسول اللَّه إنا خلفنا صاحبا لنا في رحالنا يبصرها لنا وفي ركابنا يحفظها علينا فأمر له بمثل ما أمر به لأصحابه، وقال: ليس بشركم مكانا لحفظه ركابكم، ورحالكم، وكان الرجل المذكور مسيلمة الكذاب. وفي (الطبقات) أيضا لدى ترجمة أشج عبد القيس: وأمر عليه السلام للوفد بالجوائز وفضل عليهم عبد اللَّه الأشجّ، فأعطاه اثني عشر أوقية ونشا، وكان ذلك أكثر ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجيز به الوفد. (التراتيب الإدارية) : 1/ 451- 452. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 307 سعيد بن العاصي [ (1) ] ، وبلال المؤذن [ (2) ] ، وثوبان [ (3) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-.   [ (1) ] سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. ذكره ابن حبان في (الصحابة) : فوهم فيه وهما شنيعا، وأعجب من ذلك أنه قال: هو المكبر الّذي زوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة. وقال ابن أبي داود في (المصاحف) : حدثنا العباس بن الوليد بن زيد أخبرنى أبي، أنبأنا سعيد بن عبد العزيز أن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان أشبههم لهجة برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقتل العاص أبوه يوم بدر مشركا، ومات جده سعيد بن العاص قبل بدر مشركا. (الإصابة) : 3/ 288- 289، ترجمة رقم (3768) . [ (2) ] بلال بن رباح الحبشي المؤذن، وهو بلال بن حمامة، وهي أمه اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد، فأعتقه، فلزم النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأذّن له، وشهد معه جميع المشاهد، وآخى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، ثم خرج بلال بعد النبي (ص) مجاهدا قال أبو نعيم: كان ترب أبي بكر، وكان خازن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وروى أبو إسحاق الجوزجاني في (تاريخه) ، من طريق منصور، عن مجاهد، قال: قال عمار- كلّ فذ قال: ما أرادوا- يعني المشركين- غير بلال. ومناقبه كثيرة مشهورة، قال ابن إسحاق: كان لبعض بني جمح مولد من مولديهم، واسم أمه حمامة. وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة، ويطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة علي صدره، ثم يقول: لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد، فيقول- وهو في ذلك: أحد أحد. فمرّ به أبو بكر فاشتراه منه بعبد له أسود جلد. قال البخاري: مات بالشام زمن عمر. وقال ابن كثير: مات في طاعون عمواس. وقال عمرو بن علي: مات سنة عشرين. وقال ابن زبر: مات بدارنا. وفي (المعرفة) لابن مندة: أنه دفن بحلب. (الإصابة) : 1/ 326- 327، ترجمة رقم (736) . [ (3) ] ثوبان- مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، صحابيّ مشهور. يقال: إنه من العرب حكمي من حكم بن سعد بن حمير، وقيل من السراة، اشتراه، ثم أعتقه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخدمه إلى أن مات، ثم تحول إلى الرملة ثم حمص، ومات بها سنة أربع وخمسين، قاله ابن سعد وغيره. وروى ابن السكن، من طريق يوسف بن عبد الحميد، قال: لقيت ثوبان فحدثني أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعا لأهله، فقلت، أنا من أهل البيت، فقال في الثالثة: نعم ما لم تقم علي باب سدة أو تأتي أميرا تسأله. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 308 فذكر ابن إسحاق والواقدي أن خالد بن سعيد بن العاصي كان يمشي بين وفد ثقيف وبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى كتبوا كتابهم بيده، وأنهم كانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم. وذكر في وفد ثقيف أيضا أن بلالا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يأتيهم بفطرهم ويخيل إليهم أن الشمس لم تغب فيقولون: ما هذا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا لننظر كيف إسلامنا؟ فيقولون: يا بلال ما غابت الشمس بعد؟ فيقول بلال ما جئتكم حتى أفطر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يأتيهم بسحورهم [ (1) ] . وقد تقدم خبر ثوبان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في وفد سلامان أنه أنزلهم في دار رملة. ذكر ما كان صلى اللَّه عليه وسلم يجيز به الوفود قال ابن دريد: الجائزة [ (2) ] كلمة إسلامية محدثة، أصلها أن أميرا قالها   [ () ] وروى أبو داود من طريق عاصم، عن أبي العالية، عن ثوبان، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من يتكفل لي ألا يسأل الناس وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدا شيئا. (الإصابة) : 1/ 413، ترجمة رقم (968) . [ (1) ] في بعض النسخ: «وطن» ، وفي بعضها: «فطن» وقال يونس بن بكير في (زيادات المغازي) : حدثني إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري، حدثني عبد الكريم، حدثني علقمة بن سفيان، قال: كنت في الوفد من ثقيف، فضربت لنا قبة، فكان بلال يأتينا بفطرنا من عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم. (الإصابة) : 4/ 552، ترجمة رقم (5675) ، علقمة بن سفيان. [ (2) ] والجائزة: العطية، وأصله أن أميرا واقف عدوا وبينهما نهر فقال: من جاز هذا النهر فله كذا، فكلما جاز منهم واحد أذخ جائزة. أبو بكر في قولهم: أجاز السلطان فلانا بجائزة: أصل الجائزة: أن يعطي الرجل الرجل ماء ويجيزه ليذهب لوجهه، فيقول الرجل إذا ورد ماء يقول لقيم الماء: أجزنى ماء أي أعطني ماء حتى أذهب لوجهي وأجوز عنك، ثم كثر هذا حتى سموا العطية جائزة. (لسان العرب) : 5/ 327. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 309 لعدوّ بينه وبينهم جائزة، فقال: من جاز هذا النهر فله كذا، وكان الرجل يعبر فيأخذه، فيقال: أخذ جائزة. وقال ابن أبي طاهر: كان أمير الجيش فطن [ (1) ] بن عوف الهيلاني، كان عبد اللَّه بن عامر استعمله علي كرمان وكان فطن أعطي على جواز النهر أربعة آلاف ألف. فأتى ابن عامر أن تحسها له، فكتب إليه عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يحسبها أجبها، وقتل في ذلك، فدى للأكرس بن بني هلال على علاتهم أهلي ومالي هم سبوا الجوائز في معد فصارت سنة في إحدى الليالي. وقال ابن قتيبة: أصل الجائزة أن وطنا هذا ولي فارس لعبد اللَّه بن عامر فمر به الأحنف في حبسه غازيا فوقعه لهم على قنطرة الكرّ فيعطي الرجل على قدره فلما كثروا قال: أجيزوهم، فأجيزوا فهو أول من سنّ الجوائز. خرج أبو نعيم، عن محمد بن عمر الواقدي قال: قدم وفد بني مرة بن [ (2) ] قيس ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في المسجد فقال الحارث بن عوف: يا رسول اللَّه نحن قومك وعشيرتك من بني لؤيّ بن غالب، فتبسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال للحارث بن عوف: أين تركت أهلك؟ قال: بسلام [ (2) ] ، وما والاها، قال: وكيف البلاد؟ قال: واللَّه إنا لمسنتون [ (3) ] وما في المال مح [ (4) ] ، فادع اللَّه تبارك وتعالى لنا قال: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ اسقهم الغيث [ (5) ] ، فأقاموا أياما، ثم أرادوا الانصراف إلى بلادهم، فجاءوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مودعين له، فأمر بلالا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يجيزهم فأجازهم بعشر أواق من فضة لكل واحد، وفضّل الحارث بن عوف فأعطاه اثنتي عشرة أوقية، ورجعوا إلى بلادهم فوجدوا البلاد مطيرة، فسألوا: متى مطرتم؟ فإذا هو ذلك اليوم الّذي دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لهم، فقدم عليه قادم وهو يتجهز لحجة الوداع فقال:   [ (1) ] (قدم وفد بني مرة لرسول اللَّه. ص) ، مرجعه من تبوك في سنة تسع، وهم ثلاثة عشر رجلا، ورأسهم الحارث ابن عوف. (طبقات ابن سعد) : 1/ 297- 298. [ (2) ] في (الأصل) : «بسلام» ، وفي (طبقات ابن سعد) : «بسلاح» [ (3) ] لمسنتون: لمجدبون، من الجدب والقحط. [ (4) ] المح: الثوب البالي الخلق. [ (5) ] (البداية والنهاية) : 5/ 103- 104. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 310 يا رسول اللَّه رجعنا إلى بلادنا فوجدناها مضبوبة مطرا في ذلك اليوم الّذي دعوت لنا فيه، مما قلد بنا أقلاد الزرع في كل خمس عشرة مطرا جوذا، ولقد رأيت الإبل تأكل وهي تروك، وإن غنمنا ما تواري بين أبنائنا، فرجع فيقبل في أهلها، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الحمد للَّه الّذي صنع ذلك. قال: وذكر الواقدي بإسناده أيضا أن وفد سلامان قدم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في شوال سنة عشر، فقال لهم: كيف البلاد عندكم؟ قالوا: مجدبة فادع اللَّه تعالى أن يسقينا في بلادنا، فنقر في أوطاننا. فقال بيده: اللَّهمّ اسقهم الغيث في دارهم، فقالوا: يا رسول اللَّه ارفع يديك فإنه أكثر وأطيب، فتبسم ورفع يديه حتى بدا بياض إبطيه. قالوا: فأقمنا ثلاثا، وضيافته تجري علينا، ثم جئنا فودعناه، فأمر لنا بالجوائز فأعطانا خمس أواق. كل واحد منا، وتعذر بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلينا وقال: ليس عندنا اليوم مال؟ فقالوا: ما أكثر هذا وأطيبه قالوا: ثم رحلنا إلى بلادنا فوجدناها قد مطرت في ذلك اليوم الّذي دعا فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في تلك الساعة. وقال سيف: عن أبي حباب الكلبي، عن زياد بن لقيط، عن الحارث بن حسان الذهلي، ثم العامري [ (1) ] قال: وقع بيننا وبين تميم أمرا بالبحرين   [ (1) ] هو الحارث بن حسان بن كلدة البكريّ، ويقال: الربعيّ والذهليّ، من بني ذهل بن شيبان. ويقال: الحارث ابن يزيد بن حسان، ويقال: حريث بن حسان البكري، والأكثر يقولون: الحارث بن حسان البكري، وهو الصحيح إن شاء اللَّه تعالى. وفي حديثه قصة وافد عاد، وهو صاحب حديث قيلة- فيما ذكر أبو حاتم- والحارث بن حسان هذا هو الّذي سأله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن حديث قوم عاد، وكيف هلكوا بالريح العقيم، فقال له: يا رسول اللَّه على الخبير سقطت، فذهبت مثلا. وكان قد قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسأله أن يقطعه أرضا من بلادهم، فإذا عجوز من بني تميم تسأله ذلك، فقال الحارث: يا رسول اللَّه! أعوذ باللَّه أن أكون كقيل بن عمرو وافد عاد. فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كما قال الأول، فقال: على الخبير سقطت. فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أعالم أنت بحديثهم؟ قال: نعم، نحن ننتجع بلادهم، وكان آباؤنا يحدثوننا عنه، يروى ذلك الأصغر عن الأكبر. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إيه! يستطعمه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 311 اعترضنا فيه على العلاء بن الحضرميّ، وجلسنا عنده، فبعث رجل من بني تميم إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بأن ربيعة قد كفرت ومنعت الصدقة فبلغ ذلك ربيعة فبعثوا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بطاعتهم فمررت بالربذة فإذا أنا بامرأة من بني تميم قد بقيت [ (1) ] راحلتها تريد النبي صلى اللَّه عليه وسلم فحملتها حتى أدخلتها المدينة وسبقني التميمي إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فحملتها حتى أدخلتها المدينة وسبقني التميمي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة يخبر العلاء، فأمر عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وعقد له لواء وخرج إلى منبره يحث الناس على غزو ربيعة بالبحرين، فانتهى إلى المسجد وإذا اللواء تزكون، وإذا النبي صلى اللَّه عليه وسلم على المنبر عصب رأسه بخرقة حمراء شال، وهو يقول: إن العلاء والمنذر كتبا إليّ أن ربيعة قد كفرت وضعت الزكاة، فمن ينتدب مع عمرو بن العاص؟ فناديته والناس بيني وبينه: أبا الحرث بن حسان، رسول ربيعة إليك بالطاعة، فأعوذ باللَّه أن أكون كوافد عاد، فنزل واديا ينبت منه، فوضع يده على منكبي، وذهب في نحو منزله ووضع البعث وسرح عمرا، - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، في وجه غيره وقال لي: ما وافد عاد؟ فحدثته بحديثهم، فأدخلنى فسألني، فأخبرته، فقال لي: ما يصلح بينكم وبين تميم؟ فقلت له: إن الدهناء وفلانة وفلانة كانت لنا في أمن الدهر فدخلوا علينا فيهن، ولا يصلح ما بيننا وبينهم حتى نجد لنا ولهم حدا لا يجوزه أحد من الفريقين إلى الآخر، الا ناد به، فدعا بلالا- رضي اللَّه   [ () ] الحديث. فذكر الخبر أهل الأخبار وأهل التفسير للقرآن: سنيد وغيره. روى له أحمد، والترمذي، والنسائيّ وابن ماجة، وفي بعض طرق حديثه أنه وفد على النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وروي عنه أو وائل وسماك بن حرب وإياد بن لقيط. وقال البغوي: كان يسكن البادية، روي الطبراني من طريق سماك بن حرب قال: تزوج الحارث بن حسان وكانت له صحبة. وكان الرجل إذا عرّس تخدّر أياما، فقيل له في ذلك، فقال: واللَّه إن امرأة تمنعني صلاة الغداة في جمع لامرأة سوء. وفي حديثه أن قدومه كان أيام بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة السلاسل. ووقفت في (الفتوح) أن الأحنف لما فتح خراسان بعث الحارث بن حسان إلى سرخس، فكأنه هذا. (الإصابة) : 1/ 569 570، ترجمة رقم (13970) (الاستيعاب) : 1/ 285- 286، ترجمة رقم (399) . [ (1) ] كذا في (الأصل) ، ولعله: «نفقت» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 312 تبارك وتعالى عنه- برق وإداوة، واستأذنت التميمة [ ...... ] وإن الكتاب ليكتب: أن لبني تميم ما دون الدهناء ولم يبعه ما وراءها إلى البحرين، فقالت: إن ما بين الدهناء والبحرين لبني تميم في الجاهلية، وأسلموا عليها فأين تضيق يا محمد على مضرك؟ فعاد النبي صلى اللَّه عليه وسلم لصفة أخرى، قالته المرأة وصدقت، وكتب ما بين البحرين إلى الشام من بياض العراق، فناديت فوددت أن لا أكون تركتها حتى تأكلها السباع! ألا أرى كحامل جيفة في طلعة، فضحك النبي صلى اللَّه عليه وسلم مني ومنها وقال: أذكرا حاجتكما فقضي [ (1) ] لنا حوائجنا وأجازوا إجازتي بفراش من ذهب وفضة وكساءها، وأجاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العلاء بفراش من ذهب وفضة وكساءه، ثم رجعنا بالعافية [ (2) ] . وذكر الواقدي وفد بني تميم، قال: حدثني ربيعة بن عثمان، عن شيخ أخبره أن امرأة من بني النجار قالت: أنا انظر إلى الوفد يومئذ يأخذون جوائزهم من عند بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- اثنتي عشرة أوقية ونشا، وقالت: وقد رأيت غلاما أعطاه يومئذ وهو أصغرهم خمس أواق ونشّا قلت: وما النشّ؟ قالت: نصف أوقية [ (3) ] .   [ (1) ] في (الأصل) : «بعض» . [ (2) ] وهذا الكتاب أخرجه صاحب (مجموعة الوثائق السياسية) : 146، وثيقة رقم (142) كما يلي: عن قيلة أن حريث بن حسان الشيباني كان وافد بنى بكر بن وائل فبايعه صلى اللَّه عليه وسلم على الإسلام عليه وعلى قومه، ثم قال: يا رسول اللَّه، اكتب بيننا وبين بنى تميم بالدهناء، لا يجاوزنا إليها منهم أحد إلا مسافر أو مجاور. فقال: اكتب له يا غلام بالدهناء. قالت قيلة: فلما رأيته قد أمر له بها لشخص بى وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول اللَّه! إنه لم يسألك السوية من الأرض إذ سألك، إنما هي هذه الدهناء مقيد الجمل، ومرعى الغنم، ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك. قال صلى اللَّه عليه وسلم: أمسك يا غلام، صدقت المسكينة. المسلم أخو المسلم، يسعهما الماء والشجر، ويتعاونان على الفتان ... وكتب لها في قطعة من أديم أحمر: لقيلة وللنسوة بنات قيلة، أن لا يظلمن حقا، ولا يكرهن على منكح، وكل مؤمن مسلم لهن نصير، أحسنّ ولا تسئن. والخبر بتمامة في: (مسند أحمد) : 4/ 531- 532، حديث رقم (15523) ، (15524) من حديث الحارث بن حسان البكري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وابن كثير في (البداية والنهاية) : 5/ 99، وفادة الحارث بن حسان البكري إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 294- 295. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 313 وقال الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد الظفري، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه قال: رأيت تحته من زوجة صاحب أيلة يوم أتي به النبي صلى اللَّه عليه وسلم من ذهب وهو معقود الناصية فلما رأي النبي صلى اللَّه عليه وسلم كفّر [ (1) ] وأومأ برأسه فأومأ إليه صلى اللَّه عليه وسلم: ارفع رأسك، وصالحة يومئذ وكساه برد يمنة، وأمر له بمنزل بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصل في ذكر ضيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال ابن سيدة: والضيف المضيف يكون للواحد والجمع كعدل وخصم [ (2) ] ، وفي التنزيل: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ [ (3) ] . وفيه: قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ [ (4) ] . وقد كان أبو أيوب [ (5) ] خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصاري النجّاريّ ضيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في خروجه صلى اللَّه عليه وسلم من بني عمرو بن عوف، حين قدم المدينة مهاجرا من مكة، فلم يزل عنده حتى بني مسجده ومساكنه، فانتقل إليها. قال الليث. عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، عن أبي رهم السماعيّ قال: إن أبا أيوب الأنصاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- حدثه قال: نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتنا الأسفل وكنت في الغرفة، فأمر يوما في الغرفة فقمنا أنا وأم أيوب بقطيفة نتبع الماء شفقه أن يخلص إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ونزلت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه إنه ليس ينبغي أن نكون فوقك! انتقل إلى الغرفة، فأمر صلى اللَّه عليه وسلم بمتاعه أن ينقل، ومتاعه قليل. وذكر الحديث، وتوفي أبو أيوب- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- غازيا بالقسطنطينية من بلاد الروم سنة اثنين وخمسين، وقيل غير ذلك، وكان مع عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في حروبه كله [ (6) ] .   [ (1) ] كفّر: انحنى، وكانت هذه تحيتهم. [ (2) ] (لسان العرب) : 9/ 209. [ (3) ] الذاريات: 24. [ (4) ] الحجر: 68. [ (5) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 2/ 234- 235، ترجمة رقم (2165) . [ (6) ] (عن الأصمعي، عن أبيه أن أبا أيوب قبر مع سور القسطنطينية وبني عليه، فلما أصبحوا، قالت الروم:. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 314 فصل في ذكر من استعمله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الحج اعلم أن مكة لما فتحها اللَّه عز وجل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سنة ثمان من الهجرة واستعمل عليها عتاب بن أسيد حجّ ناس من المسلمين، وحجّ المشركون على مدتهم على ما كانوا عليه من استعمال النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وذلك أن العرب في جاهليتها، كانت في الحجّ على حالتين: إحداهما الفرقة التي كانت متمسكة بعهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وكان حجّهم على نحو ما يعمله أهل الإسلام، والفرقة الثانية التي أنشأت اليهود، يعني أخّرتها، وذلك أنها أرادت أن يكون الحج في وقت إدراك الثمار، وأن ينبت حالة واحدة في أطيب الأزمنة، فتعلموا لبس الشهور من اليهود المجاورين، وذلك قبل الهجرة بنحو مائتي سنة، وعملوا بها كما عمل اليهود من إلحاق فصل ما بين سنينهم القمرية وبين السنة الشمسية، وتولى عمل ذلك للعرب السادة المعروفون بالقلامس من بني كنانة، واحدهم قلمس، وكان يقوم بعد انقضاء الحج فيخطب وينسئ الشهور ويسمي الشهر الثاني له باسمه، فيقبل الجميع   [ () ] يا معشر العرب، قد كان لكم الليلة شأن! قالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا، واللَّه لئن نبش، لا ضرب بنا قوس في بلاد العرب، فكانوا إذا قحطوا، كشفوا عن قبره فأمطروا. وقال ابن سعد من طريق الواقديّ: مات أبو أيوب سنة (52) ، وصلى عليه يزيد، ودفن بأصل حصن القسطنطينية، فلقد بلغني أن الروم يتعاهدون قبره ويستسقون به. وقال خليفة: مات سنة (50) ، وقال يحي بن بكير: سنة (52) . (سير أعلام النبلاء) : 2/ 412- 413. والاستسقاء بأهل الصلاح إنما يكون في حياتهم لا بعد موتهم، كما فعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقد روى البخاري في (صحيحه) في كتاب الاستسقاء باب سؤال الإمام الاستسقاء من طريق أنس/ أن عمر بن الخطاب- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ابن عبد المطلب- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: اللَّهمّ إنا كنا نتوسل إليك بنينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا، فيسقون. وقد بين الزبير بن بكار في (الأنساب) صفة ما دعا به العباس فيما نقله عن الحافظ: «اللَّهمّ إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث» . (هامش المرجع الاسبق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 315 قوله، ويسمون هذا الفصل النسيء، لأنهم كانوا ينسئون أول السنة في كل سنتين أو ثلاث أشهر علي حسب ما يستحقه التقدم، وكان النسيء الأول للمحرم، فيسمى صفر باسمه، ويسمي ربيع الأول باسم صفر، ثم قالوا: بين أسماء الشهور، وكان النسيء الثاني لصفر، فسمي الشهر الّذي يتلوه بصفر أيضا، وكذلك حتى دار النسيء في الشهور الاثني عشر، وعاد إلى المحرم، فعادوا بها فعلهم الأول، وكانوا يعدون إذا رأوا النسيء ويحدّون بها الأزمنة فيقولون قد دارت السنون من لدن زمان كذا إلى زمان كذا وكذا دورة، فإن ظهر لهم مع ذلك تقدم شهر عن فصل من الفصول الأربعة، لما يجتمع من كسور سنة الشمس، وبقية فصل ما بينهما وبين سنة القمر الّذي ألحقوه بها، كبسوه كبيسا زائدا، فلما هاجر النبي صلى اللَّه عليه وسلم كانت نوبة النسيء بلغت شعبان فسمي محرّما، وسمي رمضان صفرا فانتظر صلى اللَّه عليه وسلم حتى دار النسيء وعادت الشهور، فبعث أبا بكر- الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- علي الحج في سنة تسع من الهجرة، وقد وافق الحج في ذي العقدة، فلما كانت سنة عشر، عادت الشهور إلى مواضعها الحقيقية، فحج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حينئذ حجة الوداع وقال: ألا إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق اللَّه السموات والأرض، يعني أن الشهور قد عادت إلي مواضعها، وزال عنه فعل العرب الّذي أحدثوه من النسيء، وأنزل اللَّه عليه تحريم النبي فقال سبحانه وتعالي إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ [ (1) ] الآية. ويقال: إن القلمّس- وهو سدم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة- قال: أري شهور الأهلة ثلاثمائة يوم وخمسة وستين يوما، فبيننا وبينهم أحد عشر يوما ففي كل ثلاث سنين شهر، فهذا نسيء، والنسيء المؤخر، فكان إذا جاءت ثلاث سنين قدم الحجّ في ذي القعدة، فإذا جاءت ثلاث سنين أخّرها في المحرم وكان الناسئ من بني ثعلبة بن مالك بن كنانة يقوم على باب الكعبة فيقول: إن إلهتكم العزّي قد أنسأت صفر الأول، وكان يحله عاما ويحرمه عاما. وعن طاوس أنه قال: شهر اللَّه الّذي انتزعه من الشيطان المحرم، قال الزبير ابن بكار: وتفسيره أن أهل الجاهلية كانوا يقولون صفر، وكانوا يحلون صفر عاما، ويحرمونه عاما، فجعل اللَّه تعالى المحرم   [ (1) ] التوبة: 37. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 316 أول من ابتدع النسيء [ (1) ] ذكر محمد بن إسحاق أن العرب كانوا إذا فرغوا من حجّهم اجتمعوا إلى القلمس [ (2) ] ، فأحل لهم من الشهور، وحرم، فأحلوا ما أحل، وحرموا ما حرم، وكان إذا أراد أن ينسئ منها شيئا أحلّ المحرم فأحلوه، وحرم مكانه صفرا فحرموه، ليواطئوا عدة الأربعة [الأشهر الحرم] [ (3) ] ، فإذا أرادوا الهدى اجتمعوا إليه، فقال: اللَّهمّ إني لا احاب [ (4) ] وو لا أعاب [ (5) ] في أمري، والأمر لما قضيت، اللَّهمّ إني قد حللت، وما المحلين من طيِّئ، وجعلتم فأمسكوهم حيث ثقفتموهم، اللَّهمّ إني قد أحللت، أحد الصّفرين، الصّفر الأول، ونسأت الآخر من العام المقبل وإنما أحل دم حلى، وخثعم، من أجل أنهم كانوا يعدون على الناس في الشهر الحرام من بين العرب، فلذلك أحل دماءهم، وكانوا يحجون في ذي القعدة عامين، يحجون في ذي القعدة، ثم يحجون كل العام، والآخر   [ (1) ] هذا العنوان ليس في (الأصل) ولكنه من (ابن هشام) . [ (2) ] قال ابن إسحاق: كان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحلت منها ما أحلّ، وحرمت منها ما حرّم القلمّس [وسمى القلمس لجوده: إذ أنه من أسماء البحر] ، وهو حذيفة بن عبد فقيم بن عديّ بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة، ثم قام بعده على ذلك ابنه عبّاد بن حذيفة، ثم قام بعد عباد: قلع بن عباد، ثم قام بعد قلع: أمية بن قلع، ثم قام بعد أمية: عوف بن أمية، ثم قام بعد عوف: أبو ثمامة، جنادة بن عوف، وكان آخرهم، وعليه قام الإسلام. (سيرة ابن هشام) : 1/ 161- 162، أول من ابتدع النسيء. وجد السهيليّ خبرا عن إسلام أبي تمامة، فقد حضر الحج في زمن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فرأى الناس يزدحمون على الحج فنادى: أيها الناس، إني قد أجرته منكم، فخفقه عمر بالدرة وقال: ويحك! إن اللَّه تعالى أبطل أمر الجاهلية. (هامش المرجع السابق) . [ (3) ] زيادة للسياق من (ابن هشام) . [ (4) ] من الحوب وهو الإثم. (لسان العرب) : 1/ 340. [ (5) ] من العيب. وهو معروف. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 317 في ذي القعدة، ثم يحجون العام الآخر في ذي الحجة، فلما حج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وافى ذا الحجة فحج، وقال للناس: إن الزمان قد استدار [كهيئته] [ (1) ] يوم خلق اللَّه السموات والأرض، السنة اثني عشر شهرا منها أربعة حرم، فصار الحج في ذي الحجة، فلا شك في الحج. وعن مجاهد: كانوا يعدون فيسقطون المحرم ثم يقولون: صفران لصفر، وربيع الأول، ثم يقولون جماد ثان لجمادى الآخرة ورجب، ثم يقولون لشعبان: رجب، ويقولون لرمضان: شعبان، ثم يقولون لشوال: شهر رجب، ثم يقولون لذي الحجة ذو القعدة شوال، ثم يقولون للمحرم ذو الحجة، فيحجون في المحرم، ثم يستأنفون فيعدون ذلك عدة مستقبلة على وجه ما ابتدءوا، فيقولون المحرم وصفر وشهرا ربيع، فيحجون في كل شهر مرتين فيسقطون شهرا آخر فيعدون على العدة الأولى، يقولون: صفران وشهرا ربيع على نحو عدتهم في نحو ما أسقطوا. عن مجاهد قال: حجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، فكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين، حتى وافقت حجة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من العامين في ذي القعدة، قبل حجة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بسنة، ثم حج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من قابل في ذي الحجة، فبذلك حين يقول: إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض. وخرج الترمذي من حديث الحكم بن عتيبة، عن مقسم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأمره أن ينادى بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه-، فبينا أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في بعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القصوى. فخرج أبو بكر فزعا فظن أنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى-، فدفع إليه كتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأمر   [ (1) ] زيادة للسياق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 318 بهؤلاء الكلمات، فانطلقا، فحجا، فقام عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أيام التشريق فنادى: ذمة اللَّه ورسوله بريئة من كل مشرك، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن. وكان علي ينادي، فإذا عيي قام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- فنادى بها [ (1) ] .   [ (1) ] (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) : 8/ 386، أبواب تفسير القرآن، سورة التوبة، حديث رقم (3287) ، قوله: «فإذا عيي» بكسر التحتية الأولى، يقال عيي يعيي وعياء بأمره وعن أمره: عجز عنه ولم يطق أحكامه، أو لم يهتد لوجه مراده، وعيي يعيي عيّا في المنطق: حصر. تنبيه: قال الخازن قد يتوهم متوهم أن في بعث علي بن أبي طالب بقراءة أول (براءة) عزل أبي بكر عن الإمارة، وتفضيله على أبي بكر وذلك جهل من هذا المتوهم، ويدل على أن أبا بكر لم يزل أميرا على الموسم في تلك السنة، حديث أبي هريرة عن الشيخين أن أبا بكر بعثه في الحجة التي أمره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنن في الناس. الحديث، وفي لفظ أبي داود والنسائي قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن في يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، فقوله: «بعثني أبو بكر» ، فيه دليل على أن أبا بكر كان هو الأمير على الناس، وهو الّذي أقام للناس حجهم، وعلمهم مناسكهم. وأجاب العلماء عن بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليا ليؤذن في الناس حجهم وعلمهم مناسكهم. وأجاب العلماء عن بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليا ليؤذن في الناس ببراءة بأن عادة العرب جرت أن لا يتولى تقرير العهد ونقضه إلا سيد القبيلة وكبيرها، أو رجل من أقاربه، وكان عليّ بن أبي طالب أقرب إلى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم من أبي بكر، لأنه ابن عمه ومن رهطه، فبعثه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ليؤذن عنه ببراءة، إزاحة لهذه العلة، لئلا يقولوا: هذا على خلاف ما نعرفه من عادتنا في عقد العهود ونقضها. وقيل: لما خص أبا بكر لتوليته على الموسم خص عليا بتبليغ هذه الرسالة تطييبا لقلبه ورعاية لجانبه. وقيل: إنما بعث عليا في هذه الرسالة حتى يصلي خلف أبي بكر ويكون جاريا مجرى التنبيه على إمامة أبي بكر بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعث أبا بكر أميرا على الحج وولاه الموسم، وبعث عليا خلفه ليقرأ على الناس ببراءة، فكان أبو بكر الإمام، وعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- المؤتم، وكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الخطيب، وعليّ المستمع. وكان أبو بكر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- المتولي أمر الموسم والأمير على الناس ولم يكن ذلك لعلي، فدل ذلك على تقديم أبي بكر على عليّ، وفضله عليه. (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) : 8/ 386- 387 . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 319 قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه، وقد خرجا في الصحيحين طرقا من ذلك. فخرّج البخاري في الحج [ (1) ] من حديث يحيي بن بكير، قال: أنبأنا الليث قال يونس: قال ابن شهاب: حدثني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخبره أن أبا بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى- عنه بعثه في الحجة التي أمّره عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وخرّج في التفسير [ (2) ] من حديث صالح، عن ابن شهاب، أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث أبو بكر في تلك الحجة مؤذنين، بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأمره أن يؤذن ببراءة. قال أبو هريرة: فأذن معنا عليّ يوم النحر في أهل مني ببراءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وذكره في التفسير أيضا من حديث عقيل [ (3) ] بهذا الإسناد نحوه. وخرّجه مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني عمرو عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعثني أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في الحجة التي أمّره عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. قال ابن   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 617، كتاب الحج، باب (67) لا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج مشرك، حديث رقم (1622) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 404، كتاب التفسير، باب (2) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ، حديث رقم (4655) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4656) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 320 شهاب: فكان. حميد بن عبد الرحمن يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة [ (1) ] . وخرجه أبو داود من حديث شعيب عن الزهري قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- قال: بعثني أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فيمن يوذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأكبر الحج [ (2) ] . وأخرجه البخاري أيضا من هذه الطريق وقال يونس بن بكير: قال ابن إسحاق: ثم بعث رسول اللَّه (ص) أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- أميرا على الحج في سنة تسع ليقيم للمؤمنين حجّهم والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجّهم. فخرج أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- والمؤمنون، ونزلت بَراءَةٌ   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 123- 124 كتاب الحج، باب (78) لا يحج البيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وبيان يوم الحج الأكبر، حديث رقم (435) . [ (2) ] (سنن أبي داود) : 2/ 483، كتاب المناسك [الحج] ، باب (67) يوم الحج الأكبر، حديث رقم (1946) ، وأخرجه أيضا في البخاري: حديث رقم (4657) ، «والعدو» اسم يقع على الواحد والمتعدد، قال تعالى هم العد فاحذرهم. والشيطان: أصله نوع من الموجودات المجردة الخفية، وهو نوع من جنس الجن. والإنس: لإنسان، وهو مشتق من التأنس والإلف، لأن البشر يألف بالبشر ويأنس به، فسماه إنسا وإنسانا. و «شياطين الإنس» استعارة للناس الذين يفعلون فعل الشياطين: من مكر وخديعة. وإضافة شياطين إلى الإنس إضافة مجازية على تقدير «من» التبعيضية مجازا، بناء على الاستعارة التي تقتضي كون هؤلاء الإنس شياطين، فهم شياطين، وهم بعض الإنس، أي أن الإنس: لهم أفراد متعارفة، وأفراد غير متعارفة، يطلق عليهم اسم الشياطين، فهي بهذا الاعتبار من إضافة الأخص من وجه، إلى الأعم من وجه، وشياطين الجنّ حقيقة، والإضافة حقيقية، لأن الجنّ منهم شياطين، ومنهم غير شياطين، ومنهم صالحون، وعداوة شياطين الجنّ للأنبياء ظاهرة، وما جاءت الأنبياء إلا للتحذير من فعل الشياطين، وقد قال اللَّه تبارك وتعالى لآدم: إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ، (تفسير التحرير والتنوير) : 5/ 9 تفسير سورة الأنعام. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 321 في نقض ما بين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والمشركين من العهد الّذي كانوا عليه. قال ابن إسحاق: فخرج عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى- على ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العصباء حتى أدرك أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- بالطريق، فلما رآه أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أميرا أو مأمورا؟ قال: لا، بل مأمورا، ثم مضي، فأقام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- للناس حجهم، حتى إذا كان يوم النحر قام عليّ بن أبي طالب عند الجمرة فأذّن في الناس بالذي أمره به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: أيها الناس إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فهو له إلى مدته، وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم، ليرجع كل قوم من جاء منهم من بلادهم، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة، إلا أحد كان له عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عهد، فهو له إلى مدّته. وقال عباد بن العوام: أخبرنا سفيان بن حسين عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعث بسورة بَراءَةٌ مع أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثم بعث عليا- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه! هل ترك من شيء؟ قال: لا، ولكنه لا يبلغ عني غيري أو رجل من أهل بيتي، فكان أبو بكر على الموسم وكان عليّ ينادي بهؤلاء الكلمات: لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، واللَّه ورسوله بريئان المشركين أو قال: مشرك: وخرج الحاكم من حديث النضر بن شميل قال: أنبأنا شعبة، عن سليمان الشيبانيّ، عن الشعبي، عن المحرز بن أبي هريرة، عن أبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت في البعث الذين بعثهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مع علي- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- ب بَراءَةٌ إلى مكة فقال له ابنه أو رجل آخ: فيم كنتم تنادون؟ قال: كنا نقول: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عهد فإن أجله أربعة أشهر، فناديت حتى صحل صوتي [ (1) ] قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد.   [ (1) ] (المستدرك) : 2/ 361، كتاب التفسير، باب (9) تفسير سورة (التوبة) حديث رقم (3275) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 322 فصل في ذكر الذين عادوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال اللَّه تبارك وتعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [ (1) ] وقال تبارك وتعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً [ (2) ] وهم قريش بمكة، فإن الذين كانوا يبدون صفحتهم في عداوته صلّى اللَّه عليه وسلم وأذاه، ويسخرون به، ويخاصمون، ويجادلون، ويردون من أراد الإسلام عنه، فهم: أبو جهل بن هشام، وأبو لهب، والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف ابن زهرة وهو ابن خال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والحارث بن قيس بن عدي السهمي، وهو ابن العيطلة والوليد بن المغيرة، وأمية وأبي ابنا خلف الجمحيين، وأبو قيس ابن الفاكهة بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، والنضر بن الحارث العبدري، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميين، وزهير بن أبي أمية المخزومي، والعاصي بن سعيد بن العاصي، وعدي بن الحمراء الخزاعي، وأبو البحتري العاصي بن هاشم بن أسد عبد العزى، وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن الأصداء الهذلي- وهو الّذي نطحته الأروى- والحكم بن العاص بن أمية، وهؤلاء كانوا جيرانه صلّى اللَّه عليه وسلم. وأما الذين تنتهي إليهم عداوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [فهم] [ (3) ] : أبو جهل، وأبو لهب، وعقبة، وكان أبو سفيان بن حرب بن أمية، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ذوي عداوة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولكنهم لم يكونوا يفعلون كما فعل هؤلاء، وكانوا كجملة قريش. أما أبو جهل- لعنه اللَّه- فتقدم ذكره في الأصهار، وتقدم أيضا في الأعمام، وتقدم ذكر أبي لهب بن عبد يغوث في أبناء الخال.   [ (1) ] الأنعام: 112. [ (2) ] الفرقان: 31. [ (3) ] زيادة للسياق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 323 وأما الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو وائل السهمي الّذي يقال له ابن العيطلة، والعيطلة أم أولاد قيس بن عدي، نسبوا إليها، إنه أحد المستهزءين المؤذين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو الّذي كان كلما رأى حجرا أحسن من الّذي عنده أخذه وألقي ما عنده [ (1) ] وفيه نزلت: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [ (2) ] إلى آخر الآية. وكان يقول: لقد غرّ محمد نفسه وأصحابه، وعدهم أن يحيوا بعد الممات! واللَّه ما يهلكنا إلا الدهر ومرور الأيام والأحداث، فأكل حوتا مملوحا، فلم يزل يشرب عليه الماء حتى مات. ويقال: إنه أصابته الذبحة فقتل، امتحض رأسه قيحا. والوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن مخزوم أبو عبد شمس، والد خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان يقال له: العدل لأنه فيما يقال: كان يعدل قريشا كلها. ويقال: إن قريشا كانت تكسو الكعبة فيكسوها هو مثل ما يكسوها هم، ويقال له العدل [ (3) ] وجمع قريشا في دار الندوة، ثم قال لهم: إن العرب يأتوكم أيام الحج فيسألونكم عن محمد فتختلفون، يقول هذا: ساحر، ويقول هذا: شاعر، ويقول هذا: مجنون، ويقول هذا: كاهن، والناس يعلمون أن هذه الأشياء لا تجتمع، فقالوا: نسميه شاعرا! قال الوليد: سمعت الشعر وسمعناه، فما يشبه ما يجيء به شيئا من ذلك. قالوا: كاهن! قال: صاحب الكهانة يصدق ويكذب، وما رأينا محمدا كذب قط! قالوا: فمجنون! قال: المجنون يخنق ومحمد لا يخنق، ثم مضى الوليد إلى بيته، فقالوا: صبأ، قال: ما صبأت، ولكني فكرت فقلت: أولى ما يسمي ساحرا، لأن الساحر يفرق بين المرأة وزوجها، والأخ وأخيه، فتنادوا بمكة: إن محمدا ساحر، فنزلت فيه: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [ (4) ] إلي قوله: تِسْعَةَ عَشَرَ، فقال: أبو الأشدّين- واسمه كلدة بن أسيد بن خلف الجمحي-: أنا أكفيكم، خمسة علي ظهري، وأربعة بيدي [ (5) ] ، فألقوا في جهنم، فنزلت:   [ (1) ] الحجر: الصنم الّذي يعبده من دون اللَّه تعالى. [ (2) ] الفرقان: 43. [ (3) ] لأنه كان يعدل قريشا وحدها في النفقة في كسوة الكعبة. [ (4) ] المدثر: 11. [ (5) ] كذا في (الأصل) ، وفي (ابن كثير) : قال: يا معشر قريش اكفوني منهم اثنين، وأنا أكفيكم منهم سبعة عشر، إعجابا منه بنفسه، وكان قد بلغ من القوة فيما يزعمون أنه كان يقف على جلده البقرة ويجافيه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 324 وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [ (1) ] وقال الوليد: لئن لم ينته محمد عن سب آلهتنا لنسبن إلهه! فقال أبو جهل: نعم ما قلت، ووافقهم الأسود بن عبد يغوث، فنزلت: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [ (2) ] واعترض الوليد بن المغيرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومع الوليد عدة من قريش منهم الأسود بن عبد المطلب بن أسد ابن عبد العزي، والعاص بن وائل السهمي، وأمية بن خلف، فقال: يا محمد هلم فنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ونشترك نحن وأنت في الأمر كله، فإن كان ما تعبد خيرا كنا أخذنا منه بحظنا، وإن كان ما نعبده خيرا كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل اللَّه سورة: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [ (3) ] ، يقول لهم: لا أعبد الآن ما تعبدون، ولا أنتم الآن تعبدون ما أعبد، ولا أنا عابد أبدا ما عبدتم، ولا أنتم عابدون أبدا ما أعبد، لكم كفركم ولي إيماني [ (4) ] . وقال الوليد لأبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية- وكان نديمه-[ (5) ] : لولا أنزل هذا القرآن الّذي يأتي به محمد على رجل من أهل مكة أو من أهل الطائف مثلك أو مثل أمية بن خلف؟ فقال له أبو أحيحة: أو مثلك يا أبا عبد شمس؟ أو على رجل من ثقيف مثل مسعود بن عمرو؟ أو كنانة بن عبد ياليل؟ أو مسعود بن معتب؟ أو ابنه عروة بن مسعود؟ فأنزل اللَّه تعالى: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ* أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [ (6) ] . ولم يصف اللَّه تعالى أحدا وصف الوليد بن المغيرة، ولا   [ () ] قال السهيليّ: وهو الّذي دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى مصارعته وقال: إن صرعتني آمنت بك فصرعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مرارا فلم يؤمن. قال: وقد نسب ابن إسحاق خبر المصارعة إلي ركانة بن عبد العزيز بن هاشم بن المطلب. قال الحافظ ابن كثير: ولا منافاة بين ما ذكراه. واللَّه تعالى أعلم. (تفسير ابن كثير) : 4/ 474. [ (1) ] المدثر: 31. [ (2) ] الأنعام: 108. [ (3) ] الكافرون: 1. [ (4) ] (فتح القدير للشوكاني) : 5/ 739. [ (5) ] النديم: الجليس على الشراب. [ (6) ] الزخرف: 31- 32. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 325 أبلغ من ذكره عقوقه ما بلغ من ذكرها منه، لأنه وصفه بالحلف، والمهانة، والغيب للناس، والمشي بالنمائم، والبخل، والظلم، والإثم، والجفاء والدعوة، وألحق بدعاء لا يفارقه في الدنيا ولا في الآخرة، كالوسم على الخرطوم. قال تبارك وتعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ* أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ* إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ* سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [ (1) ] ، ولا خلاف أنها نزلت في الوليد بن المغيرة. روي سفيان عن زكريا، عن الشعبيّ قال: العتلّ الشديد، والزنيم الّذي له زنمة من الشر يعرف بها كما تعرف الشاة [ (2) ] ، أراد الشعبي أنه قد لحقته شية [ (3) ] في الدعوة عرف بها كزنمة الشاة. وقال الواقدي: مات الوليد بعد الهجرة بثلاثة أشهر أو نحوها وهو ابن خمس وسبعين [ (4) ] سنة، ودفن بالحجون، وابنه قيس بن الوليد من المعادين، وكان الوليد أحد المستهزءين فمر برجل يقال له حراث بن عامر بن خزاعة ويكنى أبا قصاف، وهو يريش نبلا له، فوطئ على سهم منها فخدش أخمص رجله خدشا يسيرا، ويقال: علق بأداة فخدش ساقه خدشا خفيفا، فأهوى إليه جبريل عليه السلام فانتقض الخدش وضربته الأكلة في رجله أو ساقه فمات، وأوصى بنيه وقال: اطلبوا خزاعة بالسهم الّذي أصابني فأعطت خزاعة ولده العقل [ (5) ] وقال: انظروا عقرى عند أبي أزهر الدوسيّ، فلا يفوتكم فداء هشام بن الوليد على أبي أزيهر بعد بدر، فقتله بذي المجاز، ولقتل أبي أزيهر خبر مذكور. والعاصي بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم أخو أبي جهل، وأميّة وأبيّ ابنا خلف، كان على شرّ ما يكون عليه أحد من أذى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وتكذيبه، وجاء أبيّ بعظم نخر ففتته في يده، ثم قال: زعمت   [ (1) ] القلم: 10- 16. [ (2) ] (لسان العرب) : 12/ 277. [ (3) ] الشية: العلامة، قال تعالى في صفة بقرة بنى إسرائيل: مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها. البقرة: 71. [ (4) ] كذا في (الأصل) ، وفي (ابن الأثير) : «خمس وتسعين» . [ (5) ] العقل: الدية. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 326 يا محمد أن ربك يحيي هذا العظم؟ ثم نفخة فنزلت: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [ (1) ] . الآية. وقال سفيان الثوريّ، عن أبي السوداء، عن أبي سابط أن أبيّا صنع طعاما، ثم أتي به إلى حلقة فيها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فدعاهم ودعاه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا أقوم حتى تشهد أن لا إله إلا اللَّه، ففعل، فقام صلّى اللَّه عليه وسلم فلقيه عقبة بن أبي معيط فقال: قلت كذا وكذا؟ فقال: إنما قلت ذلك لطعامنا، فنزلت: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ [ (2) ] الظالم: عقبة، وقوله فلانا يعني أبيا ويقال: الظالم أبيّ، و (فلانا) عقبة، وقد قيل: إن الّذي دعي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فيمن دعا عقبة بن أبي معيط فأنكر أبيّ ذلك عليه، وكان صديقا له ونديما، وقال: اتبعت محمدا؟ فقال: لا واللَّه، ولكني قد تذممت أن لا أدعو وإن دعوته أن لا يأكل من طعامي، فقلت له قولا لم أعتقده، فقال له: وجهي من وجهك حرام إن لم تكفر به، وتتفل في وجهه، ففعل، ورجع، ما خرج فيه إلى وجهه! فأنزل اللَّه تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يعني عقبة. وقوله فُلاناً يعني أبيّ بن خلف، وهي في قراءة عبد اللَّه بن مسعود: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا وبعض الرواة يقول: إن أمية بن خلف فعل هذا ولا يذكر أبيّا، وقتل أمية يوم بدر، فقتله حبيب بن إساف، وقيل: اشترك حبيب وبلال في قتله، ويقال: قتله رفاعة بن رافع الأنصاري، وقتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبيا يوم أحد، أخذ حربته أو حربة غيره فقتله بها كما تقدم في خير يوم أحد. وأبو قيس بن الفاكة بن المغيرة وكان من المؤذين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المعروفين في أذاه، يعين أبا جهل على صنعه، قتله حمزة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يوم بدر، ويقال: قتله الحباب بن المنذر. والعاصي بن وائل السهمي، والد عمرو، وكان من المستهزءين، ولما مات عبد اللَّه [ (3) ] ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن محمدا أبتر، لا يعيش له ولد   [ (1) ] ياسين: 78. [ (2) ] الفرقان: 27. [ (3) ] في بعض المراجع: «عبد اللَّه» ، وفي بعضها: «إبراهيم» ، وفي بعضها: «القاسم» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 327 [ذكر] [ (1) ] ، فأنزل اللَّه فيه: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (2) ] ، فركب حمارا، ويقال: بغلة له بيضاء، فلما صار بشعب من الشعاب وهو يريد الطائف، ربض به الحمار أو البغلة على شبرقة فأصابت رجله شوكة منها فانتفخت حتى صارت كعنق البعير، ومات. ويقال: إنه لما ربض به حماره أو بغلته لدغ فمات مكانه، وكان ابنه عمرو بن العاص يقول: لقد مات أبي وهو ابن خمس وثمانين سنة، وإنه يركب حمارا له من هذه الديانة إلى ماله بالطائف فتمشى عنه أكثر مما ركبه. وقال الواقدي: مات العاصي بعد هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة بأشهر، وهو ابن خمس وثمانين سنة، وكان يكنى أبا عمرو، وقال ابن سعد: قلت للواقدي: قال اللَّه عز وجل: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ وهذه السورة مكية [ (3) ] ، فقال: قد سألت مالكا وابن أبي ذؤيب عن هذا فقالا: كفاه إياهم، فبعضهم مات وبعضهم عمي، فشغل عنه، وبعضهم كفاه إياه، أذهب ما له من أسباب مفارقته بالهجرة هاهنا. وقال غيرهما: كفاه أمرهم فلم يضروه بشيء مما كادوه. والنضر بن الحرث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار أبو قائد، وكان أشدّ قريش معاداة بالأذى لرسول اللَّه [ (1) ] والتكذيب، فأسر ببدر وضربت عنقه، وقد تقدم ذكره. وأبو أحيحة سعيد بن العاصي بن أمية كان، يقول: دعوا محمدا ولا تعرضوا له فإن كان ما يقول حقا كان فينا دون غيرنا من قريش، وإن كان كاذبا قامت به قريش دونكم، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يمر عليه فيقول: إنه ليتكلم من السماء، حتى أتاه النضر بن الحارث- فقال: بلغني أنك تحسن القول في محمد! وكيف ذاك؟ وهو يسب آلهتنا، ويزعم أن آباءنا في النار، ويتوعد من لم يتبعه بالعذاب، فأظهر أبو أحيحة عداوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وذمّة وعيّب ما جاء به، وجعل يقول: ما سمعنا بمثل ما جاء به في يهودية ولا نصرانية، وكان أبو أصيحة ذا شرف بمكة، وكان إذا اعتمّ لم يعتم أحد بمكة، إذ لم يعتم أحد بعمامة على لون عمامته إعظاما له. فقويت أنفس المشركين حين رجع عن   [ (1) ] زيادة للسياق والبيان. [ (2) ] الكوثر: 3. [ (3) ] الحجر: 95. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 328 قوله الأول، فأتاه النضر شاكرا له على ذلك، لإعظام قريش إياه، ومات أبو أحيحة في ماله بالطائف سنة اثنتين من الهجرة. ويقال: في أول سنة من الهجرة، وله تسعون سنة، فلما غزا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الطائف رأى قبر أبي أحيحة مشرفا، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لعن اللَّه صاحب هذا القبر، فإنه كان ممن يحاد اللَّه ورسوله، فقال ابناه: عمرو وأبان: لعن اللَّه أبا قحافة [ (1) ] فإنه كان لا يقرى الضيف، ولا يرفع الضيم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سب الأموات يؤذي الأحياء، فإذا سببتم فعموا. ومنبه ونبيه ابنا الحجاج السّهميان، كانا على مثل ما عليه أصحابهما من أذى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والطعن عليه، وكانا يلقيانه فيقولان: أما وجد اللَّه من يبعثه غيرك؟ إن هاهنا من هو أسنّ منك، وأيسر، فإن كنت صادقا فائتنا بملك يشهد لك، ويكون معك، وإذا ذكر لهما قال: معلم مجنون، يعلمه أهل الكتاب ما يأتي، فكان صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو عليهما، فأما منبه فقتله عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ويقال: أبو اليسر الأنصاري ويقال: أبو أسيد الساعدي، وأما نبيه فقتله أيضا عليّ، وقتل العاصي بن منبه أيضا، وكان صاحب ذي الفقار [ (2) ] ، وقيل: كان يف نبيه. وزهير بن أبي أمية وحذيفة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، وهو أخو أم المؤمنين أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- لأبيها، وكان ممن يظهر تكذيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وينكر ما جاء به، ويطعن عليه ويردّ الناس عنه، وهو ابن عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عاتكة بنت عبد المطلب، وقد اختلف فيه فقيل: إنه شخص يريد بذرا فسقط عن بعيرة فمرض ومات، وقيل: أسر يوم بدر فأطلقه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما صار بمكة مات. وقيل: حضر وقعة أحد ومات بعدها بسهم أصابه، وقيل: شخص إلى اليمن بعد الفتح فمات هناك كافرا، وقيل أتي الشام فمات هناك. وعبد اللَّه بن أبي أمية كان منهم، وأتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في قوم من المشركين فقال له بعضهم: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا، فإن ماء زمزم ملح. وقال آخر: إن لم تفعل هذا فإنا لن نؤمن لك حتى يكون لك بمكة جنان   [ (1) ] أبو قحافة: والد أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. [ (2) ] ذو الفقار اسم سيف من السيوف التي آلت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 329 كجنان آل فارس، ذات نخيل وأعناب، وقال آخر: لن نؤمن لك حتى تسقط السماء علينا كسفا، أو تأتي بربك وملائكتك فنراهم، وقال عبد اللَّه بن أبي أميّة: لن تؤمن لك حتى نرى لك بيتا من ذهب يحدثه لك ربك، أو ترقى في السماء ثم لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب ونحن نراك فنقرأه فأنزل اللَّه تعالى حكاية قولهم، وقال: قال لهم: سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [ (1) ] وأسلم عبد اللَّه، وقتل يوم الطائف. والثابت أن عبد اللَّه قال هذا القول من بينهم، وكان خطيب القوم ومتكلمهم. والسائب بن أبي السائب صيفي بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمران بن مخزوم ممن كان يعادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقتله الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ببدر. والأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم وكان ممن يعادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان حلف يوم بدر ليكسرن حوض النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقاتل حتى وصل إلى الحوض فأدركه حمزة- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- وهو يكسره فقتله، فاختلط دمه بالماء. وعديّ بن الحمراء الخزاعي، كان ممن يعادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولدغ وهو يريد بدرا فمات. والعاصي من سعيد بن العاصي بن أمية، قتل يوم بدر كافرا، وأبو البحتريّ العاصي بن هاشم بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ، كان أقلهم أذى لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على أنه كان يكذبه ويعيب ما جاء به، قتل يوم بدر كافرا وقيل: قتله عمير بن عامر المازنيّ، وفي أبي البحتريّ نزلت: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [ (1) ] . الآية. خرج أبو نعيم من حديث محمد بن إسحاق قال: حدثني الأجلح، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- أنه قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في المسجد وأبو جهل بن هشام، وشيبة، وعتبة ابنا ربيعة، وعقبة بن معيط وأمية بن خلف، قال أبو إسحاق: ورجلان آخران لا أحفظ أسميهما، كانوا سبعة، وهم في الحجر، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي فلما سجد أطال السجود، فقال أبو جهل: أيكم يأتي جزور بني فلان فيأتينا بفرثها فيلقيه على ظهر محمد؟ فانطلق أشقاهم   [ (1) ] الزمر: 3. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 330 وأسفلهم عقبة بن أبي معيط، فأتي به فألقاه على كتفه، ورسول اللَّه (ص) ساجد، قال ابن مسعود: وأنا قائم لا أستطيع أن أتكلم، ليس عندي عشيرة تمنعني، فأنا أرهب، إذ سمعت فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بذلك، فأقبلت حتى ألقت ذلك عن أبيها، ثم استقبلت قريشا فشتمتهم، فلم يرجعوا إليها شيئا، ورفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رأسه كما كان يرفع عند تمام سجوده، فلما قضى صلاته قال: اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بعقبة، وعتبة، وأبي جهل وشيبة، وذينك الرجلين، ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من المسجد ولقيه أبو البختري ومع أبي البختري سوط. يتخصر به، فلما لقيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنكر وجهه فأخذه فقال: تعالى، مالك؟ قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: خل عني، قال: على اللَّه أن لا أخلي عنك أو تخبرني ما شأنك فلقد أصابك شيء، فلما علم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه غير مخل عنه أخبره فقال: إن أبا جهل أمر أن يطرح عليّ فرث، فقال أبو البختري: هلم إلى المسجد، فأبى فأخذه أبو البختري، فأدخله إلي المسجد، ثم أقبل علي أبي جهل، فقال: يا أبا الحكم أنت الّذي أمرت بمحمد فطرح عليه الفرث؟ قال: نعم، فرفع السوط فضرب رأسه، فثارت الرجال بعضها إلى بعض، فصاح أبو جهل فقال: ويحكم من له؟ إنما أراد محمد أن يلقى بيننا العداوة وينجو هو وأصحابه [ (1) ] . وعقبة بن أبي معيط [بن] [ (2) ] زبان بن [أبى] [ (2) ] عمرو بن أمية أبو   [ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 266- 267، حديث رقم (200) ، وقال في هامشه: أخرجه مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق مختصرا، وأخرج البخاري ففي (صحيحه) من طريق إبراهيم ابن يوسف عن أبيه، عن أبي إسحاق، قال: حدثني عمرو بن مسمون أنعبد اللَّه ابن مسعود. فذكر الحديث دون قصة أبي البختري، وكذا أخرجه من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق بسنده. قال ابن حجر: وروى هذا الحديث إن إسحاق في (المغازي) قال: حدثني الأجلح عن أبي إسحاق، والقصة مشهورة في السيرة، وأخرجها البزار من طريق ابن إسحاق، وأشار إلى تفرد الأجلح بها عن أبي إسحاق. وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 6/ 18: رواه البزار والطبراني في (الأوسط) ، وفيه الأجلح بن عبد اللَّه الكندي وهو ثقة عند ابن معين وغيره، وضعفه النسائي وغيره، وقال ابن حجر في (تقريب التهذيب) : هو صدوق. [ (2) ] زيادات للنسب من (جمهرة أنساب العرب) ، قال ابن حزم: قتله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صبرا، ضرب عنقه عامر بن ثابت، أخو عاصم بن ثابت حميّ الدبر. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 331 الوليد، كان أشد الناس عداوة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأذى، فعمد إلى مكتل فحول فيه عذرة، ثم ألقاه على باب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ونصرته طليب بن عمير بن وهب بن قصيّ بن كلاب، وأمه أروى بنت عبد المطلب فأخذ المكتل نفسه وضرب به رأسه، وأخذ باديته وتشبث به. ويروي: وتشبث به عقبة وذهب به إلى أمه أروي، فقال لها: ألا ترين إلى ابنك قد صار عرضا دون محمد، فقالت: ومن أولي منه بذلك؟ ابن خاله، أموالنا وأنفسنا دون محمد، وجعلت تقول: إن طليبا نصر ابن خاله وآساه في ذي دمه وماله، وجاء بسلا جزور فقذفه على ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو ساجد عند الكعبة، حتى جاءت فاطمة فأخذته عن ظهره صلّى اللَّه عليه وسلم. فلما كان يوم بدر أسر عقبة عبد اللَّه بن سلمة بن مالك العجلاني فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فضرب عنقه كما تقدم ذكره. الأسود بن المطلب [ (1) ] بن أسد بن عبد العزى أبو زمعة زاد الراكب، كان من المستهزءين، وكان وأصحابه يتغامزون بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه ويقولون: قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر، ثم يحكون، ويصفرون، ويصفقون وكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بكلام شق عليه، فدعا عليه أن يعمي اللَّه بصره، ويثكله ولده. فخرج يستقبل ابنه وقد قدم من الشام فلما كان في بعض طريقه فجلس في ظل شجرة فجعل جبرائيل عليه السلام يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها، وبشوكها حتى عمي، وقيل: أومأ إلى عينيه فعمي فشغله عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقتل ابنه معه ببدر كافرا، قتله أبو دجانة وقتل ابن ابنه عتيب، قتله حمزة وعليّ اشتركا في قتله، وقتل ابن ابنه الحارث بن زمعة بن الأسود، قتله عليّ، وقيل: هو الحارث بن الأسود، والأول أصحّ، وهو القائل: أتبكي أن يضل لها بعير ... ويمنعها من النوم السهود وقال الواقدي: ومات الأسود بمكة وهم يتجهزون لأحد، وكان الأسود يجلس معه قوم من المشركين فيقولون: ما نرى ما جاء به محمد! ما هو إلا سجع كسجع الكهان، فنزلت فيهم: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [ (2) ] وقيل: نزلت في أهل الكتاب وكانوا إذا سئلوا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول بعضهم: ساحر، ويقول   [ (1) ] (الكامل في التاريخ) : 2/ 74- 75، باختلاف يسير في اللفظ. [ (2) ] الحجر: 91. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 332 بعضهم: شاعر، ويقول بعضهم: مجنون، ويقول بعضهم: ساحر، ويتكذبون عليه، فيصدون الناس عنه، فأنزل اللَّه تعالى فيهم: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [ (1) ] ، يقول أثقال من يصدونه عن الإلسام. وذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عاقرا الناقة فقال: كان عزيزا منيعا كأبي زمعة الأسود بن المطلب فيكم. وابنه زمعة بن الأسود وابن الأصداء الهذليّ، كان يؤذي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ويقول له: إنما يعلمك أهل الكتاب بأساطيرهم، ويقول للناس: هو معلم مجنون، فدعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فإذا هو على جبل إذ اجتمعت عليه الأروى فنطحته حتى قتلته. والحكم بن أبي العاصي بن أمية [ (2) ] ، كان مؤذيا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان   [ (1) ] العنكبوت: 13. [ (2) ] هو الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ القرشيّ الأمويّ، عم عثمان بن عفان، أبو مروان بن الحكم، كان من مسلمة الفتح، وأخرجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من المدينة، وطرده عنها، فنزل الطائف، وخرج معه ابنه مروان. وقيل: إن مروان ولد بالطائف، فلم يزل الحكم بالطائف إلى أن ولى عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فرده عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى المدينة، وبقي بها، وتوفي في آخر خلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قبل القيام على عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأشهر فيما أحسب. واختلف في السبب الموجب لنفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إياه، فقيل: كان يتحيل ويستخفي ويتسمّع ما يسّره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى كبار الصحابة في مشركي قريش وسائر الكفار والمنافقين، فكان يفشي ذلك عنه حتى ظهر ذلك عليه. وكان يحكيه في مشيته وبعض حركاته، إلى أمور غيرها كرهت ذكرها. ذكروا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا مشي يتكفأ، وكان الحكم بن أبي العاص يحكيه، فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما فرآه يفعل ذلك، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فكذلك فلتكن، فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ. فعيره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه: إن اللعين أبوك فارم عظامه ... إن ترم ترم مخلجا مجنونا يمشي خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا فأما قوم عبد الرحمن بن حسان: «إن اللعين أبوك» ، فروى عن عائشة من طرق ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره أنها قالت لمروان إذ قال في أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لما امتنع من الجزء: 14 ¦ الصفحة: 333 يمشى ذات يوم وهو خلفه، فخلج بأنفه وفمه فبقي على ذلك، وأظهر الإسلام يوم فتح مكة، وكان مغموصا عليه في دينه، فاطلع على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة في بعض حجر نسائه، فخرج إليه يعيره فقال: من عدا يرى من هذه الودعة؟ لو أدركته لفقأت عينه، وغربة عن المدينة، فلم يزل خارجا منها إلى أن استخلف أمير المؤمنين عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فرده وولده، ومات في خلافة عثمان، فضرب على قبره فسطاطا، وقال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت لمروان بن الحكم: إن اللعين أباك فارم عظامه ... إن ترم ترم مخلجا مجنونا يمسي [ (1) ] خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا وعتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن الوليد، لقي رسول اللَّه فقال له: إن أردت الشرف شرفناك وإن كنت تريد المال أعطيناك منه   [ () ] البيعة ليزيد بن معاوية لولاية العهد ما قال: أما أنت يا مروان فاشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعن أباك وأنت في صلبه. وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عثمان بن حكيم، قال: حدثنا شعيب بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو العاص، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يدخل عليكم رجل لعين. قال عبد اللَّه: وكنت قد تركت عمرو يلبس. ثيابه ليقبل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل- فدخل الحكم بن أبي العاص. قال الحافظ: وروينا في جزء ابن نجيب، من طريق زهير بن محمد عن صالح بن أبي صالح حدثني نافع عن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فمر الحكم بن أبي العاص، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ويل لأمتي مما في صلب هذا. وأخرج ابن سعد عن الواقدي، بسنده إلى ثعلبة بن أبي مالك، قال: مات الحكم بن أبي العاص في خلافة عثمان، فضرب على قبره فسطاطا في يوم صائف، فتكلم الناس في ذلك، فقال عثمان: قد ضرب في عهد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على زينب بنت جحش فسطاطا فهل رأيتم عائبا عاب ذلك؟ مات الحكم بن أبي العاص سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- (الاستيعاب) : 1/ 359- 360، ترجمة رقم (529) ، (الإصابة) : 2/ 104- 106 ، ترجمة رقم (1783) . [ (1) ] في (الأصل) : «يضحي» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 334 ما تحب، فقال: يا أبا الوليد اسمع: فقرأ عليه حم [ (1) ] السجدة فقال: هذا كلام ما سمعت مثله، ثم التفت إلي جماعة قريش فقال: دعوه، وخلوا بينه وبين العرب، فليس بتارك أمره، وأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ابن أم مكتوم وعتبة يكلمه، وقد طمع فيه أن يسلم، فشغل عنه، فأنزل اللَّه تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى [ (2) ] وقوله: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى [ (3) ] يعني عتبة [ (4) ] ويقال: بل الّذي شغل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم به عن ابن أم مكتوم قال له: علمني مما علمك اللَّه، فأقبل على أمية بن خلف وتركه، وقتل عتبة يوم بدر وله خمسون سنة، وكان أبو حذيفة بن عتبة [ (5) ] مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مسلما.   [ (1) ] السجدة: 1. [ (2) ] عبس: 1، 2. [ (3) ] عبس: 5. [ (4) ] هذا المستغني هو الوليد، أو أمية، أو عتبة وشيبة، وجميع المذكورين في سبب النزول أقوال، قال القرطبيّ: وهذا كله غلط من المفسرين، لأن أمية والوليد كانا بمكة، وابن أن مكتوم كان بالمدينة ما حشر معهما، وماتا كافرين، أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر، ولم يقصد قط أمية المدينة، ولا حضر معه مفردا ولا مع أحد. وابن أم مكتوم: هو عبد اللَّه بن سرح بن مالك بن ربيعة الفهريّ، من بنى عامر بن لؤيّ، وأم مكتوم أم أبيه عاتكة، وهو ابن خال خديجة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- (البحر المحيط) : 10/ 407، مختصرا. [ (5) ] هو أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشيّ، العبشميّ، قال معاوية: اسمه مهشم، وقيل: هشيم، وقيل: هاشم، وقيل: قيس. كان من السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين، وصلّى القبلتين. قال ابن إسحاق: أسلم بعد ثلاثة وأربعين إنسانا، وثبت ذكره في (الصحيحين) في قصة سالم من طريق الزهري، عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن أبا حذيفة بت عتبة كان ممن شهد بدرا، يكنى سالما، قالوا: كان طوالا حسن الوجه استشهد يوم اليمامة، وهو ابن ست وخمسين سنة. قال أبو عمر بن عبد البر: كان من فضلاء الصحابة من المهاجرين الأولين، جمع اللَّه له الشرف والفضل، صلّى القبلتين، وهاجر الهجرتين جميعا، وكان إسلامه قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دار الأرقم للدعاء فيها إلى الإسلام. هاجر مع امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو إلى أرض الحبشة، وولدت له هناك محمد بن أبى حذيفة، ثم قام على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو بمكة، فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، وأحدا، والخندق، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 335 وشيبة بن ربيعة بن عبد شمس [ (1) ] أبو هاشم، كان يجتمع مع قريش فيما يكيد به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من الأذى، ولا يتعاطى ذلك بيده، وقتله عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف يوم بدر ووقف عليه حمزة وعليّ- رضي اللَّه تبارك عنهما- وكان شيبة أسنّ من عتبة بثلاث سنين وكان شيبة وعتبة متثاقلين عن الخروج لبدر حتى أتاهما أبو جهل فخرجا، ولما قتلوا ببدر قالوا: ومشى نساء قريش إلى هند بنت عتبة وهي أم معاوية بن أبي سفيان فقلن لها: ألا تبكين على أبيك وعمك وأخيك وأهل بيتك؟ فقالت: حلقي، أنا لا أبكيهم فيبلغ محمدا وأصحابه، فيشمتوا بنا، ونساء بني الخزرج! لا واللَّه، حتى أثأر من محمد وأصحابه، وحرمت على نفسها الدهن والكحل وقالت: واللَّه، لو أعلم أن الحزن يذهب من قلبي لبكيت، ثم قالت: للَّه عينا من رأى هلكا هلك رحالته ... يا رب بارك لي غدا في النايحات وباكيه كم غادروا يوم القليب غداة تلك الواعية ... من كل عيب في السنن إذا الكواكب جارية قد كنت أحذر ما أرى فاليوم حل جدار به ... يا رب قابله غدا يا ويح أم معاوية وأنس بن معير بن لودان بن سعد بن جمح، أخو أبي محذورة [ (2) ] ومطعم   [ () ] والحديبيّة، والمشاهد كلها. وقتل يوم اليمامة شهيدا، وكان أثعل، والأثعل الّذي له سنّ زائدة، تدخلها من صلبها الأخرى، وفيه تقول هند بنت عتبة حين دعا أباه إلى البراز يوم بدر: فما شكرت أبا ربّاك من صغر ... حتى شببت شبابا غير محجون الأحول الأثقل المشئوم طائرة ... أبو حذيفة شر الناس في الدين قال أبو عمر بن عبد البرّ: بل كان من خير الناس في الدين، وكانت هي- إذ قالت هذا الشعر- من شر الناس في الدين (الإصابة) : 7/ 87، ترجمة رقم (9748) . (الاستيعاب) : 4/ 1631- 1632، ترجمة رقم (2914) ، (جمهرة أنساب العرب) : 77. [ (1) ] عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس، قتلا يوم بدر كافرين، وكان شيبة يقف بعرفة إذا حج، بخلاف سائر قريش. (المرجع السابق) : 76، ثم قال في صفحة 491: وكان قد تنصّر من قريش نفر يسير، وهم شيبة بن ربيعة بن عبد شميس.. في آخرين. [ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 162. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 336 بان عدي بن نوفل بن عبد مناف أبو وهيب [ (1) ] ، كان أقل أصحابه أذى للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، لكنه كان ينكر عليه ما أنكروا، وهو الّذي قام بأمر بني هاشم وبني المطلب حتى خرجوا من الشعب، وأجاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كما رجع من الطائف حتى مات بالبيت، ومات في صفر سنة اثنين من الهجرة قبل بدر، وهو ابن بضع وتسعين سنة، ودفن بالحجون، وأقيم النوح عليه سنة، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لابنه جبير بن مطعم يوم بدر: لو كان أبوك حيا واستوهبني هؤلاء الأسرى أبوك لوهبتهم له، وشفعته فيهم. وطعيمة بن عدي بن نوفل بن المطلب، أبو الريان، وكان ممن يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيبالغ في أذاه، ويشتمه، ويسمعه، ويكذبه، فأسر يوم بدر، وقتل صبرا كما تقدم [ (2) ] والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، فيه نزلت: وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا [ (3) ] لكنه كان ممن أعان على نقض الصحيفة وقتل يوم بدر كافرا، قتله خبيب بن إساف [ (4) ] .   [ (1) ] (المرجع السابق) : 115. [ (2) ] (المرجع الاسبق) 115- 116. [ (3) ] القصص: 57. [ (4) ] (جمهرة النسب) : 62- 63، وقال: وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: من لقيه فليدعها لأيتام بني نوفل. يقول اللَّه تعالى- مخبرا عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباع الهدى حيث قالوا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم-: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أي نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى، وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين أن يقصدونا بالأذى والمحاربة، ويتخطنونا أينما كنا، قال اللَّه تعالى مجيبا لهم: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يعنى هذا الّذي اعتذروا به كذب وباطل، لأن اللَّه تعالى جعلهم في بلد أمين، وحرم معظم آمن منذ وضع، فكيف يكون هذا الحرم آمنا لهم في حال كفرهم وشركهم، ولا يكون آمنا لهم وقد أسلموا وتابعوا للحق؟ قوله تعالى: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ أي من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره، وكذلك المتاجر والأمتعة رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا أي من عندنا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ولهذا قالوا ما قالوا. وقد قال النسائي: أنبأنا الحسن بن محمد، حدثنا حجاج عن ابن جريج، أخبرنى ابن أبي مليكة قال: قال عمرو بن شعيب عن ابن عباس- ولم يسمع منه- إن الحارث بن عامر بن نوفل الّذي قال: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا. (تفسرا بن كثير) : 3/ 406. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 337 ومالك بن الطلاطلة بن عمرو بن عبسان، واسمه الحارث بن عمرو بن مزيقياء كان من المستهزءين وكان سفيها، فدعى عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واستعاذ باللَّه من شره فعصر جبريل عليه السلام بطنه حتى خرج خلاه من بطنه فمات وقيل: بل أشار إليه فامتخض رأسه قبحا [ (1) ] ، وقتل به عمرو بن الطلاطلة، وهو باطل. وقيل: الحارث بن الطلاطلة وليس بشيء، وهم يغلطون بابن الغيطلة وابن الطلاطلة فيجعلون هذا ذلك، وذاك هذا. قاله ابن الكلبي [ (2) ] . وقيل: إن المستهزءين ماتوا في وقت واحد، وما تقدم ذكره أثبت. وركانة الشديد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب، قدم من سفر له فأخبر خبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلقيه في بعض جبال مكة فقال: يا ابن أخى! قد بلغني عنك أمر وما كنت عندي بكذاب، فإن صرعتني علمت أنك صادق، فصرعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثا فأتى قريشا فقال: يا هؤلاء! صاحبكم ساحر فاسحروا به من شئتم. وقال هشام بن الكلبيّ [ (3) ] : حدثني أبي عن أبي صالح، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنهما- قال: لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد وكان أشد العرب لم يصرعه أحد قط، فدعاه إلى الإسلام فقال: واللَّه لا أسلم حتى تدعو هذه الشجرة- وكانت سمرة أو طلحة- فقال رسول صلّى اللَّه عليه وسلم: أقبلي بإذن اللَّه، فأقبلت تخدّ الأرض خدا، فقال ركانة: ما رأيت كاليوم سحرا أعظم، فأمرها فلترجع، فقال: ارجعي بإذن اللَّه، فأقبلت تخذ الأرض خدا فقال: ويحك! أسلم، قال: إن صرعتني أسلمت، وإلا فغنمي لك، وإن   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 256- 257، المستهزءون برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكفاية اللَّه أمرهم، وما فعل اللَّه تعالى بالمستهزءين، والحارث ابن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن ملكان، والطلاطلة أمه، والطلاطلة في اللغة: الداهية، قال أبو عبيد: كل داء عضال فهو الطلاطلة. [ (2) ] قال ابن الكلبي في نسب قيس بن عدي بن سهم: وكانت عنده الغيطلة من بنى شنوق بن مرة، وكانوا ينسبون إليها، وكان عندهم عرام [شدة وقوة وشراسة] ، والحارث بن قيس بن عديّ وهو من المستهزءين، وهو صاحب الأركان، وكان كلما مرّ بحجر أحس من الى عنده أخذه وألقى الّذي عنده، وفيه نزلت: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [الجاثية: 23. (جمهرة النسب) : 101، (الاشتقاق) : 122. [ (3) ] قال ابن الكلبيّ في نسب بني عبد المطلب بن عبد مناف: وركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب الشديد، الّذي صرعة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وقد سبق تخريج حديث صرع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لركانه وإثبات مصادره كاملا في المعجزات. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 338 صرعتك كففت عن هذا الأمر، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فصرعه ثلاثا، فقال: يا بن عم العود، فصرعه أيضا ثلاثا، فقال: أسلم، قال: لا، قال: فإنّي آخذ غنمك، قال: فما تقول لقريش؟ قال: أقول صارعته، فصرعته، فأخذت غنمه، قال: فضحتني وأخبتني! قال: فما أقول لهم؟ قال: قل: قامرته، قال: إذا أكذب؟ قال: ألست في كذب من حين تصبح إلى حين تمس؟ قال: خذ غنمك، قال: أنت واللَّه خير مني وأكرم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: وأحق بذلك منك. وابن أبي وهب المخزوميّ، كان فمن يؤذي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقتل يوم الخندق وقيل: بقي إلى الفتح فهرب إلى اليمن وما هناك كافرا وهو أثبت [ (1) ] . ومن أعداء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه بن شهاب بن عبد اللَّه بن الحارث بن زهرة الزهري وهو عبد اللَّه الأصفر، فإن أخاه ابن شهاب الأكبر من مهاجرة الحبشة، ومات بمكة قبل الهجرة [ (2) ] ، وكان يسمى عبد الجان، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه. وعتبة بن أبي وقاص [ (3) ] ، ومالك بن أهيب بن عبد مناف، وعبد اللَّه بن شهاب الزهريّ [ (4) ] ، وعمرو بن قمئة الأدمي من بني تميم بن غالب [ (5) ] ، وعبد اللَّه بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وذلك أنه لما كان يوم أحد تعاقد هؤلاء مع أبيّ بن خلف على قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأما عتبة بن أبي وقاص فرماه بأربعة أحجار، فكسر رباعيته اليمنى [السفلى] ، وشقّ شفته السفلى وأما ابن قمئة فكلم وجنتيه صلّى اللَّه عليه وسلم وغيّب حلق   [ (1) ] قال ابن حزم: فولد أبى وهب: هبيرة بن أبي وهب، زوج أم هانئ بنت أبي طالب أخت عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فرّ عن الإسلام يوم الفتح، فمات كافرا طريدا بنجران. (حجرة أنساب العرب) : 141. [ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 130. [ (3) ] هو الّذي جرح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم أحد، وقيل: مات مسلما، وقيل: بل مات كافرا. (المرجع السابق) : 129، (سيرة ابن هشام) : 4/ 28، حيث قال: عن أبي سعيد الخدريّ، أن عتبة بن أبي وقاص رمي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ، فكسر رباعيته اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى. [ (4) ] قال في (المرجع السابق) : شجّه في جبهته. [ (5) ] اسمه عبد اللَّه، وهو الّذي قتل مصعب بن عمير، وجرح وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم (المرجع السابق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 339 المغفر [ (1) ] فيهما، وعلاه بالسيف، فلم يقطع، وسقط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجحشت ركبته. وأما أبيّ بن خلف فشدّ بحربة فأعان اللَّه عز وجل رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم فقتله، وأما عبد اللَّه بن حميد فأقبل يريد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فشدّ عليه أبو دجانة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فضربه، وقال: خذها وأنا ابن خرشة فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ ارض عن ابن خرشة فإنّي عنه راض [ (2) ] . قال الواقدي: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على الذين تعاقدوا على قتله فقال: اللَّهمّ لا تحل على أحد منهم الحول، فمات عتبة من وجع أليم أصابه، فتعذب به، وأصيب ابن قمئة في المعركة، ويقال: إنه لما رمى مصعب بن عمير فقتله، قال: خلاها وأنا ابن قمئة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أقمأه اللَّه، فعهد إلى شاة ليحلبها بعد الوقعة فنطحته وهو معتقلها فقتلته، ووجد ميتا بين الجبال [ (3) ] . ولم يذكر الواقدي منبه بن شهاب وكان ابن أبيّ وابن حميد ما قد ذكرنا، بعضهم يذكر أن عبد اللَّه بن حميد قتل يوم بدر والثابت أنه قتل يوم أحد. ذكره البلاذري، وقال: حدثني بعض قريش أن أفعى نهشت عبد اللَّه بن شهاب في طريقه إلى مكة فمات، قال: وسألت بني زهرة، عن خبره فأنكر أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دعا عليه، أو يكون شجّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقالوا: الّذي شجع في جبهته عبد اللَّه بن حميد الأسدي [ (4) ]   [ (1) ] المغفر: حلق يجعل على الرأس يتقي به ضرب السلاح في الحرب. [ (2) ] روي أن عبد اللَّه بن حميد الأسديّ لما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد جرح، جعل يركض فرسه ويقول: أرونى محمدا، واللَّه إني لأقتله، فاعترضه أبو دجانة فضربه بالسيف فقتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ ارض عن ابن خرشة كما أنا عنده راض. (تاريخ الخميس) : 1/ 432، أحداث غزوة أحد، (مغازي الواقدي) 1/ 246. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 246، ثم قال: لدعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان عدوّ اللَّه قد رجع إلى أصحابه فأخبرهم أنه قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو رجل من بنى الأدرم من بنى فهر. [ (4) ] قال الواقدي: ويقبل عبد اللَّه بن حميد بن زهير حين رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على تلك الحال، يركض فرسا مقنعا في الحديد يقول: أنا ابن زهير، دلوني على محمد، فو اللَّه لأقتلنه أو لأموتن دونه! فتعرض له أبو دجانة فقال: هلمّ إلى من بقي نفس محمد بنفسه فضرب فرسه فعرقبها، فاكتسعت الفرس، ثم علاه بالسيف وهو يقول: خذها وأنا ابن خرشة.. وساق الخبر بتمامه: (مغازي الواقدي) : 1/ 246. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 340 وأما المنافقون وكانوا من الخزرج والأوس قال ابن سيده: النفاق الدخول في الإسلام من وجه والخروج عنه من آخر مشتق من نافق اليربوع، إسلامية، وقد نافق منافقه ونفاقا [ (1) ] . قال اللَّه تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً* إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ [ (2) ] فدل على أن المنافقين شر من كفر به، وأولادهم عقبة، وأبعدهم من الإثابة إليه، لأنه شرط عليهم في التوبة والإصلاح والاعتصام، ولم يشرط ذلك على غيرهم، ثم شرط الإخلاص، لأن النفاق ذنب القلب، والإخلاص توبة القلب، ثم قال: فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [ (3) ] ولم يقل: فأولئك هم المؤمنون، ثم قال: وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً [ (4) ] ولم يقل: وسوف يؤتيهم اللَّه بعضها لهم وإعراضا عنهم وحيدا، فالكلام عن ذكرهم، وقال تعالى يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ [ (5) ] فدل على خبثهم واستشرافهم بكل ما عرف من هرج علي الإسلام وأهله. خرج مسلم من حديث محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن قتادة، عن أبي نضرة، عن قيس بن عباد قال: قلنا لعمار: رأيت قتالكم أرأيا رأيتموه فإن الرأي يخطئ ويصيب، أو عهدا عهده إليكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما عهد إلينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن في أمتي- قال شعبة وأحسبه قال حدثني حذيفة- وقال غندر: أراه   [ (1) ] وقد تكرر في الحديث ذكر النفاق وما تصرف منه اسما وفعلا، وهو اسم إسلاميّ لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو الّذي يستر كفره ويظهر إيمانه، وإن كان أصله في اللغة معروفا. (لسان العرب) : 10/ 359. [ (2) ] النساء: 145- 146. [ (3) ] النساء: 146. [ (4) ] النساء: 146. [ (5) ] المنافقون: 4، وهؤلاء فريق كانوا يقولون في حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ما يؤذيه إذا بلغه. وقد عد من هؤلاء المنافقين، القائلين ذلك: الجلاس بن سويد، قبل توبته، ونبتل بن لحارث، وعتاب بن قشير، ووديعة بن ثابت، فمنهم من قل: إن كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير، وقال بعضهم: نقول فيه ما شئنا ثم نذهب إليه ونحلف له أنا ما قلنا، فيقيل قولنا. (تفسير التحرير والتنوير) 6/ 241، تفسير سورة التوبة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 341 قال في أمتي اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها، حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة سراج من النار يظهر في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم [ (1) ] . وخرج من حديث الوليد بن جميع، حدثنا أبو الطفيل قال: كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون من الناس، فقال: أنشدك باللَّه كم كان أصحاب العقبة؟ قال: فقال له القوم: أخبره إذا سألك، قال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهد باللَّه أن اثني عشر منهم حرب للَّه ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة، قالوا: ما سمعنا منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولا علمنا بما أراد القوم، وقد كان في حرة فمشى فقال: إن الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد فوجد قوما قد سبقوه فلعنهم يومئذ [ (2) ] . وقال الواقدي: حدثني يونس بن محمد، عن يعقوب بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، أنه قال له: هل كان الناس يعرفون أهل النفاق فيهم؟ فقال: نعم واللَّه، وإن كان الرجل ليعرفه من أبيه وأخيه وبني عمه- سمعت جدك قتادة بن النعمان يقول: تبعنا في دارنا قوم منا منافقون [ (3) ] . وللبيهقي من حديث سفيان عن سلمة، عن عياض بن عياض، عن أبي، عن أبي مسعود قال: خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خطبة، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: إن فيكم منافقين، فمن سميت فليقم، ثم قال: قم يا فلان، قم يا فلان قم يا فلان، حتى سمي ستة وثلاثين رجلا، ثم قال: إن فيكم أو منكم فاتقوا اللَّه، قال: فمر عمر على رجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه- قال مالك: قال: فحدثه بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: بعدا لك سائر اليوم [ (4) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 130، كتاب صفات المنافقين باب (50) ، حديث رقم (100) . [ (2) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق بدون رقم. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1009. [ (4) ] (مسند أحمد) : 6/ 367 من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري، حديث رقم (21843) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 342 والمنافقون من الخزرج هم: عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول، وسلول بنت الحارث الخزاعية، أمه [وبها يعرف] ، وقيل: بل هي جدته وهو عبد اللَّه بن أبي بن مالك بن الحارث ابن عبيد اللَّه بن مالك بن سالم الجبليّ بن غنم بن عوف بن الخزرج وهو ابن رأس المنافقين القائل لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [ (1) ] ، وقد تقدمت عدة من أخباره في المريسيع وغيرها وروى الدارقطنيّ قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مر على جماعة فيهم عبد اللَّه بن أبي فسلم عليهم، ثم ولي، فقال: لقد عثا ابن أبي كبشة في هذه البلاد، فسمعها ابنه عبد اللَّه فاستأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أن يأتيه برأس أبيه فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: ولكن برّ أباك، وأبو مالك جد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة [ (2) ] وهو القائل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- وقد ندب الناس إلى غزوة تبوك وذكر بنو   [ (1) ] المنافقون: 8، قال الإمام أحمد رحمه اللَّه: حدثنا يحيي بن آدم ويحيي بن أبي بكير قالا: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال: سمعت زيد بن أرقم، وقال أبو بكير عن زيد بن أرقم قال: خرجت مع عمي في غزاة فسمعت عبد اللَّه بن أبي بن سلول يقول لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول اللَّه، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل، فذكرت ذلك لعمي، فذكره عمي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأرسل إليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحدثته، فأرسل إلى عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول وأصحابه فحلفوا باللَّه ما قالوا، فكذبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وصدقه فأصابني همّ لم يصبني مثله قط، وجلست في البيت، فقال عمي: ما أردت إلا أن كذب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومقتك؟ قال: حتى أنزل اللَّه إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قال: فبعث إليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقرأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عليّ ثم قال: إن اللَّه قد صدقك. (تفسير ابن كثير) : 4/ 396، (البحر المحيط) : 10/ 184، حيث قال: ولما سمع عبد اللَّه، ولد عبد اللَّه بن أبيّ هذه الآية، جاء إلى أبيه فقال: أنت واللَّه يا أبت الذليل، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العزيز، فلما دنا من المدينة جرد السيف عليه ومنعه الدخول حتى يأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان فيما قال: وراءك لا تدخلها حتى تقول: رسول اللَّه الأعز وأنا الأذل، فلم يزل حبيسا في يده حتى أذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بتخليته. وفي هذا الحديث أنه قال لأبيه: لئن لم تشهد للَّه ولرسوله بالعزة لأضربن عنقك، قال: أفاعل أنت؟ قال: نعم، فقال: أشهد أن العزة للَّه ولرسوله وللمؤمنين. [ (2) ] ابن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد، وأمه هند بنت سهل من جهينة ثم من بني الربعة، وأخوه لأمه معاذ بن جبل، شهد عبد اللَّه بدرا وأحدا وكان أبوه الجد بن قيس يكنى أبا وهب، وكان قد أظهر الإسلام وغزا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوات، وكان منافقا وفيه نزل حين غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، تبوك: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا. وليس لعبد اللَّه بن الجد عقب والعقب لأخيه محمد بن الجد بن القيس. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 343 الأصفر-: ائذن لي ولا تفتني ببنات الأصفر، وقال [ (1) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لبني سلمة: من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا: الجدين ابن قيس إلا أن فيه بخلا، قال: وأي داء أدوى من البخل بل سيدكم بشر بن البراء بن معرور. وذكر الواقدي بإسناده من طريق أسيد بن أبي أسيد عن أبي قتادة الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما نزلنا علي الحديبيّة، والماء قليل، سمعت الجد بن قيس يقول: ما كان خروجنا إلي هؤلاء القوم بشيء؟ أنموت من العش من آخرنا؟ فقلت: لا تقل هذا. يا أبا عبد اللَّه، فلم خرجت؟ قال: خرجت مع قومي، قلت: فلم تخرج معتمرا؟ قال: لا واللَّه، ما أحرمت؟ قال أبو قتادة ولا نويت العمرة؟ قال: لا! فلما دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الرجل فنزل بالسهم، وتوضأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الدلو ومج فاه فيه، ثم رده في البئر، فجاشت البئر بالرواء. قال أبو قتادة: فرأيت الجد مادا رجليه على شفير البئر في الماء، فقلت أبا عبد اللَّه: أين ما قلت؟ قال: إنما كنت أمزح معك، لا تذكر لمحمد مما قلت شيئا. قال أبو قتادة: وقد كنت ذكرته قبل ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فغضب الجد وقال: بقينا مع صبيان من قومنا لا يعرفون لنا شرفا ولا سنا، لبطن الأرض اليوم خير من ظهرها! قال أبو قتادة: وقد كنت ذكرت قوله صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ابنه خير منه. قال أبو قتادة: فلقيني نفر من قومي فجعلوا يؤنبونني ويلومونني حين رفعت مقالته إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت لهم: بئس القوم أنتم! ويحكم» عن الجد بن قيس تذبون؟ قالوا: نعم، كبيرنا وسيدنا. فقلت: قد واللَّه طرح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سؤدده عن بني سلمة، وسوّد علينا بشر بن البراء بن معرور، وهدمنا المنامات التي كانت على باب الجد، وبنيناها على باب بشر بن البراء، فهو سيدنا إلى يوم القيامة.   [ () ] (طبقات ابن سعد) : 3/ 571، (الإصابة) : 1/ 468، ترجمة رقم (1112) . ويقال: إنه مات في خلافة عثمان، وفي حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: بايعنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم الحديبيّة على ألا نفر كلنا إلا الجد بن قيس اختبأ تحت بطن ناقته. وفي حديث أبي قتادة عنه ما هو أسمج من هذا. وقد قيل: إنه تاب، فحسنت توبته. واللَّه أعلم (الاستيعاب) : 1/ 266- 268، ترجمة رقم (247) . [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 242، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (49650) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 344 قال أبو قتادة: فلما دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى البيعة فر الجد بن قيس فدخل تحت بطن البعير، فخرجت أعدو، وأخذت بيد رجل كان يكلمني، فأخرجناه من تحت بطن البعير، فقلت: ويحك! ما أدخلك هاهنا؟ أفرارا مما نزل به روح القدس؟ قال: لا، ولكني رعبت وسمعت الهيعة [ (1) ] . قال الرجل: لا نضحت عنك [ (2) ] أبدا، وما فيك خير. فلما مرض الجد بن قيس ونزل به الموت لزم أبو قتادة بيته فلم يخرج حتى مات ودفن، فقيل له في ذلك فقال: واللَّه ما كنت لأصلي عليه وقد سمعته يقول يوم الحديبيّة كذا وكذا، وقال في غزوة تبوك كذا وكذا، واستحييت من قومي يرونني خارجا ولا أشهده. ويقال: خرج أبو قتادة إلى ماله بالواديين فكان فيه حتى دفن، ومات الجد في خلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (3) ] . ومرارة بن [ (4) ] الربيع وهو الّذي ضرب بيده على عاتق عبد اللَّه بن أبيّ، ثم قال: تمطي، والنعيم لنا من بعده كائن نقتل الواحد المفرد، فيكون الناس عامة بقتله مطمئنين، بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال له: ويحك ما حملك على أن تقول الّذي قلت؟ فقال: يا رسول اللَّه إن كنت قلت شيئا من ذلك إنك لعالم به، وما قلت شيئا من ذلك [ (5) ] . وعبد اللَّه بن عيينة وهو الّذي قال لأصحابه: اشهدوا هذه الليلة تسلموا الدهر كله، فو اللَّه ما لكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل، فدعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ويحك ما كان ينفعك من قتلي لو أني قتلت، فقال عدو اللَّه: يا نبي، اللَّه! واللَّه لا تزال بخير ما أعطاك اللَّه النصر على عدوك، إنما نحن باللَّه وبك فتركه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (6) ] .   [ (1) ] الهيعة: الصوت تفزع منه وتخافه من عدوّ. [ (2) ] نضح عنه: ذبّ ودفع. [ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 590- 591. [ (4) ] مرارة بن ربيعة. ويقال: ابن ربيع العمري الأنصاري. من بني عمرو بن عوف، شهد بدرا، وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة تبوك، وتاب اللَّه عليهم، ونزل القرآن في شأنهم (الاستيعاب) : 3/ 1382، ترجمة رقم (2361) ، (الإصابة) : 6/ 65، ترجمة رقم (7870) ، [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 259. [ (6) ] (المرجع السابق) : 5/ 258. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 345 وعدي بن ربيعة كان يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ورماه بقدر، وكان أعمى وابنه سويد بن عدي [ (1) ] . وقيس [ (2) ] بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار، هو جد يحيي بن سعيد [ (3) ] ، وقال ابن حزم: يقال إنه كان من المنافقين ولم يصح، وتبعه زرارة. كان يدخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالشعر. وزيد بن عمرو، وعقبة بن كريم بن خليف. وأبو قيس بن الأسلم أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة فقال: ما أحسن ما يقول ويدعو إليه، وسأنظر في أمري وأعود إليك، ولقيه ابن أبيّ فقال له: كرهت واللَّه حرب الخزرج، فقال: لا أسلم، فمات في ذي الحجة سنة إحدى. والمنافقون من الأوس هم الجلاس بن سويد بن الصامت قتل المجدر بن زياد البلوي يوم أحد كما تقدم ذكره، وكان الجلاس ممن تخلف في غزوة تبوك، ويقال: بل هو إلي قال: لا ينتهي حتى يرمي محمدا من العقبة، ولئن كان محمد وأصحابه خيرا منا إنا إذا لغنم وهو الراعي، ولا عقل لنا وهو العاقل، قال: لئن كان الرجل صادقا لنحن شر من الحمير، فبلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك، فحلف باللَّه إنه ما قاله، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى فيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ [ (4) ] الآية.   [ (1) ] (جمهرة النسب للكلبي) : 555- 558، (جمهرة أنساب العرب: 77- 78. [ (2) ] (جمهرة أنساب العرب) : 349، وهو جد سعد، وعبد ربه، بنو سعد. [ (3) ] كذا في (الأصل) ، وفي (جمهرة أنساب العرب) : 349 يحيي بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة. [ (4) ] التوبة: 74. قال قتادة نزلت في عبد اللَّه بن أبيّ وذلك أنه اقتتل رجلان: جهني وأنصاري فعلا الجهنيّ على الأنصاريّ، فقال عبد اللَّه للأنصار: ألا تنصروا أخاكم؟ واللَّه ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها. الأذل، فسعى بها رجل من المسلمين إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأرسل إليه فسأله فجعل يحلف باللَّه ما قاله، فأنزل اللَّه فيه هذه الآية. وقال الأموي في (مغازية) : حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 346 قال ابن إسحاق: فزعموا أنه تاب فحسنت توبته حتى عرف منه الإسلام والخير، والحارث [ (1) ] بن سويد أخوه يقال: هو الّذي قتل المجذر بن زياد، فقتله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم به. فإن الجلاس كان ممن تخلف عن غزاة تبوك، والقول الأول قول الكلبي، وكان أخوه خلاد [ (2) ] بن سويد من فضلاء المسلمين، وعمرو بن   [ () ] ابن مالك، عن أبيه، عن جده قال: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذني قومي فقالوا: إنك امرؤ شاعر فإن شئت أن تعتذر إلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببعض العلة ثم يكون ذنبا تستغفر اللَّه منه، وذكر الحديث بطوله إلى أن قال: وكان ممن تخلف من المنافقين، ونزل فيه القرآن، منهم ممن كان مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الجلاس بن سويد بن الصامت، وكان على أمّ عمير بن سعد وكان عمير في حجره فلما نزل القرآن وذكرهم اللَّه بما ذكر مما أنزل في المنافقين قال الجلاس: واللَّه لئن كان هذا الرجل صادقا فيما يقول لنحن شر من الحمير فسمعها عمير بن سعد فقال: واللَّه باجلاس إنك لأحب الناس إلي، وأحسنهم عندي بلاء، وأعزهم علي أن يصله شيء يكرهه، ولقد قلت مقالة لأن ذكرتها لتفضحني ولئن كتمتها لتهلكنى ولإحداهما أهون علي من الأخرى، فمشى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر له ما قال الجلاس فلما بلغ ذلك الجلاس خرج حتى أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فحلف باللَّه ما قال عمير بن سعد ولقد كذب علي فأنزل اللَّه عز وجل فيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ إلى آخر الآية فوقفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليها فزعموا أن الجلاس تاب فحسنت توبته ونزع فأحسن النزوع. هكذا جاء هذا مدرجا في الحديث متصلا به وكأنه- واللَّه أعلم- من كلام ابن إسحاق نفسه لا من كلام كعب بن مالك. (تفسير ابن كثير) : 2/ 385- 386، سورة التوبة. [ (1) ] الحارث بن سويد: ويقال: ابن مسلمة المخزومي. ارتد على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولحق بالكفار، فنزلت هذه الآية كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا فحمل رجل هذه الآيات فقرأهن عليه. فقال الحارث: واللَّه ما علمتك إلا صدوقا، وإن اللَّه لأصدق الصادقين. فرجع وأسلم وحسن إسلامه. روى عنه مجاهد، وحديثه هذا عند جعفر بن سليمان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد. (الاستيعاب) : 1/ 300 ترجمة رقم (436) . (الإصابة) : 1/ 576- 577، ترجمة رقم (1425) . [ (2) ] خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأكبر، شهد العقبة، وشهد بدرا وأحدا والخندق، وقتل يوم قريظة شهيدا. طرحت عليه الرحى من أطم من آطامها، فشدخت رأسه ومات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيما يذكرون: إن له أجر شهيد، ويقولون: إن التي طرحت عليه الرحى بنانة، امرأة من بني قريظة، ثم قتلها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع بني قريظة، إذ قتل من أنبت منهم، ولم يقتل امرأة غيرها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 347 حزم [ (1) ] ، وزوي بن الحارث ويقال روي بن الحارث من بني لوذان بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وعثمان بن [ (2) ] عامر، ونبتل بن الحارث بن قيس بن زيد بن ضبيعة ابن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوسي [ (3) ] ، وفيه قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر   [ () ] (الاستيعاب) : 2/ 451- 452، ترجمة رقم (676) . (الإصابة) : 2/ 340، ترجمة رقم (2280) . [ (1) ] عمرو بن حزم بن زيد بن لوزان الخزرجي البخاريّ، من بني مالك بن النجار. من ينسبه في بني مالك بن النجار يقول: عمرو بن حزم بن لوذان بن عمرو بن [عبد بن] عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري. ومنهم من نسبه في بني مالك بن جشم بن الخزرج. ومنهم من ينسبه في بني ثعلبة بن زيد بن مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك. أمه من بني ساعدة، يكنى أبا الضحاك، لم يشهد بدرا فيما يقولون. أول مشاهده الخندق، واستعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أهل نجران، وهم بنو الحارث بن كعب، وهو ابن سبع عشرة سنة ليفقههم في الدين، ويعلمهم القرآن، ويأخذ صدقاتهم، وذلك سنة عشر بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد، فأسلموا، وكتب له كتابا فيه الفرائض والسنن والصدقات والديات. ومات بالمدينة سنة إحدى وخمسين. وقيل: سنة ثلاث وخمسين. وقد قيل: إن عمرو بن حزم توفى في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالمدينة. وروي عن عمرو بن حزم ابنه محمد. وروي عنه أيضا النضر بن عبد اللَّه السلمي، وزياد بن نعيم الحضريّ، (الاستيعاب) : 3/ 1172- 1173) ترجمة رقم (1907) ، (والإصابة) : 4/ 621، ترجمة رقم (5814) . [ (2) ] عثمان بن عامر، أبو قحافة القرشيّ التيمي، والد أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- تقدم ذكر نسبه عند ذكر ابنه أبي بكر، أسلم أبو قحافة يوم فتح مكة، حدثني عبد الوارث، حدثني قاسم، حدثنا إبراهيم بن إسحاق بن مهران، حدثنا يحيي بن يحيي، حدثنا أبو خيثمة زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أتي بأبي قحافة عام الفتح ليبايع، ورأسه ولحيته كأنها ثغامة- يعني شجرة- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: غيروا هذا بشيء وجنبوه السواد، وقال قتادة: هو أول مخصوب في الإسلام، وعاش أبو قحافة إلى خلافة عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه-، ومات سنة أربع عشرة وهو ابن سبع وتسعين سنة، وكانت وفاة ابنه قبله، فورث منه السّدس، فرده على ولد أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- (الاستيعاب) : 3/ 1036، ترجمة رقم (1773) ، (الإصابة) : 4/ 452- 453، ترجمة رقم (5446) . [ (3) ] نبتل بن الحارث بن قيس بن زيد بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي. ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب النسب مقرونا بأخيه أبو سفيان. وقد ذكره ابن الكلبي، ثم البلاذري في المنافقين، فيحتمل أن يكون أبو عبيد اطلع على أنه تاب، وذكره محمد ابن إسحاق في (السيرة النبويّة) أنه الّذي أنزل فيه: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ. (الإصابة) : 6/ 418، ترجمة رقم (8681) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 348 إلى نبتل، وكان أدلم ثائر الشعر، أحمر العينين، أسفع الخدين، وكان ينقل حربة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المنافقين، وهو الّذي قال: إنما محمد أذن فأنزل اللَّه فيه وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ [ (1) ] الآية. والنبتل الصلب الشديد. وأخوه أبو سفيان بن الحارث بن قيس [ (2) ] شهيد بدر وعبد اللَّه بن نبتل [ (3) ] وهو الّذي كان ينقل حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال الواقدي: وكان خارجة بن زيد بن ثابت يسقي الناس من الماء المبرد بالعسل، وكان أبو عبد اللَّه بن القراد [الزيادي] [ (4) ] وهو فارس [ ..... ] في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فجاء ذات يوم وقد حضر رجل من ولد عبد اللَّه بن نبتل فجعل يهزأ به وكان القراد عظيم الرأس والأذنين له خلقة منكره، فقال له: من أنت يا فتى؟ قال: رجل من الأنصار، قال: مرحبا بالأنصار، من أنت منهم؟ قال: أنا فلان ابن الحارث بن عبد اللَّه ابن نبتل، فقال: أما جدك فلم ينصر، علمت ما نزل فيه من القرآن؟ أما يدري ما صنعت به يداه؟ فضحته واللَّه هي الفاضحة. وقيس بن زيد، قتل يوم أحد منافقا [ (5) ] ، وقيل: خرج مع المسلمين، فلما   [ (1) ] التوبة: 61. [ (2) ] سفيان بن قيس بن الحارث بن المطلب القرشي المطلبي ابن أخي الطفيل وعبيدة ابني الحارث. لهم صحبة. أخرج البغوي، من طريق إبراهيم بن سعد، عن سليمان بن محمد الأنصاري، عن رجل من قومه يقال له الضحاك، كان عالما؟ قال: آخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الحارث بن عبد المطلب وسفيان بن الحارث بن قيس، ذكره ابن هشام فيمن استشهد بأحد من الأنصار من بني ضبيعة. (الإصابة) : 3/ 127- 128، ترجمة رقم (33270) ، (سيرة ابن هشام) : 4/ 79. [ (3) ] عبد اللَّه بن نبتل بن الحارث الأنصاري. وقد ذكر الواقدي لولد هذا قصة في عهد عمر. وقيل: إن هذا كان من المنافقين. (الإصابة) : 4/ 249 ترجمة رقم (4990) . [ (4) ] هو عبد اللَّه بن قداد، ويقال: قراد بن قريط الحارثي ثم الزيادي، من بني زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة ابن الحارث بن كعب المذحجيّ، قدم مع خالد بن الوليد في وفد بني الحارث بن كعب فأسلموا. ذكره ابن إسحاق، في المغازي، وسماه يونس بن بكير عبد اللَّه بن قرط، ووقع عند ابن هشام: ابن قداد، وعند الواقدي: ابن قراد، وهو واحد، ترجمته في (الإصابة) : 4/ 208- 209، ترجمة رقم (4889) . [ (5) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 79، ذكر من استشهد بأحد من الأنصار. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 349 التقى الناس عدا على أسيرين فقتلهما، ثم لحق بقريش. وأبو حبيبة بن الأزعر، وكان ممن بني في مسجد الضرار [ (1) ] . وثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عتبة [ (2) ] ، قيل نزلت فيه لما منع الزكاة وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ [ (3) ] . الآية. ومنع ذلك لأنه ممن شهد بدرا، ومعتب ويقال: عتاب بن أبي قشير وثعلبة. [ (4) ] ومعتب هو الّذي قال، يوم أحد: لو كان لي من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا [ (5) ] ، وهو القائل يوم الأحزاب: يعدنا محمد كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على إتيان الغائط! عاهد إلا غرورا [ (6) ] .   [ (1) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1047. [ (2) ] كان أحد الذين بنوا مسجد الضرار. (سيرة ابن هشام) : 5/ 212. [ (3) ] التوبة: 75. [ (4) ] قال ابن هشام: وكان الّذي عاهد اللَّه منهم ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وهم من بني عمرو بن عوف (سيرة ابن هشام) : 5/ 239، ما نزل في أصحاب الصدقات. وقال الحافظ ابن كثير: يقول تعالى: ومن المنافقين من أعطي اللَّه عهده وميثاقه لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله وليكونن من الصالحين، فما وفي بما قال، ولا صدق فيما ادعى، فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى يوم يلقونه عز وجلّ يوم القيامة. عياذا باللَّه من ذلك. وقد ذكر كثير من المفسرين، منهم ابن عباس والحسن البصري، أن سبب نزول هذه الآية الكريمة في ثعلبة بن حاطب الأنصاري. وقد ورد فيه حديث رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث معن بن رفاعة عن عليّ بن يزيد، عن أبى عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن مولى عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية، عن أبى أمامة الباهليّ، عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري، أنه قال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادع اللَّه أن يرزقني مالا، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويحك يا ثعلبة! قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه. (تفسير ابن كثير) : 2/ 388، والقصة معروفة، أمسكنا عن سردها، لطولها واشتهارها. [ (5) ] قال الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: سمعت هذا القول من معتب بن قشير، وقد وقع عليّ النعاس وإني لكالحالم، أسمعه يقول هذا الكلام، واجتمع عليه أنه صاحب هذا الكلام. (مغازي الواقدي) : 1/ 323 324. [ (6) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 494، باب ما أنزل اللَّه من القرآن في الخندق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 350 ويقال: إن حمد بن قيس أو جدّ بن قيس القائل ذلك فأنزل اللَّه تعالي: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [ (1) ] . قال ابن هشام: مصعب بن قشير وثعلبة والحارث ابنا حاطب من أهل بدر ليسوا من المنافقين فيما ذكر لي من أثق به من أهل العلم [ (2) ] . وقد نسب ابن إسحاق ثعلبة والحارث بن أمية بن زيد في أسماء أهل بدر [ (3) ] . ورافع بن زيد، وفيه وفي معتب ونفر من أصحابهما نزلت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [ (4) ] ، وكان خصماؤهم دعوهم في خصومتهم إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأبوا ذلك وقالوا: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طاغوتا [ (5) ] ، ويقال: إنهم دعوهم إلى الكاهن.   [ (1) ] الأحزاب: 12. [ (2) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 180، لم يكن معتب منافقا. [ (3) ] (المرجع السابق) : 3/ 243. [ (4) ] النساء: 60. [ (5) ] قال ابن هشام: وكان جلاس بن سويد بن صامت قبل توبته، ومعتب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشر، وكانوا يدعون بالإسلام، فدعاهم رجال من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدعوهم إلى اكهان، حكام أهل الجاهلية، فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- فيهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً. (سيرة ابن هشام) : 3/ 59. وقال أبو حيان الأندلسيّ: ذكر في سبب نزولها قصص طويل، ملخصه: أن أبا بردة الأسلمي كان كاهنا يقضى بين اليهود، فتنافر إليه نفر من أسلم. أو أن قيسا الأنصاريّ أحد من يدعى الإسلام، ورجلا من اليهود تداعيا إلى الكاهن وتركا الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ما دعا اليهوديّ إلى الرسول، والأنصاريّ يأبى إلا الكاهن. أو أن منافقا ويهوديا اختصما، فاختار اليهوديّ الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، واختار المنافق كعب بن الأشرف، فأبي اليهوديّ، وتحاكما إلى الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقضى لليهوديّ، فخرجا ولزمه النفاق، وقال: ننطلق إلى عمر، فانطلقا إليه فقال اليهوديّ: قد تحاكما إلى الرسول فلم يرض بقضائه، فأقر المنافق بذلك عند عمر، فقتله عمر وقال: هكذا أقضى فيمن لم يرض بقضاء اللَّه وقضاء رسوله. (البحر المحيط) : 3/ 688. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 351 وجارية بن عامر وبنوه، يزيد، وزيد، ومجمع، وهم ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع بن جارية لم يكن منافقا، ويقال: إنه منافق، ثم صحّ إسلامه، وعنى بالقرآن حتى حفظه، وقال النقاش: حسن إسلامهم مجمع وبعثه عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى الكوفة، فعلمهم القرآن فتعلم منهم عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بقية القرآن [ (1) ] . ومربع بن فيظي [ (2) ] ، القائل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حين أجاز في حائطه وقد خرج إلى أحد: لا أحلّ لك يا محمد، إن كنت نبيا أن تمر في حائطي! وأخذ في يده حفنة من تراب، ثم قال: واللَّه لو أعلم أني لا أصيب بهذا التراب غيرك [ (3) ] لرميتك به، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوه فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر. [ (4) ] وأخوه أوس بن قيظي [ (5) ] ، وهو القائل يوم الخندق: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ [ (6) ] فأذن لنا في المقام، ويقال: قائل ذلك معتب بن قشير،، ومربع هذا عم عرانة بن أوس بن قيظي الجواد، وهو ممن بنى مسجد الضرار من داره، ويقال: إن الّذي أخرجه من داره وديعة بن حزام، ورافع وبشر ابنا زيد   [ (1) ] (الإصابة) : 5/ 776- 777، ترجمة رقم (7739) ، وله في (السنن) ثلاثة أحاديث، صحح الترمذي بعضها. وكان أبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع يصلي بهم فيه، ثم إنه أحرق، فلما كان عمر بن الخطاب كلم في مجمع أن يؤم قومه، فقال: لا، أو ليس إمام المنافقين في مسجد الضرار، فقال: لا واللَّه الّذي لا إليه إلا هو ما علمت شيئا من أمرهم، فزعموا أن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أذن له أن يصلّى بهم. [ (2) ] (الإصابة) : 6/ 66- 67، ترجمة ابنه مرارة وإخوانه أبناء مربع بن قيظيّ الأنصاريّ، وقال في آخرها: وكان أبوهم يعد في المنافقين، وفي ترجمته رقم (7874) : عدّ في المنافقين، ويقال: تاب. [ (3) ] في (الأصل) : «عينك» ، وما أنبتناه من (ابن هشام) . [ (4) ] فضربه سعد بن زيد أخو بنى عبد الأشهل بالقوس فشجه. (المرجع السابق) : 3/ 57، 4/ 11، ما فعله مربع المنافق حين سلك المسلمون حائطة، (سيرة ابن هشام) : 3/ 57. [ (5) ] (المرجع السابق) : 3/ 57، قال ابن هشام: عورة أي معورة للعدوّ وضائعة، وجمعها عورات. والعورة أيضا: عورة الرجل، وهي حرمته، والعورة أيضا السوأة. [ (6) ] الأحزاب: 13. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 352 وقيس بن رفاعة الشاعر [ (1) ] ، وكان يختلف هو والضحاك بن خليفة [ (2) ] بن ثعلبة بن عديّ بن كعب بن عبد الأشهل [إلى بيت شويكر اليهودي] [ (3) ] فأصاب عينه قنديل فذهبت [ (4) ] . وحاطب بن أمية بن رافع بن سويد [ (5) ] الّذي قيل لابنه- وحمل جريحا-: أبشر بالجنة، فقال: يا ابن حاطب، أبشر بالجنة، فقال حاطب: جنّة من حرمل، لا يغرنك هؤلاء يا بنيّ. وبشير بن أبيرق الظفري [ (6) ] وهو أبو طعمة، واسم الأبيرق الحارث بن   [ (1) ] هو قيس بن رفاعة الواقفي، من بنى واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس الأنصاريّ. ذكره المرزبانيّ في (معجم الشعراء) ، وقال: أسلم، وكان أعور. (الإصابة) : 5/ 468، ترجمة رقم (71740) . [ (2) ] هو الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عديّ بن كعب بن عبد الأشهل، الأنصاريّ الأشهليّ. وذكر ابن إسحاق في غزوة تبوك قال: وبلغ النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت شويكر اليهوديّ، يثبطون الناس عن الغزو، فبعث طلحة في قوم من الصحابة، وأمره أن يحرق عليهم البيت، ففعل، فاقتحم الضحاك من خليفة من ظهر لبيت فانكسرت رجله وأفلت، وقال في ذلك: كادت وبيت اللَّه نار محمد ... يسقط بها الضحاك وابن أبيرق سلام عليكم لا أعود لمثلها ... أخاف ومن يشمل الريح يحرق (الإصابة) : 3/ 475- 476، ترجمة رقم (4166) . [ (3) ] زيادة للسياق والبيان من كتب السيرة، حيث اضطراب السياق في هذا السطر. [ (4) ] راجع التعليق السابق. [ (5) ] كان شيخا جسيما قد أسنّ في جاهليته، وكان له ابن من خيار المسلمين، يقال له: يزيد بن حاطب، أصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات، فحمل إلى دار بنى ظفر. قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر عن قتادة أنه اجتمع إليه بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو بالموت، فجعلوا يقولون: أبشر يا ابن حاطب بالجنة، قال: فنجم [ظهر ووضح] نفاقه حينئذ، فجعل يقول أبوه: أجل، جنة واللَّه من حرمل، غررتم واللَّه هذا المسكين من نفسه. (سيرة ابن هشام) : 3/ 58. [ (6) ] قال ابن إسحاق- وقد ذكر أسماء المنافقين-: وبشير بن أبيرق، وهو أبو طعمة سارق الدرعين، الّذي أنزل اللَّه تعالى فيه: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً [النساء: 107] (سيرة ابن هشام) : 3/ 58. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 353 عمرو بن حارثة بن الهيثم بن ظفر- واسم ظفر كعب- قال: سرق ابن أبيرق أدرعا من حديد، ثم رمى بها رجلا بريئا، فجاء قومه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فعزروه عنده، فأنزل اللَّه- عز وجل- فيه قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً إلى قوله تعالى: وَساءَتْ مَصِيراً [ (1) ] فلما أنزل فيه هذه الآية لحق بالمشركين ومكث بمكة، ثم بعث على قوم بينهم فسرق متاعهم فألقى اللَّه عليه صخرة فشدخته وكانت قبره، ويروي أن الحائط سقط عليه بالطائف وقتل بخيبر، وروى محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة الظفري عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق: بشر، وبشير ومبشر [ (2) ] ، وكان بشر منافقا يهجو أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم سحله بعض العرب، فإذا سمعه أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالوا: واللَّه ما قاله إلا الخبيث بشر فقال: أو كلما قال الغواة قصيدة ... أصموا إليها وقالوا ابن الأبيرق قالها [ (3) ] قال: فابتاع رفاعة بن زيد بن زيد بن عامر حملا من درمك من ضابطة قدمت من الشام، وإنما كان طعام الناس بالمدينة الشعير والتمر وكان الموسر منهم يبتاع من الدرمك [ (4) ] ما يخص به نفسه، فجعل عمر ذلك الدرمك في   [ (1) ] النساء: 105- 115. [ (2) ] بشر بن الحارث، وهو أبيرق بن عمرو بن حارثة بن الهيثم بن ظفر. الأنصاريّ الظفريّ، شهد أحدا هو وأخواه مبشر وبشير، فأما بشير فهو الشاعر، وكان منافقا يهجو أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وشهد مع أخيه بشر ومبشر أحدا، وكانوا أهل حاجة: فسرق بشير من رفاعة بن زيد درعه، ثم ارتد في شهر ربيع الأول من سنة أربع من الهجرة، ولم يذكر لبشر هذا النفاق واللَّه تعالى أعلم. وقد ذكر فيمن شهد أحدا مع النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم. (الاستيعاب) : 1/ 171، ترجمة رقم (188) ، (الإصابة) : 1/ 296، ترجمة رقم (656) ، ثم قال ابن عبد البرّ في ترجمة رفاعة بن زيد بن عامر رقم (775) : هو الّذي سرق سلاحه وطعامه بنو أبيرق، فتنازعوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنزلت فيبني أبيرق: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ [النساء: 106] . ثم قال: خبره هذا عند محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر عن قتادة، عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان. [ (3) ] بعد هذا البيت بيت آخر مضطرب وزنا ومعنى فحذفناه. [ (4) ] الدرمك: الدقيق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 354 مشربة وفيها درعان وسيفان وما يصلحها، فعدى عليه من بحث بالليل فنقب المشربة وأخد الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني فقال: يا ابن أخي تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا، فذهبت بطعامنا وسلاحنا؟ قال: فتحسسنا في الدار وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق واستوطروا في أبيرق في هذه الليلة، ولا نرى ذلك الأمر طعامنا، قال: وجعل بنو أبيرق ونحن نبحث ونسأل في الدار يقولون: واللَّه ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل بن الحارث بن عروة بن عبد بن رزاح بن ظفر، رجل منا له صلاح وإسلام- فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فو اللَّه ليخالطنكم هذا السيف أو لتبيننّ هذه السرقة قالوا: إليك عنا أيها الرجل، فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمى: يا ابن أخى، لو أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكرت ذلك له. قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمى رفاعة بن زيد فنقّبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه فليردّوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم سآمر في ذلك، فلما سمع بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له: أشير بن عروة، فكلموه في ذلك، واجتمع في ذلك ناس من أهل الدار فقالوا: يا رسول اللَّه، إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت. قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكلمته فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينة. قال: فرجعت ولوددت أنى خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك. فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخى ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اللَّه المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآن: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً [ (1) ] بني أبيرق وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ فما قلت لقتادة إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً* يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً* ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا*   [ (1) ] النساء: 105. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 355 وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً [ (1) ] أي لو استغفروا اللَّه لغفر لهم وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً* وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً - قولهم للبيد- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً* لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [ (2) ] . فلما نزل القرآن أتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسلاح فردّه إلى رفاعة فقال قتادة لما أتيت عمي بالسلاح- وكان شيخا قد عشا أو عسا [ (3) ]- الشك من أبي عيسى- في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولا، فلما أتيته قال: يا ابن أخي هو في سبيل اللَّه، فعرفت أن إسلامه كان صحيحا، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللَّه تعالى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً* إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً [ (4) ] . فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتينى بخير [ (5) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحرانيّ. وروى يونس بن بكير وغير واحد هذا الحديث، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلا، لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده. وقتادة بن النعمان هو أخو أبي سعيد الخدريّ لأمه. وأبو سعيد اسمه   [ (1) ] النساء: 106- 110. [ (2) ] النساء: 111- 114. [ (3) ] هو بالسين المهملة، أي كبر أسنّ من عسا القضيب إذا يبس، وبالمعجمة، أي قلّ بصره وضعف. [ (4) ] النساء: 115- 116. [ (5) ] (تحفة الأحوذي) : 8/ 313- 316، أبواب تفسير القرآن، سورة النساء، حديث رقم (3228) ، ومنه تصويب النص في (الأصل) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 356 سعد بن مالك بن سنان] [ (1) ] . والضّحاك بن خليفة الأشهليّ [ (2) ] ، وفرحان حليف بني ظفر لا يعرف نسبه   [ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) . وجاء في (ديوان حسان بن ثابت) : وكان ابن أبيرق طرح الدرعين في منزل يهودي ليبرأ منهما ويؤخذ بهما اليهوديّ، فلما أنزل اللَّه تعالى: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً، فرق النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من أن يقيم عليه الحد، فلحق بمكة، فنزل على سلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية وهي أم بني طلحة بن بني طلحة كلهم إلا الحارث بن طلحة، وقتل بنوها كلهم بأحد كفارا إلا عثمان بن طلحة، ومنه أخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مفتاح الكعبة ثم رده عليه، فقتل مسافع وكلاب والجلاس بنو طلحة يوم أحد، ومكث ابن أبيرق عند السلافة، فبلغ ذلك حسان، فهو قوله: ما سارق الدرعين إن كنت ذاكرا ... بذي كرم من الرجال أوادعه. وقد أنزلته بنت سعد فأصبحت ... ينازعها جلد استها وتنازعه. فهلا أسيدا جئت جارك راغبا ... إليه ولم تعمد له فترافعه. ظننتم بأن يخفى الّذي قد صنعتم ... وفينا نبيّ عنده الحكم واضعه. فلولا رجال منكم أن يسوءهم ... هجاى لقد حلت عليكم وطولعه. فإن تذكروا كعبا إذا ما نسيتم ... فهل من أديم ليس فيه أكارعه. هم الرأس والأذناب في الناس أنتم ... ولم تك إلا في الرءوس مسامعه. يريد بذلك بني عبد الدار. يقول: فإن انتسبتم إلي كعب بن لؤيّ فأنتم أكارع لستم فيه برءوس. كما يتضح ذلك في البيت السادس. (ديوان حسان بن ثابت) : 285- 286، مختصرا. [ (2) ] هو الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عديّ بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاريّ الأشهليّ. قال أبو حاتم: شهد غزوة بني النضير، وله ذكر، وليست له رواية. وقال أبو عمر بن عبد البر: هو ولد أبى جبيرة بن الضحاك، شهد أحدا، وعاش إلى خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. قال ابن سعد: كان مغموصا عليه، وهو الّذي تنازع هو ومحمد بن مسلمة في الساقية، فترافعا إلى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال لمحمد: ليمرن بها ولو على بطنك. وقال ابن شاهين: سمعت ابن أبي داود يقول: هو الّذي قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة ذو مسحة من جمال، زنته يوم القيامة زنة أحد. فاطلع الضحاك بن خليفة، قال: وهو الّذي اشترى نفسه من ربه بماله الّذي يدعى مال الضحاك بالمدينة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 357 ويكنى أبا الغيراق، رمي يوم أحد [ (1) ] . وزرارة بن عمير العبدري، ويقال أبو زيد [ (2) ] بن عمير، وقيل: قاسط بن شريح العبدري وقطع يد صؤاب الحبشيّ مولى بني عبد الدار. ثم رماه فقتله وكان قزمان قد امتنع من الخزرج يوم أحد حتى عيّرته النساء وقلن: إنما أنت امرأة! فأخذ سيفه وقوسه، وقاتل حيّة   [ () ] قال الحافظ: بين هذا الكلام وكلام ابن سعد بون، والّذي رأيته في (ديوان حسان) رواية أبى سعيد السكرى، وقال يهجر الضحاك بن خليفة الأشهليّ في شأن بنى قريظة، وكان أبو الضحاك منافقا، وهو جد عبد الحميد بن أبي جبيرة، فذكر شعرا: ألا أبلغ الضحاك أن عروقه ... أعيت على الإسلام أن تتجمدا. أتحب يهدان الحجاز وذينهم ... كبد الحمار ولا تحب لحمدا. وإذا نشا لك ناشئ ذو غرة ... فهّ القؤاد أمرته فتهودا. لو كنت منا لم تخالف ديننا ... وتبعت دين عتيد حين تشهدا. دينا لعمر كما يوافق ديننا ... ما استنّ آل بالبديّ وخودا. وعنيد: رجل من الأنصار تشهد عند موته شهادة الحق قبل أن يصير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة. قال الحافظ: فلعل هذا سلف ابن سعد، لكنه في والد الضحاك لا فيه. وذكر ابن إسحاق في غزوة تبوك قال: وبلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت شويكر اليهوديّ يثبطون الناس عن الغزو، فبعث طلحة في قوم من الصحابة وأمره أن يحرق عليهم البيت، ففعل، فاقتحم الضحاك بن خليفة من هر البيت فانكسرت رجله وأفلت. وقال ثمة ذلك: كادت- وبيت اللَّه- نار محمد ... يسقط بها الضحاك وابن أبيرق سلام عليكم لا أعود لمثلها ... أخاف ومن يشمل به الريح يحرق وكأنه كان كما قال ابن سعد: ثم تاب بعد ذلك وانصلح حاله. (الإصابة) : 3/ 475- 476، ترجمة رقم (4166) ، (الاستيعاب) : 2/ 741، ترجمة رقم (1249) ، (ديوان حسان بن ثابت) : 306. [ (1) ] لم أجد له نسبا ولا ترجمة ولا ذكرا فيما بين يدي من كتب السيرة. [ (2) ] في الأصل) : يزيد، وما أثبتناه من (ابن هشام) حيث قال في ذكر من قتل من المشركين يوم أحد: وأبو زيد بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، قتله قزمان. (سيرة ابن هشام) : 4/ 84. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 358 وأنفة لقومه، وجعل يقول: قاتلوا معشر الأوس عن أحسابكم، فالموت خير من العار والفرار! وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: قزمان في النار، فأثبت يوم أحد، فحمل إلى دار بين ظفر، فقيل له: أبشر أبا الفيراق بالجنة! فقد أبليت اليوم وأصابك ما ترى، فقال: أي جنة؟ واللَّه ما قاتلت إلا حمية لقومي، فلما اشتدّ به الوجع أخرج سهما من كنانته فقطع به رواهش يده فقتل نفسه، وفيه يقول صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر [ (1) ] . وأبو عامر [عبد] [ (2) ] عمرو بن صيفي [بن مالك] [ (2) ] بن نعمان بن ضبيعة بن زيد [ (3) ] وقيل: هو أبو عامر عمر بن صيفي بن زيد بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف من الأوس. وقال مكي: أصله من الروم، كان يناظر أهل الكتاب، ويميل إلى النصرانية، ويتبع الرهبانية ويألفهم، ويكثر الشخوص إلى الشام، فسمي الراهب، فلما ظهر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حسده، ففرّ إلى مكة وقاتل مع قريش يوم أحد، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا عامر الفاسق، فلما فتحت مكة لحق بهرقل هاربا إلى الروم بالشام، فمات هناك فتخاصم في ميراثه كنانة بن عبد ياليل الثقفيّ، وكان ممن حسد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فشخص إلى الشام.   [ (1) ] رواه البخاري في الجهاد، باب إن اللَّه ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وفي المغازي، باب غزوة خيبر، وفي القدر، باب العمل بالخواتيم، ورواه مسلم في الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، حديث رقم (111) راجع (جامع الأصول) : 10/ 19 وما بعدها، حديث رقم (7738) . [ (2) ] زيادة للنسب من (ابن هشام) . [ (3) ] قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن أبا عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان، أحد بني ضبيعة، وقد كان خرج حين خرج إلى مكة مباعدا لرسول اللَّه. معه خمسون غلاما من الأوس، وبعض الناس كان يقول: كانوا خمسة عشر رجلا، وكان يعد قريشا أن لو قد لقي قومه لم يختلف عليه منهم رجلان. فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش عبدان أهل مكة، فنادى: يا معشر الأوس! أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم اللَّه بك عينا يا فاسق. وكان أبو عامر يسمى في الجاهلية: الراهب، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الفاسق، فلما سمع ردهم عليه قال: أصاب قومي بعدي شرّ، ثم قاتلهم قتالا شديدا، ثم راضحهم [راماهم] بالحجارة. (سرة ابن هشام) : 4/ 13- 14 ، أبو عامر الفاسق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 359 وعلقمة بن علاثة [ (1) ] ، وكان بالشام أيضا وكان مسلما، ويقال: بل كان مشركا، ثم إنه أسلم، فحكم صاحب الروم بدمشق بسرار، أي لعامر ولكنانة ابن عبد ياليل لأنه من أهل المدر، وحرمه علقمة لأنه بدوي. وقال الهيثم بن عدي: كان أبو عامر يهم بالنّبوّة فلما ظهر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهاجر وحسده، فهرب إلي مكة فقاتل، ثم أتى الشام. وقال الواقدي [ (2) ] : هرب أبو عامر إلى مكة، وكان يقاتل مع المشركين، فلما فتحت مكة هرب إلى الطائف، فلما أسلموا هرب إلى الشام، فدفع ميراثه إلى كنانة بن عبد ياليل الثقفي [ (3) ] ، وكان ممن هرب أيضا. وذكر ابن إسحاق أن أبا عامر أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قدم المدينة قبل أن يخرج إلى مكة فقال: ما هذا الدين الّذي بعث به؟ فقال: جئت بالحنفية دين إبراهيم قال: فأنا عليها، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنك لست عليها؟ قال: بلى أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس فيها قال: ما فعلت ولكن جئت بها بيضاء نقية، قال الكاذب، أماته اللَّه طريدا غريبا وحيدا- يعرض برسول اللَّه-: أي أنك جئت بها كذلك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أجل فمن كذب فعل اللَّه تعالى   [ (1) ] كان ممن خرج مع أبي عامر الفاسق: علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب، وكنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي، فلما مات اختصما في ميراثه إلى قيصر- صاحب الروم- فقال قيصر: يرث أهل المدر أهل المدر [من يسكنون المدن] ، ويرث أهل الوبر أهل الوبر [البدو الذين يسكنون الخيام في الصحراء] ، فورث كنانة بن عبد ياليل بالمدر دون علقمة. (سيرة ابن هشام) : 3/ 128- 129. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 205. [ (3) ] هو كنانة بن عبد ياليل الثقفيّ، كان رئيس ثقيف في زمانه: قال أبو عمر: كان من أشراف ثقيف الذين قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد حصار الطائف فأسلموا، وكذا ذكره ابن إسحاق، وموسى بن عقبة، وغير واحد. وذكر المدائنيّ أن وفد ثقيف أسلموا إلا كنانة، فإنه قال: لا يرثني رجل من قريش، وخرج إلى نجران، ثم توجه إلى الروم فمات كافرا بها. ويقوى كلام المدائني ما حكاه ابن عبد البر في ترجمة حنظلة بن أبي عامر الراهب [الفاسق] : أن أبا عامر لما أقام بأرض مرغما للمسلمين وتنصر، فمات عند هرقل، فاختصم في ميراثه علقمة بن علاثة العامريّ، وكنانة بن عبد ياليل الثقفيّ إلى هرقل، فدفعه لكنانة لكونه من أهل المدر كأبي عامر. (الإصابة) : 5/ 669، ترجمة رقم (7536) ، (الاستيعاب) : 1/ 380، ترجمة رقم (549) ، 3/ 1330، ترجمة رقم (217) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 360 ذلك به فكان هو ذلك عدو اللَّه، خرج إلى مكة فلما افتتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة خرج إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام فمات بها سنة تسع، وقيل: سنة عشر من الهجرة، طريدا وحيدا غريبا [ (1) ] وابنه حنظلة العبد استشهد يوم أحد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (2) ] وذكر المعتمر بن سليمان، عن أبيه- وقد ذكر حديث الهجرة- قال: فلما عدنا المدينة لقي أبا عامر وهو يسيح في الأرض وهو الراهب، وكان يدعى الراهب من شدة تعبده وتألهه، فقال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أنت؟ قال: أنا رسول اللَّه، فقال يا محمد لقد حدّثت عنك قبل أن أراك حديثا ما أدري لعله سيكون كذلك! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما هو؟ قال: حدّثت أنك تفرق بين الاثنين، ولي ابن يقال له حنظلة، فهبه لي ولا تفرق بيني وبينه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا لست كذلك، ولكن جئتك يا أبا عامر وقومك بالهدى، والبصيرة من   [ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 128، جزاء ابن صيفي لتعريضه به صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (2) ] هو حنظلة بن أبي عامر بن صيفي بن مالك بن أمية- أو ابن صيفي بن زيد بن أمية، أو ابن صيفي بن النعمان بن مالك بن أمية- ابن ضبيعة بن زيد بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاريّ الأوسيّ، المعروف بغسيل الملائكة. وكان أبوه في الجاهلية يعرف بالراهب، واسمه عمرو، ويقال: عبد عمرو، وكان يذكر البعث ودين الحنفية، فلما بعث النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عانده وحسده وخرج عن المدينة، وشهد مع قريش وقعة أحد، ثم رجع مع قريش إلى مكة، ثم خرج إلى الروم فمات بها سنة تسع، ويقال: سنة عشر، وأعطى هرقل ميراثه لكنانة بن عبد ياليل الثقفيّ. وأسلم ابنه حنظلة فحسن إسلامه، واستشهد. لا يختلف أصحاب المغازي في ذلك. وروى ابن شاهين. بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه، قال: استأذن حنظلة بن أبي عامر، وعبد اللَّه بن أبيّ ابن سلول، رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الزبير، عن أبيه عن جده قال: كان حنظلة بن أبي عامر الغسيل التقى هو وأبو سفيان بن حرب، فلما استعلى حنظلة رآه شداد بن شعوب فعلاه بالسيف حتى قتله، وقد كاد يقتل أبا سفيان، فقل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن صاحبكم تغسله الملائكة، فاسألوا صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهيعة. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لذلك تغسله الملائكة. (الإصابة) : 2/ 137، ترجمة رقم (137) ، (الاستيعاب) : 1/ 380- 382، ترجمة رقم (549) ، (سيرة ابن هشام) : 3/ 127. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 361 العمى، فقال له أبو عامر: ليس كما تقول، فادع اللَّه على الكذاب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمات اللَّه الكذاب ضالا ذليلا تائها في الأرض. وقال حماد بن زيد: أخبرنا أيوب بن سعيد بن جبير بن بني عمرو بن عوف، ابتنوا مسجدا فصلّى بهم فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فحسدهم إخوتهم بنو غنم ابن عوف فقالوا: لو بنينا أيضا مسجدا وبعثنا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى بنا فيه كما صلّى في مسجد أصحابنا، ولعلّ أبا عامر أن يمر بنا إذا أتى من الشام فيصلّي بنا فيه كما صلّى في مسجد أصحابنا، فلما قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لينطلق إليه أتاه الوحي فنزل فيهم: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (1) ] قال: هو أبو عامر. وقال حماد بن سلمة عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه قال في هذه الآية وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ قال: كان سعيد بن حسمة بنى مسجدا فينا وكان موضعه لليلة تربط فيه حمارها فقال: أهل مسجدا النفاق أنحن نسجد في موضع يربط فيه حمار له؟ لا ولكننا نتخذ مسجدا نصلي فيه حتى يجيئنا أبو عامر فيصلي بنا فيه، وكان أبو عامر قد فرّ من اللَّه ورسوله إلى أهل مكة ثم لحق بالشام فتنصّر، فأنزل اللَّه تعالى فيه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ [ (1) ] يعني أبا عامر، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما نزل القرآن إلى ذلك المسجد قالوا: حفره قوم من المنافقين، مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعلوا يضحكون، ويلعبون، ويهربون، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بإخراجهم.   [ (1) ] التوبة: 107. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 362 طرد المنافقين من المسجد [ (1) ] فقام أبو أيوب إلي قيس بن عمر بن قيس فجرّ برجله حتى أخرجه من المسجد، وقام عمارة بن حزم إلي زيد بن عمرو وكان طويل اللحية فأخذ بلحيته فقاده بها قودا عميقا حتى أخرجه، وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى زويّ بن الحارث فأخرجوا جميعا (المرجع السابق: 56، (البداية والنهاية) 3/ 292) . ووديعة بن ثابت أحد بني عمرو بن عوف ممن بني مسجد الضرار، وهو الّذي قال: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فأنزل اللَّه عز وجل فيه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ   [ (1) ] هذا العنوان من (ابن هشام) ، حديث قال: وكان هؤلاء المنافقون في المسجد يحضرون فيستمعون أحاديث المسلمين، ويسخرون ويستهزءون بدينهم، فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس، فرآهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم، قد لصق بعضهم ببعض، فأمر بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخرجوا من المسجد إخراجا عنيفا. فقام أبو أيوب، خالد بن زيد بن كليب، إلى عمر بن قيس، أحد بني غنم بن مالك بن النجار- كان صاحب آلهتهم في الجاهلية- فأخذ برجله فسحبه حتى أخرجه من المسجد وهو يقول: أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بنى ثعلبة؟ ثم أقبل أبو أيوب أيضا إلي رافع بن وديعة أحد بنى النجار، فلببه بردائه- ثم نثره نثرا شديدا، ولطم وجهه، ثم أخرجه من المسجد، وأبو أيوب يقول له: أف لك منافقا خبيثا، أدراجك يا منافق من مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو- وكان رجلا طويل اللحية- فأخذ بلحيته فقاده قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد، ثم جمع عمارة يديه فلدمه بهما في صدره لدمة خرّ منها. قال: يقول خد شتنى يا عمارة، قال: أبعدك اللَّه يا منافق، فما أعد اللَّه لك من العذاب أشد من ذلك، فلا تقربنّ مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقام أبو محمد- رجل من بني النجار، كان بدريا- وأبو محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك النجار: إلى قيس بن عمرو بن سهل- وكان قيس غلاما شابا، وكان لا يعلم في المنافقين شاب غيره- فجعل يدفعه في قفاه حتى أخرجه من المسجد. وقام رجل من بني الخدرة بن الخزرج، رهط أبى سعيد الخدريّ يقال له: عبد اللَّه بن. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 363 لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [ (1) ] الآية. وعبد اللَّه بن أبيّ، وهؤلاء النفر هم الذين كانوا ينتسبون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول اللَّه أن اثبتوا، فنزل فيهم: لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [ (2) ] إلى قوله تعالى: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ [ (3) ] ، ولم يكن في بني عبد الأشهل منافق ولا منافقة، إلا أن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة [ (4) ] أحد بني كعب [ (5) ] كان كاتبهم بذلك. وأما اليهود من هاد يهود، إذا رجع، فسموا يهود لأنهم رجعوا عن الحق ويقال أيضا: هاد يهود. إذا رجع إلى الحق ومنه: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ [ (6) ] ويقال: سموا يهود لأنهم نسبوا إلى اليهود الناعور وقيل: لأنهم يهودون يوم السبت، أي يسكنون من هود القوم إذا هدوا فإنّهم كانوا أهل يثرب،   [ () ] الحارث حين أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بإخراج المنافقين من المسجد إلى رجل يقال له: الحارث بن عمرو- وكان ذا جمة- فأخذ بجمته، فسحبه بها سحبا عنيفا، على ما مرّ به من الأرض حتى أخرجه من المسجد، قال: يقول المنافق: لقد أغلظت يا ابن الحارث، فقال له: إنك أهل لذلك، أي عدو اللَّه لما انزل اللَّه فيك، فلا تقربنّ مسجد رسول اللَّه (ص) فإنك فإنك نجس. وقام رجل من بنى عمرو بن عوف إلى أخيه زويّ بن، فأخرجه من المسجد إخراجا عنيفا وأفف منه- قال: غلب عليك الشيطان وأمره. فهولاء من حضر المسجد يومئذ من المنافقين، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بإخراجهم. (سيرة ابن هشام) : 3/ 61- 63. [ (1) ] التوبة: 65. [ (2) ] الحشر: 11. [ (3) ] الحشر: 16. [ (4) ] في (الأصل) : «ثابت» ، وصوبناه (المرجع السابق) . [ (5) ] (جمهرة النسب) : 635، (الاشتقاق) : 343- 444. [ (6) ] الأعراف: 156، (لسان العرب) : 3/ 439. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 364 ويثرب [ (1) ] اسم رجل من العماليق، وكانوا يسمون المنازل التي ينزلونها بأسمائهم وهو يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عوض بن عبيل بن إرم بن سام بن نوح. وقيل: يثرب بن قائن بن عبيل بن مهلائيل بن عوض بن عملاق بن لاوذ بن إرم، فلما أقبلت العماليق من مكة أخرجت عبيل من يثرب وأنزلتهم الجحفة فجاءهم سيل فأجحفهم فسميت الجحفة بذلك وفي ذلك يقول رجل منهم: عيني جودا على عبيل ... وهل يرجع ما فات فيضها بانسجام عمرو يثربا وليس بها ... تعود ولا صارخ ولا ذو وسام عرسوا إليها بمجرى معين ... ثم حقوا النخيل بالأجسام ويقال سميت يثرب بيثرب بن قائن بن عبيل بن مهلائيل بن عوض بن عملاق لاوى بن إرم فلما كانت أيام بني إسرائيل، جعلت العماليق تغير عليهم من أرض الحجاز ومساكنهم يومئذ يثرب والجحفة إلى مكّة، وكانوا أهل عزّ ومنعة وشديدة وكان ساكنو يثرب منهم بنو هنب وبنو سعد، وبنو الأزرق، وبنو مطروق، فشكت بنو إسرائيل ذلك إلى موسى عليه السلام، فوجه اليهم جيشا وأمّر عليهم أن يقتلوهم، ولا يبقوا منهم أحدا، وكان ملك العماليق آنذاك الأرقم بن أبى الأرقم، يقوم   [ (1) ] قال أبو القاسم الزجاجي: يثرب مدينة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، سميت بذلك لأن أول من سكنها عند التفرق يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوض بن إرم بن سام ابن نوح عليه السلام. وقال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: من قال للمدينة يثرب فليستغفر اللَّه ثلاثا، إنما هي طيبة. وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما هاجر: اللَّهمّ إنك أخرجتنى من أحب أرضك إليّ، فأسكني أحب أرضك إليك، فأسكنه المدينة. (معجم البلدان) : 5/ 493، موضع رقم (12831) مختصرا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 365 ما بين تيماء [ (1) ] إلي فدك، ولهم بها نخل كثير وزرع فسأل بنو إسرائيل وواقعوا لهم وتركوا منهم ابن ملك لهم كان غلاما حسنا فرقوا له ثم رجعوا إلي الشام، وقد مات موسى عليه السلام فقالت بنو إسرائيل لهم: قد عصيتم وخالفتم الآباء فقالوا نرجع إلي البلاد التي غلبنا عليها فنكون بها، فرجعوا إلي يثرب فاستوطنوها وتناسلوا بها، إلي أن نزلت عليهم الأوس والخزرج بعد سيل العرم كما تقدم ذكره عند ذكر الأنصار. ويقال: بل كان نزولهم أولا من نواحي العالية [ (2) ] ، وانحدر بها الآطام والأموال والمزارع، فلبثوا في نواحيه زمانا طويلا حتى ظهرت الروم على بني إسرائيل وخرج بنو قريظة، والنضير، وبنو هذيل من يثرب ونزلوا الغابة [ (3) ] ثم تحولوا عنها لوبائها إلى عدة مواضع من نواحي يثرب والحدم [ (4) ] . ويقال: بل كان نزول اليهود بيثرب حين وطئ بخت نصّر بلادهم بالشام وخرب بيت المقدس، فحينئذ لحق من لحق منهم بالحجاز، كقريظة، والنضير، وسكنوا خيبر، ويثرب، حتى قدمت الأوس والخزرج عليهم، وكانت لهم معهم حروب ظهرت عليهم اليهود كما مر ذكره، فلما هاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاربته   [ () ] قال الكلبي: إن العماليق أخرجوا بنى عقيل، وهم إخوة عاد بن ربّ، فنزلوا الجحفة، وكان اسمها يومئذ مهيعة، فجاءهم سيل واجتحفهم، فسميت الجحفة. ولما قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة استوبأها وحمّ أصحابه، فقال اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشدّ، وصحّحها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حمّاها إلي الجحفة. وروي أن النبي (ص) ، نعس ليلة في بعض أسفاره، إذ استيقظ، فأيقظ أصحابه وقال: مرّت بي الحمى في صورة امرأة ثائرة الرأس- منطلقة إلى الجحفة. (معجم البلدان) : 2/ 129، موضع رقم (2955) . [ (1) ] تيماء- بالفتح والمد- بليد في أطراف الشام، بين الشام ووادي القرى- على طريق حاج الشام ودمشق، وهي من أمهات القرى على سبع ليال من المدينة المكرمة (معجم البلدان) : 2/ 78 موضع رقم (2736) . [ (2) ] العالية: اسم لكل ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها وعمائرها إلى تهامة في العالية. قال أبو منصور: عالية الحجاز أعلاها بلدا وأشرفها موضعا، وهي بلاد واسعة، ومن حديث عائشة (ر) : أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مات وأبو بكر بالسنح- قال إسماعيل يعنى بالعالية ذكره البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. [ (3) ] الغابة: موضع قرب المدينة من ناحية الشام، فيه أموال لأهل المدينة. قال الواقدي الغابة بريد من المدينة على طريق الشام، وصنع منبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من طرفاء الغابة، وروى محمد بن الضحاك عن أبيه قال: كان العباس بن عبد المطلب يقف على سلع جبل فينادي غلمانه وهم بالغابة فيسمعهم، وذاك من آخر الليل وبين سلع والغابة ثمانية أميال (المرجع السابق) : 206، موضع رقم (8729) مختصرا. [ (4) ] الحدم في الأصل: شدة إحماء حر الشمس للشيء، وهو اسم موضع. (معجم البلدان) : 2/ 264، موضع رقم (3552) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 366 اليهود وعادته، وحمله من كان منهم بالمدينة وخيبر، إنما هم قريظة، والنضير، وبنو القينقاع، وهذيل، إلا أن في الأوس والخزرج من تهوّد وكان من نسائهم من ستنذر إذا ولدت إن عاش ولدها أن تهوّده لأن اليهود كانوا عندهم أهل علم وكتاب في هؤلاء الأبناء الذين تهودوا، ونزلت فيهم: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ [ (1) ] حين أراد آباؤهم إكراههم على الإسلام. قال ابن إسحاق: ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العداوة بغيا، وحسدا، وضغنا، لما خصّ اللَّه تعالي العرب من أخذه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم وانضاف إليهم من رجال من الأوس والخزرج ممن كان عسا على جاهليته، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه، فظهروا بالإسلام، واتخذوه جنّة من القتل، ونافقوا في السر، وكان هواهم مع يهود لتكذيبهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وجحودهم الإسلام، وكانت أحبار يهود هم الذين يسألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويتعنتونه، ويأتونه باللبس ليلبسوا الحق بالباطل، فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه، إلا قليلا من المسائل في الحلال والحرام، وكان المسلمون يسألون عنها. فمن بني النضير حيي بن أخطب وأخوه وأبو ياسر بن أخطب وجدي بن أخطب، وفيهم وفي نظرائهم، نزل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ   [ (1) ] البقرة: 6 الجزء: 14 ¦ الصفحة: 367 [ (1) ] إلي قوله: عَذابٌ عَظِيمٌ وسلامة بن مشكم نزل عليه أبو سفيان بن حرب وقال فيه أشعارا: سقاني فرواني عقارا سلامة ... على ظمأ مني سلام بن مشكم كذلك أبو عمرو يجود وداره ... بيثرب مأوى كل أبيض حصرم وامرأة سلام هذا هي زينب بنت الحارث التي أهدت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شاة مسمومة. وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق. والربيع بن أبي الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن أبى الحقيق. وكعب بن الأشرف الطائي، من بنى نبهان حليف بني النضير وأمه عقيلة بنت أبى الحقيق، وكان أبوه أصاب دما في قومه، فأتى المدينة، وكان كعب طوالا جسيما ذا بطن وهامة ضخمة، وهو الّذي قال يوم بدر: بطن الأرض خير من ظهرها، هؤلاء ملوك الناس وسراتهم يعني قريشا قد أصيبوا، وخرج إلي مكة فنزل علي أبي وداعة بن صبرة وجعل يهجوا المسلمين، ورثى قتلي بدر، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حسان بن ثابت بهجاء من نزل كعب عنده حتى رجع المدينة. وحجاج ومجدي ابنا عمرو، حليفا كعب بن الأشرف، وأبو رافع سعد بن حنيف كان متعوذا بالإسلام، وكان أعور، قتله المسلمون بخيبر، ورفاعة بن قيس، وفنحاص، سمع قول اللَّه تعالى: وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [ (2) ] فقال: أراني أغنى من ربّ محمد حين استقرض منا فنزلت فيه: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا [ (3) ] ومحمود بن دحية، وعمرو بن جحاش، وعزيز بن أبي عزيز، ونباش بن قيس، وسعية بن عمرو، ونعمان بن أوفى، ومسكين بن أبى مسكين، وزيد بن الحارث، ورافع بن خارجة، وأسير بن زارم، ويقال: ابن رام، كان يحرض على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويبسط لسانه فيه، ثم أتي خيبر، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قتله وعدة من اليهود معه.   [ (1) ] البقرة: 7. [ (2) ] المزمل: 20. [ (3) ] آل عمران: 181، وفي (الأصل) : «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 368 ومخيريق أسلم وقاتل مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد وأعطاه ماله فوقفه ويقال: إنه من بني قينقاع. ومن بني قينقاع كنانة بن صوير أو يقال: صوريا، وزيد بن اللصيت. قال الوقدى: كان يهوديا فأسلم فنافق، وكان فيه خبث اليهود وغشهم وكان مظاهرا لأهل النفاق وهو الّذي قال: زعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وقد ضلت ناقته فليس يدرى أين هي! فدله اللَّه عليها فوجدها وقد تعلق خطامها بشجرة، ويقال: إنه تاب من النفاق، وكان خارجة بن زيد بن ثابت ينكر توبته ويقول: لم يزل فسلا حتى مات. وسويد وداعي كانا منافقين يتعوذان بالإسلام، ومالك بن أبي نوفل، كان متعوذا بالإسلام، ينقل أخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى يهود وهو حبر من أحبارهم!! ومن بني قريظة الزبير بن باطا بن وهب، وكعب بن أسد، وهو صاحب عقد بني قريظة الّذي نقض عام الأحزاب. وعزّال بن شموأل، وسهل، ويقال: شمويل بن زيد، ووهب بن زيد، وعدي بن زيد، وكردم بن كعب وأسامة بن حبيب، وقتل كردم ابن قيس حليف كعب بن الأشرف، ورافع بن رميلة، وكان متعوذا بالإسلام، وهو الّذي قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه يوم مات: لقد مات اليوم منافق عظيم النفاق. ولبيد بن أعصم، كان يتعاطى السحر، وهو الّذي سحر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم متعوذا بالإسلام، ورفاعة بن زيد بن التابوت ومعاوية بن التابوت وفيه قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه، لأنه كان نذر أن يقذّر المنبر، أو قذّره، والحارث بن عوف، وشعبة بن عمرو البصري. ومن بني حارثة ومن بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس بن شيبة: كنانة بن صوريا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 369 ومن بني عبد الأشهل يوشع وكان سيّر بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما بعث آمن به بنو عبد الأشهل سواء، وفيه وفي صريانه نزل: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ إلى قوله تعالى: وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ ومن بني ثعلبة بن الفطيون عبد اللَّه بن صوريا الأعور ولم يكن بالحجاز في زمانه أحد أعلم بالتوراة منه وذكر النقاش أنه أسلم، وابن صلوبا، ويقال: كان مخيريق منهم، وكان حبرهم أسلم. ومن بني قينقاع أيضا سعد بن حنيف بن سنحان، وعبد اللَّه صف ورفاعة بن قيس وفنحاص، وأشيع ونعمان بن آصا، وساس بن قيس وساس بن عدي وزيد بن الحارث، ونعمان بن عمرو، ومسكين بن أبى مسكين، وعدي بن زيد، ونعمان بن أبي أوفى، وو محمود بن دحية، ومالك بن أصيف، وكعب بن راشد، وعازر، ورافع بن أبي، رافع، وخلد، وآزار بن أبى أزار، ويقال: أزر بن أبي أزر، ويقال: آزر بن أبي أزر، ورافع بن حارثة، ورافع بن حريملة، ورافع بن خارجة، ومالك بن عوف. ومن بني قريظة أيضا جبل بن عمرو بن سكينة، والنحام بن زيد، ونافع بن أبى نافع، وأبو نافع وكردم بن زيد، وأسامة بن حبيب، وجبل بن أبي قشير، ووهب بن يهوذا. قال ابن إسحاق- وقد ذكر عدة ممن أوردت- ذكر هاهنا تتمة مفيدة وهي: إن قال قائل: لم قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المنافقين إسلامهم مع علمه بنفاقهم؟ قيل له: قبلهم عليه الصلاة والسلام لحكم منها: استجلاب من عاداهم من الكفار، وتأليف قلوبهم، وإيثار لعدم تنافر خواطرهم عنه، ومنها: الترجي الجزء: 14 ¦ الصفحة: 370 لدخول أهل النفاق في الإسلام حقيقة، وذلك أنهم إذا دخلوا في الإسلام ظاهرا رأوا أدلته وبراهينه، وشاهدوا محاسنة مشاهدة لم تكن تحصل لهم مع عداوتهم للإسلام أصلا، فربما قادهم ذلك إلى الإخلاص في إيمانهم، ومنها: أنهم قد تولد لهم في الإسلام أولاد، فيكون ذلك راغبا لإسلامه على الحقية، وهذا يشاهد في ذرية من أسلم في زماننا. وقيل للإمام مالك- رحمه اللَّه-: لم يقتل الزنديق، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يقتل المنافقين وقد عرفهم؟ فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لو قتلهم بعلمه فيهم وهم يظهرون الايمان لكان ذلك ذريعة إلي أن يقول الناس: يقتلهم للضغائن، أو لما شاء اللَّه تعالى غير ذلك، فيمتنع الناس من الدخول في الإسلام. وقد روى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه عوتب في المنافقين فقال: لا يتحدث الناس أنى أقتل أصحابى. فصل في ذكر من سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو آذاه أو تنقصه أو وقع فيه خرج أبو داود من حديث عباد بن موسى الختّليّ، أخبرنا إسماعيل بن جعفر المدني عن إسرائيل، عن عثمان الشحام، عن عكرمة، قال: حدثنا ابن عباس، أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها. فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجمع الناس فقال: أنشد اللَّه رجلا فعل ما فعل، لي عليه حق إلا قام، فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه أنا صاحبها: كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر، ولى منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 371 فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فجعلته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا اشهدوا أن دمها هدر. وخرجه الحاكم من حديث إسرائيل به نحوه وقال: حديث صحيح الإسناد. وقال ابن الكلبي: وعمير بن عدي بن خرشة القارئ، ناصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت امرأة هجت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتاها فقتلها في منزلها وقال ابن عبد البر: عمير الخطميّ القاري من بني خطمه من الأنصار، وكان أعمى كانت له أخت تشتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتلها فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبعدها اللَّه. قال المؤلف: هذا هو الّذي ذكره ابن الكلبي، فإن عمير بن عدي بن خرشة من بني خطمة وهو عبد اللَّه بن جشم بن مالك بن دوس. ولأبي داود من طريق جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن يهودية كانت تشتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دمها. وخرج الشيبانيّ من حديث شعبة، عن نبيح العنزي، عن عبد اللَّه بن قدامة ابن عنزة، عن أبي برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل الصديق فقلت: أقتله، فانتهرني وقال: ليس هذا لأحد بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ومن حديث يزيد بن زريع، حدثنا يونس بن عبيد، عن حميد بن هلال، عن عبد اللَّه بن مطرف بن الشخير، عن أبي برزة الأسلمي أنه قال: كنت عند أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتغيظ على رجل فاشتد عليه، فقلت تأذن لي يا خليفة رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أضرب عنقه؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام فدخل فأرسل إليّ فقال: ما الّذي قلت آنفا؟ قلت: ائذن لي اضرب عنقه، قال: أكنت فاعلا لو أمرتك؟ قلت: نعم، قال: لا واللَّه، ما كانت لبشر بعد محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم وله عنده طرفا أخر. وقال محمد بن سهل: سمعت عليّ بن المديني يقول: دخلت على أمير الجزء: 14 ¦ الصفحة: 372 المؤمنين فقال لي: أتعرف حديثا مسندا فيمن سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيقتل؟ قلت: نعم، فذكرت له حديث عبد الدار، عن معمر، عن سماك بن الفضل، عن عروة بن محمد، عن رجل ممن لقيني قال: كان رجل يشتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من يلقني عدوا لي فقال خالد بن الوليد: أنا، فبعثه إليه فقتله فقال أمير المؤمنين ليس هذا بسند، أهو عن رجل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين بهذا تعرف هذا الرجل، وقد بايع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو معروف، فأمر لي بألف دينار، قال ابن حزم: هذا صحيح يدين به من كفر من سب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كل كفر شرك، وكل شرك كفر وهما اسمان شرعيان أوقعهما اللَّه تعالى على معنى واحد، ونقلهما عن موضوعهما في اللغة إلى كل من أنكر شيئا من دين الإسلام يكون بإنكاره معاندا للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد بلوغ النذارة. وقال الشيخ تقى الدين أبو الفتح السبكى وإيذاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم موجب القتل بدليل الحديث، فذكره، ثم قال: وهو حديث صحيح ولكن الأذى على قسمين: أحدهما: يكون فاعله قاصدا لأذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا شك أن هذا يقتضي القتل وهذا كأذى عبد اللَّه بن أبيّ في قصة الافك، فالإجماع منعقد على أنه كفر، فلذلك يستحق القتل، ولكن الحق للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فله تركه. والآخر: لا يكون فاعله قاصدا لأذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، مثل كلام مسطح، وحمنة في الافك، فهذا لا يقتضي قتل، قال: ومن الدليل على أن الأذى لا بد أن يكون مقصودا، قوله تعالى: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ وهذه الآية نزلت في ناس صالحين من الصحابة فلم يقتض ذلك الأذى كفر، وكل معصية فاعلها مؤذ ومع ذلك فليس بكفر فالتفصيل في الأذى الّذي ذكرناه يتعين. قال: الاستهزاء به صلّى اللَّه عليه وسلّم كفرا، قال اللَّه تبارك وتعالى قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ. قال أبو عبيد القاسم بن سلام: فمن حفظ سطر بيت مما هجى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فهو كفر وقد ذكر بعض من الجزء: 14 ¦ الصفحة: 373 السلف في الإجماع، إجماع المسلمين على تحريم رواية ما هجى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال ابن المنذر: ولا أعلم أحدا يوجب القتل دون عدة من الناس، وكذلك إذا كان مقصودا سواء كان الأذى حقيقيا أو غير حقيقي ولا شيء من قصد أو أذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم محتمل، بل كله كفر موجب للقتل، للحديث الّذي قال: من يكفي عدوى؟ فانتدب له خالد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والأشهر أنه كفر للآية الكريمة، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: من سبّ نبيا فاقتلوه، وإن يتب فهو عمدة في أن قتله جدا لا يسقط بالتوبة، كما يقوله المالكي، لكن هذا الحديث لا نعلمه إلا بالإسناد المذكور، يعنى من طريق ذكرها القاضي عياض، عن الدارقطني، فذكره عن عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة، حدثنا عبد اللَّه بن موسى ابن جعفر، عن على بن موسى، عن أبيه، عن جده محمد بن على بن الحسين عن أبيه، عن الحسين بن على، عن أبيه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من سب نبيا فاقتلوه ومن سب أصحابه فاضربوه، قال فلم يظهر لنا من حاله شيء فلا يصح الاحتجاج بعمومه، وجعل مناط القتل من غير توبة ولا استتابة، وإن تاب هذا إنما يصحّ لو صحّ الحديث وذلك الوقت يحتمل أن يقال: إنه مشروط معدوم التوبة، وإذا لم يصح فالقول بعدم التوبة لا ينتهى الكلام فيه، فإن الجانبين خطران. قال المؤلف: وقد رأيت أن أورد ما للفقهاء والمالكية في هذه المسألة، وأحكى كلام القاضي الفقيه أبى الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي رحمه اللَّه في كتاب (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) صلّى اللَّه عليه وسلّم قال القاضي عياض: وقد تقدم من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ما يجب من الحقوق للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وما يتعين له من بر وتوقير وتعظيم وإكرام وبحسب هذا حرم اللَّه تعالى أذاه في كتابه وأجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه، قال اللَّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً وقال عز وجل وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وقال تبارك وتعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً وقال جل وعلا في تحريم الجزء: 14 ¦ الصفحة: 374 التعريض له يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا الآية وذلك أن اليهود كانوا يقولون: راعنا يا محمد أي ارعنا سمعك واسمع منا ويعرضون بالكلمة يريدون الرعونة، فنهى اللَّه تعالى المؤمنين عن التشبه بهم، وقطع الذريعة بنهي المؤمنين عنها لئلا يتوصل بها الكافر والمنافق إلى شبه الاستهزاء به وقيل: بل لما فيها من مشاركة اللفظ لأنها عند اليهود بمعنى اسمع لا سمعت، وقيل: بل لما فيها من قلة الأدب وعدم توقير النبي صلى اللَّه عليه وسلم وتعظيمه لأنه في لغة الأنصار بمعني ارعنا نرعك، فنهوا عن ذلك مضمنه إذ أنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم واجب الرعاية بكل حال، وهذا هو قول صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أنهى عن التكني بكنيته فقال: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، صيانة لنفسه وحماية عن أذاه إذا كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم استجاب لرجل نادى: يا أبا القاسم، فقال لم أعنك إنما دعوت هذا فنهى صلّى اللَّه عليه وسلّم حينئذ عن التكني بكنيته لئلا يتأذى بإجابة دعوة غيره ممن لم يدعه، ويجد بذلك المنافقون والمستهزءون ذريعة إلى أذاه والإزراء به فينادونه، فإذا التفت قالوا: إنما أردنا هذا لسواه، تعنيتا له واستخفافا بحقه على عادة المجان والمستهزءين، فحمى صلّى اللَّه عليه وسلّم حمى أذاه بكل وجه فحمل محققو العلماء نهية عن هذا على مدة حياته وأجازوه بعد وفاته، لارتفاع العلة قال: وقد روى أنس ما يدل على كراهة التسمي باسمه وتنزيهه عن ذلك إذا لم يوقر فقال: يسمون أولادكم محمدا ثم تلعنوهم!! وروى أن عمر كتب إلى أهل الكوفة: لا يسمى أحد باسم الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم حكاه أبو جعفر الطبري. وحكى محمد بن سعد أن عمر نظر إلى رجل اسمه محمد ورجل يسبه ويقول: فعل اللَّه بك يا محمد وصنع، فقال عمر لابن أخيه محمد بن زيد بن الخطاب: آلا أرى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم يسب بك واللَّه لا تدعى محمدا ما دمت حيا وسماه عبد الرحمن، وأراد أن يمنع لهذا أن يسمى أحد بأسماء الأنبياء، إكراما بذلك وغير أسماءهم، وقال لا تسموا بأسماء الأنبياء، ثم أمسك، قال والصواب جواز هذا كله بعده صلّى اللَّه عليه وسلّم بدليل إطباق الصحابة على ذلك وقد سمى جماعة منهم ابنه محمدا وكناه بأبي القاسم. قال: اعلم أن جميع من سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو الجزء: 14 ¦ الصفحة: 375 نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض أو شبّهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير بشأنه أو الغض منه، والعيب له، فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب يقتل ولا يستثنى فصلا من فصول هذا الباب على هذا المقصد ولا يمترى فيه تصريحا كان أو تلويحا، وكذلك من لعنه أو دعا عليه أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور أو غيره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه أو غمصة ببعض العوارض البشرية الجائزة المعهودة لديه، وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة عنهم إلى هلم جرّا. قال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم أن من سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقتل وممن قال ذلك مالك بن أنس والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعيّ رحمة اللَّه تبارك وتعالى عليهم، قال القاضي: هو مقتضى قول أبي بكر الصديق ولا تقبل توبته عند هؤلاء وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلمين لكنهم قالوا: هي ردة وروى مثله الوليد بن مسلم عن وحكى الطبري مثله عن أبى حنيفة وأصحابه فيمن ينقصه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو بريء منه أو كذبة. قال سحنون فيمن سبه: ذلك ردة كالزندقة ولعل هذا أوقع الخلاف في استتابته وتكفيره وهل قتله حد أو كفر لا يعلم خلافا في استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره وأشار بعض الظاهرية وهو أبو محمد على بن أحمد الفارسيّ إلى الخلاف في تكفير المستخف به والمعروف ما قدمناه. قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء أن شاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المنتفص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب اللَّه تعالى له، وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر. احتج إبراهيم بن حسين بن خالد الفقيه في مثل هذا بقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة لقوله عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: صاحبكم. قال أبو سليمان الخطابي: لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في قتله إذا كان مسلما. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 376 قال ابن القاسم عن مالك في (كتاب ابن سحنون) و (المبسوط) و (العتبية) : وحكاه مطرف عن مالك في (كتاب ابن حبيب) من سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسلمين قتل ولم يستتب قال أبو القاسم في (العتبية) : من سبه أو شتمه أو عابه أو تنقصه، فإنه يقتل وحكمة عند الأمة القتل كالزنديق، وقد فرض اللَّه تعالى توقيره وبره صلّى اللَّه عليه وسلّم. وفي (المبسوط) عن عثمان بن كنانة: من شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسلمين قتل أو صلب حيا ولم يستتب، والإمام مخير في صلبه حيا أو قتله. ومن رواية أبي المصعب وابن أبى أويس، سمعنا مالكا يقول: من سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو شتمه أو عابه أو تنقصه قتل، مسلما كان أو كافرا، ولا يستتاب. وفي (كتاب محمد) : أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو غيره من البشر من مسلم أو كافرا قتل ولم يستتب. وقال أصبغ: قتل على كل حال، أسر ذلك أو أظهره، ولا يستتاب، لأن توبته لا تعرف. وقال عبد اللَّه بن الحكم: من سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسلم أو كافرا قتل ولم يستتب. وحكى الطبري مثله عن مالك. وقال بعض علمائنا: أجمع العلماء على أن من دعي على نبي من الأنبياء بالويل أو بشيء من المكروه أنه يقتل بلا استتابة. وأفتى أبو الحسن القابسي فيمن قال في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الحمال يتيم أبى طالب، بالقتل. وأفتى أبو محمد بن أبى زيد بقتل رجل سمع قوما يبكون يتذاكرون صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذ مرّ بهم رجل قبيح الوجه واللحية فقال لهم: تريدون تعرفون صفته؟ هي صفة هذا الماشي في خلقة ولحيته! قال: ولا تقبل توبته. وقد كذب لعنه اللَّه، وليس يخرج هذا من قلب سليم الإيمان. قال أحمد بن أبى سليمان صاحب سحنون: من قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أسود يقتل. وقال في رجل قيل له: لا وحقّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: فعل اللَّه برسول اللَّه كذا وذكر كلاما قبيحا فقيل له: ما تقول يا عدو اللَّه؟ فقال: أشد من كلامه الأول، ثم قال: إنما أردت برسول اللَّه العقرب، فقال ابن أبى سليمان للذي سأله: أشهد عليه، وأنا شريكك، يريد في قتله وثواب ذلك. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 377 قال حبيب بن الربيع: لأن إعادة التأويل في لفظ صراح لا يقبل، لأنه امتهان وهو غير معزر لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا موقر له فوجب إباحة دمه. وأفتى أبو عبد اللَّه بن عتاب في عشّار قال لرجل: أدّ واشتك إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إن سألت أو جهلت فقد جهل، وسأل النبي بالقتل. وأفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقي الطليطلي وصلبه بما شهد عليه به من استخفافه بحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم، وختن حيدرة، وزعمه أن زهده لم يكن قصدا، ولو قدر على الطيبات أكلها، إلى أشباه لهذا، وأفتى فقهاء القيروان وأصحاب سحنون بقتل إبراهيم الفزاري، وكان شاعرا متفننا في كثير من العلوم وكان ممن يحضر مجلس القاضي أبى العباس ابن أبى طالب للمناظرة، فرفعت عليه أمور منكرة من هذا الباب في الاستهزاء باللَّه وأنبيائه ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم فأحضر له القاضي يحيى بن عمر وغيره من الفقهاء وأمر بقتله وصلبه فطعن بالسكين وصلب منكسا ثم أنزل وأحرق بالنار. حكى بعض المؤرخين: أنه لما رفعت خشبته وزالت عنها الأيدي استدارت وحولته عن القبلة فكان آية للجميع، وكبرّ الناس، وجاء كلب فولغ في دمه، فقال يحيى بن عمر: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر حديثا عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: لا يلغ الكلب في دم مسلم. وقال القاضي أبو عبد اللَّه بن المرابط: من قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هزم يستتاب، فإن تاب وإلا قتل لأنه ينتقصه. إذ لا يجوز ذلك عليه في خاصته صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ هو على بصيرة من أمره، ويعلن عن عصمته. وقال حبيب بن ربيع القروي: مذهب مالك وأصحابه: أن من قال فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما فيه نقص قتل دون استتابة، وقال ابن عتاب: الكتاب والسنة موجبان أن من قصد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأذى أو نقص معرضا أو مصرحا وإن قلّ فقتله واجب. فهذا الباب كله مما عده العلماء سبا وتنقصا يجب قتل قائله، لم يختلفوا في ذلك، متقدمهم ولا متأخرهم، وإن اختلفوا في حكم قتله، وكذلك أقول: حكم من غمصه أو غيره برعاية الغنم، أو السهو، أو النسيان، أو السحر، أو ما أصابه من جرح، أو هزيمة لبعض جيوشه، أو أذى من عدوه، أو شدة من زمنة أو بالميل إلى نسائه، فحكم هذا كله بمن قصد به نقصه، القتل. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 378 فصل في الحجة في إيجاب قتل من سبه أو عابه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمن القرآن لعنته تعالى لمؤذيه في الدنيا والآخرة. وقرانه تعالى أذاه بأذاه ولا خلاف في قتل من سب اللَّه تعالى وأن اللعن إنما يستوجبه من هو كافر، وحكم الكافر القتل، فقال تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً. [ (1) ] وقال في قاتل المؤمن بمثل ذلك فمن لعنته في الدنيا القتل، قال اللَّه تعالى: مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [ (2) ] . وقال في المحاربين وذكر عقوبتهم: ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا [ (3) ] وقد يقع القتل بمعنى اللعن في الدنيا والآخرة ولأنه الفرق بين أذاهما وأذى المؤمنين في ما دون القتل من الضرب والنكال فكان حكم من يؤذى اللَّه تعالى ونبيه أشد من ذلك وهو القتل، وقال عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (4) ] فسلب اسم الإيمان عمن وجد في صدره حرجا من قضائه ولم يسلم له، ومن تنقصه فقد ناقض هذا. وقال تبارك وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [ (5) ] ولا يحبط العمل إلا الكفر، والكافر يقتل. قال تبارك وتعالى: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [ (6) ] ثم قال: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ [ (7) ] وقال عز وجل: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ [ (8) ] ثم قال: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [ (9) ] وقال جل وعلا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ [ (10) ] قال أهل التفسير: كفرتم بقولكم في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.   [ (1) ] الأحزاب: 57. [ (2) ] الأحزاب: 61. [ (3) ] المائدة: 33. [ (4) ] النساء: 65. [ (5) ] الحجرات: 2. [ (6) ] المجادلة: 8. [ (7) ] المجادلة: 58. [ (8) ] التوبة: 61. [ (9) ] التوبة: 61. [ (10) ] التوبة: 61. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 379 وأما الإجماع فقد ذكرناه، وأما الآثار فقد ذكر حديث من سبّ نبيا فاقتلوه، وفي الحديث الصحيح: أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل كعب بن الأشرف، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: من لكعب بن الأشرف فإنه يؤذى اللَّه تعالى ورسوله، ووجه إليه من قتله غيلة دون دعوة، بخلاف غيره من المشركين، وعلل بأذاه له، فدل أن قتله إياه لغير الإشراك، بل للأذى. وكذلك قتل أبا رافع، قال البراء: وكان يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويعيش عليه وكذلك أمره يوم الفتح بقتل ابن خطل وجاريتيه اللتين كانتا تغنيان في سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي حديث آخر: أن رجلا كان يسبه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من يكفيني عدوى؟ فقال خالد: أنا فبعثه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتله، وكذلك أمر بقتل جماعة منهم ممن كان يؤذية من الكفار ويسبه كالنضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط، وعهد بقتل جماعة منهم قبل الفتح وبعده فقتلوا إلا من بادر بإسلامه قبل القدرة عليه. وقد روى البزار عن ابن عباس قال: إن عقبة بن أبي معيط نادى: يا معشر قريش ما لي أقتل من بينكم صبرا، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بكفرك وافترائك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذكر عبد الرزاق أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سبه رجل فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال الزبير: أنا، فبارزه، فقتله الزبير. وروي أيضا أن امرأة كانت تسبه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من يكفيني عدوي؟ فخرج إليها خالد بن الوليد فقتلها، ويروى أن رجلا كذب على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فبعث علي والزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- إليه ليقتلاه، وروى ابن قانع أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! سمعت أبى يقول فيك قولا قبيحا فقتلته، فلم يشق ذلك على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبلغ المهاجر بن أبي أمية أمير اليمن لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن امرأة هناك في الردة غنت بسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقطع يدها ونزع ثنيتها، فبلغ أبا بكر ذلك فقال له: لولا ما فعلت لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود. وعن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: هجت امرأة من خطمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من لي بها؟ فقال رجل من قومها: أنا يا رسول اللَّه، فنهض فقتلها، فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: لا ينتطح فيها عنزان. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 380 وعن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن أعمى كانت له امرأة تسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتشتمه فقتلها، وأعلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك فأهدر دمها. وذكر حديث أبي برزة الأسلميّ. وقال القاضي أبو محمد بن نصر ولم يخالف عليه فاستدل الأئمة بهذا الحديث على قتل من أغضب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بكل ما أغضبه أو أذاه أو سبه. ومن ذلك كتاب عمر بن عبد العزيز- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى عامله بالكوفة، وقد استشاره في قتل رجل سب عمر فكتب عمر: إنه لا يحل قتل امرئ يسب أحد من الناس إلا رجلا سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمن سبه فقد حل دمه. وسأل الرشيد مالكا في رجل شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بجلده، فغضب مالك وقال: يا أمير المؤمنين! ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها؟ من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جلد. قال القاضي أبو الفضل: كذا وقع في هذه الحكاية رواها غير واحد من أصحاب مناقب مالك ومؤلفي أخباره، وغيرهم، ولا أدري من هؤلاء الفقهاء بالعراق الذين أفتوا الرشيد بما ذكر؟ فقد ذكرنا مذهب العراقيين بقتله ولعلهم ممن لم يشهر بعلم أو من لا يوثق بفتواه، أو يميل به هواه، أو يكون ما قاله يحمل على غير السب، فيكون الخلاف: هل هو سب أو غير سب؟ أو يكون رجع وتاب عن سبه فلم يقله لمالك على أصله، وإلا فالإجماع على قتل من سبه كما قدمناه. ويدل على قتله من جهة النظر والاعتبار من سبه أو نقّصه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد ظهرت علامة مرض قلبه، وبرهان سر طويته وكفره، ولهذا ما حكم عليه كثير من العلماء بالردة وهي رواية الشاميين عن مالك والأوزاعي، وقول الثوري وأبي حنيفة والكوفيين. والقول الآخر: أنه دليل على الكفر فيقتل حدا، وإن لم يحكم له بالكفر إلا أن يكون متماديا على قوله غير منكر له، ولا يقلع عنه، فهذا كافر. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 381 وقوله إما صريح كفر كالتكذيب ونحوه، أو من كلمات الاستهزاء والذم فاعترافه بها، وترك توبته عنها دليل استحلاله لذلك وهو كفر أيضا، فهذا كافر بلا خلاف، قال تعالى في مثله: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ [ (1) ] قال أهل التفسير: هي قوله: إن كان ما يقول محمد حق لنحن شر من الحمير. وقيل بل قول بعضهم: ما مثلنا أو مثل محمد إلا قول القائل: سمن كلبك يأكلك لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [ (2) ] وقد قيل: إن قائل مثل هذا إن كان مستترا به فإن حكمه حكم الزنديق يقتل، ولأنه غير دينه، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم من غير دينه فاضربوا عنقه، ولأن حكم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحرمة مزية على أمته، وساب الحر من أمته يحد، فكانت العقوبة لمن سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم القتل، لعظيم قدره، وشفوف منزلته على غيره. فإن قلت: فلم لم يقتل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اليهودي الّذي قال له: السام عليكم؟ وهذا دعاء عليه، ولا قتل الآخر الّذي قال له: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه اللَّه، وقد تأذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك؟ وقال: قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر، ولا قتل المنافقين الذين كانوا يؤذونه في أكثر الأحيان؟ فاعلم وفقنا اللَّه وإياك أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أول الإسلام يستألف عليه الناس، ويستميل قلوبهم إليه ويحبب إليهم الإيمان، ويزينه في قلوبهم، ويدارئهم ويقول لأصحابه: إنما بعثتم مبشرين ولم تبعثوا منفرين، ويقول: يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا ويقول: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يداري الكفار والمنافقين، ويجمل صحبتهم، ويفضي عنهم ويحتمل من أذاهم، ويصبر على جفائهم، ما لا يجوز لنا اليوم الصبر لهم عليه وكان يرفقهم بالعطاء والإحسان، وبذلك أمره اللَّه تعالى، فقال: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ (3) ] قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ   [ (1) ] التوبة: 74. [ (2) ] المنافقون: 8. [ (3) ] المائدة: 13. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 382 عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [ (1) ] وذلك لحاجة الناس للتألف أول الإسلام، وجمع الكلمة عليه، فلما استقر، وأظهره اللَّه تعالى على الدين كله قتل من قدر عليه واشتهر أمره كفعله بابن خطل، ومن عهد بقتله يوم الفتح، ومن أمكنه قتله غلبة من يهود وغيرهم، أو غلبة ممن لم ينتظمه قبل سلك صحبته، والانخراط في جملة مظهر الإيمان به، ممن كان يؤذيه، كابن الأشراف وأبي رافع والنضر، وعقبة، وكذلك ندر دم جماعة سواهم، ككعب بن زهير، وابن الزبعري، وغيرهما ممن أذاه حتى ألقوا بأيدهم ولقوة مسلمين، وبواطن المنافقين مستترة، وحكمه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الظاهر، وأكثر تلك الكلمات إنما كان يقولها القائل منهم خفية، ومع أمثاله، ويحلفون عليها إذا نميت وينكرونها ويَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ [ (2) ] وكان مع هذا يطمع في فيئتهم ورجوعهم إلى الإسلام وتوبتهم فيصبر صلّى اللَّه عليه وسلّم على هناتهم وجفوتهم كما صبر أولو العزم من الرسل، وفاء كثير منهم باطنا وظاهرا وأخلص سرا كما أظهر جهرا ونفع اللَّه بعد بهم وقام منهم للدين، وزراء، وأعوان، وحماة، وأنصار، كما جاءت به الأخبار. وبهذا أجاب بعض أئمتنا عن هذا السؤال، وقال: لعله لم يثبت عنده صلّى اللَّه عليه وسلّم من أقوالهم ما رفع، وإنما نقله الواحد، ومن لم يصل رتبة الشهادة في هذا الباب من صبي أو عبد أو امرأة، والدماء لا تستباح إلا بعدلين، وعلى هذا يحمل أمر اليهودي في السلام، وأنهم لووا به ألسنتهم ولم يبينوه، ألا ترى كيف نبهت عليه عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-؟ ولو كان صرح بذلك لم ينفرد بعلمه، ولهذا نبه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه على فعلهم، وقلة صدقهم في سلامهم، وخيانتهم في ذلك ليا بألسنتهم، وطعنا في الدين، فقال: إن اليهود إذا سلّم أحدهم فإنما يقول: السام عليكم، فقولوا: وعليكم وكذلك قال بعض أصحابنا البغداديين: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يقتل المنافقين بعلمه فيهم ولم يأت أنه قامت بينة على نفاقهم فلذلك تركهم، وأيضا فإن الأمر كان سرا وباطنا، وظاهرهم الإسلام والإيمان، وإن كان من أهل الذمة بالعهد والجوار   [ (1) ] فصلت: 34. [ (2) ] التوبة: 74. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 383 والناس قريب عهدهم بالإسلام لم يتميز بعد الخبيث من الطيب، وقد شاع عن المذكورين في العرب كون من يتهم بالنفاق من جملة المؤمنين، وصحابة سيد المرسلين، وأنصار الذين يحكم بظاهرهم، فلو قتلهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم لنفاقهم وما يبدر منهم، وعلمه بما أسروا في أنفسهم، لما وجد المعاند ما يقول، ولا ارتاب الشارد، وأرجف المعاند، وارتاع من صحبة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، والدخول في الإسلام غير واحد ولزعم الزاعم وظن العدو الظالم أن القتل إنما كان للعداوة وطلب أخذ الترة، وقد رأيت معنا ما حررته منسوبا إلى مالك بن أنس، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، وقال: أولئك الذين نهاني اللَّه تعالى عن قتلهم، وهذا بخلاف إجراء الأحكام الظاهرة عليهم من حدود الزنا، والقتل، وشبهه، لظهورها، واستواء الناس في علمها. وقال القاضي أبو الحسن بن القصار: وقال قتادة في تفسير قوله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا. مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا. سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [ (1) ] قال: معناه إذا أظهروا النفاق. وحكى محمد بن مسلمة في (المبسوط) عن زيد بن أسلم قال: إن قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ* [ (2) ] نسخها ما كان قبلها، وقال بعض مشايخنا: علل القائل: هذه قسمة ما أريد وجه اللَّه، وقوله: اعدل، لم يفهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم منه الطعن عليه، والتهمة له، وإنما رآها من وجه الغلط في الرأي، وأمور الدنيا، والاجتهاد، وفي مصالح أهلها، فلم ير ذلك سبا، ورأى أنه من الأذى الّذي كان له العفو عنه، والصبر عليه، فلذلك لم يعاقبه. وكذلك يقال في اليهود إذا قالوا: السام عليكم، ليس في صريح سبّ ولا دعاء إلا بما لا بد منه من الموت الّذي لا بد من لحاقه جميع البشر. وقيل: بل المراد، تسأمون، دينكم والسآمة الملال، وهذا دعاء على سآمة الدين، ليس   [ (1) ] الأحزاب: 60- 62. [ (2) ] التحريم: 9. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 384 بصريح سب، وبهذا ترجم البخاري على هذا الحديث: باب إذا عرّض الذميّ أو غيره بسب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وقال بعض علمائنا: ليس هذا بتعرض بالسب، وإنما هو تعرض بالأذى. قال القاضي عياض: الأذى والسب في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم سواء، قال القاضي أبو محمد بن نصر مجيبا عن هذا الحديث ببعض ما تقدم، ثم قال ولم يذكر في الحديث هل كان هذا اليهودي من أهل العهد والذمة أو الحرب، ولا يترك موجب الأدلة المحتملة كله، والأظهر من هذه الوجوه مقصد الاستئلاف والمداراة على الدين، لعلهم يؤمنون. ولذلك ترجم البخاري على حديث القسمة والخوارج باب: من ترك قتال الخوارج للتألف ولئلا ينفر الناس عنه، وقد صبر لهم صلّى اللَّه عليه وسلم على سحره، وسمه، وهو أعظم من سبه، إلى أن نصره اللَّه تعالى عليهم وأذن له في قتل من عينه منهم، وإنزالهم من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب، وكتب على من شاء منهم الجلاء، وأخرجهم من ديارهم، وخرب بيوتهم بأيديهم، وأيدي المؤمنين وكاشفهم بالسب فقال: يا إخوة القردة والخنازير، وحكم فيهم سيوف المسلمين، وأجلاهم من جوارهم، فإن قتله فقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما انتقم لنفسه في شيء يؤثر إليه قط إلا أن تنتهك حرمة اللَّه فينتقم للَّه. فاعلم أن هذه لا تقتضي أنه لم ينتقم ممن سبه أو آذاه وكذبه، وأن هذه من حرمات اللَّه التي انتقم لها، وإنما يكون ما لا ينتقم له فيما تعلق بسوء أدب أو معاملة من القول والفعل، بالنفس والمال، مما لم يقصد فاعله به أذاه، ولكن مما جبلت عليه الأعراب من الجفاء، والجهل، أو جبل عليه البشر من السفه، كجبذ الأعرابي بإزاره حتى أثر في عنقه، وكرفع صوت الآخر عنده، وكجحد الأعرابي في شرائه منه فرسه التي شهد فيها خزيمة بن ثابت وكما كان من تظاهر زوجيه عليه، وأشباه هذا مما يحسن الصفح عنه، أو يكون هذا مما أذاه به كافر، وجاء بعد ذلك إسلامه كعفوه عن اليهودي الّذي سحره، وعن اليهودية التي سمته، وعن الأعرابيّ الّذي أراد قتله. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 385 الوجه الثاني: لاحق به في البيان والجلاء، وهو أن يكون القائل، لما قال في جهته صلّى اللَّه عليه وسلّم غير قاصد للسب والإزراء، ولا معتقد له، ولكنه تكلم في جهته صلّى اللَّه عليه وسلّم بكلمة الكفر من لعنه، أو سبه، أو تكذيبه أو إضافة ما لا يجوز عليه، أو نفى ما يجب له مما هو في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم نقيصه، مثل أن ينسب إليه إتيان كبيرة أو مداهنة في تبليغ الرسالة، أو في حكم بين الناس، أو بعض من مرتبته، أو شرف نسبه، وفور علمه، أو يكذب بما استمر من أمور أخبر بها صلّى اللَّه عليه وسلّم وتواتر الخبر بها عنه قصد لرد خبره أو يأتى نسقه من القول، وقبيح من الكلام ونوع من السب في جهته، وإن ظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ولم يقصد سبه أو لجهالة جملته على ما قاله لضجر أو سكر اضطره إليه، أو قلة مراقبة، وضبط للسانه وعجرفة وتهور في كلامه، فحكم هذا الوجه حكم الوجه الأول: القتل دون تلعثم، إذ لا يعذر أحد في الكفر بالجهالة، ولا بدعوى زلل اللسان ولا بشيء مما ذكرناه إذا كان عقله في فطرته سليما إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [ (1) ] وبهذا أفتى الأندلسيون على ابن حاتم في نفيه الزهد عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي قدمناه. وأفتى أبو الحسن القابسي في من شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سكره: يقتل لأنه يظن به أنه يعتقد هذا ويفعله في صحوة، وأيضا فإنه حد لا يسقطه السكر كالقذف، والقتل وسائر الحدود لأنه أدخله على نفسه، لأن من شرب الخمر على علم من زوال عقله بها وإتيان ما ينكر فهو كالعامد لما يكون بسبه، وعلى هذا ألزمناه الطلاق، والعتاق، والقصاص، والحدود، لا يعترض على هذا بحديث حمزة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقوله للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل أنتم إلا عبيد لأبي قال فعرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه ثمل فانصرف، لأن الخمر كانت حينئذ غير محرمه، فلم يكن في جناياتها إثم، وكان حكم ما يحدث عنها معفوا عنه، كما يحدث من النوم، وشرب الدواء المأمون. الوجه الثالث: أن يقصد إلى تكذيبه فيما قاله، وأتى به، أو ينفي نبوته أو رسالته، أو وجوده، أو يكفر به، انتقل بقوله ذلك إلى دين آخر غير ملته أم لا، فهذا كافر بإجماع يجب قتله، ثم ينظر، فإن كان مصرحا بذلك كان   [ (1) ] النحل: 106. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 386 حكمت أشبه بحكم المرتد، وقوى الخلاف في استتابته وعلى القول الآخر لا يسقط القتل عنه بتوبته لحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن كان ذكره بنقيصة فيما قاله من كذب أو غيرة، وإن كان متسترا بذلك فحكمه حكم الزنديق لا يسقط قتله بالتوبة عندنا كما سنبينه. قال ابن القاسم: دعا إلى ذلك: سرا أو جهرا. وقال أصبغ: وهو كالمرتد لأنه قد كفر بكتاب اللَّه مع الفرية على اللَّه، وقال أشهب في يهودي تنبأ أو زعم أنه أرسل إلى الناس، أو قال: بعد نبيكم نبي، إنه يستتاب إن كان معلنا بذلك فإن تاب وإلا قتل، وذلك لأنه مكذب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فهو كافر جاحد، وقال: من كذب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان حكمه عند الأمة القتل، وقال أحمد بن أبى سليمان صاحب سحنون: من قال إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أسود، لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن صلّى اللَّه عليه وسلّم بأسود. وقال نحوه: أبو عثمان الحداد: قال: لو قتل لأن هذا نفى، وقال حبيب بن ربيع: تبديل صفته ومواضعه كفر والمظهر له كافر، وفيه الاستتابة الوجه الرابع: أن يأتى من الكلام بمجمل أو بلفظ من القول بمشكل يمكن حمله على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو غيره، أو يتردد في المراد به من سلامته من المكروه أو شره. فهاهنا متردد النظر وحيرة العبر ومظنة اختلاف المجتهدين ووقعه استبراء المقلدين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينه، فمنهم من غلب حرمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وحمى عرضه، فجسر على القتل، ومنهم من عظم حرمة الدم ودرء الحد بالشبهة لاحتمال القول، وقد اختلف أئمتنا في رجل أغضبه غريمه، فقال له: صل على النبي محمد فقال له الطالب: لا صلّى اللَّه على من صلّى عليه، فقيل لسحنون: هل هو كمن شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ أو شتم الملائكة الذين يصلون عليه؟ قال: لا، إذا كان على ما وصفت من الغضب لأنه لم يكن مضمرا الشتم. ذهب الحارث بن مسكين القاضي وغيره في مثل هذا إلى القتل، وتوقف أبو الحسن القابسي في قتل رجل قال: كل صاحب فندق قرنان ولو كان نبيا مرسلا! فأمر بشده بالقيود والتضييق عليه حتى يستفهم بالبينة من جملة ألفاظه وما يدل على مقصده، هل أراد أصحاب الفنادق الآن! فمعلوم أنه ليس الجزء: 14 ¦ الصفحة: 387 فيهم نبي مرسل، فيكون أمره أخف، قال: ولكن ظاهر لفظه العموم لكل صاحب فندق من المتقدمين والمتأخرين، وقد كان فيمن تقدم من الأنبياء والرسل من اكتسب المال. قال: ودم المسلم لا يقدم عليه إلا بأمر بين، وما ترد إليه التأويلات لا بد من إمعان النظر فيه، هذا معنى كلامه. وحكى عن محمد بن أبي زيد فيمن قال: لعن اللَّه العرب، ولعن اللَّه بني إسرائيل، ولعن اللَّه بني آدم وذكر أنه لم يرد الأنبياء وإنما أراد الظالمين منهم، أن عليه الأدب بقدر اجتهاد السلطان، وكذلك أفتى فيمن قال: لعن اللَّه من حرم المسكر وقال: لم أعلم من حرمه وفيمن لعن، حديث لا يبيع حاضر لباد، ولعن من جاء به أنه إن كان يعذر بالجهل وعدم معرفة السنن، فعليه الأدب الوجيع وذلك أن هذا لم يقصد بظاهر حاله سب اللَّه، ولا سب رسوله، وإنما لعن من حرمه من الناس، على نحو فتوى سحنون وأصحابه في المسألة المتقدمة، ومثل هذا يجري في كلام سفهاء الناس، من قول بعضهم لبعض: يا ابن ألف خنزيرة، وابن مائة كلب، وشبهه من هجر القول، ولا شك أنه يدخل في مثل هذا العدد من آبائه وأجداده جماعة من الأنبياء، ولعل بعض هذا العدد منقطع إلى آدم عليه السلام فينبغي الزجر عنه ويتبين ما جهل قائله منه، وشدة الأدب فيه، ولو علم أنه قصد سب من في آبائه من الأنبياء على علم لقتل. وقد يضيق القول في نحو هذا لو قال لرجل هاشمي «: لعن اللَّه بنى هاشم، وقال أردت الظالمين منهم، أو قال لرجل من ذرية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم تكن قرينة في المسألتين تقتضي تخصيص بعض آبائه، وإخراج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ممن سبه منهم، وقد كان اختلف شيوخنا فيمن قال لشاهد شهد عليه بشيء ثم قال: تتهمني، فقال له الآخر: الأنبياء يتهمون فكيف أنت؟ وكان شيخنا أبو إسحاق بن جعفر يرى قتله لبشاعة ظاهر اللفظ، وكان القاضي أبو محمد بن منصور يتوقف عن القتل لاحتمال اللفظ عنده، أن يكون خبرا عمن اتهمهم من الكفار، وأفتى فيها قاضي قرطبة أبو عبد اللَّه بن الحاج بنحو من هذا، وشدد القاضي أبو محمد تصفيده وأطال سجنه، ثم استخلفه بعد على تكذيب ما شهد به عليه أو دخل الجزء: 14 ¦ الصفحة: 388 في شهادة بعض من شهد عليه، وشاهدت شيخنا القاضي أبا عبد اللَّه بن عيسى أيام قضائه، أتى برجل هاتر رجلا اسمه محمد، ثم قصد إلى كلب فضربه برجله، وقال له: قم يا محمد، فأنكر الرجل أن يكون قال ذلك وشهد عليه، ومن ثم أطلقه لفيف من الناس، فأمر به إلى السجن وتقصى عن حاله وهل يصحب من يستراب بدينه؟ فلما لم يجد ما يقوى الريبة باعتقاده، ضربه بالسوط وأطلقه. الوجه الخامس: أن لا يقصد بقصد ولا يذكر عيبا ولا سبا ولكنه ينزع بذكر بعض أوصافه أو يستشهد ببعض أحواله صلّى اللَّه عليه وسلّم الجائزة عليه في الدنيا على طريق ضرب المثل، والحجة لنفسه أو لغيره، أو على التشبه به، أو عند هضيمة نالته، أو لغضاضة لحقته، لنفسه أو لغيره، أو على سبيل التمثيل، وعدم التوقير لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو قصد الهزل، والتنذير بقوله كقول القائل: إن قيل في السوء فقد قيل في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أو إن كذبت فقد كذب الأنبياء أو إن أذنبت فقد أذنبوا وأنا أسلم من ألسنة الناس لم يسلم منهم أنبياء اللَّه ورسوله، أو قد صبرت كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، أو كصبر أيوب، أو قد صبر نبي اللَّه عن عداه، وحلم عليّ أكثر مما صبرت، وكقول المتنبي: أنا في أمة تداركها اللَّه ... غريب كصالح في ثمود ونحوه من أشعار المتعجرفين في القول المتساهلين في الكلام، كقول المعري: كنت موسى وافته بنت شعيب ... غير أن ليس فيكما فقير على أن آخر البيت شديد، وداخل في باب الإزراء والتحقير بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وتفضيل حال غيره عليه. وكذلك قوله: لولا انقطاع الوحي بعد محمد ... قلنا محمد بأبيه بديل هو مثله في الفضل إلا أنه ... لم يأته برسالة جبريل فصدر البيت الثاني في هذا الفصل شديد، لتشبيه غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فضله، والعجز محتمل لوجهين، أحدهما: أن هذه الفضيلة نقصت الممدوح، والآخر الجزء: 14 ¦ الصفحة: 389 استغناؤه عنها، وهذه أشد ونحو منه قول الآخر: وإذا ما رفعت راياتها ... صفقت بين جناحي جبرين وقول الآخر من أهل العصر: فر من الخلد واستجار بنا ... فصبر اللَّه قلب رضوان كقول حسان المصيصي من شعراء الأندلس في محمد بن عباد المعروف بالمعتمد ووزيره أبي بكر بن زيدون: كأن أبا بكر أبو بكر الرضى ... وحسان حسان وأنت محمد إلى أمثال هذا. وإنما أكثرنا بشاهدها مع استثقالنا حكايتها، لتعرف أمثلتها، ولتساهل كثير من الناس في ولوج هذا الباب الضنك، واستخفافهم فادح في هذا العبء وقلة علمهم بعظيم ما فيه من الوزر وكلامهم فيه بما ليس لهم به علم، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [ (1) ] ، لا سيما الشعراء، وأشدهم فيه تصريحا، وللسانه تسريحا، ابن هانئ الأندلسي [ (2) ] وأبي سليمان المغربي، بل قد خرج كثير من كلامهم إلى حد الاستخفاف، والنقص، وصريح الكفر. قال: فإن هذه كلها، وإن لم تتضمن سبا ولا أضافت إلى الملائكة والأنبياء نقصا ولست أعنى عجزي بيتي المعري، ولا قصد قائلها إزراء وغضبا، فما وقر النبوة، ولا عظم الرسالة، ولا عزر حرمة الاصطفاء، ولا عزر حظوة الكرامة، حتى شبه من شبه في كرامة نالها، أو معرة قصد الانتفاء منها، أو ضرب مثل لتطييب مجلسه، أو إغلاء في وصف لتحسن كلامه بمن عظم اللَّه تعالى خطره، وشرف قدره، وألزم توقيره وبره، ونهى عن جهر القول له، ورفع الصوت عنده، فحق هذا إن دري عنه القتل، الأدب والسجن، وقوة تعزيره، بحسب شنعة مقاله، ومقتضى قبح ما نطق به، ومألوف عادته لمثله، أو ندوره، وقرينة كلامه، أو ندمه على ما سبق منه، ولم يزل المتقدمون ينكرون   [ (1) ] النور: 15. [ (2) ] هو أبو نواس. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 390 مثل هذا ممن جاء به، وقد أنكر الرشيد على أبي نواس قوله: فإن يك باق سحر فرعون فيكم ... فإن عصا موسى بكف خصيب قال له: يا بن اللخناء، أنت المستهزئ بعصا موسى؟ وأمر بإخراجه عن عسكره من ليلته. وذكر القتبي: أن مما أخذ عليه أيضا أو كفر به أو قارب، قوله في محمد الأمين، تشبيهه إياه بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حيث قال: تنازع الأحمدان الشبه فاشتبها ... خلقا كما قد الشراكان وقد أنكروا أيضا قوله: كيف لا بد فيك من أمل ... من رسول من نفره لأن حق الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وموجب تعظيمه، وأناقة منزلته، أن يضاف إليه ولا يضاف، فالحكم في أمثال هذا ما بسطناه في طريق الفتيا على هذا المنهج جاءت فتيا إمام مذهبنا مالك بن أنس وأصحابه، ففي (النوادر) من رواية ابن أبي مريم عنه في رجل عيّر رجلا بالفقر، فقال: تعيرني بالفقر وقد رعى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الغنم؟ فقال مالك: قد عرض بذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في غير موضعه، أرى أن يؤدب، قال: ولا ينبغي لأهل الذنوب إذا عوتبوا أن يقولوا: قد أخطأت الأنبياء قبلنا. وقال عمر بن عبد العزيز- رحمه اللَّه- لرجل: انظر لنا كاتبا يكون أبوه عربيا، فقال كاتب له: قد كان أبو النبي كافرا! فقال: جعلت هذا مثلا؟ فعزله وقال: لا تكتب لي أبدا، وقد كره سحنون أن يصلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند التعجب إلا على طريق الثواب والاحتساب توقيرا له وتعظيما كما أمرنا اللَّه تعالى. وسأل القابسيّ عن رجل قال لرجل قبيح: كأنه وجه نكير، ولرجل عبوس: كأنه وجه مالك الغضبان! فقال أبي شيء أراد بهذا؟ ونكير أحد فتاني القبر، وهما ملكان، فما الّذي أراد؟ أروع دخل عليه حين رآه من وجهه؟ أم خاف النظر إليه لدمامة خلقه؟ قال: فإن قال هذا فهو شديد لأنه جرى مجرى الجزء: 14 ¦ الصفحة: 391 التحقير والتهوين، فهو أشد عقوبة، وليس فيه تصريح بالسب للملك، وإنما السبّ واقع على المخاطب، وفي الأدب بالسوط والسجن نكال للسفهاء. قال وأما ذكر مالك وخازن النار فقد جفا الّذي ذكره عند ما أنكر حاله من عبوس الآخر، إلا أن يكون المعبس له يد فمرهب الملك بعبسته، فيشبه القائل على طريق الذم لهذا في فعله ولزومه في ظلمه صفة لمالك الملك لربه في فعله، فيقول: كأنه للَّه يغضب مالك فيكون أخف، وما كان ينبغي له التعرض لمثل هذا، ولو كان أثنى على العبوس بعبسته، واحتج بصفة مالك كان أشد، ويعاقب المعاقبة الشديدة، وليس في هذا ذم للملك على قصد ذمه يقتل. وقال أبو الحسن أيضا في شاب معروف بالخير، قال لرجل شيئا، فقال له: اسكت فإنك أمي، فقال الشاب: أليس كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أميا؟ فشنع عليه مقاله، وكفره الناس، وأشفق الشاب مما قال، وأظهر الندم عليه، فقال أبو الحسن: أما إطلاق الكفر عليه فخطأ، لكنه مخطئ في استشهاده فصفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أميا آية له، وكون هذا أميا نقيصة فيه، وجهالة، ومن جهالته احتجاجه بصفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولكنه إذا استغفر وتاب واعترف ولجأ إلى اللَّه فيترك، لأن قوله لا ينتهى إلى حدّ القتل وما طريقه الأدب، فطوع فاعله بالندم عليه يوجب الكف عنه. ونزلت أيضا مسألة استفتى فيها بعض قضاه الأندلس شيخنا القاضي أبا محمد بن منصور- رحمه اللَّه- في رجل تنقصه آخر بشيء فقال له: إنما تريد نقصي بقولك وأنا بشر، وجميع البشر يلحقهم النقص، حتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم! فأفتاه بإطالة سجنه وإيجاع أدبه، إذ لم يقصد السب، وكان بعض فقهاء الأندلس أفتى بقتله. الوجه السادس: أن يقول القائل ذلك حاكيا عن غيره، وآثرا له عن سواه، فهذا ينظر في صورة حكايته، وقرينة مقالته، ويختلف الحكم باختلاف ذلك على أربعة وجوه: الوجوب، والندب، والكراهة، والتحريم، فإن كان أخبر به على وجه الشهادة، والتعريف بقائله، والإنكار والإعلام بقوله، والتنفير منه، والتجريح له: فهذا مما ينبغي امتثاله ويحمد فاعله. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 392 وكذلك إن حكاه في كتاب أو في مجلس على طريق الرد له والنقص على قائله، والفتيا بما يلزمه، وهذا منه ما يجب، ومنه ما يستحب، بحسب حالات الحاكي لذلك، والمحكي عنه، فإنه كان القائل لذلك ممن تصدى لأن يؤخذ عنه العلم، أو رواية الحديث، أو يقطع بحكمه، أو شهادته، أو فتياه في الحقوق، وجب على سامعه الإشادة بما سمع منه، والتنفير للناس عنه والشهادة عليه بما قاله، ووجب على من بلغه ذلك من أئمة المسلمين إنكاره وبيان كفره، وفساد قوله، لقطع ضرره عن المسلمين، وقياما بحق سيد المرسلين صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكذلك إن كان ممن يعظ العامة، أو يؤدب الصبيان، فإن من هذه سريرته لا يؤمن على إلقاء ذلك في قلوبهم، فيتأكد في هؤلاء الإيجاب لحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولحق شريعته. وإن لم يكن القائل بهذه السبيل فالقيام بحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واجب، وحماية عرضه متعين، ونصرته على الأذى حيا وميتا، مستحق على كل مؤمن، ولكنه إذا قام بهذا من ظهر به الحق وفصلت به القضية، وبان به الأمر، سقط عن الباقي الفرض، وبقي الاستحباب في تكثير الشهادة، والتحذير منه. وقد أجمع السلف على بيان حال المتهم في الحديث، فكيف، بمثل هذا؟ وقد سئل أبو محمد بن أبي زيد عن الشاهد يسمع مثل هذا في حق اللَّه تعالى أيسعه أن يؤدي شهادته؟ قال: إن رجا نفاذ الحكم بشهادته فليشهد، وكذلك إن علم أن الحاكم لا يرى القتل بما يشهد به ويرى الاستتابة والأدب فليشهد، ويلزمه ذلك، وأما الإباحة لحكاية قوله لغير هذين المقصدين، فلا أرى لها مدخلا في هذا الباب، فليس التفكه بعرض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والتمضمض بسوء ذكره لأحد لا ذاكرا ولا آثرا لغير غرض شرعي بمباح، وأما للأغراض المتقدمة فمتردد بين الإيجاب والاستحباب، وقد حكى اللَّه تعالى مقالات المفترين عليه وعلى رسله في كتابه على وجه الإنكار لقولهم، والتحذير من كفرهم، والوعيد عليه، والرد عليهم بما تلاه اللَّه علينا في محكم كتابه، وكذلك وقع من أمثاله في أحاديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصحيحة على الوجوه المتقدمة، وأجمع السلف والخلف من أئمة الهدى على حكايات مقالات الكفرة والملحدين الجزء: 14 ¦ الصفحة: 393 في كتبهم ومجالسهم، ليبيّنوها للناس، وينقضوا شبهها عليهم وإن كان ورد لأحمد بن حنبل رحمه اللَّه إنكار لبعض هذا على الحارث بن أسد، فقد صنع أحمد مثله في رده على الجهمية، والقائلين بالمخلوق، وهذه الوجوه السابقة الحكاية عنها، وأما ذكرها على هذا من حكاية سبه صلى اللَّه عليه وسلم والإزراء بمنصبه على وجه الحكايات والأسمار والطرف، وأحادث الناس، ومقالاتهم في الغث والسمين، ومضاحك المجان، ونوارد السخفاء، والخوض في قيل وقال: وما لا يعني، فكل هذا ممنوع وبعضه أشد في المنع والعقوبة من بعض، فما كان من قائله الحاكي له على غير قصد أو معرفة بمقدار ما حكاه أو يكن الكلام من البشاعة حيث هو ولم يظهر على حاكيه استحسانه واستصوابه، ونهى عن العودة إليه، وإن قوّم ببعض الأدب فهو مستوجب له، وإن كان لفظه من البشاعة حيث هو كان الأدب أشدّ. وقد حكي أن رجلا سأل مالكا رحمه اللَّه عمن يقول: القرآن مخلوق، فقال مالك: كافر فاقتلوه، فقال إنما حكيته عن غيري. فقال مالك: إنما سمعناه منك، وهذا من مالك- رحمه اللَّه- على طريق الزجر والتغليظ بدليل أنه لم ينفذ قتله، وإن أتاهم هذا الحاكي فيما حكاه أنه اختلقه ونسبه إلى غيره، أو كانت تلك عادة له، أو ظهر استحسانه لذلك، أو كان مولعا بمثله، والاستخفاف له، أو التحفظ لمثله، وطلبه، ورواية أشعار هجوه صلى اللَّه عليه وسلم، وسبّه، فحكم هذا حكم الساب نفسه، يؤاخذ بقوله، ولا ينفعه نسبته إلى غيره، فيبادر بقتله، وتعجل إلى الهاوية أمه. وقد قال أبو عبيد القاسم بن سلام في من حفظ شطر بيت مما هجي به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: فهو كفر، وقد ذكر بعض من ألف في الإجماع، إجماع المسلمين على تحريم رواية ما هجي به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وكتابته، وقراءته، وتركه متى وجد دون محو. ورحم اللَّه أسلافنا المتقين المحرزين لدينهم، فقد أسقطوا من أحاديث المغازي والسير ما كان هذا سبيله، وتركوا روايته، إلا أشياء ذكروها يسيرة وغير مستبشعة على نحو الوجوه الأول، ليروا نقمة اللَّه من قائلها، وأخذه المفترى عليه بذنبه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 394 الوجه التاسع: أن يذكر ما يجوز على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو يختلف في جوازه عليه وما يطرأ من الأمور البشرية به، ويمكن إضافتها إليه، أو يذكر ما امتحن به وصبر في ذات اللَّه تعالى على شدته من مقاساة أعدائه، وأذاهم له ومعرفة ابتداء حاله وسيرته، وما لقيه من بؤس زمنه، ومر عليه من معاناة عيشه، كل ذلك على طريق الرواية ومذاكرة العلم ومعرفة ما صحت منه العصمة للأنبياء وما يجوز عليهم، فهذا من خرج عن هذه الفنون الستة، إذ ليس فيه غمص ولا نقص، ولا إزراء ولا استخفاف ولا في ظاهر اللافظ ولا في مقصد اللفظ، لكن يجب أن يكون الكلام فيه مع أهل العلم، وفهم طلبة الدين ممن يفهمون مقاصده، ويحققون فوائده ويجنب ذلك من عساه لا يفقه، أو يخشى به فتنته، فقد كره بعض السلف تعليم النساء سورة يوسف، لما انطوت عليه من تلك القصص، لضعف معرفتهن، ونقص عقولهنّ وإداركهن، فقد قال صلّى اللَّه عليه وسلّم مخبرا عن نفسه باستئجاره لرعاية الغنم في ابتداء حاله، فقال: ما من نبي إلا وقد رعى الغنم. وأخبرنا اللَّه تعالى بذلك عن موسى عليه السلام، وهذا لا غضاضة فيه جملة واحدة، لمن ذكره على وجهه، بخلاف من قصد به الغضاضة والتحقير بل كانت عادة جميع العرب ترى في ذلك للأنبياء حكمة بالغة، وتدريج للَّه تعالى إلى كرامته وتدريب برعايتها لسياسة أممهم من خليقته، بما سبق لهم من الكرامة في الأزل، ومتقدم العلم، وكذلك ذكر اللَّه تعالى يتمه وعيلته على طريق المنة عليه، والتعريف بكرامته له، فذكر الذاكر لها على وجه تعريف حاله والخبر عن مبتدئه، والتعجب من منح اللَّه تعالى قبله، وعظيم منته عنده، ليس فيه غضاضة بل فيه دلالة على نبوته، وصحة دعوته، إذ أظهره اللَّه تعالى بعد هذا على صناديد العرب ومن ناوأه من أشرافهم، شيئا فشيئا، ونمى أمره حتى قهرهم، وتمكن من ملك مقاليدهم، واستباحة ممالك كثير من الأمم غيرهم، بإظهار اللَّه، تعالى له، وتأييده بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم، وإمداده بالملائكة المسومين، ولهذا قال هرقل حين سأل أبا سفيان عنه: هل في آبائه من ملك؟ ثم قال: ولو كان في آبائه ملك لقلنا رجل يطلب ملك أبيه! وإذا آليتم من صفته وإحدى علاماته في الكتب المتقدمة، وأخبار الأمم الجزء: 14 ¦ الصفحة: 395 السالفة، وكذا وقع ذكره في كتاب أرمياء، وبهذا وصفه ابن ذي يزن لعبد المطلب، وبحيرا لأبي طالب. وكذلك إذا وصف بأنه أميّ كما وصفه اللَّه تعالى به، فهي مدحة له، وفضيلة ثابتة فيه، وقاعدة معجزته، إذ معجزته العظمى من القرآن العظيم إنما هي متعلقة بطريق المعارف والعلوم، مع ما منح صلّى اللَّه عليه وسلّم وفضل به من ذلك، ووجود مثل ذلك من رجل لم يقرأ، ولم يكتب ولم يدارس، ولا قن، ومقتضى العجب! ومنتهى العبر، ومعجزة البشر، وليس في ذلك نقيصه إذ المطلوب من الكتابة والقراءة والمعرفة إنما هي آله لها واسطة موصّلة إليها غير مرادة في نفسها فإذا حصلت الثمرة والمطلوب استغنى عن الواسطة والسّبب. والأمية في غيره نقيصة، لأنها سبب الجهالة وعنوان الغباوة فسبحان من باين أمره من أمر غيره وجعل شرفه فيما فيه محطة سواه، وحياته فيما فيه هلاك من عداه، ففي شق قلبه وإخراج حشوته، كان تمام حياته، وغاية قوة نفسه، وثبات روعه، وهو فيمن سواه منتهى هلاكه وحتم موته وفنائه، وهلم جرّا، إلى سائر ما روي من أخباره وسيره وتقلّله من الدنيا من الملبس، والمطعم والمركب، وتواضعه، ومهنته نفسه في أموره. وخدمة بيته، زهدا ورغبة عن الدنيا، وتسوية بين حقيرها وخطيرها، لسرعة فناء أمورها، وتقلب أحوالها كل هذا من فضائله، ومآثره، وشرفه فمن أورد شيئا منها مورده، وقصد بها مقصده. ورحم اللَّه مالكا، فلقد كره التحدث بمثل ذلك من الأحاديث الموهمة للتشبيه، والمشكلة المعنى، وقال: ما يدعو الناس إلى التحدث بمثل هذا؟ فقيل له: إن ابن عجلان يحدث بها، فقال: لم يكن من الفقهاء، ليت الناس وافقوه على ترك الحديث بها، وساعدوه على طيها، فأكثرها ليس تحته عمل، وقد حكى عن جماعة من السلف بل عنهم على الجملة أنهم كانوا يكرهون الكلام فيما ليس تحته عمل، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أوردها قوما عربا يفهمون كلام العرب على وجهه وتصرفاتهم في حقيقته، ومجازه، واستعارته، وبليغة وإيجازه، فلم تكن في حقهم مشكلة، ثم جاء من غلبت عليه العجمة وداخلته الأمية، فلا يكاد يفهم الجزء: 14 ¦ الصفحة: 396 من مقاصد العرب إلا نصها وصريحها، ولا يتحقق إشاراتها إلى غرض الإيجاز، ووحيها وتبليغها، وتلويحها، فتفرقوا في تأويلها شذر مذر، من آمن منهم ومن كفر. فأما ما لا يصح من هذه الأحاديث فواجب أن لا يذكر منها شيء في حق اللَّه تعالى ولا في حق أنبيائه، ولا يتحدث بها ولا يتكلف الكلام على معانيها، والصواب طرحها، وترك الشغل بها، إلا أن يذكر على وجه التعريف بأنها ضعيفة المفاد، واهية الإسناد، وقد أنكر الأشياخ على أبي بكر بن فورك تكلفه في مشكله الكلام على أحاديث ضعيفة موضوعة لا أصل لها، أو منقولة عن أهل الكتاب الذين يلبسون الحق بالباطل، كان يكفيه طرحها ويغنيه على الكلام عليها التنبيه على ضعفها، إذ المقصود بالكلام على مشكل ما فيها، أزال اللبس بها واجتثاثها من أصلها وطرحها، أكشف للبس، وأشفى للنفس. قال: ومما يجب على المتكلم فيما يجوز على النبي وما لا يجوز والمذاكر أن يلتزم في كلامه عند ذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر تلك الأحوال الواجبة من توقيره وتعظيمه، ويراقب حال لسانه، ولا يهمله وتظهر عليه علامات الأدب عند ذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا ذكر ما قاساه من الشدائد ظهر عليه الإشفاق والغيظ على عدوه، ومودة الفداء للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم والنصرة له لو أمكنه، وإذا أخذ في أبواب العصمة وتكلم على مجاري أعماله وأقواله صلّى اللَّه عليه وسلّم، يجرى أحسن اللفظ، وأدب العبارة ما أمكنه، وهجر من العبارة ما يقبح كلفظة الجهل، والكذب، والمعصية. فإذا تكلم في الأقوال قال: هل يجوز عليه الخلف في القول والإخبار بخلاف ما وقع سهوا أو غلطا؟ ونحوه من العبارة ويتجنب لفظه الكذب جملة واحدة، وإذا تكلم على العلم قال: هل يجوز أن لا يعلم إلا ما علم؟ وهل يمكن أن لا يكون عنده علم من بعض الأشياء حتى يوحى إليه؟ ولا يقول بجهل لقبح اللفظ وبشاعته، وإذا تكلم في الأفعال قال: هل يجوز منه المخالفة في بعض الأوامر والنواهي ومواقعة الصغائر؟ فهو أولى وأدب من قوله: هل يجوز أن يعصي أو يذنب؟ أيفعل كذا وكذا من أنواع المعاصي؟ فهذا من حق توقيره صلّى اللَّه عليه وسلّم وما يجب له من تعزيز وإعظام. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 397 قال: وإذا كان مثل هذا بين الناس مستعملا في آدابهم وحسن معاشرتهم وخطابهم ومطالبهم، فاستعماله في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوجب، والتزامه آكد، فجودة العبارة تفج الشيء أو تحسنه، وتحريرها وتهذيبها يعظم الأمر أو يهونه، ولهذا قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن من البيان لسحرا. فأما ما أورده على جهة النفي عنه والتنزيه فلا حرج في تسريح العبارة وتصريحها فيه، كقوله: لا يجوز عليه الكذب جملة ولا إتيان الكبائر بوجه، ولا الجور في الحكم على حال ولكن مع هذا يجب ظهور توقيره، وتعظيمه، وتعزيزه عند ذكره مجردا، فكيف عند ذكر مثل هذا؟ قال في حكم سابّه، وشانئه، ومنتقصه ومؤذيه: وعقوبته أن مشهور مذهب مالك وأصحابه وقول السلف وجمهور العلماء قبله حدا لا كفرا إن أظهر التوبة منه ولهذا لا يقبل عندهم توبته، لا تنفعه استقالته ولا فيأته فيه، وحكمه حكم الزنديق، ومسّر الكفر، وسواء كانت توبته على هذا بعد القدرة عليه، والشهادة على قوله، أو جاء تائبا من قبل نفسه، لأنه حد واجب لا تسقطه التوبة. قال أبو الحسن القابسي: إذا أقر بالسب وتاب منه وأظهر التوبة قتل بالسب لأنه هو حده. قال القاضي عياض: وهذا قول أصبغ، ومسألة سابّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقوى، لا يتصور فيها الخلاف على الأصل لأنه حق متعلق للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ولأمته بسببه لا تسقطه التوبة كسائر حقوق الآدميين، والزنديق إذا تاب بعد القدرة عليه فعند مالك والليث وإسحاق وأحمد لا تقبل توبته، وعند الشافعيّ تقبل، واختلف فيه عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وحكى ابن المنذر عن علي بن أبى طالب يستتاب، وقال محمد بن سحنون: ولم يزل القتل عن المسلم بالتوبة من سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنه لم ينتقل من دين إلى غيره، وإنما فعل شيئا حده عندنا القتل لا عفو فيه لأحد كالزنديق، لأنه لم ينتقل من ظاهر إلى ظاهر. وقال القاضي أبو محمد بن نصر محتجا لسقوط اعتبار توبته: والفرق بينه وبين من سبّ اللَّه تعالى على مشهور القول باستتابته أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بشر، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 398 والبشر جنس تلحقهم المعرة إلا من أكرمه اللَّه تعالى بنبوته، والبارئ تعالى منزه عن جميع المعايب قطعا، وليس من جنس تلحق المعرة بجنسه، وليس سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم كالارتداد المقبول فيه التوبة، لأن الارتداد معنى ينفرد به المرتد لا حق فيه لغيره من الآدميين، فقبلت توبته ومن سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تعلق فيه حق لآدميّ فكان كالمرتد ويقتل حين ارتداده، أو يقذف، فإن توبته لا تسقط عنه حدّ القتل والقذف. وأيضا فإن توبة المرتد إذا قبلت لا تسقط ذنوبه من زنا وسرقة وغيرها ولم يقتل سابّ النبي لكفره لكن لمن يرجع إلى تعظيم حرمته، وزوال المعرّة به، وذلك لا تسقطه التوبة. قال القاضي عياض: يريد- واللَّه أعلم- أن سبّه لم يكن بكلمة تقتضي الكفر، ولكن بمعنى الإزراء أو الاستخفاف أو لأن بتوبته وإظهار إنابته ارتفع عنه اسم الكفر ظاهرا، واللَّه تعالى أعلم بسريرته، وبقي حكم السب عليه. وقال أبو عمران القابسيّ: من سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ارتد عن الإسلام قتل، ولم يستتب، لأن السبّ من حقوق الآدميين التي لا تسقط عن المرتد. قال القاضي عياض: وكلام شيوخنا هؤلاء مبني على القول بقتله حدا لا كفرا وهو يحتاج إلى تفصيل، وأما على رواية الوليد بن مسلم، عن مالك ومن وافقه على ذلك ممن ذكرناه، وقال به من أهل العلم، فقد حرروا أنه ردة، قالوا: ويستتاب منها، فإن تاب نكل به، وإن أبى قتل، فحكم بحكم المرتد مطلقا في هذا الوجه الأول أشهر وأظهر لما قدمناه. ونحن نبسط الكلام فيه فنقول: من لم يره ردة فهو يوجب القتل وفيه حدا، وإنما نقول ذلك مع فصلين، إما مع إنكاره ما شهد عليه به، أو إظهاره الإقلاع والتوبة عنه، فنقتله حدا لثبات كلمة الكفر عليه في حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتحقيره ما عظم اللَّه تعالى من حقه، وأجرينا حكمه في ميراثه وغير ذلك حكم الزنديق إذا ظهر عليه، وأنكر أو تاب. فإن قيل: فكيف تثبتون عليه الكفر ويشهد عليه بكلمة الكفر ولا تحكمون الجزء: 14 ¦ الصفحة: 399 عليه بحكمه من الاستتابة وتوابعها؟ قلنا: نحن وإن أثبتنا له حكم الكافر في القتل فلا يقطع عليه بذلك لإقراره بالتوحيد والنبوة، وإنكاره ما شهد به عليه أو زعمه أن ذلك كان منه ذهلا ومعصية، وأنه مقلع عن ذلك نادم عليه ولا يمتنع إثبات بعض أحكام الكفر على شخص وإن لم تثبت له خصائصه كقتل تارك الصلاة. وأما من علم أنه سبه معتقدا لاستحلاله، فلا شك في كفره بذلك، وكذلك إن كان سبه في نفسه كفر كتكذيبه، أو تكفيره، ونحوه، فهذا مما لا إشكال فيه، ويقتل وإن تاب منه، لأنا لا نقبل توبته ونقتله بعد التوبة حدا، لقوله ومتقدم كفره، وأمره بعد إلى اللَّه تعالى المطلع على صحة إقلاعه، العالم بسره وكذلك من لم يظهر إلى التوبة واعترف بما شهد به عليه، وصمم عليه، فهذا كافر بقوله وباستحلاله، هتك حرمة اللَّه تعالى وحرمة نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقتل كافرا بلا خلاف، فعلى هذه التقصيلات يؤخذ كلام العلماء ونزل مختلف عبارتهم في الاحتجاج عليها وأخذ اختلافهم في الموارثة وغيرها على ترتيبها، يتضح لك مقاصدهم، إن شاء اللَّه تعالى. حكى ابن القصار أنه إجماع من الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- على تصويب قول عمر في الاستتابة ولم ينكره واحد منهم، وهو قول عثمان، وعلي وابن مسعود، وبه قال عطاء بن أبي رباح، والنخعي، والثوري ومالك، وأصحابه والأوزاعيّ والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وذهب طاووس، وعبيد بن عمير، والحسن في إحدى الروايتين عنه، أنه لا يستتاب، وقاله عبد العزيز بن أبي شيبة، وذكره معاذ، وأنكر سحنون عن معاذ، وحكاه الطحاوي عن أبي يوسف، وهو قول أهل الظاهر. قالوا: وتنفعه توبته عند اللَّه تعالى ولكن لا ندرأ القتل عنه لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: من بدل دينه: فاقتلوه، وحكى أيضا عن عطاء أنه إن كان ممن ولد في الإسلام لم يستتب، ويستتاب الإسلامي، وجمهور العلماء على أن المرتد والمرتدة في ذلك سواء روى عن عليّ لا تقتل المرتدة وتسترق، وقال عطاء وقتادة، وروي عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: لا تقتل النساء في الردة، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 400 وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك: والحر والعبد والذكر والأنثى في ذلك سواء. وأما مدتها: فمذهب الجمهور، وروى عن ابن عمر أنه يستتاب ثلاثة أيام يحبس فيها، وقد اختلف فيه عن عمر وهو أحد قولي الشافعيّ، وقول أحمد وإسحاق، واستحسنه مالك. وقال لا يأتي الاستظهار إلا بخير، وليس عليه جماعة الناس. قال ابن أبي زيد: يزيد في الاستتابة ثلاثا، وقال مالك أيضا: الّذي آخذ به في المرتد قول ابن عمر يحبس ثلاثة أيام ويعرض عليه كل يوم فإن تاب وإلا قتل، وقال ابن القصار: في تأخيره ثلاثا روايتان عن مالك: هل ذلك واجب أو مستحب؟ واستحسن الاستتابة والاستيناء ثلاثا أصحاب الرأي، وروى عن أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه استتاب امرأة فلم تتب فقتلها، وقال الشافعيّ مرة: إن لم يتب مكانه وإلا قتل، واستحسنه المزني وقال الزهري: يدعى إلى الإسلام ثلاث مرات، فإن أبى قتل، وروى عن علي: يستتاب شهرين، وقال النخعي: يستتاب أبدا وبه أخذ الثوري ما رجيت توبته، وحكى ابن القصار عن أبي حنيفة أنه يستتاب ثلاث مرات، فإن أبى ضربت عنقه، واختلف على هذا، هل يهدد أو يشدد عليه أيام الاستتابة ليتوب أم لا؟ فقال مالك: ما علمت في الاستتابة تجويعا ولا تعطيشا ويؤتى من الطعام بما لا يضره. قال أصبغ: وأي المواضع حبس فيها من السجون مع الناس أو وحده إذا استوثق منه سواء، ويوقف ماله إذا أخيف أن يتلفه على المسلمين ويطعم منه ويسقى، وكذلك يستتاب أبدا كلما رجع وارتد. وهو قول الشافعيّ وأحمد. وقاله ابن القاسم، وقال إسحاق: يقتل في الرابعة. وقال أصحاب الرأي: وإن لم يتب في الرابعة قتل دون استتابة، وإن تاب ضرب ضربا وجيعا. ولم يخرج من السجن حتى يظهر عليه خشوع التوبة. قال ابن المنذر: ولا نعلم أحدا أوجب على المرتد في المرة الأولى أدبا إذا رجع وهو على مذهب مالك والشافعيّ والكوفي. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 401 قال القاضي عياض: هذا، وحكم من ثبت عليه بما شهد عليه ذلك بما يجب ثبوته من إقرار أو عدول لم يدفع منهم فأما من لم تتم الشهادة عليه بما شهد عليه الواحد أو اللفيف من الناس، أو ثبت قوله، لكن احتمل ولم يكن صريحا وكذلك إن من تاب على القول بقبول توبته، فهذا يدرأ عنه القتل، ويتسلط عليه اجتهاد الإمام بقدر شهرة حاله، وقوة الشهادة عليه وضعفها، وكره السماع عنه، وصورة حاله من التهمة في الدين والتميز بالسفه والمجون، فمن قوى أمره أذاقه من شديد النكال من التضييق في السجن، والشد في القيود، إلى الغاية التي منتهى طاقته، مما لا يمنعه القيام لضرورته ولا يقعده عن صلاته، وهو حكم كل من وجب عليه القتل. قال القابسي في مثل هذا: ومن كان أقصى أمره القتل فعاق عائق أشكل في القتل لم ينبغ أن يطلق من السجن ويستطال سجنه، ولو كان فيه من المدة ما عسى أن يقيم، ويحمل عليه من القيد ما يطيق، وقال في مثلها مما أشكل أمره، فشد في القيود شدا ويضيق عليه في السجن حتى ينظر فيما يجب عليه فقال في مسأله أخرى مثلهما: ولا يهراق الدم إلا بالأمر الواضح، وفي الأدب بالسوط، والسجن، نكال للسفهاء، ويعاقب عقوبة شديدة فأما إن لم يشهد عليه سوى شاهدين، فأثبت من عدولهما أو جرحهما، ما أسقطهما عنه، ولم يسمع ذلك من غيرهما، فأمره أخف، لسقوط الحكم عنه، وكأنه لم يشهد عليه إلا أن يكون ممن يليق به ذلك ويكون الشاهدان من أهل التبريز فأسقطهما بعداوة فهو وإن لم ينفذ الحكم عليه بشهادتهما، فلا يدفع الظن صدقها، للحاكم هنا في تنكيله موضع اجتهاد، واللَّه ولى الإرشاد. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 402 فصل في حكم الذميّ إذا صرح بسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو عرّض أو استخفّ بقدره قال القاضي عياض: أما الذمّيّ إذ صرّح بسبّه أو عرض أو استخف بقدره، أو وصفه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير الوجه الّذي كفر به فلا خلاف عندنا في قتله إن لم يسلم، لأنا لم نعطه العهد على هذا، وهو قول عامة العلماء إلا أبا حنيفة، والثوري، وأتباعهما من أهل الكوفة، فإنّهم قالوا: لا يقتل لأن ما هو عليه من الشرك أعظم، ولكن يؤدب ويعذر. واستدل بعض شيوخنا على قتله بقوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [ (1) ] . ويستدل أيضا بقتل النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لابن الأشرف وأشباهه، ولأنا لم نعاهدهم ولم نعطهم الذمة على هذا ولا يجوز لنا أن نفعل ذلك معهم، فإذا أتوا ما لم يعطوا عليه العهد ولا الذمة، فقد نقضوا ذمتهم، وصاروا كفارا أهل حرب يقتلون لكفرهم. وأيضا فإن ذمتهم لا تسقط، حدود الإسلام عنهم، من القطع في سرقة أموالهم والقتل لمن قتلوه منهم وإن كان ذلك حلالا عندهم فكذلك سبهم للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم يقتلون به وردت لأصحابنا ظواهر تقتضي الخلاف إذا ذكره الذمي بالوجه الّذي كفر به ستقف عليها من كلام ابن القاسم وابن سحنون بعد. وحكى أبو المصعب الخلاف فيها عن أصحابه المدنيين، واختلفوا إذا سبه ثم أسلم فقيل: يسقط إسلامه قتله، لأن الإسلام يجب ما قبله، بخلاف المسلم إذا سبه ثم تاب لأنا نعلم باطنه الكافر في بغضه له، وتنقصه بقلبه، لكنا منعناه من إظهاره، فلم يزدنا ما أظهر إلا مخالفة للأمر ونقضا للعهد، فإذا   [ (1) ] التوبة: 12. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 403 رجع عن ذنبه الأول إلى الإسلام سقط ما قبله. قال اللَّه تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ [ (1) ] والمسلم بخلافه إذ كان ظننا بباطنه حكم بظاهره وخلاف ما بدا منه الآن، فلم يقبل بعد رجوعه، ولا استنمنا الي باطنه إذ قد بدت سرائره وما ثبت عليه من الأحكام باقية عليه لم يسقطها شيء. وقيل: لا يسقط إسلام الذمي الساب قتله لأنه حق للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وجب عليه لانتهاكه حرمته وقصده إلحاق النقيصة والمعرة به فلم يكن رجوعه إلي الإسلام بالذي يسقطه كما وجب عليه من حقوق المسلمين من قبل إسلامه من قتل وقذف، وإذا كنا لا نقبل توبة المسلم فإن لا نقبل توبة الكافر أولي. قال مالك في كتاب ابن حبيب (المبسوط) وابن القاسم وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ فيمن شتم نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم من أهل الذمة أو أحدا من الأنبياء عليهم السلام: قتل إلا أن يسلم وقاله ابن القاسم في (العتبية) وعند محمد وابن سحنون وقال سحنون وأصبغ: لا يقال له أسلم ولا تسلم ولكن إن أسلم فذلك له توبة. وفي كتاب محمد أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو غيره من النبيين من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب وروي لنا عن مالك: إلا أن يسلم الكافر. وقد روى ابن وهب عن ابن عمر أن راهبا تناول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال ابن عمر: فهلا قتلتموه؟ وروى عيسى عن ابن القاسم في ذميّ قال: إن محمدا لم يرسل إلينا إنما أرسل إليكم وإنما نبينا موسى أو عيسى ونحو هذا لا شيء عليهم لأن اللَّه تعالى أقرهم على مثله. وأما إن سبه فقال: ليس بنبي، أو لم يرسل أو لم ينزل عليه قرآن وإنما هو شيء تقوله أو نحو هذا فيقتل. قال ابن القاسم: وإذا قال النصراني ديننا خير من دينكم إنما دينكم دين الحمير ونحو هذا من القبيح، أو سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمد رسول اللَّه فقال: كذلك يعطيكم اللَّه، ففي هذا الأدب الموجع والسجن الطويل. قال: وأما إن شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شتما يعرف فإنه يقتل إلا أن يسلم، قاله مالك غير مرة، ولم يقل: يستتاب.   [ (1) ] الأنفال: 38. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 404 قال ابن القاسم: ومحمل قوله عندي إن أسلم طائعا. وقال ابن سحنون في سؤالات سليمان بن سالم في اليهودي يقول للمؤذن إذا تشهد: كذبت، يعاقب العقوبة الموجعة مع السجن الطويل. وفي (النوادر) من رواية سحنون عنه: من شتم الأنبياء من اليهود والنصارى بغير الوجه الّذي به كفروا ضربت عنقه إلا أن يسلم. قال محمد بن سحنون: فإن قيل: لم قتلت في سب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ومن دينه سبه وتكذيبه؟ قيل: لأنا لم نعطهم العهد على ذلك، ولا علي قتلنا، وأخذ أموالنا، فإذا قتل واحدا منا قتلناه، وإن كان من دينه استحلاله فكذلك إظهاره لسب نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال سحنون: كمال بذل لنا أهل الحرب الجزية على إقرارهم على سبه لم يجز لنا ذلك في قول قائل، كذلك ينتقض عهد من سب منهم، ويحل لنا دمه، وكما لم يحصن الإسلام من سبه من القتل كذلك لا تحصنه الذمة. قال القاضي أبو الفضل: ما ذكره ابن سحنون عن نفسه وعن أبيه مخالف لقول ابن القاسم فيما خفف عقوبتهم فيه مما به كفروا فتأمله ويدل على أنه خلاف ما روى عن المدنيين في ذلك، فحكى أبو المصعب الزهري قال: أتيت بنصرانيّ قال: والّذي اصطفي عيسى على محمد فاختلف عليه فيه فضربته حتى قتلته أو عاش يوما وليلة وأمرت من جرّ برجله، وطرح علي مزبلة فأكلته الكلاب. وسئل أبو المصعب عن نصرانيّ قال: عيسى خلق محمدا فقال: يقتل وقال ابن القاسم: سألنا مالكا عن نصراني بمصر شهد عليه أنه قال: مسكين محمد! يخبركم أنه في الجنة! ما له لم ينفع نفسه؟ إذ كانت الكلاب تأكل ساقيه؟ لو قتلوه استراح منه الناس. قال مالك: أري أن تضرب عنقه، قال ولقد كدت أن لا أتكلم فيها بشيء، ثم رأيت أنه لا يسعني الصمت. قال ابن كنانة في (المبسوطة) : من شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من اليهود والنصارى فأري للإمام أن يحرقه بالنار وإن شاء قتله، ثم حرق جثته، وإن شاء أحرقه بالنار حيا إذا تهافتوا في سبه. ولقد كتب إلي مالك من مصر وذكروا مسألة ابن القاسم المتقدمة قال: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 405 فأمرني مالك فكتبت بأن يقتل وتضرب عنقه، فكتبت، ثم قلت: يا أبا عبد اللَّه واكتب: ثم يحرق بالنار، فقال: إنه لحقيق بذلك، وما أولاده به كتبته بيدي بين يديه فما أنكره ولا عابه ونفذت الصحيفة بذلك، فقتل وحرق. وأفتي عبيد اللَّه بن يحيي وابن لبابة في جماعة من سلف أصحابنا الأندلسيين بقتل نصرانية استهلت بنفي الربوبية ونبوة عيسى للَّه وتكذيب محمد في النبوة وبقبول إسلامها ودرء القتل عنها به، قال غير واحد من المتأخرين منهم القابسي وابن الكاتب وقال أبو القاسم بن الجلاب في كتابه: من سب اللَّه ورسوله من مسلم أو كافر قتل ولا يستتاب. وحكي القاضي أبو محمد في الذمي يسب ثم يسلم روايتين في درء، القتل عنه بإسلامه، وقال ابن سحنون: وحد القذف وشبهه من حقوق العباد لا يسقطه عن الذمي إسلامه وانما يسقط عنه بإسلامه حدود اللَّه، فأما حد القذف فحق للعباد كان ذلك لنبي أو غيره، فأوجب على الذميّ إذا قذف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم أسلم حد القذف ولكن انظر ماذا يجب عليه، هل حد القذف في حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو القتل لزيادة حرمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على غيره؟ أم هل يسقط القتل بإسلامه ويحد ثمانين؟ فتأمله. فصل في ميراث من قتل في سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وغسله والصلاة عليه اختلف العلماء في ميراث من قتل بسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذهب سحنون إلي أنه لجماعة المسلمين من قبل أن شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كفر يشبه كفر الزنديق. وقال أصبغ: ميراثه لورثته من المسلمين ان كان مستسرا بذلك. وإن كان مظهرا له مستهلا به، فميراثه للمسلمين، ويقتل على كل حال ولا يستتاب. قال أبو الحسن القابسي: إن قتل وهو منكر للشهادة عليه فالحكم في ميراثه على ما أظهر من إقراره يعني لورثته والقتل حد ثبت عليه ليس من الميراث في شيء وكذلك لو أقر بالسب وأظهر التوبة لقتل إذ هو حده وحكمه في ميراثه، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 406 وسائر أحكامه حكم الإسلام، ولو أقر بالسب وتمادى عليه وأبى التوبة منه فقتل على ذلك كان كافرا، وميراثه للمسلمين، ولا يغسل، ولا يصلّى عليه، ولا يكفن وتستر عورته ويوارى كما يفعل بالكفار. وقول الشيخ أبى الحسن في المجاهر المتمادي بين لا يمكن الخلاف فيه لأنه كافر، مرتد، غير تائب، ولا مقلع، وهو مثل قول أصبغ وكذلك في كتاب ابن سحنون في الزنديق: يتمادى على قوله، ومثله لابن القاسم في (العتبية) ولجماعة من أصحاب مالك في كتاب ابن حبيب فيمن أعلن كفره مثله قال ابن القاسم: وحكمه حكم المرتد، لا ترثه ورثته من المسلمين، ولا من أهل الدين الّذي ارتد إليه، ولا يجوز وصاياه، ولا عتقه، وقاله أصبغ، قبل ذلك أو مات عليه. وقال أبو محمد بن أبى زيد وإنما يختلف في ميراث الزنديق الّذي يستهل بالتوبة فلا تقبل منه، فأما المتمادي فلا خلاف أنه لا يورث. وقال أبو محمد فيمن سب اللَّه تعالى ثم مات ولم تعدل عليه بينة أو لم تقبل إنه يصلّى عليه وروى أصبغ عن ابن القاسم في كتاب ابن حبيب فيمن كذب برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو أعلن دينا مما يفارق به الإسلام إن ميراثه للمسلمين وقال بقول مالك إن ميراث المرتد للمسلمين ولا ترثه ورثته ربيعة والشافعيّ وأبو ثور وابن ليلى واختلف فيه عن أحمد. وقال على بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وابن مسعود، وابن المسيب، والحسن، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، والحكم والأوزاعي، والليث وإسحق، وأبو حنيفة: يرث ورثته من المسلمين. وقيل: ذلك فيما كسبه قبل ارتداده، وما كسبه في الارتداد فللمسلمين. وتفصيل أبي الحسن في باقي جوابه حسن بين، وهو على رأى أصبغ، وخلاف قول سحنون، واختلافهما على قولي مالك في ميراث الزنديق، فمرة ورثه ورثته من المسلمين قامت عليه بذلك بينة فأنكرها، أو اعترف بذلك وأظهر التوبة، وقاله أصبغ، ومحمد بن مسلمة، وغير واحد من أصحابه لأنه مظهر للإسلام بإنكاره أو توبته، وحكمه حكم المنافقين الذين كانوا على عهد الجزء: 14 ¦ الصفحة: 407 رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وروى ابن نافع عنه في (العتبية) وكتاب محمد أن ميراثه لجماعة المسلمين لأن ماله تبع لدمه، وقال به أيضا جماعة من أصحابه. وقاله أشهب، والمغيرة، وعبد الملك، ومحمد، وسحنون، وذهب ابن قاسم في (العتبية) إلي أنه إن اعترف بما شهد عليه به وتاب فقتل فلا يورث، وإن لم يقر حتى مات أو قتل ورث. قال: وكذلك كل من أسرّ كفرا فإنّهم يتوارثون بوراثة الإسلام، وسئل أبو القاسم بن الكاتب عن النصراني يسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيقتل، هل يرثه أهل دينه أم المسلمون؟ فأجاب: إنه للمسلمين ليس على جهة الميراث لأنه لا توارث بين أهل ملتين، ولكن لأنه من فيئهم لنقضه العهد. هذا معنى قوله واختصاره. فصل في حكم من سب اللَّه تعالى وملائكته وأنبياءه وكتبه وآل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأزواجه وصحبه قال القاضي عياض: لا خلاف أن سابّ اللَّه تعالى من المسلمين كافر، حلال الدم، واختلف في استتابته، فقال ابن القاسم في المبسوط. وفي كتاب ابن سحنون ومحمد ورواها ابن القاسم عن مالك في كتاب إسحاق بن يحي: من سب اللَّه تعالى من المسلمين قتل ولم يستتب الا أن يكون افتراء على اللَّه بارتداده إلى دين دان به وأظهره فيستتاب وإن لم يظهره لم يستتب. وقال في (المبسوطة) مطرف وعبد الملك مثله وقال المخزومي ومحمد بن مسلمة وابن أبي حازم لا يقتل المسلم بالسب حتى يستتاب وكذلك اليهودي والنصراني فإن تابوا قبل منهم وإن لم يتوبوا قتلوا، ولا بد من الاستتابة وذلك كله كالردة وهو الّذي حكاه القاضي ابن نصر عن المذهب. وأفتي أبو محمد بن أبي زيد فيما حكي عنه في رجل لعن رجلا ولعن اللَّه، فقال: إنما أردت أن ألعن الشيطان فزل لساني فقال: يقتل بظاهر كفره ولا يقبل عذره، وأما فيما بينه وبين اللَّه تعالى فمعذور، واختلف فقهاء قرطبة في مسألة هارون بن حبيب الجزء: 14 ¦ الصفحة: 408 أخي عبد الملك الفقيه، وكان ضيق الصدر كثير التبرم، وكان قد شهد عليه بشهادات منها أنه قال استقلاله من مرض: لقيت في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر وعمر لم أستوجب هذا كله، فأفتى إبراهيم بن حسين بن خالد بقتله وإن ضمّن قوله تجوير للَّه تعالى وتظلم منه والتعريض فيه كالتصريح. وأفتى أخوه عبد الملك بن حبيب وإبراهيم بن حسين بن عاصم وسعيد بن سليمان القاضي بطرح القتل عنه إلا أن القاضي رأى عليه التثقيل في الحبس والشدة في الأدب لاحتمال كلامه وصرفه إلي التشكي، فوجه من قال في ساب اللَّه بالاستتابة أنه كفر وردة محضة، لم يتعلق بها حق لغير اللَّه فأشبه قصد الكفر بغير سب اللَّه، وإظهار الانتقال إلى دين آخر من الأديان المخالفة للإسلام. ووجه ترك استتباته أنه لما ظهر منه ذلك بعد إظهار الإسلام قبل اتهمناه وظننا أن لسانه لم ينطق به إلا وهو معتقد له إذ لا يتساهل في هذا أحد فحكم له بحكم الزنديق ولم تقبل توبته، وإذا انتقل من دين إلي دين آخر وأظهر السب بمعنى الارتداد فهذا قد أعلم أنه خلع ربقة الإسلام من عنقه بخلاف الأول المستمسك به، وحكم هذا حكم المرتد يستتاب علي مشهور مذاهب أكثر العلماء، وهو مذهب مالك وأصحابه، على ما بيناه قبل وذكرنا الخلاف في فصوله. وأما من أضاف إلي اللَّه تعالى ما لا يليق به ليس علي طريق السب ولا الردة وقصد الكفر ولكن على طريق التأويل والاجتهاد والخطأ المفضي إلى الهوى ولبدعة من تشبيه أو نعت بجارحة أو نفي صفة كمال فهذا مما اختلف السلف والخلف في تكفير قائله ومعتقده. واختلف قول مالك وأصحابه في ذلك ولم يختلفوا في قتالهم إذا تحيزوا فئة وأنهم يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا وإنما اختلفوا في المنفرد منهم فأكثر قول مالك وأصحابه ترك القول بتكفيرهم وترك قتلهم والمبالغة في عقوبتهم وإطالة سجنهم حتى يظر إقلاعهم وتستبين توبتهم كما فعل عمر رضي اللَّه عنه بصبيغ. وهذا قول محمد بن المواز في الخوارج وعبد الملك بن الماجشون وقول سحنون في جميع أهل الأهواء وبه فسر قول مالك في الموطأ وما رواه عن عمر الجزء: 14 ¦ الصفحة: 409 ابن عبد العزيز وجده وعمه من قولهم. في القدرية يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا، وقال عيسى بن القاسم في أهل الأهواء من الإباضية والقدرية وشبههم ممن خالف الجماعة من أهل البدع والتحريف لتأويل كتاب اللَّه: يستتابون أظهروا ذلك أو أسروه، فإن تابوا وإلا قتلوا وميراثهم لورثتهم. وقال مثله أيضا ابن القاسم في كتاب محمد في أهل القدر وغيرهم قال: واستتابتهم أن يقال لهم اتركوا ما أنتم عليه ومثله في المبسوط في الإباضية والقدرية وسائر أهل البدع قال: وهم مسلمون، وإنما قتلوا لرأيهم السوء وبهذا عمل عمر بن عبد العزيز. قال ابن القاسم: من قال إن اللَّه لم يكلم موسى تكليما استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وابن حبيب وغيره من أصحابنا يرى تكفيرهم وتكفير أمثالهم من الخوارج والقدرية والمرجئة. وقد روي أيضا عن سحنون مثله فيمن قال: ليس للَّه كلام، أنه كافر، واختلفت الروايات عن مالك فأطلق في رواية الشاميين أبي مسهر ومروان بن محمد الطاطري الكفر عليهم وقد شوور في زواج القدري فقال: لا تزوجه، قال اللَّه تعالي: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وروي عنه أيضا: أهل الأهواء كلهم كفار: وقال: من وصف شيئا من ذات اللَّه تعالى وأشار إلي شيء من جسده يد أو سمع أو بصر قطع ذلك منه، شبه اللَّه بنفسه. وقال فيمن قال: القرآن مخلوق فاقتلوه، وقال أيضا في رواية ابن نافع: يجلد ويوجع ضربا ويحبس حتى يتوب، وفي رواية بشر بن بكر التنيسي عنه يقتل ولا تقبل توبته. قال القاضي أبو عبد اللَّه البرنكاني والقاضي أبو عبد اللَّه التستري من أئمة العراقيين: جوابه مختلف، قتل المستبصر الداعية وعلى هذا الخلاف اختلف قوله في إعادة الصلاة خلفهم، وحكي ابن المنذر عن الشافعيّ: لا يستتاب القدريّ، وأكثر أقوال السلف تكفيرهم، وممن قال به الليث وابن عيينة وابن لهيعة، وروي عنهم ذلك فيمن قال بخلق القرآن، وقال ابن المبارك والأودي ووكيع وحفص بن غياث وأبو إسحاق الفزاري وهشيم وعلي بن عاصم في آخرين وهو من قول أكثر المحدثين والفقهاء والمتكلمين فيهم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 410 فصل في ذكر مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ووفاته خرج مسلم من حديث يزيد عن أبى بردة، عن أبي موسى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن اللَّه عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره، ذكره في المناقب. وقال المعتمر بن سليمان، عن أبيه سليمان في كتاب (مغازي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم) ثم قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعني من حجة الوداع فأقام بقية ذي الحجة والمحرم واثنين وعشرين ليلة من صفر ثم مرض مرضه الّذي توفي فيه وبدأ وجعه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند وليدة له يقال لها ريحانة كانت من سبي اليهود وكان أول يوم مرض فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم السبت اشتد به وجعه يومه وليلته ثم أصبح فأذن المؤذن بالصلاة ثم ثوب فلما رأى المسلمون أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يخرج أمروا مؤذنا فدخل عليه فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شديد الوصب فقال الصلاة يا رسول اللَّه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أستطيع الصلاة خارجا، وسأله من على الباب فأخبره من كان عليه فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مر عمر بن الخطاب فليصل بالناس. فخرج بلال المؤذن وهو يبكي فقال له المسلمون: ما وراءك يا بلال؟ فقال إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يستطيع الصلاة خارجا فبكى بكاء شديدا وقال. لعمر ابن الخطاب إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمرك أن تصلي بالناس، قال: ما كنت لأتقدم بين يدي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأبدا فادخل على نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره أن أبا بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وبالذي قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم ما رأى مر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فليصل بالناس فخرج إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأمره فصلّى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس ثمانية أيام واشتد برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعه في تلك الأيام فدخل عليه العباس بن عبد المطلب عمه- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- وقد أغمي عليه فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لأزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وسلّم لو لددتنه! قلن: إنا لا نجترئ على ذلك وأخذ العباس- رضي اللَّه تبارك الجزء: 14 ¦ الصفحة: 411 وتعالى عنه- فلده. فأفاق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من لدني؟ فقد أقسمت ليلدن إلا أن يكون العباس فإنكم لددتمونى وأنا صائم، قلن: إن العباس هو لدك، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم وما حملكم على اللدود وما خفتن علي؟ قالوا: خفنا عليك ذات الجنب، قال: إن اللَّه تعالى لم يكن ليسلطه علي فيجاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من وجعه ذلك يومه، فخرج من العدد هو اليوم العاشر الّذي مات فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى بالناس صلاة الغداة ورأى المؤمنون أنه قد برأ ففرحوا به فرحا شديدا ثم جلس في مصلاه يحدثهم ويقول: لعن اللَّه أقواما اتخذوا قبورهم مساجدهم يعني اليهود والنصارى وحدثهم حتى أضحى ثم أقام صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بيته فلم يتفرق الناس من مجلسهم حتى سمعوا صياح النساء وهن يقلن الماء الماء، ترين أنه قد غشي قلبه، وابتدر المسلمون الباب فسبقهم العباس صلّى اللَّه عليه وسلّم فدخل وأغلق الباب دونهم فلم يلبث إلى أن خرج إلى الناس فنعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لهم نفسه فقالوا: يا عباس ما أدراك منه؟ قال: أدركته وهو يقول جلال ربي الرفيع قد بلغت، ثم قضي، فكان هذا آخر شيء تكلم به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكانت وفاته صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة فقال رجل من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كيف يموت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يظهر على الدين؟ إنما أغمي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتوا الباب فقالوا: لا تدفنوه فإنه حي، فخرج العباس صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أيها الناس هل عند أحد منكم عهد من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في شأن وفاته؟ قالوا: قال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أحمد اللَّه أنا أشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ذاق الموت ولقد أخبره اللَّه تعالى بذلك وهو بين أظهركم فقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [ (1) ] . فعرف الناس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد توفي فخلوا بينه وبين أهله فغسلوه وكفنوه فقال بعضهم: ادفنوه عند المقام في مصلاه فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إنما عهدكم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يموت بساعة وهو يقول:   [ (1) ] الزمر: 30. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 412 لعن اللَّه قوما اتخذوا قبورهم مساجدا وإنما ذكر ذلك لكم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لكيلا تدفنوه في مصلاه، فقالوا: فيدفن إذا بالبقيع، قال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لعمر: واللَّه لا ندفنه بالبقيع قالوا: لم؟ قال لأنه لا يزال عبدا وأمره يعود إلى بيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتأتيه سيدة فتحتجه قالوا: فأين ندفنه قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: حيث نزع اللَّه عز وجل نفسه، ففعلوا فلما فرغوا من غسله وتكفينه وضعوه حيث توفى، فصلّى الناس عليه يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ودفن الأربعاء، وكانت صلاة الناس عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير إمام فبدأ المهاجرون فجعلوا يدخلون البيت ما وسع منهم فيصلون عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويستغفرون له بغير إمام ثم يخرجون ويدخل آخرون فيفعلون مثل ذلك فلما فرغ المهاجرون دخلت الأنصار ففعلوا مثل ما فعل المهاجرون، ثم نساء المهاجرين ثم نساء الأنصار بعد، ولما أخذوا في دفنه صاحت الأنصار وقالوا: اجعل لنا نصيبا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند موته فإنا قد كنا منه بمنزلة في حياته، ففعلوا فأدخلوا أوس بن خولي من الأنصار من بني الحبلي فكان فيمن دفن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال المعتمر بن سليمان سمعت أبى يقول ما لا أحصي: ما أعلم بعد القرآن كتابا أصح من هذه السيرة واللَّه تعالى أعلم. ذكر سيف بن عمر التميمي في كتاب (الردة) عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- قال: قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لسبع بقين من ذي الحجة أو ثمان فوجد صداعا يوم قدم وفترة وقدم عليه في أول يومه ذلك خلع من البحرين من ربيعة وقدم وافدهم في أثره بالسلم فوافق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد ندب الناس إليهم فوضع البعث وأمضى عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى عثمان إلى صفر بن الجليدى يدعوه فمضى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك الصداع وتلك الفترة لأيام بقين من ذي الحجة وكان المتحلل من الشعر. عن الشعبي عن نفر من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قالوا: قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرجعه من حجته فتخلل به السير فما زال مجلوطا حتى استقر به الوجع وقام به خطيبا الجزء: 14 ¦ الصفحة: 413 في آخر يوم من ذي الحجة فقال: ألا ما تتركوا في جزيرة العرب دينين، انبذوا إلى كل ذي دين خالف الإسلام أن يخرجوا من جزيرة العرب: ألا لعن اللَّه الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ويتخذون آبارهن معاطن، إن أهل الكتاب خالفوا أنبيائهم واتخذوا قبورهم مساجد، وآبارهم معاطن فلا تضلوا عن سنتي به. ذكر نعي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنذاره بذلك قبل موته عليه السلام اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أنزل اللَّه تعالى عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [ (1) ] كانت علامة لاقتراب، أجله وعارضه جبريل عليه الصلاة والسلام بالقرآن في ذلك العام مرتين فكانت علامة أخرى لأجله وخيره اللَّه تعالى بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، فكانت علامة أخرى لآخر أجله، إلى غير ذلك. فأما نزول إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فخرج البخاري في غزوة الفتح [ (2) ] من طريق موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان عمر   [ (1) ] النصر: 1. [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 953، باب (4) قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً تواب على العباد، والتواب من الناس التائب من الذنب، حديث رقم (4970) هو كلام الفراء في موضعين. قوله: «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر» أي من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار، وكانت عادة عمر إذا جلس للناس أن يدخلوا عليه على قدر منازلهم في السابقة، وكان ربما أدخل مع أهل المدينة من ليس منهم إذا كان فيه مزية تجبر ما فاته من ذلك. قوله: (فكأن بعضهم وجد) أي غضب. ولفظ (وجد) الماضي يستعمل بالاشتراك بمعنى الغضب والحب والغنى واللقاء، سواء كان الّذي يلقى ضالة أو مطلوبا أو إنسانا أو غير ذلك. قوله: (لم تدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله) ؟ ولابن سعد من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير (كان أناس من المهاجرين وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس) وفي تاريخ محمد ابن عثمان بن أبي شيبة من طريق عاصم بن كليب عن أبيه نحوه وزاد (وكان عمر أمره أن لا يتكلم حتى يتكلموا، فسألهم عن شيء فلم يجيبوا، وأجابه ابن عباس، فقال عمر: أعجزتم أن تكونوا مثل هذا الغلام؟ ثم قال: إني كنت نهيتك أن تتكلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 414   [ () ] على العباد، والتواب من الناس التائب من الذنب، حديث رقم (4970) هو كلام الفراء في موضعين. قوله: «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر» أي من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار، وكانت عادة عمر إذا جلس للناس أن يدخلوا عليه على قدر منازلهم في السابقة، وكان ربما أدخل مع أهل المدينة من ليس منهم إذا كان فيه مزية تجبر ما فاته من ذلك. قوله: «فكأن بعضهم وجد» أي غضب. ولفظ «وجد» الماضي يستعمل بالاشتراك بمعنى الغضب والحب والغنى واللقاء، سواء كان الّذي يلقى ضالة أو مطلوبا أو إنسانا أو غير ذلك. قوله: «لم تدخل هذا معا، ولنا أبناء مثله» ؟ ولابن سعد من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير «كان أناس من المهاجرين وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس» وفي تاريخ محمد بن عثمان بن أبي شيبة من طريق عاصم بن كليب عن أبيه نحوه وزاد «كان عمر أمره أن لا يتكلم حتى يتكلموا، فسألهم عن شيء فلم يجيبوا. وأجابه ابن عباس، فقال عمر: أعجزتم أن تكونوا مثل هذا الغلام؟ ثم قال: إني كنت نهيتك أن تتكلم، فتكلم الآن معهم «وو هذا القائل الّذي عبر هنا بقوله: «بعضهم» هو عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة كما وقع مصرحا به عند المصنف في علامات النبوة من طريق شعبة عن أبي شعبة عن أبي بشر بهذا الإسناد كان عمر يدني ابن عباس، فقال له عبد الرحمن بن عوف: إن لنا أبناء مثله، وأراد بقوله: «مثله» أي في مثل سنه، لا في مثل فضله وقرابته من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولكن لا أعرف لعبد الرحمن بن عوف ولدا في مثل سن ابن عباس، فإن أكبر أولاده محمد وبه كان يكنى، لكنه مات صغيرا وأدرك عمر من أولاده إبراهيم بن عبد الرحمن، ويقال: إنه ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن كان كذلك لم يدرك من الحياة النبويّة إلا سنة أو سنتين. لأن أباه تزوج أمه بعد فتح مكة فهو أصغر من ابن عباس بأكثر من عشر سنين، فلعله أراد بالمثلية غير السن، أو أراد بقوله: «لنا» من كان له ولد في مثل سن ابن عباس من البدريين إذ ذلك غير المتكلم. قوله: «فقال: إنه من حيث علمتم» . في غزوة الفتح من هذا الوجه بلفظ إنه أنتم علمتم «وفي رواية شعبه» إنه من حيث نعلم» وأشار بذلك إلى قرابته من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو إلى معرفته وفطنته. وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: قال المهاجرون العمر: ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟ قال: ذلكم فتى الكهول، إن له لسانا سئولا وقلبا عقولا. وأخرج الخرائطي في (مكارم الأخلاق) من طريق الشعبي، والزبير بن بكار من طريق عطاء بن يسار قالا: قال العباس لابنه: إن هذا الرجل يعني عمر- يدنيك، فلا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا يسمع منك كذبا. وفي رواية عطاء بدل الثالثة: «ولا تبتدئه بشيء حتى يسألك عنه» . قوله: «فدعا ذات يوم فأدخله معهم» في رواية للكشميهني «فدعاه» ، وفي غزوة الفتح: «فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم» . قوله: «فما رئيت» بضم الراء وكسر الهمزة، وفي غزوة الفتح من رواية المستملي: «فما أريته» بتقديم الهمزة والمعني واحد. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 415 يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حديث علمتم، فدعا ذات يوم فأدخله معهم، فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم. قال: ما تقولون في قوله اللَّه تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد اللَّه ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا. فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس.   [ () ] قوله: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ زاد في غزوة الفتح (فتح مكة) . قوله: (وذلك علامة أجلك) ف] رواية ابن سعد (فهو آيتك في الموت) وفي الباب الّذي قبله: (أجل أو مثل ضرب لمحمد، نعيت إليه نفسه) ووهم عطاء بن السائب فروى هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت إذا جاء نصر اللَّه والفتح قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعيت إلي نفسي) أخرجه بن مردويه من طريقه، والصواب رواية حبيب بن ثابت التي في الباب الّذي قبله بلفظ (نعيت إليه نفسه) وللطبراني من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: (لما نزلت إذا جاء نصر اللَّه والفتح ونعيت إلي نفسه) فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة) ، ولأحمد من طريق أبي رزين عن ابن عباس قال: (لما نزلت علم أن نعيت إليه نفسه) ولأبي يعلي من حديث ابن عمر (نزلت هذه السورة في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع، فعرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه الوداع) . وسئلت عن قول الكشاف: إن سورة النصر نزلت في حجة الوداع أيام التشريق، فكيف صدرت بإذا الدالة على الاستقبال؟، فأجبت بضعف ما نقله، وعلى تقدير صحته فالشروط لم يكتمل بالفتح، لان مجيء الناس أفواجا لم يكن كمل، فبقية الشرط مستقبل. وقد أورد الطيبي السؤال وأجاب بجوابين: أحدهما: أن (إذ) قد ترد بمعنى (إذا) كما في قوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة) الآية. ثانيهما: أن كلام اللَّه قديم، وفي كل من الجوابين نظر لا يخفى. قوله: (إلا ما تقول) في غزوة الفتح (إلا ما تعلم) زاد أحمد وسعيد بن منصور في روايتهما عن هشيم عن أبي بشر في هذا الحديث في أخره (فقال عمر: كيف تلومونني على حب ما ترون) ووقع في رواية ابن سعد أنه سألهم حينئذ عن ليلة القدر، وذكر جواب ابن عباس واستنباطه وتصويب عمر قوله، وقد تقدمت لابن عباس مع عمر قصة أخرى في أواخر سورة البقرة، لكن أجابوا فيها بقولهم: اللَّه أعلم، فقال عمر: قولوا: نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء، الحديث. وفيه فضيلة ظاهرة لابن عباس وتأثير لإجابة دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعلمه اللَّه التأويل ويفقهه في الدين، كما تقدم في كتاب العلم. وفيه جواز تحديث المرء عن نفسه بمثل هذا لإظهار نعمة اللَّه عليه، وإعلام من لا يعرف قدره لينزله منزلته، وغير ذلك من المقاصد الصالحة، لا للمفاخرة والمباهاة وفيه جواز تأويل الجزء: 14 ¦ الصفحة: 416 وخرج البيهقي من طريق عباد بن العوام، عن هلال بن حباب، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما نزلت: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فقال: إنه قد نعيت إلي نفسي. فبكت، ثم ضحكت، قالت: وأخبرني أنه نعي إليه نفسه فبكيت، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لي: اصبري فإنك أول أهلي لحاقا بي فضحكت [ (1) ] وقال سيف بن عمر: حدثنا محمد بن عون عن يحيى بن معمر الوسقي، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أنزل اللَّه عز وجل علي نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فنعى إليه نفسه فيها، والفتح فتح مكة والنصر على العرب قاطبة ورأينا الناس يدخلون في دين اللَّه أفواجا وذلك أن الهجرة انقطعت إلى المدينة بعد الفتح، وكانت القبيلة بأسرها تسلم ويقيم مكانها وكان دخولهم قبل ذلك الرجل بعد الرجل والعدة بعد ولاتهم فنقلت فإذا كان ذلك فسبح وأكثروا حمد اللَّه تعالى واستغفروه للأموات من أمتك والأحياء إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً لمن تاب منهم، ففعل صلوات اللَّه وسلامه عليه فأكثروا قال حدثني عطية بن الحارث عن أبي أيوب، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكثر الدعاء للأحياء والأموات ويكثر الاستغفار للأموات ولا سيما من استشهد قبل الفتح حتى إذا حج حجة التمام، فهي حجة الإسلام، زادني ذلك وعرف أن الأمر قد أظله، فكان في ذلك   [ () ] القرآن بما يفهم من الإشارات، وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمه في العلم، ولهذا قال علي رضي اللَّه تعالى عنه: أو فهما يؤتيه اللَّه رجلا في القرآن. (3) (المرجع السابق) : 6/ 779، باب (25) عاملات النبوة في الإسلام- حديث رقم (3627) وأخرجه أيضا في كتاب المغازي باب (52) بدون ترجمة حديث رقم (4294) ، وباب (84) مرض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ووفاته، حديث رقم (4430) . (4) (سبق تخريجه) . [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 167. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 417 منصرفه من حجته كالرجل الّذي ينذر الغارة ويقول: اسم اسم صبحتم أو مسيتم ويأتي البقيع كل خميس ويستغفر لأهله. وقال سيف عن عطية عن الضحاك. عن ابن عبّاس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كان اللَّه عز وجل قد عهد إلى نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه متوفيه على حين فراغة من الّذي نعته به، وأمره أن ينعي إلى أمته نفسه بعزته لكيلا يفتتنوا من بعده فقرأ عليهم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وقص عليهم رؤيا رآها أن القمر ولي إليه ثم رفع وقال لهم غداة عرفات: إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا. وعن محمد بن كريب، عن أمية، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قد نعى لنا نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نفسه مرارا لو علمنا عنه، فكره أن يفجعنا فلم نعرف ما ذاك حتى كان من أمره حين أنزل اللَّه تعالى عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وحين قال: إني رأيت بأن القمر ولي لي بامرأتين فركبته ثم رفعت إلي السماء حين قال: إني لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا أبدا وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر: إن عبدا خيره اللَّه تعالى أن يكون ملكا مخلدا في الدنيا ما بقيت، ثم الجنة وبين ما عنده. فاختار ما عند اللَّه عزّ وجلّ. وقال سيف: عن الوليد بن عبد اللَّه عن أبيه، عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: آخر من بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الملوك عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- منصرفه من حجته وكان كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك آخر حجة أصبح بها علي من يليه إلي من وراءه حتى يجاز عليه فتمت حجة اللَّه وكمل الدين فأوضح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شأن موته عند تكامل الأحكام فأدرج الأمور إدراجا وما ندري لم ذلك حتى وقع الأمر. وخرج البيهقي من طريق راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكونيّ أن معاذ بن جبل صلّى اللَّه عليه وسلّم راكب ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري. فبكى معاذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: البكاء أو إن البكاء من الشيطان [ (1) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 5/ 404- 405، وفي (الأصل) : فإن البكاء من الشيطان، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 311، حديث رقم (921549) ، حديث معاذ بن جبل. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 418 وأما نعيه نفسه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ابنته فاطمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بأنه عارضه جبريل عليه الصلاة والسلام القرآن مرتين فخرج البخاري في علامات النبوة في الإسلام من طريق زكريا، عن فراس الشعبي، عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قال أقبلت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرحبا يا ابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت فقال لها: لا تبكين؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقالت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن: فسألتها عما قال فقالت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: ما كنت لأفشي سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى قبض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسألتها فقالت اسر إلي أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضي العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وأنك أول أهل بيتي لحاقا بى، فبكيت. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة! أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك [ (1) ] وخرجه مسلم من حديث زكريا عن فراس بنحوه أو قريب منه [ (2) ] وأخرجاه من حديث أبي عوانة، عن فراس، عن عامر عن مسروق قال: حدثتني عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إنا أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عنده لم يغادر منهن واحدة فأقبلت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تمشي ما تخطىء مشيتها من مشية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا. وقال البخاري لا واللَّه ما تخطئ مشيتها من مشية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما رآها رحب بها فقال: مرحبا يا بنيتي، ثم أجلسها عن يمينه أو شماله، ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى جزعها سارها الثانية فضحكت فقلت لها: خصك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بين نسائه بالسرار،   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 778، كتاب المناقب، باب (25) عاملات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3623) ، (3624) ، (3625) ، (3626) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 239- 240، كتاب فضائل الصحابة، باب (15) فضائل فاطمة بنت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (99) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 419 ثم أنت تبكين، فلما قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سألتها: ما قال لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: ما كنت أفشي على رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم سرّه قالت: فلما توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قلت؟ لها عزمت عليك بمالي عليك من الحق لما حدثتني ما قال لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: أما الآن فنعم: أما حين سارني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضه الآن مرتين. وقال البخاري: وإنه قد عارضني به العام مرتين وإني لا أري الأجل إلا قد اقترب فاتقى اللَّه تعالى واصبري فإنه نعم السلف أنا لك، قالت: فبكيت بكائي الّذي رأيت، فلما رأي جزعي سارني في الثانية فقال: صلّى اللَّه عليه وسلّم يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟ قالت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فضحكت ضحكي الّذي رأيت [ (1) ] . أخّر عند البخاري: هذه الأمة، وقال فيه: فقلت لها أيّا من نسائه خصك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسر بيننا ثم أتيت تبكين؟ وقال فيه مسلم: في كل سنة مرة أو مرتين. وخرجه النسائي [ (2) ] وقال فيه: فجاءت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تمشي ولا واللَّه أن تخطي مشيتها من مشية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى انتهت إليه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: مرحبا يا بنيتي. أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان [ (3) ] في باب من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به. وخرج في باب علامات النبوة في الإسلام (سبق تخريجه) وفي آخر المغازي (المرجع السابق: 8/ 171، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ووفاته، حديث رقم (4433- 4434) .) وفي باب مرض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ووفاته، من حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة ابنته- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- في شكواه الّذي قبض فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسارّها بشيء   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 238- 239، كتاب فضائل الصحابة باب (15) فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام، حديث رقم (98) . [ (2) ] لعله في (الكبرى) . [ (3) ] (فتح الباري) : 11/ 94، كتاب الاستئذان، باب (43) من ناجى بين يدي الناس، ولم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به، حديث رقم (6285) ، (6286) ، قوله: باب من ناجى بين يدي. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 420 فبكيت، ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت، فسألنا عن ذلك فقالت: سارني النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه يقبض في وجعه الّذي توفي فيه فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت. وخرجه البيهقي من طريق سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا يونس بن يزيد قال: حدثنا ابن غزية، عن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، أن فاطمة بنت الحسين، حدثته أن عائشة، حدثتها أنها كانت تقول: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال في مرضه الّذي قبض فيه لفاطمة: يا بنية أحني علي، فأحنت عليه، فناجاها ساعة، ثم انكشفت عنه، وهي تبكي وعائشة حاضرة ثم قال رسول اللَّه بعد ذلك بساعة: أحني علي بنية فأحنت عليه فناجاها ساعة، ثم انكشفت تضحك. قال: فقالت عائشة. أي بنية أخبرينى ماذا   [ () ] الناس ولم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به- ذكر فيه حديث عائشة في قصة فاطمة رضي اللَّه عنها إذ بكت لما سارها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ثم ضحكت لما سارها ثانيا فسألتها عن ذلك فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وذكر في الوفاة النبويّة، قال ابن بطال: مسارة الواحد مع الواحد بحضرة الجماعة جائر لأن المعنى الّذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف من ترك الجماعة قلت: وسيأتي إيضاح هذا، قال: وفيه أنه لا ينبغي إفشاء السر إذا كانت فيه مضرة على المرء، لأن فاطمة لو أخبرتهم لحزن لذلك حزنا شديدا، وكذا لو أخبرتهن أنها سيدة نساء المؤمنين لعظم ذلك عليهنّ واشتد حزنهن، فلما أمنت من ذلك بعد موته أخبرت به. قلت: أما الشق الأول فحق العبارة أن يقول: فيه جواز إفشاء السر إذا زال ما يترتب على إفشائه من المضرة، لأن الأصل في السر الكتمان وإلا فما فائدته؟ وأما الشق الثاني فالعلة التي ذكرها مردودة، لأن فاطمة- رضى اللَّه عنها- ماتت قبلهن كلهن وما أدري كيف خفي عليه هذا؟ ثم جوزت أن يكون في النسخة سقم وأن الصواب فلما أمنت من ذلك بعد موته، وهو أيضا مردود لأن الحزن الّذي علل به لم يزل بموت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بل لو كان كما زعم لاستمر حزنهن على ما فاتتهن من ذلك، وقال ابن التين يستفاد من قول عائشة (عزمت عليك بمالي عليك من الحق) جواز العزم بغير اللَّه، وقال: وفي (المدونة) عن مالك إذا قال: أعزم عليك باللَّه فلم يفعل لم يحنث، وهو كقوله لك اسألك باللَّه، وإن قال: أعزم باللَّه أن تفعل فلم يفعل حنث، لأن هذا يمين انتهى، والّذي عند الشافعية أن ذلك في الصورتين يرجع إلى قصد الحالف، فإن قصد يمين نفسه فيمين، وإن قصد يمين المخاطب أو الشفاعة أو أطلق فلا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 421 ناجاك أبوك؟ قالت فاطمة، أوشكت رأيته ناجاني على حال سر! وظننت أني أخبر بسره وهو حي! قال: فشق ذلك على عائشة أن يكون سرا دونها. فلما قبضه اللَّه إليه، قالت عائشة لفاطمة: ألا تخبريني بذلك الخبر؟ قالت: أما الآن، فنعم، ناجاني في المرة الأولى، فأخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة، وأنه عارضني بالقرآن العام مرتين. وأخبرنى أنه لم يكن نبي كان بعده إلا عاش بعده نصف عمر الّذي كان قبله، وأخبرنى أن عيسى ابن مريم عليه السلام، عاش عشرين ومائة سنة، فلا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين، فأبكاني ذلك. وقال: يا بنية إنه ليس أحد من نساء المسلمين أعظم رزية منكم، فلا تكوني من أدنى امرأة صبرا- وناجاني في المرة الآخرة. فأخبرني أني أول أهله لحوقا به. وقال: إنك سيدة نساء أهل الجنة. إلا ما كان من البتول مريم بنت عمران، فضحكت لذلك [ (1) ] . خرجه مسلم في المناقب قال البيهقي: كذا في هذه الرواية [ (2) ] وقد روى عن ابن المسيب قال: إن عيسى ابن مريم عليه السلام حين رفع إلى السماء كان ابن ثلاث وثلاثين سنة، وعن وهب بن منبه اثنان وثلاثون سنة، فإن صح قول ابن المسيب ووهب فالمراد من الحديث واللَّه أعلم بما يبقى في الأرض بعد نزوله من السماء. قال المؤلف: هذا حديث حسن فإنه متن رواية يحيي بن أيوب أبي زكريا العلاف المصري، قال النسائي: صالح ورواه يحيى عن سعيد بن أبي مريم عن سعد بن الحكم بن محمد بن سالم الجمحيّ أبو محمد الحافظ الثقة الفقيه ورواه ابن أبي مريم، عن نافع بن يزيد الكلاعي بن يزيد قال أحمد بن صالح كان من ثقات الناس وعمارة بن غزية بن الحارث بن عمرو الأنصاري ومعه أحمد وأبو زرعة.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 166. [ (2) ] في إسناده محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان بن عفان- قال البخاري: (لا يكاد يتابع في حديثه) (هامش البيهقي) ، و (الميزان) : 3/ 593. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 422 وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلّم بما خيره اللَّه تعالى بين الدنيا والآخرة فخرج البيهقي من طريق يونس بن بكير وإبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال حدثني عبد اللَّه بن عمر بن ربيعة عن عبيد مولى الحكم عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عن أبي مويهبة [ (1) ] مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أنبهنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الليل فقال: يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فخرجت معه حتى أتينا البقيع فرفع يديه فاستغفر لهؤلاء ثم قال: ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى: يا أبا مويهبة إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا، والخلد فيها، ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة، فقلت يا رسول اللَّه بأبي أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا، والخلد فيها، ثم الجنة، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة، ثم انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فلما أصبح ابتدئ بوجعه الّذي قبضه اللَّه تعالي فيه [ (2) ] وذكره الواقدي من حديث معمر وجماعة قالوا: قالت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: وثب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من مضجعه من جوف الليل فقلت: أين بأبي وأمي أي رسول اللَّه قال: أمرت أن أستغفر لأهل البقيع، فخرج حتى جاء البقيع فاستغفر لهم ليلا طويلا ثم قال. ليهنكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع بعضها بعضا، يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى ثم قال: يا أبا مويهبة، إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد، ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فقلت: بأبي وأمي، فخذ خزائن الدنيا والخلد، ثم الجنة فقال: يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة، ثم انصرف، وذلك ليلة الأربعاء، فأصبح صلى اللَّه عليه وسلّم محموما لليلتين بقيتا من صفر، وتوفي صلى اللَّه عليه وسلّم يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول.   [ (1) ] أبو مويهبة، ويقال أبو موهبة- وأبو موهوبة- وهو قول الواقدي- مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال البلاذري: كان من مولدي مزينة، وشهد غزوة المريسيع، وكان ممن يقود لعائشة جملها. (الإصابة) : 7/ 393، ترجمة رقم (10589) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 162- 163، باب، ما جاء في نعى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم نفسه إلى أبى مويهبة مولاه، وأخبره إياه بما اختار لنفسه فيما خير فيه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 423 وقد خرج الحاكم حديث أبي مويهبة من طريق إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق كما تقدم، وقال: صحيح علي شرط مسلم إلا أنه عجيب بهذا الإسناد [ (1) ] وخرج البيهقي من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ابن طاوس، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: نصرت بالرعب، وأعطيت الخزائن، وخيرت بين أن أبقي حتى أري ما يفتح علي أمتي وبين التعجيل، فاخترت التعجيل. قال: هذا مرسل وهو شاهد لحديث أبي مويهبة [ (2) ] وخرج سيف عن مبشر بن الفضيل، عن عبيد بن حنين، عن أبي مويهبة قال: أهبني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في المحرم مرجعه من حجته، وما أدرى أما مضى من الليل أكثر أو ما بقي منه فقلت: أين تريد بأبي وأمي؟ فقال: يا أبا مويهبة انطلق فإنّي قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع، قال: فخرج وخرجت معه حتى إذا جاءه استغفر لهم طويلا قائما وقاعدا، ثم قال: إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد فيها فخيرت بين ذلك والجنة، وبين لقاء ربي قال: قلت والجنة. قال: قلت بأبي أنت وأمي، خذ خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة قال: لا واللَّه يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة. قال: ثم وجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم واشتكى بعد ذلك بأيام.   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 57، كتاب المغازي والسرايا، حديث رقم (4383) . قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم، لكنه عجيب بهذا الإسناد، هكذا رواه إبراهيم بن سعد عنه- يعنى عن ابن إسحاق- ورواه يونس بن بكير عنه، قال: حدثني عبد اللَّه بن ربيعة، عن عبيد بن الحكم، عن عبد اللَّه بن عمرو، عن أبى مويهبة نحوه. قال الحافظ الذهبي: هذا أشبه ما رواه أحمد في المسند، عن عائشة: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بدأ به المرض في بيت ميمونة الحديث، صحيح. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 163، باب ما جاء في نعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم نفسه إلى أبي مويهبة مولاه، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 424 وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] والترمذي [ (3) ] ، من حديث مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبد اللَّه عن عبيد- يعني ابن حنين- عن أبى سعيد الخدريّ صلى اللَّه عليه وسلّم: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم جلس علي المنبر فقال: إن عبدا خيره اللَّه بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده، فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. فعجبنا له. وقال الناس: انظروا إلي هذا الشيخ يخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن عبد خيره اللَّه بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. فعجبنا له. وقال الناس: انظروا إلي هذا الشيخ يخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن عبد خيره اللَّه بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هو المخيّر، وكان أبو بكر هو أعلمنا به. وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر خليلا، إلا خلة الإسلام، لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر.   [ () ] وإخباره إياه بما اختاره لنفسه فيما خير فيه. [ (1) ] (فتح الباري) : 7/ 287، كتاب مناقب الأنصار، باب (45) هجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (3904) قوله: (باب هجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة) صلى اللَّه عليه وسلّم جاء عن ابن عباس أنه أذن له في الهجرة إلى المدينة بقوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً أخرجه الترمذي وصححه هو والحاكم، وذكر الحاكم أن خروجه صلى اللَّه عليه وسلّم من مكة كان بعد بيعة العقبة بثلاثة أشهر أو قريبا منها، وجزم ابن إسحاق بأنه خرج أول يوم من ربيع الأول، فعلى هذا يكون بعد البيعة بشهرين وبضعة عشر يوما. وكذا جزم به الأموي في المغازي عن ابن إسحاق فقال: كان مخرجه من مكة بعد العقبة بشهرين وليال، قال: خرج لهلال ربيع الأول وقدم لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول. قلت: وعليّ خرج يوم الخميس، وأما أصحابه فتوجه معه منهم أبو بكر الصديق وعامر بن فهيرة، وتوجه قبل ذلك بين العقبتين جماعة منهم ابن أم مكتوم، ويقال: إن أول من هاجر إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأشهل المخزومي زوج أم سلمة، وذلك أنه أوذي لما رجع من الحبشة، فعزم على الرجوع إليها فبلغه قصة الأثنى من الأنصار فتوجه إلى المدينة، ذكر ذلك ابن إسحاق، وأسند عن أم سلمة أن أبا سلمة أخذها معه فردها قومها فسبوها سنة، ثم انطلقت فتوجهت في قصة طويلة وفيها «فقدم أبو سلمة المدينة بكرة، وقدم بعده عامر بن ربيعة حليف بني عدي عشية» ثم توجه مصعب بن عمير كما تقدم آنفا ليفقه من أسلم من الأنصار، ثم كان أول من هاجر بعد بيعة العقبة عامر بن ربيعة حليف بني عدي على ما ذكر ابن إسحاق، وسيأتي ما يخالفه في الباب الّذي يليه وهو قول البراد: «أول من قدم علينا من المهاجرين» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 425   [ () ] «مصعب بن عمير» ثم توجه باقي الصحابة شيئا فشيئا كما سيأتي في الباب الّذي يليه. ثم لما توجه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم واستقر بها خرج من بقي من المسلمين، وكان المشركون يمنعون من قدروا على منعه منهم، فكان أكثرهم يخرج سرا إلى أنه لم يبق منهم بمكة إلا من غلب على أمره من المستضعفين ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث: الأول والثاني. قوله: «وقال عبد اللَّه بن زيد وأبو هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار أما حديث عبد اللَّه بن زيد فيأتي موصولا في غزوة حنين، وأما حديث أبي هريرة فتقدم موصولا في مناقب الأنصار. وقوله: «من الأنصار» أي من كان أنصاريا صرفا فما كان لي مانع من الإقامة بمكة كنت اتصفت بصفة الهجرة، والمهاجر لا يقيم بالبلد الّذي هاجر منها مستوطنا، فينبغي أن يحصل لكم الطمأنينة بأني لا أتحول عنكم، وذلك أنه إنما قال لهم ذلك في جواب قولهم: أما الرجل فقد أحب الإقامة بمدينته، وسيأتي لذلك مزيد في غزوة حنين إن شاء اللَّه تعالى. وقوله: «فذهب وهلي» بفتح الواو والهاء أي ظني، يقال: وهل بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ظن شيئا فتبين الأمر بخلافه، وقوله: «أو هجر» بفتح الهاء والجيم بلد معروف من البحرين وهي من مساكن عبد القيس، وقد سبقوا غيرهم من القرى إلى الإسلام كما سبق بيانه في كتاب الإيمان. ووقع في بعض نسخ أبي ذر «أو الهجر» بزيادة ألف ولام والأول أشهر، وزعم بعض الشراح أن المراد بهجر هنا قرية قريبة من المدينة، وهو خطأ فإن الّذي يناسب أن يهاجر إليه لا بد وأن يكون بلدا كبيرا كثير الأهل وهذه القرية التي قيل إنها كانت قرب المدينة يقال لها هجر لا يعرفها أحد، وإنما زعم ذلك بعض الناس في قوله: «قلال هجر» إن المراد بها قرية كانت قرب المدينة كان يصنع بها القلال، وزعم آخرون بأن المراد بها هجر التي بالبحرين كانت القلال كانت تعمل بها وتجلب إلي المدينة وعملت بالمدينة على مثالها، وأفاد ياقوت أن هجر أيضا بلد باليمن، فهذا أولي بالتردد بينها وبين اليمامة لأن اليمامة بين مكة واليمن، وقوله: «فإذا هي المدينة يثرب» كان ذلك قبل أن يسميها صلى اللَّه عليه وسلّم طيبة، ووقع عند البيهقي من حديث صهيب رفعه «أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين، فإما أن تكون هجر أو يثرب» ولم يذكر اليمامة، وللترمذي من حديث جرير قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم «إن اللَّه تعالى أوحى إلى أي هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك: المدينة أو البحرين أو قنسرين» لأن قنسرين من أرض الشام من جهة حلب، وهي بكسر القاف وفتح النون الثقيلة بعدها مهملة ساكنة، بخلاف اليمامة فإنّها إلى جهة اليمن، إلا أن يحمل على اختلاف فإن الأول جرى على مقتضى الرؤيا التي أريها، والثاني بخبر بالوحي، فيحتمل أن يكون أري أولا ثم خير ثانيا فاختار المدينة. الحديث الرابع: حديث خباب «هاجرنا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بإذنه، وإلا فلم يرافق النبي صلى اللَّه عليه وسلم سوى أبي بكر وعامر بن فهيرة كما تقدم، وقد أعاد المصنف هذا الحديث في هذا الباب، وستأتي الإشارة إليه بعد بضعة عشر حديثا، وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الرقاق، ومضى شيء منه في كتاب الجنائز. الحديث الخامس: حديث عمر «الأعمال بالنيات» أورده مختصرا، وقدم تقدم شرحه مستوفى في أول. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 426   [ () ] الكتاب، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري، وهو الّذي لا يثبت هذا الحديث إلا من طريقه. قوله: «حدثني إسحاق بن يزيد الدمشقيّ» هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الفراديسي الدمشقيّ أبو النضر، نسبة هنا إلى جده، وكذلك في الزكاة وفي الجهاد، وجزم بأنه الفراديسى الكلاباذي وآخرون، وتفرد الباجي فأفرده بترجمة ونسبه خراسانيا، ولم يعرف من حاله على شيء، وقول الجماعة أولى. قوله: «عن عبدة بن أبي لبابة» بضم اللام والموحدتين الأولى خفيفة الأسدي كوفي نزل دمشق وكنيته أبو القاسم، ولا يعرف اسم أبيه. قال الأوزاعي: لم يقدم علينا من العراق أفضل منه. قوله: «إن عبد اللَّه بن عمر كان يقول لا هجرة بعد الفتح» هذا موقوف، وسيأتي شرحه في الّذي بعده. قوله: «كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلخ» أشارت عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة وأن سببها خوف الفتنة، والحكم يدور مع علته، فمقتضاه أن من قدر على عبادة اللَّه في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلا وجبت، ومن ثم قال الماوردي: إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار الإسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة مما يترجى من دخول غيره في الإسلام، وتقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الجهاد في «باب وجوب النفير» في الجمع بين حديث ابن عباس «لا هجرة بعد الفتح» وحديث عبد اللَّه بن السعدي «لا تنقطع الهجرة» . وقال الخطابي: كانت الهجرة أي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في أول الإسلام مطلوبة، ثم افترضت لما هاجر إلي المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين، وقد أكد اللَّه ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب. وقال البغوي في (شرح السنة) » : يحتمل الجمع بينهما بطريق أخرى بقوله: «لا هجرة بعد الفتح» أي من مكة إلى المدينة، وقوله: «لا تنقطع» أي من دار الكفر فذلك حق من أسلم إلي دار الإسلام، قال: ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله: لا هجرة أي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن، وقوله: «لا تنقطع» أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الأعراب ونحوهم. قلت: الّذي يظهر أن المراد بالشق الأول وهو المنفي ما ذكره في الاحتمال الأخير، وبالشق الآخر المثبت ما ذكره في الاحتمال الّذي قبله، وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ «انقطعت الهجرة بعد الفتح إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار» أي ما دام في الدنيا دار كفر، فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينه، ومفهومه أنه لو قدر أن يبقى في الدنيا دار كفر أن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها واللَّه أعلم. وأطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلي المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلي المدينة بغير عذر كان كافرا، وهو إطلاق مردود، واللَّه أعلم. قوله: «فمكث بمكة ثلاث عشرة» هذا أصح مما أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد عن هشام بن حسان بهذا الإسناد قال: «أنزل علي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو ابن ثلاث وأربعين، فمكث بمكة عشرة» وأصح مما أخرجه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 427   [ () ] مسلم من وجه آخر عن ابن عباس «أن إقامة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمكة كانت خمس عشرة سنة» وقد تقدم بيان ذلك في كتاب المبعث، وسيأتي بقية الكلام عليه في الوفاة إن شاء اللَّه تعالى. وقوله هنا: «فهاجر عشر سنين» أي أقام مهاجرا عشر سنين، وهو كقوله تعالى: فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ. وقوله: «فقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ» في حديث ابن عباس عند البلاذري في نحو هذا القصة «فقال له أبو سعيد الخدريّ: يا أبا بكر ما يبكيك» فذكر الحديث. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 158- 159، كتاب فضائل الصحابة، باب (1) من فضائل أبي بكر الصديق، حديث رقم (2382) . قال القاضي: أصل الخلة الافتقار والانقطاع، فخليل اللَّه تعالى المنقطع إليه، وقيل: لقصره حاجته على اللَّه تعالى، وقيل: الخلة الاختصاص، وقيل الاصطفاء وسمى إبراهيم عليه السلام- خليلا، لأنه والى في اللَّه تعالى وعادى فيه، وقيل: سمي به لانه تخلق بأخلاق حسنة وخلال كريمة. وخلة اللَّه تعالى له نصرة، وجعله إماما لمن بعده. وقال ابن فورك: الخلة صفاء المودة بتخلل الإسار، وقيل أصلها المحبة. وقيل: الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله. ومعنى الحديث: أن حبّ اللَّه تعالى لم يبق في قلبه موضعا لغيره. قال القاضي: وجاء في أحاديث أنه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إلا أنا وحبيب اللَّه، فاختلف المتكلمون، هل المحبة أرفع من الخلة؟ أم الخلة أرفع من المحبة؟ أم هما سواء؟ فقالت طائفة: هما بمعنى، فلا يكون الحبيب إلا خليلا، ولا يكون الخليل إلا حبيبا، وقيل: الحبيب أرفع، لأنها صفة نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: الخليل أرفع، وقد ثبتت خلة نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم للَّه تعالى بهذا الحديث ونفى أن يكون له خليل غيره. [ (3) ] (سنن الترمذي) : 5/ 568، كتاب المناقب، باب (15) بدون ترجمة، حديث رقم (3660) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. والخوخة: باب صغير كالنافذة الكبيرة، وتكون بين بيتين، ينصب عليها باب عن التطرق إليها في خوخات إلا من أبوابها إلا لحاجة مهمة. (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) : 10/ 100، أبواب المناقب، باب (51) ، حديث رقم (3904) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 428 ذكر مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته عليه السلام ابتدأ به صلى اللَّه عليه وسلّم صداع في أواخر صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة. وقال الواقدي: وحدثني أبو معمر عن محمد بن قيس قال: اشتكى صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- شكوى شديدة حتى قيل هو مجنوب يعني ذات الجنب واجتمع إليه نساؤه كلهن، اشتكى ثلاثة عشرة وتوفي صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم الاثنين لليلتين مضيتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة. قالوا: بدئ يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، وتوفى صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول وهو الثّبت عندنا. وحدثني معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: بدئ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت ميمونة زوجته- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وخرج البخاري من حديث يحيي بن أبي زكريا، أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: وا رأساه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ذلك لو كان وأنا حيّ فأستغفر لك وأدعو لك، فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وا ثكلياه، واللَّه إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا وا رأساه، لقد همت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وابنه فأعهد أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون ثم قلت: يأبى اللَّه ويدفع المؤمنون، أو يدفع اللَّه ويأبى المؤمنون. ذكره في كتاب المرضى [ (1) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 152، كتاب المرضى، باب (16) ، ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع، أو وا رأساه، أو اشتد بي الوجع، وقول أيوب عليه السلام: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ حديث رقم (5666) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 429 خرج النسائي من حديث محمد بن مسلمة، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من جنازة وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم أنا وا رأساه، ثم قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: وما ضرك لو مت قبلك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك، ثم دفنتك، قالت: لكأنّي بك لو فعلت ذلك ثم رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك! فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم بدئ في مرضه الّذي مات فيه. وخرجه أيضا من طريق محمد بن مسلمة عن بن إسحاق عن يعقوب عن الزهري، وعن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن عروة ابن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: رجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا يا عائشة وا رأساه. ثم قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: واللَّه ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنك وصليت عليك ثم دفنتك؟ قالت: لكأنّي بك واللَّه لو فعلت ذلك قد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك فتبسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم بدئ بوجعه الّذي مات به، يعنى فيه. ورواه من حديث إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل علي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم   [ () ] قوله: (باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع أو وا رأساه أو اشتد الوجع، وقول أيوب عليه السلام: مسني الضر وأنت أرحم الراحمين. أما قوله «إني وجع» فترجم به في كتاب الأدب المفرد وأورده فيه من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال: «دخلت أنا وعبد اللَّه بن الزبير على أسماء- يعني بنت أبي بكر وهي أمهما- وأسماء وجعة، فقال لها عبد اللَّه: كيف تجدينك؟ قالت: وجعت» الحديث، وأصرح منه ما روى صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال «دخلت على أبي بكر رضي اللَّه عنه في مرضه الّذي توفي فيه، فسلمت عليه وسألته: كيف أصبحت؟ فاستوى جالسا فقلت: أصبحت بحمد اللَّه بارئا؟ قال: أما إني على ما ترى وجع» فذكر القصة، أخرجه الطبراني. وأما قوله: «وا رأساه» فصريح في حديث عائشة المذكور في الباب، وأما قوله «اشتد بي الوجع فهو في حديث سعد الّذي في آخر الباب، وأما قول أيوب عليه السلام فاعترض ابن التين ذكره في الترجمة فقال: هذا لا يناسب التبويب، لأن أيوب إنما قاله داعيا ولم يذكره للمخلوقين. قلت: لعل البخاري. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 430   [ () ] أشار إلى أن مطلق الشكوى لا يمنع ردا على من زعم من الصوفية أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم، فنبه على أن الطلب من اللَّه ليس ممنوعا، بل فيه زيادة عبادة، لما ثبت مثل ذلك عن الصوم وأثنى اللَّه عليه بذلك وأثبت له اسم الصبر مع ذلك، وقد روينا في قصة أيوب لما طال بلاؤه ورفضه القريب والبعيد، غير رجلين من إخوانه، فقال أحدهما لصاحبه: لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فبلغ ذلك أيوب- يعني فجزع من قوله- ودعا ربه فكشف ما به» . وعند ابن أبي حاتم من طريق عبد اللَّه بن عبيد بن نمير موقوفا عليه نحوه وقال فيه «فجزع من قولهما جزعا شديدا ثم قال: بعزتك لا أرفع رأسي حتى كشف عنه» . فكأنما رد البخاري أن الّذي يجوز من شكوى المريض ما كان على الطريق من اللَّه، أو على غير طريق التسخط للقدر والتضجر، واللَّه أعلم. قال القرطبي: اختلف الناس في هذا الباب، والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على رفعه، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه، وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد كان من فعل ذلك خرج عن معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر، واللَّه أعلم. وروى أحمد في «الزهد» عن طاوس أنه قال: أنين المريض شكوى، وجزم أبو طالب وابن الصباغ وجماعة من الشافعية أن أنين المريض وتأوهه مكروه، وتعقبه النووي فقال: هذا ضعيف أو باطل، فإن المكروه ما ثبت فيه نهى مقصود، وهذا لم يثبت فيه ذلك. ثم احتج بحديث عائشة في الباب، ثم قال: فلعلهم أرادوا بالكراهة خلاف الأولى، فإنه لا شك أن اشتغاله بالذكر أولى أهـ. ولعلهم أخذوه بالمعنى من كون كثرته تدل على ضعف اليقين، وتشعر بالتسخيط للقضاء وتورث شماتة الأعداء. وأما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقا. قوله: «حدثنا يحيى بن يحيى أبو زكريا» هو النيسابورىّ الإمام المشهور وليس له في البخاري سوى مواضع يسيرة في الزكاة والوكالة والتفسير والأحلام، وأكثر عنه مسلم، ويقال إنه تفرد بهذا الإسناد وإن أحمد كان يتمنى لو أمكنه الخروج إلى نيسابور ليسمع منه هذا الحديث، ولكن أخرجه أبو نعيم في «المستخرج» من وجهين آخرين عن سليمان بن بلال. قوله: «وا رأساه» هو تفجع على الرأس لشدة ما وقع به من ألم الصداع، وعند أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن عائشة «رجع رسول اللَّه (ص) من جنازة من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه» . قوله: «ذاك لو كان حي» ذاك بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت، أي لو مت وأنا حي، ويرشد إليه جواب عائشة، وقد وقع مصرحا به في رواية عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة ولفظه. قوله: «ذاك لو كان حي» ذاك بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت، أي لو مت وأنا حي، ويرشد إليه جواب عائشة، وقد وقع صرحا به في رواية عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة ولفظه. «ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي فكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك» وقولها «وا ثكلياه» بضم المثلثة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 431   [ () ] وسكون الكاف وفتح اللام وبكسرها مع التحتانية الخفيفة وبعد الألف هاء للندبة، وأصل الثكل فقد الولد أو من يعز على الفاقد، وليست حقيقته هنا مراده، بل هو كلام كان يجرى على ألسنتهم عند حصول المصيبة أو توقعها. وقولها واللَّه إني لأظنك تحب موتى كأنها أخذت ذلك من قوله لها: «لو مت قبلي» ، وقولها: «لو كان ذلك» في رواية الكشمهيني «ذاك» بغير لام أي موتها لظللت آخر يومك معرسا «العين والمهملة وتشديد الراء المكسورة وسكون العين والتخفيف، يقال: أعرس، بنى على زوجته، ثم استعمل في كل جماع، والأول أشهر، فإن التعريس النزول بليل. ووقع في رواية عبيد اللَّه «لكأنّي بك واللَّه لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست ببعض نسائك. قالت: فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقولها: بل «بل أنا وا رأساه» هي كلمة إضراب، والمعنى: دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي وزاد في رواية عبيد اللَّه ثم بدئ في وجعه الّذي مات فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قوله: «لقد هممت أو أردت» شك من الراويّ، ووقع في رواية أبي نعيم «أو وددت» بدل «أردت» . وقوله: «أن أرسل إلى أبي بكر وابنه» كذلك للأكثر بالواو وألف الوصل والموحدة والنون، ووقع في رواية مسلم: «وابنه» ولفظ «أو» التي للشك أو للتخير، وفي أخرى «أو آتيه» بهمزة ممدوة بعدها مثناة مكسورة ثم تحتانية ساكنة من الإتيان لمعنى المجيء، والصواب الأول، ونقل عياض عن بعض المحدثين تصويبها وخطأه. وقال: ويوضح الصواب قولها في الحديث الآخر عند مسلم «ادعي لي أباك وأخاك» وأيضا فإن مجيئه إلي أبي بكر كان متعسرا لأنه عجز عن حضور الصلاة مع قرب مكانها من بيته. قلت: في هذا التعليل نظر، لأن سياق الحديث يشعر بأن ذلك كان في ابتداء مرضه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد استمر يصلي بهم وهو مريض ويدور على نسائه حتى عجز عن ذلك وانقطع في بيت عائشة. ويحتمل أن يكون قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لقد هممت إلخ» وقع بعد المفاوضة التي وقعت بينه وبين عائشة بمدة، وإن كان ظاهر الحديث بخلافه. ويؤيد أيضا ما في الأصل أن المقام كان مقام استمالة قلب عائشة، فكأنه يقول: كما أن الأمر يفوض لأبيك فإن ذلك يقع بحضور أخيك، هذا إن كان المرد العهد بالخلافة، وهو ظاهر السياق كما سيأتي تقريره في كتاب الأحكام إن شاء اللَّه تعالى، وإن كان لغيره بالخلافة، وهو ظاهر السياق، كما وإن كان لغير ذلك فلعله أراد إحضار بعض مآربها حتى لو احتاج إلي قضاء حاجة أو الإرسال إلى أحد لوجد من يبادر لذلك. قوله: فأعهد أي أوصي. قوله: أن يقول القائلون أي لئلا يقول، أو كراهة أن يقول. قوله: «أو يتمنى المتمنون» بضم النون جمع متمني بكسرها، وأصل الجمع المتمنيون فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت، فاجتمعت كسرة النون بعدها الواو فضمت النون، وفي الحديث ما طبعت عليه المرأة من الغيرة، وفيه مداعبة الرجل أهله، والإفضاء إليهم بما يستره عن غيرهم، وفيه أن ذكر الوجع ليس بشكاية، فكم من ساكت وهو ساخط، وكم من شاك وهو راض، فالمعول في ذلكم على عمل القلب لا على نطق اللسان. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 432 في اليوم الّذي بدئ فيه، فقلت: وا رأساه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنك، فقلت: كأني بك ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك! قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا وا رأساه، أدعو إلي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا، فإنّي أخاف أن يقول قائل أو يتمنى متمن ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر [ (1) ] . وخرج البيهقي من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني يعقوب بن عتبة ابن المغيرة بن الأخنس، عن الزهري، عن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي فقلت: وا رأساه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم بل أنا واللَّه يا عائشة وا رأساه، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك وصليت عليك وواريتك؟ فقلت: واللَّه إني لأحسب أنه لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي آخر النهار فأعرست بها، فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم تمادى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعه، فاستقر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فاجتمع إليه أهله، فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إنا لنرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات الجنب فهلموا فلنلده، فلدوه، وأفاق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من فعل هذا؟ قالوا: عمك العباس، تخوف أن يكون بك ذات الجنب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنها من الشيطان، وما كان اللَّه تعالى ليسلطه عليّ، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فلدّ أهل البيت كلهم حتى ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، وإنها لصائمة يومئذ، وذلك بعين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم أستأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نسائه أن يمرض في بيتي، فخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيتي فهو صلّى اللَّه عليه وسلّم بين العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وبين رجل آخر لم تسمه قدماه تخطان الأرض إلى بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قال عبيد اللَّه: فحدثت هذا الحديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فقال: تدري من الرجل الآخر الّذي كان مع العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قلت: لا   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 207- 208، حديث رقم (24589) ، من حديث للسيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- الجزء: 14 ¦ الصفحة: 433 قال: هو عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. وقال سيف: عن سعيد عن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: اشتكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعه الّذي ألمه في ليلة صفر واشتكيت في تلك الليلة شكوى فجاءني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا في صرة أنادي: وا عماه، وا رأساه، عاصبا صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه يعودني، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد طرقني يا عائشة طارق من صداع فما برح بي، ولكن وجهك صوري فكيف بحديثك؟ قالت: والّذي بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحق لقد فزعت فزعة طار عني ما أحذرني حتى ما أخشى منه شيئا، وقربت إليه فالتزمته وأنا أقول: وا ويلاه، فقال: وأخبراه، لا تدعى بالويل، وأقبل يمازحني حتى سكنني وإنه لمثبت، وفزع الناس بضحكي فأقبلوا فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إليكم فإنه لم يحدث إلا خيرا، فتراجع الناس ولزمه النسوة ودرن معه دورة ثم استأذنهن في بيتي، فأذن له. وقال سيف: عن محمد بن إسحاق، عن الزهريّ ويزيد بن رومان وأبي بكر بن عبد اللَّه: أن الّذي كان ابتدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من وجعه الّذي لزمه أن دخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم يجد صداعا فوجدها بصداع وتقول: وا رأساه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا واللَّه يا عائشة وا رأساه فو اللَّه لقد طاوعني ما لقد ولدت أن استطار، فسكنني صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمزاح عليّ بحسم منه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما ضرك يا عائشة لو مت قبلي فأقوم عليك وأصلّى عليك؟ فقالت له: لكأنّي بك قد فعلت وأعرست مع نسائك في آخر ذلك اليوم! فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم تمادى به وجعه وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك يدور على نسائه حتى استقر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. قالت: فلما رأوا ما به اجتمع رأي من في البيت علي أن يلدّوه وتخوفوا أن يكون به ذات الجنب، ففعلوا، ثم فرج عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد لدوّه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم من صنع بى هذا؟ فهبنه، واعتللن بالعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فاتخذ جميع من في البيت العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سببا، ولم يكن له في ذلك رأي، فقالوا: يا رسول اللَّه: عمك العباس- الجزء: 14 ¦ الصفحة: 434 رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أمر بذلك، وتخوفنا أن يكون ذلك ذات الجنب فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنها من الشيطان ولم يكن اللَّه- عز وجل- يسلطه علي ولكن هذا عمل النساء، لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي العباس فلدوا كلهم ولدت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وكانت صائمة لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلي بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى- عنها وكان يومها بين العباس وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والفضل- رضي اللَّه تبارك وتعاله عنه- ممسك بظهره ورجلاه صلّى اللَّه عليه وسلّم تخطان في الأرض حتى دخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلم يزل عندها مغلوبا لا يقدر على الخروج، وغير مغلوب وهو لا يقدر على الخروج من بيتها إلى غيره. وقال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما صنع به في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: غدا في بيت عائشة فهل تطبن إلى المقام في بيت إحداكن حتى يقضي اللَّه تعالى في قضاءه؟ فقلن: نعم فأتاني في بيتي وفي يومي، وكان آخر أيامه يومي، كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يدور علينا. وقال الواقدي: حدثني عاصم بن عبد اللَّه بن عمرو بن الحكم قال: قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- سبعة أيام يبعث إلى نسائه أسماء بنت عميس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يشق عليه أن يدور عليكن فأحللنه فكن يحللنه. وحدثني إبراهيم بن سعد، عن أبيه قال: كانت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تدور على نسائه وتقول: أحللنه فيحللنه. وحدثني ابن أبي سبرة عن يحيى بن سهل، عن أبي جعفر قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحمل في ثوب ويطاف به على نسائه، وذلك أن زينب بنت جحش- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كلمته في ذلك فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأنا أدور عليكن، فكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يحمل في ثوب ويحمل جوانبه الأربع، يحمله أبو رافع مولاه وأبو مويهبة، وشقران، وثوبان، - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم الجزء: 14 ¦ الصفحة: 435 حتى يقسم لهن كما يقسم، فجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: أين أنا غدا؟ فيقولون: عند فلانة فعرف أزواجه أنه يريد عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقلن: يا رسول اللَّه قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة. قال سيف: عن سبط، عن نعيم بن أبي هند، عن شقيق بن سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قالت: لما اشتكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل يدور بين نسائه ويتحامل، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما لهن وهن مجتمعات عنده: قد ترين ما أصابنى من الشكوى وهو يستند علي أن أدور بينكن فلو أذنتن لي في بيت إحداكن حتى أعلم ما يصنع اللَّه تعالى، فقالت إحداهن: أي نبي اللَّه، قد أذناك وعرفنا البيت الّذي تريد، فتحول إليه فالزمه، فإنا لو قدرنا أن نفديك بأنفسنا فديناك وسررناك، فقال: فأي بيت هو؟ قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى- عنها: لا تعدل به فتحول إلي بيتي. وقال سيف: عن هشام بن عروة، عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقول في وجعه وهو يدور على نسائه: أين أنا غدا؟ فنقول: عند فلانة، فإذا كان الغد قال: أين أنا غدا؟ فما زال ذلك من قوله كل يوم حتى قيل: عند عائشة في اليوم الّذي استأذن نساءه فيه في المقام في بيت إحداهن، ففرح حتى عرف القوم فيه ألحقه. وقال سيف، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو في مرضه، وهو عند نسائه: أين أنا غدا؟ قالوا عند فلانة، ثم سأل صلّى اللَّه عليه وسلّم أيضا فقال: أين أنا غدا؟ فكذلك حتى قال بعض نسائه: إنما يريد يوم بنت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فأذن له، قلن له: يا رسول اللَّه إنما نحن أخوات فأنت في حل، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أجل، فسر بذلك. قال الواقدي: فحدثني عاصم بن عبد اللَّه عن عمرو بن الحكم قال: فنقل صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يوم الأربعاء الآخر حتى توفي، فأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيتها، قال: وقالوا: لما مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذته بحة شديدة مع حمى معظمة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 436 وقال سيف: عن الوليد بن كعب عن أبيه، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: طلب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يمرضه فقال، صلى اللَّه عليه وسلم: يا أبا بكر، هو ابتلاء لأهلي أن يمرضوني، وقد وقع أجرك على اللَّه، فوليت تمريضه ما دام الرجال يدخلون عليه، فلما ارتفعوا خاليته والنسوة. وقال البخاري: وقال يونس عن الزهري: قال عروة: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول في مرضه الّذي مات فيه: يا عائشة! ما أزال أجد ألم الطعام الّذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم [ (1) ] . وخرج البيهقي من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن مرة، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه قال: لأن أحلف تسعا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قتل قتلا أحب إليّ من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل. وذلك أن اللَّه تعالى اتخذه نبيا واتخذه شهيدا. [ (2) ] وقال سيف: حدثني سعيد بن عبد اللَّه، عن ابن أبي مليكة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخلت أم شريك على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يجد غما ونفسا فقال: يا أم بشر هذا أوان وجدت انقطاع أبهرى من الأكلة التي أكلتها أنا وأبوك يوم خيبر. قالت: وكانت امرأة من أهل خيبر أتتهما بشاة مصلية مسمومة، فأهوى أبوها إلى اللقمة ونهش النبي صلى اللَّه عليه وسلم الذراع، فقالت الذراع: لا تأكل فإنّي مسمومة، فرمي بها وتعقبه منها ما تعقب. وقال الواقدي: فحدثني معمر ومالك عن الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ على   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 165، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته حديث رقم (4428) [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 172، باب ما جاء في إشارته صلى اللَّه عليه وسلم إلى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- في ابتداء مرضه بما يشبه النعي، ثم إخباره إياها بحضور أجله، وما في حديثها من أنه صلى اللَّه عليه وسلم توفي شهيدا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 437 نفسه بالمعوذات، فلما مرض وثقل كنت أقرأها في يديه وأمسح بهما جسده وألتمس بذلك بركة يديه، ودخلت عليه في مرضه أم بشر بنت البراء بن معرور فقالت: يا رسول اللَّه ما وجدت مثل هذه الحمى التي عليك على أحد! فقال صلى اللَّه عليه وسلم وما كان اللَّه تعالى ليسلطها على رسوله إنها همزة من الشيطان، ولكنها من الأكلة التي أكلت أنا وابنك بخيبر من الشاة، كان يصيبني منها عداد مرة فكان هذا أوان انقطاع أبهري، فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شهيدا. وخرج البخاري [ (1) ] من حديث الليث قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود قال: إن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذن له فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض بين العباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر، قال عبيد اللَّه: فأخبرت عبد اللَّه بالذي قالت عائشة، فقال لي عبد اللَّه بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الّذي لم تسم عائشة؟ قال: قلت: لا، قال ابن عباس: هو علي، وكانت عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم تحدث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال: أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن، لعلي أعهد إلى الناس، وأجلسناه في مخضب لحفصة زوجة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن. قالت: ثم خرج صلى اللَّه عليه وسلم إلى الناس فصلى بهم وخطبهم. وأخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، قال: إن عائشة وعبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: لما نزل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: لعنة اللَّه على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا. وأخبرني عبيد اللَّه أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لقد راجعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا يقوم مقامه أبدا، وإلا كنت أرى أنه لن   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 178، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي ووفاته، حديث رقم (4442) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 438 يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به، فأردت أن يعدل ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هكذا ذكر البخاري هذا الحديث في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . قال الواقدي: حدثني معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد أن دخل بيتها واشتد وجعه قال: أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد الى الناس قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فأجلسناه في مخضب لحفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثل الأيرن من صفر وطفقنا نصب عليه تلك القرب حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن، ثم خرج صلى اللَّه عليه وسلم إلى الناس فصلى بهم وخطبهم، قالوا: وكانت تلك القرب من بئر أبي أيوب الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وخرج البيهقي حديث: «وإن اللَّه خير عبدا» ، ثم قال: وهذا الّذي رواه أبو سعيد الخدريّ وأبو يعلي الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في خطبة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، إنما كان ذلك حين خرج في مرضه بعد ما اغتسل ليعهد الي الناس والّذي يدل على ذلك فذكر ما خرجه البخاري من حديث وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت يعلي بن حكيم يحدث عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، فصعد على المنبر فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي   [ (1) ] لم أجد هذا الحديث في (صحيح البخاري) بهذه السياقة، وقد ذكره الحافظ البيهقي في (دلائل النبوة) : 7/ 186- 187، باب ما جاء في أمره حين اشتد به المرض- أبا بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يصلي بالناس، وقال في هامشه: أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة عن يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، وقال تابعة الزبيدي وابن أخي الزهري وإسحاق بن يحيى الكلبي عن الزهري. وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب (21) استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض أو سفر وغيرهما من يصلي بالناس، حديث رقم (93) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 439 قحافة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ذكره في كتاب الصلاة، في باب الخوخة والممر في المسجد [ (1) ] . وخرجه في المناقب مختصرا من حديث وهيب، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-[ (2) ] . وخرج النسائي من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبد اللَّه بن الحارث، قال: قال لي خبّاب: إنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبل أن يتوفى يقول: قد كان إخوة وأصدقاء فأراني أبرأ إلي كل خليل من خلّته، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وإن ربي اتخذني خليلا، كما اتخذ أبي إبراهيم خليلا، ألا ولا تتخذوا القبور مساجد، فإنّي أنهاكم عن ذلك، ذكره في تفسير سورة النساء. قال البيهقيّ: وفي هذه الخطبة، قال: فذكر ما خرجه البخاري في علامات النبوة في الإسلام من حديث أبي نعيم، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة الغسيل حدثنا، عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه في ملحفة قد عصب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار، حتى يكونوا في الناس كالملح في الطعام فمن ولي منكم شيئا يضرّ فيه قوما وينفع آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، فكان آخر مجلس جلس فيه النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] . وذكر من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن أيوب بن بشير قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال في مرضه: أفيضوا عليّ سبع قرب   [ (1) ] حديث رقم (467) . [ (2) ] باب (5) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا» حديث رقم «3656» . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 178. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 440 من سبع آبار شتّى، حتى أخرج وأعهد إلي الناس، ففعلوا، فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر بعد حمد اللَّه تعالى والثناء على أصحاب أحد، فاستغفر لهم ودعا لهم، ثم قال: يا معشر المهاجرين، إنكم قد أصبحتم تزيدون والأنصار علي هيئتها لا يزيدون، وإنهم عيبتي التي آويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: أيها الناس إن عبدا من عباد اللَّه تعالى قد خيّره اللَّه تعالى بين الدنيا وبين ما عند اللَّه تعالى فاختار ما عند اللَّه عز وجل ففهمها أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من بين الناس فبكى، ثم قال: نفديك بأنفسنا وآبائنا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر، انظروا إلى هذه البيوت الشارعة في المسجد فسدوها، الا ما كان من بيت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- فإنّي لا أعلم أحدا أفضل عندي يدا في الصحبة منه [ (1) ] قال البيهقي: هذا وإن كان مرسلا ففيه ما في حديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من تاريخ هذه الخطبة وأنها كانت بعد ما اغتسل ليعهد إلي الناس، وينعي نفسه إليهم. وخرج من طريق الواقدي. قال حدثني فروة بن زبيد طوسا، عن عائشة بنت سعد، عن أم ذرّة، عن أم سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاصبا رأسه بخرقة، فلما استوى علي المنبر أحدق الناس بالمنبر واستكفوا، فقال: والّذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض ساعة، ثم تشهّد فلما قضي تشهده، كان أول ما تكلم به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد، ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: إن عبدا من عباد اللَّه تعالى خيّر بين الدنيا وبين ما عند اللَّه عز وجل، فاختار العبد ما عند اللَّه تعالى، فبكى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعجبنا لبكائه. وقال: بأبي وأمي، نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا، فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هو المخيّر وكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أعلمنا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: على رسلك. [ (1) ] وخرجه الواقدي عن عروة به، قال في آخره: قال عمر- رضي اللَّه تبارك   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7: 178. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 441 وتعالى عنه- يا رسول اللَّه دعني افتح كوّة فأنظر إليك حين تخرج إلى الصلاة فقال صلى اللَّه عليه وسلم: لا. وقال سيف: عن محمد بن إسحاق، [ (1) ] عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن نغسّله من سبع قرب من سبع آبار، ففعلنا ذلك وصببنا عليه فوجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم راحة فخرج يصلى بالناس واستغفر لأهل أحد ودعا لهم، وأوصى بالأنصار فقال: أما بعد، يا معشر المهاجرين فإنكم تزيدون، وأصبحت الأنصار على هيئتها التي هي عليها اليوم، إلا أن الأنصار عيبتي التي آويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، ثم قال: إن عبدا من عباد اللَّه تعالى خيّره ما بين الدنيا وبين ما عند اللَّه عزّ وجل، فاختار ما عند اللَّه تعالى فبكى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وظنّ أنه يريد نفسه، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر، سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنّي لا أعلم امرأ أفضل عندي في الصحبة من أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال سيف: حدثني سعيد بن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رفع يومئذ صوته حتى أسمع من وراء المسجد، فقال: أيها الناس، سعرت النار، وأقبلت فتن كقطع الليل المظلم وإنها آكلة من وجدت على رأس خمس وثلاثين سنة، إلا من تمسّك بالثقلين من كتاب اللَّه تعالى وسنتي وإني لم أحلّ إلا ما أحل القرآن ولم أحرّم إلا ما حرّم القرآن، والمسلمون شهود اللَّه فيما لم يكن فيه كتاب ولا سنة فما حسنوه فحسن وما قبحوه فقبيح، فالزموا الجماعة والطاعة، فأما الجماعة فالسنة، وأما الطاعة فالعصمة، ثم دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيته وقال: مروا أبا بكر يصلي بالناس. وقال الواقدي: قالت أم ذرّة: فسمعت أبا سعيد- رضي اللَّه تبارك   [ (1) ] (المرجع السابق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 442 وتعالى عنه- يقول: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ مشتملا قد طرح طرفي ثوبه على عاتقه عاصبا رأسه بعصابة، وقال بعد التشهد: يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون، وأصبحت الأنصار لا تزيد علي هيئتها التي هي عليها اليوم وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها فاحفظوني فيهم، فأكرموا كريمهم، وأقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم. قال: واعترض رجل فقال يا رسول اللَّه: ما بال أبواب أمرت فيها أن تفتح وأبواب أمرت بها أن تغلق؟ فقال صلى اللَّه عليه وسلم ما فتحتها ولا أوصدتها عن أمرى. وخرج البيهقي من حديث معن بن عيسى القزاز عن الحارث بن عبد الملك ابن عبد اللَّه بن إياس الليثي، عن القاسم بن يزيد بن عبد اللَّه بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: أتانى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يوعك وعكا شديدا وقد عصب رأسه فقال: خذ بيدي يا فضل، قال: فأخذت بيده حتى قعد على المنبر ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: ناد في الناس يا فضل، فناديت: الصلاة جامعة، قال: فاجتمعوا فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خطيبا. فقال: أما بعد، أيها الناس، وإنه قد دنا مني حقوق من بين أظهركم، ولن تروني في هذا المقام فيكم، وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عني حتى أقومه فيكم ألا فمن كنت جلدت له ظهرا، فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت أخذت له مالا، فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد، ولا يقولن قائل: أخاف الشحناء من قبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي، وإن من أحبكم إليّ من أخذ حقا إن كان له عليّ وحللني، فلقيت اللَّه تعالى وليست عندي لأحد مظلمة [ (1) ] . قال: فقام رجل فيهم: فقال: يا رسول اللَّه! لي عندك ثلاثة دراهم فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أما أنا فلا أكذّب قائلا ولا مستحلفه على يمين، فيم كانت لك عندي؟ قال: أما تذكر أنه مرّ بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم؟ قال   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 179. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 443 صلى اللَّه عليه وسلم أعطه يا فضل. قال: قال: فأمر به فجلس [ (1) ] . ثم عاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مقالته الأولى، ثم قال أيها الناس من كان عنده من الغلول شيء فليرده، فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه! عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل اللَّه، قال صلى اللَّه عليه وسلم: ولم غللتها؟ قال: كنت إليها محتاجا فقال صلى اللَّه عليه وسلم خذها منه يا فضل [ (2) ] . ثم عاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مقالته الأولى وقال: أيها الناس من أحس من نفسه شيئا فليقم أدعو اللَّه عز وجل ذكره له، قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه: إني لمنافق، وإني لكذوب، وإني لنؤوم، فقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ويحك أيها الرجل! لقد سترك اللَّه تعالى، لو سترت على نفسك. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة اللَّهمّ ارزقه صدقا، وإيمانا، وأذهب عنه النوم إذا شاء، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عمر معى، وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ... [ (3) ] . وقال سيف: حدثني سعيد بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: لما رأت الأنصار أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يزداد ثقلا أطافوا بالمسجد فدخل العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاعلمه بمكانهم ثم دخل عليه الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأعلمه بمثل ذلك، فمد يده فقال: هنا فيتناولوه، فقال: وما يقولون؟ قال: يقولون نخشى أن تموت وفضائح نسائهم لاجتماع رجالهم إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فثار النبي صلى اللَّه عليه وسلم فخرج متوكئا على علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والفضل والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أمامه والنبي صلى اللَّه عليه وسلم معصوب الرأس يخط برجله حتى جلس على أسفل مرقاه من المنبر وثاب الناس إليه فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس بلغني أنكم تخافون عليّ الموت كافة استنكارا منكم للموت وما تنكرون من موت.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 180 وفيه «فأمرته فجلس» . [ (2) ] (المرجع السابق) . [ (3) ] (المرجع السابق) ونقله الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) وقال: في إسناده ومتنه غرابة شديدة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 444 نبيكم؟ ألم أنع لكم وتنعي لكم أنفسكم؟ هل خلد نبي قبلي ممن بعث إليه فأخلد فيكم؟ ألا إني لاحق وإنكم لاحقون به، وإني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا وأوصى المهاجرين فيما بينهم، وإن اللَّه عزّ وجلّ قال: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [ (1) ] إلي آخرها، وإن الأمور تجري بإذن اللَّه تعالى، فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله فإن اللَّه عز وجل لا يعجل بعجلة أحد، ومن غالب اللَّه غلبه، ومن خادع اللَّه خدعه فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ [ (2) ] وأوصيكم بالأنصار خيرا فإنّهم الذين يتبوءوا الدار والإيمان، أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم الثمار؟ ألم يتوسعوا عليكم في الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟ ألا فمن إن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، ألا ولا تستأثروا عليهم، ألا وأنا فرط لكم وأنتم لاحقون بي، ألا وإن موعدكم الحوض حين أعرض مما بين، بصري الشام، وصنعاء اليمن، فصب فيه ميزاب الكعبة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وألين من الزبد، وأحلى من الشهد، من يشرب منه لم يظمأ أبدا، حصباؤه اللؤلؤ، وبطحاؤه في مسك، من حرمه في الموقف غدا حرم الخير كلّه، ألا فمن أحب أن يرد عليّ غدا فليكفف يده ولسانه إلا مما ينبغي. فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا نبيّ اللَّه، أوص بقريش، فقال: إنما أوصى بهذا الأمر قريشا، الناس تبع لقريش من أبرهم وفاجرهم فاستوصوا، إن قريشا بالناس خيرا، يا أيها الناس، إن الذنوب تغير النعم، وتبدل القسم، وإذا برّ الناس برّهم أئمتهم، وإذا فجروا عقوهم. قال اللَّه عز وجل: وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [ (3) ] .   [ (1) ] العصر: 1- 2. [ (2) ] محمد: 22. [ (3) ] الأنعام: 129. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 445 ذكر إرادة الرسول صلى اللَّه عليه وسلم أن يكتب كتابا لأصحابه وقد اشتد به الوجع خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن ابن عباس قال لما حضر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب اللَّه، واختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر: فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال قوموا عني. قال عبيد اللَّه: فكان ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم. لفظهم فيه متقارب وذكر البخاري في كتاب المرض، وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنه [ (4) ] ، وفي آخر المغازي، وذكره مسلم في الوصايا، وأخرجه البخاري في كتاب العلم [ (5) ] في باب كتابة العلم من حديث يونس عن الزهري   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 167، كتاب المغازي، باب (84) مرضى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، حديث رقم (432) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 102- 104، كتاب الوصية باب (5) ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصى فيه، حديث رقم (22) . [ (3) ] لعله في (الكبرى) . [ (4) ] (فتح الباري) /: 13/ 414، كتاب الاعتصام، باب (26) كراهية الاختلاف، حديث رقم (7366) : يقول أن الرزية كل الرزية أن حال شيء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب. من اختلافهم ولغطهم. [ (5) ] قوله: باب كراهية الاختلاف ولبعضهم الخلاف أي في الأحكام الشرعية أو أعم من ذلك وسقطت هذه الترجمة لابن بطال فصار حديثها من جملة باب النهي للتحريم ووجهه بأن الأمر بالقيام عن الاختلاف في القرآن للندب لا لتحريم القراءة عند الاختلاف والأولى ما وقع عند الجمهور وبه جزم الكرماني فقال في آخر حديث عبد اللَّه بن مغفل: هذا آخر إيراد في الجامع من مسائل أصول الفقه الجزء: 14 ¦ الصفحة: 446 قال: لما اشتد بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب اللَّه حسبنا، فاختلفوا وأكثروا اللغط: قال صلى اللَّه عليه وسلم قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين كتابه. وخرج البخاري ومسلم من حديث سفيان. بن عيينة، عن سليمان بن أبي مسلم أنه سمع سعيد بن جبير. قال: إنه سمع ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بلى دمعه، فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي أبدا فتنازعوا وما ينبغي عند نبي تنازع، وقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه، فقال صلى اللَّه عليه وسلم دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه فأمرهم بثلاث: فقال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، والثالثة إما أن سكت عليها وإما أن   [ () ] قوله: «حدثنا إسحاق» هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في (المستخرج) وقوله في آخر قال أبو عبد اللَّه سمع عبد الرحمن يعني ابن مهدي المذكور في السند سلاما يعني بتشديد اللام وهو ابن أبي مطيع، وأشار بذلك قوله: قال عبيد اللَّه هو ابن عبد اللَّه بن عتبة هو موصول بالسند المذكور وقد تقدم بيان ذلك في (كتاب العلم) وفي آخر المغازي في باب الوفاة النبويّة. إلى ما أخرجه في فضائل القرآن عن عمرو بن على عن عبد الرحمن قال: حدثنا سلام بن أبي مطيع ووقع هذا الكلام للمستملي وحده. قوله: «وقال يزيد بن هارون إلخ، وصله الدارميّ عن يزيد بن هارون لكن قال عن همام، ثم أخرجه عن أبي النعمان، عن هارون الأعور، وتقدم في آخر فضائل القرآن الاختلاف على أبي عمران في سند هذا الحديث مع شرح الحديث، وقال الكرماني: مات يزيد بن هارون سنة ست ومائتين فالظاهر أن رواية البخاري عنه تعليق انتهى. وهذا لا يتوقف فيه من اطلع على ترجمة البخاري، فإنه لم يرحل من بخارى إلا بعد موت يزيد بن هارون بمدة. قوله في حديث ابن عباس. واختلف أهل البيت: اختصموا، كذا لأبي ذر وهو تفسير لاختلفوا، ولغيره واختصموا بالواو العاطفة وكذا تقدم في آخر المغازي. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 447 قالها فنسيتها. قال سفيان: هذا من قول سليمان. اللفظ للبخاريّ. ذكره في كتاب الجزية، وذكره مسلم في كتاب الوصايا ولم يقل فكيف؟ ولا قال: مما تدعوا إليه. وقال: لا تضلوا بعدي، وقال: أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب. وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجزهم، قال: وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها، ولم يقل: قول سفيان. وذكره البخاري في آخر المغازي [ (1) ] من حديث ابن عيينة، عن سليمان الأحول بهذا الإسناد. ولم يقل: في هذا، ثم بكي حتى بلّ دمعه الحصى، ولا قال: يكتب، وقال: لن تضلوا بعده، وقال: أوصاهم. بثلاث، وقال: سكت عن الثالثة، أو قال: فنسيتها. وذكره في كتاب الجهاد. [ (2) ] وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث سفيان قال: سمعت سليمان يحدث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس. وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ائتوني بكتف والدواة واللوح أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. قالوا: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هجر [ (4) ] . وقال الإمام أحمد حدثنا معاوية، [ (5) ] حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن ابن أبي مليكة. عن عائشة قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبى بكر كتابا لا يختلف عليه، فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال: أبى اللَّه والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر. وقال الواقدي: قال ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس؟ ثم   [ (1) ] (سبق تخريجه) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 6/ 209، باب (175) جوائز الوفد، وباب (176) هل يستشفع إلى أهل الذمة؟ ومعاملتهم، حديث رقم (3053) . [ (3) ] (لعله في الكبرى) . [ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 17، حديث رقم (23679) من حديث السيدة عائشة. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 181. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 448 بكى حتى بل دمعه الحصى، قيل: وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجعه فقال: ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدة أبدا فتنازعوا ولا ينبغي التنازع عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال بعضهم: ما له؟ أهجر؟ فقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنده. قال: دعوني فما أنا فيه خير مما تألونني، فأوصاهم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما تروني أجيزهم، وأنفذوا جيش أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قوموا. وكان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم [ (1) ] . وقال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه وعبد الملك بن جرير، عن عطاء، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وعن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه عن أبيه قال: كان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول لما كانت ليلة الخميس وما يوم الخميس، وما يوم الخميس، قال ليلة الخميس وما ليلة الخميس؟ قلت: ليلة الخميس وما ليلة الخميس ويوم الخميس؟ ثم سكت وإذا ذكر الخميس قلت: وما ذاك؟ فقال: هي الليلة التي ثقل فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثقلا ثقل مثله، وهو اليوم التي ثقل فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لا تختلفون بعده. وأغمي عليه فدعا العباس بالدواة والصحيفة، فقال رجل من أهل البيت: رسول اللَّه هجر، فأناق، فقال يا رسول اللَّه إلا نأتيك بالصحيفة التي طلبت والدواة لتكتب لها فيها ما لا نختلف بعده؟ فقال: الآن بعد ما قلتم يهجر؟ فلم نفعل، فأنا مقنع على ما فاته من ذلك. ورواه عن أبى الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- مثل ذلك قال: وكان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 102- 103 كتاب الوصية باب (5) الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، حديث رقم (22) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 449 يقول: ما ضياع ما ضيع من إضاعة الرأى. قال سيف: عن وائل بن داود، عن يزيد النهي، عن النبي قال: لتؤتونى بكتف وداوة، أكتب لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كتابا لا يختلف عليه معه اثنان من بعدي فأتي بهما قال صلى اللَّه عليه وسلم: ألا معاذ اللَّه لأبي بكر من ذلك، ومعاذ اللَّه أن تختلفوا على أبي بكر. قال البيهقي رحمة اللَّه: وإنما قصد عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بما قال في التخفيف على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين رآه قد غلب عليه الوجع، ولو كان ما يريد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يكتب لهم شيئا مفروضا، لا يستغنون عنه أم يتركه باختلافهم ولغطهم لقول اللَّه عز وجل: بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [ (1) ] كما لم يترك تبليغ غيره بمخالفة من خالفه، ومعاداة من عاداه، وإنما أراد فيما حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أن يكتب استخلاف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثم ترك كتابته اعتمادا على ما علم من تقدير اللَّه تعالى ذلك كما هم به في ابتداء مرضه حين قال: وا رأساه، ثم بدا له صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يكتب، وقال: يأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر، ثم نبه أمته على خلافته باستخلافه إياه في الصلاة حين عجز عن حضورها، وإن كان المراد به رفع الخلاف في الدين، قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: علم أن اللَّه تعالى قد أكمل دينه بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [ (2) ] وعلم انه لا يحدث واقعه إلى يوم القيامة إلا وفي كتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله صلى اللَّه عليه وسلم بيانها، نصا ودلالة وفي نصّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على جميع ذلك في مرض موته مع شدة وعكه، مما يشق عليه، فرأى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الاقتصار على ما سبق بيانه نصا أو دلالة، تخفيفا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولكيلا تزول فضيلة أهل العلم بالاجتهاد في الاستنباط وإلحاق الفروع بالأصول، بما دلّ الكتاب والسنة عليه، وفيما سبق من قوله صلى اللَّه عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، دليل على أنه وكل بيان بعض   [ (1) ] المائدة: 67. [ (2) ] المائدة: 3. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 450 الأحكام إلى اجتهاد العلماء، وأنه أحرز من أصاب منهم الأجرين الموعودين: أحدهما بالاجتهاد والآخر بإصابة العين بما عليها من الدلالة في الكتاب والسنة وإنه أحرز من اجتهد فأخطأ أجرا واحدا باجتهاده، ورفع إثم الخطأ عنه وذلك في أحكام الشريعة التي لم يأت بيانها نصا، وإنما ورد خفيا [ (1) ] . فأما مسائل الأصول فقد ورد بيانها جليا، فلا عذر لمن خالف بيانه لما فيه من فضيلة العلماء بالاجتهاد وإلحاق الفروع بالأصول، بالدلالة مع طلب التخفيف على صاحب الشريعة، وفي ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الإنكار فيما قال دليل واضح على استصوابه رأيه [ (2) ] [وباللَّه التوفيق] [ (3) ] .   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 184- 185. [ (2) ] (المرجع السابق) : 185. [ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 451 ذكر أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين اشتد به الوجع أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يصلي بالناس خرج البخاري من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود قال: كنا عند عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها، قالت: لما مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرضه الّذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس! فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا، فقال الثالثة فقال: إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس، فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم من نفسه خفّة فخرج يهادي بين رجلين، كأني انظر رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن مكانك، ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه. قيل للأعمش: وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلي وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي بصلاته والناس بصلاة أبي بكر؟ فقال برأسه: نعم، ذكره في باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة [ (1) ] . وخرج أبو داود عن شعبه عن الأعمش بعضه وزاد أبو معاوية: جلس عن يسار أبى بكر، فكان أبو بكر يصلى قائما. وخرج البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فقلت لحفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قولي له: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رجل أسيف وأنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-؟ فقالت له، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 193، كتاب الأذان، باب 39 حد المريض أن يشهد الجماعة، حديث رقم (664) قوله: «أسيف» شديد الحزن والبكاء، من الأسف. قوله: «صواحب يوسف» : الصواحب جمع صاحبه، وهي المرأة، ويوسف هو يوسف النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وصواحب: امرأة العزيز، والنساء اللاتي قطعن أيديهن، أراد: إنكن تحسّن للرجل ما لا يجوز، وتغلبن على رأيه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 452 إنكن لأنتن صواحب يوسف! مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فأمروا أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فليصلى بالناس قالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من نفسه خفة، فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حسّه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: قم مكانك، فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. قالت: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قائما يقتدي أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بصلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر [ (1) ] . وقال البخاري: فكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقتدي بصلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال البخاري: فكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قائما، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي قاعدا يقتدي أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بصلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ترجم عليه باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم قال: ويذكر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم [ (2) ] وخرج مسلم من حديث ابن مسهر وعيسى بن يونس، كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد ونحوه في حديثهما: لما مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرضه الّذي توفي فيه وفي حديث ابن مسهر فأتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى أجلس إلي جنبه وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يسمعهم التكبير، وفي حديث عيسى: فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يسمعهم التكبير وفي حديث عيسى: فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- جنبه وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى   [ (1) ] (جامع الأصول) : 8/ 596، حديث رقم (6420) . [ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 260، كتاب الأذان، باب (68) ، حديث رقم (713) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 453 عنه- يسمع الناس [ (1) ] وخرجه البخاري من حديث الأعمشي عن إبراهيم عن الأسود. عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرضه الّذي مات فيه أتاه بلال يؤذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس قلت: إن أبا بكر رجل أسيف إن يقم مقامك يبكي فلا يقدر على القراءة فقال: مروا أبا بكر فليصل، فقلت مثله، فقال في الثالثة أو الرابعة: إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل، فصلى وخرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم يهادى بين رجلين كأني انظر إليه يخط برجليه الأرض، فلما رآه أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ذهب يتأخر، فأشار إليه أن صل فتأخر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- وقعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلي جنبه وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يسمع الناس التكبير. ترجم عليه باب من أسمع الناس تكبير الإمام. [ (2) ] وخرج البخاري ومسلم من حديث زائدة عن موسى بن أبي عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: بلى، ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أصلّي الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك قال: ضعوا لي ماء في المخضب قالت: ففعلنا، فاغتسل صلى اللَّه عليه وسلم ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال صلى اللَّه عليه وسلم أصلّي الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا لي ماء في المخضب، فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أصلي الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه، والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة. قالت: فأرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- بأن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان رجلا رقيقا يا عمر- صل بالناس، فقال له عمر   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 384، كتاب الصلاة، باب (21) استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرها من يصلى بالناس، وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام لزمه القيام إذا قدر عليه، ونسخ القعود خلف القاعد في حق من قدر على القيام، حديث رقم (96) . [ (2) ] حديث رقم (712) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 454 أنت أحق بذلك: فصلى أبو بكر في تلك الأيام. ثم إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين- أحدهما العباس لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بأن لا يتأخر، قال لهم: أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر، فجعل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر، والنبي صلى اللَّه عليه وسلم قاعد. قال عبيد اللَّه: فدخلت علي عبد اللَّه بن عباس فقلت له: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: هات، فعرضت عليه حديثها فما أنكر منه شيئا غير أنه قال: أسمّت لك الرجل الّذي كان مع العباس؟ قلت: لا، قال: هو عليّ. ألفاظهما فيه متقاربة ذكره البخاري في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به [ (1) ] وأخرجه النسائي من حديث عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا زائدة، عن موسى بن أبي عائشة إلى آخره بنحوه، ذكره في باب الائتمام بالإمام يصلي قاعدا، وقال: بعضه عن موسي بن أبي عائشة [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث هشام بن يوسف، عن معمر، عن الزهري قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه قال: لما ثقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم واشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج بين رجلين يخط رجلاه الأرض، وكان بين العباس وبين رجل آخر. قال عبيد اللَّه: فذكرت لابن عباس ما قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقال لي: وهل تدري من الرجل الّذي لم تسم عائشة؟ قلت: لا، قال: هو علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ذكره في باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة وذكره مختصرا في كتاب الخمس، في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم.   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 220، كتاب الأذان، باب (51) إنما جعل الإمام ليؤتم به، وصلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي توفى فيه بالناس وهو جالس، حديث رقم (687) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 2/ 2436 كتاب الإمامة، باب (40) الائتمام بالإمام يصلى قاعدا، حديث رقم (833) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 455 وخرجه مسلم [ (1) ] من طريق عبد الرزاق، قال الزهري: وأخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبرته قالت: أول ما اشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها فأذن له، قالت: خرج ويدا له على الفضل بن العباس ويدا له على رجل آخر، وهو يخط برجله في الأرض فقال عبيد اللَّه: فحدّث به ابن عباس فقال: أتدري من الرجل الّذي لم تسمّ عائشة؟ هو عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وخرجه أيضا من حديث الليث عن عقيل بن خالد قال: ابن شهاب أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، أن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاشتد به وجعه واستأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج بين رجلين يخط رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وبين رجل آخر، قال عبيد اللَّه: فأخبرت عبد اللَّه بالذي قالت عائشة، قال أتدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال ابن عباس: هو علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (2) ] قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي: كانت مدة مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم اثني عشر يوما، وقيل: أربعة عشر يوما، وكان صلى اللَّه عليه وسلم يخرج إلى الصلاة إلا أنه انقطع ثلاثة أيام فقال صلى اللَّه عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل بالناس [ (3) ] . قال الواقدي: حدثني بن أبي سبرة عن أيوب بن عبد الرحمن، عن أبي صعصعة عن عباد بن تميم قال: صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس إلى أن توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبع عشرة صلاة. وحدثني بن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عكرمة قال: صلى بهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثلاثا يعني ثلاثة أيام. قال سيف: عن طلحة بن عمرو الحضرميّ، عن عبد اللَّه بن أبي نجيح   [ (1) ] : حديث رقم (655) . [ (2) ] : حديث رقم (3099) . [ (3) ] : (صفة الصفوة) : 1/ 1165، ذكر وفاته صلى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 456 ومحد بن شريك عن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عبد اللَّه بن زمعة قال: جاء بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في أول ربيع الأول فأذن بالصلاة فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مروا أبا بكر يصلي بالناس، فخرجت فلم أر بالباب إلا عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في رجال ليس فيهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقلت: قم يا عمر فصل بالناس، فقام عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكبر وكان رجلا صيتا، فلما سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صوته بالتكبير قال: أين أبو بكر؟ يأبى اللَّه ذلك والمسلمون ثلاث مرات، مروا أبا بكر فليصلّ بالناس فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا رسول اللَّه: إن أبا بكر رجل رقيق إذا قام في مقامك غلب عليه البكاء، فقال صلى اللَّه عليه وسلم إنكن صواحب يوسف! مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فصلى أبو بكر بعد الصلاة التي صلى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان عمر يقول: لعبد اللَّه بن زمعة بعد ذلك: ويحك ماذا صنعت بي واللَّه لولا أني ظننت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمرك ما فعلت، فيقول عبد اللَّه: إني لم أر أحدا أولى بذلك منك. وقال سيف: عن عبد اللَّه بن الوليد، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمر عن أبيه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- نحوا من ذلك، وقالت عائشة: ما قلت ولا أردت صرف ذلك عن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلا رغبا به عن الدنيا، ولما في الولاية من المخاطرة والهلكة إلا ما سلّم اللَّه، وخشيت أيضا أن لا يكون الناس يحبون رجلا قام في مقام النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو حيّ أبدا إلا أن يشاء اللَّه يحسدونه ويبغون عليه ويتشاءمون به فإذا الأمر أمر اللَّه عز وجل والقضاء قضاؤه، وعصمه اللَّه من كل ما تخوفت من أمر الدنيا والدين وسلمت من كل ما تخوفت من أمر الدنيا والناس مما كنت أخاف. قال سيف: عن سلمة بن نبيط عن نعيم بن أبي هند، عن شقيق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما تحول النبي إلى صلاة الصبح فأفاق صلى اللَّه عليه وسلم وقال: هل صلى الناس بعد؟ فقلت: أذّن بلال وهو بالباب ينتظرك أن تخرج فتصلي بالناس، قال صلى اللَّه عليه وسلم: فمروا بلالا فليقم ومروا أبا بكر الجزء: 14 ¦ الصفحة: 457 فليصل بالناس، فقلت: رقة الصديق ووجده بك ما قد علمت، فمتى يقم مقامك لا يستطيع أن يمضي في صلاته، وأغمي عليه وأفاق، فقال: هل صلى الناس بعد؟ فقال مثل ما قال وأغمي عليه، فقلت لحفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وهي إلى جنبي: قد رددت أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرتين وأنا أخاف أن أغضبه فأجبته هذه المرة واشتدي بأبيك فإنه أرفق لذلك، فأفاق النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أصلي الناس بعد؟ فقالت حفصة: يا رسول اللَّه إن من رقة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ووجده بك ما قد علمت، ومتى يقم في مقامك لا يستطيع أن يمضي في صلاته، فلو أمرت عمر فصلى بالناس فغضب صلى اللَّه عليه وسلم وقال: دعينى منكن، فإنكنّ صواحب يوسف، وأمر بلالا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يقيم، وأمر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يصلي بالناس، فصلى بالناس، وكان صلى اللَّه عليه وسلم يؤذنه بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لكل صلاة فإن قدر على الخروج وإلا أمر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فيصلي بالناس. وقال عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قلت: يا أمّ المؤمنين كم صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بالناس؟ فقالت: اثنى عشر يوما، لا تأتي الصلاة إلا جاء بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى الباب يؤذن بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فيقول: مروا أبا بكر فليصل بالناس إلا أن يجد خفة فيخرج، فقلت: فهل صلى خلفه النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالت: نعم قاعدا ما دام لا يقدر على القيام. قال سيف: عن محمد بن إسحاق عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لم يصلّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلف أحد من أمته صلاة تامة إلا خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وصلى صلى اللَّه عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ركعة. قال سيف: عن هلال بن عامر، عن رافع بن عمر عن أبيه قال: حج النبي صلى اللَّه عليه وسلم سنة عشر، ثم رجع فأقام بقية ذي الحجة والمحرم ثم اشتكى في صفر فلما ثقل عن الخروج أمر أبا بكر أن يقوم مقامه وكان يصلى بالناس، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم ربما خرج بعد ما يدخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في الجزء: 14 ¦ الصفحة: 458 الصلاة خلفه ولم يقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلف أحد من أمته غيره إلا ركعة صلاها في سفر خلف عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. ذكر آخر صلاة صلاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أولها إلى آخرها، وأول صلاة أمر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يصليها بالناس، والصلاة التي حضرها حين وجد من نفسه خفة، وصلاة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بهم فيما بينهما أياما خرج البخاري ومسلم من حديث مالك، عن ابن شهاب عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً [ (1) ] فقالت: يا بنىّ لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ بها في المغرب. ذكره البخاري في باب القراءة في المغرب [ (2) ] . وخرجه مسلم أيضا من حديث سفيان ويونس ومعمر وصالح وابن كيسان عن الزهري بهذا الإسناد، وزاد صالح: ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه اللَّه عز وجل. وذكره البخاري في آخر كتاب المغازي في أول باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم   [ (1) ] المرسلات: 1. [ (2) ] (فتح الباري) : 2/ 313، كتاب الأذان، باب 98، القراءة في المغرب، حديث رقم 763. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 459 ووفاته، من حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن عتبة، عن ابن عباس عن أم الفضل بنت الحارث قالت: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا، ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه عز وجل [ (1) ] . وخرج البيهقي من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن عتبة عن ابن عباس، عن أمه أم الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: خرج إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى بنا المغرب فقرأ بالمرسلات، فما صلى بعدها حتى لقي اللَّه عزّ وجل. ثم ذكر البيهقي حديث موسى بن أبي عائشة عن عبيد اللَّه، عن عبد اللَّه قال: دخلت على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وطوله؟ قال في هذه الرواية الصحيحة: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم تقدم في تلك الصلاة، وعلق أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاته بصلاته، وكذلك رواه الأسود بن يزيد، وابن أخيها عروة بن الزبير، كذلك رواه الأثرم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. ثم ذكر من طريق شبابه بن سوار، قال حدثنا شعبة عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قالت: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قاعدا. وذكر من طريق مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة. عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر. ومن طريق هشيم قال: أخبرنا يونس عن الحسن قال: وأخبرنا حميد عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي بالناس، فجلس صلى اللَّه عليه وسلم إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته.   [ (1) ] حديث رقم (4429) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 460 ومن طريق ابن أبي مريم قال: أخبرني حميد أنه سمع أنسا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: آخر صلاة صلاها النبي مع القوم في ثوب واحد ملتحفا به خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. كذا قاله محمد بن جعفر بن أبي كثير ورواه سليمان بن بلال، عن حميد عن ثابت البناني، حدثه عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكذلك قاله يحيى بن أيوب عن حميد، عن ثابت قال: حدثه عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في ثوب واحد برد مخالفا بين طرفيه، فلما أراد أن يقوم قال: ادع لي أسامة بن زيد فجاء، فاسند ظهره إلى نحره، فكانت آخر صلاة صلاها. قال البيهقي وفي هذه دلالة على أن هذه الصلاة التي صلاها خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كانت صلاة الصبح فإنّها أخر صلاة صلاها، وهي التي دعا أسامه بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين فرغ منها فأوصاه في مسيره بما ذكره أهل المغازي. قال: فالذي تدل عليه هذه الروايات مع ما تقدم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلفه في تلك الأيام التي كان يصلى بالناس مرة وصلى أبو بكر خلفه مرة، وعلى هذا حملها الشافعيّ رحمه اللَّه تعالى. وفي مغازي موسى بن عقبة وغيره، بيان الصلاة التي صلاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعضها خلف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهي صلاة الصبح، من يوم الاثنين. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 461 فصل فيما جاء في آخر صلاة صلاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالناس، من أولها إلى آخرها، وأول صلاة أمر أبا بكر الصديق أن يصليها بالناس، والصلاة التي حضرها صلى اللَّه عليه وسلم حين وجد من نفسه خفة، وصلاة أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بهم فيما بينهما أياما قال البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، وأبو القاسم الحسن بن محمد ابن حبيب من أصله قالا: حدثنا أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الصفار إملاء، قال: حدثنا عبيد بن شريك، قال: حدثنا يحيى بن عبد اللَّه بن بكير، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- عن أم الفضل بنت الحارث، أنها قالت: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب ب وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً [ (1) ] ما صلى لنا بعدها، حتى قبضه اللَّه، قال البيهقيّ: رواه البخاريّ في الصحيح عن ابن بكير. وأخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، قال: حدثنا يوسف بن بهلول، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس، عن أم الفضل، قالت: خرج إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه، فصلى بنا المغرب فقرأ ب وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فما صلى بعدها حتى لقي اللَّه تبارك وتعالى. قال البيهقي: وإنما أرادت واللَّه- تبارك وتعالى عنه أعلم- بالناس مبتدأ بها، فإنما توفي صلى اللَّه عليه وسلم نهارا. [ (2) ]   [ (1) ] المرسلات: 1. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 190. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 462 قال البيهقي: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زائدة بن قدامة، قال: حدثنا موسي بن أبي عائشة، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، قال: دخلت على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت: بلي ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أصلى بالناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه فقال صلى اللَّه عليه وسلم ضعوا لي ماء في المخضب، قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول اللَّه، فقال: ضعوا لي ماء في المخضب. قالت: فعلنا، فاغتسل ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول اللَّه فقال: ضعوا لي ماء في المخضب. قالت ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، وهم ينتظرونك، والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلاة العشاء قالت: فأرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلى الناس، فقالت: فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقالت: فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس. فقالت: فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تصلى بالناس. فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وكان رجلا رقيقا: يا عمر صل بالناس، فقال له عمر: أنت أحق بذلك مني قالت: فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ثم إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس، لصلاة الظهر، وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يصلي بالناس. قالت: فما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يتأخر، وقال لهما: أجلسانى إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قالت: فجعل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي وهو قائم بصلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والناس يصلون بصلاة بصلاة أبى بكر، والنبي صلى اللَّه عليه وسلم قاعد. قال عبيد اللَّه: فدخلت على عبد اللَّه بن عباس، فقلت: ألا أعرض الجزء: 14 ¦ الصفحة: 463 عليك ما حدثتني عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: هات، فعرضت عليه حديثها. فما أنكر منه شيئا، غير أنه قال:، سمّت لك الرجل الآخر الّذي كان مع العباس؟ قال: لا. قلت: هو عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رواه البخاري ومسلم في الصحيح، عن أحمد بن يونس. قال البيهقيّ: وفي هذه الرواية الصحيحة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم تقدم في تلك الصلاة، وعلّق أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاته بصلاته. وكذلك رواه الأسود بن يزيد، وابن أختها عروة بن الزبير، وكذلك رواه الأرقم بن شرحبيل، عن عبد اللَّه بن عباس. وقد أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلويّ، قال: أخبرنا أبو حامد ابن الشرقيّ، قال حدثنا إبراهيم بن عبد اللَّه، قال: حدثنا شبابة بن سوار، قال: حدثنا شعبة، عن نعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قالت: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه خلف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قاعدا وكذلك روى عن الأسود، عن عائشة في إحدى الرواتين عن الأعمش. قال البيهقيّ: أخبرنا أبو الحسن بن الفضل بن القطّان ببغداد، قال: أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر درستويه، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا شعبة، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر. وكذلك روى حميد، عن أنس بن مالك، ويونس عن الحسن، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسلا. قال البيهقيّ: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمد المقرئ، قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب، قال: أخبرنا أبو الربيع قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، قال: وأخبرنا حميد عن أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس، فجلس إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته. وأخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد، قال: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 464 حدثنا عبيد بن شريك، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي مريم، قال: حدثنا محمد ابن جعفر، قال: أخبرنا حميد، أنه سمع أنسا يقول: آخر صلاة صلاها النبي صلى اللَّه عليه وسلم مع القوم في ثوب واحد، ملتحفا به خلف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كذا قاله محمد بن جعفر بن أبي كثير. ورواه سليمان بن بلال عن حميد عن ثابت البنانيّ، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكذلك قاله يحيى بن أيوب عن حميد. أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسي بن الفضل، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، قال: حدثنا حميد الطويل، عن ثابت البنانيّ، حدثه عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في ثوب واحد، برد مخالفا بين طرفيه. فلما أراد أن يقوم قال: ادع لي أسامه بن زيد، فجاء فأسند ظهره إلي نحره. فكانت آخر صلاة صلاها. وفي هذا دلالة على هذه الصلاة، هي التي صلاها خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كانت صلاة الصبح. فإنّها آخر صلاة صلاها، وهي التي دعا أسامة بن زيد حين فرغ منها، فأوصاه في مسيره بما ذكره أهل المغازي. قال البيهقي: فالذي تدل عليه هذه الروايات مع ما تقدم، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلي خلفه في تلك الأيام التي كان يصلي بالناس مرة، وصلى أبو بكر خلفه مرة وعلى هذا حملها الشافعيّ- رحمه اللَّه- في مغازي موسى بن عقبة وغيره، بيان الصلاة التي صلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعضها خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهي صلاة الصبح من يوم الاثنين. وفيما روينا عن عبيد اللَّه عن عائشة، وابن عباس بيان الصلاة التي صلاها أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خلفه بعد ما افتتحها بالناس وهي صلاة الظهر من يوم السبت، أو الأحد فلا يتنافيان [ (1) ] واللَّه تعالى أعلم. [ (2) ]   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 179- 183. [ (2) ] زيادة للسياق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 465 ذكر تقرير النبي صلى اللَّه عليه وسلم أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في آخر صلاة صلاها بالناس في حياته، وإشارته صلى اللَّه عليه وسلم إليهم قائما بها خلفه وارتضائه صلى اللَّه عليه وسلم صنعهم وذلك في صلاة الفجر يوم الاثنين، وهو اليوم الّذي توفّي فيه وقول من زعم أنه صلى اللَّه عليه وسلم خرج فصلى منها ركعة خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعد ما أمره بالتقديم ثم صلى لنفسه أخرى خرج البخاريّ من حديث أبى اليمان، قال: أخبرنا شعيب عن الزهريّ، قال: أخبرنى أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان تبع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وخادمه وصحبه قال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يصلى لهم في وجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم الّذي توفّي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين- وهم صفوف في الصلاة- فكشف النبي صلى اللَّه عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف- ثم تبسّم يضحك. فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى اللَّه عليه وسلم فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن أتموا صلاتكم. وأرخى الستر، فتوفّي رسول اللَّه من يومه. ذكره في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يصلي في وجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الّذي توفى فيه، فذكره بنحوه أو قريب منه، وخرجه من حديث سفيان بن   [ (1) ] (فتح الباري) : 2/ 209، كتاب الأذان، باب (46) أهل العلم والفضل أحق بالإمامة، حديث رقم (680) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 466 عيينة، عن معمر عن الزهري. وأخرج البخاري من حديث أبي معمر حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لم يخرج إلينا نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثا وأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يتقدم بالحجاب فلما وضح لنا وجه النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين وضح لنا قال: فأومأ نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يتقدم، وأرخى النبي صلى اللَّه عليه وسلم الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات [ (1) ] ، لفظهما فيه متقارب. قال البيهقي: فهذان عدلان شهدا بذلك على أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقد روى عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ما يؤكد رواية أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ويشهد لها بالصحة [ (2) ] . فذكر ما خرجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] والنسائي [ (5) ] من حديث سفيان بن عيينة قال: أخبرني سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد اللَّه بن معبد، عن أبيه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: أيها الناس إنه لم يبق من مبشّرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا. فأما   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (681) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 195، باب ما جاء في تقرير النبي صلى اللَّه عليه وسلم أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على آخر صلاة صلاها بالناس في حياته، وإشارته إليهم بإتمامها خلفه وارتضائه صنيعهم، وذلك في صلاة الفجر من يوم الاثنين، وهو اليوم الّذي توفي فيه، وقول من زعم أنه خرج، فصلى منها ركعة خلف أبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بعد ما أمره بالتقدم ثم زعم أنه خرج، فصلى منها ركعة خلف أبي بكر بعد ما أمره ثم صلى لنفسه أخرى. خلف أبي بكر. [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 442، كتاب الصلاة، باب (41) النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، حديث رقم (207) . [ (4) ] (سنن أبي داود) : 1/ 545- 546، كتاب الصلاة، باب (152) الدعاء في الركوع والسجود حديث رقم (876) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 4/ 442- 443، حديث رقم (208) قوله: قال أبو بكر حدثنا سفيان الجزء: 14 ¦ الصفحة: 467   [ () ] عن سليمان هذا من ورع مسلم وباهر علمه لأن في رواية اثنين عن سفيان بن عيينة أنه قال: أخبرني سليمان بن سحيم وسفيان معروف بالتدليس وفي رواية أبي بكر عن سفيان عن سليمان فنبه مسلم على اختلاف الرواة في عبارة سفيان. قوله: كشف الستارة، هي بكسر السين وهي الستر الّذي يكون على باب البيت والدار. قوله صلى اللَّه عليه وسلم نهيت أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء. فقمن أن يستجاب لكم. وفي حديث علي رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه نهاني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن أقرأ راكعا أو ساجدا فيه النهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود وإنما وظيفة الركوع التسبيح ووظيفة السجود التسبيح والدعاء فلو قرأ في ركوع أو سجود غير الفاتحة كره، ولم تبطل صلاته وإن قرأ الفاتحة ففيه وجهان لأصحابنا: أصحهما أنه كغير الفاتحة ولا تبطل صلاته، والثاني يحرم وتبطل صلاته هذا إذا كان عمدا، فإن قرأ سهوا لم يكره سواء قرأ عمدا أو سهوا يسجد للسهو عند الشافعيّ، رحمه اللَّه تعالى. قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «فأما الركوع فعظموا فيه الرب» أي سبحوه ونزهوه ومجدوه وقد ذكر مسلم بعد هذا الأذكار التي تقال في الركوع والسجود واستحب الشافعيّ رحمه اللَّه تعالى وغيره من العلماء أن يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى، ويكرر كل واحدة منها ثلاث مرات، ويضم إليه ما جاء في حديث علي رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ذكره مسلم بعد هذا: اللَّهمّ لك ركعت، اللَّهمّ لك سجدت ... إلي آخره، وإنما يستحب الجمع بينهما لغير الإمام وللإمام الّذي يعلم أن المأمومين يؤثرون التطويل، فإن شك لم يزد على التسبيح، ولو اقتصر الإمام والمنفرد على تسبيحه واحدة فقال: سبحان اللَّه حصل أصل سنة التسبيح لكن ترك كمالها وأفضلها. واعلم أن التسبيح في الركوع والسجود سنة غير واجب، هذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعيّ رحمهم اللَّه تعالى، والجمهور، وأوجبه أحمد رحمه اللَّه تعالى، وطائفة من أئمة الحديث، لظاهر الحديث في الأمر به، ولقوله صلى اللَّه عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي. وهو في صحيح البخاري وأجاب الجمهور بأنه محمول على الاستحباب واحتجوا بحديث المسيء صلاته، فان النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يأمره به، ولو وجب لأمره به، فإن قيل: فلم يأمره بالنية والتشهد والسلام؟ فقد سبق جوابه عند شرحه. وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: فقمن هو بفتح القاف وفتح الميم وكسرها لغتان مشهورتان فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنى ولا يجمع، ومن كسر فهو وصف يثنى ويجمع وفيه لغة ثالثة: قمين بزيادة ياء وفتح القاف وكسر الميم ومعناه: حقيق وجدير. وفيه الحث على الدعاء في السجود فيستحب أن يجمع في سجوده بين الدعاء والتسبيح وستأتي الأحاديث فيه. قوله «ورأسه معصوب» فيه عصب الرأس عند وجعه. قوله «عبد اللَّه بن حنين» هو بضم الحاء الجزء: 14 ¦ الصفحة: 468 الركوع فعظموا فيه الرّب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء. فقمن أن يستجاب لكم. وخرّج مسلم من حديث يحيي عن أيوب، حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد اللَّه بن معبد عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن أبيه، عن عبيد اللَّه بن عياض- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الستر ورأسه معصوب في مرضه الّذي مات فيه فقال: اللَّهمّ هل بلغت؟ ثلاث مرات، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا. يراها العبد الصالح أو ترى له. ثم ذكر بمثل حديث سفيان. وخرجه النسائي من حديث علي بن حجر: حدثنا إسماعيل، وهو ابن جعفر، حدثنا سليمان، وهو ابن سحيم بهذا الإسناد كما قال مسلم، ثم قال بعد ذلك: ألا وإني نهيت عن القراءة في الركوع والسجود، فإذا ركعتم فعظموا اللَّه تعالى وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم [ (1) ] . قال البيهقيّ: والّذي يدل عليه حديث أم الفضل بنت الحارث، ثم حديث عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، ثم حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلى بالناس صلاة العشاء الآخرة، ليلة الجمعة. ثم صلى بهم خمس صلوات   [ () ] وفتح النون. قوله فنهاني ولا أقول نهاكم ليس معناه إن النهي مختص به وإنما معناه أن اللفظ الّذي سمعته بصيغة الخطاب لي فأنا أنقله كما سمعته، وان كان الحكم يتناول الناس كلهم. ذكر مسلم الاختلاف على إبراهيم بن حنين في ذكر ابن عباس بين علي وعبد اللَّه بن حنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال الدارقطنيّ: من أسقط ابن عباس أكثر وأحفظ، قلت: وهذا اختلاف لا يؤثر في صحة الحديث، فقد يكون عبد اللَّه بن حنين سمعه من ابن عباس عن علي، ثم سمعه من علي نفسه، وقد تقدمت هذه المسألة أوائل هذا الشرح مبسوطة. قوله «نهاني حبي (ص) » هو بكسر الحاء والباء أي محبوبي. (5) سبق تخريجه. [ (1) ] سبق تخريجه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 469 يوم الجمعة، ثم خمس صلوات يوم السبت، ثم خمس صلوات يوم الأحد، ثم صلى بهم صلاة الصبح يوم الاثنين، وتوفي النبي صلى اللَّه عليه وسلم من ذلك اليوم، وكان قد خرج فيما بين ذلك حين وجد من نفسه خفة لصلاة الظهر، إما يوم السبت، وإما يوم الأحد، بعد ما افتتح أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاته بهم، فافتتح صلاته، وعلقوا صلاتهم بصلاته، وهو قاعد، وهم قيام وصلى مرة أخرى خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في رواية نعيم بن أبي هند ومن تابعه، فيكون جمله ما صلّى بهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم معهما ما افتتحها قبل خروجه سبع عشرة صلاة. ثم ذكر من طريق الحسين بن الفرج، قال: حدثنا الواقدي قال: سألت أبا بكر بن أبي سبرة: كم صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس؟ قال: سبع عشرة صلاة. قلت: من أخبرك؟ قال: أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن رجل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم. قال البيهقيّ: وقد ذهب موسى بن عقبة، في مغازيه إلي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في صلاة الصبح من يوم الاثنين، حتى وقف إلي جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصلى خلفه ركعة، فلما سلم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الركعة الآخرة. وكذلك هو في مغازي أبي الأسود عن عروة. وذلك يوافق ما رويناه عن حميد، عن ثابت، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في صلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورواية نعيم بن أبي هند وغيره في حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، ولا ينافي ما روينا عن الزهري وغيره عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. ويكون الأمر فيه محمولا على أنه رآهم وهم صفوف خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في الركعة الأولى من صلاة الصبح، فقال ما حكي هو وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، ثم خرج فأدرك معه الركعة الآخرة، أو خرج فصلى، ثم قال ما حكيا، فنقلا بعض الخبر ونقل الجزء: 14 ¦ الصفحة: 470 غيرهما ما تركاه، كما نقل أحدهما فيما رواه ما ترك صاحبه. ثم ذكر من طريق محمد بن عتاب العبديّ، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن موسى بن عقبة قال: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة يعني من حجة الوداع، فعاش بالمدينة حين قدمها بعد صدرة المحرم واشتكى في صفر، فوعك أشدّ الوعك، واجتمع إليه نساؤه كلهن يمرضنه، وقال نساؤه: يا رسول اللَّه إنه ليأخذك وعك ما وجدنا مثله على أحد قط غيرك. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كما يعظم لنا الأجر، كذلك يشتد علينا البلاء. واشتد عليه الوعك أياما وهو ينحاز إلى الصلوات حتى غلب فجاءه المؤذن، فأذنه بالصلاة فنهض فلم يستطع من الضعف، ونساؤه حوله، فقال للمؤذن: اذهب إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأمره فليصل بالناس فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عنها: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إن أبا بكر رجل رقيق: وإنه إن قام في مقامك بكى فأمر عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فليصل بالناس، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل بالناس. قالت: فعدت، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل بالناس، إنكن صواحب يوسف. قالت فصمت عنه، فلم يزل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي بالناس، حتى كانت ليلة الاثنين من شهر ربيع الأول فأقلع عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الوعك، وأصبح مفيقا، فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وغلام له يدعى ثوبان، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بينهما، وقد سجد الناس مع أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من صلاة الصبح، وهو قائم في الأخرى. فتخلص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الصفوف يفرجون له، حتى قام إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فاستأخر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخذ رسول اللَّه بثوبه، فقدمه في مصلاه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصفا جميعا، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جالس، وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قائم يقرأ القرآن، فلما قضى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قراءته قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فركع معه الركعة الآخرة، ثم جلس الجزء: 14 ¦ الصفحة: 471 أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين قضى سجوده يتشهد والناس جلوس فلما سلم، أتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الركعة الآخرة، ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد، والمسجد يومئذ سقفه من جريد وخوص، ليس على السقف كثير طين، وإذا كان المطر امتلأ المسجد طينا، إنما هو كهيئة العريش. وكان أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قد تجهز للغزو، وخرج في نقله إلى الجرف، فأقام تلك الأيام بشكوى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد أمره على جيش عامتهم المهاجرون، فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأمره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يغير على مؤتة، وعلى جانب فلسطين حيث أصيب زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن رواحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الجذع، واجتمع إليه المسلمون يسلمون عليه، ويدعون له بالعافية، ودعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. فقال: أغد على بركة اللَّه، والنصر والعافية، ثم أغر حيث أمرتك أن تغير، قال أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه قد أصبحت مفيقا وأرجو أن يكون اللَّه عز وجلّ قد عافاك، فأذن لي فأمكث حتى يشفيك اللَّه، فإنّي إن خرجت وأنت على هذه الحال، خرجت وفي نفسي منك قرحة، وأكره أن أسأل عنك الناس. فسكت عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقام فدخل بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ودخل أبو بكر على ابنته عائشة فقال: قد أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مفيقا وأرجو أن يكون اللَّه عز وجل قد شفاه، ثم ركب فلحق بأهله بالسنح وهنالك كانت امرأته حبيبة بنت خارجة بن أبي زهير بن أخي بني الحارث بن الخزرج، وانقلبت كل امرأة من نساء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بيتها. وذلك يوم الاثنين، ووعك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين وجع واشتد الوعك واجتمع إليه نساؤه، وأخذ بالموت، فلم يزل كذلك حتى زاغت الشمس من يوم الاثنين يغمى عليه الساعة ثم يفيق ثم يشخص بصره إلى السماء، فيقول في الرفيق الأعلى مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ الجزء: 14 ¦ الصفحة: 472 وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [ (1) ] قال ذلك- زعموا مرارا- كلما أفاق من غشيته فظن النسوة أن الملك خيره بين الدنيا والجنة فيختار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الجنة وما عند اللَّه تعالى من حسن الثواب. واشتد برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الوجع، فأرسلت فاطمة إلى عليّ بن أبي طالب- رضى اللَّه تبارك وتعالى- عنهما، وأرسلت حفصة إلى عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى- وأرسلت كل امرأة إلى حميمها، فلم يرجعوا حتى توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على صدر عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- في يومها، يوم الاثنين حين زاغت الشمس، لهلال شهر ربيع الأول. وذكر من طريق ابن لهيعة، فحدثنا أبو الأسود عن عروة قال: صدر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن حجة التمام، فقدم المدينة، فاشتكى في صفر، ووعك أشد الوعك، فذكر معنى ما روينا عن موسى بن عقبة. ومن طريق يونس، عن ابن إسحاق قال: حدثنا ابن أبي مليكة، قال: صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس صلاة الصبح، فجاءه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فجلس إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصلى وهو عاصب رأسه، فلما فرغ من الصلاة، أقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الناس رافعا صوته، حتى خرج من باب المسجد يقول: أيها الناس! سعرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم. قال البيهقي من طريق سليمان بن بلال، عن أبى عبد العزيز الزبيدي، عن مصعب بن محمد بن شرحبيل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالت: كشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سترا أو فتح بابا لا أدرى أيهما، قال مصعب فنظر إلى الناس وراء عنه أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- يصلون فحمد اللَّه تعالى وسرّ بالذي رأى منه، وقال: الحمد للَّه، ما من نبي يتوفاه اللَّه تعالى حتى يؤمه رجل من أمته، أيها الناس أيما عبد من أمتى أصيب بمصيبتى من بعدي، فليتعزى بمصيبته عن مصيبته التي يصاب بها من بعدي، فإن أحدا من أمتي   [ (1) ] النساء: 69. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 473 لن يصاب بمصيبة بعدي، أشد من مصيبته بي. قال البيهقي: معني أول هذا الحديث موجود فيما روينا عن أنس بن مالك وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وأما آخر الحديث فلم أجد له شاهدا صحيحا واللَّه تعالى أعلم [ (1) ] . وقال الواقدي: حدثني سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن ابن أبي مليكة عن عبيد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما هلك نبي حتى يؤمه رجل من أمته، فلما كان يوم الاثنين صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- بالناس الصبح وكان لا يلتفت، فأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى جلس إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصلى بصلاة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فلما قضى صلاته جلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعليه خميصة له فقال: إنكم واللَّه لا تمسكون عليّ بشيء إني لا أحلّ إلا ما أحلّ اللَّه تعالى في كتابه، يا فاطمة بنت محمد، ويا صفية بنت عبد المطلب، اعملا لما عند اللَّه تعالى، لا أملك لكما من اللَّه شيئا. وقال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما كانت ليلة الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجعا فلم يبق امرأة ولا رجل إلا أصبح في المسجد لوجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأتاه المؤذن يؤذنه بالصلاة صلاة الصبح فقال صلى اللَّه عليه وسلم: قل لأبي بكر يصلى بالناس فكبر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في صلاته فكشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الستر فرأى الناس يصلون فقال: إن اللَّه جعل قرة عيني في الصلاة، وأصبح صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين مفيقا، فخرج يتوكأ على الفضل بن العباس وثوبان غلامه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، حتى دخل المسجد وذكر الحديث. وقال سيف: عن محمد بن إسحاق عن الزهري، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم صبيحة اثنتي عشرة عاصبا رأسه ما رأيته قط وأبو بكر في الصلاة، فلما رآه الناس ذهبوا   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 197- 202. 3 الجزء: 14 ¦ الصفحة: 474 ليتحروا، وتأخر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى سمع بخوار الناس وعرفت أنهم إنما صنعوا ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأشار إلي الناس أن صلوا، فصلوا ورجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فدخل البيت. قال سيف: عن محمد بن إسحاق قال: حدثني ابن شهاب أنه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ عن يمين أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- وبذلك عرف أن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هو الّذي يصلى بهم، لم يصل بهم جالسا، وقد نهى عن ذلك، ولو لم ينه عنه، ولو كان صلى بهم صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن يمينه، كذلك كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصنع، فلما فرغ أقبل على الناس فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أصبحت بنعمة من اللَّه وفضله، واليوم يوم ابنة خارجة وهي في بني الحارث بن الخزرج، فدخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وذهب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مسرورا. قال سيف: عن بكر بن وائل والزهري عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى إذا كان صبيحة اثني عشرة خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم والناس في صلاة الصبح عاصبا رأسه حتى وقف على باب حجرة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلما رآه الناس تحوروا، فذهب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والناس فدخل عليه أبو بكر والعباس وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قد رد اللَّه بك علينا عقولنا، وقد أصبحت بنعمة من اللَّه وفضل، وبات الناس إلى الباب وقد باتت إليه عقولهم وقد رجوه ورأوا الّذي يخبئون فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- اليوم يوم بنت خارجة قال: اذهب فأت أهلك، فقام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فذهب وخرج أهل البيت وجعل الناس يتلقون فيقولون لهم ما يرون من العافية فينصرفون. قال سيف: عن سلمة بن نبيط عن نعيم بن شفيق بن سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم انظر إلي قدميه يخطان في المسجد حتى انتهينا فأجلساه في الصف فطفق الناس بأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فذهب ليتأخر فدفعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقدمه الجزء: 14 ¦ الصفحة: 475 فصلى بهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جالس بحياله في الصف، وقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد ما انصرف: التصفيق للنساء والتسبيح للرجال. وقال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه الجماحي عن أبي سعيد الخدريّ قال: فمالوا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ إلى منبره فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس بارك اللَّه فيكم الثقلين فإنه لن تعمى أبصاركم، ولن تزل أقدامكم، ولن تقصر أيديكم، ما أخذتم به كتاب اللَّه عز وجل، بينكم وبين اللَّه تعالى، وطرق بيده وطرق بأيديكم، فآمنوا بمتشابه، واعملوا بمحكمه وحرموا حرامه وأحلوا حلاله، ألا وسنتي، واللَّه لا يكرمها رجل ويوقرها على هواه، إلا أعطاه اللَّه تعالى نورا حتى يرد عليّ يوم القيامة، وأيم اللَّه لا يموت رجل وقد تركها إلا احتجبت منه يوم القيامة، ثم حمل حتى يرجع إلى بيته ورأى الناس فيه الّذي كانوا يتمنون ويرجعون، فتفرق الناس وأخلوه بأزواجه صلى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 476 فصل في ذكر ما قيل في وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أن الناس اختلفوا في وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أمته من بعده، فذهبت الروافض إلى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نص على عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه الخليفة بعده، وقالت الزيدية أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: لم ينصّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم على عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لكنه كان أفضل الناس بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأحقهم بالأمر، ثم اختلفوا فقالت الجارودية: إن الصحابة، ظلموه وكفروا من خالفه من الصحابة وقالت طائفة: إنه يتبرع من حقه لأبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فتولتها، ولم تعاديهما، بل قالت بإمامتها وعمدتهم، لأبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فتولتها ولم تعاديهما بل قالت بإمامتهما وعمدتهم في الاحتجاج لأقوالهم أحاديث مكذوبة موضوعة لا معنى لتسويد الأوراق بها. هذه مسألة أصولية: وهي إذا واحد يخبر بتوفر الدواعي على نقله ويعلم استحالة خفائه، كما إذا أخبر بقتل خطيب على المنبر يوم الجمعة في بلد، كبير ولم يتقلد غيره فالذي قالته الأمة من أهل السنة إنه كاذب قطعا، ومن هذا نعلم بالقطع كذب من ادعى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نصّ على إمامة إمام معين بعده بحضرة ملأ من الناس وسكتوا عن نقله إلا آحادا منهم، وخالف الرافضة في أصل هذه المسألة توصلا إلى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نصّ على إمامة عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- جمع يحصل منهم التواتر فكتموه إلا أفرادا نادرة. وذهب جمهور أهل السنة إلى أن الرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلف أحدا بعينه ولم يوص إلى أحد بعينه في أمر أمته، قائما به على الخلافة بما ذكرنا من أمر الصلاة، وقالت طائفة: بل نصّ صلى اللَّه عليه وسلم على استخلاف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعده على الأمة، واحتج الجمهور على أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلف، بما خرجه البخاري في كتاب الأحكام في باب الاستخلاف من حديث سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الجزء: 14 ¦ الصفحة: 477 قال: قيل لعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ألا تستخلف؟ قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني، أبو بكر وإن أترك فقد ترك من هو خير مني، رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأثنوا عليه فقال: راغب وراهب، ووددت أني نجوت منها كفافا لا لي ولا عليّ، لا أتحملها حيا وميتا [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث أبى أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه وقالوا جزاك اللَّه خيرا، فقال: راغب وراهب، فقال: استخلف، فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لا أتحمل أمركم حيا وميتا لوددت أن حظّي منها الكفاف، لا عليّ ولا لي، فإن استخلف فقد استخلف من هو خير مني، يعني أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني، رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال عبد اللَّه: فعرفت أنه حين ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه غير مستخلف [ (2) ] . وخرج من طريق عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهريّ قال: أخبرني سالم عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: دخلت على حفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: أعلمك أن أباك غير مستخلف؟ قال، قلت، ما كان ليفعل، قالت: إنه فاعل، قال: فحلفت أنى أكلمه في ذلك، فسكتّ حتى غدوت ولم أكلمه، قال: فكنت كأنما أحمل بيميني جبلا حتى رجعت فنحلت عليه فسألني عن حال الناس وأنا أخبره، قال: ثم قلت له: إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف، وإنه لو كان لك راعى إبل أو راعى غنم ثم جاءك وتركها، أرأيت إن ضيع؟ فرعاية الناس أشد، قال فوافقه قولي، فوضع رأسه ساعة، ثم رفعه إليّ فقال: إن اللَّه عز وجل يحفظ دينه، وإني لئن لا أستخلف فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قد   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 255، باب الاستخلاف، حديث رقم (7218) ، والاستخلاف: أي تعيين الخليفة عند موته خليفة بعده، أو يعين جماعة ليتخيروا منهم واحدا. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 446 كتاب الإمارة، باب (2) الاستخلاف وتركه حديث رقم (11) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 478 استخلف قال: فو اللَّه ما هو إلا أن ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحدا، وأنه غير مستخلف [ (1) ] . خرج البيهقيّ من طريق أبي داود الجفري عن سفيان الثوري عن الأسود ابن قيس عن عمرو بن سفيان، قال: لما ظهر عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على الناس يوم الجمل قال: أيها الناس، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا حتى رأينا من الرأى أن نستخلف أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأقام واستقام حتى مضى لسبيله، ثم إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رأى من الرأي أن يستخلف عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه، ثم إن أقواما طلبوا هذه الدنيا، فكانت أمور يفضي اللَّه تعالى فيها [ (2) ] . وخرج من طريق شبابه بن سوار، قال: حدثنا شعيب بن ميمون عن حسين بن عبد الرحمن عن الشعبيّ عن أبي وائل قال: قيل لعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ألا تستخلف علينا؟ قال: ما استخلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأستخلف، ولكن إن يرد اللَّه تعالى بالناس خيرا فليجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم نبيهم صلى اللَّه عليه وسلم على خيرهم [ (3) ] . قال البيهقيّ: شاهده في الحديث الثابت عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فذكر ما خرّجه البخاري من طريق الزهريّ قال: أخبرنى عبد اللَّه بن كعب بن مالك الأنصاريّ، وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، قال: إن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخبره أن عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خرج من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في وجعه الّذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسن! كيف أصبح رسول اللَّه   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 447- 448، كتاب الإمارة، باب (2) الاستخلاف وتركه، حديث رقم (12) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 223، باب ما يستدل به على أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلف أحدا بعينه، ولم يوص إلى أحد بعينه في أمر أمته، وإنما نبه على الخلافة بما ذكرنا من أمر الصلاة. [ (3) ] (المرجع السابق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 479 صلى اللَّه عليه وسلم قال: أصبح بحمد اللَّه تعالى بارئا، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال له: أنت واللَّه بعد ثلاث عبد العصا، وإني واللَّه لأرى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتوفى من وجعه هذا، إني أعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنسأله في هذا الأمر إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه، فأوصى بنا، فقال على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إنا واللَّه لئن سألناه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فمنعناها، لا يعطيناها الناس بعده أبدا. وروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني الزهري عن عبد اللَّه ابن كعب بن مالك عن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه يوم قبض فيه، فذكر الحديث. إلا أنه لم يذكر ما قال: العصا وزاد في آخره: فتوفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم. وخرج عبد الرزاق، قال أنبأنا معمر عن الزهري قال: أخبرني كعب بن مالك عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: خرج العباس وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي ملت فيه، فلقيهما رجل فقال: كيف أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يا أبا حسن؟ فقال أصبح بارئا، فقال العباس لعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أنت بعد ثلاث: عبد العصا، قال: ثم خلا به فقال: فإنه يخيل إليّ أن أعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، وأني خائف ألا يقوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من وجعه هذا، فاذهب بنا إليه فلنسأله فإن كان هذا الأمر فينا علمناه، وإن لم يكن إلينا أمرناه أن يستوصى بنا، قال: فقال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أرأيت إن جئناه فسألناه فلم يعطوناها؟ أترى الناس يعطوناها؟ واللَّه لا أسألها إياه أبدا. قال عبد الرزاق: فكان معمر يقول لنا: أيهما كان أصوب عندكم رأيا؟ فنقول: العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فيأبى، ثم قال: لو أن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سأله عنها فأعطاه إياها، فمنعه الناس الجزء: 14 ¦ الصفحة: 480 كانوا قد كفروا. قال عبد الرزاق فحدثت به ابن عيينة فقال: الشعبي: لو أن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سأله عنها، كان خيرا له من ماله وولده. وقال عبدان، عن أبي حمزة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، هو الشعبي، قال العباس لعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إني أكاد أعرف في وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت، فانطلق بنا إليه نسأله من يستخلف، فإن يستخلف منا فذلك، وإلا أوصى بنا. قال: فقال علي للعباس كلمة فيها جفاء، فلما قبض النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال العباس لعلي: أبسط يدك فلنبايعك. قال: فقبض يده، فقال عامر: لو أن عليّا أطاع العباس في أحد الرأيين، كان خيرا له من حمر النعم. قال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: قلت لابن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ما كان صنع العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى- حين خالف عليه علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: كلم نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك فقام في الناس فقال: أوصيكم يا أهل بيتي وعترتي خيرا، أو أوصيكم بهم خيرا فإنّهم لحمي وفصيلتي، احفظوا منهم ما تحفظون في ما بينكم. يا أيها الناس! إن اللَّه بعثني لأخرجكم من عبادة العباد الى عبادته، ومن دين الشرك إلى دينه، فاعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئا فإن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم وإن كان رقيقا، ألا إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم ثلاثا، فلا تضلوا عن الحق. وخرج مسلم من حديث الأعمش عن أبي وائل عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: مثله سواء. وخرج البخاري في أول كتاب الوصايا من حديث المالك بن مغول، حدثنا طلحة بن مصرف قال: سألت عبد اللَّه بن أبي أوفى- رضي اللَّه تبارك الجزء: 14 ¦ الصفحة: 481 وتعالى عنهما-: هل كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم أوصى؟ فقال: لا، فقلت: كيف كتب على الناس الوصية وأمر بالوصية؟ قال: أوصى بكتاب اللَّه [ (1) ] ذكره في آخر المغازي، وخرجه مسلم أيضا. وخرج البخاري ومسلم [ (2) ] من حديث ابن عون الأسود بن يزيد وقد ذكروا عند عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان وصيا، فقالت: متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري؟ أو قالت حجري- فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري: فما شعرت أنه مات فمتى أوصي إليه؟ لفظهما فيه قريب من السواء، ذكره البخاري في أول كتاب الوصايا وفي آخر المغازي. وخرج البيهقي [ (3) ] من طريق عبد اللَّه بن رجاء قال: أنبأنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أرقم بن شرحيل، قال: سافرت مع ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من المدينة فسألته: أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أوصى؟ فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما مرض مرضه الّذي مات فيه، كان في بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فرفع رأسه، فقال: ادعوا لي عليا، فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ألا ندعوا لك أبا بكر يا رسول اللَّه؟ فقال: ادعوه قالت حفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ألا تدعو عمر يا رسول اللَّه؟ قال صلى اللَّه عليه وسلم: ادعوه، قالت أم الفضل: ألا تدعو العباس عمك يا رسول   [ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 4448، كتاب الوصايا، باب (1) الوصايا، وقول النبي صلى اللَّه عليه وسلم «وصية مكتوبة عنده» وقال اللَّه عز وجل كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ* فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة: 181- 182) حديث رقم (2740) . [ (2) ] باب (84) مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، وقوله تعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ. [ (3) ] باب (18) الوصاة بكتاب اللَّه عز وجل، حديث رقم (5022) ، والمراد بالوصية بكتاب اللَّه تعالى حفظه حسا ومعنى، فيكرم ويصان، ولا يسافر به إلى أرض العدو، ويتبع ما فيه، فيعمل بأوامره، ويتجنب نواهيه، ويداوم على تلاوته وتعلمه، وتعليمه، ونحو ذلك. (فتح الباري) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 482 اللَّه؟ قال: ادعوه فلما حضروا رفع رأسه فلم يتكلم. فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قوموا بنا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإنه لو كانت له إلينا حاجة ذكرها، حتى فعل ثلاث مرات، ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: ليصلّ بالناس أبو بكر، فذكر الحديث في الصلاة. وقال في آخر الحديث: فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم يوص. [ (1) ] وخرج البخاري من حديث الأعمش قال حدثني أبي قال: خطبنا على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على منبر وعليه سيف فيه صحيفة معلقة فقال واللَّه ما عندنا من كتاب يقرأه إلا كتاب اللَّه تعالى وما في هذه الصحيفة، فنشرها: فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها: المدينة حرم إلى كذا، فمن أحدث فيها فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا، وإذا فيه: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا وإذا فيها: من والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين لا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا ذكره في كتاب الاعتصام [ (2) ] بالكتاب والسنة، في باب ما ذكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع، وفي كتاب الجزية والموادعة في باب ذمة المسلمين [ (3) ] . وفي كتاب فضائل المدينة، في باب حرم المدينة [ (4) ] وخرجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] . وخرج البيهقيّ من طريق هدبة قال: حدثنا همام عن قتادة، عن أبي حسان قال: إن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يأمر بالأمر، فيقال: قد فعلنا كذا وكذا، فيقول: صدق اللَّه ورسوله، فقيل له: أشيء عهده إليك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما عهد إليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شيئا خاصة دون الناس إلا شيئا سمعته منه في صحيفة في قراب سيفي، قال: فلم نزل به حتى أخرج الصحيفة، فإذا فيها: من أحدث أو آوى محدثا فعليه لعنة اللَّه   [ (1) ] حديث رقم (2741) . [ (2) ] حديث رقم (4459) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 226- 227. [ (4) ] (فتح الباري) : 13/ 341- 342، حديث رقم (7300) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 483 والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل، وإذا فيها: إن إبراهيم حرّم مكة، [ (1) ] وإني أحرم المدينة ما بين حرّتيها وحماها، لا يختلا خلاها، ولا ينفر صيدها ولا يلتقط لقطتها إلا لمنشد أشاد بها [ (2) ] ، يعني من منشد ولا يقطع شجرها إلا أن يعلف رجل بعيرا، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، وإذا فيها المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم [ (3) ] [ (4) ] ، ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده [ (5) ] . ومن طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة قال: لم يوص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند موته إلا بثلاث: للرهابيين بجادّ مائة واسق من خيبر، وللداريين بجاد مائة وسق وللشانئين بجاد مائه وسق من خيبر، وللأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر. وأوصى صلى اللَّه عليه وسلم بتنفيذ بعث أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى- وأوصى صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يترك بجزيرة العرب دينان [ (6) ] . وروى حماد بن عمرو النصيبي عن السديّ بن خالد، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: يا عليّ أوصيك بوصية فاحفظها. وذكر حديثا طويلا في الرغائب والآداب، وهو حديث موضوع، فإن حماد بن عمرو هذا ممن يكذب ويضع الحديث. [ (7) ]   [ (1) ] (المرجع السابق) : 6/ 3336، حديث رقم (3172) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 4/ 100/ 101، حديث رقم (1870) . [ (3) ] أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب فصائل المدينة، حديث رقم (1370) . [ (4) ] سيأتي تخريجه وشرحه إن شاء اللَّه تعالى بعد قليل. [ (5) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 228، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 2/ 529، كتاب المناسك، باب (99) في تحريم المدينة، حديث رقم (2034) ، (2035) . [ (6) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 230. [ (7) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 229، ثم قال: وهو حديث موضوع وقد شرطت في أول الكتاب ألا أخرج في هذا الكتاب حديثا أعلمه موضوعا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 484 وقال سيف: عن مبشر بن المفضل [ (1) ] . عن أبيه قال جاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه ائذن لي فلأمرضك وأكون الّذي أقوم عليك. فقال صلى اللَّه عليه وسلم: يا أبا بكر! إني لم أحمل أزواجي وبناتي وأهل بيتي عليّ حين ازدادت مصيبتي عليهم عظما، وقد وقع أجرك علي اللَّه اجمع لي الأربعين يا أبا بكر، الذين سبقوا الناس إلى هذا الدين، وادع عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- معهم. ففعل، وكان ذلك قبل وفاته صلى اللَّه عليه وسلم بخمس عشرة ليلة فخلص بهم ودعا لهم، وعهد عهده وهم شهود وهي آخر وصية أوصى بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وخرج الحارث بن أبي أسامة من طريق محمد بن سعد، قال: أخبرني محمد بن عمر يعني الواقدي قال: حدثني عبد اللَّه بن جعفر بن عون عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: نعي لنا نبينا وحبيبنا صلى اللَّه عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر، بأبي هو وأمي ونفسي له الفداء، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وتشوّف لنا فقال: مرحبا بكم وحياكم اللَّه بالسلام [ (2) ] . وخرجه البيهقي من طريق سلام بن سليمان المدائني، حدثنا سلام بن سليم الطويل، عن عبد الملك بن عبد الرحمن بن الحسن الغزي عن الأشعث بن طليق   [ (1) ] هو بشر بن المفضل بن لاحق الرقاشيّ، مولاهم أبو إسماعيل البصري. ترجمته في (تهذيب التهذيب) : 1/ 402، ترجمة رقم (844) . [ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 265- 257، ذكر ما أوصى به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه، ثم قال: رحمكم اللَّه، حفظكم اللَّه، جبركم اللَّه، رزقكم اللَّه، رفعكم اللَّه، نفعكم اللَّه أداكم اللَّه، وقاكم اللَّه! أوصيكم بتقوى اللَّه، وأوصى اللَّه بكم أستخلفه عليكم، وأحذركم اللَّه إني لكم منه نذير مبين، ألا تعلوا على اللَّه في عباده وبلاده، فإنه قال لي ولكم: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ القصص: 83. وقال: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ؟ الزمر: 60، قلنا: يا رسول اللَّه، متى أجلك؟ قال: دنا الفراق والمنقلب إلى اللَّه وإلى جنة المأوى، وإلى سدرة المنهي، وإلى الرفيق الأعلى، والكأس الأوفى، والحظ والعيش المهنى ... (المرجع السابق) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 485 عن مرة عن شراحيل، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما ثقل رسول صلى اللَّه عليه وسلم اجتمعنا في بيت أمنا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلما نظر إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدمعت عيناه، ثم قال لنا: قد دنا الفراق ونعى إلينا نفسه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال: مرحبا بكم حياكم اللَّه، هداكم اللَّه فذكره [ (1) ] وقال: إسناده ضعيف بمرة. [ (2) ] وقال الواقدي: حدثني عبد اللَّه بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون قال: عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- نعى لنا نبينا وحبيبنا صلى اللَّه عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر، بأبي هو وأمي، نفسي له الفداء. وقال سيف: عن المستنير بن يزيد النخعي عن أرطاة بن أبى أرطاة بن أبي أرطاة النخعي عن الحارث بن مرة الجهنيّ قال: رأيت عنده رقا مكتوبا فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ نعى لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر، ثم جمعنا بعد ذلك بخمس عشرة ليلة في بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ونحن أربعون ببشرى اللَّه تعالى، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه، ثم قال: اتقوا اللَّه فإن تقوى اللَّه خير ما تواصي به عباد اللَّه وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ومن حيث لا يأمل ولا يرجو وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً فارضوا بقضاء اللَّه، فإن الأمر أمره، وسلموا الأمر إليه فإن القليل يتبع الكثير، ألا فليسلم القليل للكثير   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 231- 232، باب ذكر الحديث الّذي روي عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. النبي صلى اللَّه عليه وسلم في نعيه نفسه إلى أصحابه، وما أوصاهم به، وإسناده ضعيف بمرة. [ (2) ] هو مرة بن شراحيل الهمراني السكسكي، أبو إسماعيل، الكوفي، المعروف بمرة الطيب، ومرة الخيرة، لقب بذلك لعبادته. وروى عن أبي بكر وعمر وعلي وأبي ذر وحذيفة وابن مسعود وأبي موسى الأشعري وزيد بن الجزء: 14 ¦ الصفحة: 486 رفعكم اللَّه، نفعكم اللَّه، هداكم اللَّه، رزقكم اللَّه، سلمكم اللَّه، قبلكم اللَّه. أوصيكم بتقوى اللَّه عز وجل وألجئكم إلى اللَّه، وأؤدي إليكم عنه، إني لكم منه نذير مبين، وأستخلفه عليكم، فاتقوا اللَّه، ولا تعالوا على اللَّه في عباده، وبلاده، والعاقبة للمتقين. وقال: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ وإن هذا آخر ما أخلص بكم وتخلصون بي، اسمع يا أبا بكر، أقول لكم، ثم اعمل على ذلك وأنت تعلم أنه كذلك، إن دعائي آت لكم على كل ما أشتهي، إلا ما رددت عنه من بأس بينكم، واختلاف كلمتكم، والمؤمنون شهود اللَّه في الأرض فالحسن ما حسنوا، أو القبيح ما قبحوا، من نظر أمر نفسه عند اختلاف الأمة يكف لسانه، واستبرأ قلبه، ولزم الجماعة، فآثرها على الفرقة، فإن يد اللَّه تعالى على الجماعة، والقليل تبع للكثير، فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه أدنى الأجل؟ فقال صلى اللَّه عليه وسلم دنا الأجل وتدلى، فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ليهنئك   [ () ] أرقم، وعلقمة بن قيس، وغيرهم. وعنه إسماعيل بن أبي خالد، وإسماعيل السدي، وحصين بن عبد الرحمن، وزبيد اليمامي، وأبو السعد سعيد بن محمد، والصباح بن محمد، وطلحة بن مصرف، والشعبي، وعطاء بن السائب، وعمرو بن مرة، وفرقد السنجي، وموسى بن أبي عائشة، وغيرهم. قال إسحاق بن منصور: عن ابن معين ثقة، وقال سكن بن محمد العابد، عن الحارث الغنوي: سجد مرة الهمرانى حتى أكل التراب وجهه. وقال ابن سعد: توفى زمن الحجاج بعد الجماجم، وكذا قال أبو حاتم في تاريخ وفاته. وقال غيره: توفى سنة ست وسبعين، وهو قول ابن حبان في (الثقات) ، وكان يصلى كل يوم ستمائة ركعة. وقال العجليّ: تابعي ثقة، وكان يصلي في اليوم والليلة خمسمائة ركعة. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لم يدرك عمر. وقال هو وأبو زرعة: روايته عن عمر مرسلة، وقال أبو بكر البزار: روايته عن أبي بكر مرسلة، ولم يدركه. وقال ابن منك في (تاريخه) : أدرك النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولم يدركه (تهذيب التهذيب) : 10/ 80، ترجمة رقم (159) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 487 يا نبي اللَّه، ما عند اللَّه، فليت شعرى عني منقلبا، فقال: إلى اللَّه بسدرة المنتهى ثم الى جنة المأوى، والعرض الأعلى، والكأس الأوفى، في الرفيق الأعلى، والحظ والعيش المهني. فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يا نبي اللَّه من يلي غسلك؟ قال رجال من أهل بيتي [الأدنى فالأدنى] [ (1) ] فقال ففيم نكفنك؟ قال: في ثيابي [هذه إن] [ (1) ] شئتم أو حلة يمانية أو في ثياب مصر. قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكيف الصلاة عليك؟ فبكى وبكى الناس، فقال: مهلا غفر اللَّه لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا إذا أنتم غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري هذا في بيتي هذا على شفة [ (2) ] شفير قبري، ثم اخرجوا عني ساعة فإن أولى من يصلي عليّ اللَّه تعالى هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ثم يأذن للملائكة في الصلاة على فأول من يدخل عليّ من خلق اللَّه تعالى ويصلي علي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود كثيرة، ثم الملائكة بأجمعها، ثم أنتم فادخلوا عليّ أفواجا، وزمرة، وسلموا تسليما ولا تؤذوني بتزكية، ولا صيحة، ولا رنة، وليبتدئ بالصلاة عليّ رجال [ (3) ] أهل بيتي ثم النساء ثم الصبيان. قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فمن يدخلك قبرك؟ قال إن من أهل بيتي الأدنى فالأدنى، مع ملائكة كثير لا ترونهم وهم يرونكم، قوموا فأدوا عليّ إلى من بعدي، فقلت: من حدثك هذا؟ فقال: عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وإنما ذكرت هذا الحديث من طريق سيف لأن لأن سياقته أتم من سياقة الجماعة. واحتج من ذهب إلي أنه نص على استخلاف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعده على الأمة نصا جليا بوجوه: قال أبو محمد بن حزم منها: إطباق الأمة المهاجرون والأنصار على أن سموه خليفة رسول اللَّه   [ (1) ] زيادة للسياق من (ابن سعد) : 2/ 257. [ (2) ] زيادة للسياق. [ (3) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ) واستدركناه من (ابن سعد) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 488 معنى الخليفة في اللغة الّذي يستخلفه المرء، ومحال أن يبعثوا بذلك الاستخلاف على الصلاة لوجهين ضروريين: أحدهما: أنه لم يستحق هذا الاسم في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقد كان استخلفه على الصلاة. والثاني: أن كل من استخلفه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حياته كعليّ بن أبى طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في في غزوة الخندق، وكعثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أو غيره في غزوة الرقاع، وغيرهم ممن استخلفه صلى اللَّه عليه وسلم على المدينة في غزواته، كعتاب بن أسيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وسائر من استخلف على البلاد لم يستحق أحد منهم بلا خلاف من أحد من الأمة أن يسمى خليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لصح بالضرورة التي لا يحيد عنها، إطلاقه بعده على الأمة الممتنع أن يجمعوا على ذلك وهو صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلفه نصا، ولو لم يكن هاهنا إلا استخلافه إياه على الصلاة ما كان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أولى بهذه التسمية من سائر من ذكرنا. قال أبو محمد: وهذا برهان ضروري يعارض به جميع الخصوم، وأيضا فإن الرواية قد أصبحت بأن امراة قالت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه! أرأيت إن رجعت ولم أجدك- كأنما تريد الموت- قال: فأتي أبا بكر. قال المؤلف: أبو محمد بن حزم يسير إلى ما خرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، من حديث إبراهيم بن سعد قال: أخبرنى أبى عن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أتت النبي امرأة فكلمته في شيء، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول اللَّه! أرأيت إن جئت فلم أجدك- كأنها تريد الموت- وقال مسلم أي كأنها تعنى الموت قال صلى اللَّه عليه وسلم إن لم تجديني فأتي أبا بكر. ذكره البخاري في كتاب الأحكام [ (1) ] وذكره مسلم في المناقب [ (2) ]   [ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 255 كتاب الأحكام، باب (51) الاستخلاف حديث رقم (7220) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 163، كتاب فضائل الصحابة باب (1) من فضائل أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى- عنه حديث رقم (2386) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 489 قال أبو محمد: وهذا نص على الاستخلاف لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى-. وأيضا فذكر ما خرجه البخاري: حدثنا يحيي بن يحيي قال: أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: وا رأساه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك. فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وا ثكلياه واللَّه إني لأظنك تحب موتى، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك! فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم بل أنا وا رأساه، لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون، أو يتمني، المتمنون ثم قلت: يأبى اللَّه ويدفع المؤمنون، أو يدفع اللَّه ويأبى المؤمنون ذكره في كتاب المرضى [ (1) ] ، في باب قول المريض: إني وجع أو وا رأساه أو اشتد بي الوجع. وخرج مسلم في المناقب [ (2) ] من حديث صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قالت قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه: ادعى لي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتابا فإنّي أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر. وخرج أبو داود الطيالسي من حديث عبد العزيز بن رافع عن ابن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه: ادعى لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبى بكر كتابا لا يختلف عليه أحد بعدي، ثم قال: دعيه، معاذ اللَّه أن يختلف المؤمنون في أبي بكر. قال أبو محمد: فهذا نص في استخلافه أبا بكر- رضي اللَّه تبارك   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 152، حديث رقم (5666) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 163، 164 حديث رقم (2387) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 490 وتعالى عنه- على ولاية الأمة بعده ولو أن يستخير من التدليس والغش، الأمر الّذي لو ظفر به خصومنا إذا طعنوا عندنا من طريق النقل ونعوذ باللَّه من الاحتجاج بما لا يصح، وقد أغنى اللَّه تعالى أمتي بالزاهدين عن الإقناع وهذا الّذي ذكرنا لا يعارض بنقل موقوف على من دون النبي صلى اللَّه عليه وسلم كالذي روى من قول عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ألا استخلف، فقال لم يستخلف من هو خير مني، فمن المحال أن يغار من إجماع جميع الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- على أن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ومثله عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، مما لو صح كان له وجه من أيهما زاد عن كتاب بذلك، أو ما أشبهه، وفي نص القرآن الكريم دليل واضح وبرهان على وجوب الطاعة بخلافة أبى بكر وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وهو أن اللَّه تعالى قال مخاطبا لنبيه صلى اللَّه عليه وسلم في الأعراب: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا [ (1) ] وكان نزول سورة براءة التي فيها هذا الحكم بعد غزوة تبوك بثلاث، وهي الغزاة التي تخلف فيها الثلاثة المعتذرون الذين تاب اللَّه عليهم في سورة براءة، ولم يغزو صلى اللَّه عليه وسلم بعد تبوك إلى أن مات. وقال تعالى في مكان آخر: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ [ (2) ] فبين تعالى أن الأعراب لا يغزون مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد تبوك أبدا، ثم عطف تعالى منعه إياهم من الغزو مع رسول، فقال تعالى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً [ (3) ] .   [ (1) ] التوبة: 83. [ (2) ] الفتح: 15. [ (3) ] الفتح: 16. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 491 فأخبرهم تعالى أنهم سيدعوهم غير النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون، ووعدهم على طاعة من دعاهم إلى ذلك الأجر الحسن، ووعدهم على عصيانه بالعذاب الأليم وما دعا أولئك الأعراب أحد بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى قتال قوم يسلمون إلا أبو بكر، ثم عمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، فإن هؤلاء دعوهم إلى قتال: من بدا للعرب والفرس والروم ووجوب طاعة أبي وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- بنصّ القرآن الّذي لا يحتمل تأويلا. وزاد: قد وجبت طاعتهم فرضا، فقد صحت إمامتهم وخلافتهم، وليس هذا بموجب تقليدهم بغير ما أمر اللَّه تعالى فيه بطاعتهم من سائر ما أفتوا فيه باجتهادهما، إذ ليس يجب طاعة الإمام إلا فيما نصّه اللَّه تعالى ورسوله صلى اللَّه عليه وسلم فقط، لا فيما لا نصّ فيه، ولا أوجبوهم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قط طاعتهم فرضا في غير، ذلك فارتفع الإشكال. وأيضا فهذا إجماع من الأمة كلها إذ ليس أحد إلا وخالف بعض فتاويه هؤلاء الثلاثة، فصح إجماع الأمة على ما ذكرناه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 492 ذكر ما حفظ عنه صلى اللَّه عليه وسلم في مرض موته من الأحكام والوصايا ونحو ذلك حتى توفاه اللَّه- تبارك وتعالى- خرج البخاري ومسلم والنسائي من حديث يونس عن ابن شهاب الزهري قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه قال: إن ابن عباس وعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قالا: لما نزل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنة اللَّه تعالى على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا. وقال مسلم والنسائي: مثل ما صنعوا. ذكره البخاري في آخر كتاب الأنبياء [ (1) ] ، وذكره أيضا في كتاب الصلاة [ (2) ] من حديث شعيب عن الزهري، قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه قال: إن عائشة وعبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قالا: لما نزل ... الحديث. وذكره في كتاب اللباس [ (3) ] في باب الأكسية والخمائص من طريق يحيي ابن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة قال: إن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قالا: الحديث ... مثله، وذكره في آخر المغازي [ (4) ] في مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، عن سعيد بن جبير عن الليث عن عقيل بهذا الإسناد مثله، وقال في طرقه كلها: يحذر ما صنعوا.   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 612، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (50) ما ذكر عن بني إسرائيل، حديث رقم (3453) ، (3454) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 1/ 700، باب (55) حديث رقم (435) ، (436) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 10/ 340، باب (19) الأكسية والخمائص حديث رقم (5815) ، (5816) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 8/ 177، باب (84) مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، حديث رقم (4443) ، (4444) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 493 وخرجه البخاري ومسلم [ (1) ] من حديث شيبان عن هلال بن أبي حميد عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي لم يقم منه: لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت: فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا، ذكره في الجنائز [ (2) ] وترجم عليه باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور. وخرج في آخر الجنائز في باب ما جاء في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من حديث أبي عوانة عن هلال، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي لم يقم منه: لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لولا ذلك أبرز صلى اللَّه عليه وسلم قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا. وخرّج في المغازي [ (3) ] في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته من حديث أبي عوانة ولفظه: لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبورهم أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- لولا ذلك لأبرز قبره صلى اللَّه عليه وسلم خشي أن يتخذ مسجدا. وخرج البيهقي من طريق عثمان بن سعيد الدارميّ، حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك، عن إسماعيل ب أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز- رحمه اللَّه تعالى- يقول: كان من آخر ما تكلم به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن قال: قاتل اللَّه اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب [ (4) ] ورواه الواقدي عن مالك به نحوه.   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 16، باب (3) النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، حديث رقم (21) ، (22) . [ (2) ] (فتح الباري) : 3/ 257، باب (61) ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، حديث رقم (1330) ، وباب (96) ما جاء في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما (فأقبره) أقبرت الرجل: إذا جعلت له قبرا. وقبرته: دفنته (كفاتا) يكونون فيها أحياء ويدفنون فيه أمواتا، حديث رقم (1390) . [ (3) ] (سبق تخريجه) . [ (4) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 204. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 494 وخرج مسلم من حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته بثلاث يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن باللَّه الظن [ (1) ] . وخرجه أبو داود [ (2) ] من حديث عيسى بن يونس، حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد اللَّه، قال سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول قبل وفاته أو موته بثلاث ... وخرجه من حديث سفيان بن زهير عنه الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته بثلاثة أيام يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن باللَّه تعالى الظن [ (3) ] . وخرجه من حديث عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن باللَّه عز وجل [ (4) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 514- 515 كتاب الجنة ونعيمها باب (19) الأمر بحسن الظن باللَّه تعالى عند الموت، حديث رقم (81) - (82) . [ (2) ] (سنن أبي داود) : 3/ 484- 485، كتاب، الجنائز، باب (17) ما يستحب من حسن الظن باللَّه عند الموت. حديث رقم (3113) قلت: إنما يحسن الظن من حسن عمله، فكأنه قال: أحسنوا أعمالكم يحسن ظنكم باللَّه، فإن من ساء عمله ساء ظنه، وقد يكون أيضا حسن الظن باللَّه من ناحية الرجاء، وتأميل العفو والله جواد كريم لا يؤاخذنا بسوء أفعالنا ولا وكلنا إلى حسن أعمالنا برحمته. (معالم السن) . [ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 214 حديث رقم (81) . [ (4) ] (المرجع السابق) حديث رقم (82) قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن باللَّه الظن باللَّه» وفي رواية: إلا وهو يحسن الظن باللَّه تعالى. قال العلماء: هذا تحذير من القنوط، وحث على الرجاء عند الخاتمة، وقد سبق الحديث الآخر قوله سبحانه وتعالى: «أنا عند ظن عبدي بي» قال العلماء: معنى الجزء: 14 ¦ الصفحة: 495 وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة من حديث ابن أبي ليلى عن أبى الزبير عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من استطاع منكم ألا يموت إلا وهو يحسن باللَّه تعالى الظن فليفعل، ثم تلا هذه الآية: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ [ (1) ] . وخرج البيهقي من طريق عيسى بن يونس، عن سليمان التيمي، ومن حديث محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا زهير بن حرب، ومن حديث أبي خثيمة، حدثنا جرير عن سليمان التيمي، عن قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كانت عامة وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين حضره الموت: الصلاة، وما ملكت أيمانكم، حتى جعل يغرغر بها في صدره وما يفيض بها لسانه [ (2) ] . وخرجه الحاكم من حديث سليمان التيمي عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من حديث أبي عوانة عن قتادة، عن شعبة مولى أم سلمة، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كانت عامة وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين حضرته الوفاة: الصلاة وما ملكت أيمانكم، حتى يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه [ (3) ] كذا قال.   [ () ] حسن الظن باللَّه تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا: وفي حالة الصحة يكون خائفا راجيا ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح فإذا دنت أمارات الموت غلب الرجاء أو محضه لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذه الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى اللَّه تعالى والإذعان له، يؤيده الحديث المذكور بعده: يبعث كل عبد على ما مات عليه، ولهذا أعقبه مسلم للحديث الأول: قال العلماء: معناه يبعث على الحالة التي مات عليها، ومثله الحديث الآخر بعده ثم بعثوا على نياتهم. [ (1) ] فصلت: 23. [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 205. [ (3) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 900- 901، كتاب الوصايا، باب (2) هل أوصى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ حديث رقم (2697) ، وإسناده صحيح وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 564. حديث رقم (11759) ، من مسند أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- 7/ 445، حديث رقم (26144) من حديث أم سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 496 ومن حديث عفان، حدثنا قتادة عن أبي الخليل، عن سفينة مولى أبي سلمة، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول في مرضه: اللَّه، اللَّه، الصلاة وما ملكت أيمانكم، قالت: فجعل يتكلم بها، ما يفيض [ (1) ] . قال البيهقي: هذا هو الصحيح. وخرج البخاري من حديث عفان، عن صخر بن جويرية، عن عبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سواك رطب يستن به فأبداه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بصره، فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاستن به، فما رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم استن استنانا قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رفع يده أو إصبعه ثم قال: في الرفيق الأعلى. ثلاثا. ثم قبض. وكانت تقول: مات صلى اللَّه عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي [ (2) ] وخرج من طريق الليث قال: حدثني ابن الهاد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم وإنه لبين حاقنتى وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] . ذكره في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإنه ذكر فيه من حديث عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد قال: أخبرنى ابن أبي مليكة قال: إن ابن عمر ذكر أن مولى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبره أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كانت تقول: إن من نعم اللَّه تعالى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري، ونحري وإن اللَّه جمع بين ريقي وريقه عند موته. دخل عليّ عبد الرحمن بن أبي بكر، وبيده السواك، وأنا مسندة رسول   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 205. [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4446) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4449) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 497 اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرأيته ينظر اليه، وعرفت أنه يجب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم، فتناولته فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم، فلينته، فأمره وبين يديه ركوة- أو علبة يشك عمر- فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: لا إله إلا اللَّه، إن للموت سكرات. ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى، حتى قبض ومالت يده [ (1) ] . وخرجه من حديث سليمان بن بلال، قال هشام بن عروة: أخبرنى أبي عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يسأل في مرضه الّذي مات فيه يقول: أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فأذن له أزوجه يكون حيث شاء، فكان صلى اللَّه عليه وسلم في بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: فمات في اليوم الّذي يدور فيه في بيتي، فقبضه اللَّه تعالى، وإن رأسه لبين نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي ثم قالت: دخل عبد الرحمن بن أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت أعطنى هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقضمته ثم مضغته، فأعطيته رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاستن به، وهو مستند إلى صدري [ (2) ] وذكره أيضا في كتاب الجمعة [ (3) ] بهذا الاسناد مختصرا، وأوله ك دخل عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ... إلى آخره ترجم عليه باب من تسوك بسواك غيره. وخرج مسلم من طريق أبى أسامه، عن هشام عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليتفقد يقول أين أنا اليوم؟ أين انا غدا؟ استبطاء ليوم عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4449) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 182، حديث رقم (4450) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 2/ 478- 479، باب (9) من تسوك بسواك غيره، حديث رقم (890) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 498 عنها- قالت: فلما كان يومي قبضه اللَّه بين سحري ونحري. [ (1) ] ذكره في مناقب عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. وخرّج البخاري من حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتي، وفي يومي وبين سحري ونحري، وكانت إحدانا تعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوّذه فرفع رأسه إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلى. ومر عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة. فنظر إليه صلى اللَّه عليه وسلم فظننت أن له بها حاجة، فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه، فاستن بها كأحسن ما كان مستنا، ثم ناولنيها- فسقطت يده- أو سقطت من يده- فجمع اللَّه تعالى بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة. ذكره في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته [ (2) ] . وخرج في كتاب فرض الخمس [ (3) ] في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم وما ينسب من البيوت إليهن، من حديث نافع قال: سمعت ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- توفّي النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيتي وفي نوبتي، وبين سحري ونحري، وجمع اللَّه بين ريقي وريقه. قالت: دخل عبد الرحمن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بسواك فضعف النبي صلى اللَّه عليه وسلم عنه فأخذته فمضغته ثم سننته به. قال سيف عن محمد بن إسحاق عن أصحابه قالوا: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: لما تفرق عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أهله لما رأوه من أفعال حاله وهيئته اضطجع في حجري فاستند به إليّ ودخل رجل من آل أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وفي يده سواك اخضرّت، قالت: فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: أتعجبك؟ أو تحب يا رسول اللَّه أن تستن بهذا السواك؟ قال:   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 216، كتاب فضائل الصحابة باب (13) فضل عائشة أم المؤمنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم (84) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 182، حديث رقم (4451) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 258، باب (4) ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهن حديث رقم (3100) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 499 نعم فأخذته من الّذي كان معه وسرحته إلى أبي فمضغته، ثم أعطيته إياه فاستن به. قد كنت أسمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول ما قبض اللَّه تعالى نبيا قط يخبر مع الّذي كان أمره. قالت: [ (1) ] فوجدت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتفل في حجري وعلى صدري وسقط السواك من يده، وسمعته يقول: بل الرفيق الأعلى من الجنة، فعلمت أنه كان يحدثنا، وأن اللَّه تعالى فضله بإعادة الخيار عليه، قالت: فذهبت انظر في وجهه فإذا قد علاه صفار، وإذا بصره شاخص، وقبضه اللَّه عز وجل إليه، وتصالح أهل البيت. وخرج البخاريّ [ (2) ] من حديث عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد قال: أخبرني ابن أبي مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبره أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كانت تقول: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء- يشك عمر- فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول: لا إله إلا اللَّه، إن للموت سكرات. ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده صلى اللَّه عليه وسلم. ذكره في الرقاق [ (3) ] في باب سكرات الموت. خرج البيهقي من طريق عبد اللَّه بن الحكم وشعيب بن الليث، عن الليث عن يزيد بن الهاد عن موسي بن سرجس، عن القاسم بن محمد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يموت وعنده قدح فيه ماء يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول: اللَّهمّ أعنّي على سكرة الموت [ (4) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 179، كتاب الدعوات، باب (29) دعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ الرفيق الأعلى* حديث رقم (6348) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 207. [ (3) ] (فتح الباري) : 11/ 435 حديث رقم (6509) . [ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 217، كتاب فضائل الصحابة، باب (13) فضائل عائشة أم المؤمنين- رضي اللَّه عنها، حديث رقم (86) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 500 وخرج البخاري في كتاب المغازي [ (1) ] وخرج مسلم في مناقب عائشة [ (2) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- من حديث الليث، عن عقيل بن خالد قال: قال ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم قال: أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول وهو صحيح: لن يقبض نبي قط حتى يرى مقعدة من الجنة، ثم يحيا- أو يخير- فلما أشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذي- غشي عليه ساعة- ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف، ثم قال: اللَّهمّ الرفيق الأعلى، قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قلت: إذا لا يختارنا قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فكانت تلك آخر كلمة تكلم به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قوله: اللَّهمّ الرفيق صلى اللَّه عليه وسلم. وخرجه البخاري في كتاب الرقاق [ (3) ] في باب من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه، به مثله، وخرجه أيضا في آخر كتاب المغازي في باب آخر ما تكلم به النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وخرج في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، من حديث شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو صحيح يقول: إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعدة من الجنة ثم يحيا- أو يخير- فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه صلى اللَّه عليه وسلم على فخذ عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال: اللَّهمّ في الرفيق الأعلى. فقلت إذا لا يخترنا فعرفت أنه حديثه الّذي كان يحدثنا وهو صحيح.   [ (1) ] (المرجع السابق) : 8/ 172 حديث رقم (4437) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 217، حديث رقم (87) . [ (3) ] (فتح الباري) : 8/ 323 كتاب التفسير، باب (13) (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) حديث رقم (4586) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 501 وخرج البخاري في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، وخرج مسلم في مناقب عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- من حديث شعبة عن سعد بن إبراهيم، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كنت أسمع أنه لن يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة، قالت: فسمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه وأخذته بحّة يقول: مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا قال: فظننته صلى اللَّه عليه وسلم خير حينئذ. اللفظ لمسلم. وفي لفظ البخاري عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرضه الّذي مات فيه جعل يقول: في الرفيق الأعلى. وخرج في كتاب التفسير [ (1) ] من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. قالت: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول ما من نبي يمرض إلا خيّر بين الدنيا والآخرة وكان في شكواه الّذي قبض فيه أخذته بحّة شديدة، فسمعته يقول: مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فعلمت أنه خيّر. وخرج النسائي [ (2) ] من حديث سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بردة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: أغمى على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو في حجري فجعلت أمسح وجهه أدعو له بالشفاء فقال: لا بل أسأل اللَّه الرفيق الأعلى الأسعد، مع جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، عليهم الصلاة والسلام. وخرج البخاري في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] ووفاته من حديث عبد اللَّه بن المختار، حدثنا هشام بن عروة عن عبّاد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، أخبرته أنها سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأصغت   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 174- 175، حديث رقم (4440) . [ (2) ] (سبق تخريجه) . [ (3) ] (سبق تخريجه) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 502 إليه قبل أن يموت وهو مسند إلى ظهره يقول: اللَّهمّ اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى. وخرجه مسلم في مناقب عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- من حديث مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن عباد بن عبد اللَّه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بنحوه. قال الواقدي في (مغازية) حدثني الحكم بن القاسم، عن أبى الحويرث قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يشتك شكوى إلا سأل اللَّه تعالى العافية، حتى كان مرضه الّذي مات فيه فإنه لم يكن يدعو بالشفاء، ويقول: يا نفس مالك تلوذين كل ملاذ، قال: وأتاه جبريل، - عليه السلام- في مرضه ويقول: إن ربك يقرئك السلام ورحمة اللَّه، يقول: إن شئت شفيتك وكفيتك، وإن شئت توفيتك وغفرت لك. قال صلى اللَّه عليه وسلم: ذلك إلى ربي يصنع بي ما يشاء، وكان لما نزل به، دعا بقدح من ماء فجعل يمسح به وجهه ويقول: اللَّهمّ أعني على كرب الموت. أدن مني يا جبريل، أدن مني يا جبريل. هذا إسناد منقطع [ (1) ] . وقال سيف: عن أبي القاسم عن العلاء بن زياد، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن خروج النبي صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ إنما كان بشارة إليه من السماء بقتل العنسيّ الكذاب، فقال: قد قتل العنسيّ البارحة قد قتله رجل مبارك من بيت مبارك. وقال: عن سعيد بن عبد الجمحيّ عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ والناس مسرورون قد ملئوا البيت والحجرة وما بينهما من المسجد، فقال: ناد يا علي وارفع صوتك: من اللَّه [لا مني] : ألا لا تدعين أحدا إلى غير أبيه، ولا مولى إلى غير مواليه، ولا تظلمن أحدا لأحد، فمن فعل ذلك لعنه اللَّه، ولم يقبل منه صرفا ولا عدلا ومن اللَّه تعالى حصنهم المانع مع غير مكروه، والظالم المرأة مهرها، والظالم الأجير أجره، وقد أداه عمله، وتفرق الناس عنه، فما انتصف النهار حتى قبضه اللَّه تعالى.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 210. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 503 قال: عن عبد اللَّه بن سعيد، عن أبي سعيد، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: يومئذ يا بني عبد مناف، ألا إني لا أغني عنكم من اللَّه شيئا يا فاطمة بنت محمد، ويا صفية بنت عمة رسول اللَّه ألا إني لا أغني عنكم من اللَّه شيئا يا فاطمة بنت محمد، ويا صفية بنت عمة رسول اللَّه، ألا إني لا أغني عنكم من اللَّه شيئا فاعملا لما عنده، وأطيعا أمره ولا تتكلا. وقال: عن محمد بن إسحاق، عن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن ملك الموت خيرني ما عند ربي عز وجل فاخترت ذلك إلى مجيء الملك، يعني جبريل عليه السلام. قال: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن أبي مليكة عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان جبريل عليه الصلاة والسلام يأتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم في وجعه في كل يوم فيسلم عليه ويقول: إن اللَّه يقرأ عليك السلام ويقول: كيف تجدك يا محمد؟ وهو أعلم بالذي تجد منك، ولكنه أراد أن يزيدك كرامة وشرفا وأن يتم كرامتك وشرفك على الخلق، وأن يكون سنة في أمتك فيجد به بقدر الّذي يجد من شدة أو رخاء، فإذا قال: أخذني بى شاكيا قال جبريل- عليه السلام- يا محمد إن اللَّه عزّ وجلّ لم يشدد عليك أن يكون أحد من خلقه هو أكرم عليه منك ولكنه أحب أن تدعوه وتضرع إليه، ولا تكف عن ذلك حتى تلقاه للذي أعد لك في ذلك من الثواب والفضيلة على الخلق، وإذا قال: الحمد للَّه وأشكره قال: ربك يحب أن يحمد ويشكر ليزيدك على ما أعطاك. وقال: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمر، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: حتى إذا كان اليوم الّذي مات فيه صلوات اللَّه عليه، رأوا منه في أول النهار خفة فتفرق عنه الرجال إلى منازلهم وحوائجهم مستبشرين، وأخلوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنساء، فبينا نحن على ذلك لم يكن على مثال جالسا في الرخاء والفرح قبل ذلك. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 504 قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أخرجي عني- يعني هؤلاء- فهذا الملك يستأذن عليّ فخرج من البيت غيري، ورأسه في حجري، فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وتنحيت في ناحية البيت، فناجى الملك طويلا، ثم إنه دعاني ورأسه في حجري، وقال للنسوة: ادخلن، فقلن: ما هذا بحسّ جبريل، فقال رسول صلى اللَّه عليه وسلم أجل يا عائشة هذا ملك الموت جاءني، فقال: إن اللَّه عزّ وجلّ أرسلني إليك، وأمرني أن لا أدخل عليك إلا بإذن، فإن لم تأذن لي لم أدخل عليك، وإن أذنت لي دخلت، وأمرني أن لا أقبضك حتى تأمرني، فمرني أمرك، فقلت: اكفف حتى يأتيني جبريل، فهذه ساعة جبريل، واستقبلنا بأمر لم يكن عندنا جواب ولا رأي وجوهنا، وكأني ضربنا بصاخة ما يخسر إليه شيئا، وما يتكلم أحد من أهل البيت إعظاما لذلك الأمر وهيبته وقد ملأت جوا. قال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: وجاء جبريل- عليه الصلاة والسلام- في ساعته فسلم فعرفنا حسّه، وخرج أهل البيت ودخل، فقال: إن اللَّه عز وجل يقرأ عليك السلام يا محمد ويقول: كيف تجدك؟ وهو أعلم بالذي تجد منك، ولكن أراد أن يزيدك كرامة وشرفا على الخلق، وأن يكون سنة في أمتك فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أجدني راجعا فقال: أبشر فإن اللَّه عزّ وجلّ أراد أن يبلغك ما أعدّ لك، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: يا جبريل إن ملك الموت استأذن عليّ وأخبره الخبر، فقال جبريل- عليه السلام-: إن ربك متمّ شرفك، وهو إليك مشتاق، قال: فلا تبرح إذا حتى يجئ وأذن للنساء، فقال: أدن يا فاطمة، فأكبّت عليه، فناجاها، فرفعت رأسها وعيناها تذرفان وما تطيق الكلام، ثم قال: أدن مني رأسك، فأكبت عليه، فناجاها، فرفعت رأسها وهي تضحك، وما تطيق الكلام، وكان الّذي رأينا منها عجبا، فسألناها بعد ذلك فقالت: أخبرني أنه قال: إني ميت، فبكيت ثم قال: إني دعوت اللَّه أن يلحقك بي في أول أهلي، وأن يجعلك معي فأضحكني ذلك. قال: جاء ملك الموت فسلم واستأذن فأذن له، قال ملك الموت أفتأمرنا يا محمد؟ فقال: ألحقني بربي الآن، فقال: بل من يومك هذا، أما إن ربك الجزء: 14 ¦ الصفحة: 505 إليك مشتاق، ولكن ساعتك أمامك. قالت: وخرج جبريل- عليه السلام- وقال: يا رسول اللَّه، هذا آخر ما أنزل فيه إلي الأرض أبدا، طوي الوحي، وطويت الدنيا، وما كانت لي في الأرض حاجة غيرك، وما لي فيها حاجة إلا حضورك، ثم لزومي موقفي، ولا والّذي بعث محمدا بالحق، ما في البيت أحد أن يستطع أن يخير إليه في ذلك كله، ولا يبعث إلي أحد من رجاله لعظم ما سمع من حديثه. وقال سيف: عن سليمان بن أبي المغيرة، عن فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثل حديث سعيد، عن عبيد بن عمير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- إلا أن في آخره: فاخترت لقاء اللَّه عز وجل وما عند اللَّه وإني سألت اللَّه عز وجل أن يجعلك معي. يا فاطمة بنت رسول اللَّه، ويا صفية عمة رسول اللَّه، اعملا لما عند اللَّه فإنّي لا أغني عنكما من اللَّه شيئا، مثلا ضربه ليعبد ربه، وإنما أراد من ذلك من يخاف عدته. وروي الواقدي في (المغازي) عن محمد بن عمر، عن أسامه بن زيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال جبريل- عليه السلام-: لمفاتيح خزائن الأرض فقال: يا محمد هذه مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة أحبّ إليك أم لقاء ربك ثم الجنة؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لقاء ربي ثم الجنة، وكان مع جبريل عليه الصلاة والسلام ملك الموت، فقبض نفسه، وأشخص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجهه إلي سقف البيت وهو يقول: مع الرفيق الأعلى، وقبض صلى اللَّه عليه وسلم. قال سيف: عن أبي المهلب، عن بشر عن القاسم عن أبي أمامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: وكان جبريل عليه السلام يأتيه بالليل والنهار فيقول: إن اللَّه عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول: كيف تجدك؟ ثم يوصيه بالجار، وبالسواك، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما جاءني قط صاحبي إلا وهو يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه، وبالسواك حتى ظننت أنه سيفرضه حتى إذا كان الثاني عشر من ربيع الأول، اشتد وجعه من الليل، فأصبح وقد أفاق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 506 وخرج البيهقي من طريق سيار بن حاتم حدثنا عبد الواحد بن سليمان الحارثي قال: حدثنا الحسن بن علي، عن محمد بن علي قال: لما كان قبل وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثلاث، هبط إليه جبريل عليه السلام فقال: إن اللَّه تعالى أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا، وخاصة لك، يسألك عما هو أعلم به منك يقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا: فلما كان يوم الثاني، هبط جبريل عليه السلام فقال له مثل ذلك. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا، فلما كان اليوم الثالث، هبط جبريل- عليه السلام- ومعه ملك الموت ومعهما ملك الهواء يقال له إسماعيل، على سبعين ألف ملك، كل ملك منهم على سبعين ألف ملك. قال: فسبقهم جبريل- عليه السلام- فقال: يا أحمد إن اللَّه تعالى أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا وخاصة لك، يسألك عما هو أعلم به منك يقول كيف تجدك؟ قال أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا قال: واستأذن ملك الموت على الباب فقال له جبريل- عليه السلام- يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمي من قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك. فقال صلى اللَّه عليه وسلم ائذن له يا جبريل. فقال: عليك السلام يا أحمد، إن اللَّه تعالى أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك فيما أمرتني، إن أمرتني أن أقبض نفسك، قبضتها، وإن أمرتني أن أتركها تركتها، قال صلى اللَّه عليه وسلم: وتفعل ذلك يا ملك الموت؟ قال: نعم! قال: بذلك أمرت. قال جبريل- عليه السلام-: يا أحمد إن اللَّه تعالى قد اشتاق إلى لقائك، قال صلى اللَّه عليه وسلم: يا ملك الموت أمض لما أمرت به، قال فأتاهم آت يسمعون حسه، ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في اللَّه تعالى خلفا من كل هالك، وعزاء من كل مصيبة، ودركا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فأجروا، فإن المصاب من حرم الثواب. قال البيهقي: قوله: إن اللَّه قد اشتاق إلى لقائك، إن صح إسناد هذا الحديث. فإنما معناه قد أراد زيادة في قربك وكرامتك. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 507 وخرج من حديث يونس بن بكير عن المبارك بن فضالة، عن الحسن. قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال لفاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا بنية واللَّه لقد حضر أباك ما ليس اللَّه تبارك منه أحدا من الناس لموافاة يوم القيامة. ومن طريق آدم بن أبى إياس، حدثنا المبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما قالت فاطمة عليها السلام: وا كرباه! قال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك كمنه أحدا لموافاة يوم القيامة [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: لما ثقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم جعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليها السلام: وا كرب أباه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، يا أبتاه إلي جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس! أطابت نفوسكم أن تحشوا على رسول اللَّه التراب؟ [ (2) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث عفان بن مسلم، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ورأسه بين سحري ونحري فلما خرجت نفسه صلى اللَّه عليه وسلم لم أجد ريحا قط أطيب منها [ (3) ] . قال سيف: عن سلمه بن نبيط، عن نعيم بن أبي هند عن شقيق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قمت إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى أضع رأسه بين ثدييّ وأمسكت بصدره فجعل يغمض عينيه حتى يغلب، وجبهته ترشح رشحا ما رأيته من إنسان قط، فجعلت أسلت ذلك العرق، ما رأيت ولا وجدت رائحة شيء أطيب منه، وكنت أقول له إذا أفاق: بأبي وأمي ونفسي وأهلي! ما تقلي جبهتك من العرق فقال صلى اللَّه عليه وسلم: يا عائشة إن نفس المؤمن تخرج   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 210- 212. [ (2) ] (فتح الباري) : 1887، حديث رقم (4462) . [ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 175، حديث رقم (34384) من حديث السيدة عائشة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 508 بالرشح، والكافر تخرج من شدته كنفس الحمار، فعند ذلك ارتعنا وبعثنا إلى أهلينا، فكان أول رجل جاءنا فلم يشهده أخي، فبعثته إلى أبي، فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل أن يجيئنا. قال: عن سليمان بن أبى المغيرة، عن فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن الأنبياء تخرج أنفسهم بالرشح، وجعل إذا أغمي عليه قال: بل الرفيق الأعلى، كأن الخيرة تعاد عليه، فإذا أفاق قال: الصلاة، الصلاة، إنكم لا تزالون متماسكين ما صليتم جميعا، الصلاة، الصلاة، يوصي بها حتى الموت، فهي آخر ما سمع منه. قال: عن سعيد بن عبد اللَّه عن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: فسالت مهجة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرأيتها من في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين الأرض وما هي متعلقة بشيء. وقال: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن أبي مليكة قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتي وفي يومي، لم أظلم فيه أحدا ومات بين سحري ونحري، فلما رأيت النساء يبكين ويعددن، وضعت رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الوسادة، فرأيته يحرك يديه ورجليه فأكبيت عليه وأنا أري أنها غشيه أفاق منها، فإذا هو كأنّه إذا كان يضاجعني نائما، وإذا تلك الحركة تمديد من الملائكة وقيام منهم عليه. وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني يحيي بن عباد عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو بين سحري ونحري، في بيتي، وفي يومي، لم أظلم فيه أحدا. فمن سفاهة رأيي، وحداثة سني، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حجري، فأخذت وسادة، فوسدتها رأسه، ووضعته من حجري ثم قمت مع النساء أبكي وألتدم. وخرج البيهقي [ (1) ] من طريق أبي عمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس، قال إنه أتي عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: كان رسول اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: كان رسول اللَّه   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 8/ 213. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 509 صلى اللَّه عليه وسلم إذا مر بحجرتي ألقى إليّ الكلمة، يقر بها عيني، فمر ولم يتكلم فعصبت رأسي، ونمت على فراشي، فمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: مالك يا عائشة؟: فقلت: أشتكي رأسي، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: بل أنا وا رأساه، وأنا الّذي أشتكى رأسي، وذلك حين أخبره جبريل عليه الصلاة والسلام أنه مقبوض. فلبثت أياما، ثم جيء به يحمله في كساء أربعة، فأدخل عليّ، فقال: يا عائشة أرسلي إلي النسوة. فلما جئن قال: إني لا أستطيع أن أختلف بينكن فأذن لي فأكون في بيت عائشة، قلن: نعم. فرأيته يحمر وجهه، ويعرق، فلم أكن رأيت ميتا قط. فقال: أقعديني فأسندته إلي، ووضعت يدي عليه، فقبلت رأسه، فرفعت يدي عنه، وظننت أنه يريد أن يصيب من رأسي فوقعت من فيه نقطة باردة علي ترقوتي أو صدري ثم مال فسقط علي الفراش، فسجيته بثوب فلم أكن رأيت ميتا قط، فعرفت الموت بغيره، فجاء عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يستأذن ومعه المغيرة بن شعبة، فأذنت لهما، ومددت الحجاب، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا عائشة ما لنبي اللَّه؟ قالت: غشي عليه منذ ساعة، فكشف عن وجهه، فقال: وا غماه إن هذا لهو الغم، ثم غطاه، ولم يتكلم المغيرة. فلما بلغ عمر الباب، قال المغيرة: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يا عمر. فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كذبت، ما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا يموت حتى يأمر بالمنافقين، بل أنت تجوشك فتنه، فجاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: ما لرسول اللَّه يا عائشة؟ قلت: غشي عليه منذ ساعة، فكشف عن وجهه، فوضع فمه بين عينية، ووضع يده على صدغيه، ثم قال: وا نبياه! وا صفياه! وا خليلاه! صدق اللَّه ورسوله: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (1) ] وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ [ (2) ] ثم غطاه، وخرج إلي الناس فقال: أيها الناس: هل مع أحد منكم عهد من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالوا: لا. قال: من   [ (1) ] الزمر: 30. [ (2) ] الأنبياء: 34. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 510 كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد ملت. ثم قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وقال: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ فقال عمر: أفي كتاب اللَّه هذا يا أبا بكر؟ قال: نعم، قال عمر: هذا أبو بكر صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الغار وثاني اثنين فبايعوه، فحينئذ بايعوه [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبرته، ان أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أقبل على فرس من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فتيمم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو مغشي عليه ببرد حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه يقبله ثم بكي ثم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، واللَّه لا يجمع اللَّه عليك موتتين أبدا، الموتة التي كتبت عليك فقدمتها. قال: وحدثني أبو سلمة، عن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خرج وعمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر! فأبى عمر أن يجلس، فتشهد أبو بكر، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان منكم يعبد اللَّه فإن اللَّه تبارك وتعالى حي لا يموت، قال اللَّه تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إلى قوله: الشاكرين [ (2) ] وقال: لكأن الناس لم يعلموا أن اللَّه تعالى أنزل هذه الآية، حتى تلاها أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 214- 215. [ (2) ] آل عمران: 144. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 511 قال: وحدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، أنه قال: أخبرني سعيد ابن المسيب، أن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: واللَّه ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعرفت، أو قال: فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض، وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد مات. [ (1) ] وخرجه مسلم من طريق معمر ويونس، عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمه أن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبرته قالت: أقبل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على فرسه من مسكنه بالسنح، وذكره بنحو أو قريب مما تقدم، وخرجه النسائي. [ (2) ] وذكر البيهقي من طريق الواقدي عن شيوخه، قالوا: لما شكوا في موت النبي قال بعضهم: قد مات، وقال بعضهم: لم يمت فوضعت أسماء بنت عميس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يدها بين كتفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت: قد توفي الرسول صلى اللَّه عليه وسلم قد رفع الخاتم من بين كتفيه، فكان هذا الّذي عرف به موته. وروي من طريق يونس عن أبي معشر، عن محمد بن قيس عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: وضعت يدي على صدر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم مات، وهو في جمع، آكل، وأتوضأ، ما يذهب ريح المسك من يدي. ومن طريق يونس [ (3) ] عن الحجاج بن أبي ذؤيب عن طلحة مولى ابن الزبير عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو خميص البطن.   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 183، حديث رقم (4452- 4453) . [ (2) ] لعله في (الكبرى) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 219- 220. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 512 ذكر ما نزل به صلى اللَّه عليه وسلم من شدة الوجع خرج البخاري في كتاب المرض [ (1) ] من حديث سفيان وشعبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما رأيت أحدا اشتدّ عليه الوجع من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وخرجه مسلم في كتاب البرّ والصلة [ (2) ] من حديث جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما رأيت رجلا أشد عليه الوجع من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفي رواية مكان الوجع وجعا. وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث سفيان عن سليمان عن شقيق عن مسروق عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما رأيت الوجع علي أحد أشد منه على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وخرجه قاسم بن أصبغ وابن أيمن بمثله. وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث الأعمش، عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: دخلت علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يوعك، فمسسته بيدي فقلت: يا رسول اللَّه: إنك توعك وعكا شديدا فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك بأن لك أجرين، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أجل ذلك كذلك، ثم قال: ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر اللَّه- تعالى- بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها [ (6) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 136، باب (2) شدة المرض حديث رقم (5646) . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 362- 363، باب (14) ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها، حديث رقم (44) . [ (3) ] لعله في (الكبرى) . [ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 137، كتاب المرض، باب (2) شدة المرض حديث رقم (5647) وباب (2) أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، حديث رقم (5648) . [ (5) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 363، حديث رقم (45) . [ (6) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 208، ذكر شدة المرض على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 513 وروي ابن سعد من طريق موسي بن عبيدة الزبيدي عن زيد بن أسلم، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جئنا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإذا عليه صالب من الحمي ما يكاد يقربه أحدنا عليه من شدة الوجع، فجعلنا نسبح، فقال: ليس أحد أشد بلا من الأنبياء، كما يشدد علينا، كذلك يضاعف لنا الأجر. وروي أحمد بن المقدام، حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة. قال: أخبرني حصين قال: سمعت أبا عبيد يحدث عن عمته فاطمة أنها قالت: أتينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه نعوده، فإذا سقاء عليه من شدة ما يجد من الحمي فقلنا: يا رسول اللَّه لو دعوت اللَّه يكشف عنك، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: إن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: جعل يشتكي ويتقلب على رأسه، فقلت: لو فعل هذا بعضنا وجد عليه قال إن المؤمنين يشدد عليهم. وقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء ويدخل يده في القدح ثم يمسح به وجهه بالماء ثم قال: اللَّهمّ أعني على سكرات الموت [ (1) ] وعن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أغبط أحدا بهوان موت بعد الّذي رأيت من شدة موت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 65، حديث رقم (23835) ، (23895) ، (23960) ، (24650) من حديث السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وأخرجه أيضا في (سنن الترمذي) : 3/ 308، كتاب الجنائز، باب (8) ما جاء في التشديد عند الموت، حديث رقم (978) . [ (2) ] (سنن الترمذي) : 3/ 309 كتاب الجنائز، باب (8) ما جاء في التشديد عند الموت حديث رقم (979) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 514 ذكر إخراجه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه مالا كان عنده وعتقه أرقّاءه خرّج الإمام أحمد من حديث يحيي عن محمد بن عمر قال: حدثني أبو سلمه قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه: يا عائشة! ما فعلت بالذهب؟ فجاءت ما بين الخمسة إلى السبعة، أو الثمانية، أو التسعة، فجعل صلى اللَّه عليه وسلم يقلبها بيده ويقول: ما ظن محمد باللَّه عزّ وجلّ إن لقيه اللَّه تعالى وهذه عنده؟ أنفقيها [ (1) ] . ومن حديث أبي حازم عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أمرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن أتصدق بذهب كانت عندنا في مرضه، قالت: فأفاق، فقال: ما فعلت بالذهب؟ قالت: لقد شغلني ما رأيت منك، قال: فهلميها، قال: فجاءت بها إليه، سبعة، أو تسعة. قال الواقدي في (مغازيه) : [ (2) ] حدثني موسي بن محمد عن أبيه. عن أم سلمة. عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالت: حضر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في صدري فقال: ما فعلت الذهبة؟ فأتيته بها وهي تسعة دنانير، فقال: أنفقيها، ما ظن محمد بربه لو لقي اللَّه تعالى وهي عنده؟ وقال محمد بن سعد: أخبرني سعيد بن منصور قال: أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: أخبرني سعيد بن منصور، قال يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم، عن سهل بن سعد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كانت عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبعة دنانير وضعها عند عائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلما كان في مرضه قال: يا عائشة ابعثي الذهب إلى عليّ، ثم أغمى عليه، وشغل عائشة ما به، فبعثت به إلى عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتصدق به.   [ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 74، حديث رقم (23702) ، حديث رقم (24964) السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. [ (2) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 1117 وما بعدها، غزوة أسامة بن زيد إلى مؤتة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 515 قال: أخبرنا عبد اللَّه بن مسلمة بن قعنب، حدثنا عبد العزيز بن محمد ابن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد اللَّه بن حويطب، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وهي مستندته إلى صدرها: يا عائشة! ما فعلت تلك الذهب؟ قال: فدعا بها فوضعها في كفه فقال: ما ظنّ محمد بربه أن لو لقي اللَّه تعالى وهذه عنده؟ فأنفقها كلها، ومات صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك اليوم. وقال سيف: عن سهل بن يوسف، عن أبيه، عن جده، قال: أعتق النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه أربعين نفسا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 516 ذكر تأميره صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن عروة بن الزبير قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد بعث أسامة وأمّره أن يوطئ الخيل نحو البلقاء حيث قتل أبوه وجعفر، فجعل أسامة وأصحابه يتجهزون وقد عسكر بالجرف، فاشتكي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على ذلك، ثم وجد من نفسه راحة، فخرج عاصبا رأسه فقال: أيها الناس! أنفذوا بعث أسامة، ثلاث مرات، ثم دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم فتوفي. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد اللَّه بن يزيد بن قسيط، عن أبيه، عن محمد بن أسامه بن زيد عن أبيه قال: بلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلم قول الناس: استعمل أسامة بن زيد على المهاجرين والأنصار، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى جلس علي المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس! أنفذوا بعث أسامة! فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله، وإنه لخليق بالإمارة، وإن كان أبوه لخليقا بها. قال: فخرج جيش أسامة حتى عسكروا بالجرف وتتامّ الناس إليه فخرجوا، وثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأقام أسامة والناس ينتظرون ما اللَّه قاض في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال أسامة: فلما ثقل هبطت من معسكري وهبط الناس معي وقد أغمي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلا يتكلم فجعل يرفع يده إلي السماء ثم يصبها علي فأعرف أنه يدعو لي. حدثنا عبد الوهاب بن عطاء العجليّ قال: أخبرنا العمري عن نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعث سرية فيهم أبو بكر وعمر واستعمل عليهم أسامة بن زيد، فكان الناس طعنوا فيه أي في صغره، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال: إن الناس قد طعنوا في إمارة أسامة وقد كانوا طعنوا في إمارة أبيه من قبله، وإنهما لخليقان لها، وإنه لمن أحب الناس إليّ، ألا فأوصيكم بأسامة خيرا. أخبرنا أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي أويس وخالد بن مخلد قالا: أخبرنا الجزء: 14 ¦ الصفحة: 517 سليمان بن بلال وأخبرنا عبد اللَّه بن مسلمة بن قعنب الحارثي، أخبرنا عبد العزيز بن مسلم وأخبرنا معن بن عيسى، قال: أخبرنا مالك بن أنس، جميعا عن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر قال: بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعثا، وأمّر عليهم أسامة بن زيد فطعن بعض الناس في إمارته، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبله! وأيم اللَّه إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده! أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب وأخبرنا المعلى بن أسد، أخبرنا عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة، حدثني سالم بن عبد اللَّه بن أبيه أنه كان يسمعه يحدث عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين أمر أسامه بن زيد، فبلغه أن الناس عابوا أسامة وطعنوا في إمارته، فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الناس فقال: ألا إنكم تعيبون أسامة وتطعنون في إمارته وقد فعلتم ذلك بأبيه من قبل! وأيم اللَّه إن كان لخليقا للإمارة. وإن كان لأحب الناس كلهم إليّ وإن ابنه هذا من بعده لأحب الناس إلي فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم. [ (1) ] وخرج البخاري في كتاب الأحكام [ (2) ] في باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء، حديثا من حديث عبد اللَّه بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن في إمارته، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: إن تطعنوا في إمارته ... الحديث إلي آخره. وقال: لخليق للإمارة. وخرجه في المغازي [ (3) ] في غزوة زيد بن حارثة. [ (4) ] وقال الواقدي في (مغازيه) : قالوا: لم يزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ووجد عليه   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 248- 250. [ (2) ] (فتح الباري) : 13/ 223، كتاب الأحكام، باب (33) من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء حديثا، حديث رقم (8187) . [ (3) ] (المرجع السابق) : 7/ 634، حديث رقم (4250) . [ (4) ] (مغازي الواقدي) : 3/ 117 وما بعدها، غزوة أسامة بن زيد مؤتة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 518 وجدا شديدا، فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة، أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وأمرهم بالانكماش [ (1) ] في غزوهم فتفرق المسلمون من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهم مجدون في الجهاد، فلما أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغد يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر دعا أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا أسامة، سر على اسم اللَّه وبركته حتى تنتهي إلي مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم، وأسرع السير تسبق الخير، فإن أظفرك اللَّه تعالى فأقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون أمامك والطلائع. فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، بدئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فصدع وحمّ، فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر، عقد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده لواء ثم قال: يا أسامة، اغز باسم اللَّه، في سبيل اللَّه، فقاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدا، ولا امرأة، ولا تمنوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللَّهمّ اكفناهم، واكفف بأسهم عنا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصيّحوا، فعليكم بالسكينة والصمت، ولا تنازعوا فتفشلوا [ (2) ] فتذهب ريحكم، وقولوا: اللَّهمّ إنا نحن عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغلبهم أنت، واعلموا أن الجنة تحت البارقة. [ (3) ] ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأسامة: امض على اسم اللَّه، فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلميّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فخرج به إلي بيت أسامة وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعسكر بالجرف، وجعل الناس يجدّون بالخروج إلي العسكر وخرج من فرغ من حاجته إلي معسكره، ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ، ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن   [ (1) ] الانكماش: الإسراع. [ (2) ] في (المغازي) : «ولا تفشلوا» وما أثبتناه من الأصل، فهو أصوب. [ (3) ] البارقة: بارقة السيوف. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 519 الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، في رجال من المهاجرين والأنصار عدة: قتادة ابن النعمان، وسلمه بن أسلم بن حريش، فقال رجال من المهاجرين، وكان أشدهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فكثرت المقالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعض ذلك القول، فردّه على من تكلّم به، وجاء إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره بقول من قال، فغضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غضبا شديا، وخرج قد عصب على رأسه عصابة، وعليه قطيفة، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، يا أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم اللَّه إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ وإنهما لمخيلان لكل خير [ (1) ] فاستوصوا به خيرا فإنه لمن خياركم. ثم نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامه يودعون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: أنفذوا بعث أسامة! ودخلت أم أيمن فقالت: أي رسول اللَّه! لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل، فإن أسامة إن خرج علي حالته هذه لم ينتفع بنفسه. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أنفذوا بعث أسامه، فمضى الناس إلي المعسكر فباتوا ليلة الأحد، ونزل أسامة يوم الأحد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثقيل مغمور، وهو اليوم الّذي لدوه [ (2) ] فيه فدخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعيناه تهملان، وعنده العباس والنساء حوله فطأطأ عليه أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقبّله، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يده إلي السماء ثم يصبها على أسامة قال: فأعرف أنه كان يدعو لي.   [ (1) ] فلان مخيل للخير: أي خليق له. [ (2) ] لدوه: أعطوه الدواء، واللدود: ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 520 قال أسامة فرجعت إلي معسكري، فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره، وأصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مفيقا، فجاءه أسامة فقال: أغد على بركة اللَّه، فودعه أسامة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مفيق مريح [ (1) ] وجعل نساؤه يتماشطن سرورا براحته، فدخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه: أصبحت مفيقا بحمد اللَّه، واليوم يوم ابنة خارجة فائذن لي، فأذن له، فذهب إلي السنح [ (2) ] وركب أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلي معسكره، وصاح في أصحابه باللحوق بالعسكر، فانتهي إلي معسكره، فنزل وأمر الناس بالرحيل وقد متع [ (3) ] النهار فينا أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن وهي أمه يخبره أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يموت، فأقبل أسامة إلي المدينة، معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فانتهوا إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يموت فتوفي صلى اللَّه عليه وسلم حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلي المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بلواء أسامة معقودا حتى أتي به باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فغرزه عنده، فلما بويع لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أمر بريدة أن يذهب باللواء إلي بيت أسامة وأن لا يحله أبدا، حتى يغزوهم أسامة قال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة، خرجت به إلى الشام معقودا مع أسامة ثم رجعت به إلي بيت أسامة، فما زال في بيت أسامة حتى توفي أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وذكر بقيمة الخبر. قال الواقدي: فحدثني محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد، عن أهله، قال ك توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأسامة ابن تسع عشرة سنة، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زوجه وهو ابن خمس عشر سنة وامرأة من طيِّئ، ففارقها، وزوجه أخرى، وولد له في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأولم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بنائه بأهله.   [ (1) ] يقال: أراح الرجل إذا رجعت نفسه إليه بعد الإعياء. [ (2) ] موضع بأعالي المدينة. [ (3) ] متع النهار، إذا طال وامتد وتعالى. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 521 ذكر وثوب الأسود العنسيّ قبيل وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو: عيهلة بن كعب بن عوف بن صعب بن مالك بن عباس واسمه زيد ابن مالك، وهو مذجح بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. قال الدولابي: وكان معه شيطانان: سحيق وشفيق، يخبرانه بكل شيء، وأعلماه بموت باذان فخرج من ساعته فغلب علي صنعاء. وقال سيف: عن أبي مويهبة مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة بعد ما قضى حجة التمام فتحلل وضرب على الناس بعثا وأمر عليهم أسامه بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وأمره أن يوطئ إبل الزيت من مشارق الشام بالأردن [ (1) ] ، فقال المنافقون في ذلك، وردّ عليهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إنه لخليق لها أي حقيق بالإمارة، ولئن قلتم فيه، لقد قلتم في أبيه من قبله وإن كان لخليقا، وطارت الأخبار بتحليل السير بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قد اشتكى، فوثب الأسود باليمن، ومسيلمة باليمامة، وجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم الخبر عنهما، ثم وثب طلحة في بلاد بني أسد بعد ما أفاق النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم اشتكى في المحرم وجعه الّذي توفاه اللَّه تعالى فيه. وقال: حدثناه هشام بن عروة، عن أبيه قال: لما رجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة أمر أسامة بن زيد وضرب البعث على عامة أهل المدينة بعد ما أمره أن يسير حتى يوطئ بهم إبل الزيت، ويحلل به السير، فطار في الآفاق أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشتكى، فوثب الأسود باليمن، ومسيلمة باليمامة، ثم إن طلحة وثب بعد ما أفاق النبي صلى اللَّه عليه وسلم وبعد ما جاء الخبر عن الأسود ومسيلمة، ثم إنه اشتكى وجعه الّذي توفاه اللَّه تعالى فيه في عقب المحرم. قال سيف: حدثنا سهل بن يوسف بن سهل بن مالك الأنصاري، عن   [ () ] (4) (مغازي الواقدي) : 3/ 1125. [ (1) ] لم أجد هذا الموضع فيما عندي من معاجم البلدان. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 522 القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: أول ردة كانت ردة الأسود، واسمه عيهلة بن كعب، وكان يقال له ذو الخمار، ويقال ذو الحمار- بالحاء المهملة- لأنه مر به حمار [ (1) ] فخر علي وجهه فقام الأسود يتحدث ولم يقم الحمار حتى تكلم إليه. قال سيف: ومسيلمة واسمه ثمامة بن قيس، وكان يقال له: رحمان، بأن الّذي يأتيه رحمان، وطليحة بن خويلد ويقال له: ذو النون، فإن الّذي يأتيه ذو النون، يقال: حدثني المسير بن يزيد النخعي، عن عروة بن عرية عن الضحاك بن فيروز الديلمي، عن أبيه قال: إن أول ردة كانت في الإسلام ردة كانت باليمن، على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على يدي ذي الخمار عيهلة بن كعب، وهو الأسود في عامة مذجح بعد حجة الوداع، وكان الأسود كاهنا، شعباذا، وكان يريهم الأعاجيب، وسبي قلوب من سمع منطقه. وقال ابن أبي خثيمة: وأنكر نبوءته فقال: لا أكلمك ولكن أسأل ربي يكلمك وأمسك فاه، فسمع الرجل متكلما يقول: سل عما بدا لك، وراجعه بكلام. وقال سيف: وكان أول ما خرج أن خرج كهف حنان وهي كانت داره وبها ولده ونساؤه، فكاتبته مذجح وواعدته بحران، فوثبوا بها وأخرجوا عمرو ابن حزم، وخالد بن سعيد بن العاص، فأنزلوه منزلهما. ووثب قيس بن عبد يغوث علي فروة بن مسيك وهو على مراد، فأخلاه ونزل منزله فلم يلبث عيهلة بنجران أن سار إلى صنعاء فأخذها، وكتب إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك من فعله ونزوله صنعاء، وكان أول حين وقع به عنه من قبل فروة بن مسيك، فلحق بفروة من تم إسلامه من مذجح ولم يكاتب الأسود صلى اللَّه عليه وسلم ولم يرسل إليه لأنه لم يكن معه أحد يساعيه وضوى له ملك اليمن. قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال: لما اشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ارتاب من شاء اللَّه فلم يقم منهم أحد على دينه إلا الأسود العنسيّ،   [ (1) ] غير واضحة بالأصل. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 523 ومسيلمة، فإنّهما كفرا وادعيا النبوة، وكفر من اتبعهما، فلما بلغا النبي صلى اللَّه عليه وسلم خبرهما، قام في الناس فقال: أيها الناس، إني قد كنت أريت ليلة القدر فأنسيتها وأريت في ذراعي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما، فطارا، فأولتهما هذين الكذابين: صاحب اليمامة، وصاحب صنعاء، ولن تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كلهم يزعم أنه نبي. وعن محمد بن إسحاق عن عبيد اللَّه بن أبي بكر، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال يوما وهو يخطب على المنبر وقد تكلم في زمانه قبل إن يقبض مسيلمة وادعى النبوة والأسود بن كعب العنسيّ باليمن، وادعى النبوة، وكان يقال له في الجاهلية ذو الخمار: يا أيها الناس إني قد أريت ليلة القدر ثم انتزعت مني ورأيت في يدي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما، فطارا، فأولتهما هذين الكذابين: صاحب اليمامة، وصاحب صنعاء، ولن تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كلهم يزعم أنه نبي. فقد كان غلظ أمر الأسود واستكنف، وبايعه أهل اليمن إلا أن قوما قليلا خالفوا عليه. قال المؤلف: وقد خرج البخاري ومسلم طرفا من ذلك، فخرج البخاري في كتاب المغازي في وفد بني حنيفة من حديث عبد الرزاق عن معمر بن همام أنه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وخرج مسلم أيضا من طريق عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة. عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فذكر أحاديث منها، وقال: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بينما أنا نائم أتيت خزائن الأرض. قال البخاري: في كفي سوارين من ذهب فكبرا عليّ فأوحي إلي أن انفخهما، فنفختهما، فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة [ (1) ] . وخرج البخاري في التعبير من حديث عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن   [ (1) ] (فتح الباري) : 8/ 112، كتاب المغازي، باب (71) وفد بني حنيفة، وحديث ثمامة بن أثال، حديث رقم (4375) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 524 همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نحن الآخرون السابقون. قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بينما أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سواران من ذهب فكبرا علي ... الحديث إلى آخره. وترجم عليه باب النفخ في المنام [ (1) ] . وقال ابن أبي خثيمة: بعث الأسود إلى أبي مسلم عبد اللَّه بن أيوب الخولانيّ. فأتاه فقال: أشهد أني رسول اللَّه، قال: ما أسمع، قال: أشهد أن محمدا رسول اللَّه، قال: نعم فردد ذلك مرارا، فأوقد له نارا عظيمة وألقاه فيها فلم يضره، فنفاه، فأتى المدينة. وقال سيف: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: حاربهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالرسل والكتب فأرسل إلى نفر من الأبناء رسولا وكتب إليهم أن تحاولوا الأسود وأمرهم أن يتخذوا رجالا قد سماهم لهم ممن حولهم من حمير وهمذان وأرسل إلى أولئك النفر من حمير وهمذان أن يتخذوهم. وأرسل إلى ثمامة بن أثال ومن يسمع عليه، أن تحاولوا مسلمة، وأمره أن يتخذوا رجالا قد سماهم ممن والاه من تميم وقيس، وأرسل إلي أولئك النفر من تميم وقيس أن يتخذوه وأرسل إلي عون وورقاء بن نوفل، وإلى سنان وقضاعة أن تحاولوا طليحة وأمرهم أن يتخذوا رجالا قد سماهم لهم من تميم وقيس، وأرسل إلي أولئك النفر من تميم وقيس أن يتخذوهم، ففعلوا، وانقطعت سبل المرتدة، وطعنوا في نقصان، وأغفلهم فاستغفلوا في أنفسهم فأصيب الأسود في حياة النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته بيوم أو بليلة وكذا مسيلمة، وطلحة. قال: حدثنا الضحاك بن يربوع عن أبيه عن ماهان، قال: قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قاتل النبي صلى اللَّه عليه وسلم الأسود وطليحة ومسيلمة وأشياعهم بالرسل فلم يشغله. قال سيف: عن طلحة بن الأعلم عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه   [ (1) ] (المرجع السابق) 12/ 523، حديث رقم (7036) ، (7037) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 525 تبارك وتعالى عنهما-: أول من اعترض على العنسيّ وكابره عامر بن شهر الهمذاني في ناحية، وفيروز ودادوبه في ناحيتهما ثم تتابع الذين كتب إليهم على ما أمروا به. وقال سيف: عن سهل بن يوسف عن أبيه عن عبيد بن صخر قال: بينما نحن بالجد قد أفتاهم على ما ينبغي وكتبنا بينهم الكتب إذ جاءنا كتاب من الأسود: أيها المتوردون علينا أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا ووفروا ما جمعتم، فنحن أولى به، أنتم على ما كنتم عليه، فقلنا للرسول من أين جئت؟ قال من كهف حنان، ثم كان وجهه إلى نجران حتى أخذها لمحرجه فتابعه عوام مذجح، فبينا نحن ننظر في أمرنا ونحن جميعا إذا نبيا فقيل: هذا الأسود يشعوب، وقد خرج إليه شهر بن باولم وذلك لعشرين ليلة من منحمة فبينا نحن ننتظر الخبر على من تكون الدبرة، إذ أتانا به قبل شهر، أن هرم الأبناء، وغلب على صنعاء، لخمس وعشرين ليلة من منحمه، خرج معاذ ابن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى هاربا حتى يمر بأبي موسي الأشعري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو يحارب فافتتحا حضرموت، فأما معاذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه نزل في السكون، وأما أبو موسي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه نزل السكون، وأما أبو موسى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه نزل في السكاسك مما يلي المقود والمفازة، بينهم وبين مأرب وبجاد سائر من اليمن إلى الظاهر بن أبي هالة إلا عمرو بن حزم وخالد بن سعيد بن العاص، فإنّهما رجعا إلى المدينة، والظاهر بن أبي هالة في بلاد جبال صنعاء وغلب الأسود على ما بين مهد مفازة حضرموت إلي عمل الطائف إلى البحرين قبل عدن، وطافت عليه اليمن وعك بتهامة حضرموت. وجعل يستطير استطارة الحريق، وكان معه سبعمائة فارس سوى الركبان وكان قواده: قيس بن عبد يغوث المراديّ، معاوية فلان الحبيّ، يزيد بن محرم ويزيد بن حصن الحاري، ويزيد بن الأفكل الأزدي، ابنا مليكة، واستغلظ أمره، ودانت له سواحل من السواحل، والسرجة، والحردة، والخدرة، وعدن ثم صنعاء، إلى عمل الطائف إلي الأحنة، وغلب، وعامله المسلمون بالبعير، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 526 وعامله أهل الردة بالكفر والرجوع عن الإسلام وكان خليفته في مذجح عمرو بن معديكرب، وأسند أمر الناس الى نفر، فأما أمر جنده فآل إلى قيس ابن عبد يغوث وأسند أمور الآباء إلى فيروز ودادويه، فلما أنجز في الأرض استخلف مقيس بن عبد يغوث وفيروز ودادويه وأخذ امرأة شهر بن باذام، وهي ابنة عم فيروز فبينما نحن كذلك بحضرموت، ولا نأمن أن يسير إلينا الأسود، أو يبعث إلينا جيشا، أو يخرج بحضرموت، خارج يدعي بمثل ما ادعى به الأسود فنحن على ظهر، يروح معاذ بن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى بني بكرة، حي من السكون إلى امرأة يقال لها رملة فحدبوا عليها لصهره وكان معاذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بها معجبا فإن كان ليقول فيما يدعو اللَّه تعالى: اللَّهمّ ابعثني يوم القيامة مع السكون، إذ جاء كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأمرنا أن يبعث الرجّال لمحاربته أو محاولته يعني الأسود، وأن يبلغ كل من رجا عنده شيئا من ذلك عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقام مقامه معاذ بن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالذي أمرته فعرفنا القوة ووثقنا بالبعير. قال سيف: عن أبي القاسم، عن العلاء بن زياد عن أبي عمر قال: أتى الخبر إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم من السماء، الليلة التي قتل فيها الأسود العنسيّ، فخرج ليسرنا، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: قتل العنسيّ البارحة، قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 527 ذكر وثوب مسيلمة في بني حنيفة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حي هو أبو ثمامة مسيلمة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عدي بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هيت بن أفصى بن دعمي بن جديله بن أسد بن ربيعة القرشي بن نزار بن معد بن عدنان. فلما بعث أبو بكر السرايا إلى المرتدين، أرسل عكرمة بن أبي جهل في عسكر إلى مسيلمة وأتبعه شرحبيل بن حسنة، فعجل عكرمة ليذهب بصوتها، فواقعهم فنكبوه، وأقام شرحبيل بالطريق حين أدركه الخبر، وكتب عكرمة إلى أبي بكر بالخبر. فكتب إليه أبو بكر: لا أرينّك ولا تراني، لا ترجعنّ فتوهن النّاس، امض إلى حذيفة وعرفجة فقاتل أهل عمان ومهرة، ثمّ تسير أنت وجندك تستبرون النّاس حتى تلقى مهاجر بن أبي أميّة باليمن وحضرموت. فكتب إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد، فإذا فرغوا من مسيلمة تلحق بعمرو بن العاص تعينه على قضاعة. فلمّا رجع خالد من البطاح إلى أبي بكر واعتذر إليه قبل عذره ورضي عنه ووجّهه إلى مسيلمة وأوعب معه المهاجرين والأنصار، وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شمّاس، وعلى المهاجرين أبو حذيفة وزيد بن الخطّاب، وأقام خالد بالبطاح ينتظر وصول البعث إليه. فلمّا وصلوا إليه سار إلى اليمامة وبنو حنيفة يومئذ كثيرون كانت عدّتهم أربعين ألف مقاتل، وعجل شرحبيل ابن حسنة، وبادر خالدا بقتال مسيلمة، فنكب، فلامه خالد، وأمدّ أبو بكر خالدا بسليط ليكون ردءا له لئلّا يؤتى من خلفه. وكان أبو بكر يقول: لا أستعمل أهل بدر، أدعهم حتى يلقوا اللَّه بصالح أعمالهم، فإنّ اللَّه يدفع بهم وبالصالحين أكثر ممّا ينتصر بهم. وكان عمر يرى استعمالهم على الجند وغيره. وكان مع مسيلمة نهار الرّجّال بن عنفوة، وكان قد هاجر إلى النبيّ، صلى اللَّه عليه وسلم، وقرأ القرآن، وفقه في الدين، وبعثه معلّما لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، شهد أن محمدا صلى اللَّه عليه وسلم، يقول: إنّ مسيلمة قد أشرك معه، فصدقوه واستجابوا له، وكان مسيلمة ينتهي إلى أمره، وكان يؤذّن له عبد اللَّه بن النواجة، والّذي يقيم له حجير بن عمير، فكان حجير يقول: أشهد أنّ مسيلمة يزعم أنّه رسول اللَّه. فقال له مسيلمة: أفصح حجير، فليس في المجمجمة خير. وهو أوّل من قالها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 528 وكان ممّا جاء به وذكر أنّه وحي: يا ضفدع بنت ضفدع نقّي ما تنقّين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدّرين. وقال أيضا: والمبديات ذرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما إهالة وسمنا، لقد فضّلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريقكم فامنعوه، والمعيي فأوّوه، والباغي فناوئوه. وأتته امرأة فقالت: إنّ نخلنا لسحيق، وإنّ آبارنا لجرز، فادع اللَّه لمائنا ونخلنا كما دعا محمّد، صلى اللَّه عليه وسلم، لأهل هزمان. فسأل نهارا عن ذلك، فذكر أنّ النبيّ، صلى اللَّه عليه وسلم، دعا لهم وأخذ من ماء آبارهم فتمضمض منه ومجّه في الآبار ففاضت ماء وأنجيت كلّ نخلة وأطلعت فسيلا قصيرا مكمّما، ففعل مسيلمة ذلك، فغار ماء الآبار ويبس النخل، وإنّما ظهر ذلك بعد مهلكه. وقال له نهار: أمرّ يدك على أولاد بني حنيفة مثل محمّد، ففعل وأمرّ يده على رءوسهم وحنّكهم فقرع كلّ صبيّ مسح رأسه، ولثغ كلّ صبيّ حنكه، وإنّما استبان ذلك بعد مهلكه. وقيل: جاءه طلحة النّمريّ فسأله عن حاله، فأخبره أنّه يأتيه رجل في ظلمة، فقال: أشهد أنّك الكاذب، وأنّ محمّدا صادق، ولكنّ كذّاب ربيعة أحبّ إلينا من صادق مضر. فقتل معه يوم عقرباء كافرا. ولما بلغ مسيلمة دنوّ خالد ضرب عسكره بعقرباء، وخرج إليه النّاس وخرج مجّاعة بن مرارة في سريّة يطلب ثأرا لهم في بني عامر، فأخذه المسلمون وأصحابه، فقتلهم خالد واستبقاه لشرفه في بني حنيفة، وكانوا ما بين أربعين إلى ستّين. وترك مسيلمة الأموال وراء ظهره، فقال شرحبيل بن مسيلمة: يا بني حنيفة قاتلوا فإنّ اليوم يوم الغيرة، فإن انهزمتم تستردف النساء سبيّات، وينكحن غير خطّيبات، فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم. فاقتتلوا بعقرباء، وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وكانت قبله مع عبد اللَّه بن حفص بن غانم، فقتل، فقالوا: تخشى علينا من نفسك [شيئا] فقال: بئس حامل القرآن أنا إذا! وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شمّاس، وكانت العرب على راياتهم، والتقى النّاس، وكان أوّل من لقي المسلمين نهار الرّجّال بن عنفوة فقتل، قتله زيد بن الخطاب، واشتدّ القتال، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 529 ولم يلق المسلمون حربا مثلها قطّ، وانهزم المسلمون، وخلص بنو حنيفة إلى مجّاعة وإلى خالد، فزال خالد عن الفسطاط ودخلوا إلى مجّاعة وهو عند امرأة خالد، وكان سلّمه إليها، فأرادوا قتلها، فنهاهم مجّاعة عن قتلها وقال: أنا لها جار، فتركوها، وقال لهم: عليكم بالرجال، فقطّعوا الفسطاط. ثم إنّ المسلمين تداعوا، فقال ثابت بن قيس: بئس ما عودّتم أنفسكم يا معشر المسلمين! اللَّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا يصنع هؤلاء، يعني أهل اليمامة، وأعتذر إليك ممّا يصنع هؤلاء، يعنى المسلمين، ثمّ قاتل حتى قتل. وقال زيد بين الخطّاب: لا نحور بعد الرجال، واللَّه لا أتكلّم اليوم حتى نهزمهم أو أقتل فأكلمّه بحجّتي. غضّوا أبصاركم وعضّوا على أضراسكم أيّها النّاس، واضربوا في عدوّكم وامضوا قدما. وقال أبو حذيفة: يا أهل القرآن زيّنوا القرآن بالفعال. وحمل خالد في النّاس حتى ردّوهم إلى أبعد ممّا كانوا، واشتدّ القتال وتذامرت بنو حنيفة وقاتلت قتالا شديدا، وكانت الحرب يومئذ تارة للمسلمين وتارة للكافرين، وقتل سالم وأبو حذيفة وزيد بن الخطّاب وغيرهم من أولي البصائر. فلمّا رأى خالد ما النّاس فيه قال: امتازوا أيّها النّاس لنعلم بلاء كلّ حيّ ولنعلم من أين نؤتي. فامتازوا، وكان أهل البوادي قد جنّبوا المهاجرين والأنصار وجنّبهم المهاجرون والأنصار. فلمّا امتازوا قال بعضهم لبعض: اليوم يستحي من الفرار، فما رئي يوم كان أعظم نكاية من ذلك اليوم، ولم يدر أيّ الفريقين كان أعظم نكاية، غير أن القتل كان في المهاجرين والأنصار وأهل القرى أكثر منه في أهل الوادي. وثبت مسيلمة فدارت رحاهم عليه، فعرف خالد أنّها لا تركد إلّا بقتل مسيلمة، ولم تحفل بنو حنيفة بمن قتل منهم. ثمّ برز خالد ودعا إلى البراز ونادى بشعارهم، وكان شعارهم: يا محمّداه! فلم يبرز إليه أحد إلّا قتله. ودارت رحى المسلمين، ودعا خالد مسيلمة فأجابه، فعرض عليه أشياء ممّا يشتهي مسيلمة فكان إذا همّ بجوابه أعرض بوجهه ليستشير شيطانه فينهاه أن يقبل. فأعرض بوجهه مرّة وركبه خالد وأرهقه، فأدبر وزال أصحابه، وصاح خالد في النّاس فركبوهم، فكانت هزيمتهم، وقالوا لمسيلمة: أين ما كنت تعدنا؟ فقال: قاتلوا عن أحسابكم. ونادى المحكّم: يا بنى حنيفة الحديقة الحديقة! فدخلوها وأغلقوا عليهم بابها. وكان البراء بن مالك، وهو أخو أسد بن مالك، إذا حضر الحرب أخذته رعدة حتى يقعد عليه الرجال ثمّ يبول، فإذا بال ثار كما يثور الأسد، فأصابه الجزء: 14 ¦ الصفحة: 530 ذلك، فلمّا بال وثب وقال: إليّ أيّها النّاس، أنا البراد بن مالك! إليّ إليّ! وقاتل قتالا شديدا، فلمّا دخلت بنو حنيفة الحديقة قال البراء: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة. فقالوا: لا نفعل. فقال: واللَّه لتطرحنّني عليهم بها! فاحتمل حتى أشرف على الجدار فاقتحمها عليهم وقاتل على الباب وفتحه للمسلمين ودخلوها عليهم فاقتتلوا أشدّ قتال، وكثر القتلى في الفريقين لا سيّما في بني حنيفة، فل يزالوا كذلك حتى قتل مسيلمة. واشترك في قتله وحشيّ مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار، أمّا وحشيّ فدفع عليه حربته، وضربه الأنصاريّ بسيفه، قال ابن عمر: فصرخ رجل: قتله العبد الأسود، فولّت بنو حنيفة عند قتله منهزمة، وأخذهم السيف من كل جانب، وأخبر خالد بقتل مسيلمة، فخرج بمجّاعة يرسف في الحديد ليد له على مسيلمة، فجعل يكشف له القتلى حتى مرّ بمحكّم اليمامة، وكان وسيما، فقال: هذا صاحبكم؟ فقال مجّاعة: لا، هذا واللَّه خير منه وأكرم، هذا محكّم اليمامة، ثمّ دخل الحديقة فإذا رويجل أصيفر أخينس، فقال مجّاعة: هذا صاحبكم قد فرغتم منه. وقال خالد: هذا الّذي فعل بكم ما فعل. وكان الّذي قتل محكّم اليمامة عبد الرحمن بن أبي بكر، رماه بسهم في نحره وهو يخطب ويحرّض النّاس فقتله. وقال مجّاعة لخالد: ما جاءك إلّا سرعان النّاس، وإنّ الحصون مملوّة، فهلمّ إلى الصلح على ما ورائي، فصالحه على كلّ شيء دون النفوس، وقال: أنطلق إليهم فأشاورهم. فانطلق إليهم وليس في الحصون إلّا النساء والصبيان ومشيخة فانية ورجال ضعفي، فألبسهم. الحديد وأمر النساء أن ينشرن شعورهنّ ويشرفن على الحصون حتى يرجع إليهم. فرجع إلى خالد فقال: قد أبوا أن يجيزوا ما صنعت، فرأى خالد الحصون مملوّة وقد نهكت المسلمين الحرب وطال اللّقاء وأحبّوا أن يرجعوا على الظفر ولم يدروا ما هو كائن، وقد قتل من المهاجرين والأنصار من أهل المدينة ثلاثمائة وستّون، ومن المهاجرين من غير المدينة ثلاثمائة رجل، وقتل ثابت بن قيس، قطع رجل من المشركين رجله فأخذها ثابت وضربه بها فقتله، وقتل ثابت بن قيس، قطع رجل من المشركين رجله فأخذها ثابت وضربه بها فقتله، وقتل من بني حنيفة بعقرباء سبعة آلاف، وبالحديقة مثلها، وفي الطلب نحو منها. وصالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح ونصف السّبي، وقيل ربعه. فلمّا فتحت الحصون لم يكن فيها إلّا النساء والصبيان والضعفاء، فقال خالد لمجاعة: ويحك خدعتني! فقال: هم قومي ولم أستطع إلّا ما صنعت. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 531 ووصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كلّ محتلم، وكان قد صالحهم، فوفى لهم ولم يغدر. ولما رجع النّاس قال عمر لابنه عبد اللَّه، وكان معهم: ألا هلكت قبل زيد؟ هلك زيد وأنت حيّ! ألا واريت وجهك عني؟ فقال عبد اللَّه: سأل اللَّه الشهادة فأعزيتها وجهدت أن تساق إليّ فلم أعصها [ (1) ] . وقال سيف: حدثنا طلحة بن الأعلم، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم قد ضرب بعث أسامة بن زيد فلم يسر لوجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولخلع مسيلمة والأسود، وقد أكثر المنافقون في تأمير أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى بلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلم فخرج عاصبا رأسه من الصداع لذلك الشأن، لرؤيا أريها صلى اللَّه عليه وسلم في بيت عائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- وقال: إني رأيت البارحة فيما يرى النائم أن في عضدي سوارين من ذهب فكرهتهما، فنفختهما، فطارا، فأولتهما هذين الكذابين. صاحب اليمامة وصاحب اليمن، وقد بلغني أن أقواما يقولون في إمرة أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولعمري لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله، وإن كان أبوه لخليقا لها، وإنه لها لخليق فأنفذوا بعث أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: لعن اللَّه الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، فخرج أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعرس بالجرف وأنشأ الناس في العسكر ونجم طليحة، وثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم يستتم الأمر. وقد خرج البخاري ومسلم [ (2) ] طرقا من ذلك، وخرج البخاري في باب علامات النبوة في الإسلام [ (3) ] من حديث أبي اليمان، أخبرنا شعيب عن عبد اللَّه بن أبي حسين حدثنا نافع بن جبير عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فجعل يقول: إن   [ (1) ] عامة هذا الفصل مطموس في (الأصل) أو مضطرب السياق فأثبتناه من (الكامل في التاريخ لابن الأثير) : 2/ 360- 366 . [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 38- 40، كتاب الرؤيا، باب (4) رؤيا النبي صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (18) ، (19) ، (20) ، (21) ، (22) . [ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 777، كتاب المناقب، حيث رقم (3620) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 532 جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس- وفي يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قطعة جريد- حتى وقف علي مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر اللَّه فيك ولئن أدبرت ليغفرنك اللَّه. وإني لأراك الّذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني. ثم انصرف. قال ابن عباس: فسألت عن قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني أرى الّذي أريت فيه ما أريت، فأخبرني أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما، فنفحتهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان بعدي: أحدهما العنسيّ، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة [ (1) ] . وقال فيه البخاري: وإني لأراك الّذي أريت فيه ما أريت، وقال مسلم: ولن أتعدى أمر اللَّه تعالى فيك. وخرج البخاري من حديث يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن عبيدة بن نشيط- وكان في موضع آخر اسمه عبد اللَّه- أن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عتبة قال: بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث، وكانت تحته بنت الحارث بن كريز، وهي أم عبد اللَّه بن عامر، فأتاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وهو الّذي يقال له: خطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قضيب فوقف عليه فكلمه، فقال له مسيلمة: إن شئت خلينا بينك وبين الأمر، ثم جعلته لنا بعدك. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه، وإني لأراك الّذي أريت فيه ما أريت. هذا ثابت بن قيس سيجيبك عني، فانصرف النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . قال عبيد اللَّه بن عبد اللَّه: سألت عبد اللَّه بن عباس، عن رؤيا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي ذكر، فقال ابن عباس: ذكر لي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: بينا أنا نائم أريت أنه وضع في يدي سواران من ذهب، ففظعتهما وكرهتهما، فأذن لي فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان. فقال عبيد اللَّه: أحدهما العنسيّ   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3621) . [ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 115، باب (72) قصة الأسود العنسيّ حديث رقم (4378) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 533 الّذي قتله فيروز باليمن، والآخر مسيلمة الكذاب [ (1) ] . ترجم عليه قصة الأسود العنسيّ. ذكره في كتاب المغازي.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4379) . قوله: «قصة الأسود العنسيّ» بسكون النون، وحكى ابن التين جواز فتحها ولم أر له في ذلك سلفا. قوله: «حدثنا سعيد بن محمد الجرمي» بفتح الجيم وسكون الراء، كوفي ثقة مكثر، ويعقوب بن إبراهيم هو ابن سعد الزهري، وصالح هو ابن كيسان. قوله: «عن ابن عبيدة بن نشيط» بفتح النون وكسر الشين المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة. قوله: «وكان في موضع آخر اسمه عبد اللَّه» أراد بهذا أن ينبه على أن المبهم هو عبد اللَّه بن عبيدة لا أخوه موسى، وموسى ضعيف جدا وأخوه عبد اللَّه ثقة، وكان عبد اللَّه أكبر من موسى بثمانين سنة. وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق: صالح بن كيسان وعبد اللَّه بن عبيدة وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه وهو ابن عتبة ابن مسعود. وساق البخاري عنه الحديث مرسلا. وقد ذكره في الباب الّذي قبله موصلا لكن من رواية نافع بن جبير عن ابن عباس. قوله: «في دار بنت الحارث وكان تحته ابنة الحارث بن كريز» وهي أم عبد اللَّه بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، والّذي وقع هنا أنها أم عبد اللَّه بن عامر، قيل: الصواب أم أولاد عبد اللَّه بن عامر لأنها زوجته لا أمه، فإن أم ابن عامر ليلى بنت أبي حثمة العدوية. وهو اعتراض متجه. ولعله كان فيه أن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عامر فإن لعبد اللَّه بن عامر ولدا اسمه عبد اللَّه كاسم أبيه، وهو من بنت الحارث واسمها كيسة بتشديد التحتانية بعدها مهملة وهي بنت عبد اللَّه بن عامر بن كريز تحت مسيلمة الكذاب، وإذا ثبت ذلك ظهر السر في نزول مسيلمة وقومه عليها لكونها كانت امرأته وأما ما وقع عند ابن إسحاق أنهم نزلوا بدار بنت الحارث وذكر غيره أن اسمها رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد وهي من الأنصار ثم من بني النجار ولها صحبة وتكنى أم ثابت، وكانت زوج معاذ بن عفراء الصحابي المشهور، فكلام ابن سعد يدل على أن دارها كانت معدة لنزول الوفود، فإنه ذكر في وفد بني محارب وبني كلاب وبني تغلب وغيرهم أنهم نزلوا في دار بنت الحارث، وكذا ذكر ابن إسحاق أن بني قريظة حبسوا في دار بنت الحارث وتعقب السهيليّ موقع عند ابن إسحاق في قصة مسيلمة بأن الصواب بنت الحارث، وهو تعقب صحيح إلا أنه يمكن الجمع بأن يكون وفد بني حنيفة نزلوا بدار بنت الحارث كسائر الوفود ومسيلمة وحده نزل بدار زوجته بنت الحارث الجزء: 14 ¦ الصفحة: 534 وقال سيف: عن الضحاك بن يربوع عن أبيه قال: رجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى   [ () ] ثم ظهر لي أن الصواب ما وقع عند ابن إسحاق، وأن مسيلمة والوفد نزلوا في دار بنت الحارث وكانت دارها معدة للوفود، وكان يقال لها أيضا بنت الحارث، كذا صرح به محمد بن سعد في (طبقات النساء) فقال: رملة بنت الحارث ويقال لها ابنة الحارث بن ثعلبة الأنصارية، وساق نسبها. وأما زوجة مسيلمة وهي كيسة بنت الحارث فلم تكن إذ ذاك بالمدينة وإنما كانت عند مسيلمة باليمامة، فلما قتل تزوجها ابن عمها عبد اللَّه ابن عامر بعد ذلك. واللَّه أعلم. قوله: «ثم جعلته لنا بعدك» هذا مغاير لما ذكر ابن إسحاق أنه ادعى الشركة، إلا أن يحمل على أنه ادعى ذلك بعد أن رجع. قوله: «فقال ابن عباس ذكر لي» كذا فيه بضم الذال من ذكر على البناء للمجهول، وقد وضح من حديث الباب قبله أن الّذي ذكر له ذلك هو أبو هريرة. قوله: «إسواران» بكسر الهمزة وسكون المهملة تثنية إسوار وهي لغة في السوار، وإسوار بالكسر ويجوز الضم، والأسوار أيضا صفة للكبير من الفرس: وهو بالضم والكسر معا بخلاف الإسوار من الحلي فإنه بالكسر فقط. قوله: «ففظعتهما وكرهتهما» بفاء وظاء مشالة مكسورة بعدها عين مهملة، يقال: فظع الأمر فهو فظيع إذا جاوز المقدار، قال ابن الأثير: الفظيع الأمر الشديد، وجاء هنا متعديا، والمعروف فظعت به وفظعت منه فيحتمل التعدية على المعنى أي حفتهما، أو معنى فظعتهما اشتد علي أمرهما. قلت: يؤيد الثاني قوله في الرواية الماضية قريبا «وكبرا علي» . قوله: «فقال عبد اللَّه أحدهما العنسيّ الّذي قتله فيروز باليمن، والآخر مسيلمة الكذاب» أما مسيلمة فقد ذكرت خبره، وأما العنسيّ وفيروز فكان من قصته أن العنسيّ وهو الأسود واسمه عبهلة بن كعب وكان يقال له أيضا ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه، وقيل هو اسم شيطانه. وكان الأسود قد خرج بصنعاء وادعى النبوة وغلب على عامل صنعاء المهاجر بن أبي أمية، ويقال إنه مر به فلما حاذاه عثر الحمار فادعى أنه أنه سجد له، ولم يقم الحمار حتى قال له شيئا فقام، وروى يعقوب بن سفيان والبيهقي في «الدلائل» من طريقه من حديث ان عمان بن بزرج بضم الموحدة وسكون الزاي ثم راء مضمومة ثم جيم قال: خرج أسود الكذاب وهو من بني عنس بعني بسكون النون وكان معه شيطانان يقال لأحدهما سحيق بمهملتين وقاف مصغر والآخر شقيق بمعجمة وقافين مصغر، وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث من أمور الناس، وكان ياذان أمل النبي الجزء: 14 ¦ الصفحة: 535 المدينة عام حجة الوداع وعامله على اليمامة ثمامة بن أثال ثم بعث نهارا بعد ما بلغه خروج مسيلمة معلما وكان مسيلمة من أهل هذا، وبعث إلى أهل حجر فاستجلبه فلما شهد له نهار الرجّال أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم زعم أنه أشرك معه في الأمر أخرجا عامة من بحجر. عن طلحة بن الأعلم عن عبد اللَّه بن عمير الحنفي، قال: لما قدم بكتاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى إلي اليمامة إلى ثمامة بن أثال بخيل له وطلب عورته وقد أخبره أن معه شيطانا ماردا وأنه يصغي إليه وادعى إلى شيء فلا يعمل إلا بأمره وأنه ذلك إن سد فيه يريد أن فتعلموها زيدتان كأنهما زبيبتان فلا نشهد عليه حتى ترى ذلك فإن قلبه عند ذلك في سعل وإنك أن عاجله أحد ثم أمنه عليه وقال ان قويت على مكابرته فكابره واستعن بفلان ممن حول اليمامة من تميم وقيس فلما لم يقدر علي مرضه منه وكاتبه الّذي كتب اليهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من حوله وقطع طريق اليمامة اعتزل تمامة فيمن ثبت على الإسلام من بني حنيفة وكانوا فرقتين فرقه معه وفرقة مع مسيلمة الموسم فنزل الوسم وجعل تميما وقيسا من خلفه واستهدهم وأمده الزبرقان بن بدر وقيس وصفوان ووكيع وعمرو ابن حرم انميرى وعمرو بن فلان الحفاحى فاقتحم بهم ثمامة عليهم فالتقى هو مسيلمة يملهم بقتل حبيب بن قيس بن حبيب أخو مسيلمة وجعفر بن مسيلمة بن قتادة وعزاء بن علي وخرج تمامه وأصحابه علي الغنم والظفر فعادوا وأصحابه إلى الموسم وتضعضع عنه مسيلمة، وقال ثمامة بن أثال في ذلك. قالت رميلة أين ترحل بعد ما ... جدا الرحيل يحفل حدار وتعرضت لتلومني في عزوتى ... مشفقا على مخافة الأقدار فقصبت بما دلتى وقلت لها أحمقي ... وقضضت جميع مغامر حبار   [ () ] صلى اللَّه عليه وسلم بصنعاء فمات، فجاء شيطان الأسود فأخبره، فخرج في قوة حتى ملك صنعاء وتزوج المرزبانة زوجه باذان، فذكر القصة في مواعدتها دادويه وفيروز وغيرهما حتى دخلوا على الأسود ليلا، وقد سقته المرزبانة الخمر صرفا حتى سكر، وكان على بابه ألف حارس، فنقب فيروز ومن معه الجدار حتى دخلوا فقتله فيروز واحتز رأسه، وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع البيت، وأرسلوا الخبر إلى المدينة فوافى بذلك عند وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم. قال أبو الأسود عن عرة: أصيب الأسود قبل وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم بيوم وليلة، فأتاه لوحي فأخبر به أصحابه، ثم جاء الخبر إلى أبي بكر رضى اللَّه عنه، وقيل وصل الخبر بذلك صبيحة دفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 536 ورميت مشتبه الفلات بفيلق ... شهبا ذات نوارح وأوار وفتحت بالجيش الموبر جمعهم ... ورياح كل مصلصل حران وخدعت عربين اليمامة كلهم ... بخيبهم ويجعفر وعزار وكانت بنو حنيفة فرقتين فرقة مع مسيلمة وهو أهل هجر وحشدوا ثم خرجوا نحو الوشم وفرقة مع تمامه من بني سحيم وأهل القرى من فينا حنيفة فغضب أهل حجر ثم خرجوا نحو الوشم يغزون يمامه ومن بيعة من بني تميم سحيم وأهل القرى ومن أمره من تميم وقيس فالتفوا بالوشم فاقتتلوا قتالا شديدا فهزم مسيلمة وأصحابه واتبعهم تمامه بمن معه يقتلونهم قاهرين لهم ثم رجعوا وقد بنوا أيديهم مما أصابوا من جند مسيلمة فقال ثم في ذلك. قالت رميلة لا يهد وقد جرى ... يوم الغوير بحكهما استعار أرميل لي أني لم اربح مودتي ... حتى تزيل مساقتى الأقدار أرميل أني شاري لمحمد نفسي ... وأهلي الدهور عمار فغضبت جميعهم يطعن مصائب ... حتى نزهده بيننا الأكوار وركبت غازى القرى في أثره ... أقرى المنان وجعنا سيار قال سيف عن طلحة عن ماهان عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم الخبر بما ألقي مسيلمة فقال: هداك مسيلمة قد سحى وضاق ضرعا واللَّه مخزيه ومن لقيه فليبرأ منه فأن له شيطانا لا يقطع أمرا دونه يصغي إليه فإذا اصغي إليه فليغتنم شغله فإن قلبه مخامر وأنه ذلك أرشد سفيه يزيد أن حتى فعلوهما زبيبتان وأنه لا يصاب إلا في تلك الحال. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 537 ذكر خروج طليحة في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هو طليحة بن خويلد بن نوفل بن نصلة بن الأشتر بن حجوان ابن فقعس بن طريف بن عر بن عمرو بن معين بن الحارث بن ثعلبة بن دوقا بن راشد بن خزيمة بن دركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو الجبال الأسدي ذو النون كان يعدل بألف فارس. كان قد تنبأ في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فوجه إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ضرار بن الأزور عاملا على بني أسد وأمرهم بالقيام على من ارتد، فضعف أمر طليحة حتى لم يبق إلا أخذه، فضربه بسيف، فلم يصنع فيه شيئا، فظهر بين الناس أن السلاح لا يعمل فيه، فكثر جمعه. ومات النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهم على ذلك، فكان طلحة يقول: إن جبرائيل يأتيني، وسجع للناس الأكاذيب، وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة ويقول: إن اللَّه لا يصنع بتعفر وجوهكم وتقبح أدباركم شيئا، اذكروا اللَّه أعفة قياما، إلى غير ذلك، وتبعه كثير من العرب عصبية، فلهذا كان أكثر أتباعه من أسد وغطفان وطيِّئ. فسارت فزارة وغطفان إلى جنوب طيبة، وأقامت طيِّئ على حدود أراضيهم وأسد بسميراء، واجتمعت عبس وثعلبة بن سعد ومرة بالأبرق من الرَّبَذَة، واجتمع إليهم ناس من بني كنانة، فلم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين، أقامت فرقة بالأبرق، وسارت فرقة إلى ذي القصة، وأمدهم طليحة بأخيه حبال، فكان عليهم وعلى من معهم من الدئل وليث ومدلج، وأرسلوا إلى المدينة يبذلون الصلاة ويمنعون الزكاة، فقال أبو بكر: واللَّه لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه. وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة وردهم، فرجع وفدهم، فأخبروهم بقلة من في المدينة وأطمعوهم فيها. وجعل أبو بكر بعد مسير الوفد على أنقاب المدينة عليا وطلحة والزبير وابن مسعود، وألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الغارة من العدو لقربهم، فما لبثوا إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل وخلفوا بعضهم بذي حسي ليكونوا لهم ردءا، فوافوا ليلا الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم، وأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر، فخرج إلى أهل المسجد على النواضح، فردوا العدو واتبعوهم حتى بلغوا ذا حسي، فخرج عليهم الردء بأنحاء قد نفخوها وفيها الحبال، ثم دهدهوها على الأرض، فنفرت إبل المسلمين وهم عليها ورجعت بهم إلى المدينة ولم يصرع مسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 538 وظن الكفار بالمسلمين الوهن، وبعثوا إلى أهل ذي القصة بالخبر، فقدموا عليهم، وبات أبو بكر يعبي الناس، وخرج على تعبية يمشي وعلي ميمنته النعمان بن مقرن وعلى ميسرته عبد اللَّه بن مقرن وعلى أهل الساقة سويد بن مقرن. فما طلع الفجر إلا وهم والعدو على صعيد واحد، فما شعروا بالمسلمين حتى وضعوا فيهم السيوف، فما ذر قرن الشمس حتى ولوهم الأدبار وغلبوهم على عامة ظهرهم وقتل رجال، واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة وكان أول الفتح، ووضع بها النعمان بن مقرن في عدد، ورجع إلى المدينة، فذل له المشركون. فوثب بنو عبس وذبيان على من فيهم من المسلمين فقتلوهم فحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة، وازداد المسلمون قوة وثباتا. وطرقت المدينة صدقات نفر كانوا على صدقة الناس، بهم صفوان والزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم، وذلك لتمام ستين يوما من مخرج أسامة، وقدم أسامة بعد ذلك بأيام، وقيل: كانت غزوته وعوده في أربعين يوما. فلما قدم أسامة استخلفه أبو بكر على المدينة وجنده معه ليستريحوا ويريحوا ظهرهم، ثم خرج فيمن كان معه، فناشده المسلمون ليقيم، فأبي وقال: لأواسينكم بنفسي. وسار إلى ذي حسي وذي القصة حتى نزل بالأبرق فقاتل من به، فهزم اللَّه المشركين وأخذ الخطبة أسيرا، فطارت عبس وبنو بكر، وأقام أبو بكر بالأبرق أياما، وغلب على بني ذبيان وبلادهم وحماها لدواب المسلمين وصدقاتهم. ولما انهزم عبس وذبيان رجعوا إلى طليحة وهو ببزاخة، وكان رحل من سميراء إليها، فأقام عليها، وعاد أبو بكر إلى المدينة. فلما استراح أسامة وجنده، وكان قد جاءهم صدقات كثيرة تفضل عليها، قطع أبو بكر البعوث وعقد الألوية، فعقد أحد عشر لواء، عقد لواء لخالد بن الوليد وأمره بطليحة ابن خويلد فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له، وعقد لعكرمة ابن أبي جهل وأمره بمسيلمة، وعقد للمهاجر بن أبي أمية وأمره بجنود العنسيّ ومعونة الأبناء على قيس بن مكشوح، ثم يمضي إلى كندة بحضرموت، وعقد لخالد بن سعيد وبعثه إلى مشارف الشام، وعقد لعمرو بن العاص وأرسله إلى قضاعة، وعقد لحذيفة بن محصن الغلفاني وأمره بأهل دبا، وعقد لعرفجة بن هرثمة وأمره بمهرة وأمرهم أن يجتمعا وكل واحد منهما على صاحبه في عمله. وبعث شرحبيل بن حسنة في أثر عكرمة بن أبي جهل وقال: إذا فرغ من الجزء: 14 ¦ الصفحة: 539 اليمامة فالحق بقضاعة وأنت على خيلك تقاتل أهل الردة. وعقد لمعن بن حاجز وأمره ببني سليم ومن معهم من هوازن، وعقد لسويد بن مقرن وأمره بتهامة باليمن، وعقد للعلاء بن الحضرميّ وأمره بالبحرين، ففصلت الأمراء من ذي القصة ولحق بكل أير جنده، وعهد إلى كل أمير وكتب إلى جميع المرتدين نسخة واحدة يأمرهم بمراجعة الإسلام ويحذرهم، وسير الكتب إليهم مع رسله. ولما انهزمت عبس وذبيان ورجعوا إلى طليحة ببزاخة أرسل إلى جديلة والغوث من طيِّئ يأمرهم باللحاق به، فتعجل إليه بعضهم وأمروا قومهم بالحاق بهم، فقدموا على طليحة. وكان أبو بكر بعث عدي بن حاتم قبل خالد إلى طيئ وأتبعه خالدا وأمره ان يبدأ بطئ ومنهم يسير إلى بزاخة ثم يثلث بالبطاح ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى يأذن له. وأظهر أبو بكر للناس أنه خارج إلى خيبر بجيش حتى يلاقي خالدا، يرهب العدو بذلك. وقدم عدي علي طيئ فدعاهم وخوفهم، فأجابوه قالوا له: استقبل الجيش فأخره عنا حتى نستخرج من عند طليحة منا لئلا يقتلهم. فاستقبل عدي خالدا وأخبره بالخبر، فتأخر خالد، وأرسلت طيئ إلى إخوانهم عند طليحة فلحقوا بهم، فعادت طيئ إلي خالد بإسلامهم، ورحل خالد يريد جديلة، فاستمهله عدي عنهم، ولحق بهم عدي يدعوهم إلى الإسلام، فأجابوه، فعاد إلى خالد بإسلامهم، ولحق بالمسلمين ألف راكب منهم، وكان خير مولود في أرض طيئ وأعظمه بركة عليهم. وأرسل خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم الأنصاري طليعة، فلقيهما حبال أخو طليحة فقتلاه، فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخوه سلمة، فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتا ورجعا. وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتا قتيلين، فجزع لذلك المسلمون، وانصرف بهم خالد نحو طيئ، فقالت له طيئ: نحن نكفيك قيسا، فإن بني أسد حلفاؤنا. فقال: قاتلوا أي الطائفتين شئتم. فقال عدي بن حاتم: لو نزل هذا على الذين [هم] أسرتي الأدنى فالأدنى لجاهدتهم عليه، واللَّه لا أمتنع عن جهاد بني أسد لحلفهم. فقال له خالد: إن جهاد الفريقين جهاد، لا تخالف رأي أصحابك وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط، ثم تعبى لقتالهم، ثم سار حتى التقيا على بزاخة، وبنو عامر قريبا يتربصون على من الجزء: 14 ¦ الصفحة: 540 تكون الدائرة قال: فاقتتل الناس على بزاخة. وكان عيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من بني فزارة، فقاتلوا قتالا شديدا وطليحة متلفف في كسائه يتنبأ لهم، فلما اشتدت الحرب كرّ عيينة على طليحة وقال له: هل جاءك جبرائيل بعد؟ قال: لا فرجع فقاتل، ثم كر على طليحة فقال له: لا أبا لك! أجاءك جبرائيل؟ قال: لا. فقال عيينة: حتى متى؟ قد واللَّه بلغ منا! ثم رجع فقاتل قتالا شديدا ثم كر على طليحة فقال: هل جاءك جبرائيل؟ قال: نعم. قال: فماذا قال لك؟ قال: قال لي: إن لك رحى كرحاه، وحديثا لا تنساه. فقال عيينة: قد علم اللَّه أنه سيكون حديث لا تنساه، انصرفوا يا بني فزارة فإنه كذاب، فانصرفوا وانهزم الناس. وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلته لامرأته النوار، فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته ثم نجا بها وقال: يا معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل. ثم انهزم فلحق بالشام، ثم نزل على كلب فأسلم حين بلغه أن أسدا وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيما في كلب حتى مات أبو بكر. وكان خرج معتمرا [في إمارة أبي بكر] ومر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر: هذا طليحة! فقال: ما أصنع به؟ قد أسلم! ثم أتي عمر فبايعه حين استخلف. فقال له: أنت قاتل عكاشة وثابت؟ واللَّه لا أحبك أبدا! فقال: يا أمير المؤمنين ما يهمك من رجلين أكرمهما اللَّه بيدي ولم يهني بأيديهما! فبايعه عمر وقال له: ما بقي من كهانتك؟ فقال: نفخة أو نفختان [بالكير] . ثم رجع إلى قومه فأقام عندهم حتى خرج إلى العراق. ولما انهزم الناس عن طليحة أسر عيينة بن حصن، فقدم به على أبي بكر فكان صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف: يا عدو اللَّه أكفرت بعد إيمانك؟ فيقول: واللَّه ما آمنت باللَّه طرفة عين. فتجاوز عنه أبو بكر وحقن دمه. وأخذ من أصحاب طليحة رجل كان عالما به، فسأله خالد عما كان يقول، فقال: إن مما أتي به: والحمام واليمام، والصرد الصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام. قال: ولم يؤخذ منهم سبي لأنهم كانوا قد أحرزوا حريمهم، فلما انهزموا أقروا بالإسلام خشيه على عيالاتهم، فآمنهم [ (1) ] .   [ (1) ] عامة هذا الفصل مطموس في (الأصل) أو مضطرب السياق، فأثبتناه من (الكامل في التاريخ) لابن الأثير: 2/ 343- 349 . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 541 وخرج البيهقي من طريق محمد بن يوسف الغمرياني، قال: حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قال: قال لي أبو بكر أي يوم توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قلت: يوم الاثنين، قال: إني أرجو أن أموت فيه، فمات فيه. ومن طريق خالد بن أبي عمران، عن حنش، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ولد نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين، ونبئ يوم الاثنين، وخرج من مكة يوم الإثنين، وفتح مكة يوم الاثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. وتوفي يوم الاثنين. وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد، قال: أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر بن درستويه، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، عن يحيى بن عبد اللَّه بن بكير، قال حدثنا ابن لهيعة عن خالد، عن حنش، عن ابن عباس فذكره بنحوه، زاد: ودخل المدينة يوم الإثنين، ولم يذكر قوله: ونبي يوم الإثنين قلت: وقد خولف في قوله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، قال عمر بن الخطاب: نزل يوم الجمعة، يوم عرفة، وكذلك قال عمار بن أبي عمار عن ابن عباس. ومن طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا عمرو بن خالد، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: وحدثنا يعقوب، حدثنا إبراهيم بن المنذر، عن ابن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قالا: اشتد برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الوجع، فأرسلت عائشة إلى أبي بكر، وأرسلت حفصة إلى عمر، وأرسلت فاطمة إلى علي، ولم يجتمعوا حتى توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على صدر عائشة، وفي يومها يوم الاثنين. زاد إبراهيم: حين زاغت الشمس بهذا ربيع الأول. ومن طريق المعتمر بن سليمان، عن أبيه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وبدأه وجعه عند وليدة له، يقال لها ريحانة، كانت من سبي اليهود، وكان أول يوم مرض فيه يوم السبت، وكانت وفاته اليوم العاشر، يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة. ومن طريق الواقدي: قال حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس، قال: اشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة، واجتمع عنده نساؤه كلهن، اشتكى ثلاثة عشر يوما وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 542 قال الواقدي: حدثنا سعيد بن عبد اللَّه بن أبي الأبيض عن المقبري، عن عبد اللَّه بن رافع، عن أم سلمة، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بدئ في بيت ميمونة زوجته. ومن طريق عبد اللَّه بن جعفر، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا أحمد بن يونس، عن أبى معشر، عن محمد بن قيس، قال: أشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة عشر يوما، فكان إذا وجد خفة صلى، وإذا ثقل، صلى أبو بكر. ومن طريق سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، قال: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، اليوم الّذي قدم فيه المدينة مهاجرا، فاستكمل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هجرته عشر سنين كوامل [ (1) ] . وقال الرافعي وعاش صلى اللَّه عليه وسلم بعدها يعني حجة الوداع ثمانين يوما وقيل ويوما وقال النووي في (الروضة) : وتوفى صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين ضحوة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول وقال أبو الفتح محمد بن سيد الناس في (سيرته) : والجمهور على أنه توفي صلى اللَّه عليه وسلم في الثاني عشر من ربيع الأول يوم الاثنين. وقال أبو الربيع ابن سالم وهذا لا يصح وقد جرى فيه من الغلط على العلماء ما علينا إثباته وقد تقدمه السهيليّ الى بيانه لأن حجة الوداع كانت وقفتها يوم الجمعة بالاتفاق فلا يستقيم أن يكون يوم الإثنين ثانى عشر ربيع الأول سواء تمت الشهور أو نقصت أم تم بعضها. قال الطبري: توفي صلى اللَّه عليه وسلم يوم الإثنين من ليلتين مضتا من ربيع الأول. وقال أبو بكر الخوارزمي: في أول يوم منه، وبيان قول أبى الربيع أن الأشهر الثلاث التي بقيت من عمره صلى اللَّه عليه وسلم إذا كانت تامة كان الثاني عشر من ربيع الأول وإنما هو الأحد فإنه يكون أول ذي الحجة الخميس، وآخره يوم الجمعة، وأول المحرم يوم السبت، وآخره الأحد، وأول صفر الإثنين، وآخره الثلاثاء، وأول ربيع الأربعاء، فحينئذ الثاني عشر الأحد، وإن نقص شهران فتم شهر كان أول ربيع الإثنين، وثاني عشر الجمعة، وإن نقص الأشهر الثلاث كان أول ربيع الأحد، والثاني عشر الخميس. وقد اعترض في (المهمات) على صاحب (الروضة) وغلط فيما قال بهذا   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 233- 235. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 543 الاعتراض ولم ينسبه إلى قائله لقد أجيب عن هذا الاعتراض بأن التاريخ إنما يقع برؤية الأهلة والأهلة، تختلف بحسب المطالع وكل قطر يؤرخون ويحولون برؤيتهم ولا يعتبرون برؤية من بعد عنهم في التاريخ وسائر الأحكام. وأهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس، ووقفوا يوم الجمعة، وأهل المدينة يجوز أنهم رأوه ليلة الجمعة، لأن مطلعهم مختلف عن أهل مكة، فإذا تمت الشهور كان أول ذي الحجة الجمعة وآخره السبت وأول المحرم الأحد وأخره الاثنين وأول سفر الثلاثاء، وآخره الأربعاء، وأول ربيع يوم الخميس، فيكون ثانى عشر الاثنين. قول الرافعي رحمه اللَّه: إنه صلى اللَّه عليه وسلم عاش بعد حجته ثمانين يوما، يقتضي أن وفاته أول يوم من ربيع الأول، وقد ذهب اليه طائفه كما تقدم. وقال محمد بن عابد في (مغازيه) حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير انه حدثهم عن محمد بن السيد الكلبي عن أبى صلح بن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن اللَّه عز وجل أنزل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سورة المائدة وهو واقف صلى اللَّه عليه وسلم بعرفة قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [ (1) ] فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام وإنه إنما عاش صلى اللَّه عليه وسلم بعدها ثمانين يوما حتى قبضه اللَّه تعالى وقوله يوما بعد الثمانين يقضى وفاته لليلتين مضتا من ربيع الأول. قال سيف في كتاب (الردة) : عن محمد بن عبيد اللَّه عن الحكم عن [مقسم] عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: فلما قضي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حجته أو نفر نزل الحصبة ثم ارتجل منها حتى قدم المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وتوفى صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول وقال عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثله إلا أن ابن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: في أول الأيام مضينا منه وقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بعد ما مضي منه واللَّه تبارك وتعالى أعلم.   [ (1) ] المائدة: 3. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 544 ذكر مبلغ عمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أن الروايات قد اختلفت عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وعن عائشة وأنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- في سنّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم فروى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم ستون، وروي ويتبين ثلاث وستون وروى عن ابن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أيضا خمسة وستون ويتبين هذا مما يوردهم عنهم إنشاء اللَّه تعالى. خرج البخاري في أول المناقب [ (1) ] ، وفي آخر المغازي [ (2) ] ، وخرج   [ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 694، كتاب المناقب، باب (19) وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3536) . [ (2) ] (المرجع السابق) : 8/ 190، كتاب المغازي باب (86) حديث رقم (4466) . قوله: باب وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم أي في أي السنين وقعت؟ قوله: (عن يحيي) هو ابن أبي كثر. قوله: (لبث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا) هذا يخالف المروي عن عائشة عقبة أنه عاش ثلاثا وستين، إلا أن يحمل على إلغاء الكسر كما قيل مثله في حديث أنس المتقدم في باب صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم من كتاب المناقب. وأكثرها ما قيل في عمره أنه خمس وستون سنه، أخرجه مسلم من طريق عمار بن أي عمار، عن ابن عباس، ومثله لأحمد عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، وهو مغاير لحديث الباب لأن مقتضاه أن يكون عاش ستين إلا أن يحمل على إلغاء الكسر، أو على قول من قال: إنه بعث ابن ثلاث وأربعين وهو مقتضى رواية عمرو بن دينار، عن ابن عباس أنه مكث بمكة ثلاث عشرة ومات ابن ثلاث وستين، وفي رواية هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس: لبث بمكة ثلاث عشرة وبعث لأربعين ومات وهو ابن ثلاث وستين. وهذا موافق لقول الجمهور، وقد مضى في باب هجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، والحاصل أن كل من روى عنه من الصحابة ما يخالف المشهور- وهو ثلاث وستون- جاء عنه المشهور، وهم ابن عباس وعائشة وأنس، ولم يختلف على معاوية أنه عاش ثلاثا وستين، وبه جزم سعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد، وقال أحمد: هو الثبت عندنا، وقد جمع السهيليّ بين القولين المحكيين بوجه آخر، وهو أن من قال: مكث ثلاث عشرة عد من أول ما جاء الملك بالنّبوّة، ومن قال: مكث عشرا أخذ ما بعد فترة الوحي ومجيء الملك بيا أيها المدثر، وهو مبني على صحة خبر الشعبي الّذي نقلته من تاريخ الإمام أحمد في بدء الوحي، ولكن وقع في حديث ابن عباس عند بن سعد ما يخالفه كما أوضحته في الكلام على حديث عائشة في بدء الوحي المخرج من رواية الجزء: 14 ¦ الصفحة: 545 مسلم [ (1) ] من حديث عقيل بن شهاب أخبرنى سعيد بن المسيب بمثل ذلك وأخرجه مسلم من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب مثل حديث عقيل. وأخرجه النسائي [ (2) ] أيضا. وخرج البخاري من هشام حدثنا عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأربعين سنه، فمكث بمكة ثلاث عشرة يوحي إليه، عشرة سنه بالهجرة ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ومات وهو ابن ثلاثة وستين [ (3) ] . ومن طريق مطر بن الفضل حدثنا روح بن عبادة، حدثا زكريا بن إسحاق حدثنا عمرو بن دينار، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى- قال: مكث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين. خرج في أول كتاب فضائل القرآن [ (4) ] من طريق يحيى عن ابن سلمة قال: أخبرتنى   [ () ] معمر عن الزهري فيما يتعلق بالزيادة التي أرسلها الزهري، ومن الشذوذ ما رواه عمر بن شبة أنه عاش إحدى أو اثنتين وستين ولم يبلغ ثلاثا وستين، وكذا رواه ابن عساكر من وجه المذكور أنه شاذ من القول، وقد جمع بعضهم بين الروايات المشهورة بأن من قال: خمس وستون جبر الكسر، وفيه نظر لأنه يخرج منه أربع ستون فقط وقل من تنبه لذلك. قوله: قال ابن شهاب: واخبرني سعيد بن المسيب مثله. وهو موصول بالإسناد المذكور، وقوله: [مثله] يحتمل أن يريد أنه حدثه بذلك عن عائشة أو أرسله، والقصد بالمثل المتن فقط، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق يونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة- رضي اللَّه عنها، وقد جوزت أن يكون موصولا لما شرحت هذا الحديث في أوائل صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى ظفرت به الآن كما حررت، واللَّه الحمد. [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) ك 15/ 108، كتاب الفضائل، باب (32) باب كم سن النبي. ص) يوم قبضه، حديث رقم (114) ، وباب (33) كم أقام النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمكة والمدينة، حديث رقم (117) . [ (2) ] لعله في (الكبرى) . [ (3) ] (فتح الباري) : 7/ 287، كتاب مناقب الأنصار، باب (450) هجرة النبي (ص) وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (3902) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 9/ 3، كتاب فضائل القرآن، باب (1) كيف نزل الوحي، وأول ما نزل حديث رقم (4978) ، (4979) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 546 عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: لبث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة عشر سنين ونزل عليه القرآن، بالمدينة عشر سنين. وخرجه أيضا في آخر كتاب [ (1) ] المغازي عن يحيى، عن أبى سلمى، عن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لبث بمكة الحديث بمثله. وخرج مسلم عن طريق يزيد بن زريع حدثنا يونس بن عبيد، عن عمار مولى بنى هاشم قال سألت ابن عباس كم أتى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم مات فقال ما كنت أحسب، مثلك من قومه يخفي عليه ذلك! قال: قلت إني قد سألت الناس فاختلفوا عليّ فأحببت أن أعلم قولك فيه، قال: أتحسب؟ قال: قلت: نعم قال: أمسك أربعين بعث لها، وخمس عشرة بمكة يأمن ويخاف فأمرها وخاف، وعشرة من مهاجره إلى المدينة [ (2) ] ، وخرجه من حديث شبانة بن سوار حدثنا شعبه عن يونس بهذا الإسناد [ (3) ] ، نحو حديث ابن ذريع من حديث روح وخالد الجد، وحدثنا حماد بن سلمة، عن عمار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: أقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنه يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا، وثمان سنين يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشرا [ (4) ] . وخرج الترمذي من حديث نصر بن علي عن بشر بن الفضل عن خالد، الخبر بمثله وقال: هذا حديث حسن صحيح. وخرج مسلم من حديث سفيان عن عمرو قال: قلت لعروة كم لبث النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمكة؟ قال: عشرا، قلت: فإن ابن عباس يقول: بضع عشرة، فقال: فغفره. وقال: إنما أخذه من قول الشاعر، قلت: يعنى حسان [ (5) ] : ويؤتى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو يلقى خليلا مواسيا. وذكر ذلك كله مسلم في كتاب المناقب وخرج مسلم من حديث روح بن   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : حديث رقم (199) . [ (3) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث رقم (121) بدون رقم. [ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (123) . [ (5) ] (المرجع السابق) : باب (33) ، الحديث الّذي يلي الحديث (116) بدون رقم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 547 عبادة حدثنا زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مكث بمكة ثلاث عشرة سنة، وتوفى صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين [ (1) ] . وخرجه الترمذي من طريق روح به، قال: حديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- حديث حسن غريب من حديث عمرو بن دينار. وخرج مسلم من حديث حماد عن أبى حمرة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه وبالمدينة عشرا، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة [ (2) ] . وخرج مسلم من حديث حكام مسلم حدثنا عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي عن أنس وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قبض وهو ابن ثلاث وستين [ (3) ] وروى مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن أنس ابن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أنه سمعه يقول كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط. بعثه اللَّه تعالى على رأس أربعين سنه وليس فيه لحيته ورأسه عشرين شعرة بيضاء [ (4) ] . قال أبو عمر بن عبد البر رحمه اللَّه: أما قول: بعثه اللَّه تعالى على رأس أربعين سنه فأقام بمكة عشر سنين فاختلف في ذلك، وأما قوله بالمدينة عشر سنين فاجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه، وأما قوله: وتوفاه اللَّه تعالى على رأس الستين فمختلف فيه على حسب اختلافهم في مقامه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة، فحديث ربيعة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على ما يرى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ستين. ورواه عن ربيعة جماعة من الأئمة منهم مالك بن أنس، وأنس بن عياض، وعمارة بن عونة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأوزاعي، وسعيد ابن أبي هلال، وسليمان بن بلال، كلهم عن ربيعة بمعنى حديث مالك سواه.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (117) . [ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (118) . [ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (114) . [ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 700، كتاب المناقب، باب (23) صنعة النبي صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (3549) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 548 وقد ذكر البخاري حديث ربيعة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- هذا بما تبعه، فذكر حديث حكام بن مسلم الّذي تقدم، ثم قال البخاري: وهذا أصح عندي من حديث ربيعة. قال أبو عمر: إنما قال البخاري ذلك واللَّه تعالى أعلم، لأن عائشة ومعاوية وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على اختلاف عنه، كلهم يقول: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين ولم يختلف عن عائشة ومعاوية وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ولم يختلف عن عائشة ومعاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في ذلك، رواه جرير عن معاوية. وجاء عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كما ذكره ربيعة عنه، وذلك مخالف لما ذكره هؤلاء كلهم، وروى الزبير بن عدي وهو عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ما يوافق ما قالوا، فقطع البخاري بذلك، لأن المنفرد اولى بإضافة الوهم إليه من الجماعة. وأما عن طريق الأسناد فحديث ربيعة أحسن اسنادا في ظاهره، إلا أنه قد بان من باطنه ما يضعفه، وذلك مخالفة لأكثر الحفاظ له. قال: وقد تابع ربيعة على روايته عن ابن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- نافع أبو غالب، روي عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وله أربعون سنة. وذكر البخاري من طريق عبد الرزاق قال أبو غالب نافع إنه سمع أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة عشرا بعد أن بعث. وذكره ابن أبي خثيمة فبيا محمد بن عمر، حديثا نافع أبو غالب، قال: قلت لأنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا أبا حمزة، لم كان سنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم قبض؟ قال: ستون سنة، وقد روى ابن وهب عن قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال نبئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة، ومكث بمكة عشرا، وبالمدينة عشرا، وتوفي وهو ابن ستين سن. وقد روى من حديث ابن عمر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن اثنين وستين سنة وذكر إبراهيم بن المنذر عن سعيد بن سعيد بن أبي سعيد عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة- رضي اللَّه الجزء: 14 ¦ الصفحة: 549 تبارك وتعالى عنهم- قال: نبئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين، فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا، وتوفي وهو ابن ستين سنة. قال أبو عمر: وممن قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث علي رأس أربعين سنة قبات بن أشيم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، قال: نبئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على رأس أربعين من عام الفيل. قال أبو عمر: لا خلاف أنه صلى اللَّه عليه وسلم ولد بمكة عام الفيل وساقه الحبشة إلى مكة يغزون البيت. قال المؤلف: قد تقدم الخلاف في ذلك، قال أبو عمر: وروي هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة. رواه جماعة عن هشام بن حسان وهو قول عروة بن الزبير ورواه عن عروة هشام بن عروة وعمرو بن دينار وكان عروة يقول: إنه أقام بمكة عشرا، وأنكر قول من قال: أقام بها ثلاث عشرة بقوله كقول ربيعة سواء، كان الشعبيّ يقول بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونبئ لأربعين، ثم وكل به إسرافيل ثلاث سنين قرن بنبوته، فكان يعلمه الكلمة والشيئ، ولم ينزل عليه القرآن علي لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه الصلاة والسلام، ونزل القرآن على لسانه صلى اللَّه عليه وسلم عشر سنين، هذا كله قول الشعبي. وكذلك قال محمد بن جبير بن مطعم، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نبئ على رأس ثلاث وأربعين وهو قول عطاء الخراساني وممن قال: إنه بعث على رأس ثلاث وأربعين ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، من رواية هشام الدستواني عن عكرمة عنه، خلاف ما روى هشام بن حسان، وقاله أيضا سعيد بن المسيب فذكر من طريق أحمد بن حنبل أبا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا هشام قال: أخبرنا عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أنزل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين. قال أحمد بن زهير: وأخبرني أن فتى جرير بن عبد الحميد قال: أخبرنا عبد اللَّه بن عمر وفتى حماد بن زيد جميعا عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: أنزل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم الوحي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة. خالف القواريري عامتهم في هذا الخبر عن حماد بن زيد فقال فيه: نزل عليه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة. ورواه يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد مثل رواية القواريري، وهو عبد اللَّه بن عمر بن حماد بن يزيد. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 550 ثم ذكر من حديث أبي زرعة: حدثنا أحمد بن صالح بن وهب قال: حدثني قرة بن عبد الرحمن المغازي عن ابن شهاب وربيعة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال نبّئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين، فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا، قال أبو عمر: لا أعلم أحدا رواه عن ابن شهاب عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- غير قره. وأما مكثه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة فمن قول أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من رواية ربيعة وابن طالب أنه مكث بمكة عشر سنين. وكذلك روى أبو سلمة عن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وهو قول عروة الشعبيّ وسعيد بن المسيب على اختلاف عنه وابن شهاب، والحسن، وعطاء الخراسانىّ، وكذلك روى هشام الدستواني عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إنه مكث بمكة بعد ما بعث صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث عشرة سنة. وكذلك روي أبو حمزة وعمرو بن دينار جميعا عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وهو قول أبو جعفر محمد بن علي. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 551 وأما سنه صلى اللَّه عليه وسلم حين توفي ففي حديث ربيعة وأبي غالب عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ستين، وهو قول عروة بن الزبير. وروى حميد عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين. ذكره أحمد بن زهير، عن ابن معاذ، عن بشر بن المفضل عن حميد، وروى الحسن عن دعفل النسابة- وهو دعفل بن حنظلة- قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين سنة، ولم يدرك دعفل النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وقال البخاري: ولا يعرف للحسن سماعا من دعفل. قال البخاري: وروى عمار بن أبي عمار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: أنزل علي النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمكة عشر سنين وخمس سنين وأشهر ولم يوافق عليه الصلاة والسلام شيئا إلا مثل له. قال: وروى عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبض وهو ابن ثلاث وستين. قال أبو عمر: قد روى على بن زيد عن يوسف بن مهران عن بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين. ذكره أحمد بن زهير عن أحمد بن حنبل، عن هيثم عن علي بن زيد. وإنما ذكرنا هذا وإن كان صحيحا عندنا غيره، لقول البخاري: إنه لم يتابع عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين كما ذكرنا. وقد روى أبو حمزة ومحمد بن سيرين أيضا عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث وستين ولم يختلف عن عائشة ومعاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث وستين. وأم حديث عمار بن أبي عمار فرواه سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة فأقام بمكة خمس عشرة سنة، وبالمدينة عشر سنين، وقبض وهو ابن خمس وستين. رواه شعبة عن يونس بن عبيد عن أبي عمار مولى بني هاشم. ثم قال: سألت ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما: أبن كم توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: إن هذا الشديد على الجزء: 14 ¦ الصفحة: 552 مثلك أن يعلم بمثله ورواه حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار، قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين. ورواه حماد بن سلمة عن عمار بن أبى عمار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما في هذا أقوى، لأن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم، وسعيد ابن جبير من رواية العلاء بن صالح عن المنهال، عن سعيد بن جبير ويوسف بن مهران كلهم قد تلقوا عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن خمس وستين وروى أبو سلمة، وعكرمة، ومحمد بن سيرين، وأبو حصين ومقسم، وأبو طيبان، وعمرو بن دينار، كلهم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث وستين. وقد روى معاذ عن بشر بن المفضّل، عن حميد بن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين. وذكره ابن أبي خثيمة عن المغني بن معاذ هكذا. ورواه أبو مسلم المشتمل عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مثله، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين. وقد روى معاذ ابن معاذ عن بشر بن المفضل، عن حميد عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين. ثم ذكر أبو عمير من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب، قال: حدثني عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. ومن طريق قاسم بن أصبغ، حدثني أحمد بن زهير. حدثنا إسماعيل بن كريم الفرجمانى، حدثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا يونس بن زيد، عن الزهري، قال: أخبرنى عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. قال الزهري: أخبرنى سعيد بن المسيب عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك. قال أبو عمر هذا أصحّ شيء في هذا الباب إلا أني أعجب من رواية هشام ابن عروة وعمرو بن دينار عن عروة قوله خلاف هذا الحديث على ما قدمناه عنه وما أدري كيف هذا؟ وروى شعبة وإسرائيل عن أبى إسحاق، عن عامر بن سعيد عن جرير عن عبد اللَّه، قال: إنه سمع معاوية يقول: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. قاله أبو إسحاق وعامر بن سعد وعبد اللَّه بن عتبة وسعيد بن المسيب والشعبي عليه أقره الناس لأنه يجتمع على هذا القول الجزء: 14 ¦ الصفحة: 553 كل من قال نبئ على رأس أربعين، وأقام بمكة ثلاث عشر سنة، وكل من قال: بعث على رأس ثلاث وأربعين، وأقام بمكة عشرا، وهو الّذي يسكن إليه القلب في وفاته صلى اللَّه عليه وسلم ولا خلاف في أنه ولد يوم الاثنين بمكة في ربيع الأول عام الفيل وأن يوم الاثنين أول يوم أوحي إليه فيه وأنه قدم المدينة في ربيع الأول. قال ابن إسحاق هو ابن ثلاث وخمسين، وأنه توفي يوم الاثنين في شهر ربيع الأول سنة إحدى من الهجرة. وروى كريب عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أوحي اللَّه تعالى إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشرا، وتوفى وهو ابن ثلاث وستين، وأنزل عليه وهو ابن أربعين وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشرا، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وأنزل عليه وهو ابن أربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا. قال أبو عمر: هذا أصح ما في ذلك عندي، ثم ذكر من طريق أبي زرعة حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عيينة بن خالد، حدثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وصدق ذلك حديث علي بن حسين، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي ابن ثلاث وستين. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. قال المؤلف: وحديث معاوية الّذي ذكره الحافظ أبو عمر، وخرجه مسلم من طريق سلام بن أبي الأحوص عن أبي إسحاق، قال: كنت جالسا مع عبد اللَّه بن عتبة فذكروا سنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال بعض القوم: كان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أكبر من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال عبد اللَّه: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، ومات أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين، وقيل: عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين، فقال رجل من القوم: كنا قعودا عند معاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، ومات أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين وقيل: عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين. وخرجه من طريق شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عامر بن سعد البجلي، عن جرير أن سمع معاوية يخطب، فقال: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 554 وخرجه الترمذي [ (1) ] من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن جرير بن عبد اللَّه بن أبي سفيان، أنه قال: سمعته يخطب ويقول: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مثله سواء. وخرجه النسائي من طريق الشعبي عن جرير، قال: كنا عند معاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [وهو] ابن ثلاث وستين.   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 564- 565، كتاب المناقب، باب (13) في سن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كم كان حين مات، أحاديث أرقام (3650) ، (3651) ، (3652) ، (3653) ، (3654) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 555 ذكر ما نزل من المصيبة بالصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- لوفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وما حل بالمسلمين عامة من عظم الرزيّه بفقده صلى اللَّه عليه وسلم. قال أبو محمد الدرامي: حدثنا أبو نعيم حدثنا فطر، عن عطاء قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنّها من أعظم المصائب [ (1) ] . وخرج البخاري في المناقب من حديث سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مات وأبو بكر بالسّنح- قال إسماعيل: يعني بالعالية- فقام عمر يقول: واللَّه ما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قالت: وقال عمر: واللَّه ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه اللَّه، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقبّله فقال: بأبي أنت وأمّي، طبت حيا وميتا، والّذي نفسي بيده لا يذيقك اللَّه الموتتين أبدا. ثم خرج فقال: أيها الحالف، على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر [ (2) ] . فحمد اللَّه [تعالى] أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمدا صلى اللَّه عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حيّ لا يموت، وقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (3) ] وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ (4) ] .   [ (1) ] (سنن الدارميّ) : 1/ 40. [ (2) ] (فتح الباري) : 7/ 23، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب (5) قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم (لو كنت متخذا خليلا) قاله أبو سعيد حديث رقم (3667) . [ (3) ] الزمر: 30. [ (4) ] آل عمران: 144. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 556 قال: فنشج الناس يبكون. قال: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة كما عرج بروح موسى، واللَّه لا يموت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم، فلم يزل عمر يتكلم حتى أزيد شدقاه مما يوعد، ويقول. فقام العباس فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد مات وإنه لبشر وإنه يأسن كما يأسن البشر، أي قوم: فادفنوا صاحبكم فإنه أكرم على اللَّه من أن يميته إماتتين أيميت أحدكم إماتة ويميته إماتتين. وهو أكرم على اللَّه من ذلك؟ أي قوم فادفنوا صاحبكم فإن يك كما تقولون فليس بعزيز على اللَّه أن يبحث عنه التراب. إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واللَّه ما مات حتى ترك السبيل نهجا واضحا، فأحل الحلال وحرم الحرام، ونكح، وطلق، وحارب، وسالم، وكان يرعى الغنم، يتبع بها صاحبها رءوس الجبال، يخبط عليها العضاة بمخبطه، ويمدد حوضها بيده بأنصب، ولا أدأب من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كان فيكم أي قوم، فادفنوا صاحبكم. قال: وجعلت أم أيمن تبكي فقيل لها: يا أم أيمن تبكي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: إني واللَّه ما أبكى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا أن أكون أعلم أنه قد ذهب إلى ما هو خير له من الدنيا، ولكني أبكي على خبر السماء انقطع، قال حماد: خنقت العبرة أيوب حين بلغ هاهنا [ (1) ] . وقال أبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: واللَّه ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبنى، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر- ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: لا واللَّه لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء. هم أوسط العرب دارا، وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله اللَّه [ (2) ] .   [ (1) ] (سنن الدارميّ) : 1/ 39- 40. [ (2) ] (فتح الباري) : حديث رقم (3668) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 557 وروى أبو محمد الدارميّ عن سليمان، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة قال: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين فحبس بقية يومه [ (1) ] وليلته والغد حتى دفن ليلة الأربعاء. قالوا: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسى عليه السلام. فقام عمر فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت ولكن عرج بروحه. وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق عن معمر قال: قال الزهري: وأخبرني أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين، فقام عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي ولكن ربه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى عليه الصلاة والسلام فمكث عن قومه أربعين ليلة وإني لأرجو أن يعيش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وبألسنتهم يزعمون أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد مات [ (2) ] . وقال عبد اللَّه بن أحمد: حدثنا الليث بن خالد البلنجي قال: كان اليوم الّذي دخل فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة، أضاء منها كل شيء، ولما كان اليوم الّذي مات فيه صلى اللَّه عليه وسلم أظلم منها كل شيء، وإنا لفي دفنه، ما رفعن أيدينا عن دفنه، حتى أنكرنا قلوبنا [ (3) ] . وروى البيهقي من طريق جعفر بن سليمان الضبعي، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: لما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أظلمت المدينة، حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبطيده، فلا يبصرها، فلما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا [ (4) ] . ومن طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: شهدت اليوم الّذي توفي فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم أر يوما كان أقبح منه [ (5) ] . وقال الواقدي: حدثني حارثة بن أبي عمران، عن هلال بن أسامة عن   [ (1) ] في (الأصل) : «يوم الأربعاء» وفي (سنن الدارميّ) : 1/ 39: «ليلة الأربعاء» . [ (2) ] (سبق تخريجه) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 265. [ (4) ] (المرجع السابق) . [ (5) ] (المرجع السابق) : 266. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 558 علة بن أبي علة قال: كان أول من دخل عليه عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسجى فخرج إلي الناس وهو يصيح: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت ولكن رفع كما رفع عيسى ابن مريم عليه السلام وليرجعن ولا يسمح أحد أن يقول: إن محمدا مات، إلا قطع لسانه، فإنّي أعلم أن قوما من المنافقين يقولون مات فأولئك يمثل بهم وتكون عليهم دائرة السوء، ثم غلبه البكاء. فدخل إلى بيته فمكث يومه ذلك يبكى بكاء شديدا ما يقدر الخروج حتى خيف عليه. قال سيف: عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عنها إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لفي حجري حين قبضه اللَّه تبارك وتعالى فتناولت وسادة من أدم فوضعتها تحت رأسه ثم قمت أصيح مع النساء وألتدم وتفاقم الناس وسجي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثوبه ودخل عمر ثم خرج إلي الناس فقال: يا أيها الناس، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما مات، وليرجعنه اللَّه تعالى فليقطعن أيد وأرجل من المنافقين يتمنون لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت. وقال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن أبي ملكية، قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فاقتحم الناس حين ارتفعت [الربة] وسجي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والملائكة تثوبه، ونقل الرجال، فكانوا كأقوام سحبوا منهم الأرواح، وحق لهم في أحوال من البلاء قسمت بينهم، فكذب بعضهم بموته، وأخرس بعضهم فما تكلم إلا بعد النعت، وخلط آخرون فلانوا الكلام بغير شأن، وبقي ومعهم عقولهم وأقعدوا آخرون، فكان عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- فيمن كذب بموته، وعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فيمن أقعدوا [وعثمان]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فيمن أخرس فخرج من في البيت من الناس ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسجى، فقال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت، وليرجعن اللَّه تعالى، وليقطعن أيد وأرجل من المنافقين، فتمنون لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت، إنما أعده ربه كما وعد موسى، واللَّه لا أسمع أحدا يذكر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي إلا أعلون بسيفي هذا. وأما عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه لما أعلونه يطق كلاما، وأما علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه أقعد، ولم يكن أحد من المسلمين في مثل حال أبي بكر والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فإن اللَّه عز وجل عزم لهما على التوفيق والسداد، وكان الناس لم يرضوا إلا الجزء: 14 ¦ الصفحة: 559 لقول أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وجاء العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من قبله فتكلم بنحو من كلامه فما انتهى له أحد ممن ابتلي، حتى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فانتهي الناس كلهم إلي قوله، وتفرقوا عن كلامه. وقال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما قبض اللَّه عزّ وجل نبيه، وأعلن أهل البيت وفاته بالصيحة، وسمعها الناس جزعا من ذلك جزعا شديدا، فقام عمر ابن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: كيف نكون شهداء على الناس ويكون الرسول علينا شهيدا؟ وبموت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم يظهر على الناس فإياكم أيها الناس أن تفتتنوا كما افتتن قوم موسى إذ غاب عنهم إلي الطور، فرجع إليهم فعاقبهم، وظن كثير من الناس أنه كما قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فأقبل الناس حتى نادوا على الناس، وقالوا: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حي، فلا تحركوه ولا تدفنوه، وأوعد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- الناس حين سمعهم يقولون: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخرج عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- على الناس فقال: أيها الناس هل عندكم أو عند أحد منكم عهد من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أمر وفاته؟ قالوا: لا، قال: هل عندكم يا عمر من ذلك علم؟ قال: لا واللَّه، قال: اشهدوا أيها الناس أن أحدا لا يأخذ علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد عهد اللَّه تعالى في شأن وفاته، واللَّه الّذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت، ولقد قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو بين ظهرانيكم إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فلما عرفوا، قال بعضهم: خلوا بينهم وبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم يكف بعضهم لبعض. وقال سيف: عن سلمة بن نبيط عن نعيم بن أبي هند، عن سالم بن عبيد اللَّه وكان من أهل الصفة- قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم في اليوم الّذي مات فيه، قال حين ثقل أو أغمي عليه فأفاق: حضرت الصلاة؟ قالوا: نعم. قال صلى اللَّه عليه وسلم: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فأمرت بلالا أن يؤذن، وأمرت أبا بكر أن يصلي بالناس، ثم قال، أقيمت الصلاة؟ قيل: نعم، فدعا بربزة خادما كانت له وإنسانا آخر معها فاعتمد عليهما، ثم قال: انطلقا، فذهبا به إلي المسجد حتى أتيا أبا بكر- رضي اللَّه تبارك الجزء: 14 ¦ الصفحة: 560 وتعالى عنه- وهو يصلي بالناس فجلس إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فذهب أبو بكر يتأخر، فجلس حتى فرغ من الصلاة، فلما توفي صلى اللَّه عليه وسلم وقوم آمنون لم يكن فيهم نبي قبله. قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لئن تكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي، قال: فأخذ بيدي حتى أتينا البيت، فدخل، فقال: وسعوا كذا، فوسعوا حتى أتى نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأكبّ عليه ثم مشى روبده، ثم نظر حتى تبين له، قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ قالوا: يا صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: نعم، فعلموا كلهم أن قد مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالوا: يا صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: هل نصلي على النبي صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم، قالوا: كيف نصلي عليه؟ فما أدري قال: عشاء أو قال: يجئ نفر فيكبرون، ويصلون ويدعون، ثم ينصرفون، ويجئ آخرون حتى يفرغوا من آخرهم، فعلموا أنه كما قال: عندكم نبي اللَّه يعني عمته وابن عمه فجلس في المسجد وجلس الناس حوله. وقال سيف: عن عمر بن محمد عن تمام، عن العاصي عن القعقاع بن عمرو، قال: جاء الخبر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بنقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وتواتر أهل البيت عليه أرسلا، فجاء فلقيه آخرهم بعد ما مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعيناه تهملان، فأكبّ عليه، وكشف عن وجهه، وقيل جبينه وخديه، ومسح وجهه، وجعل يبكى ويقول: بأبي وأمي ونفسي وأهلي طبت حيا وميتا، وانقطع بموته ما لم ينقطع بموته أحد من الأنبياء، فعظمت عن الصفة، وحللت عن البكاء، وخصصت حتى ضرب مسيلمة، وعميت، ولولا أن موتك كان إخبارا لحربك بالنفوس، وإنك نهيت عن البكاء، لأنفدنا عليك ما التشوف، فأما ما لا نستطيع حقه عنا فكمدوا، وإن كان مخالفا له. قال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن أبي عمر قال: جاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى صلي على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاسترجع وصلى وأثنى، فعجّ أهل البيت عجيجا سمعه أهل المصلى، كلما ذكرت شيئا أرادوا فما، سكن عجيجهم إلا [صوت] يقول: السلام عليكم يا أهل البيت كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ الآية. إن في اللَّه خلفا من كل هالك ودركا لكل رغبة، ونجاة من كل مخافة، فاللَّه فارجوا وبه فثقوا، فاستمعوا له وأنكروه، وقطعوا البكاء، فلما انقطع البكاء فقد صوته، واطلع أحدهم فلم ير أحدا، ثم ناداهم مناد آخر لا يعرفون صوته: يا أهل البيت، اذكروا اللَّه واحمدوه على كل حال الجزء: 14 ¦ الصفحة: 561 من المخلصين، إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل رغبة، فأطيعوا أمره فاعلموا. وقال الواقدي في كتاب (الغازي) : حدثني ابن أبي سبرة، عن الحبيش بن هاشم، عن عبد اللَّه بن وهب، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: نحن مجتمعون نبكي لم ننم ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيوتنا، ونحن نسكن برؤيته على السرير، إذ سمعنا صوت الكرار من السحر ليلة الثلاثاء. قالت أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فصحنا، فصاح أهل المسجد، فارتجت المدينة صيحة واحدة، وأذن بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالفجر، فلما بلغ ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلم بكى فانتحب فزادنا عجيجا، وعالج الناس الدخول إلي قبره، فغلق دونهم فيا لها من مصيبة، فما أصبنا بعده بمصيبة إلا هانت علينا إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى اللَّه عليه وسلم. وخرج البيهقي من طريق المزني، قال: حدثنا الشافعيّ، عن القاسم بن عبد اللَّه بن عمر بن حفص، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن رجالا من قريش دخلوا على أبيه عليّ بن الحسين، فقال: ألا أحدثكم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالوا: بلى، فحدثنا عن أبي القاسم، قال: لما مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتاه جبريل، فقال: يا محمد! إن اللَّه أرسلني إليك، تكريما لك، وتشريفا لك، وخاصة لك، أسألك عما هو أعلم به منك. يقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا، ثم جاءه اليوم الثاني، وقال له: ذلك، فردّ عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم كما ردّ أول يوم، ثم جاءه اليوم الثالث فقال له كما قال أول يوم، وردّ عليه كما ردّ. وجاء معه ملك، يقال له إسماعيل على مائة ألف، كل ملك على مائة ألف ملك، استأذن عليه، فسأل عنه، ثم قال جبريل: هذا ملك الموت، يستأذن عليك، ما استأذن على آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال عليه السلام: ائذن له، فأذن له، فسلم عليه، ثم قال: يا محمد، إن اللَّه أرسلني إليك، فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضته، وإن أمرتني أن أتركه تركته، فقال: أو تفعل يا ملك الموت؟ قال: نعم: بذلك أمرت، وأمرت أن أطيعك. فنظر النبي إلى جبريل؟ فقال له جبريل: يا محمد إن اللَّه اشتاق إلى لقائك. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم لملك الموت: أمضي لما أمرت به، فقبض روحه. فلما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجاءت التعزية، سمعوا صوتا من ناحية البيت: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في اللَّه عزاء من الجزء: 14 ¦ الصفحة: 562 كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المصاب من حرم الثواب. فقال عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أتدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه السلام. قال البيهقي: لقد روينا هذا في الخبر الّذي قبله بإسناد آخر، والمراد بقوله: إن اللَّه اشتاق إلى لقائك، أي أراد ردك من دنياك إلى آخرتك ليزيد في كرامتك، ونعمتك وقربتك. قال: أخبرنا القاسم بن عبد اللَّه بن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده قال: لما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجاءت التعزية، سمعوا قائلا يقول: إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب [ (1) ] . قال المؤلف: قد روينا هذا الحديث في كتاب تبين الشافعيّ رحمه اللَّه، وذكره في باب زكاة الفطر، ولا يحضرني الآن. وخرجه البيهقي من طريق الربيع بن سليمان قال: حدثنا الشافعيّ، قال: أخبرني الهيثم بن عبد اللَّه عن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: لما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في اللَّه تعالى عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فباللَّه فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب. وخرج من طريق أبي الوليد المخزومي، حدثنا أنس بن عياض، عن جعفر ابن محمد عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: لما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عزتهم الملائكة، يسمعون الحسّ، لا يرون الشخص، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في اللَّه تعالى عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فأرجو، فإن المحروم من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. قال البيهقي: هذان الإسنادان وإن كانا ضعيفين، فبأحدهما يتأكد الآخر، وبدل ذلك على أن له أصلا من حديث جعفر. قال المؤلف: وقد خرج الحاكم في (مستدركه) [ (2) ] حديث جابر هذا من طريق أبي الوليد بهذا السند، فقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه،   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 267- 268. [ (2) ] (المستدرك) : 30/ 59- 60، كتاب المغازي والسرايا، حديث رقم 33 (4391) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 563 والمخزومي هذا ليس بخالد بن إسماعيل الكوفي، وإنما هو هشام بن إسماعيل الصغاني، وهو ثقة مأمون. وخرج الحاكم من طريق محمد بن بشر بن مطر، حدثنا كامل بن طلحة حدثا عباد بن عبد الصمد، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحدق به أصحابه، فبكوا حوله، واجتمعوا، فدخل رجل أشهب اللحية، جسيم صبيح قيحا رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل فائت، وخلفا من هالك، وإلى اللَّه فأنيبوه إليه، فارغبوا الآخرة، ونظر إليكم البلاء، فانظروا، فان المصاب من لم يخبر، وانصرف. فقال بعضهم لبعض: أتعرفون الرجل؟ قال أبو بكر وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: نعم: هذا أخو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخضر عليه السلام [ (1) ] ، قال الحاكم: هذا شاهد بما تقدم وإن كان عباد بن عبد الصمد ليس من شرط هذا الكتاب. قال المؤلف وقد أخرج هذا الحديث البيهقي، وقال عباد بن عبد الصمد ضعيف وهذا منكر بمرة. وقال سيف: عن عبد اللَّه بن سعيد بن ثابت بن الجدع عن عبدة بنت عبد الرحمن، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته: لا يبقى في جزيرة العرب دينان. وقال سيف: عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن أبي كعب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال: لقد رأيتني يوم مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وإني لأعد المخلصين من قبلهم وكانت قلة، قام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- دونها فما استأنى حتى استناء العزاء. وقال: عن مبشر، عن سالم بن عبد اللَّه قال: قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كانت إمارة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتله وقى اللَّه شرها، قلت وما الفلتة؟ قال: كان أهل الجاهلية يتناحرون في الحرم، فإذا كانت الليلة التي يشك فيها إذ علموا فيها فأغاروا، وكذلك كان يوم مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أدخل الناس من مدعى إمارة، أو جاحد زكاة، أو مستتر بصلاة، أو جاحد الأحكام كلها، فكان المدعي الإمارة، والمقر بالإسلام، والجاحد بالزكاة فالجاحد للأحكام كلها، فلولا اعتراض أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- دونها كانت الفضيحة.   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (4392) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : هذا شاهد لما قبله. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 564 فصل في ذكر ما سجّي به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد وفاته وثيابه التي قبض فيها خرج البخاري في كتاب اللباس [ (1) ] من (صحيحه) حديث شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: إن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبرته أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة. وخرجه مسلم [ (2) ] من طريق صالح، عن ابن شهاب قال: إن أبا سلمة أخبره أن عائشة أم المؤمنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: سجي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثوب حبرة. وخرجه من حديث شعيب عن الزهري، وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث صالح عن ابن شهاب وخرجه الإمام [ (4) ] أحمد من حديث أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كساء ملبدا وإزارا غليظا، فقالت: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هذين. أخرجه البخاري ومسلم.   [ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 339، كتاب اللباس، باب (18) البرود والحبر والشملة، وقال خباب: شكونا إلى النبي (ص) وهو متوسد بردة له، حديث رقم (5814) . قوله: (سجي) بضم أوله وكسر الجيم الثقيلة، أي غطّي وزنا ومعنى، يقال سجيت الميت إذا مددت عليه الثوب، وكان المصنف رمز إلى ما جاء عن عمر بن الخطاب في ذلك، فأخرج أحمد من طريق الحسن البصري: أن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أراد أن ينهي عن حلل الحبرة لأنها تصبغ بالبول، فقال له أبي: ليس ذلك لك، فقد لبسهن النبي (ص) ولبسناهن في عهده. والحسن لم يسمع من عمر. [ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 300- 301، كتاب اللباس والزينة باب (6) التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه، واليسير في اللباس والفراش وغيرها وجواز لبس الثوب الشعر وما فيه أعلام، حديث رقم (34) ، (35) . [ (3) ] لعله في (الكبرى) . [ (4) ] (مسند أحمد) : 7/ 50، حديث رقم (23517) ، من حديث السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 565 فصل في ذكر ما جاء في غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال ابن عبد البر: ولم يختلف في أن الذين غسلوه عليّ والفضل بن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، واختلف في العباس، وأسامة بن زيد، وقثم بن العباس، وسعد فقيل: هؤلاء كلهم شهدوا غسله، وقيل لم يغسله غير عليّ والفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، كان يصب الماء عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والفضل كان يغسله. وقيل: كان الناس قد تنازعوا في ذلك، فصاح أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا معشر الناس كل قوم أولى بجنائزهم من غيرهم، فانطلق الأنصار إلى العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقلبانه وأسامة ابن زيد وقثم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يصبان الماء على عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وروى من وجه آخر أن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان بالباب، لم يحضر الغسل، يقول: لم يمنعني أن أحضره إلا أني كنت أراه صلى اللَّه عليه وسلم يستحي أن أراه حاسرا. قال سيف: عن سعيد، عن أبي الغراء، عن أبي مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: صدرنا في قبر النبي عن رأى أبي بكر والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، ولولا ذلك لكنا كأن لم نسمع من النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك ما سمعنا، ولقد كان احتبس منا، فأما أبو بكر فحفظه، وأما العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فكان رأيا منه. قال سيف: عن هشام بن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قالت: كان سرير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أقصي البيت مما يلي الحائط في وسطه ما بين الحائطين، وكان فرشه قدام سريره ملصق بالسرير في وسط ما بين الحائطين، وكان فصل البيت من عند رأس السرير، والفراش من عند رجل السرير، والفراش يسير، لا يكون فصل بينهما ذراعين يزيد قليلا أو ينقص. قال الواقدي في كتاب (المغازي) : حدثنا ابن أبي خثيمة عن داود بن الحصين، عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه عنهما- قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال المهاجرون: الشق، وقالت الأنصار. اللحد، وكان بالمدينة رجلان، أحدهما يلحد، والآخر يشق، وكان أبو طلحة- رضي اللَّه الجزء: 14 ¦ الصفحة: 566 تبارك وتعالى عنه- يلحد، وذلك عمل أهل المدينة، وكان أبو عبيدة بن الجراح- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يشق وذلك عمل أهل مكة، فدعا العباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة، وقال للآخر اذهب إلى أبي طلحة، ثم قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: اللَّهمّ خر لنبيك، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- واختلفوا أين يقبر صلى اللَّه عليه وسلم، فقال قائل: بالبقيع، فإنه كان يكثر الاستغفار لأهل البقيع وأصحابه، وقال قائل: ادفنوه عند منبره، وقال قائل: ادفنوه في مصلاه، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إن عندي فيما تختلفون فيه علما، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: ما مات نبي قط إلا دفن حيث يقبض، فحط حول الفراش، ثم حول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالفراش في ناحية البيت، وحفر أبو طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- القبر فانتهى به إلي أصل اللحد إلى القبلة، وجعل رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مما يلي بابه الّذي كان يخرج منه إلى الصلاة، فبينما هم على ذلك جاء المغيرة بن شعبة إلى عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وأخبره بخبر الأنصار، فذكر عمر لأبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتابع الناس أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في سقيفة بني ساعدة، ثم انصرفوا إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلم ومن معه من المهاجرين والأنصار، وقمن النساء فخرجن من بيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فاختلفوا في غسله كيف يغسل، ومن أين يغسّل قال قائل: من بئر السقيا، وقال قائل: من بئر أريس، وقال قائل من بئر بضاعة وأجمعوا أن يغسل من بئر أريس وكان يشرب منها. وقال سيف: عن يحيي بن سعيد قال: كان بالمدينة رجلان يحفران، أحدهما يضرح وهو أبو عبيدة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والآخر يلحد وهو أبو طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقالوا: يبعث رجلين كلاهما ما سبق وليناه ذلك، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فجاء ولم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فحفر له ولحوا. وقال محمد بن عابد: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد العزيز بن أبي الجزء: 14 ¦ الصفحة: 567 داود أنهم قالوا ندفنه في بقيع الغرقد قالوا يوشك عواد يعودون بقبره من عبيدكم وإمائكم فلا يعادون. قال: فقال قائل: ادفنوه في مسجده، فقالوا: فكيف وقد لعن قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؟ قالوا: نحمله إلى حرم اللَّه تعالى ومأمنه ومولده ودار قومه، قال: كيف يفعلون ذلك ولم يعهد إليكم عهدا؟ فأشار عليهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بدفنه في موضع فراشة، فقبلوا ذلك من رأيه. وقال: عن محمد بن عون، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما فرغ من القبر وصلى الناس الظهر أخذ العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم فضرب عليه كله من ثياب ثمانية صفاق في جوف البيت فدخل الكل، فدعا عليا والفضل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وكان الفضل يعينهما فإذا ذهب إلى الماء ليعطيهما دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله ورجال من بنى هاشم من وراء الكل ممن أدخل من الأنصار حيث ناشدوا أبي وسألوه، منهم أوس بن خولي. وقال سيف: عن الضحاك بن يربوع الحنفي عن ماهان الحنفي عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، ضرب كله من ثمانية ثياب صفاق فصارت سنة فينا، وفي كثير من صالحي الناس، ثم أذن لرجال من بنى هاشم فقعدوا بين الحيطان والكلة، وسأله الأنصار أن يدخل منهم رجلا، فأدخل أوس ابن خولي ثم دخل العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الكلة ودعا عليا، والفضل وأبا سفيان، وأسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، وكان الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصب الماء والمعونة، فإذا شغله الصب أعقبه أبو سفيان وأسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فلما اجتمعوا في الكلة ألقى عليهم العباس وعليّ من وراء الكلة في البيت، حتى ما منهم أحدا إلا وذقنه في صدره يغط، فناداهم مناد فانتبهوا به وهو يقول: ألا لا تغسلوا النبي فإنه كان طاهرا، فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ألا بلى، وقال أهل البيت: صدق فلا تغسلوه وغشيهم النعاس ثانية، فناداهم مناد فانتبهوا وهو يقول: اغسلوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعليه ثيابه، فقال أهل البيت اغسلوا ألا اغسلوا رسول اللَّه، فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلا نعم، وقد: كان العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حيث دخل قعد متربعا وأقعد عليا متربعا فتواجها، وأقعدا النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم على حجريهما، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 568 فنودوا: أن اضجعوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ظهره، ثم اغسلوه، فأضجعاه ثم أخذا في غسله ولم يغتسل إلا بالماء القراح وطيبوه بالكافور، ثم اعتصر قميصه ومحوله، وخبطوا مساجده، ومفاصله، وذراعيه، ووجهه، وكفيه، وقدميه، ثم أدرجوا أكفانه على قميصه ومحوله، وجمّروه عودا وندي، ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه. قال سيف: وحدثني قيس، عن أنس بن الجليس، عن الضحاك بن مزاحم، قال: سمعت ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يذكر غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويذكر ما حدث فقلت: يا عباس وكيف يكون مستورا ومعه في البيت رجال؟ ولم أكن فهمت حديثه، فقال: إن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان ضرب عليه كله من ثياب صفاق وكان الرجال من ورائها وكذلك تغسل موتانا ونسترهم من سقوف البيت ففعلنا ذلك به، ثم ضربنا عليه ملاحفنا ثم حللناها فغسلناه من تحتها. وخرج أبو داود من حديث ابن الجارود من حديث ابن مسلمة عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني يحيي بن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه عباد بن عبد اللَّه بن الزبير قال: سمعت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما أرادوا غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اختلفوا فيه فقالوا واللَّه ما ندري أن يتجرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقي عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره، ثم كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: فاغسلوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعليه قميصه، تصبون عليه الماء، قالت: فقاموا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يغسلونه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم. قال: وكانت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تقول: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه. إلى هنا انتهى حديث أبي داود. وترجم عليه: باب الميت يستر عند الغسل. وزاد ابن الجارود بعد قوله: ما غسله إلا نساؤه: فلما فرغنا من غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب صحارية وبرد حبره، أدرج فيهن إدراجا كما حدثني ابن محمد عن أبيه عن جده عليّ بن الحسن. وخرج الحاكم حديث أبي داود من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق الجزء: 14 ¦ الصفحة: 569 بسنده ومتنه، وقال: حديث صحيح على على شرط مسلم [ (1) ] . وخرجه البيهقي وقال: هذا إسناد صحيح وشاهده ما أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: أخبرنا أبو قتيبة مسلم بن الفضل الأدمي بمكة، قال: حدثنا إبراهيم بن هشام البغوي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا أبو بردة بريد بن عبد اللَّه، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا أبو بردة بريد بن عبد اللَّه، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: لما أخذوا في غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هم بمناد من الداخل: لا تخرجوا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قميصه. حدثنا محمد بن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عبد اللَّه بن الحارث، قال: غسّل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، وعلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم قميصه، وعلى يد علي خرقه يغسله بها، فأدخل يده تحت القميص، وغسله. والقميص عليه [ (2) ] . وقال الواقدي: حدثني محمد بن عمر، عن عبد اللَّه بن محمد بن عمر ابن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده، عن علي بن أبي أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما أخذنا في جهاز رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أغلقنا الباب دون الناس جميعا فنادت الأنصار: نحن أخواله ومكاننا من الإسلام مكاننا! ونادت قريش: نحن عصبته! فصاح أبو بكر: يا معشر المسلمين كل قوم أحق بجنازتهم من غيرهم، فننشدكم اللَّه فإنكم إن دخلتم أخرتموهم عنه، واللَّه لا يدخل عليه أحد إلا من دعي. أخبرنا محمد بن عمر قال: فحدثني عمر بن محمد بن عمر، عن أبيه، عن علي بن حسين قال: نادت الأنصار: إن لنا حقا فإنما هو ابن أختنا ومكاننا من الإسلام مكاننا، وطلبوا إلى أبي بكر، فقال: القوم أولى به فاطلبوا إلى عليّ وعباس فإنه لا يدخل عليهم إلا من أرادوا. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صغير، قال: غسّل النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم عليّ، والفضل وأسامة ابن زيد وشقران يصبون الماء.   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 61- 62، كتاب المغازي والسرايا، حديث 38 رقم (4398) ، وسكت عنه الحافظ الذهبيّ في (التلخيص) . [ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 242- 243. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 570 أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: غسّل النبي صلى اللَّه عليه وسلم علي وكفنه أربعة: عليّ والعباس والفضل وشقران. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني هشام بن عمارة، عن أبي الحويرث، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عليّ والفضل وأمروا العباس أن يحضر عند غسله، فأبى، فقال: أمرنا النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن نستتر. أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: غسّل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ والفضل بن عباس، وكان يقلبه، وكان رجلا أيدا، وكان العباس بالباب، فقال: لم يمنعني أن أحضر غسله إلا أني كنت أراه يستحيى أن أراه حاسرا. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبيه، قال: غسّل النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم عليّ، والفضل، والعباس وأسامة ابن زيد، وأوس بن خولي، ونزلوا في جفرته. أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عبد اللَّه بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن عليّ: أنه غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعباس، وعقيل بن أبي طالب، وأوس بن خوالى، وأسامة بن زيد. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني الزبير بن موسى قال: سمعت أبا بكر بن أبي جهم يقول: غسّل النبيّ (ص) علي، والفضل، وأسامة بن زيد، وشقران، وأسنده عليّ إلى صدره، والفضل معه يقلبونه، وكان أسامة وشقران يصبان الماء عليه، وعليه، قميصه، وكان أوس بن خولي قال: يا عليّ! أنشدك اللَّه وحظنا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم! فقال له عليّ: ادخل! فدخل فجلس. أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، قال: أخبرنا ابن جريج عن أبى جعفر محمد بن علي قال: غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث غسلات بماء وسدر، وغسل في قميص، وغسل من بئر يقال لها الغرس، لسعد بن خيثمة بقباء، وكان يشرب منها، وولي عليّ غسله، والعباس يصب الماء، والفضل محتضنة يقول: أرحني، أرحني، قطعت وتيني! إني أجد شيئا يتنزل عليّ مرتين. أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي، عن مسعود بن سعد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث: أن عليا لما قبض النبي صلى اللَّه عليه وسلم قام الجزء: 14 ¦ الصفحة: 571 فارتج الباب، قال: فجاء العباس معه بنو عبد المطلب، فقاموا على الباب، وجعل عليّ يقول: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا! قال: وسطعت ريح طيبة لم يجدوا مثلها قطّ، قال: فقال العباس لعليّ: دع خنينا كخنين المرأة، وأقبلوا على صاحبكم! فقال عليّ: أدخلوا عليّ الفضل، قال: وقالت الأنصار: نناشدكم اللَّه في نصيبنا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأدخلوا رجلا منهم يقال له أوس بن خولي، يحمل جرة بإحدى يديه، قال: فغسله عليّ، يدخل يده تحت القميص، والفضل يمسك الثوب عليه، والأنصاري ينقل الماء، وعلى يد عليّ خرقة يدخل يده وعليه القميص. أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر الزهري، عن عبد الواحد بن أبي عون قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في مرضه الّذي توفى فيه: اغسلني يا علي إذا مت! فقال: يا رسول اللَّه ما غلست ميتا قط! فقال رسول صلى اللَّه عليه وسلم: إنك ستهيأ أو تيسر. قال عليّ: فغسلته، فما آخذ عضوا إلا تبعني، والفضل آخذ بحضنه يقول: أعجل يا عليّ، انقطع ظهري. أخبرنا الفضل بن دكين، عن سفيان، عن ابن جريج قال: سمعت أبا جعفر قال: ولي سفلة النبي صلى اللَّه عليه وسلم علي. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، حدثني سعيد بن المسيب. وأخبرنا محمد بن حميد العبديّ ومحمد بن عمر، عن معمر، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، وأخبرنا يحيى بن عباد، أخبرنا عبد اللَّه بن المبارك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: التمس عليّ من النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند غسله ما يلتمس من الميت فلم يجد شيئا فقال: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا [ (1) ] . وخرجه الحاكم من طريق إبراهيم بن ديزيل وإبراهيم بن نصر الرازيّ قالا: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: غسلت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فجعلت انظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا   [ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 277- 281. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 572 وميتا وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] . وخرج الواقدي من حديث محمد بن عبد اللَّه ومعمر عن الزهري، عن ابن المسيب قال: ولي غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وكفنه أربعة: العباس، وعليّ، والفضل وشقران- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-. حدثني مصعب بن ثابت، عن عيسى بن معمر، عن عباد بن عبد اللَّه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عنها قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا نساؤه، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما قبض اختلف أصحابه في غسله، فقال بعضهم: اغسلوه وعليه ثيابه، فبينما هم كذلك أخذتهم نعسة فوقع لحي كل إنسان على صدره، فقال قائل، لا ندري من هو: اغسلوه وعليه ثيابه [ (2) ] . وخرج البيهقي من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر قال: قلت من غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: غسله علي وأسامة، والفضل بن العباس، قال: وأدخلوه قبره وكان علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول وهو يغسله: يأبى وأمي- طبت حيا وميتا [ (3) ] . ومن طريق مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: غسلت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذهبت انظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا. وكان صلى اللَّه عليه وسلم طيبا حيا وميتا قال: وولي دفنه صلى اللَّه عليه وسلم وإجنانه دون الناس أربعة علي، والعباس، والفضل، صالح مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولحد لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لحدا ونصب عليه اللبن نصبا [ (4) ] . وخرج الامام احمد من حديث ابن إسحاق قال: حدثني حسين بن عبد اللَّه، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما اجتمع القوم لغسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وليس في البيت إلا أهله، عمه العباس، وعلي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد، وصالح مولاه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الباب أوس بن خولي الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان بدريا- عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا عليّ   [ (1) ] (المستدرك) : 3/ 61، كتاب المغازي والسرايا، باب (30) المغازي والسرايا، حديث رقم (4397) وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم. [ (2) ] (سبق تخريجه) . [ (3) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 243. [ (4) ] (المرجع السابق) : 244. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 573 نشدتك اللَّه وحظنا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ادخل فدخل فحضر غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا. قال: فأسنده عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلي صدره وعليه قميصه، وكان العباس والفضل وقثم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- يقلبونه مع علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان أسامة، وصالح مولياه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يصبان الماء، وجعل علي يغسله ولم ير من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شيئا مما نرى من الميت، وهو يقول بابي وأمي ما أطيبك حيا وميتا حتى إذا فرغوا من غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم- وكان يغسل بالماء والسدر- ثم جففوه، ثم صنع به ما يصنع بالميت، ثم أدرج في ثلاثة أثواب، ثوبين أبيضين، وبرد حبرة ثم دعا، العباس رجلين، فقال: ليذهب أحدكما إلى أبي عبيدة بن الجراح- الأنصاري- وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة قال: ثم قال العباس لهما حين سرحهما: اللَّهمّ خر لرسولك، قال: فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة، ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وقال البيهقي: روى أبو عمر بن كيسان عن زيد بن بلال قال: سمعت عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أوصى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه. وقال عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كان العباس، وأسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يتناولان الماء من وراء الستر. قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فما تناولت عضوا إلا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله. وخرج البيهقيّ من طريق يونس عن أبي معشر، عن محمد بن قيس قال: كان الّذي غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم علي بن أبي طالب، والفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصب عليه الماء. قال: فما كنا نريد أن نرفع عضوا عنه صلى اللَّه عليه وسلم، لنغسله، إلا رفع لنا حتى انتهينا إلى عورته، فسمعنا من جانب البيت صوتا: لا تكشفوا عن عورة نبيكم. ومن طريق يونس عن المنذر بن ثعلبة عن العلباء بن أحمر، قال: كان علي والفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- يغسلان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنودي: يا علي ارفع طرفك إلي السماء. ومن طريق الحسين بن جعفر، عن سفيان، عن عبد الملك بن جريج قال:   [ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 430، حديث رقم (2353) ، مسند عبد اللَّه بن عباس. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 574 سمعت محمد بن علي أبا جعفر، قال: غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ثلاثا بالسدر، وغسل صلى اللَّه عليه وسلم وعليه قميصه، وغسل صلى اللَّه عليه وسلم من بئر يقال لها الغرس بقباء، كانت لسعد بن خيثمة، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يشرب منها، وولي غسله عليّ والفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- محتضنه، والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصب الماء، فجعل الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئا يتسلط عليّ [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من طريق يحيي بن يمان، عن حسن بن صالح، عن جعفر بن محمد قال: كان الماء يستنقع في جفون النبي صلى اللَّه عليه وسلم فكان علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يحسوه [ (2) ] . وذكر عن معاذ قال: إن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان كلما اجتمع من الماء شيء في معاينه أو محاجره امتصه، فلذلك كان علي أكرم بعلم لم يكرم بمثله أحد. وقال الزهري: عن سعيد بن المسيب، عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم فعصر بطنه في الوسطي فلم يخرج شيء فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأبي وأمى، طيبا في الموت وفي الحياة. روي الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب من طريق أحمد بن محمد بن محمد بن جميل قال: حدثني عمي سهل بن جميل بن مهران عن أبي مقاتل السمرقندي عن كثير بن زياد، عن الحسن قال: لم مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجدوا في ثيابه نافحة مسك يطيب بها ثيابه [ (3) ] انتهى.   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 244، 245. [ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 440، 441، حديث رقم (2399) مسند عبد اللَّه بن عباس. [ (3) ] سبق تخريجه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 575 فصل فيما جاء في كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج مسلم من حديث أبي معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، أما الحلة فإنما شبه علي الناس فيها أنها اشتريت له ليكفن فيها، فتركت الحله وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية فأخذها، عبد اللَّه بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال: لأحبستها حتى أكفن فيها نفسي، ثم قال: لو رضيها اللَّه تعالى لرسوله لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها [ (1) ] .   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 11- 11، كتاب الجنائز، باب (13) في كفن الميت، حديث رقم (46) ، وأخرجه من طريق أخرى من حديث يحيي بن يحييي بنحوه سواء، حديث رقم (45) ، (47) . قولها: (كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاث أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) السحولية بفتح السين وضمها والفتح أشهر وهو رواية الأكثرين قال ابن الأعرابي وغيره هي ثياب بيض نقية لا تكون إلا من القطن وقال ابن قتيبة: ثياب بيض ولم يخصها بالقطن وقال آخرون: هي منسوبة إلى سحول قرية باليمن تعمل فيها. وقال الأزهري السحولية بالفتح منسوبة إلى سحول مدينة باليمن يحمل منها هذه الثياب وبالضم ثياب بيض حكاه ابن الأثير في (النهاية) . في هذا الحديث وحديث مصعب بن عمير السابق وغيرهما وجوب تكفين الميت وهو إجماع المسلمين ويجب في ماله فإن لم يكن له مال فعلى من عليه نفقته فإن لم يكن ففي بيت المال فإن لم يكن وجب على المسلمين يوزعه الامام على أهل اليسار وعلى ما يراه. وفيه أن السنة في الكفن ثلاثة أثواب للرجل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور والواجب ثوب واحد كما سبق والمستحب في المرأة خمسة أثواب ويجوز أن يكفن الرجل في خمسة لكن المستحب أن لا يتجاوز الثلاثة وأما الزيادة على خمسة فإسراف في حق الرجل والمرأة. قولها: (بيض) دليل لاستحباب التكفين في الأبيض وهو مجمع عليه. وفي الحديث الصحيح في الثياب البيض وكفنوا فيها موتاكم. ويكره المصبغات ونحوها من ثياب الزينة وأما الحرير فقال أصحابنا يحرم تكفين الرجل فيه ويجوز تكفين المرأة فيه مع الكراهة وكره مالك وعامة العلماء التكفين في الحرير مطلقا. قال ابن المنذر: ولا أحفظ خلافه. وقولها: ليس فيها قميص ولا عمامة معناه لم يكفن في قميص ولا عمامة وإنما كفن في ثلاثة أثواب غيرهما ولم يكن مع الثلاثة شيء آخر هكذا فسره الشافعيّ وجمهور العلماء وهو الصواب الّذي يقتضيه الجزء: 14 ¦ الصفحة: 576 وأخرجه البخاري [ (1) ] ولم يذكر قول عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، اما الحلة إلى آخر الحديث ولم يذكر قصة عبد اللَّه بن أبي بكر في شيء من طريق هذا الحديث.   [ () ] ظاهر الحديث قالوا: ويستحب أن لا يكون في الكفن قميص ولا عمامة وقال مالك وأبو حنيفة: يستحب قميص وعمامة. وتأولوا الحديث على أن معناه ليس القميص والعمامة من جملة الثلاثة، وإنما هما زائدان عليهما وهذا ضعيف فلم يثبت أنه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في قميص وعمامة وهذا الحديث يتضمن أن القميص الّذي غسل فيه النبي صلى اللَّه عليه وسلم نزع عنه عند تكفينه وهذا هو الصواب الّذي لا يتجه غيره، لأنه لو بقي مع رطوبته لأفسد الأكفان وأما الحديث الّذي في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب: الحلة وثوبان وقميصه الّذي توفي فيه فحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به لأن يزيد بن أبي زياد أحد رواته مجمع على ضعفه لا سيما وقد خالف بروايته الثقات. قوله (من كرسف) هو القطن وفيه دليل على استحباب كفن القطن. قولها: (أما الحلة فإنما شبه على الناس فيها) هو بضم الشين وكسر الباء المشددة ومعناه اشتبه عليهم قال أهل اللغة ولا تكون الحلة إلا ثوبين إزارا ورداء. قولها: (حلة يمنية كانت لعبد اللَّه بن أبي بكر) ضبطت هذه اللفظة في مسلم على ثلاثة أوجه حكاها القاضي وهي موجودة في بعض النسخ أحدها يمنية بفتح أوله منسوبة إلي اليمن والثاني يمانية منسوبة إلى اليمن أيضا والثالث يمنة بضم الياء وإسكان الميم وهو أشبه قال القاضي وغيره: وهي على هذا مضاف حلة يمنة قال الخليل: هي ضرب من برود اليمن. قولها (وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية) هكذا هو في جميع الأصول سحول أما يمانية فبتخفيف الياء على اللغة الفصيحة المشهورة وحتى سيبويه والجوهري وغيرهما لغة في تشديدها ووجه الأول أن الألف بدل ياء النسب فلا يجتمعان بل يقال يمنية أو يمانية بالتخفيف. وأما قوله سحول فبضم السين وفتحها والضم أشهر والسحول بضم السين جمع سحل وهو ثوب القطن. قولها (سجى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين مات بثوب حبرة) معناه غطى جميع بدنه والحبرة بكسر الحاء وفتح الباء الموحدة وهي ضرب من برود اليمن، وفيه استحباب تسجية الميت وهو مجمع عليه، وحكمته صيانته من الانكشاف وستر عورته المتغيرة عن الأعين قال أصحابنا ويلف طرف لثوب المسجى به تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف عنه. قالوا: تكون التسجية بعد نزع ثيابه التي توفي فيها لئلا يتغير بدنه بسببها. [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 174، كتب الجنائز، باب (18) الثياب البيض للكفن، حديث رقم (1264) ، (1271) (1272) ، (1273) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 577 وخرج مسلم من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أدرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حلة يمنة كانت لعبد اللَّه ابن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص فرفع عبد اللَّه الحلة فقال: أكفن فيها ثم قال: لم يكفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأكفن فيها! فتصدق بها [ (1) ] . وخرج أبو داود من حديث يحيي بن سعيد، عن هشام، قال: أخبرني أبي، أخبرتني عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض ليس فيها قميص ولا عمامة [ (2) ] . وخرج النسائي من حديث حفص بن غياث، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة، قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قولهم: في ثوبين وبرد حبرة؟ فقالت: قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيهم [ (3) ] . وخرج البخاري في باب الكفن بغير قميص من حديث سفيان، عن هشام ابن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحول كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة [ (4) ] . قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قولهم في ثوبين   [ (1) ] سبق تخريجه. [ (2) ] (سنن أبي داود) : 3/ 506- 507، كتاب الجنائز، باب (34) في الكفن، حديث رقم (3151) . قال ابن القيم: وقد حمل الشافعيّ قول عائشة: ليس فيها قميص ولا عمامة، على أن ذلك ليس بموجود في الكفن، وأن عدد الكفن ثلاثة أثواب، وحمله مالك على أنه ليس بمعدود من الكفن، وأنه يتحمل من ثلاثة الأثواب زيادة على القميص والعمامة، وقال ابن القصار: لا يستحب القميص ولا العمامة غير مالك في الكفن ونحوه عن أبي القاسم، وهذا خلاف ما حكي أصحابنا عن مالك. [ (3) ] (سنن النسائي) : 4/ 336، كتاب الجنائز، باب (39) كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (1898) ، وقد أخرجه من طريق أخرى بنحوه سواء حديث رقم (1896) ، (1897) . [ (4) ] (سبق تخريجه) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 578 وبرد من جبرة؟ فقالت: قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيهم [ (1) ] . وخرج البخاري في باب الكفن بغير قميص من حديث سفيان عن هشام ابن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحول كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة. ومن حديث يحيى عن هشام قال: حدثني أبي عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة [ (2) ] . وخرجه الترمذي [ (3) ] والنسائي من حديث حفظ عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض يمانية كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة. قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قولهم في ثوبين وبرد وحبره. قالت: قد أتي بالبرد، ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه. لم يقل الترمذي كرسف. وقال: حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- حديث صحيح وقد روى في كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم روايات مختلفة، وحديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أصح الأحاديث التي رويت في كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم والعمل على حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وغيرهم. قال سفيان الثوري: يكفن الرجل في ثلاثة أثواب: إن شئت في قميص ولفافتين. وإن شئت في ثلاث لفائف. ويجزئ ثوب واحد إن لم يجدوا ثوبين. والثوبان يجزيان. والثلاثة لمن وجدها أحب إليهم. وهذا قول الشافعيّ واحمد وإسحاق. قالوا: تكفن المرأة في خمسة أثواب [ (4) ] . وخرج مسلم من حديث محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة أنه قال: سألت عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم عنهم فقلت لها: في كم كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت: في ثلاثة أثواب سحولية.   [ (1) ] (سبق تخريجه) . [ (2) ] سبق تخريجه. [ (3) ] (سنن الترمذي) : 30/ 321، كتاب الجنائز، باب (20) ما جاء في كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (996) . [ (4) ] (المرجع السابق) : 322، حديث رقم 99970. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 579 وروي ابن أيمن من حديث حماد بن سلمة، عن عبيد اللَّه بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، عن محمد بن الحنفية، عن أبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سبعة أثواب. وخرج البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: حدثنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كفن في ثلاثة أثواب، أحدها برد حبرة، وأنهم لحدوا له في القبر، ولم يشقوه. وقال البيهقي هكذا روي عن مقسم، عن ابن عباس وفيما روينا عن عائشة، وبيان سبب الاشتباه على الناس، وأن الحبرة أخرت عنه. وخرج من طريق يونس، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، قال: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية، برود، يمنيه، غلاظ، إزار، ورداء، أو لفافة. وأخبرنا عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قالا: حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرواسي، عن حسن بن صالح عن هارون بن سعد قال: حدثنا حميد ابن عبد الرحمن الرواسي، عن حسن بن صالح، عن هارون بن سعد قال: كان عند علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مسك، فأوصى أن يحنط به، قال: وقال علي: هو فضل حنوط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، هذا حديث الدورقي، وفي رواية إبراهيم: قال هارون بن سعد، عن أبي وائل، قال: كان عند علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مسك- فذكره [ (1) ] . وقال ابن عائد: حدثنا الوليد قال: أخبرنى سعيد بن بشير، عن قتادة من سعيد بن المسيب قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ملايتين بيضاوين وبرد نجراني. قال الوليد: وأما أبو عمرو فإنه أخبرني عن ابن شهاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في برد حبره ثم اخر عنه. قال القاسم: ان لقينا ذلك البرد لعندنا بعد. وقال الواقدي: حدثني عبيد اللَّه بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه عن عمرة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 248- 249. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 580 عنها- قال: اشتري لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حلة حبرة ليكفن فيها بتسعة دنانير ونصف، ثم بدا لهم أن يتركوها فابتاعها عبد اللَّه بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وهو يومئذ مجروح جرح بالطائف وقد كاد الجرح أن يبرأ، وهو قد دمل عليه بعد، فلما كان في خلافة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- التأم الجرح فحضره الموت فقال لما تكفنوني فيها فلو كان فيها خير لكفن فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت عائشة: فبيعه بعد ذلك باليمن وكفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية قال ابن زياد كل ثوب أبيض فهو سحولي. قال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه بإسناده قال: فغسلوه ثم كفن في برد واحد يماني وربطتين، ثم كفن فيهما. وقال: عن محمد بن عبيد بن عطاء قال في رسالته: فيما بلغك عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كفن؟ فقال: كفن في ثوبين غسيلين كذلك كنت أسمعهم يذكرون، وزعم أن كذلك كفن أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في ثوبين غسيلين، لم يذكر بردا. قال: سبق عن سعيد بن عبد اللَّه عن بن أبي ملكية عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: بعث إلينا عبد الرحمن بثوبين فأردنا أن نكفنه فيهما ثم ترك لقوله صلى اللَّه عليه وسلم بياض أو كرسف اليمن، يكفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثوبين أبيضين غسيلين. ذكر ما جاء في الصلاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال ابن عبد البر: أمّا صلاة الناس عليه أفرادا، مجتمع عليه عند أهل السير وجماعة أهل النقل ما يختلفون فيه. وقال الواقدي: كان السرير ألواحا، وأما العمودان فإنّهما أحدثا، وكانوا يقولون في السرير: إنه كان لأم مسلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أو لأم حبيبة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فاشتراه الإسحاقيون موالي معاوية بأربعة آلاف درهم، والألواح غرب. حدثني عباس بن سهل عن أبيه عن جده، قال: لما أدرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أكفانه وضع على سريره، ثم وضع شفير حفرته، ثم كان الناس يدخلون عليه رفقا رفقا لا يؤمهم أحد. حدثني محمد عن الزهري عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى الجزء: 14 ¦ الصفحة: 581 عنها- وابن أبي سبرة عن عباس بن عبد اللَّه بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: أول من صلي عليه العباس بن عبد المطلب وبنوه، ثم خرجوا، ثم دخل عليه المهاجرون، ثم الأنصار رفقا رفقا، فلما انقضى الناس دخل عليه الصبيان صفوفا، ثم النساء. حدثني عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: أول من صلي عليه العباس بن عبد المطلب وبنو هاشم، ثم خرجوا، ثم دخل عليه المهاجرون ثم الأنصار رفقا رفقا، فلما انقضى الناس دخل عليه الصبيان صفوفا، ثم النساء. حدثني عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن أمه قال: كنت فيمن دخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على سريره فكنا صفوفا ندعوا ونصلي ولقد رأينا أزواجه وقد وضعن الجلابيب عن رءوسهن في صدروهن، ونساء الأنصار يعزين الوجوه، قد بحت حناجرهن من الصباح. حدثني بن أبي سبرة عن عباس بن عبد اللَّه بن معبد عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس من يوم الاثنين إلى أن زاغت الشمس يوم الثلاثاء، فصلى الناس عليه وسريره على شفير قبره، فلما أرادوا أن يغيروه نحو السرير قبل رجليه فأدخل من هناك، ودخل في حفرته العباس بن عبد المطلب والفضل بن عباس وقثم بن العباس وعليّ وشقران- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق، قال: حدثني السحيم بن عبد اللَّه ابن عبيد اللَّه بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: لما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا، حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالا لم يؤمهم أحد. وقال البيهقي: قال الواقدي حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم قال: وجدت كتابا بخط أبي فيه: أنا لما كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ووضع على سريره دخل أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار وقدر ما يسع البيت، فقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، وسلم المهاجرون والأنصار، كما سلم أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ثم صفوا صفوفا لم يؤمهم عليه أحد فقال الجزء: 14 ¦ الصفحة: 582 أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وهما في الصف الأول: حياك اللَّه يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. اللَّهمّ إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه ونصح الأمة، وجاهد في سبيل اللَّه حتى أعز اللَّه تبارك وتعالى دينه، وتمت كلمته وحده لا شريك له وأنزل معه ما جمع بيننا وبينه، حتى يعرفه بنا ويعرفنا به، فإنه كان بالمؤمنين رحيما لا يبتغى للإيمان بدلا ولا يشترى به ثمنا أبدا، فيقول الناس آمين آمين، ويخرجون ويدخل آخرون، حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان. وقال ابن عائد. حدثنا الوليد قال: أخبرني من سمع إسماعيل بن أميه يتحدث عن سعيد بن المسيب قال: إن المسلمين لما أرادوا الصلاة على نبيهم اجتمع رأيهم على أنه الإمام ولا إمام عليه، فدخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكبر عليه أربعا، ثم دخل عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكبر أربعا، ثم دخل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكبر أربعا، ثم دخل طلحة بن عبيد اللَّه والزبير بن العوام- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ثم تتابعا الناس أرسالا يكبرون عليه ولا إمام لهم عليه. حدثنا الوليد بن محمد عن ابن شهاب الزهري قال: وضعوه صلى اللَّه عليه وسلم في البيت فدخل الناس عليه أفواجا: الرجال، والنساء، والصبيان، يصلون عليه، ثم يخرجون لا يؤمهم عليه إمام. حدثنا الوليد بن مسلم قال: وحدثني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: إن علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- أشار عليهم بذلك فقبلوه من قوله. وقال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه عن عطاء وابن أبي مليكة كلاهما عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قال: ثم صلوا عليه وأدنو الناس أرسالا وهو في البيت، فجعلوا يصلون حوله على غير إمام ثم يستغفرون ويصلون ويسلمون لا يعجلهم أحد، ويدخل قوم ويخرج آخرون عامة يوم وليلة وعن سعيد بن عبد اللَّه عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: ما امتنعوا من الصلاة عليه في غير حين صلاة إلى الليل. وعن أبي سلام عن ابن محريز قال: إن معاذ بن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أوصى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالصلاة حتى يصلي، وذلك آخر ما وصى عليه وتكلم به الصلاة وصيته اللَّه ووصية الرسول، فاحفظوا وصية اللَّه ووصية الرسول يحببكم اللَّه إلى خلقه، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إذا هجرتموني الجزء: 14 ¦ الصفحة: 583 فأمسكوا عني، فإنّ أول الخلق يصلي عليّ جبريل، والملائكة عليهم الصلاة والسلام بأسرها، ثم مسلمي الإنس والجن، فصلوا علي أفواجا، وليبدأ أفواجكم العباس عمي ثم الأفواج علي الولاء الأول فالأول، فدخل العباس بن عبد المطلب وسائر بني هاشم، وفيهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فلما فرغ الرجال جاءت النساء، فلما فرغن جاء الصبيان، فلم ير الناس بعد صلاة النساء على الجنازة ناسا، وكان الآخر من الأمر هو الناسخ للأول. وعن محمد بن إسحاق قال: حدثني [ ... ] [ (1) ] عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: فترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقية يوم الاثنين وليلة الثلاثاء، وغسل يوم الثلاثاء. وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: توفي صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين، وغسل يوم الاثنين، ودفن ليلة الثلاثاء في جوف الليل، ومات أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ليلة الثلاثاء، وصلي عليه في المسجد ودفن ليلته، وصلي عليه عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وعن يحي بن سعيد بن عمرة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثل ذلك، وقالت: ما علمنا بدفنه الا بأصوات المساحي [ (2) ] بالليل.   [ (1) ] غير واضح بالأصل، ولم أجده في ما بين يدي من كتب السيرة، وسيرد ما يغني عنه. [ (2) ] المساحي: جمع مسحاة، وهي المجرفة من الحديد، والميم زائدة، لأنه من السحو، وهو الكشف والإزالة. (لسان العرب) : 2/ 598. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 584 ذكر ما جاء في مواراة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في لحده حيث دفن، وما فرش تحته، ومن واراه. خرج مسلم من حديث إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: إن سعد بن أبي وقاص قال في مرضه الّذي هلك فيه: ألحدوا إلي لحدا أنصبوا عليّ اللبن نصبا كما صنع برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وخرجه النسائي من طريق إسماعيل بن محمد، عن عامر بن سعد قال: إن سعدا لما حضرته الوفاة قال: ألحدوا لي لحدا وانصبوا كما صنع برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . وخرج من حديث أبي بكر بن أبي شيبة ووكيع جميعا عن شعبة من حديث يحي بن سعيد قال شعبة: حدثنا أبو حمزة نصر بن عمران البصري عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: جعل تحت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قطيفة حمراء [ (3) ] . قال النسائي: وأبو حمزة عمران بن عطاء ليس بالقويّ وأبو حمزه نصر ابن عمران بصري ثقة، وكلاهما يروى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. وخرج الترمذي من حديث عثمان بن فرقد قال: سمعت جعفر بن محمد، عن أبي أن الّذي ألحد قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبو طلحة. الّذي ألقى القطيفة تحته شقران مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال جعفر: وأخبرنى أن عبيد اللَّه بن أبي رافع قال: سمعت شقران يقول: أنا واللَّه طرحت القطيفة تحت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في   [ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 37، كتاب الجنائز، باب (29) اللحد ونصب اللبن على الميت، حديث رقم (966) . [ (2) ] (سنن النسائي) : 4/ 384، كتاب الجنائز، باب (85) اللحد والشق، حديث رقم (2007) . وزاد ابن سعد في طبقاته قال وكيع: هذا للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خاصة، وله عن الحسن أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بسط تحته شملة قطيفه حمراء كان يلبسها قال: وكانت أرض ندية، وله من طريق أخرى عن الحسن قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: افرشوا لي قطيفتي في لحدي فإن الأرض لم تسلط على أجساد الأنبياء. [ (3) ] (المرجع السابق) : 386، باب (88) وضع الثوب في اللحد، حديث رقم (2011) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 585 القبر. قال أبو عيسى: حديث شقران حديث حسن غريب، وروى علي بن المديني عن عثمان بن فرقد هذا الحديث [ (1) ] . قال: وقد روى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أنه كره أن يلقى تحت الميت في القبر شيء وإلي هذا ذهب بعض أهل لعلم. وخرجه الامام أحمد وقال في آخره: وقال وكيع: هذا للنّبيّ خاصة. وقال هيثم عن منصور عن الحسن قال: جعل في قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قطيفة حمراء، كان أصابها يوم خيبر [ (2) ] قال: جعلوها لأن المدينة أرض سبخة. وأخرجه الحارث بن أبي أسامة من حديث الواقدي أخبرنا محمد بن عمر، حدثني موسي بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبيه قال: نزل في حفرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم علي والفضل بن العباس، والعباس وأسامة بن زيد وأوس بن خولي. وقال الواقديّ: حدثني عبد اللَّه بن محمد بن عمر عن أبيه عن جده عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: نزل في حفرته صلى اللَّه عليه وسلم العباس، والفضل وعليّ، وأسامة، وأوس بن خولي بن عبد اللَّه بن الحارث بن عبيد بن مالك بن الجبليّ، وهو سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج. قالوا. وبني عليه في اللحد اللبن وهي تسع لبنات وطرح في لحده سمك قطيفة كان سلبها، فلما أفرغوا من بناء اللحد خرجوا وهالوا التراب على لحده صلى اللَّه عليه وسلم. وقال ابن عائذ حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى قال: جعلوا في لحد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تحته قطيفة بيضاء كان يجعلها على رجله إذا سافر لتقيه خم المدينة، وبنوا عليه اللبن بنيانا كبناء القباب حتى لحق البناء بجار القبر. قال الوليد: وأنبأنا عبد اللَّه بن زياد وأخبره عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنهم نصبوا على لحده اللبن [ (3) ] .   [ (1) ] (سنن الترمذي) : 3/ 365، كتاب الجنائز، باب (55) ما جاء في الثوب الواحد يلقى تحت الميت، حديث رقم (1047) . [ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 378، حديث رقم (2022) ، وحديث رقم (3331) ، من مسند عبد اللَّه بن عباس. [ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 301. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 586 وقال سيف: عن جابر بن يزيد عن محمد بن علي بن الحنيفة قال: دخل القبر العباس وعليّ والفصل وعبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وكان بعض الأخوال يدخل مع العمومة القبر. وقال: عن وائل بن داود عن يزيد النهي قال: دخل قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم أربعة: العباس، وعلي، والفصل، وعبد الرحمن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وعن ياسين الزهري قال أربعة، وذكر عبد الرحمن بن عوف. وعن ابن إسحاق قال: حديث أنه نزل في حفرته صلى اللَّه عليه وسلم تلك الليلة العباس، وعلي، والفصل، وقثم، وصالح، وشقران، وأوس بن خولي خامسهم. قال الواقديّ في (المغازي) : حدثني عبد العزيز بن محمد عن عفر بن محمد عن أبيه قال: جعل بيت قبره شبرا، يعنى ارتفاعه. حدثني موسى بن محمد عن أبيه قال: جعل قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسطوحا. حدثني هشام بن سعد عن عمرو بن عثمان بن هانئ قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: اطلعت علي القبور وأنا صغير فرأيت عليها حصباء حمراء وهذا يبين أنها مسطحة. قال سيف: حدثني مولى لآل طلحة عن موسى بن طلحة قال: كان قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسنما وقبور أهل أحد مسنمة. وقال الواقدي: حدثني عبد اللَّه ابن جعفر بن عوف عن أبي عتيق عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: رش على قبر النبي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الماء رشا قالوا: وكان الّذي رش الماء على قبره بلال بن رباح بقربة، بدأ من قبل رأسه من شقه الأيمن حتى انتهى إلى رجليه، ثم ضرب بالماء إلى الجدار لم يقدر على أن يدور من الجدار. حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما علمنا بدفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي في السحر ليلة الثلاثاء. وحدثني ابن أبي الرجال عن أبيه عن عبد الرحمن بن أفلح مولى أبي أيوب عن أبي أيوب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما كان في السحر ليلة الثلاثاء سمعت المساحي وأنا في منزلي فخررت سريعا فأجدهم قد سووا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. حدثني عبد اللَّه بن محمد عن أبيه عن جده عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وحدثني إسحاق بن محمد عن عبد الرحمن بن خويله عن ابن الجزء: 14 ¦ الصفحة: 587 المسيب وحدثني ابن أبي الزناد عن شريك عن أبي نمر عن أبي سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين حين زاغت الشمس ودفن يوم الثلاثاء تلك الساعة. وحدثني ابن أبي عباس سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء. وقال ابن عبد البر: وأما دفنه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الثلاثاء فمختلف فيه، فمن أهل العلم من يصحح ذلك، ومنهم من يقول: دفن ليلة الأربعاء، وقد جاء الوجهان في أحاديث بأسانيد صالحة. ذكر قول المغيرة بن شعبة: إنه آخر الناس عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال الواقدي: أخبرنا شريح بن النعمان، أخبرنا هشيم قال: أخبرنا مجالد، عن الشعبي، عن المغيرة بن شعبة قال: كان يحدثنا هاهنا، يعني بالكوفة، قال: أنا آخر الناس عهدا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، لما دفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وخرج عليّ من القبر ألقيت خاتمي، فقلت: يا أبا حسن خاتمي! قال: انزل فخذ خاتمك، فنزلت فأخذت خاتمي ووضعت خاتمي على اللبن ثم خرجت. أخبرنا شريح بن النعمان، أخبرنا هشيم عن أبي معشر قال: حدثني بعض مشيختنا قال: لما خرج عليّ من القبر ألقى المغيرة خاتمه في القبر وقال لعليّ: خاتمي: فقال علي للحسن بن علي: ادخل فناوله خاتمه ففعل. أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة، عن أبي عمران الجوني أخبرنا هشيم أنه شهد ذاك قال: لما وضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في لحده قال المغيرة ابن شعبة: إنه قد بقي من قبل رجليه شيء لو تصلحونه! قالوا: فادخل فأصلحه، فدخل فمسح قدميه صلى اللَّه عليه وسلم ثم قال: أهيلوا عليّ التراب! فأهالوا عليه التراب حتى بلغ أنصاف ساقية فخرج فجعل يقول: أنا أحدثكم عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. أخبرنا عبيد اللَّه بن محمد بن حفص التيمي قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة، عن عروة أنه قال: لما وضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في لحده ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في القبر، ثم قال: خاتمي خاتمي! فقالوا: ادخل فخذه! فدخل ثم قال: أهيلوا عليّ التراب، فأهالوا عليه التراب حتى بلغ أنصاف الجزء: 14 ¦ الصفحة: 588 ساقية فخرج، فلما سوي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أخرجوا حتى أغلق الباب فإنّي أحدثكم عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا: لعمري لئن كنت أردتها لقد أصبتها. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد، حدثني أبي، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود قال: آخر الناس عهدا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم في قبره المغيرة بن شعبة ألقي في قبره خاتمة، ثم قال: خاتمي! فنزل فأخذه وقال: ما ألقيته إلا لذلك. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن المغيرة بن شعبة ألقي في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد أن خرجوا خاتمه لينزل فيه، فقال علي بن أبي طالب: إنما ألقيت خاتمك لكي تنزل فيه فيقال نزل في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، والّذي نفسي بيده لا تنزل فيه أبدا. ومنعه. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه قال: قال علي بن أبي طالب: لا يتحدث الناس أنك نزلت فيه، ولا يتحدث الناس أن خاتمك في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ونزل علي وقد رأى موقعه فتناوله فدفعه إليه. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني حفص بن عمر، عن علي بن عبد اللَّه بن عباس قال: قلت زعم المغيرة بن شعبة أنه آخر الناس عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: كذب واللَّه! أحدث الناس عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قثم بن العباس كان أصغر من كان في القبر وكان آخر من صعد [ (1) ] .   [ (1) ] سبق تخريجه من (دلائل البيهقي) وغيره. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 589 فصل في ذكر نبذة مما رثي به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] قال ابن سيده [ (2) ] : رثيت الميت رثيا ورثاء ورثاية ورثاة ومرثية ورثيته مدحته بعد الموت. ورثت المرأة بعلها رثته ورثيته ترثاه. وامرأة رثّاءة ورثاية كثيرة الرثاء لبعلها أو لغيره ممن يكون عندها، ويقال: رثاه الرجل رثاء مدحه بعد موته لغة في رثيته ورثاة المرأة زوجها كذلك وهي المرثية، قال حسان بن ثابت الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يبكي به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيما رواه أبو محمد عبد الملك بن هشام، عن أبي زيد الأنصاري: شعر حسان بن ثابت في رثاء الرسول صلى اللَّه عليه وسلم بطيبة رسم للرسول ومعهد ... منير وقد تعفو الرسوم وتهمد ولا تمتحي الآيات من دار حرمة ... بها منبر الهادي الّذي كان يصعد وواضح آثار وباقي معالم ... وربع له فيه مصلى ومسجد بها حجرات كان ينزل وسطها ... من اللَّه نور يستضاء ويوقد معارف لم تطمس على العهد آيها ... أتاها البلى فالآي منها تجدد عرفت بها رسم الرسول وعهده ... وقبرا بها واراه في الترب ملحد ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت ... عيون ومثلاها من الجفن تسعد يذكرن آلاء الرسول وما أرى ... لها محصيا نفسي فنفسي تبلد مفجعة قد شفها فقد أحمد ... فظلت لآلاء الرسول تعدد وما بلغت من كل أمر عشيرة ... ولكن لنفسي بعد ما قد توجد أطالت وقوفا تذرف العين جهدها ... على طلل القبر الّذي فيه أحمد   [ (1) ] يراجع في ذلك (طبقات ابن سعد) : 2/ 319 وما بعدها، (البداية والنهاية) لابن كثير: 5/ 301 وما بعدها، (عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسّير) لابن سيد الناس: 2/ 340 وما بعدها، (تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس، للدياربكري) : 2/ 173، (سيرة ابن هشام) : 6/ 89 وما بعدها، أبواب ما جاء في رثاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم. [ (2) ] رثيت الميت رثيا، ورثاء، ورثاية- بكسرهما- ومرثاة، ومرثية- مخففة- ورثوته: بكيته وعدّدت محاسنه، كرثّيته ترثية. وترثيته ونظمت فيه شعرا وحديثا عنه. (ترتيب القاموس) : 2/ 304. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 590 فبوركت يا قبر الرسول وبوركت ... بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد وبورك لحد منك ضمن طيبا ... عليه بناء من صفيح منضد تهيل عليه الترب أيد وأعين ... عليه وقد غارت بذلك أسعد لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة ... عشية علوة الثرى لا يوسد وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم ... وقد وهنت منهم ظهور وأعضد يبكون من تبكى السموات يومه ... ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد وهل عدلت يوما رزية هالك ... رزية يوم مات فيه محمد؟! تقطع فيه منزل الوحي عنهم ... وقد كان ذا نور يغور وينجد يدل على الرحمن من يقتدى به ... وينقذ من هول الخزايا ويرشد إمام لهم يهديهم الحق جاهدا ... معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا عفو عن الزلات يقبل عذرهم ... وإن يحسنوا فاللَّه بالخير أجود وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله ... فمن عنده تيسير ما يتشدد فبينا هم في نعمة اللَّه بينهم ... دليل به نهج الطريقة يقصد عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى ... حريص على أن يستقيموا ويهتدوا عطوف عليهم لا يثني جناحه ... إلى كنف يحنو عليهم ويمهد فبينا هم في ذلك النور إذ غدا ... إلى نورهم سهم من الموت مقصد فأصبح محمودا إلى اللَّه راجعا ... يبكيه حتى المرسلات ويحمد وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها ... لغيبة ما كانت من الوحي تعهد قفارا سوى معمورة اللحد ضافها ... فقيد يبكينه بلاط وغرقد ومسجده فالموحشات لفقده ... خلاء له فيه مقام ومقعد وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت ... ديار وعرصات وربع ومولد فبكي رسول اللَّه يا عين عبرة ... ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد ومالك لا تبكين ذا النعمة التي ... على الناس منها سابغ يتغمد فجودي عليه بالدموع وأعولي ... لفقد الّذي لا مثله الدهر بوجد وما فقد الماضون مثل محمد ... ولا مثله حتى القيامة يفقد أعف وأوفي ذمة بعد ذمة ... وأقرب منه نائلا لا ينكد وأبذل منه للطريف وتالد ... إذا ضن معطاء بما كان يتلد وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى ... وأكرم جدا أبطحيا يسود وأمنع ذروات وأثبت في العلا ... دعائم عز شاهقات تشيد وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا ... وعودا غذاه المزن فالعود أغيد الجزء: 14 ¦ الصفحة: 591 رباه وليدا فاستتم تمامه ... على أكرم الخيرات رب ممجد تاهت وصاة المسلمين بكفه ... فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند أقول ولا يلقى لقولي عائب ... من الناس إلا عازب العقل مبعد وليس هواي نازعا عن ثنائه ... لعلي به في جنة الخلد أخلد مع المصطفى أرجو بذاك جواره ... وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد قال حسان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أيضا. رسول اللَّه (ص) الرسول ما بال عينك لا تنام كأنما ... كحلت مآقيها بكحل الأرمد جزعا على المهدي أصبح ثويا ... يا خير من وطئ الحصى لا تبعد وجهي يقيك الترب لهفي ليتني ... غيبت قبلك في بقيع الغرقد بأبي وأمي من شهدت وفاة ... في يوم الاثنين النبي المهتدي فظلت بعد وفاته متبلدا ... متلددا يا ليتني لم أولد أأقيم بعدك بالمدينة بينهم ... ياليتنى صبحت سم الأسود أو حل أمر اللَّه فينا عاجلا ... في روحة من يومنا أو من غد فتقوم ساعتنا فنلقي طيبا ... محضا ضرائبه كريم المحتد يا بكر آمنة المبارك بكرها ... ولدته محصنة بسعد الأسعد نورا أضاء على البرية كلها ... من يهد للنور المبارك يهتدى يا رب فاجمعنا معا ونبينا ... في جنة تثني عيون الحسد في جنة الفردوس فاكتبها لنا ... يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد واللَّه أسمع ما بقيت بهالك ... إلا بكيت على النبي محمد يا ويح أنصار النبي ورهطه ... بعد المغيب في سواء الملحد ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا ... سودا وجوههم كلون الإثمد ولقد ولدناه وفينا قبره ... وفضول نعمته بنا لم نجحد واللَّه أكرمنا به وهدى به ... أنصاره في كل ساعة مشهد صلى الإله ومن يحف بعرشه ... والطيبون على المبارك أحمد الجزء: 14 ¦ الصفحة: 592 وقال حسان بن ثابت أيضا: نب المساكين أن الخير فارقهم ... مع النبي تولى عنهم سحرا من ذا الّذي عنده رحلي وراحلتي ... ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا أم من نعاتب لا نخشي جنادعه ... إذ اللسان عتا في القول أو عثرا كان الضياء وكان النور نتبعه ... بعد الإله وكان السمع والبصرا فليتنا يوم واروه بملحده ... وغيبوه وألقوا فوقه المدرا لم يترك اللَّه منا بعده أحدا ... ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا ذلت رقاب بني النجار كلهم ... وكان أمرا من أمر اللَّه قد قدرا واقتسم الفيء دون الناس كلهم ... وبددوه جهارا بينهم هدرا وقال حسان بن ثابت يبكي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أيضا: آليت ما في جميع الناس مجتهدا ... مني ألية بر غير إفناد تاللَّه ما حملت أنثى ولا وضعت ... مثل الرسول نبي الأمة الهادي ولا برا اللَّه خلقا من بريته ... أوفى بذمة جار أو بميعاد من الّذي كان فينا يستضاء به ... مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد أمسى نساؤك عطلن البيوت فما ... يضربن فوق قفا ستر بأوتاد مثل الرواهب يلبسن المباذل قد ... أيقن بالبؤس بعد النعمة البادي يا أفضل الناس إني كنت في نهر ... أصبحت منه كمثل المفرد الصادي قال الواقدي في (مغازيه) قال ابن الزياد: سألت شيوخنا من الأنصار هل رثى حسان بن ثابت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالوا: هل حسان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لم لما يرث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما أدرى ما أقول فيه! الأمر أجل من ذاك. وفي رواية أنه قال: حلت المصيبة من المرثية وقال ابن أبي الزياد: وجدت هذه الأشعار في كتاب موسي بن سعيد بن زيد بن ثابت. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 593 قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يرثي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يا عيني فابكي ولا تسأمي ... وحق البكاء على السيد! علي خير خندف عند البلاء ... أمسى بغيب في الملحد فصلى المليك ولي العباد ... ورب البلاد على أحمد فكيف الحياة لفقد الحبيب ... وزين المعاشر في المشهد؟ فليت الممات لنا كلنا ... وكنا جميعا مع المهتدي قال أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يبكي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما رأيت نبينا متجدلا ... ضاقت عليّ بعرضهن الدور وأرتعت روعة مستهام واله ... والعظم مني واهن مكسور اعتيق ويحك! إن حبك قد ثوى ... وبقيت منقردا وأنت حسير ياليتنى من قبل مهلك صاحبي ... غيبت في جدث عليّ صخور! فلتحدثن بدائع من بعده ... تعيا بهن حوائج وصدور قال أيضا: - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- باتت تأوبني هموم ... حشد ... مثل الصخور فأمست هدت الجسدا ياليتنى حيث نبئت الغداة به ... قالوا الرسول قد أمسى ميتا فقدا ليت القيامة قامت بعد مهلكه ... ولا نرى بعده مالا ولا ولدا! واللَّه اثني على شيء فجعت به ... من البرية حتى أدخل اللحدا كم لي بعدك من هم يصبى ... إذا تذكرت أنى لما أراك بدا! كان المصطفى في الأخلاق قد علموا ... وفي العفاف فلم نعدل به أحدا نفسي فداؤك من ميت ومن بدن ... ما أطيب الذكر والأخلاق والجسدا! قال الصوري قلت: هذه الأقطاع مصنوعة قبيحة الصنعة وتلك الألفاظ والحال فيها أظهر من أن يدل عليها، وقد ذكرها محمد بن إسحاق في كتابه أيضا وذكر غيرها ولو كنا جميعا من ذكرها لكان أجمل بها من إضافتها مثل هذا الشعر مع ركاكة ألفاظه وخلوة من المعاني كلها إلى الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو من قريش الموصوفين بالبلاغة والفصاحة المعروفين بالجزالة والرجاحة يرضي لنفسه بإضافة مثل هذا إليه عقله وفضله بإيمان ذلك عليه، وكان الواقدي لم يذكر شيئا من شعر حسان بما رثى به النبي صلى اللَّه عليه وسلم على قول ابن أبي الزياد وما حكاه عن شيوخ الأنصار فأحرى به ألا يذكر شيئا عن الجزء: 14 ¦ الصفحة: 594 أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- للحديث المأثور، والفعل المشهور، عن الزهري، عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: واللَّه ما قال أبي شعرا في جاهلية ولا إسلام. في قصة طويلة [ (1) ] . وأخرج البخاري هذا الحديث في كتابه (الصحيح) ومثل هذا الحديث عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كذب من أخبركم أن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بيت شعر في الإسلام، رواه البخاري عن ابن المتوكل، عن عبد الرزاق. ثم قال: وأنشدنا هشام بن محمد الكلبي عن عثمان بن عبد الملك أن عمران بن بلال بن عبد اللَّه بن أنيس قال سمعتها من مشيختنا قال: قال عبد اللَّه بن أنيس يرثى النبي صلى اللَّه عليه وسلم: تطاول ليلى واعترتني القوارع ... وخطب جليل للبلية جامع! غداة نعى الناعي إلينا محمدا، ... وتلك التي تصطك منها المسامع فلو رد ميتا قتل نفسي قتلتها! ... ولكنه لا يدفع الموت دافع فآليت لا أثنى على هلك هالك ... من الناس، ما أوفى ثبير وفارع ولكنني باك عليه ومتبع ... مصيبته، إني إلى اللَّه راجع! وقد قبض اللَّه النبيين قبله، ... وعاد أصيبت بالرزى والتبايع فيا ليت شعرى! من يقوم بأمرنا؟ ... وهل في قريش من إمام ينازع؟ ثلاثة رهط من قريش هم هم ... أزمة هذا الأمر، واللَّه صانع علي أو الصديق أو عمر لها، ... وليس لها بعد الثلاثة رابع! فإن قال منا قائل غير هذه ... أبينا، وقلنا: اللَّه راء وسامع فيا لقريش! قلدوا الأمر بعضهم، ... فإن صحيح القول للناس نافع ولا تبطئوا عنها فواقا فإنّها ... إذا قطعت لم يمن فيها المطامع   [ (1) ] شعر أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في رثاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذكر ابن سعد في (الطبقات) : 2/ 319- 321 ، كما أثبتناه من (الأصل) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 595 قال أبو عمرو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يرثي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا عين فابكى بدمع ذري ... لخير البرية والمصطفى! وابكي الرسول! وحق البكاء ... عليه، لدى الحرب عند اللقا! على خير من حملت ناقة، ... وأتقى البرية عند التقى على سيد ماجد جحفل، ... وخير الأنام وخير اللها! له حسب فوق كل الأنام ... من هاشم ذلك المرتجى نخص بما كان من فضله، ... وكان سراجا لنا في الدجى! وكان بشيرا لنا منذرا، ... ونورا لنا ضوءه قد أضا فأنقذنا اللَّه في نوره، ... ونجى برحمته من لظى! قالت أروى بنت عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: [ (1) ] ألا يا عين! ويحك أسعديني ... بدمعك، ما بقيت، وطاوعيني ألا يا عين ويحك! واستهلي ... علي نور البلاد وأسعديني!   [ (1) ] أروى بنت عبد المطلب بن هاشم الهاشمية، عمة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال أبو عمر: كانت تحت: عمير بن وهب بن عبد بن قصي، فولدت له. طليبا، ثم خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فولدت له أروى. وحكى أبو عمر عن محمد بن إسحاق- أنه لم يسلم من عمات النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلا صفية، وتعقبه بقصة أروى، وذكرها العقيلي في الصحابة، وأسند عن الواقدي، عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبيه، قال: لما أسلم طليب بن عمير دخل على أمه أروى بنت عبد المطلب، فقال لها: قد أسلمت وتبعت محمدا فذكر قصة فيها: وما يمنعك أن تسلمي، فقد أسلم أخوك حمزة. فقالت: انظر ما يصنع أخواي قال: قلت: فإنّي أسألك باللَّه إلا أتيته فسلمت عليه وصدقته. قالت: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا رسول اللَّه، ثم كانت تعضد النبي صلى اللَّه عليه وسلم بلسانها، وتحض ابنها على نصرته والقيام بأمره. وقال ابن سعد: أسلمت، وهاجرت إلى المدينة. وأخرج عن الواقدي بسند له إلى برة بنت أبي تجراة، قالت: عرض أبو جهل وعدة معه للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فآذوه، فعمد طليب بن عمير إلى أبي جهل فضربه فشجه، فأخذوه، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 596 فإن عذلتك عاذلة فولي: ... علام وفيم، ويحك! تعذليني؟ على نور البلاد معا جميعا ... رسول اللَّه أحمد فاتركيني فإلا تقصري بالعذل عني، ... فلومي ما بدا لك أو دعيني! لأمر هدني وأذل ركني، ... وشيب بعد جدتها قروني! وقالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ألا يا رسول اللَّه كنت رجاءنا، ... وكنت بنا برا ولم تك جافيا! وكنت بنا رءوفا رحيما نبينا، ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا! لعمرك ما أبكي النبي لموته! ... ولكن لهرج كان بعدك آتيا كان على قلبي لذكر محمد، ... وما خفت من بعد النبي المكاويا أفاطم صلى اللَّه، رب محمد، ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا! أبا حسن فارقته وتركته ... فبكّ بحزن آخر الدهر شاجيا! فدى لرسول اللَّه أمي وخالتي ... وعمي ونفسي قصرة ثم خاليا صبرت وبلغت الرسالة صادقا، ... وقمت صليب الدين أبلج صافيا! فلو أن رب الناس أبقاك بيننا ... سعدنا، ولكن أمرنا كان ماضيا! عليك من اللَّه السلام تحية، ... وأدخلت جنات من العدن راضيا!   [ () ] فقام أبو لهب في نصرته، وبلغ أروي، فقالت: إن خير أيامه نصر ابن خاله، فقيل لأبي لهب: إن أروى صبت، فدخل عليها يعاتبها، فقالت: قم دون ابن أخيك، فإنه إن يظهر كنت بالخيار، وإلا كنت قد أعذرت في ابن أخيك، فقال أبو لهب: ولنا طاقة بالعرب قاطبة؟ إنه جاء بدين محدث. قال ابن سعد: ويقال إن أروى قالت: إن طليبا نصر ابن خاله ... واساه في ذي دمه وماله. وذكر محمد بن سعد أن أروى هذه رثت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأنشد لها من أبيات: ألا يا رسول اللَّه كنت رجاءنا ... وكنت بنا برا ولم تك جافيا كأن على قلبي لذكر محمد ... وما جمعت بعد النبي المجاويا (الإصابة) : 7/ 480- 481، ترجمة رقم (10785) . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 597 وقالت عاتكة بنت عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: عيني جودا طوال الدهر وانهمرا ... سكبا وسحا بدمع غير تعذير! يا عين فاستحضري بالدمع واحتفلي ... حتى الممات بسجل غير منزور يا عين فانهملي بالدمع واجتهدي ... للمصطفى، دون خلق اللَّه، بالنور بمستهل من الشؤبوب ذي سيل، ... فقد رزئت نبي العدل والخير! وكنت من حذر للموت مشفقة، ... وللذي خط من تلك المقادير! من فقد أزهر ضافي الخلق ذي فخر ... صاف من العيب والعاهات والزور! فاذهب حميدا! جزاك اللَّه مغفرة، ... يوم القيامة، عند النفخ في الصور قالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا عين جودي، ما بقيت، بعبرة ... سحا على خير البرية أحمد يا عين فاحتفلي وسحي واسجمي ... وابكي على نور البلاد محمد! أني، لك الويلات! مثل محمد ... في كل نائبة تنوب ومشهد؟ فابكي المبارك والموفق ذا التقى، ... حامي الحقيقة ذا الرشاد المرشد من ذا يفك عن المغلل غله ... بعد المغيب في الضريح الملحد؟ أم من لكل مدفع ذي حاجة، ... ومسلسل يشكو الحديد مقيد؟ أم من لوحي اللَّه يترك بيننا ... في كل ممسى ليلة أو في غد؟ فعليك رحمة ربنا وسلامه، ... يا ذا الفواضل والندى والسؤدد! هلا فداك الموت كل ملعن ... شكى خلائقه لئيم المحتد؟ قالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أعيني جودا بالدموع السواحم ... على المصطفى بالنور من آل هاشم على المصطفى بالحق والنور والهدى ... وبالرشد بعد المندبات العظائم وسحا عليه وابكيا، ما بكيتما، ... على المرتضى للمحكمات العزائم على المرتضى للبر والعدل والتقي، ... وللدين والإسلام بعد المظالم على الطاهر الميمون ذي الحلم والندى ... وذي الفضل والداعي لخير التراحم أعيني ماذا، بعد ما قد فجعتما ... به، تبكيان الدهر من ولد آدم؟ فجودا بسجل واندبا كل شارق ... ربيع اليتامى في السنين البوازم! الجزء: 14 ¦ الصفحة: 598 قالت صفية بنت عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: لهف نفسي! وبت كالمسلوب ... آرق الليل فعله المحروب! من هموم وحسرة رد فتني، ... ليت أني سقيتها بشعوب! حين قالوا: إن الرسول قد أمسى ... وافقته منية المكتوب! إذ رأينا أن النبي صريع، ... فأشاب القذال أي مشيب إذ رأينا بيوته موحشات، ... ليس فيهن بعد عيش حبيب أورث القلب ذاك حزنا طويلا، ... خالط القلب، فهو كالمرعوب ليت شعري! وكيف أمسى صحيحا ... بعد أن بين بالرسول القريب؟ أعظم الناس في البرية حقا، ... سيد الناس حبه في القلوب فإلى اللَّه ذاك أشكو! وحسبي ... يعلم اللَّه حوبتي ونحيبي! قالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أفاطم ابكي ولا تسأمي ... بصبحك، ما طلع الكوكب! هو المرء يبكي، وحق البكاء! ... هو الماجد السيد الطيب! فأوحشت الأرض من فقده، ... وأي البرية لا ينكب؟ فما لي بعدك حتى الممات ... إلا الجوى الداخل المنصب فبكي الرسول! وحقت له ... شهود المدينة والغيب! لتبكيك شمطاء مضرورة، ... إذا حجب الناس لا تحجب ليبكيك شيخ أبو ولدة ... يطوف بعقوته أشهب ويبكيك ركب إذا أرملوا، ... فلم يلف ما طلب الطلب وتبكي الأباطح من فقده، ... وتبكيه مكة والأخشب وتبكي وعيرة من فقده ... بحزن ويسعدها الميثب! فعيني مالك لا تدمعين؟ ... وحق لدمعك يستسكب! وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أعيني جودا بدمع سجم ... يبادر غربا بما منهدم أعيني فاسحنفرا واسكبا ... بوجد وحزن شديد الألم على صفوة اللَّه رب العباد. ... ورب السماء وبارى النسم الجزء: 14 ¦ الصفحة: 599 علي المرتضى للهدى والتقى، ... وللرشد والنور بعد الظلم على الطاهر المرسل المجتبى، ... رسول تخيره ذو الكرم وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أرقت فبت ليلي كالسليب ... لوجد في الجوانح ذي دبيب! فشيبي، وما شابت لداتي، ... فأمسي الرأس مني كالعسيب لفقد المصطفى بالنور حقا، ... رسول اللَّه، مالك من ضريب كريم الخيم أروع مضرحي ... طويل الباع منتجب نجيب! ثمال المعدمين وكل جار، ... ومأوى كل مضطهد غريب فإما تمس في جدث مقيما، ... فقد ما عشت ذا كرم وطيب! وكنت موفقا في كل أمر ... وفيما ناب من حدث الخطوب وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: عين جودي بدمعة تسكاب ... للنّبيّ المطهر الأواب واندبي المصطفى فعمي وخصي ... بدموع غزيرة الأسراب عين من تندبين بعد نبي ... خصه اللَّه ربنا بالكتاب فاتح خاتم رحيم رءوف، ... صادق القيل طيب الأثواب مشفق ناصح شفيق علينا، ... رحمة من إلهنا الوهاب رحمة اللَّه والسلام عليه، ... وجزاه المليك حسن الثواب! وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: عين جودي بدمعة وسهود، ... واندبي خير هالك مفقود! واندبي المصطفى بحزن شديد ... خالط القلب، فهو كالمعمود كدت أقضي الحياة لما أتاه ... قدر خط في كتاب مجيد! فلقد كان بالعباد رءوفا، ... ولهم رحمة وخخي رشيد رضي اللَّه عنه حيا وميتا، ... وجزاه الجنان يوم الخلود! وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: آب ليلي علي التسهاد، ... وجفا الجنب غير وطء الوساد الجزء: 14 ¦ الصفحة: 600 واعترتني الهموم جدا بوهن ... لأمور نزلن حقا، شداد رحمة كان للبرية طرا ... فهدى من أطاعه للسداد طيب العود والضريبة والشيم ... محض الأنساب واري الزناد أبلج صادق السجية عف، ... صادق الوعد منتهي الرواد! عاش ما عاش في البرية برا، ... ولقد كان نهبة المرتاد ثم ولي عنا فقيدا حميدا، ... فجزاه الجنان رب العباد! وقالت هند بنت الحارث- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا عين جودي بدمع منك وابتدري! ... كما تنزل ماء الغيث فانثعبا أو فيض غرب على عادية طويت ... في جدول خرق بالماء قد سربا لقد أتتني من الأنباء معضلة ... أن ابن آمنة المأمون قد ذهبا أن المبارك والميمون في جدث ... قد ألحفوه تراب الأرض والحدبا أليس أوسطكم بيتا وأكرمكم ... خالا وعما كريما ليس مؤتشبا وقالت هند بنت أثاثة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أشاب ذؤابتي وأذل ركني ... بكاؤك، فاطم، الميت الفقيدا فأعطيت العطاء فلم تكدر، ... وأخدمت الولائد والعبيدا وكنت ملاذنا في كل لزب، ... إذا هبت شآمية برودا وإنك خير من ركب المطايا، ... وأكرمهم إذا نسبوا جدودا! رسول اللَّه فارقنا، وكنا ... نرجي أن يكون لنا خلودا أفاطم! فاصبري فلقد أصابت ... رزيئتك التهائم والنجودا وأهل البر والأبحار طرا، ... فلم تخطئ مصيبته وحيدا وكان الخير يصبح في ذراه، ... سعيد الجد قد ولد السعودا! وقالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ألا يا عين أبكي! لا تملي، ... فقد بكر النهي بمن هويت وقد بكر النعي بخير شخص، ... رسول اللَّه حقا ما حييت ولو عشنا، ونحن نراك فينا ... وأمر اللَّه يترك، ما بكيت فقد بكر النعي بذاك عمدا، ... فقد عظمت مصيبة من نعيت وقد عظمت مصيبته وجلت، ... وكل الجهد بعدك قد لقيت الجزء: 14 ¦ الصفحة: 601 إلى رب البرية ذاك نشكو، ... فإن اللَّه يعلم ما أتيت أفاطم! إنه قد هدّ ركني، ... وقد عظمت مصيبة من رزيت فقد كان بعدك أنباء وهنبثة، ... لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها! ... فاحتل لقومك واشهدهم ولا تغب قد كنت بدرا ونورا يستضاء به، ... عليك تنزل من ذي العزة الكتب وكان جبريل بالآيات يحضرنا، ... فغاب عنا وكل الغيب محتجب فقد رزئت أبا سهلا خليقته، ... محض الضريبة والأعراق والنسب وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أمست مراكبه أوحشت، ... وقد كان يركبها زينها وأمست تبكي علي سيد ... تردد عبرتها عينها وأمست نساؤك ما تستفيق ... من الحزن يعتادها دينها وأمست شواحب مثل النصال ... قد عطلت وكبا لونها! يعالجن حزنا بعيد الذهاب، ... وفي الصدر مكتنع حينها يضربن بالكف حر الوجوه ... علي مثله جادها شونها هو الفاضل السيد المصطفى ... علي الحق مجتمع دينها فكيف حياتي بعد الرسول، ... وقد حان من ميتة حينها؟ وقالت أيضا عاتكة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: عين جودي! فإن بذلك للدمع ... شفاء، فأكثري م البكاء حين قالوا: الرسول أمسى فقيدا ... ميتا، كان ذاك كل البلاء! وابكيا خير من رزئناه في الدنيا ... ومن خصه بوحي السماء بدموع غزيرة منك حتى ... يقضي اللَّه فيك خير القضاء فلقد كان ما علمت وصولا، ... ولقد جاء رحمة بالضياء! ولقد كان بعد ذلك نورا ... وسراجا يضيء في الظلماء طيب العود والضريبة والمعدن ... والخيم خاتم الأنبياء الجزء: 14 ¦ الصفحة: 602 قال أبو سفيان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أرقت فبات ليلي لا يزول ... وليل أخي المصيبة فيه طول وأسعدني البكاء وذاك فيما ... أصيب المسلمون به قليل لقد عظمت مصيبتنا وجلت ... عشية قيل: قد قبض الرسول وأضحت أرضنا مما عراها ... تكاد بنا جوانبها تميل فقدنا الوحي والتنزيل فينا ... يروح به ويغدو جبرئيل وذاك أحق ما سالت عليه ... نفوس الناس أو كربت تسيل نبي كان يجلو الشك عنا ... بما يوحى إليه وما يقول ويهدينا فلا نخشى ضلالا ... علينا والرسول لنا دليل أفاطم إن جزعت فذاك عذر ... وإن لم تجزعي ذاك السبيل فقبر أبيك سيد كل قبر ... وفيه سيد الناس الرسول الجزء: 14 ¦ الصفحة: 603 ذكر ما جاء في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم خرج البخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قالت: إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليتعذر في مرضه: أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ استبطاء ليوم عائشة، فلما كان يومي قبضه اللَّه بين سحري ونحري. ودفن في بيتي [ (1) ] . وقال مسلم [ (2) ] : ليتفقد أين أنا اليوم؟ ولم يقل في آخره: ودفن في بيتي. وخرج البخاري [ (3) ] من حديث أبي عوانة، عن هلال، عن عروة بن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي لم يقم منه: لعن اللَّه اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. لولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي- أو خشي- أن يتخذ مسجدا وقال البخاري: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه: لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه، فبدت لهم قدم، ففزعوا وظنوا أنها قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم فما وجدوا أحدا يعلم ذلك حتى قال لهم عروة: لا واللَّه، ما هي قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ما هي إلا قدم عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (4) ] .   [ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 326، كتاب الجنائز، باب (96) ما جاء في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما فَأَقْبَرَهُ أقبرت الرجل: إذا جعلت له قبرا. وقبرته: ودفنته كِفاتاً يكونون فيها أحياء، ويدفنون فيه أمواتا، حديث رقم (1389) . [ (2) ] سبق تخريجه. [ (3) ] (المرجع قبل السابق) : حديث رقم (1390) . [ (4) ] (المرجع السابق) حديث رقم (1391) ، قوله: لما سقط عليهم الحائط أي حائط حجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وفي رواية الحموي عنهم: والسبب في ذلك ما رواه أبو بكر الآجري من طريق شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي قال: كان الناس يصلون إلي القبر فأمر به عمر بن عبد العزيز فرفع حتى لا يصلي إليه أحد، فلما هدم بدت قدم بساق وركبة ففزع عمر بن عبد العزيز، فأتاه عروة فقال: هذا ساق عمر وركبته، فسري عن عمر بن عبد العزيز. وروى الآجري من طريق مالك بن مغول عن رجاء بن حيوة قال: كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز- وكان قد اشترى حجر أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم- أن اهدمها ووسع بها المسجد، فقعد الجزء: 14 ¦ الصفحة: 604 وخرج أبو داود من حديث إسماعيل بن إسماعيل بن أبي فديك قال: أخبرني عمرو بن عثمان بن هاني عن القاسم قال: دخلت على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقلت: يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وصاحبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فكشفت. وخرجه القاسم بن أصبغ من طريق يعقوب قال: أخبرني عمرو بن عثمان ابن هانئ فذكره وزاد في آخره: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مقدم، وأبو بكر عند رأسه، وعمر عند رجليه، رأسه عند رجلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .   [ () ] عمر في ناحية، ثم أمر بهدمها، فما رأيته باكيا أكثر من يومئذ. ثم بناه كما أراد. فلما أن بنى البيت على القبر وهدم البيت الأول ظهرت القبور الثلاثة وكان الرمل الّذي عليها قد انهار، ففزع عمر بن عبد العزيز وأراد أن يقوم فيسويها بنفسه، فقلت له: أصلحك اللَّه، إنك إن قمت قام الناس معك، فلو أمرت رجلا أن يصلحها، ورجوت أنه يأمرني بذلك، فقال: يا مزاحم- يعني مولاه- قم فأصلحها. قال رجاء: وكان قبر أبى بكر عند وسط النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعمر خلف أبي بكر رأسه عند وسطه. وهذا ظاهره يخالف حديث القاسم، فان أمكن الجميع وإلا فحديث القاسم أصح. وأما ما أخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن عائشة «أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره» فسنده ضعيف، ويمكن تأويله. واللَّه أعلم. قوله: (وعن هشام) هو بالإسناد المذكور، وقد أخرجه المصنف في الاعتصام من وجه آخر عن هشام وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبدة عن هشام وزاد فيه «وكان في بيتها موضع قبر» . قوله: لا أزكي بضم أوله وفتح الكاف على البناء للمجهول، أي لا يثني علي بسببه ويجعل لي بذلك مزية وفضل وأنا في نفس الزمن يحتمل أن لا أكون كذلك، وهذا منها على سبيل التواضع وهضم النفس بخلاف قولها لعمر كنت أريده لنفسي فكأن اجتهادها في ذلك تغير أو لما قالت ذلك لعمر كان قل أن يقع لها ما وقع في قصة الجمل فاستحيت بعد ذلك أن تدفن هناك وقد قال عنها عمار بن ياسر وهو أحد من حاربها يومئذ: إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، وهو كما قال رضي اللَّه تعالى عنهم أجمعين. [ (1) ] (سنن أبي داود) 3/ 549، 55، كتاب الجنائز، باب (72) في تسوية القبر، حديث رقم (3220) (فكشفت لي) أي لأجلي أو لرؤيتي (لا مشرفة) أي مرتفعة غاية الارتفاع، وقيل أو عالية أكثر من شبر (ولا لاطئة) بالهمزة والياء أي مستوية على وجه الأرض، يقال لطأ بالأرض أي لصق بها (مبطوحة) صفة لقبور. أي مسواة مبسوطة على الأرض. قال القاري: وفيه أنها تكون حينئذ بمعنى لاطئة وتقدم نفيها والصواب أن معناها ملقاة فيها البطحاء. قال في النهاية: بطح المكان تسويته وبطح المسجد ألقى فيه البطحاء وهو الحصى الجزء: 14 ¦ الصفحة: 605 وقال البيهقي: وفي رواية أن عبد اللَّه قال: فرأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم مقدما   [ () ] الصغار (ببطحاء العرصة) أي رمل العرصة وهي موضع. قال الطيبي: العرصة جمعها عرصات وهي كل موضع واسع لا بناء فيه والبطحاء مسيل واسع فيه دقاق الحصى والمراد بها هنا الحصى لإضافتها إلى العرصة (الحمراء) صفة للبطحاء أو العرصة. قال الطيبي أي كشفت لي عن ثلاثة قبور لا مرتفعة ولا منخفضة لاصقة بالأرض مبسوطة مسواة، والبطح أن يجعل ما ارتفع من الأرض مسطحا حتى يسوى ويذهب التفاوت كذا في المرقاة. قال السيد جمال الدين: والأولى أن يقال معناه ألقى فيها بطحاء العرصة الحمراء انتهى. وأخرج أبو بكر النجاد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبرا وطين بطين أحمر من العرصة انتهى. وأخرج الحاكم من هذا الوجه وزاد «ورأيت قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مقدما وأبو بكر بين كتفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعمر رأسه عند رجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وفي الباب عن صالح بن أبي صالح عند أبي داود في المراسيل قال «رأيت قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم شبرا أو نحو شبر وعن هيثم بن بسطام المديني عن أبي بكر الآجري في كتاب صفة قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال «رأيت قبره صلى اللَّه عليه وسلم في إمارة عمر بن عبد العزيز فرأيته مرتفعا نحوا من أربع أصابع، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره، ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه. وأخرج البخاري في (صحيحه) عن سفيان التمار «أنه رأى قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مسنما» انتهى أي مرتفعا. قال في القاموس: التسنيم ضد التسطيح وقال سطحه كمنعه بسطه. وقد اختلف أهل العلم في الأفضل من التسنيم والتسطيح بعد الاتفاق على جواز الكل فذهب الشافعيّ وبعض أصحابه إلى أن التسطيح أفضل واستدلوا برواية القاسم بن محمد وما وافقها، قالوا: وقول سفيان التمار لا حجة فيه كما قال البيهقي لاحتمال أن قبره صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن في الأول مسنم بل كل في أول الأمر مسطحا ثم لما بني جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة وبهذا يجمع بين الروايات، ويرجح التسطيح أمره صلى اللَّه عليه وسلم عليا أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه. وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية وادعى القاضي حسين اتفاق أصحاب الشافعيّ عليه ونقله القاضي عياض عن أكثر العلماء أن التسنيم أفضل وتمسكوا بقول سفيان التمار. قال الشوكاني: والأرجح أن الأفضل التسطيح واللَّه أعلم. وحديث القاسم سكت عنه المنذري (قال أبو علي) هو اللؤلؤي راوي السنن (عند رأسه) أي النبي صلى اللَّه عليه وسلم (عن رجليه) أي النبي صلى اللَّه عليه وسلم (رأسه) أي عمر وهذه صفة القبور الثلاثة وجدت في بعض النسخ الصحيحة واللَّه أعلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 606 وأبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورأسه بين كتفي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعمر رأسه عند رجل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهذه الرواية تدل على أن قبورهم مسطحة لأن الحصباء لا تثبت إلا على المسطح [ (1) ] . وقال سيف: عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: لما فرغ من الصلاة تناولوه حتى وضعوه ثم نصبوا اللبن وحثوا وسفوا التراب، فلما دفن أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حفر له دونه إلى الباب وجعل رأسه بحيال حقوي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورجلاه إلى جنب الحائط وألحد له، ونصب له اللبن نصبا، فلما دفن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حفر له بحيال قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم من دون قبر أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- إلى الباب، وكان قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقبر عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- متجاورين وكان قبر أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في وسط من قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان رأس أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بحيال حقوي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وستره عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورجلاه إلى جانب الحائط. قال: فما فضل عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قطعته عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بحائط، فكانت تدخل تلك الفصلة يوم الجمعة محتجبة. قالت: كنت أدخل وفيه بعلي في غير حجاب، فأما إذ دخله عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه لا يحل لي أن أدخله إلا محتجبة. وخرج الحاكم من طريق الحميدي حدثنا سفيان قال: سمعت يحيى بن سعيد يحدث عن سعيد بن المسيب قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطت في حجرتي فسألت أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا عائشة، إن تصدق رؤياك يدفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة، فلما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ودفن قال لي أبي أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا عائشة، هذا خيرا أقمارك وهو أحدها، قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] . وخرج أيضا من طريق عمر بن سعيد الأبحّ، عن ابن أبي عروبة عن   [ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 263، 264. [ (2) ] (المستدرك) : 3/ 63، كتاب المغازي والسرايا باب (30) حديث رقم (4401) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم: وقد كتبنا من حديث أنس. قلت: ثم ساقه مرفوعا من تعبيره عليه السلام. وقال: على شرط البخاري ومسلم. قلت: هو من رواية عمر بن حماد بن سعيد الأبحّ، أحد الضعفاء، تفرد به عنه موسى بن عبد اللَّه السلمي، لا أدري من هو؟! الجزء: 14 ¦ الصفحة: 607 قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم تعجبه الرؤيا، قال: هل رأى أحد منكم رؤيا اليوم؟ قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي، فقال لها النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إن صدقت رؤياك دفن في بيتك ثلاثة هم أفضل أو خير أهل الأرض. فلما توفي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودفن في بيتها، قال لها: أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هذا أحد أقمارك، وهو خيرها، ثم توفي أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ودفنا في بيتها. وقال أبو عبد اللَّه محمد بن زبالة: وحدثني عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن إسماعيل عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه الحسني عن أهل بيته قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بني عليه بتسع لبنات نصبن نصبا [ (1) ] . ذكر ما جاء في زيارة قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وما ظهر من قبره، مما هو من أعلام نبوته [وفضيلة من زاره، وسلم عليه، وكيف يسلم ويدعو] [ (2) ] قال ابن عائذ: حدثنا الوليد، حدثنا مالك عن يحيي بن سعيد، قال:   [ (1) ] (سبق تخريجه) . [ (2) ] زيادة في العنوان من (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) . قال العلامة القسطلاني: في (المواهب اللدنية) : 4/ 570 وما بعدها: اعلم أن زيارة قبره الشريف من أعظم القربات، وأرجي الطاعات، والسبيل إلى أعلى الدرجات، ومن اعتقد غير هذا فقد انخلع من ربقة الإسلام، وخالف اللَّه ورسوله وجماعة العلماء الأعلام. وقد أطلق بعض المالكية، وهو أبو عمران الفاسي، كما ذكره في (المدخل) عن (تهذيب الطالب) لعبد الحق، أنها واجبة، قال: ولعله أراد وجوب السنن المؤكدة. وفي المعجم الكبير للطبراني: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: من جاءني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي، كان حقا علي أن أكون شفيعا له يوم القيامة. وصححه ابن السكن. وروي عنه صلى اللَّه عليه وسلم: من وجد سعة ولم يفد إلي فقد جفاني. ذكره ابن فرحون في مناسكه، والغزالي في الإحياء، ولم يخرجه العراقي، بل أشار إلى ما أخرجه ابن النجار في (تاريخ المدينة) مما هو في معناه عن أنس بلفظ: ما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني إلا وليس له عذر. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 608 كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول ما من بقعة في الأرض أحب إليّ أن يكون قبري فيها   [ () ] ولابن عدي في «الكامل» وابن حبان في الضعفاء» ، والدارقطنيّ في (العلل) و (غرائب مالك) وآخرين كلهم عن ابن عمر مرفوعا، من حج ولم يزرني فقد جفاني. ولا يصح. وعلى تقدير ثبوته، فليتأمل قوله «فقد جفاني» فإنه ظاهر في حرمة ترك الزيارة لأن الجفاء أذى، والأذى حرام بالإجماع فتجب الزيارة إذ إزالة الجفاء واجبة، [وهي بالزيارة، فالزيارة واجبة] حينئذ [وبالجملة] فمن تمكن من زيارته ولم يزره فقد جفاه، وليس من حقه علينا ذلك. وعن حاطب أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين. رواه البيهقي عن رجل من آل حاطب لم يسمه عن حاطب. وعن عمر رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: من زار قبري. أو قال: من زارني كنت له شفيعا وشهيدا، رواه البيهقي وغيره عن رجل من آل عمر لم يسمه عن عمر. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة. رواه البيهقي أيضا. قال العلامة زين الدين بن الحسين المراغي: وينبغي لكل مسلم اعتقاد كون زيارته صلى اللَّه عليه وسلم قربة، للأحاديث الواردة ذلك ولقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ الآية لأن تعظميه صلى اللَّه عليه وسلم لا ينقطع بموته، ولا يقال إن استغفار الرسول لهم إنما هو في حال حياته وليست الزيارة كذلك، لما أجاب به بعض أئمة المحققين: أن الآية دلت على تعليق وجدان اللَّه توابا رحيما بثلاثة أمور: المجيء، واستغفارهم، واستغفار الرسول لهم، وقد حصل استغفار الرسول لجميع المؤمنين [والمؤمنات] لأنه صلى اللَّه عليه وسلم قد استغفر للجميع، قال اللَّه تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ فإذا وجد مجيئهم واستغفارهم تكملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة اللَّه ورحمته. وقد أجمع المسلمون على استحباب زيارة القبور، كما حكاه النووي، وأوجبها الظاهرية، فزيارته صلى اللَّه عليه وسلم مطلوبة بالعموم والخصوص لما سبق، ولأن زيارة القبور تعظيم، وتعظيمه صلى اللَّه عليه وسلم واجب. ولهذا قال بعض العلماء: لا فرق في زيارته صلى اللَّه عليه وسلم بين الرجال والنساء، وإن كان محل الإجماع على استحباب زيارة القبور للرجال، وفي النساء خلاف، والأشهر في مذهب الشافعيّ الكراهة. قال ابن حبيب من المالكية: ولا تدع زيارة قبره صلى اللَّه عليه وسلم والصلاة في مسجده، فإن فيه من الرغبة ما لا غنى بك ولا بأحد عنه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 609 من المدينة. قالها ثلاث مرات.   [ () ] وينبغي لمن نوى الزيارة، أن ينوي مع ذلك بزيارة مسجده الشريف، والصلاة فيه، لأنه أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، وهو أفضلها عند مالك، وليس لشد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة فضل، لأن الشرع لم يجئ به، وهذا الأمر لا يدخله قياس، لأن شرف البقعة إنما يعرف بالنص الصريح عليه، وقد ورد النص في هذه دون غيرها. وقد صح أن عمر بن عبد العزيز كان يبرد البريد للسلام على النبي صلى اللَّه عليه وسلم. فالسفر إليه قربة لعموم الأدلة. ومن نذر الزيارة وجبت عليه، كما جزم به ابن كج من أصحابنا، وعبارته: إذا نذر زيارة قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم لزمه الوفاء، وجها واحدا، انتهى: ولو نذر إتيان المسجد الأقصى للصلاة لزمه ذلك على الأصح عندنا، وبه قال المالكية والحنابلة، لكنه يخرج عنه بالصلاة في المسجد الحرام. وصحح النووي أيضا أنه يخرج عنه بالصلاة في مسجد المدينة. قال: ونص عليه الشافعيّ. وبه قال الحنفية والحنابلة. وللشيخ تقي الدين بن تيمية هنا كلام شنيع عجيب، يتضمن منع شد الرحال للزيارة النبويّة المحمدية، وأنه ليس من القرب، بل بضد ذلك. ورد عليه الشيخ تقي الدين السبكي في «شفاء السقام» فشفى صدور المؤمنين. وحكي الشيخ ولي الدين العراقي، أن والده كان معادلا للشيخ زين الدين عبد الرحمن بن رجب الدمشقيّ في التوجه إلى بلد الخليل عليه السلام، فلما دنا من البلد قال: نويت الصلاة في مسجد الخليل، ليحترز عن شد الرحال لزيارته على طريقة شيخ الحنابلة ابن تيمية، فقلت: نويت زيارة قبر الخليل عليه السلام. ثم قلت: أما أنت فقد خالفت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، لأنه قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» وقد شددت الرحل إلى مسجد رابع، وأما أنا فاتبعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم لأنه قال: «زوروا القبور» أفقال: إلا قبور الأنبياء؟! قال: فبهت. وينبغي لمن أراد الزيارة أن يكثر من الصلاة والتسليم عليه في طريقه، فإذا وقع بصره على معالم المدينة الشريفة وما تعرف به، فليردد الصلاة والتسليم، وليسأل اللَّه أن ينفعه بزيارته ويسعده بها في الدارين. وليغتسل ويلبس النظيف من ثيابه، وليترجل ماشيا باكيا. ولما رأى وفد عبد القيس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ألقوا أنفسهم عن رواحلهم ولم ينيخوها وسارعوا إليه، فلم ينكر ذلك عليهم صلوات اللَّه وسلامه عليه. وروينا مما ذكره القاضي عياض في (الشفاء) أن أبا الفضل الجوهري لما ورد إلى المدينة زائرا، وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكيا منشدا: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 610 وروى جعفر بن سليمان عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس- رضي اللَّه   [ () ] ولما رأينا رسم من لم يدع لنا ... فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن نسلم به ركبا وأنبئت بأن العلامة أبا عبد اللَّه بن رشيد قال: لما قدمنا المدينة سنة أربع وثمانين وستمائة، كان معي رفيقي الوزير أبو عبد اللَّه بن أبي القاسم بن الحكيم، وكان أرمد، فلما دخلنا ذا الحليفة أو نحوها نزلنا عن الأكوار، وقوي الشوق لقرب المزار، فنزل وبادر إلى المشي على قدميه احتسابا لتلك لآثار، وإعظاما لمن حل تلك الديار، فأحس بالشفاء. الأكوار: جمع كور: هو الرحل للإبل، بمنزله السرج للفرس. ولما كنت سائرا لقصد الزيارة في ربيع الآخر سنة اثنين وتسعين وثمانمائة، ولاح لما عند الصباح جبل مفرح الأرواح المبشر بقرب المزار من أشرف الديار، تسابق الزوار إليه، وتعالوا بالصعود عليه استعجالا لمشاهدة تلك الآثار واقتباسا لمشاهدة تلك الأنوار فبرقت لوامع الأنوار النبويّة، وهبت عرف نسمات المعارف المحمدية، فطبنا وغبنا إذ شهدنا أعلام ديار أشرف البرية. ولما قربنا من ديار المدينة وأعلامها، وتدانينا من معاينة رباها الكريمة وآكامها، وانتشقنا عرف لطائف أزهارها، وبدت لناظرنا بوارق أنوارها، وترادفت واردات المنح والعطايا، ونزل القوم عن المطايا، فأنشدت متمثلا: أتيتك زائرا وودت أني ... جعلت سواد عيني أمتطيه وما لي لا أسير علي المآقي ... إلى قبر رسول اللَّه فيه ويستحب صلاة ركعتين تحية المسجد قبل الزيارة، وهذا إذا لم يكن مروره من جهة وجهه الشريف صلى اللَّه عليه وسلم. فإن كان استحب الزيارة قبل التحية. قال في «تحقيق النصرة» وهو استدراك حسن. قاله بعض شيوخنا. وفي منسك ابن فرحون: فإن قلت: المسجد إنما تشرف بإضافته إليه صلى اللَّه عليه وسلم فينبغي البداءة بالوقوف عنده صلى اللَّه عليه وسلم. قلت: قال ابن حبيب في أول كتاب الصلاة: حدثني مطرف عن مالك عن يحيي بن سعيد عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: قدمت من سفر، فجئت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسلم عليه وهو بفناء المسجد، فقال: أدخلت المسجد فصليت فيه؟ قلت: لا، قال: فاذهب فادخل المسجد وصل فيه، ثم ائت فسلم علي. قال: ورخص بعضهم في تقديم الزيارة على الصلاة. قال ابن الحاج: وكل ذلك واسع ولعل هذا الحديث لم يبلغهم، واللَّه أعلم. انتهى. (المواهب اللدنية) مختصرا. وينبغي للزائر أن يستحضر الخشوع ما أمكنه، وليكن مقتصدا في سلامه بين الجهر والإسرار. وفي الجزء: 14 ¦ الصفحة: 611 تبارك وتعالي عنهما- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من حج وزار قبري بعد موتي   [ () ] البخاري: أن عمر رضي اللَّه عنه قال لرجلين من أهل الطائف: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضربا، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟. وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه قال: لا ينبغي رفع الصوت على نبي حيا ولا ميتا. وروي عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها كانت تسمع صوت الوتد يوتد والمسمار يضرب في بعض الدور المطيفة بمسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم فترسل إليهم: لا تؤذوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قالوا: وما عمل علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه مصراعي داره إلا بالمصانع توقيا لذلك. نقله ابن زبالة فيجب الأدب معه كما في حياته. وينبغي للزائر أن يتقدم إلى القبر الشريف من جهة القبلة، وإن جاء من جهة رجلي الصاحبين فهو أبلغ في الأدب من الإتيان من جهة رأسه المكرم. ويستدبر القبلة ويقف قبالة وجهه صلى اللَّه عليه وسلم بأن يقابل المسمار. وقد روى ابن المبارك عن سعيد بن المسيب: ليس من يوم إلا ويعرض على النبي صلى اللَّه عليه وسلم أعمال أمته غدوة وعشية، فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم. ويمثل الزائر وجهه الكريم صلى اللَّه عليه وسلم في ذهنه، ويحضر قلبه جلال رتبته، وعلو منزلته، وعظيم حرمته، وإن أكابر الصحابة ما كانوا يخاطبونه إلا كأخي السرار، تعظيما لما عظم اللَّه من شأنه. وقد روى ابن النجار أن امرأة سألت عائشة رضي اللَّه عنها: أن اكشفي لي عن قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فكشفته فبكت حتى ماتت. وحكي عن أبي الفضائل الحموي، أحد خدام الحجرة المقدسة، أنه شاهد شخصا من الزوار الشيوخ، أتي باب مقصورة الحجرة الشريفة، فطأطأ رأسه نحو العتبة، فحركوه فإذا هو ميت، وكان ممن شهد جنازته. ثم يقول الزائر بحضور قلب، وغض بصر وصوت، وسكون جوارح وإطراق: السلام عليك يا رسول اللَّه، السلام عليك يا نبي اللَّه، السلام عليك يا حبيب اللَّه، السلام عليك يا خيرة اللَّه، السلام عليك يا صفوة اللَّه، السلام عليك يا سيد المرسلين، وخاتم النبيين، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين، السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين، السلام عليك وعلى أصحابك أجمعين، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء وسائر عباد اللَّه الصالحين، جزاك اللَّه عنا يا رسول اللَّه أفضل ما جازى نبيا ورسولا عن أمته، وصلى اللَّه عليك كلما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكرك الغافلون، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه، وخيرته من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت الجزء: 14 ¦ الصفحة: 612 كان كمن زارني في حياتي [ (1) ] .   [ () ] الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في اللَّه حق جهاده. ومن ضاق وقته عن ذلك، أو عن حفظه فليقل ما تيسر منه، أو مما يحصل به الغرض. وفي «التحفة» : أن ابن عمر وغيره من السلف كانوا يقترون ويوجزون في هذا جدا. فعن مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، وناهيك به خبرة بهذا الشأن من رواية ابن وهب عنه، يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته. وعن نافع عن ابن عمر، أنه كان إذا قدم من سفر دخل المسجد، ثم أتي القبر المقدس فقال: السلام عليك يا رسول اللَّه، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه. وينبغي أن يدعو، ولا يتكلف السجع فإن ذلك قد يؤدي إلى الإخلال بالخشوع. وقد روى أبو داود من حديث أبي هريرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما من مسلم يسلم علي إلا رد اللَّه علي روحي حتى أرد عليه السلام. وعند ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة مرفوعا: من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائيا بلغته. وعن سليمان بن سحيم، مما ذكره القاضي عياض في «الشفاء» قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول اللَّه، هؤلاء الذين يأتونك فيسلمون عليك أتفقه سلامهم؟ قال: نعم وأرد عليهم. ولا شك أن حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ثابتة معلومة. وقد روى الدارميّ عن سعيد بن عبد العزيز قال: لما كان أيام الحرة، لم يؤذن في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يبرح سعيد بن المسيب من المسجد، وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وذكر ابن النجار وابن زبالة بلفظ قال سعيد- يعني ابن المسيب-: فلما حضرت الظهر سمعت الأذان في القبر، فصليت ركعتين، ثم سمعت الإقامة فصليت الظهر، ثم مضى ذلك الأذان والإقامة في القبر المقدس لكل صلاة حتى مضت الثلاث ليال، يعني ليالي أيام الحرة. وقد روى البيهقي وغيره: من حديث أنس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. وفي رواية: أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة، ولكنهم يصلون بين يدي اللَّه حتى ينفخ في الصور. وله شواهد في صحيح مسلم منها: قوله صلى اللَّه عليه وسلم: مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره. وفي حديث أبي ذر في قصة المعراج: أنه لقي الأنبياء في السماوات، وكلموه وكلمهم. وقد ذكرت مزيد بيان لذلك في حجة الوداع من مقصد عباداته، وفي ذكر الخصائص الكريمة في مقصد معجزاته، وفي مقصد الإسراء والمعراج. [ (1) ] (سنن الدارقطنيّ) : 2/ 278، حديث رقم (193) ، وفيه: «عن مجاهد عن ابن عمر» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 613 وللدارقطنيّ من حديث موسى بن هلال [العبديّ] عن عبيد اللَّه بن عمر ابن نافع عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من زار قبري وجبت له شفاعتي [ (1) ] . وخرج الدارقطنيّ أيضا من حديث يحيي بن محمد بن صاعد، حدثنا أبو محمد العبادي حدثنا مسلمة بن سالم الجهنيّ حدثنا عبد اللَّه بن عمر عن نافع عن سالم، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من جاءني زائرا لم يدعه حاجة إلا زيارتي كان حقا عليّ أن أكون شفيعا له يوم القيامة. وقال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: أخبرني سليمان بن يزيد الكعبي عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: من زار قبري بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة. ولابن أبي الدنيا من حديث سعيد بن عثمان الحرجاني قال: أخبرنا محمد بن أبي فديك قال: أخبرنا عمر بن حفص، قال: إن ابن أبي ملكية قال: سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه يقول: إنه من وقف عند قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فتلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [ (2) ] الآية ثم قال: فتلا صلى اللَّه عليك يا محمد، حتى يقولها سبعين مرة ناداه ملك: صلى اللَّه عليك يا فلان، لم تسقط لك حاجة! [ (3) ] . وخرج أبو محمد الروائي من طريق ابن زيد بن سعد حدثنا عمرو بن مالك   [ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (194) ، وما بين الحاصرتين زيادة للنسب منه، وقال في (هامشه) : موسى بن هلال العبديّ، شيخ بصريّ، قال أبو حاتم: مجهول، وقال العقيليّ: لا يتابع على حديثه، وقال ابن عديّ: أرى أنه لا بأس به، قال الذهبيّ: قلت: هو صالح الحديث وأنكر ما عنده حديثه عن عبد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا: «من زار قبري وجبت له شفاعتي» . [ (2) ] الأحزاب: 56. [ (3) ] (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية) : 4/ 584، وأخرج الدارقطنيّ في (السنن) : عن الشعبي والأسود بن ميمون، عن هارون أبي قزعة، عن رجل من آل حاطب، عن حاطب، قال: قال رسول اللَّه: «من زارني بعد موتي، فكأنما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة» . (سنن الدارقطنيّ) : 2/ 278، حديث رقم (193) ، وقال في (هامشه) : هارون بن أبي قزعة المدني، قال البخاري: لا يتابع عليه، والشيخ لهارون مجهول. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 614 البكري حدثنا أبو الحور بن عبد اللَّه قال: قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فقالت: انظروا قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف قال: ففعلوا فمطرنا مطرا حتى نبت العشب، وسمنت الإبل، حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق. وقد روي من طريق، محمد بن حرب الهلالي قال: دخلت المدينة فأتيت قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [فزرته، وجلست بحذائه] [ (1) ] فجاء أعرابي فزاره ثم قال: يا خير المرسلين إن اللَّه عز وجلّ أنزل عليك كتابا صادقا، قال فيه: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [ (2) ] . وإني جئتك مستغفرا إلى ربي من ذنوبي مستشفعا بك، ثم بكى وأنشأ يقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه [ (3) ] * فطاب من طيبهنّ القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه* فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم استغفر وانصرف. قال: فرقدت فرأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يقول: إن اللَّه عز وجل قد غفر له لشفاعتي. وخرج أبو نعيم من طريق محمد بن سليمان حدثنا عبد الحميد بن سليمان عن سعيد بن المسيب قال: لقد رزيتني ليالي الحرة وما في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غيري، وقال: لا يأتي وقت صلاة إلا سمعت الأذان من القبر، ثم أتقدم فأقيم وأصلى، وإن أهل الشام ليدخلون المسجد فيقولون: انظروا إلى هذا الشيخ المجنون. قال أبو محمد الدرامي: وأخبرنا مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز، قال: لما كان أيام الحرة لم يؤذن في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالمدينة، ولم يقم، ولم يبرح سعيد بن المسيب من المسجد وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة   [ (1) ] زيادة للسياق من (المواهب اللدنية) . [ (2) ] النساء: 64. [ (3) ] في بعض النسخ: «بالترب أعظمه» . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 615 يسمعها من قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وقال أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن زبالة: وحدثني محمد بن الحسن عن غير واحد، منهم عبد العزيز بن محمد بن عمران بن محمد أنه لما كان أيام الحرة ترك مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أيام، وخرج الناس إلى الحرة، وجلس سعيد بن المسيب في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: فاستوجب فدنوت قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلما حضرت الظهر سمعت الأذان في قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فصليت ركعتين ثم سمعت الإقامة فصليت الظهر، ثم جلست حتى حضرت العصر، فسمعت الأذان في قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فصليت ركعتين ثم سمعت الإقامة فصليت العصر، ثم لم أزل أسمع الأذان في قبره حتى مضت الثلاث، وفعل القوم ودخلوا مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعاد المؤذنون فأذنوا فسمعت الأذان في قبره صلى اللَّه عليه وسلم فلم أسمعه، فرجعت إلى مجلسي الّذي أجلس فيه [ (1) ] . وخرج الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن النجار من حديث أبي السكن الهمدانيّ، قال: حدثني محمد بن حامان قال: سمعت إبراهيم بن شيبان يقول: حجحت فجئت المدينة فتقدمت إلى قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسلمت عليه، فسمعت من داخل الحجرة: وعليك السلام. وقد روى يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل عن ابن حمد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن اللَّه عز وجل أدّب قوما فقال: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [ (2) ] . ومدح قوما فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [ (3) ] . وذم قوما فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [ (4) ] .   [ (1) ] (المواهب اللدنية) : 4/ 587. [ (2) ] الحجرات: 2. [ (3) ] الحجرات: 4. [ (4) ] الحجرات: 4. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 616 وإن حرمته صلى اللَّه عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، فاستكان له أبو جعفر وقال: يا أبا عبد اللَّه! أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى اللَّه تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله، واستشفع به، فيشفع لك عند اللَّه تعالى. قال اللَّه تبارك وتعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [ (1) ] . وقال القاضي عياض: [ (2) ] وزيادة قبره صلى اللَّه عليه وسلم سنة من سنن المسلمين مجمع عليها، وفضيلة مرغب فيها، حدثنا القاضي أبو علي، حدثنا أبو الفضل بن خيرون قال: حدثنا الحسن ابن جعفر قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطنيّ قال حدثنا القاضي المحاملي قال: حدثنا محمد بن عبد الرزاق قال: حدثنا موسي بن هلال عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: من زار قبري وجبت له شفاعتي. وعن أنس بن مالك قال، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من زارني في المدينة محتسبا كان في جواري، وكنت له شفيعا يوم القيامة. وفي حديث آخر: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي. وكره مالك أن يقال زرنا قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وقد اختلف في معني ذلك فقيل كراهية الاسم لما ورد من قوله صلى اللَّه عليه وسلم: لعن اللَّه زوارات القبور، وهذا يرده قوله: نهيتم عن زيارة القبور فزوروها. وقوله من زار قبري فقد أطلق اسم الزيارة، وقيل: لأن ذلك لما قيل: إن الزائر أفضل من المزور، وهذا أيضا ليس بشيء إذ ليس كل زائر بهذه الصفة، وليس هذا عموما، وقد ورد في حديث أهل الجنة زيارتهم لربهم، ولم يمنع هذا اللفظ في حقه تعالى. وقال أبو عمران رحمه اللَّه: انما كره مالك أن يقال: طواف الزيارة، وزرنا قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم لاستعمال الناس ذلك بينهم بعضهم لبعض، وكره تسوية النبي صلى اللَّه عليه وسلم مع الناس بهذا اللفظ. وأيضا فإن الزيارة مباحة بين الناس، وواجب شد المطيّ إلي قبره صلى اللَّه عليه وسلم يريد بالوجوب هنا وجوب ندب وترغيب وتأكيد لا   [ (1) ] النساء: 64. [ (2) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 2/ 68 وما بعدها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 617 وجوب فرض، والأولى عندي أن منعه وكراهة مالك له لإضافته إلي قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وأنه لو قال: زرنا النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يكرهه لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ لا تجعل قبري وثنا يعبد بعدي، اشتد غضب اللَّه على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فنفي إضافة هذا اللفظ إلي القبر والتشبه بفعل أولئك قطعا للذريعة وحسما للباب واللَّه أعلم. قال إسحاق بن إبراهيم الفقيه ومما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة والقصد الى الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، والتبرك برؤية روضته، ومنبره، وقبره، ومجلسه، وملامس يديه، ومواطئ قدميه، والعمود الّذي كان يستند، إليه وينزل جبريل بالوحي فيه عليه وبمن عمره، وقصده، من الصحابة وأئمة المسلمين، الاعتبار بذلك كله. وقال ابن أبي فديك: سمعت بعض من أدركت يقول بلغني أنه من وقف عند قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فتلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ثم قال: صلى اللَّه عليك يا محمد، من يقولها سبعين مرة ناداه ملك: صلى اللَّه عليك يا فلان، ولم تسقط له حاجة. وعن يزيد بن أبي سعيد المقبري قدمت على عمر بن عبد العزيز فلما ودعته قال: لي إليك حاجة: إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأقرئه مني السلام. قال غيره: وكان يبرد إليه البريد من الشام، قال بعضهم: رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة فسلم علي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم انصرف، وقال مالك في رواية ابن وهب: إذا سلم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة، ويدنو، ويسلم، ولا يمس القبر بيده. وقال في (المبسوط) : لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم يدعو ولكن يسلم ويمضي، قال ابن أبي مليكة من أحب أن يقوم وجاه النبي صلى اللَّه عليه وسلم فليجعل القنديل الّذي في القبلة عند القبر على رأسه، وقال نافع كان ابن عمر يسلم على القبر، رأيته مائة مرة وأكثر يجئ إلي القبر فيقول السلام على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، السلام على أبي بكر، السلام على أبي ثم ينصرف، ورئي ابن عمر واضعا يده علي مقعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه. وعن ابن قسيط والعتبيّ: كان أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا خلا المسجد حسوا رمانة المنبر التي تلي القبر بميامنهم، ثم استقبلوا القبلة يدعون. وفي (الموطأ) من رواية يحيى بن يحيى الليثي: أنه كان يقف على قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيصلي الجزء: 14 ¦ الصفحة: 618 على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعلى أبي بكر، وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. وعند ابن القاسم والقعنبي: ويدعو لأبي بكر وعمر قال مالك في رواية ابن وهب: يقول المسلم السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته. قال في (المبسوط) : ويسلم علي أبي بكر وعمر. قال القاضي أبو الوليد الباجي: وعندي أنه يدعو للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بلفظ الصلاة، ولأبي بكر وعمر كما في حديث ابن عمر من الخلاف. وقال ابن حبيب: ويقول إذا دخل مسجد الرسول بسم اللَّه، وسلام على رسول اللَّه، السلام علينا من ربنا، وصلى اللَّه وملائكته علي محمد. اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وجنتك، واحفظني من الشيطان الرجيم، ثم اقصد إلي الروضة، وهي ما بين القبر والمنبر فاركع فيها ركعتين قبل وقوفك بالقبر تحمد اللَّه فيها وتسأله تمام ما خرجت إليه، والعون عليه، وإن كانت ركعتاك في غير الروضة أجزأتاك، وفي الروضة أفضل، وقد قال صلى اللَّه عليه وسلم: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنة. ثم تقف بالقبر متواضعا متوقرا، فتصلي عليه وتثني بما يحضرك، وتسلم علي أبي بكر وعمر، وتدعو لهما، وأكثر من الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالليل والنهار، ولا تدع أن تأتي مسجد قباء وقبور الشهداء. قال مالك في كتاب محمد: ويسلم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل وخرج يعني في المدينة وفيما بين ذلك. قال محمد: وإذا خرج جعل آخر عهده الوقوف بالقبر وكذلك من خرج مسافرا. وروي ابن وهب عن فاطمة بنت النبي صلى اللَّه عليه وسلم: وقل: اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرجت صل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقل: اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك، وفي رواية أخرى: فليسلم مكان فليصل فيه، ويقول إذا خرج: اللَّهمّ إني أسالك من فضلك، وفي آخر اللَّهمّ احفظني من الشيطان الرجيم، وعن محمد بن سيرين كان الناس يقولون إذا دخلوا المسجد: صلى اللَّه وملائكته على محمد السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته باسم اللَّه دخلنا وباسم اللَّه خرجنا، وعلى اللَّه توكلنا، وكانوا يقولون إذا خرجوا مثل ذلك. وعن فاطمة أيضا كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: صلى اللَّه على محمد، ثم ذكر مثل حديث فاطمة قبل هذا، وفي رواية: حمد اللَّه وسمى وصلى على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وذكر مثله. وفي رواية باسم اللَّه والسلام على رسول اللَّه، وعن غيرها كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: اللَّهمّ افتح لي الجزء: 14 ¦ الصفحة: 619 أبواب رحمتك ويسر لي أبواب رزقك. وعن أبي هريرة: إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وليقل: اللَّهمّ افتح لي ... وقال مالك في (المبسوط) : وليس يلزم من دخل المسجد وخرج منه من أهل المدينة الوقوف بالقبر وإنما ذلك للغرباء، وقال فيه أيضا: لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلي سفر أن يقف على قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فيصلي عليه ويدعو له، ولأبي بكر وعمر، فقيل له: إن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر وربما وقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة أو المرتين أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده. قال ابن القاسم: ورأيت أهل المدينة إذا خرجوا منها أو دخلوها أتوا القبر فسلموا. قال: وذلك رأى. قال الباجي: ففرق بين أهل المدينة والغرباء، لأن الغرباء قصدوا لذلك وأهل المدينة مقيمون بها لم يقصدوها من أجل القبر والتسليم. وقال صلى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب اللَّه على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وقال: لا تجعلوا قبري عيدا. ومن كتاب أحمد بن سعيد الهندي فيمن وقف بالقبر لا يلصق به، ولا يمسه، ولا يقف عنده طويلا، وفي (العتبية) : يبدأ بالركوع قبل السلام في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وأحب مواضع التنفل فيه: مصلي النبي حيث العمود المخلق، وأما في الفريضة فالتقدم إلي الصفوف والتنفل فيه للغرباء أحب إليّ من التنفل في البيوت. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 620 فصل فيما يلزم من دخل مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الأدب سوى ما قدمناه وفضله وفضل الصلاة فيه وفي مسجد مكة، وذكر قبره ومنبره، وفضل سكنى المدينة ومكة قال اللَّه تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ روي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سئل: أي مسجد هو؟ قال: مسجدي هذا، وهو قول ابن المسيب وزيد بن ثابت وابن عمر ومالك بن أنس وغيرهم، وعن ابن عباس أنه مسجد قباء. حدثنا هشام بن أحمد الفقيه بقراءتي عليه قال: حدثنا الحسين بن محمد الحافظ حدثنا أبو عمر النمري حدثنا أبو محمد بن عبد المؤمن حدثنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود، حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى. وقد تقدمت الآثار في الصلاة والسلام علي النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند دخول المسجد. وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ باللَّه العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. وقال مالك رحمه اللَّه: سمع عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صوتا في المسجد، فدعا بصاحبه فقال: ممن أنت؟ قال: رجل من ثقيف، قال لو كنت من هاتين القريتين لأدبتك، إن مسجدنا لا يرفع فيه الصوت. قال محمد بن مسلمة: لا ينبغي لأحد أن يتعمد المسجد برفع الصوت، ولا بشيء من الأذى، وأن ينزه عما يكره، قال القاضي: حكي ذلك كله القاضي إسماعيل في (مبسوطه) في باب فضل مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم. والعلماء كلهم متفقون أن حكم سائر المساجد هذا الحكم. قال القاضي إسماعيل: وقال محمد بن مسلمة: ويكره في مسجد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم الجهر علي المصلين فيما يخلط عليهم صلاتهم، وليس مما يخص به المساجد رفع الصوت، قد كره رفع الصوت بالتلبية في مساجد الجماعات إلا المسجد الحرام ومسجدنا. وقال أبو هريرة- رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: صلاة في الجزء: 14 ¦ الصفحة: 621 مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، قال القاضي: اختلف الناس في معنى هذا الاستثناء على اختلافهم في المفاضلة بين مكة والمدينة، فذهب مالك في رواية أشهب عنه وقاله ابن قانع صاحبه وجماعة من أصحابه إلى أن معني الحديث أن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أفضل من الصلاة فيه بدون الألف، واحتجوا بما روي عن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه، فتأتي فضيلة مسجد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم بتسعمائة، وعلي غيره بألف، وهذا مبنيّ على تفضيل المدينة علي مكة على ما قدمناه، وهو قول عمر بن الخطاب، ومالك، وأكثر المدنيين، وذهب أهل مكة والكوفة إلي تفضيل مكة وهو قول عطاء، وابن وهب وابن حبيب من أصحاب مالك، وحكاه الساجي عن الشافعيّ، وحملوا الاستثناء في الحديث المتقدم على ظاهره، وأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل، واحتجوا بحديث عبد اللَّه بن الزبير عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة، وفيه: وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة، وروى قتادة مثله، فيأتي فضل الصلاة في المسجد الحرام علي هذا، على الصلاة في سائر المساجد بمائة ألف، ولا خلاف أن موضع قبره صلى اللَّه عليه وسلم أفضل بقاع الأرض. قال القاضي أبو الوليد الباجي: الّذي يقتضيه الحديث مخالفة حكم مسجد مكة لسائر المساجد، ولا يعلم منه حكمها مع المدينة. وذهب الطحاوي إلى أن هذا التفضيل إنما هو في صلاة الفرض، وذهب مطرف من أصحابنا إلى أن ذلك في النافلة أيضا، قال: وجمعة خير من جمعة، ورمضان خير من رمضان، وقد ذكر عبد الرزاق في تفضيل رمضان بالمدينة وغيرها حديثا نحوه، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومثله عن أبي هريرة وأبي سعيد، وزاد: ومنبري على حوضي، وفي حديث آخر: منبري على ترعة من ترع الجنة. قال الطبري: فيه معنيان: أحدهما: أن المراد بالبيت بيت سكناه على الظاهر مع أنه روي ما بين حجرتي ومنبري. والثاني: أن البيت هنا القبر، وهو قول زيد بن أسلم في هذا الحديث، كما روي: بين قبري ومنبري. قال الطبري: وإذا كان قبره في بيته اتفقت الجزء: 14 ¦ الصفحة: 622 معاني الروايات، ولم يكن بينها خلاف، لأن قبره في حجرته، وهو بيته. وقوله: ومنبري على حوضي، قيل: يحتمل أنه منبره بعينه الّذي كان في الدنيا، وهو أظهر. والثاني: إلا أن يكون له هناك منبر، والثالث إن قصد منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد الحوض ويوجب الشرب منه، قاله الباجي. وقوله: روضة من رياض الجنة يحتمل معنيين: أحدهما: أنه موجب لذلك وأن الدعاء والصلاة فيه يستحق ذلك من الثواب، كما قيل: الجنة تحت ظلال السيوف، والثاني: أن تلك البقعة قد ينقلها اللَّه فتكون في الجنة بعينها قاله الداوديّ. وروى ابن عمر وجماعة من الصحابة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال في المدينة: لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة، وقال فيمن تحمل عن المدينة: والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وقال: إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها. وقال: لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها اللَّه خيرا منه. وروى عنه صلى اللَّه عليه وسلم: من مات في أحد الحرمين حاجا أو معتمرا بعثه اللَّه يوم القيامة لا حساب عليه ولا عذاب. وفي طريق آخر: بعث من الآمنين يوم القيامة، وعن ابن عمر: من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإنّي أشفع لمن يموت بها، وقال تعالي: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً إلى قوله: آمِناً قال بعض المفسرين: آمنا من النار، وقيل: كان يأمن من الطلب من أحدث حدثا خارجا عن الحرم ولجأ إليه في الجاهلية، وهذا مثل قوله: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً على قول بعضهم. وحكي أن قوما أتوا سعدون الخولانيّ بالمنستير فأعلموه أن كتامة قتلوا رجلا وأضرموا عليه النار طول الليل فلم تعمل فيه شيئا، وبقي أبيض البدن! فقال: لعله حج ثلاث حجج، قالوا: نعم، قال: حدثت أن من حج حجة أدى فرضه، ومن حج ثانية داين ربه، ومن حج ثلاث حجج حرم اللَّه شعره وبشره على النار. ولما نظر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الكعبة قال: مرحبا بك من بيت ما أعظمك وأعظم حرمتك. وفي الحديث عنه صلى اللَّه عليه وسلم: ما من أحد يدعو اللَّه تعالي عند الركن الأسود إلا استجاب اللَّه له، وكذلك عند الميزاب. وعنه صلى اللَّه عليه وسلم: من صلى خلف الجزء: 14 ¦ الصفحة: 623 المقام ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وحشر يوم القيامة من الآمنين. قال الفقيه القاضي أبو الفضل: قرأت على القاضي الحافظ أبي علي، حدثنا أبو العباس العذري قال: حدثنا أبو أسامة محمد بن أحمد بن محمد الهروي، حدثنا الحسن بن رشيق، سمعت أبا الحسن محمد بن الحسن بن راشد، سمعت أبا بكر محمد بن إدريس، سمعت الحميدي قال: سمعت سفيان ابن عيينة قال: سمعت عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يقول: ما دعا أحد بشيء في هذا الملتزم إلا استجيب له. قال ابن عباس: وأنا فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم إلا استجيب لي. وقال عمرو بن دينار: وأنا، فما دعوت اللَّه تعالى بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من ابن عباس إلا استجيب لي، وقال سفيان: وأنا فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من عمرو إلا استجيب لي، قال الحميدي: وأنا فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من سفيان إلا استجيب لي، وقال محمد بن إدريس: وأنا، فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من الحميدي إلا استجيب لي، وقال أبو الحسن محمد بن الحسن: وأنا، فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من محمد ابن إدريس إلا استجيب لي. قال أبو أسامة: وما أذكر الحسن بن رشيق قال فيه شيئا، وأنا، فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من الحسن بن رشيق إلا استجيب لي من أمر الدنيا، وأنا أرجو أن يستجاب لي من أمر الآخرة. قال العذري: وأنا، فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من أبي أسامة إلا استجيب لي، قال أبو علي: وأنا، فقد دعوت اللَّه فيه بأشياء كثيرة استجيب لي بعضها، وأنا أرجو من سعة فضله أن يستجيب لي بقيتها. قال القاضي أبو الفضل: ذكرنا نبذا من هذه النكت في هذا الفصل وإن لم تكن من الباب، لتعلقها بالفصل الّذي قبله حرصا على تمام الفائدة واللَّه الموفق للصواب برحمته. انتهى كلام القاضي عياض. وقال: ابن زبالة: وحدثني غير واحد، عن: عبد العزيز بن أبي حازم، ونوفل بن عمار، قالوا: إن كانت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- لتسمع صوت الوتد يؤتد، والبناء يضرب في بعض الدور المطمئنة بمسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فترسل إليهم: لا تؤذوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 624 قال: وقد ذكرنا عمر بن عبد العزيز بالمسجد النبوي، فبينا أولئك العمال يعملون في المسجد وما إن خلا لهم المسجد فقال بعض أولئك العمال من الروم: ألا أبول على قبر نبيهم؟ فنهاهم عن ذلك بعض أصحابهم، فلما همّ أن يفعل، اقتلع فألقي على رأسه فانتتر دماغه وأسلم بعض أولئك النصارى، وقد ذكر أن أبا الفتوح بن جعفر بن محمد الحسيني أمير مكة أمره خليفة مصر في سنة تسعين وثلاثمائة أن يتوجه إلي المدينة وينقل الجند المعظم إلى مصر، وبعث إليه عسكرا، فقده المدينة وأزال من حوله من بني مهنا الحيثيون عنها، ودخل الحجرة الشريفة ليمضي ما عزم عليه، فقام رجل فقرأ قوله تعالى: أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [ (1) ] حتى تجيء سحابه خرج منها ريح عاصف ظلمت منه المدينة وما حولها وقويت حتى كادت تقتلع المنارات وهلك معظم العسكر ودواوينهم فكف أبو الفتوح عما قصده وعاد الى مكة. وقد ذكر الحافظ محب الدين أبو عبد اللَّه محمد بن محمود بن الحسن المعروف باسم ابن النجار رحمه اللَّه هذا الخبر في (تاريخه) فقال أيضا: أخبرنا أبو محمد عبد اللَّه بن المبارك المقدسي عن أبي المعالي صالح بن شافع الحنبلي، قال: أنبأنا القاسم بن عبد اللَّه بن محمد المقدسيّ المعلم، حدثنا أبو القاسم عبد الحكيم بن محمد المغربي، قال: إن بعض الزنادقة أشار على الحاكم العبيدي صاحب مصر بنقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وصاحبيه إلى مصر، وزين له ذلك وقال: متى تم ذلك شد الناس رحالهم من أقطار الأرض إلى مصر، وكانت منفعة لسكانهم، فأجابه الحاكم في ذلك، وبني بمصر [مسجدا] أنفق عليه مالا جزيلا قال: وبعث إلى أبي الفتوح [ ... ] الموضع الشريف، وحمله، فلما وصل إلى المدينة وجلس بها حضر جماعة من المدينتين وقد علموا ما جاء فيه، وحضر معهم قارئ يعرف [بالألباني] فقرأ في المجلس: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ إلى قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ (2) ] فهاج الناس وكادوا يقتلون أبا الفتوح ومن معه من الجند، ومنعهم من سارع إلى ذلك، إلا أن البلاد كانت لهم، لما رأى أبو الفتوح ذلك قال لهم: اللَّه أحق أن يخشى، واللَّه لو كان علي من الحاكم فوات الروح ما تعرضت للموضع، وحصل له من ضيق الصدر ما   [ (1) ] التوبة: 13. [ (2) ] التوبة: 12- 13. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 625 أزعجه، كيف نهض في مثل هذه المحربه؟ فما انتصف النهار في ذلك اليوم حتى أرسل اللَّه تعالى ريحا كادت الأرض تزلزل من فوقها، حتى خرجت الإبل بأثقالها، والخيل بسروجها، كما تدحرج الكرة على وجه الأرض، وهلك أكثرها، وحلق بالناس، فانشرح صدر أبى الفتوح، وذهب روعه من الحاكم لقيام عدد من امتناع ما جاء فيه. وقال المحب الطبري في كتاب (الرياض النضرة في فضائل العشرة) - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-: أخبرني هارون بن الشيخ عمر بن الراغب قال: كنت مجاورا بالمدينة وشيخ الخام إذ ذاك شمس الدين صواب الملطي، وكان رجلا صالحا كثير البر بالفقراء، فقال لي يوما: ما أخبرك بعجبه: كان لي صاحب يجلس عند الأمير ويأتيني من خبره بما يمس حاجتي إليه، فبينا أنا ذات يوم إذ جاءني فقال: أمر عظيم حدث اليوم، قال: قلت: وما هو؟ قال: جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للأمير مالا كثيرا وسألوه أن يمكنهم من فتح الحجرة [النبويّة] وإخراج أبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- منها، فأجابهم إلى ذلك، قال: فاهتممت لذلك هما، ولم ألبث أن جاء رسول الأمير يدعوني إليه فأجبته، فقال لي: يدق عليك الليلة أقوام المسجد، فافتح لهم، ومكنهم مما أرادوا ولا تعارضهم، ولا تعترض عليهم، فقلت سمعا وطاعة، وخرجت ولم [أر النوم] اجتمع [وجلست] خلف الحجرة أبكي لا ترقأ لي دمعة، ولا يشعر أحد بما بي، حتى إذا صليت العشاء الآخرة، وخرج الناس من المسجد وغلقنا الأبواب، فلم أنشب أن دق الباب الّذي حدا باب الأمير، ففتحت الباب، فدخل أربعون رجلا أعدهم واحدا بعد واحد، ومعهم المساحي، والمكاتل، والشموع، [وأرادوا] الهدم، وقصدوا الحجرة. قال: فو اللَّه ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم، ما كان بينهم من آلات وغير ذلك، ولم يبق لهم أثر، قال: فاستبطأ الأمير خبرهم، فدعاني وقال: ألم يأتك القوم؟ قلت: بلى، ولكن اتفق لهم ما هو كيت وكيت، فقال: انظر ما تقول، قلت: لا هو ذلك، قلت: وانظر هل ترى فيهم باقية أو لهم أثر، فقال لي: هذا موضع الحديث، إن ظهر عنك كان يقطع رأسك. ثم خرجت عنه. انتهى. وقال الحافظ جمال الدين أبو عبد اللَّه محمد بن أبي جعفر أحمد بن خلف ابن عيسى المرقى الخزرجي الدميني في (تاريخ المدينة) : وصل السلطان الملك الجزء: 14 ¦ الصفحة: 626 العادل نور الدين محمود بن زنكي في صفر في سنة سبع وخمسين وخمسمائة إلى المدينة بسبب رؤيا رآها، ذكرها بعض الناس ومعه الفقيه علم الدين يعقوب ابن أبى بكر المحترق أبوه ليلة حريق المسجد عن من حدثه عن أكابر من أدرك، أن السلطان محمود المذكور أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث مرات في ليلة واحدة وهو يقول له في كل واحدة منها: يا محمود أنقذنى من هذين، شخصين أشقرين تجاهه فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك، فقال له: هذا أمر حدث في مدينة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ليس له غيرك، فتجهز، وخرج علي عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من رجل وغير ذلك حتى دخل المدينة على غفلة من أهلها، والوزير معه، وزار وجلس في المسجد لا يرى ما يصنع فقال له الوزير: أتعرف الشخصين إذا رأيتهما؟ قال: نعم. فطلب الناس عامة للصدقة، وفرق عليهم ذهبا كثيرا وفضة، وقال: لا يبقين أحد بالمدينة إلا جاء، فلم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس في الناحية التي تلى قبلة حجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم من خارج المسجد، عند دار عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- التي تعرف اليوم بدار العشرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فطلبهما للصدقة، فامتنعا وقالا: نحن على كفاية، ما نقبل شيئا. فجد في طلبهما، فجيء بهما فلما رآهما قال الوزير: هم هذان، فسألهما عن حالهما، وما جاء بهما، فقالا: جئنا لمجاورة النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أصدقاني، وتكرر السؤال حتى أفضى إلى معاقبتهما، أقرا أنهما من النصارى، وأنهما وصلا لكي ينقلا من في هذه الحجرة المقدسة باتفاق من ملوكهم، ووجدهما قد حفرا نفقا من تحت حائط المسجد القبلي، وهما قاصدان إلى جهة الحجرة الشريفة، ويجعلان التراب في بئر عندهما في البيت الّذي هم فيه، هكذا حدثني عن من حدثه. فضرب أعناقهما عند الشباك الّذي في شرقيّ حجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم خارج المسجد، ثم أحرقا بالنار آخر النهار، وركب متوجها إلى الشام، فصاح به من كان نازلا خارج السور واستعانوا، فطلبوا أن يبني عليهم سورا يحفظ أبناءهم وماشيتهم، فأمر ببناء هذا السور الموجود اليوم، فبني في سنة ثمان وخمسين، وكتب اسمه على باب البقيع، فهو باق إلى اليوم، انتهى. وفي سنة سبع عشرة وسبعمائة جهز الملك ابن صاحب عراقي والعجم عسكرا مع الشريف خميصة بن أبي نمر الحسني، أمير مكة، وقد عزل ولحق به، الجزء: 14 ¦ الصفحة: 627 فأركبه وجهزه ليأخذ له مكة مع ملوك مصر مع الحجاز، وأوعز إليه أن يخرج أبا بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من قبريهما، فصار معه القيطة والمعمارية والآلات، حتى توسط أرض نجد، بلغ الأمير محمد بن معنى خبره، فركب إليه جمع موفور وطرقه ليلا، فاستباح عسكر حرابنده عن آخرهم وفي خميصة وفي طائفة من أصحابه إلى الحجاز، فغنم الأمير محمد جميع ما كان معه، ومضى إلى الشام وكتب إلى نائب الشام يخبره، ثم قدم عليه فحمله إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بقلعة الجبل من ديار مصر، فخلع عليه، وولاه إمارة العريف بالشام، بعد أن كان ساخطا عليه. وتم هذا الكتاب البديع المنال، البعيد المثال، بتمام هذا الجزء [الرابع عشر] وهو المسمى: إمتاع الأسماع بما للرسول صلى اللَّه عليه وسلم من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع الجزء: 14 ¦ الصفحة: 628 نسأل اللَّه تعالى حسن الخاتمة قال محققه: وكان الفراغ من تحقيق هذا السفر العظيم في السيرة النبويّة، في ليلة النصف من شهر شعبان لسنه تسعة عشر ومائة وألف من هجرة خاتم المرسلين صلى اللَّه عليه وسلم، الموافق الثالث من ديسمبر سنة ثمان وتسعين وتسعمائة وألف من ميلاد المسيح عليه السلام. ولا يفوتني أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى كل من ساهم في إنجاز هذا العمل الجليل ولو بكلمة طيبة، وأخص بالذكر كلا من: * مكتب المحمدية لنظم المعلومات والميكروفيلم، الأستاذين: حسن النميسى وحسين النميسى حيث قاما بالإشراف على إخراج الكتاب في مراحله المختلفة. * الأستاذة/ [أم الشيماء] هانم محمد على سعد، التي قامت بنسخ المخطوطة من الميكروفيلم، ثم معالجة تجارب الطبع، فجزاها اللَّه تعالى عن السيرة النبويّة خير الجزاء. * الأستاذة/ نجوى محمد فراج، التي قامت بعمليات الجمع والتنسيق والطبع. * دار الكتب العلمية بيروت لبنان، وعلى رأسها الأخ الكريم الأستاذ الفاضل/ محمد على بيضون، الّذي لم يدخر جهدا ولا مالا في إبراز هذا الكتاب القيم، من غياهب المخطوطات إلى عالم المطبوعات، خدمة للسيرة النبويّة، وإثراء للمكتبة العربية الإسلامية، تيسيرا على الباحثين من عباد اللَّه في أرض اللَّه. والحمد للَّه الّذي بنعمته تتم الصالحات. وبذلك أرجو أن أكون قد رددت الفضل إلى أهل الفضل، فإن ذلك من بركة العلم. سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الجزء: 14 ¦ الصفحة: 629 [ المجلد الخامس عشر ] فهرس الآيات القرآنية الآية رقمها الجزء والصفحة سورة الفاتحة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ... نَسْتَعِينُ 1- 4/ 4 170. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ 7- 3 145 سورة البقرة الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ... بِالْغَيْبِ 1- 3 4/ 389. كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ 20 4/ 269. إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ ... 23 4/ 140، 181، 220، 233، 235، 236- 4/ 381- 9/ 39، 40. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا 24 4/ 220. يا آدَمُ 33 4/ 185. اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ 45 11/ 10. لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ 48 4/ 260. لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً 55 3/ 132. ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ 58 1/ 282- 13/ 322- 324. تَشابَهَ عَلَيْنا 70 4/ 252. يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ 75 3/ 179. وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا.. 14 76 4/ 218. أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ 77 4/ 218 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 5 وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ 89 3/ 358، 359- 4/ 93. فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ... مُهِينٌ 90 14/ 81. قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ 94- 95 14/ 91. قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ 97 14/ 74، 76، 81. مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ ... 98 5/ 392. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا ... 104 3/ 109، 110. ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها 106 4/ 156، 282. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ 115 3/ 93- 13/ 278. وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ... أَنْفُسِهِمْ 109 2/ 231- 12/ 179. وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ... 124 3/ 258- 6/ 5. وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً 125 10/ 342. وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ 127 3/ 105. وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 135 2/ 362، 363. وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ 137 4/ 216. ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها 142 3/ 90، 115- 11/ 207. وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها ... عَقِبَيْهِ 143 3/ 90- 10/ 276. قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ 144 4/ 204. وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 144 3/ 82، 84، 85، 90- 10/ 334. يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ 146 3/ 395- 4/ 93. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ 147 13/ 192. وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ ... 156- 157 11/ 163. إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ 158 4/ 330، 331. إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا 159 11/ 166، 248. قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا ... 163 4/ 166. كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ 183 10/ 265. شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... 185 3/ 97. إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ... 186 11/ 161. وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى 189 4/ 261. الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ ... 194 1/ 330- 9/ 18 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 6 وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ ... 195 1/ 331. فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً ... 196 1/ 278. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا ... 198 4/ 329. ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ 199 2/ 354، 356، 358، 359. رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ ... 201 2/ 108. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ 207 1/ 57. ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً 208 11/ 9. كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ ... لا تَعْلَمُونَ 216 1/ 71. يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ 217 1/ 77. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا 218 9/ 85. يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ 222 4/ 288. هن حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ 223 14/ 64. الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ 229 10/ 195. يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً 234 4/ 285. وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ... 236 13/ 63. حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ... تَعْلَمُونَ 238- 239 1/ 237- 4/ 284. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ... 240 4/ 285. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ 258 4/ 189. إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها 259 4/ 261، 271. قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي 260 11/ 185، 187، 188، 189، 210. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ ... 279 9/ 217. وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ 281 4/ 340. أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما 282 11/ 214 سورة آل عمران هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ ... 5 12/ 261. آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا 7 4/ 263 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 7 قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ ... 12 4/ 216. قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ ... 20 10/ 275. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ 23 13/ 234. قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ... ذُنُوبَكُمْ 31 3/ 145، 165- 4/ 205- 11/ 14- 13/ 179. أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 32 3/ 132. إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ... 34 3/ 250- 6/ 5. كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها 37 3/ 281. وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ 39 4/ 212. وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ 42 10/ 271. وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ ... 48 4/ 214. يا عِيسى 55 4/ 185. إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ ... الْكاذِبِينَ 59- 61 14/ 69. فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ ... 61 6/ 6. إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ 62 9/ 39. يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ ... 65- 68 14/ 66. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ... 68 3/ 106. لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ... تَعْلَمُونَ 70- 71 3/ 395. وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ 75 10/ 352. ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ ... مُسْلِمُونَ 79- 80 14/ 66. وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ 81 10/ 278- 11/ 207. وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا 88 4/ 218. لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ 92 7/ 346. حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ ... 93 14/ 80. كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ ... الْمُشْرِكِينَ 93- 95 4/ 152، 153. إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً 96 10/ 342. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ 101 12/ 340. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً 103 11/ 9. كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ 110 3/ 338- 9/ 86، 87- 12/ 341 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 8 لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ ... الصَّالِحِينَ 113- 114 13/ 305. وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ ... 121 1/ 177. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ ... 124 3/ 328- 4/ 211. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ... اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ 124- 126 1/ 177. لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ 128 1/ 152، 183- 12/ 68، 69- 13/ 258. وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ 139، 4/ 216. وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ ... الشَّاكِرِينَ 144 1/ 170- 2/ 139- 3/ 106- 12/ 177 14/ 219، 511، 556. وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ 152 3/ 329. إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ 153 1/ 170. ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً 154 13/ 263، 264، 265. فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ 159 2/ 240- 4/ 204. فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ 159 2/ 279- 13/ 49. وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ 161 4/ 247. لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ 164 4/ 214- 9/ 148. الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ... 172 1/ 180. الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ... وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 172- 173 8/ 358. الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ 173 1/ 180، 194. فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 175 11/ 9. وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ 176 3/ 105. إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ 181 4/ 170. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ 185 12/ 177. وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.. 186 2/ 231- 12/ 179. فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا 187 6/ 8. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... عَذابَ النَّارِ 190- 191 2/ 332. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا.. 200 11/ 9. وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ... 83 3/ 116، 117 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 9 سورة النساء إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً 10 8/ 264. يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ... 11 5/ 138. حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ... سَبِيلًا 15 10/ 13. وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ... تَوَّاباً رَحِيماً 15- 16 10/ 12. حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ... أَصْلابِكُمْ 23 6/ 190. وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ 23 10/ 244. وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ ... 24 2/ 19. وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ 28 1/ 346- 10/ 63. الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ 37 11/ 7. فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ... 41 2/ 324. وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ 43 8/ 349- 10/ 182. يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ 46 4/ 161. وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ 48 3/ 115. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً ... 51 1/ 223- 12/ 186، 187. أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ... فَضْلِهِ 54 3/ 214- 6/ 128- 10/ 192. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ ... 59 3/ 132، 167، 9/ 48. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا 60 14/ 351. وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ ... 64 3/ 132. وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا 64 14/ 615، 617. فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ... 65 3/ 133، 145- 9/ 49- 13/ 165- 14/ 379 . وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ ... 69 3/ 132- 10/ 397- 14/ 472. وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً 79 3/ 122. مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ 80 3/ 132. وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا.. 82 4/ 231. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ 94 1/ 347- 13/ 351، 352. لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... 95 3/ 48. وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ... 102 1/ 281 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 10 إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً 103 10/ 265. إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ... 105 11/ 217، 218. إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ ... وَساءَتْ مَصِيراً 105- 115 14/ 354، 355. إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ... غَفُوراً رَحِيماً 106- 110 14/ 355 . لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ 114 13/ 233. وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ ... 115 3/ 153. وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا 125 3/ 258- 4/ 187- 11/ 22، 31. وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً ... 128 6/ 34. آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 136 9/ 48. وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا 141 6/ 288. إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ 145 10/ 348. إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ ... دِينَهُمْ لِلَّهِ 145- 146 14/ 341. إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ ... 163 2/ 362- 3/ 106- 4/ 167. لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ 165 4/ 139. لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ 171 11/ 180. يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ 176 4/ 340- 5/ 137، 138 سورة المائدة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ 2 14/ 163، 164. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ 3 2/ 113- 14/ 450، 542، 544. وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي 3 3/ 115. إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... 6 11/ 10. وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا 6 8/ 349. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ... 11 1/ 128- 4/ 118- 8/ 353- 12/ 191. وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ 13 3/ 391- 4/ 218- 14/ 382. فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ 14 5/ 199. قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ 15 10/ 308. فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ... 24 1/ 199- 4/ 168- 9/ 241، 259 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 11 إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 33 1/ 273- 3/ 167. ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا 33 14/ 379. يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ 41 1/ 248- 4/ 184- 14/ 84، 87، 88. فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ 42 14/ 89. إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ.. 44 2/ 362- 14/ 84، 87، 88. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ 47 14/ 87. فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ 52 4/ 264. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ... 54 14/ 219. وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً 58 14/ 92. وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ 60 4/ 252. يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ 64 4/ 170. غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ 64 4/ 164. يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... 67 3/ 105- 8/ 289، 290، 291، 14/ 450. وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 67 4/ 223- 12/ 88- 13/ 54، 150، 11/ 206. وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا 92 3/ 167. جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ.. 97 3/ 258، 260. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ ... 101 11/ 242، 243، 244. يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ 110 3/ 105. وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ 110 4/ 223. يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ... 112 3/ 108- 4/ 222. قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ.. 115 3/ 218. أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ 116 11/ 192. إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ ... 118 2/ 243- 3/ 286- 9/ 245 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 12 سورة الأنعام وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ... 19 3/ 219. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى 35 11/ 203. فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا 45 12/ 258. وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ 52 9/ 106، 114- 11/ 207. أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ 53 9/ 114. يَقُصُّ الْحَقَّ 57 4/ 320. هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً 65 12/ 320، 321، 326. وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ ... 75 4/ 189- 11/ 210. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي 76 11/ 210. لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ 77 11/ 208. وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ ... 83 6/ 11- 12. وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ... 84- 85 6/ 8. وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ ... 87 6/ 5. أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ 90 2/ 358، 362- 3/ 120. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً 21 93 12/ 252- 14/ 161. وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ 91 96 4/ 332. لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ 103 8/ 289، 290، 293، 296. وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ 108 14/ 325. وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ 112 14/ 323. وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ.. 114 11/ 191. وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ ... 116 11/ 205، 207. وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً ... 129 14/ 445. قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ 140 2/ 363. وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ 151 2/ 363. قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ... 151- 153 4/ 353. أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ ... 152 11/ 10. وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ 155 9/ 39. لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ 158 12/ 194 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 13 قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي 162 13/ 23 سورة الأعراف يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ 19 3/ 105. فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ ... وَرَقِ الْجَنَّةِ 22 3/ 194. يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ ... 26 8/ 142. خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ 31 3/ 166- 8/ 142. ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ... طَمَعاً 55- 56 11/ 162. إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ 56 3/ 264. كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ 58 4/ 324. إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 60 3/ 111- 4/ 185. إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ 61 3/ 111- 4/ 185. يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ 66 3/ 111- 4/ 185. قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ 67 3/ 111- 4/ 185. يا صالِحُ ائْتِنا بعذاب اللَّه 77 3/ 105، 108. فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ 78 3/ 262. وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ 86 8/ 268. لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ 88 11/ 212. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا 89 4/ 278. وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ 130 5/ 373. يَعْرِشُونَ 137 4/ 261. اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ 138 2/ 9، 10- 3/ 108- 4/ 168، 261. قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي 143 8/ 294. يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي 144 3/ 105، 342. وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ... الْمُحْسِنِينَ 156 11/ 169. يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ ... 157 3/ 200، 345، 395- 13/ 100. يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً 158 3/ 22، 145- 10/ 275. بِعَذابٍ بَئِيسٍ 165 4/ 252 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 14 وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ 179 6/ 5. خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ 199 2/ 186- 11/ 228. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ 200 11/ 228 سورة الأنفال يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ 1 1/ 111- 3/ 167- 10/ 275- 13/ 145. وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ 7 3/ 319- 4/ 217، 231. إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ 9 1/ 99- 4/ 211، 220- 9/ 247- 12/ 138. إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ 12 1/ 100، 108- 3/ 36، 4/ 211. مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 13 3/ 167. وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى 17 1/ 108، 154- 4/ 261- 9/ 278- 13/ 253. إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ 19 1/ 105- 6/ 238- 12/ 140. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ 24 3/ 167- 10/ 204. وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا ... 25 13/ 222. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ 27 1/ 248. وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ 30 1/ 57- 5/ 268- 9/ 193. وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ 33 3/ 96. إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ 34 5/ 398. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ ... 36 1/ 131. قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ... 38 14/ 404. وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ 41 1/ 111- 3/ 167- 4/ 326- 13/ 144، 146، 147. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً 47 1/ 89- 12/ 148. وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ... 48 11/ 227- 12/ 144، 145، 146، 147. لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ 48 3/ 320 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 15 وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ 58 1/ 122. لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ 63 4/ 385- 9/ 45. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ 64 3/ 105، 401- 4/ 184، 190، 334. إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا.. 65 4/ 230. ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى 67 11/ 225. ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ... طَيِّباً 67- 69 8/ 343. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ ... 70 1/ 80- 12/ 165، 168، 169. الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ 74 9/ 85 سورة التوبة بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ 1 3/ 167. وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ 3 3/ 167. وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ ... 12 14/ 403. وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ... 12 9/ 221. أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا ... مُؤْمِنِينَ 13 14/ 625. الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ 20- 22 9/ 85. قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ ... الْفاسِقِينَ 24 13/ 170. لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ... 25 2/ 10. وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... 29 3/ 167. وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ 30 4/ 162، 170. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ... 33 4/ 230- 14/ 177. إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ ... 37 2/ 119- 14/ 316. إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً 39 12/ 78. إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ... 40 1/ 58. لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا 40 5/ 271. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ 40 11/ 203. عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ 43 3/ 115- 11/ 225. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي ... 49 2/ 49 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 16 وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... 59 3/ 167. وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ... 61 3/ 167- 14/ 349، 379. أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 63 3/ 167. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ 65- 66 2/ 54- 14/ 32. يُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ 71 3/ 167. جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ 73 3/ 179. وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ 73 4/ 204. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ 74 2/ 54- 14/ 33، 346، 382، 383. وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ 74 3/ 168. وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ ... 75 14/ 350. اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ... 80 2/ 90، 232. وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ ... 81 8/ 392. فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ ... 81- 82 2/ 49. فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ ... 83 14/ 491. وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ... 84 2/ 231، 232- 11/ 161. وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ ... لا يَفْقَهُونَ 84- 87 2/ 91. وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ 90 3/ 168- 8/ 391. تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ.. 92 8/ 391. وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ... 92 3/ 146- 12/ 351. سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ ... 95- 96 2/ 83. وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ 100 9/ 87، 88، 90، 169. وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ 101 10/ 348. وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً 102 1/ 247- 8/ 393. خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ... صَلِّ عَلَيْهِمْ 103 10/ 376- 11/ 161. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً 107 8/ 392- 14/ 362. وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 107 2/ 77. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً ... الْمُطَّهِّرِينَ 107- 108 2/ 78 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 17 وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً ... عَلِيمٌ حَكِيمٌ 107- 110 10/ 76. فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا 108 10/ 72، 74. ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ 113 2/ 363. لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ ... رَحِيمٌ 117 9/ 169. إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 117 11/ 169. لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ... التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 117- 118 8/ 393. لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ... مَعَ الصَّادِقِينَ 117- 119 2/ 82. وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً 122 2/ 79. وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ... 124- 125 3/ 97. لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ 128 4/ 184، 204، 244- 11/ 149، 150 سورة يونس وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ 2 3/ 263. كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ 24 4/ 324. وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ ... 25 8/ 126. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ ... 28 4/ 181. أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ... 62- 63 5/ 405. رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ 88 9/ 245. فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ ... 93- 94 11/ 190. وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ 95 11/ 190. قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي ... 104- 105 11/ 190. وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ ... 106 11/ 205 سورة هود قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ 13 4/ 140، 180- 9/ 39. وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ 17 3/ 131- 10/ 275. احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ 40 5/ 400- 12/ 204. وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ 42 3/ 105. لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ 43 11/ 182 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 18 وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي.. 45 12/ 43. إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ 46 5/ 398. فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ... 46 11/ 203، 204، 205. يا نُوحُ اهْبِطْ 48 3/ 105. يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ 53 3/ 105، 108. رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ 73 3/ 257- 11/ 170. يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا 76 3/ 105- 4/ 185. أَطْهَرُ لَكُمْ 78 4/ 271. ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ ... 91 3/ 215. فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ 109 11/ 190. إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى ... 114 2/ 21 سورة يوسف لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ 7 6/ 178- 12/ 73- 14/ 93. فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ 18 1/ 215. إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 30 11/ 213. رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ 33 4/ 199. لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ 35 4/ 264، 265. فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ 42 11/ 229. فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ 42 14/ 166. وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ 76 11/ 226. يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ 84 4/ 197. لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ... 92 1/ 391، 392- 2/ 233، 234. إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ 95 11/ 213. مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي 100 11/ 228. تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ 101 11/ 4. قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ ... 108 11/ 139. حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا ... 110 11/ 193، 194، 195 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 19 سورة الرعد اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ... 8 4/ 124. وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ 11 4/ 124. هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ 12 4/ 124. وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ 13 14/ 96. وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ 13 4/ 124. الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ ... 29 8/ 285. وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ ... 31 3/ 218، 219. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ 33 2/ 378. كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ... 43 3/ 395- 11/ 193 سورة إبراهيم وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ 4 3/ 112، 240- 10/ 274. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ ... 13 11/ 211. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً 28 12/ 134. وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ 28 12/ 124، 279. وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ 35 4/ 190- 11/ 208. رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ 36 2/ 243- 3/ 286. فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي ... 36 9/ 245. فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي ... 37 10/ 347. وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ 41 4/ 214. وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ 46 4/ 63. يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ 48 14/ 78 سورة الحجر يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ 6 4/ 185. لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ 7 4/ 220. ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً ... 8 3/ 218- 4/ 220 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 20 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ 9 3/ 179- 4/ 280، 285- 9/ 44. وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً ... مُبِينٌ 16- 18 5/ 7. قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ 68 14/ 314. لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ 72 3/ 221، 222- 4/ 205. عالِيَها سافِلَها 74 3/ 262. وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ 87 4/ 214. وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ 89 1/ 32. الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ 91 14/ 332. فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ 94 1/ 32. إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ 95 6/ 149- 14/ 328 سورة النحل وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ 13 6/ 5. وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ ... يَتَوَكَّلُونَ 41- 42 9/ 107، 114. وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ 44 4/ 214. أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ 47 4/ 278. وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ 68 2/ 367، 370. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ.. 90 4/ 347، 354. كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً 92 13/ 242. إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ 103 4/ 186. لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ ... 103 9/ 42. إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ 106 9/ 107- 14/ 386. ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ... 110 9/ 115. ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ 123 2/ 362، 363- 3/ 121. وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ... 126 1/ 168- 4/ 333 سورة الإسراء سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ... 1 3/ 353- 8/ 190، 203، 206، 210، 211، 256، 261، 267. إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً 3 3/ 184- 6/ 5 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 21 وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ ... 20 14/ 76. وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً 20 3/ 103. وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى 32 10/ 12. وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ... 45 4/ 116، 188. وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ ... 59 3/ 218، 219، 4/ 219. وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ... 60 8/ 201، 228، 292- 12/ 279. إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ 75 11/ 205، 206. وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ 76 4/ 332. أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ... نافِلَةً لَكَ 78- 79 13/ 26- 27. وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ 79 3/ 54، 288- 13/ 25، 35. عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً 79 3/ 232، 237، 239، 281، 288، 289، 290، 291. رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ 80 4/ 332. جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ... 81 4/ 188، 200- 5/ 72، 73، 74- 7/ 239- 13/ 380 . وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ ... 82 3/ 97. وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ ... 85 4/ 376، 377. لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا ... 88 4/ 140، 181- 9/ 39. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ 101 14/ 82. إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً 101 3/ 111- 4/ 185. إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً 102 3/ 111- 4/ 185. وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ ... 106 4/ 238 سورة الكهف الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ ... قَيِّماً 1- 2 4/ 377. فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ 6 11/ 198. وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ 24 10/ 324. وَاصْبِرْ نَفْسَكَ 28 4/ 333. وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ 60 11/ 230 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 22 وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ 63 11/ 229. هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً 66 11/ 226. وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً 84- 85 14/ 105. قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي ... 109 4/ 376 سورة مريم كهيعص 1 1/ 38- 4/ 365. يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ 7 3/ 106. فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا 11 2/ 367. يا يَحْيى 12 3/ 106- 4/ 185. يا يَحْيى 12 3/ 106- 4/ 185 . فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا 17 4/ 214. وَرَحْمَةً مِنَّا 21 4/ 214. قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا 24 4/ 264. وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ 31 11/ 170. وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا 52 4/ 200. وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا 57 4/ 194- 8/ 216. فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ 59 12/ 231- 14/ 139. وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا 64 11/ 139. وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها 71 9/ 127. ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ 72 9/ 127. وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا 97 4/ 63 سورة طه طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى 1- 2 2/ 144، 145. طه ما أَنْزَلْنا ... الْأَسْماءُ الْحُسْنى 1- 8 4/ 359. يا مُوسى 11 4/ 185. فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ 12 3/ 222. إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا ... 14 8/ 302. وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي 39 4/ 204. وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي 41 3/ 222 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 23 فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً 44 4/ 204. لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما 46 11/ 206. إِنْ هذانِ لَساحِرانِ 63 4/ 314. يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى 66 4/ 200. وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى قالَ هُمْ 83- 84 4/ 204. وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى 84 4/ 203. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى ... تَضْحى 118- 119 10/ 351. وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى 121 3/ 105. وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً 131 2/ 286- 13/ 117، 119. أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى 133 4/ 220. وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا 134 4/ 139 سورة الأنبياء فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 7 11/ 193. وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً 11 10/ 12. لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا 22 11/ 193. وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ ... 29 3/ 112، 240. وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ... 34 14/ 510. أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ... 67 9/ 245. فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى 87 11/ 199، 200. إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ... 90 11/ 162. وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ 107 3/ 96، 104، 217- 4/ 214- 11/ 173. وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ ... 111 5/ 360- 12/ 206 سورة الحج وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ 11 4/ 262، 274. انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ 11 12/ 207. هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ... 19 1/ 105. وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ ... 25 10/ 350 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 24 وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ 26 10/ 343. وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا ... 27 3/ 391. أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ... 39 1/ 71. أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ... عاقِبَةُ الْأُمُورِ 39- 41 9/ 226. وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ 40 4/ 217. وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ... 52 11/ 228. فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ 52 4/ 282. يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ 55 12/ 135. لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ 59 4/ 217. وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ 78 12/ 203 سورة المؤمنون قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1 2/ 192- 3/ 47. قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ... أَحْسَنُ الْخالِقِينَ 1- 14 8/ 269. أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ 64 12/ 135. وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا 76 12/ 78. فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ ... 101 10/ 283. أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً 115 3/ 157 سورة النور الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما 2 10/ 13. إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ 11 1/ 215. إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ 15 4/ 319. وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ 15 14/ 390. يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ 25 13/ 242. وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا 54 3/ 312- 4/ 205. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ 55 4/ 220، 231- 9/ 41- 14/ 179. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 62 3/ 167. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ... 56 11/ 9 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 25 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 62 9/ 48- 11/ 259. لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ 63 3/ 108، 109، 163- 9/ 49- 10/ 201- 11/ 168. فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ... 63 3/ 153، 155، 163 سورة الفرقان تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ 1 11/ 170. وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ ... 3 11/ 161. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ 4 4/ 186. أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها 5 4/ 231. قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ ... 6 4/ 186. لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى 7- 8 4/ 220. وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ 27 14/ 327. وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... خَذُولًا 27- 29 12/ 164- 165. وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ 31 14/ 323. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ... 32 4/ 237. وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً 33 4/ 238. وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً 38 12/ 293. أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ 43 14/ 324. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ ... 54 6/ 189. الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً 59 11/ 191. ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ 77 11/ 161. فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً 77 12/ 135- 14/ 170 سورة الشعراء يَضِيقُ صَدْرِي 13 4/ 271. فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ 20 11/ 214. إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ 70 11/ 208. أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ... رَبَّ الْعالَمِينَ 75- 77 11/ 208. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ 82 4/ 189 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 26 وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ 84 4/ 190- 10/ 369. وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ 87 4/ 190. كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ 105 10/ 276. كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ 123 10/ 276. كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ 141 10/ 276. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ 193 9/ 331. أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ 197 4/ 220. وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 214 1/ 32- 3/ 219- 4/ 109- 5/ 174، 175، 176. الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ 218- 219 5/ 308 . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... يَنْقَلِبُونَ 227 10/ 41 سورة النمل طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ 1 14/ 67. وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ 14 4/ 93. يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ 16 4/ 211. قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ 18 4/ 211. وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ 20 4/ 211. إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً ... بِهَدِيَّةٍ 34- 35 5/ 388. قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى 59 4/ 213 سورة القصص وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى 7 2/ 370. فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ 15 3/ 105. هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ 15 11/ 229. إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ 16 3/ 112. رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً 33 3/ 112. أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً ... 34 3/ 215- 4/ 206. وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا 46 3/ 339، 340. وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا 57 14/ 337 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 27 إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ 85 4/ 198، 332. كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ 88 12/ 177 سورة العنكبوت وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ 13 6/ 234. وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ... النُّبُوَّةَ 27 4/ 195. وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ ... 48 13/ 102، 106. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ ... 51 3/ 218- 4/ 220- 11/ 173 سورة الروم الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ... 1- 3 4/ 231. الم غُلِبَتِ الرُّومُ ... فِي بِضْعِ سِنِينَ 1- 4 4/ 217، 220. الم غُلِبَتِ الرُّومُ ... وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 1- 5 14/ 165، 168، 170، 171. وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ ... فِي بِضْعِ سِنِينَ 3- 4 9/ 41- 42. يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ... 7 11/ 216- 12/ 207. وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا ... عِنْدَ اللَّهِ 39 13/ 118 سورة لقمان إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ 18 11/ 7 سورة السجدة أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً ... 18 13/ 217. وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى 21 12/ 135. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ 23- 24 4/ 95. وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ ... يُنْظَرُونَ 28- 29 12/ 135 سورة الأحزاب اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ 1 11/ 205. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ 5 6/ 306- 10/ 207 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 28 النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ 6 3/ 132- 10/ 211، 257- 13/ 56، 169. وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ... 7 3/ 106- 5/ 392- 11/ 207. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ 9 1/ 243- 4/ 192- 11/ 387. وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ 10 4/ 206. إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ... شَدِيداً 10- 11 1/ 232. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ ... 12 13/ 293- 14/ 351. إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ 13 11/ 386- 14/ 352. وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ... 14 12/ 244- 14/ 152. قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ... 18 4/ 218. فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ ... 19 4/ 63. لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... 21 3/ 154، 155، 158. هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ 22 13/ 293. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ 23 4/ 246. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ ... 25 8/ 355- 13/ 178. وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها 27 4/ 217. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ... أَجْراً عَظِيماً 28- 29 13/ 63، 64، 68، 70، 74. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ... تَطْهِيراً 28- 33 10/ 237. يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ ... وَالْحِكْمَةِ 32- 34 5/ 387، 397. إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ... 33 3/ 208- 4/ 190- 5/ 383، 384، 385، 386، 387، 388، 391. وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ 34 4/ 284. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 36 3/ 167. وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ... 37 3/ 168- 8/ 289- 10/ 207، 208، 209، 210، 213. وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ 37 10/ 206. فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً 37 3/ 156- 6/ 61- 10/ 241. ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ 38 10/ 212، 213 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 29 ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ... 40 2/ 143- 3/ 106- 6/ 306- 10/ 207. وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ 40 4/ 314. هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ 43 10/ 380- 11/ 162، 163. وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً 43 3/ 179- 11/ 169. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً ... 45 1/ 201- 3/ 105- 4/ 214، 354- 10/ 308. إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ 50 6/ 104- 10/ 192، 196، 210، 240- 13/ 74، 76. وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ 50 6/ 91. تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ 51 10/ 204، 223، 235، 237. وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ 51 6/ 93، 118، 119. ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ... 51 13/ 66. لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ 52 4/ 260- 6/ 118، 119- 10/ 92. وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ 52 13/ 72، 74. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ ... 53 6/ 60. وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ... 53 5/ 395- 10/ 257، 258. إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ 56 10/ 368، 371، 374- 11/ 26، 42، 96، 99، 106، 142، 147، 164، 169- 14/ 614، 618. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً 56 11/ 2625. إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 57 3/ 167- 14/ 379. لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ ... تَبْدِيلًا 60- 62 14/ 384. مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا 61 14/ 379. يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا 66 3/ 135. فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا 69 4/ 168 سورة سبإ وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا 10 4/ 207 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 30 يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ ... 13 4/ 211. لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ ... صَبَّارٍ شَكُورٍ 15- 19 9/ 171. رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا 19 4/ 271. قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ 22 11/ 161. حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ 23 5/ 11. وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ... 28 3/ 112، 240- 4/ 214. وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ 39 8/ 268 سورة فاطر فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ 1 4/ 278. وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ 24 10/ 274. أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ 37 12/ 262 سورة يس يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ 1- 2 1/ 57- 3/ 223. يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 1- 3 4/ 120، 121. وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 2- 3 3/ 223. يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ... لا يُبْصِرُونَ 1- 9 9/ 196. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 3 2/ 145. إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا ... 8 4/ 188. فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ 9 1/ 57- 4/ 121، 188. وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ... 10 4/ 120. وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها 38 4/ 329. وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ 69 3/ 111- 4/ 185، 228- 13/ 93، 94، 96، 97، 98، 99. قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ 78 4/ 189- 14/ 327 سورة الصافات وَالصَّافَّاتِ صَفًّا 1 4/ 356. إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ ... ثاقِبٌ 6- 10 5/ 7 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 31 أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ 36 4/ 185. إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ... الشَّياطِينِ 64- 65 6/ 233، 234. كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ 65 11/ 229. وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ ... 78- 79 10/ 368، 339، 370. إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ 84 11/ 208. إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ 102 4/ 191- 13/ 182، 192. سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ 102 4/ 190. وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ... الْمُحْسِنِينَ 108- 110 3/ 258. وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ 113 3/ 257. سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ 130 5/ 373. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ 142 11/ 200. فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ... يُبْعَثُونَ 143- 144 11/ 199. فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ... يَزِيدُونَ 145- 147 11/ 199. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ 172 3/ 115 سورة ص وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ ... أَوَّابٌ 17- 19 4/ 207. وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا ... لَهُ ذلِكَ 21- 25 3/ 112. لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً 23 4/ 272. يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ 26 4/ 185- 3/ 105. وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ 34 3/ 105. رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً 35 4/ 209- 11/ 227. أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ 41 11/ 229. قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ... 86 12/ 73، 74 سورة الزمر وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ... 3 14/ 330. ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى 3 11/ 191 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 32 إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ 30 12/ 177- 14/ 412، 510، 511، 556، 560، 561. حَسْبِيَ اللَّهُ 38 4/ 190. قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ 53 4/ 332- 9/ 190. أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ.. 64 5/ 36. لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ 65 11/ 190، 205، 206 سورة غافر لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ 10 1/ 100. وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ 28 5/ 272- 8/ 248. أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ 46 5/ 373، 393، 11/ 25. وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ 60 11/ 161 سورة فصلت حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ... نَذِيراً 1- 4 4/ 341، 342، 343. وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ ... 23 14/ 496. وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ ... 33 11/ 138. ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 34 13/ 59- 14/ 383. إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ ... حَمِيدٍ 41- 42 9/ 39، 331. قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ ... 44 3/ 97 سورة الشورى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً 13 2/ 362. إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى 23 3/ 212، 213- 11/ 179. فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ 24 11/ 205، 206. وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ 38 2/ 280. وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً ... 51 2/ 370- 8/ 289، 290، 297، 303. ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ... 52 2/ 347، 358- 11/ 214، 215 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 33 سورة الزخرف جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا 3 4/ 265. سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا ... لَمُنْقَلِبُونَ 13- 14 7/ 214- 8/ 155، 156. وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ 28 6/ 22. وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ ... 31- 32 14/ 325. فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ 41 3/ 96، 220. وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ 44 4/ 214. وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا 45 8/ 281- 11/ 191. أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ... 52 3/ 215. بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ 58 4/ 63 سورة الدخان فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ 10 5/ 15- 12/ 74. فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ ... عَذابٌ أَلِيمٌ 10- 11 4/ 203. يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ 16 12/ 74. إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ 43- 44 4/ 269. إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ... كَغَلْيِ الْحَمِيمِ 43- 46 6/ 232 سورة الجاثية لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ ... 16- 17 4/ 195. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 29 4/ 282 سورة الأحقاف قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ 10 14/ 77. وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ 10 4/ 333، 339. وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما 17 12/ 277. وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ... 29 4/ 210. وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ... عَذابٍ أَلِيمٍ 29- 31 8/ 307. وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ... ضَلالٍ مُبِينٍ 29- 32 9/ 70- 71 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 34 يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ ... 30 5/ 12. مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ... 30 9/ 73. أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ 31 4/ 6. وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ 31 9/ 74. وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ ... 32 9/ 74 سورة محمد وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ ... 2 3/ 106. وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ 17 3/ 101. وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ 19 2/ 173. فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ 22 14/ 445. إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ ... يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ 25- 26 4/ 219. وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ 35 4/ 194 سورة الفتح إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً 1 1/ 299، 300. إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً ... وَما تَأَخَّرَ 1- 2 3/ 112، 113، 240. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ... 2 4/ 190. وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً 3 3/ 115. إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً 8 3/ 122. إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ 10 3/ 222- 11/ 14. وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا ... 13 3/ 122. سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ ... 15 14/ 491. قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ ... 16 4/ 217، 491. لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ ... 18 9/ 89. فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ 18 13/ 61. وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً ... 20 1/ 320- 5/ 105. وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ ... 21 4/ 217. وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ... بَصِيراً 24 2/ 3، 233- 9/ 14 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 35 لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا ... 27 4/ 198، 231- 9/ 21- 13/ 354. لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ 28 3/ 216- 9/ 41. مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ 29 2/ 139، 145- 3/ 106. رُحَماءُ بَيْنَهُمْ 29 2/ 162 سورة الحجرات يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا ... 1 10/ 281. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا ... 2 14/ 379، 616. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا ... غَفُورٌ رَحِيمٌ 2- 5 2/ 41. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ ... 6 2/ 42- 13/ 217. حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ... 7/ 3/ 101. وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ... 13 3/ 208، 213. يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا ... 17 2/ 89 سورة ق ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ 1- 2 4/ 279. وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ 10 4/ 279. وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ 19 4/ 273، 328. لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما ... 38 4/ 167 سورة الذاريات هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ ... 24 14/ 314. ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ 42 3/ 262- 4/ 192 سورة الطور إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ 7- 8 4/ 353. فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ 29 3/ 111. أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ ... 33- 34 4/ 235 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 36 أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ... الْمُصَيْطِرُونَ 35- 37 4/ 351، 352 سورة النجم وَالنَّجْمِ إِذا هَوى 1 12/ 119، 120. وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ... آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 1- 18 8/ 282. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى 2 3/ 111- 9/ 82. وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى 3- 4 3/ 114- 4/ 145، 10/ 299- 11/ 223. دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 8- 9 4/ 189- 12/ 117، 118. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 9 3/ 39. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى 10 8/ 227، 284، 286. ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 11 3/ 39، 42. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً 13 3/ 42. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى 13- 14 8/ 228، 284، 287. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى 16 8/ 250، 285. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 18 3/ 39. فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا 29 4/ 186. أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى 33 4/ 332 سورة القمر اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ 1 4/ 219- 5/ 17، 20، 21، 23، 24، 25. اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ... مُسْتَمِرٌّ 1- 2 5/ 17. إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ 2 5/ 18. أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ 10 4/ 183. إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ 34 5/ 293. سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ 45 8/ 341- 12/ 137. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ 46 4/ 244- 12/ 137 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 37 سورة الرحمن يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ 33 4/ 33- 9/ 73 سورة الواقعة فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ 8 3/ 208. وَالسَّابِقُونَ 10 3/ 208. طَلْحٍ مَنْضُودٍ 29 4/ 272، 325. إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً ... عُرُباً أَتْراباً 35- 37 2/ 254. لِأَصْحابِ الْيَمِينِ 38/ 3/ 208. أَصْحابُ الشِّمالِ 41 3/ 208. ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ... زَقُّومٍ 51- 52 6/ 233. فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ ... 75- 76 4/ 238. فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ... لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ 75- 77 5/ 388. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ ... رَبِّ الْعالَمِينَ 77- 80 9/ 39 سورة الحديد سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... أَجْرٌ كَبِيرٌ 1- 7 9/ 103. آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 7 11/ 9. لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ... 10 9/ 117، 120- 13/ 323، 325. لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا 13 4/ 269. وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ 23 14/ 217، 218 سورة المجادلة وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ 8 14/ 379. حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ 8 14/ 379. لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... 22 13/ 180 سورة الحشر ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً ... 5 8/ 359 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 38 ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ... 7 1/ 191- 4/ 326- 13/ 145، 146، 153. وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ ... 7 3/ 132، 133، 165- 9/ 49. لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ 8 9/ 86- 11/ 180. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ... 9 9/ 204- 11/ 180- 13/ 179. وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ... 10 11/ 181. إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ 16 14/ 364 سورة الممتحنة قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ ... 4 3/ 154. عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ ... 7 6/ 66- 10/ 263. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ ... 10 1/ 303، 353- 9/ 13. فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ 10 6/ 288، 289. وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 10 1/ 303. وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ ... 11 9/ 15 سورة الصف وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ 6 3/ 105. وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ 6 2/ 139، 145، 389. كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ 14 9/ 169 سورة الجمعة ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ... 4 11/ 160. فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً 6- 7 4/ 220. إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ 9 11/ 9. فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ 9 4/ 272، 328 سورة المنافقون إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ 1 1/ 209. لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ 8 14/ 343، 382 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 39 فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ 10 4/ 314 سورة التغابن فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا 8 3/ 122. وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ 11 4/ 230. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ 12 11/ 9 سورة الطلاق إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ 1 13/ 63. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً 2 4/ 230. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ 3 4/ 230. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ... أَجْراً 3- 4 14/ 35 سورة التحريم يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ... 1 6/ 50، 51. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ 2 10/ 337. وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً 3 6/ 50. وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ ... 4 5/ 405- 6/ 50- 13/ 68. يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ 8 4/ 190. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ 9 14/ 384. وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ 12 4/ 260 سورة الملك تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ 1 11/ 152، 170. وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ 5 5/ 7 سورة القلم ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ 2 4/ 186. وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 4 2/ 186، 192، 207. وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ... عَلَى الْخُرْطُومِ 10- 16 14/ 326 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 40 وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى ... مَذْمُومٌ 48- 49 11/ 200، 201 سورة الحاقة وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ 41 3/ 111. وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ 44 11/ 206. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ 45 11/ 205 سورة المعارج وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ 13 6/ 13. كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى ... فَأَوْعى 15- 18 5/ 297. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ 32 4/ 261 سورة نوح رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً 26 9/ 245 سورة الجن قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ 1 8/ 307. قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ... بِرَبِّنا أَحَداً 1- 2 4/ 210- 5/ 10. قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ... رَبُّهُمْ رَشَداً 1- 10 5/ 4. قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ... جَهَنَّمَ حَطَباً 1- 15 9/ 74 . وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ ... 6 4/ 31. وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً 8 5/ 9. أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ ... رَصَداً 9 4/ 220- 5/ 9. لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ ... رَشَداً 10 5/ 13. وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ... لِبَداً 19 2/ 145. إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ 22 9/ 79 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 41 عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً 26 8/ 291 سورة المزمل يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 1 3/ 56- 5/ 185- 12/ 135- 13/ 29. يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ ... أَوْ زِدْ عَلَيْهِ 1- 4 13/ 26، 30. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا 5 2/ 378، 384- 3/ 47، 52. إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً ... 6 4/ 279. إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا 7 13/ 31. وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ 11 12/ 135. إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى ... 20 3/ 54- 13/ 26، 28، 30. عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ 20 3/ 56. وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً 20 14/ 368 سورة المدثر يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1 4/ 184. يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ 1- 3 4/ 336، 338. يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ... فَطَهِّرْ 1- 4 1/ 31. يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ... فَاهْجُرْ 1- 5 3/ 12، 13، 14، 30، 31. وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ 6 13/ 116، 118. ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً 11 4/ 347، 348- 14/ 324. وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً ... 31 14/ 325 سورة القيامة لقيامة لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ... قُرْآنَهُ 16- 18 9/ 43 ، 44. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ 18 4/ 225. أَوْلى لَكَ فَأَوْلى 34 9/ 44 سورة الإنسان فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا 18 14/ 78 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 42 وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً 24 11/ 110 سورة المرسلات وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً 1 14/ 459، 462 سورة عبس كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ... كِرامٍ بَرَرَةٍ 11- 16 9/ 39 سورة التكوير وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ 9 2/ 363. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ 20 4/ 211. وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ 23 3/ 42 سورة المطففين وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا ... يُخْسِرُونَ 1- 3 9/ 203. كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ 15 8/ 294. فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ 34 11/ 209 سورة البروج بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 21- 22 9/ 39. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 22 4/ 261 سورة الطارق وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ 1 1/ 140 سورة الأعلى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 1 4/ 245- 13/ 42 سورة الفجر وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ 16 11/ 201 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 43 لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ 25- 26 4/ 319، 320 سورة البلد لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ 1- 2 1/ 399- 3/ 222 سورة الليل وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى 8- 9 6/ 234. وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى 17- 18 1/ 36 سورة الضحى وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى 1- 3 4/ 205. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ 4- 5 4/ 205. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى 5 4/ 204. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى 7 2/ 358- 11/ 213، 214 سورة الشرح أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ 1 3/ 33- 11/ 193. أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ... لَكَ ذِكْرَكَ 1- 4 11/ 118. وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ 4 3/ 259- 4/ 190، 194- 9/ 48 سورة العلق اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1 2/ 384- 3/ 19، 23، 28، 30، 53- 4/ 290، 336- 5/ 13- 11/ 197. اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... مِنْ عَلَقٍ 1- 2 4/ 126. اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... ما لَمْ يَعْلَمْ 1- 5 1/ 30، 31، 32- 3/ 3، 16، 25، 32، 4/ 337، 338. اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... وَاقْتَرِبْ 1- 19 9/ 75. كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى 6- 7 4/ 126. أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى 9- 10 6/ 231 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 44 أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى 11 6/ 231. إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى 13 4/ 126. فَلْيَدْعُ نادِيَهُ 17 4/ 126. سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ 18 4/ 126 سورة القدر إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ 1 4/ 237. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ... أَلْفِ شَهْرٍ 1- 3 5/ 360- 12- 274 سورة الزلزلة بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها 5 2/ 367 سورة العاديات وَالْعادِياتِ ضَبْحاً 1 3/ 222 سورة القارعة كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ 5 4/ 272 سورة العصر وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ 1- 2 4/ 322- 14- 445 سورة الفيل أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ... كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ 1- 5 4/ 63، 67. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ 3/ 4/ 83 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 45 سورة قريش لِإِيلافِ قُرَيْشٍ 1 4/ 64. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ 3- 4 4/ 65 سورة الكوثر إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 1 4/ 236- 5/ 360- 12/ 274. إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ 3 5/ 333- 14/ 328 سورة الكافرون قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ 1 2/ 108- 13/ 42- 14/ 325 سورة النصر إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ 1 2/ 127- 4/ 217- 9/ 86- 14- 414، 416، 417، 418. إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ ... إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً 1- 3 2/ 324 سورة المسد تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 1 4/ 109، 115. تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ... مِنْ مَسَدٍ 1- 5 6/ 258 سورة الإخلاص قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 1 2/ 108- 5/ 244- 11/ 145- 13/ 42- 14/ 46، 47 سورة الفلق قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ 1 11/ 134 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 46 فهرس أطراف الأحاديث حرف الالف طرف الحديث الجزء/ الصفحة ائت الميضأة فتوضأ 11/ 326، 327. ائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم 14/ 453. ائته، فإن وافقته حياً فأقتله 14/ 97. ائتوا روضة كذا تجدون بها امرأة 9/ 123- 13/ 376 . ائتوني بأعلم رجلين منكم 14/ 87. ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا 2/ 132- 14/ 449 . ائتوني بشيء من الماء 11/ 319. ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده 14/ 447. ائتوني بكتف والدواة واللوح أكتب لكم كتابا 14/ 448. ائتوني به 5/ 51. ائتوني بوضوء 1/ 83. ائذن له وبشره بالجنة 6/ 355- 13/ 197 . ائذني لي أتعبد في هذه الليلة 4/ 213. ائذنوا له حية أو ولد حية 12/ 278. ائذنوا له فلبئس ابن العشيرة 10/ 213، 216. ائذنوا له فبئس أخو العشيرة 2/ 245. أبا عبد اللَّه، ما يجلسك إليهن؟ 2/ 256. أبا وهب، هل لك العام تخرج معنا 2/ 48. إبراهيم خليل اللَّه، وموسى كلمه اللَّه تكليما 3/ 226. ابسط رجلك 13/ 309. ابسط رداءك 11/ 250. ابسط كساءك 5/ 278- 6/ 318 . ابسطوا أنطاعكم وعباءكم 5/ 148 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 47 أبشر أتاني جبريل وأخبرني أن حمزة 1/ 168. أبشر بخير يوم مر عليك 2/ 82. أبشر يا أبا بكر أتاك اللَّه بالنصر 4/ 211. أبشروا بنصر اللَّه وعونه 1/ 232. أبشروا قد ترحبت خيبر وتيسرت 1/ 311. أبشروا، فو اللَّه لأنا بكثرة الشيء أخوفني عليه 14/ 192. ابغني حجارا استنفض بها 9/ 80. ابغوني حصيات 2/ 68. أبك جنون؟ 10/ 16. أبكى الّذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء 9/ 247. ابن أبي العاص؟ 11/ 323. ابن الأشرف نزل على آل فلان 12/ 181. ابنك هذا؟ 7/ 66. ابنك ويشهد أصحاب النبي 6/ 53. ابنه خير منه 14/ 344. ابنوا عريشا كعريش موسى 10/ 88. ابنو لي منبرا 5/ 49. أبو الجبابرة الأربعة 12/ 279. أبو هريرة وعاء العلم 11/ 251. أبوك حذافة 6/ 49- 11/ 240 ، 241، 243. أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ 7/ 371. أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا 14/ 61. أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا 14/ 62. أتاني آت عليه ثياب بياض 2/ 343. أتاني آت من ربي فقال ما من عبد يصلي 11/ 51. أتاني آت من عند ربي فخيرني 3/ 264. أتاني جبريل عليه السلام بقدر فأكلت منها 6/ 126. أتاني جبريل بقدر يقال له الكفيت 6/ 126. أتاني جبريل في خضر معلقا به الدر 3/ 40 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 48 أتاني راعي الجن وآثار نيرانهم 9/ 77. أتاني الليلة ربي في أحسن صورة 8/ 129، 130. أتحب أن أريك آية؟ 5/ 37. أتحب ذلك؟ 5/ 115. أتحبه لأمك؟ 2/ 242. أتدرون أي الخلق أفضل إيماناً؟ 12/ 338، 339. أتدرون أي يوم أعظم حرمة؟ 10/ 343. أتدرون ما يقول هذا البعير؟ 5/ 259. أتدري على من استعملتك؟ 2/ 36. أتدري من ذلك الرجل؟ 12/ 247- 14/ 155 . اتركوا الحبشة ما تركوكم 12/ 311. أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى 10/ 26. أتشهد أني رسول اللَّه؟ 3/ 365- 14/ 90 . أتعجبون من هذا الطائر؟ 1/ 200- 5/ 275 . اتّق اللَّه وأمسك عليك زوجك 10/ 206، 208، 209. اتقوا اللَّه، فإن تقوى اللَّه خير ما تواصى به 14/ 486. اتقوا النار ولو بشق تمرة 14/ 59. أتقولون هو أضل أم بعيره؟ 10/ 217. أتموا الركوع والسجود 5/ 307. أتموا الصفوف فإنّي أراكم خلف ظهري 5/ 305. أتموا صلاتكم يا أهل مكة فإنّا سفر 2/ 104. أتى بفرس فحمل عليه 8/ 267. أتى الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي 9/ 33. أتى بالبراق وهو دابة أبيض طويل 8/ 214. أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل 8/ 275. أتيت على موسى ليلة أسرى بي عند الكثيب الأحمر 8/ 249- 10/ 304 . أتيت فانطلقوا بي إلى زمزم فشرح عن صدري 3/ 35- 8/ 219 . أتيت في أهلي فأتى بي إلى زمزم 3/ 37. أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق 5/ 256، 58- 14/ 215 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 49 أثمّ بينة؟ 5/ 264. أجدت لا يفضض اللَّه فاك 11/ 373. أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا 14/ 507، 562. أجرت نفسي من خديجة سفرتين بقلوص 8/ 186. اجعله في إناء ثم ائتني به 5/ 90. أجل 5/ 69- 7/ 212 . أجل أتاني آت من ربي عز وجل 11/ 44. أجل أم العيال وربة البيت 6/ 33. أجل إنه أتاني جبريل آنفا فقال يا محمد 11/ 44. أجل إنها صلاة رغبة ورهبة 12/ 323. أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم 14/ 513. أجل إني أوعك وعك رجلين منكم 10/ 366. أجل فافعلوا 10/ 171. أجل يا عائشة هذا ملك الموت جاءني 14/ 505. اجلس يا أبا حفص فقد كاد الحليم أن يكون نبيا 5/ 246. اجلسوا 2/ 160. اجلسوا باسم اللَّه 5/ 170. أجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود 8/ 45. أجنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة 5/ 143. أجيبوا جابر يدعوكم 1/ 229- 5/ 156 . أحابستنا هي؟ 2/ 120. أحبوا اللَّه لما يغذوكم به من نعمة 11/ 178. احتجم 8/ 60. احتفظي عليك بهذا الأسير 1/ 267. احتلبوا هذا اللبن بيننا 5/ 217. أحد جبل يحبنا ونحبه 14/ 42. أحذركم سبع فتن تكون بعدي 13/ 4. احذروا ما نزل بقريش وأسلموا 8/ 346. أحسن هذا 10/ 83 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 50 طرف الحديث الجزء/ الصفحة أحسنت 4/ 267. أحسنت إليك 2/ 235. أحسنت وقبلت ذلك 1/ 219. أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا 11/ 46، 47. أحسنتم، إنه لم يتوف نبي حتى يؤمه رجل صالح 2/ 57- 6/ 361 . أحصوا كم تلفظ بالإسلام 9/ 346. أحصى ما يخرج منها 14/ 42. أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء اللَّه 14/ 43. أحضروا المنبر 11/ 72. احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين 1/ 174. احفظي ما خرج منها حتى نرجع إليك 14/ 44. أحق ما بلغني عنك؟ 10/ 16. أحكم بينكم، أما أنت يا زيد فمولى اللَّه ورسوله 1/ 333. احلب لي العنز 5/ 226. احمل فإنما أنت سفينة 6/ 319. احموا لنا ظهورنا، فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا 1/ 141- 9/ 228 . أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس 2/ 375، 383- 3/ 45. أخبركم بما سألتم عنه غدا 4/ 377. أخبرنا عن قريش؟ 1/ 96. أخبرني بهن جبريل آنفا 14/ 74. أخبرني جبريل عليه السلام أن هذا يقتل بأرض العراق 8/ 129- 12/ 239- 14/ 147 . أختاره أن أغرسه في الجنة 5/ 52. أخذ الراية زيد بن حارثة فجاءه الشيطان 13/ 364. أخذ الراية زيد فأصيب 13/ 362. أخذنا فألك من فيك 2/ 274، 309. آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن 12/ 199. آخر شراب تشربه من الدنيا شربة لبن 12/ 199. أخر عني يا عمر، فإنّي خيرت فاخترت 2/ 90، 232. اخرج عدو اللَّه أنا رسول اللَّه 5/ 40، 263، 395- 11/ 321 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 51 اخرج عني من عندك 7/ 228- 9/ 197 . اخرج يا شيطان من صدر عثمان 11/ 253، 325. أخرجا ما تصررانه 5/ 379- 9/ 286 . أخرصوها 2/ 54. آخركم موتا في النار 14/ 132، 133. آخركم موتا في الناس فيهم سمرة بن جندب 12/ 223- 14/ 131 . اخسأ فلن تعدو قدرك 5/ 16. أخضبها بالحناء 8/ 60. أدخل 2/ 254. أدخل نفرا من أصحابي عشرة 5/ 167. أدخل يا عوف 13/ 191. أدخل يدك 2/ 173. أدخلهم 1/ 359. أدرك القوم فإنّهم قد اخترقوا 2/ 53- 14/ 32 . أدركا امرأة قد كتب معها حاطب كتابا 13/ 376. أدركه فخذ الراية منه 8/ 386. أدركهما فارتجعهما وبعهما جميعا 2/ 248. ادع أصحابك من أصحاب الصفة 5/ 172. ادع لي أسامة بن زيد 14/ 365. ادعهما 12/ 4. أدعو اللَّه أن يشفيه ويثبت به 11/ 311. أدعو إلى اللَّه عز وجل والإسلام 5/ 38. أدعو إلى اللَّه وحده لا شريك له 9/ 98. ادعوا إليّ عثمان بن طلحة 1/ 394. ادعوا إليّ محمية بن جزء 5/ 381. ادعوا لي ادعوا لي 5/ 386. ادعوا لي عثمان 13/ 384. ادعوا لي عليا 14/ 482. أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه 4/ 353 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 52 ادعى زوجك 12/ 65. ادعي لي أباك أبا بكر، وأخاك حتى أكتب كتابا 14/ 209، 210. ادعى لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا 14/ 290. ادن فتعش 11/ 71. ادن مني 11/ 339، 346. ادن مني، والّذي بعثني بالحق نبيا لأدعون لك بدعوة 11/ 315. ادنوا 5/ 176. ادني يا فاطمة 11/ 277. أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم 7/ 279. أدوا الخياط والمخيط، فإن الغلول عار وشنار 1/ 318. إذا أبردتم إليّ بريدا فأبردوا حسن الوجه 2/ 274، 308. إذا اتخذ الفيء دولا، والأمانة مغنما 12/ 381. إذا أتيتموها فألقوها واحدة واحدة 5/ 135. إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران 14/ 450. إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر اللَّه 1/ 120. إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق 12/ 203. إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة 12/ 381. إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه 7/ 386. إذا أصاب أحدكم الحمى 8/ 22. إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي 14/ 556. إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء 7/ 363. إذا أقبلوا برايات سود من عقب خراسان 12/ 296. إذا أمن الرجل الرجل على دمه 12/ 251- 14/ 159 . إذا أنتم صليتم عليّ فقولوا اللَّهمّ صل على محمد 11/ 20. إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا 12/ 276. إذا بلغت بنو أمية أربعين 12/ 275، 278. إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه 10/ 320. إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل 3/ 252- 11/ 39 . إذا جاء الرطب فهنئني 7/ 318 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 53 إذا جلست في صلاتك فلا تتركن الصلاة عليّ 11/ 112. إذا جمع اللَّه الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد 10/ 341. إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم 4/ 145. إذا حم أحدكم فليشن الماء البارد ثلاث 8/ 23. إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد اللَّه 11/ 125. إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم عليّ 11/ 127. إذا دخلت منزلك فسلم إذا كان فيه أحد 11/ 145. إذا رأيته هبته 4/ 216. إذا رفع أحدكم رأسه من آخر السجود فقد مضت صلاته 11/ 95. إذا سألتني إني لفي صحراء 3/ 33. إذا سمعتم بناس يأتون من قبل المشرق 12/ 390. إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول 11/ 50، 121. إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه 11/ 54. إذا صليتم عليّ فصلوا على أنبياء اللَّه 10/ 371. إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة 12/ 381. إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني ويصل عليّ 11/ 148. إذا عطب شيء منها فخشيت عليه موتا فانحره 7/ 254. إذا عطس أحدكم فليضع كفه على وجهه 2/ 258. إذا فتح اللَّه عليكم بعدي مصر فاتخذوا فيها جندا 14/ 185. إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل 11/ 144. إذا فرغت فآذنا 2/ 232. إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما 9/ 212. إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا 1/ 345. إذا قضى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها 5/ 6. إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد للَّه صالح 5/ 394. إذا كان يوم القيامة قيل يا أهل الجنة غضوا 4/ 195. إذا كان يوم القيامة كان لواء الحمد بيدي 3/ 236. إذا كان يوم القيامة كنت إمام الناس يوم القيامة 3/ 236. إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم 3/ 290 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 54 إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجب 4/ 195. إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما 9/ 212. إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ 14/ 26. إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتها أبناء الملوك 12/ 319. إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم 12/ 138. إذا منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها 12/ 313- 14/ 193 . إذا نسيتم شيئا فصلوا عليّ تذكروه إن شاء اللَّه 11/ 146. إذا نكح الوليان فالأول أحق 6/ 74. إذا هجرتموني فأمسكوا عني 14/ 583- 584 . إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده 12/ 131، 132- 14/ 187، 188. إذا وزنت فأرجح 7/ 16. إذا وضع السيف في أمتي لا يرفع عنها إلى يوم القيامة 12/ 322. إذا يخزيك اللَّه 14/ 3. إذا يكفيك اللَّه ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك 11/ 136. أذقت أول قريش عذابا ووبالا 12/ 81. إذن تخمشك النار، فإن شفاعتي لكل هالك من أمتي 3/ 293. أذنت للناس في نحر حمولتهم يأكلونها 5/ 151. إذنك عليّ أن ترفع الحجاب 6/ 356. اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم 1/ 188. أذهب الباس رب الناس 8/ 51- 11/ 336 ، 337، 338. اذهب به فقد أجرته 1/ 360. اذهب فادع لي بثلاثين من أشراف الأنصار 5/ 179. اذهب فادع لي معاوية 12/ 112، 113. اذهب فبيدر كل تمر على ناحية 5/ 198. اذهب فخذ جارية 6/ 88- 13/ 139 . اذهب فردهم 10/ 136. اذهب فصنف تمرك أصنافا 5/ 198. اذهبا فإن أدركتماه فاقتلاه 14/ 97 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 55 أذهبتم من عندي جميعا وجئتم مفرقين 1/ 78. اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم 7/ 12. اذهبوا به إلى فلانة فإنّها كانت صديقة خديجة 2/ 225. اذهبوا بهذه الحصيات إلى بئركم 5/ 135. اذهبوا فقولوا لها فتأكل سمنها 2/ 230. اذهبي إلى الأنصار 11/ 389. اذهبي فإنّا لم نأخذ من مالك شيئا 5/ 103. أراد القوم الصلح 1/ 291. أرأيت إن صرعتك تعلم أن ذلك حق؟ 12/ 84. أرأيت لو دعوت هذه العذق من هذه النخلة 5/ 37. أرأيت ما تلقى أمتي من بعدي 12/ 325. أرأيتكم ليلتكم هذه؟ 12/ 288، 289. أرأيتم إن قتلت أم قرفة؟ 1/ 271. ارجع 1/ 82. ارجع إلى سيدتك، لا تقتل معي فتدخل النار 2/ 51. ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري 4/ 370. ارجع إلى مكانك 5/ 36. ارجع فاحجج مع امرأتك 9/ 349. ارجع فإنك لم تصنع شيئا 14/ 13. ارجع معه فإنه يوشك أن يهلك 12/ 394. ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم 2/ 247. ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم وبروهم 2/ 248. أرجو أن تجدوا الخبر عند هذا القليب 1/ 96. أرسلت إلى الجن والإنس وإلى كل أحمر وأسود 3/ 330. أرسلك أبو طلحة؟ 5/ 165. أرسله يا عمر 4/ 251. أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة 2/ 226. أرض المنشر والمحشر 6/ 347. أرضعيه ولو بماء عينيك 12/ 260. ارفع إزارك فإنه أتقى وأبقى 7/ 14. ارفعوا أيديكم 13/ 346 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 56 ارفعوا أيديكم، فإن كتف هذه الشاة تخبرني 13/ 348. ارقيه وعلميها حفصة كما علمتيها الكتاب 10/ 57. اركب بسم اللَّه 11/ 262. اركب يا عقبة 7/ 223. أركبها ويلك 2/ 103. ارم أبا إسحاق 2/ 329. ارم أبا طلحة 1/ 150. ارم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة 7/ 322. ارم اللَّهمّ سدد رميته 1/ 84. ارموا بمثل حصى الخذف 2/ 117. ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا 12/ 82، 83. ارموا وأنا معكم جميعا 12/ 83. أروني ابني ما سميتموه؟ 2/ 275- 3/ 310- 6/ 9 . أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة 8/ 118. أريت قوما من أمتي يركبون البحر 10/ 252. أريت الليلة رجل صالح 8/ 134. أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك 10/ 271- 11/ 235 . أريتك في المنام مرتين إذا رجل يحملك 11/ 235، 236. أريتك قبل أن أتزوجك مرتين 11/ 236. أريته في المنام وعليه ثياب بيض 8/ 103. أزبدك، أزبدك 9/ 358. أزوج بنت حمزة سلمة بن أبي سلمة مكافأة له 6/ 55. أسأل اللَّه العظيم، رب العرش العظيم 8/ 49. أسأل اللَّه عز وجل معافاته ومغفرته 4/ 253. أسألك اللَّهمّ بأسمائك الحسنى ما علمت منها 11/ 226. استجيب لي فيك يا عمر 3/ 401. استعيذوا باللَّه من عذاب القبر 12/ 5. استعينوا بالنسلان 2/ 107. استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل الجنة 13/ 364، 370، 371 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 57 استقاد لها سعد، أجاب اللَّه دعوتك وسدد رميتك 1/ 149. استكثروا من النعال 2/ 50. استو يا سواد 1/ 99. استودع اللَّه دينك وأمانتك 8/ 159. استودع اللَّه دينكم وأعمالكم 8/ 158. استودعك اللَّه الّذي لا تضيع ودائعه 8/ 160. استوصوا بالأدم الجعد 14/ 125. استوصوا بالقبط خيرا، فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان 5/ 337- 14/ 125 . أسرع قبائل العرب فناء قريش 12/ 315. أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا 6/ 61. اسقه عسلا 7/ 397، 398. اسكتي، فلك اللَّه ألا أقربها أبدا 6/ 50. اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم 2/ 74- 5/ 323- 7/ 240 . أسلم تسلم 12/ 94. أسلمتم؟ 11/ 344. أسممت هذه الشاة؟ 13/ 346. اشتر لنا به شاة 12/ 44. اشدد بهذه العصابة رأسي 6/ 369. اشربوا باسم اللَّه 5/ 176. اشربي يا أم معبد 5/ 211. أشعر كلمة تكلمت بها العرب 2/ 268. أشهد أني رسول اللَّه 2/ 56- 5/ 116 . أشهد أن اللَّه على كل شيء قدير 5/ 118. أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه 5/ 145، 150. أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني عبده ورسوله 5/ 152. أشهدوا 5/ 19، 20، 23، 24، 25. أشيروا عليّ أيها الناس 1/ 94- 9/ 242 . أصابك السوط؟ 2/ 26. أصبت، ما أمرت خالد بالقتال 2/ 7 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 58 اصبروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة 9/ 107. اصبري فإنك أول أهلي لحوقا بي 14/ 417. اصحبني كيما تصيب منها 7/ 325. أصدق بيت قاله الشاعر 2/ 267. أصدق كلمة قالها شاعر 2/ 268. أضحك من قوم يؤتى بهم من المشرق في الكبول 1/ 228- 13/ 295 . اضرب به 5/ 44. اضربوه 10/ 35. أطعمنا يا بلال 2/ 293. اطعنوا فيها بالسكين، واذكروا اسم اللَّه 7/ 293- 14/ 297 . اطلبوا فضلة من ماء 2/ 203- 5/ 91 . أطلقوا ثمامة 10/ 172. أطيب اللحم لحم الظهر 7/ 286- 14/ 292 . أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء 9/ 369- 14/ 181 . اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم 5/ 249. أعتق أم إبراهيم ولدها 5/ 337- 6/ 130 . أعتق إن شئت نصيبك 6/ 312. أعجب الناس إيمانا قوم يأتون بعدي 12/ 339. أعجبك يا أبا وهب هذا الشعب؟ 2/ 29- 9/ 298 . اعدد ستا بين يدي الساعة 12/ 326- 13/ 190- 14/ 184 . أعذر إلى اللَّه امرئ أخر أجله 12/ 262. أعرستم الليلة؟ 12/ 23. أعرضي عليّ 10/ 57. أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي 3/ 293، 311، 314، 317. أعطيت فواتح الكلم ونصرت بالرعب 3/ 317. أعطيت في الجماع قوة أربعين رجلا 6/ 115. أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب 3/ 316- 9/ 237 . أعطيت مكان التوراة السبع 3/ 318. أعطيكم ما ترزءون فيه ولا أعطيكم ما ترزءون به 1/ 392 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 59 أعطيته غسالة محاجمي يهريق ما فيها 12/ 254. أعقل ناقتي 2/ 189. أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين 12/ 263. أعني على نفسك بكثرة السجود 6/ 354. أعيدي سمنكم في سقائه 12/ 21. اغذوا السير فإن بينكم وبين المشركين ماء 5/ 96. أغرس واشترط لهم 5/ 184. اغسلني يا علي إذا مت 14/ 572. اغسلوه من ماء بضاعة 7/ 351. اغسلوها واطبخوا وكلوا فيها واشربوا 1/ 314. أف، أف، أف 12/ 6. افتح عينيك 1/ 310. افتحا فاه 1/ 93- 5/ 139 . افتحوا عنه 5/ 253. أفد نفسك وابن أخيك عقيل 12/ 169. أفرأيت يا أبا الوليد 4/ 343. أفش السلام وأبذل الطعام 2/ 21. أفضل أيامكم يوم الجمعة 10/ 296. أفضل الأيام عند اللَّه يوم النحر 5/ 266. أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال 12/ 339. أفضل نساء العالمين خديجة بنت خويلد 10/ 270. أفطر الحاجم والمحجوم 5/ 32. أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار 7/ 342. افعله ولا حرج 2/ 116. افعلوا 5/ 146. أفلح وجهك 1/ 263- 2/ 61 . أفلح الوجه 1/ 257. أفلحت الوجوه 1/ 196- 12/ 183- 13/ 311 . أفلا أكون عبدا شكورا؟ 2/ 315، 316، 317، 332 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 60 أفلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك 11/ 259. أفلا كنتم آذنتموني به؟ 10/ 140، 141، 365. أفيضوا عليّ سبع قرب من سبع آبار شتى 14/ 440. أقبلي بإذن اللَّه 14/ 338. اقتسموا 6/ 316. أقتلت ابنة مروان؟ 1/ 120. اقتلوه 7/ 150- 10/ 30 . اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة 13/ 110. اقرأ عليّ 2/ 325. اقرأ عليّ القرآن 2/ 324. اقرأ فلان فإنّها السكينة نزلت عند القرآن 5/ 329. اقرأ يا ابن حضير 5/ 329، 330. اقرأ يا أسيد فإن ذلك ملك استمع القرآن 5/ 331. أقرأني جبريل على حرف فراجعته 4/ 255. اقرأه على سبعة أحرف 4/ 267. أقركم ما أقركم اللَّه 9/ 385. أقسم بين الناس 2/ 115. أقسمت عليك إلا زدتيها 6/ 62. اقطعوا عني لسانه 2/ 29. اقطعوا قلائد الإبل من الأوتار 2/ 68. أقم رجلا صيتا إذا طلع الفجر على هذا الجبل 7/ 258. أقم رجلا صيتا على هذا الجبل 1/ 212. أقيموا الركوع والسجود 5/ 307. أقيموا صفوفكم فإنّي أراكم من وراء ظهري 5/ 305. أقيموا صفوفكم وتراصوا فإنّي أراكم من وراء ظهري 5/ 306. اكتب باسم اللَّه الرحمن الرحيم 1/ 295. اكتب يا زيد 3/ 51. اكتبوا إليّ من تلفظ الإسلام من الناس 9/ 344. اكتحلوا بالإثمد فإنه يجلو البصر 7/ 90 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 61 أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه يوم مشهود 11/ 65. أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه أتاني جبريل آنفا 11/ 67. أكثروا عليّ من الصلاة في كل يوم جمعة 10/ 306- 11/ 66 ، 134، 135. أكذلك 10/ 136. أكل عندكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة 7/ 343. أكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد 7/ 335. البسوا من ثيابكم البياض 8/ 9. الحقا بأمكما 5/ 322. الزموا مشاعركم فإنكم على إرث 2/ 113. ألقه 2/ 55. اللَّه 1/ 128- 2/ 11- 4/ 119 ، 401- 8/ 353- 12/ 190- 13/ 290. اللَّه اللَّه الصلاة وما ملكت أيمانكم 14/ 457. اللَّه اللَّه في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم 14/ 124. اللَّه أكبر، أشهد أني عبد اللَّه ورسوله 13/ 339. اللَّه أكبر، أعطيت مفاتيح الشام 13/ 293. اللَّه أكبر، خربت خيبر 1/ 307. اللَّه أكبر، قلتم كما قال قوم موسى 2/ 10. اللَّه الّذي لا إله إلا هو 12/ 154. اللَّه الّذي لا إله غيره لأنت قتلته؟ 6/ 238. اللَّه يمنعني منك 1/ 201- 4/ 119 . اللَّهمّ ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي 7/ 298- 14/ 301 . اللَّهمّ أبدله بالطرب قراءة القرآن 4/ 7. اللَّهمّ إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة 11/ 301، 303. اللَّهمّ ابعث عليه كلبا من كلابك 12/ 117. اللَّهمّ أتبع أهل هذا القليب لعنة 4/ 183. اللَّهمّ اجعل به وزغا 12/ 99. اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا 2/ 289- 5/ 389 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 62 اللَّهمّ اجعل سهمك في الكتيبة 9/ 281. اللَّهمّ اجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون 13/ 192. اللَّهمّ اجعل له آية تعينه على ما ينوي به الخير 4/ 358- 5/ 312 . اللَّهمّ اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة 7/ 237. اللَّهمّ اجعلهم رفقائي في الجنة 1/ 163. اللَّهمّ أحسن الخلافة على تركته 13/ 270. اللَّهمّ أخرج ما في صدره من غل 9/ 225. اللَّهمّ ارفع عنا شرهم وانصرنا عليهم 1/ 234. اللَّهمّ أذهب حزن قلوبهم وأجبر مصيبتهم 1/ 175. اللَّهمّ أذهب عنه الحر والبرد 11/ 279، 280. اللَّهمّ أذهب عنه الشيطان 2/ 17. اللَّهمّ ارحم بني سلمة 1/ 179. اللَّهمّ ارحم جلدي الرقيق 10/ 3. اللَّهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار 1/ 192. اللَّهمّ اردد الشمس على عليّ 5/ 27، 28. اللَّهمّ ارددها عليه فإنه كان في طاعتك 5/ 30. اللَّهمّ ارزق آل محمد قوتا 2/ 289. اللَّهمّ ارزقه مالا وولدا 12/ 20. اللَّهمّ ارض عن ابن خرشة فإنّي عنه راض 14/ 340. اللَّهمّ ارفع عنهم 12/ 80. اللَّهمّ أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها 5/ 35. اللَّهمّ استجب لسعد إذا دعا 12/ 31، 32. اللَّهمّ استجب له إذا دعاك 4/ 397. اللَّهمّ اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا 5/ 130، 131. اللَّهمّ اسقنا، اللَّهمّ اسقنا، اللَّهمّ اسقنا 5/ 121، 123. اللَّهمّ اسقنا غيثا عاجلا غير آجل 12/ 76. اللَّهمّ اسقنا غيثا مغدقا طبقا 12/ 77. اللَّهمّ اسقنا غيثا مريعا طبقا 12/ 76. اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا هزجا نجحا 5/ 125، 130، 132 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 63 اللَّهمّ اسقهم الغيث 14/ 310، 311. اللَّهمّ أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك 8/ 85. اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر 12/ 74. اللَّهمّ اشف سعدا وأتمم له هجرته 4/ 395- 11/ 304 . اللَّهمّ اشف عمي 11/ 317. اللَّهمّ اشفه، اللَّهمّ عافه 11/ 281. اللَّهمّ اشهد 4/ 17، 19. اللَّهمّ اصرعه 12/ 122. اللَّهمّ أعذني من شيطانه 2/ 88. اللَّهمّ أعز دينك بأحب الرجلين إليك 9/ 103- 104 . اللَّهمّ أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل 12/ 16. اللَّهمّ أعني على سكرة الموت 14/ 500، 514. اللَّهمّ أعني على كرب الموت 2/ 133. اللَّهمّ أعني عليهم بسبع كسبع يوسف 12/ 74. اللَّهمّ أغثنا، اللَّهمّ أغثنا، اللَّهمّ أغثنا 5/ 120. اللَّهمّ اغفر لأبي عامر واجعله من أعلى أمتي 9/ 235. اللَّهمّ اغفر لجابر 5/ 202. اللَّهمّ اغفر لنا 2/ 205. اللَّهمّ اغفر لي خطيئتي وجهلي 3/ 254. اللَّهمّ اغفر لي ذنبي كله 3/ 254. اللَّهمّ اغفر لي ما قدمت وما أخرت 3/ 254. اللَّهمّ اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى 10/ 368. اللَّهمّ افتح لي أبواب رحمتك 14/ 619- 620 . اللَّهمّ افتح عليهم أعظم حصن فيه 1/ 312- 13/ 326 . اللَّهمّ أقبل بقلوبهم وبارك لنا في صاعنا 12/ 67. اللَّهمّ أكبه لمنخره واصرعه 12/ 163. اللَّهمّ أكثر ماله وولده 4/ 397- 12/ 18 ، 19، 20. اللَّهمّ اكسه جمالا 11/ 333، 334. اللَّهمّ اكفنا ابن العدوية 6/ 194 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 64 اللَّهمّ اكفني ابن الأشرف بما شئت 1/ 125. اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل، وابعث عليه داء يقتله 4/ 124، 398- 12/ 95. اللَّهمّ اكفني عامرا واهد قومه 12/ 96. اللَّهمّ اكفني نوفل بن خويلد 1/ 110- 12/ 166 . اللَّهمّ اكفنيه 1/ 305. اللَّهمّ العنهم 2/ 253. اللَّهمّ ألق عليها النفاق 1/ 318. اللَّهمّ إليك أشكو ضعف قوتي 8/ 305. اللَّهمّ إليك لا أبالي النار أنا وأهل بيتي 5/ 388. اللَّهمّ أمتعه بشبابه 11/ 349. اللَّهمّ أمتي أمتي 2/ 243- 3/ 286 . اللَّهمّ أمكني ثمامة بغير عهد ولا عقد 14/ 257. اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك دعاك 1/ 82، 83. اللَّهمّ إن تظهر عليّ هذه العصابة يظهر الشرك 1/ 103. اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد 3/ 321. اللَّهمّ إن جعفرا قد قدم إليّ أحسن الثياب 1/ 343. اللَّهمّ إن ظهر على هذه العصابة ظهر الشرك 3/ 321. اللَّهمّ إن عبدك تصدق بنفسه على نبيك 5/ 30. اللَّهمّ إن عبدك عليا احتسب بنفسه على نبيه 5/ 27، 28. اللَّهمّ إن عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك 5/ 30. اللَّهمّ إن العيش عيش الآخرة 1/ 230. اللَّهمّ أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته 2/ 251. اللَّهمّ إنّا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم 9/ 274. اللَّهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى 8/ 155. اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر 1/ 258- 8/ 153 ، 154. اللَّهمّ أنت عضدي، وأنت نصيري، وبك أقاتل 9/ 267. اللَّهمّ أنج أصحاب السفينة 14/ 106. اللَّهمّ أنج عياش بن أبي ربيعة 12/ 72. اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد 6/ 242- 12/ 68 ، 69، 70، 71 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 65 اللَّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللَّهمّ آت ما وعدتني 8/ 343- 9/ 246- 12/ 138 . اللَّهمّ أنشدك عهدك ووعدك 8/ 341- 12/ 137 ، 139. اللَّهمّ انصر خبابا 9/ 108. اللَّهمّ إنك إن تهلك هذه العصابة لم تعبد في الأرض 12/ 136، 147. اللَّهمّ إنك أنزلت عليّ الكتاب وأمرتني بالقتال 1/ 101- 12/ 139 . اللَّهمّ إنك قد عرفت حالهم وأن ليس بهم قوة 13/ 326. اللَّهمّ إنما أنا بشر أغضب وآسف كما يغضب البشر 1/ 267. اللَّهمّ إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر 2/ 251. اللَّهمّ إنه في طاعة رسولك 5/ 28. اللَّهمّ إنهم حفاة فاحملهم وعراة فاكسهم 1/ 83- 12/ 178 . اللَّهمّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد 2/ 7. اللَّهمّ إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفينه 2/ 250، 251- 10/ 184، 186. اللَّهمّ إني أسألك في سفري هذا من البر والتقوى 8/ 156. اللَّهمّ إني أسألك من فضلك ورحمتك 5/ 196. اللَّهمّ إني أعوذ بك من الجنون والجذام 10/ 329. اللَّهمّ إني أعوذ بك من شر من يمشي على بطنه 4/ 119. اللَّهمّ إني أنشدك ما وعدتني 5/ 66. اللَّهمّ إني أنشدك وعدك وعهدك 1/ 239- 9/ 252 ، 272، 273- 12/ 137، 139. اللَّهمّ إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه 2/ 70. اللَّهمّ اهد أم أبي هريرة 11/ 254. اللَّهمّ اهد ثقيفا وائت بهم 14/ 24. اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم 2/ 229- 4/ 358 ، 359- 5/ 311. اللَّهمّ اهد عامرا وأمكن ابن عامر 14/ 258. اللَّهمّ اهد قلبه وثبت لسانه 11/ 294. اللَّهمّ اهد قلبه وسدد لسانه 4/ 395- 11/ 294 . اللَّهمّ أهله علينا باليمن والإيمان 2/ 281. اللَّهمّ أيده بروح القدس 6/ 173- 10/ 38 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 66 اللَّهمّ بارك في الشعر 5/ 107. اللَّهمّ بارك فيه وصل عليه 10/ 378. اللَّهمّ بارك لنا في ثمارنا، وبارك لنا في مدينتنا 7/ 330. اللَّهمّ بارك لنا في شامنا، اللَّهمّ بارك لنا في يمننا 14/ 184. اللَّهمّ بارك لنا في مدنا وصاعنا 11/ 299. اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا 7/ 329، 330- 10/ 347. اللَّهمّ بارك له في شعره 1/ 263. اللَّهمّ بارك له فيه 4/ 394- 5/ 222- 11/ 276 . اللَّهمّ بارك له في تجارته 4/ 397- 12/ 47 . اللَّهمّ بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم 7/ 342. اللَّهمّ بارك لهما 12/ 23، 24. اللَّهمّ باسمك أموت وأحيا 8/ 83. اللَّهمّ بك أجول وبك أصول 1/ 132، 140. اللَّهمّ ثبته واجعله هاديا مهديا 12/ 56. اللَّهمّ جمله 11/ 346، 349، 350. اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كحبنا مكة 10/ 350- 11/ 296 ، 298، 299، 300. اللَّهمّ حبب عبيدك هذا 11/ 254. اللَّهمّ حجة لا رياء فيها ولا سمعة 2/ 111. اللَّهمّ حوالينا ولا علينا 5/ 120، 122، 123، 124، 125، 127، 130. اللَّهمّ خذ من قريش الأخبار والعيون حتى تأتيهم بغتة 1/ 351. اللَّهمّ رب الحل والحرام، ورب البلد الحرام 11/ 152. اللَّهمّ رب السموات السبع ورب الأرضين 8/ 81. اللَّهمّ رب السموات السبع وما أظللن 1/ 306- 8/ 165 . اللَّهمّ رب الناس أذهب الباس 8/ 51. اللَّهمّ رب هذه الدعوة المستجابة المستجاب لها 11/ 124. اللَّهمّ الرفيق الأعلى 14/ 501. اللَّهمّ روح مروحا إلى النار 14/ 20 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 67 اللَّهمّ زد هذا البيت تشريفا 2/ 108. اللَّهمّ زدنا ولا تنقصنا 3/ 47. اللَّهمّ سدد رميته وأجب دعوته 12/ 37. اللَّهمّ سلط عليه كلبا من كلابك 12/ 118. اللَّهمّ سلط عليه كلبك 4/ 399- 12/ 117 . اللَّهمّ سلمهم وغنمهم 4/ 398- 12/ 51 . اللَّهمّ صل على آل أبي أوفى 5/ 373، 374- 11/ 162. اللَّهمّ صل على آل أبي بكر 10/ 381. اللَّهمّ صل على محمد وسلم، اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي 11/ 128. اللَّهمّ صل على محمد النبي الأمي 3/ 253. اللَّهمّ صل على محمد وأنزله المقعد المقرب عندك 11/ 92. اللَّهمّ صلى على محمد وعلى آل محمد 10/ 377. اللَّهمّ عافه 4/ 394. اللَّهمّ على ظهور الجبال والآكام 5/ 121. اللَّهمّ عليك بأبي جهل بن هشام 12/ 151. اللَّهمّ عليك ببني بكمة 2/ 18. اللَّهمّ عليك بعمرو بن هشام 12/ 105. اللَّهمّ عليك بقريش 4/ 183- 6/ 230- 12/ 102 ، 103، 105، 106. اللَّهمّ عليك الملأ من قريش 12/ 105. اللَّهمّ علمه التأويل وفقهه في الدين 12/ 247- 14/ 155 . اللَّهمّ علمه الحكمة 12/ 14، 15. اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش 14/ 331. اللَّهمّ علمه الكتاب 12/ 14. اللَّهمّ عمره وأكثر ولده 12/ 20. اللَّهمّ عهدك الّذي عهدت إليّ 12/ 136. اللَّهمّ فارج الهم كاشف الغم 12/ 40. اللَّهمّ فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة 2/ 250 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 68 اللَّهمّ فقهه في الدين 4/ 397- 6/ 359 ، 360- 12/ 13، 15. اللَّهمّ قد أنجزت لي ما وعدتني فتمم عليّ نعمتك 1/ 110- 12/ 151 . اللَّهمّ قني عذابك يوم تجمع عبادك 8/ 83. اللَّهمّ كبه لمنخره واصرعه 4/ 399. اللَّهمّ كما أطعمتنا أولها فأطعمنا آخرها 7/ 329. اللَّهمّ كما حسنت خلقي فحسن خلقي 7/ 87. اللَّهمّ لك الحمد أطعمت وأسقيت وأشبعت 7/ 338. اللَّهمّ لك الحمد كله، اللَّهمّ لا قابض لما بسطت 1/ 175. اللَّهمّ لك الحمد كما كسوتنيه 7/ 21. اللَّهمّ لك الشرف على كل شرف 8/ 158. اللَّهمّ لم يخف عليك ما لقيت أم رومان فيك 6/ 182. اللَّهمّ متعنا به 4/ 402. اللَّهمّ متعه بشبابه 4/ 396. اللَّهمّ مطفي الكير ومكبر الصغير 8/ 38. اللَّهمّ منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب 1/ 242- 9/ 273 ، 274. اللَّهمّ هالة 2/ 227. اللَّهمّ هذا عن أمتي جميعا 13/ 24. اللَّهمّ هذا قسمي فيما أملك 10/ 233. اللَّهمّ هل بلغت، لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا 14/ 469. اللَّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس 5/ 383، 386، 393. اللَّهمّ لا 6/ 33. اللَّهمّ لا تجعل قبري وثنا يعبد بعدي 14/ 618. اللَّهمّ لا تحل الحول على أحد منهم 4/ 400. اللَّهمّ لا تخرج نفسي حتى تقر عيني 4/ 401. اللَّهمّ لا تغفر لمحلم 13/ 353. اللَّهمّ لا تفلتن أبا جهل فرعون هذه الأمة 1/ 92- 12/ 139 . اللَّهمّ لا تقتلنا بغضبك 2/ 281. اللَّهمّ لا يحل عليه الحول حتى يموت كافرا 13/ 257 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 69 اللَّهمّ لا يحولن الحول على أحد منهم 1/ 152- 13/ 259 . ألم تسمعي ما قال مجزر المدلجي 2/ 153. ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد 2/ 289. ألم يأت للرحيل 8/ 324. ألم يمكن اللَّه منك يا عدو اللَّه؟ 1/ 250- 6/ 187 . إلى أين يا أبا ليلى؟ 11/ 372. إليّ يا فلان، إليّ يا فلان أنا رسول اللَّه 1/ 147. أليس قد رأيت ذلك 13/ 295. أليس لكم فيّ أسوة 13/ 29. أم أيمن أمي بعد أمي 6/ 340. أما إن ذلك ليس من سفركم هذا 12/ 244- 14/ 152 . أما أنا فلا آكل متكئا 7/ 335- 13/ 89 . أما إنك ستقتلك الفئة الباغية 12/ 201. أما إنك لو تركته لملئ إلى فيه فأوكه 5/ 187. أما إنه ستظهر معادن وسيحضرها شرار الناس 8/ 327. أما إنه ليس بشركم مكانا 14/ 229. أما إنه من أهل النار 13/ 338. أما إنه نعم الغلام 1/ 227. أما إنها ستكون 14/ 182. أما إنها ستهب الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد 14/ 42. أما إنهم أمراء الخلافة بعدي 14/ 208. أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا 2/ 73. أما أني سألت اللَّه أن يعينني عليكم بالسنة 14/ 64. أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر 5/ 376. أما بعد، أيها الناس فقدموا لأنفسكم 1/ 66. أما بعد، أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم 2/ 124. أما بعد، أيها الناس وإنه قد دنا مني حقوق 14/ 443. أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين 9/ 354. أما بعد، فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار 12/ 372- 14/ 440 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 70 أما بعد، فإنه لم يخف عني شأنكم الليلة 2/ 241. أما بعد، فأني أحثكم على ما حثكم اللَّه عليه 1/ 100. أما بعد، فكيف ترون يا معشر المسلمين في هؤلاء 9/ 258. أما بعد، يا أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم 14/ 520. أما بعد، يا عائشة فإنه بلغني كذا وكذا 1/ 215. أما بعد، يا معشر المهاجرين فإنكم تزيدون 14/ 442. أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟ 1/ 248- 9/ 254 . أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة 7/ 108. أما ترضين أن تكونوا سيدة نساء أهل الجنة 14/ 419. أما الطرق التي رأيت على يسارك فهي طرق أصحاب 12/ 228- 14/ 136 . أما علمتم أن أخي حمزة من الرضاعة 6/ 110. أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة 5/ 375- 7/ 323 . أما له ثوب غير هذا؟ 12/ 114. أما له غير هذا؟ 1/ 200. أما لو دنا مني لاختطفته الملائكة 4/ 126. أما المال فقد اقتسم 2/ 45. أما والّذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة 2/ 30. أما واللَّه لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما 2/ 101. إما لا، فاذهبي حتى تلدي 10/ 20. أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري 8/ 58. أمرت أن أستغفر لأهل البقيع 2/ 128. أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا 3/ 123. أمرت بالسواك حتى خشيت إدرادا 13/ 46. أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب عليّ 13/ 46. أمرني ربي أن آخذ العفو من أخلاق الناس 2/ 186. امسح الباس رب الناس 8/ 52. امسح بيمينك سبع مرات 8/ 48. أمسك عليّ الباب 6/ 355. أمسك عليك زوج يا زيد 6/ 60 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 71 أمسك هذه علامة بيني وبينك يوم القيامة 1/ 272. أمسكه معك يا عباد فأوثقه رباطا 9/ 231. أمسكوا، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة 13/ 345. امشوا أمامي واخلوا ظهري للملائكة 8/ 78. امشوا نستنظر لجابر من اليهودي 5/ 199. امض حتى تلحقك الخيول إنا على أثرك 1/ 261. امضوا على بركة اللَّه وعونه 12/ 182. أمعك تمرات؟ 2/ 216. أمعك ماء؟ 6/ 391. أملكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد 12/ 235- 14/ 143 . أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين 3/ 72، 76. أمني جبريل في الصلاة فصلى الظهر حتى زالت الشمس 3/ 77. أميطي عنه الأذى 6/ 309. آمين، آمين، آمين 11/ 73، 74، 75، 76، 77، 78. إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي 2/ 224. إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها 10/ 347- 14/ 484 . إن ابنك هذا مسقى 11/ 376. إن ابنك يزعم أنك تأخذ ماله 14/ 110. إن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت 13/ 128. إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين 1/ 191. إن أحسن الحديث أصدقه 2/ 32. إن أذنت لي أعطيت هؤلاء 7/ 372. أن أربضي دلول 7/ 221. إن اسمي محمد الّذي سماني به أهلي 14/ 78. إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم 14/ 514. إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون 11/ 231. إن أفضل دعائي ودعاء من كان قبلي من الأنبياء 2/ 113. إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء 5/ 401 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 72 إن أمامكم حوضا ما بين جرياء وأذرح 3/ 306. إن أمتي تقتل هذا بأرض من أراضي العراق 12/ 240- 14/ 148 . إن أمتي مرحومة ليس عليها في الآخرة حساب 12/ 392. إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري 10/ 45. إن أمر عليكم عبد مجدع أسود يقودكم 9/ 312. إن أمة من بني إسرائيل مسخت وأخشى أن تكون هذه 7/ 302. إن أنتم أقررتم بالإسلام قاضيتكم 2/ 86. إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي 12/ 301. إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم 12/ 340. إن أول ما أوقع اللَّه في نفسي هذا الأمر 2/ 352. إن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية 12/ 232- 14/ 140 . إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة 11/ 93. إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده 4/ 363. إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون 12/ 367. إن بك شاعرا حسن 5/ 127. إن بمكة لحجرا كان يسلم عليّ ليالي بعثت 2/ 390. إن بني إسرائيل اختلفوا 12/ 203. إن بني المطلب لم يفارقوني في الجاهلية والإسلام 9/ 283. إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الدخان 12/ 335. إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم 12/ 334، 335. إن بين يدي الساعة كذابين 12/ 364. إن بالمدينة جنّا قد أسلموا 1/ 239. إن تركتك ترجعين؟ 5/ 239. أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه 3/ 126. إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنوا في إمارته أبيه 14/ 518. أن تكوني على دينك لم نكرهك 10/ 56. إن جبريل عليه السلام أتاني بالتربة التي يقتل عليها 12/ 238- 14/ 146 . إن جبريل أتاني فبشرني أن اللَّه أمدني بالملائكة 3/ 314. إن جبريل عليه السلام قال لي ألا أبشرك 11/ 48 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 73 إن جبريل كان معنا في البيت فقال أتحبه 14/ 146. إن حقا على اللَّه ألا يرفع شيء من الدنيا 7/ 229، 234. إن حيضتك ليست في يدك 7/ 131. إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش 9/ 9. إن خير ما تداويتم به اللدود 8/ 9. إن ذهبت فاذهب في عدة من أصحابك 2/ 69. إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها 6/ 283. إن ربي عز وجل كان أخبرني أني سأرى علامة 2/ 323. إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف 4/ 116. إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول اللَّه 1/ 211- 4/ 402 . إن رجلا يقال له أويس بن قرن 13/ 184. إن روح القدس ما زال يؤيدك 10/ 41. إن زاهرا بادينا ونحن حاضروه 2/ 254. إن زدت فهو خير لك 11/ 53. إن شئت 5/ 46- 10/ 106 . إن شئت زدتك وحاسبتك 10/ 230. إن شئت صبرت ولك الجنة 11/ 313. إن شئتم أن ترفع عنكم رفعت 11/ 388. إن شئتم دعوت اللَّه فكشفها عنكم 11/ 388، 389. إن شئتما أعطيتكما منه ولا حظ فيه لغني 1/ 205. إن شحمة الأرض لطيبة 7/ 291. إن شئتما أن أخبركما بما تسألاني عنه فعلت 14/ 104. إن شر ما ذهب فيه مال المسلم البنيان 10/ 94. إن صاحب الدابة أحق بصدرها 2/ 223. إن صاحبكم غل في سبيل اللَّه 1/ 318. إن صاحبكم لتغسله الملائكة 13/ 260. إن طالت بكم مدة كانت لكم مراكب 1/ 179. إن طالت به مدة أوشكت أن ترى قوما 12/ 329. إن عبدا خيره اللَّه بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا 14/ 425 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 74 إن ظفرتم بهبار فاقطعوا يديه ورجليه 2/ 239. إن عثمان ذهب في حاجة اللَّه وحاجة رسوله 1/ 290. إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة 12/ 292. إن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي 12/ 210. إن عيني تنامان ولا ينام قلبي 10/ 179. إن فاطمة أحصنت فرجها 4/ 196- 10/ 283 . إن فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس 6/ 372. إن من ثقيف كذابا ومبيرا 12/ 250- 14/ 158 . إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء 8/ 12. إن في وجه سعد خيرا 12/ 314. إن فيك خصلتين يحبهما اللَّه ورسوله 14/ 55. إن فيكم منافقين، فمن سميت فليقم 14/ 342. إن فيهن غيرة شديدة وأنا صاحب ضرائر 6/ 112. إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد اللَّه 13/ 359. إن قدرتم على بجاد فلا يفلتن منكم 2/ 18. إن قريشا خالفت عهد إبراهيم 2/ 115. إن كان عندك ماء بات في شنة 7/ 353. إن كان في شيء مما تداويتم به خير فالحجامة 8/ 59. إن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة؟ 14/ 22. إن كبرت أم حبيب وأنا حي تزوجتها 6/ 111. إن كذبا عليّ ليس ككذب على أحد 10/ 299. إن كساك اللَّه ثوبا فأرادك المنافقون على خلعه 13/ 203. إن كنت أفعل ذلك إنه لعليّ وما هو عليكم 2/ 234. إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال 12/ 334. إن لكل نبي حواري، وإن حواري الزبير 1/ 231. إن لكل نبي حوضا وإنهم يتباهون أكثرهم واردة 3/ 309. إن للَّه سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر 11/ 145. إن للَّه ملكا أعطاه أسماع الخلائق 11/ 69، 70. إن للَّه ملكا أعطاه سمع العباد كلهم 11/ 70 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 75 إن للَّه ملائكة سياحين في الأرض 11/ 60، 307. إن لم تجديني فأتي أبا بكر 14/ 489. إن لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بيّ منها 6/ 376. إن لمعي غلمان هم أسناني 2/ 340. إن له لمرضعة تتم رضاعه في الجنة 5/ 338. إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد 2/ 141، 142. إن لي وزيران من أهل السماء 9/ 320. إن من أخيركم أحسنكم خلقا 2/ 200. إن من أشد أمتي حبا لي مؤمنين يأتون من بعدي 12/ 346. إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل 12/ 358. إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل 12/ 358. إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر شرب الخمر 12/ 358. إن ملكت يا معاوية فأحسن 12/ 208. إن مثل ما بعثني اللَّه به من الهدى والعلم 3/ 100. إن من خياركم أحسنكم أخلاقا 2/ 201. إن من البيان لسحرا 14/ 398. إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم 7/ 311. إن موسى عليه السلام لما نزلت عليه التوراة وقرأها 3/ 341. إن ناسا من أمتي ينزلونه بغائط موتة البصرة 12/ 332. إن ناسا يأتون بعدي يود أحدهم لو اشترى رؤيتي 12/ 346. إن نفرا من الجن خمسة عشر بني إخوة 9/ 79. إن هاتين صامتا عما أحل لهما 12/ 4. إن هاتين لنعلا ابن سعية 6/ 132. إن هذا أتاني وأنا نائم فاخترط سيفي 13/ 289. إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم 13/ 288- 14/ 177 . إن هذا الأمر بدأ نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة 14/ 204. إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد 12/ 304، 308. إن هذا الأمر لا يزال فيكم وأنتم ولاته 12/ 309. إن هذا الأمر لا يزال فيكم وأنتم ولاته 12/ 309 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 76 إن هذا الأمر لا ينقضي 12/ 302. إن هذا الحي من مضر لا تدع للَّه في الأرض عبدا 12/ 309. إن هذا رجل غادر 1/ 287. إن هذا الرجل جاء وأنا جالس فسل سيفي 14/ 14. إن هذا الرجل يريد غدرا واللَّه حائل بينه 13/ 282. إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف 4/ 273. إن هذا ليريد شيئا 5/ 236. إن هذا وادي القرى 2/ 55. إن هذا يبلغ قريشا فيذعرهم 1/ 258. إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء 8/ 12. إن هذه السحابة تستعمل بنصر بني كعب 13/ 373. إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس 13/ 80. إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس 2/ 245. إن هذه مشية يبغضها اللَّه إلا في مثل هذا الموطن 1/ 160. إن هؤلاء أولياء الخلافة 14/ 208. إن هؤلاء القوم جاءوا مسلمين 2/ 33. إن ولد لك غلام فسمه باسمي وكنه بكنيتي 13/ 187. أن لا تدركوا الماء تعطشوا 5/ 95. إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة 12/ 292. إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم 12/ 291، 292. إن يك فيه خير فسيلحقه اللَّه بكم 14/ 37. إن يهود شكوا إليّ أنكم وقعتم 1/ 322. إن الأرض لتقبل من هو شر منه 13/ 353. إن الأرض لا ينجسها شيء 2/ 85. إن الإسلام بدأ غريبا فطوبى للغرباء 12/ 386. إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا 10/ 349. إن الإسلام يجب ما كان قبله 1/ 335. إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم 10/ 303. إن الإيمان يأزر إلى المدينة 10/ 349 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 77 إن البخيل الّذي إذا ذكرت عنده فلم يصل عليّ 11/ 81. إن البخيل من الناس من ذكرت عنده فلم يصل عليّ 11/ 82. إن التلبينة تجم فؤاد المريض 8/ 16. إن الحمد للَّه نحمده ونستعينه 4/ 349. إن الدنيا حلوة خضرة 14/ 179. إن الدنيا ستفتح عليكم فيا ليت أمتي لا تلبس 12/ 320. إن الدين ليأرز إلى الحجاز 12/ 387. إن الرجل أهدى لي الناقة من إبلي 1/ 265. إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه 3/ 174، 177- 14/ 318. إن السجود ليس إلا للحي الّذي لا يموت 5/ 256. إن الشمس طلعت على عليّ 5/ 32. إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللَّه 5/ 339. إن الشيطان عرض لي 11/ 227. إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون 14/ 13. إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم 2/ 282. إن الصدقة لا تحل لنا، وأن موالي القوم من أنفسهم 7/ 325. إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد 5/ 378- 9/ 285 . إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد 5/ 380- 13/ 79 . إن العلاء والمنذر كتبا إليّ أن ربيعة قد كفرت 14/ 312. إن الفتن لم تزل ببني إسرائيل 12/ 204. إن القرآن أنزل على سبعة أحرف 4/ 256. إن القرآن كان يعرض عليّ في كل عام مرة 2/ 134. إن اللَّه اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا 3/ 258. إن اللَّه اختار العرب ثم اختار منهم كنانة 3/ 204. إن اللَّه عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده 14/ 411. إن اللَّه أذن للرسول ولم يأذن لكم 13/ 8. إن اللَّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل 3/ 204. إن اللَّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل 3/ 204. إن اللَّه أعطاني خصالا ثلاثة 10/ 190 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 78 إن اللَّه أعطاني الكنزين فارس والروم 2/ 57. إن اللَّه أمرني بالبيعة 1/ 290. إن اللَّه أنزل الداء والدواء 8/ 3. إن اللَّه أوحى إليّ أي هؤلاء الثلاثة نزلت 9/ 188. إن اللَّه جعل لذتي في النساء والطيب 2/ 191. إن اللَّه عز وجل جعلني عبدا كريما 14/ 199. إن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء 10/ 296. إن اللَّه حرم مكة، فلا تحل لأحد قبلي 13/ 152. إن اللَّه حرمها عليّ بصلة الرحم 2/ 3- 13/ 375 . إن اللَّه حرمهم عليّ ببر الوالدين 13/ 375. إن اللَّه حرمهم عليّ بصلة الرحم 1/ 355. إن اللَّه خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم 3/ 205. إن اللَّه عز وجل خلق الخلق قسمين 3/ 208. إن اللَّه خلق خلقه فجعلهم فرقتين 3/ 206. إن اللَّه رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم 13/ 362. إن اللَّه زوى لي الأرض فرأيت مشارقها 12/ 321. إن اللَّه سيثبت لسانك ويهدي قلبك 11/ 295. إن اللَّه قد أهلك صاحبك 14/ 96. إن اللَّه قد حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة 1/ 166. إن اللَّه عز وجل قد غفر له لشفاعتي 14/ 615. إن اللَّه قد كتب عليكم الحج 11/ 221. إن اللَّه لم يضع داء إلا وضع له شفاء 7/ 382. إن اللَّه نهاني أن أقبل زيدا من المشركين 8/ 140. إن اللَّه هو الحكم وإليه الحكم 2/ 278. إن اللَّه وملائكته يصلون على معلم الناس الخير 3/ 244- 10/ 380 . إن اللَّه وملائكته يصلون على ميامن الصفوف 10/ 381. إن اللَّه وهب لكم ذنوبكم عند الاستغفار 11/ 92. إن اللَّه لا يؤاخذ المزاح الصادق في مزاحه 2/ 256. إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به 3/ 293 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 79 إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد 12/ 360. إن اللَّه عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام 8/ 292. إن اللَّه يحب العطاس ويكره التثاؤب 10/ 319. إن اللَّه يحب من عبده أن يكون حسن الهيئة 8/ 66. إن اللَّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر 13/ 267. إن المرء كثير بأخيه وابن عمه 1/ 343. إن الملائكة قد سومت فسوموا 1/ 106- 3/ 323 . إن المؤمن لا يلدغ من حجر مرتين 1/ 172- 10/ 7 . إن الناس دخلوا في دين اللَّه أفواجا 12/ 388. إن الناس قد طعنوا في إمارة أسامة 14/ 517. إن الناس لم يرفعوا شيئا في الدنيا إلا وضعه اللَّه 7/ 230. إن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق 3/ 233، 235. إن الولد مبخلة مجبنة محزنة 6/ 7. إن اليهود جاءهم الشيطان 13/ 333. أنا ابن العواتك 1/ 164. إنّا اتخذنا خاتما ونقشنا فيه نقشا 7/ 54. أنا أحمد وأنا محمد وأنا الماحي 2/ 142. أنا أصحابي خير 9/ 86. أنا أعلم بالخيل منك 14/ 251. أنا أعلمكم 8/ 149. أنا أقتلك عليها إن شاء اللَّه 4/ 400- 13/ 253 ، 254، 255. أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة 3/ 309. أنا أكرم على اللَّه من أن يدعني تحت الأرض 5/ 32. أنا أنتظر بها القضاء 5/ 351. إنّا أهل بيت اختار اللَّه لنا الآخرة على الدنيا 12/ 301. أنا أول من تنشق الأرض عنه ثم أبو بكر ثم عمر 3/ 231. أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر 3/ 225، 227. أنا أول من تنفلق الأرض عن جمجمته ولا فخر 3/ 227 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 80 أنا أول من شهد أني رسول اللَّه 2/ 86. أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة 3/ 228، 229. أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر وأول من تنشق عنه الأرض 3/ 233. أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وأنا أول شافع 3/ 233. أنا أول من يشفع في الجنة 3/ 228. أنا أول من ينشق عنه القبر 10/ 277. أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا 3/ 224، 229. أنا أول الناس يشفع في الجنة 3/ 309. أنا أولهم خروجا إذا بعثوا 3/ 228. أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم 13/ 56. أنا حاملوك على ولد ناقة 2/ 253. أنا دعوة أبي إبراهيم 4/ 54. أنا رسول اللَّه، وأنا محمد بن عبد اللَّه 13/ 105. أنا سيد الخلائق يوم القيامة في اثني عشر نبيا 3/ 232. أنا سيد المؤمنين إذا بعثوا 3/ 237. أنا سيد الناس يوم القيامة 3/ 118، 226، 236. أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذاك؟ 3/ 268، 271. أنا سيد ولد آدم ولا فخر 3/ 118، 224، 225، 227، 228، 229. أنا سيد ولد آدم يوم القيامة 3/ 227، 229. أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق 3/ 224، 237. أنا عبد اللَّه ورسوله، ولن أخالف أمره 1/ 291. أنا على حوضي انتظر من يرد عليّ 14/ 222. إنّا على ذلك 4/ 127. أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه 14/ 223. أنا قائد المسلمين ولا فخر 3/ 231. إنّا كذلك معشر الأنبياء يضاعف علينا الوجع 10/ 366. أنا لغير الضيع أخوف عليكم 12/ 320. إنّا لم نأت لقتال أحد، إنما جئنا لنطوف 1/ 286 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 81 إنّا لم نرده إلا أنّا حرم 1/ 277. إنّا لم نقض الكتاب بعد 1/ 293. أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه 12/ 271. أنا محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب 3/ 211. أنا محمد، وأنا أحمد، والحاشر، ونبي التوبة 2/ 143، 144. أنا محرم 2/ 107. إنّا معشر الأنبياء بنيت أجسادنا على أرواح الجنة 5/ 303. إنّا معشر الأنبياء ما تركنا صدقة 13/ 160. أنا نازل 5/ 75، 154. أنا نبي 9/ 96. أنا النبي لا كذب 7/ 219. إنّا لا ندخلها عليهم الحرم 7/ 177. إنّا يضاعف لنا البلاء 2/ 129. أنت أبو الورد؟ 2/ 255. أنت تقول ذلك يا أبا سفيان 1/ 350. أنت جميلة 2/ 274، 309. أنت سيد أهل اليمامة يا ثمامة؟ 14/ 257. أنت صاحب الجبذة أمس 14/ 111. أنت عبد اللَّه بن قرظ 2/ 311. أنت مطاع في قومك 12/ 91. أنت مع من أحببت 13/ 176. أنت، هيه لقد كبرت لأكبر سنك 2/ 252. انتسب إلى خزاعة 1/ 256- 13/ 313 . انتقلي إلى أم شريك 9/ 63. أنتم أظلم وأفجر 1/ 360. أنتم توفون سبعين أمة 3/ 339. أنتم الطلقاء 1/ 391. أنتم متمون سبعين أمة، أنتم خيرها 3/ 339. أنتم مني وأنا منكم أسالم من سالمتم 1/ 54 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 82 أنتم اليوم خير أهل الأرض 9/ 90، 122. انثروه في المسجد 9/ 351. أنجحت يا أبا بكر 8/ 327. أنحرها وأصبغ قلائدها في دمها 1/ 278- 7/ 248 . أنزل بالماء فصبه 5/ 111. أنزل في بني النجار أخوال عبد المطلب 8/ 327. أنزل القرآن على ثلاثة أحرف 4/ 257. أنزل القرآن على سبعة أحرف 4/ 249، 256، 260، 266، 267، 269، 278. أنزلت عليّ سورة هي أحب مما طلعت عليه الشمس 1/ 299. أنشد اللَّه رجلا فعل ما فعل لي عليه حق 14/ 371. أنشدك باللَّه وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل 14/ 84. أنشدكم باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى 14/ 88. انطلق إلى هاتين الأشاءتين 5/ 39، 262. انطلق بالشفرة وجئني بالقدح 5/ 210. انطلق حتى تأتي أبا بكر فتجده في داره جالسا 13/ 199. انطلقا إلى باذان واعلما أن ربي قد قتل كسرى 12/ 128. انطلقوا 5/ 182. انطلقوا إلى قبره 10/ 365. انطلقوا بنا إليه 5/ 258. انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ 9/ 125. انطلقوا على اسم اللَّه، اللَّهمّ أعنهم 12/ 189. انطلقوا نزور الشهيدة 13/ 189. انظر لمن هذا الجمل إن له لشأنا 5/ 253. انظر هل ترى في السماء من شيء 12/ 298. انظروا إلى حب الأنصار التمر 12/ 24. انظروا إن خفي عليكم في القتلى 12/ 153. انظروا ما أحسنها 6/ 397. انظري إلى شبهه بي 5/ 336 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 83 انظري صاحبتك هذه فأمشطيها 10/ 56. انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادا 10/ 104. انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت 13/ 228. أنفذوا بعث أسامة 2/ 125. انقادي عليّ بإذن اللَّه 5/ 34. إنك أخرجتني من أحب البقاع إليك 10/ 363. إنك إذا رأيته هبته وفرقت منه 13/ 313. إنك حامل بغلام 12/ 300. إنك رجل قوي، إن وجدت الركن خاليا فاستلمه 2/ 108. إنك ستجده يصيد البقر 14/ 48، 50. إنك سيدة نساء أهل الجنة 14/ 422. إنك قادم غدا بلدا السجود فيه قليل 1/ 339. إنك لن تدع شيئا للَّه إلا بدلك اللَّه خيرا منه 7/ 128. إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه 11/ 309. إنك لهند 1/ 398. إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم 5/ 93. إنكم ستأتون غدا إن شاء اللَّه عين تبوك 2/ 58. إنكم ستجندون أجنادا، جند بالشام وجند بالعراق 14/ 191، 192. إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط 14/ 185. إنكم ستفتحون أرضا يقال لها الشام 14/ 186. إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط 14/ 185. إنكم ستقدمون الشام فتنزلون أرضا يقال لها جسر عموسة 13/ 192. إنكم ستقدمون على قوم جعد رءوسهم 14/ 125. إنكم ستلقون بعدي فتنة واختلافا 13/ 204. إنكم شكوتم جدب دياركم 5/ 118. إنكم في النبوة ما شاء اللَّه أن تكون 12/ 267. إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم 1/ 355- 13/ 374 . إنكم مفتوح لكم وأنتم منصورون 7/ 126. إنكم منصورون ومفتوح لكم ومصيبون 14/ 125 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 84 إنكن تبغين عليها 6/ 97. إنكن لأنتن صواحب يوسف 14/ 453، 457. إنما أبو هند رجل من الأنصار 6/ 325. إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين 12/ 371. إنما أنا بشر وإني اشترطت على ربي 2/ 251. إنما أنا رحمة مهداة 2/ 144. إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد 13/ 90. إنما أنت يهودي من أهل صفورية 10/ 6. إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف 4/ 268. إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا 3/ 96. إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق 2/ 207. إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد 5/ 382. إنما جزاء السلف الحمد والأداء 1/ 400. إنما خيرني اللَّه أو أخبرني اللَّه 2/ 432. إنما سميت فاطمة لأن اللَّه فطم من أحبها 4/ 196. إنما الصلاة لقراءة القرآن وذكر اللَّه 2/ 247. إنما فاطمة بضعة مني 10/ 273. إنما كان يقول ذاك العباس 3/ 211. إنما لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة 2/ 238. إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل 14/ 287. إنما مثلي ومثل ما بعثني اللَّه به 3/ 138. إنما المدينة كالكير تنفي خبثها 14/ 623. إنما هو جبريل لم أره على صورته 8/ 289. إنما يرحم اللَّه من عباده الرحماء 5/ 355. إنما يعذب بالنار رب النار 2/ 238. إنما يلبس الحرير من لا خلاف له 6/ 385. إنه أحدث بربنا وأعظمه بركة 2/ 281. إنه أروى وأبرأ وأمرأ 7/ 365. إنه الآن ليحرق في النار على شملة غلها 1/ 318- 6/ 321- 13/ 343 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 85 إنه ستكون بعدي أثرة وأمور تكرهوها 12/ 305. إنه سيفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها 12/ 335. إنه سيقتل أمير وينتز منتز 13/ 204. إنه سيكون في آخر هذه الأمة قوم لهم 12/ 295. إنه سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر 12/ 364. إنه سيلحد فيه رجل من قريش 12/ 260. إنه سيلي أمركم قوم يطفئون السنة 13/ 212. إنه سيولد لك بعدي غلام قد نحلته اسمي وكنيتي 13/ 188. إنه في بعض شأنكم 1/ 189. إنه قد استسقى اللَّه دمي 13/ 256. إنه قد نعيت إليّ نفسي 14/ 417. إنه كائن في القوم خبر فأتيني بخبر القوم 11/ 386. إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة 10/ 366- 367 . إنه لم يمت 14/ 109. إنه لمن أهل الجنة 1/ 160. إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه 11/ 249. إنه لو فر كما فر غيره من هو على مثل رأيه 1/ 127. إنه ليرتق فؤاد المريض 8/ 17. إنه ليس بدواء ولكنه داء 8/ 3. إنه ليس لنبي أن يومئ 13/ 111. إنه ليس من شيء إلا يعرف أني رسول اللَّه 5/ 255. إنه ليس من الناس أحد أمن على نفسه وماله 14/ 439. إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر اللَّه 2/ 321، 322. إنه ليغان على قلبي فأستغفر اللَّه كل يوم 11/ 201. إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر اللَّه 13/ 60. إنه ميمون النقيبة مبارك الأمر 1/ 71. إنه لا ينبغي من أمتي أن يسجد أحد لأحد 5/ 247. إنه يصب من الغلام ويغسل من الجارية 14/ 143. إنها أمارة من أمارات ما بين يدي الساعة 5/ 234 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 86 إنها أيام أكل وشرب وذكر اللَّه 2/ 116. إنها جند من جنود اللَّه 5/ 269. إنها ستفتح عليكم الأمصار، وسيضرب عليكم فيها بعوث 14/ 126. إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها 13/ 226. إنها ستكون معادن يحضرها شرار الناس 12/ 327. إنها ستهب الليلة ريح شديدة 2/ 55. إنها صفية 2/ 282. إنها كانت تأتينا أيام خديجة 10/ 54. إنها كانت فيها أنفس سبعة أناس 11/ 316. إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد 2/ 226. إنها لرؤيا حق 10/ 118. إنها لن تراني 4/ 116. إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات 12/ 378. إنها ليست بدار مكث ولا إقامة 2/ 120. إنها ما خلأت ولا هو لها بعادة 1/ 284. إنها مأمورة خلوا سبيلها 1/ 66. إنها لا تحل لي 6/ 69. إنها لا تضر ولا تنفع، ولكنه يقر بعين لي 5/ 339. إنهم إذا قاتلوك 2/ 84- 14/ 29 . إنهم غدروا ونقضوا العهد 1/ 352. إنهم لن يروكم 4/ 402. إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني 13/ 133. إني اتخذت خاتما من ذهب 7/ 36. إني اتخذت خاتما من فضة 7/ 45. إني اتخذت خاتما من ورق 7/ 40. إني أحب أن أتزوج من الأنصار 6/ 97، 113. إني أخاف أن يقتلوك 14/ 28. إني أخاف عليك من هذه الضاحية 1/ 259- 7/ 244 . إني أخاف عليكم من قريظة 1/ 238 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 87 إني أخاف عليهم أهل نجد 1/ 182. إني أخشى أن يكون بي لهم 2/ 349. إني أرحمهما، قتل أخوها معي 10/ 253. إني أرى في المنام رجلا يأتيني معه رجلان 4/ 101. إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم 13/ 224. إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون 12/ 6. إني أريب دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين 8/ 317. إني أسمع صوتا وأرى ضوءا 3/ 23. إني أشهد أني رسول اللَّه 12/ 64، 65. إني أعلم أنك أحب البلاد إلى اللَّه 4/ 198. إني أعوذ برضاك من سخطك 10/ 180. إني أمرت أن أغير اسم هذين 2/ 275- 3/ 310 . إني أناجي من لا تناجي 2/ 378. إني أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي مسك 13/ 372. إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الأخيرة 3/ 233. إني بين أيديكم فرط، وأنا شهيد عليكم 3/ 303. إني تارك فيكم الثقلين 5/ 378- 6/ 13 . إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي 5/ 377. إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل 2/ 242. إني رافع لوائي غدا إلى رجل يحب اللَّه ورسوله 11/ 286. إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبدا 8/ 133. إني رأيت البارحة عجبا 8/ 95. إني رأيت البارحة فيما يرى النائم 14/ 532. إني رأيت في الأولى قصور الشام 13/ 295. إني رأيت في المنام غنما سودا 8/ 127. إني رأيت في منامي كأن بني الحكم 12/ 273. إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي 8/ 126. إني رأيت في النوم أني أعطيت عسا مملوءا لبنا 8/ 114. إني رأيت الليلة كأنما يتبعني غنم سود 14/ 202 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 88 إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة 1/ 163- 13/ 261 . إني رسول اللَّه ولن أعصيه ولن يضيعني 1/ 293. إني سجدت هذه السجدة شكرا للَّه عز وجل 11/ 49. إني عبد اللَّه في أم الكتاب وخاتم النبيين 4/ 54، 170. إني عبد اللَّه في أول الكتاب 3/ 170. إني عبد اللَّه مكتوب بخاتم النبيين 3/ 170. إني على جناح سفر وحال شغل 2/ 76. إني على الحوض انظر من يرد عليّ منكم 3/ 305، 306- 14/ 222. إني غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي 12/ 390. إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم 3/ 303- 14/ 267 . إني فرطكم على الحوض وإن عرضه كما بين أيلة 3/ 302- 14/ 266 . إني فرطكم على الحوض وليرفعن إليّ رجال منكم 3/ 306. إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد فيها 14/ 424. إني قرأت القرآن على حرف أو حرفين 4/ 274. إني كائن لكم فرطا 1/ 279. إني كنت اصطنعته وإني لا ألبسه 7/ 35. إني كنت ألبس هذا الخاتم 7/ 35. إني لأخشى أن أكون كاهنا 2/ 390. إني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها 2/ 240. إني لأرى السحاب تستهل بنصر بني كعب 1/ 355- 13/ 374 . إني لأستغفر اللَّه وأتوب إليه في اليوم مائة مرة 2/ 320، 323. إني لأسن 10/ 178- 13/ 184 . إني لأعرف أرضا يقال لها البصرة 12/ 331. إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ 2/ 390- 5/ 54 . إني لأقوم في الصلاة 2/ 240. إني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة 3/ 289. إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة 2/ 333- 7/ 323- 13/ 83 . إني لبدت رأسي وقلدت هدى 2/ 104- 9/ 32 . إني لبعقر حوضي أذود الناس عنه لأهل اليمن 3/ 304 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 89 إني لست بأغنى عن الأجر منكما 2/ 207. أنّى لك هذا اللبن 2/ 334. إني لكم فرط على الحوض فإياي لا يأتين 3/ 304. إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة 2/ 233. إني وجدت تمرة ساقطة فأكلتها 2/ 334. إني واللَّه ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي 13/ 92. إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد 6/ 309. إني لا أدخل عليهم السلاح 1/ 331. إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا 14/ 418. إني لا أصافح النساء 13/ 389، 390. إني لا أعلم إلا ما علمني ربي 11/ 226. إني لا أقول إلا حقا 2/ 253- 11/ 224 . إني لا أمزح ولا أقول إلا حقا 2/ 256. إني لا أورث 13/ 158. أهبلت؟ جنة واحدة، إنها جنان 5/ 142. اهج المشركين فإن جبريل معك 10/ 39. اهجهم أو هاجهم وجبريل معك 10/ 38. اهجهم وروح القدس معك 6/ 173. اهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق النبل 10/ 41. اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد 5/ 57- 14/ 215 . أهدية أم صدقة 13/ 84، 85. أهريقوا عليّ من سبع قرب 2/ 131- 8/ 19- 14/ 438 ، 439. أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ 14/ 86. أو أملك أن نزع اللَّه من قلبك الرحمة 2/ 224. أو تراك تكتم عليّ حتى أخبرك؟ 5/ 215. أوتيت خصالا لا أقولها فخرا 3/ 317. أوتيت خمسا لم يؤتهن نبي قبلي 3/ 313. أوتيت مقاليد الدنيا على فرس أبيض 10/ 279 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 90 أوتيت الليلة خمسا لم يؤتها نبي قبلي 3/ 313. أوجعتني أخر رجلك 2/ 25، 26. أو خير لك من ذلك؟ 1/ 206- 6/ 84 . أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه 14/ 112. أوصيك بتقوى اللَّه والتكبير على كل شرف 8/ 160. أوصيكم بتقوى اللَّه، فإن تقوى اللَّه خير ما عمل به 9/ 91. أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا 3/ 146- 12/ 352 . أوصيكم بتقوى اللَّه وبمن معكم من المسلمين خيرا 1/ 338. أوصيكم يا أهل بيتي وعترتي خيرا 14/ 481. أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا 12/ 215. أول ما نهاني ربي عن عبادة الأصنام 2/ 357. أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية 12/ 279. أول نزل ينزله أهل الجنة بلام ونون 14/ 76. أولئك إخواننا معنا طوبى لهم 12/ 338. أولئك العصاة 1/ 355- 13/ 374 . أولئك قوم إذا مات الرجل الصالح منهم 2/ 133. أولم يبلغك ما قال صاحبكم ابن أبيّ؟ 1/ 209. أو ليس قد ابتعته منك؟ 7/ 195- 13/ 166 . أو ليس من أهل بدر؟ 13/ 377. أو مخرجي هم؟ 3/ 11. أو يقضي اللَّه خيرا من ذلك يا سعد 1/ 95- 9/ 242 . ألا احتطت يا أبا بكر، فإن البضع ما بين 14/ 169. ألا أخبركم بأبخل الناس؟ 11/ 82. ألا أخبركم خبر الثلاثة؟ 1/ 299. ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ 6/ 360- 10/ 4 . ألا أراك نائما في المسجد 14/ 34. ألا أرقيك برقية رقاني بها جبريل 8/ 54. ألا أرى هذا الخبيث يفطن لما أسمع؟ 2/ 24. ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح 11/ 178 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 91 ألا إن مسجدي حرام على كل حائض 10/ 182. ألا إن المدينة كالكير يخرج الخبث 10/ 348. ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على 12/ 349. ألا إنكم تعيبون أسامة وتطعنون في إمارته 14/ 518. ألا إنكم توفون سبعين أمة 9/ 86. ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه 11/ 223. ألا إني أوتيت الكتاب وما يعدله 11/ 223. ألا إني سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر 3/ 229. ألا أي شهر تعلمون أعظم حرمة؟ 10/ 343. ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى 3/ 337. ألا ترون هذا المحرم وما يصنع؟ 2/ 106، 214. ألا تعجبون كيف يصرف اللَّه عني شتم قريش؟ 2/ 139- 4/ 130 . ألا تعجبون من هذه الخشبة 5/ 49. ألا تكفني ذا الخلصة؟ 12/ 55. ألا خمرته؟ ولو تعرض عليه عودا 7/ 364. ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله اللَّه معي 11/ 383. ألا رجل يحملني إلى قومه؟ 9/ 178. ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب 9/ 50. ألا ما تتركوا في جزيرة العرب دينين 14/ 414. ألا وإني تارك فيكم ثقلين 5/ 377. ألا وإني لا أعلم إلا ما علمني اللَّه 2/ 374. ألا لا يبيتن رجل عند امرأة 10/ 254. ألا لا يحل هذا المسجد لجنب 10/ 183. ألا لا يدخل الجنة إلا مؤمن 13/ 344. ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان 14/ 320، 321. أي أبا الحباب أين رأيت مثل ما رأيت اليوم؟ 1/ 284. أي رجل عبد اللَّه بن سلام فيكم؟ 14/ 74. أي سلمة أين الحناء؟ 7/ 247. أي عباس ناد أصحاب الشجرة 5/ 67 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 92 أي يوم هذا؟ 12/ 348. إياكم والدخول على النساء 10/ 254. إياكم والوصال 2/ 319. أيبون تائبون إن شاء اللَّه لربنا حامدون 8/ 380. أيبون تائبون عابدون لربنا حامدون 1/ 258. أيبون تائبون لربنا حامدون 8/ 168. أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟ 13/ 227. أيحسب أحدكم متكئا على أريكته 11/ 223. أيكم دعا على هذا الكلب؟ 12/ 109. أيكم الّذي سمعت صوته قد ارتفع 10/ 126. أيكم صاحب هذا البعير 5/ 252. أيكم فجع هذه؟ 5/ 274. أيكم يبسط ثوبه فيأخذ مني حديثي هذا؟ 11/ 248. أيكم يعرف ثنية ذات الحنضل 13/ 322. أيكم قتله؟ 12/ 152. أيم بك 1/ 265- 7/ 246 . أيما امرئ قال لأخيه يا كافر 9/ 212. أيما رجل كسب مالا من حلال فأطعم نفسه 11/ 89. أيما رجل لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه 11/ 151. أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر 2/ 23. أيما قوم جلسوا في مجلس ثم تفرقوا 11/ 86. أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله 12/ 252- 14/ 160 . أين ابناي؟ 6/ 9. أين أراه السائل عن الساعة؟ 12/ 381. أين أنا غدا؟ 2/ 130- 14/ 436 ، 498، 604. أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ 10/ 231. أين البول الّذي كان في هذا القدح؟ 7/ 111، 113. أين تركت أهلك؟ 14/ 310. أين تريد؟ 5/ 37 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 93 أين حبس سيل؟ 12/ 373. أين زيد؟ 10/ 208. أين السائل عن العمرة؟ 3/ 50. أين صاحب هذا البعير؟ 5/ 253. أين صاحب هذه؟ 5/ 240. أين الصبي؟ 2/ 278، 313. أين صنعت هذه؟ 7/ 293. أين كنت منذ الليلة؟ 14/ 52. أين كنت اليوم يا سعد 5/ 71. أين لكاع، ادع لكاعا 2/ 218. أين مالك الّذي أودعته أم الفضل 4/ 216. أين مالك الّذي وضعت بمكة 4/ 399. أيها الناس، اسمعوا من قولي واعقلوه 2/ 118. أيها الناس، أما بعد فإن أصدق الحديث 2/ 59. أيها الناس، أما واللَّه ما بت ليلتي هذه 2/ 242. أيها الناس، إن اللَّه كتب عليكم السعي فاسعوا 2/ 109. أيها الناس، انزلوا 5/ 109. أيها الناس، انفذوا بعث أسامة 14/ 517. أيها الناس، إن اللَّه حرم مكة 8/ 387. أيها الناس، إنما صنعت هذا لتأتموا 10/ 99. أيها الناس، إنه لم يبق من مبشرات النبوة 14/ 467. أيها الناس، إنه لا يدخل الجنة كافر 14/ 322. أيها الناس، إني رأيت في منامي رؤيا 1/ 133- 8/ 100 . أيها الناس، إني واللَّه لا أدري لعلي لا ألقاكم 2/ 112. أيها الناس، بلغني أنكم تخافون عليّ الموت 14/ 444. أيها الناس، خذوا ولا تنتهبوا 5/ 152. أيها الناس، سعرت النار وأقبلت فتن كقطع الليل 14/ 442، 473. أيها الناس، على رسلكم عليكم السكينة 2/ 114. أيها الناس، من أنا؟ 3/ 207 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 94 أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟ 6/ 284. إيها يا ابن رواحة، قل لا إله إلا اللَّه 1/ 332. أيهم هو؟ 2/ 78. الآن حمى الوطيس 8/ 389. الآن نغزوهم ولا يغزوننا 13/ 296. ألبر أردن بهذا؟ 10/ 149. ألبر تقولون؟ 10/ 149. الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون 10/ 300، 301. الآيات خرزات منظومات في سلك 14/ 154. الإيمان قيد الفتك 12/ 220- 14/ 128 . الإيمان يمان 2/ 60. الأيمن فالأيمن 7/ 368، 369 حرف الباء بأي بلاد شكر؟ 12/ 80. بارك اللَّه لأمتي في بكورها 12/ 62. بارك اللَّه فيك 7/ 282- 11/ 352 ، 356. بارك اللَّه في صفقة يمينك 12/ 43، 45. بارك اللَّه لك فيها 4/ 398. بارك اللَّه لكم في غنمكم 2/ 5- 5/ 282 . بارك اللَّه لكما في ليلتكما 12/ 25. باسمك اللَّهمّ ريق بعضنا بتربة أرضنا 11/ 375. باسمك رب وضعت جنبي فاغفر لي 8/ 87. بئر غرس من عيون الجنة 7/ 350. بئس أخو العشيرة 10/ 216. بئس أخو القوم وابن العشيرة 10/ 216. بئس ما جزيتيها 7/ 232، 237. بئس ما جزيتها إن حملك اللَّه عليها ونجاك بها 1/ 264. بئس ما صنعت 13/ 250. بئس ما فعلت قتلت رجلين 1/ 184 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 95 بؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية 12/ 197. بحسب امرئ من البخل أن أذكر عنده فلم يصل عليّ 11/ 82. بالحنيفية 3/ 356. بخ ذلك مال رابح 7/ 346. بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا 12/ 342، 386، 387، 388. برئت منكم ذمة اللَّه وذمة رسوله 1/ 315. برد أمرنا وصلح 2/ 307. بسم اللَّه 13/ 293. بسم اللَّه أذهب سوءه وفحشه 11/ 311. بسم اللَّه تربة أرضنا وريقة بعضنا 8/ 50. بسم اللَّه توكلت على اللَّه 8/ 69. بسم اللَّه الحمد للَّه 7/ 214. بسم اللَّه اللَّهمّ أذهب حرها وبردها 7/ 390. بسم اللَّه اللَّهمّ أطعمت وسقيت وأرويت 7/ 340. بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر 14/ 179، 180. بعث موسى وهو راعي غنم 4/ 104. بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب 3/ 315- 9/ 237 ، 238. بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرن 3/ 212. بعثت هذه الريح لموت منافق 13/ 317. بعثني اللَّه رحمة وهدى للعالمين 3/ 96. بعني جملك هذا 11/ 60. بعنيه بأوقية 5/ 220، 221- 11/ 256. بكت على ما كانت تسمع من الذكر 10/ 106. بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد اللَّه 2/ 233. بل أسأل اللَّه الرفيق الأعلى الأسعد 10/ 367. بل استأنى بهم 2/ 228- 9/ 38 . بل أكون عبدا نبيا 2/ 286. بل أنا أقتلك 1/ 130 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 96 بل أنا أقتلك عليها إن شاء اللَّه 1/ 154- 9/ 278- 13/ 253 ، 254. بل أنا واللَّه يا عائشة وا رأساه 10/ 328. بل أنا يا عائشة وا رأساه 14/ 430، 433، 434. بل أنت سهل 2/ 312، 313. بل مرة واحدة، فمن زاد فتطوع 11/ 222. بل تعيش حميدا وتموت شهيدا 14/ 217. بل عارية مضمونة 14/ 8. بل قام جبريل من عندي قبل 12/ 236- 14/ 144 . بلغوا عني ولو آية 10/ 297. بلى 10/ 106، 171. بلى إني رسول اللَّه ونبيه 9/ 94. بلى، والّذي نفسي بيده إنكم لعلى الحق 4/ 360. بم تستمشين؟ 8/ 14. بما كان ولو بشق تمرة 1/ 331. بهذا أمرت 3/ 60. بورك لأمتي في بكورها 12/ 63. بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر 14/ 202. بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم 12/ 334. بين يدي الساعة الهرج 12/ 323. بينا أنا أمشي سمعت صوتا 3/ 12، 14. بينا أنا جالس إذ جاء جبريل فوكز بين كتفي 8/ 257. بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي 8/ 137. بينا أنا نائم أريت أني أنزع على حوضي 8/ 117. بينا أنا نائم أوتيت بقدح لبن فشربت منه 8/ 112- 13/ 60 . بينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام 8/ 209. بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان 8/ 194، 208، 241. بينا أنا نائم رأيت أني على حوض أسقي الناس 8/ 117. بينا أنا نائم رأيت سوارين من ذهب 14/ 229 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 97 بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل 8/ 134. بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب 14/ 533. بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ 8/ 111، 112. بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو 8/ 114- 14/ 211 . بينا أنا نائم رأيتني في الجنة 8/ 119. بينما أنا على بئر أنزع منها 8/ 118. بينما أنا في الحطيم مضجطعا 8/ 232. بينما أنا قائم عشاء في المسجد الحرام 8/ 261. بينما أنا نائم أوتيت خزائن الأرض 8/ 101- 14/ 524 ، 525. بينما أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل 12/ 210. البخيل الّذي إذا ذكرت عنده فلم يصل عليّ 11/ 81. البياض والخضرة 2/ 379 حرف التاء تبنى مدينة بين دجلة ودجيل 12/ 330. تجهز فإنّي باعثك في سرية من يومك 6/ 370. تخرج بسيفك إلى الحرة ونفر فتضرب بها 13/ 225. تخرج رايات سود من خراسان 12/ 297. تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب 5/ 338. تدور رحى الإسلام على خمس وثلاثين 13/ 205، 206. تدور رحى الإسلام عند رأس خمس 13/ 205. تربة أرضنا وريقة بعضنا 8/ 50. تزوجوا فإنّي مكاثر بكم الأمم 4/ 212. تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند اللَّه 12/ 289. تسمعون ما أسمع؟ 12/ 7. تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن سمع منكم 12/ 346. تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي 2/ 147- 14/ 375 . تسمون بأسماء فراعنتكم؟ 12/ 280. تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم 13/ 46. تضايق على صاحبكم قبره 1/ 255 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 98 تعال 2/ 80. تعالى حتى أسابقك 2/ 255. تعالي يا بنية ما هذا معك؟ 1/ 239- 5/ 232 . تعالى يا شيبة 4/ 118. تعجبون من هذا، والّذي نفسي بيده لمناديل سعد 14/ 50. تعرفني؟ 4/ 110- 7/ 182 . تعجلوا وضعوا 9/ 293. تعوذوا باللَّه من السبعين ومن إمارة الصبيان 12/ 261. تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم 14/ 183. تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة 12/ 351. تفرقت اليهود على إحدى واثنتين وسبعين فرقة 12/ 350. تقاتلون بين يدي الساعة قوما نعالهم الشعر 14/ 201. تقتل عمارا الفئة الباغية 12/ 197- 13/ 244 . تقتلك الفئة الباغية 12/ 197. تقحمت بي الناقة الليلة 1/ 208- 6/ 362 . تقدموا واقضوا حاجتكم 5/ 97. تقولون اللَّهمّ اجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد 11/ 42. تقولون اللَّهمّ صل على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم 11/ 41. تكون في أمتي فرقتان 12/ 205. تكون معادن ويكون فيها شرار خلق اللَّه 12/ 327. تلك الروضة روضة الإسلام 12/ 227- 14/ 135 . تلك السكينة تنزلت للقرآن 5/ 328. تلك العروة الوثقى، فأنت تموت على الإسلام 12/ 226- 14/ 134 . تلك الكلمة الحق يخطفها الجنى 5/ 7. تلك الملائكة جاءت تسمع قراءتك 5/ 331. تلك الموءودة الصغرى 1/ 206. تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين 12/ 205. تمشوا بنا إلى الثنية نتحسب من أصحابنا خبرا 13/ 320. تمشي بين يدي من هو خير منك؟ 9/ 120 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 99 تنام عيني ولا ينام قلبي 8/ 91. تنحره وتلقى قلائده في دمه 2/ 103. تنحرها وتصبغ نعلها 7/ 254. تنزلون منزلا يقال له الجاثية 13/ 193. توضئوا باسم اللَّه 5/ 87. تيامنوا في هذا العضل، فإن عيون قريش 1/ 282- 13/ 323 . التثاؤب من الشيطان 10/ 320. التحيات للَّه والصلوات والطيبات 11/ 39، 100، 112. التصفيق للنساء والتسبيح للرجال 14/ 476. التلبينة مجمة لفؤاد المريض 8/ 16 حرف الثاء ثبت اللَّه ملكه 12/ 131، 132. ثكلتك أمك، وهل تنصرون إلا بضعفائكم 1/ 111. ثلاث فيهن شفاء من كل داء إلا السام 8/ 114. ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان 13/ 173. ثلاث من كن فيه وجد طعم الإيمان 13/ 174. ثلاث هن عليّ فرائض وهي لكم تطوع 13/ 10. ثلاث هن عليّ فرض وهن لكم سنّة 13/ 26 حرف الجيم جاء الحق وزهق الباطل 1/ 390. جاءكم أهل اليمن هم أرق أفئدة 14/ 61. جاءكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا 14/ 61. جاءني ملك فقال إن ربك يقرأ عليك السلام 2/ 222. جاورت بحراء شهرا 3/ 30- 4/ 337 . جاورت بحراء فلما قضيت جواري 3/ 30- 4/ 336 . جئت بالحنفية دين إبراهيم 14/ 360. جئت يا وابصة تسألني عن البر والإثم 14/ 101. جئني بالشياه 12/ 53 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 100 جراحكم في سبيل اللَّه، ومن قتل منكم فإنه شهيد 1/ 238. جزاك اللَّه يا عائشة عني خيرا 2/ 159. جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا 3/ 311، 312. جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا 3/ 312. جهزينا وأخفي أمرك 1/ 351. الجنة تحت ظلال السيوف 10/ 351، 352 حرف الحاء حاربت يهود 1/ 189. حبب إليّ من الدنيا النساء والطيب 7/ 92. حبب إليّ النساء والطيب، وجعلت قرة عيني 7/ 92. حتى تقسم الغنائم ثم أعطيك عقالا 1/ 318. حتى غاب ذلك منك في ذلك منها 10/ 18. حدثوا عني بني إسرائيل ولا حرج 10/ 297. حر وعبد 8/ 312- 9/ 93 ، 94، 96. حسبك من نساء العالمين أربع 4/ 195. حسبنا اللَّه ونعم الوكيل 1/ 180، 231، 356. حسبنا اللَّه ونعم الوكيل، ما أراه إلا صدقني 9/ 234. حسين مني وأنا من حسين 6/ 19. حسين مني وأنا منه 2/ 218. حفظك اللَّه كما حفظت رسوله 2/ 72. حق على اللَّه أن لا يرفع شيء من الدنيا إلا وضعه 7/ 229، 231. حكمت فيهم بحكم اللَّه 2/ 271، 304. حم لا ينصرون 5/ 70. حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن 3/ 305. حوضي مسيرة شهر، زواياه سواء 3/ 305. حي على أهل الوضوء والبركة 5/ 88. الحجامة تزيد في العقل 8/ 60. الحسن والحسين ابناي 6/ 11. الحرب خدعة 1/ 245- 13/ 113 ، 114 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 101 الحمد للَّه، دفن البنات من المكرمات 5/ 346. الحمد للَّه الّذي أجاب دعوتي فيه 1/ 110- 12/ 66 . الحمد للَّه الّذي أحانه 1/ 156. الحمد للَّه الّذي أحيانا بعد ما أماتنا 8/ 83، 89. الحمد للَّه الّذي أطعم وسقى، وسوغه وجعل له مخرجا 7/ 340. الحمد للَّه الّذي أطعمنا وسقانا 7/ 339- 8/ 82 . الحمد للَّه الّذي أنجز لي ما وعدني 12/ 161. الحمد للَّه الّذي جعل خد أبي جهل الأسفل 12/ 155. الحمد للَّه الّذي حسن خلقي وخلقي 7/ 86. الحمد للَّه الّذي خلقني ولم أك شيئا 8/ 157. الحمد للَّه الّذي سوّى خلقي فعدله 7/ 86. الحمد للَّه الّذي صدق وعده ونصر عبده 1/ 392. الحمد للَّه الّذي كفانا وأروانا 7/ 338. الحمد للَّه الّذي كفاني وأواني وأطعمني 8/ 87. الحمد للَّه الّذي هداك إلى الإسلام 7/ 180. الحمد للَّه الّذي هداك إلى هذا الدين 5/ 244. الحمد للَّه الّذي يطعم ولا يطعم 7/ 341. الحمد للَّه ربّ العالمين 2/ 189. الحمد للَّه على كل حال 11/ 143. الحمد للَّه على ما رزقنا في سفرنا هذا من أجر 2/ 79. الحمد للَّه كثيرا طيبا مباركا فيه 7/ 338. الحمد للَّه، ما من نبي يتوفاه اللَّه حتى يؤمه رجل 14/ 473. الحمى من فيح جهنم فأبردها بالماء 8/ 22. الحلو البارد 7/ 354 حرف الخاء خبز ولحم، وتمر وبسر ورطب 7/ 288- 14/ 293 . ختمت عليك باللَّه من الشيطان الرجيم 5/ 339. خذهن فاجعلهن في مزود 5/ 185. خذوا عني، خذوا عني 10/ 16 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 102 خذوه فإنه خبيث الدية خبيث الجثة 1/ 238. خذوهن اقتلوهن 3/ 46. خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف 13/ 163. خربت خيبر 9/ 269، 270- 10/ 218. خرجت من النار 9/ 270. خضبي هؤلاء بالدماء 5/ 36. خلوا سبيلها فإنّها مأمورة 10/ 85. خلافة نبوة 14/ 207. خير أكحالكم الأثمد 8/ 9. خير أمتي القرن الّذي بعثت فيهم 12/ 367. خير الناس قرني 3/ 339. خير الناس قرني ثم الذين يلونهم 12/ 366، 367. خير الناس من طال عمره وحسن عمله 12/ 343. خير نساء ركبن المطايا نساء قريش 6/ 102. خير نسائها مريم ابنة عمران 10/ 268، 270. خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة 11/ 64. خيركم قرني ثم الذين يلونهم 12/ 366. الخلافة بالمدينة والملك بالشام 12/ 209. الخلافة في أمتي ثلاثون سنة 14/ 206. الخير معقود بنواصي الخيل 12/ 43 حرف الدال دخلت الجنة البارحة فنظرت فيها 8/ 135. دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب 8/ 120. دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم 14/ 26. دعه فعسى أن يقوم مقاما تحمده 12/ 175. دعه يا عمر، فإنه خرج مهاجرا إلى اللَّه ورسوله 14/ 54. دعها فلعلها أن تسرك يوما 12/ 176. دعهم يا أبا بكر، فو الّذي نفسي بيده 1/ 37. دعهم يا عمر، فإنّهم بنو أرفدة 10/ 169 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 103 دعهما يا أبا بكر فإنّها أيام عيد 10/ 166. دعوا الحنفي والطين 10/ 91. دعوني ما تركتكم 3/ 135. دعوه 2/ 243، 244- 7/ 189. دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى 4/ 54. دعوه حتى يحدث اللَّه فيه ما يشاء 1/ 247. دعوه، فإن يك فيه خير فيلحقه اللَّه بكم 2/ 52. دعوه، فلو قدر شيء كان 2/ 236. دعوه، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر 14/ 352. دعوه وأهريقوا على بوله سجلا من ماء 2/ 244. دعوها فإنّها مأمورة 1/ 66. دعوهم، فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم 14/ 65. دعي هذه وقولي الّذي كنت تقولين 4/ 221. دعيه 12/ 235. دفن في التربة التي خلق منها 10/ 362. دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم 12/ 241. دونك يا جابر فاعمل هذه البيضات 7/ 321. دونكما أبا محمد فإنّها تجم الفؤاد 8/ 65. دين اللَّه الّذي اصطفى لنفسه وبعث به رسله 9/ 92. الدعاء موقوف بين السماء والأرض 11/ 126. الديك الأبيض صديقي 7/ 361 حرف الذال ذاك إبراهيم وسماه شيخه 9/ 60. ذاك جبريل، لو دنا منه لأخذه 4/ 123. ذاك حبسني عنكم 13/ 64. ذاك رجل نجاه اللَّه بوفائه 13/ 306. ذاك شيطان يقال له خنزب 11/ 322، 324. ذاك عند أوان ذهاب العلم 12/ 359. ذاك فلان من الملائكة 3/ 326 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 104 ذاك لهم ما شاء اللَّه على ذلك 12/ 372. ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك 14/ 490. ذاك ملك العرب رجع إلى أحسن زيه وبهجته 13/ 5. ذاك نجاه اللَّه بوفائه 13/ 307. ذروة فإنه خبيث، خبيث الدية 4/ 120. ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت 7/ 308. ذكرت شيئا من تبر عندنا 2/ 291. ذلك إلى ربي يصنع بي ما يشاء 2/ 133. ذلك لو كان وأنا حي فأستغفر لك 14/ 429. ذهب كلبهم وأقبل درهم 1/ 357. ذهبت منك الرحمة؟ 1/ 316 حرف الراء راقدا 10/ 75. رأيت جبريل عند السدرة وله ستمائة جناح 3/ 40. رأيت جبريل عليه السلام له ستمائة جناح 3/ 39. رأيت جبريل منهبطا قد ملأ ما بين السماء 3/ 43. رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا يطير 8/ 136. رأيت خيرا، تلد فاطمة إن شاء اللَّه غلاما 12/ 237- 14/ 145 . رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم 8/ 97. رأيت عمودا من نور خرج من تحت رأسي 12/ 211. رأيت غلاما بالبطحاء قد أوقفوه ليبيعوه 6/ 303. رأيت غنما كثيرة سوداء 8/ 127. رأيت في المنام امرأة سوداء ثائرة ثقيلة 11/ 301. رأيت في المنام أني أهاجر من مكة 8/ 98. رأيت في المنام كأن أبا جهل أتاني فبايعني 8/ 136. رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشا 8/ 100. رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس 8/ 102- 11/ 302 . رأيت كأن دلوا دليت من السماء 8/ 133. رأيت كأني أتيت بكثلة تمر 8/ 121 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 105 رأيت كأني أنزع على غنم سود 8/ 119. رأيت كأني دخلت الجنة فرأيت لجعفر درجة 8/ 136. رأيت ليلة أسري بي لما انتهينا إلى السماء 8/ 280. رأيت ليلة أسرى بي موسى رجلا أدم طوالا 8/ 246. رأيت الملائكة تغسله 1/ 173. رأيت نورا 8/ 290. رأيته نورا أنّى أراه 8/ 291. رأيتهن وقد أصبن بآبائهن 2/ 5. رب قني عذابك يوم تبعث عبادك 8/ 84. رب يمين لا يصعد إلى اللَّه بهذه البقعة 12/ 336. رحم اللَّه امرأ أراهم اليوم قوة 1/ 332. رحم اللَّه امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة 9/ 19. رحم اللَّه حرس الحرس في سبيل اللَّه 2/ 68. رحم اللَّه موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر 10/ 377. رحم اللَّه المحلقين 1/ 298- 2/ 116- 10/ 48 ، 51. ردوا عليّ ردائي، أتخشون عليّ البخل 2/ 211. ردي على قول اليهودي قاتله اللَّه 2/ 266. رسول اللَّه 4/ 379. رشوا عليها 5/ 75. رضي اللَّه عنكن وعن أولادكن 1/ 176. رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ 11/ 7، 72. رفعت إليّ السدرة فإذا أربعة أنهار 7/ 359. رويدك يا أنجشة، رفقا بالقوارير 6/ 319، 9/ 310، 316. رويدك يا أنجشة سوقا بالقوارير 2/ 224. ريح كرب وبلاء 14/ 146. الرافلة في الزينة في غير أهلها 6/ 347. الرؤيا ثلاث، فرؤيا حق 10/ 293 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 106 حرف الزاي زمام خير من خزام 2/ 78. زملوني دثروني 1/ 31. زملوني زملوني 3/ 5. زن وأرجح 7/ 16. زودك اللَّه التقوى 8/ 159. زيد بن حارثة أمير الناس 1/ 338 حرف السين ساقى القوم آخرهم شربا 7/ 375، 376. سألت ربي أن لا أزوج أحدا من أمتي 13/ 126. سب الأموات يؤذي الأحياء 14/ 329. سباب المسلم فسوق 9/ 217. سبحان اللَّه 5/ 89. سبحان اللَّه بئس ما جزتها 7/ 236. سبحان اللَّه، علام يقتل أحدكم أخاه؟ 7/ 391. سبحان اللَّه، ما أنزل اللَّه من خزائن؟ 13/ 222، 223. سبحان اللَّه ويلك، أنا شفعت إلى ربي 5/ 129. سبحانك اللَّهمّ وبحمدك 2/ 285. سبحانك لا إله إلا أنت ظلمت نفسي 7/ 214. ستبتلى هذه الأمة رجلا 12/ 384. ستبنى مدائن بين نهرين من المشرق 12/ 331. ستبعث بعوث فكن في بعث يأتي خراسان 14/ 196. ستجده يصيد البقرة فتأخذه 2/ 63- 14/ 49 . ستفتح عليكم الشام، فإذا خيرتم المنازل فيها 14/ 186. ستفتح لكم الأرض وتكفون الموتة، فلا يعجزن أحدكم 14/ 126. ستكون معادن يحضرها شرار الناس 12/ 327. سددوا، وقاربوا، وابشروا 2/ 332. سر 2/ 52 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 107 سر يا صاحب الفرس 5/ 221- 11/ 272 . سل عما شئت 14/ 79. سلمان منا أهل البيت 1/ 226- 13/ 291 . سلوا عما شئتم 11/ 239- 14/ 80 . سلوني، لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم 11/ 243. سلم يا علي باسمي وكن بكنيتي 13/ 188. سمع سامع بحمد اللَّه وحسن بلائه علينا 8/ 164. سمع اللَّه لمن حمد ربنا ولك الحمد 12/ 68، 69، 72. سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يعيب أكل ما ذبح 2/ 352. سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي 2/ 147، 148. سموه باسمي ولا تكنوه بكنيتي 11/ 354. سهل أمرهم 1/ 290. سيحال بيني وبينها 4/ 115. سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان 9/ 214. سيروا على بركة اللَّه فإن اللَّه قد وعدني 1/ 95. سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق 14/ 55. سيقتل بعذراء ناس يغضب اللَّه لهم وأهل السماء 12/ 220- 14/ 128 . سيكون بعدي خلفاء يعملون ما يعلمون 12/ 304. سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم ما لم تسمعوا 12/ 364. سيكون في أمتي رجل يقال له غيلان 12/ 286. سيكون في هذه الأمة رجال يركبون على المياثر 12/ 329. سيكون فيكم اثنا عشر خليفة 13/ 202. سيحان وجيحان والفرات والنيل 10/ 351. سيولد لك بعدي غلام قد نحلته اسمي وكنيتي 13/ 186. السلام على همدان 2/ 102. السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه 11/ 27. السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون 12/ 337، 338. السلام عليكم ورحمة اللَّه 7/ 343. السلام عليكم يا صبيان 2/ 207 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 108 السيد اللَّه 2/ 219. السيد هو اللَّه 2/ 228 حرف الشين شاهت الوجوه، اللَّهمّ ارعب قلوبهم 1/ 108. شدوا رأسي لعلي أخرج إلى المسجد 12/ 22. شرط من ربي ألا أصاهر إلى أحد 6/ 191. شغلنا المشركون عن صلاة الوسطى 1/ 237. شفاء عرق النساء ألية شاة عربية 8/ 31. شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي 3/ 264، 294. شفعت الملائكة وشفع النبيون 10/ 277. شكوا إليّ ما بلغ منهم الجوع فأذنت لهم 2/ 70- 9/ 264 . شم سيفك وارجع مكانك ومتعنا بنفسك 1/ 158. شمي عوارضها وانظري إلى عرقوبها 6/ 94. شيبتني هود وأخواتها 2/ 328. شيبتني هود وصواحبتها هذه 2/ 329. شيبتني هود والواقعة 2/ 327. الشربة لك، وإن شئت أمرت بها خالدا 7/ 373، 374. الشفاء في ثلاثة 8/ 57. الشفاعة 3/ 239 حرف الصاد صاحب الجبيذة بالأمس 14/ 110. صاحب الجزور 13/ 366، 367، 368. صاحب الشيء أحق بحمله 7/ 17. صبوا عليّ سبع قرب لم تحلل 8/ 21. صدق الحديث وأداء الأمانة 11/ 142. صدق الراعي، ألا إنه من أشراط الساعة 5/ 233. صدق اللَّه وكذب بطن أخيك 7/ 398. صدقت، ذلك من مدد السماء 3/ 319 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 109 صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟ 2/ 27، 97. صفتي أحمد المتوكل 3/ 343. صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتك الصلاة معهم 13/ 211. صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة 13/ 211. صلوا على أنبياء اللَّه ورسله 10/ 371. صلوا على صاحبكم فإنه قد غل 2/ 21- 13/ 343 . صلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني 10/ 306. صلوا عليّ فإن صلاتكم عليّ زكاة لكم 11/ 89. صلوا عليّ فإن الصلاة عليّ كفارة لكم 11/ 46، 91، 141. صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا 11/ 68، 71. صلوا كما رأيتموني أصلي 3/ 159، 165. صلى اللَّه عليك وعلى زوجك 11/ 261. صليت العصر يا عليّ 5/ 29. صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة معتما 8/ 251. صنف تمرك كل شيء منه على حدته 5/ 197. صنفان من أهل النار لم أرهما 12/ 328. صوت أبي طلحة في الجيش خير من أربعين رجلا 1/ 150. صوم شهر الصبر أو ثلاثة أيام من كل شهر 9/ 280- 13/ 137 . صوم شهر الصبر، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر 9/ 280. صلاة أحدكم في بيته أفضل 10/ 358. صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة 10/ 345، 346، 353، 357، 358. صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة 14/ 621- 622 . صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة 10/ 361. صيد البر لكم حلال 2/ 105. صيد قوم وربيطة قوم 5/ 241. الصحبة 1/ 57. الصلاة الصلاة، إنكم لا تزالون متماسكين 14/ 509. الصلاة في أول وقتها 1/ 204 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 110 الصلاة في وقتها 14/ 305. الصلوات الخمس 3/ 56 حرف الضاد ضحكت من ناس يؤتى بهم من قبل المشرق 13/ 294. ضرب اللَّه عنقك 2/ 255- 4/ 399 . ضع يدك على الّذي تألم من جسدك 8/ 48. ضعه في ناحية البيت 5/ 173. ضعوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة 13/ 349. ضعوا فيه السكين واذكروا اسم اللَّه 2/ 62- 7/ 293 . ضعوا لي ماء في المخضب 14/ 463. الضب لست آكله ولا أحرمه 7/ 301. الضحى 13/ 19 حرف الطاء طوبى للشام 4/ 241. طوبى للغرباء 12/ 387. طوبى لمن رآني وآمن بي 12/ 338 حرف الظاء ظل خباء في سبيل اللَّه 2/ 68 حرف العين عائشة 5/ 405. عثمان أضل عيبة بفلاة عليها قفل 13/ 208. عجبا يا أم سلمة، إن قلت للناس انحروا 1/ 297. عجل هذا 11/ 54، 95. عذاب هذه الأمة جعل بأيديها في دنياها 12/ 326. عذت بعظيم الحقي بأهلك 6/ 95. عذت بمعاذ عذت 6/ 99، 101 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 111 عرض عليّ ربي بطحاء مكة ذهبا 2/ 288. عرضت عليّ الأنبياء الليلة بأممها 8/ 122. عرضت عليّ الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير 11/ 242. عرّق اللَّه وجهه في النار 1/ 236. عسى أن تجد لنا ماء 2/ 73- 5/ 107 . عسى أن يرسل عليه كلبا من كلابه 12/ 120. علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل 4/ 208. علموا أخاكم القرآن وأطلقوا له أسيره 1/ 118. علمي حفصة رقية النملة كما علمتيها الكتاب 10/ 57. على أي حال رأيتينهما؟ 9/ 116. عليّ بالرجل 7/ 362. على رسلكما، إنما هي صفية 10/ 153. على الفطرة 9/ 270. على مصافكم كما أنتم 8/ 131. عليّ وفاطمة والحسن والحسين 5/ 383. عليك باتقاء اللَّه ولا تحقرن من المعروف شيئا 7/ 61. عليك بتقوى اللَّه والتكبير على كل شرف 8/ 159. عليك بالسكينة والوقار 6/ 119. عليك السلام تحية الميت 7/ 13. عليكم بحصى الخذف 2/ 160. عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي 13/ 214. عليكم بما اسود منه فإنه أطيبه 4/ 104، 105. عليكم بهذا العود الهندي 8/ 5. عليكم بالشفاءين العسل والقرآن 7/ 398. عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر 13/ 363. عليكن بهذا العود الهندي 8/ 6. عمر أمتي من ستين إلى سبعين 12/ 262. عند فرطنا عثمان بن مظعون 5/ 338. عندك دريرة 8/ 38 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 112 عودوا إلى الّذي كنتم فيه 11/ 251. عوف بن مالك؟ 1/ 345. علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟ 8/ 5، 6. العباس أخي من الرضاع 6/ 111. العمرة إلى العمرة كفارة 10/ 350. العيش عيش الآخرة 1/ 384. العين حق، ولو كان شيء سابق القدر 7/ 387 حرف الغين غفار غفر اللَّه لها 4/ 375. غفار غفر اللَّه لها، وأسلم سالمها اللَّه 12/ 72. غفر اللَّه لك يا أبا حفص 2/ 237. غيب عني وجهك 1/ 400. غير هذا كان أجزى 10/ 143. غيروا فإن اليهود لا تغير 7/ 66 حرف الفاء فاطمة بضعة مني 10/ 273، 283. فاطمة سيدة نساء أهل الجنة 10/ 273. فانحرها ثم أصبغ نعلها في دمها 7/ 253. فأدخله عليّ 12/ 170. فأردت أن أستغيث فحبساني 3/ 28- 8/ 93 . فإن الجمل مأمور 1/ 161. فإن شئت أخرت ذلك وهو خير ذلك 11/ 326. فإن الملائكة وارت جثته وأنزل عليين 13/ 286. فأنت يعفور 5/ 267. فإنّي سأبعث معكم أمينا حق أمين 9/ 366. فإنّي قد رضيته لك 10/ 208. فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق 13/ 315. فأين سبحه التي شهد عليها بدرا 7/ 209 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 113 فبم لددتموني؟ 2/ 130. فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا 3/ 15. فتحت البلاد بالسيف وفتحت المدينة بالقرآن 10/ 363. فتنة الرجل في أهله وماله وولده 13/ 194. فجاءني وأنا نائم بنمط 3/ 24. فذاك إذا 2/ 213. فرج سقف بيتي وأنا بمكة 3/ 36- 8/ 196 ، 243. فرغت 4/ 341. فرغوا لها عكتها 5/ 227. فروا من المجذوم فراركم من الأسد 8/ 27. فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره 10/ 358. فضل عائشة على النساء كفضل الثريد 10/ 271. فضلت بخصال ست لا أقولهن فخرا 3/ 224. فضلت على آدم بخصلتين 4/ 112. فضلت على الأنبياء بست 3/ 317. فضلت على الناس بأربع 6/ 127. فضلت على الناس بثلاث 3/ 312. فضلنا على الأنبياء بثلاث 3/ 312. فظننتها فجأة الجن 3/ 19. فعلت اليوم أمر ليتني لم أك فعلته 2/ 110. فقل لا يفضض اللَّه فاك 3/ 193. فكذلك فلتكن 12/ 100. فلعلك وافقك سائل 5/ 332. فلعلكم تفترقون 2/ 192. فلم ابتعثني اللَّه إذا؟ 9/ 363. فما تزوجت؟ بكرا أم ثيبا؟ 5/ 197. فما فعلت الرحى 5/ 164. فمن يعدل إذا لم يعدل اللَّه ورسوله 14/ 24. فهل لك في خير من ذلك؟ 13/ 314 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 114 فهل مع ذلك غير؟ 10/ 74. فهل غير ذلك؟ 6/ 305. فهلا نقبت عن قلبه؟ 13/ 351. في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا 14/ 195. في أمتي اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة 14/ 341. في ثقيف كذاب ومبير 12/ 256. في الصلاة وفي الركوع إني أراكم 5/ 307. في النار 2/ 242. فيكم النبوة والمملكة 12/ 298. فيها آية خير من ألف آية 8/ 86. فيهن آية كألف آية 8/ 86. الفقر تخافون؟ أو تهمكم الدنيا؟ 12/ 319 حرف القاف قاتل بهذا يا عكاشة 5/ 44. قاتل اللَّه يهودا حرم عليهم الشحوم 2/ 3. قاتل اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم 14/ 494. قاعدا 10/ 75. قال جبريل عليه السلام صل صلاة كذا في وقت كذا 3/ 69. قال لي جبريل عليه السلام قلبت الأرض مشارقها 7/ 212. قبر من هذا؟ 10/ 342. قتل العنسيّ البارحة، قتله رجل مبارك 14/ 527. قتلته؟ علام يقتل أحدكم أخاه؟ 7/ 392. قتلته يا أسامة وقد قال لا إله إلا اللَّه؟ 1/ 329. قد رأيت ما تلقى أمتي من بعدي 12/ 325. قد أعذتك مني 7/ 356- 13/ 124 . قد أكرمنا اللَّه بتحية خير من تحيتك 12/ 171. قد التحفنا لحافا غيرك 6/ 109. قد أمنته 9/ 6. قد انتظرتك أن توفي بنذرك 13/ 111 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 115 قد جاء اللَّه بزاملتنا فارجعوا بزاملتكما 2/ 106، 214. قد خشيت على عقلي 1/ 30. قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم 1/ 134- 13/ 108 . قد رأيت دار هجرتكم 8/ 98. قد رأيت الّذي صنعتم 2/ 241. قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا 4/ 32. قد سبقك بذلك الوحي 10/ 119. قد صففت صفوفي ووضعت رايتي 1/ 99. قد طبتم به نفسا 6/ 317. قد عفوت عنك 2/ 239. قد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا 1/ 116- 12/ 162 . قد كان إخوة وأصدقاء 14/ 440. قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد 10/ 11. قرأتها على الجن ليلة الجن وكانوا أحسن 9/ 80. قرب اليمامي من الطين 10/ 90. قربوا بأوعيتكم 1/ 299. قريبه فما أقفر بيت من أدم فيه خل 7/ 269- 14/ 280 . قزمان في النار 14/ 359. قضاء اللَّه خير 1/ 387. قطع صلاتنا قطع اللَّه أثره 12/ 108، 109. قطع اللَّه أثره 4/ 399. قل التحيات للَّه والصلوات والطيبات 11/ 95. قل حين تصبح لبيك اللَّهمّ لبيك 11/ 3. قل لأبي بكر يصلي بالناس 14/ 474. قل له وما يمنعني وأنا خير منه 6/ 397. قل اللَّه أكبر اللَّه أكبر 10/ 127، 130. قل اللَّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك 11/ 326. قل اللَّهمّ اهدني فيمن هديت 11/ 113. قل اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد 11/ 26، 33، 37 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 116 قلت لكم في سفركم هذا؟ 1/ 294- 13/ 355 . قلت لهند أترين هذا من اللَّه 14/ 4. قم فأجب خطيبهم 2/ 39. قم يا أبا تراب، ألا أخبرك بأشقى الناس أجمعين 1/ 75. قولوا بقولكم ولا يستجرئنك الشيطان 2/ 228. قولوا اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك 3/ 253. قولوا اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك على محمد 11/ 38، 40، 41. قولوا اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد 11/ 34. قولوا اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك 3/ 252- 11/ 32 . قولوا اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على إبراهيم 11/ 33، 37. قولوا اللَّهمّ صل على محمد نبيك 11/ 32. قولوا اللَّهمّ صل على محمد وأزواجه وذريته 11/ 31. قولوا اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد 3/ 251، 252، 253- 5/ 395- 11/ 22، 25، 33. قولوا لا إله إلا اللَّه وحده صدق وعده 14/ 23. قوموا إلى سيدكم 9/ 257. قوموا بنا 7/ 390. قوموا على مصافكم هكذا فاحموا ظهرنا 8/ 354. قوموا فقد صنع لكم جابر سورا 2/ 264. قيل السلام عليك، فظننتها فجأة الجن 2/ 388. القوم بين الألف والتسعمائة 1/ 97. القوم ثلاثمائة، إن زادوا، زادوا قليلا 1/ 102 حرف الكاف كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض 14/ 177. كان عزيزا منيعا كأبي زمعة 14/ 333. كان فيها أنفس سبعة أناس 11/ 316. كان الكتاب الأول نزل من باب واحد 4/ 262. كان لكم يومان تلعبون فيهما 10/ 174. كان من قبلكم لا يصلون إلا في ضيعهم وكنائسهم 1/ 212 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 117 كانت أنفسنا بيد اللَّه، فلو شاء قبضها 1/ 326. كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء 14/ 203. كانت لغة إسماعيل قد درست 2/ 261. كانتا خصلتان لا يكلهما إليّ أحد 2/ 335. كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل 11/ 274. كبّر كبّر 2/ 249. كتاب كتبه اللَّه قبل أن يخلق خلقه بألفي عام 3/ 340. كخ كخ ارم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة 5/ 375- 13/ 83 . كخ كخ، أما تعرف أنّا لا نأكل الصدقة 7/ 322- 13/ 83 . كذاك سوقك بالقوارير 6/ 120. كذب عدو اللَّه، ليس بمسلم 8/ 392. كذب من قال ذلك، إن له أجرين 1/ 313. كذب وهو على نصرانيته 8/ 392. كذبت، بل خير الرجال رجال أهل اليمن 14/ 252. كذبت، ولكن الصياح الّذي سمعت أنفرك 13/ 335. كذبت، لا يدخلها أحد شهد بدرا والحديبيّة 9/ 89، 126. كذبوا، إنما خلفتك لما ورائي 2/ 50. كذبوا، مات جاهدا مجاهدا فله أجره مرتين 9/ 307. كفوا أيديكم، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة 13/ 345. كفوا أيديكم، فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة 1/ 316. كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى 3/ 144. كل بدنة عطبت من الهدى فانحرها 7/ 251. كل بسم اللَّه ثقة باللَّه وتوكلا عليه 8/ 28. كل بيمينك 12/ 97، 98. كل البواكي يكذبن إلا أم سعد 1/ 254. كل تقى 5/ 398. كل ثقة باللَّه وتوكلا عليه 8/ 28. كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء 11/ 118. كل ذلك لم يكن 2/ 250- 6/ 10 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 118 كل ذلك يأتيني أحيانا مثل صلصلة الجرس 3/ 45. كل عرفة موقف إلا بطن عرنة 2/ 113. كل كلام لا يبدأ فيه بحمد اللَّه فهو أجزم 11/ 153. كل كلام لا يذكر اللَّه فيبدأ به وبالصلاة عليّ 11/ 153. كل معروف صدقة 13/ 81. كل نسب وسبب وصهر ينقطع يوم القيامة 5/ 370. كل يا أعرابي 5/ 191. كلكم محسن مجمل 4/ 254. كلهم من قريش 12/ 302. كلوا أو أطعموا فإنه حلال 7/ 304. كلوا رزقا أخرجه اللَّه، أطعمونا إن كان معكم 7/ 319- 13/ 368 . كلوا فإن هذا يشبه خبيص أهل فارس 14/ 301. كلوا فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي 7/ 303. كلوا فكل صيد البحر لكم حلال في الإحرام 1/ 277. كلوا واعلفوا ولا تحتموا 1/ 313. كلوا ولا تكيلوا 5/ 194. كم ترى الناس الذين ثبتوا؟ 2/ 14. كم هم؟ 6/ 330. كم هو؟ 5/ 154. كما أذقت أول قريش نكالا فارزق آخرهم نوالا 12/ 81. كما أنت يا بني، قد حدث بعدك أمر 6/ 352. كما يضاعف لنا الأجر كذلك يضاعف لنا البلاء 13/ 350. كما يعظم لنا الأجر كذلك يشتد علينا البلاء 14/ 471. كمل من الرجال كثير 10/ 270. كن كذلك 12/ 99. كنت أجاور هذه العشر 10/ 149. كنت أول النبيين في الخلق 3/ 106، 170. كنت ألاعب أنيسة- جارية من الأنصار- على هذا 8/ 143. كنت خلفت في البيت تبرأ من الصدقة 2/ 291 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 119 كنت في صلبه 3/ 190. كنت نبيا وآدم بين الماء والطين 3/ 19، 173- 11/ 215. كلا، إن بحسبكم القتل 13/ 221. كلا، إنه لا يقطع الصهر الموت 5/ 350. كلا، إني رأيته في النار في بردة غلها 13/ 340. كلا والّذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها 6/ 322. كلا والّذي نفسي بيده أن الشملة لتلتهب عليه نارا 13/ 340، 341. كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة 13/ 210. كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة 13/ 209، 214. كيف أنت وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفي؟ 12/ 307. كيف أنتم إذا مرج الدين وظهرت الرغبة 12/ 244- 14/ 152 . كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟ 13/ 228. كيف بك يا سراقة إذا سورت بسواري كسرى؟ 1/ 60. كيف ترون قواعدها؟ 2/ 261. كيف ترون هذه؟ 5/ 366. كيف جئت؟ 6/ 330. كيف شهدت ولم تحضر؟ 7/ 194. كيف قلت؟ 11/ 281. كيف لو رأيتم خليلين من الناس يقتتلان 12/ 196. كيف أمسيت؟ 2/ 248. كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم؟ 1/ 152- 13/ 258 حرف اللام لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين 9/ 365، 366- 14/ 72، 73. لأدفعن رايتي هذه إلى رجل يحب اللَّه ورسوله 11/ 288. لأدفعن الراية إلى رجل يحب اللَّه ورسوله 11/ 287. لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة 3/ 304. لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله 1/ 309- 11/ 278 ، 280، 287، 288، 289، 290- 13/ 333 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 120 لأعطين اللواء رجلا يحب اللَّه ورسوله 11/ 287. لأعطين هذه الراية رجلا يفتح اللَّه عليه 11/ 284، 285، 286. لأعطينها غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله 11/ 293. لأنا أحوج إلى غير هذا 2/ 236. لأنه حديث عهد بربه 2/ 281. لئن ظفرت بقريش لأمثلن بثلاثين منهم 1/ 168. لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربع 14/ 199. لئن قلت ذلك إنهم أحلم الناس عند فتنة 14/ 199. لئن وجدتك خارجا من جبال مكة 12/ 164. لبئس ما جزيتها، ليس هذا نذر 7/ 233. لبيك إن العيش عيش الآخرة 13/ 57. لبيك بحج وعمرة معا 9/ 34. لبيك اللَّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك 1/ 276- 13/ 58 . لتأتوني بكتف ودواة أكتب لأبي بكر 14/ 450. لتتبعن سنن من كان قبلكم باعا بباع 12/ 353. لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا 12/ 353. لتفتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى 14/ 189. لتنتفض عرى الإسلام عروة عروة 12/ 388. لست بآكله ولا محرمه 7/ 301. لست بقارئ 1/ 30. لست بنبيء اللَّه ولكن نبي اللَّه 2/ 373. لست ملكا، أنا محمد بن عبد اللَّه 4/ 355. لست من دد، ولا الدد مني 2/ 194. لست منهم، بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا 14/ 218. لعداوتك للَّه ورسوله 10/ 5. لعل لصاحبكم عند اللَّه أفضل من ملك سليمان 3/ 284. لعل اللَّه يرفعك وينفع بك ناسا 11/ 305. لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام 11/ 310. لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت 10/ 17 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 121 لعلكم تدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها 13/ 211. لعله يقوم مقاما لا تكرهه 12/ 177. لعن اللَّه الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد 14/ 532. لعن اللَّه زوارات القبور 14/ 617. لعن اللَّه قوما اتخذوا قبورهم مساجدا 14/ 413. لعن اللَّه كسرى، إن أول الناس هلاكا العرب 12/ 314. لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد 14/ 494، 604. لعن اللَّه اليهود يحرمون شحوم الغنم 6/ 388. لعنة اللَّه على اليهود والنصارى اتخذوا قبور 14/ 438، 493. لقاء ربي ثم الجنة 14/ 506. لقاب قوس أحدكم من الجنة 10/ 350. لقد أخفت في اللَّه وما يخاف أحد 9/ 182، 290، 298. لقد أوذيت في اللَّه وما يؤذى أحد 2/ 291. لقد أيدك اللَّه بملك كريم 12/ 168. لقد تحجرت واسعا 2/ 244. لقد حكمت بحكم اللَّه من فوق سبع سماوات 1/ 249- 13/ 301 . لقد خرجت من الخوخة متنكرا 8/ 327. لقد خشيت أن أكون كاهنا أو مجنونا 3/ 16. لقد دخل عليّ ملك لم يدخل عليّ قبلها 14/ 144. لقد رأى ابن الأكوع فزعا 5/ 68. لقد رأيت الأسنة شرعت إليه يومئذ حتى قتل 13/ 269. لقد رأيت الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة 11/ 244. لقد رأيت الملائكة تغسله 13/ 271. لقد رأيتني في الحجر وأنا أخبر قريش 10/ 305. لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي 8/ 248. لقد رعيت غنيمات أهل مكة لهم بالقراريط 4/ 387. لقد سمعت من هؤلاء تأذين حسن الصوت 10/ 134. لقد شهدته في الموسم بعكاظ 8/ 309- 9/ 68 . لقد طرقني يا عائشة طارق من صداع 14/ 434 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 122 لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث 3/ 285. لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك 13/ 120. لقد كان قبلكم ليمشط الحديد ما دون عظامه 14/ 177. لقد كنت أقف بعرفة قبل النبوة خلافا لهم 2/ 111. لقد لزمت السواك حتى تخوفت أن يدردني 13/ 45. لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم 9/ 51، 183. لقد مات اليوم منافق عظيم 14/ 369. لقد هبط عليّ ملك من السماء 2/ 222. لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسرى بي 9/ 53. لك عندنا قطيفة تلبسينها في الشتاء 6/ 56. لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم 4/ 123. لكل نبي حواري وحواري الزبير 4/ 222. لكل نبي دعوة دعا بها في أمته فاستجيب له 3/ 283. لكل نبي دعوة دعاها لأمته وإني اختبأت دعوتي 3/ 283. لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته 3/ 282. لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها فيستجاب له 3/ 283. لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وأريد أن أختبئ 3/ 282. لكل نبي دعوة وأردت إن شاء اللَّه أن أختبئ دعوتي 3/ 281. لكل نبي دعوة يدعوها فأنا أريد إن شاء اللَّه 3/ 282. لكم كل عظم ذكر اسم اللَّه عليه 9/ 77. للَّه در أبي طالب 5/ 127. للَّه وللرحم وكف عنها 2/ 23. لم ترع، أردت أن أستأنس بإبلك 12/ 116. لم ترع، لم ترع 4/ 117. لم تراعوا، لم تراعوا 2/ 208- 11/ 270 ، 271. لم تفتكم 5/ 103. لم خلعتم نعالكم؟ 3/ 166. لم صنعت به هذا؟ أما كان السيف كفاية 1/ 250 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 123 لم قاتلت وقد نهيت عن القتال؟ 1/ 394. لم نؤمر بذلك 1/ 55. لم يجتمع مائة لميت فيجتهدون في الدعاء 11/ 116. لم يلتق أبواي على سفاح 3/ 214. لم يؤذن لنا حتى الآن فيهم 14/ 21. لما أسرى بي مرت بي رائحة طيبة 8/ 258. لما أصاب آدم الخطيئة رفع بصره 3/ 188. لما خلق اللَّه الأرض واستوى إلى السماء 3/ 188. لما فرغت مما أمرني اللَّه به 4/ 194. لما كانت ليالي بعثت ما مررت بشجر ولا حجر 5/ 55. لما كانت ليلة أسرى لم أصبحت بمكة 8/ 255. لما كذبتني قريش حين أسرى بي 8/ 254. لما كذبتني قريش قمت في الحجر 8/ 231، 249. لما ولدتني أمي فنشأت بغضت إليّ أوثان قريش 2/ 348. لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان 1/ 162. لن تذهب الدنيا حتى يملك من ولدك يا عم 12/ 300. لن تراعوا وإنه البحر 5/ 220. لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية 12/ 202. لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة 12/ 369. لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي 11/ 247. لن يصلح قوم ولو أمرهم امرأة 13/ 231. لن ينالوا منا مثلها حتى تستلموا الركن 1/ 154. لن ينجى أحدا منكم عمله 2/ 329، 331. لنا غنم مائة 7/ 255. لواء الحمد بيدي يوم القيامة 3/ 231. لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى 2/ 109. لو أمرت به ما استشرتكم فيه 9/ 264. لو أمرت ما استشرتكم فيه 2/ 62. لو أنّا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة 8/ 378 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 124 لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى 9/ 26. لو تركتموها ما زالت كما هي لكم حياتكم 5/ 164. لو تركها لدارت إلى يوم القيامة 5/ 163. لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا 11/ 242- 12/ 8 . لو تعلمون ما لكم عند اللَّه لأحببتم أن تزدادوا 10/ 158. لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة 10/ 66. لو دخلوها ما خرجوا منها 10/ 65. لو دعيت إلى كراع لأجبت 2/ 279. لو رآنا ما استقبلنا بفرجه 5/ 272. لو صدق السائل ما أفلح من رده 5/ 32. لو عاش إبراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطي 5/ 338. لو فعل لأخذته الملائكة عيانا 4/ 126. لو قضى لكان أو لو قدر لكان 2/ 195. لو قلت نعم لوجبت 11/ 218. لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح 7/ 235. لو كان عندي أحد ذهبا لأحببت 2/ 290. لو كان لابن آدم واديان من مال 8/ 68. لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرني ألا تمر 2/ 290. لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي 2/ 360. لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال 14/ 197. لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير اللَّه 5/ 255. لو كنت سمعت شعرها ما قتلت أباها 11/ 222. لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر 4/ 187. لو لم احتضنه لحن إلى يوم القيامة 5/ 48. لو لم تكله لأكلت منه ما عشت 5/ 190. لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم 5/ 189. لو لم تكن أمها عندي لما حلت لي 6/ 110. لولا أن تغلبوا عليها يا ولد عبد المطلب 2/ 117. لولا أن تكون صدقة لأكلتها 13/ 84 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 125 لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها 7/ 324. لولا أن يحزن نساء لتركناه للعافية 1/ 167. لولا أنّا سميناه من الهدى فعلنا 1/ 297- 7/ 249 . لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها 7/ 324، 325- 13/ 84. لولا القصاص لأوجعتك بهذا السواك 2/ 193. لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد 2/ 141. ليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه 12/ 344. ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل 3/ 150- 12/ 350 . ليأتين على الناس زمان يخير الرجل فيه 12/ 333. ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار 14/ 124. ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب 13/ 232. ليت عندنا خبزة بيضاء من برة سمراء 7/ 303. ليت لنا خبزة بيضاء 7/ 303. ليردن عليّ الحوض رجال ممن صاحبني 14/ 222. ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض 14/ 222. ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية 12/ 272. ليس بك على أهلك هوان 10/ 230. ليس بلد إلا سيطؤه الدجال 10/ 348، 361. ليس شيء يجزى مكان الطعام والشراب 2/ 191. ليس على أبيك كرب بعد اليوم 14/ 508. ليس عليّ منه بأس 5/ 257. ليس عليك من مرضك بأس 12/ 248- 14/ 156 . ليس عليكم بأس منها 1/ 210- 13/ 316 . ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه 9/ 213. ليس من كل الماء يكون الولد 2/ 19. ليسوا بشيء 5/ 14. ليسوا بفرار ولكنهم كرار 1/ 341. ليصل بالناس أبو بكر 14/ 483. ليصيبن أقوام سفع من النار 3/ 264 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 126 ليعيش هذا الغلام قرنا 12/ 294. ليغشين أمتي من بعدي فتنة كقطع الليل المظلم 12/ 334. ليكن ذلك 6/ 109. ليلتزم كل إنسان مصلاه 9/ 63. ليلة أسرى بي لقيت موسى عليه السلام 8/ 247، 248. لينقلب كل رجل بضيفه 5/ 181 حرف الميم ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقا 13/ 93. ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر اللَّه 11/ 85. ما أحب المرأة تكثر شكاية بعلها 5/ 344. ما أحد يأتينا بماء نطهر به قبر إبراهيم 5/ 339. ما أحسن لونك الآن يا شقيراء 2/ 104. ما أحسن هذا البساط 10/ 84. ما إخالك سرقت 10/ 29. ما أخرجنا إلا موعد أبي سفيان وقتال عدونا 1/ 194. ما أخشى على الناس إلا منها 1/ 234. ما أدري، ولست أحب أحمل السلاح معتمرا 1/ 275. ما أردت قتله وما أمرت به 1/ 210. ما أسكر كثيره فقليله حرام 7/ 363. ما اسمك؟ 2/ 276، 277، 278- 4/ 19- 5/ 242- 6/ 61- 8/ 227- 11/ 342. ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت اللَّه فيها 2/ 321. ما أظن أجلي إلا قد حضر 2/ 127. ما أعددت لها؟ 13/ 176. ما أقدمك يا عمير؟ 1/ 118. ما أقرأ 3/ 16. ما أكثر بياض عينيك 2/ 255. ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام 1/ 77 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 127 ما أمسى عند آل محمد صاع بر ولا صاع حب 2/ 298. ما أنا بقارئ 4/ 337. ما أنا بالذي آكل من طعامك 12/ 163. ما أنت يا طلحة إلا فياض 5/ 144. ما أنزل اللَّه داء إلا أنزل له دواء 7/ 382. ما بال أقوال تبلغني عن أقوام 3/ 209. ما بال أقوام ذهب بهم القتل 2/ 15. ما بال أقوام يتحدثون، فإذا رأوا الرجل 6/ 20. ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه 3/ 149. ما بال من يقولون كذا وكذا 2/ 203. ما بعث اللَّه نبيا إلا رعى الغنم 4/ 103. ما بعث اللَّه نبيا في منعة من قومه 2/ 379. ما بيدي ما أتزوج به 6/ 29. ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة 10/ 350- 14/ 622 . ما بين لا بيتها أحد إلا يعلم أني نبي 5/ 251. ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة 3/ 307. ما بين هذين وقت 3/ 71، 77. ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ 10/ 22- 14/ 85 . ما تجدون في التوراة في شأن من زنى؟ 14/ 85. ما تذكرون؟ 12/ 378. ما ترون في هؤلاء الأسارى 8/ 344. ما تزوجت؟ 11/ 259. ما تشتهي؟ 7/ 386. ما تصنعين بهذا؟ 8/ 14. ما تعدون أهل بدر فيكم؟ 3/ 319. ما تقول زوجتك هذه؟ 12/ 64. ما تقولون في صاحبيكم هذين؟ 9/ 245. ما تقولون وما تظنون؟ 2/ 233. ما جاء بك؟ 5/ 79 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 128 ما جاء بك يا ابن الخطاب في هذه الساعة؟ 4/ 361. ما جاءني قط صاحبي إلا وهو يوصيني بالجار 14/ 506. ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا اللَّه 11/ 83. ما حبسك؟ 9/ 330. ما حلفت بهما قط 8/ 188. ما حملك على الشهادة ولم تكن معه؟ 7/ 196. ما حملك على هذا؟ 1/ 353. ما حملك على ما صنعت؟ 1/ 99- 8/ 43- 11/ 347 . ما دعا أحد شيء في هذا الملتزم 14/ 624. ما دعوت أحد إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة 9/ 94. ماذا عندك يا ثمامة؟ 14/ 261. ماذا قلت لهم يا عيينة؟ 14/ 18. ماذا لقينا من أحمائك؟ 8/ 305. ما الّذي تريد؟ 5/ 42، 55. ما رأيت؟ 6/ 108. ما رأيتم؟ 12/ 383. ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرا 11/ 268، 269. ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر 1/ 107- 3/ 325- 12/ 150 . ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خشيت 13/ 45. ما زالت أكلة خيبر يصيبني منها عداد 1/ 317. ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة 13/ 348. ما زلت بالأشواق إلى الديك 7/ 361- 14/ 274 . ما السري يا قتادة؟ 5/ 321. ما شأنك؟ 5/ 241- 7/ 235 . ما شئت، إن شئت دعوت اللَّه أن يعفو عنك 11/ 390. ما شئتم 5/ 48. ما صمت 14/ 99. ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم 8/ 391. ما الطهور الّذي منّ اللَّه به عليكم؟ 10/ 72 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 129 ما على الأرض بقعة أحب إلى اللَّه 10/ 363. ما عليكم أن لا تفعلوا 1/ 206. ما عندي شيء، ولكن اتبع عليّ 2/ 212. ما فرشتموا لي الليلة؟ 7/ 118. ما فعل الأسير؟ 2/ 252. ما فعل مالك بن عوف؟ 2/ 34. ما فعلت تلك بالذهب؟ 2/ 292. ما قبض اللَّه تعالى نبيا قط يخبر مع الّذي 14/ 500. ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون اللَّه فيه 11/ 84. ما كان اللَّه ليدخل من حمزة النار 1/ 166. ما كان اللَّه ليسلط على ذاك 8/ 46. ما كان من نبي إلا كان له حواريون 14/ 304. ما كنت لأستعملك على غسالات ذنوب الناس 13/ 80. ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمى بمثل هذا؟ 5/ 7. ما كنتم تقولون في هذا النجم الّذي يرمى به؟ 5/ 8. ما لأصحابك يشكونك؟ 2/ 7. ما لبعيرك؟ 5/ 219- 11/ 258 . ما لبعيركم هذا يشكوكم؟ 5/ 40. ما لك؟ 2/ 109. ما لك؟ أرابك منها شيء؟ 10/ 209. ما لك يا جابر؟ 11/ 266. ما لك يا عائش حشيا رابية؟ 10/ 234. ما لك يا عائشة؟ 4/ 111- 14/ 510 . ما لك يا عائشة؟ إن هذا ليس بيومك 6/ 120. ما لك يا عبد الرحمن؟ 11/ 48. ما لليهود حولوا ذراريهم من النطاة؟ 9/ 232. ما له تربت يداه؟ 7/ 285. ما له ثوب غير هذا؟ 12/ 114. ما لهذه؟ 6/ 178 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 130 ما لهم أذهب اللَّه بعقولهم؟ 2/ 43- 14/ 31 . ما لي أراك هكذا؟ 12/ 3. ما لي أراكم سكوتا، للجن كانوا أحسن منكم 9/ 80. ما لي علم بأبي سفيان 12/ 141. ما لي مما أفاء اللَّه عليكم إلا هذا الخمس 13/ 117. ما لي وللدنيا ما أنا والدنيا 2/ 287. ما لي ولهم يسألوني عما لا أدري؟ 14/ 105. ما مات نبي قط إلا دفن حيث يقبض 2/ 135. ما معك؟ 7/ 298. ما من أحد يدخله عمله الجنة 2/ 332. ما من أحد يدعو اللَّه عند الركن الأسود 14/ 623. ما من أحد يسلم عليّ إلا رد اللَّه روحي 10/ 307، 308. ما من آدم؟ 14/ 281. ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطى من الآيات 3/ 309- 9/ 42 . ما من دعا إلا بينه وبين السماء والأرض 11/ 54. ما من عبد صلى عليّ صلاة إلا عرج بها ملك 11/ 70. ما من عبدين متحابين يستقبل أحدهما صاحبه 11/ 91. ما من قوم جلسوا مجلسا ثم قاموا منه 11/ 85. ما من مسلم سلم عليّ في شرق الأرض 11/ 59. ما من مؤمن إلا أنا أولى به في الدنيا والآخرة 13/ 56. ما من نسمة كائنة يوم القيامة 1/ 206. ما من نفس منفوسة تبلغ مائة سنة 12/ 290. ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها 12/ 290. ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه 4/ 111- 11/ 226 . ما من نبي إلا له وزيران من أهل السماء 9/ 319. ما من نبي إلا وقد رعاها 4/ 104. ما من نبي إلا وقد رعى الغنم 14/ 395. ما من نبي بعثه اللَّه في أمة قبلي 14/ 203. ما من نبي مرض إلا خير بين الدنيا والآخرة 10/ 367 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 131 ما نالت قريش مني شيئا أكرهه 1/ 45. ما نهيتكم عنه فاجتنبوه 3/ 135. ما هذا؟ 1/ 176- 5/ 310- 7/ 290 ، 291، 302- 8/ 6- 14/ 295، 301، 302. ما هذا البنيان؟ 10/ 94. ما هذا التمر يا بلال؟ 9/ 379. ما هذا الخاتم؟ 7/ 46، 47. ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟ 7/ 46. ما هذا معك يا أبا لبابة؟ 6/ 146. ما هذا منك يا أبا لبابة؟ 11/ 312. ما هذا يا بلال؟ 2/ 211. ما هذا يا جابر؟ 5/ 280- 14/ 294 . ما هذا يا جابر؟ ألحم هذا؟ 7/ 290. ما هذا يا سلمان؟ 5/ 183. ما هذا يا عائشة؟ 7/ 116. ما هذا يا قتادة؟ 11/ 335. ما هذان اليومان؟ 10/ 173. ما هذه البارقة؟ 1/ 387. ما هذه الشاة يا أم معبد؟ 5/ 204، 212. ما هذه النيران؟ 9/ 304، 306. ما هلك نبي حتى يؤمه رجل من أمته 2/ 134- 14/ 474 . ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به 2/ 345- 4/ 105 . ما هي؟ 6/ 117. ما وجدت لشماس شبها إلا الجنة 1/ 158. ما وراءك يا عمار؟ 9/ 107. ما وصف لي أحد من الجاهلية فرأيته في الإسلام 2/ 100. ما وقفت موقفا أغيظ إليّ من هذا 1/ 167. ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية 3/ 214 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 132 ما يبكيك؟ 5/ 350. ما يبكيك؟ أضائقة أنت؟ 6/ 326. ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ 2/ 287. ما يبكيك يا عمر؟ 7/ 108. ما يسرني أن عندي بمثل أحد ذهبا 2/ 290. ما يقول قومك؟ 2/ 34. ما يمنعك ما ترى بأصحابي من الخصاصة 4/ 218. ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد 5/ 257. ما ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب 13/ 108. ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها 8/ 99. متى جئت يا حبيبي؟ 12/ 247- 14/ 155 . مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح 11/ 178. مثل عروة مثل صاحب يس 14/ 30. مثلت إليّ الحيرة كأنياب الكلاب 14/ 190. مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته 2/ 334. محمد بن عبد اللَّه، فاخرج إليّ 6/ 236. مخيرين خير يهود 1/ 161- 3/ 353 . مر عليّ جبريل وميكائيل عليهما السلام 2/ 349. مرحبا بأخي وشريكي 8/ 145. مرحبا بابنتي 14/ 270، 419. مرحبا بأبي ذر يمشي وحده ويموت وحده 14/ 38. مرحبا بالقوم أو بالوفد 14/ 57. مرحبا بفاختة أم هانئ 1/ 389. مرحبا بك من بيت ما أعظمك 2/ 52- 14/ 623 . مرحبا بكم حياكم اللَّه، هداكم اللَّه 14/ 486. مررت ليلة أسرى بي على موسى بن عمران 8/ 246. مروا أبا بكر فليصل بالناس 14/ 452، 454، 457، 458. مروا بلالا فليؤذن 14/ 560. مروا الناس فليصلوا 2/ 129 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 133 مري عبدك فليعمل لنا أعواد المنبر 10/ 105. مزق اللَّه ملكه 1/ 305- 12/ 131 ، 132. مسجدي هذا 10/ 72. موطنان لا حظ فيهما، عند العطاس، والذبح 10/ 150- 151 . مع الذين أنعم اللَّه عليهم 14/ 502. معترك المنايا بين الستين إلى السبعين 12/ 260. مكثت مع صاحبي في الغار بضعة عشر يوما 1/ 59. من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر 12/ 262. من أحب أن يتعجل أهله فليتعجل 11/ 264. من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه 11/ 240. من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن 9/ 78. من أحب أن يقرأ القرآن غضا 4/ 288. من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار 13/ 337. من أحب أن ينظر إلى الشيطان 14/ 348. من أحب أن ينظر إلى من خالط دمه دمي 1/ 153. من أحبني فليحب أسامة 9/ 63. من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة 8/ 59. من احتكر طعاما ضربه اللَّه بالجذام 4/ 399. من احتكر على المسلمين طعامهم 12/ 115. من أحدث أو آوى محدثا 14/ 483. من أحيا خفا أو كراعا بمهلكة 2/ 53. من أرابه من شرابه ريب فليكسره بالماء 7/ 364. من أراد أن يهل بحج فليهل 9/ 30. من أسرج مسجدنا؟ 10/ 143. من أسرك؟ 3/ 326. من استطاع أن يصلي الظهر بمنى فليفعل 2/ 110. من استطاع منكم ألا يموت إلا وهو يحسن باللَّه الظن 14/ 496. من استفتح أول نهاره بخير وختمه بخير 11/ 126. من اشتكى منكم شيئا أو اشتكاه أخاه 8/ 49 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 134 من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما 14/ 202. من اصطبح كل يوم بتمرات عجوة 7/ 396. من أطاع أميري فقد أطاعني 10/ 63. من أطاعني فقد أطاع أميري 3/ 134. من أطعمه اللَّه طعاما فليقل 2/ 190. من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر 10/ 148. من أفضل أيامكم يوم الجمعة 11/ 60. من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا 7/ 310- 13/ 86 . من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها 7/ 396. من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا 7/ 310- 13/ 88 . من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له 10/ 217. من أمتي من يتكلم بعد الموت 12/ 218. من أمركم بمعصية فلا تطيعوه 2/ 45- 10/ 63 . من أمن رجلا على نفسه فقتله 12/ 251- 14/ 160 . من أنا؟ 3/ 206، 207- 5/ 300. من أنت؟ 2/ 273، 307- 7/ 164- 11/ 352، 388، 389- 14/ 54. من أهل النار؟ 13/ 267، 268، 344. من أهل النار؟ إن اللَّه يؤيد هذا الدين 1/ 141. من آوى إلى فراشه ثم قرأ 110/ 152. من أي أرض أنت يا عداس؟ 9/ 180. من أي شيء تعجب؟ 5/ 158. من تحبون أن أبعث إليكم؟ 2/ 42. من ترون أكسو هذه؟ 7/ 23. من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير 13/ 9. من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا 8/ 293. من جاءني زائرا لم يدعه حاجة 14/ 614. من حبابك يا عمرو بن مرة 4/ 11 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 135 من حج وزار قبري بعد موتي 14/ 612. من حلف على منبري كاذبا فليتبوَّأ مقعده 10/ 109. من خرج إليّ فهو حر 6/ 330. من دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن 1/ 387. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن 13/ 379، 381. من الداعي على هذا الكلب آنفا؟ 12/ 109. من ذكرت عنده فخطئ الصلاة عليّ 11/ 78. من ذكرت عنده فليصل عليّ 11/ 45. من رآني فقد رأى الحق 10/ 291، 292. من رآني في المنام فسيراني في اليقظة 10/ 291. من رآني في المنام فقد رآني 10/ 292، 293. من رأى منكم رؤيا؟ 14/ 213. من رأى منكم منكرا فاستطاع أن يغيره 10/ 177. من رب هذا الجمل؟ 5/ 250. من رجل يحملني إلى قومه؟ 1/ 49. من رجل يشرى نفسه؟ 1/ 149. من رجل يطعمنا من هذه الغنم؟ 1/ 312- 13/ 328 . من رجل يكلأنا الليلة؟ 1/ 199. من الرجل؟ 1/ 96. من رغب عن سنتي فليس مني 7/ 18. من زار قبري بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا 14/ 614. من زار قبري وجبت له شفاعتي 14/ 614، 617. من زارني في المدينة محتسبا كان في جواري 14/ 617. من سب نبيا فاقتلوه 9/ 209- 14/ 374 . من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقين منه 5/ 113. من سبقنا إلى ذلك الوشل فلا يستقين منه 5/ 113. من سبقنا إلى هذا الرمل 2/ 71. من سره أن يكتال لي بالكيل الأوفى 11/ 36. من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة 12/ 192 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 136 من سره أن ينظر إلى عتيق من النار 6/ 167. من شاركني في شيء فأنا أحق به منه 5/ 355. من شهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له 2/ 58. من صاحب هذا الجمل؟ 4/ 193- 5/ 251 . من صعد ثنية المرار فإنه يحط عمله 13/ 323. من صلى خلف المقام ركعتين غفر له 14/ 623- 624 . من صلى عليّ حين يصبح عشرا 11/ 140. من صلى عليّ صادقا من نفسه 11/ 51. من صلى عليّ صلاة صلت عليه الملائكة 11/ 50. من صلى عليّ صلى اللَّه عليه عشرا 11/ 47، 48، 69. من صلى عليّ صلاة لم تزل الملائكة 11/ 48. من صلى عليّ صلاة واحدة صلى اللَّه عليه 11/ 45. من صلى عليّ عند قبري سمعته 10/ 306- 11/ 59 . من صلى عليّ عند قبري وكل اللَّه به ملكا 11/ 52. من صلى عليّ في كتاب صلت عليه الملائكة 11/ 88، 136. من صلى عليّ في كتاب لم تزل الصلاة جارية له 11/ 87. من صلى عليّ في كل يوم ألف مرة 11/ 90. من صلى عليّ في كل يوم مائة مرة 11/ 148. من صلى عليّ كنت شفيعه 11/ 92. من صلى عليّ مائة صلاة حين يصلي الصبح 11/ 147. من صلى عليّ مرة صلى اللَّه عليه عشرا 10/ 374. من صلى عليّ من أمتي صلاة مخلصا من قلبه 11/ 49. من صلى عليّ واحدة صلى اللَّه عليه عشرا 11/ 43. من صلى عليّ وسأل لي الوسيلة حلت شفاعتي 11/ 92. من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه 1/ 126- 12/ 184 . من ظلمك؟ 6/ 237. من عمر ستين أو سبعين سنة فقد عذر 12/ 262. من غرس هذه النخلة؟ 6/ 338. من فجع هذه بفرخيها؟ 5/ 274 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 137 من فعل هذا؟ 2/ 270، 303- 10/ 328. من قال أستغفر اللَّه الّذي لا إله إلا هو 6/ 320. من قال حين يصبح ويمسي ثلاثا 6/ 336. من قال حين ينادي المنادي بالصلاة 11/ 123. من قال هذا؟ 9/ 307، 308. من القائل يوم بدر من الملائكة 3/ 324. من قتل قتيلا فله سلبه 1/ 111- 2/ 20 . من قتل قتيلا فله كذا، ومن أسر أسيرا 1/ 110. من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا 8/ 375. من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث 5/ 161. من كان عنده فضل طعام فليأتنا به 5/ 152. من كان معه ثقل فليصطنع 1/ 283. من كان يؤمن باللَّه وبرسوله فلا يدعن في بيته 2/ 6. من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، فإذا أتى 6/ 382. من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، فليحضر رمضان 1/ 354. من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، فلا يسق ماءه 1/ 319. من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، فلا يغل 2/ 19. من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يلبس 4/ 120. من كانت له إلى اللَّه أو إلى أحد 11/ 59. من كذب عليّ فليتبوَّأ مقعده من النار 14/ 97. من كذب عليّ متعمدا فليتبوَّأ مقعده 14/ 97. من كرامتي على اللَّه أني ولدت مختونا 4/ 57- 10/ 310 ، 311، 317. من كلمه روح القدس لم يؤذن للأرض أن تأكل 10/ 306. من لقي منكم أحدا من بني هاشم قلا يقتله 1/ 108. من لكعب بن الأشرف فإنه قد أذى اللَّه 12/ 188- 14/ 380 . من لم يسأل اللَّه يغضب عليه 11/ 109. من لم يصل عليّ فلا دين له 11/ 78. من لي بابن الأشرف فقد آذاني 1/ 125. من مات في أحد الحرمين حاجا أو معتمرا 14/ 623 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 138 من نجا من ثلاث فقد نجا 13/ 202. من نسي الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة 11/ 79، 80. من هذا؟ 1/ 356- 2/ 72- 5/ 27 ، 97- 9/ 328- 11/ 263، 386. من هذا أكله الأسد؟ 6/ 105. من هذا السائق؟ 9/ 303، 306. من وافدك؟ 2/ 46. من والى قوما بغير إذن مواليه 14/ 483. من وجده فليقتله 1/ 113. من وضع لي وضوئي هذا؟ 12/ 15. من وضع هذا؟ 6/ 359- 12/ 13 ، 15. من الوفد، أو من القوم؟ 14/ 57. من يأخذ هذا السيف بحقه؟ 1/ 159. من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي؟ 11/ 245. من يحفظنا الليلة؟ 1/ 136. من يحلب هذه؟ 2/ 273، 307. من يحمل لواء المشركين؟ 7/ 166. من يذهب إلى زينب يبشرها؟ 10/ 209. من يستعف يعفه اللَّه 14/ 100، 101. من يعدل إذا لم يعدل اللَّه ورسوله 2/ 233. من يعذرني ممن يؤذيني في أهلي؟ 1/ 214. من يلقني عدوا لي؟ 14/ 373. من يمنعك مني؟ 1/ 128- 8/ 352 . من ينظر ما يصنع أبو جهل؟ 12/ 153. من يوقظنا؟ 5/ 105. منا السفاح والمنصور والمهدي 12/ 296. منا القائم ومنا المنصور ومنا السفاح 12/ 299. منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا 13/ 225. مني منزل من سبق 2/ 111 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 139 مه إنك ناقة 7/ 385. مه، فإن الخيل في نواصيها الخير 2/ 62. موسى أدم طوال كأنه من رجال شنوءة 8/ 245. موسى صفي اللَّه، وأنا حبيب اللَّه 4/ 205. المحجمة التي في وسط الرأس من الجنون 8/ 60. المرء مع من أحب 13/ 176. المقام المحمود الشفاعة 3/ 289. المؤمنون يد على من سواهم 1/ 267 حرف النون ناد الناس فيأتون بفضل أزوادهم 5/ 145. ناد يا أهل الخندق أن هلموا إلى الغداء 5/ 231. ناد يا علي وارفع صوتك 14/ 503. ناد يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة 8/ 388. ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه 10/ 251. ناس من أمتي غزاة في سبيل اللَّه 8/ 123- 12/ 213 ، 216. ناولني إدواتي 6/ 365. ناولني الذراع 6/ 334- 7/ 287- 10/ 51 ، 52- 11/ 231، 232، 233- 14/ 292. ناولني كفا من تراب 5/ 69. ناولنيه 11/ 320. ناوليني الخمرة من المسجد 7/ 131. نبلو سهلا فإنه سهل 1/ 156. نبي اللَّه 4/ 378. نبيا عيدا 13/ 90. نجاكم اللَّه من القوم الظالمين 1/ 272. نحن أحق بالشك من إبراهيم 11/ 186- 187 . نحن الآخرون السابقون 8/ 101، 102. نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة 3/ 171 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 140 نحن بنو النضر بن كنانة 2/ 99. نحن على ظهر كما ترى 2/ 27. نحن من بني النضر بن كنانة 3/ 210. نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة 3/ 68. نزل جبرني فأمني فصليت معه و/ 60، 65، 66. نزلت الملائكة اليوم على سيما 3/ 324. نصرت بالرعب على العدو 3/ 316- 9/ 239 . نصرت بالرعب وأعطيت الخزائن 14/ 424. نصرت بالصبا 4/ 209. نصرت يا عمرو بن سالم 13/ 273. نضر اللَّه امرأ سمع منا حديثا فحفظه 12/ 347. نضر اللَّه امرأ سمع منا شيئا فبلغه 12/ 346. نضر اللَّه امرأ سمع مقالتي فوعاها 12/ 348. نضر اللَّه سامع مقالتي فوعاها 12/ 53. نضر اللَّه عبدا سمع مقالتي هذه فحملها 12/ 347. نظرت إلى رجل من يهود يختلف إليّ 4/ 94. نعطيكم الثمر على أن يعملوها على النصف 9/ 382. نعم 1/ 92- 2/ 284- 3/ 20 ، 22- 5/ 51، 52- 6/ 67، 100. 387، 396- 12/ 265، 266، 268، 269، 391- 13/ 187. نعم، أسمع صلاصل ثم أسبت عند ذلك 3/ 48. نعم، إن جبريل وميكائيل أتياني 4/ 253. نعم، أنزل عليّ طعام بمسخنة 6/ 126. نعم، أيما أهل بيت من العرب أو العجم 12/ 323. نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل 7/ 269- 14/ 280 . نعم تلك العزى وقد يئست أن تعبد 14/ 12. نعم الشريك السائب 8/ 146. نعم الشريك كان أبو السائب 8/ 145، 148 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 141 نعم الشريك لا تداري ولا تماري 8/ 145. نعم صدقة المؤمن هذه 7/ 350. نعم الطعام التمر 1/ 246. نعم، في كل ذات كبد حرى أجرا 2/ 27. نعم، فمن أراد اللَّه به خيرا من العرب 12/ 324. نعم الفارس عويمر غير أفّة 1/ 156. نعم قوم يكونون بعدكم فيجدون كتابا 12/ 340، 341. نعم، كيف أنتم إذا اقتتلت فئتان 12/ 196. نعم الكحل الأثمد، يجلو البصر 8/ 10. نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن 1/ 361. نعم المال الأربعون 4/ 354. نعم، هذا الّذي كان يطعم بمكة الخبز 7/ 231. نعم، هو آمن بأمان اللَّه 13/ 386. نعم وأرد عليهم 10/ 308. نعم وأنا ابن ثماني سنين 4/ 99. نعم ولك أجر 2/ 107. نعم ولكن لا تدعيه يصل إليك 2/ 82. نعم واللَّه لئن كانوا قليلا ليكثرن 4/ 386. نعم وما يدريك لعل جبريل أمرني بذلك 7/ 208. نعم يا أخا بني ضمرة 8/ 362. نكثر به طعامنا 7/ 276. نكسر حر هذا ببرد هذا 7/ 316. نمت فرأيتني في الجنة 8/ 134. نهانا اللَّه أن نحب أن نحمد 14/ 216. نهيت أن أمشي عريانا 2/ 342. نهيت عن التعري 2/ 344. نهيتك عن حب يهود 2/ 90. نهيتم عن زيارة القبور فزوروها 14/ 617. نودوا يا أمة محمد 3/ 340 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 142 النار 11/ 240، 241. الناس معادن 2/ 106، 215 حرف الهاء هات الشفار 5/ 258. هاتوا خطاما فخطمه 5/ 250. هاك هذا اللواء 2/ 96. هبي نفسك لي 13/ 121. هداك اللَّه 12/ 61. هداك مسيلمة قد سمى وضاق ضرعا 14/ 537. هدمت العزى؟ 14/ 12. هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة 7/ 181. هذا ابن الزبعرة ومعه وجه فيه نور 13/ 388. هذا أعتى على اللَّه من فرعون 1/ 116. هذا إن شاء اللَّه المنزل 9/ 311. هذا أوان يختلس العلم من الناس 12/ 359. هذا أويس يسأل من كل سائمة شاة 5/ 236. هذا أويس يستفرض فأفرضوا له 5/ 235. هذا باب من السماء فتح اليوم 9/ 52. هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة 13/ 299. هذا جبريل يسوق الريح كأنه دحية الكلبي 1/ 107. هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام 1/ 187- 13/ 278 . هذا جبل يحبنا ونحبه 1/ 327. هذا الذئب وهذا وافد الذئاب 5/ 237. هذا الرجل يريد غدرا 4/ 401. هذا سوقكم 9/ 362، 363. هذا شبيهنا 11/ 376. هذا العباس قد أقبل وعليه ثياب بياض 12/ 299. هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها 1/ 183. هذا الغلام يعيش قرنا 12/ 293 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 143 هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف 14/ 106. هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف 4/ 256. هذا القرع نكثر به طعامنا 7/ 275. هذا الموت منافق عظيم النفاق 2/ 62. هذا ماء آجن 1/ 153. هذا مجمعنا ومستمطرنا 10/ 174. هذا مصرع فلان غدا 4/ 399- 12/ 142 . هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان 1/ 80، 98. هذا من أهل النار 8/ 381. هذا من قوم يعظمون الهدى 1/ 288. هذا منزلنا يا جابر 1/ 388. هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر 1/ 332. هذا المنحر وكل منى منحر 2/ 115. هذا الموقف وكل المزدلفة موقف 2/ 115. هذا نعمان 10/ 67. هذا وافد الذئاب جاء يسألكم 5/ 236. هذا وافد السباع إليكم 5/ 235. هذا يحكم بيننا وبينكم 2/ 41. هذا يوم وفاء وبر 2/ 26. هذا إدام هذه 7/ 313. هذه بتلك 1/ 213. هذه بتلك السبقة 1/ 213. هذه بتيك 2/ 255. هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي 14/ هذه خرفة نبوة 5/ 78. هذه الشاة ذبحت بغير إذن أهلها 14/ 112. هذه الضربة يفتح اللَّه بها كنوز الروم 13/ 291. هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة 9/ 65. هذه عير قريش فيها أموالهم 8/ 338 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 144 هذه فتوح يفتحها اللَّه عليكم بعدي 1/ 228. هذه قبلتنا 12/ 108. هذه كرامة أكرمني اللَّه بها 5/ 281. هذه لبنات عبد اللَّه 7/ 292- 14/ 297 . هذه نهبة لا تحل 2/ 67. هذه وفود الذئاب جئنكم 5/ 235. هكذا أمرت 3/ 67. هكذا أنزلت 4/ 250. هكذا العمة 7/ 172. هكذا فاعتم يا ابن عوف 1/ 268. هكذا فعل قوم موسى بموسى 14/ 14. هكذا اللواء 7/ 172. هكذا نبعث يوم القيامة 8/ 77. هل أبقيت شيئا؟ 2/ 47. هل أتبعت يدك الحجر؟ 12/ 58. هل أصبتم شيئا؟ 14/ 293. هل أصبتم شيئا أو آمر لكم بشيء؟ 7/ 288. هل أنت إلا إصبع دميت 2/ 269. هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالة ربي 9/ 181. هل بقي منكم من لم نجزه؟ 2/ 42. هل تتهمون له أحدا؟ 7/ 390، 391. هل تدرون ما يقول؟ 5/ 254. هل تدرون ماذا قال ربكم؟ 1/ 285. هل تدرون من هذا؟ 2/ 58- 5/ 273 . هل ترك لدينه من قضاء؟ 13/ 56. هل ترون قبلتي هاهنا؟ 5/ 306. هل ترون ما أرى؟ 13/ 224 هل تؤذيك هوامك يا سعد؟ 1/ 278. هل جاءت قصعة أسعد؟ 7/ 300 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 145 هل رأى أحد منكم رؤيا؟ 8/ 104، 128. هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟ 8/ 103. هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ 8/ 103. هل رأيت ذلك يا سلمان؟ 5/ 76. هل رأيتم غلاما أحصى ما أحصى هذا؟ 6/ 326. هل رأيتم ما يقول سلمان؟ 13/ 292. هل سممت هذه الشاة؟ 13/ 346. هل صلى الناس بعد؟ 14/ 457. هل صليت العصر 5/ 29. هل عند أحد منكم شراب فيرسل إليّ؟ 7/ 363. هل عندك سمن؟ 5/ 168. هل عندك شيء؟ 5/ 91. هل عندك من شيء ؟ 5/ 352. هل عندكم شيء؟ 7/ 269، 279، 327- 14/ 287. هل في البيت إلا قريش؟ 12/ 308. هل في القوم من طهور؟ 5/ 88. هل فيكم أحد لم يقارف الليلة؟ 5/ 345. هل لك أن أريك آية؟ 5/ 38. هل لك أن تصارعني؟ 12/ 85. هل لك في خير من ذلك؟ 5/ 344. هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرا الآن؟ 13/ 352. هل لكم في خير مما جئتم له؟ 9/ 185. هل لكم في رجل يعدل مائة يوفيكم ألفا؟ 7/ 183. هل لكم من أنماط؟ 14/ 182. هل مر بكم من أحد؟ 1/ 245- 13/ 300 . هل مسستما من مائها شيئا؟ 5/ 112. هل مع أحد منكم طعام؟ 5/ 160. هل معك من شعر أمية 2/ 264. هل من أدم؟ 7/ 270، 271 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 146 هل من رجل يحملني إلى قومه؟ 9/ 179. هل من شيء؟ 5/ 170. هل من طعام؟ 7/ 282، 327- 14/ 288. هل من عشاء لهؤلاء النفر؟ 2/ 69. هل من غداء؟ 7/ 271- 14/ 281 . هل من ماء بارد؟ 7/ 349. هل نظرت إليها؟ 5/ 221. هل نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئا 11/ 273. هل نظرت إليها فقط؟ 11/ 275. هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده 12/ 125- 14/ 187 . هلكت أمتي على يدي غلمة من قريش 12/ 230- 14/ 138 . هلم اكتب لي كتابا لن تضلوا بعده 14/ 446. هلم يا أبا بكر فقد جاءك اللَّه بغداء 2/ 106، 214. هلموا إلى الشراب 5/ 87. هلموا لي ثوبا 1/ 19. همت اليهود بالغدر بي، فأخبرني اللَّه 13/ 252. هن حولي كما ترى يسألنني النفقة 13/ 68. هو أهنأ وأمرأ 7/ 367. هو صغير 8/ 49. هو عامر بن فهيرة 9/ 111. هو عليها صدقة ولنا هدية 7/ 327، 327. هو في سبيل اللَّه 8/ 355. هو في النار 6/ 323- 9/ 201- 13/ 342 . هو لك 1/ 252. هو السلام ومنه السلام وإليه السلام 9/ 52. هو اللَّه لا شريك له 2/ 190. هو المقام الّذي أشفع فيه لأمتي 3/ 289. هو الوزغ ابن الوزغ الملعون 12/ 275. هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق 5/ 384، 385 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 147 هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة من قريش 2/ 221. هون عليك، فإنّي لست بملك 2/ 220. هون عليك، فإنّي لست ملكا 2/ 221. هون عليك، اللَّه عز وجل قد وعدني لهذا 14/ 180. هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم 5/ 41 حرف الواو وآدم بين الروح والجسد 3/ 169، 170. وآدم منجدل في الطين 3/ 169. واف مع الصبح معك سلاحك 1/ 75. وأملك إن كان اللَّه قد نزع منكم الرحمة 2/ 224. وإن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة 2/ 24. وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب 2/ 318. وأنت تسلم إن أخبرتك؟ 14/ 94. وأنت يا عم إن أطعت اللَّه أطاعك 11/ 317. وأي داء أدوى من البخل؟ 11/ 7. ولئن طالت بك حياة لترى الرجل 12/ 284. وتحبين؟ 10/ 245. وتحبين ذلك؟ 6/ 69. وتحفظان اليوم الّذي قال إن ربي قتل ربه؟ 12/ 130. وتفعلين؟ 5/ 238. وجدنا بحرا وإنه لبحر 11/ 270. وددت أن أراك في صورتك 3/ 43. وددت أن ذلك كان وأنا حي 14/ 433. وذلك لو كان وأنا حي فأستغفر لك 14/ 209. والّذي بعثني بالحق لا يدخل قلب رجل الإيمان 6/ 21. والّذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد 3/ 302. والّذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم 12/ 8. والّذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم 12/ 345. والّذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع 12/ 161 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 148 والّذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى 12/ 382. والّذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل 3/ 205. والّذي نفسي بيده إن صاحبكم لصاحب لواء 3/ 232. والّذي نفسي بيده إني لأرى في وجهه 14/ 98. والّذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض 2/ 131- 14/ 441 . والّذي نفسي بيده لئن ساروا إليها 1/ 172. والّذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم 1/ 193. والّذي نفسي بيده لأذودن رجالا عن حوضي 3/ 304. والّذي نفسي بيده لأقضين بينكما 10/ 22. والّذي نفسي بيده لصلاة هاهنا أفضل 2/ 4. والّذي نفسي بيده لقد عرضت عليّ الجنة والنار 11/ 240. والّذي نفسي بيده لقد غفر اللَّه للركب أجمعين 1/ 283. والّذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا 3/ 117. والّذي نفسي بيده لو سكت لناولتني الذراع 7/ 287- 10/ 51 ، 53. والّذي نفسي بيده لو سكتم لوجدتموها 11/ 233. والّذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا 14/ 198. والّذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا 14/ 198. والّذي نفسي بيده لو لم ألتزمه 5/ 49. والّذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين 9/ 223. والّذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي 12/ 336. والّذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا 12/ 383. والّذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد 11/ 178. والّذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون 13/ 172. ورأيت إبراهيم فإذا أقربكم شبها به 4/ 98. وزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل 9/ 319. وعليّ جمع الحطب 2/ 188. وعليك السلام 2/ 388. وعليك السلام، من أنت 4/ 375. وعليك ورحمة اللَّه 4/ 374 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 149 وعمرو قد أهدى إلينا ما ترى 1/ 285. وفت أذنك يا غلام وصدق اللَّه حديثك 1/ 209. وقد رأيت ذلك يا سلمان؟ 13/ 294. وكانت سيما الملائكة عمائم قد أرخوها 3/ 323. ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم 2/ 223- 5/ 336 . ولقد أتى عليّ وعلى صاحبي بضع عشرة 10/ 159. ولك 2/ 173. ولك ظهره إلى المدينة بعنيه 11/ 263. ولكن بر أباك 14/ 343. ولم ضربته وحملت السلاح عليه؟ 1/ 218- 6/ 344 . واللَّه إنك لخير أرض اللَّه 2/ 3- 10/ 344 ، 345. واللَّه إني لأرجو أن يكون في ذلك خير 1/ 132. واللَّه إني لأعلم أنك خير أرض 10/ 353، 359. واللَّه لكن فلان ما هو كذلك 2/ 211. واللَّه لولا أنت ما اهتدينا 2/ 269. وما ذاك؟ 2/ 250. وما ذاك يا أم مالك؟ 5/ 229. وما الّذي معك؟ 9/ 184. وما كان اللَّه تعالى ليسلطها على رسوله 14/ 438. وما له؟ 2/ 5. وما هو؟ 12/ 237. وما هي؟ 12/ 19. وما يدريني لعلي لا أبلغه 2/ 336. وما يمنعني وأتاني ربي عز وجل الليلة 8/ 132. ومن أنت؟ 2/ 44. ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس؟ 8/ 306. والمنافق يسمع أن رجلا من المنافقين شمت 13/ 318. وهؤلاء؟ 5/ 180. ولا أنا ما صليت 1/ 237 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 150 ويح ابن سمية، ليسوا بالذين يقتلونك 10/ 86. ويح عمار تقتله الفئة الباغية 12/ 198. ويحك أهبلت؟ أو جنة واحدة 5/ 143. ويحك، فمن يعدل إذا لم أعدل 2/ 234. ويحك، ما حملك على أن تقول الّذي قلت؟ 14/ 345. ويحك، من يعدل عليك بعدي 2/ 234. ويحك يا أنجشة، رويدك بالقوارير 9/ 316، 317. ويحك يا بلال، هل تسمع ما أسمع؟ 12/ 5. ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال 1/ 301، 302. ويل لك من الناس وويل للناس منك 12/ 254. ويل للعرب من شر قد اقترب 12/ 335- 13/ 221 . ويلك، فمن يعدل إذا لم أعدل 2/ 30. ويلك، وما أعددت لها؟ 12/ 292. ويلك، ومن يعدل إذا لم أكن أعدل 14/ 25. الولد للفراش وللعاهر الحجر 6/ 198 حرف اللام ألف لا 2/ 120، 347- 5/ 90- 6/ 81- 8/ 46- 11/ 304، 308، 309، 231. لا أجد ما أحملكم عليه 2/ 49- 8/ 392 . لا أجعل شيئا جعله اللَّه لي دون المؤمنين 1/ 191. لا أريد، أنا شبعان 4/ 100. لا أستطيع الصلاة خارجا 14/ 411. لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته 9/ 50. لا أقبل هدية مشرك 1/ 181، 277- 7/ 4- 6/ 397. لا أقبله اليوم، ولكن اخرجوا منها 1/ 190. لا أقرته الأرض 12/ 110. لا أقوم حتى تشهد أن لا إله إلا اللَّه 14/ 327. لا أكره أحدا منكم على شيء 9/ 179 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 151 لا آكل كما يأكل العبد 2/ 221. لا آكل متكئا 7/ 334- 13/ 89 . لا آكل وأنا متكئ 7/ 334. لا آكله ولا أحرمه 7/ 301، 302. لا آكله ولا أنهى عنه ولا أحرمه 7/ 307. لا ألبسه أبدا 7/ 35، 36. لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك 2/ 285. لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي 8/ 156. لا إله إلا اللَّه إن للموت سكرات 14/ 498. لا إله إلا اللَّه وحده صدق وعده 2/ 25. لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له 2/ 109، 121- 8/ 167- 9/ 26. لا إله إلا اللَّه، ويل للعرب من شر قد اقترب 13/ 219. لا أمثل به فيمثل اللَّه بي 1/ 115- 12/ 175 . لا، إنما جاء يسلم، فإن ربي وعدني 14/ 107. لا، إلا بالمعروف 13/ 391. لا، بل أبايعه على الجهاد فقد انقضت الهجرة 1/ 397. لا، بل أسأل اللَّه الرفيق الأعلى الأسعد 14/ 502. لا، بل أكون عبدا نبيا 7/ 335- 13/ 90 . لا، بل نبيا عبدا 8/ 258. لا، بل هو نعمان وهو طيب 5/ 144. لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة 12/ 290. لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله 12/ 383. لا تبكي يا بنية 12/ 108. لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا 11/ 59، 68. لا تجعلوني كقدح الراكب 11/ 56، 125. لا تجمع بين المرأة وعمتها 10/ 243. لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي 2/ 148. لا تحزن إن اللَّه معنا 12/ 123 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 152 لا تحل الجنة لعاص 1/ 308. لا تخافوها، فإنما هبت لموت عظيم 8/ 369. لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد 1/ 306. لا تدخلها 14/ 273. لا تدرجوه في أكفانه حتى انظر إليه 5/ 339. لا تدنوا النظر إلى المجذومين 8/ 27. لا تديموا إليهم النظر 8/ 27. لا تذكروا من شأنهم حرفا 1/ 132. لا تذهب الدنيا حتى تكون للكع ابن لكع 12/ 382. لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض 14/ 264. لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض 14/ 262، 263. لا ترزموا ابني 10/ 282. لا ترزموه، لا ترزموه، دعوه 2/ 243. لا ترضعوهن إلى الليل 11/ 378. لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا 12/ 385. لا تزال الأمة على شريعة ما لم تظهر فيهم ثلاث 12/ 385. لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر اللَّه 12/ 368، 370. لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق 12/ 371. لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أمر اللَّه 12/ 370. لا تزال هذه الأمة مستقيم أمرها 12/ 303. لا تزكوا أنفسكم، اللَّه أعلم بأهل البر 2/ 275، 310. لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم 9/ 349. لا تسبوا أصحابي 10/ 276. لا تسبوا أصحابي، دعوا لي أصحابي 9/ 119. لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق 9/ 90، 118، 119، 12/ 341، 9/ 119. لا تسألني باللات والعزى 2/ 348- 8/ 184 . لا تسألني بهما، فو اللَّه ما أبغضت شيئا قط 11/ 215. لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم 11/ 244 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 153 لا تسلني باللات والعزى 5/ 64. لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد 14/ 621. لا تشربوا من مائها شيئا، ولا تتوضئوا منه 2/ 55- 14/ 44 . لا تشركوا باللَّه شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه 14/ 82. لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم 2/ 227. لا تطرقوا النساء ليلا 1/ 220. لا تعجبوا من أسامة المشترى إلى شهر 2/ 336. لا تعجل، لعل اللَّه يجعل لك صاحبا 9/ 197. لا تغزى قريش بعد هذا اليوم 1/ 400. لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا 2/ 276، 311. لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة 13/ 382. لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم 13/ 365. لا تفضلوني على موسى 10/ 278. لا تقتسم ورثتي دينارا 13/ 159. لا تقتل قريش صبرا بعد اليوم 1/ 400. لا تقدرين على ذلك 2/ 4. لا تقولوا هكذا، لا تعينوا الشيطان عليه 10/ 35. لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق 12/ 370. لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي القرون 12/ 354. لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز 12/ 373. لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الأعين 14/ 201. لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوذا وكرمان 14/ 200. لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر 12/ 343- 14/ 200 ، 201. لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة 12/ 195. لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان 12/ 194، 195. لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان فتكون بينهما 12/ 195. لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم 13/ 201. لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات 12/ 378. لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي 12/ 322 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 154 لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون 12/ 248- 14/ 157 . لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا 12/ 249- 14/ 157 . لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل من العرب 12/ 379. لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها 12/ 383. لا تقوم الساعة حتى يطوف إبليس في الأسواق 12/ 365. لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك 14/ 201. لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا 12/ 382. لا تقوم الساعة على أحد يقول في الأرض اللَّه 12/ 342. لا تكف ثوبا ولا شعرا 2/ 163. لا تكلمن أحدا من هؤلاء الثلاثة 2/ 79. لا تكلموا أحدا ممن تخلف عنا 2/ 80. لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم 10/ 31. لا تلعنوه، فو اللَّه ما علمت أنه يحب اللَّه ورسوله 10/ 31. لا تمسه 2/ 348. لا تمشوا بين يدي ولا خلفي 8/ 78. لا توطأ حامل من السبي حتى تضع حملها 2/ 19. لا تواصلوا فأيكم إذا كان يواصل 13/ 135. لا حاجة لنا فيها، هذه تأتينا بخطاياها 6/ 95. لا حاجة لي في إبلك 1/ 60- 8/ 326 . لا حتى تؤمن باللَّه وحده لا شريك له 12/ 95. لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف 13/ 390. لا حرج عليك أن تنفقي عليهم بالمعروف 13/ 163. لا حمى إلا للَّه عز وجل 7/ 258- 14/ 272 . لا حمى إلا للَّه ولرسوله 7/ 257، 259- 14/ 272، 273. لا خير فيه 6/ 347. لا سبيل لك عليها 6/ 289. لا صلاة لمن لا وضوء له 11/ 110. لا صلاة لمن لا يصلي على نبيه 11/ 110. لا ضير ارتحلوا 5/ 101 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 155 لا، طبيبها الّذي خلقها 2/ 173. لا طيرة، وخيرها الفأل 2/ 272، 306. لا عدوى ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح 2/ 272، 306. لا عدوى ولا طيرة ولا هامة 8/ 24. لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل 2/ 272، 306. لا عدوى ولا هامة ولا طيرة 2/ 272. لا عيش إلا عيش الآخرة 13/ 58. لا، قد استطعت 4/ 398. لا نذبحها 5/ 208. لا نذر في معصية 7/ 403. لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك 1/ 135. لا نصرت إن لم أنصر بني كعب 1/ 349. لا نورث ما تركناه فهو صدقة 5/ 378- 13/ 152 ، 155، 157. لا هجرة بعد الفتح 9/ 86- 13/ 151 . لا وجع إلا وجع العين 5/ 32. لا والّذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك 13/ 173. لا، وقد كنت منه على ميعادين 2/ 346. لا، ولكن ائتوني بما فضل من أزوادكم 5/ 148. لا، ولكن آليت منهن شهرا 13/ 73. لا، ولكنكم أصحابي، وإخواني قوم آمنوا بي 12/ 338. لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي 7/ 305، 306. لا، ولكنها داء 8/ 3. لا، ولكني أفقت من صاحب هذا القبر 12/ 6. لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه 7/ 309- 13/ 87 . لا واللَّه حتى تؤمن باللَّه وحده 2/ 100. لا، وما أخاف منك 4/ 118- 8/ 363 . لا ومقلب القلوب 2/ 285. لا يبقى على ظهر الأرض نبت مدر ولا وبر 14/ 124. لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا 2/ 238 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 156 لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي 14/ 19. لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء 13/ 174- 175 . لا يحج بعد العام مشرك 2/ 94- 14/ 320 . لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد 10/ 182. لا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس 13/ 149. لا يحل من الفيء خيط ولا مخيط لأحد 1/ 318. لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها 14/ 623. لا يخرج من المدينة رهبة عنها 14/ 195. لا يخرجن معنا إلا مقو 2/ 49. لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما 10/ 254. لا يخلون رجل بامرأة إلا أن تكون منه ذات محرم 10/ 254. لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعهما ذو محرم 9/ 348. لا يدخل الجنة إلا مؤمن 14/ 95. لا يدخل الجنة شيخ زان ولا مستكبر 6/ 329. لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة 5/ 344. لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة 9/ 89. لا يدخل النار إن شاء اللَّه من أصحاب الشجرة أحد 9/ 127. لا يدخل النار من تزوج إليّ أو تزوجت إليه 6/ 191. لا يدخلن رجل على مغيبة إلا ومعه رجلا 10/ 254. لا يدخلن عليّ أحد 12/ 239. لا يرمي رجل رجلا بالفسوق 9/ 213. لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق 12/ 370. لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة 12/ 302. لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة 14/ 186. لا يزال من أمتي قوم ظاهرين على الناس 12/ 369. لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم 12/ 369. لا يزال هذا الأمر معتدلا قائما بالقسط 12/ 233. لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا 12/ 303. لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون 12/ 303 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 157 لا يصبر على لأوائها وشركها أحد 14/ 623. لا يعلم ما في غد إلا اللَّه عز وجل 4/ 221. لا يغضب أحد مما قاله صاحبه 1/ 226. لا يفرق بين الأم وولدها حتى يبلغوا 1/ 254. لا يفضض اللَّه فاك 11/ 372. لا يقام إليّ إنما يقام للَّه تبارك وتعالى 2/ 220. لا يقتل أحد من قريش بعد هذا اليوم صبرا 1/ 399. لا يقتل قرشي صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة 13/ 383. لا يكمل إيمان أحدكم حتى يكون اللَّه ورسوله أحب إليه 10/ 210. لا يكيد أحد أهل المدينة 10/ 349. لا يلغ الكلب في دم مسلم 14/ 378. لا يمسين بها أحد من المسلمين 1/ 334. لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان 14/ 39. لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن باللَّه الظن 14/ 495. لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا اللَّه 5/ 348. لا ينبغي لأحد أن ينقش على نقش خاتمي 7/ 38. لا ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب 13/ 108. لا ينبغي هذا للمتقين 6/ 384. لا ينتطح فيها عنزان 14/ 380. لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا 7/ 38. لا يؤذن إنسان إلا حسن الصوت 10/ 125. لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله 10/ 210. لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه 13/ 176. لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده 13/ 171، 172. لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله 13/ 171 حرف الياء يا أبا أيوب، أما لكم سرير؟ 7/ 109. يا أبا بردة، إن اللَّه مانعي وحافظي 2/ 11- 14/ 15 . يا أبا بصير، إنا قد أعطينا هؤلاء القوم 1/ 300 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 158 يا أبا بكر، أعتق سعدا 6/ 364. يا أبا بكر، إني لم أحمل أزواجي وبناتي 14/ 485. يا أبا بكر، برد أمرنا وصلح 7/ 164. يا أبا بكر، ما أنا بمستعذرك منها بعد هذا أبدا 2/ 225. يا أبا بكر، ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما؟ 1/ 58. يا أبا بكر، هو ابتلاء لأهلي أن يمرضوني 14/ 437. يا أبا بكر، هلا احتطت فإن البضع ما بين 14/ 169. يا أبا جندل، اصبر واحتسب 1/ 293. يا أبا حذيفة، كأنك ساءك ما أصاب أباك؟ 12/ 161. يا أبا الحكم، هلم إلى اللَّه وإلى رسوله 4/ 345. يا أبا ذر، أتاني آتيان وأنا ببطحاء مكة 3/ 36. يا أبا ذر، أكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك 4/ 372. يا أبا ذر، إنه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة 13/ 210. يا أبا ذر، كيف أنت إذا أصاب الناس موت 12/ 376. يا أبا ذر، لو أن الناس أخذوا بها لكفتهم 14/ 35. يا أبا رافع، ناولني الذراع 11/ 232. يا أبا رقاد، نمت حتى ذهب سلاحك 2/ 227. يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة 1/ 383- 8/ 385 . يا أبا عمرو، إن الجراح في أهل دارك فاشية 1/ 175. يا أبا عمرو، كأنه شق عليك الأسرى 1/ 113. يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ 2/ 196، 256. يا أبا الفضل، لا ترم منزلك غدا 5/ 82. يا أبا قتادة، إن قريشا أهل أمانة 1/ 168. يا أبا كاهل، من صلى عليّ كل يوم ثلاث مرات 11/ 141. يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر 14/ 423، 424. يا أبا النعمان، إن وجه عبد اللَّه ليخبرك 1/ 219. يا أبا هر، ألحق بأهل الصفة فادعهم 5/ 223. يا أبا هريرة، ادع لي الأنصار 13/ 380. يا أبا هريرة، أمعك شيء؟ 5/ 186 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 159 يا أبا هريرة، عندك شيء؟ 5/ 185. يا أبا يحيى، أتدري ما أراد البارحة المنافقون؟ 2/ 74. يا أبا اليسر، كيف أسرت العباس؟ 12/ 167. يا ابن أبان، ما أنت بمقصر عما ترى 6/ 231. يا ابن أخي، أولئك الملأ لو رأيتهم لهبتهم 2/ 202. يا ابن حوالة، إذ رأيت الخلافة قد نزلت الأرض 14/ 193. يا ابن الخطاب، إن قريشا لن ينالوا منا 1/ 177. يا ابن رواحة، ألا أنشد اللَّه وعده؟ 1/ 103. يا ابن عباس، إن الشربة لك 7/ 374. يا ابن يمان، قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب 11/ 385. يا ابنة أبي أمية، سألت عن الركعتين 10/ 285. يا أبيّ، إني أرسل إليّ أن أقرأ القرآن 4/ 252- 12/ 30 . يا أخا ثقيف، إن الأنصاري قد سبقك بالمسألة 14/ 102. يا أرض ربي وربك اللَّه 8/ 163. يا أسامة، اغز باسم اللَّه في سبيل اللَّه 2/ 123- 7/ 172- 14/ 519 . يا أسامة سر على اسم اللَّه وبركته 2/ 123- 14/ 519 . يا أسماء، أين بنو جعفر؟ 1/ 343. يا أسماء، هذا جعفر بن أبي طالب 13/ 363. يا أسيم، انظر هل ترى من خمر؟ 5/ 41. يا أسيم، ناولني الذراع 11/ 233. يا أصحاب سورة البقرة 2/ 15. يا أم أيمن، اتركيه ولك كذا 9/ 205. يا أم أيمن، قومي إلى هذه الفخارة 7/ 112. يا أم بشر، هذا أوان وجدت انقطاع أبهري 14/ 437. يا أم سعد، أبشري وبشري أهليهم 1/ 175. يا أم سلمة، إذا تحولت هذه التربة 12/ 238. يا أم سليم، قد كفى اللَّه، عافية اللَّه أوسع 2/ 15. يا أم سليم، ما هذا الّذي تصنعين؟ 2/ 151، 171. يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز 2/ 254 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 160 يا أم فلان، انظري أي السكك شئت 2/ 217. يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم 2/ 285- 12/ 9 . يا أنجشة رويدك، سوقك بالقوارير 2/ 225- 9/ 314 ، 316. يا أنس، ائت أمه فأعلمها ... 5/ 288. يا أنس، هل ترى ما بأيدي القوم؟ 5/ 325. يا أنصار اللَّه وأنصار رسول اللَّه 2/ 13. يا أنيس، أذهبت حيث أمرتك؟ 2/ 195. يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع سورا 5/ 155. يا أيها الناس، اتقوا خمسا قبل أن تحل بكم 1/ 269. يا أيها الناس، اتقوا اللَّه وإن أمر عليكم عبد 6/ 387. يا أيها الناس، اذكروا اللَّه جاءت الراجفة 11/ 52. يا أيها الناس أسفروا 2/ 93. يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام 14/ 74. يا أيها الناس، إن اللَّه قد حرم مكة 1/ 395. يا أيها الناس، إنما صنعت هذا المنبر 10/ 104. يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به 6/ 14. يا أيها الناس أوصيكم بما أوصاني اللَّه في كتابه 1/ 138. يا أيها الناس بارك اللَّه فيكم الثقلين 14/ 476. يا أيها الناس توبوا إلى اللَّه واستغفروه 2/ 322. يا أيها الناس عليكم بقولكم 2/ 228. يا أيها الناس قد فرض اللَّه الحج فحجوا 11/ 220. يا أيها الناس قولوا لا إله إلا اللَّه تفلحوا 8/ 310، 313، 314. يا أيها الناس قولوا بقولكم 2/ 219. يا أيها الناس من ولي منكم عملا 2/ 289. يا أيها الناس لا يتلقين أحدكم سوقا 12/ 99. يا أيها الناس يد اللَّه فوق يد المعطي 2/ 60. يا بسر، لا تبرح حتى تخرج معنا 1/ 274- 7/ 248 . يا بلال، أسرج لي فرسي 7/ 212، 213. يا بلال، زن لأبي سفيان أربعين أوقية 2/ 28- 9/ 297 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 161 يا بلال، قم فأذن لا يدخل الجنة إلا مؤمن 13/ 338. يا بلال، قم فناد بالصلاة 10/ 116. يا بلال، ليس عمل أفضل من الجهاد 10/ 132. يا بلال، هل من عشاء لهؤلاء النفر؟ 14/ 52. يا بني، إن قدرت أن تصبح وتمسي 3/ 151. يا بني بياضة، أنكحوا أبا هند 10/ 48. يا بني عبد المطلب، إني بعثت إليكم خاصة 5/ 177. يا بني عبد المطلب، إني سألت اللَّه لكم ثلاثا 11/ 177. يا بني فلان، إني رسول اللَّه إليكم 9/ 178. يا بني لقد شققت عليّ 2/ 207. يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا 10/ 82. يا بني هاشم، قوموا فقاتلوا بحقكم 1/ 104. يا بنية ائتني بوضوئي 4/ 114. يا بنية أحني عليّ 14/ 421. يا بنية لقد حضر أباك ما ليس 14/ 508. يا بنية هل في إداوتك ماء 5/ 132. يا ثابت، ألا ترضى أن تعيش حميدا 14/ 216. يا جابر، ائتني بطهور 7/ 289- 14/ 294 . يا جابر، جذ له فأوفه الّذي له 5/ 200. يا جابر، خذ الإداوة وانطلق بنا 5/ 38، 260. يا جابر، ما فعل دين أبيك؟ 2/ 201. يا جابر، ناد بوضوء 5/ 89- 7/ 352 . يا جابر، ناد بجفنة 5/ 89. يا جابر، هل تزوجت بعد؟ 8/ 363. يا جبريل، إن ملك الموت استأذن عليّ 14/ 505. يا جبريل، إني بعثت إلى أمة أميين 4/ 254. يا جبريل، بم بلغ معاوية بن مقرن هذه المنزلة؟ 14/ 47. يا جبريل، بم نال هذه المنزلة من اللَّه؟ 14/ 46. يا جبريل، ما لي أرى الشمس اليوم طلعت 14/ 46 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 162 يا جبريل، ما هذا؟ 10/ 122. يا جبل لو بك ما فيّ لهدك 5/ 339. يا حباب أشرت بالرأي 9/ 53، 243. يا حذيفة، تعلم كتاب اللَّه 12/ 267. يا حذيفة، هل عرفت أحدا من الركب 9/ 328. يا حسان أجب عن رسول اللَّه 10/ 38. يا حسان أجبهم 2/ 40. يا حسان أحسن فيما أصابك 6/ 345. يا حفصة أعيديه لمرقه الأولى 7/ 117. يا حكيم بن حزام، إن هذا المال خضرة حلوة 2/ 28- 9/ 297 . يا حلال 2/ 275، 311. يا حمن احتسبي 1/ 169. يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم 12/ 138. يا خالد، ذروا لي أصحابي 2/ 7. يا خديجة، قد خشيت أن يكون خالط عقلي 2/ 389. يا خديجة، ما أبغضت بغض هذه الأصنام 2/ 349. يا رافع، إن شئت نزعت السهم 12/ 229- 14/ 137 . يا رب إنك إن تهلك هذه العصابة 3/ 320. يا زيد، إن اللَّه جاعل لما ترى فرجا 1/ 46. يا زيد، لو أن عينك لما بها 2/ 215. يا زينب، أفقري صفية جملا 6/ 120. يا سعد، أصبت حكم اللَّه فيهم 13/ 303. يا سعد، انظر إلى الظبي 1/ 84- 12/ 37 . يا سلمان، إنّا لا تحل لنا الصدقة 6/ 338. يا سلمان، إلى ما أمرت به 2/ 174. يا سلمان، ما من مسلم يدخل على أخيه 7/ 122. يا شاب، قل لا إله إلا اللَّه 12/ 60. يا شيب ادن مني 2/ 17. يا شيبة، إنه لا يراها إلا كافر 14/ 17 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 163 يا شيب، يا شيب ادن مني، اللَّهمّ أذهب 14/ 17. يا شيطان اخرج من صدر عثمان 4/ 395- 11/ 325 . يا صاحب السيف شم سيفك 1/ 137. يا صباحاه، يا صباحاه 4/ 386. يا صفوان، ادن العظم من فيك 7/ 286. يا طلحة سلاحك 1/ 179. يا عائشة ائذني لي في ليلتي لربي 2/ 332. يا عائشة، ابعثي الذهب إلى عليّ 14/ 515. يا عائشة، أشعرت أن اللَّه أفتاني 8/ 40. يا عائشة، أما علمت أن أجسادنا 5/ 302. يا عائشة، أما علمت أن اللَّه أمر الأرض 5/ 302. يا عائشة، إن أول من يهلك من الناس 12/ 314. يا عائشة، إن شئت لسارت معي جبال الذهب 13/ 89. يا عائشة، إن شر الناس منزلة عند اللَّه 10/ 214. يا عائشة، إن عيني تنامان ولا ينام قلبي 8/ 91- 13/ 183 . يا عائشة، إن اللَّه قد أنزل براءتك 1/ 215. يا عائشة، إن نفس المؤمن تخرج بالرشح 14/ 508. يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمرا 13/ 69. يا عائشة، إني عارض عليك أمرا 6/ 180. يا عائشة، قومك أسرع أمتي بي لحاقا 12/ 314. يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام 8/ 47- 14/ 437 . يا عائشة، ما فعلت بالذهب؟ 14/ 515، 516. يا عائشة ما لي والدنيا 2/ 488. يا عائشة، ناوليني الثوب 7/ 131. يا عائشة، هل عندك من شيء؟ 5/ 171. يا عائشة، هل لك في السباق؟ 1/ 213. يا عائشة، هلمي المدية 5/ 381. يا عامر أسلم 12/ 96. يا عباس، اصرخ يا معشر الأنصار 2/ 13 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 164 يا عباس، إنه لا تكون نبوة إلا كانت 12/ 299. يا عباس، لا أرى لي عندك ولا عند بني أبيك 8/ 311. يا عباس بن مرداس، كيف كان إسلامك؟ 4/ 17. يا عبد الرحمن، لما كنت حيث رأيت 11/ 150. يا عبد اللَّه، اذهب بهذا الدم فأهرقه 12/ 254. يا عبد اللَّه، إنّا ابتعنا منك جزورك 2/ 234. يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة 1/ 116. يا عثمان، إن اللَّه عسى أن يلبسك قميصا 13/ 203. يا عثمان، إنه لعل اللَّه يقمصك قميصا 13/ 202. يا عدي، هل رأيت الحيرة؟ 14/ 59. يا عكراش، كل من موضع واحد 14/ 289. يا عليّ، أصب من هذا فهو أنفع لك 7/ 385. يا عليّ، اصنع رجل شاه بصاع من طعام 5/ 176. يا عليّ، إن اللَّه أمرني أن أنذر عشيرتي 5/ 174. يا عليّ، أوصيك بوصية فاحفظها 14/ 484. يا عليّ، خذ أحد الكبشين ورد عليها الآخر 5/ 41. يا عليّ، صليت العصر؟ 5/ 28، 29، 30. يا عليّ، لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد 10/ 181. يا عم إلى من تكلني لا أب لي 8/ 179. يا عمار إن للَّه ملكا أعطاه أسماع الخلائق 11/ 70. يا عمر، اذهب فأطعمهم 5/ 178. يا عمر، إن اللَّه مظهر دينه ومعز نبيه 1/ 177. يا عمر، أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج 2/ 203. يا عمر، إني أسمع 7/ 239. يا عمر، لو علمت أن الحليم كاد أن يكون 5/ 243. يا عمرو، أتحب أن أريك آية الجنة 12/ 221- 14/ 129 . يا عمرو، إن أمنك رجل على دمه فلا تقتله 14/ 129. يا عوف، احفظ خلالا ستا بين يدي الساعة 13/ 191. يا عوف بن مالك، أدخل 12/ 325 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 165 يا غلام، ائتني بالكتف 11/ 233. يا غلام، أتأذن أن أعطي الأشياخ؟ 7/ 372، 373. يا غلام، عندك لبن تسقينا؟ 5/ 216- 9/ 97 . يا غلام، لعلك غضبت عليه 1/ 208. يا غلام، من أنا؟ 5/ 299، 300. يا فاطمة، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء 14/ 420. يا فلان، ألا تحسن صلاتك؟ 5/ 306. يا فلان، ما منعك أن تصلي معنا؟ 5/ 99. يا قباث بن أشيم، أنت القائل يوم بدر 4/ 400- 12/ 174 . يا قتادة، إذا صليت فأثبت حتى آمرك 5/ 320. يا قوم لقد سحركم صاحبكم 5/ 175. يا قيس، بعثك أبوك فارسا 1/ 264. يا قيس، عسى إن مر بك الدهر 12/ 233- 14/ 141 . يا كعب بن عجرة، أعيذك باللَّه 12/ 305. يا مالك يوم الدين، إياك نعبد 12/ 59. يا مصرف القلوب، ثبت قلبي على طاعتك 2/ 336. يا مصعب 3/ 329. يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي 14/ 418. يا معاوية، إن وليت أمرا فاتق اللَّه 12/ 209. يا معشر الأنصار، إن اللَّه قد أثنى عليكم 10/ 74. يا معشر الأنصار، مقالة بلغتني عنكم 2/ 35. يا معشر العصاة إني مفطر فأفطروا 1/ 93. يا معشر قريش أما والّذي نفسي بيده 4/ 128. يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا 1/ 102. يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ 8/ 386. يا معشر قريش من رجل يعينني على أبي الحكم 4/ 129. يا معشر المسلمين كفوا السلاح 1/ 395. يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون 2/ 132- 14/ 443 . يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الإيمان 2/ 159، 160 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 166 يا معشر اليهود، أروني اثني عشر رجلا 14/ 77. يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يوقع اللَّه بكم 1/ 122. يا معشر اليهود، أنشدكم باللَّه الّذي أنزل التوراة 14/ 83. يا مغيرة خذ الإداوة 6/ 392. يا من حضر اشهدوا أن زيدا ابني يرثني 6/ 306. يا نافع أملكها الليلة وما أراك تملكها 5/ 225. يا نفس مالك تلوذين كل ملاذ 2/ 133- 14/ 503 . يا هبا سب من يسبك 5/ 348. يا هذه مهلا 2/ 208. يا وابصة، أخبرك بما جئت تسألني عنه 14/ 102. يا يهودي، أنشدك باللَّه الّذي أنزل التوراة 14/ 90. يأتي على الناس زمان يأتي الرجل ابن عمه 10/ 348. يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث 14/ 196. يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس 14/ 195، 196. يأتي قوم من هاهنا وأشار بيده نحو اليمين 9/ 120. يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا 1/ 398. يأتيني من السماء جناحاه لؤلؤ 3/ 39. يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي 3/ 288. يتزوج حفصة من هو خير من عثمان 6/ 46. يتكلم رجل من أمتي بعد الموت 12/ 218. يجتمع الناس يوم القيامة فيهتمون بذلك 3/ 278. يجمع اللَّه المؤمنون يوم القيامة فيهتمون بذلك 3/ 279. يجمع اللَّه تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون 3/ 271- 4/ 187 . يجمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا 3/ 279. يجمع المؤمنون يوم القيامة لذلك فيقولون 3/ 279. يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك 3/ 280. يحشر الناس يوم القيامة على تل 3/ 268. يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي 3/ 268 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 167 يحلها وتحل به رجل من قريش 12/ 259. يخرج أناس يمرقون من الدين 13/ 207. يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع 12/ 296. يخرج من أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن 12/ 287. يخرج من ثقيف كذاب ومبير 12/ 250- 14/ 158 . يخرج من هذه الأمة في آخر الزمان رجال 12/ 329. يخرج قبل قيام الساعة قوم يقال لهم الرافضة 12/ 363. يخرج قوم فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميون 3/ 264. يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها 3/ 264. يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة 13/ 231. يخرج من الكاهنين رجل أعلم الناس 12/ 287. يرحم اللَّه أخي موسى، قد أوذي بأكثر 2/ 31- 9/ 301 . يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي 14/ 223. يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب 14/ 63. يطلع عليكم رجل من أهل الجنة 13/ 269. يظهر الدين حتى يجاوز البحار 14/ 125. يعمد أحدكم فيعض أخاه كما يعض الفحل 2/ 58. يعيش هذا الغلام قرنا 12/ 293. يفتح الشام فيخرج من المدينة قوم 14/ 183- 184 . يفتح اليمن فيأتي قوم يسبون بأهليهم 10/ 348. يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي 14/ 152. يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ولد 12/ 296. يقتله اللَّه ويقتل الرجال معه 14/ 231. يقيمني رب العالمين مقاما لم يقمه أحد 3/ 290. يكون بعد العلماء خلفاء يعملون بكتاب اللَّه 14/ 204. يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا 12/ 313- 14/ 195 . يكون في آخر أمتي مسخ وخسف وقذف 12/ 379. يكون في آخر الزمان دجالون كذابون 12/ 364. يكون في آخر الزمان علماء جهال 12/ 361 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 168 يكون في أمتي رجل يقال له صلة 13/ 185. يكون في أمتي رجل يقال له وهب 12/ 284. يكون في أمتي قوم في آخر الزمان 12/ 363. يلحد بمكة كبش من قريش 12/ 260. يلحد رجل بمكة يقال له عبد اللَّه 12/ 259. يمشي وحده ويموت وحده 8/ 392. ينعق الشيطان بالشام نعقة 12/ 285. يهديكم اللَّه ويصلح بالكم 2/ 258. يهلك أمتي هذا الحي من قريش 14/ 139. يهلك الناس هذا الحي من قريش 12/ 230- 14/ 138 . يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قوما 12/ 329. يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم 13/ 323. يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل 10/ 359. يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته 12/ 362. يوشك برجل متكئ على أريكته 3/ 147. يوشك اللَّه أن يملأ أيديكم من العجم 12/ 311. يوشك الأمم أن تتداعى عليكم 12/ 312. يولد لك ابن قد نحلته اسمي 13/ 186. يوم الأربعاء 5/ 31. اليوم أوجب طلحة 6/ 142 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 169 فهرس الأعلام الألف أبان: (8) 294، (12) 239، (13) 288. أبان بن بشير: (5) 225. أبان بن تغلب: (4) 308، 353، (6) 191، (11) 178. أبان بن سعيد: (1) 289، (9) 334. أبان بن صالح: (4) 125، 359، (10) 220، (12) 139، 325. أبان بن طارق: (10) 326. أبان بن عثمان: (4) 293، 353، (6) 293، (9) 189، 287. أبان بن أبي عياش: (8) 279. أبان بن يزيد: (4) 119، (7) 287، (11) 233. إبراهيم: (8) 66، 116، 288، (9) 78، 299، 222، 223، (11) 42، 154، (12) 15، 31، 135، 156، 253، 301، 366، (13) 4، 19، 215، (14) 87، 278، 279، 452، 454، 460، 464. إبراهيم بن إسماعيل: (2) 208، (4) 224، (7) 104، (13) 280. إبراهيم بن إسماعيل القاري: (12) 359. إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع: (4) 116. إبراهيم بن الأشعث: (11) 147. إبراهيم بن أيوب: (12) 295. إبراهيم بن البراء: (2) 263. إبراهيم التيمي: (8) 299. إبراهيم بن جابر: (2) 23. إبراهيم بن جعفر: (3) 83، (5) 121، (9) 255، 288، (12) 178، 185، (13) 282، 330، 350. إبراهيم بن الحجاج: (11) 79. إبراهيم بن الحسن: (5) 28، (12) 363. إبراهيم بن الحسن بن الحسن: (5) 28. إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبي طالب: (12) 363. إبراهيم بن الحسن بن ديزيل: (11) 177. إبراهيم بن الحكم بن أبان: (2) 235، 338. إبراهيم بن حمزة: (3) 83، (5) 144، (11) 32، 71. إبراهيم بن حميد: (12) 369. إبراهيم الحربي: (7) 83. إبراهيم بن رشيد بن مسلم: (11) 70. أحمد بن زهير: (12) 340. إبراهيم بن سعد: (3) 24، 79، 93، 315، 327، (4) 106، 243، 247، 357، (5) 113، 209، 231، 348، (7) 45، 50، 272، (8) 111، 115، 116، (9) 320، 325، 237، (10) 367، (11) 194، 246، 307، 309، (12) 69، 79، 170، 202، (13) 159، 220، 225، (14) 282، 420، 423، 424، 430، 435، 489، 502. إبراهيم بن سويد: (5) 267، (7) 255، (14) 271. إبراهيم بن صدقة: (4) 112. إبراهيم بن طريف: (4) 113. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 170 إبراهيم بن طهمان: (2) 142، 155، 176، 386، (3) 33، 169، 187، (5) 55، 375، (7) 193، 322، 326، 359، (9) 350، 384، (13) 84. إبراهيم بن عبد الرحمن: (5) 150، 199، (7) 297، 304، (11) 72. إبراهيم بن عبد العزيز: (10) 124. إبراهيم بن عبد اللَّه بن إبراهيم: (8) 11. إبراهيم بن عبد اللَّه الأصبهاني: (11) 354. إبراهيم بن عبد اللَّه العبسيّ: (5) 300. إبراهيم بن عبد اللَّه بن معبد: (14) 467، 469. إبراهيم بن عبد اللَّه الهروي: (5) 83. إبراهيم بن علي التميمي: (4) 352. إبراهيم ابن علية: (5) 375. إبراهيم بن العلاء الزبيدي: (5) 247. إبراهيم بن عيينة: (7) 293، 294. إبراهيم بن أبي عبلة: (7) 87، (9) 296، (12) 150. إبراهيم بن الفضل: (7) 193، 207، (12) 260. إبراهيم بن قتيبة: (12) 311. إبراهيم بن قدامة: (7) 83. إبراهيم بن محمد: (2) 158، 174، (5) 239، (7) 337، (8) 76، (10) 171، (11) 37، 56، (12) 244، 260، 293، (14) 152. إبراهيم بن محمد بن حاطب: (13) 199. إبراهيم بن محمد بن زياد: (12) 293. إبراهيم بن محمد الشافعيّ: (12) 294. إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز: (11) 312. إبراهيم بن محمد بن عرفة: (2) 264. إبراهيم بن محمد بن عمار: (7) 154، 157. إبراهيم بن محمد بن المنتشر: (2) 204. إبراهيم بن مكحول: (11) 66. إبراهيم بن المنذر: (1) 29، (2) 348، (4) 123، (5) 200، (7) 85، (10) 92، 98، (12) 151، 244، (14) 152، 549. إبراهيم بن منصور الخراساني: (12) 278. إبراهيم بن المهاجر: (4) 242، (8) 148، (12) 6، 208. إبراهيم بن ميسرة: (2) 264، (13) 257. إبراهيم النخعي: (3) 291، (4) 307، 328، (5) 30، (6) 289، (7) 117، 143، (11) 47، 116. إبراهيم بن قسطاس: (5) 144. إبراهيم بن هشام البغوي: (14) 570. إبراهيم بن يحيى الشجري: (12) 36، 37. إبراهيم بن يزيد: (3) 343، (10) 48. إبراهيم بن يزيد العدوي: (7) 128. إبراهيم بن يوسف: (5) 200، (12) 103. إبراهيم بن أبي يحيى: (6) 53، 379، (12) 240. أبيّ بن عباس بن سهل: (7) 197، 351. أبي بن كعب: (1) 41، 75، 132، 243، (3) 33، (4) 134، 240، 242، 249، 252، 254، 255، 259، 263، 266، 267، 269، 271، 272، 274، 275، 283، 285، 287، 288، 289، 291، 292، 311، 321، 323، 324، 330، 397، (8) 262، 190، (9) 83، 130، 131، 140، 168، 169، 334، 359، 377، (10) 41، 144، 148، 262، (11) 52، 147 (12) 31، 28، 135، 326، (13) 262، (14) 179، 180. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 171 أبيض بن حمال: (4) 369، (9) 360. الأجلح: (12) 221، (13) 218. الأجلح بن عبد اللَّه الكندي: (12) 221. أحمد بن إبراهيم الدورقي: (9) 206. أحمد بن أحمد الطبري: (5) 61. أحمد بن إسحاق: (5) 229. أحمد بن بجير: (5) 284. أحمد بن جبير: (4) 312. أحمد بن جحش: (6) 60. أحمد بن جعفر القليعي: (13) 330. أحمد بن حازم بن أبي غرزه: (5) 240. أحمد بن الحجاج: (3) 55، 75. أحمد بن الحسين: (10) 300، (12) 286. أحمد بن الحكم المعافري: (14) 110. أحمد بن أبي الحواري: (11) 126. أحمد بن خلف بن محمد المقرئ: (5) 300. أحمد بن داود المكيّ: (5) 219، (10) 91. أحمد بن راشد: (11) 319، (12) 300. أحمد بن رشدين: (11) 69. أحمد بن زهير: (3) 69، 72، 75، 78، 79، (8) 59، 200، (10) 345، 356، 357، 359، (12) 274، 285. أحمد بن سعيد بن أبي مريم: (5) 225. أحمد بن سليمان بن داود بن حذلم: (12) 294. أحمد بن شبيب: (11) 328. أحمد بن شعيب: (7) 125. أحمد بن صالح: (5) 28، (10) 362. أحمد بن صالح المصري: (10) 57. أحمد بن صالح بن وهب: (14) 551. أحمد بن أبي ظبية: (3) 237. أحمد بن عباد الفرغاني: (11) 362. أحمد بن العباس: (12) 285. أحمد بن عبد الجبار: (5) 232، (12) 296. أحمد بن عبد اللَّه: (2) 170، (3) 284، (5) 325، (9) 316. أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد: (5) 179. أحمد بن عبد اللَّه بن صالح: (13) 21. أحمد بن عبد اللَّه بن قندوة: (2) 360. أحمد بن عبد اللَّه بن يونس: (5) 398. أحمد بن عبد الوهاب بن نجده الحوطي: (12) 196. أحمد بن عبيد: (11) 335، (14) 463، 464. أحمد بن عصام: (11) 56. أحمد بن علي بن ثابت: (10) 317. أحمد بن علي بن شعيب: (11) 126. أحمد بن علي بن المثنى: (14) 13. أحمد بن عمر: (10) 358، (12) 300. أحمد بن عمرو بن أحمد: (5) 250. أحمد بن عمرو بن السرح: (10) 358. أحمد بن عمرو بن أبي عاصم: (11) 56. أحمد بن عيسى: (2) 265. أحمد بن أبي عمران: (4) 263. أحمد بن محمد: (2) 353، (10) 311. أحمد بن محمد بن أيوب: (3) 79، (5) 231. أحمد بن محمد بن الحسن: (5) 219. أحمد بن محمد بن رزين: (11) 116. أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين: (12) 278. أحمد بن محمد الأزرقي: (2) 212، (7) 46. أحمد بن محمد بن عبد العزيز: (4) 38. أحمد بن محمد بن عبد اللَّه: (11) 51. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 172 أحمد بن محمد العنبري: (12) 359. أحمد بن محمد بن غالب: (90) 12. أحمد بن محمد بن موسى: (3) 76. أحمد بن محمد بن الوليد: (4) 96، (12) 273. أحمد بن محمد اليزني: (11) 37. أحمد بن المظفري البكري: (12) 297. أحمد بن موسى بن مجاهد: (4) 317. أحمد بن هشام بن بهرام: (6) 377. أحمد بن الوليد بن برد: (5) 27. أحمد بن يحيى: (2) 264. أحمد بن يوسف: (2) 282، (13) 330. أحمد بن يونس: (3) 70، (5) 325، (11) 21، (12) 154، (14) 463. الأحنف: (9) 369، (12) 252، (13) 242. الأحنف بن قيس: (9) 370، (12) 331. الأحوص: (12) 285. أحوص بن حبان: (12) 240. الأحوص بن حكيم: (12) 284، 285. الأحوص بن فهر: (4) 20. إدريس الأودي: (3) 239. إدريس بن محمد بن يونس: (11) 354. إدريس بن يحيى الخولانيّ: (2) 258. إدريس بن وهب: (3) 43. آدم بن أبي إياس: (4) 119، (5) 11، 47، 238، (11) 152، 269، (14) 508. آدم بن علي: (3) 237. أربد بن قيس: (2) 100، (4) 123، 124، 125، 398، (12) 94. الأرت: (9) 108. أرطاة: (13) 116. أرطاة بن أبي أرطاة: (14) 486. أرطاة بن شرحبيل بن هاشم: (1) 143، (6) 281. أرطاة بن المنذر: (3) 396، (6) 126، (11) 223، (12) 390، 391، (13) 204. الأرقم: (9) 91، 225. الأرقم بن شرحبيل: (14) 464، 482. الأرقم بن عبد مناف بن أسد: (9) 92. الأرقم بن أبي الأرقم: (1) 35، (3) 401، (5) 23، (9) 99، 106. أزهر بن عبد اللَّه الجزاري: (12) 349. أزهر بن عوف: (1) 300. أسامة: (1) 214، (8) 161، (9) 263، 312، (12) 55. أسامة بن زيد: (1) 67، 69، 81، 136، 249، 323، 329، 347، 392، (2) 14، 110، 114، 123، 124، 125، 126، 127، 132، 136، 137، 153، 155، 170، 229، 253، 285، 330، 344، (3) 53، 70، 366، (4) 352، (5) 41، 44، 107، 276، 277، 339، (6) 62، 126، 306، 340، 388، (7) 47، 172، 173، 231، 240، (8) 159، 389، (9) 63، 142، 205، 257، 282، 289، 310، (10) 26، 28، 362، (11) 224، 233، 321، (12) 283، 148، 157، 283، (13) 223، 224، 278، (14) 175، 221، 461، 465، 472، 484، 517، 518، 522. أسامة بن زيد بن أسلم: (4) 73، 134، (9) 102. أسامة بن زيد بن حارثة: (2) 260، (6) 308، 325. أسامة بن زيد الليثي: (2) 260، (3) 67، 68، 69، (9) 262. أسامة بن شريك: (7) 104، (12) 192. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 173 أسامة بن عمرو بن عبد اللَّه: (6) 164. أسباط بن نصر: (5) 21، 31، (8) 200، (9) 367، (12) 252، (13) 110، (14) 160. إسحاق: (9) 95، (11) 143، (12) 19، 93، 146، 193، (14) 65، 84، 188. إسحاق بن إبراهيم: (2) 251، (3) 47، 239، (4) 251، (5) 30، 83، 219، 233، (7) 7، (8) 328، (11) 55، 351. إسحاق بن إبراهيم الحربي: (3) 55، (8) 207. إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ: (8) 229. إسحاق بن إبراهيم شاذان: (37) 12. إسحاق الأزرق: (12) 193. إسحاق بن إسماعيل: (5) 284. إسحاق بن أبي إسحاق: (3) 383، 384. إسحاق بن أبي إسرائيل: (11) 144، (3) 12. إسحاق بن بشر: (8) 275. إسحاق بن حازم: (7) 231. إسحاق بن راشد: (7) 369، (13) 20، (14) 3. إسحاق بن راهويه: (2) 209، (4) 317، (8) 279، (9) 33، (10) 376، (11) 96، 97. إسحاق بن سالم: (5) 171. إسحاق بن سعيد: (7) 23، 46، (12) 259، 314، (12) 204. إسحاق بن سويد: (7) 126، 128. إسحاق بن عبد اللَّه: (2) 256، (4) 359، (6) 386، (7) 119، 291، (8) 42، (10) 29، 249، 253، 348، (11) 349، (12) 149، (13) 285، 334. إسحاق بن أبي عبد اللَّه: (8) 171. إسحاق بن عبد اللَّه بن الحارث: (7) 5، (11) 84. إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة: (2) 218، 243، 251، (5) 49، 85، 122، 165، (7) 275، 314، 346، (8) 122، (12) 26، 95، 212، (13) 176، (14) 49، 284، 295. إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي فروة: (11) 331، 349. إسحاق بن عبد اللَّه بن كيسان: (4) 55. إسحاق بن عيسى: (3) 294، (10) 170، (12) 299. إسحاق بن الفضل الهاشمي: (5) 301. إسحاق بن كعب بن عجرة: (11) 44. إسحاق بن محمد: (4) 296، (5) 223. إسحاق بن منصور: (2) 152، (3) 47، (7) 121، (11) 122، (12) 113. إسحاق بن موسى بن عبد اللَّه الأنصاري: (12) 260. إسحاق بن وهب العلاف: (11) 136. إسحاق بن يحيى: (3) 325. إسحاق بن يسار: (2) 336، (4) 44، (12) 84، (13) 300، 385. إسحاق بن يوسف الأزرق: (12) 217، 236. أسد بن عبيد: (4) 401. أسد بن موسى: (2) 227، (4) 352، (12) 39، 176. إسرائيل: (8) 12، 34، 64، 196، 326، 327، (9) 95، 178، 179، 191، 202، 322، 365، (11) 290، 295، (12) 6، 104، 119، 143، 158، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 174 168، 256، (13) 12، 45، 103، 296، 308، (14) 59، 72، 205، 297، 372، 482، 553. إسرائيل بن إسحاق: (6) 18. إسرائيل الأعور: (7) 318. أسعد بن زرارة: (1) 50، 51، 52، 53، 54، 67، (7) 109، 283، 299، 300، (9) 207، (10) 87، 88. الأسلم بن شريك: (6) 349. أسماء بن حارثة: (6) 349، 353. إسماعيل: (9) 89، 368، (11) 82، (12) 6، 33، 55، 56، 265، 331، 369، (13) 12، 19، (14) 202. إسماعيل بن أبان: (5) 302. إسماعيل بن إبراهيم: (2) 194، 247، (7) 235، 237، (11) 72، 128، 380، 381، (12) 197، 208، (13) 211، 348، (14) 49، 194، 471. إسماعيل بن إبراهيم بسام: (5) 287. إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن: (10) 63. إسماعيل بن إبراهيم العجليّ: (12) 150. إسماعيل بن إبراهيم ابن علية: (8) 289. إسماعيل بن إبراهيم القطيعي: (3) 225. إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر: (12) 208، 209. إسماعيل بن أحمد الحاسب: (11) 149. إسماعيل بن أبي إدريس: (11) 82. إسماعيل بن إسحاق: (6) 173، (10) 257، 370، 371، 378، (11) 35، 41، 46، 51، 70، 73، 79، 81، 84، 114، 128، 129، 151، 163، (14) 463. إسماعيل بن أبي إسماعيل: (12) 332. إسماعيل بن أمية: (7) 157، (8) 77، (10) 30، 183، (11) 251، (13) 221، (14) 105، 106. إسماعيل بن أبي أنس: (14) 100. إسماعيل بن أويس: (4) 221، (5) 87، (6) 324، (7) 49، (11) 46، 177، (12) 40، 382. إسماعيل بن إياس بن عفيف: (9) 93. إسماعيل بن جريج بن معاوية: (11) 147. إسماعيل بن جعفر: (2) 154، 240، 285، (3) 286، 317، (4) 296، (5) 120، 143، (7) 301، 369، 373، (9) 212، (10) 46، 176، 218، 286، 320، (11) 82، (12) 337، (13) 201، (14) 198، 371، 469. إسماعيل بن أبي الحكم: (2) 3، (11) 198. إسماعيل بن أبي خالد: (2) 155، 220، 221، (3) 204، 205، (4) 252، 289، 291، (5) 284، 296، (6) 21، (7) 179، 275، (8) 291، (9) 87، 97، 273، 274، (10) 367، (11) 38، (12) 11، 28، 32، 35، 36، 99، 217، 303، 369، (13) 12، 20، 200، 201، 204، (14) 3، 201، 285، 481، 502، 573. إسماعيل بن أبي داود: (2) 256. إسماعيل بن رافع: (11) 116، 134، (12) 301، (14) 103. إسماعيل بن رباح: (7) 339. إسماعيل بن رجاء: (10) 176. إسماعيل بن زكريا: (11) 26. إسماعيل بن زكريا الخلقاني: (7) 373. إسماعيل بن أبي زياد: (5) 23، (11) 142. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 175 إسماعيل السدي: (8) 200. إسماعيل بن شبيب: (11) 327. إسماعيل بن عبد الرحمن: (5) 31. إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي: (9) 367. إسماعيل بن عبد الرحمن السندي: (12) 252. إسماعيل بن عبد اللَّه: (7) 57. إسماعيل بن عبد اللَّه بن أبي أويس: (7) 155. إسماعيل بن عبد اللَّه بن جبير: (13) 312. إسماعيل بن عبد اللَّه بن جعفر: (5) 386، (7) 9. إسماعيل بن عبد اللَّه بن خالد: (11) 371. إسماعيل بن عبد اللَّه بن قسطنطين: (4) 299، 324. إسماعيل بن عبد الكريم: (12) 285. إسماعيل بن عبد الملك: (4) 193، (5) 38، 251، 252، 259. إسماعيل بن عبيد اللَّه: (2) 316، (10) 358، (12) 388. إسماعيل بن عطية: (5) 201. إسماعيل ابن علية: (2) 218، 224، 234، (7) 237، 253، 270، (8) 155، 162، (12) 153، 193، (13) 88، 171، 172، (14) 281. إسماعيل بن عوف: (12) 138. إسماعيل بن عياش: (2) 276، (4) 20، 120، 314، 378، (5) 170، (6) 11، 88، 191، (8) 3، 133، (11) 315، (12) 280، 332، (14) 125. إسماعيل بن أبي فديك: (12) 387. إسماعيل بن قاسم الرعينيّ: (12) 383. إسماعيل بن قيس: (12) 369، (13) 200. إسماعيل بن كثير: (7) 288، 339. إسماعيل بن محمد بن إسحاق: (11) 178. إسماعيل بن محمد بن سعد: (10) 57. إسماعيل المدني: (3) 188. إسماعيل بن مرسال: (6) 78. إسماعيل بن مسلم: (10) 88، 310، 318، (14) 564. إسماعيل بن موسى الحاسب: (11) 135. إسماعيل بن موسى الفزاري: (1) 310، إسماعيل بن موسى القواريري: (8) 275. إسماعيل بن يحيى بن عبيد اللَّه: (11) 92. الأسود: (8) 66، 78، (11) 47، 120، (14) 278، 279، 452، 454، 460، 464. الأسود بن الخزاعي: (1) 195. الأسود بن سعيد الهمدانيّ: (12) 303. الأسود بن سفيان: (12) 249، (14) 158. الأسود بن شعوب: (1) 163. الأسود بن شيبان: (12) 117، 250، 255. الأسود بن عامر: (12) 363، (13) 222. الأسود بن عبد الأسد المخزومي: (2) (103) ، (6) 279. الأسود بن عبد المطلب: (1) 42، (4) 122، (5) 23، (6) 257. الأسود بن عبد يغوث: (1) 41، (5) 23، (6) 306، (9) 109، 113. الأسود العنسيّ: (2) 101. الأسود بن قيس: (2) 269، (4) 205، (7) 112، 289، (8) 78، (10) 376، (14) 479. الأسود بن مالك بن الحميري: (14) 185. الأسود بن مسعود: (4) 82. الأسود بن منصور: (4) 72، 77. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 176 الأسود بن يزيد: (3) 253، (4) 305، (5) 21، (7) 143، 144، 145، 146، (10) 134، (11) 140، (13) 43. أسيد بن جارية: (2) 29. أسيد بن حارثة: (9) 298. أسيد بن حضير: (1) 55، 82، 134، 135، 145، 148، 178، 209، 215، 220، 221، 232، 234، 237، 240، 245، 251، 254، 280، 295، 313، 379، (2) 12، 16، 51، 73، 74، 75، (4) 124، 393، (5) 107، 316، 317، 329، 330، 331، (6) 307، (7) 166، 170، 171، (8) 356، (9) 83، 144، 252، 259، 304، (13) 250، 318. أسيد بن عاصم: (11) 136. أسيد بن عبيد: (1) 247. أسيد بن سعية: (1) 247. أسيد بن ظهير: (1) 136. أسيد بن عبد الرحمن: (12) 340. أسيد بن موسى: (10) 47. أشعث: (12) 169، (14) 213. الأشعث بن سحيم: (12) 240، (14) 148. الأشعث بن سليم: (7) 14، (13) 225. أشعث بن شعبة: (3) 396، (11) 223. أشعث بن أبي الشعثاء: (2) 257، (2) 258. الأشعث بن طليق: (14) 485. الأشعث بن عبد الرحمن: (8) 133. الأشعث بن عبد اللَّه: (5) 233. الأشعث بن عبد الملك: (3) 310. الأشعث بن قيس: (2) 99، (3) 210، (4) 355، (6) 93، 99، (10) 259، 260. أشهل: (12) 382. أصبغ بن الفرج: (12) 283. الأصبغ بن نباتة: (7) 221. الأصم بن هرم بن رواحة: (6) 177. الأعرج: (11) 59، 88، 136، 157، 245، 246، 247، (12) 72، 73، 195، 248، 343، 344، (13) 158، 159، 160، 172، 194، 195، (14) 61، 200، 201. الأعمش: (2) 144، (8) 6، 51، 62، 136، 145، 228، 288، 293، (9) 34، 90، 118، 119، 226، 344، 346، 372، (11) 25، 26، 52، 59، 84، 85، 104، 144، 176، 252، 256، 257، 260، 276، 293، 294، 381، 383، 73، 74، 81، 136، 139، 154، 201، 227، (12) 15، 238، 255، 258، 276، 284، 296، 299، 305، 311، 326، 346، 359، 367، 386، 387، 388، (13) 205، 213، 221، 317، (14) 13، 64، 86، 135، 146، 168، 171، 173، 174، 205، 279، 437، 452، 453، 460، 464، 481، 483، 495، 513. الأغر: (13) 60. أفلح: (13) 87. أفلح بن سعيد: (10) 75، (12) 328. أمية: (1) 41. أمية بن الحارث: (6) 277. أمية بن خالد: (7) 390، (12) 112، 277. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 177 أمية بن صفوان: (14) 8. أمية بن أبي الصلت: (1) 86، (2) 22. أمية بن عبد الرحمن: (4) 79. أمية بن زيد بن قيس بن عامر: (9) 175، (12) 183. أنجشة: (9) 310، 313، 316، 317. أنس: (1) 173، (5) 19، 20، 27، 67، 93، 141، 142، 153، 160، 214، 215، (8) 23، 58، 72، 77، 82، 100، 124، 158، 167، 171، 196، 203، 207، 209، 212، 214، 218، 219، 227، 228، 229، 230، 231، 234، 243، 246، 258، 283، 285، 297، (9) 16، 22، 34، 60، 116، 182، 201، 202، 240، 241، 267، 269، 270، 271، 308، 309، 313، 316، 317، 330، 331، 335، 350، 367، (11) 45، 46، 67، 72، 74، 76، 90، 91، 133، 135، 141، 176، 240، 241، 243، 244، 269، 270، 317، 349، (12) 240، 292، 326، 338، 342، 353، 358، 359، 361، 373، 392، (13) 13، 18، 46، 138، 139، 171، 172، 173، 174، 175، 263، 285، 297، 361، (14) 63، 75، 77، 90، 96، 275، 277، 278، 283، 284، 285، 295، 296، 297، 461، 467، 470، 496، 508، 548، 551، 552، 553، 608. أنس بن أوس بن عقيل: (1) 244. أنس بن الحارث: (12) 240، (14) 148. أنس بن حكيم الضبي: (12) 223. أنس بن رافع: (9) 185. أنس بن سيرين: (8) 31، 33، (12) 23، (13) 18. أنس بن أبي شيبة: (10) 319. أنس بن أبي طلحة: (10) 371، (13) 263، 285. أنس بن عياض الليثي: (2) 155، 232، (5) 121، 200، (8) 145، 246، (11) 46، 47، 116. أنس بن قتادة: (9) 250. أنس بن أبي ليلى: (10) 303. أنس بن مالك: (1) 26، 164، (2) 154، 162، 164، 165، 167، 168، 170، 171، 188، 194، 195، 196، 200، 203، 204، 207، 210، 212، 215، 217، 218، 221، 223، 224، 225، 227، 228، 233، 235، 240، 242، 243، 248، 251، 254، 255، 260، 272، 273، 288، 290، 291، 297، 298، 306، 308، 316، 359، 360، (3) 33، 35، 36، 39، 151، 152، 211، 220، 224، 227، 228، 229، 264، 268، 278، 279، 280، 283، 293، 307، 309، 312، (4) 57، 112، 135، 194، 198، 246، 247، 253، 265، 279، 283، 289، 394، 397، (5) 5، 22، 36، 49، 56، 80، 81، 84، 85، 86، 87، 92، 96، 119، 120، 121، 122، 123، 124، 125، 126، 134، 140، 143، 165، 167، 169، 173، 227، 239، 257، 270، 286، 287، 305، 306، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 178 307، 317، 318، 325، 336، 339، 344، 345، 357، 387، 398، (6) 50، 51، 88، 93، 94، 127، 349، 352، 353، 354، 357، 367، 372، 376، 377، 379، 381، 386، (7) 4، 5، 6، 13، 18، 19، 21، 24، 27، 39، 40، 45، 46، 48، 49، 51، 52، 53، 54، 57، 69، 71، 73، 74، 75، 77، 79، 85، 86، 92، 96، 97، 100، 101، 102، 103، 108، 120، 122، 123، 125، 136، 137، 138، 139، 147، 150، 175، 193، 199، 206، 225، 229، 230، 231، 237، 262، 264، 265، 266، 274، 275، 276، 281، 290، 291، 292، 295، 298، 314، 317، 318، 324، 325، 326، 333، 342، (7) 343، 346، 355، 356، 359، 365، 366، 367، 369، 370، 371، 375، (8) 14، 31، 45، 97، 123، 163، 190، 194، 214، 219، 220 ، 221، 229، 233، 242، 243، 244، 250، 255، 276، 299، (9) 22، 34، 69، 84، 136، 169، 204، 270، 314، 316، 329، 330، 373، (10) 3، 45، 46، 54، 56، 74، 79، 82، 116، 117، 156، 162، 173، 174، 190، 193، 204، 206، 217، 218، 223، 224، 225، 226، 227، 241، 246، 247، 249، 252، 253، 297، 300، 301، 310، 311، 348، 361، (11) 45، 46، 47، 64، 91، 144، 146، 240، 242، 243، 244، 254، 268، 269، 270، 271، 317، (12) 3، 5، 12، 18، 19، 20، 23، 25، 59، 61، 95، 160، 212، 214، 235، 292، 324، 325، 334، 358، 359، 372، 392، (13) 18، 23، 42، 84، 131، 176، 177، 200، 293، 361، 362، (14) 46، 47، 50، 103، 143، 200، 222، 262، 284، 301، 460، 464، 465، 466، 469، 474، 564، 614. أنس بن النضر بن ضمضم: (1) 164. أنيس: (12) 21، (13) 100. أنيس بن أبي نجيع: (10) 73. أنيس بن أبي يحيى: (5) 171، (10) 362. الأوزاعي: (2) 7، 155، (5) 8، (8) 279، (9) 31، 33، 391، (11) 231، (12) 71، 72، 95، 237، 259، 266، 267، 280، 281، 304، 340، 388، (13) 118، 120، (14) 144، 216. أوس بن أوس الثقفي: (10) 296، (11) 60، 62، 63. الأوس بن حارثة بن ثعلبة: (3) 350. أوس بن خالد: (5) 230، (12) 224. (14) 132. أوس بن خولي: (1) 209، 284، 289، 295، (2) 91، 135، 137، (5) 111، (6) 91، (7) 177. أوس بن عبد اللَّه بن بريدة: (7) 164، (14) 196، 197. أوس بن عوف: (2) 84، 85. أوس بن قيظي: (1) 233، (2) 56، (5) 116، (8) 373. أوس بن المعلى بن نفيع: (1) 79. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 179 أويس القرني: (4) 406. إياس بن أوس بن عتيك: (1) 134، (9) 250. إياس بن البكير: (9) 101، 102. إياس بن أبي تميمة: (11) 389. إياس بن جعفر: (7) 4. إياس بن الحارث بن معيقيب: (9) 336. إياس بن ربيعة بن الحارث: (2) 112، 118. إياس بن سلمة بن الأكوع: (5) 68، 146، (9) 275، (11) 289، (12) 97، 98. إياس بن قبيصة: (1) 30. إياس بن معاذ: (1) 50، (9) 185. أيمن بن عبد الحبشي: (6) 326. أيمن بن عبد الخزرجي: (2) 14، (6) 325. أيمن المخزومي: (5) 75. أيمن بن نابل: (222) 2. أيوب: (8) 11، 27، 56، 129، (9) 11، 31، 54، 234، 237، 314، 316، 317، (11) 41، 71، 263، (12) 193، 321، 362، 371، 389، (13) 12، 64، 128، 173، 184، 198، 287، 357، 358، 361، 362، 385، (14) 10، 61، 86، 299، 499، 565. أيوب بن بشير: (9) 329، (12) 244، (13) 128، (14) 152، 440. أيوب بن جابر: (14) 17. أيوب بن الحسن بن علي: (8) 60. أيوب بن الحكم: (5) 207، 212. أيوب السختياني: (4) 301، 347، (5) 185، (11) 304، 305. أيوب بن سليمان بن يسار: (10) 144. أيوب بن عبد الرحمن: (7) 384، (12) 244، (14) 152، 456. أيوب بن عبد اللَّه: (7) 104، (14) 101. أيوب بن عتبة: (3) 69، 70. أيوب بن علي بن هيصم: (12) 52، 53. أيوب بن فرقد: (3) 39. أيوب بن مالك بن أوس بن الحدثان: (12) 257. أيوب بن محمد الرقي: (12) 242، (14) 150. أيوب بن موسى: (7) 38، (10) 30. أيوب بن نهيل: (2) 222. أيوب الأنصاري: (1) 325. الباء بجاد بن عمير بن الحارث: (6) 195. بجالة بن عبدة: (9) 371. بجير: (13) 88. بجير بن أبي بجير: (14) 105، 106. بجير بن سعد: (8) 86، 9 (12) 319، 351، 352. بدل بن المحبر: (3) 233، (12) 77. بديل: (9) 10، (13) 210. بديل بن شريك الجديسي: (9) 174. بديل بن ميسرة: (3) 169، 187. بديل بن ورقاء: (1) 280، 285، 286، 348، (2) 22، 47، (9) 9، 259، 296. البراء: (8) 83، 85، 324، 325، 326، 390، (9) 16، 191، 202، (12) 123، 307، (13) 105. البراء بن أوس بن خالد: (5) 336، (10) 60. البراء بن زيد: (7) 379. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 180 البراء بن عازب: (1) 82، 136، 229، 284، (2) 163، 169، (3) 84، 85، (5) 92، 133، 176، (6) 395، 396، (7) 161، (8) 84، 85، 325، (9) 16، 84، 121، 142، 206، (10) 38، (11) 38، (12) 76، (13) 177، 293، 308، (14) 86. البراء بن عبد اللَّه: (13) 351. البراء بن مالك: (9) 313، 316. البراء بن معرور: (1) 52، 53، 54، 55، 79. البراء بن ناجية: (13) 205. بردة بن سنان: (11) 66. بريدة: (8) 98، (11) 38، 286، 287، (12) 389. بريدة بن أبي بردة: (11) 239. بريدة بن الحصيب الأسلمي: (1) 60، 282، 369، (2) 27، 37، 47، 96، 124، 126، (7) 164، 169، 170، 172، 173، (9) 292، (13) 323. بريدة بن أبي حبيب: (4) 116. بريدة بن سفيان الأسلمي: (4) 45، 96، (11) 289، (13) 280، (14) 65. بريدة العبديّ: (7) 162. بسر بن سعيد: (2) 327، (10) 170. بسر بن سفيان: (1) 274، 276، 279، 285، 370، (2) 28، 37، 47، (7) 169، 171، 248. بسر بن عبد اللَّه: (2) 192، 264، (13) 190. بسر بن عبيد: (14) 184. بسر بن معاذ: (10) 124. بشار بن عبد الملك: (5) 141. بشر بن إبراهيم: (4) 196. بشر بن البراء بن معرور: (1) 170، 315، 316، 317، (3) 358، (13) 265، 348، 349. بشر بن بكر: (5) 384، (8) 131، 137، (11) 231، (12) 280، 312، (14) 98. بشر بن رافع: (1) 50. بشر بن السري: (14) 222. بشر بن سعيد: (4) 256. بشر بن شعيب: (12) 323، (14) 26. بشر بن عاصم: (5) 256. بشر بن عبد اللَّه: (2) 254، (8) 134، (10) 160. بشر بن عبد الملك: (14) 301. بشر بن عبيد: (11) 88، 136. بشر بن عمر الزهراني: (2) 142، (7) 150. بشر بن مرة: (13) 192. بشر بن معاذ: (14) 198. بشر بن المفضل: (2) 219، (4) 221، (11) 311، 314، (12) 329، (14) 547، 552، 553. بشر بن منصور: (11) 151. بشر بن موسى بن بشر الغزي: (12) 53. بشر بن نمير: (12) 89. بشر بن الوليد بن خالد: (8) 97. بشير: (12) 267. بشير ابن الخصاصية: (2) 275. بشير بن الزبير: (10) 356. بشير بن سعد بن ثعلبة: (1) 219، 239، 328، 330، 331، (3) 252، (5) 231، 232، (7) 177، 186، 187، 210، (11) 19، (14) 191. بشير بن سليمان: (11) 275. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 181 بشير بن محمد بن عبد اللَّه بن زيد: (9) 262. بشير بن عقبة: (11) 264. بشير بن أبي عمرو الخولانيّ: (12) 231. بشير بن أبي مسعود: (3) 60، 65، 66، 67، 70. بشير بن المهاجر: (12) 389. بشير بن ميمون: (2) 278. بقي بن مخلد: (2) 277، 292، 397، (3) 147، 224، (4) 59، (5) 128، (7) 219، (8) 160، (10) 158، 163، 370، (12) 353، 362، (13) 228. بقية: (8) 163، (11) 140، 223، (12) 275، 285، 319، 351، 352، (13) 13، 88، 203، (14) 185. بقية الزبيدي: (13) 90. بقية بن الوليد: (2) 286، (8) 86، (12) 275، 392. بكار بن عبد العزيز: (2) 283، 331، (8) 59. بكر بن زرعة: (2) 276. بكر بن سوادة: (2) 243، 276، (10) 135، 136، (11) 3، 192، (12) 383، (13) 3. بكر بن شداخ: (6) 350، 363. بكر بن عبد اللَّه: (5) 96، 169، (7) 10، (8) 87، 293. بكر المزني: (9) 31، 34. بكر بن نصر: (11) 33. بكر بن الهيثم: (7) 242، (9) 206. بكر بن وائل: (8) 313. بكير الأخنس: (3) 58. بكير بن الأشج: (7) 284، (11) 310، (14) 290. بكير بن عبد اللَّه: (3) 77، (11) 231، 232، (12) 338. بكير بن مسمار: (5) 385، 386. بهز: (8) 219، (13) 380. بهز بن حكيم: (2) 234، (3) 339، (7) 326، (9) 86، (13) 85. بلال: (1) 36، 56، 109، 136، 137، 176، 178، 189، 245، 281، 316، 326، 333، 391، 392، 396، (2) 30، 38، 42، 44، 45، 59، 61، 66، 69، 110، 111، 138، 166، 211، 234، 290، 293، (4) 403، (5) 12، 105، 229، (6) 264، (7) 153، 157، 158، 207، 212، 213، 240، 254، 285، (8) 175، 178، (9) 94، 97، 106، 107، 110، 114، 128، 161، 191، 297، 310، 312، 363، 364، 379، (10) 117، 118، 123، 131، 133، 135، 137، (11) 260، 295، 298، 300، 301، (12) 156، 157، 159، (13) 386، (14) 290، 308، 309، 411، 452، 454، 457، 458. بلال بن الحارث: (1) 371، (7) 169، 171، 258، 259، (9) 358، 359، 360، 363، (14) 54. بلال بن حبشية: (9) 70. بلال بن أبي الدرداء: (12) 60. بلال بن رباح: (9) 109، (10) 110. بلال بن طلحة بن عبد اللَّه: (2) 281. بلال بن عبد اللَّه بن عمر: (12) 283. بلال العبسيّ: (11) 385، (12) 244، (14) 152. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 182 بلال بن يسار: (6) 320، 336. بيان: (14) 110، 111. بيان بن بشر: (12) 315. التاء تليد بن سليمان: (9) 319. تميم بن أسد الخزاعي: (1) 395. تميم بن أسيد: (7) 128. تميم بن أوس: (5) 73، (9) 283. تميم الداريّ: (9) 38، (13) 141، 142، (14) 123. تميم بن المغيرة: (6) 220، 224. توبة: (13) 18. توبة العنبري: (7) 303، 304. الثاء ثابت: (2) 41، (8) 72، 82، 159، 203، 212، 218، 219، 230، 231، 250، (9) 182، 201، 202، 240، 241، 270، 308، 317، 316، (11) 90، 176، 270، 317، (12) 18، 24، 141، 142، 160، 235، 290، 292، 323، 361، (13) 263، (14) 90، 96، 143، 215، 284، 470، 508. ثابت بن أقرم: (1) 340، 341، (2) 77. ثابت بن أنس: (14) 465. ثابت البناني: (2) 281، (3) 51، (5) 80، 87، 106، 169، 173، 239، 287، 336، (7) 27، 275، 318، 335، 343، 375، (8) 76، 97، 209، 214، 221، (9) 270، 314، (10) 140، 204، 300، 365، (11) 46، 317، (13) 379، (14) 284، 461. ثابت بن الجذع: (108) 1. ثابت بن الحجاج الكلابي: (13) 215. ثابت بن سعيد: (11) 344. ثابت بن أبي صفية: (7) 269. ثابت بن عبد العزيز: (157) 2. ثابت بن عبيد: (7) 131. ثابت بن عجلان: (12) 127. ثابت بن قاسم: (4) 274. ثابت بن قيس بن شماس: (1) 191، 205، 206، 217، 252، (2) 39، 106، 215، (4) 277، 405، (6) 84، 344، (11) 379، 380، (9) 160، (12) 346، (14) 215، 216، 217، 218. ثابت بن كثير الضبي: (7) 367. ثابت بن يزيد: (2) 288، 297، (7) 32. ثروان بن ملحان: (14) 205. ثعلبة: (13) 12. ثعلبة بن ضبيعة: (13) 225. ثعلبة بن عمرو بن عامر: (9) 172. ثعلبة بن عمرو بن عوف: (9) 175. ثعلبة بن مسلم: (8) 3. ثعلبة بن أبي مالك: (4) 289، (5) 252، (7) 159، (13) 304. ثمامة: (9) 202، (11) 349. ثمامة بن أثال: (4) 406، (9) 144، (10) 172. ثمامة بن جحش: (6) 255. ثمامة بن حزن القشيري: (7) 361. ثمامة بن شراحيل: (9) 360. ثمامة بن عبد اللَّه بن أنس: (7) 96، 97، 365، (12) 20، (14) 283. ثمامة بن عقبة: (2) 204. ثوبان: (2) 130، 134، (6) 319، (8) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 183 22، (9) 160، (11) 144، (12) 296، 312، 321، 370، 371، (14) 78، 95، 308، 309. ثور: (8) 196، (14) 197، 198. ثور بن يزيد: (3) 145، 293، 344، (5) 266، (6) 191، (9) 359، 360، (12) 152، 189، 215، 244، 247، 351، (13) 340، 341، (14) 152، 155. الثوري: (2) 155، (8) 85، (9) 33، 36، (11) 26، 125، 324، (12) 262، 296، (13) 7. الجيم جابر: (1) 124، 173، 238، (5) 12، (8) 6، 28، 58، 62، 64، 78، 79، 120، 121، 126، 313، 364، (9) 26، 30، 31، 36، 37، 89، 126، 131، 178، 271، 384، (11) 56، 72، 85، 123، 125، 147، 148، 255، 256، 257، 260، 262، 264، 265، 266، 267، 290، (12) 64، 66، 67، (12) 114، 115، 151، 168، 312، 313، 330، 388، (13) 12، (14) 13، 25، 50، 87، 94، 110، 112، 182، 194، 196، 213، 281، 294، 296، 297، 303، 449، 495، 496. جابر الجعفي: (6) 393، (7) 147، (11) 96، 110، (13) 11، 12. جابر بن زيد: (4) 301، (9) 369، (10) 220، (11) 79. جابر بن سليم: (6) 389، (7) 13، 61. جابر بن سمرة: (2) 152، 154، 157، 158، 167، 169، 171، 172، 205، 206، 259، 260، 386، (5) 54، 55، (7) 70، 102، 120، 121، 309، (9) 153، (11) 7، 75، 76، 142، (12) 33، 302، 303، 364، 369، (13) 20، 87، (14) 108، 186، 188. جابر بن أبي سلمى: (14) 31. جابر بن أبي صغيرة: (13) 12. جابر الطويل: (7) 352. جابر بن عبد اللَّه: (1) 51، 55، 162، 179، 201، 219، 228، 229، 282، (2) 148، 165، 166، 212، 234، 337، 345، 346، 251، 255، 260، 263، 283، (3) 11، 13، 14، 15، 30، 75، 140، 236، 283، 294، 311، 313، (4) 104، 116، 336، 337، 341، 342، 390، 391، 393، 394، (5) 26، 30، 34، 41، 46، 47، 75، 87، 88، 92، 137، 138، 154، 155، 156، 157، 198، 200، 201، 202، 220، 250، 275، 279، 280، 301، (6) 14، 45، 335، 367، 368، 382، 396، (7) 4، 241، 269، 270، 307، 289، 352، 360، (8) 134، 162، 170، 171، 186، 230، 231، 250، 255، 310، 357، 364، 379، (9) 25، 36، 80، 89، 83، 90، 122، 133، 135، 136، 179، 238، 275، (10) 29، 47، 74، 106، 108، 292، 298، 343، 376، 377، (11) 198، 263، 388، (12) 178، 196، 305، 370، (12) 289، 290، 311، 313، 388، (13) 35، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 184 68، 86، 109، 114، 115، 150، 177، 185، 268، 269، 272، 286، 287، 288، 289، 316، 317، 323، 345، 346، 348، 368، 369، 374. جابر بن يزيد بن الأسود: (2) 171. جابر بن يزيد بن الحارث: (13) 11. الجارود: (8) 234. الجارود بن أبي سبرة: (8) 167. الجارود بن عمرو بن حنش: (2) 99. الجارود العبديّ: (9) 143. جارية بن عامر بن مجمع: (2) 77. جامع بن حيران: (3) 350. جامع بن أبي راشد: (2) 283، (13) 195. جامع بن شداد: (5) 106، (6) 388، 393، (7) 285، (8) 310، 314، (14) 290. جابر بن سلمى بن مالك: (12) 94. جبارة بن المغلس: (3) 341، (10) 341، (11) 67، 79، 135. جبلة بن الأهتم: (3) 197. جبلة بن حارثة: (6) 304. جبلة بن عطية: (7) 119. جبلة بن مالك: (9) 283. جبير: (12) 359، 360. جبير بن إياس الزرقيّ: (8) 43. جبير بن زهير: (2) 88. جبير بن عقيل: (7) 168، 170. جبير بن محمود: (5) 17. جبير بن مطعم: (1) 22، 118، 165، (2) 16، 28، 351، 352، 353، (3) 196، (5) 25، 382، (9) 283، 285، (10) 173، (13) 277. جبير بن نفير: (8) 251، (12) 77، 319، 370، (14) 107، 192. جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة: (6) 184، 281. الجراح بن يحيى: (61) 126. جريج بن هلال الطائي: (2) 160. جرير: (8) 156، 293، (9) 119، 224، (11) 42، 176، 256، 257، 260، 288، 383، 388، (12) 55، 56، 169، 203، 227، 335، 253، 276، 302، 328، 346، 360، 384، (13) 12، 151، 195، 222، (14) 24، 135، 143، 161، 174، 188، 223، 278، 371، 512، 554، 555. جرير بن الأعمش: (2) 228. جرير بن حازم: (2) 237، 249، 271، 304، (5) 132، 220، 357، (6) 352، (7) 136، 137، 138، 329، (8) 58، 104، (10) 222، (11) 82، 271، (12) 51، 74، 168، (13) 297، 303، 304، (14) 204. جرير بن عبد الحميد: (3) 290، (4) 256، 312، (5) 80، 378، (9) 106، (10) 304، (12) 74، (13) 286. جرير بن عبد اللَّه: (2) 122، 221، 271، 303، (6) 382. جرير بن عبد اللَّه البجلي: (9) 152. جرير بن عثمان: (2) 161، (8) 313، (11) 223، (12) 256، 351. جرير بن منصور: (13) 89. الجريريّ: (8) 73، (11) 262، 290، 324، (12) 290، 311، 313، 349، (13) 88، (14) 194. جزء بن معاوية: (9) 369، 370. الجعد بن عبد الرحمن: (2) 172، (11) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 185 351، (14) 109. الجعد بن أبي عثمان: (5) 169. جعفر: (1) 38، 40، 320، (9) 36، 128، 289، (12) 169. جعفر بن أمية: (14) 290. جعفر بن إياس: (2) 228، (7) 392، (11) 178، (14) 285. جعفر بن برقان: (2) 195، (7) 392، (11) 96، (12) 22، (13) 215. جعفر بن عمرو بن حريث: (6) 366. جعفر بن الحسن: (5) 361. جعفر بن ربيعة: (3) 231، (5) 23. جعفر بن الزبير: (12) 89، (14) 504. جعفر بن سليمان: (2) 192، 212، 240، 281، 291، 318، (4) 113، (6) 120، (7) 92، 297، (8) 159، (9) 308، (12) 19، 81، 257، 277، (13) 209، (14) 611. جعفر بن أبي طالب: (1) 38، 41، 305، 319، 333، 338، 340، 342، 343، (2) 123، (4) 364، 365، 367، 368، 369، (5) 106، (6) 20، 91، 166، 168، 242، 273، 274، 276، (8) 135، 137، (9) 100، 116، 142، 287، (11) 310، (12) 357. جعفر بن عبد الرحمن الأنصاري: (11) 388. جعفر بن عبد اللَّه بن الحكم: (14) 203، 204. جعفر بن عبد الواحد: (10) 310. جعفر بن عكرمة: (8) 147. جعفر بن عمرو بن أمية: (4) 224، (6) 367، (7) 25، 284، (13) 280، 282. جعفر بن علي الزعفرانيّ: (11) 136. جعفر بن عوف: (2) 328، (5) 222، (11) 276. جعفر بن عون: (2) 220، (4) 224، (7) 225، (11) 129، (12) 15، 32، (13) 229، (14) 99. جعفر بن غياث: (11) 78. جعفر الفرياني: (15) 12. جعفر بن محمد: (1) 273، (2) 170، 224، 283، (3) 294، 317، (4) 311، (5) 247، 333، (6) 14، (7) 7، 56، 68، 117، 141، 147، (8) 296، 303، (9) 25، 29، 30، 36، 37، 98، 316، (10) 171، 377، (11) 78، 79، 80، 97، 295، (12) 221، (13) 23، 35، (14) 484، 562، 563، 575، 585. جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة: (9) 262. جعفر بن أبي المغيرة: (12) 164، 260. جعفر بن وثاب: (10) 372. جميع بن عمرو العجليّ: (2) 151، 177، 180، (12) 99. جميل بن الحسن: (5) 219. جميل بن مرة: (14) 151. جنادة بن مروان الأزدي: (2) 161. جندب: (12) 192. جندب بن الأعجم: (7) 171. جندب بن جنادة: (1) 259، (8) 229، (12) 276. جندب بن أبي سفيان: (2) 269. جندب بن عبد اللَّه: (12) 387. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 186 جندب بن مكيث الجهنيّ: (1) 336. جهيم بن الصلت: (1) 90، (2) 66. جهينة بن زيد: (4) 12. جويبر: (8) 275، (11) 119، 142، 163. جويبر بن عبد اللَّه: (4) 398. الجلاس بن سويد بن الصامت: (2) 53، 76. الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة: (1) 142. الحاء حاتم بن إسماعيل: (2) 172، (5) 34، 89، 145، 171، 386، (6) 368، (7) 351، (9) 25، 29، 32، 303، 304، 306، (10) 72، 73، (11) 286، (12) 16، 39، 82، (13) 35. حاجي سليمان: (7) 338. الحارث: (1) 79، 204، (9) 253، (12) 346، 365، 366، (13) 336، (14) 203. الحارث بن أسد: (6) 192. حارث بن إسماعيل: (12) 89. الحارث الأعور: (11) 54. الحارث بن أوس: (1) 125، 126، 254، (2) 26، (12) 181، 183، 189. الحارث بن أبي أسامة: (2) 237، 384، (3) 19، 70، 96، 294، (4) 54، 354، (5) 135، 204، (9) 89، (11) 372، (12) 76، 117، 320. الحارث بن بلال: (7) 259، (9) 360. حارث بن ثعلبة: (9) 170. الحارث بن الجبلة: (9) 173. الحارث بن حاطب: (1) 112. الحارث بن حرب بن أمية: (6) 256، 282. الحارث بن حسان: (7) 163. الحارث بن حصين: (5) 69. الحارث بن خزامة: (2) 56، (3) 355، (5) 117. الحارث بن الخزرج: (9) 189. الحارث بن زمعة بن الأسود: (1) 37. الحارث بن سليمان الكوفي: (12) 332. الحارث بن سويد: (10) 10، 11، 365، (12) 219، (14) 127، 513. الحارث بن أبي شمر: (1) 304، 305، (2) 31، (7) 142. الحارث بن الصمة: (1) 112، 148، 153، 155، 156، 167، 182، 183، (7) 189، 2789. الحارث بن أبي ضرار: (8) 370، (13) 315. الحارث بن أبي طلحة: (1) 141، 142. الحارث بن عامر بن نوفل: (1) 42، 87، 88، 89، 108. الحارث بن العباس: (6) 276. الحارث بن عبد الرحمن: (5) 181، (14) 63. الحارث بن عبد العزى: (1) 11، (4) 87. الحارث بن عبد اللَّه: (10) 48. الحارث بن عبد اللَّه الأزدي: (3) 398. الحارث بن عبد اللَّه بن كعب: (7) 188، 238. الحارث بن عبد المطلب: (4) 72، (6) 277، (9) 286. الحارث بن عبيد الإيادي: (8) 258. الحارث بن عبيد بن عمرو: (6) 193. الحارث بن عمرو السهمي: (2) 205. الحارث بن عمير الأزدي: (1) 337، 339، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 187 (13) 359. الحارث بن عوف: (1) 224، 239، (7) 188، (9) 252، (13) 332، 336. الحارث بن الفضل: (9) 107. الحارث بن فهر: (12) 169. الحارث بن القاسم: (12) 309. الحارث بن قيس: (1) 41، (8) 44. الحارث بن كعب: (6) 244. الحارث بن مالك: (7) 171. الحارث بن مالك بن البرصاء: (12) 38، (13) 382. الحارث بن مالك بن قيس: (1) 335. الحارث بن مرة الجهنيّ: (14) 486. الحارث بن مسكين: (4) 250، (11) 17، (12) 283. الحارث بن مسلم: (7) 86. الحارث بن نبهان: (13) 213. الحارث بن نوفل بن الحارث: (2) 14، (6) 157، 269. الحارث بن هشام: (1) 90، 105، 348، (2) 29، 114، 234، 379، (3) 45، (6) 242، (9) 189، (12) 145، 148، 229. الحارث بن أبي هالة: (6) 297، (9) 91. الحارث بن يزيد: (2) 71، 220، (3) 314، (5) 114، (12) 387. حارثة: (1) 103. حارثة بن ثعلبة: (9) 173. حارثة بن الحارث بن الخراج بن عمرو بن مالك: (9) 175. حارثة بن سراقة: (1) 103، (5) 142، 143. حارثة بن شراحيل: (6) 305. حارثة بن عمرو: (4) 404. حارثة بن مضرب: (2) 209، 313، 314، (11) 295، (12) 138، 168. حارثة بن النعمان: (2) 14، (10) 93. حارثة بن وهب الخزاعي: (7) 344. حازم بن بكر: (11) 136. حازم بن عقال: (3) 350. حازم بن الفضل: (10) 378. حاطب بن الحارث الجمحيّ: (9) 100. حامد بن يحيى: (10) 354. حباب: (9) 53، 243، 254. الحباب بن المنذر: (1) 97، 100، 109، 132، 135، 146، 148، 158، 251، 309، 312، 325، (2) 12، 51، (7) 165، 166، 167، 168، 170، 171، (8) 341، (9) 38، 252، 231، 236، 243، 260، 261، 263، 264، (12) 159. حبان: (9) 124. حبان بن أغلب: (5) 238. حبان بن علي: (4) 119. حبان بن قيس: (8) 374. حبان بن موسى: (3) 236. حبان بن يسار الكلابي: (11) 36. حبة العرني: (12) 202. حبة بن خالد: (2) 223. حبيب: (12) 99، 323. حبيب بن إساف: (4) 396، (9) 199. حبيب بن أوس: (4) 466، (9) 144. حبيب بن أبي ثابت: (5) 131، 132، 377، (7) 83، 84، 105، 106، (11) 280، (12) 77، 199، 205، 257، 309. حبيب بن الحسن: (5) 231. حبيب بن زيد بن عاصم: (1) 162. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 188 حبيب بن سالم: (5) 297. حبيب بن سلمة الفهري: (12) 294. حبيب بن الشهيد: (6) 381، (7) 290، (8) 28، 29، 31، (9) 34، (10) 222، (14) 294. حبيب بن العباس: (6) 166. حبيب بن عبد الرحمن: (10) 351. حبيب بن عتبة: (1) 263، (1) 264. حبيب بن عدي: (9) 153. حبيب بن عمر الأنصاري: (2) 270، 300. حبيب بن عمر السلاماني: (14) 305. حبيب بن أبي عمرو: (9) 176، 180، (14) 168، 169. حبيب بن فديك: (11) 329. حبيب بن مسلمة: (9) 144. حبيب بن ميسرة: (4) 79. حبيب بن أبي مرزوق: (3) 68، 69، 70. حبيب بن وهب: (2) 142. حبيب بن يسار: (7) 316، (12) 203. حبيش بن خالد: (5) 207. حجاج: (9) 86، 250، 275، (14) 174. الحجاج بن أرطاة: (6) 88، 287، 367، (10) 356. الحجاج بن الأسود: (10) 300. حجاج بن تميم: (12) 298، 299، 363، 364. حجاج بن دينار: (9) 93. حجاج بن أبي زينب: (7) 270، (14) 281. حجاج بن الشاعر: (5) 168. حجاج الصواف: (4) 113. الحجاج بن عامر بن حذيفة: (1) 41. الحجاج بن عمرو بن شعيب: (6) 285، 286. الحجاج بن أبي عثمان: (4) 135، (8) 162. حجاج بن محمد: (2) 258، (4) 312، (5) 138، (7) 111، 113، 114، (10) 234، (12) 273. حجاج بن منهال: (2) 215، (3) 169، (4) 243، (5) 254، (11) 312، 321، 324، (13) 353. الحجاج بن يوسف: (4) 407، (12) 249، 250، 256، 258، (13) 213. حجر بن حجر: (3) 145، (12) 351. حجين بن عبد اللَّه: (7) 25. حجين بن المثنى: (13) 202. حذيفة: (1) 48، 145، (8) 82، 83، 89، 190، 257، (9) 128، 323، 325، 326، 328، 344، 365، (11) 108، (12) 120، 265، 266، 267، 309، 311، 320، 373، (13) 127، 194، 195، (14) 72، 173، 174، 175، 176، 204، 205، 341. حذيفة بن أسيد الغفاريّ: (12) 378. حذيفة بن بدر: (6) 238. حذيفة بن محصن الغفاني: (14) 234. حذيفة بن المغيرة: (1) 15، (6) 184، 220. حذيفة بن اليمان: (1) 146، 242، (2) 74، 75، (3) 288، (4) 254، 397، (5) 25، (7) 25، 240، (9) 144، 322، 366، 381، (11) 383، 385، 386، (12) 202، 265، 382. الحر بن الصباح: (5) 204. حرام بن هشام: (1) 182، (5) 207، (10) 254، (12) 95. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 189 حرب: (12) 196. حرب بن أمية: (1) 224. حرب بن شداد: (4) 336. حرب بن شريح: (3) 293. حرب بن ميمون: (5) 168. حرملة: (11) 6، (12) 219، (14) 127. حرملة بن عمران: (12) 233، (14) 140، 185. حرملة بن عمرو: (1) 109. حرملة بن يحيى: (2) 157، (8) 74، (9) 326. حرمي بن عمارة: (10) 190، (11) 346، (12) 227، (14) 135. حريث بن عبد الملك: (2) 63. حزام بن حجال: (2) 254. حزام بن سعد بن محيصة: (9) 281. حزام بن هشام: (4) 80، 212، (10) 49. حزن بن أبي وهب بن عمرو: (1) 271. حسان: (1) 100، 120، (2) 40، 41، 63، (8) 72، (12) 118، 181. حسان بن إبراهيم: (5) 377، (12) 285. حسان بن ثابت: (1) 143، 166، 216، 217، 219، 226، 397، (3) 351، (5) 206، 340، (6) 130، 171، 228، 230، 343، 344، 345، (9) 110، 112، 153، (10) 38، 39، 41، 422، (12) 101، 180، (13) 387، (14) 356. حسان بن حريث: (4) 238. حسان بن الدحداح: (1) 303. حسان بن سياه: (7) 318. حسان بن عدي: (11) 148. الحسن: (8) 201، 284، 296، 297، 364، (9) 74، 87، 88، 216، 221، 275، (11) 36، 42، 45، 55، 64، 71، 82، 101، 122، 151، 322، (12) 145، 176، 197، 202، 206، 207، 223، 238، 257، 274، 286، 311، 323، 334، 335، 383، (13) 25، 34، 40، 65، 80، 117، 149، 174، 222، 231، 237، 287، 351، 353، (14) 190، 213، 220، 407، 460، 464، 508، 552، 564، 575، 589. الحسن بن أحمد بن إبراهيم: (11) 328. الحسن بن البراء: (11) 46. الحسن بن بشر: (5) 252، (13) 263. الحسن البصري: (3) 291، (4) 302، 316، 317، (9) 69، (10) 376. الحسن بن ثوبان: (8) 160. الحسن بن جابر: (3) 147، (12) 362. حسن الجعفي: (4) 248، 314. حسن بن الحباب: (4) 324. حسن الحداء: (9) 310. الحسن بن الحر: (11) 95، 100، 101. الحسن بن حماد: (7) 298، (14) 301. الحسن بن حماد الوراق: (2) 339. الحسن بن الحيان: (4) 324. الحسن بن حيي: (7) 4. الحسن بن أبي الحسن البصري: (3) 329، (4) 300، (5) 361. الحسن بن دينار: (8) 140. الحسن بن ذكوان: (3) 263، 264. الحسن بن الربيع: (2) 340. الحسن بن سعد: (4) 325، (5) 225، 249، 274. الحسن بن سفيان: (2) 340، (3) 317، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 190 364، (4) 100، 113، (5) 219، 248، (12) 301، (13) 294. الحسن بن شاذان: (11) 38. الحسن بن شبيب المهري: (11) 96. الحسن بن صالح: (2) 332، (6) 378، (7) 82، (14) 575، 580. الحسن بن الصباح: (11) 59. الحسن بن عبد اللَّه النخعي: (5) 378. الحسن العبسيّ: (12) 235. الحسن بن عبيد اللَّه: (11) 372. الحسن بن عبيد اللَّه بن حنين: (12) 149. الحسن بن عرفة: (4) 57، (5) 284، 385، (7) 316، (11) 54، 122. الحسن بن عطية: (4) 311. الحسن بن علي: (1) 130، (2) 95، 152، 155، 177، 180، 255، (4) 291، 394، (5) 20، 249، 352، 356، 357، 358، 361، 375، 384، 385، 386، (6) 7، 8، 9، 10، 11، 17، 18، 20، 309، 331، (7) 56، 322، 323، (9) 139، (10) 52، 122، 183، (11) 68، 69، 213، 231، (12) 205، 206، 274، 291، 357، (13) 83، 230، (14) 507. الحسن بن عمارة: (2) 271، 304، (4) 5، 121، (7) 149، 194، (12) 44، 167. الحسن بن عمران: (8) 122. الحسن بن عمرو الفقيمي: (12) 379. الحسن بن عيسى: (4) 330. الحسن بن قتيبة: (10) 300. الحسن بن محمد: (4) 130، (11) 136، (13) 378. الحسن بن محمد بن أعين: (5) 189. الحسن بن محمد بن حبيب: (14) 462. الحسن بن محمد الزعفرانيّ: (11) 26. الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب: (2) 341، (4) 104، 322. الحسن بن مكرم: (11) 100. الحسن بن مهران: (7) 262. حسن بن موسى: (10) 170. الحسن بن واقد: (2) 223، (7) 292. الحسن بن يحيى: (13) 192. حسيل بن جابر بن عمرو بن ربيعة: (1) 145، (9) 322. حسيل بن نويرة: (1) 255، 330، (9) 262. الحسين: (9) 213، 221، (11) 82، (12) 222، 342. الحسين بن إسماعيل: (3) 51. الحسين بن بيان: (3) 253. الحسين بن جعفر: (14) 574. الحسين بن حريث: (11) 50، (14) 197. الحسين بن الحسن: (5) 361. الحسين بن حفص: (12) 309. الحسين بن حماد: (10) 88. الحسين بن حميد بن الربيع: (5) 211. الحسين بن ذكوان: (9) 63. الحسين بن زيد: (11) 178. الحسين بن سعد: (5) 275. حسين بن صالح بن أبو الدواهي: (5) 310. حسين بن عبد اللَّه: (2) 344، (5) 74، 310، (6) 324، (7) 239، (12) 16. حسين بن عبد اللَّه بن عباس: (8) 315. حسين بن عبد اللَّه ضمرة: (6) 53. حسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه: (6) 310. الحسين بن عرفة: (10) 300. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 191 الحسين بن علي: (1) 196، (2) 178، (4) 406، (5) 352، 356، 357، 358، 363، 364، 365، 384، 385، 386، (6) 7، 8، 9، 10، 11، 17، 18، 19، 20، 151، 269، 292، 296، (7) 56، 323، (9) 139، 209، (10) 165، 183، 372، (11) 76، 78، (12) 235، 236، 237، 238، 239، 240، 241، 242، 243، 249، 250، 251، 253، 271، 357، (14) 146، 148، 149، 150، 297. حسين بن علي الجعفي: (10) 296، (11) 60، 61، 62، 63. حسين بن علي بن حسين: (3) 75، 76. الحسين بن علي بن أبي طالب: (3) 189، (4) 291، 322. الحسين بن علوان: (2) 207، (5) 302، 303، (7) 87. الحسين بن فرج: (14) 470. حسين بن محمد: (3) 207، (12) 71، (13) 263. حسين بن مصعب: (10) 157. حسين المعلم: (8) 87، (9) 212. الحسين بن مكرم: (11) 38. الحسين بن واقد: (2) 273، 307، (5) 183، 195، (6) 338، (7) 164، 303، (9) 202، (11) 286، 346، (12) 78، (14) 296. حصين: (8) 127، (9) 107، (12) 290، 302، (13) 376، 378، (14) 514. الحصين بن الحارث: (6) 169. حصين بن سبرة: (5) 375، 376. حصين بن عبد الرحمن: (4) 82، (11) 70، 364، 365. الحصين بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ: (9) 185. حصين بن المنذر: (13) 218. حصين بن نمير: (2) 76. حطان بن عبد العزيز: (4) 291. حطان بن عبد اللَّه: (3) 46. حفص: (13) 23. حفص بن خباب: (12) 386. حفص بن سليمان: (4) 309، 310. حفص بن عاصم: (10) 351. حفص بن عبد اللَّه بن أنس: (5) 123. حفص بن عبيد اللَّه: (5) 46، (12) 299. حفص بن عمر: (5) 257، (12) 335. حفص بن عمران: (12) 242، (14) 150. حفص بن عياش: (7) 144. حفص بن غياث: (4) 192، 195، (5) 191، (6) 368، 382، (7) 314، (11) 80، (12) 387، (13) 24، 194، (14) 578. حفص بن المغيرة: (6) 226. حفص بن يزيد: (12) 218. الحكم: (8) 294، (9) 35، 37، 238، (11) 22، 25، 26، 290، 278، 280، 289، (12) 99، 167، (13) 102، 230، (14) 407. الحكم بن أبان: (3) 112، 239، (4) 57، (10) 310. الحكم بن أيوب: (7) 206. حكم بن سعد: (6) 319. الحكم بن سليم: (10) 144. الحكم بن عتيبة: (3) 314، (4) 121، 253، (5) 271، (9) 34، (10) 304، (11) 47، (12) 44، (13) 13. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 192 الحكم بن عبد اللَّه بن عبد الأعلى: (40) 12. الحكم بن عمرو الغفاريّ: (9) 146. الحكم بن عمرو بن وهب: (85) 2. الحكم بن القاسم: (14) 503. الحكم بن كيسان المخزومي: (1) 76. الحكم بن موسى: (4) 54. الحكم بن نافع: (4) 54، (10) 345. حكيم بن جابر: (7) 275، 276، (14) 285. حكيم بن جبير: (7) 345، (11) 287. حكيم بن حزام: (1) 15، 44، 86، 88، 101، 102، 108، 358، 359، 360، 387، (2) 12، 28، 29، (3) 327، (4) 79، 238، (6) 302، 398، (7) 4، (9) 297، (12) 7، (14) 8. حكيم بن حكيم: (3) 72، (13) 374. حكيم بن سعد بن أبي يحيى: (8) 154. حكيم بن سيف: (10) 357. حكيم بن شعبة: (10) 357. حكيم بن عبد اللَّه بن قيس: (11) 122. حكيم بن عطاء: (4) 18. حكيم بن عمير: (11) 223. حكيم بن معاوية: (3) 339. حلس بن أيوب: (7) 18. الحليس بن علقمة بن عمرو: (1) 287. حماد: (1) 18، (8) 59، 72، 153، 200، 203، 218، 281، (9) 241، 271، 349، (11) 45، 263، (12) 142، 224، 241، 272، 292، 295، 371، (13) 40، 60، 175، 188، 226، 353، (14) 61، 112، 113، 132، 149، 150، 190، 216، 508، 548. حماد بن ثابت: (2) 298. حماد بن خالد: (2) 285، (8) 35. حماد بن زيد: (2) 195، 196، 200، 203، 208، 244، 248، (3) 204، 294، (4) 347، 365، (5) 25، 84، 185، 220، 241، (7) 18، 40، 84، 103، 105، 235، 237، 253، 375، (8) 75، 85، 257، (9) 316، 317، 349، (10) 75، 140، 204، 246، 252، 293، 345، 346، 356، 357، 378، 379، (11) 36، 41، 79، 235، 272، 302، 339، (12) 241، 243، 277، 321، 370، 371، 372، 376، 377، (13) 138، 225، 358، 361، (14) 10، 58، 149، 151، 175، 499، 550، 572. حماد بن سلمة: (11) 41، 66، 82، 197، 232، 312، 321، 324، 326، 381، (12) 14، 141، 160، 220، 241، 292، 302، 310، 323، 331، 347، 377، 383، (13) 158، 184، 261، 263، 347، 380، (14) 63، 90، 101، 128، 149، 207، 215، 269، 304، 547، 580. حماد بن أبي سليمان: (11) 154. حماد بن شعيب: (3) 232، (4) 309. حماد بن أبي عمران: (2) 384. حماد بن مسعود: (11) 20. حماد بن واصل: (12) 206. حمد بن عبد الرحمن: (7) 345. حمران بن أعين: (4) 311. حمزة: (1) 104، 106، 109، 134، 141، 166، 167، 168، 169، 172، 173، 174، 175، 176، 178، 237، 333، (2) 17، (8) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 193 100، (11) 47. حمزة بن أبي أسيد الأنصاري: (5) 235. حمزة بن جندب: (8) 103. حمزة بن حبيب: (14) 192. حمزة بن الحسن: (5) 361. حمزة الزيات: (2) 159. حمزة بن صهيب: (3) 325. حمزة بن عبادة: (1) 133. حمزة بن عبد اللَّه: (12) 390. حمزة بن عبد اللَّه بن الزبير: (8) 354. حمزة بن عبد المطلب: (1) 10، 12، 42، 43، 71، 73، 74، 103، 123، 142، 168، (2) 270، 302، 303، (3) 323، 401، (4) 118، 360، (5) 174، (6) 20، 164، 274، 275، 276، 279، 280، 307، (7) 165، 199، (9) 102، 226، 249، (12) 158، 201. حمزة بن عبد الواحد: (10) 174. حمزة بن عمر: (13) 60. حمزة بن عمرو الأسلمي: (1) 282، (2) 74، 82، (4) 394، (5) 323، 324، (7) 240، (13) 323، 324. حميد: (8) 58، 72، 77، 87، (9) 241، 271، (12) 60، 323، 342، 383، (14) 74، 75، 77، 112، 460، 461، 464، 465، 470، 552، 553، 565. حميد الأعرج: (13) 58. حميد بن الربيع: (2) 200، (12) 253. حميد بن أبي رزين: (11) 69. حميد بن عبد الرحمن: (2) 270، 302، (3) 125، 402، (4) 37، (7) 75، (8) 162، (11) 304، 305، (14) 320، 321، 580. حميد بن عبد اللَّه بن الأصم: (10) 165. حميد الطويل: (2) 176، 216، (9) 34، 269، (10) 45، 46، 225، (12) 19، 20. حميد بن قيس: (4) 298، (11) 177. حميد بن مسعدة: (11) 143. حميد بن هلال: (2) 318، (4) 372، 375، (5) 326، (7) 11، 32، 126، 128، (12) 267، 273، (13) 297، 361، 362، (14) 372، 565. الحميدي: (11) 301، 344، (12) 252، 324، (14) 158، 160، 607، 624. حنبل: (59) 12. حنبل بن إسحاق: (12) 110. حنش: (11) 295، (14) 542. حنش بن عوف بن عمرو بن عوف: (9) 175. حنش بن المعتمر الكتاني: (11) 178. حنظلة: (1) 114، 130، 171، (8) 159، (12) 300. حنظلة بن حذيم: (11) 356، 357. حنظلة بن الربيع: (9) 334. حنظلة بن أبي سفيان: (1) 85، (2) 263، (5) 154، (6) 186، 256، 261. حنظلة بن أبي عامر: (1) 163، (13) 260، 261. حويطب بن عبد العزى: (1) 280، 291، 293، 295، 296، 324، 334، 348، (2) 29، (6) 91، 136، 160، (7) 243، (9) 298. حيّ بن خثعم: (1) 337. حيي بن السباق: (3) 252. حيي بن عبد اللَّه: (8) 87. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 194 حيان بن علي: (5) 42. حيان بن مازن: (4) 7. حيوة: (11) 121، 122، (12) 231، (13) 173. حيوة بن شريح: (9) 54، (10) 158، 307، (11) 54، (12) 293، (13) 212. الخاء خارجة بن إبراهيم: (3) 324. خارجة بن الحارث: (13) 316، 321. خارجة بن حصن: (5) 129. خارجة بن زيد: (1) 68، 159، 165، 259، (2) 206، (3) 51، (4) 246، 314، (5) 41، 117، (6) 208، (11) 233، (13) 167. خارجة بن عبد اللَّه بن كعب: (4) 97، (9) 254، (13) 311. خارجة بن مصعب: (5) 332، (10) 263. خالد: (8) 27، (9) 98، 119، 241، 272، 274، (11) 119، (12) 14، 15، 137، 198، 285، (13) 88، 152. خالد بن أسلم: (5) 370. خالد بن أسيد: (1) 333، 396، (8) 151، 152، (13) 385. خالد بن إياس: (14) 304. خالد بن أبي أمية: (6) 329. خالد بن جعفر: (94) 12. خالد بن الحارث: (8) 78، (11) 269، (12) 20، 197، (13) 210، 211، (14) 514. خالد الحذاء: (8) 7، (12) 197، 296، 297. خالد بن حيان: (11) 96. خالد بن خداش: (5) 287، (7) 47. خالد بن ذكوان: (4) 221، (9) 329. خالد بن رباح: (13) 334. خالد بن زيد: (1) 67، (10) 86، 87، (11) 65. خالد بن سعيد: (2) 6، 21، 23، 86، 87، 98، (4) 14، (6) 65، 74، 312، (7) 46، 142، (8) 12، (9) 98، 101، 334، 376، (14) 11. خالد بن سلمة: (10) 311، (11) 34، 35. خالد بن شمير: (5) 106، (13) 363. خالد الأشعري الخزاعي: (1) 388. خالد بن طهمان: (2) 212. خالد الطحان: (5) 298. خالد بن عبادة الغفاريّ: (1) 284. خالد بن عبد الحويرث: (12) 246، (14) 154. خالد بن عبد الرحمن: (10) 220. خالد بن عبد اللَّه: (2) 158، 316، (5) 25، (6) 384، (7) 286، (9) 274، (10) 174، (12) 301، 302، (14) 292. خالد بن عبد قيس: (5) 343. خالد بن عرفطة: (4) 247. خالد بن أبي عمران: (4) 314، (14) 542. خالد بن قيس: (7) 52، 325. خالد بن اللجلاج: (8) 130، 132. خالد بن مخلد: (11) 33، 49، 93، 94، (13) 187، (14) 517. خالد بن مسلم الزنجي: (13) 371. خالد بن معدان: (3) 145، (5) 267، (6) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 195 191، (7) 338، (8) 86، (11) 140، (12) 215، 284، 285، 319، 351، 352. خالد بن نافع: (12) 218. خالد بن هشام بن المغيرة: (6) 228. خالد بن الواشمة: (12) 193. خالد بن الوليد: (1) 138، 145، 146، 156، 165، 198، 234، 235، 237، 242، 279، 281، 292، 335، 341، 343، 356، 358، 362، 363، 364، 366، 384، 385، 386، 387، 392، 394، (2) 7، 12، 18، 22، 24، 62، 63، 64، 65، 94، 102، 116، (4) 362، 367، 397، 404، (5) 245، (6) 2، 90، 152، 170، 224، 243، 248، 249، 271، (7) 187، 211، 250، 304، 305، 306، 307، 371، 373، 374، (8) 136، (9) 9، 118، 154، 229، 235، 258، 334، 373، (10) 20، 21، 50، (12) 11، 133، (13) 195، (14) 48، 49، 50، 51، 191، 217، 231. خالد بن وهبان: (12) 307. خالد بن يحيى: (7) 56. خالد بن يزيد: (2) 144، (5) 119، 171، (6) 372، (7) 307، 364، (8) 126، (10) 30، (11) 39، 315، (12) 193، 220، (13) 202، (14) 128. خباب: (9) 106، 114. خباب بن الأرت: (3) 400، 401، (9) 100، 108، 154، 290، (14) 177. خبيب: (1) 187. خبيب بن عبد الرحمن: (11) 340، 344. خبيب بن عدي: (1) 183، 185، 258. خبيب بن يساف: (1) 68، 93، 108، 109، (10) 11. خديج بن معاوية: (11) 361. خراش بن أمية: (1) 288، 298، (35) 2، (10) 49، 50. خراش بن الصمة: (1) 179، (6) 283. خراش بن المغيرة: (6) 224. خرشة بن الحر: (8) 83، (12) 227. خريم بن أوس: (3) 193. خريم بن فاتك: (3) 403. خزام بن خالد: (2) 76، 78. خزيمة بن ثابت: (1) 344، (2) 81، (4) 246، (7) 194، 195، 196، (12) 100. الخطاب: (11) 4. الخطاب بن الحارث: (9) 100. خطاب بن عبد اللَّه: (12) 323. خطاب بن عمير: (5) 325. خطمة: (9) 175. خفاف ابن ندبة: (1) 366، (9) 235. خلف بن خليفة: (5) 225، 230، 257، (12) 339. خلف بن عوف بن دارم: (9) 228. خلف بن هشام: (3) 228، (4) 311. خلف بن الوليد: (5) 225. خلف بن وهب بن حذافة: (41) 1. خليفة بن ثعلبة: (3) 354. خليفة بن خياط: (11) 91. خنيس بن جابر: (300) 1. خنيس بن حذافة بن قيس: (6) 46، 48، 49، 50، (9) 100، 191، (10) 258. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 196 خوّات بن جبير: (1) 112، 119، 233، 267، (2) 256، (10) 7. خولى بن أبي خولى: (9) 191. خويلد بن عثمان: (6) 376. خويلد بن أسد بن عبد العزى: (6) 175، 176، 177. خويلد الضمريّ: (4) 15. خلاد بن رافع: (1) 93، (5) 139. خلاد بن سويد: (1) 251، 252، (5) 97. خلاد بن عباد الغفاريّ: (5) 110. خلاد بن عمرو: (1) 161، 162. خلاد الواسطي: (11) 344. خلاد بن يحيى: (14) 102. خلاد بن يزيد: (4) 319. خيثمة بن أبي سبرة: (9) 325. خيثمة بن عبد الرحمن: (11) 188، (13) 229. خيثمة بن يوسف: (11) 275. الدال داود: (8) 290، (12) 290، 302. داود بن بكر: (7) 24، (10) 174. داود بن الجراح: (11) 67. داود بن الحصين: (2) 345، 385، (3) 326، 354، 355، (5) 44، 63، (6) 285، 286، 287، (8) 182، (9) 52، 114، 243، 254، 276، (12) 126، 127، (13) 287، 319، (14) 14، 49، 566. داود بن خالد: (5) 236، (13) 374. داود بن رشيد: (2) 264، (12) 293، (14) 302. داود بن سعيد بن حيان: (12) 332. داود بن أبي صالح: (12) 383. داود بن عبد الرحمن: (12) 294. داود بن عبد اللَّه: (3) 289. داود بن أبي عبد اللَّه: (2) 193. داود بن أبي عروة: (6) 162. داود العطار: (2) 340. داود بن علي: (4) 317، (12) 78. داود ابن علية: (2) 263. داود بن عمر الضبي: (14) 222. داود بن أبي عوف: (9) 319. داود بن فراهيج: (5) 27. داود بن قيس الفراء: (10) 92، 98، 176، 177، (11) 20، 37. داود بن المحبر: (2) 384، (3) 19، (4) 354، (5) 333، (12) 225، (14) 133. داود بن محمد: (2) 157. داود بن مهران: (2) 340. داود بن أبي هند: (3) 58، 94، (4) 40، 56، 92، 128، 192، 237، 238، 289، (5) 24، 243، (8) 74، 289، (9) 371، (10) 159، 207، (11) 232، (12) 128، 318، 333، 370. داود الواسطي: (12) 267. داود الوراق: (14) 64. داود بن يزيد: (3) 289، 239. دحيم: (11) 145. دحية بن خليفة: (1) 304، (6) 88. دخين الحجري: (12) 98. دراج أبو السمح: (11) 151. درست بن حمزة: (11) 91. درست بن زياد: (10) 326. دريد بن الصمة: (2) 9، 19. دعثور بن الحارث بن محارب: (12) 190. دكين بن سعيد: (5) 178. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 197 دلهم بن صالح: (7) 15، 25. ديلم بن غزوان: (14) 96. الذال ذؤيب بن حبيب بن طلحة: (7) 253، 254. ذكوان: (9) 90، 118، (11) 86، (12) 73، (14) 61. ذكوان بن عبد قيس: (1) 51، 116، 136. الذيال بن حرملة: (4) 341، 342. الذيال بن عسكر بن حنظلة: (11) 355، 356. الراء راشد بن سعد: (5) 266، (12) 209، 275، (14) 418. راشد بن داود الصنعاني: (14) 94. راشد بن عبد ربه: (4) 18. رافع بن خديج بن رافع: (1) 82، 136، (2) 69، (3) 326، (4) 406، (8) 22، (9) 84، 86، 134، 155، (11) 316، (12) 229، (13) 316، (14) 137، 229. رافع بن سلمة بن زياد: (11) 272. رافع بن سهل بن رافع: (1) 179. رافع بن عمير: (4) 30. رافع بن مالك بن العجلان: (1) 51، 55. رافع بن مكيث الجهيني: (1) 344، 373، (2) 47، 67، (7) 169، 171. رباح: (9) 109. رباح بن الأسود: (6) 354. رباح بن الحارث بن مجاشع: (2) 38. رباح بن صالح بن عبيد اللَّه بن أبي رافع: (5) 12. رباح بن عبيدة: (7) 339. رباح بن المثنى: (12) 391. رباح بن مسلم: (4) 79. ربعي: (8) 82، 83، (12) 218. ربعي بن إبراهيم: (11) 72. ربعي بن الجارود: (8) 167. ربعي بن خراش: (3) 271، 289، (6) 210، (11) 290، (12) 217، (13) 205. ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدريّ: (2) 259، (9) 328. الربيع: (8) 299، (12) 320، 326. الربيع بن أنس: (3) 224، 228، 353، (4) 292، (5) 247، (8) 268، 299، (13) 117، (14) 179، 180. الربيع بن بدر: (5) 332، (8) 186، (10) 217. الربيع بن حماد: (8) 162. الربيع بن خيثم: (4) 305. الربيع بن ربيعة بن رفيع: (2) 19. ربيع بن ربيعة بن مسعود: (4) 23. الربيع بن زياد الحارثي: (7) 117. الربيع بن سليمان: (8) 317، (12) 131. الربيع بن صبيح: (6) 376، (7) 75، 79، 123، 237. ربيع بن عبد الرحمن بن أبو سعيد: (7) 62. الربيع بن مسلم: (3) 304، (11) 218، 220، (13) 85. ربيع بن منذر الثوري: (13) 187، 188. الربيع بن نافع: (14) 78، 79، 94. الربيع بن النعمان: (3) 341. ربيعة: (2) 155، 162، (9) 360، (14) 551، 552. ربيعة بن أكتم: (7) 397. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 198 ربيعة بن أبي البراء: (7) 198. ربيعة بن الحارث: (2) 14، (5) 379، 381، (6) 277، (9) 282، 285، 286، 287. ربيعة بن حنظلة: (6) 256. ربيعة بن رباح بن أبي ربيعة: (6) 274. ربيعة بن سيف: (13) 202. ربيعة بن عباد: (8) 315. ربيعة بن عبد الرحمن: (9) 320، (11) 201، (13) 212. ربيعة بن عبد اللَّه بن الهدير: (4) 93. ربيعة بن أبي عبد الرحمن: (2) 154، (5) 169، (7) 69، (9) 358، (12) 287. ربيعة بن عثمان: (1) 282، (13) 359. ربيعة بن كعب: (6) 350، (9) 84، 353. ربيعة بن لقيط: (13) 202، 366. ربيعة بن ناجز: (5) 176. ربيعة بن نضر: (4) 23، 27. ربيعة بن المغيرة: (6) 154. ربيعة بن يزيد: (13) 202، 203. رجاء بن جميل: (7) 259. رجاء بن حيوة: (12) 51. رشدين بن سعد: (2) 156، (11) 155، (12) 297. رشدين بن كريب: (7) 365، 366. رشيد الفارسيّ: (1) 160. رفاعة: (12) 221. رفاعة بن رافع: (1) 93، 98، (12) 159. رفاعة بن زيد: (1) 211، (6) 321، 322، (13) 343. رفاعة بن سموأل: (1) 251. رفاعة بن شداد: (12) 251، (14) 159. رفاعة القتباني: (12) 251، 252. رفيع بن مهران: (4) 292. رماد: (12) 342. رميح الجذامي: (12) 381. روح: (11) 31، (12) 160. روح بن سيار: (9) 162. روح بن عائذ: (7) 242. روح بن القاسم: (10) 216، (11) 326، 327، (14) 106. روح بن عبادة: (2) 337، (7) 79، (8) 11، 22، 75، (10) 125، (11) 242، 243، (12) 160، (13) 68، (14) 546، 548. روح بن مسافر: (3) 226. رويفع بن ثابت: (2) 43، (9) 160، (11) 92. الزاي زائدة: (9) 97، 326، (12) 251، (14) 454، 455. زائدة بن قدامة: (5) 305، (14) 463. زاخر بن سليمان: (5) 106. زامل بن عمرو: (7) 220. زاهر بن مخلد: (9) 47. زائد بن الحباب: (12) 362. زياد بن العلاء بن عمار: (4) 302. زبان بن فائد: (12) 385. زبان بن يزيد: (14) 292. الزبرقان بن بدر: (2) 38، 39، 101. الزبير: (1) 84، 96، 106، 159، 236، 311، 314، 315، 352، 384، 388، (2) 51، (9) 83، 123، 125، 137، 287، 288، 361، 362، 363، 378، 379، (11) 222، 227، (12) 38، 193، 196، (13) 4، 222، 227، 230، 231، 235، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 199 236، 237، 238، 239، 240، 241، 242، 243، 244، 250، 254، 264، 265، 376. الزبير بن بكار: (1) 1، 142، 288، (2) 114، (3) 323، (4) 126، 127، (5) 144، 310، 334، 335، 348، 367، (6) 148، 180، 183، 222، 283، (7) 136، 182، 184، 185، 187، (9) 92، (10) 61، 62، 63، 362، (12) 96، 260، 379، (14) 114. الزبير بن حريث: (7) 206. الزبير بن خربوذ: (6) 369. الزبير بن الخرتيت: (12) 43، 44. الزبير بن سعيد: (3) 329، (7) 166. الزبير بن عبد المطلب: (1) 16، (6) 277. الزبير بن عدي: (3) 318، (5) 24، (8) 251. الزبير بن العوام: (1) 33، 109، 137، 148، 155، 231، 232، 252، 329، 354، 363، 383، 385، 388، 390، (2) 28، 239، (3) 219، 324، (5) 58، 59، 366، (6) 141، 194، 203، 243، 282، 290، 356، (7) 154، 156، 158، 171، (8) 377، (9) 95، 189، 233، 235، 279، 381، (10) 297. الزبير بن موسى: (13) 375. الزبير بن الوليد: (8) 163. زر: (9) 76، 97، 326، (11) 78. زر بن حبيش: (3) 39، 232، (4) 254، 283، 288، 307، 309، 310، 321، (6) 191، (8) 257، 287، 288، (9) 71، (13) 211. زرارة: (13) 5. زرارة بن أوفى: (2) 192، (13) 40، 41، 42. زرارة بن قيس بن الحارث: (13) 5. زرارة بن كريم بن الحارث: (2) 205. زربي بن عبد اللَّه: (10) 190. زرعة معبد بن خالد: (7) 169. زفر بن عبد الرحمن بن أدرك: (12) 382. زكريا: (8) 289، (11) 255، 256، (12) 102، (14) 326، 419. زكريا بن إسحاق: (2) 337، (7) 369، (10) 292، (13) 68، (14) 546، 548. زكريا بن خلاد: (5) 238. زكريا بن أبي زائدة: (3) 233، (5) 383، (8) 227، (13) 382، 383، (14) 580. زكريا بن عدي: (5) 50، (7) 80، (11) 305، (13) 118، (14) 9. زكريا بن علي: (5) 221. زكريا بن يحيى: (3) 193، (4) 66، (7) 298، (8) 60، (12) 203، 339، (14) 191، 301. زمعة بن الأسود: (1) 44، 85، 86، 90، 92، 101، 108، (4) 122، (5) 23، (6) 149، 253، (9) 196، 313. زمعة بن صالح: (3) 229، (4) 104، (5) 39، 261، (6) 396، (7) 369، (8) 135. زمعة بن قيس بن عبد شمس: (6) 177. زهدم الجرامي: (7) 295. زهدم بن الحارث: (14) 299. زهدم بن مضرب: (12) 366. الزهري: (1) 45، 48، 220، 221، 275، (2) 159، (8) 4، 17، 19، 21، 42، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 200 46، 54، 67، 75، 99، 101، 103، 112، 116، 119، (8) 134، 135، 136، 141، 143، 147، 150، 151، 170، 207، 229، 231، 246، 248، 249، 254، 359، (9) 9، 11، 13، 14، 30، 32، 33، 84، 115، 183، 193، 223، 226، 238، 239، 248، 252، 272، 277، 281، 283، 286، 295، 297، 309، 328، 335، 369، 382، 391، (11) 36، 114، 115، 153، 194، 221، 222، 233، 240، 241، 245، 246، 248، 249، 290، 307، (12) 41، 68، 70، 131، 139، 140، 166، 178، 195، 211، (12) 241، 242، 280، 281، 288، 289، 304، 308، 322، 323، 324، 325، 347، (13) 13، 14، 20، 21، 48، 60، 79، 90، 96، 108، 112، 113، 120، 128، 140، 147، 148، 157، 161، 166، 203، 219، 220، 221، 223، 224، 254، 255، 257، 264، 271، 276، 289، 298، 307، 377، 338، 339، 345، 346، 348، 373، 390، 391، (14) 3، 8، 9، 26، 27، 83، 84، 88، 89، 149، 150، 169، 180، 187، 201، 211، 212، 215، 216، 273، 290، 304، 401، 429، 430، 433، 434، 437، 439، 440، 446، 456، 458، 460، 462، 466، 467، 474، 479، 480، 484، 490، 493، 501، 506، 512، 517، 544، 553، 565، 570، 571، 572، 573، 575، 580، 581، 586، 621. زهير: (8) 9، (11) 143، 307، (12) 13، 106، 107، 154، 155، 313، 372، (13) 368، (14) 108، 291. زهير بن أبي أمية: (1) 44، (6) 251. زهير بن جناب: (2) 266. زهير بن حرب: (4) 351، (6) 359، (7) 331، (9) 83، (12) 13، (14) 496. زهير بن سلام: (2) 340، (4) 100. زهير بن أبي سلمى: (9) 194. زهير بن صدد: (2) 31. زهير بن عباد: (5) 309. زهير بن العلاء: (6) 97. زهير بن محمد: (8) 132، 286، (9) 80، (13) 24. زهير بن معاوية: (2) 221، (3) 284، (5) 297، (7) 71، (9) 131، (11) 21، 100، 274، 361، (12) 106، 303، (14) 193. زياد: (9) 132، 321، (12) 224، 231، 240، 359. زياد بن أسلم بن زرعة: (6) 159. زياد بن ثويب: (8) 54. زياد بن الحارث الصدائي: (5) 135، 136، (10) 112، 136، 138. زياد بن الحصين: (8) 288. زياد بن خيثمة: (12) 303. زياد بن الربيع: (11) 143. زياد بن أبي زياد: (2) 331. زيادة بن سعد: (2) 212، (10) 155، 354، 355. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 201 زياد بن سمية: (12) 219. زياد بن أبي سفيان: (6) 159. زياد بن عبد اللَّه: (2) 342، (3) 253، 322، (6) 90، 170، 171، (9) 197، (12) 225. زياد بن علاقة: (1) 78، (2) 312، 313، (4) 279، (7) 104، (14) 207. زياد بن لبيد: (2) 101، (3) 355، (12) 359، 360. زياد بن محمد: (8) 49. زياد بن مخراف: (12) 308. زياد بن المنذر: (8) 281، (10) 121. زياد بن ميمون: (3) 227. زياد بن مينا: (9) 133. زياد بن نعيم: (5) 135، (10) 135، 136، (11) 92. زياد النميري: (3) 227، (8) 158، (12) 27. زياد بن يحيى: (8) 60. الزيال بن حرملة: (5) 251. زيد: (1) 32، 34، 69، 186، (9) 132، 168، 334، (12) 192، 193، 248، (14) 297. زيد الأحوص: (11) 251. زيد بن أخرم: (8) 228. زيد بن أرطاة: (12) 268. زيد بن أرقم: (1) 82، 136، 208، 209، (2) 204، 215، (4) 407، (5) 238، 270، 375، 376، 377، 378، (8) 6، 7، 8، (10) 297، (11) 38، (13) 199، 200. زيد بن أسلم: (2) 170، 211، 256، (3) 263، 382، (4) 64، 74، 80، 284، 295، 345، (5) 105، 331، (6) 362، (7) 9، 66، 67، 72، (8) 127، 315، (9) 120، 352، (10) 31، 174، 366، (11) 226، (12) 114، 327، 338، 339، 353، (13) 322، 375، (14) 384، 514. زيد بن الأصم: (7) 307. زيد بن أمية: (11) 65. زيد بن أبي أنيسة: (9) 311، (11) 232. زيد بن بلال: (14) 574. زيد بن ثابت: (1) 67، 82، 119، 136، 196، 225، 227، 321، (2) 31، 33، 206، (3) 48، 51، 355، (4) 241، 243، 246، 247، 248، 265، 270، 271، 273، 289، 290، 291، 292، 310، 314، 327، 328، 345، (7) 171، 282، 283، (9) 86، 130، 131، 136، 168، 169، 233، 236، 301، 334، (10) 74، 170، (11) 3، 251، (12) 67، 347، (13) 262، 270، (14) 66، 289. زيد بن جارية بن عامر: (2) 77. زيد بن حارثة: (1) 33، 34، 45، 46، 68، 74، 83، 112، 117، 129، 178، 203، 230، 233، 266، 267، 268، 270، 271، 298، 333، 338، 340، 342، (2) 143، 344، (3) 53، 402، (5) 106، 344، (6) 59، 60، 140، 147، 283، 302، 303، 304، 305، 306، 307، 310، 340، (7) 4، 231، (8) 305، 329، 336، 341، 345، 369، (9) 93، 95، 181، 205، 287، 289، 313، (10) 206، 208، 209، 241، (11) 310، (12) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 202 179، (13) 363. زيد بن الحباب: (3) 147، (5) 183، 319، (6) 78، 338، (7) 3، 4، 196، 364، (9) 36، (11) 49، 346، 379، (12) 97، 318، 328، (14) 179. زيد بن الحسن: (3) 65، (5) 361، (6) 14. زيد بن الحكم: (11) 253. زيد أبي حبيب: (12) 334. زيد بن خارجة: (6) 208. زيد بن خالد الجهنيّ: (9) 84، (13) 343. زيد بن الخطاب: (6) 211، (9) 191، (10) 84. زيد بن الدّثنّة: (1) 185، 186، 187، (13) 178. زيد بن رباح: (10) 346. زيد بن رفاعة: (1) 268، (4) 1- 4. زيد بن زائدة: (2) 237. زيد بن سعنة: (2) 203، 236. زيد بن سلام: (8) 130، (12) 265. زيد بن صوحان: (4) 406، (12) 192، 193، 194، (13) 235، 244. زيد بن عامر بن نفيل: (3) 29. زيد بن عبد اللَّه: (11) 17. زيد بن أبي عتاب: (12) 190. زيد بن علي: (10) 198، (12) 221. زيد بن عمر: (5) 370. زيد بن عمرو: (2) 247، 248، 266، (3) 366، (4) 29، 32، (6) 214، 255، (12) 242، (14) 150. زيد العمي: (11) 251. زيد بن كثير: (12) 245، (14) 153. زيد بن كيسان: (2) 238. زيد بن المنذر: (6) 320. زيد بن أبي منصور: (5) 186. زيد بن هارون: (2) 166. زيد بن واقد: (2) 192، (8) 134، (10) 160، (12) 210. زيد بن وهب: (4) 311، (7) 302، (12) 305، 311. السين السائب: (8) 145، 149. السائب بن أبي حبيب: (6) 268. السائب بن أبي حبيش: (6) 159. السائب بن أبي السائب: (1) 16، (8) 145، 147. السائب بن صيفي بن عائذ: (8) 148. السائب بن عثمان بن مظعون: (1) 74، (6) 46، (9) 101. السائب بن يزيد: (2) 172، (4) 396، (9) 394، (10) 131، (11) 351، 352. السائب بن يسار: (5) 70. سابق بن ناجية: (6) 337. سالم: (1) 122، 151، (8) 117، 118، 159، (9) 31، 32، 33، (11) 256، (12) 288، 290، 390، 391. سالم الأفطس: (8) 57. سالم بن أبي الجعد: (2) 148، (3) 304، (4) 111، (5) 38، 87، 88، 131، (9) 178، 179، (11) 260، (12) 76، 77، 202، 332، 359. سالم بن أبي حفصة: (10) 181، (11) 287. سالم بن صالح بن إبراهيم: (13) 225. سالم بن عبد اللَّه: (3) 344، (4) 293، (6) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 203 49، (8) 102، (9) 53، 54، 391، (11) 301، 302، (12) 289، 342، (14) 518. سالم بن عمر: (12) 288. سالم بن عمير بن ثابت: (1) 121. سالم بن محمد الخزاعي: (5) 212. سالم بن أبي المهاجر: (3) 59. سالم بن نوح: (5) 180، (11) 324. سالم أبو النضر: (2) 167، (7) 358، (9) 50. سباع بن عبد العزى: (1) 166. سباع بن عرفطة: (1) 202، 306، (8) 367، 382، 391، (9) 227. سبيع بن خالد: (12) 268. سبيعة: (12) 98. السدي: (1) 116، (8) 284، 285، (11) 191، 213، (12) 251، 252، 320، (13) 76، 77، 110، (14) 94، 160، 301. سراقة بن المعتمر: (9) 191. سرجس بن عبد القيس: (1) 15. سرف بن المغيرة بن شعبة: (9) 160. السري بن يحيى: (11) 42، (12) 99، 242، (14) 150. سعد: (1) 95، 160، 176، (2) 155، (8) 373، 374، 386، (9) 95، 130، 242، 299، 321، (11) 304، 305، 310، 388، (12) 4، 32، 38، 39، 314. سعد بن إبراهيم: (3) 328، (4) 105، (7) 331، (9) 257، (10) 367، (11) 49. سعد بن إسحاق بن كعب: (4) 100، (11) 72، 107. سعد بن إياس: (12) 311. سعد بن بكر: (1) 269، 270، (2) 89، (4) 258، 275، (7) 169. سعد بن جبير: (1) 64. سعد بن حكيم: (14) 64. سعد بن خولة: (2) 121، (11) 304. سعد بن خيثمة: (1) 55، 65، 68، (6) 307، 315، (7) 351، (9) 199، (10) 76. سعد بن الربيع: (1) 54، 132، 165، (4) 400، (6) 137، (9) 189، (13) 268، 269، 270. سعد بن زرارة: (8) 323. سعد بن زياد: (1) 232. سعد بن زيد: (1) 262، 263، 276، (2) 6، (8) 378، (9) 230، (12) 44. سعد بن عائذ: (10) 135. سعد بن سعيد بن قيس: (5) 48، 167، (14) 42. سعد بن سهل: (14) 44. سعد بن أبي سرح: (2) 75. سعد بن طريف: (3) 324، (4) 119. سعد بن عبادة: (1) 55، 67، 73، 83، 112، 133، 135، 148، 180، 189، 190، 192، 203، 209، 215، 216، 218، 219، 220، 221، 230، 232، 240، 246، 253، 264، 275، 295، 309، 325، 334، 350، 382، 385، (2) 4، 12، 34، 48، 91، 106، 214، 229، 230، (3) 252، (4) 13، 14، (6) 113، 334، 345، (7) 141، 143، 166، 167، 168، 170، 242، 282، 283، 290، 299، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 204 342، 343، (8) 358، 380، 386، (9) 83، 152، 227، 240، 249، 253، 266، 294، (10) 107، (11) 19، 238، (12) 141، (13) 250، 330، 331. سعد بن عبيد: (4) 289، (10) 77. سعد بن عبيدة: (7) 175، (9) 122، (10) 64، 66. سعد بن عثمان: (4) 15. سعد بن عياض: (7) 286. سعد القرظ: (10) 110. سعد بن ليث: (7) 171. سعد بن مالك: (1) 112، (9) 325، (11) 305، (12) 35. سعد بن مسعود الثقفي: (12) 250، (14) 104. سعد بن معاذ: (1) 52، 74، 94، 98، 100، 111، 113، 125، 134، 135، 148، 169، 175، 176، 178، 179، 214، 221، 233، 236، 244، 248، 251، 254، (2) 63، 161، (4) 109، 124، 289، 401، (7) 163، 165، (8) 62، 374، 377، 378، (9) 151، 242، 251، 253، 254، 255، 256، 257، 266، (10) 164، (12) 158، 181، (13) 250، 302. سعد بن النعمان: (1) 114، (6) 266. سعد بن هشام: (2) 192، (6) 370. سعد بن أبي هلال: (3) 291. سعد بن أبي وقاص: (1) 33، 56، 72، 73، 74، 77، 78، 83، 84، 96، 137، 141، 142، 148، 149، 157، 171، 234، 246، 267، 296، (2) 12، 28، 35، 88، 120، 121، 124، (3) 239، 327، 329، 382، 383، (4) 38، 395، (5) 57، 58، 70، (6) 198، 237، (7) 25، 168، 170، (9) 32، 69، 96، 136، 191، 300، 320، (10) 6، 182، 255، (11) 123، 310، (12) 35، 37، 39، 178، 370، (13) 89، 258، (14) 304، 585. سعدان بن عبيدة: (11) 146. سعدان بن الوليد: (13) 363. سعيد: (8) 45، 73، 241، 247، (9) 32، 239، 271، 280، 382، (11) 243، 244، 271، (12) 69، 70، 108، 140، 148، 209، (13) 29، 30، 40، 42، 58، 65، 92، 102، 110، 116، 221، 232، 263، 285، 324، (14) 58، 205، 434، 435. سعيد بن إبراهيم: (5) 106، (9) 321، (11) 69. سعيد بن الأخنس: (6) 161، 268. سعيد بن إياس: (3) 339، (7) 13، (12) 379. سعيد بن أيوب: (11) 50، (3) 219. سعيد بن أبي أيوب: (7) 340، (11) 121، (12) 50، 364، 365، (13) 366. سعيد بن بشير: (3) 106، 309، 346، (5) 74، (6) 127، (10) 358، (11) 67، (12) 128، (13) 136، (14) 580. سعيد بن أبي بردة: (2) 317. سعيد بن جبير: (2) 228، 238، (3) 39، 109، 117، 189، 212، 213، 217، 290، 345، 358، (4) 6، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 205 30، 31، 109، 114، 115، 122، 132، 133، 189، 237، 238، 291، 297، 302، 311، 330، 335، 345، 349، 376، (5) 5، 9، 10، 11، 74، 241، (6) 51، 289، 262، 277، 281، 308، (8) 9، 48، 57، 196، 159، 284، 310، (9) 43، 52، 68، 75، 226، (10) 75، 220، (11) 287، 312، (13) 15، 81، 107، 128، 164، 169، 237، 253، 295، 296، 320، 346، 382، (13) 41، 46، 213، 217، 305، 357، 358، (14) 145، 161، 165، 276، 285، 286، 288، 322، 414، 447، 448، 493، 553. سعيد الجريريّ: (5) 179، (11) 41، (13) 15. سعيد بن أبي جبيرة: (12) 333. سعيد بن جمهان: (5) 278، (6) 318، (12) 332، (14) 205، 207. سعيد بن الحارث: (5) 190، 319، (7) 352، (14) 303. سليمان بن حبيب: (12) 388. سعيد بن حريث: (1) 399، (13) 110. سعيد بن حسان: (4) 79. سعيد بن الحسن: (11) 252. سعيد بن أبي الحسن: (7) 137، 138، (12) 197. سعيد بن الحكم: (3) 77. سعيد بن خالد الأنصاري: (6) 372، (8) 315. سعيد بن خيثم: (8) 159، (12) 300. سعيد بن دينار: (8) 281. سعيد بن رافع: (3) 232. سعيد بن راشد: (7) 288، (14) 292. سعيد بن أبي راشد: (6) 7، 18. سعيد الربعي: (12) 331. سعيد بن الربيع: (12) 18. سعيد بن زيد: (1) 112، 117، 283، (2) 82، 124، 228، (3) 289، 400، (4) 45، 96، (5) 58، 219، (6) 56، 211، (7) 206، (8) 340، (9) 83، 97، 98، 139، 191، (11) 89، (12) 20، 45، 277، (13) 221، 236. سعيد بن سالم القداح: (4) 96. سعيد بن سعد بن عبادة: (4) 100. سعيد بن أبي سعيد: (1) 83، (2) 251، (3) 217، 285، 309، 403، (5) 163، 306، (7) 28، 115، (9) 42، (10) 172، 362، (11) 49، 50، 59، 68، 72، 116، (12) 261، (13) 36، 183، (14) 259، 260. سعيد بن سفيان الجحدري: (11) 323. سعيد بن السكن: (7) 7. سعيد بن سلمة: (4) 119، (5) 150، (8) 77. سعيد بن سليم: (5) 21. سعيد بن سليمان: (6) 14، (11) 337، (12) 114. سعيد بن سويد: (3) 170، (4) 54. سعيد بن الصلت: (7) 7. سعيد بن طارق: (12) 215. سعيد بن العاص: (1) 387، (4) 246، 247، (6) 239، 312، 313، (8) 147، (9) 338، 394، (10) 96. سعيد بن عامر: (12) 35، 267. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 206 سعيد بن عبد الحميد بن جعفر: (3) 72. سعيد بن عبد الرحمن: (5) 45، (8) 59، (9) 68، (10) 355، (12) 325. سعيد بن عبد العزيز: (2) 316، (8) 276، (11) 143، (12) 108، 210، (13) 191، 213، (14) 191، 192. سعيد بن عبد اللَّه: (2) 160، (9) 272، (12) 176، (14) 437، 444، 481، 504، 505، 509، 559، 561. سعيد بن عبيد الملك: (12) 285. سعيد بن عبيد: (4) 53. سعيد بن عبيدة: (13) 376، 378. سعيد بن عثمان بن عفان: (2) 209، (6) 158، 159، 269. سعيد بن عدي بن كعب بن لؤيّ: (1) 81. سعيد بن عقبة الزرقيّ: (8) 14. سعيد بن عمر: (12) 11، 312. سعيد بن عمرو: (3) 190، (4) 18، 47، (8) 227، (12) 259، (14) 11. سعيد بن عمير: (11) 49، 50، 51. سعيد بن عياض: (14) 291. سعيد بن عيسى: (4) 289. سعيد بن أبي عروبة: (1) 354، (2) 240، 257، (3) 187، (6) 97، (7) 193، 254، 266، 398، (12) 7، 160، 359، (13) 41، 219، 262، (14) 220، 278. سعيد بن غزوان: (12) 108. سعيد بن محمد: (2) 167، (4) 58، (7) 344، 345، (12) 151. سعيد بن مسروق: (5) 377، (12) 25، 119. سعيد بن مسلم: (5) 119، (14) 220. سعيد بن المسيب: (1) 23، 41، 238، 327، (2) 156، 159، 211، 235، 250، 265، 276، (3) 48، 151، 152، 153، 187، 315، 365، (4) 293، (5) 47، 105، 131، 249، 295، 296، 344، 382، (6) 45، (7) 70، 135، 230، 233، 234، 366، (8) 12، 94، 97، 114، 116، 119، 248، 249، 254، (9) 32، 89، 87، 96، 216، 223، 237، 238، 239، 252، 277، 281، 283، 295، 297، 320، 381، 382، (10) 95، 109، 303، 304، 305، 358، 361، 366، (11) 55، 115، 187، 249، 290، (12) 8، 38، 68، 131، 139، 220، 279، 280، 283، (13) 111، 140، 197، 198، 199، 253، 254، 337، 338، 370، 371، (14) 3، 8، 9، 61، 83، 84، 88، 89، 128، 181، 201، 210، 223، 501، 506، 512، 546، 553، 571، 575، 580، 583، 586، 607، 615، 621. سعيد بن معروف: (11) 57. سعيد بن المعلى: (9) 162. سعيد المقبري: (2) 166، 221، 253، 325، (3) 212، 232، (7) 67، 193، 264، (8) 90، 159، (11) 224، 250، (13) 260، 262، (14) 76، 277. سعيد بن منصور: (2) 207، 215، (5) 13، (10) 344، (9) 120، (11) 361، (13) 286، (14) 515. سعيد بن ميسرة: (7) 18، 366. سعيد بن ميناء: (2) 263، (3) 140، (5) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 207 154، 231، 232، (8) 24. سعيد بن أبي مريم: (8) 77، (9) 91، (10) 136، 175، (11) 65، 221، (12) 287، (14) 421. سعيد بن هشام بن عامر: (13) 29، 40، 41، 42. سعيد بن هيثم: (3) 130. سعيد بن أبي هلال: (2) 144، 154، 155، (5) 115، 119، (7) 69، 285، 307، (8) 126، (10) 31، 52، (11) 39، 82، 315، 375، (13) 220، 325، (14) 111، 128، 204، 290. سعيد بن يحيى الأموي: (5) 167، (8) 228، (9) 296، (11) 35، (13) 293. سعيد بن يربوع: (2) 29، (9) 298. سعيد بن يسار: (10) 390. سفيان: (2) 139، 142، 163، (8) 5، 24، 50، 51، 54، 56، 68، 78، 121، 148، 196، 228، 293، (9) 25، 36، 76، 90، 97، 120، 121، 122، 222، 226، 279، 280، 344، 366، 369، 370، 371، (11) 51، 52، 53، 59، 79، 84، 119، 129، 245، 298، 299، 301، (12) 35، 42، 55، 70، 73، 154، 176، 178، 187، 195، 199، 205، 223، 243، 250، 279، 287، 302، 309، 318، 327، 333، 336، 348، 365، 366، 18، 19، (13) 41، 75، 80، 84، 89، 116، 159، 182، 183، 205، 220، 224، 272، 296، 342، 368، 369، (14) 73، 111، 131، 151، 158، 169، 173، 174، 179، 180، 182، 188، 190، 201، 205، 212، 279، 283، 292، 297، 326، 448، 459، 495، 502، 513، 542، 572، 574، 578، 579، 607، 921. سفيان الثوري: (2) 283، 289، 345، (3) 72، 339، (4) 205، (5) 25، 258، 392، (7) 242، 350، 364، (9) 29، 36، 85، 319، (10) 177، 182، 303، 304، 346، (11) 78، 83، 307، (12) 106، 252، 258، 333، 350، (13) 158، 205، (14) 13، 160، 168، 169، 205، 327، 479، 579. سفيان بن أبي ثابت: (13) 309. سفيان بن الحارث بن عبد المطلب: (9) 285. سفيان بن الحرث بن مضر: (3) 343. سفيان بن حرب: (5) 346. سفيان بن الحسن: (2) 238. سفيان بن حسين: (4) 352، (6) 48، 50، 288، (7) 369، (10) 156، (11) 222، (13) 117، (14) 322. سفيان بن حمزة: (5) 187، 323، (10) 107. سفيان بن أبي حبيبة: (10) 91. سفيان بن خالد بن نبيح: (1) 184، 256، 257، (4) 401، (13) 312. سفيان بن أبي زهير: (14) 182، 183. سفيان بن سعيد: (1) 282، (7) 252، 281، 364، (10) 307، (11) 135، (12) 63، (14) 288. سفيان الضمريّ: (1) 96. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 208 سفيان بن عبد الأسد: (6) 279. سفيان بن عبد الرحمن: (2) 309. سفيان بن عبد شمس السلمي: (1) 159، 162، 224. سفيان بن عبد اللَّه: (9) 274. سفيان بن عمرو: (4) 347، (14) 547. سفيان بن عيينة: (2) 142، 145، 171، (2) 206، 244، 245، 264، 280، 351، (3) 28، 57، 228، 229، 400، (4) 112، 115، 270، 338، 352، (5) 19، 20، 25، 43، 68، 137، 178، (7) 38، 252، 257، 294، 354، 368، (8) 79، 228، 310، (9) 50، 68، 301، 346، 363، (10) 210، 354، (11) 137، 245، 248، 301، 307، (12) 11، 15، 252، 298، 324، 340، 378، 390، 392، (13) 48، 80، 96، 114، 204، 243، 378، (14) 160، 196، 201، 299، 300، 304، 447، 450، 466، 467، 624. سفيان بن فروخ: (12) 225، (13) 379، (14) 143. سفيان بن مجاشع: (3) 367. سفيان بن محمد: (10) 310، 311، 317. سفيان بن مسروق: (13) 136. سفيان بن أبي نجيح: (4) 338. سفيان بن وكيع: (3) 290، (9) 87. سفيان بن وهب: (12) 387. سفينة: (14) 205، 207، 301، 497. السكن بن سعيد: (11) 342. سلم بن زرير: (5) 99، 100. سلم بن يسار: (7) 244. سلمان بن ربيعة: (12) 310. سلمان الفارسيّ: (1) 225، 226، (2) 21، 23، 174، (4) 391، (5) 183، (6) 337، 339، (7) 122، (8) 372، (9) 128، 136، 266، (11) 389، (12) 254، (13) 9، 291، 292، 293، 294، 295، (14) 197، 198. سلمة: (9) 304، 306، 308، (13) 83. سلمة بن أسلم بن حريش: (1) 110، 119، 291، (2) 124، (5) 44، (7) 188، (13) 283. سلمة بن الأسقع: (10) 297. سلمة الأعور: (11) 295. سلمة بن الأكوع: (1) 260، 261، 263، 265، 270، 271، 274، 313، 342، (4) 396، (5) 92، 108، (6) 307، (7) 104، 246، (9) 134، 303، 304، 306، 307، 308، 235، (10) 297، (11) 286، 289، (12) 82، 94، (13) 115. سلمة بن ثابت: (12) 186. سلمة بن جواس: (12) 294. سلمة بن خويلد: (1) 181. سلمة بن دينار: (2) 222. سلمة بن رجاء: (13) 22. سلمة بن سلامة بن مرقش: (1) 92، 132، 254، 255، (2) 72، 202، (3) 349، (9) 255، (13) 318. سلمة بن أبي سلمة: (4) 262، 263، (6) 53، 55، 298. سلمة بن شبيب: (5) 189. سلمة بن صخر: (2) 49. سلمة بن عبد الرحمن: (3) 14، (5) 181، (10) 39. سلمة بن علقمة: (4) 92. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 209 سلمة بن الفضل: (4) 23، 100، (12) 117، (13) 305. سلمة بن نفيل: (6) 126، (12) 390، 391. سلمة بن قاسم: (9) 316. سلمة بن كهيل: (2) 271، 304، (3) 290، 314، 366، (6) 51، (9) 34، (10) 309، (12) 258. سلمة بن محارب: (4) 57. سلمة بن نبيط: (7) 242، (14) 457، 475، 508. سلمة بن هشام: (1) 183، (6) 240، 242، (12) 68، 70، 71، 72، 73، 92، 139. سلمة بن وردان: (11) 74، 75. سلمة بن وهرام: (3) 229، (8) 135. سليط بن سفيان بن خالد: (1) 180. سليط بن عمرو: (1) 304، (9) 100. سليط بن قيس: (6) 248، (7) 169، 170. سليط بن معية: (11) 1، (13) 3. سليط بن النعمان: (1) 129. سليم: (9) 235. سليم الأعور: (7) 262. سليم بن حيان: (8) 24. سليم بن عامر: (2) 242، (7) 313، (8) 313، 137، (12) 210، (14) 123، 124. سليم بن عيسى: (4) 311. سليم بن يسار: (9) 266. سليمان: (1) 228، (8) 50، 62، 165، 221، 227، (12) 18، 74، 83، 154، (13) 176. سليمان بن أحمد اللخمي: (5) 219، 233، (6) 127، (12) 196. سليمان الأحول: (12) 15. سليمان بن الأشعث: (11) 92. سليمان بن أرقم: (3) 7. سليمان بن أزهر بن عبد عوف: (6) 269. سليمان الأعمش: (2) 293، (3) 313، (8) 275. سليمان بن أيوب بن سليمان: (6) 143. سليمان بن بريدة: (9) 222. سليمان بن بلال: (2) 154، 240، (3) 285، (4) 256، (5) 48، 57، 58، 87، 125، 295، (7) 56، 72، (8) 164، 165، 220، 226، (10) 230، 364، 377، (11) 46، 49، 81، 82، 85، 301، (12) 16، 40، 83، 238، 276، (13) 197، 198، (14) 43، 200، 146، 429، 461، 473، 474، 490، 498، 556. سليمان التيمي: (1) 226، (5) 106، 158، 159، (8) 250، (9) 79، (10) 304، (12) 3، 60، 153، (14) 496. سليمان بن حبان العذري: (5) 170. سليمان بن حبيب: (12) 324. سليمان بن حرب: (3) 229، (4) 323، (10) 345، 356، 357، (11) 41، 42، 79، 82، 89، (12) 241، 242، 243، 292، (13) 222، (14) 149، 150، 151، 508، 572. سليمان بن الحكم: (5) 211. سليمان بن حيان: (12) 290، 318. سليمان بن خارجة: (2) 206. سليمان بن أبي خيثمة: (9) 394. سليمان بن داود: (6) 364، (11) 232. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 210 سليمان بن الربيع: (11) 87. سليمان بن رومان: (2) 298. سليمان بن زياد: (7) 295، (10) 170. سليمان بن سحيم: (4) 99، (9) 318، (14) 467، 469. سليمان بن سفيان: (2) 281. سليمان بن أبي سليمان: (12) 209. سليمان الشيبانيّ: (14) 322. سليمان بن صرد: (4) 254، 267، (12) 251، (13) 296. سليمان بن طريف السلمي: (13) 109. سليمان بن عاصم: (7) 349. سليمان بن عبد الرحمن: (11) 358. سليمان بن عبد الملك: (10) 109. سليمان العبسيّ: (11) 128، 135. سليمان بن عتيق: (10) 354، 355، 356. سليمان بن عثمان: (10) 308. سليمان بن عطاء: (10) 195. سليمان بن علي بن عبد اللَّه بن عباس: (9) 69، 254. سليمان بن عمرو: (13) 213. سليمان بن أبي عبلة: (13) 205. سليمان بن فيروز الشيبانيّ: (8) 287، 288. سليمان بن قيس: (13) 289. سليمان بن كثير: (5) 24، (7) 100. سليمان بن مسلم البلخي: (13) 256. سليمان بن مسهر: (13) 227، (14) 135. سليمان بن أبي مسلم: (14) 447. سليمان بن معاذ: (2) 386. سليمان بن المغيرة: (2) 171، 217، 223، 318، (3) 35، 37، 51، (4) 372، 375، (5) 93، 294، (6) 51، 236، (7) 274، (8) 230، (10) 227، (12) 24، 142، (13) 339، 380، (14) 216، 284، 506. سليمان بن مهران: (4) 270، 292، 309، 319. سليمان بن موسى: (13) 191، (14) 586. سليمان بن هلال: (4) 128. سعيد بن أبي هلال: (13) 202. سليمان بن يزيد الكعبي: (14) 614. سليمان بن يسار: (2) 205، (4) 293، (5) 236، (9) 301، 302، (13) 87. سماك: (9) 87، 154، 168، (11) 295، 337، (12) 143، 302، 364، (13) 20، 358، (14) 108، 205. سماك بن حرب: (2) 157، 158، 166، 167، 174، 205، 206، 259، 260، 266، 267، 297، 338، 386، (4) 108، 307، (5) 21، 54، 55، 71، (7) 15، 16، 70، 82، 102، 120، 121، 125، 162، 309، (8) 3، (9) 86، (11) 75، 232، 307، 336، (12) 302، 346، 347، 369، (13) 21، 87، 97، (14) 59، 125. سماك الحنفي: (3) 56، (8) 343، (9) 246، (13) 340. سماك الخثعميّ: (11) 31. سماك بن خرشة: (1) 156، 192، (8) 360. سمرة: (9) 356، (12) 222، 224. سمرة بن جندب: (1) 136، (4) 406، (5) 158، 159، (8) 104، 128، 133، (9) 152، 275، 357، (12) 223، 311، (14) 131، 132، 133. سمرة بن عمرو: (41) 2، (42) 2. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 211 سمير بن عمير بن لوذان: (10) 134. سمرة بن معمر: (10) 130. سمي: (13) 374. سمي بن قيس: (9) 360. سنان: (13) 288. سنان بن تيم اللَّه: (1) 207. سنان بن الحارث بن مصرف: (14) 102، 103. سنان أبي ربيعة: (5) 169. سنان بن سعد: (12) 334. سنان بن أبي سنان: (1) 290، (4) 116، 117، (11) 221، 222. سنان بن وبر الجهنيّ: (1) 207. سهل: (9) 311، (13) 121، 125. سهل بن أسلم العذري: (5) 186. سهل بن بكار: (14) 40. سهل ابن بيضاء الفهري: (1) 44. سهل بن حماد: (13) 345. سهل بن حنيف: (1) 148، 153، 190، 192، 303، 325، (2) 46، (7) 168، 390، (8) 360، (10) 9، (13) 237. سهل بن خيثمة: (9) 383. سهل بن سعد: (2) 268، 277، 298، (3) 48، 307، 339، (5) 151، (7) 207، 266، 351، 356، 370، 371، 372، 373، (9) 84، 152، 265، (10) 104، (11) 44، 110، 145، 282، 285، (13) 124، 337، 339، (14) 5، 111، 223، 278. سهل بن سهل: (6) 396. سهل بن صالح: (11) 143. سهل بن عامر: (10) 84. سهل بن عبد الرحمن: (5) 279. سهل بن عبد اللَّه: (3) 133. سهل بن عمرو: (1) 67، (10) 85، 86، 87. سهل بن محمد: (4) 302. سهل بن المغيرة: (2) 265. سهل بن يوسف بن سهل: (4) 240، (5) 125، (6) 302، (14) 516، 522، 526. سهم بن عمرو: (9) 197. سهيل: (1) 291، 297، 386، (8) 59، 81، (9) 11، (12) 175، 176، 177، 298، 328، (14) 201. سهيل بن أبي صالح: (3) 227، 341، 342، (5) 57، (7) 330، (8) 164، (11) 290، (12) 298، 313، 345، 346، (14) 193، 204، 215. سهيل بن عمرو: (1) 67، 85، 88، 90، 106، 113، 115، 193، 280، 289، 290، 293، 294، 295، 333، 334، 348، 352، 384، 385، 387، 396، 397، (2) 12، 18، 29، (4) 400، 403، (6) 33، (7) 188، 231، 249، (9) 11، 181، 298، 313، (10) 85، 86، 87، (12) 175، 176، (13) 356، 386. سهل بن معاذ بن أنس: (12) 385. سواد بن غزية: (1) 99، (6) 228. سوار بن مصعب: (9) 320. سويبط بن حرملة: (1) 147، (7) 166. سويد: (2) 91، (9) 185. سويد بن أبان: (6) 376. سويد بن سعيد: (10) 308، (12) 298. سويد بن الصامت: (9) 184، 185، (10) 7، 10. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 212 سويد بن صخر: (1) 336، 373، (7) 169، 171. سويد بن طارق: (8) 3. سويد بن عبد العزيز: (4) 290. سويد بن علقمة: (4) 248. سويد بن غفلة: (11) 280، (12) 203، 204. سويد بن قيس: (7) 16. سويد بن معاوية: (10) 264. السويد بن المقرن: (9) 152، (14) 234. سويد بن ناصر: (11) 121. سويد بن نصر: (3) 75، 76، (8) 21. سويد بن يزيد: (5) 78. سلام: (13) 336. سلام بن أبي الحقيق: (1) 190، 195، 222، (13) 336. سلام الخزاز: (11) 54. سلام بن سليم: (3) 226، (13) 221، (14) 485. سلام بن سليمان الثقفي: (12) 242، (14) 150، 485. سلام بن شرحبيل: (2) 222. سلام بن أبي الصهباء: (5) 257. سلام بن مسكين: (2) 195، (3) 342، (4) 130. سلام بن مشكم: (1) 255، (6) 87. سلام بن أبي مطيع: (7) 68، 95، (13) 12. سلامة بن سليم: (5) 119. سلامة بن الحمام: (2) 91. سلامة العجليّ: (2) 174. سلامة بن وقش: (5) 114. سيار: (9) 34. سيار بن حاتم: (4) 113، (7) 92، (14) 507. سيار بن روح: (9) 162. سيار بن سلامة: (12) 329. سيرين: (1) 219. سيف بن سليمان: (4) 77، 79. سيف بن سهل بن يوسف: (9) 91. سيف بن أبي سليمان: (4) 283. سيف بن عمر: (2) 324، (5) 290، 307، (6) 302. سيف بن وهب بن أبي الطفيل: (11) 380. الشين شبابة: (11) 46، 91، 141. شبابة بن سوار: (2) 262، (7) 328، (10) 139، (12) 240، (14) 148، 460، 479. شبرمة بن الطفيل: (11) 280. شبل: (12) 15. شبل بن عباد: (4) 299، 324. شبل بن عوف: (12) 312. شبيب: (12) 44. شبيب بن سعيد: (11) 326. شبيب بن شيبة: (5) 256. شبيب بن غرقدة: (12) 42. شبيب بن يزيد: (6) 109. شجاع بن وهب الأسدي: (1) 304، 336. شجاع بن الوليد: (1) 144. شداد بن أوس: (2) 330، 344، (8) 190، 251. شداد بن سعيد: (13) 222. شداد بن عبد اللَّه: (12) 237، (14) 144. شداد بن عمار: (5) 384، 969. شداد بن معقل: (12) 384. شداد بن الهاد: (6) 164. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 213 شراحيل: (14) 486. شراحيل بن يزيد: (12) 364. شرحبيل: (11) 232. شرحبيل الجعفي: (4) 396، (11) 340. شرحبيل ابن حسنة: (2) 66، (6) 66، (13) 191. شرحبيل بن السمط: (12) 76، 77، 78، (9) 156. شرحبيل بن عبيد: (14) 251. شرحبيل بن عمرو الغساني: (1) 337، 339. شرحبيل بن غيلان بن سلمة: (2) 85. شرحبيل بن مسلم: (4) 120. شريح بن ضبيعة بن شرحبيل: (14) 163. شريح بن عبد اللَّه: (3) 44. شريح بن عبيد: (8) 163، (12) 257. شريح بن مسلمة: (11) 380. شريح بن النعمان: (3) 69، 231. شريح بن هانئ: (2) 288، (13) 47. شريح بن يزيد: (12) 293. شريح بن يونس: (12) 218. شريك: (8) 68، 73، 203، 207، 208، 209، 210، 211، 224، 226، 227، 288، 233، (11) 33، 96، 125، 133، 295، 337، (12) 218، 249، 256، 296، (13) 12، 46، 89، 198، (14) 8، 153، 158، 297. شريك بن أبي بكر: (6) 301. شريك بن سمي: (12) 200. شريك بن عبد اللَّه: (3) 35، (5) 50، 121، 250، (8) 220، 221، 230، (12) 276. شريك بن عبد المجيد: (11) 317. شريك بن أبي علوان عبد اللَّه بن عصمة: (12) 250. شريك بن أبي نمر: (5) 120، 385، (13) 197، 198. شعبة: (8) 3، 7، 29، 45، 62، 78، 83، 85، 170، 171، 246، 247، 297، 324، 330، (9) 32، 35، 86، 90، 118، 119، 206، 257، 258، 323، 325، 358، 365، (11) 22، 25، 26، 48، 75، 83، 84، 85، 86، 128، 176، 242، 243، 268، 269، 275، 281، 295، 325، 326، 336، 337، (12) 18، 35، 62، 74، 76، 77، 98، 103، 105، 106، 112، 113، 197، 206، 230، 252، 273، 277، 335، 347، 358، 366، 367، 369، 378، (12) 17، 18، 20، (13) 23، 82، 87، 97، 171، 176، 210، 211، 225، 227، 330، (14) 56، 57، 60، 61، 72، 82، 125، 131، 138، 152، 160، 179، 187، 200، 203، 262، 263، 285، 286، 322، 341، 372، 460، 464، 496، 502، 513، 514، 547، 553، 554، 555، 585. شعبة بن أوس: (12) 244. شعبة بن الحجاج: (4) 164، 259. شعبة بن قتادة: (1) 354. الشعبي: (8) 67، 68، 121، 227، 289، 290، (9) 65، 69، 68، 89، 108، 127، 279، (11) 96، 97، 110، 129، 257، (12) 128، 205، 240، 252، 278، 302، 303، 325، 365، (13) 12، 19، 102، 218، 236، 382، 383، (14) 87، 148، 160، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 214 221، 298، 299، 322، 326، 371، 372، 407، 413، 419، 481، 511، 553، 555، 580. شعيب: (11) 194، 240، 241، 249، (12) 72، 194، 195، 288، 308، 343، 344، (13) 165، 166، 172، 223، 288، 338، 339، 360، (14) 27، 61، 200، 321، 466، 493، 500، 501، 565. شعيب بن الحجاب: (4) 292، (10) 246، 247. شعيب بن حرب: (6) 377، (8) 118. شعيب بن أبي حمزة: (2) 142، 230، (3) 66، 68، (4) 249، (5) 79، (6) 48، (10) 345، 346. شعيب بن دينار: (4) 314. شعيب بن شداد: (7) 258. شعيب بن شعيب: (3) 380. شعيب بن طلحة بن عبد اللَّه: (9) 288. شعيب بن عبد اللَّه بن عمرو: (7) 335. شعيب بن الليث: (13) 202. شعيب بن محمد بن عبد اللَّه: (8) 76. شعيب بن ميمون: (14) 479. شفي الأصبحي: (13) 202. شقران: (2) 130، 136، 137، (14) 585، 586. شقيق: (9) 346، (13) 194، 213، (14) 174، 513. شقيق بن حيان: (12) 335. شقيق بن سلمة: (2) 200، (4) 306، (12) 238، 276، (14) 146، 436. شمر بن عطية: (5) 235، 300، (12) 255. شمر بن منصور: (4) 68، 71. شمير: (9) 360. شهاب بن معمر العوفيّ: (5) 303. شهر بن أيوب: (4) 310. شهر بن حوشب: (4) 13، 48، 303، (5) 233، (6) 45، 363، (7) 287، (9) 93، (10) 51، (11) 233، (12) 239، (14) 80، 292. شهر بن عطية: (4) 310. شوذب: (12) 248. شيبان: (12) 71، 72، (13) 263، 379، (14) 494. شيبان بن أبي الحكم: (2) 218. شيبان بن سعيد بن سليمان: (5) 96. شيبان بن عبد الرحمن: (8) 268، 247. شيبان بن فروخ: (3) 34، 293، 317، (4) 130، (5) 173، 227، (8) 230. شيبان بن معاوية: (5) 198. شبير: (1) 86، (12) 97، 141، 149. شبير بن ربيعة: (1) 42، 88، 111، 116، (3) 399، (6) 165، 257، (9) 180، 194، (12) 102، 103، 105، 106، 107. شيبة بن عثمان بن أبي طلحة: (1) 348، (2) 17، (4) 118. شيبة بن مالك: (1) 157. شيبة بن نصاح: (4) 291، 294، 302. الصاد صالح: (8) 111، 116، 120، (9) 289، 325، (12) 60، 156، 331، 373، (13) 371، (14) 201، 203، 320، 533. صالح بن إبراهيم: (3) 351، 325، 349، (9) 321، (12) 151، 156، (13) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 215 253. صالح بن أربد النخعي: (12) 238، 239، (14) 145. صلة بن أشيم: (4) 406. صالح بن أبي الأخضر: (2) 156، 164، (5) 78، (7) 369، (8) 74، 75، (9) 382. صالح بن أبي الأسود: (12) 248، (14) 156. صالح بن بشير: (5) 287. صالح بن جعفر: (12) 127، (13) 304. صالح بن حيان: (5) 42. صالح بن زيد النخعي: (14) 147. صالح بن صالح: (7) 84. صالح بن عدي: (6) 316. صالح بن عطاء: (3) 231. صالح بن عمر: (14) 90. صالح بن كيسان: (3) 48، 55، 56، (5) 51، 311، 379، (6) 48، (7) 306، 369، (8) 254، (9) 301، 362، (10) 57، 83، 168، 344، 346، (12) 344، (13) 157، 159، (14) 203، 430، 466، 484، 490، 572. صالح بن محمد: (3) 51، (11) 131، (12) 340. صالح بن موسى: (6) 8. صالح المري: (12) 321. صالح بن النضر: (4) 259. صخر بن جويرية: (8) 118، (14) 497. صخر بن حرب: (1) 85، (6) 257. صخر الغامدي: (12) 63. صدقة بن خالد: (14) 217. صدقة بن سعيد: (14) 17. صدقة بن أبي سعيد الحنفي: (12) 99. صدقة بن عامر الحارثي: (12) 261. صدقة بن المثنى: (12) 391. صدقة بن المنتصر الشعبانيّ: (12) 378. صدقة بن هرمز: (5) 195. صدي بن عبد اللَّه: (4) 398. الصعب بن جثامة بن قيس: (1) 277، 375، (2) 107، (7) 170، 257، 259، (14) 273. الصعب بن عطية بن بلال: (5) 290. صعب بن معاذ: (4) 402. الصعب بن حزن: (5) 219. صفوان: (1) 178، 386، (9) 351، (12) 170، 171، 172، 349. صفوان بن أمية: (1) 80، 88، 117، 118، 129، 138، 147، 159، 172، 186، 266، 280، 286، 324، 333، 348، 352، 384، 385، 398، 400، 401، (2) 10، 12، 17، 18، 28، 29، 210، 211، 234، (4) 216، 299، 403، (6) 160، 163، 287، (7) 286، (9) 112، 298، (10) 6، (12) 170، 171، 172، (13) 279، (14) 8، 9، 15، 291. صفوان بن خلف الجمحيّ: (6) 268. صفوان بن سليم: (6) 126، (7) 86، (11) 36، 37، 92، (12) 340. صفوان بن عسال: (13) 177، (14) 82. صفوان بن عمرو: (3) 44، (8) 163، (9) 352، (12) 196، (13) 203، (14) 77، 251. صفوان بن قتيبة: (10) 318. صفوان بن مالك بن صفوان: (6) 297. صفوان بن محرز: (7) 12. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 216 صفوان بن موسى البارقي: (12) 204. صفوان بن هبيرة: (10) 310. صفوان بن يعلى: (3) 49. الصلت بن الحجاج: (2) 255، 263. الصلت بن دينار: (13) 222. الصلت بن راشد: (7) 18. الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل: (7) 55. الصلت بن محمد بن همام: (4) 56، 91. الصلت بن مخرمة بن المطلب: (9) 282. الصلت بن مسعود: (4) 112. صلة بن أشيم: (13) 185. صلت بن زفر: (3) 288، (9) 365، 366، (14) 72. صهيب: (1) 68، 107، (9) 96، 106، 109، 114. صهيب بن سنان: (9) 102، 106، 109، 162. صيفي بن عائذ: (4) 291. الضاد ضبة بن محصن: (5) 238، (11) 120. ضبيعة بن زيد بن مالك: (9) 175. الضحاك: (8) 286، 287، (11) 87، 88، 119، 142، 163، 191، 199، (12) 150، 205، 296، 299، (13) 25، 77. الضحاك بن حذيفة المازني: (9) 146. الضحاك بن خليفة: (1) 249، (9) 255. الضحاك بن سفيان: (2) 37، 43، (6) 65، (7) 178، 182، 183، 184، 185، 186. الضحاك بن عثمان: (4) 289، (13) 508، 306. الضحاك بن قيس: (6) 249، (9) 63، 144، (13) 215. الضحاك بن مزاحم: (2) 343، (8) 275، (13) 116، (14) 569. الضحاك بن يربوع: (14) 568. ضرار بن الخطاب: (1) 114، 165، 234، 235، 236، (6) 267. ضرار بن صرد: (4) 126، (12) 99. ضرار بن عبد اللَّه بن قرط: (10) 57. ضمام بن ثعلبة: (2) 89. ضمرة: (12) 388. ضمرة بن حبيب: (2) 330، (6) 126، (9) 94، (11) 3، (12) 390، 391، (13) 116. ضهير بن رافع: (9) 155. ضمرة بن ربيعة: (7) 259، (13) 217. ضمضم بن عمرو: (1) 85، 87، 89. ضمرة بن الفيض: (9) 154. ضميرة بن أبي ضميرة: (6) 326. الطاء طارق بن سويد: (8) 3. طارق بن شهاب: (7) 382، (9) 155، (10) 176، 177. طارق بن عبد الرحمن: (12) 81. طارق بن عبد اللَّه المحاربي: (6) 393، (8) 310، 314. طارق أبو صالح: (5) 146. طالب بن حجير: (7) 139. طالب بن أبي طالب: (6) 276. طالوت بن عباد: (7) 288، (14) 292. طاوس: (8) 4، 56، 141، 228، (9) 32، (12) 300، (13) 19، 116، 151، (14) 316. طعيمة بن أبيرق: (2) 76. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 217 طعيمة بن عدي: (1) 42. الطفيل: (12) 290. الطفيل بن أبي بن كعب: (3) 236، (5) 50، 51، 52، (11) 136. الطفيل بن الحارث: (6) 52، 169. طفيل بن ذي النون بن طريف: (4) 359، (5) 311. طفيل بن سنان: (2) 256. الطفيل بن عبد اللَّه: (6) 182. الطفيل بن عمرو: (1) 46، 47، 320، (2) 21، 23، 229، (4) 202، 357، (5) 311، 312، (6) 2. الطفيل بن مالك بن النعمان: (1) 237، (6) 238. الطفيل بن النعمان: (1) 179، 244. طلحة: (1) 117، 141، 151، 157، 169، 179، (8) 251، (9) 83، 137، 189، (11) 35، (12) 38، 193، 196، (13) 84، 187، 188، 230، 231، 233، 235، 236، 237، 238، 239، 240، 241، 242، 243، 244، 250، 254، 265، (14) 257، 512، 537. طلحة البصري: (12) 318. طلحة بن الحسن: (5) 361. طلحة بن خويلد الأسدي: (1) 181، 224. طلحة الخولانيّ: (12) 384. طلحة بن زيد: (2) 280، (7) 315. طلحة بن أبي طلحة: (1) 100، 138، 139، 142، (8) 100. طلحة بن عبيد بن الجراح: (1) 148. طلحة بن عبيد اللَّه: (1) 33، 69، 81، 112، 152، 156، 169، 260، 275، 297، (2) 28، 48، 82، (3) 56، (5) 58، 59، 144، (6) 140، 141، 143، 145، 156، 208، (8) 64، 340، (9) 95، 189، (10) 158، 258، (12) 150. طلحة بن عمرو: (2) 340، 345، (4) 100، 134، 135، (5) 271. طلحة الفياض: (6) 141. طلحة بن مر: (10) 359. طلحة بن مصرف: (2) 293، (4) 308، 311، 317، (5) 145، (14) 102، 481. طلحة بن نافع: (7) 170، (10) 74، (14) 281. طلحة بن يحيى: (7) 8، 49، 119، 279، (12) 326. طلحة بن علي: (10) 88، 90، 91. الطيب بن إسماعيل: (4) 324. الطيب بن بر: (9) 283. العين عائذ: (12) 99. عائذ بن عبد اللَّه بن عمر: (6) 193، (8) 146. عائذ بن عمرو: (9) 149. عائذ بن يحيى: (3) 327، (7) 177. عائذ بن أبي عائذ: (4) 311. عاصم: (8) 54، 153، 154، (9) 76، 97، 326، (12) 330، (13) 87، 195، 211، (14) 174. عاصم الأحول: (2) 255، (7) 275، 355، (12) 330، (14) 284. عاصم بن بهدلة: (2) 173، 174، 207، (3) 343، (6) 8، (7) 344، (8) 257. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 218 عاصم بن ثابت: (1) 109، 116، 141، 142، 148، 153، 172، 173، 185، 258، (4) 400، (8) 345، (10) 5، 7، (12) 163، (13) 271، 274. عاصم بن حمزة: (11) 95. عاصم بن حميد السكونيّ: (14) 418. عاصم بن الخطاب: (12) 283. عاصم بن سعد: (11) 288. عاصم بن سليمان: (5) 183، 184، (6) 372. عاصم بن ضمرة: (11) 155، (12) 134. عاصم بن عبد اللَّه الحكمي: (13) 295. عاصم بن عبد اللَّه بن عاصم: (11) 47، 48. عاصم بن عبد اللَّه بن عمرو: (14) 435، 436. عاصم بن عبيد اللَّه: (5) 147، 152، (11) 50، (12) 336. عاصم بن عدي: (1) 112، (2) 48، 77، (9) 313. عاصم بن علي: (2) 201، (5) 332، (7) 71، 83، (12) 247، 334، 335، (13) 289، (14) 155. عاصم بن عمر: (1) 83، 296، (2) 248، (3) 231، 320، 323، 354، 355، (5) 73، 152، (6) 216، (7) 177، (8) 58، 100، (9) 207، 278، 373، (12) 139، (13) 255، 303، 304، (14) 272. عاصم بن عمر بن الخطاب: (13) 271. عاصم بن عمر بن قتادة: (3) 356، 358، 397، (5) 116، (8) 143، 374، (9) 184، 242، (11) 49، 330، 331، 333، (13) 318، 364، (14) 49، 356. عاصم بن كليب: (3) 48، 365، (14) 90، 112. عاصم بن لقيط: (7) 255، 288، (14) 271. عاصم بن محمد: (10) 346، (12) 304. عاصم بن محمد بن زيد: (10) 349. عاصم بن محمد العمري: (12) 386. عاصم بن يوسف: (12) 327. عاصم بن أبي عوف: (1) 109. عاصم بن أبي النجود: (4) 268، 288، 290، 291، 308، 309، 310، 321، 326، (9) 34، (12) 258. عامر: (1) 103، 182، 311، (8) 289، 291، (9) 131، 132، 303، 304، 306، 307، (11) 255، 256، (12) 95، 130، 231، (14) 87. عامر بن الأكوع: (9) 302، 303، 304، 306. عامر بن البكير: (9) 102. عامر الحضرميّ: (1) 102. عامر بن ربيعة: (4) 32، (7) 391، (9) 100، 105، 189. عامر بن ربيعة العنزي: (6) 56. عامر بن ربيعة بن كعب: (9) 111. عامر بن سعد بن أبي وقاص: (4) 38، (5) 285، (7) 396، (11) 123، 305، 307، 308، 309، 310، (14) 186، 553، 554، 555، 585. عامر بن سنان: (1) 313، (9) 302، 307، (11) 310. عامر بن شرحبيل: (4) 306، (9) 63. عامر الشعبي: (1) 119، (3) 94، 233، (4) 291، (5) 13، (6) 391، (7) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 219 175، (8) 275، (9) 77، 87. عامر بن شقيق: (11) 132، (13) 213. عامر بن صالح: (3) 323، 324. عامر بن صعصعة: (9) 178. عامر بن الطفيل: (1) 182، 183، 184، (2) 200، (4) 123، 124، 125، (9) 111، (12) 93، 94، 95، 96، (13) 285. عامر بن عبد الأعلى: (4) 316. عامر بن عبد اللَّه بن الجراح: (1) 346، (9) 375. عامر بن عبد اللَّه بن الزبير: (7) 174، (12) 254. عامر بن عبد الواحد: (12) 238، (14) 145. عامر بن عبدة: (12) 365. عامر بن عبيد بن حذيفة بن غانم: (9) 296. عامر بن فهيرة: (1) 36، 58، 59، 60، 183، (4) 224، 401، (5) 204، 209، 212، 271، (8) 321، 322، (9) 101، 110، 111، 114، 198، 199، (11) 300، 301، (12) 122، (13) 285، 286. عامر بن كريز: (6) 278، (11) 376. عامر بن مالك بن كنانة بن قيس: (9) 106. عامر الكلاعي: (13) 3. عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب: (1) 181. عامر بن واثلة: (13) 12. عامر بن أبي عامر: (5) 225. عباد: (9) 231. عباد بن بشر: (1) 125، 179، 199، 200، 289، 291، 325، 234، 276، 281، (2) 37، 42، 68، (3) 82، 83، (5) 316، 317، (7) 148، 188، (8) 365، (9) 253، (12) 181، 186، 189. عباد بن بشير: (7) 187، (9) 230، 231. عباد بن تميم: (2) 259، (14) 456. عباد بن جويرية: (3) 199. عباد بن حبيش: (14) 59. عباد بن حمزة بن عبد اللَّه: (3) 323. عباد بن حنيف: (2) 78. عباد بن راشد: (8) 10. عباد السماك: (14) 205. عباد بن عباد بن حبيب: (2) 261، (7) 10، (8) 52. عباد بن عبد الصمد: (4) 5، (11) 254، (14) 564. عباد بن عبد اللَّه: (2) 214، 386، (5) 54، (14) 502، 503. عباد بن عبد اللَّه الأسدي: (5) 175. عباد بن عبد اللَّه بن الزبير: (7) 155، (10) 368، (14) 569. عباد بن عبيد اللَّه بن عمر: (9) 31. عباد بن علي: (8) 230. عباد بن العوام: (2) 158، 204، 221، (7) 281، (12) 333، 349، (14) 322، 417. عباد بن قيس: (9) 235. عباد بن كثير: (2) 248، (8) 10. عباد بن معين: (8) 10. عباد بن منصور: (4) 348، (5) 103، (7) 90، 91، 255، (8) 9، 10، (12) 73، (14) 271. عباد بن موسى الختّليّ: (14) 371. عباد بن ميسرة: (3) 152. عباد بن الوليد بن عبادة: (5) 89. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 220 عباد بن يعقوب: (11) 287، 279. عباد بن يوسف الكندي: (5) 247. عبادة: (9) 292، 293، (12) 285. عبادة بن بشر: (1) 239، 257، 262. عبادة بن تميم: (7) 64. عبادة بن الصامت: (1) 51، 55، 123، 204، 209، 211، (2) 91، 220، (3) 46، 314، (8) 122، 347، 370، (9) 83، 138، 292، (10) 13، 250، 252، (11) 114، (12) 213، 214، 215، 284، 360، (13) 177، 317. عبادة بن نسي: (11) 65. عبادة بن الوليد بن عبادة: (5) 34. العباس: (1) 53، 80، 132، 159، 356، 358، 360، 375، 377، 393، (2) 13، 17، 125، 129، 135، 136، 137، (3) 194، 195، 196، (5) 338، 339، 390، (6) 21، 30، 90، 91، 111، 271، 276، 310، 313، 326، (8) 312، 385، (9) 299، 351، (12) 60، 164، 165، 167، 168، 169، 208، 247، 298، 299، 300، (13) 80، 157، 159، 160. عباس بن بكار: (11) 147. العباس بن ذريح: (2) 342، (6) 309. عباس بن زياد الأسدي: (11) 143. عباس بن سهل بن سعد: (5) 48، (13) 316، (14) 43، 44. عباس بن عبادة: (1) 159، (10) 85. العباس بن عبد اللَّه بن سعيد: (4) 95. العباس بن عبد المطلب: (1) 54، 88، 108، 131، 323، 333، 357، 390، (2) 48، 49، 112، 118، (3) 193، 204، 205، 206، 207، 211، (4) 36، 57، 95، 125، 216، 361، 399، (5) 70، 82، 379، 381، (6) 20، 149، 165، 231، 257، 309، (8) 389، (9) 28، 93، 162، 282، 285، 286، 287، (10) 96، 107، 310، (12) 164، 247، 298، 356. عباس بن علقمة بن عبد اللَّه: (6) 256. العباس بن الفضل: (11) 372. العباس بن محبوب بن عثمان: (5) 299. العباس بن محمد: (8) 176، (14) 17. العباس بن محمد الدوري: (5) 23. العباس بن محمد بن العباس: (5) 225. العباس بن مرداس: (1) 324، 365، (2) 27، 29، 33، (4) 15، 17، (7) 169، 171، (9) 235، 298. العباس بن المغيرة: (11) 47. العباس بن هشام: (5) 285، (6) 374، (11) 342. العباس بن الوليد: (6) 127. العباس بن الوليد بن صبح الخلال: (12) 286. العباس بن الوليد بن مزيد: (12) 232، 266، (14) 140. عباس بن أبي ربيعة: (9) 189، 190. عباية: (13) 264. عباية بن رافع: (12) 25، 26. عباية بن ربعي: (3) 208. عباية بن مالك: (1) 340. عبد بن جزء: (11) 76. عبد بن حميد: (2) 142، 153، (3) 58، (5) 7، (6) 286، (7) 225، (9) 285. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 221 عبد بن زمعة بن قيس: (6) 198. عبد بن زياد الأسدي: (12) 238. عبد بن سليمان: (10) 269. عبد بن عبد الغفار: (6) 328. عبد بن مطيع بن الأسود: (2) 276. عبد بن يزيد: (12) 326. عبد الأعلى: (4) 349، (9) 202، 271، (11) 115، 243، 305، 325، 349، (13) 65، 199، 200. عبد الأعلى بن حماد: (2) 169، 340، (4) 114، 115، (5) 158، (10) 225. عبد الأعلى بن عبد الأعلى: (4) 127، 237، (5) 179. عبد الأعلى بن هلال السلمي: (4) 54. عبد الأعلى بن أبي المساور: (10) 341. عبد الباقي بن قانع: (7) 83، (11) 51. عبد الجبار بن العباس الشامي: (13) 231. عبد الجبار بن عمارة: (13) 364. عبد الجبار بن عمر: (3) 219، (8) 79، (12) 287. عبد الجبار بن وائل الحضرميّ: (2) 170، 171، (5) 301. عبد الجبار بن الورد: (13) 228. عبد الجليل بن حميد: (11) 221، 222. عبد الحق بن عبد اللَّه بن أبي سلمة: (12) 95. عبد الحميد: (9) 266. عبد الحميد بن بهرام: (14) 80. عبد الحميد بن جبير بن شيبة: (2) 277. عبد الحميد بن جعفر: (4) 124، (8) 14، (9) 115، 294، 356، 357، (10) 49، 178، (13) 317، 318، (14) 8. عبد الحميد بن الحسن الهلالي: (5) 25. عبد الحميد بن زياد: (2) 270، 299. عبد الحميد بن سليمان: (14) 615. عبد الحميد بن صالح: (4) 359. عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني: (2) 339، (12) 81. عبد ربه بن سعيد بن عمرة: (8) 50. عبد الرحمن: (8) 127، (9) 235، 275، 283، 294، 306، (11) 34، (12) 158، 159، 194، 241، 275، 290، 336، (13) 11، 121، 346. عبد الرحمن بن أبزى: (4) 64، 298، (13) 42. عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المصري: (12) 211. عبد الرحمن بن أزهر: (10) 285. عبد الرحمن بن إسحاق: (7) 286، 369، (14) 291. عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث: (7) 71. عبد الرحمن بن الأصبهاني: (5) 209. عبد الرحمن بن أفلح: (14) 587. عبد الرحمن بن أنيس السلمي: (4) 17. عبد الرحمن بن أيمن: (5) 157. عبد الرحمن بن أيوب: (10) 311. عبد الرحمن بن بحير: (13) 199. عبد الرحمن بن بشر بن مسعود: (11) 41. عبد الرحمن بن أبي بكر: (1) 158، (5) 160، 161، 386، (6) 152، 168، 181، 204، (9) 149، 282، (10) 162، (12) 40، 99، 277. عبد الرحمن بن أبي بكرة: (4) 256، (12) 261، 348، 389، (14) 207. عبد الرحمن بن تميم: (8) 170. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 222 عبد الرحمن بن جابر: (10) 296. عبد الرحمن بن الجارود: (11) 242. عبد الرحمن بن جبير: (2) 243، (5) 319، (7) 340، (9) 351، 352، (11) 50، 121، (12) 206، 333، 351، 359، (14) 77، 185، 186. عبد الرحمن بن الحارث: (3) 72، 75، 324، (4) 73، 246، 247، (6) 160، 268، 269، (7) 232، 259، (9) 105، (13) 243، 244، 273. عبد الرحمن بن حرملة: (5) 131، (9) 32، (12) 83، 283. عبد الرحمن الحزامي: (2) 251. عبد الرحمن بن حزن: (1) 271. عبد الرحمن بن الحسن: (5) 361. عبد الرحمن بن حسنة: (7) 302. عبد الرحمن بن حسان: (6) 173. عبد الرحمن بن الحكم: (12) 101. عبد الرحمن بن حماد بن عمران: (8) 64، 65. عبد الرحمن بن حميد: (3) 402، (4) 37، 251، (10) 108، 230. عبد الرحمن بن حويطب: (6) 137. عبد الرحمن بن أبي حماد: (4) 311. عبد الرحمن بن خالد: (2) 282، (10) 346، (12) 288، (13) 253. عبد الرحمن بن خنيش: (4) 113. عبد الرحمن بن خلاد: (13) 189. عبد الرحمن الراسبي: (3) 383. عبد الرحمن بن أبي الرجال: (6) 61. عبد الرحمن بن زمعة: (6) 198. عبد الرحمن بن زياد الإفريقي: (2) 162، (3) 149، (5) 90، 135، (10) 138، 370، (12) 350، (14) 104، 125. عبد الرحمن بن زيد: (4) 245، (6) 219. عبد الرحمن بن زيد بن الخباب: (11) 312. عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: (6) 146. عبد الرحمن بن أبي الزناد: (3) 72، (4) 73، (7) 135، (8) 27، (13) 204. عبد الرحمن بن سابط: (12) 305، (14) 94، 204. عبد الرحمن بن سعد: (7) 155، 331، 332. عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل: (6) 368، (11) 319، 331، 333، (12) 372. عبد الرحمن بن سمرة: (8) 94، 392. عبد الرحمن بن سهل: (9) 152. عبد الرحمن بن سيرين: (6) 345. عبد الرحمن بن أبي سبرة: (11) 341. عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدريّ: (3) 354. عبد الرحمن بن شرحبيل: (14) 185. عبد الرحمن بن شريح: (11) 51، (12) 384. عبد الرحمن بن شريك: (5) 28. عبد الرحمن بن شماسة: (4) 241، (12) 370، (14) 185. عبد الرحمن بن شيبة: (6) 257، (12) 388. عبد الرحمن بن أبي شيبة: (10) 320. عبد الرحمن بن صالح: (6) 316، (11) 270، (12) 235، (14) 143. عبد الرحمن بن صحار العبديّ: (12) 379. عبد الرحمن بن صفوان: (6) 160، 268. عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي: (11) 36. عبد الرحمن بن عائذ الأزدي: (14) 251، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 223 254. عبد الرحمن بن عائش: (2) 295، (8) 130، 131، 132. عبد الرحمن بن عابس: (7) 267. عبد الرحمن بن العباس: (6) 166، 271، 276. عبد الرحمن بن عبد الرحمن: (3) 355. عبد الرحمن بن عبد العزيز: (3) 22، 362، (5) 97، 110، 253، (8) 143، (9) 181، 289، (11) 320، (13) 273، 374. عبد الرحمن بن عبد الصمد: (7) 68. عبد الرحمن بن عبد القاري: (4) 249، 225، 251، (7) 221. عبد الرحمن بن عبد اللَّه: (3) 46، (5) 385، (6) 144، 145، 268، (7) 126، 188، (8) 150، 151، (10) 48، (11) 47، 88، 136، (12) 346، 347. عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار: (5) 127، (7) 67. عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن ذكوان: (7) 134. عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة: (6) 145، 208. عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عثمان: (6) 161. عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب: (3) 288، (8) 169، 170، (9) 268، 275، (13) 112، 113، 298. عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود: (5) 274، 275، (8) 76، (12) 192، 204، 346، 348، (14) 125. عبد الرحمن بن عبد المنعم: (3) 189. عبد الرحمن بن عتاب: (13) 243، 244. عبد الرحمن بن عتيبة: (1) 260، (10) 311. عبد الرحمن بن عثمان: (6) 291، (12) 347. عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم: (11) 337. عبد الرحمن بن عثمان السهمي: (6) 145. عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم: (11) 338. عبد الرحمن بن عديس: (13) 207، 208. عبد الرحمن بن أبي عقيل: (3) 284. عبد الرحمن بن علقمة: (3) 284. عبد الرحمن بن عمر: (6) 213. عبد الرحمن بن أبي عمر: (12) 338، 351. عبد الرحمن بن أبي عمرة: (5) 147. عبد الرحمن بن عمرو: (3) 34، (11) 51. عبد الرحمن بن عمرو الحراني: (12) 232، (14) 140. عبد الرحمن بن عمرو السلمي: (3) 145، (12) 351. عبد الرحمن بن عوف: (1) 33، 107، 109، 113، 148، 253، 260، 268، 269، 275، 296، 297، 322، 383، (2) 4، 5، 7، 28، 48، 57، 93، 108، (3) 325، 326، 402، (4) 397، (5) 58، 244، (6) 137، 138، 140، 155، 156، 316، 361، 369، 370، (9) 63، 83، 95، 118، 137، 151، 168، 189، 294، 321، 364، 370، 371، 372، 379، (10) 263، (11) 48، 49، 150، 223، (12) 151، 156، 157، 158، 203، 275، (13) 21، 264، (14) 306، 458. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 224 عبد الرحمن بن أبي عون: (11) 223. عبد الرحمن بن عويم: (10) 84. عبد الرحمن بن العلاء الحضرميّ: (12) 295. عبد الرحمن بن غزوان: (8) 174، 178. عبد الرحمن بن غنم: (6) 363. عبد الرحمن بن أبي غياث: (12) 332. عبد الرحمن الفهري: (7) 212. عبد الرحمن بن القاسم: (7) 99، 122، (9) 30، 168، (11) 48، (12) 283، (13) 212، (14) 497. عبد الرحمن بن قرظ: (8) 190، (12) 267. عبد الرحمن بن أبي قسيمة: (5) 170. عبد الرحمن بن كعب بن عمرو: (9) 229. عبد الرحمن بن كعب بن مالك: (2) 123، 283، (5) 279، (8) 43، 150، 151، (9) 307، (13) 345. عبد الرحمن بن أبي ليلى: (2) 248، (3) 251، (4) 113، 225، (5) 167، 217، (11) 22، 262، 107، 278، 279، 290، (12) 31، (13) 17. عبد الرحمن بن ماعز: (12) 254. عبد الرحمن بن مالك بن جعشم: (2) 156. عبد الرحمن بن مالك المدلجي: (12) 121. عبد الرحمن بن المبارك: (5) 85. عبد الرحمن بن المتوكل: (13) 294. عبد الرحمن بن محمد: (2) 225، (5) 25. عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر: (12) 190. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن: (11) 49. عبد الرحمن بن محمد المحاربي: (12) 262، 278. عبد الرحمن بن محرز بن حارثة: (5) 367. عبد الرحمن بن المسور: (14) 203، 204. عبد الرحمن بن معاذ: (2) 160. عبد الرحمن بن معاوية: (7) 286، (12) 356، (14) 291. عبد الرحمن بن معمر بن عبد اللَّه: (6) 148. عبد الرحمن بن معن السلمي: (12) 352. عبد الرحمن بن منصور: (13) 264. عبد الرحمن بن مهدي: (2) 264، (4) 336، 370، (6) 78، (7) 66، 332، 370، (8) 22، 75، 149، (9) 258، 275، 362، (11) 83، (12) 274. عبد الرحمن بن مهند: (12) 336. عبد الرحمن بن أبي الموالي: (8) 60. عبد الرحمن بن ميسرة بن أزهر: (12) 256. عبد الرحمن بن مينا: (12) 300. عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة: (8) 255. عبد الرحمن بن هرمز: (4) 295. عبد الرحمن بن واقد: (3) 400. عبد الرحمن بن يزيد: (3) 42، 188، 189، (4) 334، 339، 389، (6) 374، (7) 267، (13) 185، (14) 279. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: (8) 131، 132، 137، (11) 60، 61، 62، 63، (12) 368. عبد الرحمن بن يزيد المقري: (11) 121. عبد الرحمن بن يعقوب: (3) 123. عبد الرحمن بن يعلى بن كعب: (11) 324. عبد الرحمن بن يونس: (5) 296. عبد الرحيم بن سليمان: (10) 88. عبد الرزاق: (2) 264، (8) 27، 67، 99، 101، 102، 117، 122، 129، 134، 136، 201، 391، (9) 9، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 225 201، 239، 308، 309، 382، (11) 48، 125، 133، 227، 240، 241، 246، 290، 349، (12) 25، 125، 134، 275، 289، 296، 305، 324، (13) 13، 19، 89، 90، 184، 221، 225، 257، 289، 338، 345، 385، (14) 88، 106، 157، 170، 182، 187، 200، 212، 215، 284، 380، 424، 446، 456، 478، 480، 482، 524. عبد السلام: (12) 196، 347. عبد السلام بن حرب: (3) 224، (4) 115، (7) 297. عبد السلام بن عجلان: (3) 233، (11) 145. عبد السلام بن هاشم: (8) 163، (12) 59. عبد الصمد: (12) 5، 122، 272. عبد الصمد بن حبيب الأزدي: (12) 312. عبد الصمد بن حسان: (12) 235. عبد الصمد بن عبد الوارث: (10) 190، (12) 197، 285. عبد الصمد بن محمد السعدي: (4) 89. عبد العزيز: (8) 275، (12) 5، 388، (13) 58، 171، 172. عبد العزيز بن أبان: (3) 273. عبد العزيز بن جمعان: (12) 197. عبد العزيز بن الخطاب: (13) 186. عبد العزيز بن حسين: (10) 324. عبد العزيز بن رافع: (14) 490. عبد العزيز بن رفيع: (12) 384، (14) 8. عبد العزيز بن رمانة: (4) 121، (13) 277. عبد العزيز بن سلمة: (7) 66. عبد العزيز بن صهيب: (2) 164، (5) 123، (7) 40، 54، 73، (9) 270، 350، (10) 246، (12) 122، (13) 23، 139، (14) 222، 469. عبد العزيز بن عبد الصمد: (2) 168، (3) 302. عبد العزيز بن عبد اللَّه: (9) 23. عبد العزيز بن عبد اللَّه بن خالد: (2) 156. عبد العزيز بن عبد اللَّه الأويسي: (12) 65. عبد العزيز بن عبد الملك: (10) 126، 127. عبد العزيز بن عمر: (3) 383، (4) 52، (11) 329. عبد العزيز بن عمران: (4) 52، 53، (12) 151، (14) 304. عبد العزيز الماجشون: (2) 155. عبد العزيز بن محمد: (2) 207، 227، (7) 329، (9) 191، (10) 62، 157، 171، 344، 346، (11) 81، (13) 340، (14) 608. عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ: (4) 53، (9) 360، (10) 348، (11) 82، 232، (12) 247، 337، (14) 155. عبد العزيز بن محمد بن عبد سهيل: (11) 71. عبد العزيز بن المختار: (10) 292، (13) 218، (14) 518. عبد العزيز بن مسلم: (7) 301، (14) 180، 518. عبد العزيز بن يحيى: (12) 16. عبد العزيز بن أبي حازم: (3) 227، (7) 371، (10) 104، (11) 285. عبد العزيز بن أبي داود: (14) 567. عبد العزيز بن أبي رواد: (7) 55. عبد العزيز بن أبي سلمة: (2) 201، 259، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 226 (9) 31، (10) 305، (11) 309، (12) 283. عبد القدوس بن الحجاج: (12) 275، 340. عبد الكبير البصري: (7) 19. عبد الكريم: (9) 107. عبد الكريم الجزري: (4) 126، (10) 180. عبد الكريم بن الحارث: (14) 199. عبد الكريم الخزار: (5) 303. عبد الكريم بن هلال الجعفي: (5) 239. عبد الكريم بن أبي أمية: (13) 20. عبد اللَّه: (1) 38، 76، 177، (6) 28، (8) 85، 251، 287، 288، (9) 76، 77، 78، 99، 131، 136، 245، 273، 274، 275، 283، 308، 385، (11) 133، 144، 148، 257، 280، (12) 15، 25، 27، 60، 73، 74، 81، 103، 104، 105، 106، 134، 135، 136، 139، 154، 208، 247، 254، 260، 257، 280، 294، 300، 301، 305، 324، 366، 370، 387، 314، (13) 176، 277، (14) 223، 437. عبد اللَّه بن إبراهيم بن قدامة: (11) 180. عبد اللَّه بن أبي ابن سلول: (1) 176، 291، (2) 229، 231، 232، (4) 189، (5) 111، 258، (8) 362. عبد اللَّه بن الأجلح: (4) 283، (8) 312. عبد اللَّه بن أحمد بن جحش: (2) 351، (6) 62. عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: (5) 52، (11) 143، (12) 208، 238، 298. عبد اللَّه بن إدريس: (3) 289، (5) 284، 296، (11) 222. عبد اللَّه بن أذينة: (5) 267. عبد اللَّه بن أريقط: (1) 58، 59، 68، (5) 209، 212. عبد اللَّه بن إسحاق: (7) 110، (11) 38. عبد اللَّه محمد بن إسماعيل: (7) 54. عبد اللَّه بن أبي الأسود: (7) 19، 21، 24، (8) 2. عبد اللَّه بن الأصم: (12) 212. عبد اللَّه بن أم مكتوم: (1) 52، 83، 124، 389. عبد اللَّه بن أبي أمية بن المغيرة: (1) 172، 357، (2) 24، (6) 232، 251، 252، (13) 160. عبد اللَّه بن أنيس: (1) 195، 256، 272، 321، (4) 216، 401، 402، (7) 263، (13) 311، 312، 313، 320، 321. عبد اللَّه بن أبي أوفى: (2) 217، (5) 92، (9) 122، 273، 274، (9) 122، (10) 376، (11) 57، 147، (12) 60، (13) 22، 126. عبد اللَّه بن بجير: (12) 329. عبد اللَّه ابن بحينة: (9) 134. عبد اللَّه بن بدر: (1) 374، (3) 364، (7) 169، 171، (10) 90، 91. عبد اللَّه بن بريدة: (2) 160، 223، 261، 262، 273، 274، 308، (5) 183، 255، (6) 338، 378، (7) 164، (9) 212، 213، (11) 110، 286، 287، 292، (12) 310، 389. عبد اللَّه بن بسر: (2) 161، (6) 376، (7) 342، 343، (12) 293، 294، (14) 199. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 227 عبد اللَّه بن بسير: (7) 315. عبد اللَّه بن بشر: (11) 126، (14) 276. عبد اللَّه بن بشير: (7) 263. عبد اللَّه بن بكر: (5) 85، (11) 57، (12) 60. عبد اللَّه بن أبي بكر: (1) 68، (2) 136، 353، (3) 320، 321، 322، 352، (5) 72، 389، (6) 201، 272، (7) 163، 344، 345، (9) 198، (12) 152، (13) 364، 365، (14) 48. عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم: (2) 225، (9) 208، (12) 146، (13) 326، (14) 24، 474. عبد اللَّه بن أبي بكر الصديق: (9) 149. عبد اللَّه بن أبي بكر بن عمرو: (8) 143. عبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد: (3) 71. عبد اللَّه بن أبي بكر المقدمي: (2) 223. عبد اللَّه بن بكير: (11) 287، (12) 15. عبد اللَّه البلوى: (4) 30. عبد اللَّه بن أبي بلال: (8) 86. عبد اللَّه بن ثعلبة بن صعير: (12) 139، (14) 570. عبد اللَّه بن جابر: (3) 237. عبد اللَّه بن جبير بن النعمان: (1) 119، 137، 145، (6) 283، (9) 228. عبد اللَّه بن جحش: (1) 75، 77، 78، 156، 168، 705، (5) 45، (6) 52، 64، 65، 73، 77، 248، 254، 255، (9) 100، 189. عبد اللَّه بن جدعان: (1) 18، (4) 77، (6) 154. عبد اللَّه بن الجراح: (12) 253. عبد اللَّه بن جرير بن جبلة: (8) 74. عبد اللَّه بن جشم بن مالك: (9) 175. عبد اللَّه بن جعفر: (1) 343، (2) 258، (3) 34، 225، (4) 84، 93، 357، 397، (5) 249، 371، (6) 170، 293، (7) 54، 55، 221، 272، 286، 334، (9) 146، 298، 299، (10) 267، 269، (11) 33، 82، 328، (12) 47، (13) 229، 250، 273، 282، (14) 198، 282، 292، 464، 485، 486، 542، 543. عبد اللَّه بن أبي الجعد: (5) 221، (11) 272. عبد اللَّه بن أبي جهم بن حذيفة: (6) 214. عبد اللَّه بن الحارث: (1) 12، (2) 270، 299، (3) 204، 205، 206، 207، 322، (4) 87، (5) 29، 174، (6) 21، 182، 269، 277، (7) 128، 295، (8) 133، (9) 287، (10) 170، (11) 77، 114، (12) 200، 322، (13) 20، 87، (14) 204، 299، 440. عبد اللَّه بن حبان: (13) 191. عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت: (4) 291، 314، (7) 175، (12) 237، 253، (14) 145، 161. عبد اللَّه بن حدرد الأسلمي: (2) 11، 26، 56، (5) 116، (8) 389. عبد اللَّه بن حذافة: (1) 304، (2) 45، 116، (6) 49، (10) 61، 62، 63، 65، (11) 240، 241، (12) 127، 128. عبد اللَّه بن حذيفة بن حسن: (9) 322. عبد اللَّه بن حرام: (5) 198. عبد اللَّه بن حسان: (2) 259. عبد اللَّه بن الحسن: (5) 29، 361، (11) 128، (12) 221. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 228 عبد اللَّه بن الحسين بن موسى: (5) 31. عبد اللَّه بن أبي حسين: (14) 532. عبد اللَّه بن حفص: (5) 41، 253. عبد اللَّه بن الحكم: (11) 325، (13) 202، (14) 500. عبد اللَّه بن حميد بن زهير: (1) 151، 152. عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل: (12) 245، 246، (13) 47. عبد اللَّه بن حوالة الأسدي: (13) 202، (14) 191. عبد اللَّه بن خباب بن الأرت: (5) 329، 330، 331، (11) 32، (12) 322، (13) 135. عبد اللَّه بن خبيق: (11) 78. عبد اللَّه بن خيثم: (14) 38. عبد اللَّه بن خراش: (2) 257، (4) 77. عبد اللَّه بن الداناج: (13) 218، 219. عبد اللَّه بن داود: (4) 9، (8) 228. عبد اللَّه بن دياب: (12) 168. عبد اللَّه بن الديلميّ: (4) 20. عبد اللَّه بن دينار: (1) 296، (2) 285، (3) 89، (4) 329، (5) 29، 73، (7) 35، 233، 301، (8) 79، 127، (9) 169، 212، 353، (11) 112، 132، (12) 283، 319، (14) 111، 272، 518. عبد اللَّه بن راشد: (12) 285. عبد اللَّه بن رافع: (3) 304، (12) 328، 329. عبد اللَّه بن أبي رافع: (5) 356، (12) 138، 385. عبد اللَّه بن رباح الأنصاري: (2) 233، (3) 51، (5) 93، 96، 106، (7) 376، (8) 87، (13) 363، 379، 380. عبد اللَّه بن أبي ربيعة: (1) 38، 40، 41، 138، 388، 389، 400، 401، (2) 12، (4) 363، 364، 365، (6) 228، 241، 244، (11) 47. عبد اللَّه بن رجاء: (7) 175، (13) 229، (14) 482. عبد اللَّه بن رفاعة: (8) 22. عبد اللَّه بن رواحة: (1) 54، 103، 104، 117، 176، 193، 219، 239، 271، 272، 322، 332، 338، 339، 340، 341، 342، (2) 160، 229، 230، 266، (4) 395، 403، (5) 106، 297، 232، (6) 173، (8) 344، (9) 19، 148، 308، 309، 313، 382، 383، 385، (10) 41، 42، 75، 84، (11) 310، 315، (13) 359، 363، 364. عبد اللَّه بن الزبير: (2) 186، (3) 24، (4) 106، 222، 246، 247، 407، (5) 363، (6) 203، 277، (8) 228، (9) 33، 136، 337، (10) 97، 264، 345، 355، 356، 357، (12) 64، 94، 135، 245، 250، 254، 255، 259، 260، 261، 271، 278، 355، (13) 4، 246، 264، 389، (14) 157، 158، 182، 183. عبد اللَّه بن زفر: (3) 228. عبد اللَّه بن زرير الغافقي: (7) 135، (12) 219، (14) 127. عبد اللَّه بن زمعة بن الأسود: (6) 300، (14) 457. عبد اللَّه بن زياد: (5) 363، 364، (10) 108، (13) 241، (14) 586. عبد اللَّه بن أبي زياد: (9) 36. عبد اللَّه بن زيد: (1) 163، (7) 9، 74، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 229 (9) 313، (10) 88، 119، 120، 232، (11) 17، (12) 245، 301، (13) 354. عبد اللَّه بن زيد بن أسلم: (4) 123، (7) 72. عبد اللَّه بن زيد بن ثعلبة: (1) 70، 118. عبد اللَّه بن زيد بن عاصم: (1) 162. عبد اللَّه بن زيد الهذلي: (10) 94. عبد اللَّه بن السائب: (4) 110، 288، 291، 299، (7) 182، (8) 145، 146، 148، (10) 307، (11) 59. عبد اللَّه بن ساعدة: (4) 18. عبد اللَّه بن سالم: (2) 203. عبد اللَّه بن سالم الأشعري: (8) 251. عبد اللَّه بن سالم الحمصي: (7) 298. عبد اللَّه بن سرجس: (2) 172، 173، (8) 153، 155، (9) 148. عبد اللَّه بن سعد: (13) 111. عبد اللَّه بن سعد الأسلمي: (2) 214. عبد اللَّه بن سعد بن جابر: (6) 153. عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح: (1) 385، 398، (9) 334، (13) 110. عبد اللَّه بن سعيد: (4) 66، (7) 261، (8) 27، (12) 236، (13) 359، (14) 144، 274. عبد اللَّه بن أبي سعيد: (3) 350. عبد اللَّه بن أبي السفر: (2) 276، (8) 83. عبد اللَّه بن سلمة: (2) 272، 305، (4) 127، (11) 281، (14) 82. عبد اللَّه بن سلمة العجلاني: (1) 109، (12) 163. عبد اللَّه بن سلمة بن مالك: (10) 5. عبد اللَّه بن سليمان: (4) 270، (11) 92، 129، 177. عبد اللَّه بن سنان بن عقبة: (11) 147. عبد اللَّه بن سهل بن رافع: (1) 179، 244، 303، 397. عبد اللَّه بن سويد: (12) 211. عبد اللَّه بن سلام: (1) 65، 69، 190، 248، (2) 236، (3) 225، 355، (4) 93، 339، 404، 406، 407، (7) 355، (9) 216، 229، (10) 23، (12) 226، 228، (14) 135. عبد اللَّه بن شداد: (2) 249، (3) 16، 366، (7) 128، (6) 10، 91، (11) 93. عبد اللَّه بن شريك: (11) 47. عبد اللَّه بن شقيق: (3) 169، 187، (8) 292، (10) 379، (13) 15. عبد اللَّه بن شهاب الزهري: (1) 147، 151. عبد اللَّه بن أبي شيبة: (5) 183. عبد اللَّه بن صالح: (2) 218، (5) 163، (7) 328، (8) 126، (11) 76، 88، 315، (12) 146، 257، 334، 359، (13) 202. عبد اللَّه بن الصامت: (3) 302، (4) 372، 375، (7) 32، (12) 376، (13) 209، 210، 211. عبد اللَّه بن صفوان: (6) 145، (12) 211، 390. عبد اللَّه بن أبي صعصعة: (11) 333. عبد اللَّه بن طارق: (1) 185، 186، (13) 275. عبد اللَّه بن طاوس: (8) 4. عبد اللَّه بن أبي طلحة: (2) 15، 215، 256، (9) 204، (12) 93. عبد اللَّه بن ظالم: (5) 58. عبد اللَّه بن عامر: (4) 290، 396، (9) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 230 375، (13) 203. عبد اللَّه بن عامر الأسلمي: (7) 338، (10) 208، (12) 378. عبد اللَّه بن عامر بن الجراح: (1) 346. عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة: (7) 390، (9) 105، (11) 47، 48. عبد اللَّه بن عامر بن كريز: (1) 249، (11) 376. عبد اللَّه بن عامر بن يزيد: (4) 303. عبد اللَّه بن عباد الأسدي: (5) 175. عبد اللَّه بن عباس: (1) 21، 31، (2) 144، 186، 258، (3) 229، 322، (4) 13، 20، 36، 249، 255، 259، (5) 8، 72، 92، 115، 148، 174، 337، (6) 20، 91، 166، 170، 271، 276، 358، (7) 252، 304، 305، 306، (8) 274، 294، 298، 302، 309، (9) 33، 52، 68، 69، 76، 84، 136، 195، (10) 285، 382، (11) 27، 79، 98، 136، (12) 15، 125، 138، 206، 295، 300، (13) 243، 340، (14) 301، 463، 464، 467، 479، 480، 511. عبد اللَّه بن عبد الرحمن: (1) 387، (2) 314، (4) 5، 265، 350، (5) 37، 39، 70، (7) 264، 366، 369، (9) 36، 53، 54، (14) 100. عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري: (12) 215، 373، 382. عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر: (6) 43. عبد اللَّه بن عبد الرحمن الطائفي: (2) 264، (11) 325. عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يعلى: (3) 362، (7) 179، (11) 253. عبد اللَّه بن عبد العزّى بن عثمان: (1) 138. عبد اللَّه بن عبد العزيز: (5) 97، (10) 70. عبد اللَّه بن عبد اللَّه: (4) 255، (6) 155، (12) 346. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي: (1) 209، 210. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي أمية: (6) 56. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن الحارث: (13) 20. عبد اللَّه بن عبيد اللَّه الرازيّ: (3) 39. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن سراقة: (6) 147، 148. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي طلحة: (8) 14. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة: (13) 140. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن نوفل: (5) 379، (9) 286، (13) 79. عبد اللَّه بن أبي عبد اللَّه: (5) 167. عبد اللَّه بن عبد المطلب: (1) 9، (3) 380، 381، (4) 37، 38، 39، 41، 44، 46، 66، 72، (8) 143. عبد اللَّه بن عبد الملك: (4) 129. عبد اللَّه بن عبيد الأنصاري: (5) 298. عبد اللَّه بن عبيد اللَّه: (10) 52. عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبي رافع: (7) 285. عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمر: (10) 132، (14) 504. عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبي مليكة: (3) 306. عبد اللَّه بن عبيد بن عمير: (2) 221. عبد اللَّه بن أبي عبيدة: (9) 106، (12) 199. عبد اللَّه بن عتبة: (4) 396، (9) 116، 394، (11) 360، 361، 362، (12) 309. عبد اللَّه بن أبي عتبة: (2) 202. عبد اللَّه بن عتيك: (1) 195، (2) 46. عبد اللَّه بن أبي عتيق: (7) 46. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 231 عبد اللَّه بن عثمان: (1) 192، (2) 341، (4) 74، (5) 82. عبد اللَّه بن عثمان بن الأرقم: (9) 91. عبد اللَّه بن عثمان الثقفي: (1) 304. عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم: (2) 340، (5) 148، 255، (6) 7، 18، (8) 9، 145، (12) 107، 305، (13) 212. عبد اللَّه بن عثمان بن خيثمة: (12) 15. عبد اللَّه بن عثمان بن ربيعة: (6) 268. عبد اللَّه بن عثمان بن أبي سليمان: (4) 52. عبد اللَّه بن عثمان بن عبد اللَّه: (6) 161. عبد اللَّه بن عثمان بن عفان: (5) 355. عبد اللَّه بن عدي: (10) 344، 345، 346، 353، 359، 363. عبد اللَّه بن عروة بن الزبير: (4) 127. عبد اللَّه بن عصمة: (11) 290، (12) 256، (14) 158. عبد اللَّه بن عطاء الهاشمي: (7) 100، (12) 60. عبد اللَّه بن عقيل: (2) 345، (11) 136. عبد اللَّه بن عكرمة بن عبد الرحمن: (12) 279. عبد اللَّه بن علي: (7) 245، (10) 52، (11) 113. عبد اللَّه بن علي الإفريقي: (7) 344. عبد اللَّه بن علي بن الجارود: (9) 351. عبد اللَّه بن علي بن حسين: (11) 81. عبد اللَّه بن علي بن أبي رافع: (6) 345. عبد اللَّه بن علي المديني: (5) 31. عبد اللَّه بن عمار: (1) 304. عبد اللَّه بن عمر: (1) 136، 155، 371، (2) 155، 200، 328، 347، 348، (3) 123، 125، 126، 305، (4) 290، 315، (5) 17، 128، 243، 264، 370، (6) 51، 71، 213، 214، 218، 379، 384، (7) 25، 28، 34، 35، 36، 37، 38، 72، 74، 80، 84، 115، 259، 311، (8) 76، 117، 163، (10) 30، 113، 162، 297، 343، 346، 349، 381، 382، (11) 57، 92، 104، 132، 224، 287، 302، (12) 99، 210، 255، 259، 289، 379، 390، 392، (13) 13، 132، (14) 86، 102، 203، 503، 518. عبد اللَّه بن عمر بن حفص: (14) 104. عبد اللَّه بن عمر بن ربيعة: (14) 423. عبد اللَّه بن عمر العمري: (4) 188، (5) 74. عبد اللَّه بن عمر المدني: (14) 110. عبد اللَّه بن عمرو بن أمية: (12) 172. عبد اللَّه بن عمرو بن حرام: (1) 55، 161، 162، (5) 197، (7) 290، (8) 355. عبد اللَّه بن عمرو بن الزبير: (12) 259. عبد اللَّه بن عمرو بن زهير: (4) 77، 79. عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: (1) 81، (2) 200، 234، 243، (3) 48، 150، 239، 305، (4) 128، 134، (5) 25، (6) 369، (7) 169، (8) 87، (9) 83، 133، 136، (10) 254، 297، (11) 41، 50، 51، 121، 122، 123، (12) 201، 210، 245، 246، 259، 270، 308، 310، 329، 350، 360، 365، 370، 387، 389، (13) 262، 291، 342، (14) 26، 105، 106، 154، 423، 506، 621. عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان: (9) 98. عبد اللَّه بن عمرو بن علقمة المكيّ: (9) 30. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 232 عبد اللَّه بن عمرو بن عوف: (1) 178، (2) 97، (7) 171. عبد اللَّه بن عمرو بن القاضي: (2) 201. عبد اللَّه بن عمرو بن محمد: (3) 396. عبد اللَّه بن عمر الليثي: (12) 176، 208، 209، (13) 374. عبد اللَّه بن عوسجة: (2) 43. عبد اللَّه بن عون: (2) 211، (3) 329، (5) 287، (7) 13، (8) 311، (9) 281، (12) 227، 348. عبد اللَّه بن العلاء: (4) 379، (14) 184. عبد اللَّه بن عياش القتباني: (4) 288، 285، 291، 294، 329، (6) 242، 243، 264، (10) 361، (12) 329. عبد اللَّه بن عياض: (5) 70. عبد اللَّه بن عيسى: (4) 252، 291، (7) 389، (11) 22، (12) 28، 31. عبد اللَّه بن غالب: (3) 226. عبد اللَّه بن الفضل: (10) 305. عبد اللَّه بن الفضل بن عاصم: (11) 332. عبد اللَّه بن فروخ: (3) 224. عبد اللَّه بن أبي فروة: (2) 388. عبد اللَّه بن قتادة: (11) 303. عبد اللَّه بن أبي قتادة: (2) 240. عبد اللَّه بن قتيبة: (12) 390. عبد اللَّه بن أبي قحافة عثمان: (1) 32. عبد اللَّه بن قدامة: (14) 372. عبد اللَّه بن قرط: (2) 276، (5) 266. عبد اللَّه بن قيس: (2) 284، (9) 274، (10) 133. عبد اللَّه بن أبي قيس: (12) 210. عبد اللَّه بن كثير: (4) 291، 298، 299، 324، (10) 233. عبد اللَّه بن كعب: (1) 116، (2) 153، 283، (4) 73، (7) 331، (8) 343، (9) 290. عبد اللَّه بن كعب بن عبد اللَّه: (6) 170. عبد اللَّه بن كعب بن عمرو بن عوف: (1) 95، 112، (9) 229، 290. عبد اللَّه بن كعب بن مالك: (9) 278، 307، (13) 255، 307، 308، (14) 479، 480. عبد اللَّه بن كيسان: (11) 93، (14) 292. عبد اللَّه بن لهيعة: (3) 34، (4) 239، (6) 382، (8) 293. عبد اللَّه بن المبارك: (2) 253، 255، 321، 330، (3) 76، 236، (4) 117، 302، 316، 320، (6) 78، 398، (7) 354، (9) 107، 226، (10) 29، (12) 41، 168، 220، (13) 367، (14) 83، 128، 163. عبد اللَّه بن المثنى: (2) 207، 260، 359، 360. عبد اللَّه المجدع: (6) 281. عبد اللَّه بن محرز: (2) 360. عبد اللَّه بن محصن الحميري: (9) 337. عبد اللَّه بن محمد: (5) 52، 229، (6) 43. عبد اللَّه بن محمد بن إسحاق: (2) 153. عبد اللَّه بن محمد بن ربيعة: (3) 212. عبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة أبو بكر: (9) 106. عبد اللَّه بن محمد بن عقيل: (2) 158، 161، 275، 310، (3) 236، (4) 100، (5) 50، (6) 92، (7) 74، (11) 52، 53، 198، (13) 24، 29. عبد اللَّه بن محمد بن عمارة: (11) 334. عبد اللَّه بن محمد بن عمر: (5) 129، (12) 138، (14) 570. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 233 عبد اللَّه بن محمد العمري: (11) 59. عبد اللَّه بن محمد بن المسور: (11) 129. عبد اللَّه بن محمد بن المغيرة: (5) 309، (11) 254. عبد اللَّه بن محمد المنقري: (11) 44. عبد اللَّه بن محمد بن ناجية: (12) 253. عبد اللَّه بن محمد بن يحيى: (2) 348، (3) 16، (11) 198. عبد اللَّه بن محمد بن ياسين: (3) 193. عبد اللَّه بن محيريز: (10) 127، 128، 134. عبد اللَّه بن المختار: (14) 502. عبد اللَّه بن مرة: (10) 356، (14) 86، 437. عبد اللَّه بن مسعدة: (1) 271. عبد اللَّه بن مسعود: (1) 37، 98، 238، (2) 31، 70، 207، 237، (3) 239، 356، (4) 109، 113، 183، 187، 240، 243، 247، 249، 254، 256، 259، 262، 263، 264، 265، 266، 268، 269، 270، 272، 274، 275، 279، 280، 283، 285، 287، 288، 289، 291، 310، 311، 316، 318، 319، 321، 325، 326، 327، 328، 329، 334، 339، 377، 389، (5) 17، 196، 216، 261، 307، (6) 238، 350، (7) 122، 175، 286، 382، (8) 190، 274، 283، 286، 298، 299، 302، (9) 76، 78، 79، 97، 100، 116، 128، 136، 191، 245، 300، 324، (10) 98، 307، 348، 358، 365، (11) 40، 59، 78، 95، 96، 100، 119، 125، 139، (12) 103، 106، 135، 153، 154، 158، 202، 252، 259، 300، 311، 365، 383، 384، 387، (13) 21، 177، 205، 211، 212، 215، 217، 262، (14) 24، 54، 160، 291، 327، 330، 486، 513. عبد اللَّه بن مسلم: (2) 142، (3) 188، 383، (7) 35، (8) 196، (10) 378. عبد اللَّه بن مسلمة: (7) 230، (10) 364، (11) 37، (12) 346، (14) 104، 516، 518. عبد اللَّه بن مطرف: (12) 273، (14) 372. عبد اللَّه بن أبي مطيع: (13) 383، (14) 198. عبد اللَّه بن مظعون الجمحيان: (9) 100. عبد اللَّه بن معاوية: (6) 163، (12) 224. عبد اللَّه بن معتب: (5) 231، (12) 287. عبد اللَّه بن معقل: (9) 271. عبد اللَّه بن معمر العدوي: (9) 149. عبد اللَّه بن مغفل المزني: (2) 49، 69. عبد اللَّه بن مغيث بن أبي بردة الظفري: (12) 287. عبد اللَّه بن المغيرة: (2) 234، 255، 270، 299، (5) 309، (6) 220، 224، (9) 208. عبد اللَّه بن مقسم: (7) 231. عبد اللَّه بن أبي مليكة: (2) 314، (4) 298، (10) 235، (12) 361، (14) 434، 435، 504، 505، 559. عبد اللَّه بن المنذر الأنصاري: (5) 131. عبد اللَّه بن المنذر بن أبي رفاعة: (1) 109. عبد اللَّه بن المؤمل: (12) 314. عبد اللَّه بن موسى: (2) 43، 172، (3) 324، (4) 311، (5) 251، (9) 209، (12) 217. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 234 عبد اللَّه بن موهب: (13) 351. عبد اللَّه بن ميسرة: (2) 174. عبد اللَّه بن ميمون: (7) 56، 117. عبد اللَّه بن نافع: (1) 296، (2) 142، (3) 231، (5) 73، (9) 294، (10) 354، (11) 68، (13) 299، (14) 272. عبد اللَّه بن نبتل بن الحارث: (2) 76، 78. عبد اللَّه بن أبي نجيح: (4) 360، (9) 195. عبد اللَّه بن نمير: (2) 251، (5) 178، 253، (6) 234، (9) 212، (11) 255، 320، (12) 9، 208، 279. عبد اللَّه بن أبي نمر: (4) 242. عبد اللَّه بن هاشم: (13) 380. عبد اللَّه بن هبيرة: (11) 51. عبد اللَّه بن أبي الهذيل: (4) 256. عبد اللَّه بن هشام: (4) 397، (12) 48، 49، 50، (13) 173. عبد اللَّه بن همام: (7) 68. عبد اللَّه الهمدانيّ: (13) 215، 216. عبد اللَّه الوقاص: (5) 83. عبد اللَّه بن وهب: (1) 252، (2) 142، 241، (3) 304، (4) 67، (5) 277، (7) 47، (8) 99، 117، 128، 150، 254، (9) 282، (10) 61، 62، 233، 285، (11) 121، (12) 48، 239، 325، 370، 390، (13) 45، 213، 280، 322، (14) 107، 147، 199، 263، 562. عبد اللَّه بن ياسر: (9) 107. عبد اللَّه بن يحيى: (5) 266، (10) 310. عبد اللَّه بن يزيد: (2) 166، 255، (3) 125، 150، (4) 18، (5) 90، 282، (6) 271، (7) 15، (8) 158، (9) 84، 325، (11) 77، 122، (12) 203، 231، 246، 350، 365، (13) 277، 383، (14) 11، 139، 174، 517. عبد اللَّه بن يسار: (5) 68، (7) 213. عبد اللَّه بن يعلى: (5) 255. عبد اللَّه بن يوسف: (2) 142، 203، (4) 250، (5) 171، (11) 28، 77، (12) 210، 258، 297، (14) 192. عبد اللَّه بن يونس: (3) 15. عبد المجيد بن عبد العزيز: (5) 46، (7) 331، (14) 495. عبد المجيد بن أبي داود: (12) 285. عبد المجيد بن أبي عيسى: (5) 319. عبد المطلب: (1) 8، (2) 139، (4) 34، 35، 36، 42، 46، 55، 57، 67، 68، 69، 71، 72، 75، 76، 77، 78، 82، 88، 92، 95، 96، 97، 98، 99، (6) 177، 271، 340، (9) 205. عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث: (5) 379، 381، (9) 285، 286، 287. عبد المطلب بن هاشم: (1) 50. عبد الملك: (12) 34، 242. عبد الملك بن إبراهيم بن جبر: (12) 5. عبد الملك بن جريج: (9) 29، (14) 574. عبد الملك بن حرب بن عبد الملك: (7) 206. عبد الملك بن حسين: (7) 113، (11) 50. عبد الملك بن حميد بن أبي غنية: (12) 295. عبد الملك بن سعيد بن سويد: (3) 77. عبد الملك بن سليم: (3) 329. عبد الملك بن سليمان: (7) 255، (13) 128. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 235 عبد الملك بن شريك: (9) 32. عبد الملك بن شعيب بن الليث: (13) 373. عبد الملك بن شقيق: (2) 207. عبد الملك بن عامر: (13) 202. عبد الملك بن عبد العزيز: (6) 384، (12) 139. عبد الملك بن عبد الملك: (5) 54. عبد الملك بن عمرو: (12) 383. عبد الملك بن عمير: (2) 152، 209، 267، 268، (5) 236، (6) 8، (8) 75، 83، (12) 217، 218، 251، 302، 346، 348، (14) 159، 188. عبد الملك بن عيسى: (3) 362. عبد الملك بن الماجشون: (11) 31. عبد الملك بن محمد: (12) 127. عبد الملك بن مروان: (2) 144، (4) 66، (6) 145، 298، (10) 109، (12) 81، 229، 272، 356. عبد الملك بن ميسرة: (3) 212، 213، (7) 376، (8) 228. عبد الملك بن نافع: (7) 362، 363. عبد الملك بن نمير: (12) 33. عبد الملك بن هارون بن عنترة: (12) 116. عبد الملك بن وهب: (5) 204. عبد الملك بن أبي بكر: (10) 229، 230. عبد الملك بن أبي سليمان: (5) 308، (12) 284. عبد الملك بن أبي نضرة: (13) 345. عبد المهيمن بن سهيل بن سعد: (12) 110. عبد المهيمن بن عباس بن سهل: (7) 197، (11) 145. عبد المؤمن بن خالد: (6) 378، (12) 16. عبد الواحد بن أيمن: (5) 46، 75، 154. عبد الواحد بن زياد: (2) 281، (3) 48، 365، (5) 69، 219، (11) 35، 262، (12) 99، 212. عبد الواحد بن زيد: (11) 324. عبد الواحد بن سليمان: (14) 507. عبد الواحد بن قيس: (12) 324. عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن: (11) 49. عبد الواحد النصري: (12) 365. عبد الواحد بن واصل: (7) 326. عبد الواحد بن أبي عون: (3) 325، (4) 357، (9) 321، (13) 282. عبد الوارث: (8) 284، (9) 86، 212، 213، (10) 190، (12) 14، 358، (13) 171، 362، (14) 278، 467. عبد الوارث بن سعيد: (4) 302، (6) 318، (7) 365، (10) 362. عبد الوارث بن سفيان: (10) 356، (13) 262. عبد الوهاب: (8) 290، (12) 60، 137، 198. عبد الوهاب الثقفي: (2) 155، 248، (7) 237، (8) 72، (13) 173. عبد الوهاب بن مجاهد: (11) 39، 40. عبد الوهاب بن عطاء: (4) 238، (8) 262، (12) 7، 60، 297، 311، (13) 158، 262، (14) 101، 517. عبدان: (9) 346، (12) 106. عبدان بن أحمد: (11) 79. عبدة: (12) 291، 359، (13) 297. عبدة بن سليمان: (5) 302، (13) 39، (14) 462. عبدة بن عبد اللَّه: (2) 282، 330. عبدة بن هشام: (2) 277. عبدة بن أبي لبابة: (9) 34. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 236 عبيد: (9) 235، (12) 4، 336. عبيد بن إسحاق: (7) 83. عبيد بن أوس بن مالك بن سواد بن كعب: (12) 167. عبيدة بن الجراح: (7) 319. عبيد بن جريج: (7) 28، 67، 75، 111، 112، 113، 114. عبيد بن حنين: (7) 120، (14) 424. عبيد بن خلصة: (14) 110. عبيد بن رفاعة: (11) 315، 316. عبيد بن زيد بن عامر: (1) 93، (5) 139. عبيد بن السباق: (4) 243، (7) 327. عبيد بن سعيد بن العاص الأموي: (2) 221. عبيد بن شريك: (14) 462، 265. عبيد بن صخر: (14) 526. عبيد بن عبد الواحد: (3) 79. عبيد بن عمرو بن علقمة: (1) 119. عبيد بن عمير: (2) 256، 328، (3) 24، 293، 312، 313، 329، (4) 78، 106، 253، 298، 339، (10) 119، 169، (13) 182. عبيد بن أبي عبيد: (3) 324. عبيد بن القاسم: (7) 315، (9) 320. عبيد بن أبي قرة: (12) 298. عبيد بن كثير بن عبد الواحد العامري: (12) 221. عبيد بن محمد البلوي: (4) 29. عبيد بن نضلة: (4) 291، 311. عبيد بن واقد: (10) 190. عبيد بن ياسر بن نمير: (2) 67، (7) 209. عبيد بن يحيى: (5) 139، (12) 149. عبيد اللَّه: (8) 167، (9) 191، (12) 221، (14) 302، 303. عبيد اللَّه بن الأخنس: (11) 224. عبيد اللَّه الأشجعي: (5) 145. عبيد اللَّه بن إياد: (2) 173، 275، (5) 215، (6) 293. عبيد اللَّه بن بريدة: (2) 272، 306. عبيد اللَّه بن جعفر بن أبو طالب: (6) 167. عبيد اللَّه الخولانيّ: (6) 91. عبيد اللَّه بن زحر: (2) 288، (12) 89، 90. عبيد اللَّه بن زياد: (4) 116، (12) 234، 249، 250. عبيد اللَّه بن سعيد: (9) 77. عبيد اللَّه بن سلام: (9) 146. عبيد اللَّه ابن عائشة: (5) 286. عبيد اللَّه بن عبد الرحمن: (6) 152. عبيد اللَّه بن عبد العزيز: (14) 580. عبيد اللَّه بن عبد اللَّه: (1) 221، (2) 163، 227، 232، 290، 306، (3) 230، (4) 247، (6) 379، (7) 77، 79، (10) 328، (14) 430، 433، 459، 460، 462، 463، 469، 484، 493، 533، 589. عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عباس: (7) 259، (14) 211، 212. عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة: (1) 220، (2) 209، 244، 272، (5) 23، (7) 8، 135، 257، (8) 19، 99، 147، (9) 283، (11) 240، (12) 125، (14) 169، 272، 273، 438، 446. عبيد اللَّه بن عبد اللَّه العتكيّ: (11) 146. عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر: (13) 45. عبيد اللَّه بن عثمان بن خيثم: (11) 309. عبيد اللَّه العرني: (9) 29. عبيد اللَّه بن عطاء بن إبراهيم: (3) 219. عبيد اللَّه بن كثير: (12) 222. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 237 عبيد اللَّه بن عكراش: (7) 281. عبيد اللَّه بن علي بن رافع: (8) 35. عبيد اللَّه بن عمر: (2) 162، 274، 275، 308، 310، (4) 255، (5) 52، 87، 331، (6) 214، (7) 369، (8) 114، 117، 120، (9) 32، 33، 83، 130، 190، 352، 362، 391، (11) 46، 47، 48، (12) 283، (13) 299، (14) 474، 614، 617. عبيد اللَّه بن عمر القواريري: (11) 378. عبيد اللَّه بن عمر بن ميسرة: (4) 113. عبيد اللَّه بن عمرو: (3) 236، (5) 50، (7) 80. عبيد اللَّه بن عمير الليثي: (13) 75. عبيد اللَّه بن العلاء: (4) 29، 30. عبيد اللَّه بن كعب: (8) 169، (13) 298. عبيد اللَّه بن معاذ: (7) 16، 304، (12) 223، 252، (14) 131، 160. عبيد اللَّه بن معمر: (10) 157. عبيد اللَّه بن المغيرة: (6) 398. عبيد اللَّه بن موسى: (2) 152، 170، (5) 196، 198، (6) 9، 104، 126، (12) 6، 369، (13) 205. عبيد اللَّه بن الهذيل: (14) 304. عبيد اللَّه بن الوليد: (2) 221، (4) 5. عبيد اللَّه بن أبي بكر بن أنس: (7) 290، (12) 190، (14) 295. عبيد اللَّه بن أبي رافع: (6) 310، 312، 313، (9) 50، (11) 232، (13) 378. عبيد اللَّه بن أبي زياد: (6) 48، (7) 369. عبيد اللَّه بن أبي يزيد: (6) 358، (12) 13. عبيدة: (1) 104، (9) 121، (12) 253، 366. عبيدة بن الحارث: (1) 72، 104، 117، (3) 380، (6) 52، 169، (7) 165. عبيدة بن حسان بن ثابت: (6) 263. عبيدة أبو خداش: (7) 61. عبيدة بن سعيد بن العاص: (1) 96، 109، (7) 156. عبيدة السلماني: (2) 320، (12) 253، 366، (13) 33. عتاب بن أسيد: (2) 10، 36، (9) 148، 383، (10) 127، (12) 176. عتبان بن مالك: (8) 230، (13) 21. عتبة: (1) 86، 90، 104، (12) 141، 149. عتبة بن الأزهر: (12) 155. عتبة بن ربيعة: (1) 42، 88، 102، 116، (3) 29، 376، 380، (4) 228، 342، 343، 344، (6) 239، (9) 180، 194، (12) 102، 103، 105، 106، 107، 148، 160، 162، 271. عتبة بن عبد: (3) 34. عتبة بن عبد اللَّه: (5) 22، (8) 14. عتبة بن عبد الملك: (2) 204. عتبة بن عمرو بن جحدم: (12) 169. عتبة بن غزوان: (1) 72، 77، (4) 387، (6) 194، 331. عتبة بن فرقد: (4) 396، (11) 364، 365. عتبة بن مروان: (7) 206. عتبة بن مسعود: (1) 146. عتبة بن مسلم: (3) 79، (5) 116. عتبة بن الوليد: (6) 376. عتبة بن أبي حكيم: (10) 74. عتبة بن أبي سفيان: (6) 261، (7) 222. عتبة بن أبي العاص: (4) 400. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 238 عتبة بن أبي عتبة: (5) 115، 116. عتبة بن أبي وقاص: (1) 151. عتبة بن عائذ بن عبد اللَّه: (6) 27. عثمان: (1) 350، (9) 31، 33، 35، 83، 128، 130، 135، 168، 218، 220، 231، 287، 289، 335، (11) 180، 337، (12) 80، 115، 196، 221، 266، 283، (13) 5، 19، 20، (14) 34، 38، 205، 206، 207، 208، 215، 301، 302. عثمان بن أحمد: (10) 318. عثمان بن الأسود: (10) 221. عثمان بن بشر: (11) 325. عثمان الجزري: (5) 268، (13) 257. عثمان بن حكيم: (5) 253، (10) 370، (11) 34، 35، 320. عثمان بن حنيف: (10) 312، (11) 325، 326، 327، 328، (13) 232، 234، 238. عثمان بن الحويرث: (5) 311، (6) 255. عثمان بن زائدة: (14) 548. عثمان بن السائب: (10) 125، 127، 128، 134. عثمان بن سراقة: (6) 148. عثمان بن سعد: (7) 137، (8) 163، 164. عثمان بن سعيد الدارميّ: (3) 319، (6) 11، (12) 256، (14) 94. عثمان بن سعيد بن كثير: (7) 263، (14) 276. عثمان بن أبي سليمان: (10) 172. عثمان الشحام: (13) 225، 226، (14) 371. عثمان بن الشريد: (9) 189. عثمان بن صالح: (13) 208. عثمان بن الضحاك بن عثمان: (12) 190. عثمان بن طالوت: (12) 283. عثمان بن عامر بن كعب: (6) 167. عثمان بن عبد الحميد بن لاحق: (12) 282. عثمان بن عبد الرحمن: (4) 315، (5) 70، (8) 103، 208. عثمان بن عبد اللَّه بن عزيز: (2) 155. عثمان بن عبد اللَّه بن المغيرة: (1) 76، 155، (6) 147. عثمان بن عبد اللَّه بن موهب: (7) 65. عثمان بن عبد الملك: (2) 169. عثمان بن عبد الوهاب: (11) 322. عثمان بن عروة بن الزبير: (12) 117، 118. عثمان بن عطاء: (3) 230، (4) 194، (8) 94. عثمان بن عطية: (5) 17. عثمان بن عفان: (1) 33، 37، 68، 69، 112، 128، 178، 197، 239، 253، 275، 288، 289، 290، 296، 297، 306، 308، 383، 399، (2) 14، 48، 49، 259، (3) 316، 397، 404، (4) 66، 127، 239، 240، 242، 246، 247، 248، 259، 263، 265، 269، 270، 271، 272، 273، 280، 281، 285، 286، 289، 290، 291، 304، 310، 314، 317، 318، 319، 321، 322، 323، 325، 326، 327، 394، 405، (5) 56، 57، 58، 59، 76، 78، 79، 81، 173، 186، 230، 295، 297، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 239 298، 319، 344، 346، 350، 355، 382، (6) 34، 43، 46، 49، 50، 64، 67، 74، 75، 101، 151، 153، 157، 158، 168، 180، 186، 291، 292، 307، 311، 313، 341، 347، 356، 369، (7) 4، 36، 38، 39، 47، 107، 155، 156، 209، 222، 231، 259، 298، (8) 352، 363، 392، (9) 115، 116، 136، 189، 227، 231، 252، 283، 294، 334، (10) 6، 75، 89، 91، 97، 98، 108، 131، 177، 297، (11) 134، (12) 81، 59، 260، 355، (13) 111، 143، 149، 191، 198، 199، 200، 201، 202، 203، 204، 205، 208، 209، 213، 214، 215، 218، 222، 225، 231، 233، 234، 235، 240، 241، 242، 244. عثمان بن عمر: (5) 48، (8) 326، (11) 135، 325، (13) 21. عثمان بن عمرو: (7) 49. عثمان بن غياث: (12) 4، (13) 198. عثمان بن فرقد: (14) 585. عثمان بن كعب: (2) 201. عثمان بن مالك: (13) 283. عثمان بن محمد: (9) 107. عثمان بن المخارق: (8) 152. عثمان بن مسلم: (8) 76. عثمان بن مطر: (2) 207، (4) 112. عثمان بن مطيع: (14) 47. عثمان بن مظعون: (6) 31، 183، (9) 91، 99، 107، 115، 153، 189، (14) 21. عثمان بن المغيرة: (4) 68، 72، (5) 176، (6) 227، (9) 178. عثمان بن موهب: (7) 68، (11) 33، 34. عثمان بن نعيم الرعينيّ: (12) 98. عثمان بن هشام بن المغيرة: (6) 228. عثمان بن الهيثم: (14) 46. عثمان بن وهب: (2) 29، (9) 298. عثمان بن أبي سليمان: (2) 351، (7) 286، (9) 373، (14) 291. عثمان بن أبي شيبة: (2) 345، (3) 236، (5) 246، 275، (12) 249. عثمان بن أبي طلحة: (1) 142، 224، 335، 391، 392، 394، (2) 110، (4) 387، 403، (6) 155، 244. عثمان بن أبي العاتكة: (2) 254، (9) 312، (12) 89. عثمان بن أبي العاص: (2) 85، 86، 87، (4) 52، 395، (8) 48، (9) 148، (11) 253، 322، 323، 324، 325، (12) 331. عثمان بن أبي العالية: (11) 82. عثمان بن أبي عفان: (9) 95. عدّاس: (1) 86. عدي بن حاتم: (2) 46، 101، (4) 404، (9) 377، (12) 284، (13) 246، (14) 59، 60، 190. عدي بن ثابت: (9) 325، (10) 38، (14) 174. عدي بن الربيع: (5) 346. عدي بن ربيعة: (3) 367. عدي بن عدي بن عميرة: (4) 283. عدي بن كعب: (2) 276. عدي بن نوفل بن عبد مناف: (6) 193، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 240 194. عدي بن أبي الزغباء: (1) 82، 84، 96. عارم بن الفضل: (7) 105. عرابة بن أوس: (1) 136. عراك بن مالك: (5) 23، (6) 398. العرباض بن سارية: (2) 49، 69، (3) 145، 170، (4) 54، (8) 86، (11) 223، (12) 351، 352، (14) 52، 53. عرفة بن الحارث: (9) 162. عروبة بن سعيد: (5) 116. عروة: (2) 161، (8) 16، 17، 21، 34، 47، 53، 81، 99، 101، 103، 134، 199، 294، 318، (9) 10، 11، 15، 31، 32، 109، 200، 226، 248، 276، 353، 382، (11) 130، 194، (12) 42، (13) 14، 15، 33، 96، 108، 120، 155، 157، 158، 161، 203، 219، 220، 221، 223، 224، 273، 373، 376، 390، 391، (14) 21، 30، 180، 420، 437، 439، 441، 442، 490، 494، 502، 542، 544، 553، 581، 604. عروة البارقي: (12) 43. عروة بن ثابت: (7) 365، (11) 346. عروة بن الجعد: (12) 45. عروة بن رويم: (2) 353، (3) 169. عروة بن الزبير: (1) 32، 41، 275، (2) 84، 192، 206، 213، 229، 241، 295، (3) 3، 13، 28، 30، 36، 46، 56، 57، 60، 65، 66، 67، 68، 70، 96، 320، 328، (4) 72، 121، 124، 127، 239، 249، 250، 251، 293، 314، 337، 339، (5) 7، 108، 109، 112، 381، (6) 45، 101، 382، (7) 178، 228، (8) 93، 316، 322، (9) 9، 24، 51، 197، 287، 297، 310، 369، (10) 26، 213، 216، 344، 366، (11) 113، 194، 195، 248، (12) 121، 139، 145، 170، 245، 323، 324، 379، (13) 39، 43، 314، 391، (14) 28، 153، 170، 180، 430، 460، 464، 501، 517، 556، 604. عروة بن عبد اللَّه بن قشيرة: (5) 28. عروة بن مسعود: (1) 286، (2) 84، 85، (4) 387، 404، (6) 162، (7) 187، 179، 181، (10) 305، (14) 28، 30. عروة بن المغيرة: (6) 391. عزرة بن ثابت الأنصاري: (7) 96، (11) 349، (14) 174. عزرة بن قيس: (13) 195. عزيز بن مالك: (9) 283. عسل بن سفيان: (3) 228. عصمة بن سليمان الخزار: (5) 225. عطاء: (1) 23، (8) 11، 126، 288، (9) 24، 72، (11) 256، 263، 315، 352، 389، (12) 134، 168، (13) 26، 75، 76، 86، 118، 135، 213، 287، 363، (14) 443، 449، 556. عطاء بن خالد: (9) 91. عطاء الخراساني: (2) 314، (3) 114، (10) 94، (14) 217. عطاء بن السائب: (3) 43، 54، 190، 317، (4) 133، 290، 291، 310، (5) 25، 41، 91، 229، 253، 254، 352، (6) 327، 335، (8) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 241 259، 275، (11) 321، 381، (12) 295، 339، (13) 145، 231، (14) 90. عطاء بن عباد: (4) 53. عطاء بن عجلان: (6) 11، (9) 319. عطاء بن مسلم: (12) 22. عطاء بن مسلم الحلبي: (12) 201. عطاء بن مسلم الخفاف: (12) 240. عطاء بن المسيب: (7) 377. عطاء بن ميمونة: (2) 274، 310. عطاء بن يسار: (2) 201، 245، 247، (3) 144، (4) 53، 79، 123، 133، 242، (5) 106، 385، (7) 32، 86، (9) 90، (10) 366، (12) 114، 340، 353، 381، (13) 322، 325. عطاء بن أبي رباح: (2) 332، (3) 49، 76، (4) 79، 91، 96، 100، 297، (5) 63، 271، 383، (6) 369، 370، 375، (7) 3، 187، (10) 220، 345، 356، 357، (11) 177، 313، (12) 22، (13) 213، (14) 8. عطاء بن أبي مروان الواسطي: (5) 111، (12) 245. عطاء بن أبي ميمونة: (6) 357، 358. عطارد بن حاجب بن زرارة: (2) 38. عطاف بن خالد المخزومي: (4) 14، (8) 61، (14) 103. عطية: (9) 319، 320، (12) 276. عطية بن الحارث: (14) 417. عطية بن سعد: (5) 377، (10) 181. عطية الصفار: (11) 86. عطية بن عبد اللَّه بن أنيس: (13) 309، 321. عطية العوفيّ: (4) 340، (5) 13، (9) 320، (12) 296، (13) 16. عطية بن قيس: (1) 354، (12) 210. عفان: (8) 24، 145، 259، 292، (9) 271، (11) 45، 149، 312، (12) 45، 140، 212، 241، (14) 497. عفان بن مسلم: (4) 257، (5) 69، 183، 259، 387، (7) 206، 289، (11) 309، (12) 51، 282، 292، (14) 214، 508، 518. عفير بن معدان: (12) 210. عقبة: (12) 164. عقبة بن الحارث بن عامر: (1) 187. عقبة بن خالد: (7) 34، 205. عقبة بن زيد: (1) 231. عقبة بن صهبان: (13) 222. عقبة بن عامر الجهنيّ: (3) 302، 303، (4) 290، (6) 51، 74، 384، (7) 222، 223، (9) 84، (10) 254، (11) 144، (12) 98، 299، (14) 104، 126، 266، 267. عقبة بن علقمة: (12) 210. عقبة بن عمرو: (3) 65، 70، (13) 270. عقبة بن مسعود: (9) 161. عقبة بن معتب: (13) 213. عقبة بن مكرم: (2) 297، (11) 317، 323. عقبة بن نافع: (11) 96. عقبة بن وشاح الأزدي: (2) 234. عقبة بن وهب: (1) 152. عقيل: (1) 59، (8) 81، 112، 113، 115، 120، 150، 231، 250، 316، (9) 15، 31، 32، 84، 200، 237، 247، 285، 351، (11) 194، 264، (12) 8، 121، 167، 324، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 242 373، (13) 112، 113، 148، 157، 158، 220، 221، (14) 320، 438، 460، 493، 511، 512، 546. عقيل بن خالد: (1) 188، (4) 67، 263، (8) 16، (10) 344، 346، (13) 220، 370، (14) 462، 501. عقيل بن شهاب: (10) 366. عقيل بن طلحة السلمي: (3) 210. عقيل بن أبي طالب: (4) 100، (6) 276، (9) 149، 282، (12) 164، 169. عقيل بن أبي وقاص: (4) 20، 21. عكاشة بن محصن: (1) 76، 110، 150، 252، 263، 265، (5) 44، (7) 200، (9) 277. عكرمة: (1) 64، 386، (8) 9، 11، 56، 74، 94، 135، 154، 168، 201، 206، 228، 277، 285، 293، 294، 297، 299، 341، (9) 4، 11، 33، 52، 71، 75، 86، 87، 202، 243، 272، 360، (11) 277، (12) 14، 15، 16، 19، 78، 126، 127، 137، 143، 152، 187، 189، 198، 244، 248، 253، 372، (13) 10، 11، 12، 30، 65، 110، 152، 184، 256، 305، (14) 14، 16، 49، 152، 156، 161، 257، 264، 271، 288، 292، 297، 371، 417، 439، 440، 456، 532، 551، 552، 553، 566، 568، 573، 582. عكرمة بن خالد: (4) 291، 302، (9) 130، (13) 19. عكرمة بن سليمان: (4) 324. عكرمة بن عامر العبدري: (4) 71، 72، 73. عكرمة بن عبد اللَّه بن عباس: (1) 119، (9) 71. عكرمة بن عمار: (2) 195، 243، 251، (5) 49، 78، 108، (6) 67، 68، 71، 75، 77، 78، (8) 343، (9) 212، 246، 275، (11) 253، 289، 352، 386، (12) 97، 98، 137، 138، (13) 340. عكرمة بن عمرو: (7) 340. علباء بن أحمر: (10) 370، (11) 346، (14) 174، 574. علبة بن زيد الحارثي: (2) 49، (7) 321. علقمة: (8) 288، (9) 31، 77، 78، 322، 323، (11) 154، (12) 301، (13) 4. علقمة بن عبد اللَّه المزني: (9) 271. علقمة بن عبدة التميمي: (7) 142. علقمة بن قيس: (3) 343، (4) 291، 305، 311. علقمة الليثي: (2) 161. علقمة بن مجزر المدلجي: (2) 45، (10) 62، 63، 65. علقمة بن مرثد: (9) 222، (14) 570. علقمة بن نصر: (14) 192. علقمة بن وائل: (8) 3، (9) 358. علقمة بن وقاص: (3) 47، (7) 259. علقمة بن أبي علقمة: (7) 222، (9) 31. علي: (1) 32، 34، 53، 64، 68، 74، 95، 96، 103، 104، 106، 109، 110، 116، 214، 236، 309، 310، 311، 323، 352، (2) 7، 15، (6) 286، (8) 75، 76، 154، 156، 304، 344، 359، (9) 32، 37، 92، 128، 130، 131، 132، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 243 168، 198، 199، 214، 220، 282، 287، (11) 4، 5، 36، 54، 89، 81، 82، 95، 108، 119، 125، 128، 155، 178، 278، 279، 280، 281، 285، 286، 287، 288، 289، 290، 291، 292، 293، 295، (12) 22، 134، 138، 158، 166، 192، 196، 198، 199، 201، 206، 207، 211، 221، 231، 236، 250، 257، 279، 366، (13) 80، 114، 184، 186، 187، 214، 225، 237، 238، 240، 241، 242، 244، 245، 246، 250، 254، 269، 333، 334، 345، 377، 378، (14) 28، 139، 144، 150، 158، 215، 301، 372، 417، 437، 456، 478، 479، 480، 481، 483، 484، 572، 575، 587. علي بن أحمد بن عبدان: (14) 463، 464. علي بن إسماعيل بن أبي النجم: (14) 207. علي بن الأقمر: (7) 334، (13) 89. علي بن أمية بن خلف: (1) 88. علي بن ثابت الجزري: (5) 385. علي بن جرير: (8) 279. علي بن الجعد: (2) 218، (7) 71. علي بن جعفر: (11) 178. علي بن حجر: (11) 128، 359، (14) 198، 469. علي بن حرب: (4) 6، 60. علي بن الحسن: (3) 290، (4) 320. علي بن الحسن بن شقيق: (5) 195، (7) 85. علي بن الحسن بن علي: (11) 113. علي بن الحسين: (1) 64، (2) 282، (3) 291، 396، (5) 7، 8، 9، 365، (6) 269، (7) 7، 135، 136، (9) 35، (10) 151، 210، 213، (11) 82، 92، 128، 135، 178، 181، (13) 24، (14) 570. علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: (3) 239. علي بن الحسين بن واقد: (2) 217، 261. علي بن الحكم: (3) 289، (12) 277. علي بن الحكم البناني: (12) 277. علي بن الحكم السلمي: (4) 395. علي بن حمزة: (4) 132، (5) 128. علي بن أبي حملة: (7) 69. علي بن خشرم: (2) 251، 279، (4) 112، (11) 116. علي بن رباح: (2) 289، (3) 314، (4) 287. علي بن الربيع بن الركين: (4) 352. علي بن ربيعة: (7) 214، (8) 156. علي بن زيد: (2) 145، 221، (4) 256، 314، (5) 35، 249، 387، (6) 180، (7) 5، 242، 292، 300، 373، 374، 375، (8) 90، 97، 100، 280، (9) 312، (10) 210، 359، (11) 311، (12) 168، 220، 224، 272، 279، 296، 331، 383، (14) 132، 207. علي بن سعيد الرازيّ: (6) 78. علي بن سليمان: (9) 69. علي بن شهاب: (11) 278. علي بن صالح: (2) 324، (3) 323، (9) 29، (12) 301. علي بن أبي طالب: (1) 33، 34، 56، 57، 73، 75، 83، 116، 124، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 244 135، 142، 148، 157، 193، 268، 269، 333، 350، 389، (2) 12، 14، 17، 28، 45، 46، 50، 64، 93، 94، 95، 97، 102، 115، 121، 131، 135، 136، 137، 154، 155، 158، 161، 163، 164، 166، 168، 169، 176، 178، 209، 262، 271، 275، 284، 304، 314، 343، 386، (3) 53، 101، 116، 322، 327، 337، 402، (4) 105، 118، 239، 242، 246، 248، 259، 268، 288، 290، 291، 292، 310، 311، 314، 316، 321، 322، 323، 325، 326، 351، 353، 370، 394، 399، 405، 406، (5) 26، 27، 28، 30، 32، 54، 57، 58، 59، 104، 125، 127، 173، 174، 176، 230، 268، 271، 351، 352، 353، 367، 369، 379، 384، 385، 386، (6) 9، 20، 56، 71، 142، 153، 158، 161، 168، 173، 191، 207، 243، 245، 249، 261، 273، 276، 292، 293، 296، 298، 310، 312، 313، 324، 326، 332، 389، (7) 4، 56، 68، 107، 128، 136، 142، 148، 155، 162، 166، 167، 168، 170، 172، 175، 194، 214، 221، 243، 269، 297، 298، 325، 328، 337، 376، 377، 385، (8) 138، 275، 340، 375، 376، 388، 390، (9) 27، 35، 83، 92، 93، 95، 136، 192، 194، 196، 198، 227، 229، 286، 287، 334، 368، 376، (10) 4، 5، 60، 66، 86، 121، 145، 183، 256، 267، 269، 279، 297، 359، (11) 69، 135، 180، 284، 285، 286، (12) 35، 36، 138، 162، 206، 219، 221، 222، 256، 276، 355، 357، 363، (13) 105، 147، 177، 217، 232، (14) 27، 127، 301، 321، 407 ، 479، 481، 570، 583. علي بن أبي طلحة: (3) 90، 319، (5) 24، (12) 146. علي بن عاصم: (2) 256، (5) 298، (7) 290، (10) 362، (12) 128، 333، (14) 295. علي بن عبد العزيز: (5) 223، (13) 22، علي بن عبد اللَّه: (6) 323، (9) 349. علي بن عبد اللَّه البارقي: (8) 155. علي بن عبد اللَّه بن عباس: (4) 125، (5) 72، (7) 224. علي بن عبد اللَّه الغطفانيّ: (12) 218. علي بن عبيد: (4) 120. علي بن عطاء: (12) 62، 63. علي بن عمر بن الحسين: (4) 100. علي بن عمر بن علي: (4) 196. علي بن عمرو: (13) 96. علي بن عيسى: (4) 32. علي بن أبي العاص بن الربيع: (5) 355. علي بن قادم: (5) 240. علي بن المبارك: (3) 30، (4) 336، 337، (9) 33، 212. علي بن محمد الحميدي: (11) 119. علي بن محمد بن عبيد اللَّه: (2) 383، (5) 55. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 245 علي بن مدرك: (3) 400، (12) 367، (14) 262. علي بن المديني: (3) 47، (4) 57، (5) 185، (6) 75، (8) 135، (9) 362، (12) 285، 371. علي بن مسلم: (8) 228. علي بن مسهر: (2) 215، 226، (3) 16، 45، (4) 127، 339، 341، (7) 307، (10) 159، (12) 74، 243، (13) 383، (14) 151. علي بن المنذر: (10) 181. علي بن موسى: (9) 209. علي بن ميمون: (11) 96. علي بن نجيح القطان: (5) 230. علي بن هاشم بن البريد: (12) 221. علي بن يزيد: (3) 96، (5) 131، 183، (7) 244، (11) 82، (12) 89، 90. علي بن يزيد بن عبد الملك الألهاني: (12) 89، 90. عمار: (9) 95، 97، 106، 107، 114، 223، 225، 330، (12) 197، 198، 200، 201، 241، (13) 110. عمار الذهني: (7) 159، (12) 202، (13) 228. عمار بن زريق: (7) 389. عمار بن سيف: (12) 330. عمار بن عروة بن الزبير: (3) 36. عمار بن معاوية: (13) 228. عمار بن ياسر: (1) 36، 44، 56، 98، 109، 178، 199، 200، 203، 399، (2) 53، 74، 75، 342، (4) 210، 404، 406، (6) 253، (7) 167، 240، 345، (8) 365، (9) 96، 102، 106، 107، 128، 146، 189، 191، 327، 352، (10) 75، 86، 87، 135، (11) 69، 70، (12) 197، 199، 200، 201، 202، 342، (13) 110، 230، 243، (14) 26، 32، 205. عمار بن أبي عمار: (1) 18، (2) 386، (3) 23، (5) 48، (12) 241، (14) 149، 542، 552، 553. عمارة: (8) 158، (12) 235، 239، 240. عمارة بن أكيمة الليثي: (12) 149. عمارة بن حزم: (1) 200، 218، 227، (2) 56، (5) 117، (6) 344، (7) 169، 170. عمارة بن حمزة: (6) 275. عمارة بن خزيمة: (3) 356، (7) 195، 196، (11) 131، 325، (12) 200، (13) 165. عمارة بن زاذان: (7) 5، (12) 235، (14) 143. عمارة بن زياد: (1) 149. عمارة بن زيد: (4) 29، 30. عمارة بن عقبة: (13) 215، 216. عمارة بن عمير: (4) 389، (14) 205. عمارة بن غزية: (2) 155، 218، 256، (4) 53، (10) 39، (11) 81، 375، (12) 240، (14) 42، 147، 148. عمارة بن أبي حصينة: (13) 256. عمارة بن الوليد: (1) 41، (4) 183، (6) 225، 244، (12) 105. عمارة بن فيروز: (5) 27. عمارة بن القعقاع: (3) 236، 271، 283، 290، (9) 224. عمر: (1) 34، 41، 43، 134، 148، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 246 159، 171، 177، 178، 179، 191، 193، 227، 230، 290، 291، 330، 349، 353، (8) 77، 112، 117، 118، 119، 120، 133، 343، 358، 384، 388، (9) 13، 15، 20، 31، 33، 34، 84، 97، 123، 125، 126، 128، 130، 131، 168، 169، 190، 218، 220، 225، 232، 241، 243، 244، 251، 262، 266، 287، 288، 289، 297، 308، 309، 319، 320، 335، 338، 369، 370، 385، (11) 5، 55، 56، 114، 120، 125، 130، 132، 180، 181، 217، 239، 240، 241، 292، 310، (12) 33، 88، 115، 133، 142، 160، 161، 170، 171، 175، 176، 177، 196، 203، 232، 245، 257، 277، 283، 338، 339، 342، 390، 392، (13) 18، 64، 68، 73، 97، 143، 147، 149، 159، 160، 173، 184، 191، 194، 195، 198، 201، 202، 205، 214، 218، 222، 254، 269، 277، 295، 355، 356، 366، 367، (14) 22، 23، 54، 140، 185، 194، 205، 207، 235، 240، 246، 263، 414، 441، 446، 454، 457، 458، 485، 512، 556. عمر بن إسحاق: (4) 135. عمر بن أسيد بن عبد الرحمن: (12) 283. عمر بن أوس الأنصاري: (3) 181. عمر بن أبي بكر: (10) 362. عمر بن جعفر بن غياث: (11) 79، 82. عمر بن الحارث: (11) 82، 89، (13) 208، 280. عمر بن حبيب: (11) 70. عمر بن حرب بن أمية: (6) 256. عمر بن حرملة: (7) 374، 375. عمر بن حفص: (7) 311، (12) 334، (14) 614. عمر بن الحكم: (8) 43، (12) 149، (13) 295، 359. عمر بن حمزة: (5) 127. عمر بن الخطاب: (1) 36، 43، 56، 103، 113، 115، 118، 120، 177، 192، 204، 207، 208، 228، 231، 236، 275، 288، 290، 293، 294، 296، 298، 299، 302، 303، 314، 321، 328، 344، 345، 351، 358، 360، 380، 391، 392، 398، (2) 7، 12، 14، 24، 25، 28، 30، 33، 47، 62، 73، 84، 90، 108، 124، 125، 126، 132، 149، 162، 203، 211، 212، 222، 227، 231، 232، 234، 237، 259، 261، 287، 294، 297، 324، 356، (3) 46، 49، 117، 126، 156، 165، 169، 188، 189، 294، 316، 326، 338، 365، 382، 383، 397، 398، 399، 400، 401، 402، 403، 404، (4) 3، 5، 93، 221، 240، 243، 244، 248، 249، 250، 259، 262، 265، 266، 269، 272، 274، 278، 279، 283، 284، 290، 292، 318، 321، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 247 322، 323، 327، 328، 329، 359، 360، 361، 381، 385، 393، 405، 406، (5) 35، 56، 57، 58، 59، 76، 78، 79، 80، 81، 94، 95، 96، 97، 98، 99، 100، 101، 115، 145، 147، 148، 149، 150، 151، 152، 173، 178، 183، 200، 208، 230، 243، 246، 247، 285، 288، 297، 298، 314، 318، 351، 369، 370، (6) 34، 46، 58، 49، 50، 51، 53، 56، 62، 80، 81، 85، 99، 117، 130، 136، 146، 148، 150، 151، 152، 162، 168، 179، 180، 183، 194، 211، 212، 216، 262، 293، 315، 316، 331، 339، 340، 341، 356، 362، 370، 379، 384، 394، (7) 5، 36، 38، 39، 47، 56، 71، 108، 109، 117، 122، 128، 135، 148، 155، 156، 170، 184، 187، 189، 199، 207، 209، 238، 239، 249، 257، 259 ، 288، 298، 308، 345، 367، 370، (8) 14، 111، 114، 119، 155، 207، 342، (9) 12، 20، 34، 83، 87، 89، 91، 102، 103، 104، 105، 108، 112، 136، 189، 190، 191، 231، 232، 244، 259، 264، 287، 289، 297، 306، 307، 308، 318، 328، 340، 343، 363، 364، 369، 376، 377، (10) 6، 31، 62، 70، 78، 89، 97، 116، 118، 119، 131، 132، 156، 168، 169، 256، 259، 260، 285، 342، 346، 347، 355، 382، (11) 46، 47، 55، 56، 94، 113، 129، 144، (12) 64، 65، 170، 176، 210، 244، 256، 280، 282، 283، 339، 341، 342، 347، 355، 367، (14) 25، 26، 152، 190، 213، 224، 248، 411، 446، 449، 450، 471، 473، 511. عمر بن خليف: (6) 78. عمر بن الدرفس: (5) 170. عمر بن ذر: (3) 313، (5) 223، (8) 97، (12) 109، (13) 21. عمر بن الربيع بن طارق: (11) 47. عمر بن أبي ربيعة: (6) 242. عمر بن الرماح: (10) 139. عمر الزيات: (2) 209. عمر بن سعد: (10) 131، (11) 145. عمر بن سعد المصري: (8) 275. عمر بن سعد بن أبي وقاص: (5) 364. عمر بن سعيد: (2) 291، (7) 281، (10) 358، (14) 497، 500. عمر بن سعيد الأشج: (14) 607. عمر بن سعيد بن أبي هلال: (11) 65. عمر بن أبي سلمة: (3) 317، (5) 383، (6) 53. عمر بن سليم: (10) 83، 84، 143. عمر بن سليمان: (12) 347. عمر بن سليمان: (12) 347. عمر بن شبة: (1) 384، (2) 258، (4) 79، (5) 346، 354، (6) 308، (7) 155، 175، 259، (9) 312، 362، 379، (10) 75، 143، 174، 177، (12) 89، (13) 75. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 248 عمر بن صبح: (2) 344، (8) 277، 279. عمر بن طلحة: (4) 79. عمر بن عامر بن حارثة: (9) 171. عمر بن عبد الرحمن بن عوف: (4) 38. عمر بن عبد الرحمن السلمي: (4) 325. عمر بن عبد العزيز: (2) 205، 259، 260، (3) 20، 60، 65، 66، 67، 68، 70، (4) 294، 407، (5) 353، (7) 3، 109، 356، (9) 281، (10) 94، 109، 372، (11) 135، 138، 334، 335، (12) 258، 267، 281، 282، 283، 284، 313، 342، (13) 124، (14) 205، 381، 391، 407، 410، 494. عمر بن عبد اللَّه: (2) 158، (4) 79، 134، (7) 337، (8) 280. عمر بن عبد اللَّه بن رياح الأنصاري: (5) 231. عمر بن عبد اللَّه بن كعب: (8) 48. عمر بن عبد اللَّه بن يعلى: (5) 41، 254. عمر بن عبد الواحد: (13) 136. عمر بن عبيد: (10) 358. عمر بن عبيد اللَّه بن يعلى: (5) 255. عمر بن عثمان: (5) 44، (10) 208. عمر بن عقبة: (3) 323، (12) 140، 148. عمر بن علي: (2) 274، (10) 221، (11) 178. عمر بن أبي عمر: (11) 82. عمر بن عمران المخزومي: (4) 360. عمر بن عمرو: (11) 126. عمر بن عمرو بن رفاعة: (10) 67. عمر بن الغادية السلمي: (9) 146. عمر بن غياث: (4) 196. عمر بن قيس: (4) 326، (7) 66. عمر بن كثير: (6) 69. عمر بن محمد: (7) 9. عمر بن محمد بن جبير: (2) 211. عمر بن محمد بن يحيى: (9) 289. عمر بن مرثد: (9) 86. عمر بن مسلم: (5) 375. عمر بن نافع بن جبير: (3) 75. عمر بن هارون: (10) 172. عمر بن الهيثم: (5) 248. عمر بن وهب: (12) 170. عمر بن يحيى: (3) 235، (14) 40، 43. عمر بن يونس: (2) 195، (12) 19. عمران: (12) 367. عمران بن تيم البصري: (4) 291. عمران بن حصين: (2) 209، 284، (3) 263، 264، (4) 394، (5) 94، 99، 100، 101، 102، 103، 106، 326، (7) 232، 235، (9) 32، 34، 35، 84، 138، (11) 277، 290، 366، 367، 370، (13) 42، 232، 233، 242، عمران الحميري: (11) 69، 70. عمران بن خالد الخياط: (13) 46. عمران بن زيد الثعلبي: (5) 325. عمران بن زيد الملائي: (2) 204. عمران بن سعيد البجلي: (12) 221. عمران بن سليمان: (5) 348. عمران بن طلحة: (6) 143. عمران بن ظبيان: (8) 154. عمران القصير: (2) 195. عمران القطان: (12) 67. عمران بن كثير: (4) 195. عمران بن موسى: (11) 47، (12) 365. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 249 عمران بن وهب: (2) 160. عمران بن أبي أنيس: (10) 73، 74. عمرو: (1) 38، 346، (9) 90، 96، 122، 170، 191، 287، 349، 371، (12) 134، 189، 201، 221، 222، 279، (13) 75، 114، 182. عمرو بن أبان بن عثمان: (8) 134، 135. عمرو بن أخطب: (4) 396، (11) 346، 347. عمرو بن أسد: (1) 18، (6) 28، 29. عمرو الأشدق بن سعد بن العاص: (12) 272. عمرو ابن أم مكتوم: (1) 52، (6) 177. عمرو بن أمية: (1) 41، 182، 183، 184، 188، 304، 319، 320، (2) 63، 84، 85، (4) 367، (5) 12، (6) 64، 66، 74، 187، (9) 236، 263، 264، (13) 283، 284، 285. عمرو بن الأصم بن سنان: (2) 28، (9) 81. عمرو بن أوس: (9) 369، 370. عمرو بن تيم: (12) 116. عمرو بن ثابت: (1) 160، (12) 238، (14) 146. عمرو بن ثعلبة: (4) 396، (11) 362. عمرو بن جابر: (9) 72، 81. عمرو بن جحاش: (1) 188، 190. عمرو بن أبي جعفر: (5) 9. عمرو بن الجموح: (1) 161، 162، (8) 356. عمرو بن الحرث: (2) 156، 157، 243، (3) 316، (5) 115، (6) 270، 309، (7) 216، (8) 74، 117، 251، (9) 239، (10) 52، 151، (11) 3، 151، 232، 310، 375، (12) 325، 334، 370، (13) 3، 39، (14) 111، 126. عمرو بن الحجاج: (8) 167. عمرو بن حرب بن أمية: (6) 256. عمرو بن حريث: (9) 358، (12) 46. عمرو بن أبي حرملة: (7) 373. عمرو بن حزم: (1) 136، (2) 56، 95، (5) 117، (9) 208. عمرو بن الحسن: (5) 361. عمرو بن الحضرميّ: (1) 76، 78، 89. عمرو بن الحكم: (10) 62، 380. عمرو بن حماد: (5) 80. عمرو بن حممة: (2) 6، (4) 396، 406، (5) 314، (11) 348، 349، (12) 221، 222، 251، 252، (14) 129. عمرو بن خالد: (7) 77، (12) 338، (14) 542. عمرو بن دينار: (1) 64، (2) 160، 259، 337، (3) 28، 204، 208، (4) 283، 335، 339، (5) 88، (7) 290، (8) 56، 201، 293، (9) 4، 346، 363، 370، (10) 220، 378، (11) 290، (12) 15، 77، 181، 203، 298، (13) 378، (14) 294، 546، 548، 624. عمرو بن الربيع: (1) 118، (6) 283. عمرو بن الزبير: (9) 182. عمرو بن زرارة: (13) 5. عمرو بن زيد بن عوف: (9) 228. عمرو بن سالم: (2) 47، (1) 132، 285، 349، (2) 47، (7) 169. عمرو بن سعدي: (1) 247، (4) 401. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 250 عمرو بن سعيد: (2) 217، 218، 224، (4) 18، 79، 349، (7) 279، (8) 312، (11) 304، 305. عمرو بن سعيد الأسدي: (6) 312. عمرو بن سعيد الأشج: (2) 171. عمرو بن سعيد بن العاص: (7) 46، (12) 272. عمرو بن سفيان الثقفي: (5) 70، (14) 479. عمرو بن أبي سفيان: (1) 85، 114، (3) 282، (6) 266، (13) 271، 276. عمرو بن سلمة: (13) 200، (14) 10. عمرو بن أبي سلمة: (6) 298. عمرو بن سليم: (1) 83، (5) 366، 389، عمرو بن السمط: (12) 78. عمرو بن سواد: (5) 53. عمرو بن شرحبيل: (2) 385، (4) 326، (11) 197. عمرو بن الشريد: (2) 264، (8) 27. عمرو بن شعيب: (2) 161، 284، 330، (6) 286، 290، (7) 81، 232، 378. عمرو بن شمر: (11) 110، 112، 113. عمرو بن شيبة: (2) 265، 348. عمرو بن صالح الحضرميّ: (6) 51. عمرو بن صيفي بن هاشم: (1) 352. عمرو بن الطفيل: (4) 359. عمرو بن عائذ بن عمران: (4) 77، 78. عمرو بن العاص: (1) 38، 40، 41، 85، 89، 131، 138، 165، 234، 235، 242، 292، 335، 344، 345، (2) 6، 36، 37، 289، (3) 286، (4) 127، 128، 254، 362، 363، 364، 366، 368، (5) 333، 359، 360، (6) 217، 242، 244، 262، (7) 163، 168، 222، (8) 133، 134، (9) 110، 132، (10) 381، (11) 36، 51، 120، (12) 200، 201، 360، (13) 177، 191، (14) 23، 85، 199، 234، 418. عمرو بن عاصم: (7) 72، (11) 36، (12) 220، 292. عمرو بن عامر: (9) 171، 172. عمرو بن عبد: (1) 235، 236، (6) 243. عمرو بن عبد اللَّه: (1) 115، (8) 201. عمرو بن عبد اللَّه الجمحيّ: (10) 6. عمرو بن عبد اللَّه الحضرميّ: (12) 378. عمرو بن عبد اللَّه الشيبانيّ: (4) 378. عمرو بن عبد اللَّه بن نوفل: (3) 212. عمرو بن عبسة: (3) 339، (4) 378، 379، (8) 139، 313، (9) 93، 94، 96، 148، (12) 78، (13) 149، 193، (14) 251، 252، 253، 254. عمرو بن عبيد: (4) 118، 302، (8) 364. عمرو بن عثمان: (7) 331. عمرو بن عثمان بن عفان: (4) 127. عمرو بن عثمان بن كثير بن دينار: (14) 199. عمرو بن عثمان بن يعلى: (10) 139. عمرو بن عطاء: (10) 371. عمرو بن علقمة: (4) 299، (10) 345. عمرو بن علي: (2) 283، (5) 238، (11) 92. عمرو بن عمر: (2) 290. عمرو بن أبي عمرو: (2) 170، (3) 285، (11) 48، 49، (12) 373، 382، 383، (13) 138، 201. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 251 عمرو بن عوف: (1) 262، (7) 168، (9) 175، 184، 189، 199، 251، 360، (14) 181. عمرو بن عون: (6) 50، (9) 369، (12) 209. عمرو بن العلاء: (4) 323. عمرو بن غنم السلمي: (7) 249. عمرو بن غنمه: (1) 297. عمرو بن قتيبة: (4) 58. عمرو بن قميئة: (1) 151. عمرو بن قيس: (11) 57. عمرو بن أبي قيس: (5) 20. عمرو بن مالك: (3) 222، (10) 158، (11) 54، (13) 212. عمرو بن محمد: (2) 340، 345، (4) 100، (5) 307. عمرو بن محمد بن منصور العدل: (12) 334. عمرو بن مرزوق الواشحي: (12) 229، (13) 225، (14) 137. عمرو بن مرة: (2) 143، 287، 288، 321، (4) 9، 10، 11، 12، 109، (5) 43، 131، (8) 293، (9) 32، (10) 270، (11) 281، 293، 294، 295، (12) 76، 252، 277، (13) 17، 20، 215، 229، (14) 82، 99، 160، 204، 440. عمرو بن مسعود: (12) 13. عمرو المعافري: (12) 89. عمرو بن المنذر: (1) 7. عمرو بن منصور: (7) 293. عمرو بن ميمون: (4) 183، (7) 224، (11) 288، (12) 102، 103، 104، 105، 106، 107، 158، (14) 330. عمرو بن نعجة: (12) 240. عمرو بن النعمان: (9) 187. عمرو بن نوفل بن عبد مناف: (6) 198. عمرو بن نفيل: (5) 58. عمرو بن هارون: (10) 371. عمرو بن هشام بن المغيرة: (1) 35، 91، 385، (6) 220. عمرو بن هند: (1) 7. عمرو بن واقد: (3) 169. عمرو بن الوليد: (3) 48. عمرو بن يحيى: (2) 359، (4) 103، (12) 230. عمرو بن يحيى بن سعيد: (7) 46، (12) 209، (14) 138. عمرو بن يحيى بن عمارة: (5) 169، (8) 38. عمرو بن يحيى المازني: (2) 155. عمير: (12) 170، 171، 172، 215، 368. عمير بن إسحاق: (3) 329، (4) 367. عمير بن الأسود العقبي: (12) 215. عمير بن بردة: (4) 283. عمير بن جدعان: (4) 77. عمير بن سعد: (4) 248، (9) 248. عمير بن عدي بن خرشة: (1) 120. عمير بن هانئ: (12) 232، 368، (14) 140. عمير بن وهب: (1) 80، 86، 102، 118، 398، (4) 216، 399، (6) 280، 281، (12) 145، 170، 171، 172. عمير بن أبي وقاص: (1) 82، (9) 100. عنبسة بن الأزهر: (2) 283. عنبسة بن سعيد: (6) 348. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 252 عنبسة بن عبد الرحمن بن محمد: (5) 302، (7) 19، 21، 24، 57. عنبسة بن محمد بن عبد اللَّه: (7) 19. عنبسة بن أبي سفيان: (6) 262، 265. عنبسة بن أبي سلمى: (14) 31. العوام بن حوشب: (6) 375، (11) 51، (12) 209، 257، 332، (13) 205. العوام بن خويلد بن أسد: (6) 194، 256، 282. عوف: (11) 741 (8) 104، 128، (9) 202، (11) 252، (12) 279، 208، 325، (13) 231، 293. عوف بن جعفر بن أبو طالب: (6) 167. عوف بن الجزع: (5) 14. عوف بن الحارث بن رفاعة: (1) 51. عوف بن عبد الرحمن: (7) 219. عوف ابن عفراء: (1) 51، 104، 110. عوف بن مالك: (1) 345، (2) 254، (3) 264، (4) 403، (7) 169، (9) 146، 351، (11) 82، (12) 319، 325، 351، 360، 387، (13) 190، 366، 367، 368، (14) 77، 184. عوف بن أبي جميلة: (4) 140، (5) 100. عوف بن أبي خلدة: (12) 232. عون بن جعفر بن أبي طالب: (5) 370. عوف بن سلام: (11) 131، (13) 186. عون بن عبد اللَّه: (3) 253، (12) 221، 288. عون بن عمر: (5) 270. عون بن محمد: (5) 27، 28، (6) 9، 10. عون بن أبي جحيفة: (2) 166، 219، (3) 284، (11) 119. عويم بن ساعدة: (1) 52، (10) 10. العلاء: (11) 233. العلاء بن جارية: (9) 298. العلاء بن الحضرميّ: (1) 304، (2) 101، (4) 202، 224، 393، (5) 286، 288، 289، 290، 293، 294، (9) 334، 369، (14) 181، 234، 244. العلاء بن عبد الرحمن: (8) 135، (10) 348، (11) 43، 68، (12) 273، 276، 337، 338. العلاء بن عبد اللَّه بن عمار: (1) 305. العلاء بن عمرو الجعفي: (11) 59. العلاء بن الفضل: (3) 367، (7) 281، 282. العلاء بن كثير: (11) 86. العلاء بن المسيب: (8) 85. عباس بن عباس الكنعي: (12) 211. عياش بن عبد اللَّه: (10) 176. عياش بن عياش: (12) 207، 208. عياش بن أبي ربيعة: (1) 92، 183، (2) 124، 331، (6) 228، 242، (9) 100، 114، (12) 68، 69، 70، 72، 73، 139. عياش بن أبي عياش: (12) 71. عياض: (9) 213. عياض بن حماد بن محمد: (8) 139، 140، 141. عياض بن عبد اللَّه: (10) 174، 175، 177، (11) 331. عياض بن عمر: (6) 217. عياض بن غنم بن زهير: (1) 304، (6) 161. العيزار بن حريث: (2) 253، (7) 119. عيسى: (12) 91. عيسى بن حماد: (13) 212، 213. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 253 عيسى بن سالم أبو السعود: (5) 52. عيسى بن طهمان: (7) 27. عيسى بن عبيد: (9) 188. عيسى بن عمر: (4) 312، (14) 301. عيسى بن غنجار: (8) 279. عيسى القاري أبو عمر: (12) 252. عيسى بن ماهان: (8) 268. عيسى بن معمر: (2) 213، (7) 155. عيسى بن موسى: (10) 257. عيسى بن ميمون: (3) 228، 317. عيسى بن نوح: (5) 248. عيسى بن هلال الصدفي: (12) 329. عيسى بن يونس: (2) 174، 251، 257، 258، 279، (4) 325، (5) 178، 287، 340، (7) 327، 367، (8) 40، 76، 227، (10) 221، 304، (11) 4، 34، 256، (12) 60، 351، (13) 195، (14) 453، 495، 496، 497، 500. عيسى بن أبي فاطمة الفزاري: (12) 365. عيينة: (9) 253، 254، 263، (13) 336. عيينة بن بدر: (9) 230، 298. عيينة بن حصن: (1) 20، 202، 223، 235، 239، 240، 259، 265، 209، (2) 29، 30، 33، 37، 233، (4) 402، 403، (5) 129، (7) 188، 244، 249، (8) 380، (9) 252، 300. عيينة بن عبد الرحمن: (11) 323. الغين غافر بن مجد الدوري: (12) 347. غالب بن أبجر: (8) 12. غالب بن عبد اللَّه الليثي: (1) 329. غالب بن عبد اللَّه بن مسعر: (1) 335. غالب الليثي: (1) 347. غالب بن فهر بن مالك: (4) 25. غزال بن خالد بن يزيد: (5) 346. غزال بن محمد: (8) 60، 61. غزية بن عمرو بن عطية: (1) 162. غسان بن مضر: (5) 219. غندر: (11) 268، (12) 197. غنم بن مالك بن كنانة: (6) 182. غورث بن الحارث: (1) 197. غياث بن إبراهيم: (12) 221. غيلان: (12) 286. غيلان بن جامع: (7) 65. غيلان بن جرير: (2) 228، (13) 222. غيلان بن حرب: (9) 169. غيلان بن عبد اللَّه: (9) 188. غيلان القدري: (12) 285. غيلان بن سلمة الثقفي: (5) 256. الفاء فائد: (8) 35. فائد بن عبد الرحمن: (11) 57، 58، (12) 60. فائد أبي الورقاء: (5) 258. الفاكة بن المغيرة: (6) 220، 224. الفاكه بن النعمان: (9) 283. فديك بن أبي فديك: (11) 110. فرات: (12) 378. فرات بن حيان: (1) 130، 266. فرات القزاز: (14) 203. فراس: (11) 129. فراس بن عمرو: (11) 380. فرج بن سعيد: (11) 344. الفرج بن فضالة: (3) 96، (4) 54، (8) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 254 94، 97، (13) 203. فرقد: (14) 275. فرقد السبخي: (13) 225. فروخ: (12) 115. فروة بن عمرو: (1) 317، 318، 322، (6) 321، 325، (7) 197، 220، 225، 226، (9) 233، 295، 385، (10) 44. فروة بن نعامة الجذامي: (5) 68، (7) 217. الفريابي: (1) 103، (11) 74، 77، (12) 60، 63، 279، (13) 18، 19. الفزاري: (12) 369. فلح: (2) 155، (11) 244، (12) 5. فضالة بن عبيد: (4) 304، (8) 49، (9) 161، (10) 158، (11) 54، 147. الفضل: (8) 30، (9) 29. فضل بن أحمد: (4) 316. الفضل بن الحباب: (9) 202، (13) 363. الفضل بن دكين: (2) 162، 212، (4) 283، (6) 10، 357، (7) 46، 75، 105، (10) 165، (11) 74، 385، (12) 46، 309، (13) 228، (14) 572. الفضل بن زياد: (11) 134. الفضل بن سليمان: (10) 51، (11) 302، (13) 294. الفضل بن سهل: (5) 294، (7) 297. الفضل بن شعيب: (11) 141. الفضل بن عباس: (2) 14، 115، 131، 134، 135، 137، (5) 338، 339، 379، 380، 381، (6) 166، 271، 276، 369، (7) 307، (8) 389، (9) 29، 285، 286، 287، (12) 22، (14) 443. الفضل بن عطاء: (11) 141. الفضل بن عون المسعودي: (11) 360. الفضل بن عياض: (2) 288، 289. الفضل بن موسى: (7) 288، (9) 188، (11) 351، (12) 350، (14) 292. فضيل بن غزوان: (10) 158. فضيل بن المرزوق: (5) 28. فطر: (9) 358، (13) 186، 187، (14) 556. فطر بن خليفة: (11) 78، 92، 142، (12) 46. فليح بن إسماعيل: (3) 22. فليح بن سليمان: (2) 200، (5) 319، (7) 352، 384، (12) 340، 381، (14) 303. الفلاس: (13) 11. فياض بن محمد الرقي: (13) 215. القاف قابوس بن أبي ظبيان: (4) 67. قابوس بن المنذر بن النعمان: (6) 238. قارب بن الأسود: (2) 84، 87. القاسم: (6) 28، (8) 289، (9) 312، (11) 82، (12) 85، 89، 90، 274. قاسم بن أصبغ: (2) 273، 275، 307، 313، (3) 65، 72، 294، (4) 252، 253، 255، 256، 352، (5) 123، 125، 207، 308، (6) 367، 368، 388، (7) 9، 68، 72، 95، 104، 133، 164، 181، 303، 342، 371، 385، 392، (8) 9، (9) 86، 87، 271، (10) 83، 113، 125، 128، 138، 141، 143، 217، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 255 232، 345، 354، 355، 356، 359، 361، (11) 372، (12) 31، 340، 373، (13) 262، 513، (14) 185. القاسم بن أبي أمامة: (9) 312، (12) 89. قاسم بن ثابت: (1) 91، (2) 157. القاسم بن الحارث: (12) 309. القاسم بن الحسن: (5) 361. القاسم بن سلام: (2) 143، 233، (4) 277، 296، 312، 321، (7) 10، 150. القاسم بن عباس الهاشمي: (3) 304. القاسم بن عبد الرحمن: (5) 69، 231، 296، (9) 53، 89، 90، 98، (12) 127، (13) 205، 212. القاسم بن عبد اللَّه: (5) 73، (14) 562، 563. القاسم بن الفضل: (5) 233، (14) 205، 274. القاسم بن محمد: (2) 288، (3) 399، (6) 10، 43، (7) 153، (8) 11، (9) 130، (11) 50، 131، 231، (12) 40، 41، 73، (13) 43، 212، 299، (14) 429، 490، 500، 587. القاسم بن مخرمة بن المطلب: (9) 282. القاسم بن مخيمرة: (11) 95، 99، 100. القاسم بن الوليد: (12) 103. القاسم بن يزيد بن عبد اللَّه: (14) 443. قباث بن أشيم: (1) 22، (4) 400، (12) 173، 174. قتادة: (1) 275، 327، (2) 154، 162، 165، 171، 192، 306. قبيصة بن ذؤيب: (1) 37، (3) 48، (7) 254، (10) 109، (12) 297، (13) 351. قبيصة بن عقبة: (6) 126، (7) 105، (11) 52، 53، (12) 327، (14) 205. قبيصة بن عمر الهلالي: (6) 52. قبيصة بن عمرو بن إسحاق: (4) 15. قبيصة بن مسعود: (12) 335. قبيصة بن نعيم: (11) 69، 70. قبيصة بن وقاص: (13) 212. قتادة: (8) 6، 58، 100، 122، 129، 130، 140، 201، 230، 231، 233، 249، 242، 246، 247، 279، 284، 285، 292، 297، 330، (9) 22، 34، 71، 79، 87، 110، 115، 267، 271، 275، 280، 325، 372، (11) 67، 91، 119، 134، 191، 243، 244، 268، 269، 270، 349، 350، (12) 7، 18، 67، 77، 144، 160، 268، 292، 309، 310، 338، 358، 359، 371، 389، (13) 13، 21، 22، 23، 25، 29، 30، 40، 41، 65، 92، 102، 116، 136، 149، 171، 174، 217، 229، 262، 263، 285، 287، (14) 58، 262، 275، 277، 292، 341، 355، 483، 496، 497، 553، 580، 608. قتادة بن دعامة: (6) 92، (8) 229. قتادة بن ملحان: (4) 396، (11) 366. قتادة بن النعمان: (1) 95، 141، 149، 150، (2) 124، (4) 394، (5) 319، 321، (7) 249، 168، 170، (11) 330، 331، 332، 333، 334، 335، (13) 322، 324، (14) 356. قتيبة: (8) 157، (11) 33، (14) 182. قتيبة بن سعيد: (2) 192، (3) 212، (5) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 256 332، 386، (7) 347، (9) 304، (10) 73، 97، 104، (12) 203، 371، (13) 253. قتيبة بن مهران: (4) 312، 316. قثم: (2) 136. قثم بن العباس: (2) 137، (6) 20، 166، 271، 276، (13) 237. قدامة بن عبد الملك: (2) 222. قدامة بن مظعون: (9) 100، 153، قدامة بن موسى: (4) 121، (8) 328، (9) 281، (13) 277. قراد أبو نوح: (8) 174، 176. قرظة بن كعب: (9) 142. قرة بن أشقر الجذاعي: (9) 376. قرة بن حبيب الغنوي: (11) 389. قرة بن خالد: (2) 173، (7) 61، (9) ، 180، (12) 227، 238، 251، 349، (13) 137، 323، (14) 58، 135، 145، 159. قرة بن عبد الرحمن: (14) 551. قرة بن موسى العجيمي: (7) 61. قريش بن أنس: (5) 78. قزعة: (8) 158. قس بن ساعدة: (9) 38، 337. قشير بن عمرو: (9) 371. قطية بن عامر: (1) 51، 337، 340، (2) 42، (7) 168. قطن بن وهب: (3) 329، (6) 135. القعقاع بن حكيم: (2) 207، (4) 284، (13) 352. القعنبي: (11) 75، (14) 494. قلابة: (9) 314. قيس: (1) 91، (9) 97، 235، (12) 33، 36، 55، 74، 154، 233، 234، 265، 369، (13) 204، 227، 228، (14) 177، 569. قيس بن امرئ القيس: (1) 90. قيس بن جرير: (2) 220. قيس بن الحارث: (2) 38. قيس بن حفص الدارميّ: (2) 291، (14) 55. قيس بن الحصين بن يزيد: (2) 95. قيس بن أبي حازم: (2) 220، 221، 271، 303، (7) 179، (12) 11، 35، 36، 315، (13) 200، 201، 204، 229، (14) 111، 201. قيس بن خرشة: (4) 406، (12) 233، (14) 141. قيس بن الربيع: (2) 260، (3) 169، (4) 78، (10) 378، (11) 75، (13) 186. قيس بن زهير: (6) 238. قيس بن زيد بن ثابت: (13) 200. قيس بن السائب: (8) 146. قيس بن سعد: (1) 218، 346، 383، (2) 106، 214، (5) 358، (6) 360، (7) 159، 170، (9) 152، (10) 3، 4، (12) 206، 335. قيس بن سكن بن قيس: (4) 290. قيس بن سهل: (12) 53. قيس بن أبي سهم: (14) 110. قيس بن أبي الصعصعة: (1) 84، (8) 341، (9) 228. قيس بن طلق: (3) 264، (10) 88، 90. قيس بن عاصم بن سنان بن خالد: (2) 38، 42، (4) 354، 355، (9) 378. قيس بن عباد: (12) 226، 227، (14) 134، 135، 341. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 257 قيس بن عبد: (4) 325. قيس بن عبد الرحمن: (11) 49. قيس بن عبد اللَّه: (7) 114. قيس بن عدي: (2) 29، (9) 298. قيس بن محرث: (1) 159. قيس بن المحسر اليعمري: (1) 271. قيس بن محصن: (8) 44. قيس بن مخرمة بن المطلب: (9) 282. قيس بن مسلم: (7) 382، (10) 176، 177، 378. قيس بن النعمان: (1) 271، (5) 215. قيس بن هبيرة: (6) 99. قيس بن وهب: (3) 42. الكاف كادح بن رحمة: (11) 87، 136. كامل بن طلحة: (12) 278، (14) 564. كامل بن علقمة الراسبي: (9) 174. كامل بن العلاء: (5) 322، (7) 83، (12) 261، 262. كثير بن زياد: (10) 139. كثير بن زيد: (2) 331، (3) 224، 232، (5) 187، 323، (9) 275، 296، 360، (11) 73، (12) 238، 383، (14) 23، 146. كثير بن عباس بن عبد المطلب: (5) 66، 68، (7) 217. كثير بن عبد اللَّه بن عمرو: (9) 359، 360، (12) 387، (13) 291. كثير بن مرة: (12) 334. كثير النواء: (12) 363. كثير بن هشام: (3) 70، (10) 84. كرز بن جابر بن حسل: (1) 272، 273. كرز بن جابر الفهري: (1) 74، 388. كرز الحارثي: (7) 18. كرز بن علقمة: (1) 58، (4) 98، (5) 269، (9) 196، (12) 323، 324، (14) 65. كريب: (8) 88، 89، (13) 182، (14) 290. كريز بن ربيعة بن حبيب: (6) 287. كعب: (1) 126، (8) 285، 286، 296، 394، (11) 89، 141، (12) 180، 182، 183، 186، 189، 233، 297، كعب الأحبار: (8) 165، (12) 245، 297، 377. كعب بن أسد: (1) 231. كعب بن زهير: (2) 88، 265. كعب بن زيد: (1) 231، 244. كعب بن سور: (13) 235، 242، 243. كعب بن شراحيل: (6) 305. كعب بن عجرة: (1) 278، (3) 251، (5) 386، (11) 7، 22، 25، 26، 27، 72، 76، 107، (12) 305. كعب بن علقمة: (11) 50، 121. كعب بن عمر بن تميم بن سواد: (9) 295. كعب بن عمرو: (7) 171، (9) 294، (12) 169. كعب بن عمير الغفاريّ: (1) 336. كعب بن عياض: (12) 333. كعب بن فهر: (3) 402، 403. كعب بن مالك: (1) 146، 226، 355، (2) 37، 51، 79، 80، 81، 82، 83، 116، 264، 283، (3) 239، 289، (5) 279، (6) 142، 173، (8) 150، 170، 392، (9) 268، 309، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 258 (10) 41، 42، (13) 112، 113. كعب بن مرة: (5) 131، (12) 76، 77. كلثوم بن الحصين: (2) 52. كلثوم بن الهرم: (1) 68، (6) 307، (9) 199، (10) 85. كنانة بن أبي الحقيق: (1) 222، 255، 307، 309، 314، 315، 316، (6) 88، (9) 230. كهمس بن الحسن: (5) 243، (14) 35. كيسان: (12) 254. اللام لبابة بن المنذر: (7) 168. لبيد بن أرطاة: (9) 162. لبيد بن ربيعة: (1) 184، (12) 74. لقمان بن عامر: (4) 54. لقيط بن هبيرة: (7) 255، (14) 271. الليث: (1) 59، (8) 12، 13، 40، 45، 49، 86، 115، 120، 126، 150، 243، 250، 316، (9) 31، 42، 126، 200، 237، 271، 285، 389، (11) 32، 48، 89، 122، 123، 128، 141، 194، 315، (12) 8، 215، 246، 373، (13) 46، 55، 112، 158، 186، 202، 220، 390، (14) 25، 154، 187، 268، 285، 304، 320، 407، 438، 456، 460، 493، 497، 500، 501، 511، 512، 611. الليث بن سعد: (1) 83، 173، (2) 144، 206، 259، 331، (3) 60، 66، 68، 69، (4) 125، 255، (5) 22، 119، 163، 252، 331، (6) 384، 398، (7) 156، 307، (8) 150، (9) 78، 89، (11) 39، 315، (12) 114، 288، 298، (13) 202، 253، 370، (14) 199، 462. ليث بن أبي سليم: (1) 310، (3) 226، 228، (8) 275، (9) 32، (11) 141، (12) 235، (14) 143. الميم مالك: (1) 173، (2) 7، 155، (8) 22، 48، 53، 89، 90، 120، 123، 124، 150، 161، 167، 226، 231، (9) 30، 31، 32، 74، 228، 286، 287، 358، 360، 381، 382، 392، (11) 17، 19، 20، 26، 31، 59، 64، 246، 247، 263، 295، 300، 333، (12) 149، 150، 283، 331، 337، 338، 360، 368، (13) 14، 15، 21، 36، 39، 79، 87، 155، 160، 176، 183، 340، 341، 342، 366، 369، 370، 390، (14) 157، 295، 296، 394، 396، 401، 404، 409، 424، 437، 459، 494، 608، 617، 619، 620. مالك بن إسماعيل: (6) 126، (7) 328، (10) 93، 98، 220، (11) 333. مالك بن إلياس: (6) 27. مالك بن أنس: (1) 130، (2) 234، (3) 211، 383، (4) 269، 206، (5) 166، 285، (7) 79، 349، (8) 300، (9) 29، 213، (10) 74، 109، 353، 362، (11) 85، 331، (12) 9، 115، 377، (13) 374، (14) 384، 503، 518. مالك بن أوس: (2) 294، (11) 36، 47، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 259 (13) 147. مالك بن الأوس بن حارثة: (9) 176. مالك بن التيهان: (1) 51، 55. مالك بن جويرية ابن أسماء: (2) 142. مالك بن حذيفة بن بدر: (1) 271. مالك بن حمزة: (5) 83. مالك بن الحناط: (7) 351. مالك بن الحويرث: (2) 247، 248، (4) 320، (9) 154، (11) 7، 76، (12) 196. مالك بن خالد بن زيد: (10) 254. مالك بن خرشة: (1) 157. مالك بن أبي خولى: (9) 191. مالك بن الدخشم: (1) 113، 165، (2) 77، (8) 393، (12) 175. مالك بن دينار: (7) 264، (12) 61، 99، 257، 331، (14) 277. مالك بن ربيعة: (3) 321، (7) 207، (12) 146. مالك بن أبي الرجال: (8) 280، (10) 93. مالك بن زمعة: (6) 200. مالك بن زهير: (1) 149، 157. مالك بن أبي الزناد: (12) 248. مالك بن سليم الزرقيّ: (11) 31. مالك بن سنان: (1) 134، 153، (9) 249. مالك بن صعصعة: (8) 190، 194، 207، 212، 214، 229، 230، 233، 241، 242، 285، 286، (10) 305. مالك بن عامر: (12) 368. مالك بن العجلان: (9) 173. مالك بن عمرو البخاري: (1) 135. مالك بن عمير: (4) 396، (11) 363. مالك بن عوف: (1) 356، (2) 8، 9، 11، 12، 19، 22، 34، (9) 298. مالك بن مغول: (2) 166، 288، (3) 318، (5) 145، (8) 251، (10) 158، (11) 25، (14) 481. مالك بن مهلهل بن أثار: (4) 30. مالك بن نويرة: (2) 101. مالك بن أبي نوفل: (2) 91. مالك بن يخامر: (8) 130، (10) 381. مبارك: (11) 71. المبارك بن سعيد: (7) 281، (14) 288. مبارك بن فضالة: (2) 204، 227، 254، 274، 308، (5) 36، 49، (7) 74، 120، (10) 306، (12) 283، 334، 335، (14) 508. المبارك بن فلفل: (13) 200. مبشر بن الفضل: (14) 424. المتوكل جعفر بن محمد: (12) 315، 363. المثنى بن حارثة: (4) 353. المثنى بن زرعة: (4) 344. المثنى بن سعيد: (4) 370، 371، (7) 270، (9) 267، (14) 281. المثنى بن صالح بن مهران: (6) 348. مثنى بن الصباح: (4) 334. مجاشع بن عمرو: (12) 270. مجاشع بن مسعود السلمي: (6) 264. مجالد: (1) 78، (8) 67، 121، (9) 69، (12) 205، 231، 252، (14) 87، 160. مجاهد: (1) 71، (7) 2، (8) 141، 145، 275، 285، (9) 36، 48، 71، 87، 106، 108، 195، (11) 39، 78، 191، 195، 276، 295، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 260 (12) 259، 262، 321، (13) 12، 18، 21، 25، 58، 102، 116، 117، 151، 286، 287، 354، (14) 102، 103، 167، 221، 318، 611. مجاهد بن جبير: (3) 313. المجذر بن زياد البلوي: (9) 184. مجزر بن جعفر: (9) 362. مجمع بن جارية: (2) 76، 87، (4) 288، 289. مجمع بن عمر: (2) 180. مجمع بن يحيى: (2) 176، (11) 33. محارب بن دثار: (8) 170، 171، (10) 144. محبوب بن هلال: (14) 46. محرز بن عامر بن مالك: (1) 135. محرز الغياث: (5) 80. محرش الكعبي: (9) 23. محل بن خليفة: (6) 365، (14) 59. محلم بن جثامة: (1) 347. محمد: (9) 242، 243، (12) 8، 292. محمد بن أبان الواسطي: (4) 248، 359، (14) 111. محمد بن إبراهيم: (5) 329، (7) 234، (10) 31، 35، 39، (11) 64، 375، (12) 239، 240، (14) 147، 148، 579. محمد بن إبراهيم التيمي: (2) 160، (5) 119، (7) 71، (11) 125، 375، (14) 125. محمد بن إبراهيم بن الحارث: (3) 253، (5) 144، 156، (10) 119، 148، (14) 436. محمد بن إبراهيم السراج: (14) 207. محمد بن إبراهيم بن عزرة: (11) 349. محمد بن أحمد بن حمدان: (5) 219. محمد بن أحمد بن الفرج: (10) 311. محمد بن إسحاق: (1) 32، 40، 73، 122، 275، (2) 155، 194، 205، 234، 260، 284، 351، (3) 24، 32، 55، 96، 313، 321، 349، 356، (4) 66، 81، 84، 95، 106، 122، 128، 129، 135، 344، 345، 357، 366، (5) 8، 12، 21، 73، 76، 113، 132، 171، 209، 211، 231، 235، 348، (6) 21، 73، 285، 286، (7) 55، 163، 179، 187، 272، 344، 345، (8) 163، 179، (9) 29، 87، 92، 185، 192، 241، 373، (10) 4، 30، 131، (11) 37، 289، 300، (12) 79، 95، 99، 117، 123، 145، 152، 167، 170، 242، 347، 385، (13) 108، 293، 294، 303، 305، 312، 317، 352، 353، 366، (14) 89، 105، 150، 282، 330، 434، 462، 465، 474، 559. محمد بن إسماعيل: (2) 339، (3) 152، (5) 27، (6) 9، (7) 55، 366، (8) 131، (10) 181، (12) 67، (13) 213، (14) 608. محمد بن إسماعيل بن دينار: (12) 298. محمد بن إسماعيل الصايغ: (11) 361، (14) 180. محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: (5) 385، (12) 260. محمد بن الأشعث: (13) 186. محمد بن أصبغ: (12) 283. محمد بن أنس: (4) 396. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 261 محمد بن إياس بن سلمى: (12) 83. محمد بن أيوب: (4) 290، 291، (10) 157، (12) 37. محمد بن بشار: (3) 152، (4) 240، (5) 78، (11) 243، (12) 18، 342. محمد بن بشر: (3) 45، 268، (11) 152، 236، 329، (12) 31، (13) 186. محمد بن بشر العبديّ: (2) 192. محمد بن بشر بن مطر: (14) 564. محمد بن بشير: (11) 132. محمد بن بكار: (6) 127. محمد بن بكر: (2) 169، (10) 310. محمد بن أبي بكر: (6) 205، 273، (8) 94، (9) 26، (10) 229، 264، 371، (13) 248. محمد بن بكير الحضرميّ: (14) 17. محمد بن ثابت: (3) 294، (4) 397. محمد بن جابر: (5) 182، (9) 202، (11) 144، (12) 299، 330. محمد بن جبير بن مطعم: (2) 141، 142، 351، (3) 327، (4) 13، 108، 351، 352، 353، (5) 24، (9) 181، (11) 48، (12) 304، 308، 347، (14) 63، 489. محمد بن جحادة: (4) 195، 253. محمد بن جريج: (5) 138. محمد بن جعفر: (2) 157، (4) 240، (7) 18، 397، (10) 123، 172، 175، 309، 362، (11) 69، 269، (12) 18، 74، 98، 197، 206، 358، (13) 227، 312، 314، (14) 60، 341، 461. محمد بن جعفر بن الزبير: (2) 163، 252، (9) 337، (10) 84، (12) 170، (13) 376، (14) 442. محمد بن جعفر بن أبي طالب: (5) 370، (6) 167. محمد بن جعفر بن محمد: (5) 29. محمد بن الجهم الوركاني: (7) 366. محمد بن حاتم المروزي: (9) 107. محمد بن الحارث: (6) 157. محمد بن حازم الضرير: (13) 204. محمد بن حبان: (10) 138، 252. محمد بن حبيب: (6) 101. محمد بن أبي حبيبة: (8) 182. محمد بن الحجاج: (2) 332. محمد بن أبي حذيفة: (6) 157، 159. محمد بن حرب: (1) 83، (8) 134، 135، (14) 126. محمد بن أبي حرملة: (7) 109، (10) 286. محمد بن الحسن: (3) 324، (5) 310، 361، (6) 191، (9) 218، 249، (10) 171، 304، 363، 364، (12) 260، 379. محمد بن الحسن بن أسامة: (4) 100. محمد بن الحسن الأسدي: (5) 339، (12) 249. محمد بن الحسن بن زبالة: (9) 200، 209، (10) 362، (12) 244. محمد بن حسين: (11) 78. محمد بن الحسين: (2) 168. محمد بن الحصين: (12) 126، 127. محمد بن حفص: (11) 126. محمد بن حماد بن سلمة: (2) 207. محمد بن حمران بن ربيعة: (2) 140. محمد بن حمزة: (5) 187، (7) 299. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 262 محمد بن حمزة الأسلمي: (5) 323. محمد بن حمزة بن عبد اللَّه: (7) 298، (14) 301. محمد بن حمزة بن محمد: (2) 203. محمد بن حمزة بن يوسف: (2) 236، (7) 298. محمد بن حميد: (4) 100، (12) 276، (13) 218. محمد بن حميد الحمصي: (8) 279. محمد بن حميد بن عبد الرحمن: (11) 305. محمد بن أبي حميد: (12) 172، 338، 339. محمد بن حمير: (2) 288، 332، (7) 136. محمد ابن الحنفية: (2) 212، (4) 100، (8) 281، (9) 89، (10) 378، (11) 36، 79، (12) 250، (13) 186، 187، 238، (14) 587. محمد بن خالد الأنصاري: (5) 235. محمد بن خالد السلمي: (13) 136. محمد بن خالد بن عثمة: (13) 291. محمد بن أبي ذئب: (12) 354. محمد بن ذكوان: (3) 208، (9) 93. محمد بن أبي ذؤيب المدني: (5) 129. محمد بن راشد: (7) 46، 71، (14) 292. محمد بن ربيعة: (7) 133، (12) 262. محمد بن ربيعة الكلابي: (11) 51. محمد بن رميح: (11) 254. محمد بن زرارة بن عبد اللَّه: (7) 196. محمد بن زياد: (3) 283، 304، (5) 375، (7) 322، 326، (11) 218، (12) 277، (13) 82، 83، 85، (14) 47. محمد بن زياد الألهاني: (11) 140. محمد بن زياد البرجمي: (5) 227. محمد بن زياد بن أبي هنيدة: (5) 156، (12) 190. محمد بن زيد: (10) 346، (11) 20. محمد بن زيد بن أسلم: (7) 72. محمد بن السائب: (2) 170، (3) 108، (4) 240، 359، (7) 19، (8) 17. محمد بن سعد: (2) 167، (4) 189، (5) 225، (7) 243، 350، (8) 188، (10) 93، 310، (13) 5، (14) 485. محمد بن أبي سعد: (4) 74. محمد بن سعيد: (10) 138، (13) 254. محمد بن سعيد الثقفي: (3) 362، (7) 179. محمد بن سفيان: (2) 141. محمد بن سفيان بن مجاشع: (2) 140. محمد بن أبي سفيان: (6) 262. محمد بن سلمة: (4) 250، (7) 177، (14) 356. محمد بن سليط: (4) 350. محمد بن سليمان: (2) 265، (5) 207، 227، (12) 232، (14) 140، 615. محمد بن سليمان بن الحارث: (11) 80. محمد بن سليمان السلمي: (12) 210. محمد بن سليمان بن والبة: (12) 382. محمد بن أبي سليمان: (11) 137. محمد بن سنان: (11) 244. محمد بن سهل: (14) 372. محمد بن سهل بن مروان: (11) 355. محمد بن سهل بن أبي حثمة: (13) 329. محمد بن سهل بن أبي خيثمة: (9) 130. محمد بن سوقة: (12) 278. محمد بن سلام: (2) 194، 264، (6) 222. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 263 محمد بن سيرين: (2) 272، 305، 306، (3) 316، 317، 349، (5) 169، 185، 220، (7) 13، 18، 19، 175، 288، (9) 121، 237، 270، (10) 190، (11) 41، 311، (12) 193، 226، 227، 348، 349، 389، (14) 134، 135، 552. محمد بن شداد المسمعي: (12) 253. محمد بن شرحبيل بن مدرك الجعفي: (12) 236، (14) 144. محمد بن شريك: (3) 380. محمد بن شعيب: (8) 94، (11) 82. محمد بن شهاب: (1) 32، 47، 327، (2) 143، (3) 11، (4) 116، 249، 250، 295، (7) 12، 45، (8) 169، (10) 292، (13) 108. محمد بن صالح: (3) 323، 397، (4) 133، 319، (5) 63، 219، (8) 100، 143، (9) 242، (12) 139، (13) 250، 273، 318، 364، (14) 49. محمد بن الصباح: (11) 26. محمد بن أبي صفوان: (8) 163. محمد بن الصلت الأسدي: (13) 187، 188. محمد بن طريف: (5) 37. محمد بن طلحة: (1) 169، (13) 45. محمد بن عائذ بن عبد الرحمن: (2) 161، (6) 88، (8) 93. محمد بن عاصم: (11) 88. محمد بن عامر: (11) 152. محمد بن عباد: (4) 338، (7) 56. محمد بن عباس بن الوليد: (11) 145. محمد بن عبد الأعلى: (3) 30. محمد بن عبد الأعلى الصنعاني: (5) 243. محمد بن عبد الأعلى بن كناسة: (13) 204. محمد بن عبد الحكم: (4) 324. محمد بن عبد الخالق: (4) 316. محمد بن عبد الرحمن: (2) 274، 332، (4) 135، 312، (7) 263، 344، 345، (8) 294، (11) 8، 136. محمد بن عبد الرحمن بن الحصين: (9) 94. محمد بن عبد الرحمن الحمصي: (7) 263، (14) 276. محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب: (12) 65. محمد بن عبد الرحمن الطفاوي: (2) 193، (3) 317. محمد بن عبد الرحمن العامري: (12) 298. محمد بن عبد الرحمن بن عروة: (9) 30. محمد بن عبد الرحمن بن عوف: (6) 291. محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة: (5) 9، (12) 385. محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي: (5) 209، (12) 346. محمد بن عبد الرحمن بن محيصن: (4) 299. محمد بن عبد الرحيم: (2) 142. محمد بن عبد السلام الخشنيّ: (13) 262. محمد بن عبد العزيز: (7) 299. محمد بن عبد اللَّه: (1) 295، (2) 174، (3) 397، (7) 135، (8) 101، 143، (9) 93، 248، 252، 277، (12) 139، 378، (13) 200، 273، 291، (14) 517. محمد بن عبد اللَّه الأسدي: (2) 331، (6) 126، (7) 105. محمد بن عبد اللَّه الأنصاري: (3) 151، (5) 140، (7) 24، (8) 328، (10) 3، (12) 19. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 264 محمد بن عبد اللَّه بن جحش: (6) 256، (10) 241. محمد بن عبد اللَّه التميمي: (11) 372. محمد بن عبد اللَّه بن الحصين: (7) 255. محمد بن عبد اللَّه الحضرميّ: (10) 311. محمد بن عبد اللَّه الخزاعي: (7) 57، (12) 331. محمد بن عبد اللَّه بن أبي رافع: (11) 148. محمد بن عبد اللَّه بن زيد: (3) 253، (10) 119. محمد بن عبد اللَّه بن سعد: (6) 153. محمد بن عبد اللَّه بن سليمان: (5) 310. محمد بن عبد اللَّه الشعيثي: (12) 286. محمد بن عبد اللَّه الصفار: (14) 462. محمد بن عبد اللَّه بن عباس: (2) 286، (7) 335، (13) 90. محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكيم: (5) 200. محمد بن عبد اللَّه بن عبد القدوس: (7) 19. محمد بن عبد اللَّه بن عثمان: (12) 385. محمد بن عبد اللَّه بن عمر الأنصاري: (7) 104، (12) 61. محمد بن عبد اللَّه بن عمرو: (5) 277، (7) 47، (8) 27، (14) 421. محمد بن عبد اللَّه بن قيس: (2) 341. محمد بن عبد اللَّه بن مسلم: (3) 189، (4) 249. محمد بن عبد اللَّه بن نمير: (2) 212، (10) 351. محمد بن عبد اللَّه بن نوفل: (6) 382. محمد بن عبد اللَّه بن يزيد بن ركانة: (12) 85. محمد بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب: (2) 249، (3) 225، (5) 249، (10) 66، (12) 51. محمد بن عبد الملك: (6) 367. محمد بن عبد الملك بن أيمن: (6) 312، (10) 125. محمد بن عبد الملك الدقيقي: (3) 12. محمد بن عبد الملك بن هشام: (3) 322، (9) 197. محمد بن عبد الواحد: (6) 93. محمد بن عبدة بن حرب: (12) 298. محمد بن عبيد: (5) 284، (9) 87، (10) 345، (11) 147، 386. محمد بن عبيد اللَّه بن علي: (12) 221، 222. محمد بن عبيد اللَّه الفزاري: (6) 368. محمد بن عبيدة: (10) 359. محمد بن عتاب العبديّ: (14) 471. محمد بن عتاب المروزي: (11) 146. محمد بن أبي عتيق: (2) 282. محمد بن عثمان: (4) 126، 359. محمد بن عثمان التنوخي: (14) 94. محمد بن عثمان بن مجالد: (10) 121. محمد بن عثمان بن أبي شيبة: (3) 15، 108، 341، (4) 66، 341، (5) 239، 325، (6) 191، (8) 315، (12) 387. محمد بن عجلان: (2) 207، 258، (4) 256، (7) 174، (11) 145، 233، (12) 262. محمد بن عروة بن علقمة: (10) 344. محمد بن عطاء الهاشمي: (11) 36. محمد بن عقبة: (13) 304. محمد بن علوان المقري: (13) 291. محمد بن علي: (3) 204، (6) 367، 368، 396، (7) 9، 69، (10) 122، (11) 36، (14) 507. محمد بن علي بن حسين: (9) 25، 209، (10) 121، (11) 79، 180. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 265 محمد بن علي بن أبي طالب: (12) 248. محمد بن علي بن عبد اللَّه: (11) 177. محمد بن علي الهاشمي: (7) 100. محمد بن عمار: (7) 157. محمد بن عمارة: (2) 170، (8) 14. محمد بن عمر: (2) 275، (3) 94، (4) 289، 338، (5) 63، 65، (6) 345، (7) 179، (8) 42، 258، (9) 181، (10) 93، 208، 344، (11) 74، 79، 149، (12) 99، (14) 506، 515. محمد بن عمر الأسلمي: (9) 83. محمد بن عمر بن جحش: (6) 62. محمد بن عمر الرازيّ: (3) 154. محمد بن عمر بن محمد: (5) 60. محمد بن عمر الواقدي: (8) 188، (11) 253. محمد بن عمران بن أبي ليلى: (11) 279، 280. محمد بن عمران بن موسى: (3) 399. محمد بن عمرو: (2) 161، 255، 292، 310، 319، 344، (4) 127، 255، 267، (5) 256، 276، (8) 59، (10) 216، 346، (12) 73، 262، 263، 350، 353، (13) 158، 347، (14) 101. محمد بن عمرو بن حزم: (3) 352، (12) 246. محمد بن عمرو بن عطاء: (2) 252، (5) 193، (12) 390. محمد بن عمرو بن علقمة: (8) 228، (9) 360، (10) 92. محمد بن عمرو بن أبي عمرو: (14) 516. محمد بن عمير بن عطارد: (8) 259. محمد بن عوف الحمصي: (2) 360. محمد بن عوف بن سفيان الطائي: (12) 325، 340. محمد بن عون: (2) 324، (14) 417، 568. محمد بن غالب: (5) 215. محمد بن الفرج الأزرق: (5) 225. محمد بن فروخ: (11) 365. محمد بن فضل: (5) 377، (10) 47، (12) 367، 391، (14) 207. محمد بن فضيل: (3) 312، (4) 66، 133، 342، (5) 36، 229، 248، (6) 20، (7) 263، 377، (8) 127، 186، (11) 78، 178، 280، 287، (12) 301، (14) 264، 276. محمد بن فليح: (3) 30، (8) 199، (12) 381، (13) 348. محمد بن أبي فديك: (10) 92، 98، (14) 614. محمد بن القاسم: (7) 161. محمد بن القاسم الطائي: (12) 294. محمد بن قتيبة: (2) 354. محمد بن قيس: (2) 222، (3) 53، (4) 104، (10) 233، 234، 235، (11) 251، (14) 429، 512، 542، 543. محمد بن كثير: (5) 235، (10) 310، 318، (11) 221، (12) 198، 259. محمد بن كعب: (1) 34، (3) 317، (4) 45، 293، 343، 407، (5) 169، (6) 133، (8) 280، 296، (12) 127. محمد بن كعب القرظي: (6) 20، (8) 49، 60، 141، 158، 305، 329، (9) 90، 107، (12) 118، 260، 287، 288. محمد بن أبي ليلى: (12) 67. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 266 محمد بن مالك بن المنتصر: (10) 93. محمد بن المبارك الصوري: (2) 142. محمد بن المثنى: (2) 161، 282، 330، (5) 180، (8) 290، (9) 241، 258، (11) 14، (12) 18، 310، 339. محمد بن محمد بن الأسود: (12) 38. محمد بن محمد الأندلسي: (10) 42. محمد بن محمد بن سليمان: (10) 311. محمد بن محمد بن عبد اللَّه البغدادي: (5) 223. محمد بن أبي محمد: (4) 345، 348، (13) 305. محمد بن مروان: (13) 256. محمد بن مروان السدي: (11) 52. محمد بن مسلم: (2) 259، (5) 20، (8) 229، (14) 88. محمد بن مسلم بن شهاب: (4) 106. محمد بن مسلمة: (1) 125، 126، 136، 148، 153، 183، 188، 190، 235، 248، 257، 259، 266، 289، 296، 309، 311، 315، 331، 390، (2) 48، 50، (3) 355، (5) 73، (6) 362، (7) 143، 210، 239، 244، (8) 368، 391، (9) 154، 227، 231، 254، 262، 293، (10) 171، (11) 113، (12) 47، 181، 183، 186، 189، (13) 306، 307، (14) 384، 430، 621. محمد بن مسلمة الأنصاري: (1) 123، 308، (2) 140، 141، (9) 229، 292، (10) 5. محمد بن المسيب: (11) 129. محمد بن مصعب: (3) 204، (5) 384، 385. محمد بن مصفى: (14) 185. محمد بن معاوية: (11) 337. محمد بن معمر: (10) 190. محمد بن مقاتل المروزي: (10) 45، (12) 361، (14) 83، 196. محمد بن المنكدر: (2) 212، 255، (4) 119، 314، (5) 137، 138، 276، 277، (6) 136، 196، (7) 318، (8) 28، 29، 120، 152، (9) 80، (10) 29، 216، (11) 148، (12) 64، 66، 151، (13) 390، (14) 182. محمد بن مهاجر: (7) 109، (11) 131. محمد بن موسى: (4) 45، 96، (5) 27، 28، (6) 9، 10. محمد بن موسى بن أعين: (14) 3. محمد بن نصر: (5) 57. محمد بن نوفل: (2) 260. محمد بن أبي نجيح: (5) 17. محمد بن أبي نضر: (13) 12. محمد بن هارون: (6) 127. محمد بن هاشم: (11) 51. محمد بن هلال: (2) 285، (10) 98، (11) 72. محمد بن واقد الأسلمي: (8) 143. محمد بن وضاح: (14) 185. محمد بن الوليد: (7) 370. محمد بن الوليد الزبيدي: (13) 203. محمد بن الوليد بن عامر: (8) 251. محمد بن وهب: (2) 142. محمد بن يحيى: (3) 32، 324، 326، (5) 231، (9) 262، 351، (10) 3، 208، (11) 181، (12) 340. محمد بن يحيى بن حبان: (8) 124، (10) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 267 49، (12) 214، 215، (13) 306، 343. محمد بن يحيى الذهلي: (3) 69، (5) 284، (13) 208، (14) 3. محمد بن يحيى بن سهل: (7) 194، 198، (13) 250، 273. محمد بن يحيى المروزي: (13) 289. محمد بن أبي يحيى: (7) 35، 313، (13) 294. محمد بن يزيد بن أبي زياد: (12) 233، (14) 141. محمد بن يزيد بن عبادة: (13) 49. محمد بن يزيد المستملي: (12) 89. محمد بن يزيد بن مسلمة: (5) 287. محمد بن يعقوب: (5) 232، (8) 176، (12) 131، 329، 335، 340، 379، (14) 17، 462. محمد بن يعقوب بن عتبة: (3) 362، (7) 179. محمد بن يوسف السراج: (12) 365. محمد بن يوسف الفريابي: (2) 330، (3) 235، 339، (5) 21، (7) 242، 382، (10) 225، (11) 67، (12) 119، 327، (13) 230، (14) 3، 111، 542. محمد بن يونس: (5) 82، (10) 253، (11) 325. محمد بن يونس القرشي: (13) 291. محمد بن يونس الكريمي: (5) 299. محمود بن بكر بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: (12) 78. محمود بن خداش: (11) 42. محمود بن الربيع: (8) 230، (13) 21. محمود بن عبيد: (11) 331. محمود بن غيلان: (12) 20. محمود بن لبيد: (2) 248، 259، (3) 323، 349، 355، (8) 100، (9) 185، 186، 242، (13) 225. محمية بن جزء: (1) 253، (5) 381، (9) 285، 286، 292، 379. محيصة: (1) 136. محيصة بن مسعود: (1) 127، (9) 282. المختار بن فلفل: (13) 200. مخرمة بن سليمان: (8) 89. مخرمة بن نوفل: (1) 85، 89، 357، (9) 298. مخزوم بن هانئ: (4) 60. مخشي بن حمير: (3) 53، 54. مخشي بن عمرو: (1) 73. مخلد بن خالد: (2) 282، 330. مخلد بن عقبة بن عبد الرحمن: (11) 339. مخلد بن يزيد: (8) 279، (11) 45. مخول بن إبراهيم: (7) 175. مرارة بن الربيع: (2) 79، (8) 393. مرثد: (14) 266. مرثد بن عبد اللَّه: (7) 135. مرثد بن أبي مرثد: (1) 83، 84، 183، 185. مرزوق: (2) 23. مرزوق الصقيل: (7) 136، 190. مرزوق أبو عبد اللَّه الشامي: (8) 22. مرزوق بن نافع: (12) 340. مرة: (8) 251، (12) 209، (14) 486. مرة بن خالد: (4) 338. مرة بن أبي الدرداء: (12) 360. مرة بن ربيع: (2) 76. مرة بن كعب البهزي: (12) 77. مرة بن مالك: (9) 283. مرة بن أبي مرة: (5) 40، 263. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 268 مروان: (9) 9، (11) 305، (12) 38، 185، 277، 278، 279، 285، 286، 347، 369، 383، 386. مروان بن الحكم: (5) 109، 367، (6) 51، 142، (9) 35، 86، 354، (10) 97، 108، (12) 185، 220، 275، 356، (13) 373، (14) 128. مروان بن رؤبة: (11) 223. مروان بن سالم: (7) 68، (12) 384، 285، 311. مروان بن أبي سعيد بن المعلى: (7) 246. مروان بن عبد اللَّه البغدادي الشامي: (12) 284. مروان بن عبد الملك: (12) 279. مروان بن محمد: (12) 286، (14) 615. مروان بن محمد الأسدي: (5) 346. مروان بن محمد الظاهري: (6) 127. مروان بن معاوية: (2) 288، (3) 231، (5) 221، (11) 35، 273، (12) 303، (13) 73. مروان بن أبي معاوية: (5) 129. مروان بن نهيك: (12) 285. مزاحم بن أبي مزاحم: (2) 156، (9) 23. مسافع بن صفوان بن ذي الشفر: (6) 83. مسافع بن طلحة بن أبي طلحة: (1) 141، 142. المستلم بن سعيد: (11) 344، (12) 381. مستورد بن مخرمة: (9) 254، (13) 108. مسدد: (8) 128، (11) 41، 224، 290، 302، 313، (12) 4، 14، 25، 83، 329، (13) 18، 225، 357، 371، (14) 103، 621. مسروح: (1) 10. مسروق: (8) 50، 67، 206، 227، 289، 290، 291، (9) 77، 169، (12) 15، 73، 74، (13) 43، 213، 215، (14) 170، 171، 270، 419، 460، 464، 481، 513. مسروق بن الأجدع: (4) 305، (8) 79، (11) 110. مسطح بن أثاثة بن عباد: (1) 72، 216، (6) 169، (9) 282. مسعر: (9) 77، (11) 25، 26، 129، (13) 89، (14) 99، 290. مسعر بن كدام: (2) 342، (7) 268، 312. مسعود بن أبي أمية بن المغيرة: (6) 252. مسعود بن سليمان: (11) 280. مسعود بن سنان: (1) 195، (2) 96. مسعود الضحاك: (4) 398. مسعود بن عروة: (1) 181. مسعود بن عمرو: (4) 77، (9) 180، 297. مسعود بن قبيصة: (12) 335. مسعود بن معتب: (4) 74، 82. مسعود بن هنيدة: (1) 61. المسعودي: (9) 79، (11) 40، (12) 13، 217. مسلم: (8) 50، (12) 56، 332، (14) 171. مسلم بن إبراهيم: (3) 279، (4) 290، (5) 270، (10) 84، 190، (11) 154، (12) 60، 110، 229، 241، 277، (13) 137، (14) 137، 149. مسلم الأعور: (2) 215، (14) 276. مسلم بن أبي بكرة: (13) 225. مسلم بن جعفر: (8) 294. مسلم بن جندب: (4) 291، 295. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 269 مسلم بن الحارث: (6) 44. مسلم بن حجاج: (7) 54. مسلم بن حماد: (10) 75. مسلم بن خالد الزنجي: (2) 212، (4) 283، (12) 273. مسلم الخولانيّ: (5) 286. مسلم بن سعيد: (10) 300. مسلم بن شهاب بن عبد اللَّه: (1) 91. مسلم بن صبيح: (5) 21، 378، (12) 15. مسلم بن عبد اللَّه الأزدي: (2) 276. مسلم بن عبد اللَّه الأعور: (12) 202. مسلم بن عبد اللَّه بن شريك: (5) 285. مسلم بن عبد اللَّه العجليّ: (13) 245. مسلم بن عقبة المزني: (12) 245. مسلم بن عمر: (11) 68. مسلم بن الفضل الآدمي: (4) 570. مسلم بن قتيبة: (4) 371، (7) 113، (9) 81. مسلم بن كيسان: (2) 215، (7) 224، 225. مسلم بن محمد بن زائدة: (2) 332. مسلم بن مشكم: (4) 290. مسلم بن هارون: (12) 60. مسلم بن هيضم: (3) 210. مسلم بن يسار: (3) 356، (12) 364، (14) 125. مسلمة بن أبي الأشعث: (3) 43. مسلمة بن سالم الجهضمي: (14) 614. مسلمة بن عبد الملك: (10) 319. مسلمة بن عقيل: (5) 363. مسلمة بن علقمة: (4) 56. مسلمة بن مخلد: (7) 222، (9) 84، (12) 370. مسلمة بن هشام: (12) 69. المسمعي: (12) 253. مسهر بن عبد الملك: (11) 277. المسور بن رفاعة: (9) 289. المسور بن مخرمة: (4) 36، 150، 251، (5) 108، 109، 110، (7) 178، (8) 101، (9) 9، 248، 369، (10) 285، (12) 203، (13) 373، (14) 181. المسيب بن رافع: (2) 297، (7) 344. المشعث بن طريف: (12) 376. مصعب: (9) 207، 237، (14) 144. مصعب بن ثابت: (9) 287، (10) 29. مصعب بن الزبير: (9) 369، (12) 249. مصعب بن سعد: (11) 307، (12) 35، (13) 110. مصعب بن سليم: (7) 314. مصعب بن سلام: (3) 324، (5) 250. مصعب بن شيبة: (7) 8، (14) 17. مصعب بن أبي شيبة: (5) 383. مصعب بن عبد اللَّه: (3) 324، (8) 136. مصعب بن عبد اللَّه الزبيري: (7) 9. مصعب بن عمير: (1) 52، 53، 56، 95، 98، 100، 135، 138، 143، 146، 147، 149، 152، 155، 169، 174، (3) 329، (6) 143، 155، 281، 296، (7) 161، 165، 166، (9) 189، 191، 206، 207، 208، 279، (10) 79، 87، 88، 133، (13) 256. مصعب بن محمد بن شرحبيل: (14) 473. مطر: (13) 211. مطر بن عبد الرحمن: (11) 322. مطر بن العلاء الفزاري: (11) 358، 359. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 270 مطر بن الفضل: (14) 546. مطر الوراق: (8) 119، (11) 91. مطرح بن يزيد: (2) 288. مطرف: (9) 34، 89، 132، 279، 360، (12) 371، (13) 222. مطرف بن طريف: (12) 276. مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير: (2) 219، 228، 321، 322، (8) 140. المطعم بن عدي: (1) 42، 44، 46، (4) 77، 353، (9) 182، 196. المطلب بن أزهر بن عبد عوف الزهري: (9) 101. المطلب بن ربيعة: (3) 206، 207. المطلب بن زياد: (1) 310، (5) 255، (10) 93. مطلب بن شعيب: (12) 373. المطلب بن عبد اللَّه: (12) 245، (14) 153. المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب: (5) 235، (12) 238، (14) 146. المطلب بن عبد اللَّه بن حويطب: (14) 516. المطلب بن أبي وداعة: (3) 206، 207، (7) 363، 364. معاذ بن رفاعة بن رافع: (3) 319، (5) 139، (12) 89، 149. معاذ: (1) 110، (8) 170، (9) 119، 131، 335، (11) 75، (12) 368. معاذ بن أوس بن عبيد: (2) 36. معاذ بن أبي الأسود: (5) 76. معاذ بن جبل: (1) 95، 176، (2) 10، 36، 58، 71، 80، (3) 358، (4) 210، 281، 288، 289، 290، 303، (5) 112، 114، 267، (6) 191، (7) 47، 171، 224، 242، (8) 130، (9) 83، 130، 137، 168، 169، 208، 372، 375، 376، (10) 348، (11) 150، (12) 27، 325، (13) 5، 177، 191، 192، 204، 212، 262، (14) 204، 418، 513. معاذ بن الجموح: (1) 109. معاذ بن الحارث: (1) 51، (4) 294، (11) 56. معاذ ابن عفراء: (7) 272، (10) 85، 86، (12) 152. معاذ بن عمرو بن الجموح: (6) 238، (12) 152. معاذ بن العلاء: (4) 323، (5) 48. معاذ بن محمد: (3) 33، 34، (4) 91، (5) 63، (7) 177، (13) 273، (14) 49. معاذ بن معاذ: (8) 10، 75. معاذ بن هشام: (2) 234، 274، 308، (3) 279، 283، 394، (5) 86، (6) 127، (8) 6، 242، (9) 275، (10) 193، 246، 247، (11) 114، (12) 310، (13) 22، 40، (14) 553. المعافى بن زكريا: (11) 342. المعافى بن سليمان: (5) 297. المعافى بن عمران: (2) 330، (5) 248. معاوية: (1) 48، (8) 148، (9) 15، 33، 287، 352، 358، 364، (12) 108، 112، 113، 200، 205، 206، 207، 208، 209، 214، 219، 220، 221، 222، 224، 228، 229، 231، 271، 274، 277، 278، 279، 295، 308، 304، 368، (14) 86، 101، 127، 128، 448، 555. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 271 معاوية بن الأرقم: (9) 152. معاوية بن أبي برد: (2) 218. معاوية بن الحكم: (2) 245، 247، (11) 318، 319. معاوية بن حيدة القشيري: (4) 404، (14) 64. معاوية بن خديج: (11) 3، (13) 3. معاوية بن سلام: (12) 265، (14) 78، 79. معاوية بن أبي سفيان: (1) 224، 303، (2) 11، 114، 117، 161، 200، 265، (4) 303، 361، 399، 406، (5) 363، (6) 145، 151، 261، 262، 265، (7) 110، 251، (9) 13، 84، 132، 138، 282، 334، 337، (10) 97، 107، 108، 177، 185، 264، (11) 3، (12) 201، 215، 278، 349، 355، (13) 203، 207، 380، (14) 153. معاوية بن صالح: (2) 216، 218، 331، (3) 34، 90، 147، 419، (4) 54، 55، 58، (7) 276، (8) 86، (9) 94، (11) 155، (12) 146، 257، 333، 334، 359، 360، 362، (13) 202، (14) 107، 192، 254، 285. معاوية بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه: (7) 349، 243. معاوية بن علي: (10) 369. معاوية بن عمرو: (12) 95، 320، (14) 168. معاوية بن مالك بن عوف: (9) 175. معاوية بن قرة: (2) 173، (6) 380. معاوية بن معاوية: (4) 210، 404، (14) 46. معاوية بن المغيرة بن أبي العاص: (1) 178. معاوية بن مقرن: (9) 152، (14) 47. معاوية بن هشام: (2) 323، 324، (14) 283. معاوية بن يحيى: (5) 41، (11) 233، (12) 324. معبد: (8) 33. معبد بن خالد: (1) 373، (5) 151، (7) 171، (9) 265. معبد بن العباس: (6) 166، 271، 276. معبد بن عمرو: (1) 124. معبد بن أبي معبد الخزاعي: (1) 180، 194. معبد بن هلال العنزي: (12) 292. معبد بن وهب: (1) 113. معتب بن أبي بردة: (12) 287. معتب بن عبيد: (1) 185. معتب بن قشير العمري: (1) 170، 232، (2) 31، 71، (5) 114، (6) 301. المعتمر: (8) 58، (9) 330، (11) 243، 246، (12) 20، 248، (14) 156، 262. المعتمر بن سليمان: (2) 264، (3) 30، (4) 120، 126، 334، 348، (5) 158، 160، 161، 243، (8) 31، 33، 128، (9) 69، 272، 329، (11) 366، (12) 257، 289، (14) 114، 168، 361، 411، 413، 542. معدان بن أبي طلحة: (3) 304. معرض بن عبد اللَّه بن محرض: (5) 299. معروف أبو الخطاب: (6) 119. معروف بن مشكان: (4) 299. معشر: (11) 44. معقل: (9) 311. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 272 معقل بن سنان الأشجعي: (1) 376، (7) 169، 171، (12) 245. معقل بن عبيد اللَّه: (5) 30. معقل بن يسار: (2) 49، (7) 193، (9) 122، 271، (12) 246. المعلى بن أسود: (14) 518. المعلى بن علاء: (5) 309. معلى بن منصور: (5) 256. معمر: (8) 5، 19، 21، 27، 54، 99، 101، 102، 117، 120، 122، 129، 134، 136، 151، 201، 248، 249، 391، (9) 9، 11، 31، 33، 34، 107، 110، 201، 239، 283، 297، 309، 320، 382، 391، (11) 12، 115، 125، 132، 198، 240، 241، 248، 290، 309، 349، (12) 119، 125، 140، 166، 178، 195، 202، 211، 241، 249، 258، 262، 289، 305، 308، 324، 365، 377، 389، 391، (13) 21، 30، 83، 89، 90، 113، 148، 157، 182، 184، 217، 221، 223، 224، 257، 276، 289، 337، 338، 339، 345، 385، (14) 8، 83، 88، 106، 149، 157، 170، 180، 187، 200، 212، 215، 284، 423، 424، 429، 437، 439، 446، 459، 467، 478، 480، 512، 524، 572، 573. معمر بن ثابت: (2) 162، (12) 25. معمر بن الحارث بن معمر الجمحيّ: (9) 101. معمر بن حاطب: (11) 337. معمر بن راشد: (3) 225، (4) 338، (6) 48، (7) 298، (8) 201، 298، (9) 328، (13) 250، 273. معمر بن سليمان: (4) 108، (7) 175. معمر بن عبد اللَّه: (1) 332، 390، (7) 239، (10) 49. معمر بن عثمان: (4) 77، (13) 255. معمر بن المثنى: (2) 159، (6) 92، 98، 100، 109، (10) 259، (14) 114. معمر بن محمد: (10) 148. معن: (10) 246، (13) 84. معن بن حاجز: (14) 234. معن بن زائدة: (8) 136. معن بن عدي: (8) 393. معن بن عيسى: (7) 85، 230، (14) 518. معن بن محمد الغفاريّ: (12) 261. معوذ ابن عفراء: (1) 104، 110، (12) 153. معيقيب: (9) 336. معيقيب بن أبي فاطمة: (9) 338. المغيرة: (9) 11، 222، 223، 224، (11) 42، 46، 256، 257، 259، 260، 288، (12) 253، 293، 369، (14) 87، 161، 179، 180، 223، 372. المغيرة بن حبيب: (12) 331. المغيرة بن زياد: (6) 385. المغيرة بن سلمة المخزومي: (11) 220. المغيرة بن شعبة: (1) 287، (2) 57، 85، 86، 87، 312، 313، (3) 60، 65، 67، 68، 69، 362، 364، (4) 345، (5) 270، (6) 151، 162، 293، 331، 361، 392، (7) 26، 133، 178، 179، 285، (9) 10، 297، (12) 259، 292، 369، (13) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 273 33، 232، (14) 290. المغيرة بن شهاب: (4) 291، 303. المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث: (2) 229، (9) 200، (12) 72، (13) 359، المغيرة بن عبد اللَّه: (6) 184، (7) 285، (14) 290. المغيرة بن عطية: (2) 173، (5) 301. المغيرة بن معاوية: (1) 166، 267. مغيرة بن مسلم: (5) 309، (11) 91. المغيرة بن مسلم الخراساني: (11) 45. المغيرة بن مسلم السراج: (14) 180. مغيرة بن نهيك الحجري: (12) 98. المغيرة بن نوفل بن الحرث: (5) 367، (6) 293. مفضل بن صالح: (2) 293، (11) 178. مفضل بن فضالة: (6) 375، (8) 28، 29. المفضل بن محمد: (4) 39. مقاتل: (9) 93. مقاتل بن بشير: (2) 288. مقاتل بن حيان: (3) 342، (6) 127، (8) 277، 287، (11) 96، 97. مقاتل بن سليمان: (3) 54، (10) 376. المقداد: (1) 347، (9) 97، 128. المقداد بن الأسود: (1) 72، 114، (5) 71، (6) 306، (9) 142، (14) 124. المقداد بن عمرو: (1) 84، 93، 280، (2) 67، 89، (4) 398، (7) 167، 209، 244، (8) 381، (9) 241. المقدام بن شريح: (2) 266، (8) 68. المقدام بن معديكرب: (3) 147، (11) 223، (12) 362. مقسم: (1) 116، (9) 36، (11) 290، (12) 169، (14) 26، 544، 553، 580. مقيس السهمي: (1) 89. مقيس بن صبابة: (1) 204، 385، 400، 401، (8) 370، (13) 110. مكحول: (8) 79، (11) 66، 69، (12) 89، 109، 232، 286، (13) 192، (14) 140، 192. مكرز: (1) 291، 293، 295، (9) 162. مكرز بن حفص: (1) 72، 287، 289، 296، 333، 348، (9) 11، 12، (12) 175. ملكان بن عبدة: (9) 282. مليح التيمي: (2) 76. منبه بن الحجاج: (1) 88، 97، 113، 116، (4) 122، (7) 135، 136، (9) 196. منبه بن عثمان بن عبيد: (1) 244. منجاب بن الحارث: (3) 16، (4) 341. منجاب بن راشد: (5) 290. مندل بن علي العنزي: (13) 12. منذر: (13) 186. المنذر بن أبي أسيد: (2) 277. المنذر بن ثعلبة: (14) 574. منذر الثوري: (11) 287. المنذر بن الزبير بن العوام: (12) 245. المنذر بن عمرو: (1) 55، 114، 137، (6) 266. المنذر بن قدامة السلمي: (1) 123، (9) 292. منذر بن الوليد: (11) 242. منصور: (8) 12، 68، 83، 156، (9) 34، 88، 106، (12) 73، 74، 77، 218، 251، 366، (13) 18، 19، 84، 116، 151، 205، 221، 286، (14) 24، 170، 278. منصور بن أحمد المعدل: (11) 332. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 274 منصور بن أمية: (7) 313. منصور بن أبي الأسود: (2) 155، (3) 228. منصور بن حمزة: (3) 12. منصور بن زاذان: (6) 360، (10) 4، (11) 122. منصور بن سلمة: (7) 150. منصور بن طاوس: (5) 241. منصور بن عبد الرحمن: (2) 295، 383، (4) 287، (5) 55. منصور بن عكرمة بن عامر: (1) 43. منصور بن عمار: (6) 119. منصور بن عمارة: (12) 270. منصور بن المعتمر: (4) 15، 309، (5) 22، (7) 175، (11) 290. منصور بن أبي مزاحم: (3) 227، (11) 119. المنكدر بن محمد بن المنكدر: (14) 110. المنهال: (11) 278، 280. المنهال بن عمرو: (2) 212، (4) 311، (5) 39، 40، 174، 175، 255، 262، (6) 191، 357، (8) 48، (12) 295، 296. المهاجر بن أبي أمية: (2) 101، (6) 251. المهاجر بن مسمار: (14) 186. مهدي بن ميمون: (5) 249، (12) 51. مهران بن فروخ: (6) 317. مهشم بن المغيرة: (6) 220. موسى بن إبراهيم: (5) 61، (9) 299. موسى بن إسماعيل: (5) 219، (9) 379، (8) 200، (10) 76، 190، 359، (11) 36، 37، (12) 14، 15، 113، 142، 212، 274، 310، (14) 216، 414. موسى بن أنس: (2) 210، (7) 71، (11) 242، 243. موسى بن جبير: (12) 312. موسى الجهنيّ: (12) 238، 239. موسى بن داود: (7) 105، (12) 314، 338. موسى بن أبي رزين: (13) 80. موسى بن زياد: (12) 221، 222. موسى بن سرجس: (14) 500. موسى بن سعيد: (14) 52. موسى بن سلمة: (7) 253، 254، (11) 221. موسى بن شيبة: (4) 97، (5) 65، (6) 29، (8) 188. موسى بن طلحة: (2) 227، (3) 253، (11) 33، 34. موسى بن عبد الرحمن: (5) 23، (13) 26. موسى بن عبد الملك بن عمير: (3) 401. موسى بن عبيد: (10) 371. موسى بن عبيد اللَّه: (11) 112. موسى بن عبيدة: (7) 243، (11) 49، 56، 125، (12) 319، 325، (14) 514. موسى بن عثمان: (5) 322. موسى بن عقبة: (1) 45، 88، 220، 221، 275، (2) 84، 159، 261، 285، 328، (3) 30، 93، 197، 200، 321، 344، (5) 66، 76، 110، 125، 126، 147، (7) 46، 50، 100، 203، 233، (8) 102، 118، 166، 199، 208، 369، (9) 19، 79، 179، 188، 192، 193، 208، 271، 310، 393، (10) 70، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 275 83، 87، 170، (11) 301، 302، (12) 36، 147، 172، 185، 245، 287، (13) 319، 336، 348، 351، 362، 371، 372، 389، (14) 28، 49، 86، 125، 153، 207، 461، 470، 471، 473، 518، 542، 553. موسى بن علي بن رباح: (6) 51، (14) 199. موسى بن عمر: (7) 298، (13) 329. موسى بن عمير: (11) 69. موسى بن أبي عائشة: (9) 43، (13) 80. موسى بن أبي عوف: (12) 294. موسى بن أبي الغافقي: (11) 3، (13) 80. موسى بن محمد: (3) 323، 326، (5) 168، 271، (10) 63، (12) 119، (13) 386، (14) 515. موسى بن محمد بن إبراهيم: (2) 261، (4) 81، 93، (5) 269، (7) 221، 244. موسى بن مطير: (6) 369. موسى بن ميسرة: (9) 130، (12) 247، (14) 155. موسى بن أبي موسى: (10) 311. موسى بن هارون: (5) 386، (14) 265. موسى بن هلال: (14) 614، 617. موسى بن وردان: (2) 283، (8) 160، (12) 285. موسى بن يزيد: (4) 104. موسى بن يعقوب: (3) 327، (4) 93، (8) 128، (9) 282، (11) 93، 94، (12) 58، 239، (13) 173، (14) 147. مورق: (12) 6، (13) 18. مؤمل: (12) 235، (14) 143. مؤمل بن إسماعيل: (14) 13، 90. المؤمل بن حبيب بن تميم بن عبد اللَّه: (9) 112. مؤمل بن عبد الرحمن: (2) 265. ملازم بن عمرو: (3) 364، (10) 88، 90. ميمون: (8) 7، 8، (12) 364، (13) 293. ميمون بن زيد بن أبي عيسى: (5) 319. ميمون بن أبي شبيب: (6) 360، (10) 4. ميمون بن مهران: (3) 55، 59، (4) 303، (7) 28، (12) 298، 363. مينا: (12) 275. النون ناجية بن الأعجم: (1) 284، 369، (5) 111، (7) 169. ناجية بن جندب: (1) 274، 277، 278، 284، 331، (2) 93، 103، (5) 110، (7) 248، 249، 250، 251، 252، 254. نافع: (2) 23، (8) 22، 60، 61، 75، 77، 117، 166، 167، (9) 31، 32، 190، 191، 212، 335، 362، 383، 393، (11) 129، 131، 143، (12) 65، 282، 283، 364، 390، (13) 11، 13، 153، 359، (14) 86، 184، 222، 302، 303، 304، 499، 517، 617. نافع بن ثابت: (12) 260. نافع بن جبير: (2) 143، 144، 351، (3) 55، 72، 79، (4) 99، 135، (5) 115، 116، (7) 161، (8) 48، 75، 76، (9) 328، (10) 364، (13) 45، (14) 532. نافع بن عبد الحارث: (6) 355. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 276 نافع بن عاصم: (13) 257. نافع بن عبد الرحمن: (10) 378. نافع بن عبد اللَّه: (2) 231. نافع بن عمر: (3) 305. نافع بن عبد قيس: (5) 343، 347. نافع بن لقيط: (5) 343. نافع بن كعب: (11) 141. نافع بن أبي نعيم: (2) 155. نافع بن هرمز: (5) 398. نافع بن يزيد: (12) 248، 287. نبيه: (1) 41. نبيه بن الحجاج: (1) 88، (4) 122، (9) 196. نجاد بن عثمان: (2) 78. نجدة بن نفيع: (12) 78. النزال بن سبرة: (2) 343. نصر بن حجاج: (6) 264. نصر بن طريف: (7) 138. نصر بن عاصم: (4) 302، (12) 268. نصر بن علي الجهنيّ: (11) 67، (14) 168. نصر بن مزاحم: (3) 169، 170. النضر: (8) 52، (12) 197. النضر بن أنس: (5) 168، (9) 116. النضر بن الحارث بن علقمة: (1) 41، 88، 100، (2) 29، (4) 122، 349، 376، (5) 23، (9) 194، 196، 298. النضر بن سعد بن مهيب: (11) 287. النضر بن سلمة: (3) 382، (4) 38، 45، 96. النضر بن سفيان: (3) 401. النضر بن شميل: (2) 164، 219، 319، (4) 367، (5) 256، (7) 219، (8) 326، (11) 55، 242، (12) 197، 256، (13) 175، (14) 35، 322. نضر بن طريف: (5) 318. النضر بن عبد الرحمن: (4) 120. النضر بن قيس: (4) 339. النضر بن محمد: (5) 146، (6) 77. النضر بن معبد: (12) 81. نضلة بن عبد اللَّه بن مرة: (1) 262. نضلة بن معاوية الأنصاري: (3) 382، 383. النعمان بن بشير: (1) 136، (2) 253، 297، (5) 231، 297، 305، (9) 84، 139، 170، (12) 267، 334، 335، (13) 202، 203. النعمان بن ثابت: (2) 204. النعمان بن راشد: (4) 117، (7) 369. نعمان بن سفيان بن خالد: (1) 180. النعمان بن شريك: (4) 353. النعمان بن عجلان: (13) 236. النعمان بن عمر: (10) 36. النعمان بن أبي عبد السلام: (11) 67. نعمان بن أبي عامر: (2) 91. النعمان الكندي: (6) 100. النعمان بن مالك بن ثعلبة: (1) 133، 134، (9) 249. النعمان بن مقرن: (1) 370، 371، (7) 169، 171، 178، 187، (9) 322، (13) 291. النعمان بن المنذر: (1) 269، (2) 31، (4) 27، 612، (6) 154، (13) 5. النعمان المهلبي: (7) 171. نعيم: (11) 20. نعيم بن أوس: (9) 283. نعيم بن حماد: (7) 329، (12) 285، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 277 301، 351، 392، (13) 4. نعيم بن سعد: (2) 38. نعيم بن سلامة: (7) 338. نعيم بن شقيق بن سلمة: (14) 475. نعيم بن عبد اللَّه: (2) 37، (3) 197، (9) 101، (11) 37، 101. نعيم بن عبد كلال: (2) 19. نعيم بن مسعود: (1) 129، 193، 194، 240، 241، 376، (2) 47، (7) 169، 171، (8) 375، (13) 114. نعيم بن ميسرة: (4) 309. نعيم بن أبي هند: (4) 126، (14) 436، 457، 460، 464، 508. نفيع بن الحارث: (6) 329، (11) 38. نفيلة بن حبيب: (4) 75، 82. نمير بن خرشة بن ربيعة: (2) 85. نميلة بن عبد اللَّه الليثي: (1) 306. نهشل بن سعيد: (11) 87. نهيل بن مرداس: (1) 329. النواء: (12) 363. نوح بن دراج: (10) 122، (12) 242، (14) 150. نوح بن ذكوان: (7) 18. نوح بن ربيعة البصري: (7) 385. نوح بن قيس: (12) 20. نوح بن أبي مريم: (5) 398. نوح بن الهيثم: (5) 238. نوفل: (12) 167. نوفل بن الحارث: (4) 391، (5) 152، 190، 380، (6) 157، 277، (9) 286، (12) 169. نوفل بن خويلد: (1) 90، (4) 399، (6) 194، (12) 146، 166. نوفل بن عبد اللَّه: (1) 76، 236، 238، (6) 243. نوفل بن معاوية الديليّ: (1) 348، (2) 111، (4) 79، (13) 277. الهاء هارون الأعور بن موسى القاري: (12) 43. هارون بن حاتم: (4) 311. هارون بن رباب: (2) 212. هارون بن سعد: (14) 580. هارون بن عبد اللَّه: (5) 284، (11) 355. هارون بن عمران: (1) 250. هارون بن محمد بن سالم: (7) 243. هارون بن معروف: (5) 119، (7) 259، (13) 217. هارون بن موسى: (4) 319، 320. هارون بن يوسف بن هارون: (14) 190. هاشم بن بلال: (6) 336. هاشم بن أبي صغيرة: (12) 15. هاشم بن عاصم الأسلمي: (8) 143. هاشم بن عبد شمس: (4) 386. هاشم بن عبد مناف: (4) 20. هاشم بن عتبة بن ربيعة: (6) 157. هاشم بن عمرو الحمصي: (2) 220. هاشم بن القاسم: (2) 217، (5) 145، (8) 64، (12) 13، 18. هاشم بن مخلد الفرياني: (12) 15. هاشم بن المغيرة: (6) 220. هاشم بن هاشم: (7) 396، (8) 128، (9) 96، (11) 305، (12) 38، 239، (14) 147. هانئ بن حبيب: (9) 283، (11) 54. هانئ بن شريح: (2) 278. هانئ بن قبيصة: (4) 353. هانئ بن هانئ: (6) 9. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 278 هبار بن الأسود: (1) 385، (5) 343، 346، 347، 348، (12) 117. هبيرة بن أبي وهب: (1) 234، 235، 236، (4) 108، (6) 277. هدبة بن خالد: (3) 78، (5) 233، 254، (8) 230، (14) 483. الهذيل بن بلال المدائني الفزاري: (12) 192. هرمي بن عمر المزني: (2) 49. هريم: (12) 113. هريم بن سفيان: (14) 110، 111. هريم بن عثمان: (5) 233. هشام: (8) 119، 162، 241، (9) 121، 237، 361، (11) 41، 130، 151، 195، 198، 235، 236، 243، 299، 300، 303، 305، (12) 7، 11، 291، 309، (13) 297، 301، 302. هشام بن أبي أمية بن المغيرة: (6) 252. هشام بن أبي جريج: (5) 138. هشام بن حبان: (5) 238. هشام بن حسان: (2) 272، 306، (5) 163، (7) 10، 146، (8) 31، (10) 190، (12) 256. هشام بن حكيم: (4) 250، 251، 266، 268، 275، 279، (9) 156. هشام بن الحارث بن حبيب: (1) 56. هشام بن خالد الأزرق: (13) 192. هشام الدستواني: (2) 308، (5) 182، (6) 380، (7) 265، (8) 130، (11) 154، 328، (12) 359، (14) 277. هشام بن زيد: (8) 45، (10) 223، 225، (12) 18. هشام بن سعد: (2) 170، 211، 212، 218، (4) 80، 255، 345، (5) 22، (6) 362، (7) 9، 148، (9) 352، (10) 366، (12) 114، 115، (13) 322، 325، 375. هشام بن صبابة: (1) 204، (8) 370. هشام بن عبيدة: (12) 320. هشام بن عروة: (1) 213، (2) 159، 160، 163، 168، 170، 286، 207، 216، 226، 227، 270، 274، 279، 285، 289، 302، 309، 347، 349، (3) 16، 45، 46، 52، 68، 69، 293، 323، 324، 380، (4) 29، 128، 330، (5) 302، 309، 335، (6) 138، 372، 375، (7) 57، 66، 68، 87، 119، 161، 233، 251، 252، 273، 313، 315، 316، 317، 327، 331، 332، 347، 354، (8) 34، 40، 52، 67، 80، 152، 161، 200، (9) 30، 111، 186، 280، 361، 364، (10) 76، 163، 228، 230، 237، 267، 269، 362، 363، 368، (11) 70، 235، 236، 295، 297، 298، 300، 301، 302، (12) 9، 360، (14) 182، 183، 220، 221، 279، 283، 436، 478، 498، 502، 503، 508، 522، 523، 525، 542، 556، 566، 578، 584، 604، 607. هشام بن علي: (5) 170، 233. هشام بن عمار: (2) 238، (5) 248، (6) 274، (7) 351، (10) 160، (11) 349، (12) 284، 285، (14) 126، 217. هشام بن عمر: (9) 298. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 279 هشام بن عمرو: (1) 44، (2) 29. هشام بن الغاز: (7) 223، (12) 232، (14) 140. هشام الكلبي: (4) 98، (7) 19، (10) 260، 261. هشام بن محمد بن السائب: (4) 240، 359. هشام بن معاذ: (8) 292. هشام بن المغيرة: (6) 107، 150، 220، 263. هشام بن منبه: (3) 316. هشام بن الوليد: (6) 226، 246. هشام بن لاحق: (11) 389. هشام بن يحيى الغساني: (12) 258، (14) 277. هشام بن يوسف: (4) 244، (6) 48، (11) 177. هشيم: (9) 357، 371، (11) 41، 70، 119، 288، (12) 209، (13) 376، 378، (14) 87، 88، 460، 464. هشيم بن بشير: (4) 57. همام: (8) 58، 80، 90، 117، 118، 171، 233، 241، 292، (9) 22، 95، (11) 38، (12) 7، 93، 95، 125، 249، 292، 338، 377، (13) 113، 285، (14) 157، 200، 483، 524، 525. همام بن أمية: (13) 83. همام بن الحارث: (7) 25. همام بن منبه: (2) 315، 329، (7) 323، (8) 101، 102، (9) 239، (12) 195، 345، (14) 187. همام بن حيي: (2) 298، (3) 280، (4) 254، (5) 25، (7) 57، 265، (11) 129، (12) 359، (13) 229. الهمذاني: (12) 252. هناد: (11) 53. هند بن هند: (6) 296. هند بن أبي هالة: (2) 152، 153، 154، 164، 166، 168، 177، 180، 284، (6) 295، 352، 353. الهنيد بن القاسم: (12) 254. هود بن عبد اللَّه بن سعيد: (7) 139، (14) 55. هوذة بن خليفة: (11) 252، (12) 232، 279، (13) 293، (14) 140. هوذة بن علي الحنفي: (1) 304، 305. هوذة بن قيس: (1) 222، (9) 230. هلال بن أسامة: (12) 73. هلال بن أمية الواقفي: (2) 51، 79، 81، 82، (7) 168، 170، (8) 393. هلال بن الحارث: (6) 332. هلال بن حصن: (14) 100. هلال بن أبي حميد: (14) 494. هلال بن خباب: (2) 288، 297، (7) 264، (14) 417. هلال بن رداد: (3) 15. هلال بن ظفر: (6) 332. هلال بن عامر: (6) 389، (14) 458. هلال بن عبد اللَّه بن عبد مناف: (1) 385. هلال بن علي: (2) 200، 247، (3) 144، (5) 345، (11) 244، (12) 5، 340، 381. هلال بن العلاء الراقي: (12) 224، (13) 229. هارون الكوفي: (4) 330. هلال بن أبي ميمونة: (2) 245. هلال بن أبي هلال: (2) 201. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 280 هلال بن يزيد: (2) 288. هلال بن يساف: (5) 58، (8) 286، (12) 367، (13) 221. هيثم: (9) 88، 89، 107، 122، (11) 317. هيثم بن بشرة: (9) 356. هيثم بن التيهان: (2) 190. الهيثم بن جماز: (11) 317. الهيثم بن جميل: (2) 59، 360. الهيثم بن حماد: (5) 238. الهيثم بن حميد: (14) 94. الهيثم بن خارجة: (12) 284، 388. الهيثم بن خلف الدوري: (1) 310. الهيثم بن رافع الباهلي: (12) 115. الهيثم بن شفي: (13) 207. الهيثم بن عدي: (7) 15، 221، 225، (11) 335. الهيثم بن عمران: (14) 302. الهيثم بن نصر الأسلمي: (7) 349. الهيثم بن واقد: (5) 111. الواو وائل بن داود: (14) 450. وابصة بن معبد الأسدي: (9) 146، (14) 101، 102. واثلة بن الأسقع: (3) 94، 204، 318، (4) 232، 256، 303، (5) 170، 171، 196، 384، 393، (6) 119، (12) 365، 378، (13) 46. واثلة بن الخطاب: (5) 196. واقد بن عبد اللَّه التميمي: (9) 76، 101، 191. واقد بن محمد: (3) 123، (11) 176. واقد بن أبي ياسر: (2) 239. وائل الحضرميّ: (8) 3. وديع بن خالد: (10) 170. وديعة بن ثابت: (2) 53، 54، 71، 72، 78، (5) 114. وردان: (2) 23. ورقاء: (13) 12. ورقاء بن عمر: (3) 190، 214، (12) 13. ورقة بن نوفل بن أسد: (1) 34، (2) 266، (3) 7، 11، 13، 20، 23، 29، 39، (4) 29، 42، (6) 255، (10) 321. الوضاح بن سلمة الجهنيّ: (11) 362. وضاح بن يحيى: (13) 12. وفاء بن شريح: (11) 92. وقرة بن الزبير: (6) 277. وكيع: (8) 27، 75، 291، 292، (9) 119، 127، 273، 280، 383، (11) 42، 49، 50، 252، 269، (12) 108، 120، 199، 236، 326، 359، 369، 382، (13) 25، 31، 137، 186، 195، 226، (14) 13، 144، 285. وكيع بن الجراح: (5) 300، (9) 274. الوليد: (1) 104، (12) 149، 210، 231، 241، 280، 281، 295. الوليد بن بكر: (11) 54. الوليد بن أبي ثور: (2) 267، (5) 54. الوليد بن جميع: (11) 13، (13) 188، 189. الوليد بن حسان: (4) 316. الوليد بن رباح: (3) 224، 232، (10) 107، (11) 73، (14) 23. الوليد بن أبي رهم: (7) 101. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 281 الوليد بن زهير بن مطرف: (1) 181. الوليد بن سليمان: (5) 196، (13) 203. الوليد بن سويد: (5) 78، 79. الوليد بن شجاع: (7) 104. الوليد بن عبد الرحمن: (7) 113، (8) 251. الوليد بن عبد اللَّه: (11) 224، 342، (12) 290، 382، (14) 418. الوليد بن عبد الملك: (3) 70، (10) 77، 93، 94، 109، (12) 241، 280، 304، (13) 213. الوليد بن عبد الواحد: (5) 30. الوليد بن عتبة: (5) 363، (11) 3، (12) 105، 106، 107، 245، (13) 3، (14) 153. الوليد بن عقبة: (4) 183، (5) 297، (12) 102، 103، (13) 212، 215، 216، 217، 218. الوليد بن عباس: (13) 4. الوليد بن القثم: (5) 250. الوليد بن قيس: (12) 231، (14) 139. الوليد بن كثير: (2) 275، 310، (4) 115. الوليد بن كعب: (14) 437. الوليد بن محمد الموقري: (6) 48. الوليد بن مسلم: (2) 236، 237، (3) 56، 169، 204، (4) 239، 379، (5) 8، 74، 192، (6) 374، (7) 223، 298، 299، (8) 31، 33، 93، 131، 170، (9) 80، 312، (10) 324، 361، (11) 143، (12) 210، 264، 281، 284، 285، 295، 301، 324، 351، 368، 388، (13) 191، (14) 16، 184، 301، 567، 586. الوليد بن المغيرة: (1) 19، 41، (4) 122، 229، 345، 347، 348، (5) 23، (6) 90، 170، 224، 246، 248. الوليد بن هشام المعيطي: (12) 295. الوليد بن هاشم: (2) 237. الوليد بن الوليد: (1) 37، 302، (2) 206، (6) 226، 242، 248، (9) 114، (12) 68، 69، 70، 71، 72، 73، 139. الوليد بن يزيد: (7) 313، (12) 280، 281، (14) 124. وهب: (11) 71، 113، 129، (12) 284، 383، (13) 39، (14) 222. وهب بن الأجدع: (11) 129. وهب بن بقية: (10) 158، (13) 347. وهب بن جابر: (2) 84. وهب بن جرير: (2) 182، 256، 302، (5) 17، 326، (6) 10، 360، (8) 103، 118، (9) 207، (10) 4، (12) 317، (14) 105، 124، 439. وهب بن خالد: (3) 169. وهب بن عبد اللَّه المعافري: (12) 299. وهب بن عبد مناف: (4) 42. وهب بن عطاء بن يزيد: (11) 362. وهب بن عمير: (12) 170. وهب بن كيسان: (1) 282، (3) 24، 75، 76، (5) 200، (13) 369. وهب بن منبه: (2) 122، 208، (3) 342، 347، 361، (4) 79، 407، (11) 201. وهيب: (8) 145، (12) 14، (14) 40. وهيب بن جابر: (11) 309. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 282 وهيب بن خالد: (7) 252، (12) 15. الياء ياسر: (1) 311، (9) 106، 107. ياسر بن سويد: (4) 9. ياسر بن عامر: (1) 36. ياسين الزيات: (7) 315، 359. ياسين بن معاذ: (7) 269. يحيى: (9) 306، (11) 269، (12) 66، 71، 72، 83، 95، 139، 324، 347، 358، 369، 372، 373، (13) 11، 12، 18، 228. يحيى بن إبراهيم: (3) 382، (10) 253. يحيى بن أدم: (4) 288، 321، 326، (7) 160، (10) 222، (11) 45، (14) 8، 193. يحيى بن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة الأنصاري: (12) 109. يحيى بن إسماعيل: (8) 158. يحيى بن أيوب: (4) 241، (5) 131، 331، (8) 77، (10) 176، 286، (11) 47، 48، 65، (12) 239، 240، 385، (14) 124، 148، 266، 461، 465، 469. يحيى بن أبي الأشعث الكندي: (9) 93. يحيى بن بشير العنبري: (8) 75. يحيى بن بكير: (2) 153، 154، (5) 252، 331، (9) 200، (10) 31، 62، (12) 8، 158، (13) 55، 390، (14) 320، 493. يحيى بن أبي بكر: (2) 248، (10) 300، (12) 76، (13) 192. يحيى بن أبي بكير: (2) 275، (4) 268، (9) 97، (12) 261، 307. يحيى بن جابر: (14) 126. يحيى بن جعفر: (11) 49. يحيى بن الحارث: (4) 304. يحيى بن حبيب الحارثي: (13) 210. يحيى بن حبيب بن عدي: (5) 241. يحيى بن حسان: (7) 109، (12) 83، 265، (13) 380، (14) 79. يحيى بن حصين: (9) 311. يحيى بن جعدة: (2) 160، (5) 229، (9) 363. يحيى بن الحكم: (9) 287. يحيى بن حماد بن سلمة: (3) 40. يحيى الحماني: (3) 236، (11) 346، (14) 207. يحيى بن حمزة: (7) 3، (11) 349، (12) 210، 368، (14) 192. يحيى بن أبي حية الكلبي: (13) 10. يحيى بن خالد بن دينار: (13) 374. يحيى بن خلف: (5) 243. يحيى بن راشد: (8) 74. يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: (2) 385، (4) 86، (5) 209، (6) 51، (7) 344، (12) 208، 315. يحيى بن زكريا الأنصاري: (4) 325. يحيى بن أبي زكريا: (14) 429. يحيى بن زيان: (12) 285. يحيى بن سالم الأزدي: (14) 148. يحيى بن سالم الأسدي: (12) 240. يحيى بن السباق: (11) 39. يحيى بن سعيد: (2) 216، 231، 234، 242، 243، 258، 265، 273، 285، 307، (3) 69، 71، 83، 236، 319، (4) 112، 113، 221، 240، (5) 46، 48، 57، 58، 125، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 283 134، 295، 296، 326، 327، 357، 398، (6) 75، (7) 71، 120، 131، 366، 367، (8) 91، 124، (9) 79، 270، 362، (10) 42، 149، 151، 152، 346، 363، (11) 300، 313، 314، (12) 4، 214، 252، 274، 318، 319، 366، 372، 373، (13) 4، 12، 187، 343، 382، (14) 25، 160، 196، 200، 269، 429، 436، 490، 550، 567، 578، 584، 585، 607، 608. يحيى بن سعيد بن العاص: (2) 225. يحيى بن سعيد القطان: (2) 221، 255، (3) 151، (5) 266، (7) 263، (11) 135، 224، (12) 60، 350، (13) 11، 200، 201. يحيى بن سلمة بن كهيل: (11) 288. يحيى بن أبي سلمة: (5) 182. يحيى بن سليم: (5) 255، (7) 288، (14) 38. يحيى بن سليمان: (4) 18. يحيى بن سهل: (14) 435. يحيى بن عباد بن عبد اللَّه: (13) 264، (14) 509، 559، 569. يحيى بن عبادة بن عبد اللَّه بن الزبير: (12) 157. يحيى بن عبد الحميد: (3) 40، 290، 365، (4) 115، (5) 178، (11) 135، 333، (12) 44، 229، 238، (13) 225، (14) 137، 146. يحيى بن عبد الرحمن: (3) 47، 366، (10) 364، (12) 39. يحيى بن عبد العزيز: (9) 262. يحيى بن عبد اللَّه: (4) 319، (13) 290. يحيى بن عبد اللَّه بن بكير: (2) 142، (12) 211، (14) 542. يحيى بن عبد اللَّه بن حسين: (5) 30. يحيى بن عبد اللَّه بن سالم: (11) 113، (13) 45. يحيى بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن: (3) 351، (14) 304. يحيى بن عبد اللَّه بن أبي قتادة: (7) 244. يحيى بن عبد اللَّه بن مالك: (7) 9. يحيى بن عبد اللَّه المصري: (5) 264. يحيى بن عبد اللَّه بن يزيد: (9) 212. يحيى بن عبيد: (5) 383، (7) 360. يحيى بن عتيق: (2) 272، 305. يحيى بن عروة بن الزبير: (4) 128، (5) 7. يحيى بن عقيل: (2) 217. يحيى بن علي بن محمد: (5) 61، (6) 274. يحيى بن عمارة: (5) 167. يحيى بن عمرو الشيبانيّ: (4) 378. يحيى بن أبي عمرو: (3) 344، (4) 20، (5) 43، (7) 361، (12) 388. يحيى بن كثير: (2) 611، 245، 274، 308، (7) 137، (8) 294. يحيى بن أبي كثير: (2) 240، (3) 30، 169، (4) 119، 196، 336، (5) 182، (6) 75، (7) 3، 335، 342، (8) 80، 130، (9) 33، 96، 212، (12) 71، 259، (13) 89، 288. يحيى بن كعب: (8) 147. يحيى اللخمي: (3) 231. يحيى بن المبارك: (4) 302، 324. يحيى بن محمد أبي محمود البصري: (2) 194. يحيى بن محمد الحنائي: (5) 227. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 284 يحيى بن محمد بن صاعد: (14) 614. يحيى بن محمد بن عبد اللَّه: (8) 147. يحيى بن محمد بن يحيى: (8) 128، (13) 329. يحيى بن المختار: (2) 220. يحيى بن معمر: (4) 254، (14) 417. يحيى بن معين: (3) 293، (4) 334، (5) 82، 385، (6) 78، (7) 303، (10) 180، 299، 345، 357، (11) 177، 273، (12) 60، 209، 297، 298، 347، (14) 105، 344. يحيى بن المغيرة: (5) 367، (11) 388. يحيى بن موسى: (11) 354، (12) 47. يحيى بن هشام: (7) 273. يحيى بن نفيل: (7) 233. يحيى بن واضح: (7) 344. يحيى بن وثاب: (4) 291، 308، 311. يحيى بن يحيى: (2) 205، 281، (4) 250، 376، (7) 346، (10) 159، 360، 381، (11) 17، 315، (14) 490. يحيى بن زيد: (5) 27. يحيى بن يعلى: (7) 18، (12) 222. يحيى بن يعمر: (3) 125، (4) 302، (6) 8، (9) 212، 213. يحيى بن يمان: (7) 364، (11) 331، (14) 575. يزيد: (9) 326، (11) 45، 136، (12) 232، 246، 277، 301، 338، 353. يزيد بن أبان: (7) 79، 237. يزيد بن إبراهيم: (8) 292، (11) 85، (13) 222. يزيد بن أحمد: (4) 316. يزيد بن إسحاق بن إسماعيل: (11) 379. يزيد بن أسلم: (10) 350، (12) 115. يزيد بن الأصم: (6) 91، 171، (10) 220، 222، 319. يزيد الأيلي: (9) 226. يزيد بن بابنوس: (2) 192، 384، (3) 19، (14) 509. يزيد بن ثعلبة بن خزمة: (1) 51. يزيد بن جابر: (14) 253. يزيد بن جارية: (2) 78. يزيد بن جهيم: (7) 315. يزيد بن حبان: (5) 375، 377، (7) 160. يزيد بن زيد بن حصن: (1) 120. يزيد بن الحصيب الأسلمي: (9) 160. يزيد بن أبي حبيب: (2) 275، 310، (3) 48، 69، 302، 303، (4) 241، 352، 366، (5) 135، 347، (7) 369، (9) 207، (11) 286، (12) 98، 233، 370، 384، (13) 207، 208، 366، 367، (14) 8، 124، 141، 266. يزيد بن أبي حكيمة: (12) 94. يزيد بن أبي الحكم: (3) 239. يزيد بن حمان: (2) 235. يزيد بن حمزة بن عوف: (6) 109. يزيد بن حمير: (7) 342، (12) 206. يزيد بن الحوتكية: (7) 345. يزيد بن أبي خالد الدالاني: (12) 196. يزيد بن خصيفة: (8) 48. يزيد بن ربيعة: (3) 367. يزيد بن رومان: (3) 22، 320، (4) 124، 291، 302، (7) 313، (8) 364، (9) 109، 287، (12) 139، 145، 178، (14) 48، 434. يزيد الرقاشيّ: (7) 375، (11) 67، 70، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 285 35، (13) 21. يزيد بن زريع: (3) 58، 122، (10) 47، 225، 293، (11) 41، 271، (14) 106، 372، 547. يزيد بن زمعة: (2) 23. يزيد بن زياد: (4) 343، (8) 305، 310، 314، (12) 118، 301. يزيد بن أبي زياد: (3) 204، 205، 206، 207، 314، (6) 21، (11) 78، 319، (12) 320، (13) 20. يزيد بن أبي سفيان: (2) 114، (6) 151، 262، (12) 232. يزيد بن شهاب: (7) 226. يزيد بن عامر: (5) 70. يزيد بن عبد ربه: (9) 312. يزيد بن عبد اللَّه: (2) 169، (3) 207، (5) 119، 158، 331، (9) 280، (10) 148، 307، (11) 41، (12) 392، (13) 137، 352. يزيد بن عبد المدان: (2) 95. يزيد بن عبيد السلمي: (5) 129. يزيد بن عطاء: (3) 206، 207، (14) 111. يزيد بن عمر: (2) 180. يزيد بن عياض: (11) 316. يزيد بن أبي عبيد: (5) 145، (9) 303، 304، 306، (12) 82، 83. يزيد الفارسيّ: (4) 240، 241. يزيد الفقير: (9) 238. يزيد بن قسيط: (5) 381. يزيد بن القعقاع: (4) 291، 294، 302، 315. يزيد بن قيس: (9) 283. يزيد بن كعب: (6) 304. يزيد كيسان: (2) 233، (3) 96، (5) 221، (7) 131، 263، (11) 271، (12) 386. يزيد بن الليث: (5) 114. يزيد بن مروان: (13) 205. يزيد بن معاوية: (4) 407، (5) 363، (6) 158، (12) 245، 232، 246، 250، 355، (13) 224، (14) 154. يزيد بن المقدام بن شريح: (2) 278. يزيد بن ميسرة: (10) 379. يزيد بن أبي مالك: (8) 276. يزيد بن أبي مريم: (11) 45. يزيد النحويّ: (9) 202. يزيد بن النعمان بن بشير: (5) 296، (12) 267. يزيد بن نوح: (11) 315. يزيد بن نمران: (12) 108. يزيد بن الهاد: (4) 67، (5) 329، 330، (10) 35، (11) 32، (13) 135، (14) 500. يزيد بن هارون: (2) 209، 217، 233، 237، 242، 249، 284، 322، (3) 312، 321، 339، (4) 238، 289، (5) 95، 158، 159، 236، (6) 50، 286، 394، (7) 91، 206، 270، 292، (8) 167، 313، (9) 79، 275، (10) 91، 378، (11) 38، 218، 222، 344، (12) 3، 23، 60، 246، 257، 379، (14) 8، 46، 47، 63، 82، 101، 154، 281، 297، 304، 550. يزيد بن هاشم: (4) 320. يزيد بن ورقاء بن عبد العزيز ربيعة الخزاعي: (9) 236. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 286 يزيد بن وهب: (5) 22، (11) 67، (12) 320. يزيد بن يزيد: (7) 223، 379. يسار: (1) 308، (2) 23، (9) 112. يسار بن زيد: (6) 320، 336. يعقوب: (1) 140، (12) 219، 220، (14) 430. يعقوب بن إبراهيم بن سعد: (5) 330، (10) 344، (11) 17، (13) 262، 391، (14) 216، 533، 572. يعقوب بن إسحاق بن حنظلة: (11) 356، 357، (12) 255. يعقوب بن حميد: (6) 368. يعقوب الحضرميّ: (3) 233. يعقوب الدورقي: (4) 135. يعقوب بن الربيع: (13) 367. يعقوب بن زمعة: (2) 22. يعقوب بن زيد بن طلحة: (3) 397، (9) 293، (11) 51. يعقوب بن سفيان: (2) 156، 159، 161، 171، 289، (7) 74، (11) 134، 315، 337، (12) 196، 199، 205، 210، 219، 232، 244، 287، 295، 297، (13) 267، (14) 127، 128، 140، 152، 192، 196، 464، 465، 542، 543. يعقوب بن شيبة: (4) 268. يعقوب بن عبد الرحمن: (3) 212، (7) 371، (8) 255، (10) 97، (11) 282، (12) 345، 346، (14) 201، 223، 515. يعقوب بن عبد اللَّه بن أبي طلحة: (5) 169. يعقوب بن عتبة: (2) 205، (5) 12، 236، (9) 219، (10) 328، (14) 433. يعقوب بن كعب الأنطاكي: (12) 285. يعقوب بن مجاهد: (5) 34، 89. يعقوب بن محمد: (3) 16، (4) 52، (7) 188، 238، (9) 328، (10) 48، 362، (11) 46، 354، 362. يعقوب بن الوليد: (7) 316، (12) 11. يعقوب بن يحيى بن عباد: (2) 213. يعقوب بن يوسف بن علي: (5) 61. يعقوب بن أبي يعقوب: (7) 384. يعلى: (11) 388. يعلى بن إبراهيم: (5) 238. يعلى بن الأشدق: (2) 264. يعلى بن الأشهل: (11) 371. يعلى بن أمية: (1) 397. يعلى بن حكيم: (14) 439. يعلى بن سمية: (6) 132. يعلى بن شبيب: (10) 195. يعلى بن شداد بن أوس: (4) 303. يعلى العامري: (6) 18. يعلى بن عبيد: (2) 21، (6) 176، (12) 238، (14) 145. يعلى بن عطاء: (2) 171، (5) 68، 69، (7) 113، (8) 27، (12) 63. يعلى بن عمران: (4) 60. يعلى بن الفضل: (3) 227. يعلى بن مرة: (2) 218، (5) 39، 40، 41، 55، 253، 254، 255، 262، 263، (11) 320، 321. يعلى بن منيه: (1) 18، (2) 58، (5) 65، (6) 7، (8) 188، (13) 362. يعيش بن طخفة: (5) 182. يوسف: (12) 74، 156. يوسف بن أسباط: (11) 78. يوسف بن أبي إسحاق: (12) 106. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 287 يوسف بن بهلول: (14) 462. يوسف بن أبي بردة: (7) 101. يوسف بن خالد: (5) 230. يوسف بن خليل: (10) 298. يوسف بن راشد: (5) 325. يوسف بن سعد: (12) 274. يوسف بن سليمان: (11) 349، (12) 388. يوسف بن الصباح: (5) 80. يوسف بن عبد اللَّه: (2) 205، 260، (3) 383، (7) 313، (10) 42، 62، (11) 385. يوسف بن علي: (12) 364. يوسف بن عطية: (12) 361. يوسف بن عمر التميمي: (11) 135. يوسف بن عون: (3) 294. يوسف بن كامل: (7) 74. يوسف بن أبي كثير: (7) 18. يوسف بن الماجشون: (7) 369، (9) 379، (12) 151، 156، 198. يوسف بن مازن الراسبي: (12) 274. يوسف بن مالك: (11) 224. يوسف بن ماهك: (4) 244. يوسف بن محمد بن المنكدر: (12) 65. يوسف بن مهران: (7) 373، (10) 359، (12) 168. يوسف بن موسى: (4) 312. يونس: (8) 17، 19، 21، 47، 48، 53، 113، 114، 115، 119، 150، 151، 199، 200، 243، 246، 254، 343، (9) 51، 196، 204، 226، 238، 239، 285، 307، 335، 389، 390، (11) 41، 45، 113، 119، 187، 199، 201، 240، 248، 309، 322، 354، (12) 240، 323، 335، (13) 21، 41، 55، 56، 60، 80، 86، 112، 157، 220، 280، 296، 300، 304، 338، 385، 390، 391، (14) 9، 65، 67، 88، 148، 180، 187، 190، 210، 211، 212، 213، 223، 320، 237، 446، 459، 460، 464، 473، 493، 509، 512، 547، 554، 574، 580. يونس بن أرقم الكندي: (5) 71، (8) 281. يونس الأيلي: (7) 329. يونس بن أبي إسحاق: (2) 215، (5) 248، (6) 191، 357، 387، (8) 170، (11) 45، (12) 11، (14) 3. يونس بن بكير: (2) 88، 208، 282، 335، 351، (3) 59، 329، 353، (4) 41، 46، 95، 344، 348، 363، 376، (5) 10، 30، 36، 38، 39، 41، 54، 70، 75، 103، 106، 109، 193، 208، 211، 259، 261، 263، 300، (6) 285، (8) 179، 186، 199، 200، 208، 294، 314، (9) 92، 95، 105، 11، 183، 184، 185، 190، 194، 207، 367، 368، (10) 75، 328، (11) 292، 330، 340، (12) 84، 146، 155، 156، (13) 108، (14) 26، 44، 48، 67، 76، 79، 84، 321، 356، 423، 433، 440، 480، 484، 508، 569، 582. يونس بن الحارث: (7) 133. يونس بن حبيب: (3) 19، (5) 181، (9) 316. يونس بن حراب: (5) 255. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 288 يونس بن خباب: (5) 39، 261. يونس بن زيد: (2) 142، (9) 78، 287. يونس بن سليمان: (3) 47. يونس بن شبيب: (2) 353. يونس بن شهاب: (9) 306. يونس بن عبيد: (2) 159، (4) 57، (6) 389، (7) 61، 161، 362، (10) 311، 317، (11) 176، (12) 223، 311، 335، (14) 372، 547. يونس بن عبد الأعلى: (10) 253. يونس بن عطاء: (10) 310. يونس بن عمرو: (5) 10، (7) 119. يونس بن محمد: (5) 22، (8) 28، 30، 278، (11) 141، 339، (12) 94، 292، (13) 255، 268. يونس بن يونس بن مزيد الأيلي: (12) 40. يونس بن ميسرة: (12) 210. يونس بن يزيد: (2) 143، 241، (3) 3، (4) 41، 46، 47، 337، (5) 8، 190، 380، (7) 5، 45، 48، (8) 229، 231، 246، (10) 26، 131، 346، (11) 153، (12) 68، 297، (13) 224، (14) 8، 421، 546. الكنى والألقاب أبو أحمد: (5) 61. أبو أحمد بن جحش: (9) 100. أبو أحمد الزبير: (5) 248. أبو إبراهيم (محمد بن القاسم) : (2) 146. أبو الأحوص: (2) 297، (3) 229، (4) 256، 338، (7) 398، (8) 154، 157، 168، (11) 119، 113، 223، (12) 25، 44، 81، 136، 366، 387، (13) 12، 116. أبو إدريس الخولانيّ: (2) 192، 254، (8) 134، (9) 319، 325، 326، (12) 210، 265، (13) 190، 224، (14) 184، 191، 192. أبو أرقم: (9) 282. أبو أروى الدوسيّ: (3) 51، (8) 351. أبو أسامة: (1) 149، 236، 243، (2) 193، (3) 45، 46، 289، (5) 146، (7) 316، 355، (8) 40، 98، 227، (9) 77، 87، 96، 186، (10) 161، 269، 306، (11) 49، 50، 235، 239، 297، 300، 380، (12) 202، 231، 291، 308، 346، (13) 228، (14) 139، 284، 478. أبو إسحاق: (1) 103، (2) 43، 159، 163، 269، 323، 324، 329، 385، (3) 42، 83، 84، 85، 92، 226، 227، 288، 291، 322، (4) 103، 104، 109، 132، 177، 245، 267، 288، 289، 291، 200، 328، 329، 347، (6) 9، 191، 395، (7) 95، 203، 214، 216، 218، 219، 224، 227، 229، 267، 358، 398، (8) 84، 85، 156، 157، 325، 326، 330، (9) 36، 95، 116، 121، 191، 206، 273، 276، 365، 366، (10) 145، 146، 248، 271، 295، (11) 45، 46، 67، 83، 91، 119، 125، 128، 133، 135، 141، 147، 155، 178، 361، (12) 34، 38، 39، 95، 102، 103، 104، 106، 107، 134، 136، 138، 139، 154، 155، 158، 215، 233، 240، 279، 345، 349، 387، (13) 41، 46، 103، 114، 296، 308، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 289 (14) 72، 73، 148، 168، 279، 291، 482، 554، 555. أبو إسحاق الأسلمي: (12) 149. أبو إسحاق السبيعي: (4) 308، (11) 54، (14) 3. أبو إسحاق السعدي: (12) 89. أبو إسحاق الشيبانيّ: (5) 274، 275. أبو إسحاق بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن: (8) 124. أبو إسحاق بن أبي عبد اللَّه: (3) 325، (9) 321. أبو إسحاق الفزاري: (9) 107، (12) 154. أبو إسحاق بن قرقول: (12) 265. أبو إسحاق بن محمد: (12) 149. أبو إسحاق الهمدانيّ: (2) 153، (5) 47، (8) 324، (12) 122. أبو أسماء: (12) 296، 321، 370. أبو أسماء الرحبيّ: (12) 371، (14) 78، 94. أبو الأسود: (1) 41، (3) 32، (4) 72، 239، 259، 292، (5) 109، 112، (6) 88، (8) 93، (9) 212، 213، (12) 219، 318، (13) 273، 348، (14) 21، 28، 127، 327، 473، 542. أبو أسيد الساعدي: (1) 106، 163، 212، (5) 82، (6) 100، 101، 153، (7) 2، 168، 170، 207، 351، (12) 146، (13) 120، 121، 124، 265. أبو الأشعث: (8) 78. أبو الأشعث الصنعاني: (11) 60، 61، (12) 77. أبو الأشهب: (4) 354. أبو الأشوع: (8) 289. أبو الأعور السلمي: (1) 162، (12) 201. أبو أمامة: (1) 78، (3) 138، (4) 54، 120، 392، 398، (5) 188، 306، (7) 338، (8) 137، (9) 96، 207، 312، (11) 64، 66، 69، 85، 114، 115، 124، 326، 327، 328، (12) 51، 85، 90، 210، 329، (13) 25، 46، 115، (14) 47، 258، 506. أبو أمامة الباهلي: (5) 131، (9) 94، 154، (12) 127، 388، (13) 177. أبو أمامة بن سهل بن حنيف: (6) 118، (7) 304، 305، 306، 390، 391، 392، (8) 111، 112، (9) 257. أبو أمية: (6) 220، (11) 315. أبو أمية المخزومي: (10) 29. أبو أوفى: (9) 271. أبو أويس: (2) 155، (7) 369، (9) 359، 360، (12) 85. أبو أيوب: (1) 70، (3) 116، (4) 210، 254، (5) 190، (7) 18، 288، 344، 349، (8) 127، 329، (9) 200، 203، (10) 82، (14) 417، 587. أبو أيوب الأنصاري: (2) 131، (5) 179، (6) 98، (7) 309، 340، (9) 53، (13) 87، 88، (14) 126. أبو أيوب النعمان: (13) 309، 311. أبو البختري: (1) 44، 88، 89، 90، 108، (4) 122، (9) 86، (11) 293، 294، 295، (12) 199، (14) 99. أبو البداح بن عاصم الأنصاري: (12) 373. أبو براء: (1) 183، 184. أبو بردة: (2) 160، 318، (3) 100، (7) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 290 11، 355، (8) 84، 98، 356، (9) 274، (12) 326، (13) 46، 60، 225، (14) 411، 502، 565. أبو بردة بن أبي موسى: (5) 5. أبو بردة بن نيار: (1) 107، 113، 136، 137، 145، (2) 11، (3) 326، (7) 168، 170، 198، (11) 49، 50، (14) 14، 15. أبو برزة: (2) 285، (9) 209، 214. أبو برزة الأسلمي: (1) 399، (12) 273، (14) 372. أبو بريدة: (7) 25، (8) 87. أبو بشر: (4) 132، (5) 9، 74، (7) 278، (9) 75، 335، (12) 128، 315، (13) 289، (14) 286، 414. أبو بشير المازني: (13) 258. أبو بصرة: (9) 282، (14) 185. أبو بصير: (1) 301، (9) 13، 14، 15، 16. أبو بكر: (1) 32، 34، 36، 37، 52، 53، 56، 57، 58، 59، 60، 65، 68، 69، 70، 84، 93، 98، 100، 103، 111، 115، 134، 148، 152، 157، 158، 171، 178، 179، 193، 203، 212، 213، 214، 215، 219، 227، 230، 253، 259، 265، 273، 275، 280، 291، 293، 330، 349، 352، 377، 389، 392، (8) 34، 77، 114، 117، 118، 133، 134، 165، 175، 178، 245، 316، 317، 318، 322، 323، 325، 326، 328، 341، 343، 344، 359، 389، (9) 12، 31، 33، 68، 83، 94، 95، 96، 97، 98، 106، 109، 110، 112، 113، 118، 120، 128، 130، 136، 190، 191، 193، 196، 197، 198، 199، 201، 202، 209، 210، 217، 220، 240، 241، 243، 244، 245، 247، 251، 258، 261، 262، 266، 272، 275، 281، 287، 289، 299، 302، 310، 311، 318، 319، 320، 325، 338، 385، (11) 298، (12) 11، 13، 40، 80، 88، 121، 122، 137، 141، 161، 176، 196، 232، 256، 277، 283، 299، 315، 384، (13) 18، 68، 69، 92، 96، 97، 143، 147، 149، 152، 157، 159، 160، 177، 197، 199، 200، 202، 214، 218، 222، 250، 254، 269، 366، 367، (14) 22، 28، 54، 140، 167، 169، 170، 185، 205، 207، 210، 215، 220، 224، 235، 240، 255، 263، 265، 292، 304، 321، 322، 372، 401، 411، 425، 437، 440، 441، 442، 450، 452، 453، 454، 455، 456، 457، 458، 460، 461، 463، 464، 465، 466، 467، 469، 470، 471، 472، 473، 474، 475، 476، 478، 479، 485، 511، 548. أبو بكر بن إسماعيل: (12) 178. أبو بكر بن أبي إدريس: (12) 276. أبو بكر بن أبي أويس: (12) 83. أبو بكر اليرقاني: (2) 352، (5) 58، (9) 114. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 291 أبو بكر بن أبي بكر: (11) 33. أبو بكر بن الحسن: (5) 361. أبو بكر بن داود: (12) 314. أبو بكر بن أبي الدنيا: (3) 189، (5) 284، 296، (10) 88، (11) 3، 218. أبو بكر بن سالم: (8) 114، 117. أبو بكر بن أبي سبرة: (4) 67، (8) 258، (9) 281. أبو بكر بن سعيد: (6) 162. أبو بكر بن سليمان: (10) 57، (12) 288، 289. أبو بكر بن أبي شيبة: (1) 78، (2) 43، 192، 193، 195، 204، 215، 221، 228، 234، 255، 258، 266، 278، 291، 353، (3) 47، 206، 284، 288، 312، (4) 193، 224، 239، 246، 338، (5) 48، 157، 159، 171، 175، 229، 250، 251، 253، 384، 385، (6) 18، 234، 236، 303، 309، (7) 275، 281، 340، 375، 377، (9) 25، 76، 127، 280، (10) 65، 145، 330، 343، (12) 6، 13، 31، 58، 67، 97، 168، 199، 208، 238، 236، 240، 279، 290، 324، 327، 345، 347، 359، (13) 35، 111، 114، 137، 256. أبو بكر الصديق: (1) 287، 294، 299، 328، 344، 345، 357، (2) 14، 24، 26، 47، 48، 50، 51، 65، 70، 73، 82، 84، 92، 93، 94، 105، 106، 126، 127، 131، 132، 134، 135، 149، 152، 161، 170، 213، 214، 220، 225، 307، 323، 325، 375، (3) 101، 197، 200، 320، 321، 327، 365، 404، (4) 4، 18، 98، 115، 116، 127، 128، 187، 211، 218، 224، 231، 239، 240، 242، 243، 244، 246، 248، 259، 271، 273، 287، 289، 290، 322، 323، 326، 327، 328، 329، 354، 374، 375، 385، 387، 391، 393، 397، 400، 405، (5) 56، 57، 58، 59، 78، 79، 80، 81، 94، 95، 96، 97، 98، 99، 100، 115، 137، 138، 161، 162، 173، 178، 189، 204، 206، 209، 210، 212، 215، 216، 223، 225، 230، 247، 251، 255، 269، 271، 290، 293، 294، 295، 297، 298، 314، 318، 351، 378، (6) 14، 16، 28، 46، 48، 49، 50، 130، 141، 150، 167، 168، 178، 179، 181، 182، 209، 237، 344، 251، 262، 273، 278، 314، 339، 340، 350، 355، 364، 370، (7) 36، 38، 39، 56، 71، 107، 109، 148، 155، 156، 157، 164، 167، 171، 173، 180، 181، 187، 220، 228، 233، 234، 249، 259، 288، 289، 298، 349، 358، 397، 369، 370، 371، 372، (9) 68، 95، 137، 168، 198، 218، 220، 237، 259، 282، 310، 320، 339، (10) 41، 50، 70، 71، 78، 82، 83، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 292 85، 88، 97، 131، 132، 133، 166، 227، 228، 259، 342، 382، (11) 92، 94، 120، 125، 132، 155، 177، 180، 181، 222، 237، 238، 292، 295، 300 ، 301، (12) 123، 355. أبو بكر بن أبي عاصم: (5) 229، 243. أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: (3) 20، 211، 231، (4) 38، 106، (8) 136، (10) 210، (13) 374، (14) 429. أبو بكر بن عبد اللَّه: (2) 260، (3) 368، (7) 155، (10) 93. أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي الجهم: (9) 291. أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي سبرة: (7) 350، (9) 291. أبو بكر بن عمر: (11) 145. أبو بكر بن عمرو بن عتبة: (12) 120. أو بكر بن عياش: (2) 155، (4) 268، 287، 288، 309، 310، 312، 321، 326، (5) 163، 251، (7) 269، 297، (9) 114، 361، (10) 145، 248، (12) 107، 258، (13) 211. أبو بكر بن فهد الهاشمي: (4) 381. أبو بكر بن مجاهد: (4) 315. أبو بكر محمد بن عمرو بن حزام: (3) 34، 70، (9) 281، (12) 200. أبو بكر محمد بن أبي نصر الحميدي: (9) 114، (12) 243. أبو بكر بن أبي مريم: (2) 330، 332، (3) 170، (4) 47، 54، (11) 3، 4، (12) 275. أبو بكر بن أبي موسى: (8) 83، 174. أبو بكر بن أبي النضر: (6) 359. أبو بكر النهشلي: (13) 192. أبو بكر الهذلي: (4) 117، (14) 16. أبو بكرة: (2) 23، (4) 57، 249، 254، 256، 269، (5) 185، (8) 59، (9) 138، 332، 383، (13) 226، 231. أبو بكير: (7) 150. أبو تميله: (2) 160، (6) 378. أبو تميمة الهجيمي: (7) 13، 61. أبو التياح: (10) 79، (12) 230، (14) 138، 304. أبو ثابت: (12) 287. أبو ثروان: (4) 399. أبو ثعلبة: (4) 345، (12) 267، 342. أبو ثعلبة الخشنيّ: (12) 232، (14) 140، 204. أبو ثمامة: (7) 39. أبو ثور: (9) 31، (12) 60. أبو جابر: (8) 356. أبو جابر بن عبد اللَّه: (1) 161. أبو الجارود: (8) 281، (12) 248، (14) 156. أبو جبلة: (8) 94. أبو الجحاف: (9) 319. أبو جحيفة: (2) 155، 324، (4) 195، (7) 125، 153، 334، (13) 89. أبو الجعد البارقي: (12) 44. أبو جعدة الضمريّ: (2) 47. أبو جعفر: (1) 310، (2) 159، (3) 317، 324، (4) 5، 315، (7) 350، (8) 64، 126، 158، (10) 75، 122، (12) 326، (13) 13، 66، 374، (14) 435. أبو جمرة: (1) 64. أبو جمعة: (12) 340. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 293 أبو جناب: (2) 328، (13) 10، 11. أبو جندل: (1) 292، 293. أبو الجهم: (1) 304، (6) 130، (7) 12، (8) 165، (12) 285، 307. أبو جهيم الأنصاري: (4) 249، 254، 256. أبو الجوزاء: (3) 222، (9) 79، (11) 57. أبو حاتم الرازيّ: (12) 258، 293. أبو الحارث: (4) 312، 316، (5) 276، (9) 290. أبو حارثة: (4) 394. أبو حازم: (3) 271، 338، (4) 126، 187، (6) 396، (7) 131، 263، 266، 317، 336، 356، 371، (9) 87، (10) 158، (11) 145، 273، 274، 275، (12) 262، 315، 336، 386، (13) 58، 124، 135، 200، 337، 339، (14) 111، 203، 276، 278، 515. أبو الحباب: (1) 211، 284، (6) 393، (9) 293. أبو حبيب: (12) 228. أبو حبيبة: (2) 76، (3) 326، (13) 204، 389. أبو حبيش الغفاريّ: (5) 147. أبو حثمة: (12) 288. أبو حثمة الحارثي: (1) 136. أبو الحجاج المزي: (6) 179. أبو حذافة: (2) 142. أبو حذيفة: (6) 364، 375، (8) 275، (11) 252، (12) 161. أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: (9) 101، 189. أبو حذيفة الغدوي: (2) 34، (9) 236. أبو حذيفة بن المغيرة: (6) 220، 221. أبو حذيفة المهاجر: (6) 350. أبو الحسن: (6) 29، (9) 35، (12) 277، 359، (13) 6. أبو الحسن الأسدي: (4) 312. أبو الحسن الألهاني: (12) 89. أبو الحسن الجزري: (12) 277. أبو الحسن الحمامي: (5) 62. أبو الحسن بن عبيد: (11) 136. أبو الحسن العوفيّ: (10) 181. أبو الحسن القابسي: (12) 265. أبو الحصين: (5) 146، (10) 146، (13) 208، 383. أبو حفص: (5) 48، 225، (9) 225. أبو الحكم: (1) 90، (7) 136، (12) 152، 158. أبو حكيم بن حزام: (9) 156. أبو حمزة: (2) 213، (3) 293، (4) 370، 371، (5) 287، (7) 85، (9) 32، 116، 346، (12) 113، 273، 343، 366، 367، (13) 40، (14) 57، 58. أبو حمزة الثمالي: (2) 267، (7) 269، (8) 310، (9) 68. أبو حمزة القصاب: (12) 112. أبو حميد الساعدي: (3) 252، (5) 151، (7) 351، (9) 160، 265، (11) 31، (14) 42، 43، 44. أبو حنظلة: (2) 76، (4) 345. أبو الحويرث: (3) 214، (4) 66، (9) 181، (11) 48، (13) 375. أبو حيوة: (12) 108، 293. أبو خارجة: (12) 211. أبو خالد: (4) 340، (9) 127، (13) 352. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 294 أبو خالد الأجوري: (12) 345. أبو خالد الأحمر: (2) 258، (7) 229، 340. أبو خالد الأسدي: (3) 284. أبو خالد الشعبانيّ العامري: (10) 138. أبو خبيب: (12) 255. أبو خيثم: (12) 262. أبو الخطاب: (8) 60. أبو خلدة: (12) 20، 279. أبو خليفة: (9) 202، (13) 363. أبو خيثمة: (2) 51، 205، 209، (5) 328، (8) 62، (12) 14، 15، 296، (13) 368. أبو داود الجفري: (14) 479. أبو دجانة: (1) 106، 148، 149، 152، 159، 169، 190، (2) 14، 51، (3) 323، (8) 360، (13) 334، (14) 110. أبو الدرداء: (1) 156، (2) 270، 301، 302، (3) 77، (4) 289، 290، 303، (7) 87، 261، (8) 3، 49، 134، (9) 131، 139، 322، 323، (10) 217، 326، (11) 3، 64، 65، 140، (12) 109، 210، 268، 359، 360، (14) 107، 274. أبو ذر: (1) 203، 264، 306، 331، 367، 397، (2) 52، 290، (3) 36، 293، 302، 312، 313، (4) 228، 242، 370، 371، 372، 374، 404، (5) 30، 78، 79، 80، (7) 32، 171، 232، 244، 245، (8) 83، 190، 196، 206، 207، 214، 229، 230، 231، 242، 246، 285، 292، 295، 296، 299، 300، 393، (9) 128، 140، 212، 213، 227، 328، 329، (10) 29، 273، 305، 345، (11) 82، 129، 131، 178، (12) 6، 232، 276، 279، 307، 331، 345، 376، 377، 384، (13) 100، 177، (14) 34، 35، 37، 38، 39، 185. أبو رافع: (1) 68، 69، 97، 310، 321، (2) 7، 97، 130، (4) 401، (5) 92، (6) 342، (7) 158، (8) 64، (9) 20، 292، 301، 302، (11) 53، (11) 148، 231، 232، (12) 6، 221، 222، (13) 24، 336، (14) 203، 204، 290، 299، 380. أبو الربيع: (12) 318. أبو الربيع الزهراني: (13) 358. أبو الربيع بن سالم: (2) 139، (4) 59، (5) 73. أبو رجاء: (4) 338، 339، (8) 128، (9) 35، (13) 34. أبو رجاء العطاردي: (4) 291، 300، (5) 99، 100، 101، 102، 103، (8) 11، 103، 104، (13) 222. أبو رزين: (6) 118، (10) 236، 237. أبو رفاعة العدوي: (7) 126، 127. أبو رمثة: (7) 65، 74. أبو رهم: (1) 331، (2) 159، (9) 227، (12) 336. أبو رهم بن عبد العزى: (6) 280. أبو رهم الغفاريّ: (1) 107، 274، (2) 25، 33، 47، (7) 247، 249، (9) 227. أبو روح: (11) 233. أبو رويم: (4) 296. أبي زائدة: (12) 11. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 295 أبو الزاهرية: (7) 234، (12) 334، (13) 229، (14) 107. أبو الزبير: (2) 172، 305، 328، 338، (3) 283، (5) 38، 189، 220، 250، 251، 252، 255، 258، 259، 261، 301، (6) 367، 368، (8) 62، 86، 155، 162، 186، 313، (9) 89، 122، 126، 271، 384، (10) 292، (11) 85، 123، 256، 257، 263، 264، (12) 67، 289، 370، 379، (13) 19، 286، 287، (14) 13، 25، 196، 296، 449، 495، 496. أبو الزبير بن العوام: (6) 194. أبو الزبير الملكي: (3) 34، (5) 112. أبو زرعة: (3) 236، 268، 271، 283، 290، 400، (4) 53، (5) 151، (7) 286، (9) 188، 224، 265، (10) 173، (11) 138، (12) 90، 230، (14) 262. أبو الزعراء: (3) 290. أبو زمعة: (1) 92، (12) 139. أبو زميل: (6) 67، 72، 77، 78، (8) 343، (9) 247، (12) 138. أبو الزناد: (2) 139، 251، (3) 51، 135، 282، (4) 295، 314، 375، (11) 59، (12) 72، 73، 194، 195، 343، 344، (13) 158، 159، 160، 172، (14) 157، 170، 200، 201. أبو زياد: (13) 88. أبو زيد الأنصاري: (4) 289، (11) 346. أبو السائب: (2) 23، (8) 145، 146، 148. أبو سبرة: (5) 284، (6) 90، 280، (9) 360، (11) 341، 342، 343. أبو السحيم: (11) 19. أبو سعد بن أبي طلحة: (1) 141، 142. أبو سعد بن وهب: (1) 190. أبو سعدة: (12) 34. أبو سعيد: (1) 79، 238، (3) 235، 289، (5) 211، 321، (7) 308، 397، (9) 86، 118، 119، 320، (12) 198، 211، 276، 299، (14) 504. أبو سعيد البقال: (5) 281. أبو سعيد الخدريّ: (1) 134، 136، 153، 198، 283، 354، (2) 202، 211، 332، (3) 71، 77، 229، 252، 263، (4) 194، 195، 405، (5) 233، 240، 319، 329، 330، 331، (7) 62، 115، 129، 130، 300، 310، 339، 398، (8) 60، 110، 112، 190، 209، 262، 285، (9) 83، 86، 90، 118، 135، 136، 249، 257، 319، (10) 62، 72، 73، 83، 148، 174، 175، 176، 177، 276، 277، 292، 293، 297، 320، 342، 366، (11) 32، 84، 86، 89، 94، 151، 178، 251، 290، 331، (12) 197، 205، 231، 276، 290، 296، 301، 349، 350، 353، (13) 16، 23، 88، 115، 132، 135، 177، 322، 324، 325، 374، (14) 26، 27، 58، 100، 101، 139، 168، 175، 179، 196، 223، 356، 425، 476، 503، 514. أبو سعيد بن أبي عمرو: (12) 131. أبو سعيد المؤدب: (3) 227. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 296 أبو سعيد بن يونس: (12) 225، 383. أبو السفر: (12) 11، (14) 3. أبو سفيان بن حويطب: (6) 160، 268. أبو سفيان: (1) 89، 90، 91، 92، 97، 114، 124، 170، 178، 180، 192، 193، 194، 222، 238، 240، 241، 242، 275، 351، 356، 358، 359، 360، 361، 366، 368، 375، 376، 381، 382، 383، 384، 398، (2) 376، (3) 377، 380، (4) 344، 345، (6) 67، 68، 69، 71، 73، 74، 75، 77، 78، 79، 80، 81، (7) 115، 270، (8) 6، 62، 280، (9) 254، 285، 297، (11) 388، (12) 5، 77، 78، 141، 176، (14) 13، 495. أبو سفيان بن الحارث: (1) 11، 356، 357، 390، (2) 13، 17، (5) 67، 70، (6) 277، 311، (7) 217، 219، (9) 282، 295. أبو سفيان بن حرب: (1) 72، 123، 124، 131، 137، 146، 163، 171، 172، 224، 230، 234، 235، 243، 349، 350، 387، 390، 396، 400، (2) 11، 17، 21، 28، 87، 114، 234، (3) 211، (4) 122، 401، 403، (6) 185، 246، 261، 263، (9) 189، 297، 334، 364. أبو سفيان العمري: (3) 290. أبو سفيان مدلوك: (11) 358، 359. أبو سلمة: (1) 37، 213، 269، (2) 164، 255، 288، 319، 344، (3) 43، 60، 169، 212، 233، 312، 315، 316، 366، (4) 104، 105، 119، 127، 255، 267، 336، 337، 338، (5) 256، (6) 180، 294، (7) 115، 205، (8) 59، 74، 80، 90، 221، 254، (9) 108، 125، 189، 212، 239، (10) 35، 245، 286، 291، 380، (11) 37، 45، 64، 74، 79، 80، 153، 187، 236، 249، (12) 71، 72، 73، 108، 127، 151، 240، 262، 263، 304، 350، 353، (13) 158. أبو سلمة الأنصاري: (12) 61. أبو سلمة بن عبد الأسد: (1) 10، 56، 74، 181، (5) 23، (8) 335، 337، (9) 99، 107، 189، (10) 28، 69، (12) 151. أبو سلمة بن عبد الرحمن: (2) 268، 328، 332، (3) 11، 12، 13، 15، 30، 51، 134، 135، 281، 282، (4) 104، 117، 336، (5) 50، 319، (7) 6، 71، (8) 12، 231، 249، 250، (9) 238، 239، (10) 38، 75، 148، 305، 344، 345، 346، 353، (12) 68، 69، 126، 195، 239، 259، (13) 36، 55، 56، 183، 370، 371، (14) 26، 101، 124، 147، 148، 473، 511، 512، 514، 551، 565، 579. أبو سلمة الجشمي: (1) 102، 149. أبو سلمة المخزومي: (9) 139. أبو سلمى: (13) 115. أبو السليل: (7) 13. أبو سليمان: (4) 74. أبو السمع: (6) 365. أبو سنان: (2) 343. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 297 أبو سنان الأسدي: (9) 127. أبو سنان الدؤلي: (11) 221. أبو سنان بن محصن: (1) 252. أبو سهل: (12) 363. أبو سهل بن سعد: (7) 351. أبو سهل بن مالك: (11) 147. أبو سهلة: (13) 200، 201، 204. أبو سهيل بن مالك: (8) 165. أبو سلام: (8) 130، (12) 265، 266. أبو سلام الأسود: (4) 379. أبو سلام الدمشقيّ: (4) 378. أبو شريح: (5) 149، (9) 143، 260، (12) 364، 383، 384، (14) 199. أبو الشعثاء: (7) 76، (9) 370. أبو شيبة: (1) 141، (2) 152، (4) 120، 126. أبو صالح: (2) 144، 170، (3) 43، 282، 343، 359، (4) 64، 121، 266، (5) 47، 191، 322، (6) 104، 374، (7) 19، (8) 81، 136، 287، 312، (9) 52، 69، 70، 71، 107، 108، 119، (10) 210، (11) 41، 52، 59، 84، 252، 315، (12) 154، 163، 261، 262، 345، 346، (13) 20، 76، 221، (14) 62، 92، 93، 192. أبو صالح الحراني: (6) 143. أبو صالح السمان: (10) 343. أبو صالح بن عمر: (12) 276. أبو صالح الفراء الأنطاكي: (9) 107. أبو صالح بن المهلب: (11) 145. أبو صخر: (4) 111، (5) 381، (9) 54، (12) 287، 364. أبو الصباح البهزي: (11) 51. أبو الصلت: (8) 281. أبو صفوان بن عميرة: (7) 16. أبو صفية: (6) 333. أبو الضحاك: (14) 170. أبو الضحى: (8) 51، (12) 74، 119، (13) 73، 213، (14) 145. أبو ضمرة: (8) 40، 31، 145، (9) 361، (11) 47. أبو ضمضم: (2) 161. أبو طالب: (1) 14، 16، 18، 34، 35، 44، 45، (2) 145، 335، 339، 340، 341، 345، 348، (3) 106، 317، 368، (4) 99، 100، 101، 386، 395، (5) 63، 64، 125، 126، 128، 174، (6) 1، 29، 30، 244، 276، (8) 174، 175، 179، 181، 182، 184، 185، 188، 305، 312، (9) 180، 181، (11) 317، (12) 85، 118. أبو طالوت: (7) 276، (14) 285. أبو الطفيل: (2) 155، 169، 340، 341، (5) 112، (8) 73، (11) 92، 380، 381، (12) 134، 290، 309، 378، (13) 12، 229، (14) 13. أبو طلحة: (1) 20، 150، 170، 261، (2) 104، 115، 135، 194، 208، (3) 250، (5) 165، 220، 350، (7) 200، 355، (9) 94، 277، (10) 50، (11) 44، 46، 270، (12) 5، 23، 24، 25، 26، 59، 160، (13) 263، 266. أبو طلال: (11) 67. أبو ظلال: (5) 227، 257. أبو ظبيان: (5) 37، (6) 10، (14) 79. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 298 أبو عاصم: (4) 79، 323، (5) 48، 70، (10) 106، (11) 56، (13) 75. أبو عاصم الضحاك: (2) 282، 331. أبو عاصم العباد: (12) 60. أبو عاصم النبيل: (2) 263، (5) 266. أبو العالية: (2) 285، (3) 353، (4) 300، (5) 185، (8) 246، 247، 268، 285، 288، (10) 170، (12) 20، 232، 279، 321، 326، (13) 210، 211، (14) 179، 180. أبو عامر: (1) 139، 151، 155، (2) 79، (9) 235، (12) 267، (13) 24. أبو عامر الأشعري: (2) 19، (6) 66. أبو عامر الراهب: (1) 222. أبو عامر العقدي: (2) 281، (6) 78، (12) 329، 339، 349، (13) 323. أبو عامر الهوزني: (12) 349. أبو عبادة (سعد بن عثمان) : (1) 164. أبو العباس: (4) 277، (5) 230، (8) 176، (10) 181، (12) 295، 340. أبو العباس السراج: (5) 294. أبو عبد الرحمن: (3) 289، (4) 322، 323، (5) 376، (9) 24، 122، 124، (10) 64، 66، (12) 185، 202، 258، 315، (13) 376، 377، 378. أبو عبد الرحمن الحبلي: (3) 49، (7) 340، (8) 87، (13) 291. أبو عبد الرحمن السلمي: (4) 287، 288، 290، 306، 309، 310، 322، 326، (5) 25، (7) 175، (12) 201. أبو عبد الرحمن الفهري: (5) 68، (7) 613. أبو عبد الرحمن المقري: (5) 135. أبو عبد السلام: (12) 312. أبو عبد العزيز الزبيدي: (14) 473. أبو عبد اللَّه: (1) 160، (2) 255، (3) 103، (5) 200، (6) 337، 393، (8) 6، 93، (9) 15، 288، 289، (10) 89، (11) 134، (12) 65، 106، 236، 245، 286، 295، 311، (14) 101، 195. أبو عبد اللَّه بن الأغر: (7) 83. أبو عبد اللَّه البصري: (9) 142. أبو عبد اللَّه الجدلي: (2) 201. أبو عبد اللَّه الجرشي: (8) 281. أبو عبد اللَّه الجشمي: (10) 217. أبو عبد اللَّه بن جعفر: (8) 835. أبو عبد اللَّه السلمي: (4) 314. أبو عبد الملك: (12) 85، 89، 90. أبو عبيد: (1) 130، (2) 368، (4) 326، 352، (5) 5، 44، (6) 333، (8) 85، (9) 193، (11) 147، 233، (12) 347، (14) 292. أبو عبيد اللَّه: (6) 127، (9) 68. أبو عبيدة: (1) 142، 144، 153، 345، (2) 143، 157، (4) 64، 259، (6) 303، (9) 21، 273، 369، 375، (10) 194، 259، (12) 136، 139، 154، 155، 198، (13) 213. أبو عبيدة بن الجراح: (1) 148، 152، 153، 266، 292، 296، 344، 346، 362، (2) 28، 124، 126، 135، (3) 368، (4) 403، (9) 83، 99، 134، 135، 366، 369، (10) 348، (12) 232، 340، (13) 368، 369، (14) 73، 140، 181، 204. أبو عبيدة بن الحارث: (9) 99. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 299 أبو عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود: (9) 79. أبو عبيدة بن محمد بن عمار: (5) 132، (7) 272، (9) 107. أبو عتبة: (9) 228. أبو عثمان: (3) 291، (12) 330، 364، 370. أبو عثمان بن سنة الخزاعي: (9) 78. أبو عثمان المتعلج: (12) 330. أبو عثمان النهدي: (1) 226، (3) 233، (5) 183، 184، (9) 79، (11) 145، 389، (12) 4، (13) 198، 199. أبو عزة (عمرو بن عبد اللَّه الجمحيّ) : (1) 131، 172، 173. أبو عسيب: (6) 334. أبو عطفان: (7) 285، (10) 52. أبو عقيل: (5) 128، (7) 340، (12) 50. أبو علي: (11) 136، (12) 157. أبو علي بن خلاد: (3) 158. أبو علي بن خيران: (3) 155، (13) 7. أبو علي بن مقلة: (4) 317. أبو عمار: (3) 204، (12) 288. أبو عمارة: (9) 102. أبو عمر: (7) 360، 361، (9) 185، (11) 310، (12) 150، 192. أبو عمر بن أبي بكر: (4) 315. أبو عمر الحوضيّ: (5) 233. أبو عمر بن عبد اللَّه: (3) 53. أبو عمران: (12) 377. أبو عمران الأنصاري: (8) 3. أبو عمران الجوني: (2) 314، (3) 19، 302، (8) 258، 259، (9) 271، (12) 376، 377، (13) 209. أبو عمرو: (1) 113، 141، 175، 249، (4) 287، 319، 320، (9) 255، 256. أبو عمرو الأوزاعي: (12) 281. أبو عمرو الأنصاري السلمي: (9) 236. أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: (6) 249. أبو عمرو الدوري: (4) 312. أبو عمرو بن العلاء: (4) 299، 301، 302، 324، 330، (7) 4. أبو عمرة: (13) 343. أبو العميس: (12) 120. أبو عوانة: (3) 58، 237، 278، 279، 293، 306، 312، 317، (4) 132، 279، (5) 9، 20، 88، 124، 176، 197، (7) 269، 278، 355، 360، (8) 82، (9) 43، 75، 125، 324، 335، (10) 221، 246، 265، (11) 290، (12) 113، 205، 290، 299، 302، 315، 364، (13) 12، 378، (14) 414. أبو عون الأنصاري: (13) 204. أبو عون الثقفي: (4) 291. أبو العلاء: (5) 240، (8) 281، (9) 280، (11) 324، (12) 313. أبو العلاء الأودي: (7) 75. أبو العلاء الخفاف: (2) 212. أبو العلاء بن الشخير: (12) 379. أبو عياش الزرقيّ: (1) 198، 282، (13) 286. أبو عيسى الأنصاري: (4) 393، (5) 319. أبو عيسى بن جبير: (12) 189. أبو غادية المزني: (12) 200. أبو غالب: (5) 195، (10) 84، (13) 25. أبو غسان: (10) 77، 105، (13) 337. أبو غطفان: (9) 114. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 300 أبو الغيث: (13) 341. أبو الغيداق: (1) 141. أبو فاختة: (3) 253. أبو فروة: (10) 173، (12) 391. أبو فزارة: (10) 222، 319. أبو الفضل: (7) 163، (11) 311، (12) 73. أبو الفضل بن الحباب: (1) 354. أبو الفضل العباس بن محبوب: (5) 300. أبو الفضل عياض بن موسى: (5) 309. أبو فكيهة: (9) 112، 114. أبو فليح: (11) 288. أبو القاسم: (1) 5، 315، (2) 186، (12) 8. أبو قبيل: (12) 270، 278، 298. أبو قتادة: (1) 168، 179، 195، 245، 261، 263، 277، 342، 346، 347، (2) 46، 69، 72، 73، 80، 81، 82، (5) 92، 93، 94، 96، 97، 98، 106، (7) 376، (8) 87، (9) 274، (10) 36، (11) 114، 197، (13) 115، 177، 307، 311، 363. أبو قتيلة بن مرة الحضرميّ: (7) 57. أبو القثم: (1) 5، (4) 250. أبو قحافة: (1) 36، (4) 77. أبو قدامة: (9) 77. أبو قرصافة: (11) 152. أبو قرصافة الكناني: (12) 53. أبو قرة: (11) 55، 56. أبو قزعة الباهلي: (4) 130. أبو قسيط: (13) 33. أبو قلابة: (5) 70، (7) 295، (8) 27، 129، 130، (9) 34، 316، 317، (10) 116، (12) 296، 321، 370، 371، (13) 173، 184، 345، (14) 10، 299. أبو قيس بن الفاكه: (1) 37، 41، (6) 243. أبو قيس بن الوليد: (1) 37، (6) 226، 245. أبو كامل الجحدري: (1) 18، (5) 219. أبو كاهل: (11) 141. أبو كبشة: (9) 70. أبو كثير: (11) 253. أبو كدينة: (5) 91. أبو كريب: (9) 87، (11) 69، 70، (13) 301، 317، (14) 13. أبو كعب البداح بن سهل: (5) 279. أبو لبابة: (2) 207، (8) 85. أبو لبابة بن عبد المنذر: (1) 93، 112، 123، 247، (2) 77، (5) 130، 131، (7) 170، (8) 345، 347، 348، (10) 7. أبو لبيد: (12) 43، 44. أبو ليلى: (2) 249، (5) 92، (12) 186. أبو ليلى المازني: (1) 190، (2) 49. أبو مالك: (4) 355، (9) 107، 281، (12) 320. أبو مالك الأشجعي: (3) 271، 289، 312. أبو مالك الحميري: (9) 281. أبو مالك بن سنان: (3) 354، 355. أبو مالك النخعي: (7) 112، 113، (10) 91. أبو المتوكل: (7) 397، 398، (11) 264، (14) 112. أبو المثنى العنبري: (2) 359. أبو محجن: (6) 203، (9) 236، 263، 264. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 301 أبو محذورة: (9) 143، (10) 110، 125، 128، 129، 130، (12) 224. أبو محمد: (3) 211، (9) 36، 161، (12) 145، 255، (13) 12. أبو محمد بن أحمد بن حماد: (12) 325. أبو محمد بن الجارود: (9) 280. أبو محمد بن راشد: (8) 262. أبو المحياة: (12) 250. أبو مرثد: (9) 125. أبو مروان: (8) 42، (12) 277. أبو مريم: (11) 45. أبو المساور: (5) 193، (13) 199، 200. أبو مسعود الأنصاري: (3) 60، 67، 68، 252، 253، (4) 74، (7) 364، (9) 140، (11) 19، 20، 134، (12) 202، 309. أبو مسلم الخولانيّ: (5) 294. أبو مسلمة: (12) 197، 223، (14) 179. أبو مسهر: (13) 213. أبو مصعب: (5) 270، (9) 31، (11) 59. أبو المطرف: (11) 36. أبو معاذ: (7) 3، (11) 141. أبو معاوية: (2) 195، (3) 282، 291، (4) 339، (5) 36، 37، 146، 274، (6) 285، 287، 389، (7) 144، 331، (8) 34، 80، 293، (9) 119، 320، 346، (10) 151، 269، (11) 59، 128، 236، 293، 294، (12) 5، 9، 74، 296، 302، 319، (13) 194، 195، (14) 62، 171، 437. أبو معبد: (1) 260، (5) 204، 213، (9) 346، 349، (12) 298. أبو معشر: (7) 84، (9) 78، (11) 42، (12) 262، (13) 89، (14) 76، 512، 542، 543، 574. أبو معمر: (5) 19، (12) 14، (14) 467. أبو معيط: (13) 215. أبو المغيرة: (9) 351، 352، (11) 3، (12) 196، 297، (14) 251. أبو مكين: (7) 385. أبو المليح: (2) 84، (3) 264، 318. أبو المليح بن أسامة: (13) 46. أبو مليح بن عروة: (2) 87. أبو المليح الهذلي: (9) 79. أبو مليكة: (12) 203. أبو منصور: (11) 141. أبو منيب: (9) 151. أبو موسى: (1) 196، 319، (3) 100، (4) 339، (5) 82، (8) 98، 99، 293، (9) 235، 236، (11) 239، (12) 308، 318، 323، 326، (13) 192، 238، (14) 299، 300. أبو موسى الأشعري: (1) 40، 198، (2) 19، 36، 143، (4) 207، 290، 291، 327، (6) 316، (7) 295، 296، (8) 363، (9) 132، 136، 235، (10) 270، 363، (11) 47، 94، (12) 204، 323، (13) 177، 197، 198، 199، 200. أبو مويهبة: (1) 128، 130، 213، (14) 423، 424، 435، 522. أبو ميسرة: (2) 385، (9) 95، (12) 298. أبو نائلة: (1) 125، 126، 254، (12) 181، 182، 189. أبو نجيح: (3) 290، (8) 139، (10) 220. أبو نصر الحميدي: (12) 345. أبو النضر: (5) 284، (9) 271، (12) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 302 13، (13) 89. أبو نضرة: (3) 224، (5) 233، (7) 310، (9) 319، (11) 178، 262، (12) 197، 205، 223، 290، 311، 313، 321، 331، 349، (13) 88، 175، 179، 194، 341. أبو نعامة: (13) 211. أبو النعمان: (1) 219، (12) 167. أبو نعيم: (7) 79، 369، (12) 219، (13) 22، 228. أبو نمير: (5) 250. أبو نميلة يحيى بن واضح: (7) 345. أبو نهيك الأزدي: (11) 346، (12) 16. أبو نوفل: (12) 117، 249، 255. أبو هارون الزيات: (12) 221. أبو هارون العبديّ: (8) 262. أبو هاشم: (2) 285، (7) 84، 105. أبو هاشم بن عتبة: (12) 199. أبو هاشم الرماني: (5) 225، 230. أبو هالة: (2) 159، 161، (6) 27. أبو هانئ الخولانيّ: (2) 289، (10) 158، (11) 364، (14) 125. أبو هبيرة: (7) 340. أبو هريرة: (1) 198، 199، 317، 320، 340، 342، (2) 139، 144، 148، 156، 157، 158، 159، 161، 164، 166، 168، 169، 170، 172، 178، 201، 205، 206، 207، 211، 218، 219، 229، 233، 235، 238، 244، 250، 251، 253، 258، 263، 267، 268، 270، 272، 281، 282، 285، 290، 292، 295، 297، 302، 305، 306، 310، 313، 315، 316، 319، 325، 327، 329، 332، (3) 48، 51، 96، 106، 123، 134، 135، 144، 169، 170، 212، 224، 225، 232، 233، 236، 239، 268، 271، 281، 282، 283، 285، 288، 289، 290، 304، 309، 312، 315، 316، 317، 338، 340، 341، 349، 353، 400، 403، (4) 103، 104، 126، 133، 187، 195، 196، 249، 255، 256، 267، 274، 288، 289، 291، 315، 338، 394، (5) 6، 26، 27، 57، 76، 145، 146، 151، 163، 171، 172، 185، 186، 191، 193، 221، 223، 224، 234، 236، 245، 256، 289، 291، 306، 319، 321، 322، 375، 391، (6) 43، 51، 56، 322، 323، 353، 369، 375، (7) 17، 131، 193، 230، 246، 249، 263، 264، 286، 288، 322، 323، 324، 326، 329، 330، 336، 340، (8) 12، 24، 45، 54، 59، 74، 81، 91، 101، 102، 114، 116، 117، 119، 135، 159، 160، 164، 190، 247، 248، 253، 257، 267، 280، 287، 295، 219، 381، (9) 42، 79، 80، 83، 87، 229، 133، 135، 136، 212، 223، 224، 237، 238، 239، 240، 258، 265، 325، 382، (10) 31، 35، 38، 47، 53، 108، 140، 145، 146، 158، 159، 168، 172، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 303 173، 184، 220، 221، 243 ، 275، 276، 277، 279، 291، 293، 297، 305، 306، 307، 310، 318، 319، 320، 324، 344، 345، 346، 348، 351، 353، 358، 359، 360، 365، 371، 379، 380، (11) 7، 20، 37، 43، 52، 59، 64، 68، 72، 73، 74، 79، 80، 83، 84، 85، 86، 88، 89، 94، 108، 116، 118، 127، 141، 145، 153، 187، 218، 224، 227، 233، 246، 247، 248، 249، 250، 251، 252، 253، 254، 273، 275، 290، 389، (12) 7، 8، 53، 68، 69، 70، 71، 72، 73، 91، 125، 126، 131، 195، 196، 209، 223، 224، 230، 231، 232، (12) 248، 249، 261، 262، 263، 270، 272، 273، 275، 276، 281، 285، 297، 298، 304، 312، 313، 314، 315، 328، 333، 335، 336، 337، 338، 340، 343، 344، 345، 346، 350، 353، 354، 364، 373، 381، 382، 386، (13) 48، 55، 56، 82، 83، 84، 85، 113، 115، 129، 132، 158، 159، 160، 172، 177، 200، 221، 271، 272، 276، 337، 338، 370، 371، 340، 341، 343، 347، 374، 378، 380، (14) 23، 61، 62، 84، 89، 131، 132، 138، 139، 140، 157، 187، 188، 193، 197، 198، 200، 201، 203، 204، 210، 211، 212، 215، 223، 259، 260، 276، 277، 292، 304، 320، 321، 322، 504، 524، 533، 549، 621. أبو هند: (2) 35، (5) 335، (6) 325، (9) 283، (10) 44، (13) 346. أبو هلال: (7) 86، (9) 87. أبو هلال الراسبي: (5) 219، (7) 193. أبو الهيثم: (4) 194، (11) 89، 151، (12) 245. أبو الهيثم بن التيهان: (1) 322، (7) 226، 349، (9) 385. أبو الهيثم الكشميني: (2) 240. أبو وائل: (9) 34، 344، 372، (11) 132، 144، 176، 252، (12) 311، (13) 176، 195، 230، (14) 24، 173، 223، 464، 479، 481، 513. أبو واقد الليثي: (1) 374، (2) 47، (7) 169، (9) 134. أبو وداعة بن ضميرة السهمي: (12) 179. أبو الوداك: (12) 299. أبو الورقاء: (12) 60. أبو الوليد: (1) 211، (3) 152، (4) 341، 343، (9) 292، (12) 304. أبو الوليد الباجي: (10) 342. أبو الوليد بن حسان: (4) 316. أبو الوليد الواقدي: (5) 282. أبو يحيى: (4) 126، 127، (9) 94، 290، (12) 115، 331. أبو يزيد: (12) 175، (13) 12. أبو يزيد المدني: (4) 130. أبو يسار: (1) 97. أبو اليسر: (1) 170، 312، (4) 402، (5) 13، (6) 153، (9) 139، 294، (12) 167، 168، 169. أبو يعفور: (13) 73. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 304 أبو اليقظان: (9) 106. أبو اليمان: (3) 293، (4) 117، 247، (5) 79، (6) 11، (10) 166، (11) 241، 249، (12) 196، 256، 257، 324، 325، (13) 165، 390، (14) 27، 61، 186، 466، 532. أبو يوسف: (1) 215، (13) 13. أبو يونس: (2) 156، 157، 169، (4) 284، (8) 74. من نسب إلى أبيه أو جده ابن أبي: (1) 177، (2) 50. ابن أبزى: (12) 260. ابن الأجلح: (8) 313. ابن الأحوص: (7) 279. ابن الأدرع: (12) 83. ابن إدريس: (5) 58. ابن أزهر بن عبد عوف: (4) 361. ابن إسحاق: (1) 46، 48، 53، 103، 124، 128، 198، 199، 200، 221، 224، 229، 348، (2) 84، 88، 156، 201، 280، 283، 302، 313، 335، 341، 353، (3) 79، 253، 313، 320، 322، 323، 351، 352، 358، 361، 362، 380، 403، (4) 23، 41، 44، 46، 86، 104، 106، 118، 121، 125، 338، 343، 344، 348، 349، 360، 363، 376، 377، (5) 9، 12، 44، 70، 72، 75، 76، 109، 110، 111، 116، 152، 108، 211، 232، 311، 334، 338، 336، 382، (6) 60، 72، 74، 97، 117، 310، 326، (7) 114، 161، 162، 165، 189، 221، 226، 356، (8) 186، 199، 200، 299، 334، 337، 339، 350، 352، 353، 359، 361، 363، 364، 365، 366، 369، 375، 377، 378، 379، 386، (9) 4، 17، 19، 20، 32، 93، 94، 99، 105، 111، 122، 179، 183، 184، 190، 191، 194، 195، 196، 197، 198، 199، 200، 202، 207، 230، 271، 290، 296، 297، 336، 368، 383، (10) 36، 56، 59، 67، 70، 75، 82، 84، 85، 87، 117، 18، 151، 163، 165، 220، 328، (11) 20، 21، 54، 197، 257، 330، 340، (12) 84، 118، 156، 167، 168، 169، 189، (13) 45، 253، 260، 264، 293، (14) 15، 24، 25، 37، 44، 48، 79، 305، 321، 423، 430، 433، 440، 473، 480، 484، 509، 569، 573، 582. ابن الأكوع: (9) 302، 307. ابن أنس: (13) 340. ابن أنيس: (13) 310. ابن أبي أوفى: (7) 375، (12) 338. ابن أيمن: (6) 388، (10) 47. ابن أبي إدريس: (13) 102. ابن أبي أويس: (2) 142، (4) 256، (11) 85، (12) 298. ابن بدر: (9) 379. ابن بديل بن ورقاء: (9) 296. ابن أبي البراء: (7) 197. ابن بريدة: (3) 127، 138، (4) 45، 53، 96، (5) 42، 51، 55، (8) 29، (9) 63. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 305 ابن بشر: (12) 359. ابن بشير: (9) 280. ابن بكير: (2) 142، (4) 343، (7) 391، (12) 219، (14) 127. ابن أبي بردة: (2) 195. ابن أبي بكير: (8) 74. ابن تدرس: (4) 115. ابن ثوبان: (11) 101، (13) 192. ابن جابر: (1) 301، (12) 232، 299، 324، 368، (14) 124، 140. ابن الجارود: (3) 312، (7) 57، (10) 119. ابن جبير: (1) 137. ابن جحدر أبو عبد اللَّه: (6) 319. ابن جدعان: (3) 224، 229. ابن جريج: (1) 17، (2) 162، 314، (3) 79، 81، 89، 283، (4) 39، 96، 104، 244، (5) 5، 23، 46، 106، 366، (7) 57، 307، 319، 331، 350، 369، 379، (8) 14، 38، 151، 155، 275، (9) 23، 24، 122، 126، 318، 319، 382، (10) 28، 30، 47، 112، 119، 125، 126، 127، 134، 169، 221، 233، 234، 235، 355، (11) 195، 162، 263، 315، (12) 285، 289، 370، (13) 26، 58، 75، 213، 257، 368، (14) 182، 196، 495، 572. ابن جناب الكلبي: (13) 14. ابن الحارث: (12) 200. ابن الحارث بن قطيعة: (9) 322. ابن أبي حازم: (11) 32، 44، 233. ابن حبيب: (7) 395. ابن أبي حبيش: (9) 282. ابن أبي حبيبة: (2) 385، (5) 63، (9) 52، 114، 243، 276، (13) 250، 319، (14) 14، 49. ابن حزن: (4) 103، 104، ابن أبي الحسين: (9) 329. ابن الحضرميّ: (3) 321، (9) 42. ابن أبي حكيم: (4) 133. ابن حماد: (12) 298. ابن حميد: (13) 305. ابن أبي حميد: (12) 339. ابن الحنفية: (6) 234. ابن الحوتكية: (7) 344. ابن الحويرث: (3) 327، (12) 246. ابن الخطاب: (1) 171، 177، 292، (9) 103. ابن خيثم: (3) 306، (4) 114. ابن خراش: (12) 218. ابن خربوذ: (4) 12. ابن خرشة: (1) 152. ابن أبي خيثمة: (2) 152، 155، (3) 268، (8) 73، (9) 270، 395، (10) 70، 357، (11) 333، (12) 297. ابن أبي داود: (7) 7، (12) 311. ابن درستويه: (7) 76. ابن أبي ذئب: (9) 275، (11) 59، 68، 84، 145، 250، 303، (13) 128، (14) 63، 277، 304. ابن ذؤيب: (2) 165، 201، 252، (3) 67، 68، 70، 71، 401، (5) 181، (7) 233، 264، 392، (13) 14. ابن أبي ذر: (1) 260. ابن رافع: (12) 229. ابن أبي رافع: (7) 54، 55، 325، (11) 231. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 306 ابن ربيعة بن الحارث: (9) 28. ابن أبي ربيعة: (1) 41، (12) 245. ابن رواحة: (1) 220، (4) 216، (7) 238، (9) 20، 227، 309، 313، 382، 383، 385. ابن رومان: (13) 318. ابن أبي رواد: (7) 67. ابن أبي زائدة: (7) 161. ابن الزبير: (9) 32، (10) 93، 256، (11) 38، (12) 49، 246، 254، 255، 259، 272، 350، (13) 150، 353. ابن زمعة: (12) 41. ابن أبي الزناد: (2) 215، (8) 40، 99، 201، 315، (9) 298، (14) 170. ابن زياد: (2) 172، (12) 91، (13) 211، 213. ابن زيد: (3) 154، (9) 378، (10) 237، (11) 191، 199، (12) 292، (13) 66. ابن السائب: (5) 302، (10) 98. ابن أبي سبرة: (3) 75، (4) 79، 99، (5) 74، (7) 109، 157، 220، 239، 244، 246، 258، (9) 293، 328، (11) 52، (13) 334، 389، (14) 435، 456، 562، 582. ابن سعد بن حرام بن غفار: (1) 217. ابن سلمة: (5) 119، (12) 186. ابن سمية: (12) 197، 202، 203. ابن سلام: (12) 227. ابن سلامة: (12) 181. ابن سيرين: (4) 287، 314، (5) 163، (6) 133، (7) 3، 4، 136، 355، (8) 119، (9) 89، 216، (10) 293، (12) 193، 349، 389. ابن شبرمة: (10) 256، (14) 88. ابن شداد: (11) 94. ابن شريح: (3) 155، (7) 169. ابن شماسة: (13) 207. ابن شهاب: (1) 29، 59، 64، 188، 315، (2) 141، 148، 153، 156، 161، 163، 192، 210، (3) 3، 13، 14، 46، 48، 57، 60، 66، 67، 68، 69، 70، 71، 76، 93، 135، 281، 282، 291، 307، 315، 402، (4) 38، 41، 243، 246، 248، 249، 250، 251، 255، 263، 266، 337، 351، 352، (5) 7، 47، 66، 105، 147، 380، 382، (6) 49، 65، (7) 3، 4، 45، 46، 48، 49، 77، 125، 153، 159، 217، 228، 230، 257، 304، 305، 306، 310، 327، 329، 369، 370، 372، 390، (8) 12، 16، 48، 53، 74، 81، 111، 112، 113، 114، 115، 119، 120، 151، 199، 200، 208، 209، 229، 243، 244، 246، 250، 254، 316، 318، 321، 322، 323، (9) 32، 51، 78، 84، 179، 182، 188، 193، 200، 204، 208، 237، 238، 268، 285، 287، 307، 310، 311، 325، 326، 379، 381، 382، 383، 389، 390، 391، (10) 25، 26، 28، 87، 153، 154، 155، 156، 166، 168، 278، 291، 292، (11) 113، 187، 194، 221، 231، 240، 246، 247، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 307 248، 307، 309، (12) 8، 68، 69، 121، 125، 242، 288، 297، 373، (13) 14، 15، 21، 39، 55، 56، 80، 86، 87، 108، 112، 148، 155، 158، 159، 160، 220، 221، 222، 224، 253، 254، 255، 264، 288، 321، 336، 338، 348، 351، 370، 371، 390، 391، (14) 150، 169، 180، 187، 210، 211، 212، 213، 216، 223، 272، 320، 321، 438، 456، 459، 462، 466، 493، 501، 511، 512، 542، 546، 551، 554، 565، 572، 580، 583. ابن شوذب: (13) 217، (14) 156. ابن أبي شيبة: (1) 37، (3) 58، 290، 291، (7) 159، 343، (9) 98، 119، (10) 221، (11) 33، 141. ابن صهيب: (5) 305. ابن الضحاك: (12) 91. ابن طاوس: (12) 119، 200، 258، 365، (13) 49، (14) 424. ابن الطفيل: (11) 52. ابن طهمان: (12) 19. ابن عائذ: (4) 239، (5) 73، 271. ابن عائشة: (9) 202، (11) 108، (12) 310. ابن أبي عاتكة: (12) 89. ابن عباس: (1) 18، 64، 106، 107، 116، 173، 282، 317، 347، (2) 138، 159، 163، 170، 209، 210، 274، 297، 323، 324، 332، 338، 344، 345، 353، 385، 396، (3) 23، 43، 54، 50، 56، 58، 71، (3) 72، 75، 79، 82، 89، 90، 108، 109، 112، 113، 117، 120، 170، 187، 190، 208، 212، 213، 214، 217، 222، 223، 224، 229، 230، 231، 239، 250، 259، 260، 289، 290، 294، 314، 319، 322، 323، 326، 338، 345، 354، 358، 359، 401، (4) 39، 45، 47، 50، 55، 57، 63، 64، 67، 79، 82، 91، 96، 98، 100، 109، 114، 115، 119، 120، 121، 122، 123، 126، 132، 133، 135، 189، 192، 195، 237، 238، 240، 242، 254، 258، 259، 264، 266، 269، 278، 288، 291، 292، 299، 311، 315، 321، 329، 330، 333، 334، 335، 347، 348، (4) 349، 353، 355، 359، 370، 371، 376، 397، (5) 5، 9، 10، 11، 13، 14، 15، 23، 24، 37، 38، 48، 63، 71، 73، 74، 91، 119، 147، 200، 241، 246، 251، 268، 271، 281، 302، 309، 311، 346، 351، 357، (6) 11، 51، 66، 67، 73، 76، 77، 78، 91، 111، 285، 286، 287، 289، 290، 310، 358، 360، 368، 374، 376، 378، (7) 5، 7، 19، 28، 32، 55، 77، 78، 79، 82، 85، 86، 90، 119، 120، 133، 135، 136، 146، 149، 160، 161، 175، 194، 221، 222، 239، 253، 254، 255، 257، 259، 262، 264، 269، 277، 279، 281، 293، 306، 307، 315، 316، 335، 350، 356، 359، 360، 361، 365، 366، 370، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 308 371، 373، 374، 377، 385، 387، (8) 4، 9، 10، 19، 27 ، 48، 56، 57، 74، 86، 88، 89، 94، 99، 129، 130، 135، 136، 143، 147، 154، 168، 190، 196، 201، 206، 207، 208، 228، 233، 244، 247، 259، 275، 277، 285، 286، 288، 293، 294، 295، 296، 297، 298، 300، 312، 341، 343، 394، (9) 4، 18، 19، 31، 32، 33، 36، 43، 52، 69، 70، 71، 73، 75، 86، 114، 123، 135، 195، 202، 226، 243، 244، 247، 371، 372، 373، (11) 38، 76، 78، 79، 87، 94، 110، 115، 134، 142، 177، 179، 195، 196، 199، 213، 221، 222، 277، 287، 288، 290، 291، 295، 312، 313، (12) 13، 14، 15، 16، 60، 78، 81، 107، 112، 113، 134، 135، 137، 140، 143، 146، 148، 152، 163، 164، 167، 168، 169، 187، 189، 198، 212، (12) 237، 238، 241، 244، 248، 253، 262، 278، 279، 295، 296، 297، 298، 299، 300، 321، 239، 346، 363، 372، 384، (13) 10، 11، 12، 13، 24، 29، 30، 31، 41، 46، 47، 49، 59، 73، 90، 102، 109، 116، 118، 140، 151، 152، 182، 183، 184، 217، 287، 305، 319، 320، 357، 358، 363، 374، (14) 3، 14، 16، 49، 57، 58، 80، 92، 93، 145، 149، 152، 161، 166، 168، 169، 211، 212، 220، 224، 263، 264، 271، 272، 273، 276، 285، 286، 288، 294، 297، 320، 321، 322، 370، 380، 381، 414، 417، 418، 420، 438، 439، 440، 443، 446، 447، 448، 449، 455، 456، 459، 460، 462، 465، 467، 469، 474، 480، 481، 482، 493، 525، 532، 533، 537، 542، 544، 546، 547، 548، 549 ، 551، 552، 553، 554، 566، 669، 573، 580، 582، 583، 585، 586، 611، 621، 664. ابن عباد: (7) 263. ابن عبد الحكم: (10) 138. ابن عبد خير: (4) 239. ابن عبد الرحمن: (3) 93، (7) 56، 213. ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة: (9) 325. ابن عبد اللَّه: (12) 80. ابن عبد اللَّه بن كعب بن مالك: (9) 306. ابن أم عبد: (9) 363. ابن عبد اللَّه بن أبي رافع: (12) 222. ابن عتاب: 366. ابن أبي عتيق: (1) 129، (2) 230، (7) 50، (10) 169. ابن عثمان: (13) 367. ابن عجلان: (3) 55، (8) 91، (12) 262، 365. ابن عديس: (13) 207، 208. ابن أبي عدي: (14) 61. ابن عرفة: (4) 325. ابن أبي عروبة: (14) 607. ابن عطية: (3) 113، (4) 234، 276، (6) 150، (9) 122. ابن عفير: (12) 242، (14) 150. ابن عقيل: (3) 222، (8) 391. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 309 ابن علية: (2) 194، (4) 287، (5) 182، (7) 286، 310، (8) 290، 291، (11) 42، 128، 234، (12) 154، (13) 64، 361، (14) 291. ابن عمار: (5) 146. ابن عمر: (2) 104، 167، (3) 208، 237، 293، 314، (4) 112، 118، (5) 36، 73، (6) 49، 50، 370، 371، 375، 383، 385، (7) 4، 100، 101، 154، 252، 203، 204، 233، 294، 301، 302، 303، 304، 362، 363، 387، (8) 22، 29، 60، 61، 77، 87، 114، 118، 126، 155، 156، 158، 159، 166، 167، (9) 24، 31، 32، 33، 34، 35، 133، 135، 191، 212، 279، 294، 301، 335، 362، 367، 383، 389، 391، 392، 393، (10) 47، 77، 94، 106، 113، 123، 163، 326، 345، 378، (11) 4، 27، 94، 96، 97، 112، 128، 129، 131، 143، 176، 252، (12) 49، 65، 150، 200، 239، 240، 250، 256، 283، 304، 319، 327، 342، 364، (13) 18، 19، 90، 115، 134، 256، 353، 359، (14) 86، 111، 148، 158، 184، 203، 222، 263، 272، 298، 299، 302، 303، 304، 478، 497، 517، 518، 549، 614، 617. ابن أبي عمر: (9) 274، (12) 369، (14) 190. ابن عمران: (4) 123. ابن عمرو: (11) 38، (12) 259، (13) 93. ابن العوام: (1) 391. ابن عون: (4) 326، 339، 367، (7) 274، (8) 289، (9) 279، (11) 311، (12) 33، 38، 60، 193، 197، 212، 227، 246، 303، (14) 134، 135، 154، 184، 283، 482. ابن أبي عون: (9) 299. ابن عياش: (3) 317، (12) 297، 384. ابن عيينة: (2) 143، 294، (3) 67، (4) 239، 314، (5) 17، 72، (7) 370، (8) 4، 40، 134، (9) 48، 130، 274، (10) 213، 282، 377، (11) 309، (12) 68، 70، 131، 203، (13) 19، 20، 45، 147، 148، 219، (14) 481، 448. ابن غزية: (12) 239، (14) 421. ابن فاطمة: (1) 142. ابن الفاكه: (12) 53. ابن أبي فديك: (5) 27، 28، (11) 110، 145، (12) 58. ابن فرقد: (14) 304. ابن فروخ: (14) 175. ابن فضيل: (3) 206، (4) 115. ابن فليح: (13) 244. ابن فهيرة: (9) 107. ابن القاسم: (4) 270، (11) 7. ابن قتادة: (9) 207. ابن قتيبة: (3) 384، 387، 389، 390، 391، 392، 393، 394، 395، (4) 64، (5) 14، (6) 14، 126، (7) 127، (9) 193، 318، 379. ابن القثم: (4) 319. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 310 ابن أبي قحافة: (1) 171، (5) 208. ابن قسط: (2) 295، (4) 111، (7) 319، (14) 304. ابن قطن: (10) 108. ابن كاسب: (11) 47. ابن أبي كبشة: (1) 96، 171، (5) 21. ابن كعب: (9) 289. ابن كعب بن مالك: (7) 331، (12) 178. ابن الكواء: (2) 134. ابن كيسان: (9) 193. ابن لهيعة: (2) 169، 299، 338، (3) 28، 48، 49، 53، 77، 231، 214، 328، (4) 53، 67، 72، 194، 314، 352، (5) 109، 112، 190، (6) 88، (7) 174، 295، (8) 74، 87، 93، 160، (9) 84، (10) 136، 170، (11) 3، 50، 51، 77، 92، 120، 121، 123، 231، 375، (12) 98، 219، 220، 270، 278، 285، 299، 334، 335، 338، 383، 387، (13) 3، 191، 207، 208، 254، 348، 366، 367، (14) 21، 28، 127، 128، 185، 200، 204، 299، 410، 473، 542، 583. ابن أبي ليلى: (4) 252، 271، 490، 310، 311، (5) 211، (7) 4، (8) 127، 190، (9) 37، 74، (11) 22، 25، 39، 278، 280، 289، (12) 67، (13) 20، (14) 496. ابن المبارك: (2) 353، (3) 55، 75، (5) 49، (6) 66، (8) 17، 75، 343، (9) 111، (10) 131، (11) 45، 88، 135، (12) 220، 308، 365، (13) 118، 157، 185، (14) 8، 9. ابن المتوكل: (9) 360. ابن مثنى: (12) 91، 112، (13) 11. ابن مجاهد: (4) 317، (6) 117، (11) 149. ابن محيريز: (14) 583. ابن محيصن: (4) 287، 315، 316. ابن مرجانة: (12) 234. ابن مروان: (12) 242. ابن أبي مريم: (11) 72، (14) 185، 186، 204، 461، 465. ابن مسافر: (12) 288. ابن مسعود: (1) 56، 110، (3) 252، 289، 290، 327، 343، (4) 64، 245، (5) 29، 20، 21، 22، 39، 69، 91، 92، 105، 106، (6) 179، (7) 367، (8) 122، 285، 286، 296، (9) 53، 71، 77، 79، 98، (10) 306، (11) 27، 39، 40، 67، 93، 94، 97، 101، 102، 116، 133، 147، 154، (12) 15، 91، 102، 135، 151، 154، 155، 386، 389، (13) 4، 25، 50، 77، 78، 204، 205، 208، 212، 214، (14) 407، 418، 485. ابن المسيب: (2) 161، 164، (8) 119، (9) 285، 239، (11) 187، 248، (12) 125، 281، 373، (14) 407، 573. ابن المصفى: (9) 352. ابن معين: (3) 253، (4) 53، (7) 19، 138، 366، (10) 138، (11) 4، 110، (12) 41، 60، 89، (13) 12، 13. ابن المغيرة: (9) 63. ابن مقرن: (9) 272. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 311 ابن أم مكتوم: (1) 129، 131، 164، 179، 189، 222، 244، 258، 264، 275، (3) 48، (8) 350، 354، 355، 357، 372، 376، 379، 380، 384، 388، (9) 206، 208، 227، (10) 110، 123. ابن أبي مليكة: (2) 291، (3) 305، (4) 134، (7) 357، (10) 134، 221، 231، (11) 195، (12) 294، 314، (14) 222، 473، 474، 490، 497، 499، 500، 509، 614. ابن المنكدر: (7) 307، (10) 213، 216. ابن مهدي: (7) 331، (10) 138، (12) 138، 327. ابن موسى: (12) 325. ابن موهب: (12) 278. ابن ميمون: (4) 109. ابن أبي ميمونة: (14) 46. ابن النضر: (9) 359. ابن نمير: (4) 340، (5) 167، 246، 288، (8) 310، (10) 169، 269، (11) 256، (12) 28، 31، 53، 252، 369، (13) 301، 302، (14) 160. ابن نيار: (12) 382. ابن أبي نجيح: (1) 330، (2) 163، (3) 154، 190، 214، 328، 359، (4) 269، (5) 72، 308، (7) 85، (9) 48، (12) 168، (13) 116. ابن الهاد: (10) 292، (11) 32، 33، 64، (13) 212، (14) 497. ابن هارون العكلي: (11) 78. ابن واقد: (9) 245، 281. ابن وهب: (2) 142، 156، 205، 348، (3) 57، 69، 154، 286، 307، 316، (4) 41، 111، 248، 251، 255، 256، 269، 270، 314، 318، 337، 351، 352، (5) 66، 83، 115، 119، (6) 49، 51، 309، (7) 3، 9، 72، 101، 261، 310، 323، 340، (8) 48، 74، 79، 86، 164، 220، 231، 243، (9) 51، 94، 294، 306، 238، 239، 326، 390، (10) 26، 136، 237، 253، 257، 271، (11) 23، 50، 89، 113، 121، 151، 187، 240، 300، 316، 326، 375، (12) 49، 68، 108، 202، 219، 233، 287، 299، 283، 320، 329، 364، 383، 384، 385، (13) 3، 33، 39، 55، 66، 117، 135، 173، 191، 212، 224، 291، 340، (14) 101، 111، 125، 127، 141، 180، 199، 204، 212، 213، 223، 320. ابن أبي وهب: (12) 334. ابن أبي الورد: (2) 255. ابن يسار: (12) 324. ابن يونس: (8) 160، (10) 135، (11) 3، (12) 89، 384، (13) 3، 212، (14) 185. النساء أروى بنت حذيفة بن مسعر: (6) 149. أروى بنت عبد المطلب: (6) 280، 281. أسماء: (1) 68، (9) 197، (11) 311. أسماء الأنصارية: (12) 242، (14) 150. أسماء بنت أبي بكر: (1) 58، 59، (2) 213، 214، (3) 305، (4) 29، 81، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 312 115، (5) 209، (6) 10، 141، 203، 384، (7) 155، (8) 318، (9) 99، 143، 198، 361، (10) 265، (11) 311، (12) 249، 250، 255، 260، (14) 158، 222، 509. أسماء بنت حارثة الأسلمي: (1) 312، (9) 84. أسماء بنت سلمة: (6) 242. أسماء بنت سلامة: (9) 100. أسماء السلمية: (6) 93. أسماء بنت عمرو بن عدي: (1) 53، 276. أسماء بنت عميس: (1) 343، (2) 129، 130، 293، (5) 26، 27، 28، 29، 350، 353، (6) 90، 166، 168، 205، 273، 293، 342، (8) 14، (9) 26، 100، (10) 51، 60، (13) 363، 365، (14) 435. أسماء بنت المجلل: (9) 100. أسماء بنت النعمان: (6) 93، 97، 98، 99، 101، (10) 260. أسماء بنت وهب بن حبيب: (6) 211. أسماء بنت يزيد: (3) 48، (6) 380، (13) 115، (14) 34. أمامة بنت الحارث بن عوف: (6) 109. أمامة بنت حمزة: (6) 110. آمنة بنت أبي الشعثاء: (11) 359. أمية بنت قيس الغفارية: (1) 321. أميمة: (11) 378. أميمة بنت بشر الأنصارية: (1) 303. أميمة بنت الحارث بن عمرو: (6) 147. أميمة بنت حرملة بن خليل: (6) 248. أميمة بنت الخطاب: (6) 241. أميمة بنت رفيعة: (13) 390. أميمة بنت عبد المطلب: (6) 59، 184، 281، 301. أمينة: (12) 20. أنيسة بنت زيد بن أرقم: (12) 248، (14) 156. أنيسة بنت الحارث: (12) 1. بادية بنت غيلان: (2) 24، 25. بحينة بنت الحدث بن عبد المطلب: (9) 282. برة بنت حمزة بن عبد المطلب: (6) 298. برة بنت عوف بن عبيد: (6) 150. برة بنت أبي نجران: (2) 383. بركة بنت يسار: (7) 113. بريرة: (12) 110. البيضاء بنت عبد المطلب: (6) 278، 307. تويلة بنت أسلم: (3) 83. ثويبة: (9) 1، (11) 1، (12) 1. جارية بنت مالك بن حذيفة: (1) 271. جسرة بنت دجاجة: (10) 183. جعدة بنت الأحنف بن قيس: (5) 361. جمانة بنت أبي طالب: (9) 282. جمرة بنت الحارث بن عوف: (6) 109. جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح: (6) 216. جميلة بنت عاصم بن ثابت: (6) 147. جميلة بنت عبد اللَّه: (2) 92، (11) 379. جويرية: (6) 119، 186، 187، (9) 153، 286، (12) 102، 105. جويرية بنت الحارث: (1) 205، 206، (6) 82، 84، 88، 92، 93، (7) 216، (8) 370، 371، (13) 65، 314، 315. جويرية بنت أبي سفيان: (6) 268. حبيبة بنت خارجة: (6) 142، 207، (9) 288. حبيبة بنت عبيد اللَّه بن جحش: (6) 301. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 313 حذافة بنت الحارث: (1) 12، (4) 87. حفصة: (1) 130، (2) 104، 131، (4) 244، 246، 271، (6) 46، 48، 49، 50، 51، 72، 92، 93، 101، 119، 134، 147، 148، 183، 211، 213، 214، 219، (7) 117، 118، 344، (9) 32، 127، 140، 191، (10) 94، 132، 149، 151، 232، 236، (13) 64، 65، 68، (14) 438، 473، 482. حفصة بنت سيرين: (7) 327. حكيمة بنت أمية: (7) 111، 113، 114. حليمة السعدية: (2) 5، (3) 34، (4) 84، (9) 84. حليمة بنت أبي ذؤيب: (11) 1. حليمة بنت عبد اللَّه بن الحرث: (4) 87، 88، 89، 90، 91، 92، 101. حمنة بنت جحش: (1) 153، 169، 216، (6) 140، 142، 143، 155، 255. خديجة: (1) 15، 16، 17، 18، 20، 30، 31، 32، 33، 34، 45، 47، 118، (2) 225، 226، 227، 375، 384، 385، 386، (3) 5، 7، 13، 14، 16، 17، 19، 20، 22، 23، 26، 27، 29، 31، 53، 101، (4) 106، 195، 336، 337، (5) 65، 333، 334، 341، 343، 351، (6) 20، 27، 28، 29، 30، 33، 72، 92، 93، 134، 135، 136، 167، 177، 192، 193، 196، 283، 295، 298، 302، 303، 306، 340، 342، 398، (8) 94، 103، 186، 187، 188، 189، 200، 305، (9) 92، 95، 282، (10) 54، 133، 267، 268، 270، 271، 272، 273، (11) 198. خولة بن حكيم: (2) 25، (6) 93، (10) 198، 201، (14) 21، 22. خولة بنت قيس: (6) 275، (11) 269. خولة بنت الهذيل: (6) 93. دجاجة بنت أسماء بن الصلت: (11) 377. درة بنت أبي سلمة: (6) 110، 996. الربيع بنت معوذ: (2) 153، 170، (4) 221، (5) 132، (7) 272. رفاعة بنت أبي سفيان: (6) 143. رفيدة بنت سعد بن عتبة: (1) 254، (9) 254. رقية: (1) 37، 112، 192، (5) 334، 341، 344، 350، 355، 370، (6) 28، 46، 147، 219، 291، 296، (9) 116. رملة بنت الحارث: (2) 38، 46، 122، (5) 129. رملة بنت أبي سفيان: (6) 159، 269. رملة بنت أبي عوف بن جبيرة: (9) 101. ريحانة: (3) 128، (14) 411. ريحانة بنت زيد: (1) 252. ريطة بنت سعيد بن سعد بن سهم: (6) 220. ريطة بنت عبد بن عمرو: (6) 183. زميلة بنت أبي سفيان: (6) 158. زهرة بنت عمرو: (5) 351، (6) 175. زينب: (1) 69، 118، 119، 130، 261، 328، (2) 22، (5) 227، 228، 310، 334، 342، 343، 344، 346، 348، 350، 352، 355، 366، 367، 368، 371، 380، 383، (6) 20، 28، 119، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 314 الصفحة: 196، 292، 283، 284، 285، 287، 289، 290، 295، 296، (9) 285، (10) 149، 151، 198، 206، 208، 236، 241، 315، (14) 143. زينب بنت جحش: (1) 202، 214، 220، 230، 255، (2) 128، 130، 132، 133، 275، 310، (5) 173، (6) 57، 61، 62، 92، 93، 120، 121، 124، 134، 256، 306، 348، (9) 138، 140، 143، 155، 184، 288، (10) 208، 209، 219، (11) 99، (13) 65، 219، 220، (14) 435. زينب بنت حميد: (12) 49. زينب بنت حنظلة: (6) 147. زينب بنت خزيمة بن الحارث: (6) 52، 90، 169، (10) 93، 198. زينب بنت سليمان: (12) 247، (14) 155. زينب بنت أبي سلمة: (3) 209، (6) 138، 300، (10) 244. زينب بنت أم سلمة: (9) 161، (13) 219، 220. زينب بنت عبد اللَّه بن ربيعة: (4) 6. زينب بنت علقمة بن غزوان: (6) 136، 280. زينب بنت عمر بن الخطاب: (6) 147، 148، 219. زينب بنت مظعون بن حبيب: (6) 46، 183، 214. زينب بنت نوفل بن خلف: (6) 262. سارة: (1) 353. سارة بنت مقسم: (2) 166. سعيدة بنت رافع بن عبيد بن عمرو: (6) 218. سلمى: (1) 321، (8) 35، 60. سلمى بنت عمر: (6) 256. سلمى بنت عمرو بن زيد: (10) 255. سلمى بنت عميس: (1) 333، (6) 90، 164، 165، 274، 276، (10) 51. سلمى بنت قيس: (6) 132. سمراء بنت نهيك الأسدية: (9) 395. سمية: (1) 36، (9) 97، 107. سهلة بنت سهيل بن عمرو: (6) 158. سودة: (6) 92، 119، 134، 136، 137، 177، 197، 198، 200. سودة بنت زمعة: (1) 69، (5) 343، (6) 31، (10) 228، 231، 235، (13) 65، 72. سلامة بنت عميس: (6) 90. الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث: (6) 137. الشموس بنت قيس بن عمرو: (6) 181. الشيماء: (1) 12، 18، (4) 91. صخرة بنت الحارث: (6) 170. صخرة بنت ظفر بن الخزرج: (9) 175. صفية: (2) 42، 282، (5) 386، (6) 72، 187، (9) 140، 288، (10) 152، 236، (12) 390، 392. صفية بنت الحارث: (6) 282، (7) 306، (13) 248. صفية بنت حزن بن البحير: (6) 257. صفية بنت حيي: (1) 314، 316، 325، (2) 120، 208، (3) 352، (6) 61، 86، 88، 92، 93، 120، 341، (10) 93، 153، 218، 219، 229، (13) 65، 72، 137، 138، 139، 199. صفية بنت الخطاب: (6) 211، 241. صفية بنت شيبة: (2) 383، (5) 55، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 315 383، (7) 8، (10) 221. صفية بنت عبد المطلب: (1) 167، 253، 321، (2) 134، (5) 350، (6) 282، 342، (9) 282، 287. صفية بنت عبيد بن أسيد: (6) 330، 331. صفية بنت أبي عبيد: (12) 250. صفية بنت معمر بن حبيب: (6) 160. ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب: (9) 282، (12) 58. ضباعة بنت عامر بن قرط: (6) 107. عائشة: (1) 48، 68، 70، 153، 161، 204، 206، 212، 213، 214، 215، 216، 220، 221، 230، 234، 244، 267، 309، (2) 38، 79، 104، 105، 110، 111، 120، 128، 130، 131، 134، 153، 159، 160، 161، 163، 168، 170، 186، 187، 192، 193، 194، 201، 203، 205، 206، 207، 210، 214، 216، 221، 224، 225، 226، 227، 234، 241، 242، 245، 250، 252، 253، 255، 256، 257، 258، 260، 265، 266، 267، 269، 274، 277، 279، 283، 284، 285، 288، 289، 290، 293، 294، 295، 298، 299، 309، 311، 314، 315، 316، 319، 328، 331، 332، 345، 348، 349، 351، 352، 374، 384، (3) 16، 19، 22، 32، 43، 45، 46، 47، 52، 55، 56، 57، 58، 60، 69، 80، 148، 212، 237، 306، 380، 399، (4) 66، 67، 111، 213، 221، 244، 284، 285 ص، 319، 330، 337، 391، 397، (5) 7، 11، 171، 181، 182، 188، 245، 248، 249، 302، 303، 307، 309، 333، 336، 338، 352، 357، 366، 378، 381، 383، 390، (6) 20، 21، 33، 35، 50، 61، 62، 65، 72، 92، 93، 101، 108، 111، 118، 119، 120، 133، 134، 141، 142، 143، 152، 156، 173، 178، 179، 180، 181، 182، 201، 204، 209، 264، 294، 307، 309، 321، 372، 375، 383، 385، 388، 394، (7) 3، 6، 8، 11، 12، 57، 66، 68، 71، 72، 76، 80، 86، 87، 95، 98، 99، 100، 101، 109، 115، 116، 117، 119، 122، 131، 143، 144، 145، 146، 153، 163، 167، 228، 309، 311، 312، 313، 315، 316، 317، 318، 319، 327، 347، 354، 357، 361، 362، 378، 389، (8) 12، 16، 17، 19، 21، 34، 40، 44، 47، 50، 51، 52، 53، 66، 67، 68، 79، 80، 81، 85، 90، 91، 99، 103، 134، 136، 152، 199، 201، 203، 211، 227، 229، 285، 289، 290، 291، 294، 295، 296، 297، 298، 300، 301، 316، 318، 328، 356، 371، 373، 374، 384، (9) 15، 24، 30، 31، 32، 33، 51، 99، 136، 182، 186، 197، 200، 276، 280، 353، 382، (10) 25 ص، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 316 الصفحة: 26، 27، 28، 39، 41، 50، 92، 93، 98، 123، 145، 149، 151، 153، 154، 155، 156، 161، 162، 163، 164، 165، 166، 169، 180، 181، 195، 198، 201، 204، 207، 209، 212، 213، 214، 216، 221، 227، 228، 230، 231، 232، 233، 234، 235، 236، 237، 239، 241، 256، 257، 258، 263، 264، 265، 267، 270، 271، 272، 273، 285، 286، 287، 288، 328، 363، 366، 367، 368، 381، (11) 50، 70، 108، 130، 136، 194، 195، 196، 198، 231، 235، 236، 237، 248، 295، 296، 297، 298، 299، 300، 301، 302، 311، (12) 3، 9، 22، 40، 121، 193، 218، 219، 220، 236، 239، 240، 277، 291، 314، 392، (13) 14، 15، 17، 19، 20، 21، 25، 26، 29، 31، 33، 36، 37، 39، 40، 41، 42، 44، 45، 47، 64، 65، 67، 69، 71، 72، 75، 88، 89، 90، 69، 120، 132، 137، 155، 157، 158، 161، 177، 183، 200، 202، 203، 204، 227، 228، 229، 230، 231، 232، 233، 234، 235، 239، 240، 241، 242، 243، 244، 245، 246، 297، 299، 301، 314، 389، 390، 391، (14) 127، 128، 144، 147، 148، 270، 278، 279، 283، 419، 421، 429، 430، 433، 434، 435، 436، 437، 438، 442، 448، 452، 454، 455، 456، 457، 458، 460، 463، 464، 465، 469، 470، 472، 473، 474، 475، 481، 482، 486، 490، 491، 493، 494، 497، 498، 499، 500، 501، 502، 503، 542، 544، 547، 549، 551، 554، 556، 559، 564، 565، 566، 573، 578، 579، 581، 583، 584، 587، 595 ، 604، 607، 615، 624. عائشة بنت سعد: (3) 329، (5) 70، (11) 304، (14) 441. عائشة بنت العوام بن نضلة: (6) 194. عائشة بنت قدامة: (8) 328. عاتكة بنت الأحنف بن علقمة: (6) 198. عاتكة بنت خالد بن حبيب: (5) 208. عاتكة بنت زيد بن عمر: (9) 151. عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن علقمة: (6) 184. عاتكة بنت عبد اللَّه: (10) 133. عاتكة بنت عبد المطلب: (1) 87. عاتكة بنت عتبة بن ربيعة: (6) 152. عاتكة بنت قيس بن سويد: (6) 222. عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو: (6) 276. العزار بنت الحارث: (9) 257. عزة بنت الحارث بن حزن: (6) 170، 272. عزة بنت عياض: (12) 32، 53. عصماء بنت الحارث بن حزن: (6) 272. عصماء بنت مروان: (1) 120، 121. العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف: (6) الجزء: 15 ¦ الصفحة: 317 97. علية بنت الكميت العتكية: (11) 378. عمارة بنت حمزة: (1) 333. عمرة: (12) 229، (14) 474، 587. عمرة بنت الحارث بن الأسود: (1) 143. عمرة بنت حسين بن يحيى: (6) 364. عمرة بنت رواحة: (1) 239. عمرة بنت عبد الرحمن: (10) 149، 153، 364. عمرة بنت علقمة الحارية: (1) 143. عميرة بنت عبيد اللَّه بن كعب: (3) 54، (5) 65، (8) 188. غزية بنت قيس بن طريف: (6) 277. فاختة بنت الأسود: (6) 257. فاختة بنت حرب بن أمية: (6) 257. فاختة بنت عمرو بن عائذ: (2) 24. فاختة بنت غزوان: (6) 257. الفارعة بنت الخزاعي: (2) 25. فاطمة: (1) 69، 73، 124، 153، 154، 168، 323، 350، 389، 398، (2) 95، 97، 130، 134، (4) 114، 183، 195، 196، 394، 406، (5) 334، 341، 350، 351، 352، 354، 355، 356، 363، 364، 365، 366، 367، 383، 384، 385، 386، 387، 388، 393، (6) 6، 7، 9، 12، 14، 20، 28، 292، 293، 296، 332، 342، (9) 27، 155، 282، 288، (10) 26، 59، 182، 183، 267، 270، 273، 283، (11) 127، (12) 102، 103، 105، 106، 107، 237، 246، (13) 157، 159، (14) 154، 270، 420، 435، 473، 474، 506، 508، 509، 511. فاطمة بنت أسد: (5) 352، (6) 276، (11) 290. فاطمة بنت الحارث: (12) 206. فاطمة بنت الحسين: (5) 28، 29، (8) 27، (11) 127، 128، (14) 421. فاطمة بنت الخطاب: (6) 211، (9) 99. فاطمة بنت ربيعة بن بدر: (1) 270. فاطمة بنت زائدة بن جندب: (6) 135، 177، 196. فاطمة بنت شريح: (10) 199. فاطمة بنت الضحاك بن سفيان: (2) 36، (6) 98. فاطمة بنت عبد العزيز بن مؤملة بن جميل: (12) 96. فاطمة بنت عبد مناف: (6) 177. فاطمة بنت علي: (5) 28، 29. فاطمة بنت عمر: (6) 146، 219. فاطمة بنت قيس: (6) 249، (9) 63، 156. فاطمة بنت محمد: (3) 233. فاطمة بنت المنذر: (4) 81. فاطمة بنت النعمان: (3) 396. فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس: (6) 145، 158. فاطمة بنت الوليد بن المغيرة: (6) 245. فاطمة بنت أبي وهب بن عمرو: (10) 57. فكيهة بنت يسار: (9) 101. قتيلة بنت قيس: (10) 259. قريبة بنت أبي أمية: (1) 303، (6) 143. قريبة بنت عبد اللَّه بن وهب: (12) 58. قيلة بنت الأرقم بن عمرو: (9) 170. قيلة بنت جحش بن ربيعة: (6) 248. قيلة بنت مخرمة: (2) 259، (7) 62. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 318 كبشة بنت أبي بكرة: (8) 59، 64. كبشة بنت رافع بن عبيد: (1) 253. كبشة بنت المنذر بن زيد: (5) 336، (10) 60. كريمة بنت المقداد بن عمرو: (12) 58. لبابة بنت أبي لبابة بن عبد المنذر: (6) 146. لبابة بنت الحارث بن حزن: (6) 149، 165، 243. لبابة بنت الحارث: (6) 146، 149، 165، 243. لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن: (6) 271، (9) 243. لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن: (6) 270، 276. لبيبة: (9) 112. ليلى: (9) 105. ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف: (6) 27. ليلى بنت الخطيم: (10) 199. ليلى بنت أبي خيثمة: (6) 56. ليلى بنت أبي برة: (6) 269. ليلى بنت عطارد بن حاجب: (6) 144. ليلى العدوية: (4) 38. ليلى بنت قائف: (9) 143. مارية: (1) 219، (2) 36، (3) 114، (6) 50، 171. مارية القبطية: (1) 305، (2) 148، (5) 335، 336، (6) 129، 130، 133، 328، 343. مريم بنت طلحة: (6) 143. معاذة العدوية: (13) 21. مليكة بنت كعب الليثي: (6) 101، 102. ميمونة: (1) 333، 334، 388، (2) 4، 5، 111، 129، 130، (3) 158، (6) 72، 119، 133، 134، 188، 205، 244، 257، 270، 273، 335، (7) 119، 128، 132، 133، 284، 305، 306، 307، 373، 374، (8) 89، (9) 20، 154، (10) 198، 220، 221، 236، 309، 328، (11) 349، (12) 212، 244، 385، 388، (14) 152، 290، 433، 434، 435، 456. ميمونة بنت جحش: (5) 282. ميمونة بنت الحارث: (6) 52، 89، 91، 92، 165، 166، 167، 168، 169، 170، 171، (10) 222، (12) 15، (13) 65. ميمونة بنت سعد: (6) 345. ميمونة بنت أبي سفيان: (6) 162، 163. ميمونة بنت كردم: (2) 166. ميمونة بنت مهران: (10) 222. نائلة بنت حذافة بن جمح: (6) 177. نسيبة بنت كعب: (1) 162. نفيسة بنت منية: (5) 65، (6) 29، (8) 188. هالة بنت خويلد: (2) 227، (5) 343، (6) 196. هالة بنت أبي هالة: (6) 298. هزيلة بنت الحارث: (6) 272. هند: (1) 162. هند بنت الحارث: (13) 222، 223. هند بنت حارثة الأسلمي: (9) 84. هند بنت جدعان بن عمرو: (6) 278. هند بنت عبيدة بن الحارث: (9) 282. هند بنت عمرو بن حرام: (1) 161، 321، (8) 356، (13) 177. هند بنت عوف بن زهير: (6) 149، 273. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 319 هند بنت يزيد: (6) 93، 98. أم أبان: (11) 322. أم إسحاق: (5) 141. أم الأسود الخزاعية: (12) 110. أم أوس اليهزية: (5) 230. أم أيمن: (1) 14، 69، 149، 153، 164، 214، 321، (2) 125، 126، 344، (6) 30، 308، 340، (7) 112، 113، 255، (9) 162، 205. أم أيوب: (4) 254. أم بردة: (5) 338، (10) 61. أم بردة كبشة بنت المنذر بن زيد: (6) 130. أم بشر: (14) 437. أم بشر بن البراء بن معرور: (2) 129. أم جعفر: (6) 9، 10. أم جميل: (6) 256، (11) 256، 319، 337، 338. أم الحارث: (2) 15. أم حبان: (12) 242، (14) 150. أم حبيب: (3) 293. أم حبيب بنت أسد: (6) 192. أم حبيب بنت العباس: (6) 271. أم حبيبة: (1) 349، (4) 218، (6) 111، 119، 134، 135، 261، 281، (7) 111، 113، 114، (9) 142، (10) 236، 244، (12) 324، 325. أم حبيبة بنت جحش: (6) 138، 140، 255، (9) 282. أم حبيبة بنت أبي سفيان: (1) 305، 319، (2) 133، (6) 63، 64، 65، 66، 67، 68، 69، 71، 72، 73، 74، 77، 79، 81، 92، 93، 143، 157، 158، 159، 160، 161، 162، 185، (7) 15، (10) 264. أم حرام بنت ملحان: (4) 406، (8) 122، (10) 250، 255، (12) 213، 214، 215. أم الحسن: (5) 29، (6) 141. أم الحسين الأحسنية: (7) 240. أم الحصين: (6) 387، (9) 387. أم الحكم: (12) 199. أم الحكم بنت الزبير: (9) 282. أم الحكم بنت أبي سفيان: (1) 304، (6) 268. أم حكيم: (1) 398، (5) 141. أم حكيم بنت حزام: (1) 108. أم حكيم بنت عبد المطلب: (4) 116. أم خارجة عمرة بنت سعد بن عبد اللَّه: (6) 187. أم خالد بنت خالد: (7) 23. أم الدرداء: (2) 300، (8) 3، (9) 146، (10) 358، (12) 150. أم درة: (14) 441، 442. أم ذر: (14) 38. أم رمثة بنت عمر بنت هاشم: (9) 282. أم رومان: (1) 68، (6) 42، 152، 181، (11) 236، 315. أم زفر: (10) 54. أم زكريا بن جهم: (7) 222. أم سمرة: (9) 356. أم سعد: (1) 254، (5) 302. أم سعد بن الربيع: (6) 29. أم سعد بنت سعد: (5) 65، (8) 188. أم سعد بن معاذ: (1) 175، 253، (8) 373، 374. أم سكن بنت ظالم بن منقذ: (6) 278. أم سلمة: (1) 56، 192، 202، 204، 230، 235، 239، 276، 285، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 320 297، 302، 321، 357، 388، (2) 22، 69، 193، 202، 275، 283، 310، (3) 20، 156، 163، 304، (4) 38، 53، 106، 363، 394، (5) 2، 50، 282، 310، 332، 338، 343، 383، 385، 388، (6) 20، 53، 56، 92، 93، 119، 134، 143، 149، 151، 152، 153، 154، 183، 220، 228، 241، 245، 248، 251، 252، 253، 279، 298، 299، 300، 318، 351، 364، 378، (7) 68، 87، 222، 243، 244، 282، (8) 6، 68، 128، 152، (9) 13، 136، 189، (10) 49، 86، 93، 94، 153، 165، 182، 183، 230، 236، 258، 285، (11) 217، (12) 197، 202، 235، 236، 238، 239، 280، 325، 328، 329، (13) 45، 64، 65، 222، 223، 228، 371، 372، (14) 124، 143، 144، 145، 146، 147، 288، 441، 496، 497، 512، 515، 543، 562. أم سلمى: (2) 130. أم سليط: (1) 253، 321، (2) 15. أم سليم: (2) 15، 151، 171، 252، (4) 392، (5) 165، 168، 227، 228، (6) 94، (7) 13، 379، (9) 156، 204، 316، 330، (12) 18، 19، 20، 21، 24، 214. أم سليم بنت ملحان: (1) 153، 321، (10) 54، 56، 253. أم سليمان بنت عبد اللَّه بن قرط: (9) 395. أم شريك: (5) 194، (9) 63، 143، (14) 437. أم شريك الأنصارية: (6) 97، 113. أم شريك بنت جابر بن ضباب: (10) 198. أم شريك العامرية: (6) 45. أم شريك بنت عوف بن عمرو: (10) 199. أم شوق العبدية: (12) 241، (14) 149. أم الضحاك بنت مسعود الحارثية: (1) 321. أم ضميرة: (6) 347. أم طارق: (11) 388. أم طالب بنت أبي طالب: (9) 282. أم طلحة أروى بنت كريز: (6) 278. أم عاصم: (6) 147، (11) 364، 365. أم عامر الأشهلية: (1) 175، 231، 276، 321. أم عبد الرحمن بنت حمزة: (11) 360. أم عبد اللَّه بن عتيك: (1) 195. أم عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: (1) 398. أم عبد اللَّه بنت أبي هاشم: (5) 296. أم عبد الملك: (10) 125، 126، 128، 134. أم عبس: (1) 36. أم عبيس بن كريز بن ربيعة: (9) 113. أم عطاء: (3) 219. أم عطية: (1) 321، (5) 350، (7) 327، (9) 140. أم عمار: (1) 162، 163. أم عمارة: (1) 53، 253، 276، 298، 321، (2) 15، (7) 188، 238، (10) 48، 49. أم العلاء الأنصارية: (1) 253، 321. أم عمير: (2) 53. أم عمرو بنت سفيان: (10) 28. أم عياش: (6) 347. أم الفضل: (1) 80، 113، (6) 11، 30، 257، 270، (7) 358، (12) 300، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 321 (14) 462، 469. أم الفضل بنت الحارث: (2) 129، (12) 169، 237، (14) 144، 459، 484. أم الفضل لبابة: (6) 90. أم قيس: (8) 5. أم قيس بن عوذ: (1) 336. أم كبشة: (11) 1. أم كرز: (3) 273، (4) 79. أم كلثوم: (1) 69، 128، (5) 334، 341، 344، 350، 351، 352، 368، 369، 370، 371، (6) 28، 293، 296، (10) 256. أم كلثوم بنت أبي بكر: (6) 142، 143، 144، 207. أم كلثوم بنت زمعة: (6) 137. أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب: (6) 146، 147، 214، 219. أم مالك الأنصارية: (5) 229. أم مبشر: (9) 127، (12) 5. أم محجن: (10) 141. أم محمد هند: (6) 27. أم محمد بنت عتيق بن عائذ: (6) 298. أم مسطح بنت أبي رهم بن المطلب: (1) 214. أم المطاع بنت أسد: (6) 134. أم مطاوع الأسلمية: (1) 321. أم معبد: (1) 61، (2) 154، 164، 165، 169، 176، 177، 181، 261، (5) 204، 205، 206، 208، 209، 210، 211، 212، 214. أم المنذر: (1) 250، 252، (6) 132، (7) 384. أم منيع: (1) 321. أم موسى: (11) 288. أم نائلة الخزاعية: (12) 110. أم هانئ: (2) 109، 160، 163، 165، (7) 363، (9) 107، 195، (10) 210، (13) 17، 20، 76. أم هانئ بنت أبي طالب: (1) 48، 388، 397، (2) 88، (6) 102، 104، 277، 269، (8) 190، (9) 282، (13) 19. أم ورقة بنت عبد اللَّه: (13) 188، 189، 190. أم يوسف: (9) 162. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 322 فهرس القبائل الأزد: 1/ 399- 7/ 171- 13/ 242. أسد: 1/ 181، 24، 265- 2/ 89- 3/ 359، 397- 6/ 177، 211، 231. أسلم: 1/ 369، 370- 2/ 37، 52- 7/ 170- 8/ 385- 12/ 72، 82، 83- 14/ 252. أشجع: 1/ 224، 308، 318، 354، 376، 377- 2/ 53- 7/ 171- 8/ 385- 9/ 187- 262- 13/ 343، 344- 14/ 32، 221. بنو الأدرم: 1/ 152- 13/ 260. بنو أرفدة: 10/ 166، 167، 169. بنو إسرائيل: 1/ 93، 280- 3/ 345، 360، 380، 386، 392، 394، 4/ 134، 152، 161، 162، 163، 164، 206، 208، 385- 5/ 287- 6/ 18، 92، 188- 7/ 302، 308- 8/ 122، 223، 277، 377- 9/ 241، 9/ 241، 258- 10/ 117- 12/ 203، 204، 350، 354، 355، 357- 13/ 320، 322، 323، 324، 360- 14/ 203، 365، 366. بنو الأصفر: (2/ 51- 8/ 384- 14/ 32، 184، 344. بنو بكر: 1/ 277، 395- 2/ 10- 4/ 14، 56، 403- 6/ 135، 176- 12/ 145، 148. بنو بياضة: 2/ 35- 6/ 325- 10/ 48، 50- 13/ 346. بنو ثعلبة: 1/ 128، 266، 329- 8/ 351، 352، 363. بنو جثم: 4/ 266. بنو جذيمة: 1/ 203، 211، 400- 2/ 6. بنو جمح: 1/ 184- 8/ 305. بنو الجون: 6/ 101. بنو الحارث: 1/ 49- 5/ 67، 136، 295، 296، 382- 7/ 168، 233، 234. بنو حارثة: 1/ 135، 137، 223- 2/ 43- 3/ 319- 7/ 168، 170- 8/ 373- 10/ 43- 12/ 184، 244، 246، 14/ 154. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 323 بنو الحشحاش: 9/ 174. بنو حنيفة: 1/ 49- 2/ 99- 4/ 211- 10/ 172- 12/ 273. بنو خطمة: 1/ 189- 7/ 168. بنو الدئل: 1/ 58. بنو ذبيان: 2/ 37. بنو زهرة: 1/ 91، 300- 2/ 29- 4/ 34، 42- 9/ 108، 113، 298، 363- 10/ 255- 11/ 271. بنو ساعدة: 6/ 100- 7/ 168، 170، 356- 10/ 95- 12/ 146- 13/ 124- 14/ 42، 43، 44، 557، 567. بنو سالم: 1/ 207- 2/ 77- 10/ 85. بنو سعد: 1/ 12، 270- 2/ 5، 37، 60، 68- 3/ 35- 4/ 53، 87، 92، 266، 276- 5/ 135- 136- 9/ 28. بنو سلمة: 1/ 135، 174، 176، 179، 226، 2/ 53، 80- 5/ 138، 252- 7/ 168، 171- 6/ 275، 383- 11/ 35- 12/ 152، 167. بنو السميعة: 9/ 175. بنو سهم: 7/ 164. بنو شيبة: 2/ 35. بنو الصماء: 9/ 176. بنو ضمرة: 1/ 73- 8/ 333، 362. بنو ظفر: 4/ 18- 7/ 168، 170. بنو عامر: 1/ 49، 181، 184، 188- 8/ 312. بنو عبد الأشهل: 1/ 50، 52، 133، 174، 175، 244- 2/ 36- 3/ 349، 350، 354، 355- 7/ 168، 170، 210- 9/ 168، 170، 210- 9/ 250، 255، 322- 13/ 282- 14- 43، 364، 370. بنو عبد الدار: 1/ 143، 147- 6/ 193- 9/ 113- 13/ 254، 278- 14/ 15. بنو عدي: 1/ 91، 382، 7/ 12. بنو عدي بن النجار: 1/ 49، 67، 122، 245- 4/ 93، 94- 5/ 250- 6/ 113- 7/ 170- 8/ 143، 327، 377- 10/ 82، 85- 9/ 203- 14/ 43، 313. بنو عذرة: 1/ 49- 3/ 359- 8/ 367. بنو عريض: 7/ 299. بنو عقيل: 6/ 135. بنو عمرو بن عوف: 7/ 168، 170، 171- 8/ 323- 9/ 184، 189، 199، 251، 310- 10/ 70، 72، 73، 75، 76، 82، 85- 13/ 264. بنو عوال: 1/ 329. بنو فهر: 1/ 152. بنو قصي: 4/ 345. بنو قيلة: 1/ 65. بنو القين: 6/ 302. بنو كعب بن عمرو: 1/ 354، 370- 7/ 169. بنو كلاب: 2/ 43. بنو لحيان: 1/ 258- 8/ 379، 384- 9/ 227- 12/ 93. بنو ليث: 1/ 375، 376- 5/ 393- الجزء: 15 ¦ الصفحة: 324 7/ 169. بنو مازن: 7/ 169، 170- 10/ 60. بنو مجاشع: 8/ 141. بنو المجذر: 10/ 11. بنو محارب: 1/ 128- 8/ 363. بنو مخزوم: 1/ 143، 238- 2/ 109- 6/ 220، 231، 238- 9/ 113، 298- 12/ 134. بنو مدلج: 3/ 320- 4/ 35، 37- 12/ 12. بنو مرة: 1/ 49، 224. بنو المصطلق: 1/ 204، 206- 2/ 42- 6/ 84- 8/ 369، 37، 391- 13/ 217، 314، 315. بنو المغيرة: 12/ 279. بنو المنتفق: 7/ 288. بنو هلال: 2/ 8، 44، 45. بنو واقف: 7/ 168، 170. تغلب: 10/ 6- 14/ 241، 242، 252. تميم: 2/ 33، 37، 38- 4/ 30- 9/ 109- 13/ 238- 13/ 238- 14/ 26، 252، 300، 311، 312، 313، 525، 537. تيماء: 1/ 254، 255. ثقيف: 1/ 352، 355- 2/ 8، 16، 25، 34- 3/ 380، 4/ 68، 74، 135، 266، 353، 403- 5/ 12- 6/ 330- 8/ 305، 306، 308، 309، 388- 9/ 180، 234- 12/ 273- 13/ 374، 375- 14/ 22، 23، 24، 28، 30، 102، 103، 104، 106، 157، 158، 221، 309، 325. جذام: 2/ 47، 67- 9/ 64- 13/ 340- 14/ 252. جرش: 12/ 79، 80. جهينة: 1/ 207، 256، 277، 346، 354، 372- 2/ 172- 3/ 359- 4/ 11- 7/ 169، 171، 198- 8/ 339، 385- 9/ 187- 13/ 286- 14/ 252. حمير: 4/ 73- 6/ 188- 14/ 525. خثعم: 4/ 73، 395- 12/ 80. خزاعة: 1/ 180، 225، 256، 280، 285، 348، 349، 385، 395- 2/ 37- 4/ 14، 259، 264، 277- 13/ 313، 373- 14/ 326. الخزرج: 1/ 49، 50، 100، 106، 133، 176، 178، 191، 207، 215، 218، 230، 246- 2/ 92، 231- 4/ 14، 289- 7/ 165، 170، 171، 202- 8/ 345، 392- 9/ 170، 173، 174، 175، 176، 177، 184، 185، 186، 187، 188، 254، 276، 292- 12/ 94- 13/ 307، 323- 14/ 366، 367. دوس: 2/ 229- 5/ 193، 311، 313. ذبيان: 14/ 233، 234، 539، 540. ذكوان: 12/ 93. ربيعة: 13/ 243- 245- 256- 14/ 57. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 325 رعل: 12/ 93. سجاح: 14/ 241، 242. سليم: 1/ 49، 77، 124، 129، 181، 223، 335، 354، 364- 2/ 7، 12، 18، 33، 37، 5/ 78- 6/ 244- 7/ 171، 183، 184، 186، 343- 8/ 350، 385- 9/ 277، 235، 236- 10/ 84- 12/ 327، 373. صداء: 5/ 136. عبس: 1/ 49- 11/ 273- 14/ 233، 234، 538، 540. عرينة: 1/ 272- 2/ 43، 44- 13- 232، 14/ 31. عصية: 12/ 93. غسان: 4/ 23. غطفان: 1/ 223، 224، 233، 235، 239، 240، 241، 242، 262، 271، 307، 309، 313- 3/ 359- 8/ 350، 352، 364، 374، 375- 9/ 230- 13/ 311، 319، 330، 331، 332، 336- 13/ 311، 319، 330، 331، 332، 336- 14/ 220، 221، 232، 235، 238، 252، 538، 541. غفار: 1/ 106، 131، 354، 367، 369- 2/ 37، 52، 72- 4/ 252- 5/ 181- 7/ 169، 171- 8/ 385- 10/ 163- 14/ 252. فزارة: 1/ 49، 224، 270- 7/ 198- 14/ 232، 235، 236، 237 ص، 238، 246، 247، 538، 541. قريش: 1/ 18، 19، 35، 37، 38، 41، 42، 44، 56، 58، 74، 77، 78، 83، 85، 86، 88، 90، 91، 93، 96، 97، 98، 101، 102، 107، 125، 129، 132، 139، 146، 151، 168، 172، 180، 193، 207، 222، 223، 224، 231، 233، 240، 241، 243، 244، 258، 280، 283، 286، 288، 290، 291، 292، 295، 296، 303، 325، 331، 332، 348، 351، 352، 353، 355، 358، 361، 382، 383، 384، 391، 396، 398، 399، 400- 2/ 4، 5، 6، 10، 52، 101، 111، 113، 115، 220، 221، 235، 342، 345، 348، 353، 355، 357- 3/ 26، 54، 204، 205، 209، 210، 213، 214، 219، 321، 324، 325، 356، 358، 368، 380، 399، 401، 404- 4/ 10، 20، 21، 33، 36، 37، 41، 42، 47، 55، 59، 63، 64، 72، 76، 80، 98، 105، 107، 108، 109، 114، 116، 120، 121، 122، 123، 127، 128، 129، 130، 134، 183، 189، 199، 203، 211، 224، 246، 247، 248، 258، 259، 263، 264، 265، 275، 278 ص، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 326 الصفحة: 285، 341، 342، 343، 344، 345، 348، 349، 353، 354، 357، 360، 363، 366، 367، 372، 376، 387، 398، 399، 402، 403، 406، 407- 5/ 18، 20، 21، 63، 64، 74، 77، 148، 209، 211، 213، 215، 269، 270، 271، 312، 346، 351، 374، 382- 6/ 20، 21، 29، 49، 92، 102، 144، 145، 149، 150، 152، 159، 160، 161، 167، 185، 187، 194، 220، 230، 232، 233، 234، 235، 236، 237، 240، 242، 243، 244، 255، 277، 283، 284، 289، 291، 308، 309، 312، 313، 344، 397- 7/ 109، 164، 165، 210، 251، 363- 8/ 147، 174، 180، 183، 184، 186، 187، 231، 236، 250، 253، 255، 268، 305، 316، 318، 319، 321، 328، 334، 337، 339، 340، 341، 346، 348، 357، 362، 372، 374، 375، 384، 385، 386، 387- 9/ 9، 10، 13، 14، 19، 20، 27، 39، 42، 94، 95، 102، 103، 104، 113، 114، 116، 179، 185، 194، 195، 196، 198، 227، 230، 234، 241، 243، 253، 254، 255، 258- ص 10/ 6، 25، 26، 41، 96، 132، 164، 172، 189، 234، 305- 11/ 197، 207، 213، 227، 293- 12/ 73، 74، 81، 85، 94، 103، 105، 106، 107، 116، 118، 121، 134، 135، 139، 141، 144، 145، 149، 160، 164، 165، 166، 170، 171، 173، 175، 179، 185، 186، 187، 189، 222، 230، 231، 246، 255، 259، 260، 272، 275، 279، 301، 302، 303، 304، 308، 309، 314، 315، 316، 357، 372- 13/ 53، 99، 102، 107، 187، 188، 207، 246، 248، 250، 261، 267، 272، 273، 277، 282، 296، 301، 302، 322، 323، 324، 325، 373، 374، 375، 376، 379، 380، 381، 382، 385- 14/ 17، 130، 138، 169، 229، 241، 250، 252، 258، 324، 325، 328، 331، 335، 336، 338، 339، 340، 359، 368، 445، 570، 594. قريظة: 1/ 69، 125، 221، 225، 230، 231، 232، 233، 235، 238، 240، 241، 244، 245، 247، 248، 249، 250، 251، 254، 255، 258- 3/ 354، 355، 359- 4/ 219، 401- 6/ 88 ص، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 327 132، 133، 187، 244، 320- 8/ 374، 375، 376، 377، 378، 379، 391- 9/ 173، 187، 205، 227، 229، 230، 254، 255، 257، 276، 277، 293، 10/ 38- 12/ 183- 13/ 127، 139، 297، 298، 299، 300، 301، 302، 303، 304، 305، 306، 332، 336- 14/ 19، 220، 305، 366، 367، 369. قضاعة: 1/ 256، 344- 2/ 127- 4/ 259- 5/ 136- 14/ 234. قينقاع: 1/ 69، 122، 248- 2/ 56، 218- 5/ 117- 6/ 354- 7/ 142، 152- 8/ 346، 370- 9/ 254، 256، 292، 14/ 19، 220، 367. كلب: 1/ 49. كنانة: 1/ 131، 207، 351، 374- 3/ 204- 6/ 188، 226، 343- 7/ 169- 8/ 310، 333، 340- 9/ 230- 12/ 53، 144، 145، 147، 148- 13/ 238- 14/ 232، 239، 315، 316، 325، 538. كندة: 1/ 49- 4/ 73- 8/ 312. لخم: 9/ 64- 14/ 252. محارب: 8/ 352. مزينة: 1/ 277، 352، 353، 354، 370، 372- 2/ 37، 49- 7/ 169، 187، 259- 7/ 169، 187، 259- 8/ 385- 9/ 187- 13/ 238، 376- 14/ 83، 88، 245، 246، 247، 249، 252. مضر: 4/ 28- 12/ 69، 71، 72، 73، 74، 76، 77، 309- 13/ 243، 244، 245، 256. النضير: 1/ 69، 123، 125، 188، 189، 191، 192، 222، 230، 240، 246، 255- 3/ 355، 359- 4/ 219- 6/ 88، 187- 8/ 348، 359، 360، 361، 363، 364- 9/ 187، 205، 227، 229، 234، 276، 277، 298، 361- 13/ 139، 147، 149، 250، 304، 305- 14/ 19، 220، 364، 366، 367، 368. هذيل: 4/ 18، 265، 277، 278- 6/ 235- 9/ 28- 13/ 271، 305- 14/ 366. همذان: 9/ 179، 322- 14/ 225، 226، 525. هوازن: 1/ 352، 355، 356، 358، 360، 398- 2/ 8، 9، 12، 14، 15، 17، 18، 19، 31- 4/ 202، 259، 266- 5/ 70- 8/ 388، 389، 390- 9/ 135، 134، 235- 13/ 374، 375- 14/ 16، 17، 157، 221، 234، 252، 540 ص. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 328 فهرس الأماكن والبلدان الأبطح: 1/ 334، 398- 2/ 5، 94، 107، 109، 110، 120، 122- 7/ 153. الأبواء: 2/ 107- 4/ 95- 8/ 143- 9/ 132، 278. أجنادين: 6/ 240، 262- 9/ 190. أذربيجان: 4/ 246- 12/ 251- 14/ 159، 171. أذرح: 9/ 374. أرمينية: 4/ 246- 12/ 251- 14/ 159، 171. الأردن: 4/ 113- 12/ 77- 14/ 166، 522. الإسكندرية: 3/ 363، 364- 4/ 173- 6/ 130- 7/ 179، 221، 357- 13/ 3- 14/ 105، 171. أصبهان: 6/ 338- 12/ 393. أنطاكية: 4/ 172. أوطاس: 2/ 9، 19- 9/ 234، 235، 236. إيطاليا: 4/ 172. إيليا: 14/ 150. أيلة: 2/ 65، 66- 302- 9/ 374- 14/ 42، 43. بابل: 3/ 360، 389. البحرين: 1/ 305- 2/ 35- 4/ 184، 202، 217، 382- 6/ 299، 9/ 188، 365، 369، 371، 372، 12/ 125، 331، 372، 14/ 181، 220، 225، 234، 244، 283، 313، 413، 526. البصرة: 1/ 173، 337- 4/ 227، 278، 292، 300، 302، 312- 5/ 141، 363- 6/ 153، 162، 331، 353، 363- 7/ 206- 8/ 10، 11، 353- 10/ 346- 11/ 377- 12/ 77، 224، 252، 261، 286، 331- 13/ 160، 195، 230، 232، 233، 235، 236، 237، 239، 240، 241، 243، 244، 248، 249- 14/ 132، 160، 242. البطحاء: 1/ 84، 389، 392- 6/ 303- 9/ 73- 10/ 185. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 329 البقيع: 2/ 128، 147- 5/ 235، 361- 6/ 43، 51، 52، 56، 62، 185، 321، 328- 7/ 258، 290، 9/ 263- 12/ 182، 183، 185، 189- 14/ 295، 423، 424، 430، 567، 568. بقيع الغرقد: 5/ 118، 119- 7/ 175. بلقين: 1/ 344، 335. بلى: 1/ 344، 345. بيت لحم: 8/ 174، 251. بيسان: 9/ 64. البيداء: 1/ 331، 355. تبريز: 12/ 394. تبوك: 2/ 51، 58، 59، 60، 62، 63، 67، 68، 69، 70، 71، 73، 76- 4/ 390، 391، 404- 5/ 97، 105، 112، 113، 116، 145، 151- 6/ 361- 7/ 239- 8/ 392- 9/ 84، 135، 227، 237، 268، 277- 10/ 156- 11/ 257- 12/ 108- 13/ 190، 319- 14/ 32، 37، 42، 43، 44، 46، 47، 49، 54، 184، 298، 343، 345، 346، 347، 491. تهامة: 1/ 15، 92، 285- 2/ 202- 4/ 69، 277- 8/ 372- 12/ 53- 14/ 71، 234، 540. تيماء: 2/ 65- 9/ 173. جابرس: 8/ 277. جابلق: 8/ 277. الجحفة: 1/ 73، 90، 278، 357- 3/ 302- 9/ 173- 11/ 298، 299، 301، 302- 12/ 173- 14/ 365. جرجار: 12/ 393. الجرف: 2/ 124، 127. الجعرانة: 1/ 398- 2/ 25، 26، 27، 34، 35، 239- 3/ 49- 6/ 95- 9/ 22، 23، 235، 236، 296، 297- 14/ 7، 25. الجليل: 13/ 207، 208. الجوانية: 2/ 246. حبرون: 9/ 60. الحبشة: 1/ 37، 38، 40، 41، 43، 44، 45، 304، 305، 319- 2/ 46- 3/ 362- 4/ 68، 72، 73، 77، 80، 81، 89، 107، 184، 336، 382- 5/ 344- 6/ 33، 53، 65، 67، 71، 72، 73، 74، 75، 77، 78، 79، 158، 200، 240، 241، 242، 244، 273، 293، 298، 300، 340، 364- 7/ 23، 46، 114، 115- 8/ 316- 9/ 82، 105، 116، 201، 205، 206، 245، 338- 10/ 49، 63، 169- 11/ 337، 338، 361، 12/ 311، 316- 13/ 370- 14/ 339، 550. الحجون: 1/ 383، 385، 388- 5/ 35- 6/ 28، 30- 9/ 71، 79- 10/ 344- 14/ 377. الحديبيّة: 1/ 113، 235، 275، 284، 285، 286، 289، 292، 294، 296، 297، 298، 299، 300، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 330 320، 330، 332، 349، 360- 2/ 70، 116- 5/ 105، 106، 108، 110، 145، 147، 148، 151- 7/ 4، 178، 181، 188، 238- 9/ 4، 9، 22، 89، 90، 120، 122، 227، 230- 13/ 53، 106، 287، 322، 354، 355، 356، 373، 386- 14/ 168، 172، 220، 344، 345. حران: 1/ 129- 9/ 56. الحرة: 5/ 250- 338. حضرموت: 4/ 13، 14، 184- 6/ 251- 9/ 358- 14/ 178، 220، 225، 226، 233، 253، 526، 527. حلوان: 3/ 382، 383. حمص: 2/ 47- 6/ 244، 319، 332. حنين: 5/ 67، 68، 69، 70، 71- 14/ 8، 14، 15، 16، 17، 26. الحيرة: 1/ 7- 12/ 331- 13/ 393- 14/ 59، 60، 114، 115، 117، 190، 191. خراسان: 3/ 392- 4/ 227، 382، 6/ 8، 159- 12/ 295، 296، 297، 310، 315- 13/ 191- 14/ 196، 197. خم: 1/ 73- 11/ 301، 303. خيبر: 1/ 47، 198، 199، 223، 254، 255، 259، 270، 271، 272، 300، 306، 307، 309، 310، 311، 315، 317، 319، 320، 321، 322، 323، 324، 325، 330- 2/ 249- 5/ 28، 29، 30، 105، 106- 7/ 117، 143، 155، 162، 225، 226، 310- 8/ 45- 9/ 17، 173، 204، 227، 230، 231، 233، 254، 261، 262، 269، 270، 276، 289، 294، 296، 302، 303، 306، 307، 308، 380، 382، 384، 385- 11/ 286، 287، 289، 290، 292، 293، 310، 375- 13/ 88، 153، 310، 311، 320، 321، 326، 330، 332، 335، 336، 338، 339، 340، 341، 343، 344، 345، 346، 347، 348، 350- 14/ 19، 234، 366، 368، 437، 484، 540، 586. دمشق: 1/ 377- 4/ 292- 6/ 244- 8/ 390- 10/ 133- 11/ 82- 12/ 393- 13/ 208- 14/ 186، 245، 246، 248، 249، 360. الدثينة: 5/ 284. الرَّبَذَة: 5/ 79- 8/ 311، 313- 13/ 214، 237، 238- 14/ 36، 38، 232، 312. الرقة: 6/ 161، 171. الرملة: 6/ 319. الروحاء: 1/ 92، 93، 95، 112، 123، 180، 277- 2/ 202، 213- 5/ 139. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 331 الروم: 1/ 304، 339- 2/ 57، 61، 62، 98، 123، 132، 287، 341- 3/ 96، 197، 200، 361، 364، 366، 367، 368، 376- 4/ 149، 164، 174، 180، 184، 217، 218، 277- 5/ 113، 152- 6/ 154، 161- 9/ 173، 335- 12/ 82، 132، 215، 313، 319، 385- 13/ 29، 191، 291، 292، 294، 14/ 65، 165، 166، 168، 169، 170، 171، 178، 189، 192، 293، 194، 195، 199، 246، 247، 249، 269، 314، 492. رومية: 4/ 172. سرف: 1/ 155، 334- 6/ 91- 9/ 20، 23، 279- 10/ 222، 228- 12/ 212، 246- 13/ 253- 256. سيلان: 5/ 62. سيناء: 3/ 385- 391- 8/ 174. السودان: 4/ 382. الشام: 1/ 14، 17، 19، 44، 71، 74، 81، 84، 85، 129، 131، 173، 202، 228، 253، 258، 270، 302، 336، 337، 342، 352- 2/ 47، 61، 66- 3/ 89، 96، 196، 197، 319، 344، 349، 356، 359، 361، 366، 368، 377، 380، 394، 397، 398، 401- 4/ 15، 28، 34، 46، الصفحة: 53، 54، 61، 86، 109، 123، 134، 159، 171، 239، 246، 277، 278، 280، 292، 303، 317، 361، 371، 382، 388، 398، 406- 5/ 63، 65، 76، 343، 358- 6/ 29، 151، 160، 185، 232، 283، 302، 319، 397- 7/ 157- 8/ 174، 179، 182، 184، 185، 188، 253، 321، 336، 338، 339، 346، 353، 366، 368، 378، 390، 392- 9/ 14، 65، 78، 80، 173، 174، 189، 294، 322، 323، 329- 98، 132، 133، 348، 349، 362- 11/ 4، 261- 12/ 67، 78، 117، 118، 119، 132، 146، 158، 164، 177، 196، 201، 209، 210، 211، 219، 230، 244، 259، 285، 313، 316، 331، 374، 394- 13/ 3، 4، 141، 191، 192، 193، 195، 214، 237، 293، 294، 295، 303، 304، 364- 14/ 27، 34، 35، 127، 138، 140، 152، 154، 165، 166، 171، 178، 183، 186، 188، 189، 191، 192، 193، 195، 220، 233، 235، 236، 237، 246، 247، 248، 249، 298، 313، 332، 354، 359، 360، 361، 365، 366، 445، 522 ص، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 332 539، 541، 615، 628. صفورية: 10/ 6. صفين: 2/ 169- 12/ 231- 14/ 139، 144. صنعاء: 1/ 328- 2/ 35، 101- 3/ 307، 349- 4/ 28، 382- 8/ 101- 12/ 130- 13/ 293- 14/ 178، 225، 228، 445، 522، 523، 524، 526. الصهباء: 5/ 27، 28. الطائف: 1/ 45، 46، 172، 400- 2/ 8، 22، 23، 24، 25، 34، 84، 87، 264- 3/ 364- 4/ 68، 74، 75، 82، 134، 217، 278، 353، 374، 403- 5/ 70- 6/ 161، 162، 203، 265، 329، 330، 331- 7/ 171، 181- 8/ 174، 304، 306، 308، 387، 389، 390- 9/ 71، 180، 181، 236، 264، 266، 276، 277- 11/ 323، 363- 12/ 250- 14/ 18، 20، 21، 22، 23، 24، 28، 29، 106، 159، 220، 221، 325، 328، 329، 337، 360، 337، 360، 361، 526، 581. طبرستان: 5/ 61- 12/ 393. طرسوس: 5/ 61. طيبة: 8/ 174، 251- 9/ 65- 14/ 232. عدن: 14/ 220، 526. عذرة: 1/ 344، 345. العراق: 1/ 76، 96، 129، 266، 227- 2/ 88- 4/ 26، 217، 227، 246، 247، 278، 280، 320، 398- 5/ 297، 358، 359- 6/ 159- 7/ 117- 9/ 27، 80- 10/ 348، 360- 11/ 111، 180- 12/ 67، 132، 196، 219، 239، 240، 256، 266، 311، 313، 330، 389، 390- 13/ 191، 193- 14/ 27، 36، 38، 127، 147، 148، 166، 178، 183، 184، 188، 191، 192، 193، 194، 195، 220، 236، 237، 313، 381، 541. عسفان: 1/ 184، 198، 258، 279، 282- 2/ 37، 107- 5/ 147، 148، 150- 8/ 361، 378- 9/ 199، 259- 13/ 271، 286، 287. عسقلان: 12/ 53. عمان: 2/ 35- 3/ 302- 4/ 184، 217، 382- 14/ 220. غزة: 9/ 59. غسان: 2/ 47، 61، 94- 9/ 174- 14/ 245. فارس: 1/ 304- 2/ 57، 62، 287- 3/ 96، 361- 4/ 26، 34، 35، 60، 61، 149، 158، 184، 217، 218- 5/ 70، 359- 12/ 82، 128، 130، 133، 138، 314، 319، 385- 13/ 291، 293، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 333 294- 14/ 165 ، 166، 168، 169، 170، 171، 172، 178، 192، 193، 197، 199، 269، 297، 298، 492. فدك: 1/ 270- 9/ 173. فلسطين: 2/ 98- 6/ 262- 12/ 53، 379، 394- 14/ 166- 472. قاشان: 12/ 393. قباء: 1/ 65، 68، 70، 112، 132- 4/ 390- 5/ 87- 7/ 172- 9/ 199، 227- 10/ 10، 69، 70، 71، 73، 74، 75، 76، 77، 85، 110، 130، 135- 11/ 388، 389- 13/ 250- 14/ 208. قديد: 1/ 356، 358. القدس: 4/ 159، 162- 9/ 59- 12/ 357- 13/ 141- 14/ 171. القسطنطينية: 4/ 159، 383- 10/ 12- 14/ 171، 189، 200، 246، 247، 314. قم: 12/ 393. قيد: 1/ 265. كداء: 1/ 383، 385. الكديد: 1/ 335، 336. كربلاء: 12/ 239- 14/ 143، 146، 147. الكوفة: 1/ 173- 3/ 60- 4/ 291، 292، 305، 309، 311- 5/ 358، 360، 363، 364، 367، 6/ 43، 161، 162، 356- 7/ 106، 376- 8/ 353- 9/ 109، 323- 10/ 6، 269، 347- 11/ 338- 12/ 34، 45، 77، 224، 250، 251، 252، 257، 261، 268، 331- 13/ 4، 11، 214، 217، 218، 230، 237، 238، 239، 240، 244، 245، 247، 248- 14/ 132، 157، 158، 159، 160، 375، 381. لبنان: 3/ 394- 13/ 207، 208. لعك: 2/ 145. مؤتة: 1/ 336، 337، 340، 342، 344- 11/ 315. المدائن: 5/ 25، 358- 6/ 339- 12/ 251- 13/ 294، 295- 14/ 158، 159. المدينة: 1/ 13، 48، 50، 51، 52، 56، 60، 61، 64، 65، 69، 70، 71، 73، 74، 77، 78، 81، 82، 83، 93، 95، 112، 117، 118، 122، 123، 124، 125، 128، 131، 132، 134، 137، 147، 154، 161، 164، 171، 172، 174، 178، 179، 180، 181، 182، 188، 189، 193، 197، 199، 202، 207، 209، 254، 257، 258، 259، 260، 264، 265، 266، 267، 268، 270، 271، 272، 275، 277، 298، 300، 305، 306، 319، 320، 326، 327، 328، 329، 330، 331، 333، 334، 335، 336 ص، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 334 الصفحة: 337، 341، 344، 346، 347، 354، 355، 389- 2/ 36، 42، 43، 44، 46، 47، 53، 55، 62، 73، 64، 71، 76، 77، 79، 80، 84، 85، 88، 98، 102، 104، 105، 106، 110، 120، 122، 123، 126، 154، 221، 224، 238، 256، 291، 385- 3/ 53، 54، 56، 59، 66، 69، 70، 82، 89، 90، 92، 94، 211، 307، 338، 344، 353، 354، 355، 359، 396، 404- 4/ 4، 13، 19، 31، 35، 94، 110، 121، 123، 164، 241، 265، 278، 291، 292، 296، 302، 334، 338، 339، 358، 376، 377، 379، 380، 384، 400، 404، 407- 5/ 35، 48، 51، 86، 107، 113، 119، 122، 123، 124، 127، 130، 135، 139، 140، 142، 151، 197، 199، 204، 212، 215، 221، 235، 238، 252، 288، 313، 319، 344، 346، 348، 358، 360، 361، 363، 367، 376- 6/ 33، 34، 42، 49، 50، 65، 66، 69، 71، 72، 73، 79، 80، 81، 92، 105، 120، 130، 137، 150، 153، 154، 155، 158، 182، 187، 203، 242، 244، 248، 251، 256، 273، 276، 293، 299، 307 ص، 310، 317، 328، 352، 356، 398- 7/ 109، 110، 148، 154، 157، 164، 173، 183، 198، 210، 234، 235، 236، 237، 247، 248، 265، 267، 307، 330، 346، 347، 358- 8/ 43، 98، 99، 102، 105، 139، 143، 145، 157، 170، 171، 174، 199، 225، 229، 251، 252، 310، 313، 314، 316، 321، 322، 323، 324، 325، 326، 330، 332، 333، 334، 335، 336، 338، 339، 344، 345، 346، 347، 348، 349، 350، 351، 352، 353، 354، 356، 358، 359، 361، 362، 364، 365، 366، 369، 370، 371، 372، 374، 375، 376، 378، 379، 380، 381، 383، 387، 390، 392، 393- 9/ 13، 20، 23، 26، 30، 35، 37، 65، 86، 87، 107، 173، 176، 185، 186، 188، 189، 192، 193، 194، 195، 200، 201، 202، 204، 206، 207، 208، 226، 227، 230، 234، 252، 265، 290، 306، 338، 356، 357، 358، 362، 376، 383، 394- 10/ 4، 10، 49، 69، 82، 85، 87، 88، 93، 94، 95، 97، 108، 117، 131، 132، 133 ص، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 335 الصفحة: 158، 173، 174، 175، 208، 218، 342، 343، 346، 347، 348، 349، 350، 351، 352، 353، 354، 356، 360، 361، 362، 363، 364- 11/ 111، 180، 213، 227، 238، 256، 258، 259، 260، 263، 264، 267، 269، 270، 271، 293، 295، 296، 298، 299، 300، 301، 302، 303، 309، 337، 354- 12/ 76، 80، 88، 94، 96، 99، 122، 136، 139، 142، 146، 156، 163، 174، 176، 178، 179، 181، 191، 201، 209، 223، 227، 230، 232، 244، 245، 246، 255، 271، 272، 294، 316، 318، 336، 341، 359، 374، 377، 380- 13/ 4، 28، 29، 51، 74، 190، 214، 224، 234، 235، 236، 237، 249، 251، 252، 255، 268، 271، 179، 283، 284، 291، 292، 306، 310، 311، 316، 317، 328، 369، 373- 14/ 24، 30، 34، 35، 42، 43، 45، 46، 50، 53، 68، 71، 74، 75، 89، 106، 110، 111، 135، 136، 138، 140، 148، 152، 153، 154، 163، 175، 183، 184، 189، 193، 195، 208، 217، 225، 228، 232، 233 ص، 236، 238، 246، 247، 257، 258، 277، 278، 288، 305، 306، 312، 314، 334، 354، 360، 367، 368، 412، 417، 471، 473، 483، 489، 521، 522، 525، 526، 533، 538، 539، 541، 542، 543، 544، 547، 548، 549، 550، 551، 552، 554، 562، 566، 574، 586، 615، 616، 620، 622، 623، 625، 626، 627. مر الظهران: 1/ 88، 91، 224، 331، 355، 358، 359، 384- 2/ 36، 107، 356- 5/ 65، 148- 8/ 384- 9/ 23، 234، 235- 13/ 275، 322، 323. مرو: 14/ 196. المريسيع: 7/ 207، 258. مصر: 1/ 304- 3/ 96- 4/ 159، 163، 168، 175، 184، 199- 6/ 130، 158، 343، 351، 364- 7/ 180، 223- 9/ 59- 10/ 4، 135، 136- 12/ 316، 331، 385- 13/ 3، 193، 208- 14/ 100، 124، 125، 171، 172، 178، 185، 193، 405، 625، 628. مكة: 1/ 6، 9، 13، 15، 16، 37، 38، 43، 45، 46، 48، 50، 53، 56، 58، 60، 64، 68، 69، 71، 73، 75، 80، 82، 83، 85، 87 ص، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 336 الصفحة: 90، 91، 97، 109، 115، 117، 125، 131، 132، 154، 156، 166، 172، 174، 184، 185، 194، 204، 222، 267، 274، 277، 279، 296، 297، 302، 303، 319، 324، 325، 328، 330، 331، 332، 333، 334، 335، 337، 350، 353، 356، 358، 360، 361، 383، 384، 385، 387، 388، 394، 395، 398- 2/ 3، 4، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 13، 17، 28، 34، 36، 45، 84، 97، 104، 107، 109، 110، 115، 117، 120، 121، 122، 154، 166، 228، 233، 238، 345، 372، 385، 390- 3/ 26، 28، 36، 53، 54، 56، 82، 84، 89، 90، 94، 196، 270، 271، 319، 338، 344، 350، 356، 377، 380، 381، 383، 385، 391، 392، 396، 397، 401- 4/ 4، 9، 13، 15، 18، 20، 29، 32، 33، 35، 36، 67، 68، 69، 74، 75، 76، 77، 79، 81، 85، 89، 95، 98، 105، 112، 121، 123، 129، 188، 209، 217، 277، 278، 291، 292، 297، 298، 299، 333، 334، 339، 349، 361، 363، 366، 370، 371، 373، 375، 376، 377، 378، 382، 387، 399، 400 ص، 403، 406- 5/ 12، 17، 20، 21، 22، 23، 36، 39، 41، 54، 72، 73، 74، 105، 108، 141، 204، 205، 208، 209، 210، 211، 212، 216، 254، 261، 269، 272، 299، 310، 312، 313، 333، 334، 343، 344، 348، 363، 364، 376- 6/ 29، 30، 45، 68، 72، 81، 91، 92، 101، 117، 120، 135، 154، 155، 157، 160، 161، 182، 183، 213، 230، 235، 242، 243، 248، 284، 305، 308، 311، 313، 315، 319، 339، 367- 7/ 15، 16، 109، 159، 160، 170، 233، 239، 249، 253، 330، 358- 8/ 98، 99، 100، 251، 252، 253، 255، 267، 306، 309، 317، 321، 322، 323، 325، 336، 339، 361، 369، 371، 369، 371، 378، 383، 384، 385، 387، 388، 390، 391، 393- 9/ 4، 12، 18، 19، 29، 30، 64، 65، 78، 81، 87، 88، 91، 96، 97، 98، 102، 103، 104، 106، 107، 108، 112، 125، 173، 241، 245، 309، 338، 368- 10/ 6، 49، 63، 84، 110، 125، 127، 133، 134، 264، 342، 343، 344، 345، 346، 347 ص، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 337 الصفحة: 348، 349، 350، 351، 352، 353، 354، 358، 359، 360، 361، 362، 363، 364- 11/ 213، 260، 296، 298، 299، 300، 301، 303، 304، 305، 308، 309، 338، 377- 12/ 70، 73، 106، 115، 122، 136، 142، 146، 148، 154، 156، 163، 164، 168، 170، 171، 174، 175، 176، 178، 187، 189، 201، 212، 259، 260، 272، 300، 301، 341، 374- 13/ 24، 17، 19، 20، 28، 110، 111، 150، 151، 152، 215، 216، 237، 249، 253، 254، 255، 271، 272، 273، 274، 275، 276، 282، 283، 354، 355، 357، 358، 379، 383، 384، 385، 386، 387- 14/ 4، 5، 6، 11، 13، 16، 22، 30، 35، 53، 155، 163، 164، 166، 170، 188، 220، 221، 237، 257، 258، 261، 324، 315، 322، 325، 328، 329، 334، 338، 339، 340، 359، 360، 361، 365، 368، 544، 546، 547، 548، 549، 550، 551، 552، 554، 567، 570، 622، 625، 627، 628. الموصل: 9/ 71- 12/ 251- 14/ 159، 172. نجد: 1/ 127، 182، 329، 347- 4/ 116، 117، 217، 277- 6/ 101- 7/ 244، 306- 8/ 368، 373، 377- 9/ 230، 295- 10/ 12- 14/ 252، 259، 261، 268. نجران: 1/ 328، 397- 2/ 94، 95، 4/ 26، 35، 68، 97، 184، 404- 6/ 277، 317- 9/ 365، 367، 368، 373، 375، 376- 13/ 387- 14/ 65، 66، 67، 68، 70، 71، 72، 225، 228، 252، 523. نيسابور: 12/ 393. نينوى: 9/ 71، 180. هجر: 4/ 184- 5/ 291، 292- 7/ 15، 16- 8/ 98- 9/ 370، 371، 372. همدان: 13/ 245. الهند: 4/ 227- 7/ 300- 10/ 359- 13/ 195- 14/ 178، 202. واسط: 6/ 337. يثرب: 1/ 86، 90، 96- 3/ 349، 355، 356، 363- 4/ 13، 15، 28، 31، 32، 374- 6/ 84، 173- 8/ 251- 9/ 64، 173، 174، 176، 187، 230- 13/ 251، 271، 293، 331، 336، 357، 358- 14/ 60، 69، 364، 365، 366. ينبع: 7/ 222. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 338 اليرموك: 3/ 314- 12/ 11. اليمامة: 1/ 304- 2/ 99- 4/ 217، 232، 243، 359- 5/ 117- 6/ 211، 244، 248، 249- 8/ 98، 99، 101- 9/ 174- 12/ 114، 158، 14/ 221، 230، 231، 241، 244، 250، 251، 257، 258، 261، 522، 524، 531، 536، 537. اليمن: 1/ 40، 46، 228، 281، 398- 2/ 60، 66، 102، 109، 122- 3/ 304، 350، 359، 361، 362- 4/ 22، 27، 36، 73، 75، 81، 98، 184، 217، 259، 277، 278، 382، 395، 398- 5/ 136، 284، 357- 6/ 100، 173، 249، 251، 319، 397- 8/ 311- 9/ 227، 36، 65، 208، 241، 367، 372، 373، 376- 10/ 97، 349- 11/ 293، 295- 12/ 79، 354، 385- 13/ 524، 243، 245، 291، 293، 294، 295، 323، 325- 14/ 61، 62، 63، 97، 183، 184، 191، 192، 221، 225، 234، 339، 445، 523، 524، 526، 540. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 339 فهرس الأبيات الشعرية طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع يا كاشف/ 19/ بأساء/ 12/ 374- 375. جدي/ 3/ الشقراء/ 3/ 324. عين/ 7/ البكاء/ 14/ 602. فخرتم/ 2/ صؤاب/ 1/ 144. عين/ 6/ الأواب/ 14/ 600. إذا عضل/ 3/ الحواجب/ 1/ 144. للَّه در/ 1/ انحبى/ 11/ 292، 293. أتاني/ 7/ بكاذب/ 4/ 5. ألا أبلغا/ 3/ مجرب/ 12/ 180. أنا الّذي/ 2/ مجرب/ 11/ 291. قد علمت/ 2/ مجرب/ 11/ 287. يلوم/ 3/ فاضب/ 12/ 184. يا عين/ 5/ فانتعيا/ 14/ 601. وفي الأصنام/ 1/ العقابا/ 5/ 73. أكنيه/ 1/ اللقبا/ 2/ 146. فإنك شمس/ 1/ كوكب/ 3/ 121. أفاطم/ 11/ الكوكب/ 14/ 599. والعير/ 1/ الكواكب/ 5/ 14. أقمنا/ 1/ جانب/ 1/ 144. لهف/ 9/ المحروب/ 14/ 599. مظاهر/ 1/ رسوب/ 7/ 142. ألم/ 1/ طبيبا/ 13/ 95. أرقت/ 7/ دبيب/ 14/ 600 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 340 طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع سما/ 1/ العزيب/ 14/ 117. لم يبق/ 1/ الشيب/ 1/ 158. فإن يك/ 1/ خصيب/ 14/ 391. فانقض/ 1/ طيبا/ 5/ 14. أرشدني/ 4/ هديت/ 3/ 404. هل أنت/ 1/ لقيت/ 2/ 269- 13/ 97، 99. ألا يا عين/ 12/ هويت/ 14/ 601- 602. إن السماحة/ 1/ الحشرج/ 3/ 195. إليك/ 6/ العرج/ 4/ 7- 8. إذا حكم/ 3/ السروج/ 13/ 4. لججت/ 12/ النشيجا/ 3/ 16- 18. إن ابن/ 3/ صلاحا/ 4/ 11. آب/ 7/ الوساد/ 14/ 600- 601. آليت/ 7/ إفناد/ 14/ 593. تبارك/ 2/ هاد/ 14/ 48. جزى اللَّه/ 5/ أم معبد/ 5/ 205- 206، 208، 209، 213. أمسى/ 1/ البلد/ 1/ 217- 6/ 343. لا يستوي/ 3/ المساجدا/ 10/ 87. قل/ للقبيلة/ 3/ المسجد/ 4/ 16، 17. ويل أم/ 3/ وحدا/ 1/ 254. لولا/ 3/ عددا/ 13/ 272. أنا ابن/ 2/ الرد/ 11/ 335. باتت/ 7/ الجسدا/ 14/ 594. بنونا/ 1/ الأباعد/ 6/ 12. لما تشاجرت/ 11/ أسعد/ 4/ 108. متى يبد/ 2/ المتوقد/ 2/ 149. يا رب/ 8/ الأتلدا/ 13/ 373. يا عين/ 9/ أحمد/ 14/ 598 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 341 طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع بني مدلج/ 6/ محمد/ 12/ 124. ترك الضماد/ 7/ محمد/ 3/ 400. عجبت/ 7/ محمد/ 5/ 346. كأن/ 1/ محمد/ 14/ 390. وشق له/ 1/ محمد/ 2/ 146- 3/ 106- 11/ 171. ما بال/ 18/ الأرمد/ 14/ 592. بطيبة/ 46/ وتهمد/ 14/ 590- 592. كنا بخير/ 4/ هند/ 6/ 266. أبا عمرو/ 7/ الهجود/ 4/ 13. عين/ 5/ مفقود/ 14/ 600. أنا/ 1/ ثمود/ 14/ 389. واللَّه/ 3/ يزيد/ 6/ 158. يا عيني/ 5/ السيد/ 14/ 594. أشاب/ 8/ الفقيدا/ 14/ 601. لا هم/ 4/ التقليد/ 4/ 70. ستبدي/ 1/ بالأخبار/ 13/ 95. قد علمت/ 5/ زيار/ 1/ 311. نحن/ 1/ جار/ 9/ 203. ويها/ 3/ الدار/ 1/ 140. قالت/ 6/ حدار/ 14/ 536- 537. أأردت/ 3/ العيزار/ 4/ 31. يا سعد/ 3/ الأنصار/ 9/ 170. قالت/ 5/ استعار/ 14/ 537. في الذاهبين/ 5/ بصائر/ 9/ 68- 69. لو أسندت/ 1/ قابر/ 6/ 265. شهدت/ 9/ الحجر/ 3/ 351. نب/ 8/ سحرا/ 14/ 593. امنن/ 12/ ندخر/ 2/ 32. ميكال/ 1/ قادر/ 1/ 100 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 342 طرف البيت/ عدد/ الأبيات/ القافية/ الموضع لو كنت/ 1/ البدر/ 2/ 149. فإن رشيداً/ 1/ مصدراً/ 13/ 78. شهد/ 4/ بالغدر/ 13/ 218. ولا خير/ 2/ تكدرا/ 2/ 264- 11/ 372. تداركت/ 1/ منذرا/ 1/ 114- 6/ 267. تنصرت/ 6/ ضرر/ 14/ 248. قد علمت/ 5/ ياسر/ 1/ 311. وسبرة/ 2/ تيسراً/ 11/ 342. صرخت/ 13/ بشر/ 12/ 183- 184. أزار/ 3/ قيصرا/ 1/ 92. للَّه الحمد/ 8/ المطر/ 5/ 126. ألكنى/ 3/ المشاعر/ 6/ 304- 305. نحن/ 5/ مسعرا/ 3/ 402، 403. يا رب/ 7/ المسافر/ 4/ 92. ألم تر/ 9/ جنافرا/ 4/ 28- 29. وإنا لقوم/ 4/ تنفرا/ 11/ 372. ألا بلغا/ 2/ يتذكرا/ 11/ 342. كأن/ 2/ سامر/ 5/ 271. ألم تر/ 9/ لعامر/ 4/ 12. سل/ 1/ قمر/ 6/ 17. هذا الحمال/ 1/ وأطهرا/ 1/ 225- 8/ 324- 10/ 87. السماء/ 1/ مظهراً/ 2/ 264- 11/ 371. سماه/ 3/ ظهراً/ 1/ 227. لما رأيت/ 5/ الدور/ 14/ 594. شقيت/ 2/ شور/ 6/ 238. عيني/ 7/ تعذير/ 14/ 598. يا للرجال/ 12/ من غير/ 3/ 21- 22. كنت/ 1/ فقير/ 14/ 389. شمر/ 7/ تغيير/ 4/ 62 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 343 طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع شددت/ 4/ يلبس/ 6/ 192. يا راكب/ 2/ الفرس/ 12/ 163. اللَّه ربي/ 1/ بالمغمس/ 4/ 71. لو كان/ 5/ أنسى/ 13/ 279. أفي/ 1/ الحوائض/ 5/ 347. طلع/ 3/ الوداع/ 1/ 117- 9/ 202. نذود/ 3/ نتابع/ 7/ 183، 186. إن الذوائب/ 17/ تتبع/ 2/ 40- 41. وكنا/ 2/ يتصدعا/ 14/ 240. يا ليتني/ 4/ جذع/ 2/ 9. سائل/ 14/ واسع/ 12/ 118- 119. خذها/ 1/ الرضع/ 1/ 261- 8/ 381. تطاول/ 12/ جامع/ 14/ 595. لقد جمع/ 10/ مجمع/ 13/ 280. طحنت/ 12/ تدمع/ 12- 179- 180. بكت/ 6/ يسمع/ 12/ 180. نحن الكرام/ 9/ البيع/ 2/ 39- 40. قال النبي/ 20/ الغار/ 12/ 123- 124. وبنو المنذر/ 1/ بالسيوف/ 14/ 115. قضينا/ 4/ السيوفا/ 13/ 375. لم يغذها/ 2/ تعجيف/ 2/ 267. يا عين/ 8/ المصطفى/ 14/ 596. تكلم/ 3/ بالنفاق/ 13/ 218. نحن بنات/ 2/ النمارق/ 1/ 140. يا ناعي/ 4/ خرق/ 9/ 69. من قبلها/ 8/ الورق/ 3/ 194. تفاءل/ 1/ يحقق/ 13/ 96. يا خاتم/ 5/ هداكا/ 7/ 185. أفي/ 1/ العوارك/ 5/ 347 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 344 طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع يا ذا الكفين/ 3/ عباكا/ 2/ 21. بدلت/ 1/ أولئك/ 11/ 342. يا ذا/ 3/ عبادكا/ 5/ 314. شهدت/ 3/ تارك/ 4/ 10. صاحبك/ 4/ نفسكا/ 3/ 404. لا هم/ 7/ حلالك/ 4/ 69- 70. كفرانك/ 1/ أهانك/ 14/ 12. يا أيها/ 1/ يحمدونكا/ 5/ 110. فلم أسمع/ 5/ رجال/ 4/ 73. فعيناك/ 1/ طائل/ 4/ 264. ألم تر/ 2/ الجلائل/ 5/ 292. ما علتي/ 3/ بلابل/ 13/ 274. بكيت/ 8/ الأجل/ 6/ 303- 304. وأنزاها/ 4/ برجل/ 11/ 318- 319. أضر/ 2/ الأكحل/ 6/ 173. أتيناك/ 10/ الأزل/ 12/ 75- 76. جدي/ 14/ الأعزل/ 5/ 60- 61. نادى/ 2/ فانزل/ 6/ 226- 227. إن يك/ 7/ مرسل/ 3/ 20- 21. أتيناك/ 4/ الطفل/ 5/ 126. مضى/ 2/ فعل/ 5/ 340. لئن قعدنا/ 1/ المضلل/ 10/ 86. وإذا نظرت/ 1/ المتهلل/ 2/ 159. وأبيض/ 1/ للأرامل/ 5/ 126، 128. وأبيض/ 4/ للأرامل/ 5/ 127. أيا من/ 2/ جهل/ 6/ 230. الناس/ 2/ جهل/ 6/ 239. ما ولدت/ 3/ سهل/ 6/ 271. ما ينظر/ 1/ حجول/ 6/ 367 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 345 طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع أرقت/ 10/ طول/ 14/ 603. هنيئا/ 1/ بلال/ 9/ 110. عذ يا فتى/ 4/ الجلال/ 3/ 403. كسرت/ 3/ بتضلال/ 4/ 7. لولا/ 2/ بديل/ 14/ 389. يا حار/ 4/ بجبريل/ 10/ 11. ألا ليت/ 2/ وجليل/ 11/ 295- 296، 298، 301. يا أيها/ 12/ الأجسام/ 3/ 399. عيني/ 3/ بانسجام/ 14/ 365. إيها بني/ 2/ حام/ 10/ 6. يرد علينا/ 1/ الدم/ 5/ 14. أعيني/ 5/ منهدم/ 14/ 599- 600. ذكرت/ 2/ الحرما/ 5/ 343. أعيني/ 7/ هاشم/ 14/ 598. يا خير/ 2/ والأكم/ 14/ 615. سقاني/ 2/ مشكم/ 14/ 368. فليت/ 3/ عالما/ 13/ 279. فعلق/ 1/ وأظلما/ 13/ 96. إن ابن/ 4/ باللوم/ 14/ 248- 249. قبح اللَّه/ 6/ الأحلام/ 3/ 402، 403. يا أيها/ 4/ الأحلام/ 4/ 12- 13. أمسى/ 1/ الظلام/ 2/ 149. تداعت/ 3/ أيم/ 6/ 176. لا تعدمن/ 3/ لئيم/ 13/ 387. كفى/ 1/ حريم/ 8/ 142. صلى/ 3/ صميم/ 1/ 143. الحمد للَّه/ 6/ الأردان/ 4/ 46- 47. فر/ 1/ رضوان/ 14/ 390. لا تغترن/ 1/ شبان/ 12/ 263 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 346 طرف البيت/ عدد الأبيات القافية/ الموضع تنازع/ 1/ الشراكان/ 14/ 391. لبغضكم/ 4/ لئن/ 4/ 9. أصم/ 7/ العنن/ 4/ 61. إن العين/ 2/ مجنونا/ 12/ 101- 14/ 334. ما تنقم/ 3/ منى/ 1/ 105. وإذا/ 1/ جبرين/ 14/ 390. بسم اللَّه/ 1/ هدينا/ 1/ 226. أشاب/ 2/ القرينا/ 5/ 367. ألا/ 4/ أجمعينا/ 14/ 243. إنك/ 3/ ما لقينا/ 4/ 71. اللَّهمّ/ 7/ صلينا/ 9/ 303، 307، 308. واللَّه/ 3/ صلينا/ 2/ 269. فلست/ 1/ المسلمينا/ 13/ 284. هذا رسول/ 2/ النجاة/ 3/ 404. للَّه/ 6/ رحالته/ 14/ 336. اللَّهمّ لا خير/ 1/ المهاجرة/ 5/ 157- 10/ 83، 87. اللَّهمّ لا عيش/ 1/ المهاجرة/ 2/ 268. كيف/ 1/ نفره/ 14/ 391. أفلح/ 1/ مرة/ 4/ 323. أما ورب/ 2/ سورة/ 10/ 134. يا أيها/ 5/ الأربعة/ 3/ 398. إياك/ 6/ ثقة/ 3/ 398. قد ذقت/ 1/ فوقه/ 11/ 300، 301. اليوم/ 1/ أحله/ 6/ 107. إن تقدموا/ 3/ علة/ 1/ 386. كل امرئ/ 1/ نعله/ 11/ 295، 300، 301. خلوا/ 3/ رسوله/ 7/ 238- 9/ 19. خلوا/ 2/ تنزله/ 9/ 309، 313. أبا حكم/ 5/ قوائمه/ 12/ 124 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 347 طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع إنك/ 7/ الخندمة/ 1/ 386. أما الحرام/ 3/ دونه/ 4/ 39. قد علمت/ 2/ ناجية/ 5/ 110. عجبت/ 3/ بأقتابها/ 4/ 4. لا تقرعن/ 1/ فقدها/ 5/ 15. عجبت/ 3/ بأكوارها/ 4/ 4. عجبت/ 3/ بأحلاسها/ 4/ 3- 4. عليك/ 1/ مضجعها/ 11/ 168. أو كلما/ 1/ قالها/ 14/ 354. تبيت/ 3/ حميمها/ 12/ 317. أمست/ 8/ زينها/ 14/ 602. تلك/ 1/ أبوالا/ 11/ 334، 335. أأنت/ 3/ الأجبالا/ 4/ 71. أنت/ 4/ الأجيالا/ 4/ 73. أرهط/ 2/ الكهلا/ 1/ 114- 6/ 267. للَّه/ 4/ المخولا/ 1/ 142. أعيذ/ 3/ صحبي/ 4/ 33. يا حبذا/ 2/ وعوادي/ 1/ 389- 390. لقد خاب/ 9/ يغتدى/ 5/ 206، 213- 214. إن الّذي/ 2/ مهتدى/ 4/ 19. يا مالك/ 5/ إزاري/ 4/ 30- 31. أيا عز/ 3/ وشمري/ 14/ 12. ارفع/ 2/ جنى/ 2/ 265. ألا يا عين/ 6/ طاوعيني/ 14/ 596- 597. ألا يا عاذلا/ 2/ تهلكيني/ 6/ 176. ذريني/ 6/ تعذليني/ 6/ 176- 177. لم يبق/ 1/ يميني/ 1/ 158. ألا يا رسول/ 5/ هادياً/ 5/ 246. ويؤتى/ 1/ مواسياً/ 14/ 547. ألا يا رسول/ 10/ جافياً/ 14/ 597 الجزء: 15 ¦ الصفحة: 348 فهرس مصادر ومراجع التحقيق - القرآن الكريم. - حسان بن ثابت الأنصاري (شاعر الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم) (54 هـ-) : الديوان، تحقيق د. سيد حنفي حسين، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974 م. - عبد اللَّه بن العباس بن عبد المطلب (68. هـ-) : تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، ط. المكتبة الشعبية، بيروت، (د. ت) . - أبو عبد اللَّه، مالك بن أنس بن مالك (179. هـ-) : كتاب الموطأ، إعداد أحمد راتب عرموش، ط. دار النفائس، بيروت، 1400 هـ-. - أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعيّ (204. هـ-) : كتاب المسند، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، 1980 م. - كتاب الأم، ط. دار الشعب، القاهرة 1968 م. - أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (204 هـ-) : جمهرة النسب، رواية الشكري عن ابن حبيب، تحقيق د. ناجي حسن، ط. مكتبة النهضة العربية، القاهرة، 1968 م. - محمد بن عمر بن واقد (الواقدي) ، (207 هـ-) : كتاب المغازي، تحقيق د. مارسدن جونس، ط. عالم الكتب، بيروت 1966 م. - أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211 هـ-) : تفسير القرآن العزيز، (تفسير عبد الرزاق) تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي، ط. دار المعرفة، بيروت، 1991 م. - أبو محمد عبد الملك بن هشام المعافري (123 هـ-) : السيرة النبويّة، تقديم وتعليق طه عبد الرؤوف سعد، ط. مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة، 1978 م. - أبو بكر عبد اللَّه بن الزبير الحميدي (219. هـ-) : مسند الحميدي، تحقيق وتعليق حبيب الرحمن الأعظمي، ط. عالم الكتب، بيروت، 1382 هـ-. - الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام (224 هـ-) : كتاب الأموال، تحقيق وتعليق محمد خليل هراس، ط. مكتبة الكليات الأزهرية ودار الفكر، القاهرة، 1981 م. - محمد بن سعد بن منيع البصري (230 هـ-) : الطبقات الكبرى، تقديم د. إحسان عباس، ط، دار صادر، بيروت، 1968 م. - أبو بكر عبد اللَّه بن أبي شيبة الكوفي العبسيّ (235 هـ-) : الكتاب المصنف، ضبط وتصحيح وترقيم محمد عبد السلام شاهين، ط. دار الكتب، بيروت، 1995 م. - أحمد بن حنبل الشيبانيّ (241 هـ-) : المسند، ط. دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1991 م. - أبو محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن الدارميّ (255 هـ-) : مسند الدارميّ، طبع بعناية محمد أحمد دهمان، دار الكتب العلمية، بيروت (د. ت) . - أبو عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري (256 هـ-) : صحيح البخاري، وعليه حاشية الإمام السندي، ط. دار المعرفة، بيروت، 1978 م. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 349 - صحيح البخاري وعليه فتح الباري للحافظ ابن حجر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1989 م. - التاريخ الكبير، ط. مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1991 م. - التاريخ الصغير، تحقيق محمود إبراهيم زائد، ط. دار الوعي، حلب، 1977 م. - أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري (261 هـ-) : صحيح مسلم، وعليه شرح الإمام النووي، ط. دار القلم، بيروت، (د. ت) . - أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (275 هـ-) : سنن أبي داود، تعليق عزت عبيد الدعاس، ط. حمص، سوريا 1969. م، وعليه معالم السنن للإمام الخطابي. - أبو عبد اللَّه محمد بن يزيد القزويني [ابن ماجة] (275 هـ-) : سنن ابن ماجة، تعليق محمد فؤاد عبد الباقي، ط. عيسى الحلبي، القاهرة (د. ت) . - أبو محمد عبد اللَّه مسلم بن قتيبة (276 هـ-) : كتاب المعارف، تحقيق وتقديم د. ثروت عكاشة، ط. دار المعارف، القاهرة 1969 م. - الشعر والشعراء، تحقيق أحمد محمد شاكر، ط. دار التراث العربيّ، القاهرة 1977. - أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي (279. هـ-) : سنن الترمذي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، ط. دار الفكر، بيروت، 1389 هـ-. - الشمائل المحمدية، تعليق عزت عبيد الدعاس، ط. مؤسسة الزغبي، بيروت 1369 هـ-. - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي ابن بحر النسائي (303 هـ-) : سنن النسائي، وعليه حاشية الإمام السندي، ثم حاشية الحافظ السيوطي، ط. المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة 1348 هـ-. - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (310 هـ-) : جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ط. مصطفى الحلبي، القاهرة 1968 م. - تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. دار المعارف، القاهرة 1967 م. - أبو محمد أحمد بن أعثم الكوفي (314. هـ-) : كتاب الفتوح، ط. دار الندوة الجديدة، بيروت (د. ت) . - أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد (321. هـ-) : الاشتقاق، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، ط. دار الجيل، بيروت 1991 م. - أبو جعفر الطحاوي أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي المصري الحنفي (321 هـ-) : مشكل الآثار، ط. دار صادر، بيروت 1333 هـ-. - أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي المكيّ (322 هـ-) : الضعفاء الكبير، تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1984 م. - عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازيّ (327. هـ-) : الجرح والتعديل، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1371 هـ-. - أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (328. هـ-) : العقد الفريد، تحقيق د. مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت 1987 م. - أبو حاتم محمد بن حبان البستي (354 هـ-) : تاريخ الصحابة الذين روى عنهم الأخبار، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 350 تحقيق بوران الضناوي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1988 م. - كتاب الثقات، ط. دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد، 1973 م. - صحيح ابن حبان، بترتيب علاء الدين علي، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت 1988 م. - الإمام علي بن عمر الدار الدّارقطنيّ (358 هـ-) : سنن الدار الدّارقطنيّ، تحقيق السيد عبد اللَّه هاشم يماني المدني، ط. دار المحاسن، القاهرة 1966 م. - أبو أحمد عبد اللَّه بن عدي الجرّاني (365. هـ-) : الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق د. سهيل ذكار ويحيى مختار غزاوي، ط. دار الفكر، بيروت 1988 م. - حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي (388 هـ-) : معالم السنن، على هامش سنن أبي داود، تعليق عزت عبيد الدعاس، ط. حمص، سوريا 1969 م. - أبو هلال العسكري (بعد 395 هـ-) : جمهرة الأمثال، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد الحميد قطامش، ط. المؤسسة العربية الحديثة، القاهرة 1964 م. - أبو عبد اللَّه الحاكم النيسابورىّ (405 هـ-) : المستدرك على الصحيحين، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1990 م. - أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصفهاني (430 هـ-) : دلائل النبوة، تحقيق د. محمد رواس قلعجي وعبد البر عباس، ط. دار النفائس، بيروت 1991 م. - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ط. مطبعة السعادة، القاهرة 1974. - أبو محمد علي بن سعيد بن حزم الظاهري الأندلسي (456 هـ-) : أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد، تحقيق سيد كسروي حسن، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1992 م. - جمهرة أنساب العرب، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1983 م. - الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (458 هـ-) : دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1985 م. - شعب الإيمان، تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1990 م. - السنن الكبرى، ط. دار المعرفة، بيروت 1992 م. - أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر (463 هـ-) : الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق علي محمد البجاوي، ط. دار الجيل، بيروت 1992 م. - الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (463 هـ-) : تاريخ بغداد، ط. دار الكتب العلمية، بيروت (د. ت) . - أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي (468 هـ-) : أسباب النزول، ط. عالم الكتب، بيروت 1316 هـ-. - أبو عبيد عبد اللَّه بن عبد العزيز البكري الأندلسي (487 هـ-) : معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، تحقيق مصطفى السقا، ط. عالم الكتب، بيروت 1983 م. - أبو القاسم الحسين بن محمد (الراغب الأصفهاني) (502 هـ-) : المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كلاني، ط. دار المعرفة، بيروت (د. ت) . - الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (505 هـ-) : إحياء علوم الدين، تحقيق الجزء: 15 ¦ الصفحة: 351 سيد إبراهيم صادق، ط. دار الحديث، القاهرة 1992 م. - أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلميّ الهمذاني (509 هـ-) : الفردوس بمأثور الخطاب، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1986 م. - أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم النيسابورىّ الميداني (518 هـ-) : مجمع الأمثال، تحقيق وتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. دار الفكر، بيروت 1972 م. - القاضي عياض بن موسى اليحصبي (544 هـ-) : الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ط. دار الكتب العربية الكبرى، القاهرة 1395 هـ-. - أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللَّه السهيليّ (581 هـ-) : الروض الأنف، شرح على سيرة ابن هشام، تقديم وتعليق طه عبد الرؤوف سعد، ط. القاهرة 1971 م. - جار اللَّه محمود بن عمر الزمخشريّ (583. هـ-) : الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ط. دار المعرفة، بيروت (د. ت) . - الفائق في غريب الحديث، تحقيق علي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ط. عيسى الحلبي، القاهرة (د. ت) . - أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (597. هـ-) : الموضوعات تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، ط. المكتبة السلفية، المدينة المنورة، 1966 م. - تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، ط. مكتبة الآداب، القاهرة 1975 م. - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، تقديم الشيخ خليل الميس، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، 1983. - الضعفاء والمتروكين، تحقيق عبد اللَّه القاضي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1986 م. - صفة الصفوة، تحقيق إبراهيم رمضان وسعيد اللحام، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1989 م. - فخر الدين الرازيّ، أبو عبد اللَّه محمد بن عمر (606 هـ-) : مفاتيح الغيب (التفسير الكبير) ط. طهران (د. ت) - مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير (606 هـ-) : النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناجي، ط. دار إحياء التراث العربيّ، بيروت 1963 م. - جامع الأصول في أحاديث الرسول، تحقيق عبد القادر الأرنائوط، ط. دار الفكر، بيروت 1983 م. - أبو البقاء عبد اللَّه بن الحسين بن عبد اللَّه العكبريّ (616 هـ-) : إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جمع القرآن، تحقيق إبراهيم عطوه عوض، ط. دار الحديث، القاهرة 1992 م. - شهاب الدين أبو عبد اللَّه ياقوت الحموي (626 هـ-) : معجم البلدان، تحقيق فريد عبد العزيز الجندي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1990 م. - عز الدين الحسن بن الأثير (630 هـ-) : الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت 1979 م. - محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (676 هـ-) : الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1979. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 352 - تهذيب الأسماء واللغات، ط. دار الكتب العلمية، بيروت (د. ت) . - شرح صحيح مسلم، مراجعة الشيخ خليل الميس، ط. دار القلم، بيروت (د. ت) . - روضة الطالبين، حققه الشيخان: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1992 م. - أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (681 هـ-) : وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان مما ثبت بالنقل أو السماع أو أثبته العيان، تحقيق د. إحسان عباس، ط. دار صادر، بيروت 1978 م. - أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري (711 هـ-) : لسان العرب، ط. دار صادر، بيروت 1990 م. - شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم (ابن تيمية) (728 هـ-) : الصارم المسلول على شاتم الرسول، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1978 م. - أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن محمد ابن عمر (732 هـ-) : تقويم البلدان، ط. باريس 1830 م. - فتح الدين أبو الفتح بن محمد بن سيد الناس (734 هـ-) : عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، ط. دار المعرفة، بيروت (د. ت) . - صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي (739 هـ-) : مراصد الاطلاع عن أسماء الأمكنة والبقاع، تحقيق علي محمد البجلوي، ط. دار الجبل، بيروت 1992 م. - الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسيّ (739 هـ-) : الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، تحقيق شعيب الأرنائوط، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت 1998 م. - شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (748 هـ-) : المغني في الضعفاء، تحقيق نور الدين عتر، (د. ت) . - سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرنائوط، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت 1992 م. - تاريخ الإسلام، تحقيق د. عمر عبد السلام تدمري، ط. دار الكتب العربيّ، بيروت 1987 م. - شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقيّ [ابن القيم] (751 هـ-) : زاد المعاد في هدى خير العباد، تحقيق شعيب وعبد القادر الأرنائوط، ط. مؤسسة الرسالة 1994 م. - محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي الغرناط (754 هـ-) : البحر المحيط في التفسير، ط. دار الفكر، بيروت 1992 م. - أبو محمد عبد اللَّه جمال الدين بن يوسف بن هشام الأنصاري المصري (761 هـ-) : شذور الذهب في معرفة كلام العرب، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. المكتبة العصرية، بيروت 1998 م. - صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (764. هـ-) : الوافي بالوفيات، باعتناء هلموت ريتر، 1962 م. - محمد بن شاكر الكتبي (764 هـ-) : فوات الوفيات والذيل عليها، تحقيق د. إحسان عباس، ط. دار صادر، بيروت 1973 م. - أبو محمد عبد اللَّه بن سعد علي بن سليمان اليافعي اليمني المكيّ (768 هـ-) : مرآة الجزء: 15 ¦ الصفحة: 353 الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، ط. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1970 م. - أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقيّ (774 هـ-) : البداية والنهاية، تحقيق علي شيري، ط. دار إحياء التراث العربيّ، بيروت 1988 م. - تفسير القرآن العظيم، تقديم د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، ط. دار المعرفة، بيروت 1992 م. - أبو عبد اللَّه محمد علي بن أحمد بن حديدة الأنصاري (783 هـ-) : المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي، تصحيح وتعليق الشيخ محمد عظيم الدين، ط. عالم الكتب، بيروت 1985 م. - زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي (806 هـ-) : المغني عن الأسفار في الأسفار في تخريج باقي الإحياء من الأخبار على ذيل إحياء علوم الدين، ط. دار الحديث، القاهرة 1992 م. - مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (817 هـ-) : القاموس المحيط (بترتيب طاهر الزاوي) ، ط. عيسى الحلبي، القاهرة 1970 م. - بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، تحقيق محمد علي النجار ثم عبد العليم الطحاوي، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة 1986 م. - أبو الخير محمد بن محمد الدمشقيّ، والشهير بابن الجزري (833 هـ-) : النشر في القراءات العشرة، مراجعة الشيخ علي محمد الضباع، ط. دار الكتب العلمية، بيروت (د. ت) . - أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي (845 هـ-) : إمتاع الأسماع: الجزء الأول بتحقيق أحمد شاكر، ط. لجنة التأليف والنشر القاهرة 1941 م. - المقفى الكبير، تحقيق محمد اليعلاوي، ط. دار الغرب الإسلامي، بيروت 1991 م. - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852. هـ-) : الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق علي محمد البجاوي، ط. دار الجيل، بيروت 1992 م. - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1989 م. - لسان الميزان، ط. دار الفكر، بيروت 1988 م. - تهذيب التهذيب، ط. دار الفكر، بيروت 1984 م. - الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف، في ذيل الكشاف للزمخشري، دار المعرفة، بيروت (د. ت) . - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ط. دار الجيل، بيروت (د. ت) . - أبو القاسم علي بن عثمان بن محمد بن أحمد بن الحسن بن القاصح العذري البغدادي، من علماء القرن الثامن الهجريّ: - سراج القارئ المبتدي وتذكار المقرئ المنتهي، شرح منظومة حرز الأماني ووجه التهاني، لأبي محمد بن فيرة بن أبي القاسم بن خلف بن أحمد الرعينيّ الأندلسي الشاطبي، من علماء القرن السادس الهجريّ في القراءات السبع، ط. دار الفكر، بيروت 1981 م. - محمد بن عبد الرحمن السخاوي (902. هـ-) : المقاصد الحسنة في بيان كثير من الجزء: 15 ¦ الصفحة: 354 الأحاديث المشتهرة على الألسنة، تحقيق محمد عثمان الخشت، ط. دار الكتاب العربيّ، بيروت 1985 م. - الحافظ جلال الدين السيوطي (911 هـ-) : تاريخ الخلفاء، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1988 م. - أحمد بن محمد القسطلاني (923 هـ-) : المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، تحقيق أحمد الشامي، ط. المكتب الإسلامي، بيروت 1991 م. - علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان الفوري (975 هـ-) : كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط البرهان فوري، وتصحيح الشيخ بكري حياني، والشيخ صفوة السقا، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت 1986 م. - نور الدين علي بن محمد بن سلطان [ملا علي القارئ] (1014 هـ-) : الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، (الموضوعات الكبرى) ، تحقيق وتعليق محمد الصباغ، ط. دار الأمانة ومؤسسة الرسالة، بيروت 1971 م. - مصطفى بن عبد اللَّه القسطنطي الرومي الحنفي [حاجي خليفة] (1067 هـ-) : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، ط. دار الفكر، بيروت 1994 م. - أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (1089 هـ-) : شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ط. دار الكتب العلمية، بيروت (د. ت) . - محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري والأزهري المالكي (1122 هـ-) : شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1990 م. - إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي (1162 هـ-) : كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1988 م. - محمد بن علي الشوكاني (1225 هـ-) : فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، تحقيق سيد إبراهيم، ط. دار الحديث، القاهرة 1993 م. - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، ط. دار السنة المحمدية، القاهرة 1978 م. - أبو العلاء محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (1353 هـ-) : تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1990 م. - عمر رضا كحالة: معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت 1978 م. - أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت 1991 م. - خير الدين الزركلي: الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، ط. بيروت 1969 م. - الدكتور محمد حميد اللَّه حيدرآبادي: مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الرشيدة، ط. مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة (د. ت) . الجزء: 15 ¦ الصفحة: 355